عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - عباس الخفاجي

صفحات: [1]
1
بقلم : عباس الخفاجي
بعد ستة عشر عاما من التغيير الذي حصل في العراق ، والذي أرتكبت فيه أخطاءا فادحة وجسيمة ، من خلال القرارات الأرتجالية وغير المدروسة التي أصدرها سيىء الصيت بول بريمر ، الحاكم العسكري الأمريكي للعراق ، والتي كانت أعظمها جسامة حل الجيش العراقي البطل ، جيش البطولة والفداء ، الذي كانت له صولات وجولات منذ تأسيسه في 1921 حتى تأريخ حله في عام 2003.
ولست هنا بصدد تعداد مفاخر هذا الجيش و بطولاته فأنها جلية للقاصي والداني ، جيش مهني لم يكن ولائه ألا للعراق العظيم وحده ، همه الأول والأخير الدفاع عن حدود العراق برا وجوا وبحرا ، وقد قدم الآف الشهداء طوال مسيرته التي تقترب من المائة عام ، في فلسطين 1948 و 1967 و حمى دمشق من السقوط عام 1973 ، ودافع بكل شرف وبسالة وبطولة عن أرض العراق خلال حرب السنوات الثمانية مع أيران من 1980 – 1988 ، بنفس الشرف والبطولة والبسالة التي قاتل بها الجندي الأيراني للدفاع عن أرض أيران.
ولقد أنتبهت الحكومة العراقية لخطا بول بريمر ، وتيقنت أن منتسبي الجيش العراقي المنحل ، لم يكونوا يوما ألا حماة لأرض العراق وعرضه ، فأصدرت الأوامر الديوانية بأحالتهم على التقاعد عام 2006 ، وصرفت لهم الرواتب التقاعدية وفق قانون الخدمة والتقاعد العسكري ، وتناست باقي حقوقهم التقاعدية المنصوص عليها في القانون أعلاه ، وهي مكافئة نهاية الخدمة ما يعادل رواتب سنة واحدة ، والأجازات المتراكمة التي تعادل الراتب الأسمي لستة أشهر.
وبالرغم من الضروف الصعبة لشريحة المتقاعدين ، وقلة رواتبهم التقاعدية ، ومعاناة الأغلبية منهم من عدد من الأمراض المزمنة نتيجة تقدمهم بالعمر ، ألا أن صبرهم كان كبيرا وطويلا حتى أستبشروا خيرا بأدراج فقرة مكافئة نهاية الخدمة ضمن موازنة عام 2019 ، مع تحديد بأن لا يزيد مبلغ الدفعة الواحدة على عشرة ملايين دينار ،
ألا أن اللافت للنظر أن السيد مدير هيأة التقاعد الوطنية الأستاذ أحمد عبد الجليل ، صرح وفي أكثر من قناة فضائية ، بأن الدفع سيكون بمعدل مليونين ونصف المليون دينار ولكافة المشمولين بالمكافأة ، هذا يعني أن المبلغ المخصص من وزارة المالية معلوم وأن عدد المشمولين محدد ومعروف أيضا ، وبالرغم من كل ذلك فأن الهيأة في كل مرة تحدد موعدا للصرف ثم تتراجع عنه لتحدد موعدا آخر بدلا عنه بذريعة عدم أنجاز تدقيق الأسماء المشمولة ،
أذن كيف تم تقسيم المبلغ المخصص على عدد المشمولين أن لم تكن قوائم المشمولين منجزة؟
وهذا تلاعب بأعصاب المتقاعدين الذين ينتظرون الحصول على حقوقهم على أحر من الجمر ، فمنهم من ينتظر أستلام المكافاة للسفر العلاجي ، وآخر لزواج أبنه وثالث لترميم بيته و رابع لسداد ديونه ، والى أخر مشاكل وهموم المتقاعدين.
شريحة المتقاعدين ، شريحة لا يستهان بها ، رجال خدموا العراق وقدموا خلاصة خبراتهم وأمكانياتهم وجهودهم لهذا البلد الغالي والعزيز على قلوبنا ، وبذا فأنهم يستحقون الأنحناء لهم تقديرا وأحتراما وعرفانا بالجميل ، ولا فضل لأي جهة كانت بصرف أستحقاقاتهم المنصوص عليها قانونا ، لأنها جزءا من خيرات العراق التي أنعم الله علينا بها أجمعين .
ومع أن الكثير من السادة النواب لابد وأن يكون أحد أقاربه أو معارفه أو أصدقائه من المتقاعدين العسكريين ، ألا أن أحدا منهم لم ينبس ببنت شفه و يطرح معاناتهم تحت قبة البرلمان ، حتى تصدى لها النائب رعد الدهلكي في مداخلته في جلسة بوم 14 آذار 2019 ، حين طلب من رئيس المجلس الموافقة على أستضافة السيد مدير هيأة التقاعد للوقوف على ملابسات عدم صرف المكافآة لمستحقيها وقد مرت شهور ثلاث على أقرار موازنة البلد.
فتحية تقدير وعرفان للسيد النائب رعد الدهلكي ناصر المتقاعدين ، فموقفك هذا سيكون نصب أعين المتقاعدين وسيردون اليك الجميل أضعافا مضاعفة،
ورود الكلام :
نشر أحد الأصدقاء في مواقع التواصل الأجتماعي أن جاره متقاعد عسكري ، ترتبت في ذمته ديونا لا يقوى على سدادها لقلة راتبه التقاعدي ، سمع الرجل من أقرانه أن المكافئة ستصرف يوم الخميس الماضي ، فوعدهم بسداد ديونه عصر الخميس آملا أن يستلم مكافأته صباح ذلك اليوم ، ولما أنقضى الخميس ولم يستلم المكافئة ، تدهورت صحته وأرتفعت نسبة السكر في جسمه ونقل الى المستشفى ، وبعد ساعات لفظ أنفاسه الأخيره متوجها الى الباري عز وجل ، الحق العدل ، الذي لا يظلم عنده أحدا، وسيكافأ بجنات الخلد ، ولا حول ولا قوة ألا بالله العلي العظيم.
فيامن تم تكليفكم بخدمة عامة أرحموا المتقاعدين عسى أن يرحمكم رب السماء.

2
بعد مقتل الملك الشاب فيصل الثاني صبيحة 14 تموز 1958 ، تلقت محكمة نيويورك دعوى قضائية من قبل المواطنة الأمريكية (جنفييف) ووالدتها مدام آرنولت، مدعيتان بأن الأولى كانت زوجة الملك المقتول فيصل الثاني ، والثانية شهدت على ذلك بأن أبنتها الوريثة الشرعية لتركة الملك فيصل في لندن و نيويورك، وأن الامير زيد بن حسين شريف مكة عم الملك غازي هو الذي تقاسم تركة الملك المقتول مع المدعية  الامريكية. قضية فجرت صراعا بين الأميرة بديعة بنت علي خالة الملك فيصل الثاني ،والأميرة فخر النساء زوجة الأمير زيد بن حسين وأم الأمير رعد بن زيد.
تروي الأميرة بديعة في مذكراتها (وريثة العروش) أن الملك فيصل الثاني عندما كان في الثالثة عشرة من عمره ، كان يدرس في بريطانيا عام 1947، وخلال العطلة سافر الى سويسرا لممارسة رياضته المفضلة في التزحلق على الجليد ، تعرف الى مجموعة الصبية الذين كانوا يلعبون معه بينهم الأمريكية جنفييف أبنة السنوات العشرة ، التي ما أن علمت والدتها مدام آرنولت أن هذا الصبي هو ملك العراق ، حتى بدأت بتحريض أبنتها للألتصاق به والتقرب اليه وتمتين العلاقة معه.
وحصل أن أنزلق الملك فيصل على الجليد وأنكسرت ساقه ،فرقد في مستشفى المنتجع السياحي بضعة أيام ، ظلت الطفلة ووالدتها تتردد عليه وتسأل عنه.
عاد فيصل الثاني الى مدرسته في لندن ، ثم الى بغداد وبقيت الطفلة على أتصال به بتخطيط وتحريض من والدتها ، من خلال رسائلها التي كانت تبعثها اليه من الولايات المتحدة الأمريكية الى لندن وبغداد.
في عام 1952 زار الملك فيصل الثاني الولايات المتحدة فعرفت والدة الطفلة بذلك فقامت بزيارته في القنصلية العراقية بنيويورك بحجة أن أبنتها صديقة الملك ، ثم دعت الملك والأمير عبد الأله الى مأدبة غداء فلبيا الدعوة في منزلها،رغم ان أحد السفراء العرب حذر السفارة العراقية هاتفيا من مدام آرنولت وقال انها محتالة ولكن السفير العراقي لم يعر أهتماما للتحذير.
وفي حفل تتويج الملك في 2 مايس 1953 قدمت مدام آرنولت وأبنتها برفقة أحدى الشركات التجارية الى بغداد لتقديم التهاني وأبرام عقود تجارية مع الدولة. وقامت الأم وأبنتها بزيارة العائلة المالكة في قصر الرحاب بحجة الصداقة التي تربطهما منذ أن أنكسرت ساقه في المنتجع السويسري.
في أواخر سنة 1956 زارت مدام آرنولت وأبنتها جنفييف بغداد وأستأجرت بيتا في منطقة الوزيرية ببغداد وأصبح لها ولابنتها جنفييف أصدقاء ومعارف في بغداد وصارت تحضر الحفلات الرسمية، كما أخذت تستقبل الضيوف في بيتها بالوزيرية وتقيم الحفلات التي تحضرها شخصيات في مراكز مرموقة في أجهزة الدولة والسوق التجارية.
 كانت جنفييف جريئة وغير متحفظة وقد بذلت جهودا كبيرة من أجل مقابلة الملك فيصل الثاني ألا ان الملك قال :(لا أريد أن أرى هذه المرأة فقد وصلتني أخبارها المشينة في بغداد ،وهي أيضا تحاول أن تستغل تعرفي عليها في سويسرا ولقائي معها في أمريكا لا أريد أن أراها).
وكان هذا بمثابة الضوء الاخضر للحكومة و الجهات الامنية والاستخبارية وخاصة مدير التحقيقات الجنائية آنذاك بهجت العطية بالتدخل خشية على سمعة الملك.
وفي اليوم الثامن من آذار سنة 1958 أقتاد شرطيان جنفييف ووالدتها الى المطار وأرغمتا على الصعود الى طائرة (بان أميركان) المتجهة الى أسطنبول.
وتبين فيما بعد أنهما لم يدفعا أيجار البيت ولمدة سنة ، حيث قام صاحب البيت ببيع أثاثها . وعادت جنفييف الى أمريكا و عملت في أشغال عديدة منها تأجير الشقق وبيع المجوهرات في محلات تيفاني وبيع الاواني الخزفية والانتيكا.
يذكرالأستاذ أمين المميز الذي كان يشغل منصب وكيل وزارة الخارجية آنذاك، في كتابه (بغداد كما عرفتها) بأن جنفييف لم تكن إلاّ مدعية أفاقة ولم تكن لها صلة يؤبه لها في الأوساط الرسمية العراقية، برغم ظهورها في العديد من الصورمع شخصيات رسمية عراقية مهمة ، منها أمين المميز نفسه.
بعد أنقلاب تموز 1958 ، أخذت مدام آرنولت بنشر تصريحات في الصحف الأمريكية والبريطانية مفادها بأن الملك فيصل الثاني متزوج من أبنتها ، ومن حق أبنتها أن ترث أموال الملك المغدور،
قامت جنفييف برفع دعوى قضائية أمام محكمة نيويورك أدعت فيها أنها كانت كانت قد تزوجت الملك فيصل الثاني في 22 مايس 1957، طبقا للشرع الاسلامي وقد بقي الزواج سرا لاعتبارات سياسية وأجتماعية، وأدعت شهر العسل كان في قصر(عكركوف ) الذي تم إعداده لهذه المناسبة كما أن الملك أهداها أرضا مساحتها 165 إيكر وأنها قد أهدتها الى جامعة الجزويت تقصد جامعة الحكمة فيما بعد لتبنى عليها جامعة تكون أول أثر علمي أميركي في العراق.
في حين أن خالة الملك الأميرة بديعة المقيمة في لندن نفت أن تكون المذكورة زوجة لابن أختها الملك وقالت إنها لم تكن إلا صديقة عادية ، ولكن الأميرة فخر النساء زوجة الأمير زيد بن حسين طارت إلى نيويورك لتشهد بأن جنفييف هي فعلا زوجة لفيصل لتفوز جنفييف بأكثر من ثمانين ألف دولار هي ممتلكات الملك المغدور في لندن ، في حين ذكرت الأميرة بديعة في مذكراتها أن الأميرة فخر النساء قبضت رشوة مقدارها خمسة عشر ألف دولار للإدلاء بشهادة الزور.
وقد كسبت جنفييف القضية بناءا على شهادة الأميرة فخر النساء حيث قضت المحكمة بأن الزواج قد حصل ، وأن جنفييف آرنولت ، هي أرملة الملك فيصل الثاني ، وأنها الوريثة الشرعية ، وتستحق ثلثي ما كان له من أموال في المصارف الاميركية والتي قدرت بـ (91) الف دولار،كما أن من حقها الاحتفاظ بلقب ملكة العراق. وأن الأمير زيد بن حسين أقرب لولي العهد فهو يستحق الثلث المتبقي من التركة.
هذا الحكم أغرى جنفييف أرنولت بتقديم شكوى مماثلة الى محكمة لندن (برويكس هاوس ) في 25 اذار 1962 للحصول على ثروة الملك الشاب هناك ومنها البيت الذي كان مسجلا بأسمه في ضواحي لندن ، لكن محكمة لندن ردت الدعوى وقالت ان جنفييف آرنولت عجزت عن أن تبرز أي دليل مكتوب أو شهود يؤكدون الزواج ، كما أن المعلومات الموثقة تفيد بأن الملك فيصل الثاني توفي وهو غير متزوج وعليه أبلغت المدعية جنفييف آرنولت علنا وكتابة أنها ليست أرملة الملك فيصل الثاني وليس لها الحق فيما يملكه هذا الملك من ثروة في المملكة المتحدة.
في العام 1988 كتب طبيب العائلة المالكة الدكتور كمال السامرائي مقالا عن هذه القصة في مجلة أفاق عربية في عددها الصادر في كانون الثاني 1988 نفى فيه حادثة الزواج كون أن الملك فيصل الثاني كان رجلا متزنا ، مؤدبا بعيدا عن مثل هذه المغامرات العاطفية غير المحسوبة وقد أعتمد الدكتور السامرائي على أضبارة تتألف من قرابة مئة صفحة تعود الى مرافق الملك فيصل الثاني عبيد الله عبد الله المضايفي نصفها تقريبا محاضر جلسات محكمة نيويورك بالولايات المتحدة الاميركية التي نظرت في إدعاء جنفييف ارنولت.
تزوجت جنفييف آرنولت من مواطن أمريكي وكان آخر ظهور علني لها في نيسان عام 1989 بعد خروجها من السجن الذي قضت فيه ثلاث سنوات بتهمة أساءة معاملة ولديها بالتعاون مع عشيق لها وقد اثارت هذه القصة شهية الصحافة الامريكية لنبش تاريخ هذه المرأة الغامضة المحتالة.
------------------------------------------------------------
المصادر:
-   الحاج أمين المميز ، بغداد كما عرفتها ، بغداد ، 1984.
-   فائق الشيخ علي ، وريثة العروش ،دار الحكمة ، لندن 2002 ، ص284.
-   مجلة آفاق عربية ، كانون الثاني ، 1988.




3
بقلم : عباس الخفاجي
الوصي على عرش العراق ، عبد الأله هو الأبن الذكرالوحيد للملك علي أبن الشريف حسين آخر ملك هاشمي على الحجاز ، حيث أنتهى الحكم الهاشمي بهزيمة الملك علي أمام أبن سعود.
كما كان للملك علي أربع بنات هن:عالية ، عبدية ، بديعة و جليلة.
ولد الأمير عبد الأله في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1913 ، في مدينة الطائف ، ثم ألتجأ وعاش مع عائلته الى مصر بعد ضياع ملك أبيه.
تلقى عبد الأله تعليمه في كلية فكتوريا  في الأسكندرية بمصر، ولم يواصل دراسته فيها وبالتالي لم يحصل على أي مؤهل علمي ، وكان ميالا للعزلة والأنطواء ، ولأنه تربى في جو غالبيته من النساء ، فقد أكتسب الكثير من صفاتهن وأنعكس ذلك على سلوكه وتصرفاته ، حتى قيل عنه أنه كان أقرب للتخنث.
تقدم الأمير عبد الأله بطلب يد أبنة عمه الأميرة راجحة من شقيقها الملك غازي، وكان يحبها ويرغب الزواج منها ، ألا أن الملك غازي رفض طلبه وأقترح عليه أن يقترن بشقيقتها الكبرى الأميرة عزة التي كانت تميل الى أبن عمها ألا أنها كانت تفتقر الى الجمال والجاذبية التي تميزت بها الأميرة راجحة الى جانب أنها أكبر منه سنا ، فأعترض على رفض طلبه وغادر العراق ممتعضا وأقام في مصر.
في عام 1936 وبينما كان عبد الأله مقيما في مصر ، بادر أحد أصدقاءه في كلية فكتوريا الى تعريفه على الآنسة (ملك صلاح الدين فيضي) ، حيث خطبت له وعقد قرانها في مصر وجاء بها الى العراق في باخرة عن طريق الأردن ، وأستقبلهما الملك غازي والملكة عالية قرب الفلوجة تكريما لهما وأقيمت بعد أيام ، حفلة زواجهما في قصر الزهور وكانت خاصة بالنساء فقط .
كانت ملك فيضي تعاني من الضجر والملل ورتابة الحياة في بغداد التي تختلف كثيرا عن الحياة في مصر ، فلا تستطيع الخروج لوحدها ، ولم تكن هناك وسائل للترفيه في بغداد ، كما كانت تشكو من بخل الأمير وشظف عيشه، ولم ترق لها الأقامة في البيوت الملكية العراقية المتواضعة ، فأرادت الأنتقال الى قصر الزهور، ألا أن الملكة عالية رفضت طلبها ، وتكررت طلباتها التي كانت تواجه دائما بالرفض ، ففضلت القيام بزيارات طويلة الأمد الى مصر والبقاء مع والديها ، أدى ذلك كله الى حدوث مشاكل بينها وبين الأمير عبد الأله أنتهت بطلاقهما في مصيف صلاح الدين عام 1940، زواج أستمر أربع سنوات دون أن ينجب منها أي طفل.
وظل عبد الإله من دون زواج فترة طويلة، مع ان علاقاته زادت واتسعت مع نساء من جنسيات متعددة، ويرى طه الهاشمي ان محاولات عديدة بذلت من أجل تزويجه واحدة من شقيقات الملك فاروق، ملك مصر، لكن هذه المحاولات لم تثمر.
بقي الأمير عبد الأله مطلقا من العام 1940 الى عام 1948 ، وفي أيلول 1948 زار عبد الأله مصر برفقة نوري السعيد ، وفي الفندق الفخم الذي نزل فيه في الأسكندرية ، قامت المطربة أم كلثوم بتعريفه على (فائزة الطرابلسي) وهي من العوائل المصرية العريقة بتقاليدها التركية ، التي ما لبث أن خطبها وعقد قرانها في السفارة العراقية بمصر في 3 تشرين الأول 1948 ، ثم حملها مع أختها وأمها الى بغداد حيث تم زواجهما في 28 تشرين الأول وأنعم عليها بلقب ( صاحبة السمو الملكي).
كانت فائزة هي الأخرى تعاني من الضجر والملل والشكوى من عدم تمكنها من الأختلاء بزوجها لكثرة مشاغله ، وعدم تفرغه لبيته وزوجته ، وأخذت مثل سابقتها تطيل المكوث في مصر لأنها لا تطيق جو بغداد الحار ، ألا أن علاقتها بالأمير عبد الأله تأزمت كثيرا على أثر أكتشافها له متلبسا بخلوة مع أحد مدربي خيوله وغادرت الى مصر.
ولما طالت أقامتها سافر نوري سعيد الى مصر وأستطاع أقناعها بالعودة مدعيا لها أن ممارسات زوجها هذه هي حالة شائعة في العراق!!!!
لم تطل أقامة فائزة في بغداد طويلا بعد عودتها أذ ما لبث أن تكرر المشهد السابق لزوجها ، فخرجت غاضبة الى بيت نوري السعيد وواجهته قائلة : (يا باشا فهمنا أن العراقيين يمارسون هذا العمل فهل أنت أحدهم) فسكت نوري السعيد ، وخرجت لتعود الى بيت والدها مصممة عدم الرجوع الى بغداد.
وفي 26 تشرين الثاني 1950 وبينما كانت فائزة عند أهلها في مصر ، أرسل عبد الأله ورقة الطلاق اليها من بغداد ، أستمر زواجهما ما يقرب السنتين ألا أنهما لم ينجبا أي طفل.
في عام 1955 كانت زوجة محمد الحبيب أمير ربيعة ، وأبنته هيام في زيارة لقصر الرحاب ، حيث كانت كثيرة التردد على القصر وتربطها علاقة صداقة مع الملكة نفيسة أم الوصي عبد الأله وأخته عبدية ، دخل عليهما عبد الأله ليسلم ظنا منه أن الضيفة هي مديحة الداغستاني ، ففوجىء بهيام وأمها ، وحين فاتحته الأميرة عبدية بعد ذلك بالزواج من هيام ، أقتنع عبد الأله، فكان أن ذهب الشريف حسين زوج الأميرة بديعة وأحمد مختار بابان رئيس الديوان الملكي وآخرون الى منطقة الحسينية في لواء الكوت لخطبة هيام من والدها الى الأمير عبد الأله ، ويقال أن والدها كان ينوي تزويجها لأبن عمها قيس بن علي الحبيب بينما هي ترفض الزواج منه ، لكنه في النهاية وافق فتم عقد قرآن عبد الأله من الأميرة هيام في 15 حزيران 1955 في حفل بالغ الأبهة والبذخ كان من أبرز الحضور الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير الكويت ومعه الشيخ جابر الأحمد الصباح رئيس وزراء الكويت وأخوه صباح الأحمد الصباح وزير الخارجية.
وفي 18 حزيران 1955 طار الأمير عبد الأله وعروسه الى مصيف سرسنك لقضاء شهر العسل ، دامت هذه الزيجة ثلاث سنوات وشهرا واحدا.
بقيت الأميرة هيام على ذمة الأمير عبد الأله حتى صبيحة 14 تموز 1958 حيث قتل عبد الأله وسحل في شوارع بغداد ، دون أن ينجب من هيام طفلا.
أما هيام التي نجت بأعجوبة من مجزرة قصر الرحاب ، فقد تزوجت من أبن عمها قيس وتوفيت عام 2001.









4
في يوم شتوي من العام 1932 أستدعى مدير شرطة لواء بغداد ، معاون شرطة السراي محي الدين عبد الرحمن ، الى مكتبه وأبلغه بتسجيل بلاغ عن حدوث سرقة سيف الملك فيصل الأول في البلاط الملكي ، وطلب منه التوجه فورا الى البلاط الملكي والتحقيق بالموضوع.
وصل معاون شرطة السراي الى البلاط الملكي ، وقابل على الفور رئيس الديوان الملكي رشيد عالي الكيلاني الذي رحب به وشرح له تفاصيل سرقة سيف الملك فيصل الأول من مكتبه الخاص ، حيث ان السيف كان موجودا في دولاب خشبي مثبت عليه زجاج ، ولم يلاحظ أي كسر في الدولاب أو تهشم في الزجاج.
أصطحب الكيلاني معاون الشرطة ، فدخلا على جلالة الملك فيصل للسلام عليه والأستئذان منه بالتفتيش ومباشرة التحقيق ، حيث وافق جلالته على ذلك.
باشر المعاون أعماله وبدأ بتدوين أقوال كافة العاملين في البلاط ، وكذلك قام بالكشف الموقعي على محل الحادث. ومن خلال ذلك فأن المعاون محي الدين عبد الرحمن حصر الشبهات بشخصين يعملان في مكتب الملك فيصل :
الأول : أبو شفيق وهو سوري الجنسية وظيفته تنظيف مكتب الملك.
والثاني : الشيخ سنداح ، وهو من الحجاز ، وظيفته أعداد القهوة للملك و ضيوفه ، قدم الى العراق مع الملك فيصل ، وكان قبل ذلك المسؤول عن أعداد القهوة في بلاط الملك علي ملك الحجازقبل عزله من قبل آل سعود.
قام المعاون محي الدين بأبلاع رشيد عالي الكيلاني بما توصل من نتائج جراء التحقيقات مع العاملين في البلاط ، فأخبره الكيلاني أن الأمر يتطلب أخبار الملك شخصيا ، وبالفعل دخل الأثنان على الملك فيصل ، حيث رحب بالمعاون وأمر الشيخ سنداح بتقديم القهوة العربية أكراما له. وحين خرج سنداح ، أخبر المعاون جلالة الملك بما توصل اليه ، وأن الشكوك تحوم حول أبو شفيق والشيخ سنداح.
صعق الملك فيصل لما سمع ذلك ، لأن المشكوك بهما هما خادماه المخلصان.
وبعد خروج المعاون ورئيس الديوان من مكتب الملك ، طلب المعاون الأذن بأستصحاب الشخصين المشكوك بهما الى معاونية شرطة السراي لمواصلة التحقيق معهما ، فأذن رئيس الديوان له بذلك، حيث أصطحب معه أبو شفيق أولا ، وبدأ بأستجوابه ، ولما تعمق معه في التحقيق انهار باكيا وقال : هل من المعقول أن أخون سيدي الملك الذي أكرمني غاية الأكرام. هنا طلب المعاون من أبو شفيق أن يعود بذاكرته ويستعرض سلوك الشيخ سنداح وما أذا تغير شيئا من سلوكه أو عاداته بعد سرقة السيف ، وبعد صمت وتفكير قال أبو شفيق : نعم لقد تغير سلوك الشيخ سنداح ، حيث أخذ يطيل المكوث في غرفته، كما قام بتكديس أكياس الفحم في غرفته ، ولما سألته عن سبب ذلك قال لي أنه يحتاجها لعمل القهوة.
هنا أصطحب المعاون أبو شفيق معه في سيارة المعاونية وتوجها الى البلاط الملكي ، ودخلا غرفة الشيخ سنداح مباشرة ، فوجداه جالسا فيها ، في الوقت الذي أصفر وجه الشيخ وبان عليه الخوف والأضطراب، وقال للمعان : ماذا تريد؟
أجابه المعاون بكل هدوء : أريد سيف جلالة الملك ، فالسارق أنت.
خرج الشيخ سنداح من الغرفة راكضا يشكو المعاون عند رئيس الديوان الملكي ، وفي أثناء غيابه أمر المعاون بأخراج جميع محتويات الغرفة الى الخارج ، ثم أمر بعض عمال القصر بأحضار ماء وسكبه على أرضية الغرفة ، بدأ الماء ينتشر على أرضية الغرفة ولما وصل الى أحدى زواياها بانت فقاعات هوائية دلالة على وجود حفر في تلك المنطقة.
حضر رئيس الديوان الملكي ومعه الشيخ سنداح ، بينما طلب المعاون من العمال أن يحفروا في ذلك الركن من الغرفة ، اخذ احد العمال بالحفر فظهرت قطعة من القماش ، ولما سحبها ظهر السيف ملفوفا فيها.
بهت رئيس الديوان من ذلك ، بينما التفت المعاون الى الشيخ سنداح وقال له : ماذا تقول الآن يا شيخ ؟
ثم أنتقلوا الى مكتب رئيس الديوان الملكي ، وهناك أعترف الشيخ سنداح بفعلته ، وأن الدافع الحقيقي ليس سرقة سيف الملك ، وأنما أخفاؤه ، بسبب قيام الملك فيصل بالأطراء على السيف أمام كل من يحضر من الضيوف ويقول لهم أنه هدية من الملك سعود ، وقد نسي أن الملك سعود هو الذي عزل أخاه الملك علي وطرده من الحجاز وجعله دون مأوى.
هنا طلب رئيس الديوان الملكي بأن تتم معالجة الموضوع عن طريق رئاسة الديوان دون الحاجة للأجراءات القضائية.
توجه رئيس الديوان الملكي بالشكر لمعاون شرطة السراي على جهوده ومهارته في كشف غموض هذه الجريمة .
أستأذن المعاون رئيس الديوان بالأنصراف ، وعاد الى مدير شرطة لواء بغداد ليخبره بما جرى ، وجه مدير الشرطة الشكر للمعاون محي الدين عبد الرحمن لجهوده ، وأمره بالأنصراف والعودة الى معاونيته لمزاولة واجباته المعتادة.



5
الرؤيا التي قتلت عبد الستارالعبوسي
بقلم : عباس الخفاجي

كثيرة جدا المصادر التي وثقت بالتفصيل أشنع جريمة أرتكبت في القرن العشرين ، تلك هي مجزرة قصر الرحاب في 14 تموز 1958 والتي راح ضحيتها ملك العراق فيصل بن غازي وخاله عبد الأله بن علي الوصي السابق على العرش ، ووالدته الملكة نفيسة و شقيقته الأميرة عبدية ، وبعض خدم القصر وحراسه ، والقاتل الوحيد لهذه العائلة هو الرئيس ( النقيب عبد الستار سبع العبوسي ).
أحاول في هذا المقال تسليط الضوء على شخصية العبوسي ، والأسباب التي دفعته للقيام بهذه الجريمة النكراء مع ملاحظة أني وجدت رتبة الموما اليه العسكرية تختلف من مصدر لأخر ، فبعضها أورد رتبة رئيس أول (رائد) ، بينما ورد في تقرير الموما اليه عن الحادث رتبة ( ملازم أول) ، لكن الغالب الشائع هي رتبة رئيس والتي سوف أعتمدها.

كوابيس الطفولة ؟
ولد عبد الستار سبع العبوسي عام 1930 في بغداد – محلة باب الشيخ ، القريبة من ضريح الشيخ عبد القادر الكيلاني ، والتي كان يسكن فيها (خلف الخزرجي – سائق الوصي عبد الأله).
 كان لعبد الستار العبوسي شقيقان : ألاول جواد , وكان ضابطا أستشهد في واجب وطني ، أما الثاني : رشيد فكان طالبا يدرس علم الأحياء في الولايات المتحدة الأمريكية ، قتل في حادث غامض ، قيل أن الوصي عبد الأله كان وراءه بسبب نشاطه الوطني المعادي للحكم الملكي ، بينما يرى آخرون أن مقتله كان من قبل المخابرات الأمريكية حيث كان متقدما بتفوق في دراسته وقدمت له عروض  أمريكية للتخلي عن العراق والبقاء في الولايات المتحدة الأمريكية، وبسبب رفضه تلك العروض تمت تصفيته جسديا.
هذا الحادث ترك في نفسية عبد الستار العبوسي أثرا بالغا ، وضمر الحقد والكراهية على الوصي عبد الأله وعلى العائلة المالكة في العراق .
حادث آخر أثر في نفسية عبد الستار ، حين كان صبيا ، مر من باب وزارة الدفاع عائدا من مدرسته عام 1945 ، ورأى جثة العقيد صلاح الدين الصباغ معلقة في المشنقة بعد تنفيذ حكم الاعدام به أثر فشل حركة مايس عام 1941 التي قادها العقداء الأربعة.
في خريف عام 1947 ، كان العبوسي طالبا في الأعدادية المركزية ، في الميدان ، والتي تزينت يومها بالزينة بمناسبة أفتتاح الدورة الجديدة لمجلس الأمة والتي كان من المقرر حضور الأمير عبد الأله هذه الجلسة ، وقف عبد الستار العبوسي في باب المدرسة واخذ يهتف ( يسقط الأستعمار ، يسقط الأنكليز ، يسقط عبد الأله ، يسقط نوري السعيد) ، وما لبث أن تجمع حوله عشرات الطلبة وحملوه على الأكتاف وانطلقوا به الى شارع الرشيد وهم يرددون الشعارات السابقة ، بينما كان الأستاذ ( علاء الدين ) يركض خلفهم ويصرخ بأعلى صوته طالبا منهم العودة الى المدرسة ( طلاب أرجعوا ، الى أين أنتم ذاهبون ؟ ، هيا أرجعوا الى المدرسة هل أنتم مجانين ؟).
كانوا فعلا مجانين حين ظنوا أن بأمكانهم أعتراض موكب الوصي على العرش وهو ذاهب الى قاعة البرلمان ، وحين وصلوا الى كهوة خليل في الحيدرخانة توقفوا وأصبحوا في مواجهة موكب الوصي ، الذي كان جالسا بلباسه الرسمي في عربة المراسم تجرها الخيول و تتقدمها كوكبة من رجال الحرس الملكي على صهوة خيولهم وهم يطلبون من المتظاهرين فسح المجال ليمر الموكب ، رمى عبد الستار بنفسه على عبد الأله وحاول سحبه من بدلته ، فأسرع الضباط المحيطون بالعربة ، و سحبوه وألقوا به بعيدا، كان يتمنى في تلك اللحظة لو كانت معه أي قطعة سلاح أو حتى سكينا ، ليقتل عبد الأله ويخلص الشعب منه ومن ظلمه.
نهض عبد الستار من على الأرض وركض بسرعة قبل أن يتم القاء القبض عليه ، وسلك أقرب دربونة ليختفي في أحد بيوتها حتى أنتهاء مسيرة الموكب.
بعد عدة شهور من هذه الحادثة تخرج عبد الستار من الثانوية ، وأنخرط طالبا في الكلية العسكرية التي لطالما كان يحلم أن يكون أحد طلابها.
يذكر بعض زملائه في الكلية العسكرية بأنه كان مزاجيا عصبيا ومريضا نفسيا تنتابه حالات من الهستيريا بعض الأحيان.

لغز تصفية الملك ؟
كانت قيادة تنظيم الضباط الأحرار قد أعدت الخطط اللازمة لتنفيذ حركة 14 تموز 1958 و الأطاحة بالنظام الملكي العراقي و أعلان الجمهورية العراقية ، وكانت ترفض أعدام أو قتل الملك وتصفية العائلة المالكة ، بل أن يتم العمل بهدوء تام ويتم نقل الملك وعائلته الى منفى خارج العراق ، بالضبط كما حصل مع الملك فاروق في مصر. وكانت هناك عدة آراء حول طريقة التعامل مع الملك فيصل الثاني ، فالرأي الأول كان بالأبقاء على حياته وأظهاره على شاشة التلفزيون يعلن تأييده للثورة ، كما حدث مع والده الملك غازي أثناء أنقلاب بكر صدقي عام 1936 .
أما الرأي الآخر فيرى بوجوب تصفية طاقم الحكم الملكي برمته ، كون العراق قد أرتبط قبل أشهر بوحدة هاشمية مع الأردن وأن الملك فيصل الثاني أصبح ملكا على عرش الدولتين ، الأمر الذي قد يؤدي الى تدخلات من خارج الحدود لأفشال الثورة  وخاصة بريطانيا.
الرأي الثاني كان يصطدم بمعارضة شديدة من قبل مؤيدي الرأي الاول  الذين أصروا على الأبقاء على حياة الملك فيصل وعائلته وأجباره على التنازل عن الحكم ، وتتم تصفية كلا من الأمير عبد الأله ونوري السعيد ومن يقف ضد الحركة من خلال محكمة خاصة. 
وتشير محاضر تنظيم الضباط الوطنيين الأحرار والمقابلات الصحفية اللاحقة لبعضهم انه في صباح يوم 11 تموز 1958، وقبل ثلاثة أيام من تنفيذ الحركة عقد اجتماع هام لأبرز قادة اللجنة العليا للتنظيم ضم كل من العميد عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف والعقـيد عبد اللطيف الدراجي، والسيد رشيد مطلك، أحد المقربين من عبد الكريم قاسم وتباحثوا في مصير الثلاثة الكبار والرموز المهمة من اركان النظام الملكي، الملك فيصل الثاني وعبد الإله ونوري السعيد، وكانت تسيطر على بحث هذا الموضوع مخاوف أن يفلت الثلاثة الكبار وبعض رموز النظام الملكي ويتمكنوا من استعادة السلطة كما حدث فيما بعد ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م، وتقرر في هذا الاجتماع اعتقال الأمير عبد الإله بن علي ونوري السعيد وأحالتهما للمحاكم أو تصفيتهما في حالة قيامهما باي عمل معادي للحركة.
أما مصير الملك فقد ظل معلقاً حيث اقترحت كتلة عبد السلام عارف في التنظيم المكونة منه ومن اخيه عبد الرحمن عارف والعقيد عبد اللطيف الدراجي ، أستشارة بعض السياسيين الوطنيين من المدنيين ومنهم زعماء الأحزاب قبل اتخاذ أي قرار بشأن مصير الملك حيث تم استشارة السيد كامل الجادرجي الذي كان يتزعم الحزب الوطني الديمقراطي والذي كانت لدية وجهة نظر تؤمن بالحقوق المدنية تميل إلى الاحتكام إلى القوانين بعيدا عن القتل العشوائي حيث ابدى رأيه بالموضوع بان تكون الحركة بعيدة عن مشاهد القتل ودون اراقة الدماء لأي من الثلاثة الكبار وأركان حكمهم. ويبدو أن كتلة عبد الكريم قاسم في التنظيم المكونة منه ومن صديقه المقرب رشيد مطلك أتفقوا على ضرورة قتل الملك، حيث كان عبد الكريم قاسم من المتحمسين لقتل الثلاثة الكبار: الملك فيصل الثاني وعبد الإله بن علي ونوري السعيد.
اما اللغز المحير بقرار قتل الملك وافراد أسرته كما حدد واقعا ، فبقي لحد الآن لا يعرف مصدره ، فهل قرار تصفية الملك مع افراد اسرته تم بقرار منفرد من قبل عبد الكريم قاسم الذي عرف بمناوراته وممارساته في قتل معارضيه بعد توليه الحكم، من خلال إعطاء الاوامر للضباط المنفذين للسيطرة على القصر الملكي. أم ان عملية التصفية تمت بقرار انفعالي انفرادي من قبل المجموعة المكلفة بالسيطرة على القصر. أم ان سوء تفاهم حدث جراء إطلاق نار عفوي من قبل الحرس الملكي ورد عليها المهاجمون في الوقت الذي كان فيه الملك وعائلته قد تم إخراجهم إلى الحديقة تمهيدا لنقلهم واعتقالهم ليكونوا تحت تصرف الحكومة الجديدة.

لا تقتلوه هذا حفيد نبيكم:
كان عبد الستار العبوسي ضابط خفر مدرسة تدريب المشاة  ليلة 13- 14 تموز 1958 والواقعة في معسكر الوشاش ( متنزه الزوراء حاليا) ، والقريبة من قصر الرحاب ، ولم يكن من ضمن المكلفين بتنفيذ ( الثورة ) ولا من المبلغين بها ، وكان برتبة ( رئيس ) آمر دورة ،  وبعد سماعه أنباء تحرك الجيش ونداءات العقيد عبد السلام عارف من خلال الراديو يدعو فيها الشعب للتوجه الى قصر الرحاب وأسقاط النظام الملكي ،  توجه عبد الستار العبوسي إلى مقر العائلة المالكة في قصر الرحاب و أطلق ثلاثة قنابل بازوكا من المدفع الذي جلبه معه من معسكر الوشاش عيار 106 ملم باتجاه القصر بهدف إستسلام من بداخله، وقد تصاعد الدخان في الطابق العلوي للقصر وأهتزت المنطقة لقوة الأنفجار وتصاعدت ألسن النيران من النوافذ التي تحطم زجاجها ومن الشرفة المطلة على الحديقة الأمامية ، فتجمع جميع من في القصر في غرفة مجاورة للمطبخ في الطابق الأرضي وأعلنوا أستسلامهم للقوة المهاجمة.
دخل الرئيس عبد الستار العبوسي و معه بعض الضباط والجنود للغرفة الخلفية في قصر الرحاب المجاورة للمطبخ وحين إجتاز باب الغرفة أصابه الذهول وإرتجفت يداه التي تحمل إحداهما الغدارة ، نعم لقد ذهل وصعق حين وقعت عيناه على أفراد العائلة المالكة وعلى رأسهم الملك فيصل الثاني وهم جالسين امامه ، هل هو في حلم أم حقيقة ؟ هل هو فعلا في حضرة ملك العراق وأفراد أسرته؟ أهذا الذي هو أمامه عبد الأله الذي حاول الأعتداء عليه وقتله قبل أحد عشر عاما ؟ أهي الفرصة تعود من جديد بعد أن عجز عن تنفيذها عام 1947 ؟
هل هو على موعد مع القدر حيث أختاره الله سبحانه وتعالى ليكون منقذ و مخلص العراق من هذا الرجل بالذات ؟ هل جلبه القدر من وحدته العسكرية ليكون قائدا للثورة كلها !!!!!
كانت كل هذه الأفكار تتزاحم في مخيلة عبد الستار ، ولم يفق منها الا على صوت زميله الرئيس مصطفى عبد الله وهو يصرخ بالجالسين : أطلعوا بره ... يله أطلعوا بره.
رد الملك فيصل بهدوء : ليش العصبية يا أخي ؟ وليش توجه سلاحك علينا و دتشوف ماكو واحد بينا مسلح ؟
عاد الرئيس مصطفى يصرخ بأعلى صوته : يله أطلعوا بره يا خونه.
يله قوموا ... الم تسمعوا الأوامر ؟
هيا أطلعوا بره يا كلاب ؟
جنود طلعوهم بره ؟
نهض الجميع وبدأوا بالخروج بنسق متسلسل من القصر بأتجاه حديقته ، حيث شارفت الساعة على الثامنة صباحا ، الملك فيصل والأمير عبد الأله وأمه الملكة نفيسة ثم أخته الأميرة عبدية ثم الأميرة هيام زوجة الوصي عبد الأله ، ثم خادمتها رازقية فالطباخ التركي.
كان الجميع يمشي بصمت ألا ألأميرة عبدية التي كانت تبكي وتصرخ : يا ألهي ما هذا الذي يحصل لنا ؟ الى أين تأخذوننا ؟
ولا مجيب على تساؤلاتها غير صراخ مصطفى عبد الله : الى مصيركم الذي تستحقوه يا كلاب.
و ما أن خرج الملك فيصل من القصر حتى تقدمت خلفه وبسرعة جدته العجوز الملكة نفيسة وقد رفعت المصحف فوق رأسه وتتلفت يمينا ويسارا وتقول لمن يحيط بهم من الضباط والجنود : لا تقتلوه ... هذا ملككم ... لا تقتلوه هذا حفيد نبيكم ... لا تقتلوه.
وبعد تجمع الأسرة المالكة في زاوية من حديقة القصر، أحاطت بهم القوة المهاجمة للقصر بشكل نصف دائري ، وقف عبد الستار ينظر اليهم ويفكر ما الذي سيفعله قادة الثورة بهؤلاء ؟ هل سيتم سجنهم أم يتم تسفيرهم خارج العراق ؟ وماذا لو تدخل الأنكليز وأعادوهم الى الحكم ، ماذا سيكون مصيري ، الأعدام طبعا كما أعدم الصباغ من قبل ، عندها سوف لن ينفعني أيا من قادة الثورة ، لذا علي التخلص من هؤلاء حتى لن يكون هناك أي أمل بعودتهم الى الحكم مجددا.
قرر عبد الستار الذي أصبح في وضع هستيري أبادة العائلة المالكة عن بكرة أبيها ، وعلى حين غره سحب أقسام غدارته و فتح النار عشوائيا على الجمع الملكي بدون أي أمر من أي ضابط أرفع منه رتبة ، لقد سحب عبد الستار أقسام غدارته ولم يدر في خلده أنه قد سحب أقفال أبواب جهنم علي العراق ، والتي سيكتوي بنيرانها العراقيين جميعا ولأجيال قادمة.
 وما أن سمع الجنود والضباط الواقفين صوت اطلاق النار حتى فتحوا جميعهم النار نحو الجمع الواقف أمامهم ، فقتل الملك فيصل بأطلاقتين في رأسه ورقبته ، والوصي عبد الأله بأطلاقات في صدره وظهره ، كما قتلت الملكة نفيسة والأميرة عبدية والطباخ التركي وعدد من ضباط ومراتب الحرس الملكي ، وجرحت الأميرة هيام في فخذها وكذلك جرحت الخادمة رازقية.
ومن القوة المهاجمة أصيب النقيب مصطفى عبد الله بطلقة نارية في صدره ، وأصيب النقيب حميد السراج بطلقة في كعب قدمه وقتل ضابط صف برتبة رئيس عرفاء.
أن الحقد والكره الذي كان يضمره عبد الستار في نفسه تجاه العائلة المالكة ، أضافة الى الخوف والهستيريا التي سيطرت عليه ساعتها قد أنسته وهو ضابط مشاة ومعلم في مدرسة المشاة ، أهم قواعد وأصول الرمي وهو أن لا ترمي على العدو من جهتين متقابلتين ، وهذا ما فعله هذا الأرعن عندما سقط عددا من أفراد القوة المهاجمة بين قتلى وجرحى بنيران غدارته.
كان يطلق النار ويده ترتجف وترتعش من شدة الخوف ، فتباينت أصاباته ما بين أصابة في الرأس وأخرى في الأقدام ، ما يدل على أنه لم يكن مسيطرا تماما على غدارته.

ما بعد المذبحة :
سقطت العائلة المالكة مضرجة بدمائها ، منها من فارق الحياة فورا ، واخرى ترتجف على الأرض تلفظ أخر أنفاسها كالطير المذبوح ، أقترب عبد الستار من الجثث يتفحصها واحدة تلو الأخرى ، ألتفت الى الجنود وصاح بهم : جنود توقفوا عن أطلاق النار ، وعليكم أن تتأكدوا من أنهم ماتوا جميعا.
ثم أمر بسيارة عسكرية لنقل جرحى القوة المهاجمة الى المستشفى ، وبينما هم منشغلين بذلك تمكنت الأميرة هيام والخادمة رازقية من الزحف الى منطقة أشجار الياس والأختباء تحتها حتى لا ينكشف أمرهما بأنهما لازالتا على قيد الحياة.
تقدم ضابط برتبة ملازم أول من القوة المهاجمة وقال لعبد الستار : سيدي ماذا نفعل بالجثث؟
أجابه : لا أدري
رد الضابط : ماذا تقصد سيدي ؟ ألم يخبرك الذي أصدر لك الأمر بقتلهم بكيفية التصرف بالجثث؟
قال عبد الستار : ليس هناك من أصدر لي الأمر بقتلهم.
صرخ الضابط : ماذا تعني سيدي هل قتلناهم جميعا بدون أي أمر؟
أرتبك عبد الستار لما سمع هذا الكلام فقال له : أنهم مجرمون ويستحقون القتل ، وكان قادة الثورة سيقتلوهم عاجلا أم آجلا ، نحن نفذنا ما سيقوم به القادة.
رد الضابط : أن الأوامر التي صدرت لي هي بأعتقال العائلة المالكة وأن لا نقتل أحدا منهم ألا أذا قاوموا الأعتقال أو دفاعا عن النفس وهذا لم يحدث أطلاقا ، لأنهم أستسلموا لنا ولم يطلقوا علينا طلقة واحدة فلماذا قتلناهم ، سيدي أننا أصبحنا الآن مجرمين وقتله ، أعذرني يا سيدي فأنا مضطر لأبلاغ العقيد عبد السلام عارف بما جرى كي لا أتحمل مسؤولية قتل العائلة المالكة فأنا عسكري والتزم بالأوامر العسكرية التي تصدر لي من قائدي ولا أتصرف من كيفي.
بدأ الأرتباك والخوف يسري في وجه عبد الستار وبدأ يتلعثم بكلامه وقال : حسنا قم بما تراه مناسبا ، ولكن عليك أولا جلب سيارات من سرية الحرس الملكي بالخلف وارفع الجثث وخذوها الى مستشفى الرشيد العسكري أو الطب العدلي ثم أطلب من الجنود غسل المنطقة جيدا وأزالة الدماء التي تملأ المكان.
-   حاضر سيدي.
لقد أدرك عبد الستار بعد هذا النقاش جسامة العمل الذي قام به وبشاعة الجريمة التي أرتكبها ، فأخذ يصيح بمن يحيط به : هيا يا جنود أرفعوا الجثث بسرعة وأجلبوا خراطيم المياه وأغسلوا المنطقة من الدماء لا أريد أن يبقى أي أثر لما جرى.
هرع الجنود لغسل المكان ، و أحضرت سيارتان من ثكنة الحرس الملكي وضع في السيارة الأولى نوع (فان) وكانت مخصصة للتسوق اليومي ، جثة الملك فيصل والأمير عبد الأله والملكة نفيسة والأميرة عبدية ، وأنطلقت مسرعة خارج القصر، أما السيارة الثانية نوع (زيل) وضعت فيها جثة الطباخ التركي وجنود الحرس الملكي.
راودت عبد الستار فكرة يخفي من خلالها معالم جريمته ، فأمر الجنود بفتح أبواب القصر للجماهير التي أحتشدت في الخارج لتشارك بدورها في صنع (الثورة) ، وما أن فتحت  أبواب القصر حتى دخلت الجماهير راكضة بأتجاه السيارة الزيل وسحبوا جثة الطباخ التركي منها وركضوا بها باتجاه بوابة القصر الخارجية ليسحلوها في الشارع العام.
ثم قام آخرون بسحب وسحل بقية الجثث دون أن يعرفوا جثة من هذه.
قام الملازم الأول بالأتصال بقائده العقيد الركن عبد السلام عارف وهنأه بتنفيذ الواجب الذي كلفهم به. وأخبره بأن ضابط من مدرسة المشاة أسمه الرئيس عبد الستار العبوسي قام بقتل العائلة المالكة حيث  أنضم الى القوة المهاجمة بعد سماعه بيان الثورة ولقد ساندناه بما فعل ظنا منا أنه يحمل أمرا من سيادتكم.
رد عبد السلام عارف : أنا لا أعرفه شخصيا ولم أصدر له أي أمر بذلك ، وعلى كل حال مبروك عليكم هذا الأنجاز ، وعليكم أكمال السيطرة على القصر وأنتظروا أوامري ، وأخبر هذا الضابط أن يأتي الى الأذاعة فورا.
-   أمرك سيدي.
هرع الملازم الأول الى عبد الستار و أخبره بضرورة الذهاب الى الأذاعة فورا لمقابلة العقيد الركن عبد السلام عارف حسب طلبه.
أستقل عبد الستار سيارة جيب عائدة الى سرية الحرس الملكي وأنطلق بها الى الأذاعة في الصالحية ، ومقابل معسكر الوشاش شاهد جثة الطباخ التركي يسحلها جمع من الغوغاء وبطريقة تقشعر لها الأبدان وقد تمزقت أوصالها على الأسفلت ، بل أن منهم من كان يحمل أجزاءا مما تناثر من الجثة بيديه ويهتف بها.
وحينما وصل الى دار الأذاعة الذي تحول الى مقرا لقيادة الثورة يعج بالضباط والجنود ، سأل عن العقيد عبد السلام عارف الذي طلب مقابلته ، فكان الجواب أنه مشغول جدا وعليه الأنتظار حتى يفرغ.
جلس على مصطبة خشبية ينتظر ، بينما كانت الأنباء تتوارد عما يجري في بغداد خاصة والبلد عامة ، وسمع من بعضهم أن الجماهير سحلت جثة عبد الأله في الشوارع ثم علقت على بوابة وزارة الدفاع ، الأمر الذي جعله مطمئنا وأن ما قام به صحيحا.
طال أنتظار عبد الستار، وفي ساعة متأخرة من بعد الظهر دخل على عبد السلام عارف ، وأدى له التحية العسكرية.
قال عبد السلام عارف : أهلا ريس عبد الستار ،  لقد تم أخباري بما فعلت اليوم ، عفارم عليك ، وهذا الذي ننتظره من كل ضابط وطني شريف مثلك ، أنا أشكرك وأهنئك على عملك الرائع ، ويمكنك العودة الى وحدتك العسكرية وأنتظر الأوامر . كما أرجو منك أن تكتب أفادة كاملة تدون فيها كل ما حدث صباح اليوم فقد تم تشكيل مجلس تحقيقي للنظر بما جرى في قصر الرحاب ومصير العائلة المالكة ، لأن الموضوع يجب أن يسوى قانونيا وقد أصدرت الأوامر بأعتبار كل ما جرى هذا اليوم هو جزء من أحداث الثورة وسوف لن نحاسب أي شخص على ما فعله.
-   حاضر سيدي سوف أعد الأفادة التي طلبتموها.
(ملحق مع المقال : نص أفادة عبد الستار العبوسي المحفوظة في وزارة الدفاع)

مصير الجثث :
وصلت جثث العائلة المالكة الى دائرة الطب العدلي في الباب المعظم حيث دفنت جثث النساء في المقبرة المجاورة ، أما جثة الأمير عبد الأله فقد تم سحلها في شوارع بغداد ، ثم علقت لمدة ثلاثة أيام على باب وزارة الدفاع في منطقة الميدان في نفس المكان الذي أصدر أوامره بأعدام العقداء الأربعة في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 ، ثم أنزلت الجثة وأحرقت ثم تم رمي بقاياها في نهر دجلة.
أما جثة الملك فيصل الثاني فقد نقلت الى مستشفى الرشيد العسكري للتأكد من وفاة الملك، وفي مساء اليوم نفسه تم حفر حفرة قريبة من المستشفى وأنزلت الجثة فيها وأهيل التراب عليها ووضعت بعض العلامات الأستدلالية التي تدل عليها ، ثم نقلت الجثة بعد ذلك وبشكل خفي الى المقبرة الملكية في الأعظمية خوفا من الغوغاء والعابثين من نبش القبر والتمثيل بالجثة.

هلا بستوري السبع :
خرج عبد الستار العبوسي من غرفة العقيد عبد السلام عارف ، منكسرا مخذولا وقد أصيب بخيبة أمل كبيرة ، فقد أدرك صغر حجمه وضآلة مكانته بعد أن كان يحلم بأن يكون ذا شأن أو ربما أحد قادة هذه الثورة ، فأذا بقائد الثورة يأمره بالعودة الى وحدته العسكرية وكأن شيئا لم يكن.
و الأنكى من ذلك أنه سيعامل كمتهم في المجلس التحقيقي وعليه تدوين أقواله ، بعد أن كان السبب الرئيسي والمباشر في نجاح الثورة بقتله الملك وخاله الوصي.
كان يحلم بأنه سيدخل محلة باب الشيخ ويجد أبناء المحلة يستقبلونه بالأهازيج والهتافات: هلا بستوري السبع صفى الملك وأعوانه.
وسوف تتزاحم وكالات الأنباء العالمية عليه وهو يروي لهم كيف أستطاع بمفرده من الأطاحة بالنظام الملكي في العراق ، وسوف يتدافع أبناء محلته لألتقاط الصور التذكارية مع هذا البطل.
لكنه وجد شوارع المحلة خالية من ناسها ، فمنهم من ذهب ليشارك ويستمتع بمنظر سحل الوصي في شوارع بغداد ، والباقون لبثوا في بيوتهم هربا من حرارة تموز اللاهبة.
دخل عبد الستار بيته ، وأستقبلته زوجته (وهى شقيقة العقيد قاسم امين الجنابى مرافق عبد الكريم قاسم) ، وبدأ يقص عليها ما جرى لحظة بلحظة ثم  طلب منها أن تعد له الطعام لأنه لم يأكل شيئا منذ ليلة أمس ، و دخل الحمام ليغتسل ، وما أن فتح دوش الحمام حتى بدأ يصرخ بأعلى صوته : دم دم يصب علي من كل جانب ، هرعت زوجته الى الحمام وهي تصيح : ماذا بك يا عبد الستار لماذا الصراخ؟
-   دماء دماء ألا ترين الدماء؟
-   أين هي الدماء .... هذا ماء يا عبد الستار
-   يا ألهي ما الذي جرى لي ، فقبل قليل كنت أرى الدماء تسقط علي من دوش الحمام
-   أنت متعب يا عزيزي بسبب ما شاهدت اليوم ، أخرج وتناول غداؤك وأسترح.
خرج عبد الستار من الحمام ، وتناول غداؤه ، ثم جلس يستريح وقد فتح الراديو يستمع الى بيانات الثورة وأخبارها ، وبعد منتصف الليل بقليل حان موعد نومه وقد سبقته زوجته والأطفال بالصعود الى سطح الدار كي يناموا.
 توجه عبد الستار الى السطح لينام ، ولما فتح باب السطح صرخ صرخة شديدة وبأعلى صوته ، أستفاقت زوجته على صراخه وهرعت اليه وهي تقول : ماذا جرى يا عبد الستار ؟ لماذا الصراخ ؟
-   الجثث الجثث
-   أين هي الجثث يا عبد الستار ؟
-   هناك ترقد على الأسرة ، هذه جثة الملك وتلك جثة عبد الأله وهناك جثتي نفيسة وعبدية ... ألا ترينها ؟
-   يا عبد الستار لا يوجد على الأسرة غيري أنا وأطفالك ... أنت متعب وأصبحت تتخيل أشياءا لا وجود لها.
نظر نظرة أخرى ، فرأى أولاده يرقدون في فراشهم ، فهدأت نفسه وأضطجع على سريره ، بينما راحت زوجته تقرأ له الآيات القرانية فأرتاح قليلا وغفى.
وبينما هو مستغرقا في نومه ، رأى نفسه واقفا على باب نفق مظلم وعميق وكأن قوة ما تسحبه الى الداخل ، ووجها بعيدا ينادية من مؤخرة النفق يكبر كلما تقدم منه حتى أتضحت معالمه جيدا ، أنه وجه الملك فيصل مخضبا بدمائه كما رآه صباح اليوم .
كان الوجه يناديه : ستار ... لماذا قتلتني يا ستار ؟ سأبقى ألاحقك حتى ألاقيك يا ستار ... أتعلم أنك فتحت أبواب الجحيم على العراق بفعلتك هذه؟
وبينما هو كذلك ، دفعه ذلك الوجه الى بئر عميق مملوء بالدماء ، فسقط فيه وهو يصرخ : أغيثوني ... أدركوني ، حتى أستفاق من نومه على يد زوجته توقظه وتهدأ من روعه.
ظلت الأحلام والكوابيس تطارد عبد الستار سنوات عديدة ، يتخيل الدماء تنزل من حنفية الماء كلما فتحها ، وظل يرى نفس الرؤيا في منامه ، وفي كل مرة يرى وجه ضحية من ضحايا غدارته ، فتارة يرى عبد الأله ، وأخرى يرى نساء القصر وهن متشحات بالسواد ، وأخذ أبناء محلته ينظرون اليه نظرة أحتقار و أزدراء على ما فعل.

وبشر القاتل :
تدرج عبد الستار العبوسي في الرتب العسكرية ، وعين بعد تموز 1958 معاونا لمدير سجن الموقف ، الذي كان يقبع فيه كبار شخصيات العهد الملكي ، ثم عين معاونا للملحق العسكري في موسكو.
وبعد 8 شباط 1963 عين العقيد عبد الستار العبوسي قائدا للقوة البحرية.
في شباط عام 1972 ، وبعد حوالي اثنا عشر عاما من يوم المجزرة ، راوده طيف الملك فيصل الثاني وهو يبشره بأن لقائه بضحاياه بات قريبا جدا ، وليس هناك من راد لهذا الموعد أو مؤجل له.
نهض صباح اليوم التالي في وحدته العسكرية في البصرة وهو في حالة كآبة شديدة ، ثم تخيل دخول أطياف ضحاياه عليه دفعة واحدة وقد أحاطوه من كل جانب ويقولون له : هيا يا ستار ...الآن ستأتي معنا ... الآن يا ستار فقد حانت الساعة وحان اللقاء.
ومن غير وعي ، سحب درج مكتبه وأخرج مسدسا نمرة (5) ، وجهه الى رأسه ، وأطلق رصاصة منه ، فسقط أرضا والدماء تتدفق من أم رأسه ، بينما راحت أطياف الضحايا تسحب بجثته معرجة بها الى السماء ، حيث لا عدالة ألا عدالة السماء ، ولا حكم غير حكم الخالق الجبار .
شيعت جنازته في الحضرة الكيلانية في محلة باب الشيخ ، وسير بالجثمان من أمام بيت خلف الخزرجي سائق الوصي ، ودفن في مقبرة الغزالي ، بقي أبناء المحلة يتذكرون زمنين مختلفين : فهذا بيت سائق الوصي ...  وذاك بيت قاتل الوصي .

(من أجل ذلك كتبنا على بني اسرئيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد بالارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا)  ... صدق الله العظيم
10 تموز 2018

الملحق
(( نص افادة الملازم اول عبد الستار العبوسي ))
كنت آمرآ لدورة تدريب المشاة الاساسية في مدرسة المشاة وكان موجود دورتي ( 18 ) ضابطا و68 ضابط صف وكانوا منتخبين من وحدات الجيش المختلفة .
كان التدريب مبكرآ حيث تبدأ ساعة التدريب الاولى بالساعة السادسة صباحآ,
وقد كنت ضابط خفر ليوم 13 تموز 1958 وفي صباح يوم 14 تموز 1958 حوالي الساعة الخامسة والنصف حضر أحد الضباط المعلمين وأخبرني بوجود انقلاب في بغداد .
أمرت بجمع الدورة ضباطا وضباط صف وطلبت منهم أن يستلموا البنادق العائدة لهم رغم أن التدريب في ذلك اليوم كان تدريبا على العصا وقبل الساعة السادسة سمعت أصوات رمي مستمر من ناحية قصر الرحاب وأخبرت الرئيس ( النقيب ) حميد السراج والرئيس محمد علي سعيد وطلبت رأيهم و رأي الضباط التلاميذ الباقين حول مساعدة القوة القائمة بالهجوم على القصر , فاخبروا ضباط الدورة بالموضوع لمعرفة رأيهم ومقدار تأييدهم للثورة بحضوري فأيد الضباط كافة عدا ضابط واحد وهو الملازم فالح زكي حنظل وطلبت منهم استلام غدارات ( استرلنك ) وأخبرتهم بأنني سأذهب مع الرئيس محمد علي سعيد الى قصر الرحاب لمعرفة احتياج القوة القائمة بالهجوم , وعند وصولنا شاهدنا جنودا ممتدين على الرصيف وقسم منهم أمام السياج المحاذي للرصيف وكانوا منبطحين من الباب الوسطي للقصر حتى الجهة الغربية من بغداد , الا أنني لم اعرف كافة مواضع القوة في المحلات الاخرى فسألت الجنود المنبطحين عن احتياجاتهم لأنني لم أشاهد معهم ضابطا , فقالوا ( بأننا نحتاج الى عتاد على وشك النفاذ ) هذا حسب قول أحد الجنود فأستصحبت معي أحد نواب الضباط الذين صادفتهم بسيارة كبيرة . وعند وصولي المدرسة كسرت مستودع ضابط الاعاشة الخاص بالعتاد لعدم وجود المفتاح لدي وطلبت من ضباط الصف أخراج عتاد 106 ملم وتحميل مدفع 106 ملم في أحدى سيارات الجيب بأقصى سرعة ممكنة لضيق الوقت كما طلبت من ضباط صف أخرين أخراج عتاد الغدارات أولا وتهيئة عشرة مخازن مملوءة فورا وأخراج بقية العتاد للبنادق تناولت الغدارة المرقمة 5384 من مشجب جناح ضباط الصف , كما أستلمت ثلاثة مخازن مملوءة وسلمت 3 غدارات لضباط صف كانوا بقربي وتوجهت الى رحبة المدافع بعد أن - القيت كلمة صغيرة في ضباط صف الدورة بغية تشجيعهم على القيام بعمل فعال وطلبت من الرئيس سامي مجيد أن يشرف على العتاد وعلى أركاب ضباط الصف وارسالهم خلفي و ركبت في سيارة اللندروفر مع المدفع مع ضباط صف عدد 2 وثلاثة ضباط صف حاملي غدارات واربع طلقات 106 ملمتر وتقدمنا بأقصى سرعة وعند وصولنا الى الرحاب وضعنا المدفع على الرصيف مقابل الباب الرئيسية يسار الجنود الممتدين على الرصيف و وضعنا الاربعة اطلاقات التي معنا بجانب المدفع , كنت أسمع اصوات الرمي من جهات مختلفة مما أضطر ضباط الصف على الامتداد على الشارع المبلط العام , كما تراجع الجنود الى نفس المحل و قد طلبت من ضباط الصف أن يملأ أحدهم المدفع , فلم أسمع الا صياحهم ( سيدي أمتد لا تموت ) وظلوا في اماكنهم فأضطررت الى أن أخرج أحدى الاطلاقات بنفسي من غلافها وملأت المدفع وتحولت الى الجهة اليسرى بغية الرمي , وكانت امنيتي الوحيدة أن اكمل رمي الاطلاقة ثم بعدها مرحبا بالموت لكثرة ماكنت اسمعه من دوي الرصاص , فصوبت على الطابق العلوي و رميت الاطلاقة فأختفى القصر كله عن انظاري لكثرة الغبار والدخان وقد ملأت أطلاقة ثانية فورآ بالاستفادة من ذلك وانتظرت لحظة فشاهدت الرئيس ثابت يونس يخرج من الباب وبيده علامة بيضاء محاولا التقدم نحو جنودنا , فتناولت الغدارة التي اندثرت في التراب و وجهتها نحوه وطلبت منه أن يقف والا كان الموت جزاؤه وقلت له :
أنني لا اريد منك أن تستسلم , بل اريد استسلام القوة كلها وأنني آمرك بالرجوع فورآ لأنني كنت أخشى أن يؤثر على الجنود القريبين مني .
فرجع فورآ الى الداخل وعدت الى مدفعي و وجهت الى الطابق العلوي أيضا و رميت الاطلاقة الثانية وملأت الثالثة فورآ , فشاهدت بعدها العقيد طه البامرني آمر اللواء يخرج من الباب الوسطية ويصيح ( أننا مستعدون للتسليم ) فقلت له نحن حاضرون لأستلامكم تفضلوا فعاد الى الداخل ليجلب الجنود .
وقد انتظرت بعض الوقت و ظننت أنه لم يكن جادأ في قوله , فرميت الاطلاقة الثالثة على الطابق الاسفل وملأت الاطلاقة الرابعة وعولت أن لا أرميها لأنها الاخيرة وبعد قليل شاهدت من ناحية اليسار العقيد طه البامرني وخلفه رتل من الجنود يحملون أسلحتهم بوضع أفقي وكانوا يسيرون على الشارع المحاذي لسور الرحاب , فأخذت غدارتي وأثنين من ضباط صفي و سرت بأتجاههم فطلبت من الجنود أن يلقوا بسلاحهم وعتادهم على الارض فورآ ويتجمعوا بالقرب من السور المحاذي للجدار , وأخرجت ثمانية جنود منهم وطلبت منهم أن يجمعوا العتاد في قطع القماش الكبيرة التي كانوا يحملونها , وبعد ذلك طلبت من ضباط الصف أن يأخذوا هؤلاء و يوزعوا العتاد على سرية المشاة القريبة منا والتي أتت الى الرحاب لأحتلاله وطلبت من باقي الجنود أن يتحركوا الى الحديقة المحاذية للشارع العام و وضعت عليهم بعض الجنود حرأسآ عليهم , وفي هذه الاثناء شاهدت مدرعتين تتقدمان على الشارع المحاذي للسور بأتجاه الباب فطلبت من أحدى المدرعتين تتقدمان على الشارع المحاذي للسور بأتجاه الباب فطلبت من أحدى المدرعتين أن تدخل من باب السور وتقوم بالرمي ثم تتقدم الاخرى بغية الاستتار خلفها , وعند وصول المدرعة الى الباب الداخلية تأكدنا بأن الرمي قد انقطع من الداخل , فتقدمت الى الباب الداخلية فشاهدت الرئيس ثابت يونس وسألته عن الملك وعبد الاله , فأقسم لي بأنه لا يعلم شيئا عنهم وكنت متأكدا بأنه كاذب في قسمه وفي هذه الاثناء شاهدت الرئيس سامي مجيد و محمد علي سعيد والرئيس حميد السراج والرئيس عبد الله الحديثي والرئيس مصطفى عبد الله والملازم الاول عبد الكريم رفعت والملازم الاول حبيب شبيب , فدخل بعضهم الى داخل القصر وكان لوجودهم أثر كبير في تقوية معنوياتنا وقد عدت الى الباب الرئيسية لأنني كنت أشعر بوجود خدعة تدبر ضدنا وبينما كنت أسير وأذ بأحدهم يصيح ( جو , جو ,جو ) فألتفت فجأة الى الخلف فشاهدت عبد الاله والى يساره الملك وكان على يمين عبد الاله والى الخلف أمرأة تلبس فستانآ أخضر وكانت بيضاء تميل السمره وشعرها أصفر وكان خلفهم عدد من حاشيتهم وخلفهم بعض الضباط و بينما تقربوا مني سمعت أطلاقات نارية أتجاهي فأجبت عليها بالمثل بصورة غير ارادية و على اثرذلك سقط عبد الاله والملك والمرأة على الارض وطلبت من العقيد البامرني أن يتقدم معي للذهاب الى فوج الحرس الملكي في قصر الزهور , فأخبرني بأنه توجد ثلاث سرايا بكامل اعتدتها وأسلحتها وآلياتها فمن المستحسن أن تسمح لي بأن اتصل بالمساعد لكي يستلم الاسلحة والاعتدة لكي لاتحدث مذبحة , فوافقت على ذلك بعد أن هددته بالقتل أذا آمر بعكس ذلك , فأقسم بشرفه العسكري بأنه سيعمل لمساعدتنا , فأتصل بالمساعد من غرفة حرس الرحاب فأخذ المساعد بتسليم السرايا والاسلحة والعتاد ثم طلبت منه أن يصعد بسيارة اللاندروفر ثم صادفت المقدم العمري و زودني بمدرعتين و كان الملازم الثاني الاحتياط محمد جواد غصيبة يرافق هذه المدرعات و وعدني بأرسال غيرها خلفي بعد حركتنا و ركب سيارة اللاندروفر في الخلف مع بعض ضباط الصف حاملي الغدارات و وجهت غدارتي صوب العقيد طه البامرني و تقدمنا الى قصر الزهور وخلفي أحدى المدرعات , وأعتقد بأن المدرعة الثانية ذهبت من الشارع الثاني المؤدي الى الفوج , وعند وصولنا الى منتصف الطريق شاهدت أحدى الدبابات قد عقبت المدرعة , فطلبت من سائق سيارة اللاندروفر أن يقف حتى تصل الدبابة , اجتازت الدبابة المدرعة حتى وصلت أمام المدرعة و وقفت على مسافة 50 ياردة من سيارتي , فأستغربت من وقوفها ونزلت من السيارة لأرى السبب ! , فشاهدت ضابطا برتبة رئيس أول في الدبابة , فسألته عن عدم تقدمه ؟ فهمس في أذني عند صعودي الدبابة بأنه ليس عنده عتاد وأنه ينتظر وصول العتاد الان , فقلت له : تقدم ( للهيبة ) وتقدمت بسيارتي وأعقبتني الدبابة والمدرعة وعند وصولنا الى مسافة 100 ياردة شاهدت حرس قصر الزهور يصوبون بنادقهم نحونا , فأقترح العقيد أن يترجل هو بنفسه اليهم وكنت أسير على مسافة عشرة ياردات منه , فأخذ يصفر اليهم ويطلب منهم ألقاء سلاحهم , فتقدمت مع ضباط الصف وجردت الحرس من أسلحتهم وعتادهم وأبدلتهم بحرس من ضباط صف المشاة , ثم دخلت الفوج بعد أن دخلت أمامي الدبابة , استلمت المشاجب ومفاتيحها و وضعت جماعة حرس عليها وبعد قليل والعقيد نوري الراوي آمر اللواء الجديد وسلمته المفاتيح والفوج و رجعت للمدرسة ثم الاذاعة --وأخبرت -العقيد عبد السلام محمد عارف بما حصل- فأجابني ( عافرم زين سويت )
في الختام أود أن اضيف بأن ضباط وضباط صف دورة تدريب المشاة مراتب مدرسة المشاة كان لهم أثر كبير في انجاح الهجوم على الرحاب أقسم بالله العظيم وبرسوله بأن كل كلمة في هذا التقرير صحيحة و دقيقة وقد توخيت من هذا التقرير أن اذكر دوري والاشخاص الذين صادفتهم خلال -عملي- في الهجوم ويجوز أن يكون هنالك بعض الاشخاص الذين قاموا بأعمال أخرى لم اصادفهم في طريقي لذلك اقترح أن يكتب كل شخص عن دوره لكي تكون القصة كاملة .
التوقيع م .أول عبد الستار سبع العبوسي




6
بقلم : عباس الخفاجي
حادثة وقعت كادت أن تطيح بعرش الملك غازي بن فيصل ملك العراق ، وألحقت بسمعة العائلة الهاشمية المالكة العار، كما أضرت بسمعة العراق داخليا وخارجيا ، و كانت من أهم أسباب أنقلاب بكر صدقي عام 1936 ، تلك هي فضيحة هروب الأميرة عزة بنت فيصل مع النادل اليوناني و زواجها منه وأعتناقها الدين المسيحي.
و الأميرة عزة ، هي البنت الكبرى للملك فيصل الأول ( عزة ، راجحة ، رئيفة ، غازي) ، حيث ولدت في أسطنبول عام 1905 ، وعندما عادت عائلتها الى الحجاز كان عمرها ثلاث سنوات ، وعاشت طفولتها في مكة حتى مجيئها الى العراق عام 1924 ، وبقيت فيه حتى زواجها عام 1936.
في العراق ، كانت حياة الأميرة عزة تختلف كثيرا عما تعودت عليه في الحجاز ، حيث لم يكن بأستطاعة نساء العائلة المالكة الخروج من البيت ألا ليلا ، لزيارة جدها الشريف حسين ، أما في بغداد فقد كان بأستطاعتها أن تخرج وتفعل ما تريد كون بغداد أكثر أنفتاحا من الحجاز.
و بسبب تفرغ الملك فيصل الأول للقضايا السياسية ، لم يتفرغ لتربية أولاده وترك ذلك لخدم القصر الأمر الذي أدى الى تربية أبناءه تربية سيئة وهذا بدوره أدى الى أنحلالهم وكبتهم على نحو تفجر بعد وفاة والدهم الملك عام 1933.
لم تكن عزة طبيعية في كل تصرفاتها ،  فقد كانت تضحك وتبكي في أوقات غير مناسبة ، أنانية بشكل كبير جدا ، كما أنها لم تكن تملك شيئا من مقومات الجمال ، عصبية المزاج ، كثيرة السخط على الأخرين بدون أي سبب ، وهذا الذي أدى الى عزوف الكثير من العوائل المعروفة التقدم لخطبتها والأقتران بها.
كان شقيق عزة ، الملك غازي يصحبها معه في سفراته السياحية الى الجزر اليونانية ، وهناك تعرفت على نادل أو طباخ يوناني في أحد الفنادق يدعى ( أنستاس)
عند عودتها الى العراق تظاهرت بالمرض الشديد ، فطلبت من شقيقها الملك غازي السماح لها بالسفر للعلاج ، فسمح لها في أيار 1936 السفر الى جزيرة رودس وهي أحدى الجزر اليونانية، للعلاج والأصطياف بصحبة شقيقتها الأميرة راجحة و ثلاث خادمات ، على أمل أن تتحسن صحتها هناك.
وحال وصولهم الى أثينا ، سكنت الأميرتان والخدم في جناح خاص في الفندق ، وفي اليوم الثاني سحبت الأميرة عزة من حسابها الخاص مبلغ مائة و خمسون دينارا ، وكانت تصرفاتها طبيعية جدا ولم يبدو عليها أي علامة تثير الأنتباه أو الشك ، وفي صبيحة يوم الأربعاء 27 حزيران 1936 حضرت الخامة (طليعة عمر) التي كانت ملازمة للأميرة عزة ، بأن الأميرة غير موجودة في غرفتها ، حيث تبين فيما بعد بأنها غادرت الفندق مع الشخص الذي تزوجته ، حيث تركت رسالة باللغة الأنكليزية الى شقيقتها الأميرة راجحة بتوقيعها تخبرها بأنها وبسبب فقدان والدها ووالدتها فأنها لابد لها من أن تلحق بالرجل الذي تحبه وقد تزوجت وتنصرت وأبدلت أسمها الى ( أنستاسيا).
بعد أن أطلعت الأميرة راجحة على الرسالة ، هرعت الى فندق أتلانتيك الذي كان يقيم فيه العروسان ، في محاولة منها لتدارك الأمر والغاء هذا الزواج ، لكن الأميرة عزة رفضت مقابلة احد ، وأرسلت الى أختها ورقة باللغة الأنكليزية طلبت منها أن لا تنتظر لأنها تزوجت وأنتهى الأمر.
أسرعت الأميرة راجحة الى الغرفة التي تقيم فيها شقيقتها ، و أخذت تنادي على أختها " عزة عزة ما الذي تفعلينه ، فكري في الأمر ، فكري بأخينا ، أي سوء أنت فاعلته ، أين سيكون شرف عائلتنا عندما ينتشر هذا الخبر المخزي في بغداد " ، فأجابتها عزة من خلف الباب : لا تنشغلوا بي ، أنسوني ، وأعلنوا برائتكم مني ، فأنا تبرأت منكم ، لا أريد السمعة ولا الثروة ولا الملكية فلقد أصبحت الآن مسيحية وتزوجت ولا ينفع الآن كل ما تقولينه.
بعدما عجزت الأميرة راجحة من أقناع أختها بالعدول عن هذا الزواج والعودة معها الى بغداد ، لجأت الى السفارة البريطانية في اليونان وطلبت تدخل السفارة لمنع تلك  الفضيحة ، كما قدمت شكوى ضد الزوجين بانهما سرقا مجوهراتها التي تقدر بستة آلاف جنيه أسترليني ومبلغ مائة وخمسون دينارا عراقيا ، وكان هدف الأميرة راجحة من هذه الشكوى وضع العروسين تحت الحراسة لكسب الوقت ، وحضر المدعي العام اليوناني الى فندق أتلانتك ، وأخذت عزة تجيب على أسئلة الشرطة بكل جرأة ، وقرر القضاء اليوناني أغلاق القضية لكونها سرقة بين الأخوة .
أنتقلت الأميرة عزة وزوجها الى جزيرة رودس للعيش فيها ، وحصلت على الجنسية الأيطالية  لكون زوجها أيطالي الجنسية وأعتبر زواجها شرعيا حسب قانون الأحوال الشخصية الأيطالي.
وبعد أن نفذت كل مدخرات الأميرة عزة ، حاول زوجها الحصول على فرصة عمل في جزيرة قبرص ، لكنه فشل في كل محاولاته مما أضطر الزوجان الأنتقال الى لندن ، وهناك أيضا أخفق الزوج في الحصول على عمل ، مما أدى الى أنفصال الأميرة عزة عن زوجها في العام 1939 ، حيث لم تنجب منه ، وعادت الى أيطاليا عام 1940، حيث منحتها الحكومة الأيطالية راتبا شهريا قدره مائتي ليرة حتى العام 1944 ، وأدمنت الأميرة التدخين ، وكثرت ديونها، وقطعت حكومة الجمهورية الجديدة هذه المعونة.
وعند زيارة الوصي عبد الأله روما عام 1945 ، علمت الأميرة عزة بهذه الزيارة وطلبت مقابلته ، ألا أنه رفض مقابلتها ، لكن الدكتور سندرسن قابلها فوجدها في حالة سيئة للغاية ، محطمة نفسيا رثة الملابس ، وروت له ما حل بها ، فنقل الدكتور سندرسن ذلك الى الأمير عبد الأله فوافق على مقابلتها ومنحها مبلغا من المال ، وطلب منها الأنتقال الى القدس للعيش مع عمه الأمير عبد الله فوافقت على ذلك من دون تردد.
أستقرت الأميرة عزة في القدس وبقيت فيها فترة من الزمن ، ثم أنتقلت الى عمان حتى العام 1960حيث أصيبت بمرض السرطان فذهبت للعلاج في لندن ، وفشلت كل محاولات الأطباء في علاجها ، حيث تم قطع لسان الأميرة عزة لمعالجة هذا المرض ولم يجد ذلك نفعا ، فتوفيت في لندن ، ثم نقل جثمانها الى عمان لتدفن في المقبرة الملكية هناك.
أن قضية هروب وزواج الأميرة عزة كانت ضربة قوية للعائلة المالكة ولكافة الساسة العراقيين الكبار ، وبالرغم من تكتم العائلة المالكة على هذه الأخبار ومحاولة عدم تسربها الى داخل العراق ، ألا أن الصحافة العالمية تلاقفت الخبر لتنشره موضحا بالصور من أجل تحقيق مكاسب مادية ، الأمر الذي جعل الملك غازي في موقف صعب جدا ، وكادت تودي بعرشه.
تصاعدت تأثيرات الخبر في العالمين العربي والأسلامي ، مما دفع رئيس الديوان الملكي رستم حيدر الطلب من طبيب العائلة المالكة سندرسن ، كتابة تقرير مفصل عن الحالة النفسية والصحية للأميرة عزة التي دفعتها للقيام بهذه المغامرة ، فكتب سندرسن التقرير التالي :
(بغداد في 13 حزيران 1936 سري
رئيس الديوان الملكي – البلاط الملكي – بغداد
سيدي:
الحاقا بمحادثتنا امس فيما يلي تقريرا عن صحة صاحبة السمو الملكي الاميرة عزة.
كانت الاميرة عزة دائما عصبية المزاج وقد جابهت في السنوات الاخيرة هزات عقلية نادرة لم تمر دون ان تؤثر في اعصاب رقيقة كأعصابها، لقد سببت وفاة والدها الفجائي المغفور له الملك فيصل قبل ثلاث سنوات اضطرابا نفسيا لازم سموها الملكي وجعلها طريحة الحزن لعدة اسابيع. وقد تلت هذه الصدمة أخرى لم يقل شأنها من الاولى وهي وفاة والدتها جلالة الملكة فجأة أيضا. وذلك قبل سنة ونصف مما سبب لها أنحلالا عصبيا شديداً – كانت الاميرة عزة شغفة بوالديها غاية الشغف وقد أظهرت منذ وفاتها أضطرابا عصبيا متزايدا. وقد جاءت وفاة شقيقتها وعمها الملك (علي) صدمة أخرى على الصدمات السابقة مما أثر عليها تأثيرا عميقا.
وكانت نتيجة هذا الحزن المستمر وتوالي الرجات العقلية التي منيت بها في السنوات الاخيرة أن أصيبت الاميرة عزة منذ ستة أشهر بمرض (هستريا) عنيف، وقد رافق هذه الحالة العصبية أنقباض نفس وعدم قابلية ضبط النفس وضعف الارادة وكانت تعاودها هجمات (هستيرية) بصفة عامة.
وبعد عقد سلسلة أستشارات طبية (كونسلتا) قرر الرأي أخيرا على ضرورة تغيير مناخ ومحيط الاميرة لمدة طويلة. وبالنظر لقرب موسم الحر أشير عليها بالاقامة في مصيف صحي في أوروبا على أن تستشير خلال وجودها في أوروبا أخصائيا فيما يختص بحالتها العصبية.
لا أشك في أن زواج الاميرة عزة أن هو الا برهان أضافي على أصابتها بشذوذ عقلي وهو حالة تلازم أكثرية الاشخاص المصابين بمرض الهستريا.
 لي الشرف في أن أكون سيدي
خادمكم المطيع
ا. ح. س. سندرسون
الطبيب الخاص لجلالة الملك).
كان الغرض من هذا التقرير هو تخفيف الصدمة التي سببتها الحادثة على العائلة المالكة والساسة العراقيين وعموم أبناء الشعب العراقي.
وقد بذلت جهود كبيرة في بغداد لتلافي هذه الفضيحة وتطويقها ومحاولة علاجها ، وكانت رغبة رئيس وزراء العراق ياسين الهاشمي شديدة في تدبير خطة لأغتيال الأميرة عزة ، لكن لم يتمكن أحد من غسل العار الذي لحق بالعائلة المالكة ، وساءت أحوال الملك غازي النفسية والصحية ومرض مرضا شديدا ، فأستغل خصومه هذه الفضيحة وتأثيرها في صحته ، فأتخذوها ذريعة للتخلص منه وأبعاده عن العرش أو فرض قيود على تحركاته ، ومن هنا بدأت أولى خطوات فكرة عزل الملك غازي وأيجاد بديلا عنه لتولي عرش العراق من خارج الأسرة الهاشمية ، وقد أسهم وبشكل كبير نوري السعيد في أنضاج وبلورة فكرة تأليف مجلس وصاية يرأسه ياسين الهاشمي ، يحكم البلاد لحين بلوغ ولي العهد الأمير فيصل الثاني سن الرشد.
رفض ياسين الهاشمي هذه الفكرة ، لأنها ستكون تجربة محفوفة بالمخاطر ، وستؤدي الى صراع دام على السلطة يعرض البلاد الى الدمار ، أضافة الى تخوف الهاشمي من أن يتهم بتدبير حادثة الأميرة عزة لتحقيق هذا الغرض.
ومع ذلك فأن ياسين الهاشمي كان يرى أن على الملك غازي قتل شقيقته بيده ، لأنه من الصعب أستمراره بالحكم ألا أذا أستعاد شرفه بسبب غضب الشعب العراقي من تلك الحادثة.
لكن السفير البريطاني في العراق أوضح للهاشمي بأن هذه الخطوة ستكون نتائجها سلبية على المستوى العالمي .
قام السفير البريطاني بمقابلة الملك غازي وفاتحه حول تصرفاته الخاصة وما يدور حوله من أشاعات ، فأكد له الملك بأنه سوف يكون حريصا على أن لا يجعل من حياته الخاصة ما يعرضه للأنتقاد ، ثم قام الملك وبناءا على رغبة ياسين الهاشمي بطرد كافة مرافقيه وسائقو سيارته ومعظم الخدم الشخصيين ، وأخذ الملك غازي بنصيحة ياسين الهاشمي بحضور صلاة الجمعة في جامع السراي والأهتمام بالقضايا الأجتماعية للشعب.


7
لماذا أنتحرت الأميرة جليلة
بقلم : عباس الخفاجي
الأميرة جليلة بنت علي بن الحسين ، أصغر بنات الملك علي بن الحسين ، آخر ملوك المملكة الحجازية الهاشمية ، يرجع نسبها الى الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسني الهاشمي القرشي.
ولدت في مكة المكرمة عام 1922 ، وقد أسماها جدها الملك حسين ، جليلة الشرف. عاشت وتربت مع شقيقاتها الأميرات وشقيقها الأمير عبد الإله وهي الأصغر بينهم ، ( الأميرة عابدية 1907 ، الملكة عالية 1911 ، الأمير عبد الأله 1913 ، الأميرة بديعة 1920).
وعلى أثر أندلاع الحرب بين نجد والحجاز ، سافرت مع العائلة الى شرق الأردن أواخر عام 1924 ، وبقيت هناك مدة سنة ونصف السنة ، وفي أواسط عام 1926 لبى والدها الملك دعوة شقيقه الملك فيصل الأول لزيارة العراق ، على أثر سقوط جده بأيدي آل سعود ، حيث وصلت الأميرة جليلة وأفراد عائلتها بغداد ومكثت فيها.
كان عمها الملك فيصل الأول يحبها كثيرا ، وكذلك أبن عمها الأمير غازي الذي كان يقدم لها الهدايا تشجيعا لها وهي تتلقى دروسا في الموسيقى .
في عام 1934 تزوج الأمير غازي بن فيصل من شقيقتها الأميرة عالية ، ولما سافرت عائلتها الى أوربا لغرض الأصطياف بقيت قرب شقيقتها عالية في قصر الزهور ، وهي أصغر خالات الملك فيصل الثاني.
كانت الأميرة جليلة كثيرة الحركة في طفولتها ، تعلمت الفروسية على يد والدها الملك علي الذي دربها على كل صفات المرأة العربية ، كما كانت مغرمة بقراءة القصص البوليسية التي كان لها الأثر الكبير في أنطوائها على نفسها وعزلتها عن الأهل والأصدقاء والزوار ، وأصبحت تصرفاتها غريبة مثيرة للريبة مقلدة أبطال القصص والروايات البوليسية.
في عام 1946 تزوجت الأميرة جليلة من أبن خالها الشريف حازم توفيق ، وهو طبيب ممارس يعيش في أسطنبول ، وهو يكبرها بستة عشر سنة ، وقد أقام أخاها الوصي عبد الأله حفل زفافها في بهو الأمانة حضرته مائة سيدة عراقية و سبعين سيدة أجنبية ، كما أقامت شقيقتها الملكة عالية حفلا مماثلا في قصر الزهور.
 أن فارق السن بينها وبين زوجها ، جعل هذا الزواج يتعرض لكثير من الأنتقادات حيث أعتقدت العامة أن عائلتها هي التي أجبرتها على الزواج من أبن خالها ، زواج أستمر مدة ثمانية أعوام كانت فيه الأميرة جليلة غير سعيدة لكون زوجها كان أنانيا يمنعها من الخروج من المنزل ، وقد شعر أخاها الأمير عبد الاله بحالتها فسألها أن كانت ترغب في الأنفصال عنه ، فرفضت خوفا من قيام الصحف في ذلك الوقت بنشر خبر طلاقها وهذا ما تكرهه أن تكون حديثا على شفاه الناس ، خاصة بعد مرض الملكة عالية وقيام الصحف بنشر تقارير يومية عن حالتها الصحية.
وفي عام 1947سافرت الملكة عالية الى لندن وسكنت هناك لمرافقة ابنها الملك فيصل الثاني في أثناء دراسته ، فطلبت من الأميرة جليلة أن ترافقها وتكون بالقرب منها ، فوافقت ورافقت شقيقتها وبقيت معها وكانت شديدة التعلق بالملكة عالية، حتى ألم بها مرض التهاب الرحم فعادت الى بغداد ، وأجريت لها عملية جراحية على أثرها منعت من الحمل ، فبدأت حالتها النفسية تزداد سوءا فأصيبت بلوثة عقلية .
نصح الأطباء المكلفون بعلاج الأميرة جليلة أن يراقبوا سلوكها و تصرفاتها ، خشية من الأنتحار أو قيامها بقتل شخص آخر ، وتم الأحتياط لذلك من خلال وضع قضبان حديدية على شبابيك غرفتها ، كما وضعت العائلة المالكة أحدى الخادمات العراقيات لمراقبة تصرفاتها.
عندما توفيت الملكة عالية بمرض السرطان عام 1950 ، قالت الأميرة جليلة لأختها الأميرة بديعة أنها تتمنى أن تبكي عليها لكنها لا تستطيع ذلك لعدم شعورها بأي ألم تجاهها.
بدأت حالة الأميرة جليلة تتدهور وتتفاقم بشكل خطير ، فقد كانت تتخيل اموراً ما فضلاً عما يجتاحها من وساوس في رأسها، فقد كانت تتصور أن هناك أصواتا تناديها من مكان بعيد لم تستطع التخلص منها ، كما كانت تشعر أن أنقلابا سيقع في العراق وكانت تؤشر بيدها الى جهة الغرب قائلة " أنهم سيأتون من هناك ليقتلونا كلنا".
وفي يوم 28 كانون أول 1955، دخلت الحمام وقامت بحرق نفسها بمدفأة الحمام وخرجت تتمشى بجسد محترق ماعدا وجهها ، سألها أخوها الأمير عبد الأله ( لم فعلت هذا بنفسك؟ ) أجابته بأن أحدا ما قال لها بأن تحرق نفسها. 
نقلت الى مستشفى السامرائي لكنها لم تقاوم الى عصر اليوم التالي 29 كانون أول 1955 حيث توفيت في المستشفى أثر تسمم جسدها.
في نفس اليوم أعلنت رئاسة التشريفات الملكية نبأ وفاتها ، وقررت الحكومة أعلان الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام ، وفي صباح اليوم التالي تم تشييع الأميرة جليلة كان في مقدمة المشيعين الملك فيصل الثاني وشقيقها الأمير عبد الأله ورئيس الوزراء نوري السعيد وعددا من الوزراء والشخصيات الأجتماعية ودفنت في المقبرة الملكية في الأعظمية.

8
المنبر الحر / ثقافتنا التحشيش
« في: 17:37 28/04/2018  »
ثقافتنا التحشيش
بقلم : عباس الخفاجي
 
يتميز شعب العراق عن بقية شعوب المعمورة بأنه شعب خفيف الدم طيب القلب والروح وصاحب نكته ، بأمكانه تحويل حالات الحزن و الاسى التي يمر بها الى بيت أبوذية  أو دارمي أو طرفة أو ربما رسما كاريكاتيريا لأولئك الذين يجيدون الرسم ، يفرغ من خلالها كل شحنات الغضب والقهر والحرمان التي تملأ صدره وهو ينطلق بذلك من المقولة الشهيرة ( شر البلية ما يضحك ) .
ومع (تحرير العراق) من المحتل العراقي !! وفتح الحدود على مصاريعها ، وترك البلد ( دشر ) مثله مثل ( خان جغان ) لكل من هب ودب ، وتزاحم الشاحنات الناقلة للمواد التي حرم منها العراقيون عقودا طويلة ، أمثال الزناجيل والقامات وعصابات الرأس والاعلام وصور الائمة الاطهار التي لم يذكر عليها أسم الاستوديو الذي التقطها ، والتي أرسلت من جارتنا ورفيقة تأريخنا البارة المسلمة المؤمنة التي تخاف علينا وتسهرعلى أمننا وراحتنا وثرواتنا ، الجارة العزيزة أيران ، لم تترك هذه الفرصة السانحة تمر دون أن ترسل أطنانا من الهدايا الى شبابنا العاطل عن العمل ، والتائه في لجة الحياة ، عبارة عن حبوب مخدرة للهلوسة و شاي مخدر وجرعات من الهيرويين تنسي الشباب هموم الحياة الصعبة وقلة ذات اليد والحرمان والبطالة ، بل تنسيه حتى أمه وأبيه ، وتنسيه ماضيه المجيد وحاضره التعيس ومستقبله المجهول .
ونتيجه لذلك فقد أنتشرت ظاهرة ما يسمى بـ ( التحشيش ) والكلمة لا تعني أكلي الحشيش مثل الخرفان والاغنام والماعز ، بل تعني متعاطيه ، وهم بالنتيجة سيكونون بمستوى تفكير ما ورد ذكرهم في النوع الاول ، أي من يجعل جمجمته تغادر الى عالم آخر لا يراه الا هو وحده ، وعلى أساسها يفكر ويتكلم ويتصرف، وهذا ليس غريبا عليه طالما أدمن تناول هذه السموم ، ألا أن الغريب في الامر أن تتبنى الكثير من المطابع الاهلية تأليف وطباعة الكتب الخاصة بطرائف ونكت الحشاشة ، بعد أن حرمت وزارة التربية هذه المطابع من طباعة الكتب المدرسية التي أخذت تطبع في الاردن وأيران ، وأصاب أصحابها والعاملين فيها وعوائلهم الضرر الكبير.
أن الكتب الخاصة بالحشاشة ملئت اليوم أرصفة شارع الثقافة والفنون شارع المتنبي ، بعد أن كان زاخرا بأهم المجلدات والمخطوطات والكتب الادبية النادرة.
أن هذه المطبوعات تلقى رواجا كبيرا بين صفوف الشباب الذي غادر كتب عمالقة الفكر والادب العربي والعالمي الذين كنا نقرأ لهم أيام شبابنا أمثال طه حسين و عباس محمود العقاد و نجيب محفوظ و أحسان عبد القدوس و آجاثا كريستي و تولستوي و الكسندر دوما و فيكتور هوغو، وقباني و السياب و محمود درويش ، ليقرأ عوضا عنها أمثال هذه الكتيبات التي تفسد الذائقة وتبقي معلوماته العامة معلومات سطحية لا نفع منها ، وهي في النهاية لا تغن ولا تسمن من جوع .
أننا في وقت يتطلب منا شحذ الهمم في تثقيف أنفسنا والاستزادة في التعلم وعدم الرضوخ الى اليأس ، لا بل علينا بالتفاؤل في صنع مستقبل جديد للعراق والعراقيين وهذا سوف لن يتحقق وأننا منغمسون في ثقافات الجاهلية والتخلف ، وغير صحيح من قال أن العراقي ( ما تصيرله جاره ) لا العراقي (تصيرله جاره) اذا بدأ هو بنفسه ، وصمم أن يخلق من ذاته أنسانا جديدا متحضرا لا يدع دقيقة من حياته تمر دون أن يستثمرها أفضل أستثمار .
يقولون لو أجتمع أربعة يابانيين صنعوا آلة
ولو أجتمع أربعة بريطانيين ألفوا كتابا
ولو أجتمع أربعة أمريكيين أكتشفوا علاجا
ولو أجتمع أربعة عراقيين ... لعبوا دومنه !!!

9
بقلم : عباس الخفاجي
تسعة وسبعون عاما مرت على حادث ( أغتيال – قتل – وفاة ) ملك العراق غازي بن فيصل في ليلة 3/4 نيسان 1939 ، ولا زال الغموض يكتنف تلك الحادثة بالرغم من كشف النقاب عن الكثير من الاحداث التي تؤكد بدون أي شك أن الحادث مدبر وأن هناك عقول خططت له في دهاليز السياسة البريطانية وتم تنفيذه بأياد عراقية من داخل فصر الزهور.
ومن خلال مطالعاتي حول هذا الموضوع المثير ، سجلت عدة ملاحظات وددت في عرضها دون التعليق عليها ، وسوف أترك للقارىء الكريم الربط الجدلي بين هذه الاحداث والملاحظات وأستخلاص الرأي المناسب بصدد هذه الحادثة التي هزت العراق من شماله الى جنوبه .

مدخل :
الملك غازي ، هو غازي بن فيصل الأول بن حسين بن علي الهاشمي ( 12 آذار 1912 - 4 نيسان 1939) ثاني ملوك المملكة العراقية حكم من (8 أيلول 1933) ولغاية وفاته في (4 نيسان 1939).
و هو الأبن الرابع للملك فيصل الأول من زوجته حزيمة بنت ناصر. ولد في مكة وعاش في كنف جده حسين بن علي شريف مكة قائد الثورة العربية والمنادي لاستقلال العرب من الأتراك العثمانيين ومنادياً بعودة الخلافة للعرب.
في يوم 18 أيلول 1933، أعلنت خطوبته وعقد قرانه على ابنة عمه عالية بنت علي بن حسين بن علي الهاشمي، وفي مساء يوم 25 كانون الثاني 1934 تم الزفاف ، ورزق بإبنه الوحيد فيصل الثاني يوم 2 أيار 1935.
تعلم غازي القراءة والكتابة عندما ارسله الشريف حسين جده في الحجاز إلى قرية رحاب مع ابن عمه عبد الاله وبعد ان نوقشت مواد القانون الاساسي وتم تعيين غازي وليا للعرش عام 1924 وكان عمره حينذاك 12 عاما فقط.
 سافر غازي إلى العراق وهناك لاحظ الملك فيصل ضعف الملك غازي وعدم تناسق جسمه مع عمره كذلك ضعف معلوماته وقابلياته الفكرية فتشاور مع وزير المعارف ساطع الحصري وطمانه ساطع الحصري ان ضعف غازي ناجم عن عدم تلقيه المعرفة والعلوم عندما كان في الحجاز لذلك اجتمع مجلس الوزراء وقرر تاليف لجنة تقوم باختيار أفضل المعلمين لتعليم غازي وفق منهج ووقت محدد وبعدها زار وزير المستعمرات ليوبولد ايمري ووزير الطيران البريطاني العراق وقد كان فيصل يعمد إلى احضار الامير غازي في جميع مقابلاته الرسمية ولقاءاته وقد لاحظ ليوبولد ضعف وقلة خبرة الامير غازي في مجال الاصول والحوار فاقترح على الملك فيصل ارساله إلى انكلترا وتم بالفعل إرسال غازي إلى انكلترا ونزل في بيت الاسقف جونسون واشارت التقارير التي رفعت من هناك عن تطور ملحوظ في القابليات الفكرية مقابل ضعف في القدرات الرياضية والميكانيكية وتم قبوله على هذا الاساس في كلية هارو واتم فيها اربع سنوات عاد بعدها إلى العراق في الأول من ايلول عام 1929.
التحق في دورة الكلية العسكرية الملكية العراقية الملك غازي باسم ( الشريف غازي بن فيصل ) وكانت الكلية في هذه الفترة موضع عناية ورعاية الملك فيصل الاول . وقد مكث الشريف غازي في هذه الكلية اربع سنوات وفق منهج اعد لانهاء المدة مع دروس اضافية في اللغة العربية والتاريخ الاسلامي والجغرافية اذ انه التحق بهذه الكلية بعد مجيئه من كلية هارو في انكلترا حيث لم يتسن له ان يدرس فيها هذه الدروس الاضافية المذكورة.

غازي و عالية :
كانت  الملكة عالية امرأة نبيلة وزوجة مخلصة ذات ذكاء نادر ولها تأثير في زوجها الملك غازي وهي مستودع ثقته يعهد اليها بأسراره كلها،وكانت مصدر حكمة  سياسية حتى ان شقيقها الأمير عبد الإله وأفراد عائلتها كانوا يأخذون بجميع  نصائحها، وكان شقيقها يجتمع معها يومياً ليبحث المشاكل التي تعترضه،اذ ان  نصائحها تنطوي على الحكمة.
 كما كانت تطالع الصحف اليومية العراقية وتؤشر ما يهمها من الأخبار والمعلومات التي يمكن الافادة منها في معالجة أمور البلاد.
أما زوجها الملك غازي فكانت حريصة دائما على مرافقته في معظم جولاته، ولم تسمح لأحد بالتدخل في حياتها الخاصة، حتى الأمير عبد الإله الذي كان يخلق لها الكثير من المشاكل  مع زوجها ، ولهذا السبب كان الملك غازي لايحبذ وجوده في القصر .
شعرت الملكة عالية بالكثير من المخاطر التي تحيط بزوجها الملك غازي الذي كان مناوئاً للسياسة البريطانية،التي جلبت له نقمة الموالين لهم.
وكانت تنبهه أن يكون يقظاً في تصريحاته،وكانت تتابع لقاءاته جميعها مع الشخصيات السياسية وتراقب المكالمات الهاتفية التي كان يجريها لمعرفة كل ما يحيط به، كما أخذت تحث المرافقين المخلصين على الحرص عليه وحمايته.
من هنا نلاحظ  مدى حرص الملكة عالية على زوجها الذي يظهر في مواقفها الجريئة والحازمة التي تبين مدى درايتها في ما يحيط بزوجها الملك، كما جرى في انقلاب بكر صدقي في التاسع والعشرين من تشرين الأول 1936، حيث كانت تتصرف بهدوء وبشكل طبيعي، مما دفع سندرسن الى القول بأنها كانت على علم بالانقلاب، فقد كانت ملازمة للملك عندما كان يراقب الوضع بناظور الميدان .
وعند حدوث الفاجعة الكبيرة التي أنتهت بوفاة زوجها الملك غازي خرجت من القصر عند سماعها نبأ الاصطدام في الرابع من نيسان 1939، وأسرعت الى مكان الحادث وسط الظلام ولحقت بالحرس وبينما كان الملك مسجى والدم ينزف منه إنكبت عليه وأخذت تصرخ لجلب الأطباء لبذل كل الجهود الممكنة لإنقاذه، قائلة أريده أن يفتح عينيه سريعاً أريده أن يتكلم، وفي هذه الأثناء أنسحب احد الأطباء طالباً من الأمير عبد الإله شقيق الملكة عالية ووالدتها الملكة نفيسة تهدئة الملكة وتذكيرها بأنها والدة طفل وعليها الاهتمام به ورعايته وأن تفكر بصحتها.   
وجاء في إفادة الملكة"إن زوجها كان يذهب كل مساء إلى قصر الحارثية فيبقى فيه حتى منتصف الليل ثم يعود وينام في الحال وفي تلك الليلة عاد مبكراً على خلاف عادته فما كان يشرع في خلع ملابسه حتى رن جرس الهاتف، وبعد مكالمة قصيرة عاد فلبس ثيابه ليتوجه بسيارته الى قصر الحارثية قائلا أن الشخص الذي كان ينتظره قد حضر الآن وبعد مدة قصيرة جيء به مقتولاً يقولون أن سيارته اصطدمت بالعمود الكهربائي وأصيب بجرح بليغ في رأسه".
كانت الملكة مدركة المؤامرات التي تحاك ضد زوجها ويظهر ذلك عن طريق تأكيدها المستمر على المرافقين له بأن يلازموه ويحيطوه بحماية كاملة وحول هذاالامر يروي المحامي هشام الدباغ الذي حكم عليه بالإعدام لقيادته المظاهرات الجماهيرية في الموصل أبان مقتل الملك غازي التي توجهت إلى القنصلية البريطانية وقتل فيها القنصل البريطاني وكان للملكة اثر كبير في أبدال حكم الإعدام الصادر بحقه إلى الأشغال الشاقة وكانت تقدم له المساعدة طوال مدة وجوده في السجن كما كانت تستضيفه بين الحين والأخر بعد خروجه من السجن، وقد ذكر عن إحدى لقاءاته بالملكة عالية في قصر الرحاب قبل وفاتها بأنها قالت له بأن الإنكليز هم وراء مقتل الملك وان اليد التي نفذت ذلك هي يد أحد الآثوريين  وأن شقيقها قد علم بعد إتمام الاغتيال ولكنه بناء على نصيحة نوري السعيد قد أسدل الستار عن ذلك.
وبعد وفاة الملك غازي فضلت الملكة عالية إبقاء المرافقين المخلصين والمقربين للملك لمرافقة أبنه الملك فيصل الثاني ويشير محمد حسين الزبيدي بأن المرافق سامي عبد القادر قد أخبره، بأنه بعد مقتل الملك غازي بقي مرافقاً للملك فيصل مدة طويلة وفي أحد الأيام طلب منه الوصي عبد الإله بأن يرافقه إلى قصر الزهور وفي اثناء لقائه بالملكة عالية طلبت من الأمير عبد الإله أبقاء سامي عبد القادر مرافقاً للملك فيصل الثاني قائلة له"أن سيدي الملك غازي أمرني بأن سامي هو الذي يربي الملك فيصل"لكن عبد الإله لم يجبها وبعد مدة نقله إلى البصرة.
وبعد مقتل الملك غازي بدأت الأحداث والتطورات السياسية تتفاقم وظهر دور الملكة عالية السياسي عن طريق إسناد الوصاية إلى شقيقها، حرصاً منها على ضمان بقاء العرش لكن اختيارها كان السبب في كثير من الاضطرابات السياسية، فأشتد العداء للأسرة المالكة، فقد جاء في مذكرات محمد مهدي كبة ( كان عهد وصايته عهد شؤم ونحس على البلاد وأبنائها وعلى الملك القاصر).

يعد مصرع الملك غازي من أكثر وقائع تاريخ العراق المعاصر غموضاً وإثارة حتى يومنا هذا ، وفي ظل غياب الدليل المادي القاطع للواقعة تبقى القضية تثير تساؤلاً تقليدياً فيما إذا كانت الحادثة مدبرة أو وليدة القضاء والقدر ، وأن كان هناك إجماع  من الرأي العام على توجيه الاتهام إلى بريطانيا ونوري السعيد بالاشتراك مع إبن عم الملك الأمير عبد الإله.

الحادث المروع :
المصدر الوحيد لتفاصيل الحادث هو رواية الحكومة العراقية ، ففي صباح يوم الرابع من نيسان 1939 فوجئ الشعب العراقي ببيان رسمي صادر عن الحكومة نقلته إذاعة بغداد جاء فيه:
(( بمزيد من الحزن والألم، ينعي مجلس الوزراء إلى الأمة العراقية، انتقال المغفور له سيد شباب البلاد، جلالة الملك غازي الأول إلى جوار ربه، على اثر اصطدام السيارة التي كان يقودها بنفسه بالعمود الكهربائي الواقع في منحدر قنطرة ( نهر الخر )، بالقرب من قصر الحارثية، في الساعة الحادية عشرة والنصف من ليلة أمس، وفي الوقت الذي يقدم فيه التعازي الخالصة إلى العائلة المالكة على هذه الكارثة العظمى التي حلت بالبلاد، يدعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ للمملكة نجله الأوحد جلالة الملك فيصل الثاني، ويلهم الشعب العراقي الكريم الصبر الجميل، وإننا إلى الله وإننا إليه راجعون ... بغداد في 4 نيسان 1939)).(الحسني ، عبد الرزاق ، تأريخ الوزارات العراقية ، ج 5 ، ص 78).
ولا توجد أية رواية أخرى للحادث ، كما لم تثبت شهادة أي شاهد عيان لهذا الحادث الغامض.

مواقف ما بعد الفاجعة:
عند حدوث الفاجعة الكبرى التي أنتهت بوفاة الملك غازي ، أنطفأت الأنوار في قصر الزهور فجأة ، و صوت أحد الخدم الذي تربى في القصر يطلب النجدة ويقول: (ألحقونا سيدي الملك مصاب حصل حادث للسيارة)، خرجت الملكة عالية من القصر عند سماعها نبأ الاصطدام ، وأسرعت الى مكان الحادث وسط الظلام ولحقت بالحرس وبينما كان الملك مسجى والدم ينزف منه إنكبت عليه وأخذت تصرخ لجلب الأطباء لبذل كل الجهود الممكنة لإنقاذه، قائلة ( أريده أن يفتح عينيه سريعاً أريده أن يتكلم )، وفي هذه الأثناء أنسحب احد الأطباء طالباً من الأمير عبد الإله شقيق الملكة عالية ووالدتها الملكة نفيسة تهدئة الملكة وتذكيرها بأنها والدة طفل وعليها الاهتمام به ورعايته وأن تفكر بصحتها.
وجاء الدكتور سندرسن والدكتور صائب شوكت وبدأوا بالكشف عليه وفحصه وظلوا حائرين، وبعد ذلك اسلم الروح وكان أحد الذين رافقوا الملك حياً ومصاباً بكسر في يده، وقال بأن الملك غازي  في أثناء عودته من قصر الحارثية إلى قصر الزهور، أدار محرك السيارة وأنطلق بسرعة كبيرة، فاصطدمت بعمود الكهرباء وأستدارت السيارة حول نفسها ووقفت من شدة الصدمة وكان الباب قد أنفتح على يده ولم يفق من شدة الألم إلا على منظر الملك الذي كان جالساً في مقعد القيادة والعمود على رأسه والدم ينزف منه فأسرع الخادم وأبلغ عن الحادث وعن كل شيء شاهده بعينه.
وجاء في إفادة الملكة"إن زوجها كان يذهب كل مساء إلى قصر الحارثية فيبقى فيه حتى منتصف الليل ثم يعود وينام في الحال ، وفي تلك الليلة عاد مبكراً على خلاف عادته فما كان يشرع في خلع ملابسه حتى رن جرس الهاتف، وبعد مكالمة قصيرة عاد فلبس ثيابه ليتوجه بسيارته الى قصر الحارثية قائلا أن الشخص الذي كان ينتظره قد حضر الآن وبعد مدة قصيرة جيء به مقتولاً يقولون أن سيارته اصطدمت بالعمود الكهربائي وأصيب بجرح بليغ في رأسه".
أما عبد الوهاب عبد اللطيف المرافق الأقدم في القصر الملكي فيقول "كنت نائما في بيتي عندما استدعيت هاتفيا من المرافق الخفر في قصر الزهور وبعد وصولي عرفت من الملكة عالية أن الملك بانتظار آلة لتصليح خلل في الإذاعة وبعد أن اخبر بواسطة التلفون بوصول الشخص الذي يحمل تلك الآلة غادر إلى قصر الحارثية ، وبعدها سمعوا بوقوع الحادث ".
أما الدكتور صائب شوكت فكان من بين الأطباء الذين استدعوا لفحص الملك فقد ذكر قائلا " حين وصلت إلى قصر الحارثية ورأيت الملكة عالية والأمير عبد الأله وبعض الوزراء وافراد الأسرة المالكة وعدداً من المرافقين والخدم بدأت بفحص الملك الذي كان فاقد الوعي وإذا بيدي تغور في مؤخرة رأسه وعندما سئلت عن رأيي أخبرتهم بأن الملك مضروب بهيم  من الخلف أدى إلى كسر في الجمجمة وتمزق في المخ وأنه سوف لا يعيش أكثر من دقائق معدودة ، وقد أخبرتني  الملكة عالية بأنها لاتعرف أكثر من أن صباح نوري السعيد طلبه في الهاتف فترك قصر الزهور متوجها إلى قصر الحارثية".
أما السيد ناجي شوكت فقد بين في مذكراته بأن الملك أصطدم بعمود الكهرباء نتيجة السرعة الجنونية وحالة الانفعال والاضطراب التي كان يعيشها عند قيادته السيارة في تلك الليلة وهذا يأتي مناقضاً لما ذكره عبد الرزاق الحسني إذ يقول بان السيد ناجي شوكت لازال يعتقد بأن نوري السعيد والأمير عبد الإله لهم إسهام فعلي في فاجعة الملك غازي.
ويذكر عبد الحق العزاوي الذي كان يعمل ضابطاً في الحرس الملكي يوم مقتل الملك بأنه سمع الملكة عالية طلبت طرد الدكتور سندرسن باشا من القصر، الذي كان يشرف على علاج الملك وهو في حالة إغماء قائلة " ما كفاه انه قتل أباه حتى جاء ليقتل الولد ".
أعلنت الحكومة الحداد الرسمي أربعين يوماً،وفتحت الملكة عالية أبواب قصر الزهورلاستقبال المعزيات من طبقات الشعب كافة، وحددت موعد استقبال المعزيات من السيدات العراقيات وعقيلات الوزراء وعقيلات الموظفين الأجانب يومين في الأسبوع من الساعة العاشرة حتى الساعة الثانية عشرة أما عقيلات رجال الهيئات الدبلوماسية فكانت تستقبلهن من الساعة الرابعة عصراً الى الساعة الخامسة، أما نساء القصرالاخريات فقد خصصت لهن في القصر الملكي ثلاث قاعات لأستقبال وفود من نساء  العراق القادمات من مختلف أنحاء البلاد فكانت القاعة الأولى للملكة عالية والثانية للأميرة ملك فيضي والثالثة للملكة نفيسة وتمر المعزيات بهذه القاعات الثلاث ثم يتناولن الطعام الذي أعد لهن في القصر.
وتشكلت لجان من النساء لاستقبال هذه الوفود وكانت من بينهن السيدة عصمت السعيد التي ذكرت"كنت من بين مستقبلات وفود الطبقة العاملة في القصر، وكانت نساء العراق بوجه عام يرغبن في إظهار مشاعرهن لأرملة الملك الشاب الراحل وكانت وفود من الطبقات الفقيرة تأتي سيرا على الاقدام من قلب بغداد الى القصر الملكي الذي يبعد عن قلب المدينة ما يوازي أربعة كيلومترات ولمدة ثلاثة أيام متوالية وكنا نطلب من المعزيات عدم الصياح والعويل والعمل بالأصول الإسلامية احتراماً لأهل البيت والاكتفاء بقراءة الفاتحة، وكانت الملكة عالية مرهقة وافراد أسرتها، لكنها حافظت على وقارها وكانت تحني رأسها بكياسة عند مرور الوفود من أمامها".
وقد وردت برقيات التعازي الى الملكة عالية من زوجات الملوك من الدول الصديقة حيث وردت برقية من ملكة إيران ومن الملكة لئوبولد ملكة بلجيكا ومن مصر أرسلت الملكة فريدة زوجة الملك فاروق برقية تعزية ايضاً وقد  كانت تربطهن بالملكة علاقات صداقة وثيقة.           

في صباح يوم الخامس من نيسان 1939 ، نقل جثمان الملك من قصر الزهور إلى البلاط الملكي الواقع في منطقة الكسرة ، وشيعت جنازته في أحتفال مهيب بتوجيه من السيد تحسين قدري رئيس التشريفات الملكية، ثم نقل الى المقبرة الملكية في الأعظمية  في الساعة الثامنة صباحاً، محمولا على عربة مدفع ، حيث دفن الى جانب والده الملك فيصل الأول، وكان الطريق محاطاً من الجانبين بآلاف الناس وهم مذهولون من هول المفاجأة ثم خرج الشعب برمته الى الشارع معلنين اتهامهم البريطانيين ونوري السعيد  بقتله.
ويصف القائم بأعمال السفيرالبريطاني (هوستن بازويل) مراسيم التشييع في بغداد"كانت الساحات والطرقات الرئيسة للمدينة مزدحمة بالمعزين يندبون ويضربون على صدورهم وينفشون شعورهم مبدين غيظهم وحزنهم مرددين الخطابات الحماسية والأشعار( نوري نوري لازم تدفع دمه لغازي ) ، وكنت مرافقا للكابتن هولت  قائد القوة الجوية، وكان  يحيطنا صفان من الضباط، وكان بعض المشيعين ينظرون الينا بصمت والدمع ينهمر من العيون وكان بينهم نساء قد أسلمن أنفسهن للحزن الهستيري يمزقن أثوابهن ويغطين رؤوسهن بالطين من السواقي".
ولم يكد خبرمقتل الملك غازي يصل الى أسماع الشعب حتى هبت الجماهير الغاضبة في مظاهرات صاخبة أتجهت نحو السفارة البريطانية هاتفة ومنددة بالأمبريالية البريطانية وعميلها نوري السعيد وأمتدت المظاهرات الغاضبة الى سائر مدن العراق  من أقصاه الى أقصاه، وهم يهزجون : ( الله أكبر يا عرب غازي أنفكد من داره ... وأهتزت أركان السما من صدمة السيارة ) ، ووزعت الجماهير منشورات تقول أن الملك غازي لم يصطدم بالسيارة كما تدعي حكومة نوري السعيد وإنما قتل بعملية إغتيال دبرتها بريطانيا وعملاؤها، ولذلك خرج نوري السعيد مسرعاً بعد إتمام مراسيم دفن الملك غازي في المقبرة الملكية، مستقلاً زورقاً بخارياً من المقبرة الى داره في الكرخ.
وقام نوري السعيد بنشر أعداد كثيفة من الشرطة لقمع المظاهرات، وأعلنت الأحكام العرفية في الموصل واعتقلوا الكثير من الشباب الذين كانوا يوزعون المناشير، وأحيل المتهمون بقتل القنصل الى المحاكم العسكرية.
حاول الإنكليز إبعاد التهمة عنهم، وادعوا أن الدعاية الألمانية هي التي تروج مثل هذه الدعاية ضد بريطانيا، كما ادعوا أن موظفي السفارة الألمانية، والأساتذة الجامعيين هم الذين يحرضون جماهير الشعب ضد بريطانيا، وضد حكومة نوري السعيد.
كان رد فعل الجماهير الشعبية في الموصل شديداً جداً، حيث خرجت مظاهرة ضخمة، وتوجهت نحو القنصلية البريطانية وهاجمتها، وقتلت القنصل البريطاني في الموصل، المستر [مونك ميسن]، وكانت الجماهير تهتف بسقوط الاستعمار البريطاني، وحكومة نوري السعيد العميلة، وكانت الجماهير بحالة من الغضب الشديد بحيث أنها لو ظفرت بنوري السعيد لمزقته إرباً.
لكن ما يؤسف له هو مهاجمة الحي اليهودي في بغداد، و وقوع عمليات النهب وحرق مساكن اليهود. وقد استغل نوري السعيد الأحكام العرفية التي كانت قد أعلنت في البلاد قبل شهر من مقتل الملك، وقام بنشر أعداد كثيفة من قوات الشرطة لقمع المظاهرات، وجرى اعتقال الكثير من المتظاهرين.
ولتغطية جريمة الاغتيال سارعت حكومة نوري السعيد إلى إصدار بيان رسمي يتضمن تقرير طبي صادر عن هيئة من الأطباء عن سبب وفاة الملك غازي، وجاء في البيان ما يلي:
( ننعي بمزيد من الأسف وفاة صاحب الجلالة الملك غازي الأول في الساعة الثانية عشرة والدقيقة الأربعين من ليلة 3- 4 نيسان 1939، متأثراً من كسر شديد للغاية في عظام الجمجمة، وتمزق واسع في المخ، وقد حصلت هذه الجروح نتيجة أصطدام سيارة صاحب الجلالة، عندما كان يسوقها بنفسه، بعمود كهرباء بالقرب من قصر الزهور، في الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، وفقد الملك شعوره مباشرة بعد الاصطدام، ولم يسترجع وعيه حتى اللحظة الأخيرة
التواقيع:
د. جلال حمدي
د. صبيح وهبي
د. صائب شوكت
د.أبراهام
د.سندرسن
3 – 4 نيسان 1939).(الحسني ، عبد الرزاق ، تأريخ الوزارات العراقية ، ج 5، ص 76).
يقول الفريق نور الدين محمود، الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش، ثم رئيساً للوزراء عام 1952، حول حقيقة مقتل الملك غازي ما يلي:
(أنه اصطدام غامض وعويص، لا يسع الإنسان مهما كان بسيطاً في ملاحظته إلا أن يكذّب زعم الحكومة، وهو يقارنه بالأدلة التي يراها في مكان الحادث).(الحسني ، عبد الرزاق ، تأريخ الوزارات العراقية ، ج 5، ص 87).
أما العقيد صلاح الدين الصباغ فيقول في مذكراته:
(قضت المصالح البريطانية اغتيال الملك غازي، فتم في ليلة 3 / 4 نيسان 1939 وهو في السابعة والعشرين من عمره). (الصباغ ، صلاح الدين ، فرسان العروبة ، ص 87)
ويقول الأستاذ (جان ولف) في كتابه (يقظة العالم العربي):
(مات الملك غازي على أثر حادث غريب، فقد اصطدمت سيارته دون ما سبب وجيه، بينما كان يقودها بسرعة معقولة، فتعالى الهمس في بغداد متهماً بعض الجهات بتدبير الحادث) (وولف ،جان، يقظة العالم العربي ، ص 120)
وقال الأستاذ (كارتاكوز) في كتابه ( ثورة العراق) ما يلي:
{ لعل مأثرته الرئيسية ـ يقصد الملك غازي ـ انه قد لاقى حتفه بشكل عنيف في حادث سيارة يعتقد أن البريطانيين وأعوانهم من العراقيين هم الذين فعلوه). (كارتاكوز، ثورة العراق ، ص32)
وجاء الدليل القاطع بعد سنوات طويلة، عندما التقى الأستاذ عبد الرزاق الحسني، مؤلف تاريخ الوزارات العراقية، في 8 نيسان 1975 بالدكتور (صائب شوكت) طبيب الملك غازي الخاص، وأول من قام بفحصه قبل وفاته، وسأله عن حقيقة مقتله فأجابه بما يلي:
( كنت أول من فحص الملك غازي بناء على طلب السيدين نوري السعيد و رستم حيدر لمعرفة درجة الخطر الذي يحيق بحياته، وأن نوري السعيد طلب إليّ أن أقول في تقريري أن الحادث كان نتيجة اصطدام سيارة الملك بعمود الكهرباء، وأنا أعتقد أنه قد قتل نتيجة ضربة على أم رأسه بقضيب حديدي بشدة، وربما استُخدم شقيق الخادم الذي قُتل في القصر، والذي كان معه في السيارة لتنفيذ عملية الاغتيال، فقد جيء بالخادم فور وقوع العملية إليّ وكان مصاباً بخلع في ذراعه، وقمت بإعادة الذراع إلى وضعه الطبيعي، ثم اختفي الخادم، ومعه عامل اللاسلكي منذ ذلك اليوم وإلى الأبد، ولا أحد يعرف عن مصيرهما حتى يومنا هذا).
كما التقى السيد عبد الرزاق الحسني بالسيد ناجي شوكت الذي كان وزيراً للداخلية آنذاك وسأله عن حقيقة مقتل الملك غازي ما يلي:
( لقد احتفظت بسر دفين لسنين طويلة، وها قد جاء الآن الوقت لإفشائه، كانت آثار البشر والمسرة طافحة على وجوه نوري السعيد، ورستم حيدر، ورشيد عالي الكيلاني، وطه الهاشمي، بعد أن تأكدوا من وفاة الملك، وكان هؤلاء الأربعة قد تضرروا من انقلاب بكر صدقي، واتهموا الملك غازي بأنه كان على علم بالانقلاب، وأنا أعتقد أن لعبد الإله ونوري السعيد مساهمة فعلية في فاجعة الملك غازي). (الحسني ، عبد الرزاق ، تأريخ الوزارات العراقية ، ج 5، ص 81).
وهكذا أسدل الستار على مقتل الملك غازي وانهمك المتآمرون بعد دفنه بترتيب الأمور لتنصيب عبد الإله وصياً على العرش.

و هكذا دفن سيد شباب البلاد قرب أبيه في المقبرة الملكية في الأعظمية وجدران المقبرة تردد صدى هتاف الجماهير الغاضبة ( كتلوا ملكنه و أتهموا السيارة ) دلالة على علم ومعرفة الجماهير بأن المصرع كان مخطط له ولم يكن محض حادث مؤسف ، حيث إن أي حادث سيارة يؤدي إلى الوفاة لابد أن تكون إصابة السيارة شديدة وكبيرة ، إلا أن الواقع كان عكس ذلك تماماً، فقد كانت الأضرار التي لحقت بالسيارة طفيفة جداً، كما أن الأضرار التي كانت في السيارة تركزت في الجانب الأيمن الذي أصطدم بعمود الكهرباء ، بينما كان الملك يجلس في الجانب الأيسر خلف المقود ، كما لم تكن أي أصابة في جسم الملك سوى تهشم الجمجمة من الخلف ، وهذا ما يثير الشكوك حول حقيقة مقتل الملك الذي كان محبوبا جدا من جماهير الشعب العراقي لمواقفه الوطنية والعروبية المشرِّفة.
انـتـشرت الهمسات ثم الإشاعات فالتأكيدات، بأن الإنكليز رتبوا له هذه الحادثة، لأنه تمرد عليهم.

مواقف غازي التي أغاضت الأنكليز:
1.   يبدو أن قضية أعادة الكويت الى العراق ، كانت من الأسباب الرئيسة التي عجلت باتخاذ قرار أزاحته أو التخلص منه ، فعندما تولى الملك غازي الحكم وضع نصب عينه مسألة إعادة الكويت إلى العراق، حيث كانت أيام حكم العثمانيين جزءا من العراق، وتابعة لولاية البصرة، لكن المحتلين البريطانيين اقتطعوها من العراق، ونصبوا الشيخ مبارك حاكما عليها تحت حمايتهم، عام 1895. تمتاز الكويت بأهميتها الاستراتيجية، حيث تتحكم برأس الخليج، وتبلغ مساحتها 7000 كيلومتر مربع، وكان يسكنها آنذاك حوالي 100 ألف نسمة، وكان الملك غازي يعتقد أن اقتطاعها من العراق سبب حرمانه من شواطئه البحرية على الخليج، إلا من بقعة صغيرة جداً قرب مصب شط العرب. وهكذا أصبح هاجسه في كيف يعيد الكويت إلى العراق، في ظل تعارض رغبته تلك مع إرادة الإنكليز المهيمنين على مقدرات العراق. حاول الملك غازي التقرب من ألمانيا، غريمة بريطانيا، وسعى إلى توطيد العلاقات معها، لعل ذلك يساعده على استعادة الكويت، وقد قامت الحكومة الألمانية بإهداء الملك غازي محطة إذاعة تم نصبها في قصر الزهور الملكي، واستعان الملك بعدد من العناصر القومية الشابة، وراح يوجه إذاعته نحو الكويت، وكان بثها كله موجها حول أحقية ضم الكويت إلى العراق، ومهاجمة الإنكليز الذين اقتطعوها من العراق، مما أثار غضبهم وحنقهم على الملك غازي، وجعلهم يفكرون بالتخلص منه.
فقد ذكر السفير البريطاني ( باترسن) في كتابه ( Both sides of Curtain) حول تصرفات الملك غازي ما يلي:
(لقد أصبح واضحا للعيان أن الملك غازي إما يجب أن يُسيطر عليه، أو أن ُيخلع من العرش، وقد لمحت إلى ذلك، وبهذا المقدار، في زيارتي الوداعية للأمير عبد الإله). ( مذكرات طه الهاشمي ، ص 200).
أما العقيد صلاح الدين الصباغ فيذكر في مذكراته أن نوري السعيد الذي كان يقيم في القاهرة كان قد أرسل إليه، وإلى العقيد فهمي سعيد، ولده صباح، بعد مقتل بكر صدقي بأسبوعين، ليستفسر منهما عما إذا كانا يريان قتل الملك غازي، وإلحاقه ببكر صدقي، وتخليص البلاد من عبثه أمرٌ ممكن ؟ وقد رد عليه فهمي سعيد، بصوت جهوري قائلاً: (لا يا صباح لن يحدث هذا أبداً).
أما صلاح الدين الصباغ فقد رد عليه قائلاً: (أما بصدد اغتيال الملك غازي، فنحن أبعد الناس إلى التطرق لمثل هذا العمل، ولا نسمح بأن يذكر أمامنا، ونصيحتي لك أن لا تكرر ما قلته، وأن لا تفاتح به أحد بعد اليوم). (الصباغ ، صلاح الدين ، فرسان العروبة ، ص 90).
وتطرق توفيق السويدي إلى نفس الموضوع في مذكراته المعنونة (نصف قرن من تاريخ العراق، والقضية العربية) قائلاً: (أتذكر بهذا الصدد أنني عندما كنت في لندن، التقيت بالمستر( بتلر) وكيل وزير خارجية بريطانيا الدائم، وقد أبدى لي شكوى عنيفة من تصرفات الملك غازي فيما يتعلق بالدعاية الموجهة ضد الكويت من إذاعة قصر الزهور، وقال لي بصراحة بأن الملك غازي لا يملك القدرة على تقدير مواقفه، لبساطة تفكيره، واندفاعه وراء توجيهات تأتيه من أشخاص مدسوسين عليه، وإن الملك بعمله هذا يلعب بالنار، وأخشى أن يحرق أصابعه يوماً ما). (السويدي ، توفيق ، نصف قرن من تاريخ العراق ، ص 326).
لقد حاول الملك غازي إعادة الكويت بالقوة، أثناء غياب رئيس الوزراء نوري السعيد الذي كان قد سافر إلى لندن لحضور مؤتمر حول القضية الفلسطينية في 7 شباط 1939، فقد استدعى الملك رئيس أركان الجيش الفريق (حسين فوزي) عند منتصف الليل، وكلفه باحتلال الكويت فوراً. كما اتصل بمتصرف البصرة داعيا إياه إلى تقديم كل التسهيلات اللازمة للجيش العراقي للعبور إلى الكويت واحتلالها.( الحسني ، عبد الرزاق ، تأريخ الوزارات العراقية ، ج5 ، ص 76).
كما استدعى الملك صباح اليوم التالي نائب رئيس الوزراء ناجي شوكت بحضور وزير الدفاع، ووكيل رئيس أركان الجيش، ورئيس الديوان الملكي، وأبلغهم قراره باحتلال الكويت.
لكن ناجي شوكت نصحه بالتريث، ولاسيما وأن رئيس الوزراء ما زال في لندن، وأبلغه أن العملية سوف تثير للعراق مشاكل جمة مع بريطانيا، والمملكة العربية السعودية وإيران، واستطاع ناجي شوكت أن يؤثر على قرار الملك غازي، وتم إرجاء تنفيذ عملية احتلال الكويت. (الحسني ، عبد الرزاق ، تأريخ الوزارات العراقية ، ج5 ، ص 77).
فلما عاد نوري السعيد إلى بغداد وعلم بالأمر، سارع بالاتصال بالسفير البريطاني، وتداول معه عن خطط الملك غازي، وقرر الاثنان التخلص من الملك بأسرع وقت ممكن، وهذا ما صار بعد مدة وجيزة، حيث جرى تدبير خطة لقتل الملك والتخلص منه، والمجيء بعبد الإله وصياً على العرش نظراً لصغر سن ولده الوحيد (فيصل الثاني) الذي كان عمره لا يتجاوز الخمس سنوات آنذاك.( الحسني ، عبد الرزاق ، تأريخ الوزارات العراقية ، ج5 ، ص 76).
2.   ناهض النفوذ البريطاني في العراق وأعتبره عقبة لبناء الدولة العراقية الفتية وتنميتها، وأعتبره المسؤول عن نهب ثرواته النفطية والآثارية المكتشفة حديثاً. حيث يقول جيمس موريس: ( إن الملك غازي كان أول ملك هاشمي لايحب الإنكليز، ولم يكن يحمل أدنى شعور بالصداقة لهم، ولذلك كان من أكثر الملوك الهاشميين شعبية في قلوب الجماهير).
3.   كان الملك غازي ذو ميول قومية عروبية كونه عاش تجربة فريدة في طفولته حيث كان شاهدا على وحدة الأقاليم العربية إبان الحكم العثماني قبل تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الوطن العربي إلى بلدان تحت النفوذ البريطاني أو الفرنسي. وأذاع بنفسه خطبا وبيانات من أذاعة قصر الزهور ، تندد بالاستعمار الفرنسي لسورية ولبنان ، وتهاجم المخططات الصهيونية والاستعمارية في الوطن العربي. كما وقف إلى جانب قادة الثورة الفلسطينية كعزالدين القسام ومفتي القدس الحاج أمين الحسيني.
وكان الحلفاء(بريطانيا وفرنسا)، قد أعلنوا عشية الحرب العالمية الثانية أن كل من يقف ضد سياستهم، يضع نفسه في خندق العدو النازي.
4.   شهد عهده صراع بين المدنيين والعسكريين من الذين ينتمون إلى تيارين متنازعين داخل الوزارة العراقية، تيار مؤيد للنفوذ البريطاني وتيار وطني ينادي بالتحرر من ذلك النفوذ حيث كان كل طرف يسعى إلى الهيمنة على مقاليد السياسة في العراق. فوقف الملك غازي إلى جانب التيار المناهض للهيمنة البريطانية حيث ساند انقلاب بكر صدقي وهو أول انقلاب عسكري في الوطن العربي، كما قرب الساسة والضباط الوطنيين إلى البلاط الملكي فعين الشخصية الوطنية المعروفة (رئيس الوزراء لاحقاً) رشيد عالي الكيلاني باشا رئيسا للديوان الملكي.
5.    كان نوري السعيد يكره الملك غازي ويُـروى عن وزير الخارجية العراقي ناجي شوكت، آن ذاك، قوله :"إن موت الملك غازي جاء نتيجة لعبة قذرة كان وراءها نوري السعيد". (العراق في التاريخ، ص693).
وكان من المعروف تماما أن نوري السعيد هو أحد رجال بريطانيا المقربين ، وقد تولى رئاسة الوزارة أكثر من أي رئيس آخر. ويعتبر أبرز وأقوى سياسي عراقي مخضرم، تكرهه عامة الشعب وتعتبره عميلا للإنكليز.

أن مواقف الملك غازي الوطنية و القومية ، قد أثارت المشاعر الوطنية والقومية للشعب العراقي، فظفر هذا الملك الشاب بحب مختلف طبقات الشعب ، فكان سلوكه هذا قد كلفه حياته شأنه شأن الآلآف من الشهداء الآخرين ...


صفحات: [1]