عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - جنان بولص كوركيس

صفحات: [1]
1
عنكاوا..
 ألا تستحق ان تُقال بحقها.. كلمة حق؟!
"كلمة حق لابد ان تقال"..هذا هو المبدأ..هذا هو الحق..هذا هو العرفان.فلماذا اراكِ يا بلدتي  في العطاء سخية لكل من وطأت قدماه ارضك و استظل بخيمة حنانك وتنعم بدفء حضنك، في حين لا تلقين منه سوى العتب القاسي الذي قد يصل الى حد التجريح و الشتيمة، ولا يتوانى في كل محفل عن ان يرميك بحجر..حجر الحقد و الملامة و الجحود و الكراهية؟! فأنتِ بطبعكِ المعطاء لا تنتظرين كلمة شكر على ما تعتبرينه واجباً عليك، و لكن كلمة حق يجب ان تقال بحقك.."كلمة حق" التي تعلمنا ان نقولها حتى بحق من عادانا او اساء الينا.
مقولة سمعناها من الاجداد منذ القدم"عنكاوا خبزها فاهٍ""عنكاوا لوخماه باخيلى"، اي انه لا يغزر فيمن يأكل منه و يستطعم. ولكن اليوم غير الأمس..فأنتِ اليوم، شاء من شاء و أبى من أبى، أمٌّ رؤوم فتحت ابواب قلبها  قبل ذراعيها لكل من لجأ اليها و احتمى بمرافئ عينيها و قصدها في محنته، حيث العيش الآمن لايزال ممكناً في زمن التطرف و الارهاب*.
في الماضي القريب، جار على بلدتي (عنكاوا) عرابوها و انتزعوا ارضها و اقتطعوا قطعاً من فؤادها، ليهبوها- دون وجه حق- لأُناس من غير اهلها، فشجعوا النزوح اليها طمعاً بالفوز بقطعة من الغنيمة، فاجتاحتها امواج النازحين موجة تلو موجة، لمزاحمة اهلها في ارضهم و لقمة عيشهم، و بموجب ما يحكم السوق في كل انحاء المعمورة من العلاقة بين العرض و الطلب، ارتفعت الاسعار واصبح الغلاء سمة لعنكاوا.. استقروا فيها و حصلوا على اراض من عقارها و مارسوا كل حقوقهم و زيادة، لكنهم لحد هذا اليوم، لا تلقى عنكاوا و اهلها من العديد منهم غير الملامة و السخط و الجحود!. وهكذا بدا المخطط واضحاً لاخلاء العديد من بلداتنا الآمنة من ابناء شعبنا، لتصبح لقمة سائغة للطامعين فيها، فضاع تاريخهم و ضاعت بلداتهم بعدما احتلها الغرباء، وتغيرت بشكل جائر ديموغرافية عنكاوا الى حد كبير..و اليوم وبعد تعرض ابناء شعبنا للتهجير القسري في الموصل و بلدات سهل نينوى، عجت عنكاوا بموجات بشرية هائلة فاقت طاقتها على الاستيعاب، الا انها بالمحبة و نكران الذات وسّعت صدرها و احتضنتهم جميعاً، لأنهم تركوا بلداتهم عنوة  مخافة النحر أو الحرق او الاغتصاب، فاستقبلناهم بقلوب يعتصرها الألم، و لكن للاسف يا عنكاوا، اصبح بعض الوافدين اليك جارحين، وصار سلوكهم كسلوك ارنب بري! نسوا اننا (اهل عنكاوا الاصليين) ارتبطنا بجرحهم و حزنهم، نحمل معهم صليب العذاب لنخفف عنهم وطأة مأساتهم!.
نسوا ان بلداتنا التاريخية اختصرت في واحدة (عنكاوا)،لا نستطيع  التنبؤ في اي وقت ومن اي صوب و بأي قرار سيأتينا و يأتيهم الدمار و الهلاك .
نعم.. كلنا مجروحون و أنتم جرحكم اكبر، حزينون وأنتم حزنكم اكبر.. لكن عليكم ان لا تعظموا بعض المآخذ لدرجة ان تصبح سخطاً موجعاً للأم التي احبتكم بكل جوارحها، وعند ذكرها كونوا صادقين بحقها، ستكونون ابناءها المرحب بهم في كل زمان و أوان.
لذا يجب ان نتطهر جميعنا من سواد الحقد و حليب الكراهية العكر، و نجعل من عنكاوا الصغيرة وطناً يسع جميع الوافدين اليها من ابناء شعبنا المهجر قسراً، ومن الذين سكنوها بالامس طوعاً او طمعاً.
بخلاف ذلك، سنُفرح من اراد لنا المذلة و التشتت، و ستُعمى بصيرتنا عن تشخيص المسبب الحقيقي لمأساتنا و ابادتنا، لتدارك الحاضر الخطير و المستقبل المبهم الذي ينتظرنا.
فلنترك الصغائر كي لا تضعف وحدتنا، و لنتمسك بكل ما يوحدنا لنضمن بقاءنا بكرامة و عزّة، لنحيا حياةً نستحقها لأننا اصحاب هذه الارض وصانعو حضارتها، و لنا اليد الطولى و الدور البارز في ارساء اعمدة في حاضرها و مستقبلها.   
عنكاوا..وإن لم تُقال بحقك اليوم كلمة حق..فحتماً سيتذكر التاريخ غداً، بلدة صغيرة وديعة من بين بلدات شعبنا تدعى (عنكاوا)، قد فتحت يوماً قلبها و ذراعيها و مقابرها لتحتضن كل من التجأ اليها حياً او ميتاً..

جنان بولص كوركيس

*كُتب هذا المقال قبل حصول التفجير الارهابي في عنكاوا!!

2
يا ابناء جلدتي..
 اخشى ان تكون نهاية المشوار قد أزفت!
يبدو ان الحس التشاؤمي عندي قد فاق الحد.. هذا ما يستشفه القارئ من عنوان هذا المقال.. فأنا مُذ وعيتُ على هذه الدنيا، ارى شعبي ينكمش، يتقلص، يُختصر و يختزل يوماً بعد اخر، و كأنه لا يخضع لنظرية  النمو السكاني الطبيعية، وكأن الولادات فيه قد توقفت او تلاشت.
نكبة تلو نكبة، تهميش وتغيير ديموغرافي، نكران جميل على كل المستويات، معاناة مستمرة، حرية مستلبة، حقوق مهضومة، نظرة دونية، فقدان المساواة و العدالة  الاجتماعية، مواطنة من الدرجة الـ(    )، الحلقة الاضعف، و اخيراً(ن).. اننا نعيش في زمن ملؤه القبح و الخيانة، لذا قد نجبر على ان ننهي مشوارنا في وطن نحن اصحابه قبل ان يفترسنا عصر الايديولوجيات و المذاهب و الفتاوى الجائرة.
عندما حلت الفاجعة الكبرى، بطرد اصحاب الارض منذ الاف السنين من ارضٍ تعبق برائحة الاجداد و انفاسهم، ارض حبلى بكل ما يحكي عن اصالتهم و عمق تجذرهم، لم يمهلهم الغاصب الآتي من العصور الغابرة، حتى ولو بالقاء نظرة وداعية على قبور موتاهم، او الوقوف هنيهة للتحسر على كل ما  صمّدوه و ادّخروه بعرق جبينهم، او التأمل في ذكريات العمر في مرتع طفولتهم و صباهم و شيخوختهم. حملوا صليب عذاباتهم فوق ظهورهم و ولّوا هاربين لا يلوون على شيء..
-   يقولون: "اننا نفهم احزانكم يا (اصلاء)، و نتعاطف معكم"!!
ادانات متفاوتة الشدة و المصداقية لعمليات التهجير القسري او الابادة الجماعية (ان صح التعبير)..
 محللون و منظرون مسترزقون ازدحمت بهم الفضائيات، فالكل اصبح اليوم يدلي بدلوه في بئر (مأساتنا)، من طفل او ابسط انسان تصادفه في الشارع الى المثقف و العالم و المتبحر في مثل هذه الشؤون. فأنا شخصياً كنت  سابقاً ابدي رأيي في ما حصل لشعبنا في حلقات نقاش لا تنتهي كلما اجتمعنا، اما اليوم فقد تغيرت نظرتي تماماً..إذ ماجدوى النقاش.. ماجدوى البحث عن العلة..ما جدوى ان يكون رأيي صائباً.. فكل الاحتمالات واردة، و كل العلل واردة، و كل التفسيرات منطقية لظرف غير منطقي.
كيف حصلت المأساة؟ و من وارءها؟، و كم ستدوم؟ و من هو العدو المغتصب؟ و من هو الصديق الصدوق و الجار المخلص؟ كل يوم تسقط اقنعة و اوراق توت و تتعرى الخيانة، و لكن دوماً العقاب غائب و مفقود.
الكل بات متيقناً من ان هذه اللعبة السمجة التي عصفت بابناء شعبنا، قد تنتهي بقرار سياسي  في هذه اللحظة، او بعد اشهر، او تمتد لسنين، حسبما تقتضي مصالح الحيتان الكبيرة بالوصول الى مآربهم الدنيئة و تنفيذ ما خططوا له و شرّعوه، الى ذلك الحين سيبقى شعبي مقيماً في الخيم و الكرفانات و حقائب السفر، يتجرع الذل و الهوان، يحلم او قد لا يحلم بالعودة المشروطة بحماية دولية، مخافة عودة الزائر الغامض بنفس الصورة او بصورة ابشع.. فالسُكنى في بلداتنا اصبحت كالسُكنى على حافة بركان، لا نعرف متى يهدأ و لا نعرف متى يثور، يتحكم بهذا تصارع و توافق مصالح لا ناقة لنا فيها و لا جمل!.
قد ابدو غير موضوعية في طرحي هذا في نظر البعض، و لكن اتساءل:كيف اكون موضوعية حين يكون شعبي هو الموضوع، و هو الجرح و هو الحزن و الالم؟
 قالوا لنا قديماً: "سوف يدور الزمان عليكم كما دار علينا، و سوف تقولون في ذات يوم حزين: سلام على الوطن يوم يموت و يوم يبعث حيّا".
جنان بولص كوركيس

3
قالها يوماً (عادل امام) لمصر.. نقولها اليوم لعنكاوا
جنان بولص كوركيس
.. (لو كل واحد عزّل عشان ساكنه تحته وحدة رقاصة، البلد كلها حتبات في الشارع)
مقولة للكوميديان الكبير "عادل امام" قبل اكثر من (38) عاماً، و تحديداً في مسرحيته الذائعة  الصيت و الخالدة في الاذهان الى يومنا هذا (شاهد ما شافش حاجة).. اضحكتنا هذه المقولة كثيراً، و جعلتنا للاسف، نرسم من خلالها صورة سلبية لـ(مصر).. صورة لا نرضاها لبلدنا او لبلدتنا، لأن الرقص الشرقي لا يزال ينظر اليه و الى ممتهناته نظرة دونية في مجتمعاتنا الشرقية، مع احترامي الشديد لجميع انواع الفنون و بضمنها الرقص الشرقي الموغلة جذوره في القدم، الاّ ان هذه هي الحقيقة بعينها.
 الذي استوحيناه نحن كمشاهدين لمسرحية عادل امام الآنفة الذكر، هو ان مصر هي بلد الراقصات الشرقيات، بسبب فداحة عدد النساء المحترفات لهذه المهنة المحتقرة اجتماعياً في بلداننا، و ذلك لكسب قوتهم و انتشال عوائلهم من براثن الفقر، لئلاّ يفتك بهم وحش الجوع الكاسر و يهلكهم.
لطالما كان (النفط) هو العمود الفقري لاقتصاد بلدنا، الا ان مصر تفتقر الى هذه الهبة الطبيعية، فلذلك تعاني من ضعف في اقتصادها الى جانب الزيادة المفرطة في عدد سكانها، (عادل إمام) صوّر لنا (الرقص الشرقي و ما يعنيه ضمناً)، و كأنه هو نفط مصر و أحد اهم اركان اقتصادها!.
كم يحزنني ان أقول بان مقولة  "عادل امام" تلك، باتت اليوم تناسب الى حد ما، لتطلق على بلدتنا الطاهرة عنكاوا! هذه البلدة الابية التي لطالما حصنت نفسها من العهر و التفسخ الاخلاقي، و صانت سمعتها رغم عاتيات الزمن.
بدون شك، ان العَوَز و الفقر هما السببان الرئيسيان في الحالة التي وصفها (عادل امام) في مصر، الا ان ما حصل لعنكاوا ليس لذات السبب، فالوضع الاقتصادي جيد بالعموم، و لكن ما حصل بعد السقوط و ما زال يحصل في عموم العراق، أرخى بظلاله الثقيلة و القبيحة على بلدتنا التي ساقها عديمو الضمير للذبح مثل الماشية، و ذبحوها من غير دماء، وزرعوا  الرذيلة مثل السوس  في كل ازقتها و حاراتها، فتحوا ابواب عنكاوا على مصراعيها ليأووا شبكات الرذيلة  النازحة من المحافظات العراقية الساخنة  باحداثها، و سمحوا بفتح بارات و نوادٍ ليلية  و تشييد عدد كبير من الفنادق، رغم انف اهلها و بالضد من ارادتهم.. صمّوا آذانهم كي لا يسمعوا صرخة الرفض و الاحتجاج على تدنيس بلدتنا التي احتضنتنا و ارضعتنا العفة  و النقاء..
 الا يحق لنا ان نتساءل و السؤال مشروع: لماذا لا تزاول الرذيلة بعيداً عن بلدتنا؟ ألأن (عقيدة) أهلها بنظرهم تسمح (لاسامح الله) بممارسات تحرمها العقائد الاخرى ؟! يبدو ان هذه النظرة السلبية الخاطئة و المتجذرة في أعماق الآخر، جعلتنا الحلقة الاضعف في كل شيء!.
 بعد ما تسلم امور بلدتنا الادارية طاقم اداري جديد، قطع وعداً على نفسه، بكشف و ازالة  تراكمات السلف المفسد و مخلفاته في عنكاوا، و طلب من الأهالي جمع التواقيع اللازمة لقيامه بذلك.. و استجابة لمطلب جماهيري ملح، بادر الى غلق عدد من البارات و الكافيتريات المشبوهة و المخالفة لشروط السياحة، فاستبشرنا خيراً، و استمر جمع التواقيع و رفعها الى المسؤول الاداري،  أملاً  في ان يبرّ بوعده في تنظيف البلدة من كل ما هو دخيل و مسيء اليها و الى تاريخها و سمعتها و كرامة اهلها الطيبين، لكن سرعان ما صُدمنا بتململ المعنيين و تراجعهم عن اكمال ما بدؤوه و انسحابهم من الميدان، مبررين موقفهم هذا بشتى الاعذار الواهية، فانطبق عليهم المثل الشعبي( مثل خيل الشرطة، بَس أوّل هدّه).. فكانت خيبة أمل كبيرة، فازداد عدد الاوكار و البيوت التي تمارس فيها الرذيلة من قبل الدخلاء و المحمية من قبل (الأكابر)، الى جانب هذا ازداد و بشكل ملحوظ، عدد البارات و المطاعم المشبوهة و الفنادق الشاهقة بين البيوت و في قلب البلدة المغلوبة على امرها، و التي غدت اليوم خمارة كبيرة و وكراً رهيباً يمارسون فيه الفحشاء، ثم يغادرون (أنقياء)! تاركين  قذارتهم في بلدتنا!!.
فلو (عزّلت) كل عائلة في عنكاوا بجوارها او تحتها او فوقها (وكرٌ للرذيلة بكافة مسمياته) و بات افرادها في الشارع، لبتنا جميعاً في الشارع (حسب مقولة عادل امام)!. و لكن حتى الشوارع ليست مستعدة لإيوائنا!! فهي تعجّ ببنات الليل (من جنسيات مختلفة) و زبائنهم! فالشارع و الليل اساسيان في مهنتهم و كارهم..
 يا اهلي و يا بلدتي.. رحم الله الكرامة!! رحم الله الغيرة و المرجلة!! ماذا نفعل كي نتخلص من فائض الحزن في داخلنا؟ كي نتحرر من زمن القبح و الظلمات؟ كيف نرمم هذا الخراب و نزيل هذا الفساد  الكبير الذي يتراكم يوماً بعد آخر، حتى نعيد لبلدتنا نقاءها و عافيتها؟!.
كلامنا اصبح هشيماً تذروه الرياح.. و ارادتنا اصبحت مسخاً يثير التقزز و العجب.. ساستنا الذين يحلقون فوق البشر، يريدوننا ان نكون شعباً سلبياً منقاداً، لا يعلو لنا صوت على صوتهم و ارادة ضد ارادتهم، يقولون ان ما يحدث لبلدتنا هو (تطور و تمدن)، علينا ان نتقبله و بلدتنا! و نقرأ على ما كنا و ما كانت عليه عنكاوا الف سلام!.

4
هل حقّاً عقرت عنكاوا؟!

                                                                                                                         جنان بولص كوركيس
مما لا شك فيه، ان تجنياً شنيعاً فادحاً جرى على عنكاوا، ارضاً و شعباً و ديموغرافياً، كما جرى تلطيخ سمعتها التي كانت نقية كالبلور، بعمليات دنيئة و مخالفة للقوانين دوماً، و التي اجروها في غياهب الظلام و في العلن، لتقطيع اوصالها و نهش لحمها و تدنيس قدسيتها، بمباركة من اهل النفوذ و السلطة، و بمساندة اولي المصالح و المطامع اللامتناهية، و بايدي فئة ضالةٍ من اهلها، اعماها الجشع و الاثراء السريع، فأصبحت اداة طيّعةً تنفذ بامتياز رغبات اسيادها، فئة افرادها ماتت ضمائرهم فتورطوا بملء إرادتهم في ذبح (عنكاوا) و تقطيعها ارباً اربا، ثم بدؤوا بتوزيع اوصال الذبيحة فيما بينهم و بين اسيادهم. و في خضمّ عملهم المشبوه هذا، حاولوا استئصال رحمها المبارك الولود، الذي لطالما انجب اجيالاً من الخيرين الاصلاء، من ذوي الضمائر الحية و العقول النيرة، الذين اشرأبت اليهم أعناق من حولهم و اشاروا اليهم بالبنان، اعجاباً  و احتراما، و للأسف الشديد، هذا الرحم نفسه هو الذي انجبهم و آواهم! و لكنهم ركبوا العقوق و خانوا (الرحم ) و اعتنقوا الخسّة و الدناءة.. ثم رفعوا الكؤوس و شربوا نخب  اتمام المهمة بنجاح منقطع النظير.. لقد اجهزوا على عقار عنكاوا بكامله  ووزعوه فيما بينهم،  و شملوا بالغنيمة اهل بيتهم، و احبابهم، و اقربائهم، و حاشيتهم، و الموالين لهم في طغيانهم من الدخلاء و المتملقين..  ووزعوا فتات وليمتهم على (الشبيبة العنكاوية) وفق ضوابط عجيبة غريبة لا تنضوي تحت اي قانون في هذا المضمار.. ثم قالوا لنا باعلى صوتهم: "لم يبق شاب او شابة في عنكاوا لم يحصل على قطعة ارض سكنية"، و غسلوا ايديهم بالماء و الصابون ثم ناموا رغدا.. ظناً منهم انهم (اعقروا) عنكاوا، فلم تعد تلد، بل صارت عاقراً.. و لكنّهم خسئوا! فان العمل الدنيء الذي قاموا به هو الذي عَقُر عقراً فلم ينتج عاقبةً طالما تمنّوها.. و ما لبث ان تبدد ما توهموه و تلاشى.. ها هو اعلان اثلج  قلوبنا و قرت به عيوننا.. اعلان صادر عن ( نادي شباب عنكاوا الاجتماعي )، اطلقه شباب و شابات عنكاوا يخزون العين، قامات يافعة علا صوتها للمطالبة بحقها المشروع في قطعة ارض سكنية في ارض الآباء و الاجداد الطيبين، لمناهضة رياح الهجرة الهوجاء، التي لا زالت تهب على بلدتنا بين الحين و الحين،  وتحمل معها في كل هبّة لها باقة من شبابنا الاعزاء، لترسو بهم بعيداً  في ارض الشتات، تاركةً حضن امهم الكبيرة (عنكاوا) خاوياً بارداً يرنو الى البعيد بعين دامعة و نظرة ملؤها العتاب و الوجع، و لتترك غصّة في حلق كل أمّ انجبتهم ذُخراً مستقبلياً لشيخوختها و املاً واعداً لبلدتها.
هذا الاعلان، يدعو الى حصر اسماء جميع الشباب و الشابات الذين يستحقون امتلاك قطعة ارض في بلدتهم، اسوة باقرانهم ممن سبقوهم و وفق الظوابط التي وضعتها بلدية عنكاوا السابقة، التي تم ازاحتها بموجب حملة الاصلاح التي اطلقها رئيس الاقليم.
اذن.. لقد خاب ظن الذين توهموا بانهم اعقروا عنكاوا، فلم يعد بامكانها انجاب شباب يفضحون ما اقتُرف بحقهم و بحق ارضهم و بلدتهم. ها هو  الرحم الشريف الذي طالته سكاكين الجزارين، يتعافى و يستعيد نشاطه و عافيته، و ها هي ثماره المباركة، يعلو صوتها الذي سيكون و قعه كالسياط تجلد ضمائر الجلادين.. اين حقهم؟ و اين حق الاجيال التي  ستليهم؟ فالرحم و لودٌ على مر الزمان..
و على من حلّ محل الذين كانت بأيديهم امور عنكاوا من ادارة و بلدية و مسؤولين و احزاب، الاجابة على هذا السؤال المنطقي جداً.. انه حقاً امتحان للضمائر الحية، و سننتظر مع الشباب الاجابة المنصفة.

5
اخشى ان نكون واهمين !
جنان بولص كوركيس
مقولةٌ في مرحلة الصبا بحماس منقطع النظير حفظناها.. في القلوب والألباب اسكنّاها.. و كأننا حظينا بكنز من المعرفة لا يضاهيه كنز من الماس والذهب.. نتباهى بها و نزداد اعتداداً بأنفسنا، اذا ما حسمنا بها حواراً أو نقاشاً حول مطالب شعب أينما كان على الكرة الأرضية، وهذا النقاش غالباً ما كان يدور حول حق تقرير المصير للشعب الكوردي على نطاق العراق، و للشعب  الفلسطيني على نطاق (الوطن العربي)، ونختتمه بهذه المقولة التي حروفها دُرَرٌ و مضمونها حماسيٌ جبار "إذا الشعب يوماً أراد الحياة
                                                   فلابد ان يستجيبَ القدر
" "
 ونصمت.. فلا كلام بعد هذه المقولة يقال.. مقولة كالمسك يُختتم بها السجال.. و لا تُردُّ و لو بأعتى الحجج و الاقوال...
 ماذا كان يقصد الشاعر حينها (بالقدر)؟ القدر الذي (لابُدَّ) ان يستجيب لارادة الشعوب و تضحياتهم .. و قناعته بـ (لابُدَّ) لم تأتِ جزافاً، بل كانت مبنية على براهين على ارض الواقع، كتحرر شعوب من مغتصبيها و كسر القيود و انجلاء الظلمات و الطغيان .. يبدو ان قدرنا نحن اليوم غير قدرهم!  قدرنا حكومات كالسيوف مسلطة على رقابنا. قدرنا هم الصيارفة الذين تقاسموا اوطاننا و تقاسموا مصيرنا.. قدرنا هم الذين يريدون أن يرثوا الأرض و ما عليها.. قدرنا هم الذين يتتبعون كل رافض أو معارض لسياساتهم النتنة و حماقاتهم و انحطاطاتهم، حتى يتم تدجينه، أو اسكاته، او تصفيته.. قدرنا هم الذين جعلوا من أقزامنا ادعياء و من اشرافنا أذلاء.. هم من تنكروا دوماً لمطالب الشعب العادلة حين خرج من غرفة التخدير التي طال بقاؤه فيها، و بدأ يستعيد وعيه الوجودي و السياسي و الثقافي، و يسترد تفكيره المحجوز عليه ، و ادرك أن وضعه الجديد سيحتاج الى كلام جديد و فكر جديد و سلوك جديد في آن واحد، و هذا لا يأتي إلا بثورة جديدة.
و هذا ما حصل فعلاً في عموم (الوطن العربي).. فجاء (أو جيء بـ) ما يسمى بالربيع العربي أو (خريف شعبنا)، و اشتعلت الشعوب غضباً، و جاء الطوفان الذي جرف بعضاً من الحكام الذين بدؤوا يتقهقرون الواحد تلو الآخر، فمنهم من قضى و منهم من ينتظر..
شعوبنا كلها في مخاض على كل الاصعدة ، بانتظار الولادة الكبرى.  وبما اننا آمنّا و بعمق بـ ( اذا الشعب يوماً... )  فالموت صار شهادة يرومها  الشيب و الشباب، من أجل حمل (القَدَر) على الاستجابة و تحقيق ارادة الشعوب في ازاحة الحكام المستبدين الطغاة، و من اجل أن تتنفس الشعوب هواء الحرية النقي و تفتح أبواب الوطن لشمس العدالة و الحقيقة الساطعة.
كثيرةٌ هي القناعات التي تزعزعت في داخلنا ..  كثيرة هي الثوابت التي فقدت ثبوتيتها .. لا أدري أين تكمن العلّة في هذا؟ هل هي فينا أم في القدر؟
بتنا نشكك في أن تكون إرادة الشعوب هي الوسيلة التي لا جدال فيها لاستجابة القدر.. اكاد ارتعب عندما أفكر بأن قناعتنا تقودنا الى الايمان بما كان يعتقده البُسطاء السُذّج (المكتوب على لوح القدر أو الجبين، لازم تشوفه العين).. و أخشى أن لا يكون كاتب هذا المكتوب (أستغفر الله) خالقنا ، بل القوى العظمى!! و إرادتنا هي وهمٌ تُحييه و تُميته وقتما تشاء و حسبما تقتضيه مصالحها..
فالربيع العربي أو خريف شعبنا، و الديمقراطية المزعومة و اسقاط الحكام الطغاة، و مجيء الحكومات الجديدة ، و خلق المعارضة و اماتتها، و رفع كفة مكون على حساب المكونات الأخرى، و سطوع نجم و أفول آخر.. كلها لا تحدث الا بارادة القوى العظمى (المايسترو)، التي أدارت و تدير العالم دون سواها..
و فيما يخص (شعبنا) ، يبدو ان كل الاحداث من حولنا تجري وفق خطة ممنهجة، مدروسة و منظمة، لتفريغ الشرق الأوسط من سكانه الأصليين، و لا زالت المسيرة المؤلمة تدور فصولها  و تعلن خطر التشتيت و الفناء.      يبدو ان مقولة الشاعر: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة ......" قد أصبحت "expire" أي انتهت صلاحيتها و وهن مفعولها، فلم تعد تناسب عصراً كعصرنا..


6
المنبر الحر / دعه هو يسعى اليك!!
« في: 00:13 06/12/2011  »
دعه هو يسعى اليك!!
                                                                                                                          جنان بولص كوركيس

في بلد مثل بلدنا، تُسقى فيه الجماهير الولاء للانظمة بالملاعق الكبيرة.. في بلد يستعذب القمع، حيث الغني يأكل الفقير، و الكبير يأكل الصغير، و النظام يأكل النظام.. و في زمان مثل زماننا مضرج بالبشاعة و الفساد و النفاق و المحاصصة.. زمان جعل من اقزامنا ابطالاً و من اكفائنا اذلاء.. هذا الزمن الذي اكل نصف ضمائرنا (ان لم نقل كلها) فيه الحق و القانون و الثقافة و الكرامة و النزاهة و.. و..  في غروب. زمان فاقت فيه تسعيرة غير الكفوء تسعيرة الكفوء، وتسعيرة المرائي و المداهن و الفاسد تسعيرة النزيه و الشفاف و النقي.. و اصبح الميزان أو المقياس الحقيقي هو مدى الانتماء و الولاء الى احزاب السلطة المتنفذة..

هناك بون واسع و فرق شاسع بين ان تسعى انت اليه او يسعى هو اليك.. هذا هو "المنصب الرفيع او الكرسي". "المنصب"، هذا الساحر الفتان..يخلب العقول و الالباب و لذكره يسيل اللعاب. عند البعض المولع بالمنصب الفوز به هو منتهى المنى.. اعتلاء المناصب الادارية عادةً يكون عن طريق (التعيين)!! فالكفوء و المقتدر و المناسب لمنصب ما، عليه ان لا يحلم بالفوز به اذا لم يكن منتمياً الى احد احزاب السلطة المتنفذة.. وان كان منتمياً، فقوة ولائه و طاعته العمياء هما الكفيلان بفوزه بـ "المنصب" الذي سعى اليه ( بكل السُبُل) دوناً عن اقرانه المنتمين.. لا ضير ان يعتلي "المنصب الرفيع" مَنْ كان "منتمياً"، على ان يكون: كفوءاً و مناسباً لمنصبه.. لصيقاً بواقعه، يعد الجماهير بأن يكون مكشوفاً كالكف و شفافاً معهم.. ليس له بضاعة للعرض و اخرى للتهريب.. يتخذ عيون الناس و نبض الشارع مرايا عاكسة  يرى فيها وجهه، و يعتبرها بوصلة تدله على موقعه في الزمان و المكان.. يؤمن بالقانون و النظام، و انضباط مع النفس و رقابة  صارمة على الذات، و يشعر بأنه مسؤول عن ترميم الخراب الكبير الذي يتراكم كل يوم، ويتعهد بجرف كل الفساد المالي والاداري الذي خلّفه مَنْ سبقه، لا ان يهادنه و يقيم صداقة معه.

ان يكون مسؤولاً لا ينحني.. و لا يعرف النفاق، نقيّاً تقياً عزيز النفس و الكرامة.. رجلاً لديه رؤىً و افكار و مخططات اصلاحية يحلم بتنفيذها  اذا ما استلم السلطة.. و ان لا يكون الوصول يوماً غايته.

ترى هل سيُترك على سجيته مَنْ كان بكل هذه المزايا عندما يصبح مسؤولاً؟! هل سيُسمح له بتطبيق القانون على الجميع و بدون استثناءات او اعتبارات او املاءات فوقية؟ قطعاً الجواب "كلا"..لأنهم هم اولياء نعمته و هم مَنْ عيّنوه و نصّبوه، فكيف سيتقبلون عدم طاعته لاوامرهم و تنفيذها عن طيب خاطر و ان كانت غير قانونية او (استثنائية)؟. أ فَلمْ يتم اختياره للمنصب على اساس الولاء التام؟ أ فَلـمْ يسعَ هو الى هذا المنصب و يتودد اليهم للفوز به دون غيره من طلاب المناصب الذين هم كُثر هذه الايام؟ فبأي وجه سيعصي لهم امراً و ان كان القانون بجانبه؟ و من اين ستأتيه الشجاعة و الجرأة ليرفض طلباً غير قانوني لهم رفضاً قاطعاً و هو متيقن تماماً من فداحة الخسارة التي سيُمنى بها ألا و هي خسارة  "منصبه" و حلم حياته؟!.

دعونا نحلم و نحلق عالياً في فضاء الاحلام، و نفترض جدلاً ان المسؤول الجديد صمد بوجه كل هذه الامواج العاتية و كل هذه الاغراءات المادية و الامتيازات الموعودة، و قال "كلا" لن انحني و لن ارضخ و لن اساوم على الحق، و لن احيد عن القانون مهما كانت النتائج..
دون شك، سيُنحّى عن منصبه.. لكنه يقيناً سيعتلي عرش قلوب الجماهير التي وثقت به و ساندته على نصرة الحق و الثوابت الاخلاقية التي امتلكها بنشأته و تربيته السليمة، ملكاً متوجاً بتاج حب الناس و احترامهم..صحيح ضحى بحلمه الذي سعى لتحقيقه،  لكنه سيبقى بطلاً في عيون الجميع _ عدا اسياده _  و سيدخل التاريخ لتروى قصته للأجيال القادمة، قصة مسؤول قال "لا" للفساد و المفسدين و ضحى بمنصبه بوازع من ضميره الحي.

كم نسبة مثل هكذا مسؤول في بلدنا؟ انها معدومة او تقترب من العدم.. اليوم، كل ما سيفعله المسؤول الجديد (على الارجح) هو ان يشرح باستحياء شديد و بصوت يرتجف وجلاً،  وجهة نظره الداعمة لمطالب الجماهير التي كان هو املها المرتجى، لكنه سيصطدم برفض قاسٍ (من قبل أولياء نعمته) و تذكيرٍ بإفاء الدّين الذي في عنقه بكيفية وصوله الى هذا المنصب الذي سيدر عليه الخير الوفير، ليعود خائباً خجلاً من مواجهة نفسه قبل مواجهة الاخرين.. ثم يبدأ بالتنصل من وعوده الوردية في محاربة المفسدين و نصرة المظلومين بحجة ان "الامر ليس بيدي، انها اوامر فوقية".. يوماً بعد آخر سيتم تدجينه و تدريبه على موت الضمير و استحلاء الثراء السريع، فيصبح اداة طيعة بيد اولياء نعمته و يفوز برضاهم و ببركتهم .. و يلبس القناع ليخفي حقيقة وجهه الجديد عن الناس و الجماهير التي خيب امالها، الى ان تُنسى ملامحه الاصلية التي عُرف بها، و يتحول الى انسان اخر لا نعرفه، شديد الشبه بالذي سبقه، و كأنه نسخة مستنسخة عنه!! و هذا ما اراده له مَنْ اجلسه على الكرسي.

لذا فمن يجد في نفسه كفاءةً لخدمة المصلحة العامة من خلال منصب معين، من الأفضل له ان لا يسعى هو اليه.. بل ينتظر ان يُعرض عليه "المنصب"، عندئذ يحق له ان يشرط و يشترط دون خوف او خجل، و يجعل القانون و الحق سيدا الموقف.. وان ساوموه بامتيازات او مغريات ليحيد عن ثوابته، فعليه ان يرفض ما عرض عليه و يترك المنصب، و باتخاذه هذا القرار يكون قد حقق اهم انتصار.

7
عليهم ان يدفعوا (الفاتورة)
جنان بولص كوركيس
"يوم الحساب قد يُكرم المرء أو يُهان".. الحساب في الدنيا والحساب بعد المنيّة.. فالأخير يكون طي الكتمان، بينك وبين خالقك، أي ان تفاصيله ونتائجه تُحجب عن أهل الارض الى يوم القيامة، والقصاص أو الثواب الذي تتلقاه لا يستطيع بشر ان يعرفه، بل من الممكن فقط التكهن به. فإن كان قصاصك قاسياً ومذلاً وطويل الأمد، يبقى سراً وتبقى أنت بمنأى عن الفضيحة والشماتة والملامة.
أما الحساب الدنيوي، فهو يمثل اليوم الذي تغادر فيه منصباً كنت تشغله في حياتك، فإن كان عادياً، فعند تقاعدك عنه أو تركك له بإرادتك أو ازاحتك عنه لسبب ما، الحساب عندئذ لا يتعدى حصولك على (براءة الذمة)، وإن كان في ذمتك شيء، تُطالَب بتعويضه وينتهي الأمر.
وكلما كان المنصب أو الوظيفة اكبر وأكثر حساسية، كوظائف الدرجات الخاصة من نواب في البرلمان و وزراء ومدراء عامين والوظائف السيادية، وغيرها من المناصب التي تتحكم في صنع القرار وتشريعه وتنفيذه، والتي تتحكم بمصير الوطن والمواطن، وطغى سحر كرسي المنصب على ضعاف النفوس من جُلاّسه، وسلب ذمتهم وضميرهم، ليصبحوا مرتعاً للجشع والفساد والظلم، فيدخلون عندئذٍ ضمن شبكة عنكبوتية للسرقة كـ(المافيا) ليتعلموا (الشغلة) على أصولها، والغنيمة المسروقة من اموال الشعب وقوته، توزع عادةً حسب الأدوار المرسومة لكل عضو في الشبكة، لسد كل الافواه والثغرات.. فتمتلىء الجيوب، وتتخم البطون والخزائن، وتُفتح حسابات في البنوك داخل الوطن وخارجه. ويبدأ تهريب العملة وتبييض الأموال وغسيلها وبطرق تمويهية، ولا يُعرف حدٌّ للشبع والجشع عند هؤلاء. فهم يزدادون يوماً بعد آخر قناعة بتفوقهم وتميّزهم، قناعة لا تُقهر.. فهم من طينة وبقية البشر من طينة، هم من معدن الماس وسائر الكائنات من فحم.. هم التاريخ والآخرون هوامش غير مرئية.. وفي نهاية الخدمة، يكون واحدهم قد امتلك ما لم يمتلكه قارون في عصره، من اراضٍ استولى عليها عنوة، واستثمارات ومساطحات تدر عليه الملايين، وقصور وفلل وعمارات في الداخل وفي الخارج، ومصايف ومنتجعات وضميره يبيت في سبات..
فهو مرتاحٌ عند مغادرته للوظيفة، لأن حصوله على (براءة الذمة) سهل ويسير، لأن مَنْ حوله يُبحر في نفس القارب ويتمرّغ في نفس الفساد، فيتقاعد براتب عالٍ (80%) أو (100%) من راتبه الأصلي. ليعيش عيشاً رغيداً، محاطاً هو وأهل بيته بالخدم والحشم والمليارات.. ياللمفارقة!! جلس على الكرسي وهو انسان عادي (مثلي ومثلك)، وبضميرٍ حيّ يُرزق، جلس عن طريق التعيين أو عن طريق الانتخابات، وغادر الكرسي وهو سارق ثري، وبضمير ميّتٍ ميت..
كان هذا حال هؤلاء في الأمس، ولكن في الظروف الانفجارية التي يمر بها الوطن العربي وبضمنه بلدنا.. زلزال مفاجىء اسقط بعض الحكام وجعل الآخرين يرتعبون من زقزقة العصافير ومن حفيف الاشجار أو حتى من هديل الحمام..
اما في بلدنا، فمطالبة الجماهير الغضبى بالتغيير والاصلاح، هي التي جعلت الحكومة تُسرع بتشكيل لجانٍ خاصة لكشف واضاءة وتعرية الزيف والزائفين، ومحاسبة المفسدين واخضاعهم للمساءلة القانونية، لإزالة هذا الركام المتكدس من الفساد.. اليوم يشعر هؤلاء المترفون الفاسدون الخائفون على طراوة جلدهم، بأن الارض اخذت تهتز تحت اقدامهم، والعالم تأكله الحرائق، والسماء صارت أضيق، وكمية الاوكسجين صارت أقل،وغادر الكرى الجفون، وهجرت الطمأنينة النفوس، لأن (يوم الحساب) قد دنا، و(من اين لك هذا) ستُشعل النيران وتُحرق.. وتُنزع الاقنعة وتَسقط اوراق التوت عن اجسادٍ مشوهةٍ شاحبة.. فهم لا يستطيعون الاختباء طويلاً تحت لحاف اللامبالاة.. إنه يوم الحساب الدنيوي.. فهو أقسى من حساب الآخرة، لأن المُدان يتعرض لفضيحة مجلجلة حين يُنزع عنه ثوب العفة والشرف والنزاهة، الذي لَفَّ به ذاته العفنة وصانها.. وكأني به في قرارة نفسه يقول: آهٍ لو كنتُ بقّالاً، أو شيّالاً، أو بائع خضراوات.. والرد عليه واحد لا غير: "اليوم لا ينفع لا مالٌ ولا بنون.. وكل واحد في الدنيا يدفع ثمن غلطته، وعليك ان تدفع (الفاتورة) وفائدة (الفاتورة) ايضاً".. اللّهم لا شماتة.



8
زيارة الى "دار الرجاء الخيري لرعاية المسنين" في عنكاوا



كان عشقي للخريف من الفصول الاربعة، يضاهي عشقي للربيع ان لم يفقه، لما يتصف به من اعتدال، ورومانسية، وسكينة لا تشوبها زوابع رعدية مجنونة، كالتي تغزونا بغير موعد في الربيع لتغادرنا مسرعة وبدون استئذان، ولكن بعد ان قمت بزيارة "دار الرجاء الخيري لرعاية المسنين" في عنكاوا، وما ان فُتح لي باب الدار و ولجت الى صالة الجلوس، حتى وقع نظري على الجالسين من نزلائه قلت في نفسي: هيهات ان اعشق خريف العمر.. فهو قاسٍ بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ ومدلولات، فالوجوه غادرتها نضارة الشباب وغزتها التجاعيد بلا رحمة.. والظهور احدودبت و وهنت.. والروح غادرها الق الشباب وعنفوانه، والقوام تشوه وخارت قواه، فهو يترنح في مهب الريح مستعيناً بما يستند عليه بعد ان عجزت القوائم، واشتعل القلب مع الرأس شيباً، والذاكرة زحفت اليها آفة النسيان لتعلن بوادر مرض (الزهايمر)، هذا المرض اللعين الذي يسرق كل ما هو جميل من الذاكرة.. كل هذا راودني وانا في زيارة للدار، لالتقي مديرة الدار المتطوعة الست (خالدة بولص توما)، التي استقبلتني مرحبة مبتسمة، وهي محاطة بنزلاء الدار وكأنهم اطفالها المدللون.. فهي تلاطف هذه وتجامل تلك وتغني لاخرى، فعجبت لسعة صدرها وعظيم احتمالها.. ثم استأذنتهم وصعدت واياها الى غرفة الادارة، وكان لي معها هذا الحوار:
•   كيف جاءت فكرة تأسيس "دار الرجاء الخيري لرعاية المسنين" في عنكاوا؟
- الفكرة كانت جماعية، اشترك في طرحها كل من الأب آزاد خوراني والشماس آزاد يوسف والاخت شمريثة بولص.. بسبب افتقار البلدة الى هكذا مشروع حيوي وضروري للمرحلة الراهنة.


 
•   كيف قوبلت هذه الفكرة؟
- الاغلبية ايدت وشجعت الفكرة، ولكن كانت هناك بعض الآراء المخالفة والمعارضة، التي رأت ان هذا المشروع قد يؤدي الى التفكك الأسري في العائلة، وتفتيت الأواصر الاجتماعية في المجتمع، كما ظن البعض انه مشروع تجاري غايته الربح وليس مساعدة المسنين..
•   متى تم افتتاح الدار؟ وهل حصلتم على اجازة ام بعد؟
- تم افتتاح الدار بشكل رسمي في 3/8/2010. وكنّا قد قدمنا طلباً للحصول على اجازة للدار منذ آذار 2010، و وافق عليه المحافظ و وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وتم تشكيل لجنة خاصة من قبل (المديرية العامة للرقابة والتطوير الاجتماعي/ اربيل)، وقامت هذه اللجنة بزيارة الدار، ورفعت تقريرها الى المديرية. ولحد الان نحن بانتظار حصولنا على اجازة للدار! وهنا تدخل طبيب الدار متأثراً: عتبنا شديد على الجهات الرسمية المعنية لتأخير الاجازة، كما ان كافة الشروط المطلوبة والمعايير اللازمة متوفرة في الدار، علماً ان الحكومة لا تتكفل بأية مصاريف أو دعم مادي للدار.
•   هل هناك جهة معينة تمّول الدار؟
- لا تقوم اية جهة بتمويل الدار، باستثناء الخيرين من اهالي المنطقة.
•   ما هي شروط القبول في الدار؟
- من اهم شروط القبول في الدار هي: ان يكون عمر المتقدم لدخول الدار (60) سنة فما فوق، ويكون سليماً من الامراض المعدية والامراض العقلية، كما يجب ان يكون من سكنة المنطقة، والاولوية في القبول بالاضافة الى هذه الشروط، لمن ليس له معيل وليس له أقارب من الدرجة الاولى.
•   حالياً، كم هو عدد نزلاء الدار؟
- عدد النزلاء المقيمين في الدار هو (5)، (4) نساء ورجل واحد. والدار يحوي (12) سريراً فقط ولا يستوعب اكثر من ذلك.. هناك العديد ممن تقدموا للاقامة في الدار، ولكننا لا نقبل الاّ من تنطبق عليه شروط القبول وفق النظام الداخلي للدار. 


 
•   هل يساهم ذوو النزلاء بجزء من المصاريف؟ وهل الخدمة في الدار مجانية؟
- ليس هناك رسوم محددة مفروضة على النزلاء، انها تبرعات رمزية من ذويهم وممن استطاع الى ذلك سبيلا. اما الخدمة في الدار، فهي مجانية وبدون مقابل بالنسبة الى الكادر المشرف على الدار والمتكون من (7) اشخاص.. لدينا طباخة ومربية و (3) حراس وبستاني، هم فقط الذين يتقاضون رواتب شهرية.
•   كيف حالكم مع الكهرباء؟ وهل هناك سيارة مع سائق خاصة بالدار لاستخدامها في الحالات الطارئة؟
- في البداية واجهنا مشكلة بخصوص توفير الكهرباء للدار، ولكن في الوقت الحاضر الكهرباء جيدة جداً وتفي بالغرض. اما بخصوص السيارة، فليس للدار سيارة رغم حاجتنا الماسة اليها.
•   كيف توفرون لنزلاء الدار الرعاية الصحية ؟
- للدار طبيب اخصائي متطوع وهو الدكتور (فائق برايموك)، فهو يتابع الحالات المرضية بصورة دورية، وعند اقتضاء الحاجة لاجراء فحوصات أو تحاليل مختبرية، يتم نقلهم الى المراكز الصحية أو المستشفيات الحكومية أو الاهلية في عنكاوا، والتي تبدي تعاوناً تُشكر عليه في تسهيل توفير الخدمات الصحية لنزلاء الدار. كما ان العديد من اطباء البلدة، أبدوا استعدادهم لتقديم المساعدات الطبية مجاناً لنزلاء الدار عند الحاجة.
•   ما نوعية الطعام الذي يُقدم في الدار؟ وكيف تتعاملون مع من يحتاجون الى حمية غذائية بسبب المرض؟
- لدينا طباخة كفوءة تلتزم بجدول يومي ومنوع للطعام الصحي، وتراعي فيه من هم مرضى وحسب ارشادات الطبيب، كما نوفر لهم الفاكهة بمختلف انواعها كوجبة يومية.


 
•   كيف ترفهون عنهم؟ هل من سفرات؟
- نحتفل معهم بالاعياد والمناسبات الدينية والاجتماعية، كعيد الميلاد ورأس السنة وعيد القيامة، وكذلك عيد الأم وعيد الحب، ونرقص ونغني لهم لادخال البهجة الى قلوبهم، ونقيم لهم سفرات الى المزارات المقدسة في عنكاوا وشقلاوة.
كما تم استضافة النزلاء على العشاء من قبل كنيسة مار قرداغ في اربيل، واستضافهم السيمينير مرةً واحدة ايضاً.
كذلك تزور دارنا الاخويات والاخوات الراهبات من مختلف الكنائس، لاقامة صلاة جماعية في الدار، لاسعاد المسنين ومساعدتهم على إدامة التواصل مع محيطهم الخارجي.
•   كيف هي مواعيد الزيارات؟ وهل يُسمح لذوي النزلاء باستضافتهم في بيوتهم لأيام مثلاً؟
- اوقات الزيارات محددة، من الساعة التاسعة صباحاً الى ما قبل الثانية عشرة ظهراً، ومن الرابعة عصراً الى الثامنة مساءً، وبشكل يومي، يُستثنى من ذلك القادمون من اماكن بعيدة. اما عن استضافتهم من قبل ذويهم، نحن نرحب بذلك ولكن –للأسف- اين هم ذووهم؟!
•   هل هناك زيارات تفقدية للدار من قبل الكنيسة أو المسؤولين؟
- كلا.. زارنا السفير البابوي عند زيارته للمنطقة، وكان بمعيته سيادة المطران بشار وردة وعدد من الآباء الكهنة.
•   ما هي تطلعاتكم المستقبلية لتطوير الدار؟
- في حالة ازدياد عدد النزلاء، البناية ستصبح غير ملائمة، لذا نطالب بتخصيص قطعة ارض للدار، مع التكفل ببنائها حسب الشروط المطلوبة، وتخصيص كادر مشرف وخدمي للدار، ويتم تمويله من قبل الحكومة.
•   في الختام، مَنْ تناشدون؟ وما هي مناشداتكم؟
- نناشد كل الناس الخيرين ومنظمات المجتمع المدني، وندعوهم لزيارة الدار بشكل مستمر، للاطلاع على احوال المسنين وتبديد وحشتهم وعزلتهم، والتخفيف من معاناتهم الصحية والنفسية. كما نناشد الجهات المعنية في حكومة الاقليم، والمنظمات المعنية بالاعمال الخيرية وبشؤون المسنين، وميسوري الحال من اهالي المنطقة، ونقول لهم ان باب التبرع مفتوح لادامة الدار وتطويره.. واخيراً نناشد كل من يعلم بوجود حالة يستوجب دخولها الدار، الاتصال بنا فوراً وعلى رقم هاتف الدار (2252752)، وجزاه الله الف خير.
وفي ختام زيارتي الخريفية في عز الربيع.. تجولت مع المديرة واطلعت على كل زاوية وركن في الدار، فابهرني ما رأيت وما لمست من نظافة متناهية، وترتيب وذوق رفيع، يلف كل ما يحويه الدار، من اثاث وأسرّة وغرف النوم وغرفة الطعام وصالة الاستقبال والمخزن والمطبخ والمرافق الصحية، وكذلك ادهشتني الجهود المبذولة من قبل مديرة الدار بالدرجة الاولى والمشرفين عليه، لتوفير كل ما من شأنه اسعاد المسنين واحاطتهم بجوّ عائلي دافىء، يحنون اليه بين الفينة والاخرى بعد ان فقدوه في خريف عمرهم.. ودّعتهم بعد ان مازحوني ومازحتهم، وطلبوا مني ان اطلعهم على صورهم التي التقطها لهم مصورنا وانا وعدتهم بذلك، وسأفي بوعدي بالتأكيد.
لقاء وحوار: جنان بولص كوركيس


   

9
المنبر الحر / انها ايام الحساب
« في: 15:19 26/03/2011  »
انها ايام الحساب

بعد السقوط.. (الاشقاءالعرب) قسوا علينا ولم يرحمونا.. خوّنونا لأننا ابتهجنا لسقوط الطاغية..
 تفلسفوا في تحليلاتهم عبر الفضائيات واستأسدوا برؤوسنا.. راهنوا على جبننا وتهاوننا.. وبكوا لسقوط بغداد.
الانظمة الحاكمة للدول (الشقيقة) جاءت ردود افعالها جارحة.. ذبّاحة.. ونقدها لم يكن نقداً حضارياً، بل كان شبيهاً بصراخ رجل اشتعلت في ثيابه النار.. هاجمونا بشراسة وحش مطعون.. كان لحمنا يومئذٍ طرياً.. وسكاكينهم حادة.. وابتدأت حفلة الرجم..
بدأت المزايدات على الوطنية والغيرة على الأمة ونبذ الاجنبي..  وبدؤوا بتدريب وتصدير الارهابيين الى داخل أراضينا، لا فقط لذبحنا من الوريد الى الوريد، بل لذبح التجربة الديمقراطية الوليدة، قبل ان تحبو وتزحف الى بلدانهم وتهز عروشهم وكياناتهم المتهرئة..
 ولكن..للأسف في وطننا بعد السقوط، اعتلى صهوة الحكم اناس وكتل تبحث عن حصصها، وعن اقتسام الغنائم، والاستحواذ على الصلاحيات.. المليارات تهدر على الخدمات، ولا وجود لمشاريع على ارض الواقع.. غياب الخدمات وليس نقصها، وصل الى حد الخجل.. مفردات البطاقة التموينية في ريجيم وترشيق مستمرين..الانتخابات مزورة وتزداد تزويراً..الفساد بكل انواعه غزا جميع مفاصل الدولة، ومن قمة الهرم الى قاعدته.. المتنفذون ومن لف لفهم، يزدادون غنىً وثراء، والمعدمون يزدادون فقراً وفاقة، فحالة الفقر المدقع التي يعيشها الكثير من العراقيين، ودموعهم وتوسلاتهم وكيفية استجدائهم من الخيرين من على شاشات الفضائيات كل يوم، تعتبر صفعة قوية على وجوه المسؤولين من ذوي الضمائر الميتة.. البطالة تجلد شبابنا المتعلم بسياطها اللاسعة الجارحة، وهم يجوبون الشوارع بحثاً عن فرصة عمل لا تأتي، لأنها اصبحت حكراً على المنتمين الى احزاب السلطة أو بحسب المحسوبية والمنسوبية..
كل الخدمات تنقصنا كبشر يستحق الحياة، قبل ان نكون من اغنى شعوب العالم من حيث مواردنا الطبيعية..
نادوا بالدستور، وسيادة القانون، والديمقراطية واطلاق الحريات، ولكن ما حصل على ارض الواقع، ان لا دستور يؤخذ به.. ولاسيادة للقوانين.. ولا توازن في مقاعد السلطة والمناصب.. ولا حرية للرأي.. والصحافة إما تُسيّس او تُقمع.. المسؤولون يقفون في قارة والشعب في اخرى.. وبينهما بحار من عقد التعالي.. والغرور.. وعدم الثقة. فهم عندما يخطبون او يصرّحون، تعود اصواتهم وخطاباتهم اليهم فهي لاتصل للشعب، لأنهم نسوا عنوان الشعب بكل بساطة..
واليوم ها قد هبت ريح عاتية لايُعرف بالضبط مصدرها.. ولا يُعلم بالضبط مَنْ وقّتها.. لتجتاح - اولاً - البلدان (الشقيقة الاكثر وطنية منّا!)، لتطيح بأنظمتها الحاكمة العفنة، لتلحق بنظامنا الدموي البائد.. فكانت ثورة الياسمين في تونس ولحقتها ثورة الغضب في مصر، لتلحقهما ثورات وثورات، وتسقط تيجان وتتهاوى عروش وكراسٍ.. وليشربوا من الكأس نفسها..
ها هي رياح الغضب الجماهيري تدخل حدودنا لتهب خجلة هنا وهناك..
لافتات تحمل مطاليب الشعب البسيطة، ودعوته الى الاصلاح (اصلاح النظام) وليس (سقوطه) كما عند الآخرين..
هذا الصوت الجماهيري الخافت، ارعبهم واقض مضاجعهم و اوقعهم في (حيص بيص)، فهم لم يتوقعوه! لأن اسقاط النظام قد حصل منذ2003، وهم المختارون من الشعب، وكانوا قد ادمنوا راحة البال  واستلقوا على الوسائد المريحة..  نهب وسلب ثروات البلد من حقهم، والاستئثار بالكراسي والمناصب من حقهم، والتنكر لمطاليب الشعب العادلة ايضاً من حقهم..
صوت الشعب احدث ارتجاجاً في قشرة الكرة الارضية.. واشعل الحرائق في وجدان السلطات..
هذا الصوت الذي كان كشفاً واضاءة وتعرية للزيف والزائفين.. لم تعد هناك اشياء تقال واشياء لا تقال.. انكشف المسرح كله، وتعرى الممثلون كلهم، وصار بوسع الشعب ان يصرخ : لا!
الخوف كل الخوف من ان تعتاد عيون المسؤولين على مشهد التظاهرات السلمية، وتألف آذانهم نغمة صوت الشعب الغاضب، ويتسلوا بقراءة مطاليب الشعب المسطرة على اللافتات ويتندروا بها.. فيخف صداع رؤوسهم ويفتر وجلهم، وتصبح المظاهرات كالمقالات والكتابات التي روّعتهم في بادئ ذي بدء، ومن ثم اعاروها (الاذن الطرشى) ولسان حالهم يقول: اكتبوا ما شئتم وتظاهروا (بأمرنا سلمياً) كما يحلو لكم، واننا لماضون فيما نحن فاعلون وبضمير ميّت .. فهذه هي قمة الديمقراطية يا شعبنا العزيز!
هيهات ان تكون هذه هي الديمقراطية التي وَعدتم بها شعبكم.. الويل كل الويل من صرخة الشعب عندما تكون مساحة جرحه اكبر من مساحة الطعنة، وكمية دموعه اكبر من مساحة عينيه..
لا تستخفوا بغضب الشعب الذي بدا خجولاً.. فرسم حدودٍ لغضب الشعب أمر صعب.. بادروا بتنفيذ مطاليبه الممكنة وبشكل تصاعدي، ليهدأ الشعب وليستريح الغضب، ويستكين الصراخ..
جنان بولص كوركيس

10
ليت للبراق عيناً.. فترى
جنان بولص كوركيس
30/10/ 2010
بصوتها الكرستالي الرائق وباحساس ملائكي مرهف، غردتها حنجرة كوثر الألوهية الراحلة (اسمهان)..
قصيدة رائعة كتبتها الشاعرة النجدية ليلى العفيفة ولحنها المبدع القصبجي..
 ليت للبراق عيناً فترى   
ما أُلاقي من بلاءٍ وعَنا
انها شكوى لوعة الحب وغدر المحب، تمنت اسمهان أو ليلى ان تراها عين البراق.
واليوم، نتمنى للبراق عيناً لترى ما آلت اليه الاحوال من سوء وسيّء.. فبلدي كما بلدتي حبلى بالوف المشاكل والعاهات.. شرائع الغاب عادت بعد اندثار.. سيئات استغفرناها وطمرناها منذ زمن، عادت حية ترزق، مستهزئة بكل الاعراف والقوانين التي سُنت لتقويم النفس البشرية وتنقيتها.. صراع القوى المتنفذة على المصالح، جعلها تتقاتل وتتناحر من اجل المناصب والمكاسب المادية.. والمبادىء اخذت تتهاوى تحت اقدام الكراسي، والثوابت لم تعد ثوابت، بل اصبحت مطاطة لتلائم المصالح ومقتضيات الساعة.. جدار من عدم الثقة يزداد سماكة بين ابناء الشعب وحكامهم الذين يتحدثون ويبكون على المنكوبين منهم، ولكنهم في الواقع يحتقرونهم ويتاجرون بدمعهم وفجيعتهم.. دولة بسيادة أو بلا سيادة، محتلة أو غير محتلة، لها دستور أو ليس لها، تشكلت فيها الحكومة أو لم تتشكل بعد، ليس الفرق بكثير، فالأمور تسير كالعادة (بالغيرة العراقية)، كما تعودت ان تلعب منتخباتنا الرياضية (بالغيرة العراقية) لا بهمة المدرب الكفوء، وحرص المسؤولين، ولا بغيرة الاتحاد الذي ورثناه من النظام السابق ولم يزل يجثم على صدور الرياضيين، ويفقأ عين كل من لايريده حتى وان كانت عين الحكومة!!
بلدي بلد العجب والعجائب.. انتخابات تزداد تزويراً يوماً بعد آخر، قادة الكتل الفائزة يسعون الى تدويل عملية تشكيل الحكومة المرتقبة، انتهاك وخرق مستمر للدستور، التعداد العام للسكان يُقر ويؤجل في نفس اليوم، انتخابات مجالس البلدية في الاقليم تؤجل وتؤجل، والاحلام تُصادر، الثراء يتصاعد في احياء والبؤس يضرب احياء اخرى، ملفات الفساد تُكشف ثم تُطوى، النفاق والرياء والكذب صار يتنفسه البعض كما يتنفسون الهواء، التعيينات تتم على اساس الانتماءات الحزبية، البطالة تزداد تفشياً كما الامراض والعاهات، الانسان العراقي المستقبل بالنسبة اليه مجهول والحاضر مأساة، ارهاب خارجي وداخلي، كل من لا يفوز بما خطط له من منصب أو مكسب يُرهب الآخر، فيزداد الارهاب الداخلي لنكتشف بعد حين ان وراءه القائمة أو الكتلة الفلانية، أو احياناً الشخصية (الوطنية) الفلانية! والغريب ان القانون لا يأخذ مجراه كعادته، فهو عندنا عاطل عن العمل، ويقف مكتوف الايدي ومكبل الارجل، واسنانه ثلمة لا تعض ولا تحاسب من يدوس باقدامه النتنة على سيادته التي تعلو ولا يُعلى عليها في بلدان العالم..
هذا غيضٌ مما هو حاصل في بلدي.. اما في بلدتي الجميلة، فالكابوس الذي يفترسنا ليلاً ونهاراً ويصدع رؤوسنا بلا رحمة، مرده الوجوه التي سئمناها ولا مفر للخلاص منها، لأنها قد شدت ظهرها بحزام حديدي، تجلد به ظهر المكتوين بنار ظلمها اذا ما طالبوها بحق مسلوب، انها "تُعطي من تشاء، وتأخذ ممن تشاء".. فهي التي نهبت وسلبت وبغت وتجاوزت على الله وخلقه، ولها دائماً اليد الطولى في تغيير ديموغرافية هذه البلدة الوديعة وطمس هويتها وضياع خصوصيتها، فنحن حين نقول لهم اننا لا نغير خصوصيتنا، فمعنى هذا اننا لا نغير فصيلة دمنا، ولا نساوم على جذورنا وتراثنا، مع احساسنا باننا مقتلعون (جبراً) كالاشجار من مكاننا، مهجرون من امانينا وذكرياتنا، واما اكثر ما يؤرقنا ويدمي قلوبنا اليوم، فهو محاولة تلطيخ ثوب بلدتي الناصع البياض.. فكيف لهذه العذراء البتول ان تصمد وتحتفظ بنقائها ونظافة ملابسها وهي في منجم فحم اسود اسود.. ما اردأ الاحوال في بلدي وفي بلدتي، فنحن اليوم قد دخلنا مرحلة (الكوما) المزمنة، وقد شَلَّت جهازنا العصبي الصدمات والخيبات المتتالية التي نتلقاها من المتسلطين على رقابنا.. ومن يتوقع انفراجاً قريباً للازمة فهو متفائل فوق العادة.. اسمهان غنت يوماً وتمنت للبراق عيناً فترى..
فإذا كانت بيننا اليوم لغنت:
    لو  كان  للبراق  عينٌ
    ليتها تعمى كي لا ترى


11
.. ونفسي لا تستطيب النفاقا

عندما مارست الكتابة، لم انتظر مكافأة من احد.. ولا وسام البطولة من احد.. ولا رشوة من احد.. ولا جائزة من احد.. ان جائزتي الكبرى هي هذا الجمهور الذي يلتف حول ما اكتب، ويعطيني القوة والعنفوان، ويعطيني المناعة كي لا اكون كاتبة (الباب العالي)..
ان ميكانيكية الكتابة عندي صارت مرتبطة ببلدتي وهمومها واشجانها.. وعندما اتركها انسى القراءة والكتابة ..
انني لا أكتب كي استرضي، أو اجامل، أو اطلب مرضاة الشارع العام، فهموم الشارع العام تخرج من داخلي، والقلق العام هو جزء من قلقي.. بعبارة اخرى، ليست هناك اوامر خارجية انصاع لها.. أو تُجبرني على الكتابة أو على عدم الكتابة.. أو تختار لي مواضيعي.. فأنا ارفض الكتابة على طريقة (ما يطلبه المستمعون أو المسـ...) ولا اطلب شهادة حسن السلوك من احد، الوحيد الذي اطلب رضاه هو ضميري.. لا يمكنني ان اتصور كاتباً لا يقاتل من اجل رأي ما.. أو لرفع الظلم عن انسانٍ ما.. اذ ما قيمة كتابة تخاطب الفراغ.. أو تخاطب نفسها.. أو تكون بلا لون، ولا طعم، ولا رائحة.. انا ضد الكلام الذي يُكتب من اجل التكسب.. وضد الكلام الذي تكتبه الاغنام لاسترضاء راعيها.. فإما اكتب بصدق أو لا اكتب.. فسكوتي حينئذٍ يكون الف مرةٍ أبلغ من الكتابة..
ولكن للأسف عندما أسكت (أي لا اكتب في بيث عنكاوا)، يفسره البعض -إما جهلاً أو خبثاً- على انه قد تم شراء سكوتي.. وقد تعوّد المواطن في عنكاوا على ان الهبة أو الرشوة عادةً ما تكون (قطعة ارض سكنية أو مساطحة)، وانا اقول لهؤلاء وهم -يقيناً- قلّة قليلة: عليهم القيام بعمل مُضنٍ لحصر حصيلتي من الهبات.. فعليهم اولاً ان يطّلعوا على جميع اعداد الجريدة (بيث عنكاوا) الصادرة على مدى ستة أعوام، ويحصوا بدقة الاعداد التي لم ينزل لي فيها مقال، وهي قد تربو على العشرة.. عندئذٍ سيكشفون ما بذمتي من قطع اراضٍ جنيتها ثمناً لسكوتي.. اذاً، غيابُ مقالٍ بقطعةِ ارضٍ! يا للسخرية!! ثم لا ادري كيف غاب عنهم، لو انني كنت انشد عالم الجاه والثراء لولجته من اوسع ابوابه واصبحت كاتبة (الباب العالي).. فلماذا إذن ارضى بالفتات ؟!. 
اذا كان هؤلاء من البسطاء، فيا لغبائهم.. وان كانوا مأجورين، فيا لبؤس اسيادهم.. لان ادعاءهم هذا لا يثبط همّتي..ولا يُلغي بصيرتي.. ولا يزعزع ثقة الشرفاء بنزاهتي. 
في كل مرة ينزل لي مقالٌ في الجريدة، تُثار حوله عاصفة هوجاء غير مبررة، وانا وحدي و -وحدي فقط- اتحمل وزرها.. وادفع من اعصابي ومن صحتي ثمناً للصمود والتصدي.. فأستراح حيناً ثم اعاود عندما أجد ضرورة للكتابة.. لأنني لا أحب ان اكتب من اجل الكتابة فقط.. وعندما يفرض الوجع نفسه عليّ، يفيض قلمي صدقاً وغضباً على بياض الورق..
في هذا الاطار غير المريح، وهذا الطقس غير المعتدل، وهذه البحار التي لا سواحل لها.. أمارس الكتابة..

جنان بولص كوركيس

12
عنكاوا تستوطن كتاباتنا


جنان بولص كوركيس


ليلٌ داجٍ لا أمل في بزوغ شمس نهاره، لفّ بغموضه وسوداويته مسألة توزيع الاراضي في عنكاوا..
فُقِد الأمل.. توترت الاعصاب حَد الجنون.. كثر الهذيان.. تسَيّد الشارع اليأس والاشاعات، فمنها ما يُحيي الأمل ومنها ما يُميته.. والناس في خضم كل هذا وذاك حائرون غضبى.. متحاملون حزانى. والمعتلّون كبار السنّ منهم مَنْ قضى كمداً ومنهم من ينتظر..
واصحاب الشأن، اذن من طين واخرى من عجين.. يلفهم صمت قاتل.. لا جواب لهم ولا تبرير مقنع لحجب الاراضي عن مستحقيها وبالعكس..
أيكون ذلك بسبب الإفاضة في دراسة الموضوع وتمحيصه، ليكون التوزيع نزيهاً وعادلاً؟ هذا ليس من شيمهم.. أيكون انتقاماً من أصوات جريئة صَدحت مطالبة بحقها المشروع يوماً ما؟ أم انهم مشغولون بهموم الرعية الأهم؟
مَن الذي سيجيب عن هذه الاسئلة؟ لا احد..
نحن قد تعودنا ان نسأل ولا نتلقى الجواب، ونطرق ولا تُفتح الابواب.. وتبقى الكبرياء بداخلنا تبكي عزة نفسٍ أُذلت في هذا الزمان الرديء..
 فمن كان عازباً تزوج وانجب ليُشمل بالقانون، ومن كان موظفاً مستجداً، بعد طول انتظار اصبح مشمولاً بهذه "المكرمة"، ومن كان متقاعداً عاد الى وظيفته، والذي كان على اعتاب التقاعد، أُحيل على التقاعد ليُحرم من حقه.. وهكذا اختلط الحابل بالنابل والضوابط التي فُصلت وشُرّعت قبل سنتين أو اكثر، اليوم ترهلت على بعضٍ وضاقت على البعض الآخر.
فهناك مَنْ خَسرَ، وهناك من ربح، والخاسر الاكبر عنكاوا واراضيها والقادم من اجيالها..
قبل شهرين تقريباً، غلى الدم وفار في العروق الشابة التي طال انتظارها لنيل حقها في قطعة ارض سكنية، وبدأت حملة جمع التواقيع وعلا الضجيج في الشوارع والبيوت والازقة، وحتى في المقابر التي لو دخلتها ليلاً لسمعت انيناً وحشرجةً مُعاتبةً صادرة من القبور، فالمغدور لا يستكين حتى وان واريته الثرى، انه عتاب القبر الى يوم القيامة..
امام هذا الصوت الهادر المرعب والمطالب بالخروج الى الشارع بـ "تظاهرة سلمية"، استجاب المسؤولون وفتحوا اكثر الملفات غموضاً وتعقيدا، وتجددت جلسات اللجنة التي كانت من قبل قد نظفت القوائم من الدخلاء والمستفيدينَ والطارئين غير المستحقين، والتزمت بالضوابط التي لا تمت بِصِلة الى الضوابط الخاصة بتوزيع الاراضي لدولة العراق! ولكن مع كل هذا استبشرنا خيراً، لان اعتماد النزاهة في التوزيع بأية نسبة كانت خير من ان لا تكون البتة. ولكن هذه المرة دُست كل الاسماء الملغية عنوة بين اسماء المستحقين، وأُضيفت اليها قوائم "خاصة"، وكل قائمة تحمل أمراً لا يُرد، وبتوقيع احد الذين أُطلقت يدهم في عنكاوا واراضيها ومصيرها.. كان من المقرر توزيع (1000) قطعة سكنية فقط استناداً الى فرز اللجنة في السابق، لكن ما وزع اليوم فاق ضعف هذا العدد في العَلَن، بالاضافة الى ما يُعطى في السر لإسكات الاصوات المعترضة والمهددة بكشف الملموس من التجاوزات، أو على اساس المحسوبية والمنسوبية، أو لتحسين الصورة القاتمة للبعض عند الناس وهلم جرا.. يرقعون هنا لتنفتق هناك والحيرة تلفهم، كيف الخروج من هذا المأزق الشائك؟! فهذا يتبرع بمزرعته الخاصة، وآخر بمئاتٍ من دونماته لأناس استقدموهم من قراهم الآمنة في كوردستان أو في سهل نينوى أو خارج الوطن في الشتات! ومن سخريات القدر ان المتبرعين طارئون على عنكاوا وليس لهم اية جذور في ارضها، فقد جاءت بهم رياح القوة والسطوة لتزرعهم هنا عنوة.. اين كان هؤلاء البرامكة واين كان حاتمهم عندما جاء الوافدون الى عنكاوا افواجاً افواجا مرعوبين مكسوري الجناح، مهَجّرين من بيوتهم العامرة يبحثون عن عضيد في شدتهم وعن ناصرٍ في محنتهم! اين كان كرمكم وسخاؤكم عندما صَمَمتم آذانكم عن سماع شكواهم المؤلمة، ألم يؤنبكم ضميركم لما ألَمّ بشعبكم الذي عانى وما زال من بشاعة الخطف والنهب والتهجير والذبح وما قد يصل الى التطهير العرقي؟! لماذا لم تفكروا بآلية مناسبة لإسكان الوافدين لحين استتباب الامن في مناطقهم الساخنة وتعويضهم عما اصابهم من حيف وخسارة؟ اما كانوا يستحقون جرعةً من ينبوعكم الجاري تعيد لهم الحياة؟
لماذا مكثتم في عليائكم تتفرجون وتستمتعون بالحقد المتبادل والمتصاعد بين قلوب الساكنين في عنكاوا وقلوب الوافدين اليها.. لماذا ألقيتم بهذا الحمل الكبير على كاهل سكان عنكاوا واهلها؟ أهكذا تُدار شؤون الشعب الذي تكفلتم بادارة "حكمه الذاتي"؟!
مَنْ كان الاحق بتبرعاتكم وسخائكم، الوافدون المذلولون أم اصحاب البيوت العامرة في قراهم الآمنة؟
هذا اذا ما كانت الارض ارضكم والمال مالكم لتكونوا احراراً في عطاياكم..
يقول ابو المثل "اِعمَ وشوف" .. يا ابناء جلدتي، ما تفسيركم لكل هذه التناقضات، ولكل ما جرى ويجري لشعبنا وقرانا وبالذات للمتلاشيه "عنكاوا" والقرى العريقة في كوردستان التي أُفرغت أو على وشك ان تفرغ من اهلها وقاطنيها؟ لماذا اختزلت المسيحية في العراق بعنكاوا؟ واختُصرت جغرافية اراضيهم في عموم العراق ببقعة صغيرة شمال شرق اربيل ألا وهي "عنكاوا"؟! ولا نعرف حجم المفاجآت التي تنتظرنا في القادم من الايام.. فاذا كان شعارهم المرفوع اليوم "عنكاوا لكل المسيحيين".. قُرانا الاخرى لمن يا تُرى؟! انها حقاً علامات يوم القيامة!

13
المنبر الحر / اشكرك ايتها الوفية
« في: 17:30 15/09/2009  »
اشكرك ايتها الوفية
عنكاوا.. هذه الابنة الفائقة الجمال التي لم أُنجبها.. محبتها قد جبلت في قلبي وفي قلوب الكثيرين من اهلها وساكنيها.. اسمها عندما يُذكر يشد الآذان والاسماع اليه، وتتلبد السحنات بغمامات الحزن والكرب ويَترقرق الدمع في العيون، عندما تُذكر انتهاكات وقعت بحقها وبحق اهلها..
ساحرة؟ أي نعم.. آسرة؟ أي نعم.. ولكن ما سر سحرها؟..
فتنة جبالها الشاهقة؟ خضرة سهولها الشاسعة؟ أم زرقة مياهها الجارية المتلألئة؟! هي لا تملك من كل هذا شيئاً.. فالجبال بعيدة عنها كل البُعد، ومعظم سهولها الخصبة إمّا سُرقت أو جُرِّدت من  ثوبها الأخضر الجذّاب فأصبحت جَدْبة قاحلة، وساقيتها الوحيدة التي كانت تقسمها قسمين قد نشف ماؤها ومُحيت آثارها.. اذاً ما سر سحرها؟! يبدو ان سحرها يكمن في طيبة اهلها ودماثة أخلاقهم الراقية، انه سحرٌ ربانيٌّ نادرٌ لا تكلف فيه ولا مغالاة، يعكسه جوهر نقي قَل مثيله ، فهو لا يُشترى ولا يُقلّد، كامنٌ في (جينات) اهلها، متوارثٌ اباً عن جد.. نحن ان عشقناها وتولّهنا بحبها، امرٌ واردٌ لاننا منها واليها راجعون.. اما الذين نزحوا اليها مؤخراً وسكنوها، فقد كان قاسياً إنتقادهم لها، و مريراً جائراً عتابهم على اهلها..لكن مع مرور وقت ليس بالطويل، خَفَّتْ حدة اصواتهم التي كانت تطعنها بلا رحمة وبدون وجه حق، وبدأوا بتثبيت اقدامهم في ارضها الوفية، يُشيدون الدور ويستثمرون الاموال وينعمون برزق طعمهُ حلو بحلاوة عنكاوا، لقد ثملوا بسحرها وانتشوا بعبق طيبها. وعندما انحسرت الاعمال الارهابية في مناطقهم الاصلية، القليل الذي ودّع عنكاوا كانت الحسرة تملأ قلبه على فراقها، والكثير الذي استقرت جذوره في ارضها فهو غير راحل الاّ اليها. اما الذين احبوا عنكاوا وشغفوا بها لحظة ما وطأت اقدامهم ارضها، تغزلوا بها وانبروا مدافعين عنها عند الإساءة اليها، وكتبوا عنها من القلب.. انهم حقاً اهلها الجدد، فاهلاً بهم في احضانها ومرحباً..
 عنكاوتنا، ايتها الوفية للاوفياء لكِ.. ما أنا سوى كاتبة رأت مدينةً تُسبى.. وتُسرق.. وتذبح بشكل عبثي ومجاني وغوغائي.. وصَرَخَتْ على الورق حيناً وبوجه السرّاق حيناً آخر. صراخي لا جنسية له.. فهو ليس يمينياً ولا يسارياً ولا ليبرالياً.. وسأظل أصرخ ما حييت بوجه الفساد والمفسدين الجشعين وامام الوحشية و الانتهاكات البربرية.. هذا هو اقل واجب تجاه بلدة ولدنا من رحمها الطاهر المنزه، وترعرعنا في حضنها الدافىء الحنون، و لم اكن انتظر أية هدية أو مكافأة.. إلا أن تجربة الانتخابات البرلمانية التي خضتُها مؤخراً كشفت عن اصالة معدنها النادر الوجود، فهو سبيكة تجمع الصدق والوفاء والطيبة والعرفان بالجميل معاً. هذه التجربة الانتخابية التي و إن لم يكن الفوز فيها حليفنا لاسباب عدّة اهمها، ان نتائج الانتخابات لم تكن إلاّ قراراً سياسياً بحتاً.. الاّ ان فرحتي كانت كبيرة.. كبيرة، بتفوق قائمتنا في عنكاوا وحصدها لاكبر عدد من اصوات الناخبين فيها.. انتهت الانتخابات وسكت ضجيجها، الا أنني كل يوم وحتى هذه اللحظة اصادف من يستوقفني ليروي لي كيف إنه كان مريضاً وتحامل على مرضه، أو عاجزاً عن المشي واستعان بعكازه، أو شيخاً هرماً تكابر على سني عمره، أو من كان قد اقسم اليمين بألاّ يشارك في العملية الانتخابية لشعوره بخيبة امل في سابقاتها، كسر يمين حلفانه وصوت لـي..هذه المشاعر الصادقة وسام شرف احمله على صدري ابداً، و وفاؤهم دَين كبير في عنقي، وانا معهم على العهد ماضية لا أحيد عن طريقٍ سلكته بمنأى عن كلّ  الاغراءات ايّ كان نوعها.. 

.. وافرالشكر والامتنان لكل الذين صوتوا لـِ (جنان)، لإيمانهم بكفاءتها وتفانيها في الدفاع عن حقوقهم ورفع الغبن والمظالم عنهم، وتيقنهم من حسن سيرتها وسلوكها وتكهنهم بنزاهتها وان جلست على كرسي البرلمان.
شكراً لكل الذين لم يصوتوا لي و بملء ارادتهم، بعيداً عن كل الضغوطات والاعتبارات والإملاءات،ولقناعتهم بانني لستُ اهلاً لتمثيلهم في البرلمان..  شكراً لك يا عنكاوا يا اوفى الاوفياء.
                        الوفية لك ابداً
                     جنان بولص كوركيس

14
ايها المتقاعدون .. رجاء .. غيروا الموضوع

جاءني صوته المتعب الغاضب عبر الهاتف النقال معاتبا،ً لعدم التفاتي الى معاناة شريحتهم المغبونة،  وقال : لماذا يا ابنتي لا تذكريننا في مقالاتك؟ اين حصتنا فيما تكتبين؟ فانا ووالدك واعمامك وخوالك وكل المتقاعدين المنسيين عَتبُنا عليك كبير بقدر تقديرنا لما تكتبين.
يا عم، تراك لا تعلم بانني قد أُلحِقت قسراً في صفوفكم منذ عام 2000 وقبل ان يدركني المشيب وانا في قمة عطائي؟ .. وانك تجهل مقدار حرجي وخجلي عندما كنت اقف في طوابير المتقاعدين لاستلام الراتب التقاعدي؟ كانت النظرات تحاصرني من كل حدب وصوب وكأنها  تتهمني بالبطر او التقاعس والكسل.. وكنت اتحاشى اسئلتهم واستغرابهم من وقوفي بينهم  وكأني بهم يقولـون: لماذا؟ فما زالت قادرة على العطاء! وليست من ذوي الاحتياجات الخاصة! ولا من ذوي الشهداء..الخ . حيرة تلفني وتلفهم في كل مرة اقف معهم في الطابور..
جرح كبير حاولت اخفائه وعدم الخوض في مدى عمقه ومسبباته.. بركان غضب هائج في صدري عييت سنين محاولة اخماده.. لا لشيء سوى لاحساسي بالظلم الذي اجبرني بشكل غير مباشر على التقاعد المبكر، في حين لا ابالغ لو قلت إن معظم معلماتي ومدرساتي مازلن يمارسن المهنة حتى الساعة.. لقد حاولت مراراً ان اكتب عن الشريحة المهمشة التي ضرسها الدهر وهدها المرض واصابها الحيف والظلم في ظل حكومة آخر هَمَّ من همومها هو المتقاعد وانصافه.
حاولت مرات ان اكتب  في هذا الموضوع، وفي كل مرة كنت احجم عن الكتابة، لئلا ينزف جرحي من جديد حسرةً على جهد ضاع غدراً في سنوات الدراسة الطوال، وفي ممارسة المهنة لاكثر من عقدين من عمري، وفي النهاية لأقف في الطابور لاستلام راتب تقاعدي مخجل ومهين.
يا اصدقاء الجرح.. ويا اصدقاء الصبر.. اكتب  اليوم عن جرحكم وانا الجرح، اكتب عن موضوعكم وانا الموضوع، لذا حاولت ان اؤجل الخوض في هذا الموضوع كي لا يُفهم على انه شخصي.. ولكن وعدتك يا عم.. والوعد دين يجب الايفاء به.
اكتب بمرارة ما بعدها مرارة .. عندما يعطي الانسان من شبابه واحلى سنوات عمره وطاقته وصحته من اجل بلده بكل تفانٍ واخلاص . وعندما يشعر بان الوقت قد حان لكي يستراح اولاً ولكي يفسح المجال للشباب لأخذ مكانه، يتنحى جانباً ويتقاعد، ولكن مع تقاعده تبدأ رحلة العذاب والشعور بالغبن والالم، عندما يستلم هذا الراتب الضئيل جداً والذي يدفعه الى مد يديه ليستجدي من اولاده وهو منكسر من الداخل، ومتحامل على عزة نفسه وكرامته التي صانها طوال حياته العملية. كل يوم، يقلب صفحة بعد اخرى في الجرائد اليومية، علّه يعثر على نص جديد لقانون التقاعد ينصفه... وكل شهر يستلم الراتب يعده علّه يحظى بزيادة مرتقبة.. وكل يوم يزداد حزناً للتمييز بين متقاعد الامس ومتقاعد اليوم، بين جهده وجهد الاخر، و راتبه و راتب الاخر.. قوانينهم تزرع الاحقاد في النفوس بدلا من تهدئتها .. فليس هناك ما يبهج القلب ويحيي الامل ، ويبدو ان الافق يضيق ويضيق وخاصة بعد ان التهمت الازمة الاقتصادية العالمية كل الاخبار واحتلت مكان الصدارة في وسائل الاعلام.. فالويل كل الويل لمن يفتح فاه مطالباً بالمزيد.. انها الازمة المالية التي نزلت كالصاعقة على رؤوس المتقاعدين وحدهم وكأنهم من نسل الجارية.. واما الذين يشربون النفط فلا بأس على رؤوسهم و رؤوس اموالهم فهي محمية لانهم من نسل الخاتون..
عذاب مزمن للمتقاعدين وهم في هذا العمر الحافل بامراض الشيخوخة زاده شعورهم بالخوف والقلق من ان يطال التقشف في ظل الازمة المالية الجديدة راتبهم التقاعدي الهزيل، ليحيله الى هيكل عظمي كصاحبه الذي ينتظرون بفارغ الصبر ان يلفظ انفاسه الاخيرة كي يسكت عن مطالبتهم بانصافه وتعديل راتبه، ليتمكن من مواجهة موجة الغلاء الفاحش التي تجتاح البلاد يوماً بعد اخر.
بأي حق ينهون حياة المتقاعد وكأنهم رب العالمين، ويشطبون على كل نشاطاته الحيوية واللاحيوية ويرمونه في سلة المهملات؟! لقد نسوا او تناسوا بان الدور سيأتي عليهم لامحالة ،وكما كانوا قساة متحجري الفؤاد، سيقسو الدهر عليهم والولد، ولن تنفعهم اموالهم لتبعد عنهم شبح المرض والهوان.. فالويل لهم انهم لايتعظون .
حكومتنا اليوم قد اوصدت الابواب بوجه المتقاعدين بحجج اخرها الازمة المالية، و صَمَّت الآذان عن أصوات تطالب كل يوم بقانون ينصف المتقاعدين ، ولكن يبدو ان الرسالة لم تصل بعد ولن تصل الى اصحاب الشأن، فهم مشغولون بتشريع القوانين لزيادة رواتبهم، متجاوزين على الدستور كعادتهم، خوفاً من تداعيات الازمة الاقتصادية التي زادت في الطين بلّة.
سنطالب ونطالب علّنا نحدث ثقباً في جدار ضمائرهم النائمة او لنلقي حجراً في مياه راكدة .
ولكني استشف من الصمت المتعمد لاصحاب الشأن وصم الآذان، كأن لسان حالهم يقول :
ايها المتقاعدون.. رجاءً00غيروا الموضوع
ايها المتقاعدون.. انطحوا رأسكم بالحائط
وانا أقول وكُلّي اسفٌ :
ايها المتقاعدون.. ان لكل همَّ ساحلاً  وهمومكم بغير ساحل .

جنان بولص كوركيس


15
الوعود المــُعَتَّقة!
شؤون بلدتي
ان تُعتَّق الخمور سنينَ.. ليزداد طيبةً مذاقها، ويصبح رائقاً قوامها، امرٌ واردٌ.. امّا ان تُعَتَّق الوعود طويلاً! فهذا حتماً سيفسد طعمها ويفقدها مصداقيتها ومصداقية اصحابها.
الوعود المُعتّقة لا تُعَد ولا تحصى في بلدنا.. ففي كل هبة للانتخابات، ينبري المرشحون بتعديد وعودهم الوردية لافواه الجياع والعاطلين عن العمل، بل لكل فئات الشعب، المسحوقة والمتوسطة والمرفهة، ويلوحون لهم بالدواء الشافي في قِرَبِهم التي سيفتحونها امامهم لينهلوا منها ما يحتاجونه، فعند هؤلاء حلول سحرية لكل ما يعانيه الشعب من ازمات.. لا مستحيل في قاموسهم . واذا ما تم لهم ما ارادوا وجلسوا على الكراسي العاجية، نشفت قِربُهم و تبخر ما في داخلها من وعود قطعوها على انفسهم، ولو سُئِلوا عنها، قالوا: اصبروا ولاتتعجلوا، فانها تُعَتَّق! ليزداد سحرها وتأثيرها.. ومع الايام يفهم المخدوعون بان ما حصل لم يكن غير ضحك على الذقون، وان الوعود قد دخلت في دور السبات مع ضمائر اصحابها وذممهم .
كان كلامي مدخلاً لوعود طال انتظارها في (عنكاوا) لفترة زمنية ليست بالمعقولة ولا منطقية، ألا وهي توزيع قطع اراضٍ سكنية على مستحقيها .. هذا امر مللنا الكتابة عنه او حتى التحدث فيه، فالقوائم بالاسماء قد اطلقت قبل  ثلاث سنوات تقريباً، وكان الامر مرتجلاً كمعظم الامور التي تحدث في بلدتنا، وكالعادة، في غفلة من القانون وبغيابه..
وبعد أن أُثيرت زوبعة من الغضب الشعبي حول الموضوع، وبدأت تطفو على السطح احاديث وسجالات بين الناس بشأن التزوير والتلاعب المخزي، في ادراج اسماء غير مستحقة او وهمية او..او. بدأ المعنيون من اصحاب الشأن بنهر كل الذين قالوا ظُلِمنا او تظلموا الى حاميهم او تضرعوا الى ربهم.. واستمات هؤلاء دفاعاً عن (قوائمهم) التي حشروا فيها اسماء اهل بيتهم وذويهم واولياء نعمتهم وحاشيتهم وكل من جاء بـ(واسطة) من اهل النفوذ والسلطة.
عجيب.. غريب، انهم يدافعون عن الخطأ باكثر قوة مما يدافعون عن الصواب!!
ولكن امام الغضب الشعبي المتزايد تقرر تشكيل لجنة (غير مفوضة من الشعب)، لاعادة النظر في الاسماء الموجودة في قوائم توزيع الاراضي في عنكاوا.. وكما يدّعون، بان العدل كان ميزانهم وانهم قد وضعوا (الله) بين عيونهم، وخرجوا بقوائم منقحة مغربلة بغربال الحق والنزاهة لاغير!!
واخذوا يوقدون الامل في النفوس الحائرة ويبددون عتمة الشك فيها .. غدا ستطلق القوائم.. بعد غد .. بعد اسبوع .. بعد شهر وهلم جرا ... واليوم ها قد مر على هذه الوعود ما يقارب السنة، ولكن يبدو انها مازالت تُعتَّق في قِرَب اصحاب الشأن لِتختمر جيداً وتصبح رائقة كالخمور المعتقة.. عـجـبي!  كيف غاب عنهم انها وعود وليست خموراً؟!..
 فقد قيل قديماً (وعد الحر دين).. لكن الحر هذه الايام عملة نادرة، فالوعود تطلق يميناً ويساراً، لامتصاص غضب الناس ونقمتهم عند تصاعد حدة الازمات التي ندور في دوامتها .. مرت الايام والشهور والمطالبة مرت بفترة استرخاء قسري فرضتها عدم مبالاة المسؤولين بنداءات المطالبين بحقهم، الى ان بَحّت اصواتهم وجفت حناجرهم، ومعاناتهم بدأت تأخذ شكل العادة والادمان ، فغضبهم قد صعد الى عيونهم التي تنطق وتصرخ في وجه كل الذين يستخفون بمطالبتهم بحقهم الذي حُجب دون وجه حق، فقد تعضل داء (الارض) في بلدتنا، قدرها ان يكون داؤها العضال الارضَ، فأراضي المطار التي سُلبت، واراضي المساطحات التي بالمجان وُهِبَت، وقطع الاراضي السكنية التي بُعثرت بشكل غوغائي وعبثي.. واصحاب الحق ينتظرون يائسين خائفين من ان تتسرب الارض بالخفاء الى اصحاب (الوسائط)، لينفضّ (المولد) ويخرجون منه صفر اليدين.. ويُقال لهم: كل شيء انتهى .. وانتهت حكاية الارض وتلاشت .. فانسوا الامر ولا تذكروه ..
الى من وَعَدوا ولم يبروا بوعودهم ..فيما مضى سكت الناس لانهم دفعوا غالياً ضريبة الكلام ...
اليوم يجب ان لا يكون كالبارحة.. وعلى اصحاب الحق ان يعرفوا على اية ارض يقفون؟ ولمصلحة مَنْ تُحجب الاراضي ؟!

 
جنان بولص كوركيس
Jenan_polis@yahoo.com

16
الكل في قفص الاتهام

قيل الكثير وكتب كثير.. كثير عن حملة القتل والتهديد والتهجير التي طالت ابناء شعبنا في الموصل، ومن قبلها عن الغاء المادة 50 من قانون انتخاب مجالس المحافظات.. ومنذ ذلك الحين ونحن كل يوم نشهد ونسمع عبر وسائل الاعلام المختلفة تصريحات هي كالاحلام .. كلام في كلام..
كل الرموز السياسية والاجتماعية انبرت وبشدة لاستنكار ما حدث للمسيحيين (الاعزاء جداً والأصلاء جداً) لدفع التهمة عنها او عمن تمثلهم هذه الرموز من احزاب او كتل او طوائف او حكومات، ففي عراقنا حكومات وحكومات، وتفننت بخبث وبذكاء بالايحاء والقاء التهمة على الغير وعادة ما يكون هذا الغير هو غريمها ومنافسها على المكاسب.
وبدل الاجراءات الحازمة والشديدة لردع كل من تسول له نفسه القيام بهذه الاعمال الشريرة، يطلون علينا كل حين بتصريحات لاتسمن ولاتغني من جوع..منها:
... هناك ايد خفية وراء احداث الموصل الاخيرة!
... تردي الاوضاع الامنية الذي ادى الى هجرة المسيحيين من الموصل، تتحمل مسؤوليته قوات عمليات حفظ الامن التابعة للحكومة الاتحادية، بسبب تراخيها وضعف قدراتها في التصدي لبؤر الارهاب والجريمة في الموصل!
... حصلت اختراقات في داخل الاجهزة الامنية!
... انها عملية منظمة مدعومة من جهات محلية واقليمية ودولية، تصب في مخطط اعادة التوزيع الديموغرافي في العراق وتقسيمه!
... نزوح المسيحيين من الموصل بشكل متسارع ناتج عن حرب الاشاعة التي بدأت بتهديد بعض العوائل المسيحية فقط!
مللنا قراءة المقالات في الانترنيت.. مللنا سماع ومشاهدة المقابلات والحوارات التي تجريها القنوات الفضائية مع الرموز والساسة والنواب، فهم عادة يشرعون بالثناء على  المسيحيين وامطارهم بسيل من المدائح على انهم مكون اساسي في المجتمع العراقي ولهم ثقلهم في جميع الميادين واصلاء اصالة هذه الارض وحضارتها! ثم لا يكفون عن تعداد ما قاموا به من زيارات تفقدية للعوائل النازحة وتقديم المساعدات الانسانية لها.. فهذا يزهو بمال (شحيح) تصدق به على المهجرين .. وذاك ببطانية سحرية تقيهم برد الشتاء وزمهريره وتغنيهم عن الوقود والمدافىء.. وآخر يتشدق بوعود واهية ينساها حال مغادرتهم الى حيث النعيم في فردوسه المخملي.
الِفنا هذه الايام عندما نلتقي باحد من هؤلاء، ان يبادرنا بدل التحية والسلام بالسؤال الآتي: هل سمعتم او هل شاهدتم او قرأتم ما قلته وصرحتُ به عن المسيحيين (الاعزاء جداً) في مقابلة تلفزيونية او في حوار للصحيفة الفلانية؟ وعندما نقول كلا.. يستنكر ويشجب عدم مبالاتنا باحوال اخوتنا وابناء شعبنا المهجرين، ويغادرنا بوجه ملبد بغيوم غضب الدنيا كُلها لاننا لم نشاهد او لم نستمع الى بطولاته وصولاته وجولاته في هذا المضمار .. فهذا البطل المغوار امثاله كُثر هذه الايام..
من يحق لهم ان يغضبوا ..هم ام الشعب؟!
عندما.. تُقتلع العائلة من جذورها، وتهجر من ارضها ومنزل افراحها واتراحها ومرتع ذكرياتها.. عندها لا يُشفي غليلها  ولا يبدد غضبها كل ما صُرِّح به ويُصرّح .. فلسان حالها يقول: (الكل في قفص الاتهام) ..
عندما.. تشهد المرأة قتل ابن بطنها، ويسيل دمه البرئ دون جنحة او ذنب ارتكبه .. (الكل في قفص الاتهام)..
عندما .. يُفَجر عش الاسرة (منزلها) ويسوّى بالارض وعلى مرأى ومسمع منها .. (الكل في قفص الاتهام) .
عندما.. يُصَّرح بالقاء القبض على الفاعلين .. ثم ننتظر وننتظر متأملين ان نشاهدهم ونسمع اعترافاتهم، والجهة التي دفعتهم للقيام بفعلتهم المشينة ليُحاكموا ويُعاقبوا .. وتمر الايام ولاشيء بادٍ في الافق.. (الكل في قفص الاتهام) .
عندما.. تتنصل كل الكتل الكبيرة عن كونها سبب الغاء المادة 50 من قانون انتخاب مجالس المحافظات ثم تجتمع لانصاف المسيحيين والاقليات الاخرى، فتصوت على تقليص عدد مقاعدهم التي كانت اصلاً دون استحقاقهم بكثير، لتوجه لهم اهانة ما بعدها اهانة! لانهم "اصلاء جدا و اعزاء جداً على قلبها".. ( الكل في قفص الاتهام).
عندما.. يُلقي كل حزب او مسؤول حكومي التهمة على الآخر، ثم ينكر اقواله او اتهاماته في اليوم الثاني خوفاً من الآخر وتمسكاً بكرسييه.. (الكل في قفص الاتهام).
عندما .. تكون هناك تصريحات وتأكيدات رسمية بفتح لجان تحقيقية عقب كل استهداف، و دائماً يبقى عمل اللجان والنتائج التي توصلت اليها سرية وغير معلنة ،هذا ان كان هناك عمل ونتائج فعلاً، ...(الكل في قفص الاتهام).
واليوم، المهجرون يعيشون حالة غليان وغضب لن يستريح طالما واقعهم باقٍ دون تغيير، طالما سماسرة الكلام لايزالون يبيعون ويشترون في السوق السوداء.. فالمعاناة بدأت تأخذ شكل العادة والادمان..
وعقولنا قد تعبت من التقصي والكشف والبحث عن الحقيقة..
لا احد من الساسة والمسؤولين وكل من يتقاضى راتباً لقاء تمثيله ودفاعه عن الشعب، لا احد يستطيع ان يبريء نفسه من دم الذي قتل او شرد او الغي حقه في الدستور..
كلهم غارقون في التهمة حتى الركب (وكلهم في قفص الاتهام)..

جنان بولص كوركيس
Jenan_polis@yahoo.com

17
كل عام و(بيث عنكاوا) منبرٌ للحقيقة


اردناك مرآةً صادقة تعكس ما في عيون الناس، وفي اصواتهم، ودموعهم، وضحكاتهم، في الشارع او في داخل بيوتهم..
جعلناك تستميتين من اجل اظهار الحقيقة والاشارة الى مكامن الفساد والظلم والقهر..
انتشلناك من المنطقة المحايدة التي ارادوها لك ولمثيلاتك، لان مبدأ عدم الانحياز في السياسة لايمكن تطبيقه ابداً في الصحافة والاعلام..
نأينا بك عن ملامح الزمن الماضي المؤلم ..زمن اللاكتابة واللاحوار .. زمن الادباء والكتاب الذين تربيهم السلطة كالاغنام لاسترضائِها وتلميع صورتها البشعة ..
من خلالك اردنا ان نثبت بان وصاية السلطة على الكتابة قد انتهت، وان الزمن الذي كان يخاف فيه القلم من الكلام على الورق قد ولّى..
اردنا ان نثبت بأن زمن الاعلام الكاذب، والتمثيل على الشعب المقهور وختم الافواه بالشمع الاحمر قد انتهى.. وتحررنا من الضغوط التي كانت تمارس على اصابعنا واقلامنا، فليس بعد اليوم حظر علينا اذا ما تعرضنا  لكل من يتاجر بمصائر الشعب وقوته وانتقدنا اجهزة الدولة وكل من اساء استخدام سلطته..
ولكن، اقول هذا وفي فمي غصة .. فما زال السلوك التسلطي لاصحاب ورؤساء المؤسسات الاعلامية والثقافية مع الكُتّاب قائماً، بشكل علني او بكاتمات للصوت! .
.. فعلى هؤلاء ان يدركوا بان ما يدعونه حرصاً سينعكس سلباً على من يريدون كسب رضاهم ومودتهم بحجب الحقائق التي لابد لها ان تتعرى وتنكشف .. لانهم يجدفون ضد تيار الديمقراطية الذي هب على البلاد وسيجرف مَعهُ كل العثرات والاشلاء المتفسخة لتنظيف مجراه من ملوثات الماضي العفن.. هذا ما هو حاصل لامحالة..
فبوجه من سيقفون ويصمدون ؟! انه طوفان الديموقراطية الذي لايعرف اصحاب جاه او سلطان او سطوة .. فافتحوا الابواب على مصراعيها و دعوا الكلمة الحرة النزيهة تتربع على عرش السلطة الرابعة.. لان ديمقراطيتنا يجب ان لاتكون فقط تنظيرية او استعراضية شعاراتيه.. بل ديمقراطية التنفيذ والتطبيق الفعلي في كافة الميادين..
ولنبني جسراً مع الناس بلغة قادرة على التواصل والايصال، ولنكن صادقين شجعان في طرح قضاياهم ومظالمهم، فالجماهير لاتتسامح مع كاتب او اديب مزدوج الشخصية ومتذبذب في افكاره ومواقفه..
اقول قولي هذا وانا لست متفائلة بما ينتظرني وينتظرك يا (بيث عنكاوا) من زوابع وعواصف هوجاء، قد تطيح بنا وبك .. ولكن رغم ذلك سنوقد شمعتك الخامسة ونتمى لك العمر المديد..
كل عام وتجمهر الناس من حولك بازدياد ليعطيك مناعة كي لاتصبحي بوقاً (للبيت العالي)، وليقرأوا على صفحاتكِ حكاياتهم ومعاناتهم ومآسيهم وعواطفهم وافراحهم، بشكل طبيعي وبدون ماكياج او مونتاج ..
كل عام وكل الاقلام المخلصة والمساهمة بالف خير..
 كل عام وقراؤك الاعزاء بالف خير ..
كل عام وانت صادقة في نقل المشهد الشعبي الكبير في بلدنا وبلدتنا بشجاعة وموضوعية.
ودمت منبراً للحقيقة.

جنان بولص كوركيس
Jenan_polis@yahoo.com

18
شؤون بلدتي


تداعيات هستيريا الاراضي



انهيت مقالتي السابقة (هستيريا الاراضي) بعبارة وللحديث بقية...
وكنت انتظر اطلاق القوائم التي تحمل الاسماء بعد غربلتها بغربال الحق والعدالة - كما تدعي اللجنة-  ليتم توزيع الاراضي على مستحقيها..ولكن كل يوم يمر يجر الذي يليه وهكذا مرت اسابيع ان لم اقل اشهر، والى اليوم لم يظهر شيء في الافق.. في البدء كانت هستيريا الاراضي شديدة الوقع على الناس، ثم هدأت النفوس تدريجياً بعد ان أُشيع بان الحق وحده هو سيد الموقف في التوزيع.. وكل واحد كان قد بلّغ عن أو وشى بمجموعة من المتجاوزين وغير المستحقين وفي كثير من الاحيان كانوا من ذوي القربى أو من دائرة الاصدقاء او المعارف او الجيران، ولكن الشعور بالحيف والظلم جعل الناس يغضون الطرف عن صلة الرحم وحق الجيرة ويقطّعون عُرى الصداقة.. (لماذا هذا يستحق وانا لا استحق وبأي قانون؟) لماذا يزأر قانونهم كالأسد في وجهي ويخنث عند عتبة باب فلان أوفلان؟ أ لأنه  محسوب على مسؤول كبير او حزب متنفذ؟ ام شمله كرم احد رجالات الدولة مقابل خدمة شخصية اسداها له، أو..أو..الخ. اتعجب حقاً من عظمة كرم المسؤولين لمواليهم واقاربهم وحاشيتهم من العامة!. وهباتهم عادة لا تخرج من جيوبهم ولا من خزاناتهم المتخمة ولا من حساباتهم في البنوك الخارجية، بل بجرة قلم يأمرون فيها المطيعين في المجالس البلدية بتخصيص قطعة ارض لفلان او لعلان،  ويؤكدون على ان تكون في موقع ممتاز، ويذيلون الامر بتوقيعهم بكل فخر واعتزاز!! ثم ينتشون لتلقي آيات الشكر والامتنان والدعاء من افواه المتعطفين عليهم .. بأي حقٍ يتكرمون و يتبرمكون ( إن جاز التعبير) بأرض ليست ارضهم و يتصرفون بها لتلميع صورتهم؟! هذا الواقع وهذا السلوك افرز جملة من الامور السلبية السافرة منها: التفاوت في احقية امتلاك الارض من عدمها، فأوجدوا ضوابط فُصِّلَت لتلائم مقاسات من قرروا منحهم الارض دون الرجوع الى القانون الذي حتما يحسم ان كانوا يستحقونها ام لا. وهكذا اتسعت الهوة وغمقت فأصبح ردمها شبه مستحيل، لذا اناطوا بالمهمة الى (لجنة توزيع الاراضي) وشملت هذه اللجنة من شملت، فهي بلا شك لم تفوض من الشعب مطلقاً، لذا نراها تعطي الشرعية للضوابط السابقة لتجامل الذين شرّعوها وطبقوها وفقاً لمصالحهم ومصالح اتباعهم.. فعلى سبيل المثال: احد ضوابطهم اللامنطقية يتيح لمن حصل على ارض سكنية قبل الانتفاضة (انتفاضة 1991 المباركة) ان يحوز على اخرى بعد الانتفاضة! وكأنه كان بطلها وهذه هي هديته المتواضعة!  و بذا يعتبر غير مستفيد البتة..ارضه قبل الانتفاضة قد تبخرت بتبخر النظام السابق الذي كان يوزعها على ازلامه ومَن ارتمى في احضانه ويحرّمها على من لايدين له بالولاء التام، فيالسخريات القدر وما اكثرها هذه الايام في واقعنا اللامعقول! تأتي الانتفاضة ليُكافأ المستفيد مرة اخرى ويُحرم المحروم مرة اخرى! او يُطبق عليه قانونهم، فاذا استوفت حالته شروطهم الجديدة كان بها، فيحصل على قطعة ارض واحدة وليسدّ فاه  مدى الحياة، ويكثر من الحمد والشكر لمن انعم عليه بهذه الهبة وكأنها ليست حقاً مشروعاً من حقوقه ودون منّية من احد ..
 قبل الميلاد وبعد الميلاد (ميلاد السيد المسيح عليه السلام).. قبل الثورة وبعد الثورة (ثورة 14 تموز المجيدة).. قبل السقوط وبعد السقوط.. قبل ترك الوطن في محنته وبعد العودة اليه وهو شبه معافى (في اقليم كوردستان)، وقبل .. وبعد .. الى ان وصلنا الى قبل الانتفاضة وبعد الانتفاضة، وكانت هذه (القبل و البعد) الاخيرة خيراً مضاعفاً على من نال الخير في زمن النظام السابق، و وبالاً مضاعفاً على من حصل على حقه او لم يحصل عليه بعدها.. وكذا الحال بالنسبة للمستفيد قبل الزواج ايضاً.
 هناك افرازات اخرى لا ادري هل ينفع لفت النظر اليها وشد الانتباه لحلها وتحاشي الوقوع في مأزق يصعب حله  بعد فوات الاوان؟ ومنها: عندما تمنح قطعة ارض لشاب او لشابة قبل الزواج (لا اعتراض على ذلك مطلقا)، ولكن عندما يُقبل كل منهما على الزواج، فحسب القانون الجديد يحق للعائلة الجديدة الحصول على قطعة ارض اخرى بـ(عقد الزواج)، وقد يكون الزوج والزوجة من المستفيدين قبل الزواج فيتم تزويج ارضه بارضها! فكيف يحل هذا الاشكال دون ضوابط جادة و قانونية ياترى؟
هناك من حاز على قطعة ارض بانتمائه الى احد الأحزاب الكوردستانية القومية او الوطنية، وحسب القوانين المبتكرة والمتبعة حالياً، سيحوز على اخرى عندما ينتقل من هذا الحزب الى حزب اخر، وهكذا يكون الجو خصباً للانتهازيين فيتنقلون ويزقزقون من حزب الى اخر والقانون بجانبهم ..
 لكل القوانين والضوابط المتبعة من قبل اللجنة ثغرات لايمكن ان تولد الا المزيد من العثرات والاخفاقات اذا ما طبقت، فمنح الاراضي للمعاقين (لا اعتراض على ذلك ايضاً) وبقرار غير مدروس و اعتبارات عشوائية غير منطقية، سيولد اشكالات لا حصر لها من حيث مَن سيتصرف بالارض اذا كان المعاق عقلياً او بدنياً لا تسمح له درجة اعاقته ان يتصرف بها بنفسه؟ كذلك مسألة تحديد الاعمار ايضاً ليست صائبة بل يجب اخذ مدى الحاجة او عدم الاستفادة مطلقاً بنظر الاعتبار قبل العمر..
 افرازات كثيرة لاتعد ولا تحصى وما خفي كان اكثر واشمل .. لا ادري كيف قبلت اللجنة بتسلم هذه المهمة المستحيلة، ولا ادري ما حجم الصلاحيات الممنوحة لها؟ هل تستطيع اللجنة مثلاً ان تشطب اسم من كان مستفيداً  من منحة او هبة بتوقيع احد الكبار في الدولة؟ او تعترض بصوت عالٍ على اسماء اضيفت على القوائم بعد انجازها من قبل جهات اخرى (فوقية)،من دون علم اعضاء اللجنة، أو اذا ما خرجت قوائم مرفقة (في الظل) بالاسماء التي تم شطبها؟ او.. او.. وان كان الجواب بـ (لا) فعن اية غربلة عادلة تتحدث اللجنة؟!  ثم لماذا.. ومتى ستطلق القوائم؟
المستحقون تملكهم اليأس والمتجاوزون نهشهم القلق وشبت في داخلهم النيران.. اطلقوها ان كان العدل ميزانها قبل ان تبتلعها الحيتان الكبيرة.. فاطلاقها يُشيع الفرح في نفوس المستحقين ويبدد عتمة الشك فيها .


جنان بولص كوركيس
Jenan_polis@yahoo.com

19
المنبر الحر / شؤون بلدتي
« في: 20:25 14/04/2008  »
شؤون بلدتي


هستيريا الاراضي


هذه الايام تعصف باهل بلدتي وساكنيها عاصفة هوجاء لاتستكين، اشعلت الحرائق في كيانهم وشلت تفكيرهم، فاصبحوا لايعرفون للسكينة والنوم طعماً.
هاجس (توزيع الاراضي) سرق منا جميعاً (المستفيد وغير المستفيد) الهدوء والطمأنينة، وزرع القلق في اعماق اعماقنا.. كل ليلة قبل ان نأوي الى فراشنا نبلع قرصاً من القناعة ولكن دون جدوى، لاننا نعجز حتى مع المهدئات ان نبتلع قلقنا وغضبنا وشعورنا بالغدر وعدم المساواة وبالعدالة الغائبة..
ولكن .. لماذا اهالي عنكاوا اليوم يتقاتلون ويخوضون معارك كلامية دامية للحصول على قطعة ارض سكنية في بلدتهم؟ يبدو ان الشك يساورهم بامكانية  ضمان حصول ابنائهم على ارض سكنية في المستقبل لاحساسهم بان مستقبل عنكاوا غامض ومبهم . فالكل يعتقد بان هذه الوجبة من الاراضي التي سيتم توزيعها هي الاخيرة، لان عقارنا قد نفذ او اوشك على ذلك . وما تبقى منه مخصص لمساطحات ومشاريع لاتمت الينا بصلة، وكأن الحكم قد صدر باعدام جميع اراضي عقار عنكاوا اليوم وليس غدا،ً وهذا الامر او الحكم لايقبل الاستئناف ولا التمييز.. اذاً القلق مشروع في نفوسنا..
 الناس يتقاولون و لا ادري ما مدى صحة هاجسهم هذه المرة.. الكثير من القرى التي كان يقطنها ابناء شعبنا (الكلداني السرياني الاشوري) في كوردستان قد خلت منهم اليوم الا ما ندر... فمثلاً عقرة، حرير،  باطاس، هاوديان و.. وستلحق بهم قريباً ديانا وشقلاوة وارموطا ولا استبعد حتى بعض قرى ونواحي سهل نينوى. اذاً اهل عنكاوا ومن نزح اليها من هذه القرى الكوردستانية يضاف اليهم النازحون من ابناء شعبنا من المناطق والمدن الساخنة كبغداد و الموصل والبصرة، هذا الخليط الغير المتجانس والكم الهائل يتزاحم اليوم ويتناحر للحصول على قطعة ارض سكنية في (ارض الميعاد) ارض عنكاوا..تُرى اليس الامر مقلقاً ومرعباً الى حد كبير؟!!
اليست قراهم وارض اجدادهم غالية عليهم كغلاء عنكاوا على قلوب اهلها؟
هل طغت معزتهم لعنكاوا على حبهم لمراتع طفولتهم؟ فهجروها بدم بارد غير آبهين لمن ستؤول من بعدهم وماذا سيحل بأرض اجدادهم، يبدو انهم قد الغوا قراهم ومدنهم من خريطة قلوبهم من اجل سواد عيون عنكاوا!!
انا لا اريد ان القي اللوم على احد، ولكن ادعوكم جميعاً لحل هذا اللغز المحير..
جميل ان يتم تشكيل لجنة جل اعضائها من منظمات المجتمع المدني لحل معضلة توزيع الاراضي في عنكاوا ..
وهذه الخطوة  التي خطتها حكومة الاقليم تستحق الاشادة حقاً،ونأمل ان تصبح ظاهرة متبعة في الشؤون العامة من الان فصاعداً ..
تشكلت هذه اللجنة (لجنة توزيع الاراضي) دون ان تُنتخب .. عمل هذه اللجنة ليس سهلاً بل هو اصعب من الصعب، لانها تسلمت قائمة من اسماء الذين سيحصلون على قطعة ارض في عنكاوا، وهذه القائمة المشوهة تفوح منها راحة الغش والتزوير والغدر والخداع.  تبقى اللجنة مطالبة بالسعي الدؤوب والمخلص لايجاد الأطر المناسبة والقادرة فعلاً على النهوض بهذه المسؤولية الوطنية التاريخية المنتظرة منها، بتسليط نور الحقيقة على هذه القائمة ليفضح كل ماهو عارٍ عن الصحة وبعيد عن الصدق ومخالف للعدالة والحق...
الرجوع الى القانون في مثل هذه القضايا الشائكة هو الطريق الأصوب، وانا اعني القوانين المتبعة عادة في توزيع الاراضي في جميع محافظات القطر، وعدم الاعتماد على ما يسمى (بالضوابط المرحلية) التي وضعت قبل تشكيل اللجنة لغرض في نفس يعقوب او لحل مشكلة مستعصية في حينها .. فلو اعتمدت هذه اللجنة على تلك الضوابط وأعطتها الشرعية، ستنصف القلة القليلة وتلحق الظلم بالكثيرين من غير المستفيدين و تجيز للمستفيد سابقاً الاستفادة ثانيةً وربما ثالثةً و...  .اذاً  بالتجرد من المنافع الذاتية والابتعاد عن المحسوبية والمنسوبية وعدم اعتماد مبدأ (شَيّلني واشَيّلك) ووضع القانون فوق الكل، كبير المقام قبل صغيره، وعدم مخالفته تحت اي مسمى كان وبأية ذريعة كانت، سيتم انصاف الجميع . ومن لا يقتنع بذلك فليواجه القانون..  فاعطوا كل ذي حق حقه واردعوا بالقانون كل متجاوزٍ طماع، وحكّموا مع القانون ضمائركم كي لايبيت احد في بلدتنا والغصة في حلقه والعبرة في مقلته، ولكي لايغادرهذه الدنيا اي من اصحاب هذه التربة وعينه مسمرة على قطعة ارض ظلت عصية عليه وبعيدة المنال طيلة حياته، بينما يقتطع منها غيره  وبمرأى منه وبدون وجه حق ما يريد ويشتهي وباسم القانون ..
اعدلوا لتهدأ نفوسنا ونفوسكم.. وللــحـديث بـــقيـــة.. 

جنان بولص كوركيس

Jenan_polis@yahoo.com



20
2007
صفحة من كتاب العمر انطوت

كل عام يمضي نطويه من عمرنا.. مضى عام 2007، طويناه وطوينا معه صفحة مليئة بالفشل والخيبات والنكبات والازمات والقتل والتهجير والترهيب والارهاب والاماني المؤجلة الى اجل غير مسمى...
فكم دفعنا غالياً ومازلنا ضريبة التغيير المنتظر ..
تناثرنا بين المنافي نتسكع في طرقات العدم..
كل بلداتنا تعد حقائبها للرحيل عن الوطن..
بنايات تاريخنا تنهار جداراً بعد جدار..
وابسط الخدمات غادرتنا ولاتزال في خبر كان ..
ومعظم القرارات التي تهم الشعب لاتزال تنتظر الحسم من لدن المجلس الوطني الموقر، وما تم حسمه منها كان مجحفاً ومخيباً لآمال الشرائح الاجتماعية المهمة التي انهكها الانتظار، واما القرارات التي أُقرت وتم التصديق عليها فمعظمها لم يتم الأخذ بها وتطبيقها الى الآن.
فعلى سبيل المثال: مصير البطاقة التموينية لايزال مجهولاً، وقانون التقاعد يترنح بين المد والجزر و القائمة تطول ...
لقد مرت الاعوام ثقيلة وليس هنالك مايبهج القلب من كل اخبارنا.. الفساد الاداري والمالي ينخر جسد الدولة ولم يُبقِ منها الا الجلد والعظام.. سماؤنا ليس بها سحابة .. اطفالنا ليس لهم طفولة.. المفخخات تحصد الارواح والاجساد..و..واين يذهب موتى الوطن وكل العقارات فيه مخصصة لمن نصبوا انفسهم حراساً للوطن؟!
كل عام يمضي بغصة كبيرة على امل ان يكون القادم حاملاً للفرج والتغيير، ولكن يبدو ان الامر صار قذى في عيوننا يقلقنا ونجتهد في ازالته ولكن دون جدوى..
رهيب ما يحدث في بلدنا وعجيب غريب أمر قادتنا، فهم في منتجعهم يفلسفون الفشل والخراب والفساد ويدافعون عن اخطائهم بقوة اكثر مما يدافعون عن صوابهم ..
مع قدوم العام الجديد منينا النفس بتحقيق بعض الاماني المؤجلة ولو بفرحة صغيرة يرقص لها القلب الكليم.. ولكن ماشاهدته على قناة art الفضائية سرق تلك الفرحة الصغيرة وابدلها بغضب وحزن ودهشة ..
 ( يد العرب بيد العراقيين) 
انها الحملة التي اطلقتها الجامعة العربية لمساعدة اللاجئين العراقيين بمساعدة عدد من الفنانين يتقدمهم عازف العود العراقي نصير شمه، لجمع التبرعات من اجل بناء مدارس واغاثة عوائل عراقية مهجرة داخل وخارج العراق وخاصة العوائل التي تقيم حتى الان في دول الجوار..
ويقول شمه: ان الحكومة العراقية وعدته على لسان وزير خارجيتها ان تكون اول واكبر المتبرعين!!.. عن اي تبرع تتحدث حكومتنا؟! أ من اموالنا يتبرعون لنا؟! عجبي!! اما كان الاجدر بها ان تحل مشاكل المهجرين التي كانت هي احد اسبابها؟
ياللعار ... ياللعار، انه الاستجداء ايها العراقيون يا اصدقاء الحزن، يااصدقاء الجرح، عصرنا عصر لامثيل لقبحه، العراقيون يستجدون الفتات من موائد الذين امتلأت جيوبهم باموال العراقيين في العهد البائد الذي كان سخياً معهم لشراء ذممهم بحجة الحلم الوحدوي الكبير، وبنوا من فلوس نفطنا اهراماً من النفاق والدجل.. ما ابشعها من بداية لعامنا الجديد! هل مات الضمير الحي في عراقنا؟ كيف نمد يدنا لاستجداء الفضلة من العرب..
اين الصيارفة الذين تقاسموا ميراثنا.. وتقاسموا وطننا.. وتقاسموا ثرواتنا وادخلونا ثقباً صغيراً يسمونه الطائفية، وشطبوا اجمل سطرٍ في كتاب عمرنا واسكنونا الاطلال والخيم وجعلونا مهجرين داخل بلدنا وخارجه، نمد يدنا طلباًَ للعون والمساعدة بسبب شحة ذات اليد، وضغط متطلبات الحياة..
اين الهاربون من الشهامة والرجولة .. هل ماتت ضمائرهم وغارت الى غير رجعة؟ لماذا لا يتكفلون باعانة ابناء شعبهم ودرء العازة عنهم باقتطاع جزء من رواتبهم التي تفوق رواتب معظم ملوك ورؤساء العالم..؟
اين حصة المواطنين من البترول العراقي؟ هل نشف هو الآخر وابتلعته الحيتان؟!
ماذا اقول يا عامنا الجديد.. عساك ان تأتي لنا بالسلام والخير والعودة الى الرحم الذي تشكلنا فيه بعد ما تناثرنا في كل القارات.

Jenan_polis@yahoo.com

جنان بولص كوركيس

21
المنبر الحر / كان ياما كان..
« في: 01:42 24/11/2007  »
كان  ياما  كان..

ليس بهيّنٍ ان يصبح مرتع طفولتنا وارض ابائنا واجدادنا شيئاً من الماضي، كل ما فيه آيل الى الزوال.. كل الاشياء الجميلة في بلدتي والمعالم الشاخصة التي كانت تحدد سمات شخصيتها وشخصيتنا،طالتها يدٌ انانية قاسية، فاغتالتها وازالتها من الوجود لتصبح جرحاً لايندمل نحمله في قلوبنا ومقل عيوننا اينما حللنا.. ذكرى تؤرّقنا وتفجعنا حتى في افراحنا ووسع ثرائنا وهنائنا..
لكم هو صعب وأليم الذي حل ببلدتي.. فانا اتجرع العلقم واحس بمرارته في فمي وفي قلمي عندما اكتب عنه او ارويه لابنائي..
شئنا ام ابينا اصبحنا نستهل كلامنا بعبارة (كان ياما كان في سالف العصر والازمان) كلّما حدّثْنا اطفالنا عن معالم عنكاوا التي كانت تميزها وتميزنا معها عن باقي خلق الله.
.. هنا كنا نفترش العشب الاخضر ربيعاً، ونعد الشاي ونتناول معه خبز التنور الذي كانت تختلط رائحته بعطر ازهار بريتنا التي كانت تخلب الالباب بجمالها، وتجعلنا نستنشق هواءً نقياً نملأ به رئاتنا، لنستقبل يومنا بطاقة وعافية ورضا يغنينا عن مال قارون الذي سلطانه كمم افواهاً كُثر هذه الايام واخرسها واعمى بصيرتها.. هنا لعبنا.. وهنا مرحنا.. وهنا زرعنا الحنطة والشعير والحمص والعدس و ... الخ.. وهنا كانت بيادرنا بكبريائها تبهرنا وتدر على بلدتنا خيراً وبركة.
..أشرد بعيداً عندما اسمع طفلاً يسألني كيف يكون الزرع وماشكل السنابل ولونها؟ أيعقل ان يسأل طفل ريفي هذا السؤال؟ اين الريف؟ وأين هي الحقول والمزارع والارض الخضراء؟ اذا كان ابن الريف هذا سؤاله، فلا عتب على ابن المدينة...
ولكن، العتب ليس على ابن الريف الذي ابصر منذ مجيئه الى الدنيا، قصوراً وعمارات شاهقة تتعب بصره عندما ينظر اليها.. طرازها وحلتها لايمتان الى الريف بصلة، فهذه الكتل الحجرية الهائلة حلت محل السنابل الذهبية وكتمت انفاس العشب الاخضر وشقائق النعمان والزهور البرية بالوانها الزاهية، وجثمت ثقيلةً على صدر ارضنا وصدورنا، فهي قبيحة في عيوننا، التي مازالت ترنو الى الافق لكي ترى ما كان يريحها من ارض الاجداد التي عُرفت بخصوبتها وسخاء عطائها.. ولكن الارض سُرقت ونُهبت لانها (ارضٌ ذهبية)!! ويعللون عملهم القبيح باغتصاب ارضنا بحجج واهية كبناء قرية سياحية واخرى المانية واخرى لبنانية و...الخ.
لمن كل هذه القرى في بلدتنا ياترى؟! لاهلنا ام لسراقنا ام للجشعين الذين سنظل  نصرخ بوجههم دون وجل، وصراخنا صراخ مبرر وشرعي لان كل ما حولنا وما ارتكب بحقنا يدفعنا الى ذلك.. يقولون اننا جمّلنا بلدتكم وزينّاها وطورناها.. ونحن نقول لهم: اذاً لماذا يهجرها اهلها مرغمين الى شتى دول العالم؟! علماً ان تعلقنا ببلدتنا اسطوري لايوصف، فالعنكاوي المغترب لايستطيع ان يكون مواطناً سويدياً، او المانياً او امريكياً او هولندياً او.. او..، لاننا لا نستطيع ان نقطع علاقتنا ببلدتنا مهما طال امد الفراق، لان قطع علاقتنا معها يعني قطع جميع شرايننا، فهي جزء من دورتنا الدموية، وان هجر هذه المدينة كان ولايزال يساوي هجر الحياة، فنحن عادة نجد صعوبة كبرى في التفاهم مع المدن الاخرى .
هذه البلدة الهادئة الوديعة كانت قد استحوذت على كل مشاعرنا وافقدتنا شهيّة الخروج الى البلدان الاخرى كما فعل غيرنا..كنا نشعر بنوع من الاكتفاء الذاتي، يجعل التسكع على ارصفة شوارع البلدان الاخرى عملاً ترفضه طبيعتنا.. كانت بلدتنا هي نهاية حدود العالم عند اطفالنا، كانت الصديق والملعب والمشتى والمصيف، كنت استطيع ان اغمض عيني واعدّد بيوتها واناسها، شيبها وشبابها، اطفالها وموتاها، اشواكها وورودها، ازقتها ومدارسها و...و.. هذه البلدة كانت قد تركت بصماتها واضحة في نفوسنا، اينما سافرنا نحملها معنا في قلوبنا وفي حقائب سفرنا..
بلدتي.. مااشبهك بصبية جميلة المحيا بجدائل ذهبية مرخية، حامت حولها الغربان السود وانقضت عليها بشهوة عارمة، مزقت جسدها الطاهر، شوّهت وجهها الجميل، قصت جدائلها الذهبية، تركتها عجوزاً بوجه مطلي باصباغ رخيصة وبشعر مستعار لعين(الباروكة) حل محل الجدائل الذهبية، وبقلبٍ يعصره الالم والاسى.. فهي اليوم باتت مسبيّة مدنسة..
 جمال الصبية كان نقمة عليها لا نعمة، وكذا هو حال بلدتي التي وُصفت ارضها بـ(الذهبية) بعد ان ابتلع الوحش الكاسر (المطار) آلاف الدونمات منها واصبح لصيقاً ببيوتها ليزعج اهلها ويملأ زعيق طائراته فضاءها ويلوثه ويلوث صدورنا..
بلدتي.. ليتني استطيع ان لا اكتب عنك.. ليتني استطيع، ولكن يبدو انني لا استطيع ان ابتلع احزاني ولا استطيع ان لا اكتب عنك.. فانت امامي ... ورائي ... في خلايايَ... في ردائي .. وفي اصابعي.
جنان بولص كوركيس
Jenan_polis@yahoo.com

22
((الامة فوق الحكومة))

كنا نحلم بديمقراطية لافرق فيها بين من يملكون ومن لايملكون، وبين من يحكمون ولا يحكمون.. كنا نحلم بديمقراطية يصبح فيها الوطن حديقة عامة يتمدد على عشبها الأخضر ملايين المتعبين... كنا نحلم بوطن يعيش فيه الناس في حضرة القانون متساوين، متعادلين متجردين من مناصبهم.. والقابهم.. وثرواتهم ... وفروقاتهم الطبقية.. هذا مابُشرنا به ولكن واقعنا الجديد اظهر لنا باننا نحلم بمجيء الذي لايجيء، والآتي الذي لا يأتي.. فحلمنا هو انتظار ما لايُنتظر.
يبدو اننا ننحدر من سيء الى اسوأ.. لان الوطن الجدير بالدفاع عنه هو ذلك الوطن الذي تتوزع فيه النكبة بين ابنائه بالتساوي، وتتوزع النعمة بين ابنائه بالتساوي.. نصيب الكل من الخسارة والكسب سواء. ولكن النكبات والازمات توالت وتتوالى على وطننا ونرى انها طالت وانهكت الذين لايحكمون ولا يملكون ولكنها لم تطل ولم تقترب من الذين يحكمون ويملكون.. امّا النعم التي يرفل بها الذين يحكمون ويملكون عزت على الذين لايملكون ولا يحكمون..
فاين العدل في توزيع النكبات ونعم الوطن؟!
نقول للذين يقودون البلاد نحو المجهول ما قاله اشهر حاملي شهادة القانون، سعد زغلول، " ان الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة" قول جميل اهتزت به اعواد المنابر زمناً ... ولم يهتز به شيء آخر..
هذا القول يقفز الى الاذهان امام هذه الاحداث التي تجري هنا في بلدي.. فالقوة فوق الحق وفوق القانون، هذا ان كان هنالك قانون .. سنوات ونحن ندفع أتاوة الحروب والازمات يوم كان الخوف من امامنا والخوف من ورائنا ومراقبون حتى في بيوتنا.. وها نحن اليوم  ندفع اضافة الى ذلك اتاوة الديمقراطية والحريات وخوفنا قد اصبح خوفاً من نوع اخر ولون اخر.. فالمفخخات ومجتزو الرؤوس وعصابات الخطف والسلب واللصوص والمرتشون يتربصون لنا في كل مكان وفي كل أوان... ومازلنا كما كنا نركض من سيد الى سيد ومن مسؤول الى مسؤول ومن متنفذٍ، الى متنفذ، من اجل المطالبة بابسط حقوقنا ومستحقاتنا ولكن في معظم الاحيان نواجه بالضوء الاحمر لا لشيء الا لاننا من طبقة الذين لايملكون ولايحكمون!!
يبدو ان الفروق الطبقية باتت شاخصة اكثر وعميقة بعمق جراحنا، وتعودنا ان نردد الماً (اشتدّي ازمةً تنفرجي)  ونظل ننتظر الفرج الذي قد يأتي.. ولكن متأخراً.

جنان بولص كوركيس
Jenan_polis@yahoo.com


23
التنقية وبراءة الذمّة
 



لست مغاليةً اذا قلت ان معظم ما في الكون من أشياء ان لم أقل كلها تحتاج الى تنقية بصورة مستمرة أو بين الحين والاخر لتتخلص مما علق بها وقضى على صفائها . فالمعادن حتى ذهبها يحتاج الى تنقية واستخلاص لاظهار بريقه وصفائه وروعة جوهره.. كذا الحال بالنسبة الى ثلاثة ارباع الكرة الارضية وجوفها من الانهار والبحار والمحيطات والعيون والابار، مياهها حتى ولو كانت زلالاً الا أنها تحتاج الى تنقية وتعقيم لتخليصها مما مايعلق بها من ملوثات ومكروبات تجعلها سبباً للاصابة بالامراض التي قد تكون مميتةً لمن يشربها..
والصرخة اليوم  عمت الكون محذرةً  من تلوث بيئي خطير أصاب الهواء الذي نتنفسه لان التلوث الذي أحدثه فيه الانسان أوشك أن يودي بحياة الانسان! فالحاجة الى تنقيته اصبحت مطلباً ملحاً .. كثيرة كثيرة هي الاشياء التي تحتاج الى غسل وتنقية لتصبح صالحة للاستعمال.. والانسان هذا المخلوق الذي سُخر له كل ما في الكون أصبح يزداد تلوثاً يوماً بعد اخر، ولو كان تلوثه خارجي فالاغتسال اليومي لكان  كافياً، لكن تلوثه الداخلي بلغ درجة بالغة الخطورة فمياه الكون لا تستطيع أن تغسل ذنوبه وتبرئه مما علق بأعماقه وبواطنه !!
اذاً زمننا زمن صدىء، زمن الجريمة والسُخام، زمن التلوث والذنوب.. لقد جفت ينابيع الخير في داخلنا وتراكمت البشاعة في نفوسنا ، فكيف نسترد طفولتنا ونقاءنا ونضيء شمعةً في ليل ضمائرنا ونكسر الجليد المتجمع في  وجداننا ؟.. علينا بتنقية النفوس والضمائر وذلك بمراجعة الذات بين الحين والاخر واسترجاع كل ما فعلناه في مسيرتنا ومن ثم تقييمه وتصنيفه، فان رجحت كفة الخير والاستقامة منحنا ذاتنا براءة الذمة، وان رجحت كفة البشاعة والذنوب فعلينا أن نشن عملية انقلابية على الشر والطمع في داخلنا، و نكفر عن ذنوبنا بأن نصلح ما يمكن اصلاحه ونعوض من الحقنا به ضرراً أو اجحفنا بحقه ونتوب توبة نصوحةً بالاّ نعود الى أفعالنا المشينة، وان عدنا فعلينا ان نعلم بأننا  نكون قد تشوهنا من الداخل ولن يشفينا أي دواء أو عقار..  سنودع الراحة النفسية والسعادة الحقيقية ونتقاعد ذهنياً ونعيش بضمائر ميتة .. الكل يعلم بأن الطالب الجامعي لا يمكنه الحصول على نتيجته في نهاية كل عام دراسي الا بعد حصوله على براءة الذمة وذلك بارجاع ما في ذمته من كتب ومستلزمات دراسية وتعويض ما أتلفه من أجهزة مختبرية ..وكذلك أي موظف عندما يُنقل من محل عمله الى اخر أو من  وظيفة الى أخرى عليه أولا ببراءة الذمة ..والكل قبل ان يغادر هذا العالم الى العالم الاخرعليه الحصول على براءة الذمة، اذا كان هذا حال معظمنا فالويل لمن كان يتحكم بمقدرات الشعب من خلال كرسي ظفر به باستحقاق أو بدونه وأخذ من خلاله يتصرف كما يشاء بأموال الشعب وأملاكه ومستحقاته، فمع ازدياد لمعانه وبريقه الخارجي يزداد بموازاة ذلك بشاعة وقتامة من الداخل..
فلا الكرسي دائم، ولا العمر دائم.. وكما يقول جبران (الارض عندما تتنفس فنولد ثم تستريح أنفاسها فنموت) فعليه أن يسرع في تنقية ذاته لنيل براءة الذمة قبل فوات الاوان لان ذلك سيأخذ منه وقتاً طويلاً نظراً لهول مظالمه والذنوب المتراكمة في داخله.. فحذارحذار من المماطلة والاستخفاف في الحصول على براءة الذمة لان الأجل قد يخطفه دون أن يبريء ذمته ويستعد ليوم الحساب .


Jenan_polis@yahoo.com

24
ذر الرماد في العيون

همومنا كُثُر ومن الصعب تهويل هم على آخر، فجميعها ثقيلة نئن تحت وطئتها ونرزح، فبعضها نتناساه حينما يشتد علينا هم آخر، فحالنا ان نكتب عن همًّ ونؤجل الآخر. ومن الهموم التي مللنا الشكوى منها واستصغرنا من يكتب عنها لانها اصبحت داءً مزمناً ومستفحلاً لا امل في الشفاء منه، واللقاح ضده لم يكتشف بعد.. مع حلول الصيف الحارق والذي قدر علماء الطقس والبيئة بأنه سيكون لهاباً اكثر من غيره لاسباب تتعلق بتلوث الجو والاحتباس الحراري، اخذت الدول تعد العدة للتخفيف من وطأة درجات الحرارة المرتفعة اكثر من معدلاتها الطبيعية لمنع حصول الكوارث التي ستحصد الارواح بلا شك نتيجة ذلك .. اما نحن فهذا التحذير لا يشملنا ولا احد يكترث بما سيصيبنا لاننا رُمينا على هامش الحياة والزمن، فحتى المناعة الذاتية التي اكتسبناها منذ الولادة قد نفذت او اقتربت من نهايتها وحكوماتنا همومها كثيرة ومتعددة فلا تريد هماً اخر يضاف الى همومها ويقلق راحتها .. ماذا يعني حرارة اعلى من معدلاتها؟ ماذا يعني الاختناق من شدة الحر لمرضى الربو او القلب او موت مئات الرضع من الجفاف، ماذا يعني انخفاض اداء العمال و موظفي الدولة، والأمَر من هذا كُلّه والذي كان احد اهم اسباب تركي لكل المواضيع الملحة والتوجه بالكتابة عن هذه العاهة المستديمة هو: ماذا يعني ان يمتحن الطالب – وخاصة طلبة المراحل المنتهية -  والعرق يتصبب من جميع انحاء جسده؟ ويتنفس بصعوبة وبحشرجة تختلط مع آهات  الرهبة من هول الامتحان والتوجس من صعوبة الاسئلة والمصير الذي يتوقف على  نتيجة هذا الامتحان فقط  والتحسر على كل الجهد الذي بذله في السنوات السابقة والذي  لا يشفع له نتيجة  النظام الخاطيء المتبع في عملية التعليم والتقييم في بلدنا الذي احترنا ان نشخص فيه امراً ايجابياً لنجابه بعشر من السلبيات..
اقول هذا لانني وجدت كل ما سأكتبه لايساوي نظرة عتب من عيني طالب يؤدي الامتحان  في شهر حزيران الحار حينما لا نستطيع ان نوفر له ابسط ما يستحق ان يُوفر له من اضاءة صحية لاتتعب العين و جو معتدل البرودة يستطيع معه ان يؤدي ما عليه باعصاب هادئة ونفس مرتاحة.. كلما رأينا المصبايح التي تشع اضواء حمراء وصفراء وخضراء وزرقاء ووردية التي تزين - بطريقة  لا تمت الى الذوق السليم بصلة - مدخل بلدتنا، والأضوية التي تتلألأ في شوارعها الداخلية بما يوحي بافراط في استهلاك الطاقة الكهربائية، نستنكر هذه الزينة الزائفة ونلعن كل من خطط بشكل مبالغ فيه لإنارة الخارج وتعتيم الداخل!. فهذا يعكس مدى هول الفجوة بين هموم المسؤول المتنفذ والمتنعم وهموم المواطن المحروم البائس، لماذا لا يخططون لكيفية الموازنة بين انارة الشوارع والمساكن ليتلقوا بدل اللعنات دعاءً صادقاً بالموفقية والصحة وتسديد الخطى والعمر المديد؟! يبدو انهم في غنى عن دعائنا او قد يتقززون منه كما يتقززون منّا. فنحن الشعب وهم السادة فما حاجة السيد الى دعاء العبد؟! سرطان استشرى في جميع المفاصل والزواغير، كيف الطريق الى استئصاله؟.. تأتينا البشرى السارة بين الحين والاخر عن اكتشاف دواء او اشعة معينة للحد او القضاء على بعض انواع السرطانات التي تفتك في الابدان، ولكن سرطاننا المستفحل لا بارقة امل تلوح في الافق لتقول لنا ابشروا فالدواء قادم والعلاج على الابواب.. أفقنا معتم.. معتم والنور قد غادر مصيرنا والكهرباء قد خاصمنا وادار ظهره لنا الى غير رجعة، فليتمتعوا هم وابناؤهم ومن دار في فلكهم بنعيم الحياة وكهربائها، والى الجحيم كل من فتح فاههُ وطالب بالماء او الكهرباء..
كنا ومازلنا معتقلين داخل الحزن والازمات، وما وُعدنا به مؤخراً من انفراج لاحدى اهم هذه الازمات الا وهي الكهرباء لم يكن الا سراباً خدّاعاً، فالوعد قد تبدد بالتلاعب بعدد ساعات الكهرباء الوطنية وعشوائية مواعيدها التي لا تخدمنا في الغالب لاسباب تعودنا سماعها، وقرصنة اصحاب المولدات الاهلية الذين لايعرفون صحوة للضمير بل كل مايعرفونه هو التحايل و امتصاص دماء المواطنين بطرقهم الخسّة التي لا أُحِسُّ بأدنى رغبة في التطرق اليها ..
.. قال لي احدهم عندما علم بانني سأكتب عن الكهرباء: لو كانوا صادقين حقاً في معالجة ازمة الكهرباء معالجة جذرية خلال كل هذه السنوات ولو كانوا قد جمعوا (برغياً واحداً ) كل سنة او قطعة غيار واحدة للمحطة الكهربائية لكان المشروع قد اكتمل الان.. حقاً لقد صدق في ما ذهب اليه.. فان توفرت النية الصادقة والجادة في حل الازمات لشحبت وتبددت كلها، ولكن ما نراه اليوم من وعود ليس سوى... ذر الرماد في العيون...
جنان بولص كوركيس
Jenan_polis@yahoo.com

25
ذر الرماد في العيون

همومنا كُثُر ومن الصعب تهويل هم على آخر، فجميعها ثقيلة نئن تحت وطئتها ونرزح، فبعضها نتناساه حينما يشتد علينا هم آخر، فحالنا ان نكتب عن همًّ ونؤجل الآخر. ومن الهموم التي مللنا الشكوى منها واستصغرنا من يكتب عنها لانها اصبحت داءً مزمناً ومستفحلاً لا امل في الشفاء منه، واللقاح ضده لم يكتشف بعد.. مع حلول الصيف الحارق والذي قدر علماء الطقس والبيئة بأنه سيكون لهاباً اكثر من غيره لاسباب تتعلق بتلوث الجو والاحتباس الحراري، اخذت الدول تعد العدة للتخفيف من وطأة درجات الحرارة المرتفعة اكثر من معدلاتها الطبيعية لمنع حصول الكوارث التي ستحصد الارواح بلا شك نتيجة ذلك .. اما نحن فهذا التحذير لا يشملنا ولا احد يكترث بما سيصيبنا لاننا رُمينا على هامش الحياة والزمن، فحتى المناعة الذاتية التي اكتسبناها منذ الولادة قد نفذت او اقتربت من نهايتها وحكوماتنا همومها كثيرة ومتعددة فلا تريد هماً اخر يضاف الى همومها ويقلق راحتها .. ماذا يعني حرارة اعلى من معدلاتها؟ ماذا يعني الاختناق من شدة الحر لمرضى الربو او القلب او موت مئات الرضع من الجفاف، ماذا يعني انخفاض اداء العمال و موظفي الدولة، والأمَر من هذا كُلّه والذي كان احد اهم اسباب تركي لكل المواضيع الملحة والتوجه بالكتابة عن هذه العاهة المستديمة هو: ماذا يعني ان يمتحن الطالب – وخاصة طلبة المراحل المنتهية -  والعرق يتصبب من جميع انحاء جسده؟ ويتنفس بصعوبة وبحشرجة تختلط مع آهات  الرهبة من هول الامتحان والتوجس من صعوبة الاسئلة والمصير الذي يتوقف على  نتيجة هذا الامتحان فقط  والتحسر على كل الجهد الذي بذله في السنوات السابقة والذي  لا يشفع له نتيجة  النظام الخاطيء المتبع في عملية التعليم والتقييم في بلدنا الذي احترنا ان نشخص فيه امراً ايجابياً لنجابه بعشر من السلبيات..
اقول هذا لانني وجدت كل ما سأكتبه لايساوي نظرة عتب من عيني طالب يؤدي الامتحان  في شهر حزيران الحار حينما لا نستطيع ان نوفر له ابسط ما يستحق ان يُوفر له من اضاءة صحية لاتتعب العين و جو معتدل البرودة يستطيع معه ان يؤدي ما عليه باعصاب هادئة ونفس مرتاحة.. كلما رأينا المصبايح التي تشع اضواء حمراء وصفراء وخضراء وزرقاء ووردية التي تزين - بطريقة  لا تمت الى الذوق السليم بصلة - مدخل بلدتنا، والأضوية التي تتلألأ في شوارعها الداخلية بما يوحي بافراط في استهلاك الطاقة الكهربائية، نستنكر هذه الزينة الزائفة ونلعن كل من خطط بشكل مبالغ فيه لإنارة الخارج وتعتيم الداخل!. فهذا يعكس مدى هول الفجوة بين هموم المسؤول المتنفذ والمتنعم وهموم المواطن المحروم البائس، لماذا لا يخططون لكيفية الموازنة بين انارة الشوارع والمساكن ليتلقوا بدل اللعنات دعاءً صادقاً بالموفقية والصحة وتسديد الخطى والعمر المديد؟! يبدو انهم في غنى عن دعائنا او قد يتقززون منه كما يتقززون منّا. فنحن الشعب وهم السادة فما حاجة السيد الى دعاء العبد؟! سرطان استشرى في جميع المفاصل والزواغير، كيف الطريق الى استئصاله؟.. تأتينا البشرى السارة بين الحين والاخر عن اكتشاف دواء او اشعة معينة للحد او القضاء على بعض انواع السرطانات التي تفتك في الابدان، ولكن سرطاننا المستفحل لا بارقة امل تلوح في الافق لتقول لنا ابشروا فالدواء قادم والعلاج على الابواب.. أفقنا معتم.. معتم والنور قد غادر مصيرنا والكهرباء قد خاصمنا وادار ظهره لنا الى غير رجعة، فليتمتعوا هم وابناؤهم ومن دار في فلكهم بنعيم الحياة وكهربائها، والى الجحيم كل من فتح فاههُ وطالب بالماء او الكهرباء..
كنا ومازلنا معتقلين داخل الحزن والازمات، وما وُعدنا به مؤخراً من انفراج لاحدى اهم هذه الازمات الا وهي الكهرباء لم يكن الا سراباً خدّاعاً، فالوعد قد تبدد بالتلاعب بعدد ساعات الكهرباء الوطنية وعشوائية مواعيدها التي لا تخدمنا في الغالب لاسباب تعودنا سماعها، وقرصنة اصحاب المولدات الاهلية الذين لايعرفون صحوة للضمير بل كل مايعرفونه هو التحايل و امتصاص دماء المواطنين بطرقهم الخسّة التي لا أُحِسُّ بأدنى رغبة في التطرق اليها ..
.. قال لي احدهم عندما علم بانني سأكتب عن الكهرباء: لو كانوا صادقين حقاً في معالجة ازمة الكهرباء معالجة جذرية خلال كل هذه السنوات ولو كانوا قد جمعوا (برغياً واحداً ) كل سنة او قطعة غيار واحدة للمحطة الكهربائية لكان المشروع قد اكتمل الان.. حقاً لقد صدق في ما ذهب اليه.. فان توفرت النية الصادقة والجادة في حل الازمات لشحبت وتبددت كلها، ولكن ما نراه اليوم من وعود ليس سوى... ذر الرماد في العيون...
جنان بولص كوركيس
Jenan_polis@yahoo.com

26
ملاحظة: رد المجلس البلدي منشور في اسفل هذه الصفحة:

رد على تعقيب
من يعتذر لمن؟!

جنان بولص كوركيس


يوم امتهنت الصحافة كانت جميع الدلائل والمؤشرات تشير الى النهج الديمقراطي للعراق المحرر.. وانطلقت وسائل الاعلام المرئية والسمعية والمقروءة من قمقمها الحديدي الذي أُسرت فيه طيلة الحقب الماضية واخذت تنفض عنها غبار الاسر والتملق والتزلف وتمجيد الطغاة واصحاب السلطة والمتجاوزين على القانون، وبدأت تشخص السلبيات وتسلط  عليها الاضواء وتنتقد هذا المسؤول او ذاك وحتى رئيس الحكومة او رئيس مجلس الوزاء يُنتقد بشكل قد يصل الى حد التجريح من قبل اناس معروفين او من قبل اناس مغمورين على حد سواء.. ولا احد يطالبهم بالاعتذار او يهددهم بشكل مبطن او علني، يومها شعرت بان هذا تجاوز على حرية الصحافة وقلت في سري يجب ان لا تعم الفوضى بدل الديمقراطية في الصحافة، فللصحافة  اصولها وانا على يقين بانني لم اتجاوز حدود حرية الصحافة في طروحاتي وهذا ايضاً رأي نقابة الصحفيين التي انا عضو فيها.
اما بخصوص ما جاء في مقالتي (سعيكم مشكور.. وكفاية) والتي اثارت غضبكم وتحاملكم عليّ وهذا عكس ماكنت اتمناه وهو ان تثير حميتكم وغيرتكم على الامانة التي بين ايديكم!!
( الأمور ليست في ايدينا انها اوامر علينا تنفيذها) هذه الاجابة الجاهزة التي سمعناها منكم افراداً او جماعات كلما واجهناكم بسؤال قطّع قلوبنا وادماها: يامجلسنا البلدي لماذا هذا حاصل في بلدتنا؟، اين العدل في توزيع الاراضي؟ ولماذا التجاوزات في كذا وكذا.. فالجواب واحد لا يتغير.
اليس هذا كافياً لخيبة الامل التي يشعر بها من انتخبكم لتكونوا صوت الشعب الذي يهزّ كل من يتحايل على القانون من اجل مصلحته الخاصة وتصبحوا اداة بيد المتآمرين على الشعب ومقدراته؟.
كيف اذن تصان الامانة من قبل من لايقوَوْن على الوقوف بوجه اوامر تنافي القانون الذي أتوا  لتطبيقه ولفرض سلطته على كل ذي سلطة؟
اذاً كم ستكون السلبيات التي سترتكب تحت هذا التبرير الذي لا اراه منطقياً مطلقاً، لان العضو المنتخب لايمثل نفسه فعندما يرى مايخالف القانون عليه ان يطرح الامرعلى الشعب الذي يمثله ليقول كلمته ويقف بوجه من يريد ان يخرق القانون لصالحه ولصالح اهل بيته وحاشيته.. والا فلماذا نهلل للديمقراطية والمجالس المنتخبة ونعقد عليها الآمال، مادام يومنا شبيه بالبارحة!!
ردكم ياسادة الافاضل مليء بالمغالطات، فعلى سبيل المثال لا الحصر: يقول كاتب الرد انني اشكو من همومي التي لاتعد ولا تحصى.. والصحيح هو ان هموم جماهير بلدتي هي التي لاتعد ولا تحصى وانا انقل نبض الشارع وهمومه وهمهم هو همي وبالتأكيد فهو ليس همكم .. وانا لا اتهم المجلس البلدي بنهب ثروات البلد بل قلت هذا عن الحكومات التي لاتمثل شعبها،ولكن هذا لايعني ان المجلس البلدي الذي ظهرت على بعض اعضائه اعراض الاثراء السريع والذي يُشخص بمرض سببه فيروس الفساد الاداري الذي استشرى في معظم مفاصل الدولة، هو بعيد عن التحايل على القانون والدليل على هذا هي الشواهق من العمارات التي تتسابق لتناطح السحاب فوق رؤوسنا!.. ناهيك عن القصور الفارهة التي لايمكن لموظف في الدولة ان يمتلكها براتبه الوظيفي! اذاً الا يدعو هذا الاثراء السريع الى طرح السؤال الذي تأخر طرحه ولم يُطرح بعد على الاثرياء الجدُد (من اين لك هذا ؟؟) .
وقد جاء في تعقيبكم عن خيبة املي في انتخاب اعضاء المجلس الذين لا اراهم ولا اسمعهم الا من خلال وسائل  الاعلام المختلفة، فهذا الكلام يدل على عدم  توخيكم الدقة في قراءة المقال لانني قلت هذا الكلام عمن انتخبناه ليمثلنا في بغداد، اما عنكم فقد قلت (انهم قريبون منا  ويعيشون بين ظهرانينا وهم ابناء بلدتنا)..
اما بخصوص انقضاء المدة الشرعية للمجلس المنتخب والتي كانت 4 سنوات فقط، فهي حقيقة ساطعة وهذا ما يدعونا الى المطالبة بانتخابات اخرى ومن حقكم اعادة ترشيح انفسكم اذا رغبتم بذلك، اما بقاؤكم هكذا  فهو مدعاة للتساؤل والشك والحيرة، لذا فانتم اليوم مطالبون بتجديد شرعيتكم كمجلس بلدي..
تعددون وتسهبون في ذكر الانجازات والخدمات الجليلة التي قدمتموها الى مواطني عنكاوا من تصميم وتخطيط ومشاريع خدمية حالية ومستقبلية ثم تقولون في ملحوظة ( علماً بانه لايوجد ميزانية نقدية تحت تصرف المجلس البلدي ليتلاعب بها ويصرفها!!).
اذا كيف تم تنفيذ كل هذه المشاريع بدون ميزانية؟!!
ثم نحن لانعلم لمن نقدم شكرنا وندين بعرفاننا لتقديمه كل هذه الخدمات الجليلة لبلدتنا؟! فالمصادر التي تنسب اليها هذه المشاريع قد تعددت وتعدت عدد اصابع اليد الواحدة، فتارة تنسب الى الاستاذ سركيس اغا جان وتارة تنسب الى لجنة تطوير عنكاوا وأخرى الى مديرية ناحية عنكاوا وها انتم تنسبونها الى مجلسكم، انها حيرة ما بعدها حيرة .. انقذونا بالله عليكم وبددوا حيرتنا. وذلك بعقد ندوة موسعة لجماهير عنكاوا ولتكن قاعة جمعيتنا ( جميعة الثقافة الكلدانية) مكاناً لعقد الندوة، صارحوا الناس بما انجزتم طيلة هذه السنين واجيبوا عن اسئلتهم واستفساراتهم وليكن صدركم رحباً لسماع انتقاداتهم  ومعاناتهم وصححوا لهم مفاهيمهم الخاطئة تجاهكم  - كما تدعون - واكسروا الحواجز بينكم وبينهم للتواصل معاً خدمة للمصلحة العامة، ولتكن هذه فرصة لترميم الذات والضمير. 
وفيما يخصني ارجو ان تستفتوا جماهير عنكاوا إما اثناء انعقاد الندوة او عبر الانترنيت هل هم مع طرحي ام مع طرحكم؟ فيما يخص مسيرة المجلس، فان رجحت كفتكم فانا سأعتذر امام الملأ وان رجحت كفتي فانتم مطالبون بالاعتذار.. فانا لا انقل في مقالاتي سوى نبض الشارع في عنكاوا، وكما اسلفت لقد عاهدت نفسي ان اسلط الضوء على كل سلبية تنخر في جسد بلدتي ايّا كان  مصدرها  ولا اتكل بعد الله في مهمتي وفي قول الحق الا على أهلي وناسي من الناس الشرفاء في بلدتي الذين هم حزام ظهري الذي لاحزام لي غيره!!
كما ارجو ان يُسأل الجهاز الحزبي وممثلي جميع الاحزاب والاداريين في عنكاوا حول اداء المجلس البلدي وتشخيص الايجابيات والسلبيات ( ان وجدت!)  وبعد كل هذا..
مـــن يـعتــذر لـمـن؟!
كما جاء في تعقيبكم بان علي ان اذكر الاسماء الصريحة للمفسدين في مجلسكم ( ان وجدوا !)، لكن هذا لايسمح به عملي الصحفي.. فان عقدتم الندوة الموسعة التي نطالبكم بعقدها منذ سنوات ستأتيكم الاجوبة مع من لديهم البراهين  والادلة الدامغة على المساطحات المشبوهة وتحويل بنايات حكومية ومعامل قديمة ومساحات خضراء وقطع خدمية الى خدمات تجارية او الى ملك خاص لاشخاص هم اللاعبون الاساسيون في الساحة في الوقت الحاضر..
وانا اقول لكم جيمعاً.. ان التجاوزات على القانون واضحة وضوح الشمس في بلدتنا فان كنتم لاتعرفونها فتلك مصيبة، وان كنتم تعرفونها وتغضون الطرف عنها فالمصيبة اعظم.


تعقيب المجلس البلدي على المقال السابق ( سعيكم مشكور... وكفاية) مع الرد عليه
تعقيب
السادة رئيس وأعضاء اسرة تحرير جريدة (بيث عنكاوا) الغراء المحترمون
نهديكم تحياتنا
 عملاً بأحكام حرية الصحافة والنشر نرجو نشر هذا الايضاح في اول عدد يصدر عن جريدتكم الغراء بعد وصوله اليكم مع الشكر.
نشرت جريدتكم الغراء في عددها  آذار23/2007 مقالاً بعنوان (سعيكم مشكور... وكفاية!!) بقلم السيدة الفاضلة (جنان بولص كوركيس) تشكو فيه من همومها التي لاتعد ولاتحصى وتتهم المجلس البلدي في عنكاوا بنهب ثروات البلد وأموال الشعب وتقترح بتشكيل حركة او (حزب كفاية) في كل بلدة تيمناً(بحركة كفاية) في مصر التي تنادي بإنهاء خدمات حكومتها التي استاء منها الشعب والحركة تطالب الحكومة بلملمة اوراقها وماتبقى من ماء وجهها، وتعبر الكاتبة الفاضلة عن خيبة املها بانتخاب اعضاء المجلس البلدي الحالي لأنها لاتراهم ولاتسمعهم إلاّ  من خلال وسائل الاعلام المختلفة،وفي نفس الوقت تشيد بالانحدار الطبقي والاجتماعي لهم وتصفهم بذوي الاخلاق والمزايا الحسنة ثم تعود وتقول بأنها نادمة على عملية التصويت لصالحهم وانتخابهم لأنهم لم يؤدوا الأمانة ولم يحرصوا عليها،ومما زاد في غضبها عدم صيانة الأمانة الملقاة على عاتقهم، وتعتبر المجلس فارضاً نفسه والى الأبد وجَثَمَ على صدر البلد. وكما تعاتب الكاتبة الفاضلة( حبر) الأقلام لأنه لم يجف يوم التصويت كي لاتقع في خطأ في ذلك اليوم الذي صوتت به، وتشير الكاتبة الفاضلة الى شواهد الفساد الاداري للمجلس ونهب اموال البلد وتتحفظ عن ذكر الاسماء الصريحة للقائمين بالنهب خوفاً من غضب وسطوة اعضاء المجلس البلدي الذين سينتقمون من المواطنين وأولادهم وعرقلة معاملاتهم الرسمية، كأن اعضاء المجلس البلدي يمثلون سلطة ديكتاتورية تنتقم من المنتقدين والمعارضة وتخمد معارضتهم بقبضة من حديد، وتنادي السيدة الفاضلة اعضاء المجلس بالمغادرة ورفع اليد عن البلدة لدفن اشلاءها و (عفا الله عما سلف) وتقول (سعيكم مشكور... وكفاية!!).
إننا في الوقت الذي نحترم حرية الصحافة وعملاً باحكام الممارسة الديمقراطية وحرية النشر والاعلام والتعبير عن الآراء الشخصية ندعوها الى تشخيص الممارسات السلبية ان وجُدَت،علماً بأن كل انسان معرض للخطأ، ومن لا يعمل لايخطأ وللرقابة الشعبية الحق في المتابعة وتشخيص مواقع الخطأ والضعف وانتقادها نقداً بناءً بعيدأً عن الاساءة والسخرية والتشهير بأصحابها وجرحهم ووضع الحلول البديلة الصائبة للأخطاء بدلاً من المطالبة بالمغادرة ودفن الأشلاء كما تطالب الكاتبة الفاضلة.
ان المجلس البلدي في عنكاوا قد صمم وخطط  لعدة مشاريع خدمية وقام بتقديم الخدمات الجليلة للقصبة من الناحية العمرانية وتوسيع شبكة الماء والمجاري والكهرباء والاتصالات وتبليط الشوارع والارصفة وتشييد الحدائق العامة والغابات وحفر الآبار الإرتوازية والمحافظة على نظافة القصبة وكما وضع التصاميم لمختلف النشاطات الخدمية المستقبلية وتخصيص مساحات واسعة لها كالملاعب ومقرات لذوي المهن المختلفة كالأطباء والمهندسين والمثقفين والمدارس على اختلاف مراحلها والكنائس والنوادي مثل نادي آكاد الرياضي ونادي الشباب وجمعية الثقافة الكلدانة والجمعية الفلاحية وغيرها من الخدمات الاخرى، وتتانسى الكاتبة الفاضلة جميع هذه الممارسات الايجابية وتمسحها من الوجود وتنعتنها بالفساد الاداري ونهب اموال البلد واذا كانت هذه الخدمات مشمولة بالفساد الاداري فنحن نقبلها على انفسنا، علماً بان لايوجد ميزانية نقدية تحت تصرف المجلس البلدية ليتلاعب بها ويصرفها.
ان المجلس البلدي في عنكاوا يدعو الكاتبة الفاضلة الى اجراء مقارنة بين نشاطاته ونشاطات غيره من المجالس البلدية الاخرى والتي هي بدرجته ثم الحكم بذلك.
ويدعوها الى الاشارة بالأسماء الصريحة للمشمولين بالفساد الاداري وتقديم الأدلة الدامغة ضدهم لينالوا ما يستحقونه من الاجراءات القانونية وليصبحوا عبرة لمن اعتبر ولا حاجة لعبارة (عفا الله عما سلف) ، وإلاّ فهي مطالبة بتقديم الاعتذار لرد الاعتبار لأعضاء المجلس البلدي الذين يبذلون قصارى جهدهم لتقديم افضل الخدمات للمواطنين وجعل القصبة جميلة ومرتبة ونظيفة، وبدورنا نشكر اسرة تحرير الجريدة لنشر هذا الايضاح.

المجلس البلدي/عنكاوا
15/4/2007

27
ســــعيــكم مشــكور... وكفايــــــــــــــــة!!

نقولها لمن طال أمد بقاء سيفه مسلطاً على رقابنا دون ارادتنا، وأخذ يعبث بمقدراتنا ويعكر صفو حياتنا بدلاً من اسعادها من موقعه كمسؤول او اداري في الدولة. شتان بين همه وهمومنا التي لاتُعد ولا تُحصى، اما همه الوحيد فهو كيف ينهب ثروات البلد واموال الشعب باسم التفاني والاخلاص للشعب ..
ارى انه من الضروري ان نشكل في كل محافظة لابل في كل بلدة من بلداتنا حركة او (حزب كفاية) تيمناً بحركة كفاية في مصر التي تنادي بانهاء خدمات حكومتها الجليلة التي اصبحت لصيقة كرسي الرئاسة كمثيلاتها في الوطن العربي، اما عادت الحكومات تخجل من نفسها عندما يصرخ في وجهها شعبها .. كفاية ... ويشعرها بسأمه منها وقرفه وازدرائه لها ويطالبها بلملمة اوراقها وماتبقى من ماء وجهها لتحلّ عنه وتفك اسره؟ هذا حال من لم ينتخبهُ الشعب، بل هو انتخب نفسه باسم الشعب واعلنها جلاداً للشعب بدافع الحرص والوطنية الفائقة! فما حال من يعيش في بلد كبلدنا تحرر من الدكتاتورية واُعطي جرعة كبيرة من الديمقراطية لحد الفلتان والفوضى، فهلت علينا الانتخابات الواحدة تلو الاخرى بديمقراطية شديدة وزييف اشد، على كل حال انتخبنا بلهفة مابعدها لهفة لكي ندرب انفسنا على ممارسة حقنا المهضوم طويلاً في التصويت، خابت امالنا في مَنْ انتخبناهم ولكن هم بعيدون عنا لانراهم ولانسمعهم الا من خلال وسائل الاعلام المرئية والمسموعة او نقرأ عنهم في الصحف اليومية، فسلبياتهم مست كل عراقي من اقصى البلاد الى اقصاها... ولكن الحيف الاكبر اصابنا ممن انتخبناهم وصوتنا لهم بملء ارادتنا وكامل وعينا لانهم قريبون منا ويعيشون بين ظهرانينا وهم ابناء بلدتنا.. انهم اعضاء (مجلسنا البلدي الموقر)... فقد تحررت كوردستان قبل ان يتحرر العراق ويسقط الطغيان، فتقرر انتخاب مجلس بلدي في كل ناحية في الاقليم، يومها كان عرس حقيقي... كل منا عَمّرَ جيبه بالاقلام رغم وجود الاقلام هناك الا اننا ابينا الاّ ان نحتاط لذلك، عقدنا النية على التصويت لفلان وفلان... فهذا من عائلة كادحة وذاك من عائلة نزيهة والآخر ذو شهادة وخبرة والبعض الآخر مشهود له بالاخلاق والمزايا الحسنة و ... الخ، فتوسمنا بهم خيراً لنا ولبلدتنا ولاولادنا، وحملناهم الأمانة وعزمنا على اعادة انتخابهم بعد انتهاء سني خدمتهم التي حددت بـ (4) سنوات ظنا منا بانهم هم المبتغى.
مرت السنوات الاربع ببطء شديد، وبدأ جرحنا يثخن وغضبنا يتفاقم على مَنْ لم يصن الأمانة ويحرصها.
وعزمنا على ان لانجدد البيعة لهم ونختار غيرهم في الدورة الانتخابية المقبلة .. الا اننا صُعقنا بانهم جاثمون على صدر البلدة جثوماً ابدياً.. فالى اين المفر يا ابناء بلدتي؟ انهم قدرنا... تمنينا لو جف الحبر في اقلامنا ويبس يوم التصويت، لقد اخطأنا وخطيئتنا تضاهي خطيئة ابوينا ادم وحواء الاصلية التي لا يمحيها الاعتراف عند الكاهن او الندم وطلب المغفرة والتي نحملها معنا ونورثها  الى من يأتي من بعدنا الى أبد الأبدين ..
ماذا نفعل؟ هل علينا ان نعلن  توبتنا النصوح عن كل تصويت آتٍ من الان فصاعداً ونتنازل عن هذا الحق الذي شرعته شرعة حقوق الانسان كي لانقع في الخطأ مرة أخرى وندفع الثمن ؟!
قبل ايام استرعى انتباهي خبر نشر في احدى الصحف العراقية يعبر فيه اهالي احدى نواحي جنوب العراق عن شكرهم وامتنانهم لاعضاء مجلس بلديتهم الذي يصفونه بالأمين الغيور على مصالحهم ومصالح بلدتهم، فاستشطت غيظاً وغيرة وتساءلت في سري، ترى ألم يصل فيروس (العقوق ونكران الجميل و خيانة الأمانة)  الى اعضاء مجلسهم بعد؟!
ماذا نقول ... فهناك الكثير الكثير  من الانتقادات والشواهد على الفساد الاداري لمجلسنا البلدي ولكن الناس معظمهم يخشون البوح به للاعلام خوفاً من غضب وسطوة اعضائه الذين سينتقمون منهم ومن اولادهم او اقربائهم في اية معاملة رسمية تستوجب موافقتهم عليها. لذا يكتفون بالتلميح والغمز واللمز و(السير جنب الحائط)  كما يقول المثل..
دعونا من هذا اللغط وغادرونا بسلام، وعفا الله عما سلف، نقولها كما قالها من قبل الزعيم العراقي حتى النخاع( عبد الكريم قاسم) ودفع حياته ثمناً لهذه المقولة كما دفع العراق الثمن غالياً ومازال حتى يومنا هذا ..
ليكن الثمن ما يكون، فارفعوا يديكم عن بلدتنا ودعونا ندفن اشلاءها، وســــعيــكم مشــكور... وكفايــــــــــــــــة!!
Jenan_polis@yahoo.com

جنان بولص كوركيس

28
تحت كل كلمة يختبيء لغم
[/color]

في الحقبة الماضية .. كل المشاعر والاحاسيس والافكار والاراء والمعتقدات، كانت كامنة في دواخلنا، حرام عليها رؤية النور خوفاً من اغتيالها في وضح النهار حتى صارت صدورنا كاتمة حد الانفجار، نحس بالمؤامرات التي تحاك حولنا والمكائد التي تنصب لنا ونحن عاجزين عن درئها عنا فنقع في دركها طائعين هالكين.. عهدنا رجال السلطة متآمرين على الشعب في أكله وشربه وعيشه وعقيدته وتعليمه وصحته و.. و.. حتى في مماته .. هذا ما جعل النفس العراقية شكاكة مرتابة في ما يدور حولها وان كان صادقاً، وهذا نادر جداً. فهي ترتاب في الصديق قبل العدو وتخشى غدر القريب قبل الغريب.. اصبح التآمر هاجساً يؤرقنا ويقلق راحتنا.
وها نحن اليوم نعيش في العراق الجديد بعد ان قُبر شبح الطغيان، وقد منَّينا النفس بالطمأنينة الفكرية التي افتقدناها طويلاً، ولكن بعد ان اخفقت كل الطروحات التي اتى بها الحكام الجدد مدعين اسعاد الشعب ورفع المظالم عنه، واستشرى الفساد في كل المرافق الادارية للدولة،  تراجعت الثقة الى الوراء بين المواطن والمسؤول وبين الشعب والحكومة، فالانتخابات سادها التزوير ومجلس الحكم كان من صنع بريمر والجمعية الوطنية كان اعضاؤها يلتهمون كثيراً مالذ وطاب ويجتمعون قليلاً ونادراً ما يقررون .. فالآمر الناهي فيهم كان ولايزال المستعمر، وكذا الحال بالنسبة للبرلمان الحالي والحكومة الجديدة والوزارات.. و لهذا نحس اليوم بان كل شيء في حياتنا صار مفخخاً، السيارات والدراجات، والرسائل، والاشخاص، والخطابات والوعود والسياسة وحتى الثقافة صارت مفخخة .. كل مشروع يطرح علينا من قبل الحكومة نشك في مصداقيته ونعتبره تمثيلية مفخخة لتمرير غرض ما في نفس يعقوب.. فنحاول جاهدين فضح تفاهة التمثيلية ورداءة الاخراج وكذب الممثلين . وكل خطاب يوجه من قبل المسؤولين الى الشعب، نحس بان تحت كل كلمة يختبيء لغم، ووراء كل فاصلة ينتظرنا مجهول جديد.
فعلى سبيل المثال لا الحصر.. شعبنا (المسيحي) اليوم جعلوه يحتار في امره لايجاد تسمية جديدة له وكأنه خلق وعُمذ دون ان يطلق عليه اسم خاص به. تطرح عليه تسميات مركبة قابلة للمد والجزر ولها خاصية ابدالية كما في الرياضيات بين عناصرها.. وكذلك مشروع الحكم الذاتي لشعبنا في سهل نينوى، يبدو انه حق غفل عنه شعبنا فذكروه به وعن طريق الفضائية التي اخذت تطبل وتزمر له ولمقترحيه، في حين كل حزب من احزابنا القومية يجتمع وينظم مؤتمرات لينسب الى نفسه شرف طرح فكرة الحكم الذاتي.. وهناك من جاء من وراء البحار ومن دول الجوار مدعياً هذا الشرف الرفيع ويريد من شعبنا في الداخل التأييد والمؤازرة.. وكأن الحكم الذاتي كعكة جاهزة علينا الاسراع بالتهامها قبل ان يلتهمها غيرنا!!.
اصبح شعبنا في الداخل لايعرف اين يكمن الصواب، ومن هو المخلص الامين على حقوقه قبل ان يكون اميناً على جيبه.
هل يحتفظ بتسميته الاصلية ام يتبنى التسمية الجديدة لانها تتماشى مع انتزاع الحقوق من الدستور؟ اي دستور هذا الذي تنتزع منه الحقوق بدلاً من ان تعطى بدون عناء؟! وهكذا الحال بالنسبة للحكم الذاتي.. اين هو مشروع الحكم الذاتي ؟ وهل اطلع عليه احد وعلى مضامينه؟ ام انه كأغنية اطلقتها بعض الحناجر وكثر ترديدها من قبل من لايفقه شيئاً عما هو الحكم الذاتي من العجزة والجهلة واحياناً من بعض المثقفيين! اهكذا يتم تثبيت الحقوق؟ اما كان من الاجدر ان تكون التسمية او الحكم الذاتي مطلباً شعبياً ملحاً يفرض نفسه على المتنفذين وصناع الدستور وعندما ينضج ويجد الارض الخصبة يثمر خيراً وبركة؟ كل هذا  غيض من فيض ولكن الاكيد الاكيد في كل ماحدث و ما يحدث، ان الشعب اصبحت لديه حساسية مفرطة ضد كل ما يطرح عليه من قبل المتنفذين، وهذه الحساسية المفرطة جعلتنا متطرفين في تذوق الاشياء وفي التعبير عن الاشياء، فارضنا ارض التوتر ولايمكن لاي انسان يمر بها او يسكنها ان يبقى هادئاً ومطمئناً..


جنان بولص كوركيس[/b][/font][/size]

29
عسى ان لا يكون كلامنا جرساً يُقرع في العدم
[/color]

تعود بي الذاكرة الى ايام الجامعة ... عندما كان يشتد الجدال ويستعر بين طلبة جامعيين من ابناء عنكاوا وقرقوش والقوش والقرى المسيحية الاخرى، على من تكون (ام القرى) ( يمه دمثواثة) من بين قراهم، وها قد فازت عنكاوا اليوم وبجدارة بهذه التسمية وبدون منازع، فالجدال في هذا الامر بات عقيماً وباهتاً ... عنكاوا هذا الحضن الدافيء وهذا القلب الكبير الذي اتسع ويتسع لكل الطيبين من اهلها ومن ابناء شعبنا النازحين القادمين من مناطق تترنح فوق بحر صاخب من العنف والاضطهاد والجريمة والقمع والارهاب، الباحثين عن الطمأنينة و الأمان تحت سقفها .
كل يوم وكل ساعة هناك قادم جديد حتى قارب عدد النازحين الى عنكاوا مجمل عدد من بقي من سكانها الأصليين ان لم يتجاوزه..
ان حلوا بيننا فأهلاً بهم ولكن بهذا الزخم! فالسلبيات المترتبة على هذا الحال ستطفو حتما على السطح يوماً بعد آخر الى ان تتفاقم الحالة وتتأزم وعندها تصبح كل الحلول واهية لأزمة مستعصية.
سؤال يطرح نفسه... لماذا لايتوجه كل نازح الى مسقط رأسه؟ في القرى الآمنة في كوردستان او في سهل نينوى حيث هناك اهله واقاربه وعاداته وتقاليده وارض اجداده، وحتما ستكون معاناته اقل من حيث ايجاد السكن المناسب والعيش الهانيء وسيرفل بالامن والسلام.  وبهذا ستعود قرانا مرة اخرى عامرة زاخرة بأهلها يخدمونها بخبراتهم وعقولهم النيرة لترتقي وتزدهر وتفخر بهم ويفخرون بها .
وفي هذا الصدد لايفوتني ان اذكر بانه لم يحدث ان قصد نازح عنكاوي الاصل بلدة غير بلدته، وهذا منطقيٌ جداً.. فهي ارضه وعرضه و فيها اهله وعبق اجداده وتراثه ومرتع طفولته، فيعود اليها ليهنأ تحت مظلتها...
ولكن ما يدعو الى الدهشة حقاً، هو ان النزوح باتجاه عنكاوا فاق النزوح باتجاه كل القرى الامنة الاخرى! فالقادمون الينا في معظم الاحيان ليسوا عنكاويين بالاصل، فبدلاً من ان يتجهوا نحو بلداتهم كبرطلة وشقلاوة والقوش وقرقوش وزاخو وكويه ومانكيش وديانا و.. الخ يتجهون نحو عنكاوا وكأنها هي القبلة ... وكأن شمسها اكثر دفئاً وحنانا.. وكأن سماءها اكثر زرقة.. وارضها اكثر خصباً  وهواءها اكثر نقاءً!!
ومما زاد في الطين بلّة، ان يكون هناك نزوح من نوع آخر، الا وهو نزوح عدد غير قليل من سكان القرى الآمنة الآنفة الذكر نحو عنكاوا والاستقرار فيها، ناهيك عن عملية النزوح التي شهدتها بعض الاقضية والنواحي المسيحية قبل السقوط بسبب الاضطهاد، ولا اغالي اذا ماقلت ان هذه المناطق قد أُفرِغَت في عنكاوا فهي الان خالية او اوشكت ان تخلو من اهلها كشقلاوة وعقرة.
للنزوح باتجاه عنكاوا بكل اشكاله اسباب معروفة للقاصي قبل الداني، وهي التصرفات اللامسؤولة واللاقانونية للمسؤولين فيها، فهم لم يصونوا ارضها وحرمتها وذبحوها على الطريقة الديمقراطية فاصبح لحمها حلالاً حلال ... يجتذب كل من تسول له نفسه ان يغتني على حسابنا وحساب ارض اولادنا واحفادنا بينما اراضيهم محمية مصانة في قراهم الاصلية لا يحق لاي كان من غير اهلها ان يقتطع شبراً منها، وبالاضافة الى ذلك فالمغريات هنا كثيرة كالحصول على الاموال والاطيان بالتقرب من الوزراء والمسؤولين المتنفذين بالقانون الذي اغتالوه في عنكاوا دون غيرها لتُستباح وتُنهب.
اذاً .. فعنكاوا اليوم تحتضن عدداً كبيراً من النازحين يفوق طاقتها و يثقل كاهلها كقرية او كناحية.  فالنازح اليها من المدن الكبرى ينظر الى اهلها نظرة استعلاء وازدراء وينتقد عاداتها وتقاليدها التي يصفها بالقروية، اما النازح اليها من القرى فيعاني من الفقر وشظف العيش وينظر الى اهلها نظرة (حسد عيشة) ويتهمهم بالجشع والتعالي ويحقد عليهم وكأنهم يزاحمونه في رزقه وفي عقر داره!! ويرى انهم  سبب بلائه وعوزه لشدة معاناته من الايجارات الملتهبة للدور السكنية .. ان اهل عنكاوا عموماً يتعاطفون مع الغربة النازحين ومع ظروفهم، ولكن كثرة الطلب على الشيء يرفع من سعره وقيمته، وهذه معادلة لم يخترعها اهل عنكاوا فهي تحكم السوق في كل مكان وفي كل زمان، فهذا هو سبب الغلاء والايجارات الخيالية...
هذه الانتقادات باتجاهنا وباتجاههم ستستمر وتتضاعف و سيحل الحقد بدل المحبة والكراهية بدل المودة في القلوب اذا استمر الحال على ماهو عليه، لذا فالحال يحتم على الاداريين والمسؤولين عن النازحين ان يضعوا ضوابط معلنة ومنطقية تُوجّه كل نازح الى حيث مسقط رأسه اذا كان امناً وتؤمن له السكن المناسب لقاء مبلغ رمزي او تبني مجمعات سكنية للنازحين وتوفر لهم فرص عمل يرتزقون منها الى حين العودة، ومن يحل في عنكاوا من غير اهلها لسبب اضطراري، كأن يكون احد اولاده طالب جامعي ولعدم وجود جامعة في بلدته فهذا يحل بيننا معززاً مكرماً يتمتع بما يوفره له المسؤولون عن النازحين من مأوى وفرص عمل .. كما يجب ان لايحق لاي كان امتلاك عقار الا في بلدته ويستثنى من هذا مَن طالت اقامته هنا حيث هجر بلدته الى غير رجعة .
وبهذا يكون مالهم وما عليهم واضح وضوح الشمس فلا احد يتمادى او يتجاوز وبذا ينقطع القيل والقال ويعم السلام في القلوب .
نقول هذا واملنا ان لايكون كلامنا جرساً يُقرع في العدم.
جنان بولص كوركيس

Jenan_polis@yahoo.com [/b] [/font] [/size]

30
المنبر الحر / اياكم وشراء الذمم
« في: 13:34 26/11/2006  »
اياكم وشراء الذمم
[/color]
البيع والشراء والمقايضة مهن موغلة في القدم، كثيرة هي الاشياء التي تخضع للعرض والطلب، ولكل منها سعرها يحدده نوع الشيء وجودته ومدى الحاجة اليه، وهذه التسعيرة متذبذبة تبعاً لعوامل عدة معروفة تحكم السوق.. هذا كله مألوف ولاغرابة فيه البتة.. لكن قد نكره مهنة البيع والشراء ونلعنها عندما نقرأ في التاريخ عن بيع الجواري والغلمان في سوق النخاسة، نختنق عندما يصف النخاس مزايا جارية معروضة للبيع وكأنه يعريها مما يستر جسدها المعروض للنهش والبيع.. هذا ما حدث في الجاهلية و رغم ذلك يقشعر له بدننا عندما نتذكره. بعد هذا الكلام عن بشاعة مهنة البيع والشراء، هل يراودكم او يتبادر الى ذهنكم الى ان مايباع في عالمنا اليوم قد يكون ابشع بكثير مما بيع في سالف الازمان؟!
(الذمم) ياسادة هي التي تباع وتُشترى هذه الايام!! بيع الذمم وشراؤها ابشع واخطر بكثير من بيع الاجساد المغلوبة على امرها، فالجواري والغلمان منذ رؤيتهم الاولى للنور كان قدرهم ان يُباعوا ويُشتروا لانهم من طبقة العبيد، هكذا صُنفوا وهكذا كان قدرهم لايقوَون الاعتراض عليه .. امّا من ظل بصيراً بالمستقبل طول العمر الى اللحظة الاخيرة التي تخلى فيها عن بصيرته وباع ذمته وضميره بحفنة من الدولارات او بقطعة ارض لايستحقها او بمركز مرموق في السلطة يؤهله لبسط نفوذه وملء جيوبه، فأنه بذلك قد فقد التاريخ والمستقبل معاً، وحلت عليه اللعنة الى يوم القيامة.
ان اخطر ما يقع فيه الانسان هو السقوط ومهادنة الحكام والمسؤولين في طغيانهم وجورهم عندها يتقاعد ذهنياً وينسحب من الحياة ويتشوه من الداخل ويتحول الى حيوان اليف، هذا النوع من البشر (الحيوان الاليف) هو اسمى غايات المسؤولين المتسلطين على رقاب شعوبهم، فالود ودهم ان يحولوا الشعب كله الى حيوانات اليفة، متى جاعت يلقمونها قطعة شهية تُجتز من ارض الوطن او يُسكتون عوائهم بدفتر او دفترين او اكثر من الدولارات التي اتخموا بها بطونهم حتى كادت ان تنفجر .
حزننا يصبح اكبر من مساحات الكلام عندما نحس بان احد الغيورين على ارضه واهله والذي كان صوته يخيف الحكام ويرعبهم اكثر من زئير الاسد عندما يغضب، فيتصدى لانياب السلطة الحادة والقاطعة بأنيابه و اظافره وعضاته الموجعة، وكان دوماً يدعونا لنقف كالشوكة المستحيلة البلع في حنجرة الظالمين لاحقاق الحق وازهاق الباطل، فجأة يخفت صوته الجهوري الى ان يتلاشى وتغور عيناه في حدقاتها كلما رفعنا صوتنا بوجه الظالم والفاسد فيحاول جاهداً ان يدير دفة الكلام بعيداً ويبتلع لسانه وكأنه يقول للارض انشقي وابلعيني. كل هذا لانه قد باع اعلى ماعنده الا وهو ضمير و ذمته بثمن مادي بخس .. هذا الانسان حالته صعبة جداً يُرثى لها.. اين اصبح ضميره الحي الذي كان دوماً يقظاً يعارض كل خلل وجرم يُقترف بحق شعبه وارضه؟ اين تاريخه؟ اين انيابه واظافره؟ لقد اصبح بما كان وبما يكون في خبر كان .. فهو انسان معطل الاحساس والضمير كل القيم فيه بعد ضميره وذمته في غروب.
نحن نعلم بان زمننا زمن مضرج بالدماء والفضائح والفساد بكل انواعه، انه زمن تراجع القيم والفكر والمباديء زمن اللصوص والمضاربين والمرتزقة، زمن اصبح فيه كل شيء قابل للبيع والايجار، زمن اصبح فيه البعض يقايض الابناء والاسماء والانتماءات والضمائر والذمم بالدولار والعقار .
فاياكم واياي ياابناء بلدتي من السقوط ومهادنة الظلم والفساد الذي يحيط بنا، فهناك من يتربص ويتعقب كل رافض ومعارض حتى يتم تدجينه او اسكاته ولا اقول تصفيته .. فلهم في ذلك ادواتهم واغراءاتهم ..
فأياكم وشراء الذمم .. فكل الجرائم مغفورة الا بيع  الضمائر والذمم..

Jenanpolis@hotmail.com
جنان بولص كوركيس[/b][/font][/size]

31
متى تُقرع اجراس الغضب في بلدتنا ...
جنان بولص كوركيس

عندما التقيته في اروقة الجمعية وسألته عما يزعجه وما هو سبب الأسى البادي على سحنته، اجابني بحزن شديد: لقد شطبوا اسمي من القائمة وحرموني من قطعة ارض سكنية، بينما صاحبي حصل عليها.. قالها بحسرة والم شديدين. فتألمت لألمه وحنقت على من كان سبب حرمانه مما اعتبرته حقه الشرعي كمواطن، ولكني تداركت وسألته: اين ؟ في بلدتكم؟ قال : كلا في عنكاوا..
كيف هذا وانت لست من اهالي عنكاوا ولا تسكنها حاليا؟! فكان جوابه حاضراً: هل كل الذين امتلكوا قطع اراض سكنية في عنكاوا هم من اهلها ومن ساكنيها؟.. هذا الجواب اخرسني واذاب لساني في فمي .. لان هذه هي الحقيقة المُرّة .. هذا هو العلقم الذي اسقونا اياه في كؤوس من ذهب.. من هؤلاء؟
من هؤلاء الطارئون الذين استباحوا بلدتنا وجعلوها مطمعاً لكل من هب ودب ؟! من اعطاهم حق ذبحها والتمثيل بجثتها وتقطيعها ارباً اربا وتوزيعها على من يطبل ويزمر لهم ولحاشيتهم او يمت الى احدهم بصلة قرابة، وكأنهم يفون بنذر قطعوه امام الله على انفسهم لأُمنية تحققت، او مريض عندهم شُفي، او الى روح موتاهم، كما هي العادة في توزيع الصدقات والنذور..
لقد انفتح الجرح الكبير الذي بداخلي بعد ان قررت ان الغي حواسي الخمس واستريح ولكن هيهات ان نهنأ ونستريح وعنكاوا تتآكل يوماً بعد آخر، وتنام وتصحو على وجع يتنامى وانياب مسمومة تُغرس  في جسدها الطاهر وتنهش لحمها وتمزقه، هذه البلدة ستبقى حُبلى بالمشاكل بسبب الجور الذي اصابها على يد من يدعون انهم عرابوها الامناء ومن التف حولهم وسيسألون يوم القيامة عما اقترفوه بحقها وبحق اهلها الذين استُغلت طيبة قلوبهم وسعتها لايواء الغريب الطاريء كائناً من كان، هذا هو جزاؤها وجزاء اهلها.
لقد طحنتنا الآثام التي مورست بحقنا و اشعرتنا بالهزيمة، وهزيمتنا هزيمة نفس وروح ومعنويات فهي اخطر وامضى من الهزائم الاخرى لانها اصابت وجداننا في صميمه وستترك شروخاً في المعنويات على مدى سنوات طويلة، لقد حاولوا تغيير ديموغرافية عنكاوا العريقة وتشويهها بتطعيمها بانواع لاتتلائم مع رقيها فسيكون الجيل الجديد مسخاً لالون ولاطعم له ولا جذور.
لقد ولَّد هذا التجاهل بما يحصل في بلدتنا شعوراً بالمرارة و خيبة الامل وزاد من تفاقم هذا الشعور التجاوزات والتصرفات اللامسؤولة التي ارتكبت بحقنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر توزيع الاراضي السكنية في عنكاوا كل يوم يخضع لقانون من القوانين المبتكرة من قبل هذا المسؤول او ذاك او بمباركة احدهم او احد افراد حاشيتهم وعلى الكل ان يلزم الصمت ويسكت، لان القائمة التي رفعت الى ( المجلس البلدي) تحمل توقيع فلان! وهذا ما يعترف به علناً مجلسنا المنتخب!
فهل يُعقل ان تكون هناك اية معارضة؟ طبعاً لا .. فإذن العتب عليهم مرفوع !.. وكذلك كل من عاد الى ارض الوطن بدافع الغيرة الشديدة على وطنه!! يكافأ بقطعة تقتطع من جسد عنكاوا في حين انه بات لايتذكر منها سوى اسمها، وحتى ابنائه لايعرفونها ولا يحسون بانتمائهم اليها لقد انسلخوا عنها دون رجعة، وكل من عمل في فضائية عشتار او غيرها فهو مناضل لا غبار عليه فيستحق قطعة شهية منها..
كل فنان زار الوطن في رخائه وغاب عنه في محنته فهو وطني من الدرجة الاولى ويستحق قطعة ارض من عنكاوا كوسامٍ لوطنيته، واذا ماحصلت معارضة مسموعة من قبل المواطنين بسبب علمهم بان احد المتقاعدين او المسجونين سابقاً او ممن عملوا في البشمركة في الحقب الماضية او قصيري القامة او ممن حصل على قطعة ارض في عهد النظام البائد، او من انتمى الى احد الاحزاب المتنفذة او.. او.. او، قد حصل على قطعة ارض في عنكاوا و (طبعاً) بمباركة احد المسؤولين او احد افراد حاشيتهم عندئذ هذا التجاوز على القانون يصبح قراراً لينفذه المجلس البلدي دون اعتراض بل عن طيب خاطر خوفاً على كرسيّه الذي اجلسه عليه شعب عنكاوا يوم انتخبه .
اتذكر.. قبل ان تبدأ حملة توزيع الاراضي الجائرة في عنكاوا كانت القوانين التي توزع بموجبها واضحة وجلية يعرفها الجميع ويطيعها وكل من تنطبق عليه تلك القوانين والضوابط يحصل على قطعة ارض سكنية ويكتفي دون طمع في غيرها.
وكل عائلة تكتفي بقطعة واحدة اي لايحق للزوجة اذا كان زوجها قد شمله القانون وكذلك الاولاد الا بعد ان يكبروا ويتوظفوا ويكوّنوا عائلة عندها يستحقون امتلاك قطعة الارض حسب القانون، الان الزوج والزوجة و الاولاد جميعهم يتطلعون الى الحصول على قطعة ارض سكنية كل على انفراد لان جارهم او فلان الفلاني قد حصل عليها هو وزوجته واحيانا اولاده البالغين وغير البالغين لاعتبارات تتعلق بالمحسوبية والمنسوبية وهكذا دواليك ..
وهناك حقيقة اخرى محيرة يُحكى بها في الشارع العنكاوي هذه الايام الا وهي ان يمتلك شخص ما محلة بأكملها بقصورها الفخمة وازقتها ومحالها التجارية في عنكاوا، في حين انه كانت امكانياته المادية  في الامس القريب متواضعة اي قبل ان يتقرب من اولياء نعمته الحاليين وهذه الحالة المحيرة تنطبق على اكثر من شخص في عنكاوا!! وللتندر تدعى هذه المحلة بأسمه مضافاً اليه (وا)  على غرار (عنكا+ وا ) او (شقلا+ وا)..
ما هذه المهزلة الحاصلة في بلدتي.. ماهذه القوانين اللاقانونية التي تحكمنا، هل جاء حمورابي الى بلدتنا في غفلة منا واقتطع خلسة قطعة ارض منها وسكنها مع مسلته الجديدة  التي تحوي قوانين فوضوية وغير متزنة ليحكمنا بها دون غيرنا؟
ما جرمنا بالله عليكم ليحرم ابناؤنا واحفادنا من قطعة ارض في بلدتهم عندما يكبرون؟ اليس من حقهم تفضيل الهجرة وألم الغربة على ألم الغدر؟ اين لغة الحوار التي ناديتم بها بين الشعب ومرؤوسيه؟ الى متى نولول وننتحب وانتم تضعون القطن في اذانكم وتشيحون بوجوهكم عنا وكأنكم انتم اهل البيت ونحن غرباء طارئون؟!
عنكاوا التي عشقناها ما عادت في الجغرافيا فهي مصلوبة فوق حائط الكراهية، واني اتساءل متى تُقرع اجراس الغضب في ليل بلدتنا النائمة .. متى؟؟

جنان بولص كوركيس[/b][/size][/font]


32
مابالهم لا يسمعون !!
جنان بولص كوركيس

كنا لانعرف اليأس.. عرفناه، كنا لانؤمن بالقدر..آمنا به والفناه.. كنا نرنو الى مستقبل افضل .. فنسينا الحلم ودفناه .. عشقنا القلم والكتابة وقول الحقيقة بوجه الطغاة، قلنا لا لكل السيئات، وكتبنا عن الغدر والانحرافات وادخلنا اصبعنا في عيون الكذابين وكشفنا النقاب عن وجه المخادعين وسمينا اللصوص و السارقين. حملنا معاناة الشعب وشكواه الى من يهمهم الأمر لعلهم يكافئوننا بمعاقبة المسيئين والمرتشين واحقاق الحق ورفع الظلم عن المظلومين. ولكن يبدو ان الشكوى لغير الله مذلة.. فلقد جوبهنا وللأسف باذن من طين واخرى من عجين .
اننا من هذا المنبر طرحنا وطرح الكثير غيرنا في منابر اخرى وحددنا جميعاً ودون مواربة مكامن الصديد الساري في شرايين دمائنا الاقتصادية والاجتماعية والادارية والثقافية والسياسية .. كما حددنا دون مواربة ايضاً طريق الخلاص، بكل مايعنيه من متغيرات ومسؤوليات والتزامات ..
تناولنا من خلال مانكتب مواضيع مهمة وساخنة وصورنا عمق جرح العراقي والقلق الكبير الذي يلاحقه في كل انحاء الوطن، القلق ازاء الحاضر والمستقبل، فلا أمان على الاطلاق، غياب الخدمات، جنون الاسعار، تدهور الاخلاق والقيم، ارتفاع عدد المجرمين مع تنوع اشكال الجريمة، الفساد الاداري، البطالة، والفقر.. والمال وان توفر لوحده عند البعض صار اكثر من اي وقت مضى لايشكل مقياساً للسعادة والراحة النفسية.
نشكو ونكثر من الشكوى لتصل الى آذان المسؤولين عسى ان تصحو ضمائرهم من سباتها العميق وتوبخهم ليلتفتوا الى معاناة المواطن الرهيبة، ولكن للأسف توبيخ الضمير يروح في سبات عميق حين ننعم بالثراء ويستيقظ من نومه حين يداهمنا الفقر، نشكو ونكثر من الشكوى لان الانسان عندما يشكو مصاباً لأخيه الانسان يهبه جزءاً من قلبه .. فان كان كبير النفس شكره واعانه وان كان صغيرها احتقره واستخف بمعاناته .
يبدو ان السلطات التي مرت وتمر على العراق تريد من الكاتب ان قال.. ان لايقول شيئاً، وان لا يغضب احداً ويكون بلا قضية ويشطب من قاموسه كلمتي الحرية والديمقراطية، ويتمسكن ويتسول على ابواب المسؤولين لا يتحدث عن معاناة الشعب لا ينتقد اجهزة الدولة، لايضع انفه في المسائل السياسية ولا يتعرض للمسؤولين اذا اخطأؤوا او تاجروا بثروات الشعب ومصيره لانهم يعتبرونها مسائل شخصية، لينال حظوة عند اصحاب السلطة ويصبح بلا ذاكرة ويفقد صوته .
فليعلم الجميع بان الكلمة مهما سُجنت ومهما وكُبلت تستطيع ان تنقل الجبال من مكانها والحكومات من مكانها وتعيد كتابة التاريخ .
واخيراً .. الحياة مباديء .. وفي البحث عن مبادئنا نجد حياتنا .

جنان بولص كوركيس[/b][/size][/font]

33
المنبر الحر / خصالٌ.... غير حميدة
« في: 15:35 05/07/2006  »
خصالٌ.... غير حميدة
[/color][/size]

صغاراً كُنّا … جَهَد الاهل في تلقيننا الصفات او الخصال الحميدة، وهي معروفة لدى الجميع، يستطيع صغيرنا قبل الكبير ان يعددها، في فجر حياتنا الاول كتبنا كثيراً عنها في دفاتر الانشاء، سقتها لنا المدرسة بعد الام فتحلينا بها وعرفنا معنى الضوابط الاخلاقية والمبادىء والكرامة و العزة و…، ولكن بعد ان غادرنا حضن امهاتنا والقينا بانفسنا في الحضن الكبير حضن المجتمع ولسوء حظنا فوجئنا بان مجتمعنا  تحكمه حكومات لا نُحسد عليها.. بدأت تختل عندنا المفاهيم التي رضعناها مع الحليب، واهتزت في دواخلنا قيم ومبادىء اعتبرناها من الثوابت الشامخة التي لايمكن ان يزعزعها زلزال مهما بلغت شدته على مقياس رختر ..
بدأ عصر الانحطاط، توقف الفعل والانفعال، توقف العقل واخذنا نقرأ الحروف بالمقلوب ، علمونا الخبث واسلوب المناورات، كانت لكل مرحلة يمر بها شعبنا نبتاً وحصادا لبذور غرست في المرحلة التي سبقتها فأنبتت انتهازيين ومتسلقين. فالحاكم او المسؤول في بلادنا لايبحث عن مبدع حكيم ليستشيره في امور الرعية، انما يبحث عن اجير يكتب له المدائح المزيفة ويزحف الفكر الوصولى على جبينه ليلثم ايادي الأسياد واقدامهم .. يبحث عن مرابٍ ليبيع له اخر النجوم في سمائنا بعد ان باع الارض والعرض. انه مأزق حرج تترتب عليه اثار خطيرة، هذا هو سر انحلال الامة ووهنها . لقد مرت علينا اعوام واعوام ونحن وقوف كالاصنام، تمر الحضارات من قربنا فلا نتأمل شيئاً ولا نتعلم شيئاً، وعصفت ريح الخراب في العراق وكبا جواد العراقيين مرة بعد اخرى، سقط التاريخ والانسان، وانطفأ نور العقل واستُبدلت الخصال الحميدة بالانحرافات.. ها نحن الان منكسرون من داخلنا لاننا ضيعنا تاريخاً، وارضاً، واهلاً وبلاد.

جنان بولص كوركيس [/b]

34
المنبر السياسي / لعبة الكراسي
« في: 02:31 14/06/2006  »
لعبة الكراسي

في رياض الاطفال والابتدائيات تطلب معلمة الرياضة من عدد معين من الطلبة الصغار ان يدوروا حول عددٍ اقل من الكراسي وعندما تطلق صفارتها يكفون عن الدوران ويهرعون ليحتل كل منهم كرسيّاً، والذي يبقى بدون كرسي يخرج خارج اللعبة وهكذا دواليك الى ان يفوز واحد منهم بالكرسي.. الفائز الذي يحظى بالكرسي يتمتع بالسرعة والدهاء والمناورة،وليس بالضرورة ان يكون في دروسه متفوقاً على اقرانه ،والذي لم يحظ بالكرسي قد يكون هادئاً ذكياً مجتهداً متفوقاً في دروسه ولكنه يجد نفسه خارج اللعبة... انها لعبة .. مجرد لعبة ..وها نحن نراها تُمارس اليوم من قبل الكبار.. كبار القوم ورؤساء الكتل السياسية وقيادات الاحزاب وكبار التجار واصحاب الثروات والملايين، انهم يتراكلون ويناورون ويستخدمون كل الوسائل الشرعية والغير الشرعية للوصول الى كرسي الوزارة او كرسي البرلمان ..اليوم بات للكرسي سحرٌ ما بعده سحر.. فاق سحر الماس والذهب والياقوت ..
لنسأل هؤلاء المتناحرين المتكالبين على الحقائب الوزارية والكراسي البرلمانية .. هل اعدّوا برنامجاً وطنياً صادقاً لاخراج الشعب البائس من ازماته التي لاتعد ولاتحصى؟ وهل من مواقعهم تلك سيناضلون ويتفانون لاسعاد المواطن الذي انهكه الانتظار لرؤية بصيص من الامل في انفراج الازمات؟! تراهم هل فكروا قبل اعتلائهم لهذه الكراسي بالمصلحة العامة قبل الخاصة؟ وهل شعروا بالخوف امام الجديد، اسمه المسؤولية؟ والمسؤولية هي هذه المراقبة العقلية الصارمة التي تحمي المسؤول من الطيش والحماقة و الغرور وتذكره في كل لحظة ان عليه ان يحترم قسمه، وان يَخدم ولا يُخدم، وان تخلده اعماله عندما يمضى وينصرف، ولو احس بان الناس بدأوا ينسحبون من حواليه عليه ان لايجد حرجاً في ان يلملم اوراقه وينسحب قبل ان يطفئوا الاضواء عليه..
لماذا هذا اللهاث وراء الكراسي والحقائب الوزارية .. لماذا كل واحد منهم يحاول ان يسحب البساط من تحت قدمي غيره ليحل هو مكانه .. أ لأنه هو الاكفأ والانسب لهذا المنصب؟ ام انه سباق للفوز بحصة الأسد من جسد العراق الجريح؟
حتى الامس القريب، والقريب جداً، كان المنطق السائد يقول بان مستقبل العراق مرهون بتجربة الانتخابات واقرار الدستور الدائم وتشكيل البرلمان ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية، فتحمس الشعب لانجاحها وتحدّى الموت والارهاب في سبيل ذلك، ولكن الان فتر حماسه بعد ان رأى ان هذه التجارب لاتشجع على الغلو في الامل بعد انتظار مرير، لان الذين اختارهم لينقذوه من واقع مؤلم قعدوا على كراسيهم الوثيرة يحضنون ملايينهم لتُفرّخ ملاييناً بلايينا .. وان توفرت في البعض منهم النوايا الصادقة فهذه لوحدها لا تكفي في عالم الواقع، فلابد من التضحية ونكران الذات والنضال والعمل الجاد لحل الازمات الامنية والسياسية والاقتصادية وازمة اخلاق الدولة والفساد بسبب المحسوبية والوساطة والخ .
ففي السابق كان الشعب يرى في الاحزاب والكتل السياسية بديلاً عن  الطاغية ..واليوم لايجد احد اي بديل ممكن. الشارع يعيش حالة احباط شديدة وهو يرى ازماته تدور في حلقه مفرغة،وهؤلاء السادة جلسوا على كراسيهم والوطن يتناثر كالغبار امامهم وهم على اطلاله يتنزهون!.

جنان بولص كوركيس
[/b]

35
فما هو السر بالضبط ؟

جنان بولص كوركيس
يلاحظ كل مهتم بمصير بلدنا، ان العراق ابتلي منذ سنوات طويلة، بانظمة دكتاتورية وطغاة ادخلونا في حروب لاهوادة فيها أتت على الاخضر واليابس في البلاد، عبثت بآمالنا و بددت احلامنا وجعلتنا نقف وجهاً لوجه امام الحقيقة المرة التي لا يضاهيها مرارة الا ما يجري اليوم في عراقنا الذبيح من ارهاب واقتتال وصراع حتى بين ابناء الطائفة الواحدة. امام كل هذه الظروف وامام تفاقم الوضع الحالي، يحاول بعض المثقفين والمفكرين ايجاد مخرج وفتح ثغرة في الطريق الذي يبدو مسدوداً فيشكلون احزاباً قومية او وطنية او دينية بالاضافة الى الاحزاب العريقة التي كانت موجودة  في الساحة العراقية  منذ امد بعيد .
كثرة الاحزاب اصبحت ظاهرة واضحة للعيان في بلدنا هذه الايام . والغريب في الامر هو،ان من ينتمي الى هذه الاحزاب بملء ارادته عندما يُسال: هل انت منتمٍ الى الحزب الفلاني ام لا؟  ينتفض كمن لدغته حية رقطاء او عقرب سامة صفراء ويبدي امتعاضه من هذا السؤال ويسارع الى الانكار و يسهب وبتشنج واضح، بالشرح والاستدلال، لاثبات برائته من هذا الحزب او ذاك، وكأنه يتبرأ من عار الحقناه به او تهمة مخلة بالشرف .. ردُ فعلٍ يثير الكثير من الاستغراب والاستفهام، فما السر في هذا بالضبط؟ هل تغيرت المبادىء والحسابات والولاءات، والتكتيك والاستراتيجية للاحزاب، اليوم؟ ان المراقب لايمكن ان يفسر كل ذلك الاّ بان مانقوله هذه الايام غير مانضمره، ومانريده علناً غير مانسعى اليه سرّاً، وما نرفضه امام الناس غير مانفعله في الكواليس. اذا كان ذلك صحيحاً، فان الخلل في الحياة السياسية قد وصل الى درجة التعامل مع القضايا المصيرية بطريقة ملتوية. لان المزايدات والمشاحنات والخلافات لم تعد تسمح لنا بان نكون صادقين مع انفسنا ومع اصدقائنا ومع خصومنا.
والسؤال الان ، هل الانتماء الى حزب ما، اصبح عاراً او جريمة.. ولماذا؟ ضمن دائرة عملي لمست هذا وبشكل يدعو الى العجب، فمن النادر ان ارى منتمياً الى حزب في السلطة او ذي نفوذ، يعترف بانتمائه هذا ويفتخر بحزبه،بل للأسف الشديد غالبا ما ينكر انتمائه ويدعي انه مستقل، والاغرب من هذا حينما نراه يتباهى بانتمائه السابق الى حزب اخر (كلما دعت الضرورة) ويسرد نضالاته ضمن ذلك الحزب لاعتقاده بأن هذا سيكسبه قاعدة جماهيرية واسعة ويحسن من صورته وسمعته بين الناس، وهو في حقيقة الامر يعادي حزبه السابق ويحاربه ارضاءً للحزب الجديد الذي تزوجه عرفياً وبوثيقة زواج مزورة. فهو مستعد لخلعِهِ متى ما انتفت حاجته منه وتحققت كل مآربه ومكاسبه، وغير مستعد للتضحية في سبيل مبادىء حزبه الجديد ولو قيد شعرة وان اعلان البراءة منه اسهل من شرب الماء لديه.
  اما الفئة الاخرى من المنتميين الى احزاب السلطة والتي تجاهر وتفتخر بانتمائها هذا فهي في معظم الاحيان تكون قد اتخذته كمصدرٍ لقوةٍ تُخرس بها كل من يتفوه بسوء ( حسب اعتقادها)، او يتذمر من تصرف مسؤول في السلطة او مما يعانيه من قلة الخدمات او الفساد الاداري او يمارس  ولو جزءاً يسيراً من حقه في حرية الرأي والتعبير .
لماذا كل  هذا الاصرار على ان يكونوا امتداداً للماضي المظلم الذي نريد ان نمسحه من ذاكرتنا؟ لماذا يجعلوننا نردد ودون وعي منا ( ما اشبه اليوم بالبارحة)، لماذا هذه الاساءة الى مبادىء احزابهم السامية!؟ لماذا يجعلون الناس تنفر منهم ومن اعمالهم، فانا ارى ان اساءتهم الى احزابهم تفوق كل اساءة تصدر من هذا المواطن او ذلك ..
ترى كيف ستكون المقارنة بين من كانوا ينتمون الى احزاب في فترة نضالها السري واضعين نصب اعينهم  اعواد المشانق التي ارتقوها فعلاً وهم ينشدون لاحزابهم و لشعوبهم ولاوطانهم؟ كيف ستكون المقارنة بين هؤلاء وبين حزبيي اليوم، الذين يتبرؤون من احزابهم دون ان يفقدوا ارواحهم او تقطع السنتهم او تسلخ جلودهم بل لمجرد انتفاء حاجتهم اليها وملء جيوبهم بالمال الذي لا احد يسألهم من اين اتى وكيف! او حصولهم على مركز وجاه، انها فوضى عارمة شملت كل الميادين، انها ازمة صدق بالنسبة للاحزاب الحالية،وتشويه صورة الحزبيين، صورة يفترض بها ان لا تتغير وان تغيرت فنحو الأحسن .

36
لنتعلم أن نقول (( لا))
جنان بولص كوركيس

كلمة (نعم) مع حليب أمهاتنا رضعناها، جُبِلنا على الطاعة والرضوخ منذ نعومة أظفارنا، ففي محيط الأسرة كان علينا أن ننفذ كل أمرٍ يصدر إلينا ممن هم أكبر سناً ، وفي المدرسة أوامر المدير و المدرسين مطاعة لامحال وفي مقر وظائفنا طاعتنا يجب أن تكون عمياء للرؤساء وأرباب العمل .. (نفذ ولا تناقش) .. هذا هو الشعار الذي تربينا عليه .
وجهات نظرنا ممنوعٌ عليها رؤية النور وخاصة ً إذا كانت تناقض وتنافي وجهات نظر الرؤساء والمدراء والوزراء والحكام .. 
باتت نفوسنا مريضة ضعيفة الإرادة، مغلوبة على أمرها تئن تحت وطأة حملها الثقيل من الحقائق المكبوتة والمحبوسة في الصدور والتي لا تنتهي مدة محكوميتها، فسجنها مدى الحياة، أملها في الإفراج معدوم ،طالما هي حقائق، إذن يجب أن تقبر في ظل عالم يحكمه جائر وجلاد يقطع كل رأسٍ لا يطأطأ له ولأزلامه ويُخرسُ كلّ لسان لا يدمن قول كلمة (نعم) سمعاً وطاعةً، لكل أمرٍ يصدره حتى لو كان ظالماً ومنحرفاً .. أقتلْ .. نعم، ازنِ .. نعم، اشهد بالزور .. نعم .نعم ..نعم .
دكتاتور في كل بيت وفي كل مدرسة وفي كل دائرة وفي كل بلد . . أدمنّا على قول كلمة (نعم) وهذه هي مشكلتنا والان وقد أعطينا جرعة من الحرية أفقدتنا صوابنا فأصبحنا لا نُجيد استخدامها بشكل مناسب وفي والوقت المناسب ، هذا بسبب تخبطنا بين ما تكدس في داخلنا من رواسب الماضي من الرهبة والخوف حتى من أقرب المقربين إلينا وبين جرعة الحرية ..
فلذلك ترانا غالباً ما ننصاعُ لما يطلب إلينا من قبل المدير أو(الوزير) أو أي مسؤول في الدولة فنلبي طلبه رغم علمنا بأنه منافٍ للقانون ونجيز له مالا نجيزه لغيره من أبناء الشعب ، أي لا تزال (الواسطة) تعمل عملها وبشكل خطير جداً ..
لا أدري لماذا ينعقد اللسان ولا يرفض (للوزير أو للمسؤول) طلب حينما يكون فيه تجاوز على القانون !؟ هل هو الخوف من البطش والعقاب، هل العلة فينا أم في الذي لا يزال يرتدي ثوب الدكتاتور؟ أقولها صراحةً وبصوت ٍ جهوري ..
رياح التغيير أخذت تجتاح بلدنا والديمقراطية ستكون نهج العراق الجديد فالويل كل الويل لكل من يقف في وجه هذا التغيير لأنه سيندحر أجلاً ام عاجلاً وستلحقه لعنة التاريخ وبئس المصير ..فلنتدرب كل يوم أمام المرآة ولندرب شفاهنا لتنطق بكلمة (لا) ..
لا للظلم لا للظالم لا للرشوة لا للكذب لا للتجاوز على حقوق الآخرين لا للفساد السياسي ..لا للفساد الإداري الذي مازال يعاني منه عراقنا منذ الاستقلال وحتى اليوم ، يورثه عهد إلى عهد دون أن يجرؤ عهد على مواجهته بالحسم والحزم، نعم للحرية..
نعم للديمقراطية التي علينا أن نحميها من محاولات الانقضاض عليها وأن نثبت إنها أداة (محاسبة) و(تصحيح) وليست فقط أداة (كشف ) و(تشهير).

جنان بولص كوركيس[/b][/size][/font]

37
خيبات امل العراقيين
جنان بولص كوركيس

خيبات املنا ليست ككل الخيبات .. فهي مسلسل فاق المسلسلات المكسيكية في عدد حلقاته .. بدايته مع بداية تاريخ العراق القديم ومروراً بالحديث والمعاصر ولانعرف له نهاية..
فكل مايحدث في بلدنا وفي حياتنا، مسلسل استبداد، يُقهر دكتاتور ليخلفه آخر يتفنن في القتل وهندسة السجون.. الوطن يُحرر ثم يُحتل والمحتل ينقل عنا اجمل مالدينا.. ونحن ننقل عنه ابشع مالديه..
تُذبح وحدتنا وتجهض احلامنا وندفع غالياً ضريبة الكلام... نموت مجاناً كما الذباب يموت.. الفرح لا يزورنا... واصبح لوننا المفضل هو السواد..
عندنا العواطف تلعب دورها دوماً، وعندما تطغي الحماسة، يضيع المنطق ولايعود بالامكان الركون الى تحليل اوضاعنا لايجاد الحلول الصائبة لننعم بالاستقرار والرخاء والسلام، لاننا مجتمعات نامية مازال فيها التعلق بالشخص هو اساس الولاء للنظام واساس تعامل النظام مع الجماهير.
نحن العراقيين لايزورنا الا الحزن وخيبات الامل ، حكامنا وساستنا وصحفنا الرسمية واجهزة الامن والشرطة كلها استبداد في استبداد..
نشعر باننا متسولون على اسوار مدينة الفرح، فما دام الحزن يحتل وطننا فهو يحتلنا، ويحتل ذاكرتنا .. كل يوم نلعن حظنا، ونستحيل الى نعام نُخفي رؤوسنا تحت الوسادة فتهاجمنا الافكار السود، حرب أهلية، تفجيرات، فصل الرؤوس عن الاجساد، خطف ، هتك اعراض ، ازمات .. ازمة نفط في البرد القارص تتزامن مع ازمة الغاز والكهرباء ومياه الشرب..
ويزأر الفيضان فيجتاح المدن مستهزءاً بالجهود الهندسية للبلدية، انتخابات وتزوير واخفاقات، تشكيل حكومة وحدة وطنية ومحاصصات، احزاب وكتل سياسية، شعارات وحمامات السلام تُعدم بتهمة انفلونزا الطيور.. ارهاب.. ارهاب ... والكل يستجدي لحظة سلام..
نطرد الافكار السود لنحلم بالهجرة، ولكن الفرح خارج اطار الوطن عابر وفقاعي وبلا جذور ، فقلب الانسان ليس جمهورية فردية مستقلة بل انه قطعة من ارض بلاده.
انها خيبة اضيفت الى خيبات العراقيين، فقدرنا ان نبقى في وطننا الحزين، نرمق مائدة الرخاء والامان بوجع من طال جوعه، ولم يعد قادراً على التهام شيء، من مائدة السعادة غير بعض الفتات من خبز الفرح العابر الجاف والمقدد.

جنان بولص كوركيس [/b] [/size] [/font]

38
عيد …..وعتب
عيد المرأة …. عيد الأم ….. عيد الطفل ..

            قبل شهر من الآن أخذت وسائل الإعلام السمعية والمرئية تتسابق للإعلان والتذكير بهذه الأعياد ، مساحات واسعة من الصحف والمجلات كرست لمقالات تحدّثت وأشادت بهذه الأعياد وكذلك أعدت برامج خاصة و أماسي واحتفالات تكريماً للمعنيين بالعيد ، ومن خلال شاشات التلفزيون وعبر الأثير أرسلت التهاني والتبريكات الى الأم والمرأة والطفل .
ففي زحمة القضايا والأحداث الإرهابية التي يشهدها العراق حيث صارت الكتابة عن هذه الأحداث والقضايا مملة لا لشيء الا لان الكلام في مثل هذه المواضيع صار تكراراً لايُجدي نفعاً فما يمكن قوله بعد الذي قيل ، فالوضع رتيب للغاية ويشوبه الغموض .. في خضم هذه الأوضاع توالت علينا الأعياد واخترقت واقعنا المظلم كشعاع من نور حينما يخترق العتمة الحالكة ، امتطينا حصان الحلم وبدأنا رحلة الفرح نحو آفاقٍ رحبة .. نحو عالم آمنٍ يسوده الحب والامان … عالمٍ يختلف ويتقاطع مع واقعناً المرير الذي تشبع بالحزن والظلم والأسى .. عالمٍ زاخرٍ بالأعياد والمسرات .
عيد الأم عيد المرأة لما لا ! أوَليست المرأة حادية النضال ، ورفيقة الدرب ، ومصدر الوحي والإلهام .. أوَليست السعادة كلها .. أوَليست وراء كل رجل عظيم امرأة !؟ المرأة هي الجانب المشع دوماً في كل حرف يكتبه أديب أو شاعر فهي بحر من الود والحنان ، فهي الأم وهي الزوجة وهي الأخت وهي الأبنة وهي الحبيبة وهي الصديقة وهي الزميلة ..
فلنتذكر أعيادهم ولنحمل الحب والورود اليهم ولندخل الفرح الى  قلوبهم ونرسم البسمة على شفاههم فهم أهل لذلك حقاً . ولكن… كم واحد منا قد تذكر عيد الأم أو عيد المرأة .. وحتى لو تذكر فهل بادرها بعبارة (كل عام وأنت بخير ) ؟ أم الخجل واللامبالاة و الاستخفاف جعلوه يعرض عن القيام بذلك ؟ هذا عتب من المرأة أما العتب علينا جميعاً فهو قد ارتسم في عيون الملاك الطاهر كالندى والثلج ورمز البراءة والنقاء، من الطفل ، لاننا نسينا ان نطبع ولو قبلة على عيونه الغالية ونقول له كل عام وأنت بخير يا بذرة الخصب في حياتنا العقيمة .

جنان بولص كوركيس[/b][/size][/font]

صفحات: [1]