عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - Nazar Haidar

صفحات: [1]
1
المنبر الحر / اعلام البرلمان
« في: 18:20 24/11/2010  »
اعلام البرلمان

نـــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   تابعت باهتمام جلسة مجلس النواب لهذا اليوم، الاثنين، وذلك من خلال الشاشة الصغيرة التي بثت وقائع الجلسة كما وصلت اليها من الدائرة الاعلامية للمجلس.
   النقاش بين النواب كان بشأن نشر وقائع جلسات المجلس في وسائل الاعلام، ولاهمية الموضوع وما ازعم انني افهم فيه شيئا ما، فقد اثار فضولي لاستنتج الملاحظات التالية، سواء بشان اصل الموضوع او طريقة حوار النواب وكيفية تعاطيهم مع الموضوع:
   اولا: شخصيا، فانا مع فكرة بث كامل وقائع الجلسات الى الراي العام، الا ما خرج منها بدليل وبقرار من المجلس وليس من رئاسته، كأن يقرر النواب عقد جلسة سرية لاغراض الدفاع او الامن او ما اشبه، بمعنى آخر فان الاصل في الموضوع هو علنية الجلسات، اما الجلسات السرية فهي الشاذ من القاعدة.
   ثانيا: ان المقصود بالعلنية هو اطلاع المواطن عليها قبل مقص الرقيب، وليس بعده، والا لما سميت علنية، ولذلك فانا لا افهم معنى مصطلح العلنية بعملية بث الشاشة الصغيرة لجوانب من الجلسات التي تسمح بها الدائرة الاعلامية فقط، فان مثل هذا البث لا يطلق عليه مصطلح الجلسة العلنية ابدا.
   ان كل برلمانات العالم الحر تسمح للمواطنين ولمختلف وسائل الاعلام بالحضور في الجلسات العلنية ومتابعتها اولا باول بلا رقيب او حسيب، وعادة ما يحضرها الناس حسب اهتماماتهم بالموضوع مورد النقاش، والا لما شاهدنا التراشق بالطماطة او الصحون، مثلا، تحت قبة البرلمان، وبالصوت والصورة الحية والمباشرة، في العديد من دول العالم الحر اذا كان مفهوم الجلسات العلنية يعني بثها للراي العام بعد تمريرها على مقص الرقيب، هذا اذا كان البرلمان، اي برلمان، قد اعلن عن نيته عقد جلسة علنية، اما اذا كانت الجلسة سرية فهو لن يسمح بنشر اي شئ منها ابدا، ولذلك فلا داعي، في مثل هذه الحالة، لتمريرها على مقص الرقيب.
   ثالثا: يسوق البعض حججا واعذارا مختلفة للتدليل على خطورة علنية الجلسات، ولقد استمعت الى بعضها التي ذكرها النواب في جلستهم، الا انني، وبصراحة، لم اقتنع باية واحدة من هذه الاعذار، وذلك؛
   الف؛ ان اية رقابة على احاديث النواب هو نوع من انواع التجاوز على الدستور الذي كفل حرية التعبير للمواطن، فما بالك اذا كان هذا المواطن نائبا في البرلمان؟.
   لا يحق لاحد ان يراقب افواه النواب، وان الرقيب الوحيد على كلامهم هو ضميرهم وعقولهم وما يعتقدون به، انه الرقيب الذاتي الذي يجب ان يجري تفعيله ليتحمل النائب كامل المسؤولية ازاء ما يدلي به من احاديث واقوال.
   ان النائب له كامل الحق في التعبير عن رايه تحت قبة البرلمان، شريطة ان يتحمل مسؤولية كل كلمة او حرف يتفوه به، وعلى هذا الاساس فان مسؤولية القول والفعل تحت قبة البرلمان هي مسؤولية عينية وليست جماعية، بمعنى آخر فان المجلس غير مسؤول عن كلام كل نائب على حدة، انما هو يتحمل مسؤولية جماعية ازاء قراراته وتشريعاته التي يصوت ويوافق عليها فقط.
   تاسيسا على ذلك فان المجلس لا يتحمل مسؤولية كلام اي عضو فيه، ما ينفي ضرورة تمرير كلام النواب واحاديثهم على مقص الرقيب.
   باء؛ ان مرور احاديث النواب على مقص الرقيب يثير الكثير من الجدل بشان صحة او عدم صحة ما ادلى به هذا النائب او ذاك من حديث او مداخلة في الجزء المسموح بنشره، ومن اجل ان نقطع دابر الشك ولا نسمح بالطعن في مصداقية الجلسات ومحتوياتها، وكذلك من اجل ان نقطع الطريق على النواب الذين يلجأون الى تسخير الاعلام في تصحيح او توضيح ما ادلوا به تحت قبة البرلمان، او في الدفاع عن انفسهم، فان العلنية هي الحل لكل ذلك، خاصة في العراق الجديد الذي تتقاطع فيه الكثير من المصالح الحزبية والسياسية والفئوية بين مختلف النواب، ما يفسح المجال للتاويل والتبرير بدرجة كبيرة.
   جيم؛ للناخب كامل الحق في ان يعرف مستوى اداء النائب تحت قبة البرلمان، من خلال متابعة احاديثه وحواراته ومداخلاته وهو يناقش القضايا المطروحة، ولا يمكن للناخب ان يمارس حقه الدستوري هذا اذا مرت احاديث النواب على مقص الرقيب.
   ان اطلاع الناخب على مستوى اداء النائب ومدى قدرته على الاتيان بشئ جديد، او بقدرته على الاقناع وهو يناقش ويجادل، يرسم في ذهنه الصورة الحقيقية لشخصية النائب، ليجدد ثقته به او يحجبها عنه في الانتخابات القادمة.
   ان من حق المواطن ان يطلع على حقيقة مجريات مجلس النواب وما يجري فيه من احاديث ونقاشات، ولا يتحقق ذلك اذا مر مقص الرقيب على الاجتماعات، فالحقيقة يمكن ان نقراها قبل مقص الرقيب وليس بعده.
   يجب ان يكون الحكم الوحيد على مصداقية حديث النائب هو المواطن العراقي، ليكتشف من خلال اطلاعه على تفاصيل مجريات جلسات مجلس النواب حقيقة النواب ونواياهم واتجاهاتهم واجنداتهم، على قاعدة {تحدثوا تعرفوا} فسيعرف المواطن اي النواب مع العملية السياسية بشكل حقيقي وجوهري لا مراء فيه ومن منهم ليس معها يسعى للطعن فيها باي شكل من الاشكال، ومن منهم مع الارهاب ومن منهم حريص على حقن دماء العراقيين، ومن منهم الكفوء والاخر غير الكفوء، وهكذا.
   ان كل ذلك لا يمكن ان يكتشفه المواطن اذا مرت احاديث النواب بفلترات لها اول وليس لها آخر، ولذلك يجب ان تترك احاديث النواب تنساب الى المواطن بكل حرية وشفافية، ليصدر من ثم حكمه على وكلائه عن معرفة ووعي.
   اما الحجة القائلة بان بث الجلسات بالكامل يؤثر على الوفاق الوطني، فهي من الحجج المضحكة المبكية، فكلنا يعرف بان من يريد ان يشنج الموقف ويصعد من حدة التوترات ليس بحاجة الى جلسة في البرلمان ليتحدث فيها، وانما امامه الفضاء باكمله مفتوح له 24 ساعة.
   رابعا: ما اثار انتباهي هو ان اغلب النواب كانوا يحملون بايديهم نسخة من الدستور العراقي او نسخة من النظام الداخلي للمجلس وهم يسوقون ادلتهم على صحة اقوالهم وتطابقها مع الدستور والقانون، ومع ذلك فانهم تناقضوا في ادلتهم التي ساقوها، ما يشير الى نقطة في غاية الاهمية، الا وهي، ان النواب، بشكل عام، لا يقرأون كل النصوص الدستورية والقانونية الخاصة بمادة النقاش عندما يبحثون في الموضوع، وانما يجتزئون الفقرة التي تمر امامهم فقط دون العودة الى بقية المواد المتعلقة بالموضوع.
   بمعنى آخر، انهم يحملون في ذهنهم صورة جانبية للراي الدستوري والقانوني وليس صورة كاملة، ما يقلل من شان ادلتهم التي يسوقونها لاثبات ما يعتقدون به صحيحا.
   ان الدستور او القانون وحدة واحدة لا يمكن تجزئته، وهو حمال ذو وجوه، ولذلك لا يجوز تبعيضه عندما نريد ان نسوق مادة منه  كدليل على صحة ما نريد قوله.
   تاسيسا على ذلك فانا اقترح ان يستعين كل نائب، عندما يريد ان يعود الى الدستور او القانون، بخبراء قانونيين، ليقف على التشريع بشكل صحيح وسليم، فلا يجتزئ او يتناقض او يبتر النص من سياقاته، لان ذلك يوقعه في حرج يدلل على عدم تمكنه من فهم النصوص الدستورية او القانونية.
   خامسا: لقد شرق النواب وغربوا وهم يناقشون الموضوع المطروح، ما يشير الى انهم يتناولوه لاول مرة، فهو لم يتبلور في لجنة مختصة قبل طرحه للنقاش العام في المجلس، وهذا امر غير سليم ينبغي ان لا يتكرر في الجلسات القادمة، اذا ان من الضروري جدا ان لا يطرح موضوع للنقاش العام قبل ان يتم بلورته في لجنة خاصة ابدا، والا فان المجلس سيضيع وقته في سجالات متشعبة غير نافعة لها اول وليس لها آخر.
   لقد رايت بعض النواب يتحدثون وكانهم اجبروا على الحديث، او انهم يتصورون بان من الواجب دستوريا او اللائق اخلاقيا ان يتحدث النائب في كل جلسة، فلا يفوت واحدة منها، ففي حديثه، مهما كان نوعه، استعراض لعضلاته ولقابلياته الخطابية، وان عليه ان يدلي بدلوه في كل موضوع مطروح للنقاش، ولذلك رايت بعضهم وقد مرروا وقتهم المحدد للحديث بمجموعة من العبارات الانشائية والجمل غير المفيدة، على طريقة {اذا تخاصمت بريطانيا مع لندن فلماذا تتدخل انجلترا} فيما قضى بعضهم الوقت بالمزاح وبعض الكلام الخفيف، وبهذا الصدد اقول؛
   الف؛ ان على النائب ان لا يدلي بكل راي في كل موضوع، فليست البطولة في ان يتحدث النائب، وانما البطولة في ان يصيب مقتلا في حديثه الذي يجب ان ياتي بما لا يقل عن واحدة من ثلاث؛
   1ـ ان يوضح معنى ويميط اللثام عن الملتبس من الامور.
   2ـ ان ينظر، بتشديد الظاء، للموضوع.
   3ـ ان يقدم مقترح ما.
   اما التكرار والانشاء فليس مكانه تحت قبة البرلمان.
   لابد للنائب ان يتذكر دائما بانه حجز مقعده تحت قبة البرلمان ليشرع الانظمة والقوانين وليس ليلقي موضوعا في الانشاء كتلك المواضيع التي كان يطلبها منا معلم الانشاء عندما كنا طلابا في المدرسة، وكيف كنا نبذل قصارى جهدنا لاختيار افضل الجمل واعذب الكلمات واحلى العبارات، لاننا كنا نستحق الدرجة على قدر جمال الموضوع في اغلب الاحيان.
   باء؛ لم اشعر ان اغلب النواب تحدثوا في الموضوع عن معرفة وخبرة، وانما جاءت جل احاديثهم اجتهادات آنية، تعتمد على الذاكرة اكثر من اعتمادها على الورق، ما اثار عندي الشعور بانهم لم يتهيأوا بشكل مسبق لمناقشة الموضوع المطروح.
   وتجنبا لتكرار مثل هذا الموقف، اقترح على كل نائب ان يستعين بخبراء متخصصين في كل موضوع ينوي المشاركة في مناقشته، لياتي حديثه عن خبرة، فيضيف شيئا جديدا او يكشف عن غموض او يبلور فكرة مطروحة.
   ان الناخب لا ينتظر من النائب ان يكون موسوعة يفهم في كل شئ، او علامة في كل شؤون الدنيا، حتى هنا في الولايات المتحدة الاميركية، فان اعضاء الكونغرس لا يفهمون بالكثير من الامور، الا انهم يسدون هذا النقص او الفراغ بالمستشارين وعلى مختلف الاصعدة، وهذا بالضبط ما يجب ان يفعله النواب في العراق.
   لا نريد خطباء تحت قبة البرلمان، انما نريد مفكرين يحملون رؤية واضحة ينتجون بها افكارا تفضي الى تشريعات تخدم المواطن والبلاد.
   ان النائب قائد في موقعه، مطلوب منه ان يتخذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح، بعد ان يدلي برايه الصحيح في الوقت الصحيح ولا اعتقد بانه قادر على انجاز هذا العمل الجبار اذا لم يستعن بخبراء ومتخصصين في كل شان من الشؤون التي ينوي النقاش فيها.
   ان على كل نائب ان يتخذ لنفسه خبراء في مختلف القضايا، يعود اليهم كل حسب اختصاصه كلما دعت الضرورة الى ذلك، اما انه يقف في كل مرة وبيده المايكرفون ليتحدث في كل قضية، بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، فان ذلك يقلل من شانه، ويطعن في مصداقيته، فليس العيب في ان يستشير النائب اهل الخبرة والتجربة قبل ان يناقش ويتحدث، انما العيب كل العيب في ان يجازف في كل مرة ليدلي بآرائه في كل القضايا المطروحة بلا علم او سابق معرفة.
   ان بامكان النائب ان يتواصل مع مثل هؤلاء الخبراء بالهاتف والبريد الالكتروني اذا كان الحديث واللقاء المباشر صعب المنال، فلقد ذللت التكنولوجيا الكثير من الصعاب التي كانت تحول دون التواصل المستمر بين الناس.
   كما ان من الضروري بمكان ان يطلع النائب على تجارب الدول المتقدمة التي سبقتنا في بناء انظمتها الديمقراطية، خاصة على صعيد القضايا الادارية والتنظيمية، اذ يمكن اعتبار ما توصل اليه الاخرون في هذا المضمار تجارب ثرية لو اخذنا بها لوفرنا على انفسنا الكثير من الجهد والزمن.
   سادسا: وبهذا الصدد فانا اقترح ان يصار الى طريقة معينة يتم من خلالها اشراك الراي العام بالنقاشات التي تجري تحت قبة البرلمان، من خلال اشراك منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام والخبرات والكفاءات المتنوعة في المجتمع العراقي.
   والطريقة التي اقترحها هي ان يعلن مجلس النواب العراقي مسبقا عن ورقة عمل جلساته الرسمية وما سيناقشه من مواضيع ومشاريع، لتبادر وسائل الاعلام الى تنظيم جلسات حوارية تستضيف فيها اهل الخبرة والاختصاص، واخرى برامج على الهواء مباشرة يتحدث فيها الناس ليدلوا بآرائهم في القضية المطروحة، وانا متاكد من ان النواب سيجدون في مثل هذه البرامج الحوارية الكثير الكثير من الافكار التي تثري نقاشاتهم وتبلور آراءهم وتنضج مقترحاتهم.
   بهذه الطريقة سيقترب مجلس النواب اكثر فاكثر من نبض الشارع العراقي، الذي سيحس بانه مشارك حقيقي وفعلي وليس هامشي في عمل النواب ومجهودهم الفكري الذي يبذلونه من اجل تشريع القوانين.
   واذا لم يسعف الوقت مجلس النواب للاعلان مسبقا عن ورقة عمل بعض جلساته، فلوسائل الاعلام ان تنظم مثل هذه البرامج الحوارية فيما بين جلسات المجلس وقبل التصويت على التشريع ما امكنها الى ذلك سبيلا.
   سابعا: جرى الحديث في الجلسة عن امكانية تاسيس فضائية خاصة لمجلس النواب لبث جلساته للراي العام، وانا هنا لي راي في الموضوع؛
   الف: يجب ان ناخذ بنظر الاعتبار ان الذي يتابع جلسات مجلس النواب بتفاصيلها المملة هم المهتمون بها فقط، فليس كل المواطنين لهم الاهتمام المتساوي بها.
   قد يهتم كل العراقيين بنتائج الجلسات وما يتمخض عنها من قرارات وتشريعات، ولكن ليس كلهم يتابعون تفاصيلها.
   باء: ارى لو يصار الى تاسيس اذاعة تبث على موجة (اف ام)  ليلتقطها اكبر عدد ممكن من المهتمين، لمتابعة جلسات المجلس على الهواء مباشرة، كما هو الحال مثلا هنا في الولايات المتحدة الاميركية، التي يتابع المهتمون تفاصيل جلسات مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب) على الهواء مباشرة بالراديو المتاح للمتلقين اكثر حتى من الشاشة الصغيرة.
   جيم: يجب ان لا يقتصر البث المباشر على الجلسات العامة لمجلس النواب، بل يجب الاهتمام بجلسات اللجان المختصة كذلك، خاصة عندما تستجوب ضيوفها من المسؤولين، فان عمليات الاستجواب هذه تساعد المواطن على معرفة الحقيقة اكثر من اية جلسة اخرى، فهي تكشف عن الخطا والتقصير او القصور ما لا تكشفه الجلسات العامة.
   22 تشرين الثاني 2010
 

2
تحية الى الكاردينال العراقي
نـــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

    لم اسمع لحد الان ان عراقيا القم الاعلام (العربي) الطائفي حجرا فاصابه في ام راسه، كطير ابابيل ارسله الله تعالى الى جيش ابرهة ترميهم بحجارة من سجيل لتجعلهم كعصف ماكول، كغبطة الكاردينال العراقي الاصيل مار عمانوئيل الثالث دلي، وهو يتحدث يوم امس الى قناة الفتنة القطرية (الجزيرة).
   فالكاردينال تحدث اليها، بعد ان وبخها، كعراقي وليس كمسيحي، ولذلك رايناه يتحدث عن العراق كوطن لكل العراقيين، ابعد عنه الشبهات، ونفى عنه الدعايات التضليلية، وهو الذي يقول دائما (لا تسالوني عن المسيحيين، اسالوني عن العراقيين جميعا من دون تفرقة) .
   لقد تحلى الكاردينال بشجاعة نادرة واعتداد بنفس يغبط عليه وهو يوبخ (الجزيرة) على نهجها الطائفي الداعم للارهاب والرامي الى الانتقاص من العراقيين، فيما لم تنبس المذيعة ببنت شفة، فجلست تصغي اليه كتلميذة مؤدبة، لا ادري ان كانت هي كذلك ام لا؟ الا انه علمها الادب، وعلمها كيف تصغي للمتحدث بعيدا عن التهريج الاعلامي والتضليل الدعائي الممقوت والاثارات غير المنطقية التي تعلمتها في دروس الدورات التدريبية التي ينظمها الاعلام الطائفي عادة للصحفيين، فجسلت تصغي اليه بعد ان يئست من امكانية جره الى الحديث بالطريقة التي تريد وليس بالطريقة التي اراد هو، او بعبارة اصح بالطريقة التي ارادها العراق والعراقيون.
   ففي كل مرة تستضيف فيه قناة من هذه القنوات الفضائية مواطن عراقي، مسؤول في الدولة او غير ذلك، يبتلع المتحدث الطعم الذي ترميه له الوسيلة الاعلامية، بعد ان تخلط له السم بالعسل، فتراه ينساق الى حيث تريد القناة، فينتهي به المطاف الى ان يحقق مرامها ومآربها فيتحول الى اداة من ادواتها من حيث يريد او لا يريد، لتقضي به وطرها، الا الكاردينال الذي لم ينجر الى حيث ارادت القناة القطرية، ولذلك لم يبتلع الكاردينال الطعم، ولم يتحول الى اداة بيدها، يتحدث كما تريد من ضيفها ان يتحدث، انما نجح وبذكاء خارق، في تسخيرها ليقول من خلالها الحقيقة العراقية كاملة غير منقوصة.
   اتمنى ان يتعلم بقية العراقيين، خاصة ضعاف النفوس من المتهالكين والمهووسين في الظهور بالاعلام من دون خبرة او ربما هدف، من الكاردينتال دلي ليستغلوا الاعلام (الطائفي) كلما طرق بابهم من اجل ايصال رسالة العراق الجديد الى الراي العام العالمي والاسلامي والعربي، من خلال الحديث بهويتهم العراقية وانتمائهم الوطني، كما فعل الكاردينال المبجل، وليس بهوياتهم الدينية او القومية او المذهبية.
   فالى متى يظل بعض العراقيين حطب نيران الاعلام الطائفي الذي يسعى دائما للانتقاص من العراق الجديد والطعن بشعبه وبتجربته الديمقراطية الوليدة؟.
   الى متى يستدرج هذا الاعلام بعضهم، ليصفوا حساباتهم بعضهم ضد البعض الاخر وعلى الهواء مباشرة؟.
   لقد قدم الكاردينال العراقي خدمة كبيرة جدا لكل العراقيين عندما تحدث للقناة القطرية عن المبادئ الهامة التالية والتي يعيشها اليوم العراق الجديد:
   الاول: التنوع، كمصدر قوة للمجتمع العراقي.
   الثاني: التعايش، كافضل واسلم طريق لتحقيق السلم الاهلي، والنهوض بالعراق الجديد.
   الثالث: حرية العبادة كنتيجة طبيعية للديمقراطية التي يبنيها العراقيون اليوم بعد سقوط الصنم، بعيدا عن سياسات القمع الديني او المذهبي.
   الرابع: العمق التاريخي لهذا التنوع والتعايش، على الرغم من كل الظروف القاسية والصعبة التي مرت بالعراق خاصة خلال السنوات الـ (35) الماضية من عمر النظام الشمولي البائد.
   ان ما اعجبني في حديث الكاردينال للقناة، وعموم احاديثه التي اعقبت جريمة الارهابيين في كنيسة (سيدة النجاة) في العاصمة العراقية بغداد الاحد الفائت، ما يلي:
   اولا: اصراره على ان الشعب المسيحي في العراق هو شعب اصيل وهو جزء لا يتجزا من النسيج الاجتماعي لشعب بلاد الرافدين، ليصيب الارهابيين، الذين يتصورون بانهم شريحة طارئة على العراق، بالياس والقنوط.
   ثانيا: اصراره على ان الشعب المسيحي سوف لم ولن يخلي العراق نزولا عند رغبة الارهابيين، ولقد تذكرت هنا قوله في حديث سابق (انني آخر مسيحي يترك بغداد).
   ثالثا: اصراره كذلك على وحدة العراقيين بمختلف اطيافهم الدينية والقومية، ورفضه الانجرار الى اية حرب هامشية يسعى الارهابيون لفرضها على العراقيين بعد كل عملية ارهابية ينفذونها ضد الابرياء، خاصة تلك التي تستهدف دور العبادة بمختلف اتجاهاتها الدينية.
   انه يقول هذا الكلام على الرغم من عظم المصاب الذي حل بالعراقيين، وخاصة المسيحيين، وعلى الرغم من حرارة النزف الذي سببته الجريمة التي استهدفت (سيدة النجاة).
   استمعوا اليه وهو يتحدث عن الرب والايمان والتعايش والتنوع والحب وعن حرية العقيدة وعن العراق الجديد، ثم استمعوا الى فقهاء الارهاب ووعاظ السلاطين وفقهاء البلاط وهم يتحدثون عن القتل والذبح والتدمير والتكفير والحقد والكراهية والبغضاء والتمييز والتعصب الاعمى.
   ان على العراقيين جميعا ان يفشلوا، بضم الياء، خطط الارهابيين بـ:
   اولا: التمسك بالوحدة الوطنية، وزيادة اللحمة الوطنية حتى لا يتسلل من ثغراتها الارهابيون.
   ثانيا: التمسك بالارض والوطن فلا يتركون البلاد، فمن المخجل حقا ان يجبر، بضم الياء، سكان العراق الاصليين على مغادرة بلدهم الام، ليحل محلهم الارهابيون ممن لفظتهم بلدانهم ليتسللوا الى عراق الانبياء والائمة والرسل والديانات، فيعيثوا فيه فسادا وقتلا وتدميرا.
   ثالثا: في محنة المسيحيين الحالية، فان على كل العراقيين وبمختلف دياناتهم، ان يستعيروا دينهم وقوميتهم فيدافعوا عنهم كما يدافعون عن انفسهم، فالارهاب لا يستهدف المسيحيين، وانما يستهدف العراق، ولذلك ينبغي ان نفهم بان استشهاد اي مواطن مهما كان دينه او قوميته، انما هو استشهاد لكل العراقيين، والدليل على ذلك هو تزامن عمليات الارهابيين في يومي الاحد والاثنين الماضيين، فلو كان الهدف هو المسيحيين، فلماذا استهدف الارهاب المسلمين في اليوم التالي؟ والعكس هو الصحيح.
   ان العراق الجديد هو هدف الارهابيين، لانهم يكرهون الانسان ويبغضون الديمقراطية ولا يحبون الحرية.
   ليفتح العراقيون ابواب بيوتهم للمسيحيين، وليسكنوهم في حدقات عيونهم، ويقاسموهم لقمة العيش الحر الكريم، ليبعثوا برسالة واضحة الى الارهابيين ومن يقف خلفهم مفادها ان بيوت العراق كلها بيوتهم، واذا ضاقت البيوت بهم فمنزلهم العيون، وان دماء المسيحيين دماؤنا وارواحهم ارواحنا واعراضهم اعراضنا وكنائسهم مساجدنا، كما كان يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام دائما {اموالهم كاموالنا ودماؤهم كدمائنا} اولم يقل رسول الانسانية والرحمة نبي الله محمد بن عبد الله (ص) {من آذى ذميا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله}؟ ولطالما شاهد الناس عليا امير المؤمنين عليه السلام يعتم بعمامته الخضراء ويردد على اسماعهم ما قاله مرة في مسجد المدينة {من آذى انجيليا فقد آذاني}؟ او لم يجز عليه السلام ان يموت المسلم كمدا وهو يرى المجرمين والارهابيين يعتدون على النساء غير المسلمات في حكومته؟ كما حصل ذلك عندما غزا سفيان بن عوف الاسدي، وبامر من معاوية بن ابي سفيان، مدينة الانبار فقتل واعتدى ونهب فقال عليه السلام {ولقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المراة المسلمة، والاخرى المعاهدة، فينتزع حجلها....فلو ان امرا مسلما مات بعد هذا اسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا} اولم يفرد عليه السلام جملا خاصة للتوصية باهل الذمة، كما هو الحال في عهده الى محمد بن ابي بكر حين ولاه مصر، اذ بعث اليه يقول {اوصيك بالعدل على اهل الذمة}؟ او لم ينص عليه السلام في عهده الى نصارى نجران بقوله {لا يضاموا ولا يظلموا ولا ينقص حق من حقوقهم}؟ او لم يجعل عليه السلام دية النصراني كدية المسلم؟.
   ابعد كل هذا تجيزون لانفسكم، ايها الارهابيون، قتل غير المسلمين بحجج واهية ما انزل الله تعالى بها من سلطان؟ فمن الذي خولكم لتجعلوا انفسكم اوصياء على الناس ودينهم ومعتقداتهم؟.
   ان العراق لكل العراقيين من دون استثناء، وانه وطن المسلم كما هو وطن المسيحي، وهو وطن الصابئي كما هو وطن الايزدي، وهو وطن العربي كما هو وطن الكردي والتركماني وبقية شرائح المجتمع العراقي، انه وطننا جميع ولن نسمح لاحد ان يزايد على وطنيتنا ابدا، كما اننا لن نسمح لاحد بان يعتدي على اي مواطن عراقي بغض النظر عن دينه او قوميته او محافظته.
   ان اعظم رد على جرائم الارهابيين هو الصمود وعدم الانسحاب او الانهيار، وهذا ما لمسته بكلمات وجمل واحاديث الكاردينال الشهم الذي اعاد الامل الى العراقيين وبعث في نفوسهم روح التحدي والصمود والثبات.
   ان الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية مضاعفة في حماية الاقليات، خاصة المسيحيين، من اجل ان لا يكونوا الحلقة الضعيفة واليد التي تؤلمنا فيؤذينا بها ومنها الارهابيون.
   على الحكومة العراقية ان تضاعف من خططها الامنية لحمايتهم وكل ما يتعلق بهم، وان عليها ان تعيد النظر بالخطط الامنية الحالية من اجل تجديدها وتحديثها لتكون اكثر فاعلية واشد تاثيرا.
   كما اتمنى عليها ان لا تتستر على اية معلومة او نتيجة ستصل اليها اللجنة التحقيقية الخاصة التي شكلتها للكشف عن ملابسات حادثة كنيسة (سيدة النجاة) المروعة، ليعرف العراقيون من هو عدوهم على وجه التحديد؟ والى من ينتمون؟ وكيف وصل الارهابيون الى الكنيسة؟ ومن اين جاؤوا؟ ومن الذي دعمهم؟ ومن الذي خطط لهم؟ ومن الذي حماهم؟ ومن الذي تستر عليهم ومكنهم من الوصول الى المكان؟ ومن الذي روج لهم وسوقهم في الاعلام العربي الطائفي؟.
   ان اي تستر على اية معلومة من هذا النوع، يعد مشاركة في الجريمة، ولا نتمنى لاحد في كل مؤسسات الدولة العراقية ان يتورط بمثل ذلك.
   والا...
   فالى متى يظل الفاعل مجهولا دائما في مثل هذه الجرائم؟ والى متى تسجل الجريمة ضد مجهول؟ لا تقل لي انها (القاعدة) فذلك عنوان عريض بات يتستر خلفه البعض لاخفاء وجوههم الحقيقية، انما نريد ان تضع الحكومة العراقية النقطة على الحرف فتسمي الاشياء باسمائها، اما التعميم فلا ينفع ابدا، ولا نقبله منها بالمطلق.
 
   5 تشرين الثاني 2010

3
المنبر الحر / تحية الى (السيدة)
« في: 19:48 06/09/2010  »
تحية الى (السيدة)
نـــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
   لعلها المرة الاولى التي ينصف فيها الاعلام العربي (الدراما التلفزيونية تحديدا) الشعب العراقي المظلوم، ربما لان كاتب القصة والسيناريو والحوار هذه المرة مواطن عراقي هو الزميل حامد المالكي، الذي قدم للمشاهد العربي خلال شهر الله الفضيل رمضان الكريم، واحدا من افضل الاعمال الدرامية بعنوان (السيدة) والذي عرضته قناة (سوريا دراما) الفضائية.
   فلقد ظل الاعلام العربي، خاصة الطائفي منه والعنصري، يطعن بكل شئ اسمه العراق، خلال السنوات السبع التي اعقبت سقوط الصنم في بغداد، في مسعى منه لتشويه الحقائق وتقديم صور سيئة الى الراي العام العربي تحديدا، فيما ظل هذا الاعلام يتجاهل معاناة العراقيين مع النظام الشمولي البوليسي البائد، وسياساته الرعناء التي اعتمدت القتل والملاحقة والاعتقال والتعذيب والحروب العبثية، والتي اضطرت الكثير من العراقيين الى الهجرة الى خارج بلادهم هربا من بطش الديكتاتورية، والنجاة بجلودهم، من دون ان تستقبلهم حتى الدول العربية التي ترفع شعارات العروبة والاسلام، والتي وقفت الى جانب نظام الطاغية تعتقل من يلجا اليها من العراقيين وتسلم من تطالب به اجهزة النظام القمعية، ليتم نقله بالحقيبة الديبلوماسية الى العراق ليقتل هناك، وقد تتم تصفيته في البلد (المضيف) بكاتم صوت على يد احد ازلام النظام البائد اذا اقتضت ضرورات العجلة والاستعجال والظروف الفنية، كما حصل للكثير من المواطنين العراقيين خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، طبعا باستثناء الشقيقة الجمهورية العربية السورية التي احتضنت العراقيين وامنت لهم حياة كريمة، فامتلأت منطقة السيدة زينب في ريف دمشق بهم، وهي محور احداث الدراما.
   ولقد نجح مسلسل (السيدة) في تسليط الضوء على كل الحقائق التي سعى الاعلام العربي الى اخفائها عن الراي العام، واحيانا قلبها راسا على عقب، منها على سبيل المثال لا الحصر:
   اولا: عظمة المعاناة التي عاشها العراقيون في ظل نظام الطاغية الذليل صدام حسين منذ ان نزت عصابته على السلطة في بغداد بانقلاب عسكري (سرقة مسلحة) في 17 تموز عام 1968.
   ثانيا: السياسات اللاانسانية التي مارستها الديكتاتورية ضد العراقيين الذين حاولوا معارضة النظام ولو بشق كلمة، كالقتل والتغييب في مطامير السجون والملاحقة والاغتيال، لتنتهي بالمقابر الجماعية والانفال والحرب الكيمياوية المحرمة دوليا، كما حصل في مدينة حلبجة الشهيدة.
   ثالثا: اماطة اللثام عن سياسات التمييز الطائفي التي كان يمارسها النظام البائد، ليس مع المواطن العادي فحسب، بل حتى مع اعمدة الحكم، فعندما لا يكون ارفع مسؤول في الدولة، في الاجهزة الامنية عصب النظام الديكتاتوري مثلا، من مذهب (القيادة) على حد وصف المسلسل، او من نفس البلدة، فان صاحبه يتعرض للتمييز الطائفي والمناطقي والطعن والتشكيك في انتمائه الوطني، فما بالك بالمواطن العادي؟.
   رابعا: اعتبار ان ما حدث في التاسع من نيسان عام 2003 هو سقوط للديكتاتورية ولذلك استبشر العراقيون خيرا اذ اعتبروا سقوط الصنم بداية تغيير مرجو يبرق فيه الامل بحياة افضل ومستقبل واعد.
   خامسا: نقد الاعلام العربي (الفضائيات) على لسان حتى العراقيين الذين يعيشون بعيدا عن بلدهم، والذين يتهمونه بالتضليل والانحياز ضد عملية التغيير التي حصلت في العراق، من خلال التغاضي عن كل ما هو ايجابي، وتهويل السلبيات وتصوير العراق وكأنه ساحة حرب مفتوحة بين المواطنين.
   سادسا: اظهار التغيير الكبير الذي حصل في العراق خلال الفترة الممتدة بين 2006 و 2010، ان على الصعيد الامني او المستوى المعيشي او غير ذلك، وهي الفترة الزمنية الاخطر التي مرت على العراق بعد سقوط الصنم، والتي حاولت خلالها جماعات العنف والارهاب الوافدة من الخارج والمتحالفة مع ايتام النظام البائد، تفتيت اللحمة الوطنية واثارة الحرب الطائفية والقتل على الهوية، لولا ان من الله تعالى على عباده في العراق بالحكمة والصبر ليتجاوزوا المرحلة بسلام، بالرغم من عظم الثمن الذي دفعوه بسبب ذلك.
   سابعا: اظهار حرص العراقيين على بناء بلدهم على اسس سليمة، والسعي الحثيث لتصحيح الاخطاء التي حصلت بعد سقوط الصنم، ولذلك فالمواطن العراقي يهدد ابن عمه اذا ما فكر في العمل كـ (مزور) للوثائق وغيرها، رافضا ان يكون تعميم الخطا وانتشاره في المجتمع وفي دوائر الدولة الجديدة باعثا على السكوت عليه او التمادي فيه والاسترسال معه، فالخطا قد يكون خطيئة اذا اضر بالصالح العام.
   ثامنا: توضيح اسباب العلاقة الحسنة بين المواطن العراقي العادي والاميركان من اجل انجاز مصالح الشعب العراقي والدفاع عنها، والتي دفعت بالعراقي المغترب الى ان يتفهم ذلك بلا ريب او تردد.
   تاسعا: الكشف عن ان عناصر العنف والارهاب الذي اجتاح العراق وتورط بدماء العراقيين الابرياء، ودمر البنى التحتية هم اما من العناصر التي تسللت من خارج الحدود لتدمير العراق والعملية السياسية الجديدة، او من العناصر المنحرفة والفاشلة المشبعة بروح الانتقام، التي تتقلب في توجهاتها وانتماءاتها حسب المصلحة الشخصية بعيدا عن روح الشعارات التي ترفعها كالمقاومة والجهاد وما اشبه.
   عاشرا: لقد ارخ العمل لواحدة من اكثر المآسي الانسانية التي مرت على العراقيين وهم يحاولون الهرب من نار الاستبداد والديكتاتورية، الا وهي غرق السفينة التي كانت محملة بمئات العوائل العراقية المظلومة في عباب البحار، ما ادى الى استشهاد كل من كان على ظهرها.
   ولقد ادى الفنان العراقي جواد الشكرجي دور الضحية كانموذج عراقي على احسن وجه.
   وبهذه المناسبة اتمنى ان يتذكر العراقيون هذه الماساة كشاهد على ظلم النظام البائد للعراقيين، بنصب تذكاري مثلا، كما اتمنى على الحكومة العراقية ان تكرم ذوي الضحايا بصورة من الصور. 
   كلمات الشارة التي كتبها للمسلسل الشاعر العراقي ضياء الميالي، هي الاخرى نجحت بامتياز في تصوير الوجع العراقي على احسن وجه، فالكلمات المعبرة والراقية التي استعملها الشاعر عبرت بشكل دقيق عن آلام العراقيين ومعاناتهم وظلم الزمن لهم، في اشارة منه الى ما ظل يقدمه العراقيون من خيرات بلادهم الى بقية الشعوب العربية، التي انكرت عليهم الجميل عندما احتاج العراقيون لمن يقف الى جانبهم في معاناتهم الكبيرة، على الاقل بتفهم ما يجري ووعي الحقائق وليس طمسها وتشويهها والوقوف ضد معاناتهم وتسقط عثراتهم، هذا اذ لم يكن الامر موقفا معاديا يشجع الارهابيين للسفر الى العراق لقتل الناس وتدمير الحياة.
   لقد قدم العمل بدور الحاج نعمة (ابو سعد) نموذجا رائعا لشخصية الانسان العراقي الطيب والناجح والمتزن والمسالم والعاقل والحكيم، بالرغم من ظروف الغربة القاسية والهجرة خارج الوطن، والذي يحب الخير للاخرين بلا تمييز او تعصب، القادر على حل مشاكله ومشاكل الاخرين بعقليته المنفتحة وخبراته المتراكمة واتزانه وهدوئه واستيعابه الصحيح للامور على قاعدة الواقعية الايجابية بعيدا عن المثالية.
   ان العمل مارس نقدا بناءا للكثير من الظواهر السلبية في المجتمع العراقي، الاجتماعية منها والاخلاقية والسياسية، كظاهرة التزوير والرشوة والفساد المالي والاداري والمحسوبية وقاعدة (الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب) وغير ذلك من الظواهر التي اساءت للعملية السياسية الجديدة التي تجري فصولها في البلاد منذ سقوط الصنم ولحد الان.
   ولقد تميز النقد بمقبولية عالية لانه جاء دقيقا غير مهولا او مضخما، ومنصفا وسليما، كما ان العمل مارس هذا النقد بكل ادب وواقعية جمة، ما يشير الى ان العمل الدرامي ادى رسالة الاعلام الحقيقي على احسن وجه، والتي تتمثل برصد الخطا الى جانب تبيان الحقائق، فالاعلام الحقيقي الهادف لا ينظر بعين واحدة، وانما بعينين اثنتين، يثني على ما هو صحيح في الاولى، ويرصد الخطا ويؤشر عليه في الثانية، وبذلك يساهم مثل هذا الاعلام في تنمية الواقع وتصحيح الاخطاء وتحميل المجتمع مسؤوليته التاريخية، حتى لا يقول احد لا ادري او لم اكن اعرف ولو عرف لفعلت.
   نحن لا نريد اعلاما مطبلا، كما اننا لا نريد اعلاما مضللا، فلا الاعلام الناطق باسم الحكومة ينفع في شئ، لانه قد ينظر بعين واحدة، ولا الاخر الذي يتسقط الاخطاء المجهرية ولا يرى المنجزات الضخمة ينفع في شئ كذلك، وحده الاعلام المتزن هو الذي يلعب الدور المحوري في البناء والتنمية والتطوير.
   وانني اذ اغتنم الفرصة هنا لاحيي كل من ساهم في انجاز هذا العمل الدرامي المنصف، اتمنى على العراقيين ان يحيوا معي كاتب السيناريو الذي نجح في تقديم خدمة كبيرة لقضية الشعب العراقي الذي تكالب عليه الجميع لاسقاط تجربته الديمقراطية الفتية، من الذين اغمضوا عيونهم من اجل ان لا يروا شيئا.
   داعيا بهذه المناسبة كل الفضائيات العراقية الى تكريم العمل بالمبادرة الى عرضه على شاشاتها، والمساهمة في تنفيذ اعمال مماثلة، فلماذا غابت الدراما التلفوزيونية عن الشاشة العراقية؟ ولماذا لم تعد الشاشة العراقية الصغيرة تهتم بمثل هذه الاعمال وهي التي لها الاثر الكبير في التصدي للتضليل الاعلامي البغيض الذي يسعى ليل نهار من اجل طمس الحقائق وتشويه الصورة؟.
   كما اتمنى على الحكومة العراقية ان تبادر الى تكريم مؤلف المسلسل لتشجعه وامثاله من الكتاب العراقيين المبدعين لانتاج المزيد من مثل هذه الاعمال الدرامية التي تترك عادة اثرا ملحوظا وملموسا عند الراي العام، فالاعلام كما ارى هو السلطة الاولى، القادر على التصدي للاعداء حتى اكثر من السلاح.
   ولا انسى هنا ان احيي قناة (سوريا دراما) الفضائية التي بثت المسلسل، لتكون بذلك السباقة في انصاف الشعب العراقي المظلوم، بالاضافة الى كل الفنانين السوريين الذين شاركوا في هذا العمل الدرامي فنصروا وانتصروا للعراقيين على احسن وجه، خاصة الفنانة السورية القديرة (العراقية الاصل) السيدة منى واصف.
   اتمنى على الراي العام العربي ان يكون قد اطلع على جوانب ولو قليلة من الحقائق الناصعة التي عرضها العمل الدرامي فيما تخص الشعب العراقي، من اجل ان يغير وجهة نظره تجاه ما يجري في العراق، ومن اجل ان يعرف كيف كان يعيش العراقيون في ظل النظام الشمولي الديكتاتوري البوليسي البائد، فلا يظلوا ينظرون الى الطاغية الذليل كبطل قومي، وهو الذي لم يدخل معركة الا وانهزم فيها، ولم يزج العراقيين في حرب من اجل حدود او مياه او بئر نفط الا وخسر الارض والعرض والبئر وكل شئ، وليفهموا بان السياسات المتهورة للطاغية الذليل وامراضه وعقده النفسية هي التي سببت باحتلال العراق وتدمير بناه التحتية، وليست جهوده التي بذلها من اجل تحرير فلسطين ابدا، بل على العكس فانه هو الذي اوجد مصدرا ضخما للرزق الى اسرائيل، فهو النظام العربي الوحيد الذي ظل يدفع الملايين لها كتعويضات عن اضرار لم تصب بها لا في حرب ولا في سلم، الا اللهم في قصة الصواريخ المخادعة التي رماها الطاغية عليها والتي لم تصب الا رمال الصحراء.
   اخيرا، فلقد كشف المسلسل عن براعة الممثلين العراقيين الذين اضاعهم الزمن الصعب وللاسف الشديد، متمنيا على الدولة العراقية ومؤسساتها المعنية ان تهتم اكثر فاكثر بهذه الشريحة الفنية المهمة في كل مجتمع، فهم كالشموع التي تحرق نفسها لتضيئ الدرب للاخرين، فلد اظهر المسلسل، مثلا، الفنان العراقي المبدع جواد الشكرجي وهو يبذل كل ما بوسعه لتصوير معاناة العراقيين من اعماق قلبه، بحرقة اعصاب قل مثيلها.
   فاذا تساءلنا، لماذا يبدع العراقي خارج وطنه؟ وهو في بلده لا ينتج شيئا؟ او ينتج القليل النادر؟ اوليس لان المؤسسة الفنية احتضنته خارج بلاده وامهلته داخل وطنه؟ لذلك فان على الدولة العراقية ان تفكر بشكل جدي بكل طريقة لتعيد الاعتبار الى الفنانين المبدعين من اجل انجاز افضل وابداع اكثر وفرص احسن.
   5 ايلول 2010

5
نـــــــــزار حيدر لــ (العراقية) من واشنطن:
الديمقراطية عملية تراكمية
   عزا نــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، سبب الموقف السلبي للدول العربية من التجربة الديمقراطية في العراق الى توجس الانظمة الحاكمة خيفة منها على اعتبار ان الديمقراطية تقف على النقيض من الديكتاتورية والنظام الشمولي والبوليسي، وهو حال هذه الانظمة التي وصلت الى السلطة اما عن طريق التوارث او بالانقلابات العسكرية، ما يعني انها لا تمتلك الشرعية الحقيقية التي تستمد قوتها من الشعب عبر صندوق الاقتراع في اطار مبدا التداول السلمي للسلطة.
   واضاف نــــزار حيدر الذي كان يتحدث يوم امس في العاصمة الاميركية واشنطن للزميل عبد الكريم حمادي معد ومقدم برنامج (برلمان السلطة الرابعة) على الفضائية (العراقية):
   لقد سعت هذه الانظمة، ولا تزال، الى اجهاض العملية السياسية الجديدة في العراق وبكل السبل والوسائل، للحيلولة دون نجاح العراقيين في بناء تجربتهم الجديدة مع الديمقراطية، والتي ستتحول الى نموذج يحتذى في المنطقة، وعند الشعوب العربية المقهورة تحديدا، وها هم اليوم يشككون بالعملية الانتخابية الاخيرة وكانهم مصدر الديمقراطية ونموذجها الذي تقاس عليه بقية التجارب في المنطقة والعالم، ناسين او متناسين ان شعوبهم لم تقف ولا مرة واحدة امام صندوق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة كالتي جرت وتجري في العراق الجديد.
   ان العملية الانتخابية في العراق هي الاولى من نوعها التي لا يجريها النظام الحاكم واجهزته البوليسية والقمعية، وهي الوحيدة التي لا تشرف عليها اجهزة الامن والشرطة والبوليس السري التابع للنظام القمعي، بل ان الذي اشرف عليها واجراها واعلن نتائجها هي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهي مؤسسة دستورية لا تتبع الحكومة او الاحزاب الحاكمة، وانما تستمد شرعيتها من ممثلي الشعب العراقي (مجلس النواب) الذي اسسها بتشريع دستوري وقانوني، ولذلك راينا كيف ان النتائج جاءت بخلاف ما توقعه كثيرون، لدرجة ان الكثير من المراقبين اعتبروا ان الفائز فيها هي المعارضة وليست الحكومة، بمعنى من المعاني، ما يعني ان نتائجها لم تكن معروفة سلفا كما هو الحال بالنسبة الى الانتخابات الاستعراضية التي تجري بين الفترة والاخرى في بعض الدول العربية والتي تكون نتائجها محسومة سلفا لصالح الحزب الحاكم والزعيم الضرورة وبنسبة (99.99%).
   كما راينا كيف انها اطاحت برؤوس كبيرة كثيرة واستخلفت اخرى، ما يدلل على انها كانت تتمتع بنزاهة وشفافية عالية، من دون ان يعني ذلك عدم وجود بعض الخروقات او المشاكل التي صاحبت العملية الانتخابية، وهو الامر الذي دفع بعدد من الكتل المتنافسة الى الطعن فيها حسب الاصول والسياقات القانونية.
   عن موقف الاعلام العربي من تجربة الديمقراطية في العراق قال نـــــزار حيدر:
   لا زال هذا الاعلام، وللاسف الشديد، يتعامل بعدوانية مع هذه التجربة وان مرد ذلك يعود الى انه اعلام مسيس يتخذ عادة جانب المواقف الرسمية للانظمة الداعمة والممولة له، والا ماذا يعني انه يتهجم ليل نهار على التجربة السياسية الجديدة في العراق، والتي تبقى، في كل الاحوال، انها تجربة ديمقراطية، فيما يغض النظر عن الديكتاتوريات الحاكمة في بلدان العالم العربي؟ الديكتاتوريات التي سحقت كرامة الانسان وصادرت حقوق المواطن فميزت بين الاسرة الحاكمة او اسرة الحاكم، لا فرق، وبين الاخرين على اسس جاهلية ما انزل الله تعالى بها من سلطان، ما خلق كل هذه الطبقية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها؟.
   كم اتمنى ان ينشغل هذا الاعلام بما هو اهم بكثير من هجومه على التجربة الديمقراطية في العراق، فينشغل مثلا بمعالجة قضايا النظام الشمولي وخطره على الشعوب، وقضايا حقوق الانسان وكذلك قضايا التنمية والامية والجهل والفقر والتمييز ومشاكل الفساد المالي والاداري وتضييع المال العام على التوافه من الامور والتسليح غير المبرر وغير ذلك من القضايا التي تعاني منها الشعوب العربية.
   اتمنى عليه ان ينصرف لمناقشة القضايا المصيرية والتحديات الكبرى التي تواجه شعوبه والتي تقف على راسها التاهيل للعيش بكرامة في ظل العولمة ونظام القرية الصغيرة.
   اتمنى عليه ان ينصرف لتعليم الشعوب كيف تنعتق من ربقة الانظمة الشمولية لتبني مجدها في هذا العالم في ظل انظمة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان ولا تسحق كرامته ولا تصادر رايه ولا تقمع صوته، ثم بعد ذلك يدع العراق للعراقيين فهم ادرى بحالهم ويعرفون كيف يتصرفون وماذا عليهم ان يفعلوا لتجاوز المرحلة الصعبة والمعقدة التي يمرون بها اليوم؟ فلقد مر العراقيون باخطر من هذه المرحلة وتجاوزوها بطريقة او باخرى، فلماذا يصب هذا الاعلام الزيت على النار في العراق؟ ولماذا لا يوفر زيته ليصبه في قنديل شعوبه لينير لها الدرب لمساعدتها على النهوض من تحت ركام الانظمة البوليسية التي لا زالت تحكمه منذ عقود طويلة من الزمن ومن دون افق منظور للخلاص من هذه الحالة المزرية؟.
   الى متى يبقى الابناء يتوارثون سلطة الاباء وكأن البلاد ملك اسرهم وليس للاخرين اي حق فيها وفي خيراتها؟ او كأن الله تعالى لم يخلق غيرهم يفهم بالامور ويعي الاوضاع؟.
   عن سلسلة التفجيرات الارهابية الاخيرة التي شهدتها العاصمة بغداد وعدد من المحافظات الاخرى، قال نـــــزار حيدر:
   اولا؛ اتمنى ان لا يكون لتوقيت تنفيذ هذه الاعمال الارهابية اية صلة بالتهديدات والتحذيرات التي اطلقها قبيل التفجيرات عدد من قادة القائمة (العراقية) والتي قالوا فيها ان عدم تشكيلهم للحكومة الجديدة سيدفع بالعراق الى المربع الاول فيعود العنف الطائفي والقتل والارهاب من جديد، خاصة وان هذه التفجيرات وقعت في مناطق ذات الاغلبية الشيعية.
   ان الذين ربطوا بين عدم تشكيل (العراقية) للحكومة الجديدة وبين عودة العنف الطائفي يوحون للمستمع وكانهم يلوحون بعصا الارهاب لفرض انفسهم على العراقيين، بعد الايحاء للراي العام وكأن ابعادهم عن تشكيل الحكومة هو بمثابة اقصاء لهم عن العملية السياسية، في الوقت الذي يفترض فيه انهم يعرفون جيدا بان الدستور العراقي يمنح الكتلة النيابية الاكثر عددا حق تشكيل الحكومة وليس الكتلة النيابية التي بين اعضائها لون معين من الوان المجتمع العراقي، كما ان الدستور اشترط ضمان تحقيق نسبة (50 + 1) من عدد النواب الكلي لحصول الحكومة على ثقة البرلمان، ما يعني امكانية ان يظل ما نسبته (50 – 1) من اعضاء البرلمان خارج تشكيلة الحكومة، فهل يعني ذلك انهم اقصوا من العملية السياسية؟ ام ماذا؟ وهل ان الذي يجلس تحت قبة البرلمان خارج العملية السياسية؟ ام ان الحكومة هي وحدها التي تمثل العملية السياسية؟ اوليس مجلس النواب جزء مهم جدا ولا يتجزا من مؤسسات الدولة العراقية؟ وانه على راس الهرم التشريعي في العملية السياسية؟ فلماذا يعتبرون ان كل من لا يشترك في تشكيلة الحكومة الجديدة بمثابة الاقصاء له؟ ولذلك فانا شخصيا اعتبرت اطلاق مثل هذه التهديدات والتحذيرات بمثابة التحريض على العنف بشكل من الاشكال، خاصة وان هناك من يتربص بالعملية السياسية لتخريبها، وعلى راسهم تنظيم القاعدة الارهابي وايتام النظام البائد الذين يسعون بكل الطرق للعودة الى السلطة لاعادة العراق الى سابق عهده يحكمه الحزب الواحد والزعيم الاوحد، والغاء التعددية ومبدا التداول السلمي للسلطة، والذي ضمنه الدستور العراقي الذي صوت عليه العراقيون بدماء نحورهم  قبل حناء اصابعهم باللون البنفسجي.
   عن الذين يستعجلون ثمار الديمقراطية في العراق الجديد، قال نــــــزار حيدر:
   يجب ان نتذكر دائما بان الديمقراطية عملية تراكمية، ولذلك فهي بحاجة الى الوقت اللازم لتستقر على ارض الواقع، خاصة في بلد كالعراق الذي خرج للتو من تحت انقاض وركام النظام الشمولي الديكتاتوري فيما لازالت تحيطه انظمة شمولية تتربص به الدوائر، وهي بهذا الشئ تختلف عن الديكتاتورية التي يؤسس لها البيان رقم واحد الذي يتلوه اللصوص المسلحون (الانقلابيون) حال سيطرتهم بدباباتهم على القصر الجمهوري ايذانا باستحواذهم على السلطة.
   ان ما انجزه العراقيون لحد الان لهو امر مدهش، اذ نجحوا لحد الان في طي عدة صفحات من هذه العملية التراكمية التي راكمت الخبرة والتجربة، ليس عند الناخب فحسب وانما كذلك عند المسؤول الذي تعلم ان من اصول وقواعد الديمقراطية هو استعداده الدائم لترك موقعه حال شعوره بان الناخب لم يعد يرغب برؤيته في هذا الموقع او ذاك، ليعود، بعد سني الخدمة في موقع ما، الى منزله كمواطن صالح تاركا السلطة للاخرين الذين منحهم الناخب ثقته عبر صندوق الاقتراع ليتسنم بها موقعه الجديد، وهكذا.
   عن تقييمه للاعلام العراقي، قال نــــزار حيدر:
   لاشك ان المهمة صعبة وان التحديات كبيرة، الا انني اعتقد بان هذا الاعلام لم ينجح لحد الان الا في مخاطبة الراي العام المحلي، العراقي فقط، وهو لم يحاول على الاقل ان يجرب في مخاطبة الراي العام العربي والاسلامي، وان كانت المهمة صعبة لان الراي العام الاخير مشبع سلفا بمواقف غير صحيحة شوهت عنده الرؤية واصابته بالعشو الليلي، ازاء ما يجري في العراق الجديد ، وذلك بسبب عمليات غسيل الدماغ التي مارسها معه، ولايزال، الاعلام الطائفي والعنصري.

   7 نيسان 2010

6
حكومة؟ ام دولة قوية؟
نـــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   على اعتاب ولادة الحكومة العراقية الجديدة، اثر الانتخابات البرلمانية الاخيرة، يكثر الجدل بين العراقيين عن امانيهم في رؤية حكومة قوية في بغداد، قادرة على قيادة البلاد الى بر الامان من خلال النجاح في مواجهة التحديات الصعبة التي تنتظرها.
   فهل ان العراق بحاجة الى حكومة قوية لتجاوز المرحلة الصعبة، ام انه بحاجة الى دولة قوية؟ وما هو الفرق بين الاثنين؟.
   برايي فان العراق بحاجة الى دولة قوية، وان الحكومة هي جزء من هذه الدولة، فلو تمكنا، نحن العراقيين، من بناء دولة قوية، فسنتمكن بشكل طبيعي من بناء حكومة قوية، ولكن العكس ليس صحيحا ابدا، فالحكومة القوية لوحدها لا تنتج دولة قوية، بل ربما تنتج دولة ضعيفة، لان طغيان قوة الحكومة يحولها الى غول يبتلع الدولة ومؤسساتها كما هو الحال بالنسبة الى جل الدول العربية التي تحكمها (حكومات) قوية، او اسر قوية، هضمت الدولة واستوعبت مكوناتها بشكل سئ، او كما كان الحال بالنسبة للعراق ابان العهد البائد وربما ما قبله، عندما طغت الحكومة على الدولة فانهارت الدولة وبقيت الحكومة حتى حين.
   وهذا ما يفسر سبب انهيار الدولة العراقية بكل مؤسساتها لحظة سقوط الصنم في بغداد في التاسع من نيسان عام 2003 لان الدولة كانت قد تلخصت بالطاغية المتجبر، بعد ان اختزل الاخير الحكومة بشخصه وبعض من اسرته.
   ان السبب في ذلك يعود الى ان الحكومة اذا ارادت ان تكون قوية تجدها تتوسل بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من اجل تحقيق قوتها، وهذا الامر ياتي عادة على حساب الدولة ولذلك تتضخم الحكومة وتضمحل الدولة لتنهار شيئا فشيئا، كلما قويت الحكومة.
   فلماذا، اذن، نفكر ببناء الحكومة القوية ولا نهتم ببناء الدولة القوية؟.
   اعتقد ان اهم اسباب ذلك هو طريقة تفكيرنا، التي تقودنا دائما الى اعتبار ان الحكومة هي كل شئ، او لاننا ورثنا في عقولنا وثقافتنا نظاما سياسيا قائما على احادية التفكير يعتمد السلطة وان كانت ادواتها البطش والقسوة، ولذلك ترانا الى الان نردد منطق ان الحال لا يتحسن الا بحاكم قوي، او ترانا نستذكر تاريخ القسوة والبطش، في مسعى لتمثيلهما على ارض الواقع من خلال السعي لتقمص شخصية الحاكم الجبار والوالي الذي يبطش برعيته.
   تاسيسا على هذا كله، اعتقد بان علينا اولا ان نغير من طريقة تفكيرنا وفهمنا للدولة فنؤمن بانها ليست الحكومة فحسب، وان الحكومة القوية لا تاتي ابتداءا وانما هي نتيجة للدولة القوية، كيف؟.
   يقول العلماء ان اركان الدولة، اية دولة، ثلاثة، هي البشر والارض والسلطة، ولذلك فان الدولة القوية هي تلك التي تكون فيها اركانها الثلاثة قوية، كيف؟.
   بالنسبة الى الركن الاول، فان شعب اية دولة يكون قويا بتماسكه ووحدته، من جانب، وبالعلم والمعرفة والصحة والوعي والجد والمثابرة والانتاج، من جانب آخر.
   فالشعب الممزق على اساس اثني مثلا او ديني او مذهبي او حتى سياسي او فكري وثقافي، لا يمكن ان يساهم وضعه في بناء دولة قوية، لانه فاقد الشئ الذي لا يمكنه ان يعطيه.
   كما ان الشعب الجاهل والمريض والكسول والمستهلك لا يمكن ان يكون قويا ابدا، فلو قرانا واقع الدول القوية في عالم اليوم، وكذلك عبر التاريخ القديم والحديث، لوجدنا انها تتميز بشعوب قوية بالعلم والمعرفة والصحة، وهي شعوب متماسكة ومتحدة، كما انها شعوب منتجة.
   كذلك، فان الشعب الذي لا يجد فرصته في العمل والتعليم والصحة والسكن والحياة الرغيدة، الحرة والكريمة، لا ننتظر منه ان يبني دولة قوية ابدا، ولذلك يجب ان توفر الدولة الفرص لكل المواطنين بلا تمييز، كما هو الحال مثلا في الولايات المتحدة الاميركية التي يطلق عليها مصطلح (بلد الفرص) لان الدستور ضمن مبدا تكافؤ الفرص لكل المواطنين بلا تمييز لا على اساس عرقي ولا على اساس ديني او اثني او حتى حزبي او سياسي او فكري.
   اسالكم بربكم، هل رايتم او سمعتم او قراتم في التاريخ عن دولة قوية بشعب ممزق؟ او دولة قوية بشعب جاهل يستهلك ما ينتجه الاخرون؟ ولذلك فان الرسول الكريم (ص) عندما فكر في بناء دولته القوية في المدينة المنورة بادر اولا الى حل كل الخصومات التي كانت بين القبائل التي ستتشكل منها هذه الدولة، كما انه (ص) آخى بين المهاجرين والانصار ليقطع الطريق على اية خصومة محتملة تهدد قوة الدولة الجديدة.
   ثم شرع (ص) التعليم وطلب العلم فقال {طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة} و {اطلبوا العلم ولو بالصين} و {اطلبوا العلم من المهد الى اللحد} لان الزعيم الذي يفكر في بناء دولة قوية يباهي بها الامم، لا يمكنه تحقيق ذلك بشعب جاهل احمق لا يعرف القراءة والكتابة، تنخر به النزاعات وتمزقه الحروب الداخلية.
   ثم شرع (ص) نظام الصحة العامة فقال {العقل السليم في الجسم السليم} و {تنظفوا فان الاسلام نظيف} و {ان الله جميل ويحب الجمال} مستوحيا ذلك من قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم {كلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
   فالرسول الكريم لم يشرع في بناء الدولة القوية قبل ان يشرع في بناء الشعب القوي، لانه اذا تمكن من بناء مثل هذا الشعب فانه سينجح بشكل طبيعي في بناء دولته القوية لانها ستكون تحصيل حاصل لمثل هذا الشعب.
   بشان الركن الثاني، فالحمد لله تعالى فلقد انعم رب العزة على العراقيين بارض وفيرة بكل الخيرات التي يحتاجها شعب لبناء دولة قوية، كما انها ارض بحدود برية وبحرية قل نظيرها بالاضافة الى النهرين العظيمين اللذين حبا الله تعالى بهما العراق، ولا اريد هنا ان استرسل في الحديث عن هذا الركن لاننا جميعا نعرف ما عندنا وما الذي انعمه الله تعالى علينا، وبكلمة مختصرة اقول بان الركن الثاني متوفر بلا منازع، بالرغم من ان العراقيين خسروا اكثر من (10%) من ارضهم لصالح كل دول الجوار تقريبا بسبب الحروب العبثية التي كان يخوض غمارها النظام البائد بلا نتيجة ايجابية تذكر.
   هذا بشان الشعب والارض، اما بشان الدولة كمؤسسة، فهي حاصل جمع اربع سلطات لا تنفك عن بعضها، وهي:
   اولا: السلطة التشريعية، مجلس النواب في الحالة العراقية.
   ثانيا: السلطة التنفيذية، مجلس الوزراء في هذه الحالة.
   ثالثا: السلطة القضائية، مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا وعدد آخر من المؤسسات التي نص عليها الدستور العراقي.
   رابعا: منظمات المجتمع المدني والتي تقف على راسها الاعلام كسلطة رابعة كما يطلق عليها في العالم الحر.
   فمن اجل ان تكون عندنا حكومة قوية ينبغي ان تكون كل السلطات الاربع قوية، فاذا كان البرلمان مثلا عاجزا عن اداء دوره التشريعي فمن الذي سيسن القوانين لتنفذها الحكومة؟ واذا كان البرلمان مشلولا لا يقدر على اداء دوره الرقابي فمن الذي سيصحح مسارات السلطة التنفيذية؟ واذا كان القضاء مسيسا فمن الذي سينصف المواطن وياخذ حقه من الحكومة تحديدا؟ كما ان القضاء الضعيف العاجز عن اداء دوره بحيادية ومهنية عالية لا يقدر على حماية الدستور كما انه لا يقدر على فض النزاعات بين مؤسسات الدولة الاخرى، خاصة السلطتين التشريعية والتنفيذية، وسيفشل في تفسير نصوص الدستور المختلف عليها بشكل حيادي ومهني.
   الى جانب كل هذه المؤسسات، يشخص دور منظمات المجتمع المدني القادرة على ممارسة دور الرقابة والمساءلة والمحاسبة بشكل اوسع، ليس للحكومة فقط وانما لكل مؤسسات الدولة سواء المركزية، الحكومة في بغداد، او المحلية، مجالس المحافظات والمحافظين وغيرهم.
   كما ان منظمات المجتمع المدني، اذا كانت حقيقية وقوية وتتمتع بنفوذ شعبي كبير، قادرة على ان تؤدي الكثير من المهام الاساسية التي تعجز الحكومة عن تحمل مسؤولياتها، ان على صعيد الفكر والثقافة او على صعيد الرياضة والاقتصاد والبيئة وغير ذلك من القضايا المهمة جدا والتي تلعب دورا في اعادة بناء البلد على اسس سليمة.
   ويشخص الاعلام من بين كل منظمات المجتمع المدني كسلطة كبيرة وواسعة في العالم الحر لما له من دور مفصلي في تشكل الدولة القوية، ولذلك بات من المسلمات الاكيدة القول باستحالة بناء دولة قوية بلا اعلام حر او بلا حرية تعبير عن الراي، ففي البلد الذي تكمم فيه الحكومة افواه المثقفين والمبدعين والشعراء والادباء والمؤلفين، وتلاحق الصحفي وتقمع الكاتب وتغلق وسائل الاعلام لابسط الذرائع والحجج، ان في مثل هذا البلد لا يمكن ان نتصور قيام دولة قوية، بل ان فيها حكومة متسلطة وليست قوية ابدا، انها تشبه الى حد بعيد حكومة (صدام حسين) القوية، والتي لم تكن في حقيقتها قوية وانما كانت (حكومة) بطش وقمع ومصادرة للحريات وتحديدا لحرية الراي، ولقد اكتشف العالم مدى هشاشة تكوينها الداخلي عندما انهارت امام (الغزو) الاميركي لدرجة ان العراقيين اطلقوا عليها صفة (نمر من ورق) تندرا.
   هنا اود القول وبالفم المليان، ان الديمقراطية بلا حرية تعبير اكذوبة كبرى، لان حرية التعبير والديمقراطية امران متلازمان لا يمكن الفصل بينهما ابدا، وان كل الحجج والاعذار التي تسوقها عادة الانظمة الشمولية لمصادرة حرية التعبير في البلد، اي بلد، انما هي محاولات مستميتة من قبل الحاكم الجائر لتبرير ظلمه وعدم شرعية سلطته التي قامت، والحال هذه، اما بالوراثة او بالسرقة المسلحة (الانقلاب العسكري) او بالقمع والقتل والاغتيال.
   لقد تسمى الكثير من حكام البلاد العربية، واستصحابا للتاريخ الاسود لمن سبقوهم في السلطة، باسماء وعناوين والقاب مرتبطة بالخالق المتعال ومقدساته، في محاولة منهم لاضفاء هالة القداسة والقدسية على سلطانهم المغتصب من شعوبهم، ما يبررون به قمع حرية التعبير، على اعتبار ان ظل الله في الارض لا يحاسب او يراقب او ينتقد، بضم الياء، فهذا خادم الحرمين الشريفين وولي الامر، وذاك امير المؤمنين والاخر المجاهد الاكبر والرابع العبد المؤمن وهكذا، ما يذكرنا بالقاب الطغاة الامويين والعباسيين، كالمستنصر بالله والمعتمد على الله والواثق بالله والقائم بامر الله ومن لف لفهم.
   انها محاولات لتقديس الذات من اجل تركيع الشعوب على اقدام الحاكم، وهم في حقيقة امرهم حكام ظالمون منحرفون غاصبون للسلطة رغما عن انف الشعوب وارادة الامة، يجب اسقاطهم عن عروشهم لانهم لم يصلوا اليها لا بارادة شعبية ولا بتفويض من الناس عبر آليات الديمقراطية والشورى والتي تقف على راسها صندوق الاقتراع ولا هم يحزنون.
   في العراق اذن، يجب ان نحافظ على حرية الاعلام وتحديدا حرية التعبير، لتساهم منظمات المجتمع المدني في بناء الدولة العراقية القوية، الى جانب بقية مؤسساتها الاخرى.
   اتمنى على مجلس النواب الجديد ان يبادر فور التئام جمعه الى سن قانون حماية الصحفيين كبادرة حسن نية من قبل الكتل السياسية لدعم وتاييد حرية الاعلام، حتى لا يعتدي احد على الصحفيين ولا يهان كاتب ولا تغلق وسيلة اعلامية، ولا يخشى صحفي على مستقبل عائلته وهو يقاتل على خط النار الامامي.
   لشد ما استغرب اهتمام السياسيين في العراق بتكشيل حكومة يقولون انها ستكون قوية، فيما لم يبذلوا اي جهد يذكر لتاسيس برلمان قوي، او منظمات مجتمع مدني قوية؟ فهل يعتقدون ان الحكومة القوية تكفي لبناء الدولة القوية؟.
   اكثر من هذا، فهم بدلا من ان يبذلوا جهودا متساوية في بناء كل مؤسسات الدولة مجتمعة، اذا بهم يسعون الى تسخير بقية مؤسسات الدولة لصالح اجنداتهم الحزبية والانتخابية واحيانا الشخصية الضيقة، ما يدلل على عدم جديتهم في بناء الدولة العراقية القوية.
   بعضهم يسعى لان يكون البرلمان آلة طيعة في خدمة الحكومة، وآخر يسعى من اجل تسخير منظمات المجتمع المدني، الاعلام تحديدا، لخدمته بغض النظر عما يقوله ويفعله وينجزه، وثالث يحاول التاثير على القضاء العراقي ليفسر مواد الدستور كما يحلو له خدمة لما يصبو اليه.
   وبعودة سريعة الى تصريحات الكتل السياسية قبل وبعد الانتخابات، فسنلحظ ان هناك تناقضا واضحا ينم عن انعدام الرؤية لدى هذه الكتل، لانها لا تنظر الا الى السلطة وكيف يمكنها ان تقبض عليها؟ اما مشروع الدولة فلازال بعيد كل البعد عن مشروعهم الانتخابي والسياسي.
   فمثلا، تحدثت كل الكتل قبل الانتخابات في برنامجها الانتخابي عن سعيها لتشكيل حكومة قوية بلا محاصصة وبلا شراكة على الطريقة القديمة، فسمتها كل الكتل بحكومة الاغلبية، وما ان ظهرت نتائج الانتخابات التي اكدت عدم فوز احد فوزا ساحقا يضمن له الحصول على الاغلبية البرلمانية التي تؤهله لتشكيل الحكومة المقبلة، اذا بهم جميعا يتحدثون عن حكومة شراكة وتوافق وما الى ذلك.
   ان لمثل هذه الخطابات معنى واحدا لا غير الا وهو انعدام الرؤية عند هؤلاء ما يدفعهم الى التخبط في الاراء والمواقف والمشاريع والافكار.
   طبعا هم لا يقدرون على الحديث عن المحاصصة بشكل واضح وعلني ولذلك تراهم يتلاعبون بالالفاظ فيقدمون ويؤخرون بالمصطلحات وكان الناخب (اهبل) لا يفهم ما يقولون، وان طريقتهم هذه تذكرني بطريقة فتاوى (فقهاء الوهابية التكفيريين) الذين يلفون ويدورون في فتاواهم بشان (الزواج المؤقت) فتراهم يطلقون عليه تسميات عدة، ويبقى الجوهر واحد هو ما يسميه الفقه الشيعي بـزواج المتعة، لانهم لا يريدون ان يستعيروا التسمية خوفا من اتهامهم بالانتماء الى الرافضة.
   تصور ان احدهم ادعى قبل الانتخابات بانه سوف يعتذر للشعب العراقي اذا لم تحصل كتلته في البرلمان القادم على عدد المقاعد الذي يؤهله لتشكيل حكومة الاغلبية، اذا به نراه اليوم متهالكا للوصول الى سدة الحكومة من خلال السعي لتجميع الاصوات المطلوبة واحدا فواحد.
   تاسيسا على كل ذلك، اعتقد ان العراق الذي يحتاج الى حكومة قوية تعتمد الاستحقاق الانتخابي الاخير، يحتاج في نفس الوقت الى برلمان قوي قادر على ممارسة دوره في الرقابة، وهو امر لا يمكن ان نتصوره اذا اشتركت كل الكتل البرلمانية الجديدة في تشكيل الحكومة القادمة، لاننا سنشهد برلمانا خال من المعارضة او على الاقل بلا رقابة على اداء الحكومة، ولذلك اعتقد ان من اللازم بمكان ان تبقى احدى الكتل البرلمانية الثلاثة الاولى خارج الحكومة لتمارس دور الرقابة، ما يقوي البرلمان والحكومة معا.
   هذه المرة لا نريد من البرلمان ان يكون كسابقه يدير اعماله على طريقة (شيخ العشيرة) انما نريده قاس على الحكومة فيقف لها بالمرصاد ليسقطها اذا اخطات او سرقت او تباطأت او فشلت، ويسندها اذا حاولت، ليكون اقرب في ادائه الى الناخب من الحكومة، من اجل ان يكون البرلمان اسما على مسمى، اعضاؤه نوابا عن الشعب وليس عن الحكومة.
   بهذا الصدد اريد الحديث ببعض الصراحة، تعليقا على تصريح رئيس كتلة (العراقية) الذي قال فيه ان عدم مشاركة كتلته في تشكيلة الحكومة الجديدة سيعيد البلاد الى الصراعات الطائفية من جديد، معللا ذلك بغياب النواب السنة في كتلتي (الوطني) و (دولة القانون) وهو بلا شك كلام طائفي بامتياز، وذلك بالادلة التالية:
   اولا: ان الدستور العراقي لم يتحدث عن او يحدد هوية النواب في الكتلة النيابية الاكثر عددا والتي يحق لها دستوريا تشكيل الحكومة.
   هذا يعني، بحسب التصريح المذكور، لو ان كتلة برلمانية (سنية) كانت في يوم من الايام هي الكتلة الاكثر عددا تحت قبة البرلمان فسوف لن يحق لها تشكيل الحكومة لانها تفتقر الى نواب شيعة، وهكذا.
   ترى، هل يعقل مثل هذا الكلام؟ وهل انه يستند الى الدستور او القانون او حتى الى العقل؟.
   ثانيا: الا ينبغي على الجميع احترام خيارات الناخب العراقي؟ اوليس هو الذي رسم معالم الكتل الفائزة في الانتخابات الاخيرة؟ وهو الذي حدد هوياتها؟ فلماذا نطعن بهذه الخيارات؟ ولماذا نميز بين الكتل على اساس مذهبي او اثني؟ فاذا كان خيار الناخب مذهبيا او اثنيا او دينيا فلماذا ننكر عليه ذلك من خلال الطعن بهذه الخيارات؟.
   لقد اختار الناخب العراقي بهذه الطريقة التي افرزت كتلا بهذه الالوان التي يعرفها الجميع، من دون ان يعني ذلك ان علينا ان نسترسل مع العناوين المذهبية وغيرها الى ما لا نهاية، فالدستور، كما اسلفت، لم يتحدث عن لون الكتلة او هويتها، عندما تحدث عن الحق الدستوري في تشكيل الحكومة، وانما نطق فقط بالاغلبية العددية، وهذا ما يجب ان نلتزم به عند السعي لتشكيل الحكومة الجديدة.
   اتمنى على الجميع ان لا يتورطوا فيورطوا العراق والناخب بالحديث الطائفي والعنصري وما اشبه، وان على كل الفرقاء ان يتحدثوا بصفتهم كتلا برلمانية فقط بغض النظر عن مكوناتها وهوية نوابها.
   على كل الفرقاء ان يتعاملوا في اطار العملية السياسية ككتل برلمانية وليسوا ككتل مذهبية او اثنية او دينية، من اجل ان ينتقلوا بطريقة تفكيرهم من الاطر الضيقة، الدينية والمذهبية والاثنية والحزبية، الى الاطر السياسية تحت قبة البرلمان، لنتجاوز المحاصصات سيئة الصيت، التي جرت على العراق الكثير من الويلات منذ سقوط الصنم ولحد الان، ولقد وعدتنا الكتل قبل الانتخابات بانها ستتجاوز اطر المحاصصة في تشكيل الحكومة وفي كل شئ، فهل سيفي عرقوب بوعده؟.
 
 2 نيسان 2010
 
   
   
   
   
       

7
نــــــــــزار حيدر لفضائيتي (بي بي سي) و(الفيحاء):

الحكومة الجديدة ستساعد المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته واحترام النتائج واجب اخلاقي ووطني يفرضه الثقة بالناخب

   قال نــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، ان الاسراع في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة سيساعد الادارة الاميركية على الوفاء بالتزاماتها تجاه العراق، وتحديدا ما يخص جدول الانسحاب العسكري الذي يتشوق الرئيس الاميركي الى تنفيذه في اوقاته المحددة بسبب الصعوبات المعقدة التي تواجهها ادارته، ان على الصعيد الداخلي او الخارجي.
   واضاف نـــــزار حيدر الذي كان يتحدث من واشنطن على الهواء مباشرة لبرنامج (العالم هذا المساء) على قناة (بي بي سي) الفضائية:
   لم تهتم الادارة الاميركية بالاستقرار الامني في العراق كما تهتم به اليوم لانها تتمنى ان ترى في بغداد حكومة جديدة في اسرع وقت لمساعدتها على الوفاء بالتزاماتها، والتي تقف على راسها الانسحاب العسكري والبدء بتنفيذ بنود الاتفاق الاستراتيجي الذي وقعته واشنطن مع بغداد، ولعل من هذا الباب ياتي الحديث عن (تدخل) اميركي في المشاورات الجارية بين مختلف الفرقاء السياسيين الذين فازوا في الانتخابات النيابية الاخيرة، والذي يتمثل بالمشورة وتقريب وجهات النظر بينهم ما يساعدهم على الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة.
   بشان العمليات الارهابية التي شهدتها مؤخرا عدة مناطق في العراق، قال نــــزار حيدر:
   لم يعد هناك احد يشكك في هوية الارهابيين الذين يقفون وراء مثل هذه الاعمال الاجرامية، بعد ان بات واضحا انها لا تستهدف الا المواطنين العراقيين حصرا، ما يعني ان هذه الاعمال الارهابية تستهدف فقط افشال العملية السياسية واعادة الوضع الى المربع الاول من خلال الضغط باتجاه اثارة الرعب والتدمير، وبالتالي للايحاء بان العملية السياسية، والانتخابية تحديدا، لا تساعد على استقرار الامور في العراق الجديد.
   انه جهد الفاشلين الذين يتصورون بان العراقيين سيفكرون بالعودة الى الماضي الاسود الذي حكم بلادهم بالحديد والنار وبمنهجية العقلية العنصرية والطائفية التي اعتمدت سياسة الحروب العبثية ضد العراقيين وضد الجيران والمجتمع الدولي، اذا ما زعزعوا الامن بهذه الطريقة، وما دروا بان ذلك يدفعهم الى التماسك الوطني والتمسك بالعملية السياسية وادواتها الجديدة اكثر فاكثر، والدليل على ذلك هو المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات الاخيرة بالرغم من كل التحديات الامنية والاعلام الطائفي المضلل، بتشديد اللام الاولى وكسرها.
   الى ذلك، قال نــــزار حيدر، ان احترام نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة واجب اخلاقي ووطني يفرضه الثقة بالناخب، وان الحديث عن تدخلات خارجية في خياراته الاخيرة، يهدف الى الطعن بالعملية الانتخابية برمتها، فلقد اثبت الناخب العراقي انه على دراية ووعي كاف اهله لان يختار ما يعتقد انه الاصلح للجلوس تحت قبة البرلمان، للتشريع والرقابة، والدليل على ذلك ان هناك اسماء (رنانة) سقطت في هذه الانتخابات فيما فازت اسماء (مجهولة) وهي اشارة الى ان الناخب على علم حقيقي بالمرشحين الذين عاقب بعضهم واهل، بتشديد الهاء وفتحها، البعض الاخر.
   واضاف نــــــــزار حيدر الذي كان يتحدث في واشنطن في اطار دائرة مستديرة نظمتها الزميلة هيفاء الحسيني لبرنامج (قضية وراي) لقناة (الفيحاء) الفضائية؛
   ان شرعية كل مرشح فاز في هذه الانتخابات مستمدة من الناخب العراقي حصرا، ولذلك ينبغي ان ننظر الى شرعية كل واحد من النواب الجدد بعين واحدة، لان شرعية الناخبين واحدة ضمنها الدستور العراقي وقانون الانتخابات بلا تمييز لا على اساس ديني او اثني او مذهبي او حتى سياسي وفكري او مناطقي، ولذلك فان الطعن بشرعية نائب يعني الطعن بشرعية كل النواب، وهذا امر خطا ينبغي ان لا يتورط فيه العراقيون خاصة السياسيين الذين يسعون لتصفية حسابات بعضهم مع البعض الاخر، لان ذلك يضعف من مصداقية العملية الانتخابية ويقلل من شان النواب، وتاليا يضعف من دور الناخب الذي منح النواب ثقته عبر صندوق الاقتراع، وكل تلك امور تتمناها القوى التي تقف بالضد من ارادة العراقيين وتسعى لتخريب العملية السياسية والنظام الديمقراطي الذي يبذل العراقيون جهدا استثنائيا لبنائه بعد عقود القهر والعذاب التي عاشوها في ظل نظام احادي شمولي بوليسي سامهم اشد انواع العذاب.
   واضاف نــــزار حيدر:
   ان تكرار العملية الانتخابية سيراكم الخبرة والثقافة الانتخابية عند الناخب والمرشح على حد سواء، والتي بدورها ستعلم المسؤول كيف ينزل عن عرشه اذا لم يجدد له الناخب الثقة التي تؤهله للاستمرار في موقعه كمسؤول، وعندها ستكرر صور التداول السلمي للسلطة من دون ان يفكر احد بالتمسك بمنصبه بكل الطرق، كما نراه اليوم في الولايات المتحدة عندما يترك رئيس اكبر واعظم دولة في العالم مكتبه في البيت الابيض ويعود الى مزرعته مثلا او الى صفه استاذا في الجامعة او الى مكتبه محاميا مثلا، بمجرد ان تنتهي ولايته الدستورية، من دون تهديد بالقوة او اغراء بالمال، او ما اشبه، على عكس زعماء العالم الثالث، والعربي تحديدا، الذين شعارهم عادة (القصر او القبر) لانهم لم يتعلموا، لا هم ولا شعوبهم، مبدا التداول السلمي للسلطة، ولذلك فانهم لا يتركون السلطة الا بانقلاب عسكري مماثل للذي جاء بهم الى السلطة، او بالموت ليورثها الى التالي كما ورثها هو ممن كان قبله، او بالتآمر والقتل والفتك، كما جرى للعديد منهم. 
   عن التهديد باللجوء الى العنف، لاثبات فوز هذا الطرف او ذاك، قال نــــزار حيدر:
   ان من الغريب حقا ان نسمع مثل هذه النغمة بين الفينة والاخرى، كلما تعرض فريق الى خسارة او سعت مؤسسات الدولة الى تطبيق الدستور والقانون عليه، حدث هذا عندما مارست هيئة الاجتثاث واجباتها الدستورية والقانونية بحق عدد من المشمولين، فلقد رايناهم كيف يتحدثون عبر الفضائيات مهددين باشعال النار في العراق اذا ما تم اجتثاثهم، وكأنهم يوحون الى العراقيين بانهم سيوظفون علاقاتهم مع الارهابيين للضغط باتجاه الغاء مثل هذه الاجراءات بحقهم، ثم نعود لنسمع ذات اللغة من اطراف لم اتوقع شخصيا ان اسمع منهم مثل ذلك لانهم ممن ساهم بدمائه وجهده الاستثنائي في بناء النظام السياسي الجديد، فما علاقة العنف والتهديد به مع نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة؟ وكيف يمكن الجمع بين هذه اللغة وبين الشعار الذي يرفعه اليوم كل الفرقاء السياسيين والرامي الى بناء دولة المؤسسات والقانون؟.
   وكان نـــــزار حيدر قد اعتبر ان المفاوضات الجارية حاليا بين الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات الاخيرة، امر لابد منه للتوصل الى صيغ توافقية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، بعد ان لم تفرز هذه الانتخابات منتصرا واحدا بارزا قادرا على تشكيل الحكومة بمفرده، وانما افرزت عدة منتصرين، ينبغي عليهم ان يتوافقوا ويتحالفوا من اجل التوصل الى صيغ مقبولة لتشكيل الحكومة.
   واضاف نــــزار حيدر الذي كان يتحدث لمراسل اذاعة طهران باللغة العربية الزميل احمد علي:
   هناك اتجاه لدى اغلب هذه الكتل يقضي باشراك كل الفائزين بالحكومة الجديدة، فيما اعتقد ان مثل هذا الاتجاه سيضعف اداء الحكومة لانها ستكون بلا رقيب تحت قبة البرلمان، كما انه سيضعف الاداء الرقابي لمجلس النواب الجديد، ولذلك اعتقد ان من المهم جدا ان تظل على الاقل واحدة من الكتل النيابية الكبيرة والقوية خارج تشكيلة الحكومة لنضمن اداءا رقابيا قويا للبرلمان القادم.
   ان الحكومة، اية حكومة، بلا رقابة برلمانية قوية، لا يمكن ان تكون قوية، لان مبدا الرقابة هو الذي يحثها دائما على تحسين الاداء والالتزام بالبرنامج الحكومي الذي ستطرحه على مجلس النواب لنيل ثقته على اساسه، اما اذا شاركت كل الكتل البرلمانية في تشكيلة الحكومة فسيتحول البرلمان الى مؤسسة تابعة الى الحكومة على طريقة (لصاحبه) وهذا ما يساهم في شل الدور الرقابي للبرلمان، وبالتالي ينفي وجوده بالاساس، كما حصل خلال السنوات الاربع الماضية، باستثناء الاشهر الاخيرة من عمر البرلمان المنقضية ولايته، عندما اختلفت مكونات الكتلة الحاكمة فبدانا نشهد الاستجوابات المتكررة للوزراء، وان كانت من دون نتيجة بسبب المحاصصات والتوافقات والصفقات السياسية التي طالما انقذت رقاب مسؤولين من ان تطالهم المقصلة، واقصد السياسية.
   ولذلك تحرص الدول التي تحكمها انظمة ديمقراطية على ان تؤسس لمعارضة برلمانية قوية بالتزامن مع الجهود التي تبذلها لتاسيس حكومة قوية.
   من جانب آخر قال نــــزار حيدر، لقد سبقت الكويت الكثير من دول المنطقة والعالم العربي في التجربة الديمقراطية.
   واضاف نــــزار حيدر الذي كان يجيب على اسئلة موقع جريدة (اوان الكويتية) الالكتروني في زاوية (قضية للنقاش):
   لولا الاتجاه السلفي المتعصب والمتطرف الذي سعى في السنوات التي سبقت الانتخابات البرلمانية الاخيرة الى تعكير صفو التجربة، لكانت الان متقدمة اكثر مما هي عليه الان.
   واضاف نـــــزار حيدر:
   الملفت للنظر في هذه التجربة هو ان مجلس الامة يضع، وفي احلك الظروف واعقدها، مصالح البلاد والعباد فوق المصالح الذاتية والحزبية والفئوية الضيقة.
ولقد جاءت التجربة العراقية في الديمقراطية لتتكامل مع التجربة الكويتية.
وكلي امل في ان تكون التجربتان اشعاع امل لشعوب المنطقة والعالم العربي لتحذوا حذوهما من خلال عملية تغيير جذرية تقتلع الانظمة الشمولية البوليسية التي تحكم هذه البلدان بالاجهزة القمعية السرية، هذه الانظمة التي سحقت كرامة الانسان وغيبت وعيه وكممت افواهه، وتحولت الى مفاقس كبيرة لجماعات العنف والارهاب والتطرف التي تتغذى على فتاوى التكفير والكراهية والغاء الاخر.
 
   30 آذار 2010

8
تقرير خبري عن زيارة وفد الجالية الى ولاية ميشيغن


مركز الاعلام العراقي في واشنطن
15 تشرين الاول 2008

   في الفترة الممتدة من (4 ــ 8) تشرين الاول الحالي، زار وفد يمثل الجالية العراقية في واشنطن، ولاية ميشيغن للقاء الجالية العراقية في الولاية والمشاركة في التظاهرة السلمية التي نظمتها القوى السياسية والحقوقية العراقية دعما لحقوق الاقليات في العراق، بالاضافة الى المشاركة في الندوة السياسية والحقوقية التي عقدتها لهذا الغرض الجمعية العراقية لحقوق الانسان في الولايات المتحدة الاميركية، وقد ضم الوفد كلا من الاستاذ محمد جابر الجبوري ممثل تحالف القبائل العراقية في الخارج، ونـــــزار حيدر مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن.

في ضيافة الجمعية

   استضافت الجمعية العراقية لحقوق الانسان في الولايات المتحدة الاميركية، اعضاء الوفد، الذي عقد عدة اجتماعات مع الهيئة الادارية، والتي حضرها الاساتذة حميد مراد رئيس الجمعية ومؤيد المظفر مسؤول الاعلام وعقيل القفطان نائب رئيس الجمعية.
   وقد ناقش الوفد مع الجمعية سبل تفعيل التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني في داخل العراق وخارجه، من اجل تطوير عملها وتحقيق التكامل في الاداء، بما يخدم العراق وشعبه.
   كما بحث الجانبان سبل تفعيل اداء منظمات المجتمع المدني على مستوى المساهمة في الكشف عن الفساد المالي والاداري الذي ابتليت به مؤسسات الدولة منذ سقوط الصنم، الى جانب قضية الدفاع عن العراقيين في الخارج ممن يتعرضون للظلم والتعسف كما يجري حاليا للعراقيين المعتقلين في المملكة العربية السعودية.
تظاهرة عراقية دفاعا عن حقوق الاقليات

   شارك الوفد في التظاهرة العراقية التي دعت اليها عدد من الفعاليات السياسية والحقوقية في الولاية، دعما لحقوق الاقليات في العراق، واستنكارا لسقوط المادة (50) من قانون انتخابات مجالس المحافظات، والتي حددت مقاعد الاقليات (الكوتة) في مجالس عدد من المحافظات التي تتمركز فيها الاقليات، والتي منها العاصمة بغداد واربيل وكركوك البصرة والموصل.
   نـــــزار حيدر، القى كلمة في التظاهرة، عبر فيها عن شجبه واستنكاره لتغافل مجلس النواب العراقي عن حقوق الاقليات وبهذه الطريقة المجحفة، داعيا العراقيين الى الدفاع عن حقوق الاقليات كدفاعهم عن حقوقهم، لنبني بذلك عراقا جديدا بكل معنى الكلمة ليس فيه مظلوم وخال من التمييز بكل اشكاله، قائلا:
   ان الديمقراطية لا تعني حكم الاغلبية بقدر ما تعني ضمان حقوق الاقلية، وان المساواة ليست شعارا او لافتة، وانما في واقع ملموس على الارض يجب ان يتحسسه المواطن العراقي في كل حركة وسكنته، ليطمئن على حقوقه، واضاف:
   كيف سنقضي على التمييز الطائفي والاثني في العراق اذا كان كل فريق في مجلس النواب يدافع عن حقوق شريحته الاجتماعية، من دون الاهتمام بحقوق بقية الشرائح الاجتماعية؟ واذا كان مجلس النواب ينتهك الدستور الذي ضمن حقوق الاقليات باسقاطه المادة (50) وهو حامي حمى الدستور، فكيف سنطمئن على مستقبلنا ومستقبل الديمقراطية في العراق؟.
   اما الاستاذ محمد الجبوري فقد اكد في كلمته التي القاها في التظاهرة، على ان من يسعى لاقصاء الاقليات عن العملية السياسية وتهميشهم والتجاوز على حقوقهم، انما هو الاقلية الصغيرة، اما الشعب العراقي الذي لم يعرف التمييز، والذي ظل يتعايش من دون تمييز، لا يهمش بعضه البعض الاخر، وان العراقيين سيدافعون عن حقوق الاقليات قبل دفاعهم عن انفسهم، قائلا:
   ان مشاركتنا اليوم في هذه التظاهرة، هو من اجل ان نؤكد على وحدة العراق وتآلف مختلف شرائحه الاجتماعية بغض النظر عن الانتماء الديني والمذهبي والقومي، فالعراق لكل العراقيين، وان خيراته لهم جميعا، وان كل المواطنين العراقيين يجب ان يتمتعوا بحقوقهم، من الاغلبية كان ام من الاقلية، فالعراق الجديد ليس فيه ظالم ومظلوم ابدا.

لفضائية (العراقية)

   على هامش التظاهرة التقت فضائية (العراقية) نـــزار حيدر متحدثا لها عن توقعاته بشان المادة (50) قائلا:
   بعد ان سمعنا من جل زعماء وقادة الكتل البرلمانية والسياسية في بغداد، مواقفهم الرافضة لما جرى تحت قبة البرلمان عندما سقطت المادة المشار اليها، فان من الطبيعي بمكان ان يبادر مجلس النواب الى اعادة المادة الى موقعها الطبيعي سواء بنصها الحالي او مع بعض التغييرات، اذ لا يجوز التغافل عن مثل هذا الخطا القاتل ابدا.
   اما الاستاذ محمد الجبوري فقد صرح لـ (العراقية) بشان ما ينبغي ان يكون عليه دور العشائر العراقية، بالقول:
   ان دور العشائر العراقية يجب ان يكون داعما لجهود الحكومة العراقية ومجلس النواب، في اعادة بناء هيكلة الدولة العراقية التي خربها النظام البائد، كما ان عليها ان تتعاون فيما بينها ومع الحكومة للقضاء على كل بؤر الارهاب.   

مع اذاعة العراق الحر

   للاطلاع على راي الوفد بالتظاهرة العراقية التي انطلقت في الولاية دفاعا عن حقوق الاقليات، اتصلت اذاعة العراق الحر من براغ، باعضاء الوفد واجرت معهما حوارا بهذا الشان.
   نـــــزار حيدر اجاب على سؤال مراسل الاذاعة عن دوافع مشاركته في التظاهرة، قائلا:
   نحن هنا للتعبير عن وحدة العراق وشعبه الابي الذي لا يقبل القسمة ابدا، فبمشاركتنا بالتظاهرة عبرنا عن تلاحم العراقيين، معتبرين بان الظلم الذي يتعرض له اي مواطن عراقي هو ظلم على كل الشعب العراقي، ولذلك فانا اليوم اعتبر نفسي من الاقلية حتى يرتفع الظلم عنها وذلك باعادة المادة (50) الى موقعها الطبيعي في قانون الانتخابات.
   الاستاذ محمد الجبوري قال في معرض رده على سؤال مراسل الاذاعة:
   ربما يشير تمرير مجلس النواب لقانون الانتخابات بهذه الطريقة، والتي سقطت بها المادة (50) الى ان المجلس لا زال مرتبكا في عمله، وقد يعود السبب في ذلك الى العناصر التي لا تزال تخطط وتتآمر على العراق الجديد من خلال عرقلة التشريعات او دفعها بالاتجاه الذي يشوه عمل مجلس النواب.

زيارة سيادة المطران ابراهيم ابراهيم

   التقى الوفد وبرفقة وفد الجمعية العراقية لحقوق الانسان في الولايات المتحدة الاميركية، والذي تالف من السادة حميد مراد رئيس الجمعية وعقيل القفطان نائب رئيس الجمعية، بسيادة المطران ابراهيم ابراهيم جزيل الاحترام راعي الابرشية الكلدانية في ديترويت.
   وقد اعرب الوفد لسيادة المطران عن تعاطفه مع الاقليات العراقية التي تشعر اليوم بالغبن والظلم جراء سقوط المادة (50) من قانون الانتخابات، مشددا على وحدة الشعب العراقي الذي يجب ان يتمتع بحقوقه الدستورية والقانونية كاملة غير منقوصة، من دون اي شكل من اشكال التمييز، لنطمئن على سير العملية السياسية الجديدة في الاتجاه الصحيح.
   سيادة المطران ابراهيم اشار من جانبه الى القيم الانسانية النبيلة والسامية التي تدعو لها الاديان السماوية، وكل ذلك من اجل تحقيق العدل والمساواة بين بني البشر، والتي لا يمكن ان تتحقق اذا كان في المجتمع ظالم ومظلوم، مستذكرا حالة التعايش التي ظل العرالقيون يعيشونها على مدى تاريخهم، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أوغيرها.

في ضيافة ابناء العشائر الغيارى

   باستقبال حافل، وكرم ضيافة معهود، استقبل ابناء العشائر الغيارى، الوفد في امسيات عراقية مفتوحة، تم فيها مناقشة تطور الاوضاع في العراق الجديد.
   فقد تحدث الاستاذ الجبوري في جلسة عشائرية اخوية، عن دور العشائر في العراق وضرورة ان يتصدى ابناءها للواجب الوطني الذي عرف عنهم على مر تاريخ العراق الحديث، مشددا على اهمية التعاون بين ابناء العشائر في بلاد المهجر، بما يخدم العراق الجديد والعملية السياسية الجارية اليوم في البلاد.
   نـــــزار حيدر من جانبه، دعا العشائر الى الاهتمام بحث ابناءها خاصة ممن ولدوا وتربوا وترعرعوا في الولايات المتحدة الاميركية، للمشاركة في تحمل مسؤولية مساعدة العراق الجديد على النهوض بعد سنوات القهر والظلم في ظل النظام الشمولي البائد، قائلا:
   ان ابناءنا يتمتعون بميزة القدرة على التاثير في المجتمع الاميركي وفي مراكز القرار للتعريف بحقائق العراق الاجتماعية والتاريخية، ما يساهم في وعي الاخر بحقائق المجتمع العراقي، وتاليا في المساهمة في ايجاد الحلول للكثير من المشاكل التي يعاني منها العراق اليوم بسبب جهل الاميركان او عدم معرفتهم بحقائق الامور، لاسباب عديدة منها اعتمادهم على (مستشارين عراقيين) غير امناء، ساهموا بدرجة كبيرة في تضليلهم ما دفعهم لارتكاب اخطاء كبيرة في العراق، منذ سقوط الصنم ولحد الان.
   كما التقى الوفد وزار عدد كبير من وجوه الجالية العراقية في الولاية، من علماء دين اعلام واساتذة جامعات ومفكرين ومثقفين واعلاميين ورجال اعمال وغيرهم، بحثوا معهم سبل الارتقاء بمستوى اداء الجالية العراقية في الولايات المتحدة الاميركية بما يخدم العراق الجديد، ان على الصعيد الثقافي او العلمي او السياسي او الاقتصادي او غير ذلك.

في ستوديو فضائية (أم بي أن)

   استضافت الاعلامية العراقية القديرة (سها قاسم) الوفد في ستوديو قناة (أم بي أن) الفضائية في برنامج (لقاء خاص).
   وقد دار الحديث عن قضايا عديدة تخص الشان العراقي.
   الاستاذ الجبوري تحدث في معرض حديثه عن دور العشائر العراقية في التصدي لزمر العنف والارهاب، قائلا:
   لقد كانت العشائر العراقية السباقة في التعاون مع الحكومة العراقية للتصدي للارهاب، ان من خلال الصحوات ومجالس الاسناد او من خلال الانخراط في صفوف قوى الامن، والجيش العراقي، ولقد دفعت العشائر ثمنا باهضا في هذا المضمار لشعورها الوطني واحساسها بالواجب الملقى على عاتقها.
   اما نـــزار حيدر، فقد حدد الخطوط العريضة لاية اتفاقية امنية بين واشنطن وبغداد، حسب بما حددها العراقيون على لسان المرجعية الدينية وزعماء الاحزاب وقادة الكتل البرلمانية، وذلك بما يلي:
   اولا: ان تحقق السيادة الكاملة والناجزة للعراق.
   ثانيا: ان يوافق عليها الشعب العراقي من خلال المصادقة عليها في البرلمان (مجلس النواب) باعتبارة الممثل الشرعي والحقيقي للشعب.
   ثالثا: ان لا تكون سببا لازمة جديدة، داخلية او اقليمية او حتى دولية.
   رابعا: ان يتحدد فيها الجدول الزمني لانسحاب آخر جندي اميركي من العراق.
   عن الازمات المتكررة بين اقليم كردستان وبغداد، وفيما اذا كان يعتقد بان الكرد تمددوا اكثر من حقهم على المركز، قال نـــزار حيدر:
   في العراق الجديد، يجب ان تكون القاعدة الحاكمة هي قول رسول الله (ص) {لا ضرر ولا ضرار} وهو ما يعني ان ياخذ كل عراقي حقه الدستوري والقانوني من دون التجاوز على حقوق الاخرين، لاننا لا نريد ان نرى في العراق الجديد معادلة الظالم والمظلوم مرة اخرى، فانها لا تساعد على استقرار العراق ابدا.
   واضاف:
   ان الكرد في العراق جزء لا يتجزا من الشعب العراقي وان من حقهم ان يتمتعوا بكامل حقوقهم التي ضمنها لهم الدستور، واذا كانت هناك اية مشاكل ادارية او مالية او جغرافية بين اقليم كردستان والمركز، فان الدستور ضمن حلها، وهذا ما يتطلب العودة الى قبة البرلمان لحل اية اشكالية من هذا القبيل.

البرلمان العراقي وحقوق الاقليات

   تحت هذا الشعار، عقدت الجمعية العراقية لحقوق الانسان في الولايات المتحدة الاميركية، ندوة سياسية وحقوقية، دامت زهاء ثلاث ساعات.
   حضر الندوة التي ادارها الاستاذ مؤيد المظفر مسؤول الاعلام في الجمعية، عدد غفير من النخب العراقية، من مختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم.
   في البدء تحدث الاستاذ الجبوري عن موقع الاقليات في العراق على مر التاريخ، معتبرا انها جزء اصيل واساسي من المجتمع العراقي، مذكرا بجيش العلماء والمثقفين والمفكرين والاعلاميين والكتاب والشخصيات السياسية التي تنتمي الى الاقليات، والتي كان لها دور كبير وبارز ومشهود في الحياة العراقية، وعلى مدى تاريخ العراق الممتد في عمق الزمن والتاريخ.
   نـــزار حيدر، تحدث من جانبه عن الدور الوطني الذي يجب ان يضطلع به البرلمان العراقي بما يخفف من غلواء الطائفية والعنصرية، من خلال الدفاء عن حقوق المواطن العراقي بغض النظر عن دينه او مذهبه او قوميته او مناطقيته او اتجاهاته السياسية والفكرية والثقافية، اما اذا دافعت كل شريحة نيابية عن حقوق شريحتها الاجتماعية فقط، فان ذلك سيكرس التقسيم الديني والطائفي والاثني، وبالتالي سيثير قلق الاقليات بدرجة كبيرة، وهذا ما حصل عندما سقطت المادة (50) من قانون الانتخابات.
   ودعا نـــزار حيدر الى اعادة المادة المشار اليها الى القانون فورا، ليطمئن العراقيون الى ان عراقا جديدا بكل معنى الكلمة قيد البناء والانجاز، يتمتع فيه المواطنون بالمساواة من دون تمييز، وان لكل منهم حقوقا متساوية كفلها الدستور، ويجب ان تضمنها التشريعات والقوانين التي تصدر عن مجلس النواب العراقي، الذي يعد حامي حمى الدستور، فكيف به اذا كان هو من يتجاوز على الدستور، كما حصل مؤخرا باسقاطه للمادة (50)؟.

في ضيافة الحركة الديمقراطية الاشورية

   استضافت الحركة الديمقراطية الاشورية الوفد، وجرى الحديث في جلسة عراقية مطولة حضرها عن الحركة الاساتذة علاء منصور مسؤول فرع اميركا وكندا للحركة، وانترانيك عقراوي وعوديشو بنيامين من محلية ميشيغن للحركة، كما حضرها وفد الجمعية العراقية لحقوق الانسان، ممثلا بالاساتذة حميد مراد وعقيل القفطان ومؤيد المظفر والسيدة سميرة كوري، بالاضافة الى عدد من الشخصيات العراقية، جرى الحديث عن حقوق الاقليات وكيفية النهوض بمستوى العملية الديمقراطية من اجل ان لا يتكرر مثل الذي حصل في البرلمان مؤخرا فيظلم عراقي ويعتدى على حقوق شريحة اجتماعية معينة.
   كما تطرق المجتمعون الى الظروف القاسية التي يمر بها المسيحيون وغيرهم في مدينة الموصل، على يد مجموعات العنف والارهاب المتحالفة مع ايتام النظام البائد، والتي تضمر الشر للعراق وللعراقيين، داعين الحكومة العراقية الى اتخاذ الاجراءات اللازمة الفورية من اجل وقف العدوان عليهم.

اذاعة العراق الجديد (اذاعة كربلاء)

   للاطلاع على زيارة الوفد الى ولاية ميشيغن، التقت اذاعة (العراق الجديد) نـــزار حيدر، الذي تحدث لها وللمستمعين الكرام عن جولة الوفد في الولاية.
   وفي معرض جوابه على سؤال معد البرنامج الحواري الاسبوعي الاستاذ شريف الشامي، بشان تداعيات اغتيال الشهيد الدكتور صالح العكيلي، عضو مجلس النواب العراقي عن الكتلة الصدرية، عزا نــــزار حيدر الشعب العراقي وابناء التيار الصدري على وجه الخصوص، بهذا المصاب الجلل، داعيا العراقيين الى الحيطة والحذر من الاعلام الطائفي المسموم الذي يحاول ان يستغل مثل هذه المصائب التي تحل بالشعب العراقي لصب الزيت على النار، في محاولة منه للتصيد بالماء العكر، قائلا:
   احذر العراقيين، وخاصة الصدريين، من ان يكونوا ضحية هذا الاعلام المسموم، وان مثل هذا المصاب يجب ان يكون سببا اضافيا لرص الصفوف وتوحيد المواقف من اجل مواجهة التحديات الكبيرة التي نواجهها اليوم مجتمعين.

شكر وعرفان

   اخيرا، يود الوفد ان يتقدم بخالص الشكر والتقدير والعرفان لكل ابناء الجالية العراقية في ولاية ميشيغن، خاصة الاخوة في الجمعية العراقية لحقوق الانسان في الولايات المتحدة الاميركية، ونخص بالذكر الاستاذ حميد مراد رئيس الجمعية والاستاذ مؤيد المظفر مسؤول الاعلام في الجمعية، على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، متضرعين الى العلي الاعلى ان يسدد الجميع وياخذ بايدي كل العاملين من اجل العراق الجديد، وان يساعد العراقيين ويمكنهم من بناء بلدهم على اسس الحرية والعدالة والمساواة، وان ينزل عليهم شآبيب رحمته ويرحمهم بالامن والسلام والاستقرار، انه سميع مجيب.

المرفقات

   الصور المرفقة حسب التسلسل:
   1ـ مع رئيس وعدد من اعضاء الهيئة الادارية للجمعية.
   2ـ في التظاهرة العراقية.
   3ـ مع سيادة المطران ابراهيم.
   4ـ في الندوة السياسية والحقوقية.
   5ـ مع وفد الحركة الديمقراطية الاشورية.
   

   


9
نـــــزار حيدر لبرنامج (في صلب الموضوع):
اعادة المادة (50) الى قانون الانتخابات اولا

وفد من الجالية العراقية في العاصمة واشنطن، يغادر الى ولاية ميشيغان

للمشاركة في التظاهرة التي ينظمها العراقيون للدفاع عن حقوق الاقليات


NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   حصر نــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، حل المشكلة التي اثارها تصويت مجلس النواب العراقي على قانون انتخاب مجالس المحافظات، بعد اسقاط المادة (50) المتعلقة بحصة الاقليات، في ان تعاد الى مكانها الطبيعي فورا، والا فان تمرير القانون بهذا الشكل سيثير الكثير جدا من المخاوف على الحقوق الدستورية، ليس عند الاقليات التي ظلمها القانون، فحسب، وانما عند كل العراقيين، لان الاعتداء على حق لمواطن، يجرئ المشرعين على العدوان على حقوق الاخرين، على حد قوله.
   واضاف نــــزار حيدر الذي كان يتحدث الى الدكتور عادل عوض معد برنامج (في صلب الموضوع) في راديو سوا، والتي كرست حلقته هذا الاسبوع للحديث عن قانون الانتخابات الاخير؛
   اخشى ان المادة لم تسقط سهوا وانما عمدا في اطار قانون التوافقات السياسية سيئ الصيت بين الكتل السياسية، فاذا صح ذلك فسيكون الامر قد طعن بمصداقية المجلس، واثار الكثير من الشكوك بقدرته على ان يكون منجازا الى المواطن العراقي بعيدا عن الاصطفافات الاثنية والمذهبية والحزبية الضيقة.
   عن رايه بشان سبب سقوط المادة، سهوا او عمدا، قال نــــزار حيدر؛
   لقد اثبت ذلك ان الاصطفافات الضيقة هي التي تتحكم في اتجاهات المجلس ونوابه وليس الاصطفاف الوطني، ولذلك نرى انه عندما تكون مادة من المواد القانونية المراد تشريعها تخص شريحة معينة ترى اعضاءها الممثلون في المجلس يضعونها تحت المجهر ويسلطون عليها الانوار لقراءتها بشكل دقيق حتى لا يمر شئ فيها يعتقدون بانه لا يلبي حقوقهم، اما اذا كانت المادة لا تخصهم فلربما لا يقراونها فيمرون عليها مرور الكرام، ولان هذه المادة لا تهم الكتل البرلمانية الكبيرة، لذلك لم يحسوا بها عندما سقطت، لانهم لا يشعرون بها في الاساس، فوجودها من عدمه سيان عندهم، وهذا مؤشر خطير على اتجاهات البرلمان العراقي الذي ننتظر منه ان يبني لنا عراقا جديدا قائم على اسس المساواة واعطاء كل ذي حق حقه.
   العراقيون ينتظرون من البرلمان ان يكون لسان حالهم جميعا ومن دون استثناء او تمييز، ولا يريدونه مجلسا طائفيا او عرقيا او دينيا، وهم ينتظرون من كل عضو فيه ان ينتبه الى حقوق الجميع بعين المساواة، فلا يغفل عن حق وينتبه الى آخر، ولذلك يجب ان يكون هدف المجلس هو احقاق حقوق الجميع من دون تجاوز على حق اي احد كائنا من كان، من الاغلبية كان ام من الاقلية، من الشمال ام من الجنوب، من الشرق ام من الغرب، امراة كانت ام رجلا، صغيرا كان ام كبيرا، يمينيا كان ام يساريا، متدينا كان ام خلاف ذلك، لان البرلمان هو المؤسسة التي شغلها الشاغل تشريع القوانين التي تخدم المواطن، كمواطن، والا فماذا يبقى للبرلمان اذا تجاوز على حق من حقوق اي مواطن؟ بل وماذا يبقى من الديموقراطية اذا حصل ذلك؟.
   ان ذلك سيكرس العنصرية والطائفية والحزبية الضيقة بدلا من ان يحللها في اطار الانتماء الوطني العام، فعندما يشعر اي مواطن ان البرلمان لا يدافع عن حقوقه الا اذا كان تحت قبته من ينتمي اليه دينيا او مذهبيا او اثنيا او حزبيا، هذا يعني ان كل مواطن سيضطر للاصطفاف مع بني شريحته ليضمن حقوقه، وهذا ما يكرس الاصطفافات غير الوطنية.
  بشان العلاقة بين الديمقراطية وما جرى مؤخرا في مجلس النواب العراقي، من التجاوز على حقوق الاقليات، قال نــــزار حيدر:
   ان النظام الديمقراطي في كل بلد يقاس بمدى قدرة مؤسساته على صيانة حقوق الضعفاء وليس الاقوياء، لان القوي يمكن ان ياخذ حقه باية طريقة ممكنة، اما الضعفاء فاذا لم يتم الحفاظ على حقوقهم كاملة غير منقوصة، فهذا يعني ان الديمقراطية في هذا البلد عاجزة عن الدفاع عن اهله، ولا نقصد بالضعفاء هنا الاقليات الدينية او القومية او ما اشبه، وانما كل اقلية في البلد، سواء كانت شريحة اجتماعية او حزبا سياسيا او كتلة برلمانية او ما الى ذلك، فالديمقراطية تعني صيانة الحقوق بغض النظر عن حجم المواطن، ودينه وقوميته وجنسه ومذهبه ومحل اقامته.
   وكان نـــزار حيدر قد اعلن ان وفدا يمثل الجالية العراقية في العاصمة الاميركية واشنطن، توجه الى ولاية ميشيغان للمشاركة في التظاهرة التي ينظمها العراقيون يوم الاحد القادم الموافق (5 تشرين الاول) دفاعا عن حقوق الاقليات، واستنكارا لسقوط المادة (50) من قانون الانتخابات والمتعلقة بحقوق الاقليات.
   الجدير بالذكر ان الوفد يضم بعضويته الاستاذ الشيخ محمد جابر الجبوري ممثل العشائر العراقية في بلاد المهجر، ونـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن.
   وسيشارك الوفد في عدد من الندوات السياسية والحقوقية بهذا الشان، كما انه سيلتقي بالجالية العراقية في الولاية، ويحضر الحفل السنوي الذي تقيمه الجمعية العراقية لحقوق الانسان في الولايات المتحدة الاميركية، في ذكرى تاسيسها.
   
1 تشرين الاول 2008

10
نــــزار حيدر في تعليقه على قرار الغاء المادة (50) من قانون الانتخابات، والذي صوت عليه مؤخرا مجلس النواب العراقي؛
الديمقراطية على كف عفريت
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   تساءل نــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، بالقول:   
   على من تضحك الكتل االبرلمانية والاحزاب الحاكمة؟ عندما تصوت، من جانب، على الغاء المادة رقم (50) المتعلقة بموضوعة الاقليات من قانون الانتخابات، وتتنافس، من جانب آخر، على اصدار بيانات الشجب والاستنكار والاستغراب والاسف؟ هل تعتقد بانها بذلك يمكن ان تضحك على الشعب؟ او على المظلوم في هذه القضية (الاقليات)؟ ام على ذقنها وهي لا تدري؟.
   أهي سياسة قتل الضحية والمشي في جنازته؟ أم ماذا؟.
   واضاف نــــزار حيدر الذي كان يتحدث الى فضائية (أم بي أن) وهو يعلق على كبوة الديمقراطية في العراق الجديد، اثر تصويت مجلس النواب العراقي على قانون انتخابات مجالس المحافظات بعد الغاء المادة (50) المتعلقة بحصة الاقليات بمختلف هوياتها:
   وكأن الكتل البرلمانية ليست هي التي الغت المادة قبل التصويت على القانون، في اطار مبدا التوافق، او كأن ملاكا من السماء او جنيا من الارض هو الذي الغاها في غفلة عنها، لتبادر على لسان زعاماتها وقياداتها الى ابداء الاسف ازاء ما جرى، اوليس ذلك ضحك على الذقون؟ انه تراجع خطير عن الديمقراطية، داعيا الزعماء والقادة الى التعامل مع الاخرين بصدق وامانة وشفافية.
   واضاف نــــزار حيدر يقول:
   ان الديمقراطية لا تعني حماية حقوق الاغلبية، بقدر ما تعني حماية حقوق الاقلية التي يجب ان لا تشعر بالغبن والظلم يقع عليها في اي مفصل من مفاصل الحياة لتشعر بانها جزء لا يتجزا من هذا الوطن الغالي.
   اننا يجب ان ندافع عن حقوق الضعيف اذا ما تجاوز عليها احد، مثلما نهب هبة رجل واحد للدفاع عن حقوق قوي تم التجاوز عليها، اما الكيل بمكيالين، فندافع عن حقوق القوي ولا نبالي بحقوق الضعيف، فتلك طعنة قوية في ظهر الديمقراطية، لا ينبغي ان نساهم فيها ابدا.
   ان المبدا الحاكم في العراق، فيما يخص الحقوق والواجبات، يجب ان يسترشد بقول الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، والذي يقول فيه {الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه} وان لا نكون كحال الامم التي سبقتنا والتي هلكت لانها كانت تنتصر للمظلوم اذا كان قويا ويهملونه اذا كان ضعيفا، على حد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) {انما اهلك من كان قبلكم، كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد}.
   ان ما يؤسف له حقا هو ان الاقليات هذه المرة كانت كبش الفداء لتوافق الكتل البرلمانية على قانون الانتخابات، وهذا اسوء ما فعلته هذه الكتل التي اثبتت بهذه الخطوة انها مستعدة للتجاوز على حقوق الاخرين وسحقها وعدم اعارتها اية اهمية متى ما رات ان ذلك يحقق (التوافق) المزعوم، ناسية او متناسية بان هذه الخطوة هي ضد روح التوافق وجوهره المعمول به تحت قبة البرلمان، بغض النظر عن صحة ذلك من خطئه.
   ودعا نــــزار حيدر الى الاسراع في ايجاد الحل القانوني والدستوري المناسب لهذه المشكلة التي اثارت ليس الاقليات التي غبنت بهذه الخطوة وانما كل العراقيين، لانها عرضت الديمقراطية للمساءلة، كما انها وضعت ادواتها تحت المجهر، داعيا الى اعادة النظر فيها حتى لا تتكرر مثل هذه الخروقات التي تعرقل تقدم العملية السياسية ولا تدفعها الى الامام.
   كما طالب نــــزار حيدر كل القوى العراقية، السياسية منها ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، وكذلك منظمة الامم المتحدة التي شاركت بجهد ما في تمرير القانون بهذه الصيغة، الى الاسراع فورا لايجاد الحل المناسب لهذا الخرق الدستوري وبما يضمن طمئنة العراقيين عموما والاقليات على وجه الخصوص، قائلا:
   ان من يسكت على هذا الخطا فسيلاقي نفس المصير ان عاجلا ام آجلا، واذا كان القرار هو البحث في كل مرة عن كبش فداء، فليتوقع الجميع بانهم سيكونون كبشا للفداء في مرحلة ما من مراحل العملية السياسية، وما اكثرها ونحن في اول الطريق، ولا اعتقد ان احدا يقبل بمثل هذه الالية السيئة.
   كما دعا نــــزار حيدر مختلف وسائل الاعلام العراقية الى التعامل بجدية اكبر مع هذه القضية من اجل صناعة راي عام ضاغط باتجاه تصحيح المسار قبل فوات الاوان، فان من المهم بالنسبة لكل العراقيين ان تشعر الاقليات بالاطمئنان، وان تشعر بان الاغلبية، مهما كانت هويتها، تحضن حقوقها بلا غبن او نقصان او تجاوز، والا فالديمقراطية في العراق على كف عفريت.
   ان العراقيين يرفضون ان تاتي اية خطوة في العملية السياسية على حساب حق من حقوق اي مواطن، خاصة الاقليات، التي يعدها كثيرون الحلقة الاضعف في سلسلة العملية السياسية والتي يمكن من خلالها التوافق على قضية من القضايا بعد كسرها وتجاوزها، وهذا راي خطا وخطير ينبغي ان لا يرتكبه احد في العراق الجديد.
   ان كل عراقي يجب ان يعتبر نفسه اليوم من الاقليات حتى تحصل على حقوقها كاملة غير منقوصة.
29 ايلول 2008

11
المنبر الحر / عينان ولسان
« في: 10:56 17/05/2007  »
عينان ولسان
نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM


   اذا اردنا ان لا يتكرر نموذج الطاغية الذليل صدام حسين في العراق الجديد، واذا اردنا ان نحول دون صناعة عدي آخر وحزب قائد واوحد مرة اخرى، علينا ان نفعل مبدا المراقبة والمحاسبة بكل الاشكال والصور، من خلال السلطة الاولى، واقصد بها سلطة الاعلام.
   لا تقل لي ان الطاغية سقط في مزبلة التاريخ ولم يعد ابدا، لان في داخل كل انسان طاغوت يمكن ان ينمو ويكبر اذا لم يجد من يراقب سلوكه ويحاسبه على كل صغيرة وكبيرة، الم يقل رسول الله (ص) في الحديث الشريف المعروف {كل امرء يضمر ما اظهره فرعون} ما يعني ان في داخل كل واحد منا بذور وعوامل واسباب يمكن ان تحول صاحبها الى فرعون اذا ما سقيت هذه البذور بماء الانانية والوصولية والاستحواذ واللؤم والسطوة غير المشروعة في ظل اجواء اجتماعية موبوءة بالجهل واللاابالية وعدم الاكتراث وفي ظل غياب الرقابة والمحاسبة، فالطاغوت ظاهرة وليس شخصا.
   ان التاريخ يمكن ان يعيد نفسه لمن لم يعتبر بنتائجه وللذين لا يقرأونه بشكل جيد، فكم من طاغوت حكم العراق؟ وكم من سلطان متجبر نزا على السلطة في بلاد الرافدين بالضد من ارادة العراقيين؟ فاذا كان الحاكم المستبد يذهب في كل مرة الى مزبلة التاريخ، فلماذا تتكرر نسخه؟ ولماذا لا يتعافى العراق الحبيب من ظاهرة الحكام المستبدين على طول تاريخه؟ الا يعني ذلك بان العراقيين لا يقرأون تاريخهم بالصورة الصحيحة؟ او انهم يعذرون الحاكم الجديد في كل مرة يخلف فيها طاغوت، ليستغل غفلتهم فينمو طاغيا صغيرا لينتهي به وبهم المطاف الى طاغوت كبير كالمقبور صدام حسين ومن لف لفه؟ أو انهم يغفون بعد كل عملية تغيير، معتمدين على ثقتهم بالقادم الجديد، او في مسعى منهم لمنحه الفرصة قبل ان يكتشفوا نواياه الحقيقية، او اقتناعا منهم بالشعارات البراقة والوعود الخلابة التي يطلقها في خطاباته الجماهيرية وبياناته الحماسية، ليستيقضوا بعد برهة من الزمن على برك الدم التي تتحول بمرور الايام الى انهار من الدماء.
   ثم، لا تقل لي ان من خلف النظام البائد في بغداد، لا يمكن ان يكرر نماذج الطاغوت ومن المستبعد ان يتحول احدهم الى صدام او عدي او علي كيمياوي او اي طاغوت آخر، يكبره قليلا او اصغر منه قليلا، او ان من يحكم اليوم في بغداد، فيهم من يصلي الليل قائما وقاعدا، وفيهم من يتهجد القران ليل نهار، وان فيهم من قضى عمره يقارع الطاغوت، لا تقل لي كل هذا ابدا، لانك اذا اقتنعت بهذا الكلام فستتركه وشانه ليفاجئك في يوم من الايام، واذا به قد تحول الى طاغوت قاتل دموي.
   اقرأوا التاريخ لتتعرفوا على الكثير من النماذج التي كانت قاب قوسين او ادنى من السماء، او هكذا يخيل لمن لا يعرفه او يراه، واذا هم يتحولون الى طغاة من الدرجة الاولى بين ليلة وضحاها، ام اننا نسينا قصة بلعم بن باعوراء في القرآن الكريم الذي اعطاه الله الاسم الاعظم، ليهوي، بعد ذلك، في شرك الشيطان، شاهرا سيفه ضد نبي الله موسى عليه السلام، لنقرأ قول الله عز وجل في محكم آياته البينات، ثم نتدبر {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين* ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}.
   تعالوا اذن نتفكر بالماضي لنستقي منه الدروس والتجارب والعبر، ونتذكر بان الله تعالى الذي خلق لنا عينين ولسانا، دعانا الى ان نفتح عيوننا جيدا فنراقب من نفوضه امور دنيانا مراقبة صارمة لنحاسبه حسابا عسيرا، ولنتذكر ابدا بان من ننتخبه ليعتلي موقعا ما في الشان العام، انما هو موظف عندنا واجير وليس بديلا او ولي نعمة او صنما يعبد من دون الله تعالى.
   يجب ان لا نستثني احدا من المتصدين للشان العام من مبدا المراقبة والمحاسبة والمساءلة ابدا، كائنا من كان، وان لا نقبل منه عذرا ابدا، فاما ان يكون اهلا للثقة التي منحها له الشعب عبر صندوق الاقتراع او لا يكون، فان لم يكن كذلك فيجب ان يفتضح ليسقط عاجلا وليس آجلا، فالوقت يمر سريعا والظروف صعبة لا تتحمل ان يجرب (الزعماء) الحجامة برأس اليتامى، كما يقول المثل العراقي المعروف.
   ليس لأحد قدسية ابدا، نعم نحن نحترم الجميع ما لم تثبت عليهم ادانة، اما ان نقدسه لتاريخه او زيه او موقعه الاجتماعي او لعائلته، فقط  وفقط، فهذا ما لا يرضاه الله تعالى وصالح المؤمنين، فان ذلك يعد خيانة لله والوطن ولدماء الشهداء الذين ضحوا من اجل حياة افضل لاهلهم وشعبهم، لهذا الجيل وللاجيال القادمة، فالحاضر امانة في اعناقنا، يجب ان نعمل احسن ما في وسعنا لنسلمه الى الجيل القادم على افضل وجه بعد ان نكون قد رحلنا عن هذه الحياة الدنيا الى حيث ثواب الله تعالى او عقابه.
   والان، كيف نفعل قانون المراقبة والمحاسبة؟.
   اعتقد ان الطريق الى ذلك هو تاصيل مبدا حرية التعبير عن الرأي، الذي اداته حرية الاعلام والصحافة، ولذلك فانا شخصيا اعتقد بان الاعلام هو السلطة الاولى في عالم اليوم، وليس الرابعة كما يستصحب كثيرون المصطلح معهم من الماضي، عندما بدا الانسان يتعرف على وسائل الاعلام الجماعية كالجريدة والمذياع وتاليا التلفاز، اما اليوم فان الاعلام هو السلطة الاولى، وان معركتنا في جوهرها هي اعلامية، فكيف يمكن ان نتصور انتصارا من دون الاعلام الحر؟ وكيف يمكن ان نحقق انجازا في ظل سياسة تكميم الافواه، تارة بالتصفيات الجسدية واخرى بسياسة قطع الارزاق، وثالثة بشراء الذمم والضمائر؟.
   لقد بدأنا، وللاسف الشديد، نسمع عن تزايد سطوة الاحزاب الحاكمة على اداء الاعلاميين العراقيين، فبعد ان كان صاحب القلم والبيان يتهدده الارهاب في رسالته، بات مهدد من قبل الاحزاب الحاكمة، والمتنفذين من عناصرها ممن هم في السلطة في بغداد او في المجالس البلدية او حتى من اصغر متنفذ تابع الى هذا الحزب الحاكم او ذاك، وان كل ذلك ليس دليل عافية في العراق الجديد ابدا.
   يجب ان يظل صاحب القلم والبيان حرا يكتب ويقول ما يمليه عليه ضميره، ووحده القضاء الذي يجب ان يكون بينه وبين السلطان، اما النفوذ السياسي والحزبي والميليشيات والرصاصة، فيجب ان لا يكون لها مكان في الوسط الاعلامي ابدا.
   والسؤال هو، كيف نخلق الاعلام الحر؟ وماذا ننتظر منه؟.
   اولا: برايي، فان الاعلام الحر، هو وحده القادر على صناعة راي عام ضاغط لصالح العملية السياسية الجديدة، وهو وحده القادر على تحقيق مبدا المراقبة وتاليا المحاسبة والمساءلة، لان الاعلام السلطوي والحزبي والعائلي وحتى الطائفي والمؤدلج لا يمكنه تحقيق ذلك لانه، وللاسف، اصبح جزء من المشكلة، كما انه اقرب الى الدعاية منه الى الاعلام، بالاضافة الى انه (اعلام) موجه لا يمكنه ان يخرج عن قواعد اللعبة المتمثلة في قرار الحكومة او الحزب او العائلة او الطائفة او ما الى ذلك.
   اما الاعلام الحر، الذي ليس له مصلحة خاصة الا مصلحة العراق والعراقيين، فهو الاحرص على ملاحقة السلطة، ومتابعة المسؤولين لمراقبتهم وتاليا محاسبتهم ومساءلتهم.
   من هنا تنبع اهمية التركيز على بناء الاعلام الحر وتشجيع الاعلاميين غير المنتمين، لنضمن تحقيق اقصى درجات المراقبة.
   ثانيا: ومن اجل ان تكون المساءلة والمحاسبة عملية مسؤولة، لا يطلقها الاعلام على عواهنها، ولا يمارسها الاعلاميون كهواية او حبا بالدعاية لانفسهم او لوسائل الاعلام التي يعملون بها او من اجل السبق الصحفي فقط، ينبغي ان تكون المراقبة التي يمارسها هذا الاعلام دقيقة في حيثياتها وادواتها وموادها ومصادرها، من خلال اعتماد الخبرة والمعرفة بالقانون المتعلق بسلطة الاعلام، بالاضافة الى اعتماد التوثيق كمبدا لاثبات ما يكتبه الاعلام، ولذلك يلزم هذا الاعلام ان يتذكر دائما بانه يمتلك عينين ليوظفهما في خدمة المراقبة الدقيقة، لينتج محاسبة ومراقبة مسؤولة، ولذلك فهو لا يمتلك الا لسان واحد، حتى لا يتسرع في اطلاق التهمة ضد هذا المسؤول او ذاك، لمحاسبته ومساءلته قبل ان يتاكد من توفر كل الادلة والبراهين والاثباتات التي ستدعم موقفه امام القضاء اذا ما اقتضت الضرورة الى ذلك.
   وبذلك نكون قد انجزنا مبدا المساءلة بكل مسؤولية من دون تهريج او تشهير، من خلال اعتماد المهنية بشكل كامل، وعدم الركون الى الاشاعات والقيل والقال، والذي يوقع الاعلاميين،خاصة المبتدئين، وفي احيان كثيرة، في فخ القانون ومصيدة القضاء.
   ثالثا: على الاعلام ان يلاحق كل من يتصدى للشان العام، كبيرا كان موقعه ام صغيرا، مهما كان ام تافها، فيلاحق الفساد المالي والاداري، ويلاحق حركة المال العام والتعيينات وقرارات المشاريع والاستثمارات، كما عليه ان يلاحق قرارات المسؤولين ليتاكد ما اذا كانت في طريقها الى التنفيذ ام انها مجرد حبر على ورق او انها للاستهلاك المحلي او للدعاية الانتخابية والحزبية والعائلية.
   وبمناسبة الحديث عن ملاحقة قرارات الدولة ومفاصلها واجهزتها، كم اتمنى ان ينبري الاعلام الحر في العراق لملاحقة عمل اللجان التي شكلتها الحكومات التي تعاقبت على السلطة في بغداد منذ سقوط الصنم ولحد الان، والتي تم تشكيلها في اكثر من مناسبة ولاكثر من سبب، وهي بالمناسبة تعد بالمئات، ليطلع الراي العام العراقي على ما انجزته هذه اللجان، وان كنت على يقين من ان الاعلام سيكتشف بانها لم تكن سوى انحناءات سلطوية امام العواصف التي مرت بها خلال السنوات الاربعة الماضية.
   رابعا: ولان الاعلاميين الاحرار في العراق لا يمكنهم في بعض الاحيان الكشف عن نتائج مراقبتهم للسلطة، اما بسبب تهديد الارهابيين او الاحزاب الحاكمة او لاي سبب كان، فلذلك اقترح ان يتم تفعيل العلاقة التكاملية بين الاعلاميين العراقيين في الداخل والخارج، فان ما لا يقدر على انجازه اعلاميو الداخل، يمكن ان ينجزه اعلاميو الخارج، وان هذه العلاقة بحاجة الى خطة تحقق التواصل بينهما وتبادل المعلومات والتقارير، بما يصب في مصلحة البلد وشعبه الابي، بعيدا عن التهم غير الموثقة والافتراءات الرخيصة، اذ لا بد من الحذر الشديد حتى لا يقع اعلامنا ضحية الغش والتزوير والتضليل كما هو حال جل الاعلام العربي المملوك للسلطات الحاكمة.
   وبهذه المناسبة، اود ان اقترح فكرة ربما تساعدنا على التاسيس للرقابة، وان كانت عن بعد.
   الفكرة هي، تزويد الاعلاميين والكتاب الذين في خارج العراق بتفاصيل يعتقد من هو في الداخل ان من الواجب الكشف عنها، ليتم نشرها من الخارج، بعد ان يتعهد من هو في الخارج ان لا يبوح باسرار مصادره مهما كان الثمن ليامن من هو في الداخل ويثق بهم، وبذلك نكون قد حققنا المراد، من دون ان يتعرض من هو في الداخل للتهديد والابتزاز، وان كنت اتمنى ان يتحلى من هو في الداخل بجرأة اكبر وشجاعة اكثر ليمارسوا دورهم بشكل افضل وعلى احسن وجه، كأن يكون ذلك من خلال تاسيس جمعيات مهنية يتعاهد فيها عدد من الاعلاميين في كل محافظة او اكثر لاداء دور الرقيب والوقوف بوجه المسؤول الذي يحاول تكميم الافواه.
   هنا، لا يسعني الا ان احيي تضحيات الاعلاميين العراقيين خاصة من هو داخل العراق، وشجاعتهم الفائقة، وحرصهم المهني المبدع والمسؤول، الذي عرضهم، ولا يزال، لرصاصات الظلاميين من لصوص المال العام والمسؤولين الذين يخشون الكلمة اكثر من خشيتهم من السيارة المفخخة والحزام الناسف. 
   خامسا: ان ما يؤسف له حقا، هو ان يتحول الاعلاميون، وهم عين الناس الساهرة على مصالحهم، الى ابواق للحاكم، ايا كان، فكما يعرف الجميع فان الديمقراطية من دون حرية التعبير والمراقبة، انما هي كذبة كبرى.
   علينا ان لا نصدق الديمقراطية التي تحدد مهمتي كاعلامي او صحفي، كما ان علينا ان نكذب الحاكم الذي يعدنا بالديمقراطية في الصباح ليغتال اقلامنا ويكمم افواهنا في المساء، تارة بحجة الظروف الخاصة، واخرى تحت مسمى المصلحة الوطنية العليا، وثالثة بسبب الاحكام العرفية، ورابعة بشعار ما يسمى بالمصالحة الوطنية، وما الى ذلك، من الممارسات التي تضر بحرية الاعلام والتعبير وتاليا بمبدأ المراقبة والمساءلة والمحاسبة.
   ان على الاعلاميين تقع مسؤوليات كبيرة جدا، ولذلك عليهم ان يجتهدوا في قول الحقيقة مهما كانت مرة ومها كان الثمن، والا فالانعزال افضل لهم واشرف من المجاملة على حساب حق الناس والمحاباة على حساب مصلحة الوطن، ومن اجل ان يحقق الاعلاميون ذلك، يجب ان يتخذوا قرارا قطعيا لا رجعة فيه، يقضي بان لا يكونوا جزءا من السلطة ابدا، وعليهم ان يطلقوها ثلاثا طلاقا بائنا لا رجعة فيه، ليمتلكوا قرارهم دائما فلا يباعوا ويشتروا، ولا يطمعوا فيتنازلوا، ليمارسوا دور الرقيب الحازم والحاسم، الذي يحتاجه العراق والعراقيون اليوم.
   على الاعلاميين ان ينتبهوا فلا يبلعوا طعم السلطة والاحزاب الحاكمة ومافيات المتنفذين من رجال مال واسر وعوائل حاكمة في هذه المدينة او تلك، فالطعم ثمنه، عادة، السكوت والمداراة والمحاباة، وان كل ذلك يسقط عن الاعلامي دوره الحقيقي، وينزع عنه شرف المهنة، فيتركه عاريا لا يقوى على قول الحقيقة {فاكلا منها فبدت لهما سوآتهما}.
   
   10 مايس 2007

12
في ذكرى سقوط الصنم
نــــــــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

    ليس العراق بدعا من دول العالم، قديمها وحديثها، في تعرضه للغزو الاجنبي، ولا العراقيون بدعا من شعوب العالم، كذلك قديمها وحديثها، في التعرض للاحتلال، الا انهم، في الحقيقة، بدعا من بين كل شعوب العالم، التي تعرضت وتتعرض للغزو الاجنبي، في طريقة ردة فعلهم على ذلك، فكل شعب تعرض او يتعرض للغزو الاجنبي، يتحول الاحتلال عنده الى تحد، ثم، وبعد حين، الى سبب للنهوض الحضاري، من خلال السعي لبناء جديد، وعلى مختلف الاصعدة، فيشد بعضه بعضا ويتحد وينسى خلافاته، ويضع يدا بيد لمواجهة العدو المشترك الذي دنس ارضه الطاهرة، وهذا ما حصل لشعوب مثل الياباني والالماني والهندي والكوري وغيرها الكثير الكثير من الشعوب التي حولت الهزيمة الى نهوض وانتصار، بعد ان صنعت الاسباب الذاتية الحقيقية التي اهلتها لتحرير بلدانها من الارادة الاجنبية، الا العراقيين، وفي هذه المرة فقط، فعندما تعرض العراق للاحتلال في التاسع من نيسان عام 2003، راح العراقيون يقتل بعضهم بعضا، ويفجر بعضهم بعضا، ويدمرون المرافق العامة وينهبون المال العام، ويدمرون البنى التحتية لبلدهم، وبدلا من الاتحاد والاتفاق ووضع الخلافات جانبا، اذا بهم ينتقمون من بعضهم البعض الاخر، وكأنهم يريدون تقديم اعظم الخدمة للمحتل، بعد ان فقدوا اتجاهات البوصلة، فداروا حول انفسهم، كالتائه لا يدري ماذا يفعل.
      اقول في هذه المرة فقط، لان العراقيين الذين تعرضت بلادهم للاحتلال مرتين قبل ذلك خلال التسعين عاما الماضية، لم يتقاتلوا ابدا، ولم يتطاحنوا، بالرغم من ان في كل مرة من المرتين السابقتين، كانت شريحة اجتماعية او اكثر قد اصطفت الى جانب المحتل وتعاونت معه، بل قبلت منه الهبات والمساعدات المالية والعينية مقابل عدم التعرض له، واكثر من ذلك، فان بعضهم تسلم معونات المحتل مقابل التعهد له بعدم ايوائه للثوار، ومنعهم من الانطلاق من(الاراضي) التي يمتلكها، الا ان الاخرين كانوا يبحثون لامثال هؤلاء عن كل مبرر، فكان بعضهم يعذر البعض الاخر، عندما يختار كل واحد منهم طريقته في المواجهة، تختلف عن طريقة الآخر، بلا تخوين ومن دون ان يتورطوا بدماء بعضهم البعض الآخر، لأن الدم العراقي كان محرما، على العراقيين على الاقل، كما انهم في تلك المرات كانوا يتطوعون، بقضهم وقضيضهم، لحماية بلدهم ومنشآته واملاكه العامة، من المخربين واللصوص وقطاع الطرق الذين ينشطون عادة عندما تعم الفوضى ويسقط نظام، اي نظام.
   كذلك، فان الاغلبية من العراقيين لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد من تعاون مع المحتل البريطاني، بالرغم من ان كل العراقيين يعرفون جيدا، وكذلك المتابع المنصف للملف العراقي، بان الاقلية هي التي سلمت مفاتيح بغداد للمحتل الاجنبي (الصليبي الكافر) في كل مرة تعرض لها العراق للغزو، كان ذلك في الاعوام (1917) و (1944) و (2003)، ولمزيد من التفاصيل يستحسن مراجعة كل كتب التاريخ التي تتحدث عن تاريخ العراق الحديث، العراقية منها والعربية والاجنبية. 
   فلماذا تقاتلوا هذه المرة اذن؟.
   حتى اللذين حملوا السلاح بوجه المحتل، قاتل بعضهم البعض الاخر، هذا بالرغم من انني اعتبر ان كل العراقيين، وبلا استثناء، حملوا السلاح بوجه الاحتلال وقاوموه اشد مقاومة، ولكن ليس بالضرورة ان يكون سلاحهم في المقاومة البندقية فقط، وانما كل حسب طريقته ووعيه وحكمته، ولذلك استخدموا مختلف انواع الاسلحة السياسية منها والديبلوماسية وغير ذلك، فلماذا تقاتلوا اذن؟.
   من خلال تتبع الاحداث التي شهدها العراق منذ سقوط الصنم ولحد الان، يلحظ ان العراقيين انقسموا، في حقيقة الامر، الى قسمين، الاول الذي رحب بسقوط الصنم واحتضن التغيير، من اجل بناء عراق جديد يقوم على اساس الحرية والكرامة والمساواة والشراكة الحقيقية بين الجميع وعدم التمييز بين العراقيين على اساس العرق او الدين او المذهب، ولقد مثل هذا القسم كل ضحايا النظام البائد ومن مختلف شرائح المجتمع العراقي، وان كانت الاغلبية المطلقة من هذا القسم هم الشيعة والكرد والتركمان والكلدوآشوريين، فيما ظل القسم الثاني يحن الى الماضي السحيق الذي ظل يحكم العراق بسياسات التمييز الطائفي والعرقي وبسياسات التهميش والاقصاء للاخر بكل اشكاله، ولقد مثل هذا القسم، كذلك، كل المستفيدين من النظام البائد من مختلف شرائح المجتمع العراقي، وان كانت الاغلبية المطلقة من هذا القسم هم السنة.
   وبدأ الصراع الدموي بين القسمين، لياخذ مدياته البعيدة خلال الاشهر القليلة الماضية، خاصة بعد العمل الارهابي الذي نفذته مجموعات العنف والارهاب في مدينة سامراء المقدسة بتفجير قبة الامامين العسكريين عليهما السلام، والذي اوضح بشكل جلي، حقيقة اهداف هذا القسم الذي ظل يتلفع بشعارات المقاومة ضد الاحتلال من دون ان ينجح في اقناع الراي العام، كون القبتين الشريفتين كانتا معسكرا للاحتلال او مقرا لقيادة القوات الاميركية قبل التفجير، لذلك استدعى الامر تفجيرهما لتحرير العراق من الاحتلال.
   وان ما زاد الطين بلة، كما يقول المثل العراقي المعروف،هو ان دول الجوار الخائفة والمرتعدة من العراق الجديد، بادرت فورا الى استغلال اماني القسم الثاني من اجل دخول حلبة الصراع الدموي ضد القسم الاول، وهم بالمناسبة الاغلبية المطلقة من الشعب العراقي، فبادروا الى دعمهم بالمال والفتوى الطائفية التي ظلت، ولحد الان، تصدر عن فقهاء البلاط من التكفيريين السلفيين المتخلفين، وبالاعلام المضلل الذي لا زال يسمي المجرمين الذين يقتلون العراقيين الابرياء بالمقاومة، في الوقت الذي يعرفون فيه جيدا بان (85%) من ضحايا العنف والارهاب هم من المواطنين الابرياء، بمن فيهم النساء والاطفال والشيوخ وعمال المساطر والطلبة والتلاميذ الابرياء وزوار العتبات المقدسة.
   ومن اجل ان ينجح مخططهم الرامي الى تدمير العملية السياسية الجديدة، وبالتالي الى تدمير حلم العراقيين بعراق جديد خال من الانظمة الشمولية والاستبدادية، وخال من تصنيف المواطنين الى درجات، غلف هؤلاء عمليات القتل والتفجير والتدمير بغلاف الدين، والدين منهم براء براءة الذئب من دم يوسف، ثم راحوا يكيلون الامور بمكيالين، فالانتخابات في العراق، مثلا، برايهم غير شرعية لانها تجري في ظل الاحتلال، اما الانتخابات الفلسطينية التي تجري كذلك في ظل الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، فشرعية مئة بالمئة، بل انها حدث تاريخي، كما ان حكومة (الوحدة الوطنية) التي تتشكل في العراق غير شرعية ولذلك يرفضون الاعتراف بها والتعامل معها، اما حكومة (الوحدة الوطنية) في فلسطين، فهي حدث تاريخي لم تشهد الدنيا مثيلا لها.
   كما انهم يتباكون على مساعي (صهينة) العراق من خلال الحديث عن تواجد مفترض لعناصر من الموساد الاسرائيلي في العراق، الا انهم لا يتحدثون عن مخاطر تصهين البلاد العربية، الفعلي وليس المفترض، والكثيرمن الاسلامية، كتركيا مثلا، والتي يقيم الكثير منها علاقات سياسية وديبلوماسية وتجارية مع (اسرائيل) فيما يرفرف علم الاخيرة في عواصمها الى جانب العلم (الوطني) للامير او الملك الزعيم الاوحد، كمصر (الكنانة) والاردن (الهاشمية) وقطر(الامير المنفوخ) التي زارها مؤخرا الصهيوني شيمون بيريز من دون ان نسمع اي شجب واستنكار من قناتها التي تنعق بشعارات المقاومة ليل نهار، وتركيا (الدينية العلمانية) التي وقعت على اكثر من اتفاق سياسي وامني مع الدولة العبرية.
   وبالمناسبة، فان اكثر ما يثير الضحك والتقزز في القصة، هو ما نراه ونلاحظه ونلمسه من جهود يبذلها الجميع لاقناعنا بان (اتفاق مكة) الذي وقعه الفلسطينيون بمباركة من آل سعود، بمثابة الانجاز التاريخي، ولان الشعوب والكثير من المثقفين والاعلاميين، لم يقرأوا ويطلعوا على نص الاتفاق، لذلك صدقوا الكذبة وصفقوا لها ليل نهار، كما هو ديدنهم دائما، لتمريرها في عقول الامة، وما دروا بان الاتفاق ينص على اعتراف الفلسطينيين (بمن فيهم حركة حماس الثورية جدا والاصولية السلفية) باسرائيل كدولة، وربما من هذا الباب اعتبره (العرب) الذين اعلنوا تاييدهم الرسمي له وبالاجماع، في قمة الرياض الاخيرة، اتفاقا تاريخيا، لانه، ولاول مرة، يجمع الفلسطينيون، بعلمانييهم و(اسلامييهم) على الاعتراف بمن غصب ارضهم وانتهك عرضهم، كدولة لها الحق في ان تعيش بسلام، هذا الموقف الذي وصفه رئيس وزراء اسرائيل ايهود اولمرت، بانه (تغير ثوري) في موقف العرب من اسرائيل.
   كما انهم يتباكون على تواجد القوات الاجنبية في العراق، ولا ينبسون ببنت شفة على تواجد ذات القوات بهوياتها وازيائها وأهدافها في ارض الحرمين، الجزيرة العربية، وقطر التي تحتضن قاعدتها (العديد) اكبر تواجد عسكري اجنبي، ليس في المنطقة فحسب، بل وفي العالم كله.
   كذلك، فهم يذرفون دموع التماسيح على العراق لانه محتل، فيما لا زالت نصف الاراضي العربية والاسلامية محتلة اما من قبل (اسرائيل) او اميركا او قوات الحلف الاطلسي، ناسين او متناسين ان المجموعة العربية في مجلس الامن كانت قد وقعت على كل قرارات (غزو) العراق و(احتلاله) بما فيها القرار الذي شرعن الاحتلال، كما انها هي التي استقبلت القوات الاميركية ومكنتها لوجستيا لـ (احتلال) العراق، ووفرت لها كل انواع الدعم لاتمام مهامها، ثم راحت تتباكى عليه، لا ادري، فلربما ظنت بان واشنطن عازمة على اسقاط النظام الشمولي البائد، لاستبداله بزعامات من نفس الفئة الحاكمة لذلك قبلوا التعاون معها على الانقلاب على (شقيقهم) فلما فوجؤوا بان الشعب العراقي اختار، عبر صناديق الاقتراع في اول انتخابات حقيقية، حرة ومباشرة،  زعامات اخرى لا تنتمي الى الاقلية الحاكمة سابقا، رفعوا عقيرتهم بالشعارات المزيفة.
   انهم يتعاملون مع كل ازماتهم في اطار ما يسمونه بالشرعية الدولية، الا ملف العراق يتعاملون معه بالدم، فملفات مثل فلسطين ولبنان واغتيال الحريري والاراضي العربية المحتلة، وغيرها الكثير من الملفات الساخنة، بوابتها الشرعية الدولية، هذا بالرغم من ان قرارات الشرعية الدولية الخاصة بمثل هذه الملفات تنتهك سيادات عربية كثيرة، الا انهم ينصاعون لها ويقبلون بها حكما (عادلا) الا العراق فبينهم وبين العراقيين انهار الدماء، لماذا؟.
   والمضحك المبكي في كل القصة، قولهم ان اميركا في العراق للسيطرة على نفطه، وهو نفط العرب كما يفهمون، وكأن نفط بقية بلاد العرب بيد حكامها وشعوبها، ناسين او متناسين بان كل رساميل و راس مال العرب، خاصة الاسر الحاكمة في الخليج، مودع في بنوك الولايات المتحدة الاميركية، اي في بنوك (الكفار) فلماذا لا يصدر فقهاء التكفير والبلاط فتاوى تطالب الحكومات باسترجاع هذه الرساميل التي يستفيد منها (الكفار) لقتل العراقيين والفلسطينيين، مثلا؟ ام ان ابواب الجنة لا تفتح لـ (المقاومين) الا عبر العراق ومن خلال ايلاغهم بدماء العراقيين الابرياء؟.   
   كل ذلك، وما زال في هذا العالم العربي، الكثير من الغافلين والمغفلين اوالمتغافلين الذين استخف الحكام بعقولهم، ممن لا يريدون ان يعترفوا بالواقع وبحقيقة الامور، لسبب بسيط وواضح في آن واحد، الا وهو ان كل هؤلاء يكرهون ان يروا الاغلبية من العراقيين لها دور مؤثر وفاعل في الحياة السياسية العامة، واقولها وبالفم المليان، لو ان ذات الفئة من العراقيين التي حكمت العراق خلال النيف وثمانين عاما الماضية، كانت هي التي خلفت النظام الشمولي البائد بعد سقوطه مباشرة، لما انطلقت رصاصة واحدة لا ضد المحتل ولا ضد العراقيين، بعضهم البعض الاخر، وان اكبر دليل على ذلك، هو تاريخ العراق القريب، فعندما قرر البريطانيون تسليم السلطة للاقلية من العراقيين ابان احتلالهم للعراق مطلع القرن الماضي، لم تطلق الاقلية رصاصة واحدة ضد المحتل، وهذا ما اعاده الى ذهن السفير الاميركي السابق في بغداد زلماي خليل زاد، رئيس قائمة التوافق العراقية، وهو يتحدث اليه منفردا في محاولة منه لاقناعه بترك التعامل مع الاغلبية التي افرزتها صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة التي شهدها العراق وفي دورتين متتاليتين، والعودة الى التعاون التاريخي مع الاقلية، لصيانة دماء الجنود الاميركان، على حد قوله.
   ان زيف شعارات المقاومة في العراق تكشفها طبيعة الاهداف التي تتعرض للعنف والارهاب، فمن يريد ان يطهر ارض العراق من دنس المحتل، لا يستهدف الشرطة وقوات الامن التي تسعى جاهدة للتأهيل من اجل استلام الملفات الامنية من القوات متعددة الجنسيات، وبالتالي لاسقاط ذريعة استمرار تواجدها في العراق، كما ان من يريد ان يعين العراقيين على التحرر لا يستهدف الابرياء فيفجر نفسه وسط حشود المصلين او في الاسواق العامة وعند مداخل الجامعات والمدارس، وان من يريد ان يحرر العراق لا يستخدم الغازات السامة لقتل المواطنين الابرياء المارين في الشارع والزقاق، وان من يريد دخول الجنة من خلال التقرب بعمل صالح الى الله عز وجل، لا ينسف مرقدا لامام او مسجدا تاريخيا او موقعا اثريا، ولا يفجر نفسه بسيارة مفخخة وسط حشود المعزين بمصاب سيد شباب اهل الجنة سبط رسول الله (ص) لان الله تعالى لا يخدع عن جنته، كما ورد في الحديث الشريف المأثور عن رسول الله، فـ{المسلم للمسلم حرام، ماله ودمه وعرضه} فمتى كان دم المسلم صك الغفران لدخول الجنة؟ ومتى كان عرض المسلم قنطرة المجاهدين لمرضاة الله عز وجل؟ ومتى كان مال المسلم ثمن العتق من النار؟.
   للاسف الشديد، فان الشعوب العربية والاسلامية باتت اليوم ضحية الدجل والنفاق والغش، بعد ان استخف بعقولها حكامها الذين يدعون ما ليس فيهم، فهذا امير المؤمنين وذاك خادم الحرمين الشريفين والاخر المجاهد الاكبر والرابع سليل الدوحة النبوية وحفيد السبطين الحسن والحسين، وهكذا دواليك، من دون ان يسألهم الناس او يتساءلوا باي حق نزا هؤلاء الحكام على السلطة وسرقوا حقا للناس لم يفوضهم فيه احد؟.
   سيتحرر العراق من الاحتلال والارهاب والاستبداد، اذا؛
   اولا:وعى العراقيون اللعبة، وفهموا جيدا بان كل الاخرين، ومن دون استثناء، لا يريدون لهم ولبلادهم الخير، وعليهم ان يقطعوا كل امل الا بانفسهم بعد الله تعالى، ولقد اثبتت التجربة بان الاخرين، الاميركيون والانظمة العربية ودول الجوار، يضحكون عليهم ويغذونهم بالاحقاد والضغائن ليقتل بعضهم البعض الاخر، ليصفى لهم الناتج فيبقى العراق يئن تحت وطأة الدمار الى حيث يشاؤون.
   ان الحل لمحنة العراق الحالية، عراقيا وفي داخل العراق، ويخطئ من يظن بان هذا الطرف الاقليمي او ذاك الطرف الدولي سيساعده على معافاة العراق من محنته الانسانية المروعة، ولذلك، فان على العراقيين ان يغلقوا الابواب بوجه الاخرين، وان يصموا آذانهم عن الاصغاء للاخرين، ليسمعوا لعقولهم ويصغوا لبعضهم البعض الآخر فقط، فعندهم الحل، اذا قرروا ذلك، وصدق الله تعالى اذ يقول في محكم كتابه الكريم {ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم} فالتغيير يبدا من الذات اولا، ومن لم يصدق فليقرا التاريخ بعقل منفتح وارادة حرة ليصل الى هذه النتيجة، وان اي انسان في هذا العالم غير قادر وسيعجز عن مساعدة اخيه الانسان اذا لم يساعد نفسه اولا، فالانسان للانسان عامل مساعد وليس بديلا عنه ليحل محله في ايجاد الحلول لمشاكله، حتى المريض اذا لم يقرر مساعدة نفسه، فان امهر الاطباء سيعجز عن شفائه، كما ان رب العزة لا يساعد عبده قبل ان يقرر العبد مساعدة نفسه اولا، اليس كذلك؟.
   على العراقيين ان لا يدوروا على عواصم الدنيا بحثا عن حل او للتآمر على انفسهم، فالحل في بغداد، ابحثوا عنه فستجدونه اقرب اليكم من حبل الوريد، ونادوا عليه فسيجيبكم بكل قوة وامل.
   ثانيا: دعم العملية السياسية بكل ما اوتوا من قوة مادية ومعنوية، فهي الامل الوحيد لانقاذ العراق من محنته، وليضع الجميع الشعارات جانبا، فلا يرددوا مقولات (ما بني على باطل فهو باطل) والا فالعراق برمته يلزم ان نعيده الى تركيا (الدولة العثمانية) لان من بنى دولة العراق الحديث هم البريطانيون بعد الحرب العالمية الاولى، الذين اقتطعوها عنوة وبالسلاح، ما يعني ان كل العراق الحديث بني على باطل فكله باطل، وهل يعقل هذا الكلام؟.
   اكثر من هذا، فان كل البلاد العربية والاسلامية، كذلك، بنيت على باطل، لانها تاسست في اطار اتفاقية (سايكس ــ بيكو) التي اقرها (الصليبيون الكفار) فهي التي رسمت حدود البلاد الحالية، لترث الاجيال حدودا تقدسها وتتقاتل عليها من اجل صيانتها من الانتهاك، وما دروا بان (الكفار) هم من رسم هذه الحدود، فكم من (جنود جيوش العرب والمسلمين) قتلوا في حروب الحدود بين البلاد العربية والاسلامية، منذ ان رسمها المستعمر ولحد الان؟.
   وبالمناسبة، فاذا اردنا ان نتحدث بهذا المنطق، فعلينا ان نعترف بان كل الانظمة العربية الحالية باطلة لانها بنيت على باطل، واليكم الدليل لبعضها كنموذج؛
   فالاسرة الحاكمة في الجزيرة العربية، وهي النموذج الشرعي لامثال هؤلاء، بنيت على باطل لان آل سعود سيطروا على المنطقة بسياسات الغزو والغارات المسلحة والقتل والنهب والتخويف، التي نجحت بها في اخضاع القبائل في تلك المناطق الى نفوذها، كما انها اغتصبت السلطة من الشريفيين بمساعدة المحتل البريطاني (الصليبي الكافر) فهي اذن سلطة غير شرعية، لانها بنيت في الاساس على باطل، وان تقادم الزمن لا يحلل حرام الله ابدا، والا فعلينا ان نعترف بشرعية (اسرائيل) كدولة بعد ان مر على تاسيسها اكثر من نصف قرن.
   كما ان كل الانظمة الحاكمة في البلاد العربية نزت على السلطة بالسرقات المسلحة (الانقلابات العسكرية) او انها ورثت السلطة بمساعدة الاجنبي (الصليبي الكافر) كما هو الحال بالنسبة لحاكم قطر، مثلا، الذي طرد ابوه من السلطة بمساعدة ولي النعمة الاكبر (اميركا) وهذا ما اعترف به اكثر من مرة وزير خارجية الحاكم، والذي عين اليوم رئيسا للحكومة القطرية الجديدة، وذلك يعني ان كل هذه الانظمة غير شرعية، بما فيها النظام في مصر الذي توارث السلطة من زعيم اول انقلاب عسكري ناجح في البلاد العربية، زعيم القومية العربية، جمال عبد الناصر، فهي انظمة لم تفوض بسلطاتها من قبل الشعب، كما ان الامة لم تخولها السلطة باي شكل من الاشكال، فلماذا لا يقاتل (المجاهدون الابطال) هذه الانظمة في عقر دورهم لانقاذ البلاد والعباد من الباطل، لياتون الى العراق لمقاتلة الشعب العراقي بحجة تحريره من الباطل، ام ان الباطل باطلان، احدهما شرعي والاخر حرام؟.
   اما في الاردن فلم يكن للشريفيين اي حق في البلاد، بل ان الاردن، كدولة بحدودها الحالية، لم يكن موجودا على الخارطة الجغرافية حتى ذلك الحين، وانما اقتطعه البريطانيون اقتطاعا ليصوغوا منه دولة برسم البيع، فهم الذين اسسوا (دولة) الاردن وسلموها للشريفيين لارضائهم بعد ان (زعل) عليهم جد الشريفيين الاكبر، الشريف حسين، بسبب نقضهم للوعود التي كانوا قد قطعوها له، بالحفاظ على ملكه في جزء من بلاد الجزيرة العربية مقابل ان يقف معهم في حربهم ضد (دولة الخلافة) العثمانية ابان الحرب العالمية الاولى، فيما بات يعرف كذبا وزورا بالثورة العربية الكبرى، وهي في حقيقة امرها، الخدعة العربية الكبرى، فهي كبرى الخيانات العربية والاسلامية للامة.
   وآخرون لجأوا الى الدستور لتغييره حتى تنطبق بنوده على مقاسات الزعيم الذي ورث اباه في السلطة، ليتحول البلد بذلك الى نظام هجين يسميه البعض بـ (الجمهوري الملكي).
   كما ان بعضها، كلبنان، كتب دستوره الفرنسيون ابان الاحتلال، ليتحول بمرور الزمن الى وثيقة العهد الوطني المقدس الذي يربط بين اللبنانيين.
   اما جامعة الدول العربية، فهي اول مؤسسة عربية بنيت على باطل لان الذي اسسها هم البريطانيون (الصليبيون الكفرة) فهي باطلة جملة وتفصيلا ولهذا السبب، ربما، لم تنجح هذه المؤسسة في انجاز اي شئ يذكر للشعوب العربية لان نطفتها غير شرعية وانها تحولت بمرور الزمن الى اداة طيعة بيد الانظمة غير الشرعية هي الاخرى.
   كما ان عدد كبيرمن التنظيمات والاحزاب في البلاد العربية اسسها الاستعمار الغربي او الشرقي، لا فرق (اي الصليبيون والكفرة) فهي اذن تنظيمات باطلة لانها بنيت على باطل، بما فيها عدد من التيارات الدينية المعروفة التي لا زالت تنفذ خطط (ابو ناجي) في المنطقة.
   اما تنظيم القاعدة الارهابي فكلنا يعرف ويتذكر بان نواته الاولى اسستها اجهزة مخابرات دولية بالتعاون والتنسيق مع عدد من اجهزة مخابرات (اسلامية) وعربية، ربما من اجل ان تكون النطفة اقرب الى الطهارة منها الى النجاسة، لا ادري، فكيف تحول هذا التنظيم الى أمل ونموذج يفتخر به المثقفون العرب للجهاد في سبيل الله تعالى ولمقاتلة المحتل؟.
   ثالثا: على الاقلية المستفيدة من النظام الشمولي البائد ان تتيقن بان عقارب الزمن في العراق لن تعود الى الوراء ابدا، فبعد ان خرج المارد من قمقمه فسوف لن يعيده شئ اليه ولو سالت الدماء انهارا، فلا الاغلبية (الشيعة) على استعداد بان يعودوا كما كانوا في السابق، مواطنين من الدرجة الثانية، ولا الكرد مستعدون لان يعودوا مهمشين في بلادهم كما كان الامر في غابر الزمان، ولا الاقليات الاثنية والدينية تقبل بان تعود كشرائح مهمشة ومقموعة من قبل الاخرين، اقلية كانوا ام اغلبية، وان العراقيين يرفضون العودة الى عهد الانقلابات العسكرية عندما كان ينزو على السلطة حفنة من الضباط اللصوص ليسوقوا العباد بالحديد والنار مدد من الزمن لا يحصيها الا علم الله تعالى، ويسرقوا المال العام ويتصرفوا بالبلاد والعباد كهبات من رب العزة لهم وحدهم فقط.
   لقد ولى ذلك الزمن من غير رجعة، فاولى لهم ثم اولى ان يتعقلوا فيتصرفوا بروية ووطنية اكثر، فلا يخدعوننا بشعاراتهم الكاذبة والمراوغة، اذ ليس بوسعهم ابدا اقناع احد بانهم يقاتلون ضد المحتل، فكم جهة منهم وضعت يدها اليوم بيد (المحتل) من وراء ستار؟ وكم فئة منهم تسلموا الاموال والدعم السياسي من الاميركان (الصليبيين والمحتلين) من دون ان يتذكروا آية واحدة من القران الكريم فيها ذكر لليهود والنصارى؟.
   الم تشترك جبهة التوافق بالانتخابات وتدخل البرلمان والحكومة؟ الم يشارك زعيمها بكل الاجتماعات التي يحضرها سفير(الصليبيين) زاد؟ الم يتوافد ممثليهم على السفارة الاميركية في بغداد ليل نهار بين رائح وغاد؟.
   دعونا من هذا الخداع، ودعوا الشعارات المزيفة جانبا، ولنعترف جميعا بان العراق المحتل لا يمكن ان يتحرر بالشعارات المزيفة والوعود النفاقية الكاذبة، انما بالعقل والوعي والاتفاق والاتحاد بين العراقيين وبالخطط الامنية والسياسية والاقتصادية الرزينة والمتينة والفاعلة.
   كفى ايتام النظام البائد عنتريات وشعارات عفا عليها الزمن، واكتشفها حتى المغفلون، كفاهم رحلة الشتاء والصيف، ففي النهار مع زاد وفي الليل مع الارهابيين.
   رابعا: ليعترف كل العراقيين، بان الفكر الشمولي فشل في العراق، كما ان التطرف فشل وسيفشل في العراق، دينيا كان ام (ليبراليا) لان المجتمع العراقي متعدد ومتنوع الى ابعد حد، ولذلك فان الفكر القومي فشل وسيفشل، كما ان اليسار فشل وسيفشل، لانهما مدرستين شموليتين ومتطرفتين وان على التيار الديني ان يتعلم من التجربة، اذ انه سيفشل اذا اراد ان يحمل فكرا شموليا او متطرفا.
   كما ان على كل العراقيين ان يعترفوا بخطا النظام السياسي الذي بني على اساسه العراق مطلع القرن الماضي، والذي قام على اساس التمييز العنصري والطائفي، وعليهم جميعا الاعتراف بان التمييز بكل اشكاله الذي بنى عليه البريطانيون العراق الحديث، لا يصلح للعراق المتعدد، وان المساواة بين جميع المواطنين من دون تمييز، هو الحل الامثل والانجع لبناء دولة القانون الجديدة، وان من العيب حقا ان نسمع من لا زال يتحدث بلغة (هذا عجمي) وذاك (تبعة) والاخر(عراقي اصيل) محتجا بقانون الجنسية العراقية، الذي كتبه البريطانيون (الصليبيون) وفرضوه على العراقيين، او بقرارات الابعاد والتهجير واسقاط الجنسية التي اصدرها النظام البائد ضد مئات الالاف من العراقيين بسبب التمييز الطائفي البغيض، فالحارة صغيرة، كما يقول المثل، وكلنا يعرف بعضنا البعض، متمنيا ان لا نضطر في يوم من الايام للنزول الى مستوى اصحاب الطريقة هذه، لنكشف عن اصولهم التركية والقوقازية والداغستانية والفارسية والالبانية والهندية والروسية، والبقية تاتي في وقتها، وقديما قيل (كل شئ بوقته حلو).

   3 نيسان 2007
   

13
                                                           الرسول الكريم..خلود المعجزة
نــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   في ذكرى رحلة رسول الاسلام، محمد بن عبد الله (ص) في الثامن والعشرين من شهر صفر المظفر، استضافني مشكورا، يوم أمس، مركز الامام علي (ع) في العاصمة الاميركية واشنطن، لألقي محاضرة عن الذكرى، فاخترت موضوع الحديث عن سر خلود معجزة الرسول الأكرم، الا وهي القرآن المجيد.
   وبرأيي، فان سر خلود معجزة الرسول (ص) هو ارتباطها بعقل الانسان، وهو المخلوق الاعظم الذي خلقه الله تعالى من نور، كما ورد ذلك عن الرسول الكريم، وهو الذي قال عنه رب العزة في حديث قدسي{بك اثيب وبك اعاقب} ولان عقل الانسان لا حد له، وهو قابل للتطور في كل زمان ومكان، لذلك فان معجزة الرسول الاكرم (القرآن الكريم) التي تتحدث الى العقل، خالدة لا حد لها، وستظل تتحدى الانسان في اسرارها وعلومها ومعانيها ومضامينها الى يوم يبعثون.
   وبقليل من التمعن والتدبر في آيات القرآن الكريم، يتبين لنا بان الهدف الاسمى لمعجزة الرسول الكريم(ص) هو ان يعمل الناس (احسن) العمل وليس مجرد العمل فقط، ولذلك نحن نقرا في العديد من آيات القرآن الكريم هذا المعنى بشكل واضح، كقوله تعالى{وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا} وفي قوله عز وجل{انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا} وفي قوله تعالى{ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات انا لا نضيع اجر من احسن عملا} وفي قوله عز من قائل{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور} والعشرات من الايات بهذا المعنى، وهذه دعوة قرآنية واضحة وصريحة للانسان، لأن يجتهد ويبذل قصارى جهده من اجل انجاز احسن الاعمال، من خلال الاخذ بالاسباب والادوات والعوامل التي تعينه على ذلك.
   لقد خلق الله تعالى الانسان على احسن صورة، كما في قوله تعالى{لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم} وفي قوله تعالى{خلق السماوات والارض بالحق وصوركم فاحسن صوركم واليه المصير} وفي قوله عز وجل{الله الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء بناء وصوركم فاحسن صوركم} وفي قوله عز من قائل{الذي احسن كل شئ خلقه وبدا خلق الانسان من طين} كما انه تعالى فطرالانسان على احسن فطرة، كما في قوله تعالى {فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون} وفي قوله تعالى{صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون} كما انه تعالى بعث للانسان احسن الدين واتم المناهج، كما في قوله تعالى {ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم} وفي قوله تعالى{ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا} وفي قوله عز وجل{افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون} وفي قوله تعالى {الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم في ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} وفي قوله تعالى{ولا ياتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا} كما انه تعالى قص على الانسان احسن القصص والعبر الانسانية، كما في قوله تعالى{نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين} وعندما يكون للانسان احسن خالق كما في قوله تعالى{اتدعون بعلا وتذرون احسن الخالقين} وفي قوله تعالى{ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين} وعندما يكون له احسن رسول كما في قوله تعالى يصف رسول الاسلام{وانك لعلى خلق عظيم} وفي قوله تعالى{لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا} عندما يكون كل ذلك واكثر لهذا الانسان، فلماذا لا يحقق الهدف الاسمى من الخلق الا وهو{احسن عملا} كما هو المطلوب منه؟ اما اذا اخفق في ذلك، افلا يعني ان المشكلة في الانسان نفسه وليس في الخالق او الخلق او المنهج؟ بالضبط كالابن الذي يهئ له ابوه كل اسباب التفوق والنجاح من خلال تسجيله في احسن المدارس ذات المناهج الدراسية والتربوية النموذجية ويهئ له افضل الاساتذة والمعلمين وافضلهم خبرة في التدريس والتعليم، ثم يهئ له افضل اللباس والطعام واسباب الراحة، ومع كل هذا لا يتفوق هذا الطالب في المدرسة ولا يحقق النتائج المرجوة منه وهو يتمتع بكل اسباب التفوق، افلا يعني ان المشكلة فيه، اما بسبب عدم قدرته على الاستيعاب او اهماله لواجباته المدرسية او عدم اعتنائه بدروسه او تقصيره في قراءة المناهج، او ربما بسبب تسيبه ولا اباليته؟ من دون ان نحمل اي واحد آخر سبب عدم تفوقه والحال هذه.
   الانسان كذلك، فعندما يكون له احسن خالق وقد صوره في احسن هيأة وخلق وبعث له احسن رسول وامام وباحسن منهج ومدرسة، ثم يفشل في انجاز احسن الاعمال فهذا يعني ان هنالك خلل في هذا الانسان وليس في خالقه او دينه او نبيه.
   هنا يرد السؤال التالي، الا وهو:
   كيف يمكن للانسان ان ينجز احسن الاعمال باعتماد معجزة الرسول الكريم الخالدة الا وهي القرآن الكريم؟ وبعبارة اخرى، كيف يمكن ان يكون القرآن الكريم معجزتنا الخالدة؟.
   الجواب، من خلال الاخذ بالاسباب التي تعينه على ذلك وهي كما يلي:
   اولا؛ اتباع احسن القول، كما في قول الله عزوجل{الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هو اولوا الالباب}.
   ثانيا؛ الاخذ باحسن ما انزل الله تعالى، من خلال اعتماد افضل التفسير والتاويل، كما في قوله تعالى{واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم من قبل ان ياتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون} او في قوله تعالى{وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وامر قومك ياخذوا باحسنها ساريكم دار الفاسقين}.
   ثالثا؛ الدعوة بالحسنى، والجدال بالتي هي احسن، من خلال انتهاج طريق المنطق والدليل والحكمة واللين، كما في قوله تعالى{ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين}او في قوله تعالى{وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان الشيطان ينزغ بينهم ان الشيطان كان للانسان عدوا مبينا} او في قوله تعالى{ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن} او في قوله عز من قائل{ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين}.
   رابعا؛ التدافع بالتي هي احسن عندما تصل مراحل الجدال الى طريق مسدود مع الاخر، وعدم استخدام العنف كنهاية لاي حوار، كما في قول الله تعالى{ادفع بالتي هي احسن السيئة نحن اعلم بما يصفون} او في قوله عز وجل{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم}.
   اذن، فان طريق تحقيق {احسن عملا} هو الاصغاء الاحسن والاختيار الاحسن والحوار والجدال الاحسن وبالتالي الدفع بالتي هي احسن، فاذا تحقق كل ذلك، تحقق {احسن عملا} وعندها سنكون المصداق العملي والواقعي الواضح لقول الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي اوصى شيعته بقوله {كونوا لنا دعاة صامتين} او {كونوا لنا دعاة بغير السنتكم} ومعنى ذلك ان تكون داعية بعملك الحسن وليس بالقيل والقال او بالادعاء الفارغ الذي يناقض في احيان كثيرة اعمال الانسان وانجازاته، اذ، وكما هو معروف، فان اختبار دين الناس بعملهم وليس بما يدعون او يقولون، والى هذا المعنى اشار قول الرسول الكريم (ص) {الدين المعاملة} اذ ليس المهم ما يقوله الانسان، وانما ما يعمله، فكثيرون هم الذين يقولون القول الحسن ويرفعون اعظم الشعارات، الا ان القليل منهم هم الذين يصدقون اقوالهم الحسنة المحببة بافعالهم الحسنة، وشعاراتهم الخلابة والساحرة بانجازات انسانية تنفع الصالح العام.
   اذا تحقق كل ذلك، فستكون الخاتمة لهذا الانسان، احسن خاتمة، وسيجزى احسن جزاء، كما في قول الله تعالى{ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون} وفي قوله عز من قائل{ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون} وفي قوله تعالى{من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون} وفي قوله عز وجل{ليجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب} وفي قوله تعالى{اصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا} و{الذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم احسن الذي كانوا يعملون}و{ليكفر الله عنهم اسوا الذي عملوا ويجزيهم اجرهم باحسن الذي كانوا يعملون}و{رسولا يتلو عليهم آيات الله مبينات ليخرج الذين امنوا وعملوا الصالحات من الظلمات الى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا قد احسن الله له رزقا} وفي قوله تعالى{اولئك الذين نتقبل عنهم احسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في اصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}.
   السؤال الآخر الذي يقفز هنا، هو؛
   كيف يمكن ان ناخذ بكل هذه الاسباب التي تعيننا على انجاز العمل الاحسن؟.
   الجواب، من خلال تغيير الذات اولا، كما قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم{له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم} او في قوله تعالى{ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بانفسهم وان الله سميع عليم}.
   وان تغيير الذات يبدا من تغيير العقلية الى الاحسن والافضل، وذلك بمقومين اساسيين، هما المعرفة والتدبر او التعقل، وان طريق المعرفة هو القراءة وطلب العلم، ولذلك الح القرآن الكريم على طلب العلم والقراءة، وان اول ما امر به الرسول الكريم (ص) هو ان يقرأ كما في قول الله تعالى مخاطبا الرسول الكريم (ص){اقرا باسم ربك الذي خلق} كما اشارت العديد من احاديث رسول الله (ص) الى طلب العلم والمعرفة، كما في قوله (ص){طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة} و{اطلبوا العلم ولو بالصين}و{العلم نور والجهل ظلام} وغيرها الكثير من الاحاديث الشريفة والاقوال الماثورة الواردة عن المعصومين من اهل بيت العترة الطاهرة عليهم السلام.
   اما المقوم الثاني، فهو التدبر والتفكر والتعقل، كما في قوله عز وجل{افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} وفي قوله تعالى{افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها} و{الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} و{كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون} و{ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} و{انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما انزل اليهم ولعلهم يتفكرون} و{لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}و{كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون}و{انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}و{كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون} وفي الحديث الشريف{تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة} وفي آخر يصف عبادة الصحابي الجليل ابا ذر الغفاري رضي الله عنه{وكان اكثر عبادته التفكر} والتدبر هنا لا يعني في آيات القرآن الكريم فحسب، بل في كل آيات الله عز وجل، وفي كل خلق وظاهرة.
   اذن، بالقراءة والتفكر يتغير العقل نحو الافضل والاحسن، فيكون مستعدا للاخذ بالاسباب التي تمكنه من تحقيق{احسن عملا} وبذلك تتحقق معجزة الرسول الكريم الخالدة (القرآن الكريم) في كل آن ومكان.
   السؤال الآخر المهم الذي يقفز في الذهن هنا، هو، ماذا نقرأ؟ وأية ثقافة نحتاج اليوم؟.
   برأيي، فان الذي نحتاج لقراءته هو امران، الاول الذات والثاني الآخر، الناجح لنتعلم منه كتجربة انسانية، والفاشل لنتعلم منه اسباب الفشل فنتجنبها.
   في مجال قراءة الذات، علينا ان نضع جدولا زمنيا وخطط دائمة من اجل اعادة قراءة تاريخنا وسيرة الرسول الكريم وائمة اهل البيت الاطهار، ففي سيرهم جميعا تجارب ثرة وقيم انسانية عظيمة، تعلمنا كيف ناخذ باسباب التقدم والتطور والتنمية، وقبل ذلك علينا ان نقرأ القرآن الكريم برؤية جديدة ووعي متجدد.
   مشكلتنا اننا نقرا المعصومين كعواطف فقط، وهذا خطأ فادح وتقصير بحقهم وبحق انفسنا، فالحسين بن علي الشهيد سبط رسول الله(ص) مثلا، ليس عواطف فقط، وليس دموعا وبكاءا ونحيبا فحسب، بالرغم من اهمية كل ذلك، ولكن الى جانب الدمعة، علينا ان نقرا الحسين ــ الرسالة والقيم والفلسفة والمبادئ التي ضحى من اجلها والاسباب والادوات والوسائل التي ثار بها طلبا للاصلاح، وكذا الحال بالنسبة الى بقية المعصومين، وكذا الحال عندما نقرا احاديثهم واقوالهم ورسائلهم، وما تركوه لنا من اسفار عظيمة، كنهج البلاغة للامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام والصحيفة السجادية للامام السجاد زين العابدين علي بن الحسين عليهم السلام، فان في كل دعاء من ادعية هذه الصحيفة التي سماها المعصومون بزبور آل محمد، الكثير من الكنوز والكثير من العلوم والقيم والمناقبيات والفلسفة.
   وبهذه المناسبة، فانا اقترح ان يضع كل واحد منا جدولا زمنيا لنفسه ولمن يعنيه امره من اولاده واهل بيته، ويقرر ان يقرا كتابا عن كل معصوم تمر علينا ذكرى ولادته او شهادته، او على الاقل نقرر ان نقرا ما لا يقل عن عشرة اقوال من اقواله او من خطبه ورسائله، لنكون قد قرأنا، وعلى مدار كل سنة، شيئا عن الرسول الكريم وائمة اهل البيت والعظماء من تاريخنا المجيد.
   بشأن قراءة الاخر، علينا ان نقرا كل تجربة انسانية مر بها شعب من الشعوب، فلا نتعصب لثقافتنا، بل يجب ان ننفتح على ثقافات الاخرين وتجاربهم الانسانية الثرة، ففيها الكثير من التجارب والعبر واسباب النجاح والتقدم والتطور، ولهذا السبب نقرا في القرآن الكريم الكثير من تجارب وقصص الامم السالفة بحسنها وسيئها، من اجل العبرة والاعتبار، ولقد قص علينا ربنا عز وجل في كتابه الكريم احسن القصص من اجل تنبيهنا مسبقا، ونحن نهم بالمرور بقنطرة الحياة التي مر بها الاولون، كما اشارت الى ذلك الآية المباركة {نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القران} ومن اجل ان نعتبر ممن سبقنا، كما في قوله تعالى{ان في ذلك لعبرة لمن يخشى}.
   لنقرا تجارب العظماء، ولنقرا تجارب الشعوب الناجحة في هذا العالم، كالشعب الياباني والهندي والالماني، وكذلك تجربة الحضارة والمدنية في الولايات المتحدة الاميركية، لنكتشف حقائق الدستور الذي كتب منذ اكثر من قرنين ولا زال حيا طريا يشق طريقه في الحياة اليومية الاميركية بلا هوادة، ولنتعرف على نوعية الثقافة التي لا تدع الرئيس الاميركي، وهو زعيم لاكبر واعظم دولة في هذا العالم، يتشبث بالسلطة لمجرد انتهاء مهام عمله الدستورية، ليعود مواطنا عاديا يكمل بقية عمره بعيدا عن البيت الابيض، فيما نرى الاخر عندنا يرفض ترك السلطة الا بالموت او بالانقلاب العسكري او بالتآمر عليه، فهو مستعد لفعل كل حرام واستباحة الدماء الطاهرة واراقتها انهارا والاعتداء على كل مقدس، وتدمير البلاد وخيراتها، كل ذلك من اجل أن يبقى في السلطة ولا يتركها، اما اذا كان الزعيم قد ورث السلطة، فالعياذ بالله من حظ ذاك الشعب الذي يبتلى بمثل هذا الحاكم، الذي يعين عليه حاكما حتى قبل ان يعقد ابوه نطفته في بطن امه.
   اما في العراق، قضيتنا المركزية اليوم، فالمشكلة اننا لا زلنا نحمل نفس الثقافة التي ورثناها من النظام الشمولي البائد، وفي نفس الوقت، نريد ان نبني بها عراقا جديدا قائما على اساس الحرية والعدالة والمساواة والتداول السلمي للسلطة، وهل يعقل ذلك؟ اذا كانت هذه الثقافة قادرة على ان تبني مثل هذا العراق الجديد لبناه النظام السابق، ولذلك علينا ان نتثقف بثقافة جديدة قائمة على اساس الحوار والتعايش واللاعنف والقبول بالآخر مهما اختلفنا معه، لا زال لم يحمل السيف كاداة للحوار والجدال والنقاش والتنافس السياسي.
   ثقافة قائمة على اساس الحرية والكرامة والمواطنة الحقيقية وتكافؤ الفرص وعدم التمييز على اساس العرق او الدين او المذهب او المنطقة او الانتماء الحزبي او التوجه السياسي والثقافي والفكري، ونبذ الفكر الشمولي والاحادي، دينيا كان ام ليبراليا، لا فرق.
   وان من اكثر ما يجب ان نهتم بحسن ثقافته هي المرأة التي لا زالت، وللاسف الشديد، الضحية الاول والاكبر لسياسات العنف والاقصاء والتهميش، ولا اقصد بالعنف هنا الارهاب فقط، لا، وانما اقصد به كل انواع العنف، كالعنف الاسري، كما ان الطفل لا زال مقموع في الاسرة لا يحق له ان يعبر عن نفسه، ولا زال العنف هو الوسيلة المفضلة لدى المعلم في المدرسة، فالعنف هو الاداة الغالبة من بين كل ادوات التعليم الاخرى، وان كل ذلك يترك اثرا سيئا كبيرا على الانسان وهو طفل صغير لتلازمه وهو ينمو ويشب ويكبر، لتظهر في الكبر على شكل ممارسات عنفية وعاطفية غير محسوبة.
   لذلك، يجب علينا ان نمنح المرأة والطفل على وجه التحديد، الفرصة تلو الاخرى من اجل القراءة والتعليم وطلب المعرفة، فالام الجاهلة لا يمكن ان تربي جيلا متعلما، وان الام التي لا تقرأ ولا تكتب، من غير الممكن ان ننتظر منها صناعة جيل جديد يعرف كيف يعيش وكيف يتعامل مع نفسه ومع الاخرين، وصدق الشاعر الذي قال:
             الام مدرسة ان اعددتها             اعددت جيلا طيب الاعراق
   ان ما يؤسف له حقا، هو ان الكثير من الناس الذين شاءت الظروف ان يهاجروا الى بلاد الفرص الجديدة كاوربا واميركا وغيرها، لا زال الكثير منهم ينظرون الى المرأة على انها تلك العورة التي يجب ان تلازم المنزل ولا تخرج منه، فيحرمونها من طلب العلم والمعرفة في الجامعة، وفي كثير من الاحيان يحرمونها حتى من نعم وفوائد الشبكة العالمية للمعلوماتية (الانترنيت) فيحرمون عليها الاطلاع على المعارف والمعلومة والاخبار وقراءة الكتب بحجة انها مفسدة، من دون ان يحملوا انفسهم عناء المراقبة والمساعدة للاستفادة منها بالشكل الصحيح.
   دعوا المرأة تتعلم لنضمن مستقبلنا الزاهر، وساعدوا المراة على طلب العلم وامنحوها الفرصة لتتسلق المراتب العليا للعلم والمعرفة، من اجل غد افضل لاجيالنا الصاعدة.
   كما ان علينا ان نمنح الصغار فرصة التعبير عن انفسهم، وفرصة السؤال، فلا نقمعهم او نبعدهم عن مجالس العلم والمعرفة لاي سبب كان، ليتعلم الطفل الصغير كيف يعبر عن نفسه وكيف يسال وعن ماذا يسال ولماذا، ومن ثم يتعلم كيف يتحدث؟ ولنتذكر بان الطفل كجهاز الحاسوب (الكومبيوتر) له القابلية العجيبة والغريبة على تسجيل وحفظ كل ما يسمعه او يراه، ولذلك يجب ان نكون حذرين عندما نتكلم مع امه او اهل بيته او اقاربه او مع الاخرين امامه، لانه سيتعلم ما يسمعه، وان لم تكن له القابلية على التعبير عنه في مثل هذا العمر، الا انه سيعبر عنه في يوم من الايام، فان خيرا فخيرا، وان شرا فشرا.

   18 آذار 2007

14
العراق..الفشل والحل
[/color]
نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدرNAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
   
   كمواطن، يحق لي اليوم ان اقيم عمل الحكومة العراقية، واحكم عليها ما اذا كانت قد نجحت أم فشلت في مهامها، وذلك بعد مرور أكثر من ستة اشهر على ولادتها، وهي المدة الزمنية التي كنت قد حددتها في مقال سابق، قبل ان احكم لها او عليها.
   وقبل ان اصدر حكمي الشخصي على الحكومة العراقية، اود ان ابين ملاحظة في غاية الاهمية، وهي ان المقصود بالحكومة العراقية، كل الزعماء والقادة الذين يشتركون في العملية السياسية بشكل مباشر، وهم، كما نعرف مجموع اعضاء المؤسسات الرئاسية الثلاث، رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، ولذلك فسوف لن ارحم او اغفل اي واحد منهم في مقالتي هذه، من اجل مصلحة العراق والعراقيين.
   اقول ذلك لان كل الزعماء والقادة يصرون على تسمية الحكومة الحالية بحكومة الوحدة الوطنية، وان المسؤوليات في الرئاسات الثلاث، متساوية بين جميع الفرقاء وانها مسؤولية تضامنية بين مختلف الاطراف المشاركة، ولذلك لا يحق لاي احد منهم ان يتهرب من المسؤولية او يتحجج باية اعذار.
   اما غير المشتركين او الرافضين للعملية السياسية، فهؤلاء في الحقيقة يتحملون القسط الاكبر من مسؤولية الفشل لانهم تورطوا في الارهاب من قمة رؤوسهم الى اخمص اقدامهم، ولذلك فسوف لن اتحدث كثيرا عن هلؤلاء، فدورهم معروف ومسؤوليتهم مفروزة مسبقا.
   كما انني لن اتحدث عن دور دول الجوار، خاصة الانظمة العربية الطائفية التي ترتعد فرائصها كلما طرق سمعها مصطلحات مثل التغيير والاصلاح والديمقراطية وصندوق الاقتراع وغر ذلك، في الفشل، كما لن اتحدث عن دور الاخطاء الاميركية والدولية القاتلة في ذلك، وانما احاول ان احصر الحديث في مسؤولية الزعماء والقادة الذين تصدوا للعملية السياسية والذين طالما ظل العراقيون يبررون لهم ويمنحونهم الفرصة تلو الاخرى من اجل تمكينهم لتحقيق نجاح ما.
   فما هو الحكم الذي يمكن ان اصدره على الحكومة، بعد مرور اكثر من ستة اشهر على تصديها لمهامها الدستورية؟.
  انها، وبكل بساطة ووضوح واسف، حكومة فاشلة بكل المعايير.
   فلقد فشلت في تحقيق اي شئ يذكر، كما انها فشلت في تحقيق اي انجاز سوى الشعارات والكلام الفارغ والوعود المعسولة والاماني البائسة، والخطط الميدانية النظرية التي لم تحقق شيئا للناس.
   وبذلك تكون هذه الحكومة قد فقدت شرعيتها، لان شرعية الحكم في اي بلد في العالم لا تعتمد على كيفية اختيار الحكومات، بل على قدرة الحكومة لتلبية احتياجات شعبها اليومية.
   وللتدليل على فشل (حكومة الوحدة الوطنية) التي تفتقر الى ابسط مقومات النجاح والمتمثل في الانسجام بين اعضائها، اسوق الامثلة البسيطة التالية:
 خذ مثلا على ذلك، الملف الامني الذي طالما ظلت الحكومة تعلن يوميا عن خطط جديدة لمواجهة العنف والارهاب، الا ان المحصلة ليست صفرا وانما دون الصفر، فلقد شهدت الاشهر الثلاثة الاخيرة اعنف موجة ارهاب سالت فيها الدماء انهارا، لدرجة ان الكثير من العراقيين، حتى من ضحايا النظام البائد، راحوا يترحمون على ايام (النباش الاول) ولعلكم سمعتم بقصته الظريفة التي ذهبت مثلا بين العراقيين.
   اما على صعيد التنمية واعادة البناء، فلم يشهد العراق شيئا من ذلك طوال فترة تصدي هذه الحكومة لمسؤولياتها الدستورية.
   وهكذا بالنسبة الى محاربتها للفساء المالي والاداري الذي انتشر كالسرطان في مختلف اجهزة الدولة.
   كما ان السيادة ظلت عالقة خلال الاشهر الستة الماضية، على الرغم من كثرة الحديث عنها، خاصة بعد كل اجتماع قمة بين العراقيين والاميركيين على وجه التحديد.
   فلماذا فشلت الحكومة العراقية في تحمل مسؤولياتها؟ وهل يحق لها الاستمرار في عملها، بعد كل هذا الفشل المريع؟. وما هو مصير العملية السياسية والديمقراطية الموعودة؟ وما هو الحل المقترح للخروج من الازمة الخانقة التي لا يرى احد فيها اي بصيص امل؟.
   لقد حاصرت الحكومة نفسها عندما قبلت بان تنقلب على نتائج صندوق الاقتراع، وتنصاع للمشروع الاميركي الرامي الى تشكيلها على اساس التوافق والمحاصصة، والذي ساوى بين الجميع في الحقوق بغض النظر عما يمتلكه كل طرف من مقاعد في البرلمان، فتم تقسيم السلطة الى ثلاثة اقسام، وبالتساوي، من خلال منح الجميع حق النقض (الفيتو) في كل مرافق ومؤسسات الدولة الجديدة، ما عطل فاعليتها وافرغ محتواها من الحقيقة المقصودة من الانتخابات.
   اما اسباب الفشل، فبرأيي ، تعود الى ما يلي:
   اولا: لم يكن هدف الذين تصدوا للمشهد السياسي العراقي منذ سقوط الصنم ولحد الان، الانسان، بل كان هدفهم الموقع، ولذلك فان كل الذي بذلوه كان من اجل السلطة وللسلطة، وليس من اجل الانسان، وفرق كبير بين من يرمق الموقع بعينه لخدمة الانسان، وبين من يرمق الانسان بعينه للوصول الى الموقع.
   فالاول يركل السلطة بقدميه اذا لم تكن وسيلة لاقامة الحق والانصاف بين الناس، اما الثاني، فيركل الناس للوصول الى السلطة.
   الاول يقول، والله ما امرتكم هذه الا كعفطة عنز الا ان اقيم حقا او ادحض باطلا، والثاني يقبل بكل الشروط المذلة للوصول الى السلطة.
   لذلك ورد على لسان امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قوله {ان رسول الله (ص) امرنا ان لا نعطي السلطة لمن يطلبها} اي الذي يبدي تهالكا عليها، لان مثله لا يرعى الا ولا ذمة في الناس، لان هدفه السلطة وليس الناس.
   ثانيا: لقد غابت نظرية التمكين من الساحة السياسية العراقية، وحلت محلها نظرية التربص، فكل متربص بالآخر، يعرقل عمله خشية ان يحقق انجازا فيكتب باسمه فياتي على حساب رصيد الاخر.
   لم يتمن احد منهم للاخر النجاح، ولم يمكن احدهم الاخر على انجاز مهامه الموكولة اليه، فكانت محصلة عمل الجميع (صفرا) لان التربص يمنع الجميع من تحقيق انجاز ما، كما انه السبب المباشر في فشل الجميع، وان كانوا يضنون بان فشل احدهم نجاح للآخر.
   ثالثا: لم يتعامل اي احد منهم كرجل دولة، مسؤول عن بلاد وعن شعب، وانما تعاملوا كشيوخ قبائل او زعماء احزاب او قادة طوائف او مدراء شركات.
   لقد غاب مفهوم الزعامة الوطنية بصورة مرعبة، وللاسف الشديد، فلم يعد في العراق زعماء وطنيون، يقدمون مصلحة البلاد على مصالح الفئة، ومصالح الناس على مصالح الاسرة او القبيلة، ومصالح العراق على مصالح هذه المدينة او تلك.
   لقد تخندق الجميع كل في بئره، الاسرة، الحزب، الطائفة، القومية، المدينة، فكل شئ كان حاضرا الا الوطن، وكل الاعضاء والمنتسبين والاقرباء كانوا في وعي الزعيم الا الشعب.
   رابعا: لقد بدا الجميع، بلا رؤية استراتيجية، فضاعوا واضاعوا العراق بين كومة من التكتيكات المتناثرة التي ان جمعتها الى بعض لم تشكل حتى استراتيجية واحدة، وكما هو معلوم، فان الدول لا تبنى بالتكتيكات مهما كثر عددها، وانما بالاستراتيجيات، مهما قل عددها.
   ولانهم بدأوا من دون رؤية استراتيجية لبناء الدولة، فلذلك استعجلوا، ففشلوا.
   الشيعة استعجلوا في اقتطاف ثمار المظلومية التي تراكمت في تاريخهم على يد الاقلية الطائفية، فاخافوا شركاءهم في الوطن.
   والكرد استعجلوا في جني ثمار المظلومية كذلك والتي تراكمت هي الاخرى على يد الاقلية العنصرية، فلم يبالوا كثيرا بما يجري خارج حدود الاقليم.
   والسنة، تمسكوا بالماضي فرفضوا الاعتراف بالخطا، وتاليا الاعتراف بالواقع الجديد، الذي يجب ان يقوم على اساس الشراكة الحقيقية بين كل مكونات المجتمع العراقي من دون استثناء، لدرجة انهم بدوا فيها وكانهم يربطون مصيرهم بمصير الطاغية الذليل صدام حسين، كما يبدو للمتابع انهم يربطون مصير العراق بالماضي.
   ولان هذه الاطراف الثلاثة، استعجلت، ولذلك ضاعت حقوق بقية شرائح المجتمع، خاصة من الاقليات القومية والدينية الاخرى.
   ولانهم استعجلوا، لذلك قراوا الاستحقاقات بالمقلوب او بشكل ناقص او خاطئ.
   السنة، استحقاقات الماضي، وكان ذلك خطأهم القاتل، اذ ظنوا ان الحاضر والمستقبل كالماضي.
   الشيعة، استحقاقات الانتخابات، فكان ذلك خطأهم القاتل، اذ ظنوا ان الحاضر الجديد تبنيه استحقاقات صندوق الانتخابات فقط، فنسوا استحقاقات الماضي والاحتلال وتراكم الجهل ومخلفات الاستبداد والديكتاتورية والنظام الشمولي.
   الكرد، استحقاقات الفوضى، وكان ذلك خطأهم القاتل، ظنا منهم بان استقرار الجزء سيدوم في ظل فوضى المجموع، وما دروا بان العراق وحدة واحدة لا يمكن ان يتجزا، فاما ان يستقر كله، او تعم الفوضى جميعه.
   خامسا:لقد اسميت مرة {التوافق والمحاصصة وحق النقض، الفيتو} بالثالوث المشؤوم، ويبدو اليوم انني كنت محقا في ذلك، فعندما اعتمد الساسة هذا الثالوث في توزيع الادوار، دمروا الديمقراطية بالغاء نتائج الانتخابات، وشلوا البرلمان والحكومة، وافرغوا العملية السياسية من محتواها الحقيقي.
   وما زاد الطين بلة، ان هذا الثالوث اطر العملية السياسية باسوء حالات الاستئثار، الامر الذي ادى الى ابعاد الطاقات العراقية الخلاقة والكفاءات النزيهة والخبرات المتراكمة، لا لسبب الا لانها ليست من ضمن المحاصصات، ايا كان نوعها، لدرجة ان الحكومة تشكلت على اسس غريبة للغاية، فمثلا، بدلا من ان تدور وزارة من الوزارات على الوزراء المرشحين لتولي مهامها، بحثا عن الانسب، راينا ان الوزير المرشح يدار به على الوزارات ليتم له تفصيل وزارة على مقاساته، ولذلك استوزر اشخاص على اساس القاعدة المشهورة ولكن بالمقلوب، فكان {الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب}.
   سادسا: العملية السياسية الحالية تمر بازمة ولاء خطيرة، وذلك بسبب التاثير اللامتناهي الذي خلفته سياسات النظام الشمولي البائد، هذه الازمة التي شب عليها الطفل الصغير، وشاب عليها الكبير، عندما لخص الطاغية الذليل صدام حسين العراق بشخصه، فرفع شعار {اذا قال صدام قال العراق} وعندما حرم المواطن من كل حقوقه فلم يعد يتحسس بما يمكن ان يربطه بالعراق والولاء اليه.
   لقد كان الولاء في الزمن البائد للطاغية وليس للوطن، واذا اتسع فللعشيرة التي تتمتع بحضوة عنده، او للقرية او المدينة التي ينحدر منها الطاغية، اما الولاء للوطن، فهو آخر ما كان يفكر به المواطن، هذا في حال انه تذكر الوطن، ولم يشغله شغف العيش عن التفكير به.
   سابعا: انهم يتعاملون بلامسؤولية غريبة، واحيانا بلا أبالية قاتلة.
   خذ مثلا على ذلك، اجتماع مجلس النواب، فان اكثر اجتماعاته تلغى لعدم اكتمال النصاب القانوني، واذا ما اكتمل النصاب ففي حده الادنى، لماذا؟ اولم ينتخب العراقيون نوابهم في هذا المجلس ليجتمعوا ويقرروا؟ ام انهم انتخبوهم من اجل الموقع والراتب والابهة؟.
   اعتقد ان ذلك يعود الى احد سببين، فاما بسبب انعدام الشعور بالمسؤولية، او بسبب الاحساس بعم جدوائية الحضور، فتساوى عنده الحضور والغياب، لانه يعلم مسبقا بان القرار لا يتخذ تحت قبة البرلمان وبالتصويت الحقيقي الحر، وانما يتخذ القرار وراء الكواليس وباجتماع قادة الكتل، وهو، في هذه الحالة، ليس اكثر من يد ترفع متى ما اراد الزعيم، وتنزل متى ما اراد كبيرهم، على طريقة (موافق) التاريخية المعروفة.
   انه يعلم علم اليقين، بان القرار بيد الكبار، وليس بيد جيش الصغار، فلماذا يحضر ويعرض نفسه للخطر؟ ما يعني ان الصوت في هذه الحالة لا قيمة له في اتخاذ القرارات، خاصة المصيرية منها.
   كذلك، فانهم يريدون ان يبنوا العراق ويديروا البلد من سجن المنطقة الخضراء، او من مكان بعيد، باجهزة التحكم عن بعد، لدرجة ان بعض الوزراء لم يزر حتى الان بناية وزارته، وقد مر على تعيينه وزيرا أكثر من ستة اشهر، كما ان بعضهم يدير وزارته من عواصم عربية مجاورة، وكل ذلك بحجة انعدام الامن، وكأن العراقيين لا يكتوون بناره، أو كأن دمه اغلى من دمائهم، او كأنه لم يكن يعرف بذلك عندما قبل الموقع والمسؤولية؟.
   ثامنا: وفوق كل هذا وذاك، خدع الزعماء انفسهم بمشروع ما يسمى بالمصالحة الوطنية، الذي وفر لجماعات العنف والارهاب، وللجماعات التي لا تؤمن اساسا بالعملية السياسية ولا بالديمقراطية وادواتها، غطاءا قانونيا يزحفون به على العملية السياسية لتدميرها وذبحها، ليس بالسيف ولكن بـ (القطنة) كما يقول المثل.
   هؤلاء الذين يشبه حالهم حال اولائك الذين اسلموا عند رسول الله (ص) ليس ايمانا منهم بالدين الجديد، وانما درءا للخطر وليتسللوا الصفوف من اجل ان يتآمروا على الاسلام ونبيه، اولئك الذين يتحدث عنهم القرآن الكريم بقوله {الذين اتخذوا ايمانهم جنة ليصدوا عن سبيل الله} فاعتناقهم الدين الجديد كان بالنسبة لهم وقاية من الشبهة لتنفيذ مكائدهم ومآربهم ومؤامراتهم ضد الدين الجديد.
   وتتكرر الحالة اليوم في العراق، فلقد تسللت مجموعة من امثال هؤلاء الى العملية السياسية، وفي اجهزة الدولة، للكيد بالديمقراطية الناشئة، والتآمر عليها، بعد ان ضمنوا لانفسهم غطاءا قانونيا وشرعيا يحول بينهم وبين الاعتقال مثلا او ما اشبه، وما قصة الكشف عن منزل احدهم والذي تحول الى مصنع لتفخيخ السيارات، لنشر الموت والدمار بين العراقيين، الا نموذج من هذا.
   لقد تسلل امثال هؤلاء الى العملية السياسية الجديدة الناشئة وقد ساعدهم في ذلك اكثر من عنصر؛
   الاول، بساطة وسذاجة المؤمنين بالعملية السياسية، فما دروا بان هؤلاء ما دخل الايمان بالديمقراطية في قلوبهم لحظة واحدة، وان هدفهم ينحصر في بذل كل الجهود من اجل العودة بالعراق الى سابق عهده، تحكمة الاقلية فتهمش الاغلبية.
   الثاني، دعم الانظمة العربية الطائفية التي لا يمكن ان تقتنع بدور للاغلبية العراقية في العملية السياسية، ولذلك ظلوا يدعمونهم بكل الاسباب والوسائل من اجل زرعهم في العملية السياسية لتدميرها في وقت لاحق وعندما تحين الفرصة المناسبة.
   الثالث، دور ومواقف السفير الاميركي السابق الطائفي زاد، المعروف عنه حقده الدفين ضد الاغلبية من العراقيين، بسبب اصوله الاثنية وثقافته الطائفية التي شب عليها في مسقط راسه.
   وبصراحة اقول؛
   لقد ابتلي العراق اليوم بزعامات خائفة وقلقة ومترددة، ولا اقول اكثر من ذلك، فاذا بقيت على راس الامور، فعلى العراق وديمقراطيته الوليدة الناشئة السلام.
   اما الحل المقترح للازمة، فاعتقد انه ممكن بالخطوات التالية، بعد ان بات من غير الممكن تعديل الحكومة الحالية بما يؤهلها لاستعادة عافيتها من اجل ان تكون بنفسها حكومة انقاذ وطنية قادرة على الابتعاد عن تاثيرات المحاصصة والحزبية الضيقة، كفوءة ونظيفة وغير متورطة بفساد من اي نوع كان:
   اولا؛ الاعلان عن استقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة انقاذ وطني مصغرة من عدد محدود من الوزراء، على ان لا يشترك فيها اي من الزعماء الذين اشتركوا لحد الان في مؤسسات الدولة، من الذين اثبتوا فشلهم، فكيف يمكن ان نرتجي الحل في الفاشلين؟.
   يجب ان تكون الحكومة المقترحة مستقلة، لتقف على مسافة واحدة من الجميع، فتتعامل معهم من دون تمييز، على ان تكون حكومة متخصصين، غير طائفية او حزبية او حتى سياسية، ولا باس بعد ذلك ان كانت باغلبية من اي شريحة من شرائح المجتمع العراقي.
   لقد كشفت تجربة السنين الاربعة الماضية التي اعقبت سقوط الصنم، عن معادن الرجال، ولذلك فان من السهولة بمكان العثور على زعامات وطنية تؤمن بالديمقراطية ولا تتخندق بطوائفها او اثنياتها او احزابها، زعامات لم تتورط بفساد، وصاحبة تجربة وخبرة ودراية، لتقود المرحلة الانتقالية المفترضة.
   ثانيا؛ اعلان حالة الطوارئ لمدة لا تقل عن ستة اشهر لحين اجراء الانتخابات التشريعية الجديدة، والضرب بيد من حديد على يد كل من يحاول العبث بامن العراق خاصة مجموعات العنف والارهاب، والجماعات التي وفدت الى العراق من الخارج.
   ثالثا؛ تحديد جدول زمني لاجراء الانتخابات التشريعية الجديدة بالتزامن مع جدول زمني لاخلاء العراق من القوات متعددة الجنسيات، الى جانب خطة فورية لاعادة بناء القوات المسلحة واجهزة الشرطة، ما يؤهلها للامساك بزمام الامور فور اخلاء العراق من القوات متعددة الجنسيات.
   رابعا؛ تغيير قانون الانتخابات، والغاء طريقة القوائم، بما يمكن كل مواطن عراقي من الترشيح للانتخابات، لكسر احتكار (الحيتان الكبيرة) للقوائم الانتخابية، على ان تجري الانتخابات تحت رعاية واشراف الامم المتحدة حصرا، ومن دون تدخل العراقيين ابدا، للحؤول دون التزوير والتلاعب والغش.
   خامسا؛ تنفيذ الاحكام القضائية العادلة التي صدرت بحق الارهابيين، فورا، والاسراع في اصدار الاحكام القضائية العادلة بحق المتبقين منهم، خاصة من ازلام النظام البائد.
   ان الطاغية الذليل وزبانيته وزعماء زقادة الارهاب، كجسد بني اسرائيل لهم خوار يحرض على العنف والارهاب، ولذلك يجب ان يتم نسفهم نسفا فلا نبق لهم اثرا، كما فعل نبي الله موسى عليه السلام، حتى لا يبقى من اثرهم ما قد يحرض ايتامهم على حمل رمزيتهم في يوم من الايام، والتنادي باسمهم وبشعاراتهم الجاهلية المزيفة.
   سادسا؛ التطبيق الحرفي لقانون الارهاب، وملاحقة كل من صدرت ضده مذكرة اعتقال او استدعاء او توقيف ممن يحرضون على العنف والارهاب باي شكل من الاشكال، بغض النظر عن انتماءاتهم او هوياتهم، ليتحسس المحرضون جدية القضاء في ملاحقة الارهابيين اين ما كانوا.
   سابعا؛ انزال اقسى العقوبات القانونية بحق المتورطين بدم العراقيين وامام الملأ، والكشف عن مصادر تمويلهم ومراكز تدريبهم، والجهات الاقليمية والدولية التي تدعمهم بالمال والسلاح والدعم اللوجستي، ليكون الارهابيون ومن يقف وراءهم وجها لوجه مع العراقيين، ليتم استئصالهم وقطع دابرهم، وتشريد من خلفهم، فلا تجوز المجاملة او المقايضة في ذلك، لانه لا ياتي الا على حساب دماء العراقيين الابرياء.
   ثامنا؛ ايقاف كل الخطط الاميركية التي اثبتت فشلها الذريع، وليتيقن العراقيون بان الحل بايديهم اولا واخيرا.
   وان اخطر هذه الخطط التي يجب ان تتوقف فورا، هو الحوار مع مجموعات العنف والارهاب، سواء تلك التي تحمل السلاح وتقتل الابرياء، او تلك الموجودة تحت قبة البرلمان، وتدير الارهاب من هناك.
   ان فشل هذه الخطط وصل الى حد بحيث بات حتى الاميركيون يتحدثون عنها بصوت عال، بعد ان راحوا يلومون السفير زاد عليها، على اعتباره انه صاحب نظرية مقايضة السياسة بالارهاب، والتي بدأها بدعم وتشجيع وحث من قبل الانظمة العربية الطائفية التي لا تريد ان ترى للاغلبية من العراقيين دورا محوريا ومفصليا في الحياة السياسية.
   ان هذا الخيار سيحافظ على انجازات العراقيين، فلا يلغي العملية السياسية ولا ينقلب على الديمقراطية الناشئة.
   انه خيار يصون منجزات العراقيين، الذين يجب ان لا يقبلوا باي انقلاب على الديمقراطية في كل الظروف، لان البديل عن الديمقراطية هو الديكتاتورية التي راينا جميعا كيف انها دمرت العراق وانتهت به تحت الاحتلال والارهاب.
   يخطئ من يتصور بان المشكلة في العراق سببها صندوق الاقتراع، بل انها تنحصر في الانقلاب عليه بالثالوث المشؤوم (المحاصصة والفيتو والتوافق) فلو كان الساسة قد تعاهدوا على الالتزام بنتائج صندوق الاقتراع، وشكلوا مؤسسات الدولة على اساسها، فاخذ كل طرف حقه في المسؤولية، لما حدث كل الذي نراه اليوم، من تراجع مرعب وعلى مختلف الاصعدة.
   اما الخيار الاخرالذي يجري الحديث فيه، فهو الانقلاب العسكري، الذي يجب ان يرفضه العراقيون لانه يعد انقلابا على العملية السياسية برمتها، كما انه يعيدنا الى المربع الاول، وهذا ما لا يتمناه العراقيون باي حال من الاحوال.
   اعتقد ان الفرصة لا زالت مؤاتية لانقاذ ما بقي من العملية السياسية، بشرط ان يبادر العراقيون للتفكير بصوت عال، فاعادة النظر بالمسيرة والاعتراف بالخطا واحيانا الهزيمة، ليس عيبا، انما العيب كل العيب اذا ما اصر المرء على ممارسة الخطا ورفض ان يعترف بالقصور او التقصير، لا فرق، فالاول طريق الى النجاح والانقاذ، اما الثاني فطريق الى الفشل المحتم والتدمير النهائي.
   اخشى ما اخشاه، هو ان الزعماء يظنون بان العراقيين يصدقون كلامهم المعسول عن النجاحات الوهمية، كما اخشى ان يتباطأ الزعماء في اعادة التفكير فيسري الماء من تحت ارجلهم، على حد قول المثل المعروف، اذا بالاخرين يطردونهم بليلة ظلماء من المنطقة الخضراء ويعلنوا عن النهاية.

   20 شباط 2007

ملاحظة هامة:
الرجاء، المراسلة على العنوان المثبت في صدر المقال فقط، وهو:
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
مع الشكر والتقدير[/b][/font][/size]
     

15
المنبر الحر / الديمقراطية..ثقافة
« في: 12:13 08/02/2007  »
الديمقراطية..ثقافة
[/color]
نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM


   العراق في مخاض.
   انه يشبه الى حد بعيد، مخاض انفلاق الفجر من كبد الظلام، وولادة الانسان من ظلمات بطن امه الثلاث الى نور الحياة.
   فالاغلبية تريد ان تتخلص من آثار الماضي لتبني عراقا جديدا قائما على اساس الشراكة الحقيقية بين مختلف مكونات المجتمع العراقي، خال من الاستبداد والتمييز بكل اشكاله، ومعافى من ظواهر السرقات المسلحة للسلطة (الانقلابات العسكرية).
   عراق يعيش فيه المواطن بحرية وكرامة ومساواة ويتمتع بخيرات بلاده، وتحترم فيه السلطة حقوقه، كما يقدر هو واجباته ازاء بلده وشعبه، ليس للاستئثار فيه من معنى.
   هذه الاغلبية اختارت صندوق الاقتراع ليكون المعبر الوحيد عن ارادة العراقيين، كما اختارت الى جانبه كل وسائل الديمقراطية من التعددية السياسية وحرية التعبير عن الراي والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الانسان، وغير ذلك.
   اما الاقلية، فلقد اختارت وللاسف الشديد، التعنت للعودة بالعراق الى سابق عهده، تحكمه انظمة استبدادية شمولية، لا ترحم حتى ازلامها، كما كان يفعل من قبل الطاغية الذليل صدام حسين.
   انها تصر على عرقلة البناء الديمقراطي في العراق الجديد، واختارت كل الوسائل غير الشريفة لتحقيق هدفها الدنئ هذا، فكان القتل اسلوبها والسيارات المفخخة والاحزمة الملغومة الناسفة ادواتها، ومساطر العمال والاسواق الشعبية والمراقد المقدسة اهدافها.
   وبكلمة، فان الاغلبية اختارت المستقبل، فيما اختارت الاقلية الماضي.
   في العراق، اذن، صراع ارادتين، الاولى تبذل كل جهدها من اجل بناء العراق الجديد (الديمقراطي) والثانية، تبذل كل جهدها كذلك لعرقلة عملية البناء هذه، فاي الارادتين ستنتصر، وتحقق مشروعها؟ وكيف؟.
   في البدء يلزمنا، كعراقيين، ان نعرف جيدا باننا امام خيار واحد فقط لا غير، فبعد ان جربنا الاستبداد والديكتاتورية والانظمة الشمولية، لا بد لنا ان تنتصر ارادتنا، لان هزيمة الخيار الديمقراطي يعني انتصار الاستبداد من جديد، اذ لا توجد منطقة وسطى بين الاثنين يمكن اختيارها والركون اليها والعيش في ظلها، ابدا.
   ولذلك تعالوا نبحث عن عوامل انتصار الارادة العراقية الجديدة، لتهزم ارادة قوى الظلام والاستبداد والعنف والارهاب والتخلف والتشدد والتطرف.
   واذا كانت الديمقراطية في جوهرها ثقافة اولا، وهي كذلك، لذلك اعتقد بان ثقافة الديمقراطية يلزم ان تقوم على اساس ثلاثة اعترافات استراتيجية، هي في الحقيقة اضلاع المثلث الذي يستقر عليه بناء الديمقراطية.
   الاول؛ هو الاعتراف بالآخر.
   الثاني؛ هو الاعتراف بالخطأ.
   الثالث؛ هو الاعتراف بالفضل.
   في اطار الاعتراف الاول، يجب ان نتأكد ونتيقن من الحقائق التالية التي يجب ان لا تغيب عن بالنا ابدا، فبمجرد اغفالها فضلا عن غيابها، تقع المصيبة.
   الحقيقة الاولى؛ هي ان الله عز وجل خلق، بلطفه، الناس والاشياء والكون وكل شئ، مختلفة ومتنوعة، وعلى كل الاصعدة، فالتنوع في الخلق لطف رباني وحكمة سماوية، قال تعالى؛{ومن آياته خلق السماوات والارض، واختلاف السنتكم والوانكم، ان في ذلك لآيات للعالمين} وقوله تعالى{وهو الذي انشأ جنات معروشات والنخل والزرع مختلفا اكله، والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه} وقوله عز وجل{وما ذرأ لكم في الارض مختلفا الوانه، ان في ذلك لآية لقوم يذكرون} وقوله عز من قائل{الم تر ان الله انزل من السماء ماء فاخرجنا به ثمرات مختلفا الوانها، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف الوانها وغرابيب سود} وقوله تعالى{الم تر ان الله انزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الارض ثم يخرج به زرعا مختلفا الوانه، ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما، ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب}وقوله عز وجل{ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار، لآيات لأولي الالباب}وقوله{وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار، افلا تعقلون} وقوله تعالى{يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، ان اكرمكم عند الله اتقاكم، ان الله عليم خبير}.
   هذا يعني ان من المستحيل على بني البشر تغيير التنوع للوصول على نوع واحد، ابدا، فلا زالت الارادة الالهية هي التي خلقت هذا التنوع، فمن غير الممكن اختزاله بنوع واحد، وان من يحاول اختصار التنوع بنوع واحد، يصدم رأسه بحجر كبير، من دون نتيجة.
   كما ان محاولات الوصول الى وحدة النوع، هو جهد يبذله الانسان لمعاكسة الارادة الربانية، وهذا امر مستحيل جملة وتفصيلا.
   اذن يجب علينا جميعا ان نتعايش مع هذا التنوع، ولا نسعى لالغائه لان ذلك امر مستحيل.
   لقد حاول الكثير من الطغاة والجبابرة توحيد التنوع، فباؤوا بالفشل الذريع، الم يقل الطاغية المتجبر فرعون مخاطبا بني اسرائيل{يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الارض، فمن ينصرنا من باس الله ان جاءنا، قال فرعون ما اريكم الا ما ارى، وما اهديكم الا سبيل الرشاد} لماذا؟ لانه كان يتصور ان بامكانه ان يوحد التنوع وبالتالي يسهل عليه احكام السيطرة على شعبه، ولكن، ماذا كانت النتيجة يا ترى؟.
   الحقيقة الثانية؛ هي ان الهدف من التنوع، هو التعايش وليس التصادم، فكما ان من الحكمة تعاقب الليل والنهار، كما في قوله تعالى {ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لآولي الالباب} كذلك فان من الحكمة ان يتعاقب الخلاف بين بني البشر، ليتعايش وبالتالي ليتكامل، لان التكاملية، كما هو معروف، تتحقق بالتعايش وليس بالتقاطع، والى هذا المعنى اشارت الاية القرانية المباركة{يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}.
   الحقيقة الثالثة؛ هي انه ليس من بين بني البشر اليوم من يمتلك كل الحقيقة، ولذلك لا يحق لاحد ان يسعى لالغاء الاخرين بدعوى ان الحقيقة عنده وتحت جبته، كما يدعي المتصوفة.
   ان الحقيقة شئ نسبي، قد يمتلك بعضها اي انسان في هذا الكون، ولكن ليس كل الحقيقة، ولذلك يلزم ان يتوقع الجميع ان من غير المستبعد ان يمتلك اي واحد منهم بعض هذه الحقيقة، فلماذا اذن، يسعى بعضهم لالغاء البعض الاخر؟ الامر الذي يعني سعي الجميع لالغاء اجزاء من الحقيقة، من غير ان يعرفوا بالضبط، اي جزء هذا الذي يسعون لالغائه، واي جزء يمكن ان يكون هو المكمل للحقيقة التي يبحثون عنها؟.
   تاسيسا على هذه الحقيقة، يجب ان يعترف كل منا بالآخر، على اساس القاعدة القرآنية الكريمة{وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين} اي انه في الوقت الذي امتلك انا بعض الحقيقة، قد يكون الاخر يمتلك مثلها، فلماذا اذن لا اعترف بذلك فاكسب جزئين منها، بدل الجزء الواحد الذي اتصور بانني امتلكه؟.
   ربما اعتقد بانني على حق، ولكن لا بد من ان احتمل الخطا في ذلك، كما ان الاخر قد يكون على خطا، ولكن يجب ان احتمل عنده الصح، وبذلك يعترف كل واحد منا بالآخر من دون السعي لالغائه. 
   وفي اطار الاعتراف الثاني (الاعتراف بالخطأ) لا بد من التسلح بالشجاعة الكافية، التي نقدر بها ان نعترف بالخطا، خاصة اذا كان هذا الخطا يخص الامة، ولم يكن خطا شخصيا يرتبط بذات الانسان.
   فالاعتراف بالخطا هو سلم المجد والنجاح والتقدم، لانه صنو الشعور بالمسؤولية، اما الذي يعاند ولا يقبل الاعتراف باخطائه محاولا تبرير الفشل، فذلك الذي لا يشعر بالمسؤولية لا من قريب ولا من بعيد.
   ان الاعتراف بالخطا فضيلة، والى هذا المعنى يشير قول رسول الله (ص) {كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون} لماذا؟ لان من لا يخطا لا يتعلم ومن لا يتعلم لا يتقدم، بشرط الاستعداد للاعتراف بالخطا في حال وقوعه.
   كذلك، فان الاعتراف بالخطا يعظم صاحبه في اعين الناس، ويزيدهم احتراما له، كما انه يبني مصداقيته على اساس الشجاعة وعدم الهروب من المسؤولية، لان من تاخذه العزة بالاثم ويصر على نفي الخطا عن نفسه دون الاخرين، يسعى جاهدا الى رمي المسؤولية على الاخرين الا نفسه، ما يعني بانه يوحي للناس بانه غير مستعد لتحمل مسؤولية الخطا، في الوقت الذي يبدي استعدادا منقطع النظير الى درجة التهالك لتسجيل النجاحات باسمه فقط، وتلك هي عين الانانية والهروب من المسؤولية، لان الفشل مسؤولية تضامنية بين الجميع، لا بد ان يتحمل مسؤوليته كل من اشترك فيه، كل بمقدار وحجم دوره في الامر، كما ان النجاح جائزة تضامنية هي الاخرى، من المفروض ان تسجل باسم كل من شارك في تحقيق النجاح، كذلك، كل حسب مسؤوليته وموقعه من النجاح، فهذا ما يقتضيه العدل والانصاف، اما ان تصادر النجاحات لنفسك فقط، وترمي بالفشل على الاخرين وتنسحب من المسؤولية، فذلك ما لا يرتضيه عقل او صاحب دين.
   اذا اردنا ان ننجح، لا بد ان نعترف بالخطا، فلا تخوننا الشجاعة في ذلك، فمثلا، كيف يمكن ان نتصور حكومة ناجحة وهي ترفض الاعتراف باخطائها؟.
   ان مثل هذه الحكومة التي لا تمتلك الشجاعة لتعترف باخطائها، هي اقرب الى الفشل منه الى النجاح، لان النجاح لا يعرف الا بعد الاعتراف بالخطا، وقديما قيل(تعرف الاشياء باضدادها).
   لا يكفي ان نتحقق من نجاح الحكومة، اذا لم تصارحنا باخطائها، فتتحدث بانجازاتها فقط، فقد يكون هذا الانجاز او ذاك الذي تتحدث عنه الحكومة، ثمرة لاخطاء متكررة، فعندها يكون مثل هذا النجاح المزعوم، فشل في حقيقة الامر، تحاول الحكومة تسويقه للناس كنجاح، خاصة عندما يكون الثمن المدفوع اضعاف الناتج المتحقق.
   ان الحكومة الناجحة، هي التي تتحدث عن الصعوبات التي تواجهها، والاخطاء التي ترتكبها، والاخفاقات التي تتعرض لها خططها، والا عن اية خطة امنية جديدة، مثلا، تتحدث الحكومة العراقية، وهي التي اعلنت عن انطلاق العشرات منها من دون نتيجة؟ لتتحدث اولا عن فشل تلك الخطط، لنتيقن من انها جادة فعلا في اطلاق الخطط الجديدة.
   لماذا نسمع الرئيس الاميركي جورج بوش يتحدث عن فشل الخطط الامنية السابقة، ولا نسمع مثل هذا الكلام من الحكومة العراقية؟ اولم يكن من الاولى بها ان تتحدث بكل وضوح وشفافية وصراحة عن الفشل قبل ان تحاول اقناعنا بجدوائية الخطط الجديدة؟ كيف تريدنا ان نصدقها اليوم وهي التي كذبت علينا بالامس؟ وكيف تريدنا ان ندعمها بالخطط الجديدة وهي التي لم تصارحنا عن مصير الخطط السابقة؟ ولو كانت قد فعلت ذلك لزادت مصداقيتها عند العراقيين، ولأصغوا لها اليوم وهي تتحدث عن الخطط الجديدة بثقة اكبر واطمئنان اوفر.
   ان الاعتراف بالخطا يتطلب التعامل بشفافية وصراحة ووضوح، اما الغش والخداع والتضليل، فلن يقود الا الى المزيد من الفشل والاخفاقات، وهو السبب المباشر الذي يوسع الفجوة بين الحكومة والناس، واذا كانت السلطة تتصور ان بامكانها اخفاء الفشل عن الناس فانما الى حين وليس الى كل حين.
   نريد ان نسمع الحكومة تتحدث عن أخطائها، وهي في السلطة، وقبل ان تغادرها، كما نود ان نسمع الوزير متحدثا عن اخفاقاته، وهو بعد في موقع المسؤولية، وقبل ان يغادره لأي سبب كان.
   لماذا لا نسمع باخطاء الحكومة او الوزراء او المسؤولين الا بعد ان يغادروا مواقعهم؟ وعندما نسمعهم يتحدثون عن اخطاء ارتكبوها وهم في موقع المسؤولية التي تركوها لغيرهم، نسمعهم يبذلون جهودا انشائية وفلسفية كبيرة من اجل تبرير تلك الاخطاء، لا من اجل الاعتراف بها.
   ما فائدة الاعتراف بالخطا متاخرا؟ ما فائدة ان يعترف المسؤول باخطائه بعد ان يترك الموقع؟ اوليس فلسفة الاعتراف بالخطا من قبل المسؤول وهو بعد في موقع المسؤولية، من اجل محاسبته؟ فما فائدة اعترافه بخطئه بعد مغادرته الموقع، عندما لا تنفع المحاسبة باثر رجعي؟.
   لماذا تعود الناس في البلاد المتحضرة على الاصغاء الى المسؤول وهو يتحدث عن اخطاء ارتكبها، مبديا كامل استعداده لتحمل المسؤولية من دون الهرب منها او تبريرها او تحميل الاخرين مسؤوليتها، معربا عن ايمانه ببذل كل جهد لازم من اجل تصحيح الخطا، فيما يحلم الناس في بلادنا ان يسمعوا يوما شرطيا يتحدث عن خطا ارتكبه؟.
   والادهى من ذلك والامر، هو اننا نضحك على المسؤول في البلاد المتحضرة، عندما نسمعه يتكلم عن اخطائه، فتتحول اعترافاته الى مادة اعلامية دسمة تتصدر نشرات الاخبار واغلفة المجلات وواجهات الصحف.
   في البلاد المتحضرة، اذا لم يعترف المسؤول باخطائه يفضحه الاعلام ويسقط في اعين الناس وتقل شعبيته، بانتظار ان يدفع الثمن غاليا في اول انتخابات جديدة، اما في بلادنا (المحتضرة) فاذا اعترف احد بخطا مسؤول يسحله الناس في الشوارع حيا، واذا قالت صحيفة ما للمسؤول ان على عينيك حاجبا، علقت جثته في ساحة عامة ليعتبر به زملاءه من الصحفيين والاعلاميين، حتى لا يجرؤ احد على تكرار جريمته، اذ كيف يجرؤ صحفيا على نقد المسؤول وهو ظل الله في الارض، وانه الحكومة، شاء المواطن ام ابى؟.
   يقال ان الناس تظاهروا في بلاد الملكة، فاطلت عليهم صاحبة الجلالة من شرفة قصرها تسال عن سبب غضب الناس واحتجاجهم، فقيل لها انهم لا يريدون الحكومة وهم يعترضون على ادائها بسبب كثرة اخطائها وتكرار فشلها في المشاريع والخطط، فقالت على الفور؛
   بدلوا الشعب اذا لم يكن راضيا على الحكومة.
   نعم، في بلادنا يستبدل الشعب اذا اعترض على الحكومة، اما في البلاد المتحضرة فتستبدل الحكومة اذا احتج عليها الشعب وضاق بها ذرعا، وكلنا يتذكر كيف كان نظام الطاغية الذليل صدام حسين يستبدل الشعب العراقي بالاعدامات والمقابر الجماعية والانفال وحلبجة والتهجير القسري، كلما طال لسانه على النظام.
   اتعرفون ما هو سبب هذا الفارق بين البلدان المتحضرة والمحتضرة؟ السبب يكمن في نوعية الثقافة، فبينما تحول الاعتراف بالخطا الى امر عادي في حياة شعوب البلدان المتحضرة، لا زال الاعتراف بالخطا عند شعوب البلاد المحتضرة يعد عيبا كبيرا ونقصا في شهامة المرء وانتقاصا من شخصيته.
   كما ان المسؤول في البلاد المتحضرة ليس اكثر من مؤتمن على موقع ومهام يتصدى لها، ولذلك عليه ان يعترف بخطئه ويرحل حال فشله، يعد المسؤول في البلاد المحتضرة سيد الامة والمتفضل عليها والمالك لناصيتها، اما الشعب فعبيد واما المال العام فارث يتوارثه الزعماء ابا عن جد، ولذلك يحاسب المسؤول عندهم ويجبر على الاعتراف باخطائه، ولا يحاسب المسؤول عندنا ولا يجرؤ احد على اجباره على الاعتراف بالخطا.
   من هنا كان من اللازم ان يتحول مبدا الاعتراف بالخطا الى ثقافة، والى امر عادي يمارسه المسؤول في كل الحالات وفي كل الظروف، وهو في موقع المسؤولية قبل ان يغادره، ربما الى القبر، لا ادري.
   اذا تحول الاعتراف بالخطأ الى ثقافة عند الناس وعادة ملازمة للمرء، فسيتحول الى رقيب ذاتي، كما انه سيكون رقيبا شعبيا عاما له، لان الاعتراف بالخطا بحاجة الى استعداد نفسي اولا.
   ان المتشبثين بالسلطة والمتهالكين عليها هم الذين لا يعترفون بالخطأ، ولذلك، فهم خطر على البلاد والعباد لا يجوز تركهم في مواقع السلطة، لانهم يجرون الناس الى الهلاك، وبسببهم تستفحل الاخطاء لتصل الى مرحلة لا يمكن عندها تصحيح المسار العام، بالضبط كما حصل مع الطاغية الذليل ونظامه الشمولي البائد.
   الناجحون يعتبرون الاعتراف بالخطأ فضيلة، اما الفاشلون المتهالكون على السلطة، فيعتبرونه رذيلة، وشتان بين الاثنين.
   ان الناجحين من المصلحين والزعماء الحقيقيين والقادة التاريخيين، يبدون استعدادا منقطع النظير للاعتراف باي خطا، لانهم مستعدون للتخلي عن السلطة متى ما فشلوا، لان هدفهم من السلطة ليس السطوة والاستئثار، وانما لخدمة الناس وحماية حياتهم ومنجزاتهم ومصالحهم، فماذا تنفع السلطة، في رايهم، اذا لم يكونوا سببا في النجاح وعاملا في تحقيق الاستقرار؟.
   ان الاعتراف بالخطأ دليل احترام عقول الناس وذاكرتهم، كما انه دليل على حرص المرء على الامانة التي يحملها (المسؤولية).
   لذلك نرى القرآن الكريم يزخر باعترافات العظماء، اما الطغاة والجبابرة فلا نقرا لهم الا الاعتزاز الوهمي بالنفس والخطا والاثم طوال حياتهم، وهو الامر ذاته الذي نقراه في حياة العظماء والطغاة على مر التاريخ والى يومنا هذا، ولذلك فان حياة العظماء تزخر بالنجاحات فيما لا تسجل صفحات الطغاة الا الشر والسوء والفشل والهزائم.
   ولهذا لا نسمع من انظمة وحكومات العالم المحتضر اي اعتراف بالخطا بالرغم من مرور نصف قرن او اكثر على وجود بعضها في السلطة، وقد سالت خلالها انهار من الدماء وازهقت ارواح الابرياء وانتهكت اعراض الناس ودمرت البلاد وتبدد المال العام وانتشر الفساد الاداري في كل مرافق الحياة العامة، وفشا المرض والتخلف والامية في اوساط الناس، وبعد كل ذلك يخرج علينا الزعيم في ذكرى الاستقال الموهوم او العيد الوطني الخداع من كل عام ليتحدث لنا عن التقدم والنجاح والانجازات.
   ومن اجل ان اكون منصفا، علي ان اذكر هنا باننا لا نسمع بالخطا الا اذا سقط النظام بانقلاب عسكري فقط، وان اعتراف الانقلابيين باخطاء السلف ليس من اجل سواد عيون الشعب او من اجل تصحيح المسيرة، ابدا، وانما من اجل تبرير سرقتهم المسلحة (الانقلاب العسكري) ليس الا.
   اما في اطار الاعتراف الثالث (الاعتراف بالفضل) فالمقصود به هو ان يستعد كل واحد منا للاعتراف بفضل من له الفضل في تحقيق النجاح، وهذا يتطلب ان نترفع عن الخلافات ونسمو بالنفس لتكون عندنا المصلحة العامة فوق كل المصالح الخاصة، وان الهدف هو النجاح وليس من يحقق هذا النجاح، اما اذا ركبتنا الانانية، فترانا نكيل بمكيالين، فاذا كنت انا من حقق النجاح فسافرض على الجميع ان يعترفوا بفضلي في ذلك، والا اتهمهم بالحسد والغيرة والخيانة في احيان كثيرة، والا لماذا لم يبرقوا لي مهنئين؟ اما اذا كان غيري هو من حقق هذا النجاح، فالفخر للظروف التي خدمته وليس له، ولذلك احاول ان اتجاهل دوره مهما كان عظيما.
   ان عدم الاعتراف بالفضل للاخرين، هو احد الاسباب المدمرة التي تمزق المجتمعات، لانه يدفع باتجاه التباغض والتحاسد والتصادم، ولذلك يتحول النجاح، في احيان كثيرة، الى سبب للفشل والهزيمة، وللتباعد والتباغض حتى بين اقرب الناس.
   اما الاعتراف بالفضل للاخرين، فهو السبب المباشر لتحقيق المحبة والتعاون والتكامل بين العاملين، وبالتالي فهو السبب الاساسي لتوطيد الثقة بين الراعي والرعية.
   ان الاعتراف بالفضل، خلق قرآني، من خلال ما نقرأه في العشرات من الايات الكريمة التي يعترف بها الله تعالى بالفضل، ولذلك يفضل رب العزة بعض الناس على بعض، بل انه عز وجل يفضل الانبياء بعضهم على بعض، لأنه يعترف لهم بالفضل، بغض النظر عن سبب هذا التفضيل.
   لنقرأ، مثلا، باقة الايات القرآنية الكريمة؛
   {وان تعفوا اقرب للتقوى، ولا تنسوا الفضل بينكم، ان الله بما تعملون بصير}{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، منهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات}{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}{لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر، والمجاهدون في سبيل الله باموالهم وانفسهم، فضل الله المجاهدين باموالهم وانفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى، وفضل الله المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما}{ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}{ولقد آتينا بني اسرائيل الكتاب والحكم والنبوة، ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين}.   
   من هنا علينا ان نتخلق بخلق القران الكريم، فاذا ابدع امرء بشئ علينا ان نعترف له بذلك، واذا تميز بدور علينا ان نعترف له كذلك.
   لنسع دائما الى احترام وتقدير امتيازات الاخرين، ليعترفوا بدورهم بالامتيازات التي قد اتميز بها عن الاخرين في يوم من الايام، فكما تحب ان يعترف لك الاخرون بالفضل، عليك اولا ان تبادلهم هذا الحب، لتلق منهم ما تحب.
   ان الاعتراف بالفضل للآخرين، يشجع على عمل الخير، وهو افضل الشكر الذي يقول عنه رسول الله (ص) {من لم يشكر المخلوق، لم يشكر الخالق} فالاعتراف بالفضل اول الشكر، اليس كذلك؟.

   5 شباط 2007[/b][/font][/size]

16
في برنامج حواري حي مع قناة الحرة الفضائية؛


نـــزار حيدر متحدثا عن تنفيذ حكم الاعدام بحق الطاغية صدام حسين:

فرقنا حيا، فلماذا يفرقنا ميتا؟
يجب اعدام الطاغوت ــ المنهج، بعد ان تم اعدام الطاغوت ــ الشخص

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
[/color]   شدد نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، على ان تنفيذ حكم الاعدام بحق الطاغية صدام حسين، قرار صحيح وفي محله، فهو حلقة في سلسلة الخطوات اللازمة التي يجب ان يمر بها العراق ويتخذها العراقيون لاستكمال محو آثار ومخلفات النظام الشمولي البائد، من اجل التفرغ لبناء العراق الجديد القائم على اسس الحرية والعدالة والمساوالة والشراكة الحقيقية بين مختلف شرائح المجتمع العراقي، لقد كان الطاغية بمثابة العجل عند بني اسرائيل، ولذلك كان يجب ان ينسف، لقطع الطريق على من يتأمل عودته الى السلطة، ونسف الامل الذي يعيش عليه ايتامه، من مجموعات العنف والارهاب، فباعدام الطاغية انقطع الامل والى الابد، بعد ان تحول الطاغية ونظامه الى مجرد ماض، ليس له محل في الحاضر والمستقبل.
   واضاف نـــــزار حيدر، الذي كان يتحدث لقناة الحرة الفضائية في برنامج حواري حي على مدى عدة ساعات، غطى حدث تنفيذ حكم الاعدام بحق الطاغية؛
   ان تنفيذ حكم الاعدام بالطاغية مثل نهاية حقبة سوداء مرت في تاريخ العراق، معالمها حكم الغاب والقتل والتهجير وانتهاك الاعراض والحروب العبثية ومصادرة حقوق الانسان العراقي والتمييز الطائفي والعرقي والاعتداء على الجيران وتدمير البشر والشجر والحيوان والبيئة وكل شئ في العراق، وعلى مدى نيف وثلاثين عاما عجافا، ولذلك اتمنى ان يعقب اعدام الطاغية جسدا، اعدامه فكرا ومنهجا واسلوبا في الحكم، فاننا نعرف بان الطاغوت ليس شخصا وانما منهجا، فما فائدة ان يعدم الطاغوت ــ الشخص، ويبقى الطاغوت ــ المنهج؟ لا بد من اعدام كل ما يتعلق بالطاغوت حتى لا تتكرر صناعته بين الفترة والاخرى، ولذلك ارجو ان يكون اعدام الطاغية عبرة لكل من هو في موقع المسؤولية، فلا يرتكب جريمة ولا يعتدي على حق ولا يتجاوز على حدود، خاصة بعض ضحايا الطاغية، الذين كثرت فيهم اسقاطات (اخلاقيات) الطاغوت بمجرد وصولهم الى موقع السلطة، أية سلطة، صغرت أم كبرت، وليتذكر الجميع بأن حبل المشنقة قريب من كل الرقاب اذا ما اساء اصحابها استخدام السلطة المخولة لهم من قبل الشعب العراقي، فحبل المشنقة ليس حكرا على طاغية دون آخر، أو على مسؤول دون الاخرين، بل ان سيف العدل سيطال كل من يريد أن يتقمص شخصية الطاغية، أيا كان {وفي ذلك عبرة لأولي الالباب}.
   عن ظاهرة التباكي على الطاغية من قبل بعض (المثقفين) و (المحللين) والتي امتلأت بها الفضائيات العربية، قال نــــزار حيدر:
   هؤلاء يندبون حظهم عندما يبكون صدام حسين، والا فان الطاغية لا يشرف أحدا أبدا، انه عبارة عن كتلة من عمل السوء والجرائم والقتل والفشل والتدمير، فكيف يقبل هؤلاء وأمثالهم بأن يدافعوا عنه، فيربطوا مصيرهم بمصير طاغية ذليل لم يجن منه العراق ومن سياساته الا الفشل والتدمير وأخيرا الاحتلال؟ الا يعني ذلك انهم يعانون من مرض في العقول، وخلل في نوعية الثقافة التي يحملونها، وشلل في طريقة التفكير، وسرطان في وعيهم الثقافي والمعرفي؟.
   واستطرد نـــــــــــــزار حيدر يقول؛
   لقد فرقنا الطاغية صدام حسين حيا، فلماذا يفرقنا ميتا؟ أوليس من الأولى بنا جميعا ان نتجاوز عقدة الماضي الاسود الذي صبغه الطاغية بلون الدم القاني الذي جرى انهارا من نحور العراقيين والعراقيات، لنبدأ مرحلة جديدة من العمل الصحيح من اجل اعادة بناء البلد الذي دمره الطاغية بسياساته الرعناء؟.
   ان الطاغية انتهى وقد اصبح اليوم في ذمة التاريخ ولن يعود أبدا، فلماذا يتشبث به البعض ويحاول ان يربط مصيره بمصيره، رافضا الانعتاق من ربقة الماضي، وساعيا الى التشبث بما انتهى وولى الى مزبلة التاريخ من غير رجعة؟.
   اتمنى ان يعي امثال هؤلاء على انفسهم، فيحترموا ذاكرتهم وعقولهم، ليعودوا الى رشدهم، فالطاغية صدام لا يشرف احدا ابدا، وان من العار والشنار الانتماء اليه، او اتخاذه رمزا في الحياة، ومن اجل ان يحترموا مشاعر الملايين من ضحايا النظام الشمولي البائد.
   وتساءل نـــــزار حيدر بالقول؛
   ألم يتضرر سنة العراق من حكم الطاغية؟ ألم يعدم علماءهم ويدمر مدارسهم الدينية ويقتل الشرفاء والاحرار منهم؟ ألم يقتل عدد من قادة الجيش والمفكرين من السنة؟ فلماذا لا يشاركوا العراقيين فرحتهم باعدام الطاغية؟ لماذا يوحون لنا وكأنهم حزينون على اعدامه؟ لماذا يقول لنا لسان حالهم بأنهم يرفضون اعدام الطاغية، ويصفون يوم اعدامه باليوم الحزين على العرب والمسلمين؟ فاذا ظهر (سنيا) على شاشات التلفزة، عراقيا كان أو غير عراقي من العرب، نعت يوم الاعدام بالحزن، واصفا الطاغية بالشهيد، واذا ظهر (شيعيا او كرديا او مسيحيا او تركمانيا) وصف يوم الاعدام بالتاريخي، معتبرا الاعدام هدية السماء الى ضحايا النظام الشمولي البائد في ايام العيد؟ لماذا هذه المواقف الطائفية من قبل السنة سواء العراقيين او غيرهم؟ وكلهم متضررون من حكم الطاغية؟ الم يتضرر (سنة) دول الخليج من سياسات هذا الارعن؟ الم يتضرر السنة في كل مكان من سياساته التدميرية؟ فلماذا الحزن عليه، اذن؟ لماذا الاصرار على رفض فك الارتباط به وبماضيه الاسود؟ لماذا يربطون مصير العراق به؟ متى كان الطاغية حريص على العراق ليتحول اليوم الى رمز وطني وتاريخي؟ لماذا لا يبتهج ابناء المنطقة الغربية من العراق باعدامه وهو الذي دمرهم وقتل احرارهم وترك الكلاب تنهش بلحوم ابنائهم؟ لماذا لا يبتهج الاهالي في الاعظمية في بغداد بهذا الحدث؟ لماذا لم نسمع كلمة من مسؤول (سني) في الحكومة العراقية ومجلس النواب ومجلس رئاسة الجمهورية، بما تعبر عن فرحته باعدام الطاغية؟ الم يشترك هؤلاء من اجل بناء عراق جديد بعد ان اعتبروا الطاغية ونظامه اساس البلاء في العراق خلال العقود الثلاثة الماضية؟ لماذا يميزون انفسهم عن ملايين العراقيين؟ لماذا يميزون انفسهم عن الكرد والتركمان والمسيحيين والشيعة الذين ابتهجوا باعدام الطاغية؟ لماذا يوحون لنا وكأنهم يحبون الطاغية ويحنون الى عهده؟ لماذا لا يرحموا العراقيين ويرحموا انفسهم ولو بكلة طيبة، والكلمة الطيبة صدقة، كما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (ص)؟ لماذا لا يريدون ان يخففوا من آلام ضحايا النظام البائد ولو بحرف؟ لماذا يرفضون ان يضعوا بلسما على الجراح فيهدؤا من روع الناس ويطمئنونهم؟ ليتأكد العراقيون بأنهم يسيرون معا الى الامام جنبا الى جنب من يشاركهم ويشترك معهم في العملية السياسية الجديدة، ومع شركاء حقيقيون وليس مزيفين يتربصون بهم الدوائر؟.
   كنا نتمنى ان يحتفي الجميع باعدام الطاغية، على الاقل تعبيرا عن تعاطفهم مع ضحاياه الذين يعدون بالملايين، ومن مختلف شرائح المجتمع العراقي، ومن اجل التعبير عن طي صفحة الماضي، للبدء بصفحة جديدة من اجل بناء العراق الجديد.
   لقد كان الطاغية صدام حسين رمزا لحقبة مظلمة من تاريخ العراق، عانى خلالها العراقيون الامرين، ولقد اسدل عليها الستار باعدامه، وان على العراقيين ان يبدأوا منذ اليوم حياتهم الجديدة من دون النظر الى الماضي، الا اللهم من اجل الاعتبار به حتى لا يتكرر صدام ثان، من خلال بناء دولة القانون التي ستكون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه تكرار المشهد المأساوي
مرة اخرى.
   ولم يستغرب نــــزار حيدر من اعلان بعض الزعماء العرب الحداد في بلدانهم على اعدام الطاغية، قائلا؛
   ان هؤلاء وامثالهم من طينة واحدة، والطيور على اشكالها تقع، وان شبيه الشئ منجذب اليه.
   لقد تحسس هؤلاء وامثالهم رقابهم لحظة ان التف حبل المشنقة على رقبة زميلهم الطاغية الذليل صدام حسين، انهم يخشون ان تتكرر التجربة معهم على يد شعوبهم المقهورة، انهم منذ اليوم يعيشون في كابوس قاتل لحين لحظة الاجل المحتوم، ولذلك فان هؤلاء وامثالهم عملوا المستحيل من اجل ان لا يعدم الطاغية فيفلت من القصاص العادل، ليس دفاعا عن الطاغية وانما دفاعا عن انفسهم، ولذلك لاذوا اليوم بالصمت، لان اي بنت شفة ينبسون بها، انما هي بمثابة ادانة لانفسهم قبل ان تكون للطاغية زميلهم الذي تركهم ومصيرهم المحتوم، ان عاجلا ام آجلا.
   كما تساءل نــــزار حيدر بالقول؛
   ما علاقة اعدام الطاغية بنجاح او فشل مشروع المصالحة الوطنية؟ لماذا يهدد البعض بافشال ونسف المشروع اذا ما اعدم الطاغية؟ الم يكن من المفترض ان من يشارك في المشروع انما شارك بقناعة راسخة من ان الماضي يجب ان لا يتكرر ولا بد من القضاء عليه ونسف كل معالمه من رموز ومؤسسات وسياسات وآثار؟ فلماذا اذن يهددون بتخريب مشروع المصالحة لسواد عيون الطاغية؟ أم يريدون مقايضة مشاركتهم، بانقاذ الطاغية وزبانيته؟ انه لأمر خطير اذا كانوا يفكرون بهذه الطريقة، لأن ذلك يعني أنهم لا يؤمنون بالعملية السياسية الجديدة عندما شاركوا فيها، وانما التحقوا بها لانقاذ ما يمكن انقاذه من مخلفات النظام البائد، بما فيها الطاغية او اي من زبانيته.
   الا يعتبر من يشترك في العملية السياسية ان صدام حسين يمثل حقبة مضت؟ فلماذا يربطون مصير العراق وشعبه بمصير طاغية انتهى وولى الى غير رجعة؟.
   هل يمكن اعتبار تنفيذ حكم الاعدام، على انه من عوامل كشف حقائق امثال هؤلاء؟ والافصاح عن نواياهم الحقيقية من النظام البائد والعملية السياسية الجديدة؟ نتمنى ان لا يرتكب هؤلاء مثل هذا الخطا الذي سيفضح نواياهم ويكشف عن المستور مما يخبئونه في نفوسهم، ولقد صدق الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام عندما قال {المرء مخبوء تحت طي لسانه، لا تحت طيلسانه} ولذلك ارى ان يحذر امثال هؤلاء من مثل هذا الحديث الذي سيجرهم الى الفضيحة التي لا اعتقد انهم يريدونها لانفسهم في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق، ليصدقوا مع انفسهم ومع الشعب العراقي الذي يتوسم فيهم خيرا، من اجل المصلحة العليا للعراق وشعبه الابي.
   وفي نهاية البرنامج، عبر نــــزار حيدر عن شكره للعلي القدير الذي ارى ضحايا النظام البائد ذل الطاغية المتجبر واليوم الذي ذاق فيه الجزاء العادل، مقدما تهانيه الحارة بهذه المناسبة، لكل المظلومين الذين تضوروا الما بسبب سياسات الطاغية الرعناء، خاصة عوائل الشهداء، أمهاتهم وآباؤهم وزوجاتهم والاطفال الذين عاشوا اليتم بسبب فقدانهم آبائهم وأمهاتهم على يد الطاغية الذليل واعوانه الظلمة.
   كما هنأ نـــــزار حيدر، كل العراقيين والعرب والمسلمين الذين ابتهجوا بهذا اليوم، وكل محبي السلام والحرية في العالم، الذين شاركوا العراقيين فرحتهم بهذه المناسبة التاريخية.

   30 كانون الاول 2006[/b][/font][/size]

17
نــــــزار حيدر في محاضرة في غرفة مجلس النواب العـراقي على البالتوك:

مؤتمر اسطنبول تتويج لرئيس جبهة التوافق زعيما للارهابيين
[/color]

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
   
   قال نــــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، ان مؤتمر اسطنبول توج رئيس جبهة التوافق العراقية زعيما للارهابيين، بعد ان ظل يتستر على حقيقة مواقفه طوال الفترة المنصرمة.
   واضاف نــــــــزار حيدر الذي كان يتحدث في محاضرة في غرفة مجلس النواب العراقي على البالتوك:
   ان هذا المؤتمر اسم على غير مسمى، فهو ليس لنصرة العراق وشعبه، وانما لدعم الارهابيين وجماعات العنف والقتل، التي تبذل قصارى جهدها من اجل العودة بالعراق الى عهد الاستفراد بالسلطة من قبل الاقلية على حساب اغلبية الشعب العراقي التي ظلت مهمشة عقود طويلة من الزمن، انه مؤتمر طائفي لدعم الارهاب، الا ان العراقيين الذين تذوقوا طعم الحرية بعد عقود الكبت والاستبداد، وتذوقوا طعم الشراكة الحقيقية في السلطة بعد عقود التهميش والحرمان السياسي، لا يمكن ان يستسلموا لمثل هذه المحاولات، وهيهات هيهات ان ينجح الارهابيون في مسعاهم.
   وقال نــــزار حيدر؛
   لقد سعى منظموا المؤتمر الى خداع الراي العام الاسلامي والعربي، عندما اطلقوا عليه هذه التسمية، فهم لا يخافون من اطلاق التسمية الحقيقية عليه، كما اتهمهم بذلك الدليمي، وانما حاولوا سحر اعين الناس وارهابهم من خلال الكذب والخداع والتهويل ورسم صورة ملفقة لحال الاقلية السنية في العراق، على غرار ما فعله فرعون وسحرته، كما في قوله تعالى {قال ألقوا فلما ألقوا سحروا اعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم}.
   لقد تذرع فرعون، لتبرير حربه على نبي الله موسى عليه السلام، بحرصه على عقائد شعبه وخوفه عليها من الانحراف ودمار بني اسرائيل اذا ما اسلموا لموسى وآمنوا بربه، كما في قوله تعالى {وقال فرعون ذروني اقتل موسى وليدع ربه اني اخاف ان يبدل دينكم او ان يظهر في الارض الفساد} انظروا الى التزييف والخداع الذي مارسه فرعون، ويتكرر المشهد اليوم في اسطنبول.
   وها هم المؤتمرون على خطا فرعون وملئه، يتذرعون بالخطر الوهمي المحدق بالسنة في العراق، ليشنوا حربهم الطائفية اللعينة على العراقيين، وفي حقيقتهم انهم يقاتلونهم لاعادة العراق الى سابق عهده تحكمه الاقلية، وهيهات.
   لو كان المؤتمر لنصرق العراق واهله من دون تمييز، ومن دون نوايا طائفية وعنصرية مبيتة، فلماذا لم يدع لحضوره بقية ممثلي شرائح المجتمع العراقي؟ ولماذا لم يدع له علماء العراق ومثقفيه وفقهائه وقادته ورموزه وزعمائه الحقيقيين؟ لماذا حضره، اذن، لون واحد من انصاف الفقهاء، وجلهم من فقهاء التكفير المعروفين بكفرهم بقيم الديمقراطية وادواتها، والمشهور عنهم تبريرهم للانظمة الوراثية الاستبدادية الشمولية التي تحكم بلادهم؟.
   ان المؤتمر، اضاف نــــــزار حيدر، حلقة في سلسلة التحريض الطائفي، التي بدأت بمقال احد ازلام النظام السعودي في احدى الصحف الاميركية، مرورا ببيان فقهاء التكفير الذي صدر الاسبوع الماضي، لتحط رحالها اليوم في اسطنبول، جامعة شملها وموحدة صفوفها، لينتظم فيها كل الطائفيين الارهابيين الذين يتأبطون شرا، ويضمرون للعراقيين الدمار والخراب، ولذلك فان على العراقيين ان يتحدوا ويتوحدوا ويجمعوا شملهم لمواجهة تنامي خطر العنف والارهاب والحرب الطائفية المقيتة، وان على عقلاء العراقيين، وعلى وجه التحديد، عقلاء السنة، ان يتحلوا بالوعي والنباهة والحكمة حتى لا تنطلي عليهم مثل هذه الخدع، الحلوة في خطابها المسمومة في نواياها واهدافها. 
   واضاف نـــــــــزار حيدر يقول؛
   ان الدليمي، الذي القى في المؤتمر كلمة طائفية تحريضية  يسيل منها السم الزعاف وتكشف عن حقيقة نواياه التدميرية التي تتربص بالعراق شرا مستطيرا، زعيم كتلة برلمانية يفترض انه يعبر عن رايها في مثل هذه المؤتمرات والتصريحات والخطابات، فهل يا ترى عبر بصدق وامانة عن رأي الكتلة؟ اذا كان الجواب بنعم، فيجب ان يبادر مجلس النواب العراقي الى طرد كل اعضاء الكتلة من صفوفه، بعد ان وقع السيف بين الجبهتين، اما اذا كان الجواب بلا، وانه لم يكن يعبر عن راي الكتلة وانما جاء خطابه ليعبر عن رايه الشخصي، اذا اردنا ان نحسن الظن بالجبهة، فعلى الاخيرة ان تبادر فورا الى التبرؤ من خطابه ببيان واضح وصريح لا لبس فيه، والا فهي شريكة معه في كل كلمة تفوه بها، وانها ستتحمل عاقبة ذلك وستكون شريكة في تحمل مسؤولية كل قطرة دم تراق بسبب تحريض هذا الطائفي على العنف والارهاب، اذ لا يمكن ان تظل الجبهة تتلفع بالنفاق في مواقفها السياسية، فالعراقيون لا يسمحون لها بان تأكل من صحنين، في الليل تشارك الارهابيين الانخاب  فتشرب معهم دماء العراقيين، وفي النهار تشاركهم الجلوس تحت قبة البرلمان، فالى متى تظل الجبهة تمد يدا لاميركا واخرى للارهابيين؟ انه لأمر مرفوض وغير مقبول ابدا بعد الآن، وان عليها ان تتأكد بانها سوف لن تجن حصادا يذكر، بهذه السياسة، وانا سوف لن تحقق هدفا ملموسا بها، ابدا .
   ولم يستغرب نــــــزار حيدر الازدواجية في مواقف الجبهة، فالهاشمي في واشنطن يعلن عن رفضه الانسحاب الاميكي من العراق، والدليمي في اسطنبول لدعم الارهاب وهو يذرف دموع التماسيح على من يسميهم بسنة العراق، والسنة في العراق منه براء.
   وحيا نـــــــــزار حيدر عشائر الرمادي وديالى التي انتفضت ضد الارهابيين ومن يريد بالعراق سوءا، متمنيا ان تحذو بقية العشائر الاصيلة في المناطق التي يتخندق بها الارهابيون حذوها، من اجل المساهمة في ارساء الامن والاستقرار، من خلال التعاون وتقديم المصالح الوطنية العليا على المصالح الضيقة، معتبرا ان تعامل العراقيين الايجابي مع الوقفة الشهمة لهذه العشائر دليل الوطنية التي يتحلى بها العراقيون الذين يغلبون الحس الوطني على الحس الطائفي والاثني والمناطقي.
   وأضاف؛
   اننا عندما عارضنا نظام الطاغية الذليل صدام حسين ليس لأنه سنيا، وانما لكونه حاكما مستبدا، كما اننا عندما وقفنا بوجه النظام البائد ورموزه الذليلة كطارق عزيز وعزيز صالح النومان واضرابهم، ليس لأن الاول مسيحيا والثاني شيعيا، ابدا، وانما لان هؤلاء واضرابهم كانوا الاداة الطيعة بيد النظام الشمولي البائد، يصول ويجول بهم قتلا وتنكيلا بالعراقيين.
   واليوم، اضاف نــــــــزار حيدر، عندما نقف بوجه تمادي الدليمي واضرابه في غيهم، ليس لانهم سنة، كما اننا عندما نحيي الشيخ الشهم ابو ريشة ليس لانه تشيع، ابدا، وانما لان الاول واضرابه يعملون ضد العملية السياسية وبالتالي ضد مصالح العراق وشعبه الابي، فيما ان الاخير وامثاله من العراقيين الطيبين يبذلون جهودهم من اجل خير العراق والعراقيين.
   واضاف نـــــــزار حيدر بالقول؛
   لقد اثبت خطاب الدليمي في المؤتمر انه واضرابه ليسوا شركاء في العملية السياسية الجديدة الجارية في العراق، وان يده التي امدها للعراقيين الذين يؤمنون بالديمقراطية، لم تكن حقيقية ولم تكن النوايا صادقة ابدا، انها كف يهودية، تبايع بيد وتنقض باخرى، ولذلك فان على العراقيين ان يحذروا من مثل هذه اليد التي ظلت تتآمر على مر التاريخ لتدمير العراق وشعبه الابي، ولذلك اقول بصراحة ووضوح، ان العراق من دونهم، كل شئ، وان العراقيين من دونهم، بخير، انهم مصيبة العراق ومصيبة على العراقيين.
   واستغرب نـــــــزار حيدر، متسائلا؛
   اين، اذن، قانون مكافحة الارهاب الذي دونه وشرعه مجلس النواب العراقي؟ لماذا لم يجر تفعيله؟ ولماذا لم تتخذ الحكومة العراقية اي اجراء قانوني ضد من يحرض على العنف والارهاب؟ وكيف تسمح لهذا وامثاله بان يعود للعراق من دون اية محاسبة، بعد ان نثر سمومه في كل مكان، وحرض على العنف والارهاب في العراق؟ رافضا ان تكون مشاركة امثال هؤلاء في العملية السياسية، مظلة لهم ، تمنحهم الحصانة، وترفع عنهم العقوبة عند ارتكاب الجريمة السياسية، اذ لا بد ان يكون القانون فوق الجميع، أكانوا في السلطة أم خارجها.
   ودعا نـــــزار حيدر من ظل يرفض رفع الغشاوة عن بصره، الى ان يبادر فورا الى ازالتها عن عينيه وقلبه وبصره ليرى الامور على حقيقتها، فيتعامل معها بواقعية اكثر وبصراحة اوضح، اذ لم يعد للمجاملة والتشكيك مكانا في العراق بعد ان سالت كل هذه الدماء الطاهرة بسبب التحريض على العنف والارهاب، ليس من قبل البسطاء والمهمشين، وانما على لسان الزعماء والقادة الذين يقولون انهم مع العملية السياسية كذبا وزورا، ولذلك لا يمكن ان نبرر للتحريض ولا يمكن ان نغض الطرف او لا نعير للمحرضين اهتماما.
   عن ما يسمى بمؤتمر المصالحة المنعقد في بغداد، قال نــــــــــزار حيدر؛
   لقد ولد المؤتمر ميتا، وان نوعية الحضور، والكلمات التي القيت في جلسة الافتتاح، والتي كشفت عن خلافات متباينة وعميقة جدا في المواقف من القضايا المطروحة الى حد التناقض، بالاضافة الى الانسحابات التي شهدها اليوم الاول من المؤتمر، ان كل ذلك دليل واضح على فشله، والسبب في ذلك، هو ان الجميع لا يتحدثون بوضوح وصراحة، وانهم يجاملون على حساب الحقوق والواقع المرير الذي يعيشه العراقيون، وان اخشى ما اخشاه هو ان ينتج عن هذا المؤتمر جبهات جديدة تمزق الساحة السياسية، وتضيف عقدا الى العقد الموجودة حاليا، وتدخل العملية السياسية في دوامة ازمة جديدة، المستفيد الوحيد منها هم جماعات العنف والارهاب، ومن يدعمها ويحرضها على القتل والتدمير.

   16 كانون الاول 2006[/b][/font][/size]

18
المنبر السياسي / ظفر الصبور
« في: 00:04 09/11/2006  »
ظفر الصبور
[/color]
نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   مرة اخرى يفرح المظلومون بوعد الله تعالى، ويحزن الظالمون بوعيده عز وجل، في هذا اليوم الذي نطقت فيه المحكمة الخاصة، بالحكم على الطاغية الذليل صدام حسين شنقا حتى الموت، جراء ما اقترفت يداه من جرائم ضد الانسان.
   انه ثمرة الصبر والجلد الذي تسلح به ضحايا النظام البائد على مدى نيف وثلاثين عاما عجاف.
   وصدق سيد البلغاء وأمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام عندما قال {ما أعدم الصبور الظفر، وان طال به الزمان} لماذا يا أمير المؤمنين؟ وذلك لـ {ان الله مع الصابرين} ومن كان الله معه، لن يعدم الظفر لأن رب العزة لا يخذل عبده، قد يطول انتظاره قبل ان يرى الظفر، ولكن لن يعدمه، لأن الله تعالى لن يخلف وعده.
   يذكر التاريخ، أن امرأة من بني اسرائيل ذبح فرعون ابنها الوحيد في حملة القتل والذبح التي نفذها بحق كل مولود جديد يولد في بني اسرائيل، فدعت المرأة الثكلى بابنها، الله عز وجل ان يهلك فرعون وجنوده.
   ومرت الأيام والسنين وهي تنتظر نتيجة دعاءها بفرعون، وفي ذهنها قول الله عز وجل {ادعوني استجب لكم}.
   وفي يوم من الايام، وفيما هي جالسة على جرف نهر النيل تغسل ملابسها، مر من امامها جسد فرعون طافيا على الماء بعد ان اهلكه الله تعالى.
   وما ان وقع نظرها عليه، سمعت نداءا من السماء يقول {انا من المجرمين منتقمون} فعلمت ان ما تراه بأم عينيها هو نتيجة دعائها، وانه حقيقة وليس وهما او خيال، فتيقنت بأن الله تعالى كان قد سمع الدعاء، وهو ان أخر الاجابة، فلن يهملها ابدا، ان عاجلا ام آجلا.
   كما تذكر كتب التفسير، ان الله تعالى استجاب لدعاء موسى عليه السلام، عندما طلب منه ان يهلك فرعون وجنوده بقوله {وقال موسى ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة واموالا في الحياة الدنيا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم} بعد اربعين عاما من قوله مخاطبا موسى وهارون عليهما السلام {قال قد اجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} فالاجابة العملية اعقبت الاستجابة بالقول اربعين عاما، فقط لا غير.
   وللصبر فلسفة، فبه يمتحن الله عباده، وبه يحترم الناس الزمن، وبه يتعرف الناس على معادن بعضهم، وبه يدخل الناس الجنة ثوابا من عند الله، او النار عقابا من عنده.
   المشكلة، هي ان الناس مستعجلون، فاذا تزوج احدهم اراد، فورا، ان يرى ثمرة زواجه رضيعا في حضن امه، واذا نجح في المدرسة تمنى فورا ان يحلق في الاعالي، واذا دخل السوق مضاربا في ماله، استعجل الربح، واذا قيل له بان العراق مقبل على بناء نظام ديمقراطي تمنى ان يتلمس ثماره بين ليلة وضحاها، وهكذا فالانسان مستعجل بطبعه، لا ينتظر ولا يصبر ولا يتريث، والى هذا يضرب العراقيون مثلا بقولهم يتحدثون عن أحدهم، قيل له أنك ستتزوج فرد فورا (الآن الآن وليس غدا}.
   وبسبب العجلة والاستعجال،  يخطئ الانسان كثيرا ولا يصيب في أكثر الاحيان، لأن المستعجل لا يدخل عنصر الزمن في حساباته، الزمن الذي يعد جزءا لا يتجزا من منظومة الانجاز، اي انجاز في هذا العالم.
   حتى الله العزيز الجبار الذي يقول للشئ كن فيكون، خلق السماوات والارض في ستة ايام، ليس عجزا او تباطؤا او اعيائا، حاشا لله كل ذلك، وانما اراد ان يعلم خلقه معنى الزمن وكيف يحسبونه ويحترمونه فلا يستعجلون فيفشلون.
   ان النطق بالحكم هو ثمرة تضحيات العراقيين على مدى عقود طويلة من الزمن، انه ثمرة تضحية العلماء والفقهاء والشباب والكبار والصغار والرجال والنساء والاطفال، انه ثمرة الظلم المتراكم الذي مارسة الطاغوت بحق العراقيين، انه ثمرة المقابر الجماعية والانفال وحلبجة والحرب العراقية الايرانية وغزو الكويت والاعدامات الجماعية وحملات تنظيف السجون، انه ثمرة دعاء الارامل وأنين الايتام وصراخ الذين دفنوا احياء، انه ثمرة الصبر العجيب الذي ابداه العراقيون، خاصة اسر الضحايا، كما انه ثمرة صبر المحكمة والحكام، الذين صبروا على تجاوزات الطاغية الذليل وهو في قفص الاتهام، وعلى جسارته وكلامه البذئ الذي كان يتفوه به، وعلى عنترياته التي كان يتشدق بها امام من لا زال صم بكم عمي فهم لا يفقهون كنهه وحقيقته.
   صحيح ان النطق تاخر كثيرا عن موعده، كاد الصبر ان ينفذ لدى العراقيين، فيما حاول كثيرون التأثير على عمل المحكمة من خلال استعجالها، الا ان سير المحكمة لقنت القضاء العربي والعراقي درسا لن ينساه، درس يقوم على اساس العدالة والتأني في سماع افادات الشهود والتدقيق في الادلة والوثائق، كما يقوم على اساس حق المتهم في الدفاع عن نفسه من خلال اختيار المحامين ووكلاء الدفاع، على قاعدة ان المتهم برئ حتى تثبت ادانته، وليس على قاعدة ان المواطن متهم حتى تثبت براءته، كما كان واقع الحال في عهد الطاغية الذليل صدام حسين، وهو واقع الحال في البلاد العربية التي يغيب عنها القضاء المستقل والقانون، بحكم ان الحاكم فوق كل شئ، وان كلامه قانون ورأيه دستور ومقترحه حكم والرؤيا التي يراها في منامه واقع يجب ان ينفذ في الحال.
   ان مشاعر الناس ازاء النطق يعد بارومتر الموقف من العدالة، وبارومتر الموقف من الانظمة الشمولية الاستبدادية، وبارومتر الموقف من ضحايا الاستبداد والديكتاتورية، وبارومتر الايمان بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.
   فالذين فرحوا بالنطق، يمثلون جبهة الحرية والعدالة والايمان بالانسان، والكفر بالانظمة الشمولية، اما الذين حزنوا عليه فهم جبهة العبودية والخضوع والاستسلام للطاغوت ممن كتب الله عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله تعالى، جبهة الكفر بالانسان الذي يجب ان يموت، في رأيهم، من اجل ان يحيا الطاغوت.
   فليتعلم العراقيون اذن من هذا اليوم، ما يلي؛
   اولا: ان يصبروا ويصابروا ويتقوا الله تعالى، فالمشوار الذي ينتظرهم طويل طويل، بحاجة الى صبر بقدره وتأن، فلا يستعجلوا النتائج، وليطمئنوا بان النصر حليفهم، وان الظفر معهم واليهم مهما طال الزمن، وليتذكروا قول امير المؤمنين عليه السلام في كل يوم وليلة، بل وفي كل ساعة ولحظة.
   ثانيا: ان للطاغوت اجل مهما طال عهده، وان للظالم جولة وللباطل صولة وللحق دولة، وان الله قد يهمل الا انه لن يهمل، حاشاه وننزهه عن ذلك تنزيها.
   ثالثا: على العراقيين ان يطووا صفحة الماضي، ليبداوا عهدا جديدا خال من الطاغوت وثقافته واسمه ورسمه واعلامه واخلاقياته وكل ما يتعلق به، عهدا جديدا قائم على قيم الحب والالفة والنصيحة والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى والتكافل والتكامل والحرية والشراكة الحقيقية في البلد الذي انعم به الله تعالى عليهم.
   رابعا: اما الذين لا زال في قلوبهم شك مما يجري، فعليهم ان يتيقنوا بان عهد الطاغوت قد ولى الى غير رجعة، فالطاغية الذليل اصبح اليوم جزء من التاريخ، ولذلك، فان عليهم ان يفكروا بصوت عال ويعيدوا النظر بمتبنياتهم القديمة وبثوابتهم الماضية، ليبدأوا عهدا جديدا الى جانب كل العراقيين، فالعراق للجميع من دون استثناء، شريطة ان لا تأخذ احدهم العزة بالاثم، واذا كان احدهم لا يقدر على الاعتراف بخطئه امام الاخرين، فعليه ان يعترف بذلك مع نفسه فيحدثها بصوت عال ليصل الى النتيجة الصحيحة المطلوبة في مثل هذه الظروف.
   ليتيقن امثال هؤلاء، بان الذي يجري اليوم للطاغية وزبانيته، انما هو امر الله تعالى، وهو على كل شئ قدير.
   خامسا: ان النهاية التي انتهى اليها الطاغية الذليل، انما هي بسبب الدعاء اولا، ولذلك فليواصل العراقيون الدعاء والتضرع الى الله عز وجل في السراء والضراء، لنكون جميعا قريبين اليه تعالى، وليكن عز وجل اقرب الينا من حبل الوريد، نتحسسه في كل نفس من انفاسنا، فلولا ارادة الله تعالى التي تهلك ملوكا وتستخلف آخرين، لما انعم علينا برؤية ذل الطاغية .
   سادسا: كما ان علينا ان نتذكر بان شكر الله على نعمائه سبب استمرارها، أولم يقل رب العزة والجلال {وبالشكر تدوم النعم} وهل هناك نعمة اكبر من نعمة القضاء على الطاغوت، فرعون زمانه؟
   اذن، فلنشكر الله تعالى على نعمه، لننعم بها دائما.
   سابعا: اود ان اهمس في اذن المثقفين والاعلاميين العرب واقول لهم؛
   لقد ولى عهد أسود خيم بظلامه على العراق، وبدا عهد جديد، ولى عهد طالما نصرتموه بالكلمة والمقال والبحث والشعر والنثر، وبدا عهد طالما طعنتم فيه وسفهتم احلامه.
   فليكن اليوم حدا فاصلا بين عهدين، عهد تودعوه، وآخر تستقبلوه، أو اكرموننا بسكوتكم، فالحديث الشريف المروي عن رسول الله (ص) يقول {قل خيرا، او فاسكت} ورحم الله امرءا نطق خيرا او صمت.
   ثامنا: ليكن هذا اليوم عبرة لكل جبار اثيم، لا يرعى في عباد الله تعالى الا ولا ذمة، من الحكام المستبدين وجماعات العنف والارهاب، ومن فقهاء التكفير اللذن يحللون دم من يخالفهم الراي.
   ليكن عبرة للجميع، فعسى ان يكون سببا للردع فلا يطغى حاكم ولا يتجبر ظالم ولا يواصل ارهابي او تكفيري مسيرته المنحرفة، ومن الله تعالى التوفيق والسداد، وهو المنتقم الجبار.
   لقد ظن الطاغية الذليل بان الفلك سوف لن يدور لا زال هو في السلطة، فعاث في الارض الفساد، وأهلك الحرث والنسل، وتمادى في غيه وجرائمه، بعد ان أمن تغيير الفلك، ناسيا أو متناسيا بان الفلك دوار يدور عليه كما يدور على غيره، وقديما قالت الحكمة {لو بقيت لغيرك، لما وصلت اليك}.
   وتلك هي مشكلة الحكام، اذ يظنون دائما بان الملك دائم لهم، فينسون الله تعالى وينسون حدودهم، ناسين او متناسين كذلك بان {الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك} و {ان اليوم يوم له ما بعده} اذ ان الحياة لا تنتهي عنده ابدا، كما انها لا تبدا منه ابدا.
   أبارك لكل العراقيين، خاصة ضحايا النظام الشمولي البائد، واسر الشهداء الابرار، هذا اليوم الموعود، داعيا القدير ان يكون يوم خير ويمن وبركة على العراق واهله، انه سميع الدعاء، وبعباده رؤوف رحيم.
   كما ابارك لكل محبي السلام والحرية والقيم الانسانية والعدالة في العالم، هذا اليوم الاغر، وعقبال كل طاغوت وجبار ومعتد أثيم.
   أخيرا؛
   شكرا لكل من ضحى، وشكرا لكل من صبر، وشكرا للمحكمة، وشكرا لكل من شارك العراقيين فرحتهم في هذا اليوم التاريخي، وقبل وبعد كل شئ، شكرا لله تعالى على نعمائه، فهو الذي نساله من فضله، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

   5 تشرين الثاني 2006[/b]

19
الصابئة المندائيون وحقيقة العلاقة بين يوحنا المعمدان وعيسى بن مريم
http://www.absso.com/adnan%20aldaher_alsabeaa.html

بقلم: نــزار ياســــر صكــر الحيــدر
لقد جاء البحث من شقين :
الاول: حقيقة العلاقه بين يوحنا المعمدان وعيسى بن مريم
الثاني: الصابئة والقراّن
لقد جاء بحثه بمجموعة من التساؤلات عن حقيقة هذه الشخصيتين التي جاء ذكرهما في
الاناجيل الاربعة وقصة قتل يوحنا المعمدان وتعميد يوحنا للسيد المسيح واعتقاد
هيرودس بأن السيد المسيح هو نفسه يوحنا المعمدان الذي أمر بقطع رأسه ارضاءا
لابنة هيروديا وقد قام مرة اخرى في شخصية السيد المسيح . وهل هو نفسه ايليا كما
قال البعض وتسأئل ايظا عن حقيقة تبشير يوحنا المعمدان بقدوم السيد المسيح .
ثم دخل مدخلا اخر وهو قصة مولد (يحيى بن زكريا) في القراّن الكريم والمعجزة
التي ولد بها ثم عرض قصة مريم بنت عمران وولادة السيد المسيح وكفالة زكريا لها
. والمكانه العظيمة التي وضعهما بها القراّن الكريم ثم اجرى مقارنه بين ماذكر
عن يحيى وعيسى في القراّن الكريم وأوجه التشابه فيما بينهما وعاد وتسائل مرة
اخرى عن السر في هذا التطابق وربط ذلك مع زعم هيرودس بأن عيسى صاحب التعميد
والخوارق ماهو الا يوحنا المعمدان الذي قطع راسه ثم قام حيا من عالم الموتى ؟!!
.

 وللاجابة عن الشق الاول في هذا البحث نود ان نورد بعض النصوص
المندائية المقدسة من كتابي كنزا ربا (الكنز العظيم) الكتاب المقدس للصابئة
المندائيين وكتاب دراشة اد يهيا (مواعظ وتعاليم يحيى بن زكريا) وهو كتاب مقدس
ثاني للصابئة المندائيين .

النص رقم 1:
النص الخامس عشر من كتاب دراشة اد يهيا (الرؤيا) الصفحة 47 (مقاطع منتخبة )
باسم الحي العظيم
في سماء الخلد ذكر اسم مولود..انجلى سر في اورشليم.. احلام راودت الكهنة ..
ضجيج وأصداء مخاض تعلن عن ولادة طفل في اورشليم , خلال الايام القليلة القادمة
.............. لقد كانت رؤيا عندما اضطجعت ولم اكن قد غفوت بعد ولم اك نائما
.. اتى كوكب وأقام عند انشبي (1)..اتقدت نار عند باب ابا صابا زكريا (2)..ظهرت
ثلاثة اسرجة من نار عند المعبد .. ملأ الدخان بيت المقدس .. على ضجيج .. اضطربت
حركة المركبات.. مادت الارض .. انشطر نيزك في سماء اليهود .. واخر فوق
اورشليم.. اشرقت الشمس في الليل .. والقمر أضاء في النهار , ولما سمع الكهنة
ذلك حثوا التراب فوق رؤسهم .......... ( ثم طلبوا ان تفسر هذه الرؤيا فبعثوا
الى كهنتهم الذين يفسرون الاحلام والرؤى فكان الكاهن اليهودي ليولخ ).. لما سمع
ليولخ ذلك , قفز من فراشه وهو حاسر الرأس وجاء مسرعا بكتاب تفسير الاحلام فتحه
وقرأ فعرف التفسير وكتمه في قلبه لم يجهر به في بادئ الامر .. كتب لهم رساله
اوضح فيها ما ورد في الصحيفة.. الويل لكم جميعا ايها الكهنة ,اذا ما ولدت انشبي
مولودا في اورشليم ويل لك يامعلم الصغار ويل للتوراة اذا ماولد يحيى في
اورشليم...................
(وبعد ان وصلت الرسالة الى كهنة اورشليم وصارت بيد الكاهن اليزار قرأها ووضعها
بيد ابا صابا زكريا) ابتعد عن اليهود فلا تؤجج نزاعا في اورشليم . رفع الاب
الشيخ زكريا يده وصفع اليزار قائلا له : يا اليزار ايها الكاهن الكبير يارئيس
الكهنة .. انت نفسك تعلم انك لم تقرأ ذلك في التوراة .. هل جئنا يوما الى
المعبد وما صلينا فيه وما سلمنا على النبي موسى ؟ تقولون ابتعد عن اليهود اقول
لكم .. هل هناك من اصيب بالعمى ثم ابصر وكان كسيحا ثم قام حتى تلد انشبي مولودا
؟ هل الاخرس يستطيع ان يكون معلما كي تلد انشبي مولودا ؟ منذ اثنين وعشرين سنة
لم اقترب من زوجتي , فأي مصير ينتظرها وينتظركم . اذا ولدت انشبي ؟ وقف جميع
الكهنة عندما كان الاب الشيخ زكريا يتكلم وبعد ان انهى كلامه ردوا عليه .. أهدأ
يا ابا صابا زكريا . اجلس رحمة الطيبين تغمرك وتستقر عليك . ايها الاب الشيخ
زكريا اذا لم تكن هذه الاحلام قد راودت اليهود واذا لم تكن هذه الرؤيا قد حدثت
في اورشليم وان ما قاله موسى هو محض كذب فأقوالك فقط هي التي تحرسك .. ولكن
الاحلام التي رأيناها تقول .. ان يحيى يجيء ويصبغ في يردنا.. وسيكون نبي في
اورشليم ..............
( وبعد ان هدأوا من روعه وذكروه بأن نسبه يمتد الى ابراهيم الخليل وجميع
الانبياء من سلالته في اورشليم قالو) : اذن يولد لك نبي ويرى الاسرة التي ينتسب
اليها .. ان يهانا سيأتي الى الوجود وينادى به نبيا في اورشليم وسيكون لنا
الشرف ان نصطبغ بصباغته ونرتسم برسمه الطاهر ونتناول منه الخبز المبارك والماء
المبارك ونرتقي معه الى حيث النور .......والحي المزكي

نص رقم 2:
النص التاسع والعشرون من كتاب دراشة اد يهيا (الولادة المعجزة)الصفحة 89 (مقاطع
منتخبة)
باسم الحي العظيم
ابي اصبح ابن التاسعة والتسعين وامي بنت الثامنة والثمانين..من حوض يردنا
احضروني.. رفعوني.. والقوا بي في رحم انشبي. مكثت تسعة شهور في الرحم مثلما
تمكث الاجنة ولم تكن هناك قابلة ماهرة من اليهود لتسعفني عند الولادة , كما لم
تكن هناك من هي قادرة على قطع الحبل السري لتفصلني عن الرحم في اورشليم.. لقد
ولدتني انشبي في اورشليم .. قرية الكهنة التي يقيم فيها اليزار.. الكاهن الكبير
الذي شيدها وأحاطها باليهود.. الذين قدموا الى الاب الشيخ زكريا قائلين : نعم
ايها الاب الشيخ زكريا يجب ان يكون لديك ابن فماذا تسميه ؟ اذا سميته ياقف فسوف
يتعلم الحكمة في اورشليم .. واذا سميته زاتان هيكل اليهود حيث الصدق والحق في
داخله .. فلن يكون كاذبا .. وحين سمعت انشبي ذلك صرخت قائلة : من هؤلاء ؟
وماهذه الاسماء التي ذكروها ؟ انا لم اطلب من احد ان يطلق عليه اسما اطلب من
الذي منحه الحياة ان يسموه (يهيا يهانا) . غضب اليهود لما سمعوا ذلك ..امتلئت
قلوبهم حقدا .
(ثم يتكلم النص عن تربية ونشوء يهيا يهانا حتى اصبح عمره اثنان وعشرين عاما بعد
ان تكفل الملاك انش اثرا تربيته ) سمع الملاك انش اثرا ذلك .. فأصطحبني وصعد بي
حتى وصل ذرى جبل براون الابيض .. حيث يربى الاطفال هناك وعلى الماء المبارك
يعيشون .. ولما بلغت اثنين وعشرين عاما اتقنت كل الاحاديث وتعلمت الحكمة.. رداء
النور البسوني والسحب كسوني .. هميانة الماء المضيء منحوني .. بسحابة انن زيوا
اخذوني.. وخلال سبع ساعات اوصلوني وفي يوم احد اصعدوني الى قرية اورشليم ..
ناديت فأقترب ندائي من اليهود .. ودنا العالم من اورشليم .. اسرعت لباشي واخبرت
انشبي قائلة : جاء نبي الى اورشليم وحيدا يعيش ومنقذا.. فمه يشبه فمك وشفتاه
تشبهان شفتي ابا صابا زكريا .. انفه يشبه انفك ويداه تشبهان يدي ابا صابا زكريا
.. خرجت انشبي مسرعة حاسرة الرأس واذ رأها زكريا طلب ان يتركوها .. رأى الملاك
انش اثرا كيف اقبل يهيا يهانا ملهوفا معانقا انشبي .. ومقبلا اياها قبلة وحيدة
بالفم .. قال ليهيا في اورشليم : هل كتب في كتابك وأوضح في سجلك ان تقبل احدكم
الاخر في الفم ؟ اجاب يهيا : مكثت في رحمها تسعة شهور مثلما يمكث الجميع ولم
اثقل عليها والان هل تعذرعلي قبلة واحدة من فمها ؟ طوبى , ثم طوبى للمرء الذي
يبر بوالديه , ويكافئهما . فليس له شبيه في الدنيا . واذ قال يحيى ذلك ادرك انش
اثرا ان يحيى حكيم ....والحي المزكي .

النص رقم 3:
النص الثامن والعشرون من كتاب دراشة اد يهيا ( زواج النبي يحيى) الصفحة 84
(مقاطع منتخبة)
باسم الحي العظيم
تزوج يحيى أمرأة تقية من قريته فولدت في الحمل الاول هندام و شارات .. وفي
الحمل الثاني ولدت بهرام و رهيمات هيي .. اما في الحمل الثالث والاخير
فقد ولدت انصاب و سام و انهرزيوا و شار . قال يحيى لزوجته انهر : انت علمي
بناتك عدم الخنوع وانا اعلم ابنائي وأوصيهم ان لا يكونوا منغلقين ...والحي
المزكي.

النص رقم 4:
النص السابع والعشرون من كتاب دراشة اد يهيا ( تعميد السيد المسيح) الصفحة80
(مقاطع منتخبة)
باسم الحي العظيم
يايحيى اصبغني بصباغتك وانطق الاسم الذي تذكره علي وسأذكر صنيعك هذا في وثيقة
.. وان لم اتتلمذ الغ اسمي من سجلك . قال له يحيى : كيف اصبغك وقد هزأت بكهنة
اليهود واخزيتهم وقد قطعت النسل والحمل وانت صحيفة في سجل موسى نشرت في اورشليم
؟ قال عيسى : لم اهزأ بالرجال الكهنة .. والا سأموت مرتين.......(وبعد ان اجاب
على اسئلة يحيى وبين اجابته اراد ان يختبر فيها حكمته ونجح في ذلك طلب منه): يا
يحيى اصبغني بصباغتك .. وانطق الاسم الذي تذكره علي فسوف اذكر هذا لك في وثيقة
فأنت مسؤول عن خطاياك وانا مسؤول عن خطاياي . واذ قال عيسى ذلك .. هبطت رسالة
من بيت اواثر(3) تقول: يايحيى اصبغ المسيح .. اصبغه في يردنا(4) واصعد ضفة
النهر حيث الروح تمثلت في حمامة رسمت صليب فوق يردنا ولونت الماء بألوان متعددة
وقالت ليردنا : انت قدستني وقدست ابنائي .. فالماء الجاري الذي اصطبغ به المسيح
اصبح له ماء مقدسا والخبز المبارك الذي تناوله اصبح روحا للقدس والماء الذي شرب
منه اضحى قربانا.. والحي المزكي .

النص رقم 5:
الكتاب السادس / التسبيح الثالث من كتاب كنزا ربا (صعود يحيى الى عالم النور)
الصفحة 137 (مقاطع منتخبة)
باسم الحي العظيم
يايحيى تقول باركني بيدك .. ان انا وضعتها عليك يايهانا فستخرج من جسدك .. قال
يهانا لمنداد هيي(5) :
لقد رأيتك انت بالذات فأية رغبة لي بعدها في الحياة ؟ رأيتك وتبعتك .. وكلمتك
وسمعتك.. وها أنا اطلب منك يد كشطا(6) .. فلا تحرمني منك ومن البلد الذي منه
اتيت .. خذني الى البلد العظيم الذي انت ذاهب اليه .. وليرافقني حنانك ونورك
وأتقانك .. ساعدني على ان اعرف اسرار الملائكة وثمر النور العظيم .. وسنادين
الارض واثمارها .. والمياه الجاريه وما يدفع تيارها .. والحرارة الحية
وانتشارها .. والحياة واسرارها .. ممن هي اقدم وممن هي أعظم . سمع مندادهيي
ماقاله يحيى فوضع يده عليه .. وقف يحيى وخلع في يردنا ثيابه .. ثياب اللحم
والدماء .. وارتدى بدلة الضياء .. واعتم بعمامة النور .. ليصعد مع مندادهيي الى
بلد النور ...........
(وبعد ان تحولت نفس (نشمثا)(7) يحيى الى ملاك يرافق مندادهيي وهو يصعد الى
اعالي السماء حيث قامت الملائكة من عروشها عندما مر في المطهرات وباركت ومجدت
وتوسلت منهم الشفاعه والغفران من الحي العظيم وكيف كانت تطلب الملائكة من يحيى
ان يتشفع لها لنيل الغفران حيث كان يقول مندادهيي):
يا يحيى انظر كيف مكناك وبالملائكة ساويناك ونظير الاثريين(8) المعظمين جعلناك
.........(ثم يقول النص الى اخره) اقام يحيى في البلد المنير .. بلد الايمان
الكبير.. سائل العظيم القدير .. ان يأذن لجميع العادلين والمؤمنين الذين وسموا
بوسمه وذكر عليهم ممجدا اسمه .. وصبغ بالصبغة النقية .. من أمن وأتقى .. ان
يرتقي في نفس المسقثا(9) التي هو بها ارتقى ......والحي المزكي .

ان المطلع على هذه النصوص المندائية يستطيع ان يجد الاجابة الوافية والشافية
على جميع التساؤلات التي طرحها الباحث وهنا اود ان اوضح مسألة مهمة ومشكلة
لايزال الصابئة المندائيون يعانون منها كان قد وضعهم بها اسلافم وتكمن في عدم
تدوين تاريخهم مما افسح المجال للاخرين من التخبط بالفرضيات والنظريات عن
اصولهم وعبادتهم وكتبهم وأنبيائهم وحتى حياتهم وعاداتهم الاجتماعية وهذا جاء
لسببين:

1. ان الدين المندائي دين غنوصي موحد قديم مغرق بالروحانيات وتمجيد الخالق
لايهتم بالماديات وفلسفته ترتكز على ان حياة الانسان هي سفرة قصيرة جدا نسبه
الى عمر النفس هبة الخالق للانسان والتي دخلت الجسد الفاني جسد اللحم والدم وهي
حبيسة هذا الجسد لحين وفاة الانسان وخروج هذه النفس من جسده وعودتها الى مكانها
الطبيعي قرب الخالق ( مشوني كشطا) اي الجنه
بعد مرورها بالمطهرات التي تطهرها من كل ماعلق بها لتعود صافية نقية كما نزلت
في جسد الانسان ولهذا يحرم الصابئة المندائيين البكاء على الميت لانه يعتبر موت
الانسان ولادة ثانية للنفس . لذلك فالانسان المندائي المؤمن يكرس جل عمره
بالتعبد والالتزام بوصايا الخالق ونراه يتعمد بأستمرار ليتطهر من ذنوبه لكي
يحافظ على نفسه سليمة لتعود الى خالقها نقية . لذلك فهم بعيدون عن الماديات
وحتى التفكير بتأسيس كيان سياسي لهم فنراهم لا يهتمون بالامور الدنيوية لانهم
يعتبرونها زائلة اضافة الى ان المندائية قد تحولت الى ديانه غير تبشيرية بعد
النبي يحيى اي في القرن الاول الميلادي لاسباب كثيرة وانغلاقهم على انفسهم واهم
هذه الاسباب ظهور ديانات جديدة واضطهاد المؤسسة اليهودية لهم وتقتيلهم وتشريدهم
من اورشليم في ذلك الوقت مما دفعهم الى التقوقع للمحافظه على الحد الادنى
لديانتهم ولكي يتمكنوا من الاحتفاظ بكتبهم وأجراء طقوسهم وحفظ تعاليمهم الى
وقتنا الحالي وها نحن ورثناها الى يومنا هذا كما كانوا يمارسونها قبل الفي عام
.

2. ان جميع من كتب عن الصابئة هم من خارج الدين المندائي والظاهر وبسبب هذا
الانغلاق بدأ المجتهدون يكتبون مايحلو لهم في تفسير عقائدهم وأصلهم وطقوسهم عن
طريق النقل والسمع لعدم رغبة المندائيين انذاك بالافصاح عن عقيدتهم ربما خوفا
او لاسباب اخرى بدليل عزوف مفكريهم وعلمائهم المشهورين من الذين عملوا في
البلاط العباسي من الكتابة او ان يؤرخوا اي شيء يذكر عن اهلهم ودينهم وهم
المؤرخون والكتبه الافذاذ والعلماء والفلاسفة مثل ابواسحق الصابي الذي كان يؤرخ
للدولة والبلاط العباسي . وهذا يعني انهم كانوا غير راغبين في الكتابة ليتجنبوا
الخوض في مساجلات ومجادلات هم في غنى عنها قد تؤذيهم اكثر مماتفيدهم .
ان خير من يكتب عن الصابئة المندائيين هم الصابئة المندائيون وان جاء ذلك بشكل
متأخر جدا الى حد قبل اربعة عقود فقط . ان صدور ترجمة كتاب( الصابئة
المندائيون) الذي قامت بتأليفه الليدي دراور وترجمه الاستاذان المندائيان نعيم
بدوي وغضبان رومي كان فاتحة خير بالنسبة للمندائيين بعد ان اضاف المترجمان
هوامش كثيرة اغنت الكتاب الذي كتبته المؤلفة بعد ان عاشت عن قرب جدا ولمدة عقد
من الزمن قرب رجال دينهم فخرج كتابا مهما ورائدا حقيقيا عنهم . تبعتهم
الاستاذة المندائية ناجية مراني التي كتبت كتاب (مفاهيم صابئية مندائية) حيث
يعتبر هذا الكتاب من الكتب المهمة والصادقة عن الصابئة المندائيين .
وهنا يحق لنا ان نتسائل لماذا هذا التحري والنبش العقيم في بطون الكتب
التاريخية عن اصل الصابئة المندائيين وكل مايتعلق بهم ؟
لماذا لاتؤخذ المعلومات الحقيقة الوافية والشافية من الصابئة المندائيين مباشرة
؟ وهم يعيشون مع الجميع وقد ترجمت كتبهم المقدسة اخيرا من اللغة الارامية
المندائية الى اللغة العربية وهناك الكثير من الباحثين المندائيين الذين يملكون
الاجوبة لكل الاسئلة وهم متعاونون مع الجميع وليس هناك مايخفوه او يخشوه فهاهي
كتبهم باللغة العربية بمتناول الجميع وبأستطاعة الجميع الاطلاع عليها .

ولكي نجيب على ماورد في مقالة الدكتور الباحث سنأخذ نفس التسلسل في الطرح :
· لايوجد اي سند تاريخي او ديني لقصة قتل النبي يحيى بن زكريا الذي ورد في
التوراة وان الصابئة المندائيين لهم رواية اخرى تروي وفاة وصعود يحيى الى بلد
النور(انظر النص رقم 5) .
· ان وجود الشخصيتين يحيى بن زكريا وابن خالته عيسى بن مريم هي حقيقة واقعة
مثبتة في الكتب المقدسة المندائية (انظر النصوص رقم 1 , 2 , 3 , 4 , 5 ) .
· تؤيد النصوص المندائية تعميد يحيى بن زكريا (يهيا يهانا) للسيد المسيح (عيسى
بن مريم) في نهر الاردن بعد ان جاءه وطلب منه ان يعمده (يصبغه) (انظر النص رقم
4) .
· لا يوجد مايؤيد تبشير يحيى بن زكريا (يهيا يهانا) بقدوم السيد المسيح .
· تدل النصوص المندائية على ان يحيى بن زكريا (يهيا يهانا) قد ولد بمعجزة وعاش
حتى الثانية والعشرين من عمره في كنف ورعاية الملاك (انش اثرا) حيث رباه وعلمه
الحكمة والموعظة و أهله لكي يعمد الناس ليغفر خطاياهم واستمر اثنين واربعين
عاما وهو يعمد الناس وقد تزوج من احدى النساء التقيات من بلدته وخلف منها
اولادا وبنات وقد ترك مجموعة كبيرة من الحكم والمواعظ والدراسات التي كان
يلقيها على تلاميذه حتى حان رحيله الى الخالق سبحانه بعد ان كرمه بأن انزل عليه
شخصيا الملاك الاثري العظيم (مندادهيي) على هيئة طفل وحرر نفسه واصعدها
برفقته بعد ان تحول الى ملاك طاهر بقدرة الحي العظيم صعد الى بارئه بمعجزة
تحوله الى ملاك ينظراليه جميع الملائكة والاثرين والصديقين يطلبون منه ان
يذكرهم امام الخالق سبحانه بخير ليرضى عنهم . (انظر النصوص رقم 2 , 3 , 4 , 5 )
.

اما ما ورد ذكره في القراّن الكريم ومدى تطابقه مع النصوص المندائية المقدسة
فنورد مايلي :
· هناك اوجه تشابه بينما ذكر في القراّن الكريم وكتاب دراشة اديهيا في معجزة
ولادة يحيى بن زكريا ماعدا ان يكون زكريا قد طلب من ربه ان يرزقه بولدا ليرثه
ويرث ال عمران بعد ان كبر فهذا غير موجود في النصوص المندائية وقد جاء في النص
المندائي ان زكريا قد فوجيء بنبوءة بني اسرائيل وكهنتهم في اورشليم والتي تبشر
بأن زكريا سيرزق بولد بعد عمر طويل لم يرزق بها بولد (انظر النص رقم 1 , 2 ) .
· لايوجد اي ذكر في النصوص المندائية عن ولادة او نشوء او معجزات او صلب او
قيامة للسيد المسيح (عيسى بن مريم) سوى ما ذكر عن تعميده في كتاب دراشة اديهيا
(انظر النص رقم 4 ) .
· يمكن ان نثبت حقيقة وجود الشخصيتين يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم وصلة القربى
بينهم كما دلت على ذلك النصوص المندائية (انظر النصوص رقم 1 ,2 ,3 , 4 ,5 ) .
· هناك تطابق ربما غير معلن عن حقيقة موت يحيى بن زكريا وما ورد في القراّن
الكريم في صلب عيسى بن مريم فكما اثبتنا عدم قتل يحيى في النصوص المندائية وما
ورد في القراّن الكريم (ما قتل وانما شبه لهم ) عن صلب السيد المسيح وهو ما
متعارف عليه في الدين الاسلامي من ان الانبياء لايقتلون ومما يؤكد ذلك النص
القرأني عن يحيى ( سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) والنص القرأني
عن عيسى ( والسلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا ) وفي النصين لاتوجد
كلمة (قتل) وانما كلمتي ( يموت و اموت ) وهذا يمكن ان يسند ما ورد في النصوص
المندائية.
· ان النصوص المندائية تثبت حقيقة وجود الصابئة المندائيين وعقيدتهم وطقوسهم
وانبيائهم رغم وجود بعض التطابق والاختلاف وهذا شيء طبيعي حيث اننا نقرأ دائما
عن اختلاف الرواة حول مصير شخصيات تاريخية مشهورة مثل يحيى بن زكريا وعيسى بن
مريم فالمعروف ان هناك مجموعة قصص مختلفة ومتعددة حول ولادتهم وحياتهم
وسلوكياتهم وموتهم وهذا يعتبره المؤرخون امرا طبيعي لشهرتهم وكثرة ماكتب وما
روي عنهم .

· وللاجابة عن الشق الثاني من البحث (الصابئة في القراّن الكريم )
ان الباحث يتسائل في هذا الشق عن سبب عدم وجود اي ذكر لهم في التوراة ولا
الاناجيل المعروفة ولا حتى فيما تركه الملك البابلي نبوخذنصر والاعتقاد انهم
جاءوا الى العراق مع السبي البابلي في 550 ق.م ثم دمار بابل ونزوح بعض
المسبيين الى بلاد فارس ورجوع غالبيتهم الى فلسطين على يد الملك كورش وعن عدم
وجود مايثبت ذلك في النصوص المندائية .

· لقد ورد نص في كتاب مندائي من مجموعة الكتب المندائية المقدسة اسمه ( حران
كويثا ) هذا الكتاب يؤرخ حادثة واحده حدثت في الالف الاول الميلادي وهي قيام
المؤسسة اليهودية بأضطهاد وقتل وتهجير وتشريد المندائيين من اورشليم حيث قتل في
هذا الحادثة كما روي في هذا الكتاب ثلاثمائه وستين رجل دين مرة واحدة لانهم
مجرد مندائيون ثم يشير النص الى هجرتهم الى حران . ان المطلع على كتاب كنزاربا
(الكنز العظيم ) سيقرأ نصوص تذكر رموز عراقية مقدسة مثل نهري دجلة والفرات
والزابين ويأتي ذكر للنخله المقدسة اظافة الى وجود تشابه كبير جدا في ميثلوجيا
الاديان البابلبة والسومرية والمندائية وهذا ما أكده الباحث الدكتور خزعل
الماجدي في كتابه
(جذور الديانة المندائية) المثير للجدل والذي يقارن فيه اوجه التشابه الكبير
للديانات العراقية القديمة والتي يعتبر الديانة المندائية هي الاصل واللب لثمرة
البصل كما يشبهها وما الطبقات المحيطه بها الا اضافات للب الثمرة الاصلي لكنها
ثمرة واحدة . وكان هذا التشبيه الجميل الى حد كبير من قبل الباحث.
بعد كل ماورد نؤكد عراقية الدين المندائي وعراقية المندائيين وهذا يذكرني
بمحاضرة الاستاذ الدكتور عبد الهادي الخليلي (اخصائي جراحة المخ والاعصاب ) في
كلية طب بغداد/كندا حاليا والذي كان شغوفا بأثبات اصل الانسان العراقي ونقاء
دمه بدراسة علمية طريفة عن الصابئة المندائيين وفيها يؤكد تشابه جمجمة
الصابئة المندائيين والجماجم القديمة المحفوظة في المتحف العراقي ويستنتج فيها
ان المندائيين هم سكان العراق الاصلين وقد حافظوا على نقاء دمائهم بعدم
مصاهرتهم مع الاخرين من الذين جاءوا الى العراق لاحقا فأن المندائيين يحتفظون
بعوامل وراثية نقية وهم العراقيون الاصلاء ويعتبرهم متحفا حيا ناطقا لشعب
العراق الاصيل .
لقد كانت الديانة المندائية منتشرة وكما يبدو في العراق والهلال الخصيب قبل
مجيء السيد المسيح والا كيف نفسر وجود اثار لهم يحتفظ بها المتحف العراقي وجدت
على امتداد نهر الفرات من شماله وحتى جنوبه في قرى قديمة على شكل مجمعات سكنية
صغيرة ترجع الى القرن الثاني والثالث الميلادي وهي عبارة عن قحوف فخارية كتب
عليها باللغة المندائية ادعية واحراز لحفظ سكنة الدار من الشرور مثبت عليها
الاسم الديني المندائي لصاحب كل دار وساكنيها اضافة الى ما نشر من معلومات
ونصوص من لفائف قمران والتي عثر عليها قرب البحر الميت والتي فيها من النصوص
والكتابات المندائية اضف الى ذلك انتشار الاحناف في الجزيرة العربية والحجاز من
الذين يدينون ديانة النبي ابراهيم وهي ديانة التوحيد وعلاقة الحنفاء بالصابئة
المندائيين قريبة جدا اذ يعتقد البعض انها تسميتان لديانة واحدة وهناك الكثير
من الشواهد والادلة التي تثبت وجودهم وتاريخهم حيث ان هناك حاجة كبيرة للبحث
والتقصي في هذا الموضوع بالتحديد . الا تكفي هذه الادلة على وجود الصابئة
المندائيين وهنا نسأل ماهو مصير اتباع الانبياء الموحدين من ابراهيم وحتى يحيى
بن زكريا؟ وماذا حل بهم ؟ ان الصابئة المندائيين يؤكدون في نصوصهم المقدسة انهم
احفاد سام بن نوح الذي نجى من الطوفان فأين هم اتباع سام بن نوح ؟
ان سبب عدم وجود اي ذكر للصابئة المندائيين في التوراة والاناجيل هي عملية
الغاء مقصودة فاليهود كانوا يتقاطعون مع المندائيون تقاطعا دمويا كما اسلفنا
والكل يعرف كيف كتبت التوراة بعد السبي البابلي وماذا حذف منها وما اضيف اليها
! ؟
لقد انصف الدين الاسلامي الصابئة بعد ان جاء على ذكرهم في ثلاث سور قرأنية
كبيرة (البقرة , المائدة , الحج) وساواهم مع اصحاب الكتاب .
اما ما ورد عن صابئة حران ورواية القطيعي المعروفة عنهم والتي ارتبطت بتهديد
الخليفة المأمون لهم فهي تأكد على وجود الصابئة المندائيين في حران اذ كيف عرف
القوم عبدة الكواكب والنجوم ان هناك ديانة الصابئة المندائيين الموحدة لكي
يتحججوا بأنتمائهم لها كي ينجو من تهديد الخليفة المأمون اذ لابد من وجود لهم
في حران اضافة لوجود عبدة الكواكب الذين ادعوا انهم على دين الصابئة .
ان اهتمام الصابئة المندائيين بدراسة الفلك وعلومه جاء على خلفية كونهم
مندائيون اي معرفيون ووجوب ألمامهم بجميع العلوم المعرفية والابداع فيها كما هو
الحال في علوم الطب والهندسة والكيمياء والادب والفلسفة اضافة الى ذلك فأن هناك
الزام بمعرفة الابراج وحركة النجوم ليتمكنوا من استخراج الاسماء الدينية
المندائية لكل مندائي عن طريق معادلة رياضية يحتسب بها الساعة والنهار والليل
واليوم والشهر والسنة والبرج لكي يتمكن المندائي من معرفة اسمه الديني
(الملواشة) ان وجود الاسم الديني ضروري وحتمي لكل مندائي اذ لايمكن اجراء اي
طقس مندائي بدون معرفة الاسم الديني والذي يرتبط بأسم الام الديني اذ يقال فلان
ابن فلانه وفلانه بنت فلانه وهذا يتحدد بحركة الابراج واضافة للمعلومات السابقة
فهو يحتاجها في طقوس التعميد والزواج وطعام الغفران للموتى والترحم والوضوء
والصلاة والدعاء والا لايمكن ان يجرى الطقس بدون الاسم الديني .
اما ماقيل عن انتشار الصابئة المندائيين في الجزيرة العربية او في اليمن فجميع
هذه الروايات تحتاج الى الكثير من البحث والتقصي لاثباتها علميا والا ستبقى في
خانة القصص والاساطير والروايات .
اخيرا فأني ابارك الجهد الكبير للباحث الاستاذ الدكتور عدنان الظاهر واهتمامه
بأخوة عراقيين له في زمن هم بحاجة الى اظهار حقائق كانت غائبة حتى وقت قريب فله
مني ومن كل المندائيين كل حب واعتزاز .

الهوامش:
(1)انشبى :زوجة زكريا وام يحيى ويطلق عليها
اليصابات وتعنى الشيخه.
(2)ابا صابا زكريا: تعنى الاب الشيخ زكريا .
(3)بيت اواثر : ملاك اثري يقع عرشه عند بوابة
الحياة .
(4)يردنا : الماء الجاري المقدس .
(5)مندادهيي : ملاك اثري نوراني ويعني عارف الحياة
.
(6)كشطا : العهد .
(7)نشمثا : النفس .
(8)الاثريين : الملائكة .
(9)المسقثا : طقوس وتراتيل خاصة لتسهيل عروج النفس
الى عالم الانوار .




الصابئة المندائيون
وحقيقة العلاقة بين يوحنا المعمدان وعيسى بن مريم

بحث: دكتور عدنان الظاهر

تمهيد

كثُرت الأبحاث التي تناولت مسألة أصل الطائفة المعروفة في الإسلام بإسم "
الصابئة " وطبيعة دينهم ومعتقداتهم وطقوسهم وهل هم شرقيو أم غربيو الأصل
والمنشأ : هل جاءوا من سواحل البحر الميت في فلسطين مع السبي البابلي ليهود
أورشليم إلى العراق أم إنهم من سكنة أرض بابل القدماء. وأية بابل يقصدون :
بابل نبوخذ نُصّر الكلدانية أم العهود السحيقة التي سبقت بابل، ربما عهود سومر
وأكد ؟ سوف لن أدخل هذا الباب ما دامت فكرة دراستي هذه لا تمتُّ بصلة للموضوع
سالف الذِكر. أساس دراستي محاولة للبحث عن الصلة ما بين يوحنّا المَعمَدان (
يحيى بن زكريا ) وعيسى المسيح إبن مريم. العلاقة مختلطة لأسباب وأدلة سأعرضها
لاحقاً، ولا يُعرف أساس هذا الإختلاط.

تتبعت هذا الأمر في ما كتبت الإناجيل عن يوحنا المعمدان وفي ما ورد في القرآن
الكريم عنه وعن طائفة الصابئة التي لم يرد لهم ذكر في التوراة ( 1 ) ولا في
الإنجيل. كذلك الأمر بالنسبة للفظة " مندائية أو مندائيين".

يوحنا المَعمَدان ( يحيى ) في أناجيل المسيحيين

ورد ذِكرُ نبي الصابئة ( المندائيين ) يوحنا المعمدان في أربعة أناجيل هي (
متّى ) وإنجيل ( مرقص ) وإنجيل ( لوقا ) ثم ( يوحنا ).

إنجيل متّى / الإصحاح الرابع عشر / 1 – 12

(( في ذلك الوقت سمِعَ هيرودُسُ رئيسُ الرُبع خبرَ يسوع. فقال لغلمانه هذا هو
يوحنّا المَعمَدان. قد قام من الأموات ولذلك تُعمَلُ به القوّات. فإنَّ هيرودُس
كان قد أمسك يوحنّا وأوثقه وطرحه في سجنٍ من أجل هيروديا إمرأةِ فيلِبُسَ أخيه.
لأنَّ يوحنا كان يقولُ له لا يحِلُّ أنْ تكونَ لك. ولمّا أراد أن يَقتُلَهُ خاف
من الشعب. لأنه كان عندهم مثلَ نبي.ثم لمّا صار مولدُ هيرودُسَ رقصت إبنةُ
هيروديا في الوسط فسرّت هيرودُس. من ثمَّ وعدَ بقَسَمِ أنه مهما طلبتْ يُعطيها.
فهي إذْ كانت قد لقّنتْ من أمها قالت أعطني ههنا على طَبَقٍ رأسَ يوحنا
المعمدان. فإغتمَّ الملكُ. ولكن من أجل الأقسام والمتكين معه أمر أنْ يُعطى.
فأرسلَ وقطعَ رأسَ يوحنا في السجن. فأُحضِرَ رأسُه على طَبَقٍ ودُفِعَ إلى
الصبيّة. فجاءت به إلى أُمّها. فتقدم تلاميذه ورفعوا الجسدَ ودفنوه. ثم أتوا
وأخبروا يسوعَ )).

نقرأ في هذا الكلام ما يلي :

: يعتقد هيرودُس إنَّ يسوع المسيح هو يوحنا المعمدان الذي قطع رأسه ثم قام من
الأموات.

: وقف رجل من عامة الناس لا حول له ولا سلطان... وقف بوجه الملك وصارحه أنَّ
زوجة أخيه لا تحل له. عزم على قتله إذ وقف دون تحقيق مأربه بالزواج من أرملة
أخيه أو ربما مطلقته. كان هيرودُس يهودياً والتوراة تعتبر الرجل الذي لا يتزوج
أرملة أخيه شخصاً مرذولاً. أي أنها تشجع وتحض على مثل هذا الزواج. كما أن
الديانة المسيحية التي بدأت تنتشر يومذاك لا تمنع مثل هذا الزواج ولا تُحرِّمه.
فلماذا وقف يوحنا المَعمَدان في وجه هذا المشروع وحرَّم صفقة الزواج ؟ هل
أنَّ هذا النوع من الزواج محرَّمٌ لدى الصابئة المندائيين ؟ لا أدري. إنْ كان
الأمر كذلك فالمندائية ديناً تختلف في هذه المسألة عن باقي الأديان الثلاثة
إختلافاً واضحاً. [[ أنتظر توضيحاً من الأخوة المندائيين ]].

: إن هيرودُس لم يجرؤ على قتل المَعمَدان خوفاً من الشعب.كان هناك إذاً شعبٌ
أو رأيٌ عامٌ يخشاه الحاكم ويحسب له ما يستحق من حساب

: لانَ هذا الحاكم أمام رقصة صبية جلبت لنفسه المسرة فقدم لها ما أرادت أمها
هيروديا : رأس يوحنا على طبق. إغتمَّ في أول الأمر وتهيب من الإقدام على تنفيذ
جريمة قتل هذا الإنسان البريء. لكن شجعه على إتيان هذا العمل الشنيع أمران /
القَسَم الذي قطع على نفسه في أن ينفذ كل ما تطلب الصبية التي آنسته منه. ثم،
وهذا أمر آخر طريف، ضغط الحاشية [ المتكين معه ] التي كانت محيطة به في أن ينفذ
ما كان قد وعد. حاشية السوء، يبدو أن رأي وإرادة هذه الحاشية كانتا رهن إشارة
السيدة هيروديا، العدو الألد ليوحنا المَعمَدان الذي حاول الوقوف بينها وبين
الزواج من هيرودُس. مَن كانت هذه المرأة وما كانت زمان حياة زوجها فيلِبُس الذي
كان بدوره رئيس رُبعٍ على إيطورية وغيرها من الكُوَر في زمان حكم القيصر
الروماني طيباريوس ووالي اليهودية بيلاطس ؟ هل قتله أخوه هيرودُس غيلةً وحلَّ
محله من حيث الوظائف والمسؤوليات وً طمعاً بمناصبه ثم بزوجه هيروديا كما فعل
فيما بعد ( كلوديوس ) ، عم هاملت، مع أخيه ملك الدنمارك. قتل أخاه وتزوج من
أرملته { مسرحية هاملت لشكسبير}. ليس في يدي من المصادرما ينفي أو يؤكد هذه
الفرضيات والتساؤلات والتكهنات. على أنَّ أكثر الأمور أهمية هو ما ورد في مطلع
هذا الجزء من الإصحاح الرابع عشر.

: وضعت هذه القصة حسب تفصيلاتها ونتائجها المأساوية أُسس ما يُسمى بسياسة
ودبلوماسية المغريات الطاغية : الجنس والخمور وفنون الغناء والرقص... فضلاً عن
دبلوماسية الرشاوى وإغراءات الذهب والأحجار الكريمة. في توراة اليهود الكثير من
هذه القصص أحد أبرزها قصة إغراء ( دليلة ) لتطويع الجبّار ( شمشون ) . وقبل ذلك
أمامنا في ملحمة جلجامش السومرية قصة صيد وتطويع وتدجين وحش البراري أنكيدو من
قبل البغي ( شمهات أو شمخة أو سمحاء ) حسب تعليمات جلجامش.

: إصرار هيرودُس على أن عيسى هو يوحنا الذي قطع رأسه ثم قام من الأموات. سيتكرر
هذا الإصرار فيما يلي من الأناجيل، وذلك هو الأمر الهام الذي إستوقفني ورفع
أمامي موضوعة البحث الرئيسة : علاقة يوحنا بعيسى الملتبسة تأريخياً لا دينياً.

إنجيل مرقس / الإصحاح السادس / 14 – 29

(( فسمِع هيرودُس الملك. لأن إسمه صار مشهوراً. وقال إنَّ يوحنّا المَعمَدان
قام من الأموات ولذلك تُعمَلُ به القوّات. قال آخرون إنه إيليّا. وقال آخرون
إنه نبي أو كأحد الأنبياء. ولكنْ لما سَمِع هيرودُس قال هذا هو يوحنّا الذي
قطعتُ أنا رأسه. إنه قام من الأموات. لأنَّ هيرودُس نفسه كان قد أرسل وأمسك
يوحنّأ وأوثقه في السجن من أجل هيروديا إمرأةِ فيلبُس أخيه إذ كان قد تزوج بها.
لأنَّ يوحنا كان يقول لهيرودُس لا يحِلُّ أن تكونَ لك إمرأةُ أخيك. فحَنِقَت
هيروديا عليه وأرادت أن تقتله ولم تَقدِر. لأنَ هيرودُس كان يهابُ يوحنّا
عالِماً أنه رجلٌ بارٌ وقديّس وكان يحفظه. وإذْ سمِعه فعلَ كثيراً وسمِعه
بسرور. وإذْ كان يومٌ موافقٌ لمّا صنع هيرودُسُ في مولده عشاءً لعظمائه وقوّاد
الألوف ووجوه الجليل. دخلت إبنةُ هيروديا ورقصت فسرّتْ هيرودُسَ والمتكين معه.
فقال الملكُ للصبيّة مهما أردتِ أُطلبي مني فأُعطيكِ . وأقسمَ لها أنْ مهما
طلبتِ مني لأعُطينكِ حتى نصف مملكتي. فخرجت وقالت لأمها ماذا أطلبُ. فقالت رأسَ
يوحنّا المَعمَدان. فدخلت للوقتِ بسرعةٍ إلى الملك وطلبتْ قائلةً أُريدُ أنْ
تُعطيني حالاً رأسَ يوحنّا المَعمَدان على طَبَق. فحَزِنَ الملكُ جدّاً. ولأجل
الأقسام والمتكّين لم يُردْ أن يردها. فللوقت أرسلَ الملكُ سيّافاً وأمرَ أنْ
يؤتى برأسه. فمضى وقطعَ رأسه في السجن. وأتى برأسه على طَبَق وأعطاه للصبيّة
والصبيّة أعطته لأمها. ولمّا سَمِعَ تلاميذهُ جاءوا ورفعوا جُثّته ووضعوها في
قبر )).

ما نقرأ في فقرات هذا الإصحاح ؟

: نعت هيرودُس بالملك بعد أن كان مجرد رئيس رُبع، وهو تقسيم عسكري.

: إصرار هذا الملك أنَّ عيسى هو يوحنا الذي قطع رأسه وقام من عالم الموت.

: إصرار يوحنا على منع زواج الملك من هيروديا، زوج أخيه فيلِبُس.

: حضر حفل عشاء يوم ميلاده عظماء وقوّاد الألوف ووجوه الجليل. أرى في تفسير "
قواد الألوف " أن هؤلاء الرجال كانوا " أُمراء

أفواج " في المفهوم الحديث لتقسيم الوحدات العسكرية. يتكون الفوج

من ثلاث سرايا، وتضم السرية في العادة ثلاث مائة جندي وضابط صف وضابط، فيكون
مجموع ثلاث سرايا ألف رجل. وآمر الفوج اليوم يسميه الإنجيل " قائد الف ".

: كما نلاحظ شدة خبث وذكاء هيروديا وعمق حقدها على رجل دين بار وقدّيس إلتزم
بما يؤمن من عقائد وشرائع وطقوس وتحمل جرّاها السجن ومن ثم القتل بقطع الرأس.
ثم، يُخيل لي، أنَّ هيروديا هي مهندس ومخطط مؤامرة قتل يوحنا. كانت تعرف جيداً
مقدار ولع الملك بالرقص والطرب فأعدت إبنتها إعداداً فنياً جيداً لكي تقدم
عرضاً راقصاً متميزاً أمام الملك وضيوفه من علية القوم إحتفالاً بذكرى مولده
والقوم على موائد الطعام والشراب بالطبع. حين إنتشى الملك بالعروض الراقصة
للصبية وتحت تأثير الخمرة في رأسه وبهجة الإحتفال بيوم ميلاده... وعدها أن
يعطيها ما تشاء... حتى لو طلبت نصف مملكته. هنا حانت أمام هيروديا الفُرصة
الذهبية النادرة التي خططت لها بدهاء فأوعزت لإبنتها أن تطلب من الملك رأس
الرجل الصالح يوحنّا المَعمَدان. فكّر الملك طويلاً وحزن وإغتمَّ : كيف يقتل
رجلاً قديساً ؟ وجد نفسه محاصراً بأكثر من أمر. القَسَم والوعد الذي أعطى ثم
ضغط قوّاده ووجوه خاصته الذين كانوا متواطئين سَلَفاً مع هيروديا.

: أخيراُ ... نرى في هذا الإصحاح أنَّ هيرودُس قد تزوج هيروديا بالفعل.

إنجيل لوقا / الإصحاح الثالث / 15 – 20

(( وإذْ كان الشعبُ ينتظرُ والجميعُ يفكِّرون في قلوبهم عن يوحنّا لعله
المسيحُ. أجاب يوحنا الجميعَ قائلاً أنا أُعمِّدكم بماءٍ ولكنْ يأتي مَن هو
أقوى منّي الذي لستُ أهلاً أنْ أَحُلَّ سيورً حذائه. هو سيُعمِّدكم بالروحِ
القُدس ونارٍ. الذي رفشه في يدهِ وسينقّي بيدره ويجمعُ القمحَ إلى مخزنهِ.
وأمّا التِبنُ فيحرقه بنارٍ لا تنطفيء. وباشياءَ أُخرَ كثيرةٍ كان يعظُ الشعبَ
ويُبشِّرهم. أما هيرُدُسُ رئيس الرُبعِ فإذْ توبّخَ منه لسبب هيروديا إمرأةِ
فيلُبس أخيه ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودُسُ يفعلها. زادَ هذا أيضاً على
الجميع أنه حبسَ يوحنا في السجن )).

إنَّ قراءة هذا النص ترينا ما يلي /

: العودة إلى تسمية هيرودُس لا بالملك، إنما برئيس الرُبع.

: الفصل الحاسم والشديد الوضوح بين يوحنا والمسيح بإقرار وشهادة يوحنا نفسه [[
أنا أُعمِّدكم بماءٍ ولكنْ يأتي من هو أقوى مني الذي لستُ أهلاً أنْ أَحُلَّ
سيورً حذائه ]]

: كان عيسى يحتذي نعلاً أو حذاءً.... شأن باقي بسطاء الناس على الأرجح.

: لم يقطع هيرودُس في التسلسل الزمني لهذا الإصحاح رأس يوحنا المَعمَدان، بل
وضعه في السجن. أي أنَّ الكلام قد جرى قبل إحتفالية هيرودس بعيد ميلاده. كانوا
يحتفلون إذاً بذكرى أعياد ميلادهم ويحفظون مواعيدها بدقة.

إنجيل يوحنا / الإصحاح الثالث / 22 – 29

(( وبعد هذا جاء يسوعُ وتلاميذه إلى أرض اليهودية ومكث معهم هناك وكان يُعمِّد.
وكان يوحنا أيضاً يُعمِّد في عين نونٍ بقُربِ ساليمَ لأنه كان هناك مياهٌ
كثيرةٌ وكانوا يأتون ويعتمدون. لأنه لم يكنْ يوحنا قد أُلقيَ بعدُ في السجن.
وحدثت مباحثةٌ من تلاميذ يوحنا مع يهود من جهة التطهير. فجاءوا إلى يوحنا
وقالوا له يا مُعلِّم هوذا الذي كان معك في عِبِر الأردن الذي أنت قد شَهِدتَ
له هو يُعمِّدُ والجميعُ يأتون إليهِ. أجاب يوحنا وقال لا يقدِرُ إنسانٌ أن
يأخذَ شيئاً إنْ لم يكنْ قد أُعطيَ من السماء. أنتم أنفُسكم تشهدون لي أني قلتُ
لستُ أنا المسيحَ بل إني مٌرسَلٌ أمامه )).

قراءة النص /

: كان يوحنا ويسوع كلاهما وفي عين الوقت يقومان بعملية تعميد الناس.

: كان يوحنا حينذاك ما زال طليقاً لم يدخل السجن بعد.

: يبحث تلاميد يوحنا مسألة التطهير مع اليهود. هل التطهير مختلف عن التعميد أم
أنهما شيء واحد ؟ تطهير لليهود وتعميد لأنصار عيسى يسوع ؟

: تأكيد يوحنا من إنه ليس المسيح عيسى [[ أنتم انفسكم تشهدون لي أني قلتُ لستُ
أنا المسيحَ بل إني مٌرسَلٌ أمامه ]]. إنه رسول المسيح يُبشِّر الناس بمقدمه.
ماذا عن دينه وشرعته وشروط بعثته ؟ إتفق مع المسيح في مسألة التعميد في مياه
نهر الأردن وبعض العيون ولا شيء غير ذلك. هل كان متطابقاً كليةً مع تعاليم
المسيح ؟ من يتفحص جيداً كل أقوال يوحنا التي وردت في الأناجيل لا بدَّ من أن
ينتهي إلى قرار خطير مؤداه أنْ لا فرق بين منطق وأسلوب الرجلين على الإطلاق.

فهل كان هيرودُس على صواب في دعاويه أنَّ عيسى هو يوحنا المَعمَدان الذي قطع
رأسه ثم قام من عالم الموت ؟ هذا هو السؤال المحيّر. ثم هل نصدق أن رجلاُ فارق
الحياةَ مقطوعَ الرأس يقوم من الموت ليلتحق بعالم الأحياء ؟ ما الذي دعا
هيرودُس – سواء أكان ملكاً أو رئيسَ رُبعٍ – للإعتقاد أنَّ في إمكانية بعض
الموتى الرجوع إلى الحياة ولماذا يرجعون ومن الذي يقوم بمهمة إرجاعهم ؟؟ هل
هي عملية إستنساخ لأرواح بعض البشر أو جميعهم وتحت أية شروط ؟؟

هل هو الشعور بتأنيب الضمير إذ وافق في لحظة سكر ونشوة وطرب على قطع رأس رجل
بريء ؟ هل هي أمنيته قاتلاً وتحت وطأة تأنيب الضمير أن يعودَ من قتل حيّاً إلى
الحياة ؟

يوحنّا المَعمَدان ( يحيى بن زكريا ) في القرآن – قصة مولده

جاءت قصة مولد يحيى بن زكريا مرتين في القرآن الكريم. مرة في سورة آل عِمران
والأخرى في سورة مريم. يأتي مولد يحيى في سورة آل عِمران مباشرةً بعد مولد
الطفلة مريم بنت عِمران. تولَدُ مريم ولادةً طبيعية بينما يولد يحيى بمعجزة كما
سنرى. أما في سورة مريم فيأتي السرد القرآني لمولد يحيى قبل مولد عيسى، على
أنًَّ كليهما نتاج معجزة وإنْ إختلفت معجزة ميلاد يحيى عن معجزة مولد عيسى
المسيح . ما سبب هذا الربط ؟ هل نفهم من السرد القرآني أنَّ عيسى قريبٌ ليحيى
بن زكريا دون ذكرٍ لهذه القرابة ولا لدرجة القُربى. كل ما نفهمه واضحاً صريحاً
أنَّ زكريا كان قد كفل الوليدة مريم بنت عِمران. ولِمَ هذه الكفالة ما دام
أبوها على قيد الحياة ؟ هل إنه توفي قبل مولد الطفلة مريم وهي لم تزل في بطن
أُمها ؟ الكفالة هذه لا تعني بالضرورة أنَّ الكفيل قريب لمكفوله لكنها لا
تنفيها.

نقرأ في سورة آل عمران قصة مولدي مريم أولاً ثم يحيى بن زكريا.

سورة آل عِمران / 34 – 40

(( إذ قالت إمرأةُ عِمرانَ ربِّ إني نذرتُ لك ما في بطني مُحَرراً فتقبّلْ منّي
إنك أنتَ السميعُ العليمْ. فلما وضعتها قالت ربّي إني وضعتها أُنثى والله أعلمُ
بما وضعتُ وليس الذَكرُ كالأنثى وإني سميّتُها مريمَ وإني أُعيذها بك وذًريتها
من الشيطانِ الرجيم. فتقبّلها ربُّها بقَبولٍ حَسَنٍ وأنبتها نباتاً حَسَناً
وكفَّلها زكريا كلّما دخلَ عليها زكريا المحرابَ وجدَ عندها رِزقاً قال يا
مريمُ أنّى لكِ هذا قالت هو من عندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرزُقُ من يشاءُ بغير
حساب. هنالك دعا زكريا ربَّهُ قال ربّي هبْ لي من لَدُنكَ ذُريةً طيّبةً إنك
سميعُ الدُعاء. فنادته الملائكةُ وهو قائمٌ يصلّي في المحرابِ أنَّ اللهَ
يُبشِّرُك بحيى مُصدِقاً بكلمةٍ من اللهِ وسيّداً وحصوراً ونبيّاً من الصالحين.
قال ربِّ أنى يكونُ لي غُلامٌ وقد بلغني الكِبَرُ وإمرأتي عاقرٌ قال كذلك اللهُ
يفعلُ ما يشاءُ )).

أنجب إبراهيم قبل زكريا وقد بلغ من الكِبَرِ عتياَ وإشتعل رأسه شيباً. معجزة
إنجاب غير طبيعي تتكرر مرتين ومع نبيين. ففي سورة هود نقرأ ما يلي

(( وإمرأتُه قائمةٌ فضَحِكتْ فبشّرناها بإسحقَ ومن وراءِ إسحقَ يعقوبَ. قالت يا
ويلتي أألدُ وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخاً إنَّ هذا لشيءٌ عجيب / الآيات 71 – 72
)) .

سورة مريم

نجد في هذه السورة معجزة ولادتي كل من يحيى ثم عيسى المسيح. جاءت هنا ولادة
يحيى بن زكريا بصياغة لا أحلى منها ولا أجمل. تفوّقت على تلك التي قرأناها في
سورة آل عِمرانَ صياغةً وأسلوباً وموسيقى وأشكالاً فنية بالغة الروعة حتى أنَّ
المرء لا يَملُّ من قراءتها مثنىً وثُلاثَ ورُباعَ. سأذكر أولاً الآيات الخاصة
بمعجزة مولد يحيى وأعلّق عليها أو أحاول تفسير بعض القضايا التي تحتمل التأويل
والتفسير وتلك التي ما زالت موضع جدلٍ ونقاشات بين رجال العلم ورجال الدين. بعد
الفروغ من ذلك سأتفرغ للجزء الخاص بمولد عيسى بن مريم المسيح. لفت نظري ما ذكر
القرآن الكريم من سجايا وأوصاف وما أسبغ من تكريم وتعظيم لكلا الرجلين حتى أنَّ
الكلام عن أحدهما ينطبق على الآخر تماماً. هل هما رجلان في نبي واحد أم نبيان
في رجل واحد ؟ وهل كان هيرودُس على صواب حين إشتبه عليه الرجلان فلم يعد يفرِّق
بين هذا وذاك ؟ القتيل إنتفض وقام من موته !!

(( كهيعص. ذِكرُ رحمةِ ربّكِ عَبدَهُ زكريا. إذْ نادى ربَّه نداءً خفياً. قالَ
ربِّ إني وَهَن العَظمُ مني وإشتعلَ الرأسُ شيباً ولم أكنْ بدعائكَ ربِّ شقياً.
وإني خِفتُ المواليَ مِن ورائي وكانت إمرأتي عاقراً فَهَبْ لي مِن لَدُنكَ
وليّاً. يَرثُني وَيَرِثُ من آلِ يعقوبَ واجعلهُ ربِّ رّضيّاً. يا زكريا إنّا
نبشِرُكَ بغُلامٍ إسمهُ يحيى لم نجعلْ لهُ من قبلُ سميّاً. قال ربِّ أنّى يكونُ
لي غُلامٌ وكانت إمرأتي عاقراً وقد بلغتُ من الكِبَرِ عِتيّاً. قال كذلك قال
ربُّكَ هو عليَّ هَيّنٌ وقد خلقتك من قَبْلُ ولم تكُ شيئاً / الآيات 1- 9 )).

ماذا نرى في آيات سورة مريم هذه عند إعمال التفكير ومساءلة منطوق الحوار بين
الشيخ الطاعن في السن زكريا وربّه ؟؟

: إنه يطلب من ربه أن يهبه ولياً، أي طفلاً يليه ويرثه من ثم كل ما يملك من
أموال ومواشٍ وبيوت ومزارع. إنه يخشى في حالة موته أن يستولي على أملاكه
وأمواله مواليه (( وإني خِفتُ الموالي من ورائي ))، أي من يواليه من خَدَمٍ
وحَشمٍ وعبيد.

: وحين بشّره الوحي بمجيء غلام إسمه يحيى ( ما كان هذا الإسمُ معروفاً وقتذاك )
وجّه سؤالاً إستنكارياً قوياً (( قال ربي أنّى يكونُ لي غُلامٌ وكانت إمرأتي
عاقراً وقد بلغتُ من الكِبَرِ عِتيّاً ؟؟ )).

: مفهومة مسألة أن يَرِثَ يحيى أباه فيما يملك ولكنْ، كيف نفهم أن يرِثَ يحيى
من آل يعقوبَ أي من نسل وآل وخاصية نبي اليهود يعقوب بن إسحق ( إسرائيل ) ؟ هذا
يعني أنَّ زكريا نفسه كان يهودياً وأنَّ إبنه يحيى سيكون شريكاً لورثة ونسل
يعقوب بن إسحق. هذه نقطة جوهرية لأن يوحنا المَعمَدان ( يحيى بن زكريا ) هو نبي
طائفة الصابئة المندائيين التي لا علاقةَ لها باليهود... من وجهة نظر الديا

20
الفيدرالية.. خير لابد منه
نــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   أكثر من عشر مرات، ورد التأكيد على وحدة العراق في الدستور.
   كما أكدت كل القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، بشأن العراق، على وحدة هذا البلد.
   فاذا جمعنا الارادتين العراقية والدولية الى بعض، يتضح لنا جليا بأن وحدة العراق أمر مفروغ منه، لا يجازف أحد بتهديدها، ما يعني أن حجة الذين يعارضون الفيدرالية في العراق الجديد، من كونهم حريصون على وحدة البلاد وأنهم يخافون على العراق من خطر التقسيم والتجزئة، انها حجة داحضة، لا تستند الى أي مبرر، وانها مجرد أباطيل يتسترون وراءها ويخفون خلفها أجندات طائفية وعنصرية معروفة لكل ذي عين بصيرة، أو ألقى السمع وهو شهيد.
   ان من يعارض الفيدرالية في العراق الجديد، والتي تعني النظام اللامركزي، يخفي وراء كل هذا التهويل من خطر التجزئة والتقسيم، مشروعا واحدا لا غير، انه مشروع العودة بالعراق الى سابق عهده، تحكمه الأقلية بنظام سياسي مركزي حديدي، يهمش المواطن، ويقضي على كل محاولات المشاركة في الحياة السياسية العامة، ويعيد العراق في ظله الى ما يشبه الصندوق الحديدي، تحكمه دولة المنظمة السرية، الخارج منه مولود، والداخل اليه مفقود، كما كان حاله خلال النيف والثلاثين عاما المنصرمة.
   كنت أتمنى أن يتسلح هؤلاء بشجاعة أكبر تؤهلهم وتمكنهم من الافصاح عن حقيقة ما يدور في خلدهم من أجندات سياسية، تضمر للعراق وشعبه الشر، والا متى كان هؤلاء حريصون على وحدة العراق أكثر من غالبية المجتمع العراقي؟.
   ان أخطر الأشرار يمارسون جرائمهم تحت مسميات مقدسة، اذ لا يوجد أحد في هذا العالم يضمر شرا ويفصح عنه، انما يحاول دائما التستر عليه بشعارات براقة تكسب ود الناس وعواطف الرأي العام لصالحه، وهذا ما يفعله اليوم على وجه التحديد، الذين يخالفون الفيدرالية في العراق الجديد ويحاولون عرقلة تمرير قانونها في مجلس النواب، انهم يرفعون لافتة وحدة العراق ليتستروا خلفها بأجنداتهم العنصرية والطائفية، وكأنهم أحرص على وحدة العراق من دون كل العراقيين.
   ان عودة سريعة الى تاريخ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، يتضح لنا جليا بأن هؤلاء هم أول من دعا البريطانيين، ابان الاحتلال البريطاني للعراق مطلع القرن الماضي، الى فصل البصرة عن بلاد الرافدين لتأسيس امارة فيها يحكمونها هم دون سواهم من العراقيين، كما انهم لم يكونوا متحمسين كثيرا لضم ولاية الموصل الى الدولة العراقية حديثة التأسيس، والتي كانت تضم الى جانب محافظة الموصل الحالية، منطقة كردستان بكل محافظاتها، ولولا كفاح الأغلبية من الشعب العراقي(الشيعة) لتأسس العراق من منطقة الفرات الاوسط فقط، دون أن يشمل ولايتي الموصل والبصرة.
   كانت محاولات أجدادهم تنصب على اقتطاع أي جزء من أرض العراق الحالي، ليقيموا عليها امارتهم، كما فعلت القبائل في منطقة الخليج، الا أن نضال الأغلبية من العراقيين حالت آنئذ دون تقطيع أوصال بلاد الرافدين، وحافظت على وحدة شعبه وترابه.
   لقد اعتمد مشروع نضال الأغلبية في العراق، منذ البداية، على أساس وحدة العراق بحدوده الجغرافية الحالية، رافضا كل شكل من أشكال الابتزاز القائم على أساس انتزاع أي شبر من أرضه، أو التنازل عنه، وان كل شبر اقتطع من أرض العراق بعد ذلك، انما في ظل المشروع القومي العربي الذي قاده، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003، هؤلاء الذين يتباكون اليوم على وحدة العراق.
   أين كان هؤلاء من وحدة العراق، عندما تنازل نظام صدام حسين عن سيادة العراق على جزء كبير من شط العرب الى ايران ابان عهد الشاه المخلوع؟ وأين كانوا عندما عاد وثبت تنازله هذا بعيد حرب تحرير الجارة الكويت من احتلاله الغاشم؟ واين كانوا عندما تنازل الطاغية عن سيادة العراق على أراضي شاسعة في الغرب والجنوب ووهبها الى الجيران؟ وأين كانوا عندما وقع في خيمة صفوان على تلك الوثيقة المذلة التي باع فيها النظام البائد الأرض والعرض للأجنبي؟ وأين كان المتباكون على وحدة العراق يوم أن قرر النظام البائد سحب كل الدوائر الحكومية من محافظات كردستان، ليمهد بذلك الى انفصالها، لو كان في نية الكرد آنئذ الانفصال عن العراق؟.
   لقد عد المتباكون، كل تلك القرارات وقتها، تعبيرا عن ثورية النظام وقوميته الأصيلة وشعوره العالي بالمسؤولية ازاء وحدة العراق، فغنوا لها وصفقوا، أليس كذلك؟.
   كانوا لا يترددون في تأييد الطاغية بكل قراراته التي عرضت سيادة العراق لمخاطر جمة، أما اليوم فتراهم يبكون وينحبون على حدود رسمها الاستعمار، وعلى علم اخترعه الطاغوت من دون أن يأخذ فيه رأي الشعب العراقي، ويذرفون دموع التماسيح على وحدة لم تهددها الأغلبية من الشعب العراقي في أي وقت من الأوقات.
   بصراحة، انها محاولة بائسة ويائسة من الطائفيين والعنصريين للاستحواذ على العراق وخيراته مرة أخرى، ليعود العراق بستان لهم يتصرفون به كيف ومتى يشاؤون، يهبون منه لمن يشاؤون أنى يشاؤون، ولكن، عليهم أن يطمئنوا، فلقد ولى ذلك الزمن والى الأبد، فلم يعد العراق تملكه فئة معينة، ولم يعد يحكمه انقلابيون، ولم تعد خيراته تصرف على فئة دون أخرى، ولم يعد العراقيون فئتين، حاكمة الى الأبد، ومحكومة الى الأبد، ولم تعد الأغلبية مقموعة ومسحوقة بسبب انتمائها المذهبي، كما لم تعد الأقليات، خاصة أكبر الأقليات (الكرد) محرومة ومسحوقة بسبب انتمائاتها الاثنية، اذ بات العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات، وفي التمتع بخيرات البلاد، في اطار شراكة حقيقية في السلطة، لا فضل لأحد منهم على الآخر، الا بالخبرة والنزاهة والكفاءة والانجازالوطني والحرص على خدمة البلاد والعباد.
   ان قبول هؤلاء بالفيدرالية لكردستان ورفضهم لها في المناطق الاخرى من العراق، دليل صارخ على طائفية منطلقاتهم، وهذا يعني أنهم لا يرفضونها كمبدأ يهدد وحدة العراق مثلا أو ما أشبه، وانما يرفضونها لشريحة معينة دون أخرى، وأنا أجزم هنا، وأقول، لو كان النفط في المنطقة الغربية من العراق، لما تردد هؤلاء في اعلان الفيدرالية بل الانفصال عن العراق ومن جانب واحد، لحظة واحدة، ولكن ماذا عسانا أن نفعل وقد حبى الله تعالى جنوب العراق وشماله بخيرات وفيرة ميزهما عن أي أرض في الدنيا، بما فيها المنطقة الغربية من بلاد الرافدين؟.
   يقولون بأنهم يقبلون الفيدرالية لكردستان لأنها أمر واقع لا مناص عنه، وهذا يعني بأنهم يقبلون بكل أمر واقع، بغض النظر عما اذا كان يدعم أو يهدد وحدة العراق، اذن، لتؤسس بقية محافظات العراق فيدرالياتها، وليظل هؤلاء يعارضون، لحين أن تتحول الى أمر واقع بعد نيف من السنين مثلا، وعندها سيقبل بها الجميع، لأنها ستكون، وقتها، أمرا واقعا.
   أما انا، فلا أقبل بالفيدرالية لكردستان لأنها أمر واقع، وانما لأنني أعتبر الفيدرالية أفضل أنواع النظم السياسية والادارية لبلد كالعراق تتعدد فيه مكونات المجتمع العراقي لدرجة كبيرة.
   لقد كنت من أوائل الذين أيدوا الفيدرالية لكردستان العراق يوم أن أقرها برلمان كردستان بداية التسعينيات من القرن الماضي.
   وقتها لم تلق قبولا من أغلب القادة العراقيين، حتى من قبل الكثير من المتحمسين لها اليوم، ولقد انطلقت بتأييدي لها بعد أن درست كل المبررات التي ساقها قادة الكرد وزعماءهم والأكاديميين منهم، الى جانب دراستي لعدد كبير من النظم الفيدرالية في هذا العالم، وبعد أن اطمئننت بأن الفيدرالية مشروع وحدة وليس مشروع تقسيم أو تجزئة، وانها يمكن أن تكون حلا مناسبا لمشاكل العراق منذ التأسيس، بسبب الأنظمة المركزية الحديدية التي حكمت البلاد من العاصمة، مع الغاء كامل لارادة الأطراف، والغاء كل أنواع المشاركة الحقيقية والفعلية في القرار السياسي، وبعد أن شعرت بأن الفيدرالية يمكن أن تكون عاملا لاستقرار العراق ونهضته ونموه وازدهاره، وبعد أن اطمئننت بأنها ستساهم في تقسيم ثروات العراق على الجميع بشكل عادل وموزون، من دون احتكار أو استئثار، لذلك، قررت وقتها أن أدعم المشروع وأؤيده بكل أشكال التأييد.
   ثم تطور المشروع في ذهني فبلورت نظرية فيدرالية المحافظات، والتي لا زلت اتبناها كنظام سياسي في العراق الجديد للمرحلة المنظورة، ولا أكشف سرا اذا قلت بأنني عملت المستحيل من أجل تثبيت النص الذي ورد في المادة (115) من الدستور، والذي ينص على أنه (يحق لكل محافظة أو أكثر، تكوين اقليم بناءا على طلب بالاستفتاء عليه).
   ولا أدري ان كنت سأطور رأيي خلال الفترة الزمنية القصيرة القادمة باتجاه تأييد مشروع  فيدرالية الوسط والجنوب الذي يتبناه زعيم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق السيد عبد العزيز الحكيم، الا أنني، لحد الآن، أتبنى نظرية فيدرالية المحافظات، من دون أن ألغي من ذهني نظرية فيدرالية الوسط والجنوب، اذ قد تستجد ظروف ومبررات تساهم في الاسراع في بلورة قناعات جديدة تصب لصالح الأخيرة، منها مثلا استمرار العنف والارهاب الذي يحصد أرواح العراقيين على الانتماء والهوية، واصرار الأقلية على رفض مشروع الفيدرالية والذي يستبطن بين ثناياه، محاولات خطيرة لاعادة العراق الى سابق عهده، ولذلك أعتقد بأن وحدة العراق اليوم مرهونة بتعقل الأقلية وقبولها الانصياع لارادة الأغلبية من العراقيين، وان أخشى ما أخشاه هو أن يتحول اصرار الأقلية على معاكسة ارادة الأغلبية، سببا مباشرا في دفع الأغلبية (الشيعة والكرد) الى تبني خيار الانفصال كأفضل وسيلة للتخلص من شبح عودة الماضي بكل مآسيه وآلامه، في ظل نظام شمولي مركزي حديدي تتحكم فيه الأقلية.
   ان أمام العراقيين اليوم فرصة تاريخية كبيرة، قد لا تعوض، لاعادة بناء العراق الجديد على أسس ومتبنيات سياسية جديدة، تلغي الثوابت القديمة التي تأسس عليها العراق الحديث، وذلك من خلال تمرير قانون الفيدرالية في البرلمان، لسنه، الأمر الذي يحتاج الى تحالف قوي بينهم جميعا، حتى ينجحوا في التصدي لكل العراقيل التي تضع العصي في طريق القانون، والتي لا تريد للعراقيين أن ينعموا بخير النظام الفيدرالي.
   ان الفيدرالية خير لابد للعراقيين أن ينعموا به، ولا يحق لأحد أن يحرمهم منه، بحجج واعذار واهية، كما لا يحق لأقلية أن تحرم الأغلبية من التمتع بحقوقها الدستورية، وان العراقيين جميعا حريصون على وحدة العراق أكثر من أي  واحد آخر، ففي ظل العولمة والاندماج لا يعقل أن يفكر أي واحد من العراقيين بالانفصال ، لأنهم يعرفون جيدا بأن العالم اليوم هو عالم الدول الكبيرة أو المتحدة، بل انه عالم اندماج حتى الشركات والمؤسسات، وكلنا يقرأ ويسمع يوميا عن أخبار اندماج المؤسسات  بعضها مع البعض الآخر لتقوى على الصمود في وجه تحديات العولمة، فكيف يعقل أن تفكر شريحة من العراقيين بالانفصال عن العراق، في ظل العولمة ونظام القرية الصغيرة؟ وهي على يقين من أن الدولة الصغيرة ستضطر لأن تكون محمية لدولة عظمى أخرى اذا أرادت أن تعيش بسلام في هذا العالم، ولعل نموذج دول الخليج الصغيرة، التي لا ترى  بالعين المجردة على الخارطة الا بالمجهر، خير دليل على ذلك.
   وان أكبر دليل على حرص العراقيين على وحدة العراق وسعيهم لانصاف بعضهم البعض الآخر، هو تبنيهم للفيدرالية على أسس جديدة، تختلف عن أغلب أنواع الفيدراليات القائمة في العديد من دول العالم، فهم لم يتبنوا، مثلا، النموذج القائم في دولة الامارات العربية المتحدة، والذي يحصر تملك خيرات البلاد بالأرض التي تحتضنها، فمثلا ليس لامارة (الفجيرة) حق دستوري يذكر في بترول امارة (ابو ظبي) وهكذا، ولذلك نرى ونلمس البون الشاسع في  مشاريع التنمية وكذلك في المستوى المعيشي لسكان كل امارة من الامارات السبع، لدرجة أن العالم، خاصة عالم المال والاقتصاد، لا يعرف من أسماء الامارات السبع التي تتشكل منها الدولة سوى امارتين أو ثلاث هي الأغنى من بين شقيقاتها الأخريات.
   أما العراقيون فكانوا أكثر انصافا مع بعضهم، وأكثر حرصا على وحدة بلادهم، وأكثر التزاما برفاهية أنفسهم جميعا من دون تمييز عرقي أو جغرافي، فاعتبروا أن (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات) كما نصت على ذلك المادة (108) من الدستور.
   ولو لم تكن في مواد الدستور سوى هذه المادة، لكفى بها دليلا على حرص العراقيين على وحدة بلادهم وانصاف بعضهم البعض الآخر، فهي وحدها حجرا صلدا يلقم بها العراقيون فم كل من يتحجج بحرصه على وحدة العراق لعرقلة تبني قانون الفيدرالية، فان من يبيت الانفصال في مشروعه السياسي، لا يمكن أن يقبل بمثل هذا النص الدستوري الذي يوحد العراق جغرافيا وعند توزيع الثروات الطبيعية، وكلنا يعرف فان أكبر الخصام هو على النفط والغاز، ليس  في العراق فقط وانما في كل العالم.
   فالى من يعرقل تمرير القانون، أقول؛
   اقرأوا الدستور جيدا، لتقدموا الشكر الجزيل والثناء الجميل للعراقيين الذين أكدوا التزامهم بوحدة العراق وبمبدأ المساواة  فيما بينهم على كل الأصعدة والمستويات، ابتداءا بالمواطنة وانتهاءا بالنفط والغاز، مرورا بكل الحقوق والواجبات التي نص عليها الدستور. 
   خاصة الأغلبية من العراقيين، وأقصد بهم الشيعة، انهم آخر من يفكر بالانفصال عن العراق، لأنهم الأغلبية، ومن المعروف فان كل أغلبية في العالم لها الحق في حكم البلاد ولذلك لا تفكر بالانفصال، انما الذي قد يفكر بذلك هي الأقليات في أي بلد، فهل يعقل أن تفكر الأغلبية بالانفصال وهي التي تطمح الى المشاركة في السلطة بعد عقود طويلة من الحرمان والاقصاء؟ بالتاكيد لا يعقل ذلك.
   كذلك، فاذا كان في العراق من يفكر بالانفصال، لحقق ذلك منذ زمن، في ظل ظروف سياسية معقدة مرت على البلاد، فالكرد مثلا، مروا بظروف مؤاتية لصالح مشروع الانفصال اذا كانوا يفكرون بذلك، وكذلك الشيعة وهم الذين يمتلكون بمناطقهم الكثير الكثير من الخيرات، والعديد من المقومات التي تؤهلهم لاقامة أقوى دولة في المنطقة، الا أنه ليس أحد من العراقيين حدث نفسه بالانفصال لأن الجميع على يقين بأن قوتهم في وحدتهم، وأن تكاملهم في الحفاظ على وحدة العراق أرضا وشعبا.
   وبصراحة أقول، فان مشروع ما يسمى بالمصالحة الوطنية اليوم علىالمحك، فاذا تعامل المعترضون بايجابية مع قانون الفيدرالية المقدم للبرلمان للتصويت عليه، فان ذلك دليل حرصهم على احترام ارادة الأغلبية التي اختارت ذلك، وبعكس ذلك، سيعني أنهم مستمرون في مساعيهم الرامية الى عرقلة تطلعات الأغلبية من العراقيين وآمالهم.
   ان المصالحة ليست شعارا او مؤتمرا أو ندوة تعقد هنا أو هناك، انها ليست مواثيق تدون على الورق، يتنكر لها أصحابها حتى قبل أن يجف الحبر عليها، بل انها مواقف ايجابية من المصالح العليا للشعب العراقي، كما انها رضوخ وانصياع لارادة الأغلبية، وما قانون الفيدرالية الا محك لامتحان نوايا الجميع ازاء مصالح الشعب العراقي.
   ان المصالحة بمعناها الحقيقي، التزام بالدستور ووفاء بالعهود، أولا وقبل أي شئ آخر.
   كذلك، بصراحة اقول، ان الانفصال الاختياري أفضل بكثير من الاتحاد القهري، فما بالك بالاتحاد الاختياري الذي تبناه العراقيون جميعا ومن دون استثناء، من خلال التصويت على الدستور الذي أقر النظام الاتحادي الاختياري (الفيدرالي) للعراق؟ فلماذا اذن كل هذه العراقيل التي يضعها بعض أيتام النظام البائد، أو بعضا ممن فقد السلطة بسقوط الصنم، للحيلولة دون تطبيق الدستور والالتزام بارادة العراقيين التي صوتت بنعم كبيرة لصالحه؟.
   ان كل تجارب الوحدة والانفصال في العالم، تثبت حقيقة مهمة جدا، ألا وهي أن الاتحاد او الانفصال اذا لم يكن اختياريا، فلن يدوم أبدا، وأمامنا تجارب يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي والمانيا وغيرها الكثير، ولذلك فان خير ما فعل العراقيون هو انهم اختاروا الاتحاد بملء ارادتهم ومن دون جبر أو اكراه أو فرض من قبل أية قوة.
   ان أكبر خير سيجنيه العراقيون من النظام الفيدرالي هو تفويض السلطات الى الأطراف من المركز، فلم تعد السلطات المختلفة متمركزة في العاصمة، بل ستوزع على الأطراف، وان نظام توزيع السلطات، هو من أهم شروط نجاج المؤسسات فضلا عن الأنظمة السياسية.
   فلو تصفحنا وثائق الشركات والمؤسسات، لاكتشفنا بأن سبب نجاح أو فشل أية واحدة منها يكمن في تمركز أو توزيع السلطات، فالمؤسسة الناجحة هي التي تسعى دائما الى توزيع السلطات وتفويضها، أما الفاشلة فبالعكس، انها التي تسعى ادارتها الى تمركز السلطة بيد ثلة محددة، فتحتكر مصادر القرار وتستحوذ على أدواته ووسائله ما استطاعت الى ذلك سبيلا.
   ان العراقيين يبغون من النظام الفيدرالي، ضمان المشاركة والمساواة في التمتع بخيرات البلاد، وانهاء سطوة المركز على الأطراف، وان كل ما دون ذلك من الأقاويل والتهم ليست الا باطلا في باطل.
   ان الفيدرالية ستضع حدا لتكرار الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية، كما انها ستنهي عهد الأنظمة الحديدية البوليسية، الى جانب أنها ستنهي عهد السرقات المسلحة (الانقلابات العسكرية) التي ابتلي بها العراق منذ وقت مبكر.
   أخيرا اقول؛
   ان الفيدرالية للعراق الجديد هي الأخرى أمر مفروغ منه دستوريا، فقد تم تثبيتها في الدستور وفي القرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن، واذا كان هناك من خلاف، فعلى التفاصيل وليس على أصل الموضوع، ولذلك فان من الأفضل للمعترضين أن يقبلوا بالمشروع عن طيب خاطر وبالتوافق مع الأغلبية، ليصطفوا مع ارادة العراقيين، فان ذلك خير لهم من القبول به مكرهين بالتصويت، اذ ليس أمامهم الكثير من الخيارات للتهديد بنسف القانون والحيلولة دون تمريره بالبرلمان، وعليهم ان يتذكروا بأن زمن التهديد والعنتريات، التي ما قتلت ذبابة، قد ولى مع نظام الطاغية، متمنين أن لا نسمع على ألسنتهم تهديدا أو وعيدا، اذ أن ذلك لا يرعب أحدا أبدا.

11 ايلول 2006[/b][/size][/font]

21
آفة الديمقراطية
نـــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

      لم يخلق الله تعالى من هو فوق المساءلة، لسبب بسيط جدا وهام في نفس الوقت، ألا وهو أن الله تعالى خلق الإنسان مسؤولا، له حقوق وعليه واجبات، وليس في هذا الكون من له حقوق وليس عليه واجبات، إلا الخالق عز وجل، والى هذا المعنى يشير الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بقوله {أما بعد، فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم، فالحق أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه، لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه سبحانه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه، وتوسعا بما هو من المزيد أهله}.
   إن المساءلة، هي حجر الزاوية في بناء النظام السياسي الصالح، لأن ترك المسؤول يمارس السلطة بعيدا عن أعين الناس، ومن دون مساءلة أو رقيب، سيشجعه على إساءة التصرف بها، ما ينتهي في أغلب الأحيان إلى الفساد والطغيان، لأن السلطة غنى، ونهاية الغنى، من دون رقيب، طغيان، والى هذا المعنى أشارت الآية الكريمة {إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى}.
  وان أخطر عدو للمساءلة، هو مرض عبادة الشخصية التي تبتلى به الشعوب التي ترزح تحت نير الأنظمة الشمولية، وبكل أنواعها، ولذلك سعى الإسلام وقادته العظماء إلى معالجته ونسف هذا المرض من جذوره، من خلال تبسيط علاقة الناس بعضهم مع البعض الآخر، وعدم التمايز بين الحاكم والمحكوم، وإذابة الفروقات المصطنعة بين الطبقات الاجتماعية (الحاكمة والمحكومة) لأن مرض عبادة الشخصية، يبرر للزعيم أخطاءه وتصرفاته المنحرفة، الأمر الذي ينمي عنده روح التعالي والتجبر والاستبداد، بعد أن تتراكم الأخطاء والتبريرات.
   فعندما وقف ذلك الأعرابي أمام رسول الله (ص) ليسأله عن دينه، ارتعدت فرائصه، ظنا منه أنه يتكلم مع حاكم جبار أو ملك طاغ  أو سلطان مستبد، أو أنه سيؤخذ بالنواصي والأقدام إذا ما أساء أدب التعامل مع الملوك، فبادره الرسول (ص) مطمئنا بقوله؛ {ويحك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد}.
   وفي هذا الصدد، ينقل لنا التاريخ أن الرسول الكريم، لم يكن ليتميز عن الناس قيد أنملة، ولذلك عندما كان يدخل عليه زعماء العشائر في مجلسه العام مع أصحابه، لم يكن بامكانهم تمييزه عنهم بلباسه أو حرسه الخاص أو بطريقة جلوسه، فكانوا يسألون (أيكم محمدا).
   وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحرض الناس على مساءلته والنصيحة له، زارعا فيهم الجرأة على السلطان حتى لا يتردد الناس في مساءلة الحاكم، وهو الزعيم المنتخب من قبل الأمة، في أول انتخابات عامة، حرة ونزيهة، يشهدها المسلمون (الصحابة على وجه التحديد) في حياتهم.
   يقول عليه السلام {أيها الناس، إن لي عليكم حقا، ولكم علي حق، فأما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم).
   ووقف ذات مرة خطيبا في المسلمين، يقول لهم:   
   {ان خرجت منكم بغير القطيفة التي جئتكم بها من المدينة، فانا خائن} قال هذا الكلام بعد أربع سنوات من الحكم والسلطة، في اشارة منه الى ان الحاكم الذي يثرى من بيت المال، على حساب حقوق الناس، فهو خائن لشعبه وبلده.
   بالله عليكم، هل تعرفون حاكما يجرئ الناس على اتهامه بالخيانة غير أمير المؤمنين عليه السلام؟ وكم من حاكم أو موظف صغير نمت أمواله بمجرد أن اعتلى منصبا أو تصدى لمسؤولية، من دون أن يجرؤ أحد على محاسبته ومساءلته فيقول له مثلا، من أين لك هذا؟.
   مساءلة الحاكم، إذن، حق من حقوق المواطن، وليس منحة يهبها له السلطان، بل انه يرقى، في أحيان كثيرة، إلى مصاف الواجبات (الدينية والوطنية) فعندما يتوقف صلاح النظام على المراقبة الشعبية للسلطة، وعلى مساءلة الحاكم، فان المحاسبة والمساءلة هنا تكون واجبة عينية، على كل مواطن حريص أن يمارس هذا الحق (الواجب) حتى لا يختل النظام السياسي.
   ومن الواضح، فان تعريف الرعية بحقوقها من قبل الحاكم، ودعوته لهم بالنصيحة له، تعد القمة في تحريضهم على المساءلة، من دون خوف أو تردد.
   كما أنه (عليه السلام) كان يعلم وزراءه فن المكاشفة مع الناس، فكان يرفض أن يدبروا أمورهم بليل، ولم يقبل منهم التدليس إذا ما تناقل الناس فضيحة من فضائحهم، مالية كانت أو سياسية أو إدارية، فكان يدعوهم إلى المبادرة لمكاشفة الناس على الهمس فضلا عن المساءلة، فكتب يقول إلى مالك الاشتر عندما ولاه مصر، في عهده النفيس الذي دونه له، يحثه على المبادرة إلى توضيح ظنون الناس السيئة به، حتى قبل مواجهتهم له، علنا وليس بالسر{وان ظنت الرعية بك حيفا فاصحر لهم بعذرك، وأعدل عنك ظنونهم باصحارك، فان في ذلك رياضة منك لنفسك، ورفقا برعيتك، واعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق}.
   لا يمكن أن نتصور نظاما سياسيا صالحا، من دون مشاركة شعبية حقيقية، تتجلى في المراقبة والمساءلة، ولا يمكن أن نتصور مشاركة شعبية فاعلة، في ظل انتشار ظاهرة (عبادة الشخصية) في أي مجتمع ، فهذا المرض يعفي الحاكم أو الزعيم من تحمل نتائج أخطائه وتصرفاته المنحرفة مما ينمي عنده روح التعالي والاستبداد.
   ان مفهوم (عبادة الشخصية) يشير الى تمجيد الحاكم بصورة مطلقة واضفاء صفات القداسة عليه من خلال اعتبار كل ما يقوم به صواباً لا يمكن تخطئته أو الرد عليه.           كما يضفي هذا المفهوم على شخصية الحاكم صفة المنقذ أو المخلص الذي ينقذ شعبه من الجهل أو الفقر أو الاستعباد أو الأعداء الخارجيين، وهكذا تؤسس (عبادة الشخصية) لمبدأ تفوق الحاكم وأبويته مقابل دونية الشعب وقصوره بحيث يظهر هذا الأخير قاصراً كالطفل الذي لا يمكن أن ينمو بصورة صحيحة دون رعاية الحاكم وإرشاده.
   وتهدف (عبادة الشخصية) الى تكريس فكرة استحالة الاستغناء عن الحاكم (المعبود) وعدم جواز مراقبته ومساءلته، وهناك عوامل عديدة تساهم في شيوع (عبادة الشخصية) أهمها وجود اعلام وثقافة أحاديين تمجدان شخص الحاكم، الى جانب ضعف الوعي الديمقراطي وغياب المؤسسات الرقابية الجادة.
  ويتضخم مرض عبادة الشخصية أكثر فأكثر في المجتمعات الدينية، وذلك لأسباب كثيرة، منها، نوع الثقافة التي رسخها سلاطين المسلمين والتي تقول بأن الحاكم هو ظل الله في الأرض، فكيف يجوز إذن محاسبته ومساءلته ؟ كما أن كل موظف يعينه السلطان هو ظل الله في الأرض بالنيابة أو بالواسطة، وان الأرض التي يمشي عليها السلطان، هي ملك له، لا يجوز التصرف بها، وهكذا.
   كما أن لاختلاط مفهومي التقديس والاحترام عند الناس، يحول دون مساءلة الحاكم، فبينما يعني التقديس طاعة السلطان على كل حال، فان الاحترام يعني تقدير علمه وعمله الصالح، من دون أن يعني ذلك إتباعه بعيون مغمضة.
   ولقد حارب الإسلام وقادته الميامين التقديس أشد محاربة، فعندما سئل رسول الله (ص) عن معنى الآية المباركة {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا اله إلا هو سبحانه عما يشركون} وفيما إذا كانت الأقوام السالفة قد عبدت علماءها بالفعل بدلا عن الله تعالى، قال {لا، وإنما أمروهم فأطاعوهم}.
   لنقرأ معا هذا الحوار الرائع بين الرسول الكريم وأحد أفراد رعيته، والذي يشير الى مدى بساطة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، التي كرسها رسول الانسانية (ص):
   بينما النبي (ص) في الطواف، اذا سمع أعرابيا يقول؛ يا كريم، فقال النبي خلفه، يا كريم، فمضى الأعرابي الى جهة الميزاب، وقال يا كريم، فقال النبي خلفه، يا كريم.
   فالتفت الأعرابي الى النبي، وهو لا يعرفه، وقال له؛ يا صبيح الوجه، يا رشيق القد، أتهزأ بي لكوني أعرابيا؟ والله لولا صباحة وجهك ورشاقة قدك، لشكوتك الى حبيبي محمد (ص).
   فتبسم النبي وقال؛ أما تعرف نبيك يا أخا العرب؟ قال الأعرابي؛ لا، قال النبي، فما ايمانك به؟ قال، آمنت بنبوته ولم أره، وصدقت برسالته، ولم التقيه، فقال النبي، يا أعرابي، اعلم أني نبيك في الدنيا وشفيعك في الآخرة، فأقبل الأعرابي يقبل يد النبي (ص) فقال له النبي؛ مه يا أخا العرب، لا تفعل بي كما تفعل الأعاجم بملوكها، فان الله سبحانه وتعالى بعثني لا متكبرا ولا متجبرا، بل بعثني بالحق بشيرا ونذيرا.
   فهبط جبريل على النبي، وقال له، يا محمد، السلام يقرؤك السلام ويخصك بالتحية والاكرام، ويقول لك، قل للأعرابي لا يغرنه حلمنا ولا كرمنا، فغدا نحاسبه على القليل والكثير، والفتيل والقطمير، فقال الأعرابي، أو يحاسبني ربي يا رسول الله؟ قال، نعم يحاسبك ان شاء، فقال الأعرابي، وعزته وجلاله، ان حاسبني لأحاسبنه، فقال النبي (ص) وعلى ماذا تحاسب ربك يا أخا العرب؟ فقال الأعرابي، ان حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرته، وان حاسبني على معصيتي حاسبته على عفوه، وان حاسبني على بخلي، حاسبته على كرمه، فبكى النبي حتى ابتلت لحيته.
   فهبط جبريل على النبي، وقال، يا محمد، السلام يقرؤك السلام، ويقول، يا محمد، قلل من بكائك فقد ألهيت حملة العرش عن تسبيحهم، وقل لأخيك الأعرابي، لا يحاسبنا ولا نحاسبه، فانه رفيقك في الجنة.
   بهذا الخلق ربى الرسول الكريم المسلمين، وبعقل منفتح غير متعصب أو متحجر كان يصغ اليهم ويحاورهم ويسمع منهم، فلا اكراه ولا فرض ولا اجبار على ايمان أو معتقد، ولا تقديس مزيف، ولا هم يحزنون.
   كما أن لاستغلال بعض (رجال الدين) طيبة وبساطة الناس وإيمانهم الكبير بالدين واحترامهم لعلمائه، دور في تكريس مرض عبادة الشخصية، الذي ينسف مبدأ المساءلة من جذوره، فكم من أتباع لهذا (المعمم) أو ذاك، شنوا الحروب وتقاتلوا مع الآخرين من أجل صاحبهم، من دون أن يعرفوا لماذا؟ وعلى ماذا يتقاتلون؟ وما الصراعات المرجعية والحروب الباردة، والساخنة بين المعممين، التي يشنها أتباعهم بالنيابة، الا دليل على ذلك.
   ايضاً، للتربية الحزبية الشمولية دورٌ كبيرٌ في استفحال مرض (عبادة الشخصية) اذ تكرس هذه التربية لدى الأعضاء الالتزام المطلق بنظرية (نفذ ولا تناقش) وتعليمهم أن الزعيم شخصية متكاملة لا يمكن أن تخطىء وبالتالي فلا داعي لمراقبته أو مساءلته، خاصة في التنظيمات ذات القيادة (الدينية) أو (العشائرية) أو تلك التي تستنسخ تجارب اليسار في المعسكر الشرقي المنهار.
   وهناك تناسبٌ عكسيٌ بين المساءلة والجهل، فكلما كانت نسبة الأمية والجهل عالية، كلما خبت فاعلية المساءلة، والعكس هو الصحيح، لأن المجتمع الجاهل والأمي أكثر استعداداً لأن ينظر بقدسية إلى الزعيم وتنزيهه عن الخطأ ما يؤدي إلى تخلي المواطن عن حقه في المساءلة.
   أضف إلى ذلك، تلغي (عبادة الشخصية) كل محاولات صناعة الرأي العام التي تبذلها مؤسسات المجتمع المدني، والإعلام الحر، إذ أن كلمة واحدة من (معبود الجماهير، الزعيم الموهوب) قادرة على نسف تأثير مئات المقالات والحوارات، ولذلك، لا نجد في البلاد التي تبتلي شعوبها بهذا المرض، معنى للرأي العام، لأن كلمة الزعيم (قرآنا) فوق أي كلام آخر، ولذلك فاننا نجد صناعة (الرأي العام) رائجة في البلاد التي يحكمها النظام الديمقراطي، الذي لا يشكو من مرض (عبادة الشخصية) أما في البلدان التي تحكمها الأنظمة الشمولية، الوراثية والعسكرية، فلا تجد لهذه الصناعة أي رواج، لأن الحاكم هو الرأي العام، وأن السلطة هي التي تنفرد بقيادة هذا الرأي العام في البلاد، وان كل من يحاول أن يسبح عكس هذا التيار، فسيكون مصيره السجن والمطاردة وبالتالي القتل والالغاء من الحياة.
   وإذا أردنا أن نحيي مبدأ المساءلة من جديد، لندفع الناس إلى المشاركة الفعلية والحقيقية في الشأن السياسي العام، علينا أولا أن نصحح المفاهيم الخاطئة التي عشعشت في أذهانهم، وأولها (عبادة الشخصية) إذ يلزم أن يفهم الناس بأن ذلك ليس من الإسلام أبدا، بل إن الإسلام ورسوله وأئمته حاربوا ذلك أشد محاربة، لأنه يعطل دور الإنسان ويحجر على عقله ويحوله إلى عبد ذليل يتبع الحاكم بلا بصيرة، كما أنه يرسم سقفا للناس، يخشون تجاوزه، فيظلون يعيشون تحته إلى أبد الآبدين.
   يلزم إثارة (الدافع الذاتي) عند الناس، ليمارسوا واجب المساءلة مع كل من يتصدى للشأن العام، وان كان عابدا زاهدا ورعا تقيا.
   كما يلزم إحياء مبدأ المسؤولية عند الناس، ونسف الاتكالية والاعتماد على الآخر في إدارة البلاد، وترديد المقولة السيئة (ما لنا والدخول بين السلاطين) أو (ضعها برأس العالم، واخرج منها سالما) وما إلى ذلك من الأمثلة التي تعبر عن واقع ثقافي سئ، والتذكير بأن الإنسان (كل إنسان) مسؤول عن كل ما يجري حوله، ليس في الآخرة فقط، وإنما في الدنيا كذلك، ولذلك جاء في الحديث الشريف {ملعون ملعون من بات شبعانا وجاره جائع} هذا يعني أن كل مواطن، وليس الحكومة فقط، مسؤول عن الحالة المعيشية للمواطنين الآخرين، الأقرب فالأقرب.
   إن المسؤولية هي روح المشاركة، أما المساءلة فهي إطارها الصحيح السالم، ولذلك حث القرآن الكريم العباد على التحلي بروح المسؤولية، بقوله {إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولا} ومن الواضح فان هذه الجوارح هي التي تشكل مركز ثقل الإنسان وما يمارسه في هذه الحياة الدنيا.
   كما أن لإعادة الاعتبار إلى مبادئ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاصلاح، دور في خلق مبدأ المساءلة في نفوس الناس من جديد، لأن هذه المبادئ العظيمة هي المبرر الحقيقي والصالح لدفع الناس إلى مساءلة الحاكم، ولأنه ليس في هذا العالم من يحرم تطبيقها عليه، لذلك فان المساءلة، بدورها، لا يجوز أن نستثني أحدا منها.
   لقد بذل الإسلام وقادته، جهدا كبيرا من أجل تأصيل هذه المبادئ، لأن غيابها عن المجتمع، يغيب روح المسؤولية وبالتالي يغيب معها مبدأ المساءلة، وهو أول طريق الاستبداد السياسي، ولهذا السبب وردت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تحث على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} لأن بقية الأمم كانت لا تنهى الحاكم عن فعل الشر وكانت تطيعه طاعة عمياء وتخشى مساءلته، ولذلك انهارت قواعدها.
   أما رسول الله (ص) فيقول بهذا الصدد {كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسلط الله عليكم شراركم، فتدعون فلا يستجاب لكم}.
   نحن، إذن، أمام خيارين، لا ثالث لهما، فإما أن نحيي مبدأ المساءلة، ما يعني إلغاء عبادة الشخصية، أو أن نظل نسترسل مع هذا المرض، ما يعني إلغاء مبدأ المساءلة، لأن الأمرين متناقضان لا يمكن أن يجتمعا أبدا، فأيهما سنختار، ونحن نسعى لبناء نظام سياسي صالح، من أول شروطه الرقابة الشعبية ومساءلة الحاكم؟.
   بانتظار ذلك اليوم الذي لا نرى فيه المواطنين يركضون خلف سيارة الزعيم، يلهثون كالقطط، وهو الذي تسلط عليهم بقوة الحديد والنار، من دون أن يستشيرهم أو يأخذ برأيهم، وبانتظار اليوم الذي تنتشر فيه ظاهرة المساءلة والمراقبة والمحاسبة للحاكم، في الساحات العامة، وكلما خرج الحاكم الى رعيته يريد أن يخطب فيهم، فالى متى يبقى الحاكم هو المتحدث الوحيد، وعلى الناس أن يصغوا اليه متسمرين أمامه لساعات، فاغرين أفواههم أمامه، لا ينبسون ببنت شفة؟.

23 آب 2006[/b][/size][/font]

22
ليس دفاعا عن اليعقوبي
نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   . . . وذلك لسبب بسيط وواضح في آن، ألا وهو أن المرجع اليعقوبي ليس متهما لأدافع عنه، فتاريخه ومواقفه وانجازاته وآراءه مشاعة للعيان، لم يخف شيئا منها، فهو واضح وصريح وشجاع، يقول ما يراه مناسبا وصحيحا، للقاصي والداني، سرا وعلنا، قولا وفعلا، وكل ذلك من منطلق الحرص الشديد على العراق وأهله، لم يميز بين عراقي وآخر، لا على أساس الجنس أو القومية أو الدين أو المذهب أو الاتجاه السياسي أو الانتماء الحزبي، بالرغم من أنه يقود، أو يهتدي به وبآرائه، واحد من أكبر وأهم الأحزاب العراقية المشاركة في العملية السياسية الحالية، ألا وهو حزب الفضيلة الاسلامي.
   أما أن تنبري وسيلة اعلامية رزينة وتاريخية، كصحيفة (الاتحاد) الناطقة باسم الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي الذي يتزعمه الاستاذ جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق، لتكيل له الشتائم والتهم الرخيصة، لمجرد أن المرجع أدلى برأي في قضية، ربما خالف فيه حزب الصحيفة، فهذا ما لا نرضاه جميعا، لأن ذلك ليس هجوما مبتذلا ورخيصا على شخص، وانما هجوما على كل المناضلين الوطنيين العراقيين بمن فيهم الطالباني الذي يقف، بالتأكيد، الى صف المرجع وليس في الجهة الأخرى المناقضة.
   ان اللجوء الى سياسة التسقيط ضد من ينتقد أو يحاور أو يبدي رأيا، هو ارهاب صارخ، يخيف المواطن فلم يعد يفكر بممارسة حقه في النقد والمحاسبة والمساءلة، فاذا كان مواطنا كالمرجع اليعقوبي لا يحق له أن ينتقد أو يبدي رأيا في قضية من القضايا، وهو المحصن بموقعه، فكيف بالمواطن العادي المعرض للسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والعبوات المزروعة، المواطن العاري عن كل حصانة، والمكشوف أمام السلطة ومجموعات العنف والارهاب على حد سواء؟.
   بالعكس، كان على الصحيفة أن تشجع الحوار والنقد، بالمناقشة العلمية الرصينة، لتساهم في تأسيس قيم الحوار والجدال بالتي هي أحسن بين مختلف الفرقاء في العراق الجديد، وليس أن تشارك في ارعاب الناس وارهابهم، للحيلولة دون مشاركتهم في الحياة السياسية من  خلال النقد والمساءلة، وذلك أضعف الايمان. 
   كنا نتمنى أن تنتقد الصحيفة المرجع اليعقوبي، وأي واحد آخر، فليس في العراق الجديد من هو فوق المساءلة، حاكما كان أم محكوما، كما كنا نتمنى أن تحاوره الصحيفة، فالحوار والنقاش والجدال بالتي هي أحسن، سيد الموقف في العراق الجديد، أما أن تلجأ الى السباب والشتيمة، فذلك ليس منطق الأحرار أو الرجال الشرفاء أو المناضلين الأبرار، ولذلك لمست تناقضا في ما مارسته الصحيفة وما نعرفه عنها، وعن حزبها وقياداته، وعلى رأسهم الاستاذ الطالباني، صاحب الخلق الجم مع الجميع، أعداءا وأصدقاء.
   كلنا لنا ملاحظات على أداء كل من تصدى للمسؤولية في العراق منذ سقوط الصنم، بمن فيهم المرجع اليعقوبي، الذي قد أختلف معه في رأي أو أداء أو موقف، أما أن نحول الخلاف في وجهات النظر الى عراك وسباب وشتيمة، فهذا ما نرفضه، ونتمنى أن لا يمارسه أحد، خاصة، من ناضلوا في خندق واحد، ولذلك فأنا أرفض التهجم الشخصي على القيادات والزعامات العراقية بالرغم من اختلافي الكبير مع بعضهم في كل شئ، ربما، فارفض شتم الطالباني كما أرفض شتم اليعقوبي، وأرفض سب البارزاني كما أرفض سب الجعفري، وأرفض شتم الحكيم كما أرفض شتم الصدر أو اي واحد آخر.
   نعم، أنا انتقدهم وبصوت عال، وأنتقد أداءهم ومواقفهم اذا لمستها تتناقض مع المصلحة الوطنية العليا، وأدعو الى نقدهم ومحاسبتهم ومساءلتهم، أما أن أشتمهم أو أسبهم، فليس ذلك من شيم الوطنيين، وهذا ما لا أرضاه لأحد، لأنني، وبكل بساطة، لا أرضى أن يشتمنى أحد، وهو الأمر الذي ابتليت به منذ أن شرعت بالكتابة بعد سقوط الصنم ولحد الآن، ربما لشدة حساسية المواقف، أو بسبب تشنج الساحة وعصبية العراقيين، لا أدري.
   وبصراحة أقول، فان من يلتجئ الى سياسة التسقيط ضد شخص كاليعقوبي، انما يمارس التسقيط ضد نفسه، وهو اعانة على الظلم والعنف والارهاب، لأن المرجعية، وكما أثبتت ذلك بمواقفها التاريخية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تمثل الوسطية والحكمة والاعتدال، ولذلك فان تسقيطها بمثابة تسقيط للوسطية التي يحتاجها العراق اليوم، وللحكمة والاعتدال الذي يحتاجه العراقيون اليوم، ما يعني أن تسقيطها، بمثابة تقوية جبهة العنف والتطرف والارهاب، فهل أرادت الصحيفة، التي بدر منها ذلك، أن تقدم الاعتذار للمجموعات المسلحة التي يفاوضها الطالباني من أجل الالتحاق بالعملية السياسية؟ أم أنها أرادت التعبير عن انقلاب في مفاهيم الديمقراطية التي يسعى العراقيون لتحقيقها، ومنهم حزب الصحيفة؟.
   ولا أخفي هنا استغرابي، كذلك، من اللغة التي وظفها المرجع اليعقوبي في بيانه والمنطق الذي تحدث فيه، والذي أغاض الصحيفة، على ما يبدو، وهي الطريقة التي لا تنسجم عادة مع لغة المرجعية الدينية، خاصة كاليعقوبي المعروف عنه الرزانة والهدوء والحرص الشديد الذي يدفعه للتفكير بكل كلمة قبل أن يطلقها في خطاب أو بيان، الا أن ذلك، لا يبيح أبدا للصحيفة الكلام بهذه الطريقة السيئة جدا ضد المرجعية الدينية.
   لم تكن المرجعية في يوم من الأيام، قابعة في بيتها، بل انها الحاضرة الدائمة أبدا في ساحات المواجهة، وان اختلفت الأساليب والوسائل.
   انها مشروع نضال دائم ضد الظلم، أنى كان نوعه ومصدره وهوية الظالم الذي يمارسه، كما أنها مشروع حرية واستقلال وكرامة، واذا اقتضت الضرورة الدينية والمصلحة الوطنية العليا، فانها مشروع شهادة في سبيل الله والانسان والوطن والقيم النبيلة.
   ان تاريخ المرجعية دليل واضح على ذلك، فهي التي قادت الجهاد والثورة ضد الاحتلال البريطاني للعراق مطلع القرن الماضي، وهي التي أسست بتضحياتها العراق الحديث بعد ثورة العشرين التحررية، وهي التي صانت العراق وشعبه من الويلات المتتالية جراء تسلط الأنظمة الشمولية، وليس المرجع الشهيد السيد محسن الحكيم، وابنه البارشهيد المحراب السيد محمد باقرالحكيم، والمرجعين الشهيدين الصدر الأول والصدر الثاني، والمرجع الشيرازي والمفكر الشيرازي والمئات من المراجع والفقهاء، ببعيدين عن هذه الحقيقة.
   وان المرجع اليعقوبي، رافد في تيار، وجزء من كل، لا يمكن فصله عن هذا التاريخ المضمخ بدم التضحيات، فهو لم يأت من فراغ ولم يولد صدفة، وان أي حديث عن تحالف استراتيجي أو علاقات تاريخية، لا بد وأن يشمله، شاء من شاء وأبى من أبى.
   ان من اللازم بمكان عدم الانجرار للصراعات الجانبية، طبعا من دون أن يعني ذلك أنني ادعو الى المجاملة على حساب الحقوق والحقيقة، أبدا، وانما أعتقد جازما بأن من الخطأ انجرار المناضلين الحقيقيين واصحاب المصير الواحد والهدف المشترك الى مثل هذه المهاترات الاعلامية التي لا تخدم الضحايا بأي شكل من الأشكال، والتي تنم في بعض الأحيان عن مدى هشاشة تحالف الأقوياء الذي تذروه الرياح في أحلك الظروف، في الوقت الذي يجب أن يكون فيه تحالفهم قويا صامدا وصلبا لا تهزه الأعاصير.
   ان القضايا الحساسة لا يمكن أن نناقشها في الاعلام، أو في البيانات والخطب العامة، بل يجب أن نتعامل معها بجدية أكبر واهتمام أكثر من أجل ايجاد الحلول الناجعة التي لا يظلم فيها أحد، شخصا كان أم جماعة.
   استغرب لماذا يخرج المناضل عن طوره بمجرد أن يختلف معه رفيق دربه، وكأنه كان يتصيد له أقواله وأحاديثه، فلا يلتمس له عذرا أو يبحث له عن مبرر، أو بمجرد أن يختلف معه في رأي أو سطر أو حتى كلمة.
   ان ما هالني في مقالة الصحيفة الآنفة الذكر، والذي جاء كمقال رأي، يفترض أنه يعبر عن رأي (الاتحاد) كحزب وكقيادة، هو اللغة الهابطة، التي ذكرتني شخصيا بلغة الاعلام الشمولي الذي كان يستخدمه النظام البائد، كحذفه الف لام التعريف من أسماء المعارضين له، التي استخدمها ضد مرجعية دينية هي من أهم المرجعيات الدينية التي كان لها، ولا يزال، الدور الاستراتيجي والمحوري في انقاذ العراق من أتون الحرب الأهلية، والتقسيم والتفتت والاقتتال، فكيف أجاز المقال لنفسه أن يسخر كل ذلك ضد شخصية كالمرجع اليعقوبي؟.
   لا تجرؤوا الناس على السب والشتم، ولا تعلمونهم كيل السباب مع من يختلف معهم في الرأي، نعم علموهم الحوار وجرؤوهم على النقد والمحاسبة، فان ذلك أصلح للعراق الجديد الذي ينتشر فيه التعصب القومي والديني والمذهبي والحزبي.
   وأنا أقرأ المقال، تساءلت مع نفسي، ترى، هل يعقل أنه يعبر عن رأي زعيم الحزب الذي تتحدث الصحيفة باسمه في هذا المقال على وجه التحديد والذي نشر، كما قلت، كمقال رأي، الاستاذ الطالباني رئيس جمهورية العراق؟ وهو المعروف عنه بسمو اخلاقه في العمل السياسي، حتى مع أعدائه فضلا عن أصدقائه؟.
   لم أصدق أنه يعبر عن رأي مناضلي الاتحاد الذين خبرتهم عن قرب، فعرفتهم بطيب الخلق وحسن المعاشرة.
   أعتقد أنه يعبر عن لحظة انفعال وغضب، صبها صاحب المقال في صحيفة رسمية ما كان عليه وعليها ان يقبلوا بهذا الخطأ، الخطيئة، اليس كذلك ايتها (الاتحاد)؟.
   بانتظار أن يبادر الأستاذ الطالباني الى تصحيح الخطأ، وهو الذي عودنا على أن يجمع المتناقضات من أجل المصلحة الوطنية العليا، فما بالك بالمتشابهات، فالعدو متربص، فلا يجوز التفريط بالتحالفات الاستراتيجية في هذا الوقت العصيب.

11 آب 2006[/b][/size][/font]

23
أية مصالحة والحرب الطائفية تدار من تحت قبة البرلمان؟
نـــــزار حيدر في برنامج حواري مباشر مع اذاعة كربلاء:
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   تساءل نـــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، عن ما يسمى بالمصالحة الوطنية التي تتحدث عنها الحكومة العراقية، قائلا:
   أية مصالحة والارهاب والحرب الطائفية تدار من تحت قبة البرلمان، ومن أروقة الحكومة؟.
   وأضاف نـــــــــزار حيدر الذي كان يتحدث على الهواء مباشرة في برنامج حواري تبثه اذاعة كربلاء من ولاية ميشيغن الأميركية:
   كيف يمكننا أن نتصور نجاح أي مشروع من هذا القبيل، ودماء العراقيين تجري أنهارا كل يوم وكل ساعة؟ وفي الوقت الذي يتحدث فيه الجميع، بمن فيهم رئيس مجلس النواب العراقي وآخرون، عن تورط أعضاء في البرلمان العراقي في الحرب الطائفية التي يشنها التكفيريون وأيتام النظام البائد على الشعب العراقي لتدمير العملية السياسية الجديدة التي يشهدها العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الآن؟ هذا فضلا عن تورط مرجعيات دينية (سنية) معروفة في اراقة الدم العراقي، وهذا ما كشف عنه مؤخرا أحد المتحدثين باسم الحزب الاسلامي العراقي، الذي يشترك في العملية السياسية بشكل واسع، عندما قال بأن (هيئة علماء السنة) تتحمل نسبة (50%) من المسؤولية عن اراقة دماء السنة؟.
   واستطرد نـــــــــــــزار حيدر يقول:
   أعتقد أن على أعضاء مجلس النواب العراقي، وكذلك أعضاء الحكومة العراقية، أن يتصالح كل واحد منهم مع نفسه أولا ومع زميله في الموقع والمسؤولية، قبل أن يتحدث عن المصالحة الوطنية، لأن فاقد الشئ لا يعطيه كما تقول الحكمة المشهورة، ولذلك جاءت مناشدة المرجع الديني الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني اليوم، لتخاطب أولا المتصدين للعملية السياسية، بحكم تبوئهم لموقع المسؤولية، فاذا صلح المسؤولون وحسنت نواياهم وصدقت سرائرهم، فاننا سنشهد بكل تأكيد مشروعا ناجحا للمصالحة الوطنية، بل اننا سوف لن نكون بحاجة الى مثل هذا المشروع، لأن من يشترك في العملية السياسية اليوم يمثل كل أطياف المجتمع العراقي، فعندما يخفق هؤلاء في تحقيق انجاز المصالحة بين الاطراف التي يمثلونها، فهذا يعني أن هناك خللا ما في عقلية وشخصية ونوايا هؤلاء، خاصة اذا كان (المسلحون) ينتظرون قرارهم من نوابهم في مجلس النواب، على حد تعبير السيد رئيس المجلس.
   وأضاف نـــــــــــــــــزار حيدر يقول:
   ينبغي على أعضاء مجلس النواب العراقي على وجه التحديد أن يتصرفوا كزعماء عراقيين حقيقين لا يمثلون الطائفة او العرق او القائمة التي فازوا بها، وانما يلزم ان يكونوا حريصين على مصالح كل العراقيين، وان يكونوا امناء على حقوق الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم واتجاهاتهم، فالبرلمان، كما هو معروف، البوتقة الواسعة والكبيرة التي تنصهر فيها المصالح العامة والعليا للبلاد والعباد، والحارس الامين على سيادة البلاد واستقلالها، والصوت الهادر الذي يرتفع عند كل ظلامة يتعرض لها مواطن، بغض النظر عن انتمائه الديني أو المذهبي أو الاثني، فالبرلمان لكل العراق، والنائب فيه لكل العراقيين.
   وأهاب نـــــزار حيدر بزعماء العراق الجدد ان لا يتخندقوا وراء انتماءاتهم وطوائفهم واقوامهم وتوجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية الضيقة، بل يجب عليهم ان يستلهموا قوتهم الحقيقية من الانتماء للوطن ولكل الشعب العراقي، بكل مكوناته الاثنية والدينية والمذهبية،  والوانه الفكرية والسياسية، من أجل ان يكون هذا التنوع عامل قوة ومنعة للعراقيين، وليس سبب للتخالف والتقاتل والتناحر.
  وأضاف نـــــــــــــــزار حيدر بالقول:
   لا يختلف اثنان على الحقيقة التي تقول بأن الاوطان لا تبنيها عقلية الانتقام والتشفي وردود الافعال، بل انها تبنى بعقلية الانفتاح والتسامح والاعتراف بالآخر والحوار البناء، وهذا ما يحتاجه العراق اليوم، ولكن، وفي نفس الوقت، فان لكل مشروع آليات، وأن لكل برنامج عمل ادوات يجب ان تكون مشروعة وصحيحة، والا فان النتائج ستكون معكوسة، فبدلا من أن يجني العراقيون ثمارا طيبة من مثل هكذا مشروع، اذا بهم يتذوقون العلقم والعياذ بالله، وذلك بسبب أن خطوات المشروع غير مدروسة، أو أن أدواته غير سليمة، ولذلك، مثلا، تواترت الأنباء عن التحاق اعداد لا بأس بها من العناصر التي اطلق سراحها في اطار مشروع المصالحة، لتلتحق بجماعات العنف والارهاب، لتعود مرة أخرى الى ممارسة لعبة القتل والتدمير، ما يعني أن عملية اطلاق سراح السجناء لم تكن مدروسة بالشكل الكافي، كما أن عمليات الاعتقال، كذلك كانت في الكثير من الأحيان عشوائية وغير قانونية.
   عن المناشدة التي أطلقها اليوم المرجع السيستاني، قال نـــــــــزار حيدر:
   مرة أخرى تثبت المرجعية الدينية العليا بأنها فوق الميول والاتجاهات، وانها حريصة كل الحرص على ان تدافع عن كل العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والطائفية، بل وحتى السياسية والفكرية.
   لقد حاصر المرجع السيستاني، بمناشدته، كل المتاجرين بالدين وفضح كل المتلبسين بلبوس الاسلام ، وتعرت كل الاصوات والشعارات التي ترفع باسم الدين لتقتل العراقيين أيا كانت انتماءاتهم، بعد أن أسقط المرجع السيستاني عنهم ورقة التوت التي يتسترون بها ويتخندقون وراءها.
   من جانب آخر، قال نـــــــــــــزار حيدر، بأن اسرائل باتت توظف، في الاستمرار بعدوانها على لبنان، الموقف العربي المتخاذل والموقف الطائفي الذي أعلن عنه قبل يومين عدد من فقهاء التكفير وعلى رأسهم المدعو عبد الله بن جبرين الذي يقبع في السعودية، والذي يلقى كل الدعم والتأييد من أسرة آل سعود الحاكمة، وكذلك الاعلام العربي الطائفي الذي راح يقطر حقدا طائفيا أسودا، لمجرد أن من يتصدى للهجمة البربرية الاسرائيلة على الشعب اللبناني هم الشيعة.
   ولم يستغرب نـــــــــــزار حيدر هذه الهجمة الطائفية الشرسة التي اطلقها الطائفيون التكفيريون عبر فتاواهم ومحاضراتهم، قائلا:
   وكأن المتضرر في العدوان الاسرائيلي على لبنان هم طائفة معينة من الشعب اللبناني، وكأن الذي تم تدميره من قبل آلة الحرب الاسرائيلية، هي البنى التحتية لطائفة معينة من اللبنانيين؟ ألا يخجل هؤلاء من مواقفهم التي سيكتبها التاريخ لتكون وصمة عار في جبينهم بل وفي جبين العرب والمسلمين؟ كيف يجيز هؤلاء لأنفسهم أن يستغلوا مأساة اللبنانيين لتوجيه سهام الغدر الى من يختلفون معهم في المعتقد والمذهب، ليبرروا بذلك العدوان والقتل والتدمير الذي يتعرض له الآمنين في لبنان؟.
   وأضاف نـــــــــــــــــزار حيدر:
   لم أستغرب كل ذلك، فلقد فعلها أمثال هؤلاء الطائفيين التكفيريين من قبل مع الشعب العراقي عندما اصدروا مثل هذه الفتاوى التي أباحوا فيها دم العراقي وأجازوا فيها عمليات الذبح والقتل والتفجير والتدمير لمجرد أن من يشارك في العملية السياسية اليوم في العراق هم الأغلبية من الشعب العراقي (الشيعة) وأكبر الأقليات (الكرد).
   انهم ينطلقون في حساباتهم ومواقفهم من منطلقات ضيقة لا تصغ الى العقل والحكمة، ولا تأخذ بنظر الاعتبار المصلحة العليا للامة، ولذلك نراهم يتمادون في غيهم، ويشاركون القتلة والمجرمين في جرائمهم.
   وتساءل نـــــــــــــــــــزار حيدر يقول:
   لو لم يسترخص هؤلاء الطائفيين التكفيريين دماء العراقيين، لما تجرأت اسرائيل على الخوض بدماء اللبنانيين والفلسطينيين، ولذلك، فليعرف العرب والمسلمين أية ملة هؤلاء، وأي نوع من البشر هؤلاء، وأية عقول تتحكم بهؤلاء الطائفيين التكفيريين، وأي غشاوة على عيونهم أعمتهم عن رؤية الحقيقة، وأي مرض استحكم في قلوبهم أعمى بصيرتهم، وأي وقر في آذانهم أصم اسماعهم فحال بينها وبين سماع قول الحق؟.
   وأضاف نـــــــــــــــــزار حيدر الذي كان يتحدث في برنامج حواري تبثه مباشرة على الهواء قناة العالم الفضائية:
   ان دعوة عدد من الأنظمة العربية الطائفية المتخاذلة، وعلى رأسها مصر والسعودية والاردن، اللبنانيين للاحتكام الى العقل، هو ادانة لتاريخ الانظمة العربية جميعها والتي لم تحقق على مدى قرابة ستين عاما أي انتصار على الكيان الصهيوني منذ تأسيسه ولحد الآن، بالرغم من قيادتها لكل الحروب التي لم تخلف للشعوب العربية سوى الدمار والقتل واضاعة المزيد من الارض، فضلا عن انها السبب الحقيقي الذي يقف وراء كل مشاكل الشعوب العربية التي تعيش التخلف والفقر والأمية والتقهقر الحضاري والمرض والجهل، في ظل أنظمة شمولية، ملكية أو عسكرية، لا فرق.

   20 تموز 2006[/b][/size][/font]
   

24
نــــــــــــــزار حيدر في حوار مع رئيسة تحرير موقع (سعوديات نت) عن مقتل زعيم الارهابيين في العراق:

هكذا يموت التافهون
[/size]

أجرت رئيسة تحرير موقع (سعوديات نت) الالكتروني، السيدة نوال اليوسف، حوارا مع نــــــــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، وسألته عن معنى مقتل زعيم الارهابيين في العراق اليوم، وما اذا كان ذلك سيضع حدا للعنف الذي يجتاح بلاد الرافدين العزيزة؟.
كما سألته عن رأيه بوزراء الملف الامني في حكومة السيد نوري المالكي، والذين منحهم مجلس النواب أمس الثقة الدستورية؟ والأولويات التي ينتظر العراقيون من الحكومة انجازها على وجه السرعة؟.

ادناه نص الحوار:

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   السؤال الاول:

   ما هو تعليقكم على مقتل زعيم الارهابيين في العراق، وفي هذا الوقت بالذات؟.
   الجواب:

   بادئ ذي بدء، أود، أولا، أن أهنئ كل ضحايا الارهاب في العراق وعموم العراقيين، بمقتل زعيم الارهابيين وكبير القتلة المجرمين، سائلا العلي القدير أن يأتي عليهم الواحد تلو الآخر، حتى آخرهم، لينعم العراق وشعبه بالأمن والحرية والسلام والتعايش السلمي.
   أبارك للعراقيين صمودهم الذين نزعوا به سلاح هذا الارهابي العتيد، فلولاه لما يئس الذين من خلفه، الذين صنعوه وسوقوه اعلاميا، ليقضوا به وطرهم حتى حين.
   الحمد لله، فلقد تخلى عنه، أخيرا، من كان يقف خلف هذا الارهابي وتركه يلقى مصيره الأسود.
   تركته الأنظمة العربية الطائفية الشمولية التي تخشى تجربة الديمقراطية في العراق، فسكتت على جرائمه دهرا، فيما دعمته بعضها بأسباب الديمومة والاستمرار.
   وتركته عدد من الأسر الحاكمة في المنطقة، ممن تخشى على عروشها، الهزة التي ستطيح بها اذا ما استقر العراق، أو هكذا تتصور.
   تركه علماء البلاط وفقهاء السلطان من التكفيريين الطائفيين، الذين يرون في دور الأغلبية العراقية نذير شؤم عليهم وعلى عروشهم الدينية الطائفية المتهاوية.
   تركه الاعلام الطائفي العنصري الحاقد، الذي ظل ينفخ فيه حتى انفجر على صخرة الصمود العراقي.
   هكذا، اذن، يموت التافهون، ممن باع آخرته بدنيا غيره، ظنا منه بأن من يستعمله أداة لتنفيذ أجنداته الخاصة سيعطف عليه بفتات، واذا به يجازيه القتل والى الجحيم.
   أتمنى أن لا يكرر من ظل يقف وراء هذا الارهابي ، خاصة عدد من أجهزة المخابرات الاقليمية والدولية، وعلى وجه التحديد، المخابرات الاردنية، نفس التجربة مرة أخرى، فيعمد الى تجنيد أدوات أخرى لذات الأغراض والأهداف.
   أتمنى أن يكونوا جميعا قد استوعبوا الدرس الذي سجله صمود العراقيين وتحديهم وثباتهم وصبرهم وعظهم على النواجذ، من أجل الهدف الأسمى المتمثل ببناء العراق الجديد، وصيانة وحدته، أرضا وشعبا.
   أتمنى أن يكونوا قد تعلموا درسا مفاده بأن التهديد والقتل لا ينفع سياسة لاركاع العراقيين واذلالهم، ولو كانت هذه السياسة تنجح معهم لنجح الطاغية الذليل صدام حسين الذي سامهم العذاب على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لينتهي به المطاف في بالوعة مهجورة في الصحراء.
   نعرف جميعا، بأن الارهابي القتيل كان يحمل في عقله المريض تفاصيل أخطر مشروع طائفي لتدمير العراق، خططت له وحاولت تنفيذه، أكثر من جهة محلية واقليمية ودولية، من خلال اثارة النعرات الطائفية بين العراقيين، ولقد حاول تفجير الشارع العراقي بحرب طائفية ما كانت لتبقي ولا تذر، لولا صبر العراقيين وتحملهم، ولولا الحكمة الواسعة التي تتصف بها قياداته الدينية على وجه التحديد، ولذلك فان مقتله مؤشر على فشل مشروعه الذي نأمل أن يقبر بجانبه من دون رجعة، باذن الله تعالى.

   السؤال الثاني:

   يرى البعض، أن مقتل هذا الارهابي هو انتصار للحكومة العراقية، وقوة دفع حقيقية للعملية السياسية الجارية في العراق.
   ماذا ترون انتم؟.
   الجواب:

   بالتأكيد، فهو انتصار ليس للحكومة العراقية فقط، وانما لكل العراقيين الذين تحولوا خلال السنين الثلاثة الماضية الى مشروع قتل وتدمير وذبح وتفخيخ لهذا المجرم الارهابي.
   برأيي، فان مقتله سيعطي العملية السياسية زخما جديدا يدفعها الى الأمام، كما أنه سيمنح العراقيين ثقة اضافية بالمشروع السياسي الجديد الذي تبنوه منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الآن، والقائم على أساس المشاركة الحقيقية بين مختلف مكونات الشعب العراقي من دون تمييز.
   ولذلك فرح العراقيون بمقتله، فيما حزن عليه من يشبهه في الهدف والوسيلة، من التكفيريين والطائفيين وأيتام النظام الشمولي البائد.
   السؤال الثالث:

   بعد مقتل زعيم الارهابيين، هل تعتقد بأن تنظيمات الارهابيين في العراق ستنهار بالكامل؟ وهل ترى أن ذلك سينهي موجة العنف التي تجتاح بلاد الرافدين العزيزة؟.
   الجواب:

   يستحسن أن لا نسترسل في التفاؤل المفرط، بمقتل زعيم الارهابيين في العراق، فالحرب على الارهاب حرب طويلة الأمد، لأنها حرب بين قوى النور وقوى الظلام، انها حرب مصير، فاما أن يكون الشعب العراقي أو أن يسود الارهاب والقتل والتدمير، فتعود عقارب الزمن العراقي الى الوراء.
   ان المجرم القتيل لم يكن سوى أداة بيد من صنعه لتدمير العراق والعملية السياسية الجديدة، من بين عدد كبير من الأدوات، وأن من صنعه واستخدمه طوال الفترة الزمنية الماضية، لتنفيذ سياساته وأجنداته الخاصة، لقادر على أن يصنع أمثاله اذا ارتأت مصالحه ذلك، واذا كانت أجهزة المخابرات الدولية والاقليمية التي ارتأت التخلص من هذه الأداة الآن ولأسباب خاصة، فهذا لا يعني بالضرورة أنها قررت تصفية كل أدواتها والى الأبد، فقد تكون سياستها في المرحلة القادمة تجديد الأدوات بعد أن كادت اللعبة أن تنكشف على الملأ، الا أن المأمول من بقية الأدوات والدمى، أن تعتبر بمصير زميلها القتيل علها تعود الى رشدها فلا تتورط بدماء الابرياء من أجل حفنة من المال الحرام مغلف بفتوى طائفية حاقدة، ومعبأ بشعارات دينية كاذبة ومنافقة وغير حقيقية كالجهاد والمقاومة وما الى ذلك من الخزعبلات والاكاذيب المفضوحة.
   هذا من جانب، ومن جانب آخر، فعندما تكون ماهية الحرب، أية حرب، بهذا المعنى الفلسفي العميق، فانها، بطبيعتها، تكون حرب طويلة الأمد، خاصة عندما يشهد الواقع انقلابا جذريا على الماضي الأسود، كما هي عليه الحال في العراق اليوم.
   فالعراق لا يشهد عمليات ترقيع للواقع السياسي المر الذي عاشه العراقيون طوال نيف وثمانين عاما، بل انه انقلاب جذري على موروث سياسي تأسس على الخطأ واستمر كل تلك الفترة الزمنية، حتى اذا نزا النظام البائد على السلطة في تموز عام 1968 قضى على كل ما من شأنه أن يساهم في بناء الانسان والأوطان.
   وهذه هي حال الانقلابات الجذرية في القيم والمفاهيم والأسس، عندما تمس واقعا ما، فهي تظل تشهد صراعا دمويا بين قوى الخير والشر، قوى النور والظلام، لحين أن يدب اليأس في الباطل، فترتعد فرائصه وتتحطم مفاصله،  فيعلن هزيمته، فينتصر الخير على الشر، والحق على الباطل.
   واذا قرأنا تاريخ الأمم والشعوب، فسوف لن نجد في حالة العراق بدعا من هذا التاريخ.
   لنأخذ مثلا على ذلك حركة الاسلام أيام التأسيس الأولى على يد رسول الله (ص) ألم يستمر الصراع بين الخير والشر قرابة نيف وعشرين عاما قبل أن ينتصر الاسلام وتتهاوى أركان الشر المتمثلة بعتاد قريش وجبابرتها؟ فلو لم يكن الاسلام يستهدف استحداث انقلاب جذري في مفاهيم وقيم المجتمع آنذاك، لما دام الصراع المرير بين الخير والشر كل تلك الفترة الزمنية، بل للجأ الطرفان الى التفاوض على الغنائم ولتنازل كل طرف عن بعض امتيازاته لصالح الاخر، ولسار كل طرف الى منتصف الطريق للالتقاء بالآخر ولأتفق الجانبان على تقاسم الحصص والغنائم ولانتهى الصراع بينهما في أسرع وقت، كما هو حال تجار السياسة ولصوص الأوطان الذين يتنازلون عن حقوق الناس للآخرين، بمجرد أن يمس الصراع مصالحهم الشخصية.
   ما يجري في العراق اليوم هو صراع من هذا القبيل، ولا يمكن أن تكون نتيجته الا أن ينتصر العراقيون في هذه الحرب الشعواء التي يشنها عليهم الارهابيون من التكفيريين وأيتام النظام البائد والطائفيين الذين لا يقدرون، حتى الآن على الأقل، على استيعاب ما يجري في العراق منذ سقوط الصنم، ممن يريدون أن يعودوا بالعراق الى سابق عهده، تحكمه الأقلية على أساس التمييز الطائفي والاثني، فتعود تستفرد بالسلطة، من دون أن يشاركها أحد من العراقيين فيها.
   السؤال الرابع:

   يرى بعض المحللين السياسيين، أن مصرع زعيم الارهابيين يعد فرصة كبيرة لتحقيق المصالحة الوطنية في العراق، كما أنها فرصة للدول التي لم تقف الى جانب الشعب العراقي في محنته وهو يواجه تحدي الارهاب ويسعى لبناء بلده من جديد لتعيد النظر في مواقفها.
   ما هو تعليقكم انتم على ذلك؟.
   الجواب:

   يأمل العراقيون أن يقتنص الجميع الفرصة لاعادة النظر في سياساته السابقة، ولكن، بين الأمل والحقيقة مسافة لا يردمها الا التفكير الواقعي المبتني على أساس الاعتراف بارادة العراقيين التي اختارت العملية السياسية الجديدة، القائمة على أساس المساواة والتداول السلمي للسلطة، ونبذ العنف والارهاب.
   ان على الهيئات السنية في العراق، التي لا زالت تتخذ موقفا سلبيا من العملية السياسية الجارية في البلاد، ساعية الى توظيف أجندات مجموعات العنف والارهاب، أن تعتبر بالنهاية المذلة لهذا المجرم لتعيد بالتالي النظر في سياساتها المشبوهة وغير الوطنية المتورطة في الارهاب، لتقرر الالتحاق بالعملية السياسية الى جانب بقية الفرقاء بمن فيهم السنة الآخرين الذين استنتجوا في نهاية المطاف بأن الارهاب ليس هو الحل وأن العنف لا يخدم البلاد، كما أن العنف والارهاب لا  يحققان مصلحة لأحد، ولا يمكن أن يكونا الوسيلة المناسبة لانتزاع حقوق أية فئة أو مجموعة، فاتخذوا قرارهم الشجاع والقاضي بفك ارتباطهم بجماعات القتل والذبح والتفخيخ ليلتحقوا بالعملية السياسية كشركاء حقيقيين، أو هكذا نأمل منهم ونتوسم فيهم.
   انهم بحاجة الى اعادة قراءة للمشهد العراقي، تتحلى بالشجاعة والموضوعية والواقعية، حتى لا تأخذهم العزة بالاثم، فيصروا على مواقفهم غير الصحيحة، اذ ليس المشكلة في أن يخطأ المرء، لأن كل ابن آدم خطاء، انما المشكلة، كل المشكلة، تكمن في أن يصر المخطئ على ارتكاب الخطأ، وهو يرى أن الواقع يتغير، ولذلك فان خير الخطائين التوابون.
   عليهم أن يعترفوا بهذا الواقع ويتنازلوا لارادة العراقيين التي سجلت رأيها في صناديق الاقتراع بالدم وبالتضحيات الجسيمة، بكل عزيمة واصرار وثقة.
   عليهم أن يعترفوا بخطاهم، ولو كان ذلك مع أنفسهم، ليقدروا على البدء بالتفكير الجديد والسليم.
   كذلك فان على الأنظمة والمؤسسات العربية السياسية منها والاعلامية، أن تتعظ بمصير هذا الارهابي المجرم، لتعيد، كذلك، موقفها من كل ما يجري في العراق، فلا تظل تدعم مجموعات العنف والارهاب بالفتوى الطائفية الحاقدة والمال الحرام والدعاية السوداء المظللة، والدعم اللوجستي.
   عليهم أن يقرروا، فورا، الوقوف الى جانب العراقيين في محنتهم فيغيروا من مواقفهم السياسية ولهجتهم الاعلامية التي لا زالت تحاول تضليل الرأي العام العربي، والا ماذا نسمي تباكي احدى فضائيات العنف الطائفي الحاقد، على بنود اتفاقيات جنيف لأنها انتهكت جراء نشر صور المجرم بعد مقتله، على حد زعمها، في الوقت الذي رأيناها ونراها يوميا وهي تحتفي بالافلام التي تصور المجرم القتيل أو أحد أعوانه، وهم يذبحون ضحاياهم ويقطعون رؤوس الناس؟.
   ألا يعني ذلك أنهم، وكما يبدو لي، لا يفكرون بشكل جدي في تغيير مواقفهم بالاستفادة من هذه الفرصة الذهبية؟.
   ان عليهم أن يستغلوا الفرصة، بالفعل، لتغيير كل سياساتهم ازاء العراق، والقائمة على الحقد والكراهية والخوف والريبة مما يجري فيه من اعادة بناء النظام السياسي واستبداله بالديمقراطية والانفتاح والمشاركة الحقيقية، بعد عقود طويلة من حكم الأنظمة الاستبدادية الشمولية، ليكونوا عونا لهم.
   السؤال الخامس:

   ما هو تقييمكم لوزراء الملف الأمني في الحكومة الجديدة والذين نالوا أمس ثقة مجلس النواب العراقي؟.
   الجواب:

   لقد قلت في مقال سابق، أنه، ومن أجل أن لا أظلم الحكومة العراقية الجديدة واستعجل الحكم عليها، فسأمنحها مدة ستة أشهر لنتأكد جميعا ما اذا كانت جديرة بالاحترام والتقدير من خلال انجازاتها الوطنية الاستثنائية، أم لا؟.
   للأسف الشديد، فلقد تحول موضوع تسمية الوزير أو الوزراء، مجرد تسميتهم، الى انجاز، أو هكذا يخيل للناس، وهذا خطأ كبير، فتسمية الوزير ليس هو الهدف وانما هو الوسيلة من أجل تحقيق هدف أسمى يتجلى في الانجاز.
   ما فائدة تسمية الوزير، أي وزير، اذا لم يثبت حرصه على العراق وشعبه الأبي وأمانته على المال العام، واذا لم يثبت كفاءته وقدرته على انجاز الفعل الذي ينتظره العراقيون الذين منحوه الثقة من خلال نوابه في مجلس النواب، الذين حازوا على ثقة العراقيين من خلال صندوق الاقتراع؟.
   العراقيون ينتظرون الأفعال والانجازات، وهم، وبصراحة أقول، غير مكترثين بالأقوال كثيرا، فلقد اتخموا شعارات براقة ووعود معسولة وكلام جميل، وبقي أن يلمسوا الانجاز الذي يداوي جراحهم النازفة منذ عقود طويلة.
   انهم ينتظرون أن يباشر الوزير بالعمل لينجز الذي عليه من الحق، خاصة وزارات الملف الأمني، الذي يعد حجر الزاوية في توكيد أو انهيار مصداقية الحكومة الجديدة.
   وفي كل الأحول، فان العراقيين يتضرعون الى العلي القدير لأن يسدد خطا الحكومة، لتنجح في مهامها التاريخية الموكولة اليها، ويبقى على الحكومة أن تثبت قدرتها وكفاءتها من خلال ابداء اهتمام أكبر بآلام المواطن العراقي وآماله وتطلعاته.
   السؤال السادس:

   ماذا تقول للشعب العراقي ولحكومته الجديدة بعد مصرع زعيم الارهابيين اليوم؟.
   الجواب:

   أقول لهم، انها البداية لمشوار طويل من الحرب على الارهاب، وعليهم جميعا أن يستعدوا لمواجهة كل الاحتمالات، فقد يحاول الارهابيون الرد على مقتل زعيمهم، بتصعيد جرائمهم، وهذا ما يتطلب من الشعب والحكومة الاصطفاف خلف بعض لمواجهة كل الاحتمالات السيئة، فاليقضة مطلوبة، والوعي السياسي والأمني لازم ضروري من ضرورات تحقيق الانتصار على الارهابيين في هذه الحرب المقدسة، من أجل عراق جديد خال من العنف والارهاب بكل أشكاله.
   ومن دلائل الوعي والحذر، أن يضع الجميع الخلافات الثانوية جانبا، من أجل أن ينشغلوا بالواجبات فقط، أما النوافل والمستحبات، فعلى الجميع تأجيل النظر فيها والحديث عنها، فاذا ما أضرت النوافل بالواجبات، يلزم التأجيل الى الوقت المعلوم والمناسب.
   السؤال السابع:

   وما هي توقعاتكم لمشروع الوحدة الوطنية الذي من المتوقع أن ينطلق في العراق، اثر اعلان السيد المالكي للمصالحة الوطنية مؤخرا؟.
   الجواب:

   في الحقيقة أنا لا أفهم ما هو المقصود بالمصالحة الوطنية، وبين من؟ ومع من؟.
   فمن جانب، يصف الجميع الحكومة العراقية الجديدة، بأنها حكومة وحدة وطنية، على اعتبار أن كل العراقيين ممثلين فيها أو تحت قبة البرلمان، ومن جانب آخر يتحدث البعض، وخاصة جامعة الدول العربية، عن مشروع تطلق عليه تسمية المصالحة الوطنية.
   طيب، اذا كان كل العراقيين مشتركون في الحكومة، وهذا باعتراف العراقيين أنفسهم، وكل دول التحالف الدولي، بل وباعتراف حتى من يدعو الى المشروع الآنف الذكر، فماذا تعني المصالحة الوطنية اذن؟.
   الا اللهم أن يكون المقصود من التسمية هو المصالحة بين الضحايا والجلادين الذين رفضوا المشاركة في العملية السياسية واختاروا السلاح كوسيلة للتأثير في الشارع العراقي، ليس لأن أحدا من العراقيين رفض مشاركتهم، أو أن قوة معينة أبعدتهم عن المشاركة، وانما لأنهم يرفضون العملية السياسية من أساسها، فهم لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا يعتقدون بصندوق الاقتراع، فهم لا زالوا مسكونين بنظرية التفرد والاستفراد والاستعلاء والنظرة الفوقية للآخرين، وعدم الاعتراف بالآخر، بغض النظر عن المنطلقات، ما اذا كانت طائفية أو عنصرية أو أي شئ آخر.
   أقول اذا كان المقصود بالتسمية، هو مصالحة الضحايا مع أمثال هؤلاء، فان المشروع مرفوض جملة وتفصيلا، لأنه يعتمد الظلم في أساس منطلقاته، وهذا ما لا يمكن القبول به من قبل كل العراقيين، والا لما جازفوا وتحدوا كل الصعوبات من أجل أن يصلوا الى صندوق الاقتراع ليقفوا أمامه  ليدلوا برأيهم وصوتهم في الانتخابات العامة التي أفرزت مؤسسات الدولة العراقية الجديدة.
   هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان الباب لا زال مفتوحا ولم يوصد بوجه أي عراقي يريد المشاركة في العملية السياسية، شريطة أن يلقي السلاح ويعترف بها وبأدواتها ونتائجها، ومن ثم يقرر أن يشارك فيها من دون شروط مسبقة.
   السؤال الثامن:

   يرى بعض المراقبين ان احتواء المسلحين الذين يرفعون السلاح بوجه العملية السياسية من قبل الحكومة العراقية الجديدة، سيعجل في وضع حد للعنف والارهاب في العراق.
   ماذا ترى أنت؟.
   الجواب:

   لقد بذلت كل الأطراف العراقية، السياسية منها والحزبية والدينية، جهودا مضنية من أجل اقناع المجموعات المسلحة من غير المتورطة بدم العراقيين، لالقاء سلاحها والمشاركة في العملية السياسية.
   ولا زال هناك من يبذل الجهود الكبيرة من أجل تحقيق ذلك، ولكن يبدو لي أن من أراد أن يقتنع بالعملية السياسية ويلقي سلاحه، قد اقتنع بذلك وأقدم عليه، أما الباقون فاعتقد بأنهم لا يريدون أن يقتنعوا بذلك ولذلك يرفضون التفكير بصوت عال من أجل أن يصلوا الى النتيجة الايجابية التي وصل اليها من قبل، الكثير ممن حمل السلاح ثم ندم عليه.
   برأيي فان مما لا شك فيه، أن أي حوار مع أي مسلح لم يتورط بالدم العراقي، انما هو أمر محمود بل مطلوب، خاصة في هذا الوقت، وعلى وجه الخصوص، اليوم وبعد مقتل زعيم الارهابيين، لأن ذلك سيصيب الكثير من المسلحين بالاحباط واليأس، ما سيدفعهم الى اعادة النظر والتفكير بطريقة واسلوب عملهم، ولذلك ينبغي أن يفتح العراقيون، الحكومة على وجه التحديد، أمامهم ولهم نوافذ أمل جديد يدفعهم ويشجعهم على الاسراع في اتخاذ القرار الصحيح بنبذ السلاح والايمان بالعملية السياسية للالتحاق بها، كل على طريقته.
   الذي أتمناه هو، لو أن أي مسلح وجد أمامه نافذة جديدة تفتحها الحكومة أمامه، عليه أن لا يقرأها خطأ، فيتصور بأنها دليل ضعف أو عجز مثلا، بل عليه أن يفهمها على أنها دليل جديد على حرص العراقيين على انتشاله من ورطته لاحتضانه وضمه الى صدر العراق الكبير والحنون على أبنائه كالأم الحنون على ابنها الرضيع.
   أما اذا قرأ أحدهم الأمر بطريقة خطأ، فسيحرم نفسه فرصة جديدة، وهو بذلك سيظلم نفسه وبلده وشعبه، وهو سيندم في نهاية المطاف ويلعن الساعة التي أغواه فيها الشيطان الرجيم الذي يزين لأوليائه زخرف القول غرورا، كما يحسن لهم الخطأ ليسيروا اليه ويقعوا فيه، وبعد ذلك، تراه يتبرأ منهم، براءة الذئب من دم يوسف.
   السؤال التاسع:

   ما هو رأيكم في نشر ثقافة التسامح في العراق؟ خاصة مع القوى التي لا تريد أن تشارك في العملية السياسية الجديدة، ولا زال يعلن ولاءه للطاغية الذليل صدام حسين؟.
   الجواب:

   وهل هناك غير التسامح علاجا لمشاكل العراق؟.
   ان ثقافة التسامح هي الحل الأنجع للأزمة التي يمر بها العراق، فالعنف والتحدي وسياسات الانتقام والثأر والانشداد الى الماضي من دون التطلع الى المستقبل والفرض والاكراه، ان كل ذلك لا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا، ولذلك فان علينا جميعا، كعراقيين، أن نعمل على اشاعة روح التسامح القائمة على الاعتراف بالآخر والتنازل أحيانا، اذا اقتضت المصلحة العليا، عن بعض حقوقي للآخرين من أجل تهدئة المخاوف وتطمين النفوس المسكونه بالرعب من الحاضر الجديد، والى هذا المعنى أشارت الآية الكريمة في كتاب الله العزيز والتي تقول{ان الله يأمر بالعدل والاحسان} فالعدل، كما هو معروف، يعني أن يأخذ كل ذي حق حقه، أما المعروف، فهو أن يتنازل صاحب الحق عن بعض حقوقه، وبطيب خاطر، الى الآخر من أجل تحقيق مصلحة عليا أكبر من هذا الحق أو ذاك، وهذا ما نحتاجه اليوم في العراق الجديد.
   ليس هناك أية مشكلة في أن يجهر المواطن بموالاته لأي كان، وان كان للطاغية الذليل، اذ أن من حق كل مواطن أن يعتقد بما يشاء، شريطة أن لا يلجأ الى السلاح لفرض ما يعتقد به هو شخصيا على الآخرين، فذلك هو الخط الأحمر الذي لا يجوز تجاوزه والتورط فيه أبدا.
   لقد قرأت قبل أيام، عبارة يتخذها أحد المواقع الالكترونية العراقية شعارا له، تقول العبارة{نحترم الآخر ولو اعتقد بحجر، لكن، أن يرمينا به، فسنرد الحجر من حيث أتى}.
   ما أحلى وأجمل وأروع هذه العبارة بمفهومها الانساني، وكم أتمنى أن يتخذها العراقيون شعارا لهم ينقشونه بماء الذهب ويعلقونه في بيوتهم ومكاتبهم وأماكن عملهم، لتتحول الى واقع فعلي يتعايش معهم، فليؤمن العراقي بما يراه صحيحا، اذ ليس لأي أحد سلطة على قلوب وعقول ووعي الناس، شريطة أن يحترم آراء الاخرين وخياراتهم وما يؤمنون ويعتقدون به، أما أن تؤمن أنت بما تراه صحيحا وتمنعني من أن أعتقد بما أراه أنا صحيحا، فذلك هو الظلم بعينه، والذي  ينبغي أن لا نتورط فيه.
   كذلك، فان من حقك أن تؤمن وتعتقد بما تراه صحيحا من آراء وأفكار ومبادئ، بل وحتى أشخاص، أما أن تلجأ الى العنف والارهاب والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة لترغمني على الاعتقاد والايمان بما تعتقد وتؤمن به، فهذا ما سأقاومه لا زال في عرق ينبض بالحياة، فاذا كان من حقك أن تؤمن بما تشاء، فبالتاكيد ليس من حقك أن ترغم الآخرين على الايمان بما تؤمن به، أبدا.
   ليؤمن ويعتقد كل عراقي بما يشاء، وليكن الحوار وقوة المنطق والدليل والاعتراف بالآخر، هو سلاحنا الفعال والأمضى في الاقناع وتغيير وجهات النظر.
   بدوره، فان ذلك بحاجة الى أن يتعلم العراقيون فن الاصغاء، فكما يحب الانسان أن يصغ اليه الآخرون عندما يتكلم، عليه كذلك أن يتذكر بأن الآخرين، كذلك، يحبون أن يصغي اليهم عندما يتحدثون، فاذا تعلمنا جميعا فن الاصغاء بنفس الدرجة التي نعرف فيها فن الحديث، فسنكون قد قطعنا أشواطا مهمة على طريق الحوار والاعتراف بالآخر والجدال بالتي هي أحسن.
   وأخيرا:
شكرا جزيلا للأخت الكريمة السيدة نوال اليوسف، وشكرا لموقع (سعوديات نت) الالكتروني لاتاحته لي هذه الفرصة الثمينة لأتحدث بها الى رواد الموقع والى كل من سيقرأ الحوار.
   متمنيا التوفيق والسداد للجميع.
   
   8 حزيران 2006

 [/b]

25
نـــــــــزار حيدر لصحيفة (الصباح) البغدادية:

الثقافة بصيرة المجتمع والمثقف بصره
[/size]

التالي، هو نص جواب نــــــــــــــــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، على سؤال صحيفة (الصباح) البغدادية، بشأن دور المثقف العراقي، وما اذا كان من الممكن ان ينخرط في السلطة من دون ان تؤثر على ادائه ودوره؟ وذلك ضمن استقراء أجرته الصحيفة من خلال محاورة عدد من العراقيين المهتمين بهذا الشأن

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

السؤال:

هل يحجب المنصب السياسي والاداري، دور المثقف العراقي، في استئناف مشروعه الثقافي؟.

الجواب:

   المثقف هو ضمير المجتمع الحي، وعينه الساهرة، وقلبه الذي ينبض بالحياة من دون كلل أو ملل.
   انه النتاج الذي لا يتوقف، والمستشار المؤتمن، والرقيب الشجاع، الذي يعرف كيف ومتى يقول نعم أو لا، لما يجري في المجتمع.
   انه كالمصفاة التي لا تسمح لذرات التراب والحصى الصغيرة، أن تمر مع الرز الى الطعام.
   واذا كانت الثقافة هي بصيرة المجتمع، فان المثقف هو بصره الذي يجب أن يبقى سالما من أي عيب أو مرض، من أجل أن يتمكن من رؤية الأشياء بشكل صحيح، من دون عمى أو غبش يؤثر على الرؤية، فلو أصيبت العين (المثقف هنا) بالرمد، فسوف يفقد المجتمع قابليته على الرؤية.
   ولكل ذلك، يجب أن يتحلى المثقف بكامل الحرية والاستقلال والارادة والضمير الحي، حتى لا ينهار أمام اغراءات السلطة وزبارج الموقع، ولا يخشى سوط الجلاد أو دعايات الظلاميين والمتخلفين، أو تهديدات مجموعات العنف والارهاب.
   ومن أجل أن يحتفظ المثقف بدوره الحقيقي في المجتمع، عليه:
   أولا؛ أن لا يحد نفسه بالخطوط الحمراء المصطنعة، فلا يكون الا الله والضمير، رقيباه الحقيقيان، أما رقابة السلطة والحزب والعشيرة والمجاملة والمحاباة والترضيات، فان كلها خطوط حمراء مصطنعة، غير حقيقية وكاذبة، اذا استسلم لها المثقف فستسلب منه الارادة، وتحوله الى مجرد (مثقف) سلطوي كما هو حال مثقفي السلطات في البلاد العربية على وجه التحديد، ممن تهاون مع الخطوط الحمراء وظل يتنازل لها الى أن وصل الى الحضيض، فراح يبرر للأنظمة الديكتاتورية استبدادها، وللحاكم الطاغي جبروته، بعد أن خسر موقعه الحقيقي في المجتمع، وتحول الى صولجان بيد الحاكم، يبرر له كل أفعاله، ويقلب المفاهيم رأسا على عقب، فالهزائم تحولت الى انتصارات باهرة، والمجرم تحول الى بطل قومي لا يضاهى، وسجناء الرأي تحولوا الى مجرمين ولصوص، وحفلات التعذيب والقتل والذبح الطائفي تحولت الى جهاد في سبيل الله أو مقاومة ضد عدو وهمي لا يوجد الا في مخيلة فقهاء السلطان ومثقفيه المأجورين، وهكذا، حتى انهارت الأمة ووصلت الى حضيض ما هي عليه الآن، من تخلف وأمية وتراجع مدني وحضاري مرعب.
   ثانيا؛ اذا تعارضت حرية المثقف وارادته، مع أي موقع من مواقع السلطة، فعليه أن لا يتردد قيد أنملة في اختيار الأولى ورفض الثانية، لأن قيمة المثقف ومصداقيته بالحرية وليس بالموقع، فحريته كيانه الذي يجب أن لا يفرقه عنه الا الموت، وروحه التي تسري في عروقه مع الدم، أما الموقع فليس أكثر من كيان مؤقت لا يجوز للمثقف أن يستبدله بحقيقة وجوده، وأعني بها حريته وارادته.
   يجب أن لا يجد المثقف نفسه الا في الحرية.
   قديما كان السلطان أو الخليفة يأمر بقطع لسان المثقف اذا ضاق به ذرعا، وكان المقصود بعبارة قطع اللسان، هو أن تصل اليه منه عن طريق زبانيته صرة من الذهب أو الدنانير، تكسر قلمه وتخرس لسانه، وتعطل ضميره الى اشعار آخر، أو كان يقصد بالعبارة، أحيانا، منحه موقعا في السلطة، يخجل بعده الجهر برأيه اذا كان مخالفا لارادة السلطان أو الخليفة، ولقد كان أكثر المثقفين، آنئذ، يستسلمون لاغراء السلطة، فيسلموا السنتهم الى جلاد المال أو الموقع ليقطعه والى الأبد، أما من رحم ربي، وقليل ما هم، فكانوا يصمدون أمام اغراء السلطان، فيرفضون تسليم ضميرهم اليه، ويرفضون المال والموقع عندما يكون ثمنا لسكوتهم أو تنازلهم عن حريتهم وارادتهم، وبالتالي موقعهم الحقيقي في المجتمع، بالرغم من أن صمودهم هذا، كان يكلفهم الكثير، فكانوا في أحيان كثيرة، يفقدون حياتهم، أو يقضون ما بقي منها في قعر السجون أو غياهب المعتقلات.
   ثالثا؛ لا شئ يزين المثقف ونتاجه مثل الحرية وروح المسؤولية والارادة الصلبة التي لا تستسلم لشئ الا للحق ولكل ما هو صحيح من رؤى وأفكار.
   فالسلطة لا تزين المثقف أبدا، كما أن الجاه والمال والموقع، ان كل ذلك لا يزينه البتة، ولذلك يجب على المثقف أن لا يتهالك على أي شئ من هذا، خاصة عندما تأتي على حساب رؤيته الصحيحة للأشياء.
   ان العراق اليوم بحاجة الى المثقف، أكثر من حاجته لأي واحد آخر، لأن العراقيين اليوم بحاجة الى من يتعاون معهم على تحديد المسير القويم برؤية صحيحة، شجاعة ومسؤولة، كما أنهم بحاجة الى من ينبههم الى مخاطر الطريق، ويساعدهم على كشف الخيط الابيض من الخيط الاسود الذي يفصل بين الحق والباطل، بين الصحيح والخطأ، كما أنهم بحاجة الى من يساعدهم على مراقبة السلطة وأداء المسؤولين، فلو انخرط المثقف في مشروع السلطة، مستسلما، فمن الذي، يا ترى، سيؤدي كل هذه الادوار؟.
   العراقيون بحاجة الى المثقف الحقيقي، وليس الى أنصاف المثقفين من الذين يتميزون بقدرات عجيبة وخارقة على استبدال جلودهم وألوانهم وولاءاتهم بين عشية وضحاها.
   انهم بحاجة الى المثقف الشجاع، الذي يحمل روحه على راحتيه ويدور بها في الأسواق بحثا عن الحقيقة، وليس الى من يحمل بضاعة مزجاة يدور بها على أبواب المسؤولين، يبيعها لمن يدفع أكثر، مالا أو موقعا، لا فرق.
   رابعا؛ لا يزين المثقف الا عقله، فاذا أقفل عليه، وسرحه الى حين ومنحه اجازة مفتوحة، انتهى أمره ودوره المأمول.
   لذلك أعتقد، لو تعارضت حرية المثقف في قول ما يعتقده صحيحا، مع أي شئ، ولم يكن أمامه الا السكوت على أن لايتفوه بالباطل ارضاءا للسلطان، فعليه أن يختار السكوت، فبه يصون دوره ومصداقيته، فتأجيل قول الرأي الذي يعتقد به المثقف، الى حين، أفضل بكثير من قول الباطل الذي لا يؤمن به، والتأجيل مكرها أسلم من قول الزور مكرها، اليس كذلك؟.
   خامسا؛ وأخيرا، فان على المجتمع تقع مسؤولية تمكين المثقف من أداء دوره، من خلال احتضانه، وعدم تركه معوزا لحاجة، حتى لا يضطر الى ترك ضميره في البيت، ذاهبا عائدا من والى قصر السلطان، بحثا عن لقمة العيش، ولنتذكر جميعا، بأن قيمة المجتمعات ووزنها ووجودها ودورها وكيانها الحقيقي ومنزلتها بين الأمم، انما تقاس بمثقفيها، نوعا وعددا، ولذلك يلزم على العراقيين احتضان مثقفيه، وعدم التفريط بهم وتسليمهم الى القدر.
   لقد حاول عدد كبير من المثقفين العراقيين، أن يجدوا موقعهم الطبيعي في العراق الجديد، الا أنهم اصطدموا، وللأسف الشديد، بعقبات كثيرة، تقف على رأسها الحزبية والمحاصصة والتوافقات السياسية التي تركت ضلالها على مختلف مرافق الحياة العراقية.
   ان من حق المثقف، اذا أراد أن يواصل مشروعه الثقافي، أن يتمسك باستقلاليته، من دون أن يعني ذلك معاداته لأي طرف سياسي من الأطراف الفرقاء، فلماذا يحاربونه على ذلك؟ ولماذا يأخذون عليه تشبثه بالاستقلالية في التفكير والرؤية والقرار؟.
   يريدونه مثقفا تحت الطلب، يمدح متى ما فرحوا، ويذم متى ما غضبوا، وهم بذلك يحطمون الثقافة ويدمرون المشروع الثقافي، وان المثقف الحقيقي يرفض هذا النوع من الأدوار، دور الامعات، وان كلفه ذلك حياته التي بين جنبيه.
   ان من حق المثقف أن يبقى مستقلا عن أي قرار أو اتجاه سياسي، وعلى الجميع أن يتعامل مع هذه الحقيقة كشئ صحيح وأمر سليم، فلا يحاربونه على ذلك، فيتوسلون التسقيط والتهديد والتخوين والاتهام، بمجرد أنه يرفض الانتماء أو لا يقبل أن يحسب على تيار سياسي ما، اذ يكفي المثقف أنه مع الاتجاه العام الذي تختاره أغلبية الشعب العراقي، وليس عليه، بعد ذلك، أن ينتمي الى التفاصيل، أو أن يعلن ولاءه لها، فان ذلك يعيق مشروعه الثقافي، ان عاجلا أم آجلا، ولذلك فهو يسعى الى الاحتفاظ بموقعه الطبيعي في المجتمع، باذلا لذلك قصارى جهده من أجل أن يستقيم مشروعه الثقافي فلا يركل بأقدام الآخرين.

   15 حزيران 2006
   
    [/b]

26
نـــــــــزار حيدر لصحيفة (الصباح) البغدادية:

الثقافة بصيرة المجتمع والمثقف بصره
[/color][/size]


التالي، هو نص جواب نــــــــــــــــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، على سؤال صحيفة (الصباح) البغدادية، بشأن دور المثقف العراقي، وما اذا كان من الممكن ان ينخرط في السلطة من دون ان تؤثر على ادائه ودوره؟ وذلك ضمن استقراء أجرته الصحيفة من خلال محاورة عدد من العراقيين المهتمين بهذا الشأن

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

السؤال:

هل يحجب المنصب السياسي والاداري، دور المثقف العراقي، في استئناف مشروعه الثقافي؟.

الجواب:

   المثقف هو ضمير المجتمع الحي، وعينه الساهرة، وقلبه الذي ينبض بالحياة من دون كلل أو ملل.
   انه النتاج الذي لا يتوقف، والمستشار المؤتمن، والرقيب الشجاع، الذي يعرف كيف ومتى يقول نعم أو لا، لما يجري في المجتمع.
   انه كالمصفاة التي لا تسمح لذرات التراب والحصى الصغيرة، أن تمر مع الرز الى الطعام.
   واذا كانت الثقافة هي بصيرة المجتمع، فان المثقف هو بصره الذي يجب أن يبقى سالما من أي عيب أو مرض، من أجل أن يتمكن من رؤية الأشياء بشكل صحيح، من دون عمى أو غبش يؤثر على الرؤية، فلو أصيبت العين (المثقف هنا) بالرمد، فسوف يفقد المجتمع قابليته على الرؤية.
   ولكل ذلك، يجب أن يتحلى المثقف بكامل الحرية والاستقلال والارادة والضمير الحي، حتى لا ينهار أمام اغراءات السلطة وزبارج الموقع، ولا يخشى سوط الجلاد أو دعايات الظلاميين والمتخلفين، أو تهديدات مجموعات العنف والارهاب.
   ومن أجل أن يحتفظ المثقف بدوره الحقيقي في المجتمع، عليه:
   أولا؛ أن لا يحد نفسه بالخطوط الحمراء المصطنعة، فلا يكون الا الله والضمير، رقيباه الحقيقيان، أما رقابة السلطة والحزب والعشيرة والمجاملة والمحاباة والترضيات، فان كلها خطوط حمراء مصطنعة، غير حقيقية وكاذبة، اذا استسلم لها المثقف فستسلب منه الارادة، وتحوله الى مجرد (مثقف) سلطوي كما هو حال مثقفي السلطات في البلاد العربية على وجه التحديد، ممن تهاون مع الخطوط الحمراء وظل يتنازل لها الى أن وصل الى الحضيض، فراح يبرر للأنظمة الديكتاتورية استبدادها، وللحاكم الطاغي جبروته، بعد أن خسر موقعه الحقيقي في المجتمع، وتحول الى صولجان بيد الحاكم، يبرر له كل أفعاله، ويقلب المفاهيم رأسا على عقب، فالهزائم تحولت الى انتصارات باهرة، والمجرم تحول الى بطل قومي لا يضاهى، وسجناء الرأي تحولوا الى مجرمين ولصوص، وحفلات التعذيب والقتل والذبح الطائفي تحولت الى جهاد في سبيل الله أو مقاومة ضد عدو وهمي لا يوجد الا في مخيلة فقهاء السلطان ومثقفيه المأجورين، وهكذا، حتى انهارت الأمة ووصلت الى حضيض ما هي عليه الآن، من تخلف وأمية وتراجع مدني وحضاري مرعب.
   ثانيا؛ اذا تعارضت حرية المثقف وارادته، مع أي موقع من مواقع السلطة، فعليه أن لا يتردد قيد أنملة في اختيار الأولى ورفض الثانية، لأن قيمة المثقف ومصداقيته بالحرية وليس بالموقع، فحريته كيانه الذي يجب أن لا يفرقه عنه الا الموت، وروحه التي تسري في عروقه مع الدم، أما الموقع فليس أكثر من كيان مؤقت لا يجوز للمثقف أن يستبدله بحقيقة وجوده، وأعني بها حريته وارادته.
   يجب أن لا يجد المثقف نفسه الا في الحرية.
   قديما كان السلطان أو الخليفة يأمر بقطع لسان المثقف اذا ضاق به ذرعا، وكان المقصود بعبارة قطع اللسان، هو أن تصل اليه منه عن طريق زبانيته صرة من الذهب أو الدنانير، تكسر قلمه وتخرس لسانه، وتعطل ضميره الى اشعار آخر، أو كان يقصد بالعبارة، أحيانا، منحه موقعا في السلطة، يخجل بعده الجهر برأيه اذا كان مخالفا لارادة السلطان أو الخليفة، ولقد كان أكثر المثقفين، آنئذ، يستسلمون لاغراء السلطة، فيسلموا السنتهم الى جلاد المال أو الموقع ليقطعه والى الأبد، أما من رحم ربي، وقليل ما هم، فكانوا يصمدون أمام اغراء السلطان، فيرفضون تسليم ضميرهم اليه، ويرفضون المال والموقع عندما يكون ثمنا لسكوتهم أو تنازلهم عن حريتهم وارادتهم، وبالتالي موقعهم الحقيقي في المجتمع، بالرغم من أن صمودهم هذا، كان يكلفهم الكثير، فكانوا في أحيان كثيرة، يفقدون حياتهم، أو يقضون ما بقي منها في قعر السجون أو غياهب المعتقلات.
   ثالثا؛ لا شئ يزين المثقف ونتاجه مثل الحرية وروح المسؤولية والارادة الصلبة التي لا تستسلم لشئ الا للحق ولكل ما هو صحيح من رؤى وأفكار.
   فالسلطة لا تزين المثقف أبدا، كما أن الجاه والمال والموقع، ان كل ذلك لا يزينه البتة، ولذلك يجب على المثقف أن لا يتهالك على أي شئ من هذا، خاصة عندما تأتي على حساب رؤيته الصحيحة للأشياء.
   ان العراق اليوم بحاجة الى المثقف، أكثر من حاجته لأي واحد آخر، لأن العراقيين اليوم بحاجة الى من يتعاون معهم على تحديد المسير القويم برؤية صحيحة، شجاعة ومسؤولة، كما أنهم بحاجة الى من ينبههم الى مخاطر الطريق، ويساعدهم على كشف الخيط الابيض من الخيط الاسود الذي يفصل بين الحق والباطل، بين الصحيح والخطأ، كما أنهم بحاجة الى من يساعدهم على مراقبة السلطة وأداء المسؤولين، فلو انخرط المثقف في مشروع السلطة، مستسلما، فمن الذي، يا ترى، سيؤدي كل هذه الادوار؟.
   العراقيون بحاجة الى المثقف الحقيقي، وليس الى أنصاف المثقفين من الذين يتميزون بقدرات عجيبة وخارقة على استبدال جلودهم وألوانهم وولاءاتهم بين عشية وضحاها.
   انهم بحاجة الى المثقف الشجاع، الذي يحمل روحه على راحتيه ويدور بها في الأسواق بحثا عن الحقيقة، وليس الى من يحمل بضاعة مزجاة يدور بها على أبواب المسؤولين، يبيعها لمن يدفع أكثر، مالا أو موقعا، لا فرق.
   رابعا؛ لا يزين المثقف الا عقله، فاذا أقفل عليه، وسرحه الى حين ومنحه اجازة مفتوحة، انتهى أمره ودوره المأمول.
   لذلك أعتقد، لو تعارضت حرية المثقف في قول ما يعتقده صحيحا، مع أي شئ، ولم يكن أمامه الا السكوت على أن لايتفوه بالباطل ارضاءا للسلطان، فعليه أن يختار السكوت، فبه يصون دوره ومصداقيته، فتأجيل قول الرأي الذي يعتقد به المثقف، الى حين، أفضل بكثير من قول الباطل الذي لا يؤمن به، والتأجيل مكرها أسلم من قول الزور مكرها، اليس كذلك؟.
   خامسا؛ وأخيرا، فان على المجتمع تقع مسؤولية تمكين المثقف من أداء دوره، من خلال احتضانه، وعدم تركه معوزا لحاجة، حتى لا يضطر الى ترك ضميره في البيت، ذاهبا عائدا من والى قصر السلطان، بحثا عن لقمة العيش، ولنتذكر جميعا، بأن قيمة المجتمعات ووزنها ووجودها ودورها وكيانها الحقيقي ومنزلتها بين الأمم، انما تقاس بمثقفيها، نوعا وعددا، ولذلك يلزم على العراقيين احتضان مثقفيه، وعدم التفريط بهم وتسليمهم الى القدر.
   لقد حاول عدد كبير من المثقفين العراقيين، أن يجدوا موقعهم الطبيعي في العراق الجديد، الا أنهم اصطدموا، وللأسف الشديد، بعقبات كثيرة، تقف على رأسها الحزبية والمحاصصة والتوافقات السياسية التي تركت ضلالها على مختلف مرافق الحياة العراقية.
   ان من حق المثقف، اذا أراد أن يواصل مشروعه الثقافي، أن يتمسك باستقلاليته، من دون أن يعني ذلك معاداته لأي طرف سياسي من الأطراف الفرقاء، فلماذا يحاربونه على ذلك؟ ولماذا يأخذون عليه تشبثه بالاستقلالية في التفكير والرؤية والقرار؟.
   يريدونه مثقفا تحت الطلب، يمدح متى ما فرحوا، ويذم متى ما غضبوا، وهم بذلك يحطمون الثقافة ويدمرون المشروع الثقافي، وان المثقف الحقيقي يرفض هذا النوع من الأدوار، دور الامعات، وان كلفه ذلك حياته التي بين جنبيه.
   ان من حق المثقف أن يبقى مستقلا عن أي قرار أو اتجاه سياسي، وعلى الجميع أن يتعامل مع هذه الحقيقة كشئ صحيح وأمر سليم، فلا يحاربونه على ذلك، فيتوسلون التسقيط والتهديد والتخوين والاتهام، بمجرد أنه يرفض الانتماء أو لا يقبل أن يحسب على تيار سياسي ما، اذ يكفي المثقف أنه مع الاتجاه العام الذي تختاره أغلبية الشعب العراقي، وليس عليه، بعد ذلك، أن ينتمي الى التفاصيل، أو أن يعلن ولاءه لها، فان ذلك يعيق مشروعه الثقافي، ان عاجلا أم آجلا، ولذلك فهو يسعى الى الاحتفاظ بموقعه الطبيعي في المجتمع، باذلا لذلك قصارى جهده من أجل أن يستقيم مشروعه الثقافي فلا يركل بأقدام الآخرين.

   15 حزيران 2006
   
    [/b]

27
ما قبل حل الميليشيات
نــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   لا يجادل عاقل، على أن وجود الميليشيات المسلحة في أي بلد، يتناقض والديمقراطية، وهي مصدر تهديد دائم لأمن واستقرار البلد، كما أن وجودها  علامة الفوضى وضعف الحكومة المركزية وفشلها في توفير الأمن للمواطن، كما أنها دليل الانفلات الأمني، واشارة واضحة الى البطالة والتسيب التعليمي، الذي يجعل من الشباب والمراهقين، المادة الدسمة للتجنيد في صفوفها.
   بكلمة أخرى وموجزة، انها شر في شر في شر.
   فالسلاح المنفلت بيد الناس يعرض المواطن للارهاب والقلق الدائم، كما أنه يعرقل عمل مؤسسات الحكومة، ويسلب من مؤسسات المجتمع المدني كل الفرص المتاحة والمتوقعة لبناء البلد على الأسس الدستورية والقانونية المدنية.
   ولكل ذلك حول نظام الطاغية الذليل صدام حسين البائد، العراق الى كتل متعددة من الميليشيات الموزعة في طول البلاد وعرضها، وبأسماء ومسميات مختلفة، كان الهدف منها ارعاب الناس وارهابهم، وسطوة زبانيته وأزلامه على أرواح الناس وممتلكاتهم وأعراضهم، وتسخير كل شئ لخدمة القائد الضرورة، فكان السلاح بيد هذه المليشيات، وسائل العبث المفضلة عند النظام للعب بمقدرات البلاد والعباد.
   انها سياسة الأنظمة الشمولية التي تعسكر المجتمع، لتبقى متمسكة في السلطة.
   أما في العراق الجديد، فيلزم أن تختفي كل المظاهر المسلحة من الشارع، وتنحصر مسؤولية استخدام السلاح بيد الحكومة فقط، لأن السلاح المنفلت ليس دليلا على تمتع المواطن بالحرية والأمن، كما أنه ليس دليلا على انشغال الناس بمعاشهم.
   في العراق الجديد، يجب أن يكون المنطق هو السلاح الوحيد في أيدي الناس (حاكمون ومحكومون) أما السلاح فبيد القانون فقط، ليضرب به على أيدي المجرمين والخارجين عليه، ممن يريدون العبث بأمن الوطن والمواطن.
   لا نريد السلاح وسيلة الوصول الى السلطة، ولا نريده وسيلة الحوار بين الفرقاء أو بين الناس، ولا نريده مشاعا بيد القتلة والمجرمين، ولا نريده سيفا مسلطا على رقاب المعارضة، لا نريده كل ذلك، انما نريده فقط آخر الوسائل التي يلجأ اليها القانون لفرض ارادته وسيادته على الناس، كل الناس من دون تمييز.
  ولكن:
   ما يؤسف له حقا، هو أن السلاح بقي مشاعا بيد القتلة والارهابيين ومجموعات العنف والارهاب والجماعات التكفيرية وأيتام النظام البائد، يسيطرون به على مناطق شاسعة من العراق بعيدا عن ارادة الحكومة، يقتلون به الناس ويذبحون به ضحاياهم ويرعبون به الأبرياء، ويسعون به الى فرض أجنداتهم (السياسية) من خلال تسخير عناصر توصف بالسياسية الا أنها في حقيقة الأمر مطايا بيد مجموعات العنف والارهاب، يسخرونها كيف ومتى يشاؤون، نجحت لحد الآن في اختراق العملية السياسية، فجلس بعضهم تحت قبة البرلمان، وجلس آخرون على مقاعد الحكومة الجديدة، حتى باتوا مصداق قول الله عز وجل {ويسعون في الارض الفساد}.
   ظل السلاح بيد نفس الميليشيات التي شكلها النظام البائد، وبالتحالف مع التكفيريين الغرباء القادمين من خلف الحدود، تغذيهم بالسلاح والمال والفتاوى الطائفية التكفيرية والدعم المخابراتي واللوجستي، مجموعات من (رجال دين) طائفيين وأسر حاكمة في المنطقة وأجهزة مخابرات اقليمية ودولية، تتربص بالعراق وشعبه الدوائر، ولا تريد لهم الخير.
   لقد فشلت الحكومات العراقية التي تعاقبت على الحكم في بغداد، منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام (2003) ولحد الآن، في نزع أسلحة هذه الميليشيات وتفكيك خلاياها الارهابية الخطيرة، وقطع دابرها وتشريد من يقف خلفهم، يدعمهم بكل وسائل الاستمرار وأسباب الديمومة.
   انها فشلت في حماية أرواح المواطنين وتأمين الاستقرار لهم، فظل العراقي يقتل ويذبح ويقطع رأسه ليل نهار، من دون بصيص أمل، أو أفق في المستوى المنظور.
   هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان فشل الحكومات المتعاقبة في الاقتصاص من قتلة الشعب العراقي وجلاديه، وتحديد خطرهم على المواطن المسكين، والغاء دورهم في الحياة العامة، ان كل ذلك، دفع ببعض ضحايا النظام البائد، الى التفكير في حمل السلاح دفاعا عن النفس والاقتصاص من أزلام النظام البائد وزبانيته.
   انها معادلة طبيعية، وان كانت خطأ، فعندما تعجز الحكومة عن حماية الانسان، وتفشل في ابعاد خطر القتلة والمجرمين والارهابيين عن حياة المواطن، وعندما لا تقدر على الالتزام بتعهداتها أمام المواطن العراقي، والتي تقف على رأسها الأمن، يكون السلاح المنفلت هو البديل عند عامة الناس، أما الذين لا يريدون الانجرار الى مصيدة السلاح المنفلت، فتراه يختار الهجرة الى خارج الوطن، تاركا مسقط رأسه وأرض صباه وكل ما يملك من مال وأهل وأصدقاء، ليرحل الى أرض الله الواسعة، حيث البلاد التي تحمله، ولذلك ازداد عدد المهاجرين قسرا ورغما عن العراق بشكل مرعب لم يشهد تاريخ العراق مثيلا له، وفيهم الكثير الكثير جدا من الكفاءات العلمية والاختصاصات النادرة، وكل ذلك بسبب الانفلات الأمني وفشل الحكومات المتعاقبة في حماية أرواحهم، وبذلك يكون العراق قد خسر أفضل ما يملك من الطاقات والكفاءات، القادرة بشكل كبير على اعادة بناء العراق، بسبب استنزاف طاقاته وهجرة العقول عنه.
   فمن أين يبدأ الحل يا ترى؟.
   ان كل من يتحدث اليوم في العراق عن الأمن، يبدأ حديثه عن موضوعة حل الميليشيات، فهو في الحقيقة يتحدث عن النتائج ولا يحاول الاشارة الى الأسباب أبدا.
   انهم يريدون أن يبدأوا من الضحية، ويتركون الجلاد والقاتل والمجرم، يريدون البدء من سلاح الضحية الذي ما كان يفكر بحمله ابدا اذا ما وفرت  له الحكومة الأمن والسلام، فيطالبون الضحية بنزع سلاحه فيما لا زال الجلاد متخم من قمة رأسه الى أخمص قدميه بالسلاح، كما ونوعا، فهل يعقل أن تنجح الخطة بهذه الطريقة؟.
   بالتاكيد كلا وألف كلا؟.
   على الحكومة العراقية أولا أن تبدأ مشروعها الأمني وخطتها الأمنية المفترضة والموعودة، من مجموعات القتل والارهاب والعنف، فتنزع أسلحتها وتزيل خطرها المحدق بالعراق والعراقيين، وتقطع دابرها، وتكشف عن كل الجهات الاقليمية والدولية التي تقف وراءها، فاذا شعر الناس بالأمان، بادروا الى وضع أسلحتهم جانبا.
   اذ هل يعقل أن تطالب الضحية الخائفة على نفسها والمهددة دائما وأبدا من قبل القتلة والمجرمين، تطالبها بنزع سلاحها، ومن حوله مجموعات ضخمة من القتلة المحترفين والمجرمين المتمرسين، مدججين بالسلاح ؟.
   هل يعقل أن تطالب الحكومة، ضحايا العنف والارهاب بنزع سلاحهم، قبل أن تنزع الحكومة سلاح القتلة والمجرمين؟ وتوفر لهم الأمن؟.
   هل يعقل أن تطارد الضحية الذي يريد أن يدافع عن نفسه بسلاح بسيط، وتريد أن تقلع سنه الوحيد، قبل أن تقلع أنياب الارهابيين، وتحطم أسنانهم الحديدية التي تقطر دما عبيطا؟.
   ان الحكومة العاجزة عن حماية أرواح الناس من عبث الارهابيين، لا يحق لها أن تدعو الضحايا الى عدم الدفاع عن النفس بالامكانات المتاحة، أبدا.
   انه من العبث بمكان، ومن السذاجة والبساطة، أن يبادر الضحية الى الكشف عن ظهره، للارهابيين والقتلة، خاصة عندما يشعر بأن الحكومة ذاتها عاجزة عن حمايته، وغير قادرة على نزع سلاح ميليشيات أيتام النظام البائد، والمجموعات التكفيرية.
   أولم يقل أحد (الارهابيين السياسيين) أنه يرفض دعوة الارهابيين المسلحين لنزع أسلحتهم، قبل أن يطمئن الى أنه بالفعل لاعب حقيقي ومشارك فعلي في العملية السياسية (من دون أن يوضح طبعا ما اذا كان ذلك بصفته ممثلهم في العملية السياسية أم لا) فوصف العلاقة بين مشاركته الحقيقية في العملية السياسية ونزع سلاح الارهابيين، بأنها (صفقة واحدة)؟.
   انهم يبررون سلاح الارهابيين، بل يدافعون عنه، وينعتونه بـ (المقاومة) وهو الذي لا يستهدف الا العراقيين الأبرياء، ولكنهم يصفون الضحايا، ممن اضطروا لحمل السلاح دفاعا عن النفس، بالميليشيا، ما لهم كيف يحكمون؟ انها، والله، قسمة ضيزا؟.
   كلهم يتحدثون عن ميليشيا (شيعية) مزعزمة، ويطالبونها بنزع أسلحتها وحلها، ولكن لا أحد يتحدث عن ميليشيا بعثية صدامية تكفيرية ارهابية موجودة بالفعل، تجوب العراق من أقصاه الى أقصاه، وتعيث فسادا في أرض الرافدين الطاهرة، فلا أحد منهم يطالبها بنزع سلاحها، وتفكيك خلاياها التدميرية الخطيرة.
   أحد (الارهابيين السياسيين) قدم مشروعا، قال انه مقترح لحل معضلة العراق، تدعو بنوده الى نزع كل سلاح بيد العراقيين، وكذلك نزع سلاح أجهزة الشرطة والحرس الوطني، كما يطلب من القوات متعددة الجنسيات الاعلان عن وقف كل نشاطاتها العسكرية في كل العراق، وبكل أشكالها، وفي المقابل يدعو المشروع الى أن تحتفظ (المقاومة) بكامل سلاحها لحين حل الأزمة التي يمر بها العراق لأنه، كما يقول، خائف على هذه (المقاومة) (....).
   اذا لم يكن مثل هذا المشروع، محاولة مفضوحة لاعادة النظام الشمولي المباد، فماذا يمكن تسميته؟.
   والشئ بالشئ يذكر، قيل أن رجلا أراد أن يختبر ذكاء صديقه، فسأله السؤال التالي؛
   ما هو الشئ الذي شكله مدور، وغلافه الخارجي أخضر، وفي داخله حب رقي؟.
   لست ممن يدافع عن السلاح المنفلت، ولست ممن يرغب في أن يرى، ولو للحظة واحدة، مسلحا غير حكوميا يجوب الشوارع، ولست ممن يتجمل بقطعة سلاح، ولست ممن يتمنى أن يصغ الى لعلعة البارود، ولكنني، في نفس الوقت، لست ممن يرغب في خلط الأوراق، فيقبل بدعوة الضحايا الى وضع سلاحهم، في الوقت الذي يحتفظ فيه الارهابيون بكامل عدتهم وسلاحهم، انها سذاجة ما بعدها سذاجة، واستخفاف خطير بدماء الابرياء وحياتهم، وخديعة خطيرة لتعرية ظهر الناس بلا بديل.
   علينا أن لا ننجر الى اعلام الارهابيين ودعاية من يقف وراءهم، ولنحذر الحرب النفسية التي أعلنوها ضد ضحايا النظام البائد، فلا نتحدث عن ميليشيات مزعومة، ونغض الطرف عن مليشيات موجودة بالفعل.
   اذ كيف يحق لأحد أن يدعو الضحية الى عدم الدفاع عن نفسها، وأخذ الحيطة والحذر، في الوقت الذي يرى فيه الحكومة عاجزة عن حماية الناس وأرواحهم؟ وكيف يرضى عاقل باسقاط سلاح الضحية، ومن حوله كواسر تتحين الفرصة لتنهش بلحمه؟ انها الخيانة والسذاجة والجهل والاستخفاف بأرواح الناس، أليس كذلك؟.
   ترى، ماذا ستجيب الحكومة العاجزة عن الدفاع عن شعبها، اذا داهم مسلحون ارهابيون محلة ما مثلا، وأوقعوا في أهلها القتل والذبح والتدمير؟ بعيد مطالبة أهلها بنزع سلاحها فورا؟ بل ماذا أجابت الحكومة الناس عندما داهم الارهابيون التكفيريون مقدساتهم في مدينة سامراء، مثلا؟ وهي التي كانت ترفض أن يدافعوا عنها بأنفسهم، بعد أن عجزت عن تأمين الحماية اللازمة لها؟.
   لا تكونوا مثاليين، ولا تفكروا بسذاجة، اقطعوا دابر الارهابيين أولا، وانزعوا سلاح التكفيريين وأيتام النظام البائد، وبعدها سيختفي سلاح المدافعين عن أنفسهم من تلقاء نفسه.
   البداية، اذن، تبدأ من حيث يتواجد سلاح مجموعات العنف والارهاب، ومن النقطة التي يتجمع فيها سلاح ميليشيات أيتام النظام البائد ومجموعات العنف والارهاب وسلاح التكفيريين القتلة الذين يريدون العودة بعقارب الزمن العراقي الى الوراء، وبعدها سأكون شخصيا، الضامن لنزع كل سلاح غير حكومي حمله ضحية من ضحايا النظام البائد للدفاع عن النفس، بعد أن يئس من قدرة الحكومات المتعاقبة على حمايته.
   ان الخلل لا يكمن في السلاح الذي يحمله المواطن دفاعا عن النفس، وانما في عجز الحكومة في الدفاع عنه، ما يضطره للبحث عن سبل الدفاع الذاتي، على اعتبار أن الأمن هو من أبرز مصاديق فلسفة وجود الحكومة، أية حكومة، في أي بلد في العالم، والا فليذهب الانسان الى الغاب يعيش فيها بين المخلوقات، يدافع عن نفسه بنفسه في اطار قانون الغاب، فالفرق بينه وبين قانون المجتمع هو حماية القانون، فاذا سقط هذا المبرر تحول المجتمع الى غابات متناثرة لا يحكمها قانون، انما سيد الموقف السلاح والمخالب والسكاكين.
   نقطة مهمة جدا يجب أن لا نغفل عنها هنا ونحن نتحدث عن السلاح المنفلت في العراق، وهي؛
   ان ما يبعث على الأسى والألم، هو أن بعض الضحايا الذين اضطروا لحمل السلاح دفاعا عن النفس، تورطوا بدماء ضحايا آخرين، أي أن بعض السلاح بدأ يخطئ هدفه الحقيقي، فبدلا من أن يكون وسيلة مؤقتة لدفع الضرر عن النفس، كحصانة ضد الارهابيين، واذا به يتحول الى سكين في خاصرة الأخ، وتلك هي الطامة الكبرى.
   يجب أن ينتبه الجميع الى هذا الأمر، والا تحول السلاح الى أداة لتصفية  الحسابات بين الفرقاء، وبين أصحاب الهدف الواحد والمصير الواحد، فتتكرر تجرية الفرقاء الكرد في تسعينات القرن الماضي، فكم قتل السلاح الكردي (المناضل) من أخوة النضال ورفاق الدرب؟ وهو الذي ما حمله المناضلون الكرد الا دفاعا عن أنفسهم ضد سياسات النظام الشمولي العنصري البائد؟.
   يجب حصر مهام السلاح في اطار الهدف الذي لجأ اليه المواطن، وهو الدفاع عن النفس، بعد أن استشعر عجز الحكومات المتعاقبة في الدفاع عنه، والمبادرة فورا للتخلي عنه، عندما يشعر المواطن ويلمس نجاعة الخطة الأمنية التي أعلنت عنها الحكومة الجديدة، وليس قبل الانجاز فالكلام كثير، أما الانجاز فقليل أو معدوم، حتى الآن على الأقل، اذ، وبصراحة أقول، أخشى أن يردد المواطن، القول العراقي المأثور{لا حظت بزوجها، ولا تزوجت سيد علي} اذا تخلى عن سلاحه، ولم تف الحكومة بوعودها الأمنية.
   أعيد قولي فأقول، ليحذر الجميع الفخ المنصوب والحفرة التي أمامهم، فلا يقعوا فيها، والا فسيكون الرابح في أي اقتتال بين الأخوة، هو خاسر في حقيقة الأمر، وعندها سيعظ الجميع على أصابعهم ندما {ولات حين مندم}.

   21 مايس 2006  [/b]  [/size] [/font] 
     

28
ما قبل حل الميليشيات
نــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   لا يجادل عاقل، على أن وجود الميليشيات المسلحة في أي بلد، يتناقض والديمقراطية، وهي مصدر تهديد دائم لأمن واستقرار البلد، كما أن وجودها  علامة الفوضى وضعف الحكومة المركزية وفشلها في توفير الأمن للمواطن، كما أنها دليل الانفلات الأمني، واشارة واضحة الى البطالة والتسيب التعليمي، الذي يجعل من الشباب والمراهقين، المادة الدسمة للتجنيد في صفوفها.
   بكلمة أخرى وموجزة، انها شر في شر في شر.
   فالسلاح المنفلت بيد الناس يعرض المواطن للارهاب والقلق الدائم، كما أنه يعرقل عمل مؤسسات الحكومة، ويسلب من مؤسسات المجتمع المدني كل الفرص المتاحة والمتوقعة لبناء البلد على الأسس الدستورية والقانونية المدنية.
   ولكل ذلك حول نظام الطاغية الذليل صدام حسين البائد، العراق الى كتل متعددة من الميليشيات الموزعة في طول البلاد وعرضها، وبأسماء ومسميات مختلفة، كان الهدف منها ارعاب الناس وارهابهم، وسطوة زبانيته وأزلامه على أرواح الناس وممتلكاتهم وأعراضهم، وتسخير كل شئ لخدمة القائد الضرورة، فكان السلاح بيد هذه المليشيات، وسائل العبث المفضلة عند النظام للعب بمقدرات البلاد والعباد.
   انها سياسة الأنظمة الشمولية التي تعسكر المجتمع، لتبقى متمسكة في السلطة.
   أما في العراق الجديد، فيلزم أن تختفي كل المظاهر المسلحة من الشارع، وتنحصر مسؤولية استخدام السلاح بيد الحكومة فقط، لأن السلاح المنفلت ليس دليلا على تمتع المواطن بالحرية والأمن، كما أنه ليس دليلا على انشغال الناس بمعاشهم.
   في العراق الجديد، يجب أن يكون المنطق هو السلاح الوحيد في أيدي الناس (حاكمون ومحكومون) أما السلاح فبيد القانون فقط، ليضرب به على أيدي المجرمين والخارجين عليه، ممن يريدون العبث بأمن الوطن والمواطن.
   لا نريد السلاح وسيلة الوصول الى السلطة، ولا نريده وسيلة الحوار بين الفرقاء أو بين الناس، ولا نريده مشاعا بيد القتلة والمجرمين، ولا نريده سيفا مسلطا على رقاب المعارضة، لا نريده كل ذلك، انما نريده فقط آخر الوسائل التي يلجأ اليها القانون لفرض ارادته وسيادته على الناس، كل الناس من دون تمييز.
  ولكن:
   ما يؤسف له حقا، هو أن السلاح بقي مشاعا بيد القتلة والارهابيين ومجموعات العنف والارهاب والجماعات التكفيرية وأيتام النظام البائد، يسيطرون به على مناطق شاسعة من العراق بعيدا عن ارادة الحكومة، يقتلون به الناس ويذبحون به ضحاياهم ويرعبون به الأبرياء، ويسعون به الى فرض أجنداتهم (السياسية) من خلال تسخير عناصر توصف بالسياسية الا أنها في حقيقة الأمر مطايا بيد مجموعات العنف والارهاب، يسخرونها كيف ومتى يشاؤون، نجحت لحد الآن في اختراق العملية السياسية، فجلس بعضهم تحت قبة البرلمان، وجلس آخرون على مقاعد الحكومة الجديدة، حتى باتوا مصداق قول الله عز وجل {ويسعون في الارض الفساد}.
   ظل السلاح بيد نفس الميليشيات التي شكلها النظام البائد، وبالتحالف مع التكفيريين الغرباء القادمين من خلف الحدود، تغذيهم بالسلاح والمال والفتاوى الطائفية التكفيرية والدعم المخابراتي واللوجستي، مجموعات من (رجال دين) طائفيين وأسر حاكمة في المنطقة وأجهزة مخابرات اقليمية ودولية، تتربص بالعراق وشعبه الدوائر، ولا تريد لهم الخير.
   لقد فشلت الحكومات العراقية التي تعاقبت على الحكم في بغداد، منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام (2003) ولحد الآن، في نزع أسلحة هذه الميليشيات وتفكيك خلاياها الارهابية الخطيرة، وقطع دابرها وتشريد من يقف خلفهم، يدعمهم بكل وسائل الاستمرار وأسباب الديمومة.
   انها فشلت في حماية أرواح المواطنين وتأمين الاستقرار لهم، فظل العراقي يقتل ويذبح ويقطع رأسه ليل نهار، من دون بصيص أمل، أو أفق في المستوى المنظور.
   هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان فشل الحكومات المتعاقبة في الاقتصاص من قتلة الشعب العراقي وجلاديه، وتحديد خطرهم على المواطن المسكين، والغاء دورهم في الحياة العامة، ان كل ذلك، دفع ببعض ضحايا النظام البائد، الى التفكير في حمل السلاح دفاعا عن النفس والاقتصاص من أزلام النظام البائد وزبانيته.
   انها معادلة طبيعية، وان كانت خطأ، فعندما تعجز الحكومة عن حماية الانسان، وتفشل في ابعاد خطر القتلة والمجرمين والارهابيين عن حياة المواطن، وعندما لا تقدر على الالتزام بتعهداتها أمام المواطن العراقي، والتي تقف على رأسها الأمن، يكون السلاح المنفلت هو البديل عند عامة الناس، أما الذين لا يريدون الانجرار الى مصيدة السلاح المنفلت، فتراه يختار الهجرة الى خارج الوطن، تاركا مسقط رأسه وأرض صباه وكل ما يملك من مال وأهل وأصدقاء، ليرحل الى أرض الله الواسعة، حيث البلاد التي تحمله، ولذلك ازداد عدد المهاجرين قسرا ورغما عن العراق بشكل مرعب لم يشهد تاريخ العراق مثيلا له، وفيهم الكثير الكثير جدا من الكفاءات العلمية والاختصاصات النادرة، وكل ذلك بسبب الانفلات الأمني وفشل الحكومات المتعاقبة في حماية أرواحهم، وبذلك يكون العراق قد خسر أفضل ما يملك من الطاقات والكفاءات، القادرة بشكل كبير على اعادة بناء العراق، بسبب استنزاف طاقاته وهجرة العقول عنه.
   فمن أين يبدأ الحل يا ترى؟.
   ان كل من يتحدث اليوم في العراق عن الأمن، يبدأ حديثه عن موضوعة حل الميليشيات، فهو في الحقيقة يتحدث عن النتائج ولا يحاول الاشارة الى الأسباب أبدا.
   انهم يريدون أن يبدأوا من الضحية، ويتركون الجلاد والقاتل والمجرم، يريدون البدء من سلاح الضحية الذي ما كان يفكر بحمله ابدا اذا ما وفرت  له الحكومة الأمن والسلام، فيطالبون الضحية بنزع سلاحه فيما لا زال الجلاد متخم من قمة رأسه الى أخمص قدميه بالسلاح، كما ونوعا، فهل يعقل أن تنجح الخطة بهذه الطريقة؟.
   بالتاكيد كلا وألف كلا؟.
   على الحكومة العراقية أولا أن تبدأ مشروعها الأمني وخطتها الأمنية المفترضة والموعودة، من مجموعات القتل والارهاب والعنف، فتنزع أسلحتها وتزيل خطرها المحدق بالعراق والعراقيين، وتقطع دابرها، وتكشف عن كل الجهات الاقليمية والدولية التي تقف وراءها، فاذا شعر الناس بالأمان، بادروا الى وضع أسلحتهم جانبا.
   اذ هل يعقل أن تطالب الضحية الخائفة على نفسها والمهددة دائما وأبدا من قبل القتلة والمجرمين، تطالبها بنزع سلاحها، ومن حوله مجموعات ضخمة من القتلة المحترفين والمجرمين المتمرسين، مدججين بالسلاح ؟.
   هل يعقل أن تطالب الحكومة، ضحايا العنف والارهاب بنزع سلاحهم، قبل أن تنزع الحكومة سلاح القتلة والمجرمين؟ وتوفر لهم الأمن؟.
   هل يعقل أن تطارد الضحية الذي يريد أن يدافع عن نفسه بسلاح بسيط، وتريد أن تقلع سنه الوحيد، قبل أن تقلع أنياب الارهابيين، وتحطم أسنانهم الحديدية التي تقطر دما عبيطا؟.
   ان الحكومة العاجزة عن حماية أرواح الناس من عبث الارهابيين، لا يحق لها أن تدعو الضحايا الى عدم الدفاع عن النفس بالامكانات المتاحة، أبدا.
   انه من العبث بمكان، ومن السذاجة والبساطة، أن يبادر الضحية الى الكشف عن ظهره، للارهابيين والقتلة، خاصة عندما يشعر بأن الحكومة ذاتها عاجزة عن حمايته، وغير قادرة على نزع سلاح ميليشيات أيتام النظام البائد، والمجموعات التكفيرية.
   أولم يقل أحد (الارهابيين السياسيين) أنه يرفض دعوة الارهابيين المسلحين لنزع أسلحتهم، قبل أن يطمئن الى أنه بالفعل لاعب حقيقي ومشارك فعلي في العملية السياسية (من دون أن يوضح طبعا ما اذا كان ذلك بصفته ممثلهم في العملية السياسية أم لا) فوصف العلاقة بين مشاركته الحقيقية في العملية السياسية ونزع سلاح الارهابيين، بأنها (صفقة واحدة)؟.
   انهم يبررون سلاح الارهابيين، بل يدافعون عنه، وينعتونه بـ (المقاومة) وهو الذي لا يستهدف الا العراقيين الأبرياء، ولكنهم يصفون الضحايا، ممن اضطروا لحمل السلاح دفاعا عن النفس، بالميليشيا، ما لهم كيف يحكمون؟ انها، والله، قسمة ضيزا؟.
   كلهم يتحدثون عن ميليشيا (شيعية) مزعزمة، ويطالبونها بنزع أسلحتها وحلها، ولكن لا أحد يتحدث عن ميليشيا بعثية صدامية تكفيرية ارهابية موجودة بالفعل، تجوب العراق من أقصاه الى أقصاه، وتعيث فسادا في أرض الرافدين الطاهرة، فلا أحد منهم يطالبها بنزع سلاحها، وتفكيك خلاياها التدميرية الخطيرة.
   أحد (الارهابيين السياسيين) قدم مشروعا، قال انه مقترح لحل معضلة العراق، تدعو بنوده الى نزع كل سلاح بيد العراقيين، وكذلك نزع سلاح أجهزة الشرطة والحرس الوطني، كما يطلب من القوات متعددة الجنسيات الاعلان عن وقف كل نشاطاتها العسكرية في كل العراق، وبكل أشكالها، وفي المقابل يدعو المشروع الى أن تحتفظ (المقاومة) بكامل سلاحها لحين حل الأزمة التي يمر بها العراق لأنه، كما يقول، خائف على هذه (المقاومة) (....).
   اذا لم يكن مثل هذا المشروع، محاولة مفضوحة لاعادة النظام الشمولي المباد، فماذا يمكن تسميته؟.
   والشئ بالشئ يذكر، قيل أن رجلا أراد أن يختبر ذكاء صديقه، فسأله السؤال التالي؛
   ما هو الشئ الذي شكله مدور، وغلافه الخارجي أخضر، وفي داخله حب رقي؟.
   لست ممن يدافع عن السلاح المنفلت، ولست ممن يرغب في أن يرى، ولو للحظة واحدة، مسلحا غير حكوميا يجوب الشوارع، ولست ممن يتجمل بقطعة سلاح، ولست ممن يتمنى أن يصغ الى لعلعة البارود، ولكنني، في نفس الوقت، لست ممن يرغب في خلط الأوراق، فيقبل بدعوة الضحايا الى وضع سلاحهم، في الوقت الذي يحتفظ فيه الارهابيون بكامل عدتهم وسلاحهم، انها سذاجة ما بعدها سذاجة، واستخفاف خطير بدماء الابرياء وحياتهم، وخديعة خطيرة لتعرية ظهر الناس بلا بديل.
   علينا أن لا ننجر الى اعلام الارهابيين ودعاية من يقف وراءهم، ولنحذر الحرب النفسية التي أعلنوها ضد ضحايا النظام البائد، فلا نتحدث عن ميليشيات مزعومة، ونغض الطرف عن مليشيات موجودة بالفعل.
   اذ كيف يحق لأحد أن يدعو الضحية الى عدم الدفاع عن نفسها، وأخذ الحيطة والحذر، في الوقت الذي يرى فيه الحكومة عاجزة عن حماية الناس وأرواحهم؟ وكيف يرضى عاقل باسقاط سلاح الضحية، ومن حوله كواسر تتحين الفرصة لتنهش بلحمه؟ انها الخيانة والسذاجة والجهل والاستخفاف بأرواح الناس، أليس كذلك؟.
   ترى، ماذا ستجيب الحكومة العاجزة عن الدفاع عن شعبها، اذا داهم مسلحون ارهابيون محلة ما مثلا، وأوقعوا في أهلها القتل والذبح والتدمير؟ بعيد مطالبة أهلها بنزع سلاحها فورا؟ بل ماذا أجابت الحكومة الناس عندما داهم الارهابيون التكفيريون مقدساتهم في مدينة سامراء، مثلا؟ وهي التي كانت ترفض أن يدافعوا عنها بأنفسهم، بعد أن عجزت عن تأمين الحماية اللازمة لها؟.
   لا تكونوا مثاليين، ولا تفكروا بسذاجة، اقطعوا دابر الارهابيين أولا، وانزعوا سلاح التكفيريين وأيتام النظام البائد، وبعدها سيختفي سلاح المدافعين عن أنفسهم من تلقاء نفسه.
   البداية، اذن، تبدأ من حيث يتواجد سلاح مجموعات العنف والارهاب، ومن النقطة التي يتجمع فيها سلاح ميليشيات أيتام النظام البائد ومجموعات العنف والارهاب وسلاح التكفيريين القتلة الذين يريدون العودة بعقارب الزمن العراقي الى الوراء، وبعدها سأكون شخصيا، الضامن لنزع كل سلاح غير حكومي حمله ضحية من ضحايا النظام البائد للدفاع عن النفس، بعد أن يئس من قدرة الحكومات المتعاقبة على حمايته.
   ان الخلل لا يكمن في السلاح الذي يحمله المواطن دفاعا عن النفس، وانما في عجز الحكومة في الدفاع عنه، ما يضطره للبحث عن سبل الدفاع الذاتي، على اعتبار أن الأمن هو من أبرز مصاديق فلسفة وجود الحكومة، أية حكومة، في أي بلد في العالم، والا فليذهب الانسان الى الغاب يعيش فيها بين المخلوقات، يدافع عن نفسه بنفسه في اطار قانون الغاب، فالفرق بينه وبين قانون المجتمع هو حماية القانون، فاذا سقط هذا المبرر تحول المجتمع الى غابات متناثرة لا يحكمها قانون، انما سيد الموقف السلاح والمخالب والسكاكين.
   نقطة مهمة جدا يجب أن لا نغفل عنها هنا ونحن نتحدث عن السلاح المنفلت في العراق، وهي؛
   ان ما يبعث على الأسى والألم، هو أن بعض الضحايا الذين اضطروا لحمل السلاح دفاعا عن النفس، تورطوا بدماء ضحايا آخرين، أي أن بعض السلاح بدأ يخطئ هدفه الحقيقي، فبدلا من أن يكون وسيلة مؤقتة لدفع الضرر عن النفس، كحصانة ضد الارهابيين، واذا به يتحول الى سكين في خاصرة الأخ، وتلك هي الطامة الكبرى.
   يجب أن ينتبه الجميع الى هذا الأمر، والا تحول السلاح الى أداة لتصفية  الحسابات بين الفرقاء، وبين أصحاب الهدف الواحد والمصير الواحد، فتتكرر تجرية الفرقاء الكرد في تسعينات القرن الماضي، فكم قتل السلاح الكردي (المناضل) من أخوة النضال ورفاق الدرب؟ وهو الذي ما حمله المناضلون الكرد الا دفاعا عن أنفسهم ضد سياسات النظام الشمولي العنصري البائد؟.
   يجب حصر مهام السلاح في اطار الهدف الذي لجأ اليه المواطن، وهو الدفاع عن النفس، بعد أن استشعر عجز الحكومات المتعاقبة في الدفاع عنه، والمبادرة فورا للتخلي عنه، عندما يشعر المواطن ويلمس نجاعة الخطة الأمنية التي أعلنت عنها الحكومة الجديدة، وليس قبل الانجاز فالكلام كثير، أما الانجاز فقليل أو معدوم، حتى الآن على الأقل، اذ، وبصراحة أقول، أخشى أن يردد المواطن، القول العراقي المأثور{لا حظت بزوجها، ولا تزوجت سيد علي} اذا تخلى عن سلاحه، ولم تف الحكومة بوعودها الأمنية.
   أعيد قولي فأقول، ليحذر الجميع الفخ المنصوب والحفرة التي أمامهم، فلا يقعوا فيها، والا فسيكون الرابح في أي اقتتال بين الأخوة، هو خاسر في حقيقة الأمر، وعندها سيعظ الجميع على أصابعهم ندما {ولات حين مندم}.

   21 مايس 2006[/b] [/size][/font]   

29
المنبر السياسي / أنـا والحكومة
« في: 01:37 18/05/2006  »
أنـا والحكومة

نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

  كمواطن، سأمنح الحكومة العراقية الجديدة، فترة ستة أشهر فقط، قبل ان أحكم عليها بالنجاح أو الفشل، وفيما اذا كانت جديرة بالاحترام والتقدير، أم أنها ليست سوى مجموعة موظفين فاشلين، لا يقدرون على انجاز شئ ما للعراق وشعبه الأبي الصابر، الذي طال انتظاره، وهو يتطلع الى يوم الخلاص.
  أقول ذلك، لعدة أسباب؛
  الأول؛ لأن بالاعلان عن تشكيلها، يكون العراق قد طوى المرحلة الانتقالية، ليبدأ أول مرحلة دستورية دائمة، انبثقت عنها الحكومة الجديدة في اطار دستور دائم للبلاد، ومن خلال صندوق الاقتراع، الذي أدلى به المواطن العراقي رأيه وخياره، بارادة حرة، ولذلك فان من المفترض أن تكون هذه الحكومة، هي الحارس الأمين والساهر الاول على حمايته وتطبيقه في كل صغيرة وكبيرة.
  فهي، اذن، حكومة كاملة الأهلية من الناحية الدستورية والشعبية (التمثيلية) والزمنية والصلاحية، فهي ليست كالحكومات السابقة، تتصدر لمهمة محددة ولوقت محدد، بل ان كل الملفات مطروحة أمامها على الطاولة لمعالجتها.
  ثانيا؛ كل الفرقاء السياسيين يصفون الحكومة الجديدة بأنها حكومة وحدة وطنية، لأنها ضمت تحت أجنحتها، كل مكونات المجتمع العراقي من أقصى شماله الى أدنى جنوبه (جغرافيا) ومن أقصى اليمين الى أقصى اليسار، مرورا بالمحافظين (سياسيا) كما أنها ضمت كل الكتل البرلمانية تقريبا.
  حتى (الارهابيين) {أقصد المقاومة بشقيها الشريفة وغير الشريفة} وأيتام النظام الشمولي البائد، قيل أن هناك في هذه الحكومة من يمثلهم، ما يعني أنه ليس أمام الحكومة ما تتذرع به، اذا فشلت في مهامها الموكولة اليها.
  كما قيل أن قوى المجتمع الدولي والقوى الاقليمية، بمختلف مآربها ومشاربها واتجاهاتها وتناقضاتها، قد تمثلت في هذه الحكومة، فلماذا، اذن لا تنجح في تحقيق أهداف وتطلعات وآمال الشعب العراقي.
  انها حكومة وحدة عالمية، أليس كذلك؟.
  ثالثا؛ لقد قال السيد رئيس الوزراء الجديد، بأنه سيبدأ من حيث انتهى سلفه (.....) وهو كلام كاف لأن يكون حجة عليه وليس له، اذا كان يعتقد بأن سلفه قد أنجز شيئا ما، اذ يعني هذا الالتزام، بأنه سيبدأ الانجاز فورا، فهو ليس بحاجة الى الانتظار طويلا لاعادة النظر في الملفات المطروحة أمامه، انما تكفيه نظرة سريعة لكل الملفات ليبدأ التنفيذ فورا، وبالتالي لتحقيق الانجازات الملموسة، وهذا ما يتمناه العراقيون على وجه السرعة.
  كما أن هذا الاعلان يعني أن الحكومة الجديدة لا ترى أنها ورثت من سابقتها أي شئ سيئ (.....) ولذلك فهي ليست بحاجة الى ان تنشغل مدة من الزمن لتصفية الآثار والمخلفات السلبية التي ورثتها منها، قبل ان تبدأ بالعمل لتحقيق الانجازات.
  تعالوا اذن نحاسب الحكومة الجديدة حسابا عسيرا، ونقف لها بالمرصاد، ونراقبها في كل شاردة وواردة، لنرى ما اذا كانت بحجم اسمها ورسمها وهويتها والتزاماتها وبرنامجها الانتخابي، أم لا؟.
  وقبل كل شئ، أود أن أشير الى ما سأفعله شخصيا، لأبني عليه مراقبة ومحاسبة الحكومة الجديدة؛
  فبصراحة أقول، بأنني سوف لن أصغ كثيرا الى تصريحات الحكومة من الآن فصاعدا، كما أنني سوف لن أهتم كثيرا بالتقارير الصحفية، الشفوية منها أو المكتوبة، التي سيدلي بها رئيس الحكومة ووزراءه والمتحدثين او الناطقين الرسميين المحتملين باسمها، فلقد أتخمتنا الحكومات السابقة بالشعارات الرنانة والتقارير الصحفية التي يسيل لها اللعاب ويغفو على نغماتها الجياع والفقراء، انما سأصغ، بل سأبذل كل جهدي ووقتي، للاصغاء الى صوتين اثنين، الأول هو صوت المواطن العراقي، لأعرف منه، يوميا، ما اذا كان راضيا على أداء الحكومة أم لا؟ بمعنى آخر، هل أنه مستفيد، بالفعل، منها ومن أداءها أم لا؟ والثاني صوت الدستور والقانون، لأعرف ما اذا كانت الحكومة ملتزمة ببنوده أم لا؟ وما اذا كان الدستور {ومعه القانون} حاضرا في برامج الحكومة واجتماعاتها، أم أنه مرصوفا فوق أدراج الوزارات، غطته الأتربة، وتراكمت عليه عوامل التعرية، وأكلت الارضة بعض أوراقه؟.
  ومن أجل أن ننصف الحكومة ولا نظلمها، فلا نحملها فوق طاقتها، فسوف لا أثقل عليها بالتوقعات والمطاليب التي عليها أن تنجزها في فترة الستة أشهر القادمة، وانما أحدد هذه الفترة الزمنية، لأن في الأشهر الستة من عمر الحكومة، أية حكومة، ستتضح معالم الانجازات الكبيرة والصغيرة التي ستنجزها، أو التي تنوي انجازها، خلال بقية الفترة الزمنية الدستورية من عمرها القانوني، هذا فيما اذا استمرت في موقعها، ولم تسقط بالضربة القاضية، لأي سبب كان.
     ان محور ما أطالب الحكومة بانجازه، هو تحقيق كرامة المواطن العراقي المسحوقة، وذلك من خلال فقرات الدستور حصرا، اذ نصت (ألف) من (أولا) من المادة (35) على أن {حرية الانسان وكرامته مصونة}.
  فالمواطن الذي لا زال يبحث عن لقمة العيش، يعتبر مسلوب الكرامة، أو على الأقل، ناقص الكرامة، كما أن المواطن المحروم من التمتع بعائدات خيرات بلاده، منقوص الكرامة كذلك، بالاضافة الى ما ينتقصه الفساد المالي والاداري من كرامة المواطن، الى جانب التمييز الذي ظل حتى الآن هو سيد الموقف، بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة أعوام على سقوط الصنم.
  كما أن افتقار المواطن للأمن على نفسه وماله وعرضه وعائلته وأملاكه، يعد انتقاصا صارخا لكرامته.
  من هنا، أعتقد بأن على الحكومة أن تحقق نسبة ما لا يقل عن (10%) من ما يلي خلال الأشهر الستة الاولى من عمرها المديد، لنقل بأنها بالفعل حكومة وطنية تاريخية، تستحق الثناء والتبجيل:
  أولا؛ مكافحة العنف والارهاب بقسوة، لأنه الملف الأعقد والأهم من بين كل الملفات، وهو المحك الذي سيقاس به نجاح أو فشل الحكومة، بالاضافة الى مكافحة الجريمة المنظمة.
  حتى الخالق جل وعلا، رب العزة والجبروت، انما دعا الخلق لعبادته، فلأنه هيأ لهم الأمن، بعد أن سد رمقهم، يقول تعالى في سورة (ايلاف) {فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} لأن {من لا معاش له، لا معاد له} كما في الحديث الشريف عن رسول الله (ص).
  انها فلسفة وجود الحكومة، أية حكومة، أن تهيئ للناس لقمة العيش في ظل الأمن، على مختلف الأصعدة.
  لقد نصت (ثانيا) من المادة (السابعة) في الدستور، على أن {تلتزم الدولة محاربة الارهاب بجميع أشكاله} ما يعني أن على الحكومة الجديدة، التصدي حتى للعنف الفكري والثقافي والسلوكي والسياسي والديني والمذهبي، ان صح التعبير، من خلال الوقوف بوجه من يحاول ارهاب الناس وارعابهم لفرض قناعاته الخاصة، وأجندات بعينها، وعلى أي صعيد كان، لأن كل ذلك يدخل في اطار هذه الفقرة الصريحة والواضحة، كما نصت (ثانيا) من المادة (35) على أن {تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني} أما (ثانيا) من المادة (37) فنصت على أنه {لا يجوز اجبار أحد على الانضمام الى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية، أو اجباره على الاستمرار في العضوية فيها} ما يعني أن على الحكومة أن تواجه، وبشدة، مجموعات الاكراه المنتشرة في دوائر الدولة وفي الشوارع والجامعات والحدائق العامة، والتي تفتش في عقائد الناس، واتجاهاتهم السياسية والفكرية، و(تعلمهم) الأخلاق العامة، وكيف يجب أن يلتزموا بها، وقد نصبت نفسها وليا على الناس.
  ان التعامل مع هذا الملف، بالذات، يحتاج الى أن تتحلى الحكومة بشجاعة فائقة وغير طبيعية، لأن التصدي لمكافحة الارهاب يحتاج منها الى أن لا تجامل أحدا، فتبادر الى الكشف عن هوية كل المتورطين فيه، سواء بشكل مباشر، من خلال تنفيذ أعمال القتل والتفجير والتفخيخ الاجرامية والاكراه، أو من خلال ايواء ودعم واحتضان المجموعات الارهابية، خاصة تلك الجهات (السياسية) التي تهيئ المناخ السياسي المطلوب والمظلة اللازمة لعمل الارهابيين.
  فهل ستجرؤ الحكومة الجديدة، على الكشف عن أسماء المتورطين بالارهاب من القادة والزعماء السياسيين الذين انخرطوا (لسبب أو لآخر) في العملية السياسية؟ اذا ما اكتشفت أنهم لا زالوا يحتفضون بعلاقاتهم القديمة مع الارهابيين؟ أم أنها ستظل تتستر عليهم، كما كانت تفعل في السابق؟ وهل ستجرؤ على الكشف عن أسماء وعناوين الجهات الخارجية التي تدعم مجموعات العنف والارهاب، سواء من أجهزة المخابرات الاقليمية أو الدولية أو حتى الأسر والعوائل، أو بعض أفرادها، من تلك المنتشرة في المنطقة؟.
  وبهذا الصدد، أعتقد أن على الكتل البرلمانية التي تمثل السنة، أن تتحمل العبء الأكبر من هذا الملف، لأنها وعدت العراقيين بأنها ستوقف العنف والارهاب اذا ما اشتركت في العملية السياسية، فها هي تشترك في العملية السياسية وتدخل تحت قبة البرلمان وتشارك في الرئاسات الثلاث وفي الحكومة، بل ان أكبر كتلتين في البرلمان {وأقصد الشيعة والكرد} قدموا الكثير من التنازلات، وتنازلوا عن الكثير من استحقاقاتهم الانتخابية وحقوقهم الدستورية، من أجل ارضاء الكتل السنية، فقط من أجل تمكينها من تحقيق وعدها بوقف العنف، وبصراحة أقول، اذا لم يقف العنف والارهاب فورا، فلابد من طرد كل من وعد فأخلف على هذا الصعيد، ليس من الحكومة فحسب، بل من مجلس النواب كذلك، ومن كل العملية السياسية برمتها، لأن من يخلف الوعد الذي يقطعه أمام الشعب العراقي، لا يستحق أن يبقى في العملية السياسية، لأن علة وجوده ستنتفي في هذه الحالة، فلماذا يجب أن يبقى اذن، وهو قادر على وقف نزيف الدم العراقي، ولا يفعل شيئا؟.
  ثانيا؛ الغاء كافة أنواع التمييز بين العراقيين، وان أول التمييز الذي يجب أن يلغى فورا، هو درجة المواطنية الذي يقسمه قانون الجنسية العراقية سيئ الصيت الى درجتين متفاوتتين ومتمايزتين، فـ (ثانيا) من المادة (12) تنص على أن {الجنسية العراقية حق لكل عراقي، وهي أساس مواطنيته} من دون الاشارة، أبدا، الى ما يسمى بشهادة الجنسية العراقية، العثمانية وغيرها.
  فبالرغم من أن مجلس الحكم الانتقالي اتخذ قرارا تاريخيا بالغاء هذا القانون المنبوذ، الا أنه لا زال من القوانين النافذة لحد الآن، فمثلا، لا زال المواطن العراقي يطالب بابراز شهادة الجنسية العثمانية (النسخة الأصلية وليست صورة عنها) اذا أراد أن يحصل على جواز السفر العراقي الجديد، وقس على ذلك.
  يجب على الحكومة العراقية الجديدة، أن تنفذ قرار الغاء هذا القانون فورا ومن دون نقاش، لنوحد مواطنية العراقيين، ولا نميز بينهم، فكما هو معلوم فان هذا القانون سن من أجل التمييز بين العراقيين، وهو انما استهدف الأغلبية من العراقيين (الشيعة حصرا) والذين ظلوا يدفعون الثمن على مدى أكثر من تسعة عقود من الزمن، اذ استندت كل القرارات الجائرة التي صدرت ضدهم طوال تلك الفترة من الزمن، على أساس بنود هذا القانون.
  ثالثا؛ ملاحقة المال العام ومراقبته، خطوة فخطوة، من خلال ملاحقة آخر قطرة بترول وآخر فلس عراقي سرقه اللصوص، سواء من العراقيين أو من غيرهم، خاصة الملياردات التي سرقتها الادارة المدنية الأميركية والشركات الأميركية والمتعددة الجنسية.
  فهل ستجرؤ الحكومة العراقية الجديدة على فضح المستور من الصفقات المشبوهة وأسرار السرقات المنظمة التي تعرض لها، ولا يزال، المال العراقي العام والبترول العراقي؟.
  لقد نصت المادة (109) من الدستور العراقي على أن(النفط والغاز هما ملك كل الشعب العراقي، في كل الأقاليم والمحافظات) فهل سيشم العراقيون رائحة البترول ويتمتعون بامتيازات الغاز فيلمسوا تغيرا في مستواهم المعاشي في أسرع وقت؟.
  هل سيشهد العراقيون انتهاء عهد الأزمات الخانقة في البترول ومشتقاته، وهم الذين يعيشون على أرض تحتها أكبر مخزون واحتياطي نفطي في العالم؟.
  رابعا؛ الاسراع في تنفيذ الخطوات اللازمة لبناء النظام اللامركزي، من خلال توسيع صلاحيات الأقاليم والمحافظات وتقليل هيمنة المركز.
  لقد نصت المادة (113) على أن {يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وادارات محلية} أما (ثانيا) من المادة (119) فقد نصت على أن {تمنح المحافظات التي لم تنتظم في اقليم، الصلاحيات الادارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من ادارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الادارية، وينظم ذلك بقانون}.
  ان هذين النصين الدستوريين، وغيرهما، يحتمان على الحكومة الاسراع في اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء بتأسيس النظام اللامركزي وترسيخ قواعده، لما له من أهمية قصوى في نهضة العراق واستقراره، وتحقيق التنمية الشاملة.
  خامسا؛ ان واحدة من أهم مهام الحكومة الجديدة، هو بناء مؤسسات الدولة على أساس نظرية الفصل بين السلطات، فان ذلك من أبرز معالم النظام السياسي الديمقراطي المستقر الذي ينشده العراقيون، لأن التداخل في المهام والواجبات والمسؤوليات والصلاحيات، يضيع حقوق الناس، ولا يساعد على احقاق الحقوق لأي طرف كان.
  ان من شروط تحقيق العدل بين الناس، هو أن تتمتع القوة القضائية بكامل الاستقلالية فلا يتدخل أحد في شؤونها، من أجل ان تتمكن من أداء مهامها الخطيرة بعيدا عن أي شكل من أشكات التأثير، وان (أولا) من المادة (19) ينص على أن {القضاء مستقل، لا سلطان عليه لغير القانون}.
  اذا تحقق ذلك، فستضع الحكومة الجديدة حدا للاعتقالات العشوائية، وكذلك لحالات الاطلاق العشوائي لسراح المعتقلين.
  لا نريد أن نرى أو نسمع بأية انتهاكات لحقوق الانسان في العراق، خاصة ما يتعلق بالاعتقال والتعذيب والمداهمات العشوائية والتفتيش العشوائي بخصوصيات الناس، فان كل ذلك يعد ممارسات غير دستورية وغير قانونية وغير انسانية خطيرة تهدد الديمقراطية في الصميم.
  سادسا؛ تحسين الوضع المعاشي العام للمواطن العراقي، ولو بنسبة (10%) فقط خلال الأشهر الستة الاولى من عمر الحكومة الجديدة، من خلال تحسين فرص العمل والتعليم والصحة والرفاهية، الى جانب توفير مستلزمات الحياة الحرة الكريمة، كالماء الصالح للشرب والكهرباء وحل أزمات النقل والسكن والاتصالات، وغيرها، كذلك بنسبة لا تقل عن (10%) في الاشهر الستة الاولى.
  سابعا؛ وأخيرا، فان على الحكومة الجديدة اتخاذ الخطوات اللازمة لتعويض ضحايا النظام البائد، تطبيقا لـ (أولا) من المادة (129) في الدستور واللتي نصت على ما يلي:
  {تكفل الدولة رعاية السجناء السياسيين والمتضررين من الممارسات التعسفية للنظام الديكتاتوري المباد}.
  كما يجب أن تكون لرعاية عوائل الشهداء، أولوية قصوى في برامج الحكومة الجديدة.
  اذا حققت الحكومة هذه الانجازات، فستكون جديرة بأن تطالب برحيل القوات متعددة الجنسيات عن العراق، وتتسلم منها المهام الوطنية بالكامل، لتعيد للعراق استقلاله وسيادته، التي انتهكت بسبب السياسات الرعناء التي انتهجها النظام الشمولي الاستبدادي البائد، وشخص الطاغية الذليل وزبانيته.
  وأقول بصراحة:
  فاما أن تنجز الحكومة العراقية الجديدة نسبة الـ (10%) على الأقل من هذه الخطوات المفصلية في حياة الناس، لنلمس جديتها وقدرتها على انجاز الفعل التاريخي المنتظر منها، لنطمئن على بقية عمرها الدستوري، أو لا خير في حكومة لا تقدر على انجاز أقل القليل، فأحسن لها أن ترفع الراية البيضاء أمام العراقيين، معلنة استسلامها، عند نهاية الشهر السادس من عمرها، وتعيد الأمانة الى صاحبها الشرعي الوحيد (الشعب العراقي).
  نتمنى لها من كل قلبنا، أن تكون حكومة انجازات وطنية وتاريخية، يسجل التاريخ انجازاتها العظيمة، للأجيال القادمة، ولكن؛
  بين الحقيقة والأماني العراقية، فترة ستة أشهر قادمة، فقط، وبعدها، ستعلن النتيجة الحقيقية.

  12 مايس 2006[/b] [/size] [/font]


30
عشية الذكرى الثالثة لسقوط الصنم:
نــــــــــــزار حيدر لجريدة (الصباح )البغدادية:
انقلاب جذري في المشهد الثقافي
توطئة

عشية الذكرى الثالثة لسقوط الصنم، رمز النظام الديكتاتوري الشمولي البائد، الذي حكم العراق طيلة أكثر من ثلاثة عقود عجاف من الزمن، أجرت جريدة (الصباح) البغدادية، استقراءا لآراء عدد من العراقيين بشأن المشهد الثقافي العراقي الجديد.

نــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، كان من بين من استقرأت( الصباح) رأيهم، فكان جوابه كالتالي؛
   في الأعوام الثلاثة الماضية التي تلت سقوط الصنم، شهد المشهد الثقافي العراقي تحولا جذريا على عدة مستويات، لعل من أبرزها:
   أولا: انتهاء عهد الفكر الشمولي، وتجلي ثقافة التعددية في أبهى صورها، فلم يعد المواطن العراقي يقرأ فكرا واحدا مفروضا عليه بالقوة والاكراه، أو يصبح ويمسي على صورة واحدة، أو يستيقظ ويغفو على رأي واحد، بل راح العراقيون يختارون بأنفسهم ما يشاؤون من الفكر والرأي، من دون رقيب أو حسيب، الا قناعاتهم الخاصة وخلفياتهم المتنوعة، فنراهم اليوم، يقرأون ما يشاؤون من فكر اليمين واليسار، والاسلامي والعلماني، وعلى مختلف الاصعدة، وهم الشعب المعروف بأنه الأكثر قراءة من بين شعوب العالم.
   لقد بات العراقيون يختارون المحطة الفضائية التي يشاؤون، ويختارون المجلة والجريدة والمحطة الاذاعية التي يحبون، وينتقون الكتاب والموسوعة التي تنسجم مع توجهاتهم، من دون أن يفرض عليهم الحاكم نوع الخبر والتحليل السياسي والتقرير الاعلامي والصورة والثقافة التي كان يفرضها عليهم النظام الشمولي بالحديد والنار، فلم يعد التقرير السياسي لمؤتمر الحزب الحاكم هو سيد المكتبات العامة والخاصة، والحاضر الوحيد في قاعة الدرس، وأمام الطلاب.
   في العراق الجديد لا معنى للممنوعات في مجال الثقافة والفكر، الا ما يمنعه الرقيب الذاتي للمواطن نفسه، والذي هو عبارة عن نتاج التراكم الثقافي والوعي السياسي الذي يتحلى به العراقيون.
   لقد ملك العراقيون اليوم حرية الاختيار، في ظل التعددية الثقافية، ما أفضى الى امتلاكهم لقرار بلورة الرأي، حسب الوعي والادراك الذي يتميز به كل واحد منهم، أي أن العراقيين امتلكوا رد الفعل الممكن والمناسب وما يترتب على نوع الثقافة التي يطلعون عليها كل يوم، اذ لم يعد رد فعلهم قرارات منصوص عليها من قبل مجلس قيادة الثورة مثلا.
   ثانيا: وفي هذا الجو الثقافي الجديد، تجلى التنوع الثقافي الذي قمعه النظام الشمولي البائد، وكاد أن يقضي عليه، اذ لم يعد ممنوعا على الكردي مثلا أو التركماني أو الايزدي أو الصابئي أو الآشوري أو الكلداني أو الشيعي أو السني أو أي مكون آخر من مكونات المجتمع العراقي، أن يعبر أو يعتز أو يقرأ أو يدرس أو يتحدث بخلفيته الثقافية وبلغته الأم، لا في المدرسة ولا في وسائل الاعلام، ولا في المقهى ولا في الشارع، ولذلك شهدنا ولادة العديد من الفضائيات التي تعبر عن التنوع الثقافي الذي يتميز به العراق وشعبه منذ أقدم العصور، والذي يضيف الى العراقيين، تنوع في الفهم وقوة في المنطق وقدرة على البناء الحضاري الذي ما شيد بناؤه الا بالتنوع الثقافي، على اعتباره نتاج تلاقح الثقافات المختلفة، والأفكار المتعددة.
   هذا التنوع الثقافي، أعاد للمكتبة العامة ألقها الثقافي وحيويتها، وأدار المطابع لتستعيد عافيتها، فصدرت المجلات الدراساتية والدوريات المتخصصة، كما أعاد للكتاب مكانته في المشهد الثقافي العراقي، بعد أن كان النظام الشمولي البائد قد فرض حصارا شديدا على الكتاب، فمنع القراءة الا بقرار، وحاصر الثقافة لتقتصر على ثقافة الحزب الحاكم أحادية الجانب.
   يبقى أن يتخلص العراقيون ويكنسون من واقعهم الجديد بعض الأمراض التي أصابت الشخصية العراقية جراء الفكر الشمولي الذي خيم على العراق أكثر من 35 عاما، والتي يمكن اجمالها بمرضين؛
   الأول، هو مرض عبادة الشخصية الذي كرسته ثقافة النظام البائد، فهي تدمر مفهوم الرأي العام، وقبل ذلك، تسلب من الانسان حرية الاختيار، لأن عبادة الشخصية مرض يمنع المرء من الاختيار الحر، وبالتالي يحوله من  متلقي ثقافي، يميز فيختار،  الى مستهلك ثقافي لا يعي كثيرا ما يقرأ، بسبب الأحكام المسبقة التي تكبله، جراء الانبهار بالشخصية الذي يكون سيد الموقف في هذه الحالة.
   الثاني: الغاء ثقافة الصورة والعنوان والأزياء والألقاب، التي كرسها النظام البائد ضمن موسوعة ثقافية فاسدة، أراد بها حث المواطن على عبادة الصورة، والنظر الى من يقول وليس الى ما يقول، وتلك هي من أخطر ظواهر القمع الثقافي والفكري الذي تبتلي به أمة من الأمم.
   ان القضاء على هذين المرضين، سيساهمان في صناعة جو ثقافي نظيف، في اطار الانفتاح الثقافي، الذي لا يعتمد القشور، وانما يكرس المحتوى الثقافي في أبهى صوره، من خلال وعي المفهوم والتعصب للفكرة بدلا من التعصب للشخص، بعيدا عن التحجر والتعصب الثقافي ضيق الافق والتكفير والتخوين، يحترم الرأي الآخر، ويقاتل من أجل أن يدلي به صاحبه، كما يحرص على أن يقول رأيه في أية قضية من القضايا العامة المطروحة للنقاش.
   وبذلك سننهي عهد الممنوعات وثقافة السلطة والحزب الحاكم والزعيم الأوحد، الذي لا يرى الا نفسه قادرا على التفكير والانتاج الثقافي، وأخيرا، اعادة حق الخيار الى المواطن وليس الى السلطة.

انه انقلاب جذري في المشهد الثقافي العراقي، اليس كذلك؟.

9 نيسان 2006[/b][/size][/font]

31
المسكوت عنه في  الحوار الايراني ــ الأميركي
نــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   أولا: لقد ابتلي العراق بمحيط متناقض مع نفسه، ومع المجتمع الدولي، ولهذا السبب ظل العراقيون يدفعون ثمن استغلال النظام البائد لهذا التناقض، كما أنهم يدفعون الثمن اليوم، كذلك، بسبب هذا التناقض، ولذلك يرى الكثيرون بأن حلحلة أي من المتناقضات، هو لصالح العراق وشعبه، لأن الساحة التي تظل تجمع المتناقضات، تبقى تدفع الثمن دائما، وما النموذج اللبناني والاوربي الشرقي والكوبي، وغيرها من النماذج، الا أدلة على صحة ذلك.
   ثانيا: ان مثل هذا الحوار كانت قد تقدمت بفكرته ادارة الرئيس بوش الى طهران،  قبل أشهر عديدة، الا أن الحكومة الايرانية كانت قد رفضت الفكرة معتبرة أنها مجرد محاولة من قبل الاميركان لاستغلال الملف العراقي للتقرب من طهران التي كانت قد قطعت علاقاتها بالكامل مع واشنطن منذ انتصار الثورة الاسلامية في عام 1979.
   ثالثا: هناك حوار أميركي مستمر مع كل دول الجوار العراقي، بالاضافة الى عدد من الدول العربية التي ترى فيها واشنطن مفاتيح محتملة لبعض مشاكل العراق الحالية، مثل مصر، باستثناء ايران التي لا ترتبط بالولايات المتحدة بأية علاقات دبلوماسية، ولذلك حاولت واشنطن تجاهلها في أي حوار مباشر منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان، باستثناء الحوارات السياسية غير المباشرة التي جمعتها مع طهران، وبحضور بقية الاطراف المعنية، الاقليمية والدولية.
   ويبدو لي أن واشنطن فهمت اليوم بأن استمرار تجاهل طهران في الملف العراقي ليس لصالح مشروعها في هذا البلد، بل وفي عموم المنطقة، ولذلك حاولت منذ عدة أشهر أن تطرق الباب التي تؤدي الى طهران.
   رابعا: لا يختلف اثنان على ان وضع الولايات المتحدة في العراق لا يحسد عليه أبدا، فبعد الأخطاء الرهيبة التي لا زالت تكررها الادارة الأميركية، تورطت الولايات المتحدة بمشاكل معقدة لا تعرف أين وكيف ومتى ستجد لها الحل، على الأقل من أجل حفظ ماء وجهها الذي أريق في العراق.
   ولأن الغريق يتشبث بكل قشة، كما يقولون، لذلك ارتأت الادارة الأميركية أن تلجأ الى طهران التي تضمر ازاءها كل شر، علها ستجد عندها الحل السحري لورطتها في العراق.
   خامسا: ان الولايات المتحدة تتحاور مع كل دول الجوار العراقي وغيرها، بشأن العراق، فلماذا لا يحتج أحد على ذلك، فيما يقيم الطائفيون الدنيا ولم يقعدونها، عندما تفكر واشنطن بالحديث الى طهران بالشأن العراقي؟ واذا قيل بأن واشنطن هي المبادرة لكل تلك الحوارات، فيما يأتي الحوار المرتقب بين واشنطن وطهران بمبادرة(عراقية) أقول، بأن هذا الحوار يأتي كذلك بمبادرة أميركية شجع عليها العراقيون، بالاضافة الى أن سنة العراق هم الذين الحوا وبكل الطرق بما فيها الارهاب، لجر أقدام عرب الجوار لحوار مع واشنطن بشأن الملف العراقي، ولا أعتقد أن أحدا نسي تصريحات زعماء السنة بهذا الصدد.
   من هنا فان أي حوار ايراني ــ أميركي عن الملف العراقي، ليس بدعا من الحوارات التي تجريها الادارة الاميركية مع جيران العراق، فهي لا تختلف كثيرا عن حواراتها مع الرياض مثلا، التي يزورها السفير الاميركي في بغداد زلماي خليل زاد بين الفينة والاخرى، للاصغاء الى توجيهات الملك عبد الله، وهي بالمناسبة المرة الاولى التي نسمع فيها أن سفيرا لدولة ما يقوم بزيارات مكوكية الى بلد ثالث ليبحث مع قادته مشاكل البلد المعتمد فيه.
   وكلنا يتذكر تصريحات السفير زاد التي أدلى بها قبل أشهر والتي قال فيها بأن ادارته تتحدث الى الدول العربية المجاورة للعراق، من أجل اقناع السنة للانخراط في العملية السياسية، وهذا ما حصل والذي توج في اجتماع القاهرة، وان كان قد فشل فشلا ذريعا، الا أن مجرد انعقاده كان دليل على توسل واشنطن بعرب الجوار لاقناع سنة العراق بالالتحاق بالعملية السياسية، والذي (الاجتماع) نجح على هذا الصعيد نجاحا باهرا.
   واذا كان البعض يحتج بالحوار الايراني ــ الأميركي كدليل على تورط ايران في الشأن العراقي، فان عليهم أن يسوقوا زيارات زاد الى الرياض وحمل ملك الاردن للملف العراقي الى واشنطن كلما ذهب اليها زائرا، واجتماع القاهرة، ان كل ذلك، كذلك، أدلة دامغة على تدخل عرب الجوار بالشأن العراقي.
   مبدئيا، نحن ضد أي تدخل في شؤون العراق، ومن أي طرف كان، أما ان يقبل البعض بتدخل عرب الجوار ويرفض التدخلات الاخرى، فهذا ما يتنافى والانصاف والحرص على العراق، لأن منطلق مثل هذا الموقف، طائفي يسعى لجر أقدام عرب الجوار لصالحه وعلى حساب مصالح الاغلبية من العراقيين، وأقصد الشيعة على وجه التحديد.
   سادسا: هناك فرق كبير جدا بين (التدخل الايراني) بالشأن العراقي و(تدخل عرب الجوار) فالأول هو تدخل ايجابي ، ان صح التعبير، تمثل في ترحيب طهران بسقوط الصنم، ثم الاعتراف بمجلس الحكم لحظة الاعلان عن ولادته، وتاليا الاعتراف بكل الحكومات المؤقتة التي تعاقبت على الحكم في العراق منذ سقوط الصنم ولحد الآن.
   كما أنه تمثل في ترحيب طهران في محاكمة الطاغية الذليل، وتعاطفها مع ضحايا النظام البائد، خاصة ضحايا المقابر الجماعية والارهاب.
   أما تدخل عرب الجوار، فلقد كان (ولا يزال) سلبيا حتى النخاع، أجار الله تعالى العراق والعراقيين منه، وياليته كان يتناغم مع التدخل الايراني.
   انه تدخل سلبي حاقد حاول، ولا يزال، تخريب العملية السياسية والانتقام من العراقيين، بعد اتهامهم بالتقصير في الدفاع عن نظام الطاغية الذي تشبهه الأنظمة العربية كونها مثله أنظمة شمولية استبدادية بوليسية.
   ولقد تمثل التدخل العربي السلبي السافر في الشأن العراقي بما يلي؛
   الف؛ رفض الاعتراف بجرائم النظام البائد، ولذلك لم يبد أي تعاطف مع ضحاياه.
   باء؛ ظل يرفض الاعتراف بكل المؤسسات التي انبثقت في بغداد منذ سقوط الصنم، وظل يسعى للتشكيك في الجهد السياسي الذي يبذله العراقيون من أجل استعادة سيادة بلدهم، وبالتالي لانهاء عهد الاحتلال.
   جيم؛ ظل هذا الموقف يحرض على العنف والارهاب، من خلال تسمية الاعمال الاجرامية، وعمليات القتل والذبح، بــ(المقاومة) من دون أن يعبه بمشاعر العراقيين قيد أنملة.
   لقد صدر هذا الموقف، الفتاوى الطائفية للعراق، والتي استباحت دم العراقيين على الهوية والانتماء، كما أهدرت دماءهم وأعراضهم على الهوية، الى جانب ضخ المال الحرام لمجموعات العنف والارهاب، التي وجدت عند عرب الجوار الحظن الدافئ والمفاقس الآمنة، الى جانب الدعم السياسي والاعلامي الطائفي الحاقد، الذي أحيط به الارهابيون من كل جانب.
   دال؛ حتى الآن يرفض هذا الموقف التعامل مع محاكمة الطاغية الذليل وأعوانه، بشكل ايجابي، فلا زال يشكك بشرعية المحكمة، بل يطعن بشرعية تقديم الطاغية الى أية محكمة، اذ لا زال هذا الموقف يتعامل معه كونه الرئيس الشرعي للبلاد.
   كنا نتمنى على هذا الموقف أن يحذو حذو الموقف الايراني، فيمد للعراق يد العون وللعراقيين يد المساعدة، ويضع حدا للتحريض على قتلهم، والتشكيك في العملية السياسية الجديدة.
   صحيح، نحن نتفهم جذور هذا الموقف السلبي، والتي تعود الى الأسف العميق الذي ينتابه جراء خسارته لواحد من زملائه في المهنة، ولكن كان من المفترض عليه والواجب أن يبادر فور سقوط الصنم الى طي صفحة الماضي للبدء بصفحة جديدة، فاذا كان نظام الطاغية الذليل قد ولى والى الابد ومن غير رجعة، فان العراق وشعبه، باقيان والى الأبد، فلماذا يتعامل الموقف العربي مع العراق كنظام ولا يتعامل معه كشعب؟.
   سابعا؛ لقد بذلت واشنطن جهودا كثيرة من أجل اقناع طهران للجلوس معها على طاولة المفاوضات للحديث بالشأن العراقي، الا أن كل هذه الجهود باءت بالفشل الذريع، لأن طهران تعتبر بأن وجود الولايات المتحدة في العراق هو وجود احتلال، وبالتالي غير شرعي.
   عدد من القادة العراقيين الوطنيين، وعلى رأسهم السيد جلال الطالباني والسيد عبد العزيز الحكيم، وغيرهم، درسوا المقترح الأميركي الداعي الى حوار مع طهران، فوجدوه يصب في خدمة العراق والعملية السياسية الجديدة، فبادروا الى مفاتحة طهران للقبول بالمقترح الأميركي، فما كان من طهران الا أن توافق على الطلب العراقي، بعد أن وجدته حجة سياسية مقنعة تمنحها الفرصة للجلوس الى العدو اللدود، اذا كان ذلك يعين العراقيين في تجاوز محنتهم، وبالتالي فان الطلب العراقي جاء كمبرر(أخلاقي) لطهران للقبول بالحوار مع واشنطن.
   الموقف العراقي، اذن، لم يكن سوى عامل مساعد في هذا الحوار المفترض، وليس المبادر، ولذلك يجب أن لا نحمله أكثر من ذلك.
   واشنطن، كما هو معروف، تتهم طهران بدعم الارهابيين والمتمردين في مناطق ما بات يعرف بالمثلث السني، أو ما يصفهم زعماء السنة بـ(المقاومة) فيما تتهم طهران واشنطن بالتدخل في شؤونها الداخلية من خلال البوابة العراقية عبر دعمها لحركة المعارضة الايرانية التي لا زالت تقيم في الأراضي العراقية، وهي بالمناسبة المعارضة الوحيدة لدول الحجوار التي لا زالت تتخذ من الاراضي العراقية منطلقا لنشاطها ضد دولة من دول الجوار، من دون أن يتحدث الطائفيون عن ذلك أبدا.
   وكما هو معروف فان واشنطن قررت الابقاء على تواجد المعارضة الايرانية في العراق، للاستفادة منها في مثل هذا اليوم، فبالرغم من اصدار مجلس الحكم آنئذ لقرار يقضي بابعاد عناصر المعارضة الايرانية عن الأراضي العراقية، بسبب رفض العراقيين تحويل العراق الى ممر أو معبر لأي نشاط معارض ضد جيرانهم، الا أن الولايات المتحدة رفضت تنفيذ القرار، وسعت الى الاحتفاظ بهذه الورقة، للعبها ضد طهران متى ما تحين الفرصة.
   طبعا، وقتها لم ينبس الطائفيون ببنت شفة، ازاء هذا الموقف الأميركي العدواني ضد واحدة من جيران العراق، كما لم يبادر أي أحد منهم للأخذ على يد الولايات المتحدة لردعها عن اللعب بأوراقها السياسية مع طهران على الاراضي العراقية، وللحيلوية دون استغلال الأخيرة لهذا الموقف الاميركي، لـ(التدخل) في الشأن الاميركي في العراق، والذي عده الكثير من المراقبين، دفاعا عن النفس، اذ لا يعقل ان تقف طهران مكتوفة الأيدي، وهي ترى عدوها اللدود يعبئ المعارضة على طول حدودها.
   الحوار الايراني ــ الأميركي المرتقب، سيساهم، ربما، في تصفية مثل هذه القضايا العالقة بين واشنطن وطهران، وبالتالي لازالة العقبات التي تعترض تعاون الطرفين من أجل المساعدة في حل مشاكل العراق، على اعتبار أن طهران تمتلك من العلاقات الطيبة والواسعة مع أغلب الاطراف العراقية، ما يمكنها من توظيف ذلك للمساعدة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، ولا أعتقد أن عاقلا سيرفض مثل هذا الدور اذا كان ممكنا، خاصة وأن الجميع متفق على أن تلعب الولايات المتحدة مثل هذا الدور، فلماذا نرفضه لواحدة من أكبر وأهم جيران العراق، والذين (الجيران) يعتبرون أن أمنهم من أمن العراق وبالعكس؟.
   طبعا، لا زالت الاتهامات الاميركية للايرانيين لم تخرج عن دائرة الظنون، اذ لم تعلن القوات الاميركية في العراق حتى الآن، مثلا، عن التعرف على أي ايراني فجر نفسه في حشد من المواطنين العراقيين الأبرياء العزل، كما أنها لم تعلن حتى الآن عن اعتقالها لايراني كان يهم بزرع عبوة ناسفة في سوق شعبي أو حتى في طريق دورية عسكرية أميركية، الا أنها (القوات الأميركية) أعلنت، حتى الآن، عن اعتقال المئات من رعايا عرب الجوار من المتورطين في قتل الابرياء وتصنيع السيارات المفخخة، كما أن المئات من رعايا عرب الجوار قتلوا حتى الآن، وهم ينفذون عمليات انتحارية استهدفت الأبرياء واماكن العبادة والشرطة العراقية وغير ذلك.
   بعض الطائفيين اعتبروا أن دعوة بعض زعماء العراق لحوار ايراني ــ أميركي في الشأن العراقي، انما هو بمثابة محاولة منهم لتعويض ايران عن خسائرها جراء سياسات نظام الطاغية الذليل صدام حسين.
   أستغرب من هذا التفسير حقا، ومن زاويتين؛
   الأولى، أين كان أمثال هؤلاء عندما كان نظام الطاغية يعوض (اسرائيل) عن الخسارة التي لحقت بها جراء عنترياته ومسرحياته الدعائية؟ لماذا لم نسمع لهم صراخا أو حتى حسيسا كحسيس النمل، مثلا؟.
   الثانية، لماذا يلوذ أمثال هؤلاء بصمت أهل القبور، عندما يتعلق الأمر بتعويض دول أخرى، ويصرخون عندما يتعلق الأمر بايران؟ وهي بالمناسبة الدولة الوحيدة التي ضمن لها مجلس الأمن الدولي التعويض عما لحق بها بسبب الحرب التي شنها عليها نظام الطاغية الذليل، وذلك في اطار القرار (598) الذي صدر بالاجماع عن المجلس ابان الحرب العراقية الايرانية؟.
   طبعا، كعراقيين، نحن نتمنى على كل دول العالم، بما فيها دول الجوار، أن تتنازل عن أي تعويض ومن أي نوع ، لصالح الشعب العراقي المتضرر الأول والأكبر من سياسات النظام البائد وحروبه العبثية التي شنها على الجيران، ولكن من المفترض ان لا نكيل بمكيالين فنسكت على تعويض ولا نقبل بآخر، الا أن يكون المنطلق طائفيا، وهذا هو واقع الحال في أغلب الأحيان والحالات، وللأسف الشديد.
   برأيي، فان أي حوار أميركي مع دول الجوار العراقي، سيصب في المصلحة العراقية أولا، لأنه بالتأكيد سيناقش طرق استقرار العراق ومساعدة العراقيين لتجاوز الأزمة الحالية، لأن جميع الأطراف تعرف جيدا، بأن عدم استقرار العراق ليس لمصلحة أحد أبدا، واذا كانت بعض الأطراف تتصور بأن انشغال العراق بنفسه، سيبعد عنه شبح المخاطر، فانه على خطأ بكل تأكيد، لأن ذلك الى حين وليس الى الأبد، فالعراق هو قطب الرحى، اذا استقر فستستقر المنطقة، والعكس هو الصحيح، فاذا ظل متوترا وغير مستقرا، فان الباب ستظل مشرعة لكل الاحتمالات، ليس أيسرها الفوضى التي ستعم المنطقة، والتي سوف لن يكون أحدا في منئى عنها أبدا، مهما فعل المستحيل، وللجميع في تجربة العراق في عهد الطاغية الذليل خير دليل وشاهد حي، لا أعتقد أن أحدا نسيها، الا الأغبياء والمغفلون.

21 آذار 2006[/b][/size][/font]
   

32
في الأمسية السياسية التي نظمتها غرفة (البرلمان العراقي) على البالتوك:
نـــــــــــــــــــــــزار حيدر:
أحذرهم الطوفان
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   حذر نـــــــــــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، قادة الكتل السياسية، من مغبة انقلاب الشارع العراقي عليهم، اذا ما استمروا بالتعامل مع العملية السياسية بالطريقة الحالية التي تسببت في توقفها، على حساب المعاناة اليومية لملايين العراقيين.
   وأضاف نـــــــــــــــــــزار حيدر الذي كان يتحدث في الامسية السياسية التي نظمتها غرفة (البرلمان العراقي) على البالتوك، والتي شارك فيها عدد غفير من المثقفين العراقيين، من الرجال والنساء، ومن مختلف مناطق العالم، بما فيها من داخل العراق؛
   قد يبدو الشارع العراقي اليوم هادئا ومنضبطا، الا أنه قد ينفجر طوفانا هادرا يجرف كل هؤلاء الزعماء، اذا ما استمروا يتعاملون بلاأبالية غريبة مع العملية السياسية، وكأن الظرف الذي يمر به العراق وشعبه عاديا، لا يحتاج الى قرارات استثنائية عاجلة، تنتشل المواطن العراقي من محنته الحالية وهو يقتل يوميا بالارهاب، ولا يجد قوت يومه بعد أن فقد أبسط وسائل الحياة الحرة الكريمة، من الماء والكهرباء والوقود وغير ذلك.
   وأضاف حيدر يقول؛
   لو يوفر القادة ضحكاتهم وابتساماتهم وعناقهم الحار وولائمهم الدسمة الى اشعار آخر، ويتحدثوا الى الناخب العراقي بصراحة وشفافية وصدق وأمانة، ليعرف المواطن حقيقة العقد التي تمر بها مفاوضات الفرقاء، أما أن يستمروا في توزيع الضحكات من على شاشة الفضائيات(مجتمعين) ليظهروا علينا بعدها مباشرة (متفرقين) ويتقاذفوا التهم المتبادلة، فهذا عين الاستبداد والضحك على الذقون {وما يضحكون الا على أنفسهم} أما العراقيون، فانهم فتحوا عيونهم (باللبن) كما يقول المثل، فهم يقرؤون الممحي ويعرفون أسرار ما وراء الكواليس ربما حتى أكثر من الزعماء أنفسهم.
   لقد مل العراقيون، أضاف نـــــــــــــــــــزار حيدر، الكلام المعسول والمكرر الذي يدلي به الزعماء، خاصة عندما يتحدثون بطريقة توحي وكأن المسؤول عما يجري هو غيرهم، وليس هم المسؤولون المباشرون ، فيكررون كلمات من قبيل {حان الوقت} من دون أن يتوصلوا الى اتفاق محدد، وكأن المعني بالوقت الذي يمر بسرعة من دون نتيجة ملموسة، هي جزر الواقواق أو المارديف أو حتى القمر.
   وأهاب نـــــــــــــــــــــزار حيدر بزعماء الكتل السياسية، الى التحلي بالشجاعة والمروءة، ليصارحوا العراقيين بمشاكلهم العويصة التي لا يحق لهم التهوين منها، لأنها، بالفعل، عويصة ومعقدة، فاما أن يتمكنوا من حلها بأسرع وقت، أو أن يخرجوا الى الشعب العراقي{مجتمعين} ويصارحونه بالحقيقة فيتنازلوا عن المسؤولية، ويتركونها لمن هو أجدر منهم بها، والا فلينتظروا الطوفان الشعبي الهادر الذي سيكنس من يقف بطريقه، ليأخذ الشعب المبادرة بيده، بعد أن يكون قد تأكد بأن من منحه الثقه وصوت لصالحه في الانتخابات العامة الماضية، ليس أهل للثقة، وغير جدير بالمسؤولية، وأنه غير مؤتمن على الأمانة، لأنه ليس قوي ولا أمين.
   وعتب نـــــــــــــــــــزار حيدر على أكبر كتلتين في مجلس النواب الجديد، وهما الائتلاف والتحالف، اللذين كان يفترض بهما أن يظلا متماسكين حتى لا تفلت المبادرة من بين أصابعهم، لحساب من لا زال يجامل الارهابيين ويرفض فك ارتباطه بالعهد الديكتاتوري السابق، ولا يؤمن بالعملية السياسية، ممن أثبت بالقول والفعل، أنه طائفي حاقد، هدفه من المشاركة في العملية السياسية هو تخريبها وتدميرها.
   وسخر نــــــــــــــــــزار حيدر من فكرة تشكيل ما يطلق عليه البعض {حكومة الوحدة الوطنية} متسائلا عن أية وحدة وطنية يتحدث أصحاب هذه النظرية وهم يرون بأم أعينهم، أن هناك اليوم جلادا وضحية، ذئبا وشاة، قاتلا ومقتولا، داعيا الجميع الى فهم واستيعاب معاني المصطلحات قبل النطق بها، حتى لا تتحول المصطلحات الى نكتة يتندر بها العراقيون.
   وأضاف نـــــــــــــــــــزار حيدر بالقول؛
   المشكلة، برأيي، تكمن في عقلية المتصدين اليوم للعملية السياسية، اذ لا زال أغلبهم يتعامل بعقلية (المعارضة) وليس بعقلية (رجل الدولة) ولذلك تراهم لا يجيدون الحوار تحت أشعة الشمس، فيلوذون بالظلام دائما لفرض شروطهم في أي حوار سياسي، انهم كالخفافيش التي تخشى ضوء النهار، فتلوذ بعتمة الليل البهيم، عندما ترقد كل الكائنات الحية وتخلد الى النوم، انهم لا يجيدون العمل الا تحت جنح الظلام، ولا يحسنون الا تدبير الامور في الليل فقط، ولذلك ينبغي فضحهم والكشف عن خططهم المدمرة التي ان اصروا عليها، فانها ستحرق الاخضر واليابس، كما يقولون.
   عن سبب استمرار العنف والارهاب، بالرغم من التحاق العديد ممن كان يدعي أنه يمثل الجماعات المسلحة بالعملية السياسية، قال نــــــــــــــــــــــــزار حيدر؛
   أعتقد أن الأمر لا يتعدى أحد ثلاثة أمور؛
   فاما أن يكون هؤلاء المدعين قد كذبوا على العراقيين، فلم يكن لهم أي تأثير ايجابي على الارهابيين، عندما قالوا بأنهم سيقنعونهم بايقاف العنف والقتل اذا ما شاركوا في العملية السياسية، واما أنهم لا زالوا يوظفون العنف والارهاب والقتل والتدمير لابتزاز الآخرين وفرض أجنداتهم السياسية، أو أنهم لم يكونوا يؤثرون على مجموعات العنف والارهاب وانما العكس هو الصحيح، أي انهم كانوا (ولا زالوا) مطية للمجموعات المسلحة التي تسعى لتخريب العملية السياسية، وهذا ما أميل اليه وكنت قد كتبت فيه من قبل، ولذلك أرى أن من الواجب طرد كل عنصر من هؤلاء وابعاده عن العملية السياسية، ما لم؛
   أولا؛ يدين، وبصراحة، النظام البائد وجرائمه وسياساته الشوفينية التي انتهت بالعراق الى ما هو عليه الآن.
   ثانيا؛ يدين العنف والارهاب بكل أشكاله، ثم يثبت للعراقيين أنه فك بالفعل كل ارتباطاته بالارهابيين وقطع حبال الوصل والمودة معهم ومع أزلام وأيتام النظام البائد والعناصر التكفيرية التي تحالفت معهم على تدمير العراق.
   ثالثا؛ الاعتراف بشكل علني وواضح وصريح بالعملية السياسية، واحترامه لأدوات الديمقراطية، وعلى رأسها صندوق الاقتراع، فلا يظل يكرر المقولات المشروخة، تحت مسميات (التوافق) و(الوحدة الوطنية) (والمحاصصة) وما الى ذلك.
   عن الحل المقترح للخروج من هذه الازمة السياسية العاصفة، والتي باتت تهدد العراق بمخاطر جمة، قال نــــــــــــــــــــــزار حيدر؛
برأيي، فان الحل لا يوجد الا تحت قبة البرلمان، وان كل من يخشى الذهاب اليه ويصر على الحوار السياسي خارج قبته وفي الغرف المظلمة، فانما يسعى، بطريقة أو بأخرى، الى تدمير العملية السياسية، محاولا ابتزاز الاخرين للحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات الشخصية والحزبية والفئوية، من دون أن يكون للمصلحة الوطنية العليا أي معنى ومكانا في حساباته الخاصة.
   وتساءل نـــــــــــــــزار حيدر عن سبب امتناع البعض من الذهاب الى البرلمان والاحتكام الى الدستور الذي صوت عليه الشعب العراقي بأغلبية كبيرة جدا، لو كان سلاحه المنطق والدستور؟ لماذا يتحاورون في كل الملفات بعيدا عن قبة البرلمان؟ لماذا يريدون عقد الصفقات خارج قبة البرلمان؟ ما فائدة البرلمان اذن؟.
   وأقول بصراحة، أضاف نــــــــــــــــــزار حيدر، أن الازمة ستتفاقم وتتدهور الى الأسوء لا زال الحديث خارج قبة البرلمان، ولذلك لم نلمس جدية في كل الحوارات، ولم نسمعهم يتحدثون بصدق وأمانة، لأن أي حديث في البيوت والمكاتب الحزبية يظل حديثا غير رسميا، يمكن أن يغير أي واحد منهم أقواله وآراءه متى ما شاء وكيف شاء، وتلك هي الطامة الكبرى، ولذلك، مثلا، نراهم يتحدثون عن ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية منذ أربعة أشهر أو أكثر، من دون الاتفاق على المعنى والمفهوم، لأنهم يغيرون ما يدور في خلدهم وأذهانهم كل يوم وكل ساعة، خاصة اذا تذكرنا بأن أغلب الحوارات تجري في الليل وقديما قيل {كلام الليل يمحوه النهار} واذا بنا في كل يوم، أمام البدء من نقطة الصفر، لنفس الحوارات المتكررة على طريقة (حوار الطرشان).
   أما الحوار تحت قبة البرلمان، أضاف نـــــــــــــــــزار حيدر، فانه يتمتع بصفته الرسمية وأمام مرآى ومسمع الجميع، ولذلك لا يسعى المتحاورون في هذه الحالة، الى اللف والدوران والكذب والغش والتسويف والمماطلة، خاصة اذا تذكرنا بأن الجميع، تحت قبة البرلمان، محكومون بسقوف زمنية محددة تضغط عليهم باتجاه الاسراع في التوصل الى الاتفاقات المطلوبة، وهذا ما يدفع بالجميع الى تقديم بعض التنازلات الضرورية من أجل ذلك، على العكس من الحوارات في البيوت والمكاتب التي ليس لها أي سقف زمني، فهي مفتوحة الى ماشاء الله تعالى، ولذلك لا يفكر أي أحد من الفرقاء بتقديم أي تنازل ضروري، على أمل ان يقدم الاخرون مثل ذلك، وهكذا دواليك.
   وأضاف نــــــــــــــــــــزار حيدر بالقول؛
   ان عدم الذهاب الى البرلمان بصورة جدية، وليس بالصورة الهزلية التي رآها العراقيون يوم أمس، والتي تشبه الى حد بعيد بعض فصول المسرحيات الهزلية، يعد التفافا على ارادة العراقيين واستخفافا بخياراتهم، وترك الدستور وراء ظهورهم، وهذا ما لا ينبغي على العراقيين السكوت عنه بأي شكل من الاشكال، لأنه سيدمر العملية السياسية على المستوى البعيد.
   وفي نهاية الأمسية السياسية، تمنى نـــــــــــــــــــــــــزار حيدر على العراقيين، وخاصة أصحاب القلم والبيان، أن يتحملوا مسؤولياتهم بكل جرأة وشجاعة، من خلال وضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار أو انتماء آخر، من أجل صناعة رأي عام ضاغط على الزعماء في بغداد، للمساهمة في انتشال العراق من محنته الحالية، قبل أن تتدهور الامور الى الأسوء، وعندها، فسيعظ الجميع على أصابعهم ندما، بما فرطوا في الأيام الماضية.

16 آذار 2006[/b][/size][/font]

33
نـــــــزار حيدر في التجمع الجماهيري الذي عقده مركز دار السلام في العاصمة الاميركية واشنطن:
تسمية المجرم..لعزله
نـــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   قال نـــزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، أن المرجعية الدينية، عندما سمت المجرمين القتلة الذين دنسوا المقدسات الإسلامية في مدينة سامراء، بتفجيرهم لمرقد الامامين الهمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام، بـ(التكفيريين) إنما قصدت بذلك عزلهم عن المجتمع العراقي، ومحاصرتهم، حتى لا تتهم أية طائفة من طوائف المجتمع العراقي بارتكابها لتلك الجريمة البشعة، داعيا السنة في العراق إلى أن يحذوا حذو المرجعية الدينية، فيبادروا إلى تسمية الفاعل، وتحديد هويته، للمشاركة في عزله عن المجتمع، وبالتالي محاصرته وطرده من بين صفوف العراقيين.
   وأخذ نـــــــزار حيدر، الذي كان يتحدث في التجمع الجماهيري الذي عقده مركز دار السلام في العاصمة الاميركية واشنطن يوم أمس، لشجب واستنكار العملية الإرهابية التي طالت المرقد المقدس في مدينة سامراء، وللتأكيد على الوحدة الوطنية العراقية، أخذ على علماء السنة في العراق التسرع في اتهام (الشيعة) بعد كل عملية قتل يتعرض لها إمام مسجد(سني) مثلا، فذلك يدل على عدم تحليهم بالحكمة ووقوعهم في فخ الإعلام العربي الطائفي، الأمر الذي يؤدي إلى التحريض على العنف والإرهاب، وهذا أمر يؤسف له، ما كان ينبغي على سنة العراق أن يقعوا فيه، وهم يرون ويلمسون الظروف القاسية والمريرة والقاهرة التي يمر بها العراق في ظل التحديات الخطيرة.
   وأضاف نـــــــــزار حيدر بالقول: 
   لم يثبت سنة العراق، وللأسف الشديد، الحكمة الكافية والعقلانية اللازمة، لتجاوز الأزمات التي تمر بالعراق وأهله، فبينما تحصر المرجعية الدينية المسؤولية على الفئة الضالة (التكفيريون) لعزلهم عن المجتمع العراقي وعن (السنة) على وجه التحديد، يطلع علينا علماء وقادة السنة في الإعلام العربي الطائفي ويحملون (الشيعة) مسؤولية كل ما يتعرضون له، أحيانا، من قتل أو هجوم على مسجد أو مقر حزبي، إن ذلك ليس من الإنصاف، وهو لا يساهم في تحقيق الوحدة الوطنية، أبدا، فلماذا يتهم الشيعة، فور كل عمل مرفوض يطال(السنة) فيما يسجلون كل هذه الجرائم التي تتعرض لها الأغلبية من العراقيين، والتي كان آخرها الجريمة التي شهدتها مدينة سامراء، ضد مجهول؟ .
   ودعا نــــــــــزار حيدر سنة العراق إلى تسمية المجرم وحصر المسؤولية بالتكفيريين والمتخلفين القتلة ليساهموا في محاصرتهم وعزلهم عن المجتمع العراقي، معتبرا أن استمرار وجود هذه الفئة الضالة في العراق، يشكل خطرا كبيرا على مستقبل هذا البلد وشعبه.
   وفي تصريحات أدلى بها إلى الفضائية (العراقية) عما استهدفه المجرمون من فعلتهم الشنيعة في مدينة سامراء، قال نـــــــــزار حيدر:
   لقد استهدف هؤلاء القتلة المجرمون أمران؛ الأول، هو تفتيت وحدة المجتمع العراقي، من خلال إثارة النعرات الطائفية إلى درجة الحرب، وفل عزيمة العراقيين لتهيئة الأرضية اللازمة للعودة بالعراق إلى سابق عهده، تحكمه الأقلية في إطار سياسة الإقصاء العنصري والطائفي، والثاني، هو تدمير العملية السياسية الجديدة، وإيقاف التقدم الملحوظ الذي يشهده العراق على هذا الصعيد.
   ولذلك، قال نــزار حيدر، فان أفضل رد يجب أن يأتي من العراقيين كافة على هذه الجريمة، هو التمسك أكثر فأكثر بالوحدة الوطنية، والاندكاك في العملية السياسية الجارية في البلاد.
   عن قراءته لمعنى ردود الفعل الكبيرة التي ووجهت بها الجريمة النكراء، قال نــــــــــــــــزار حيدر:
   انه دليل واضح على أهمية وقداسة الهدف الذي تعرض لهذه الجريمة(الحضرة العسكرية في مدينة سامراء) ودليل على احترام كل العالم له، كما أنه دليل على عظمة الجريمة التي ارتكبها القتلة، ولذلك جاءت ردود الفعل عالمية وإسلامية وعربية، شعبية ورسمية. 
   كما أنها، ردود الفعل الواسعة، تدلل على أن العالم استوعب الرسالة التي حاول المجرمون القتلة تبليغها بفعلتهم الشنيعة، وهي السعي لتدمير العملية الديمقراطية في العراق الجديد، ولذلك وقف العالم إلى جانب العراقيين الذين يسعون لبناء نظامهم السياسي الديمقراطي الجديد، ضد التكفيريين الظلاميين.
   وكان قد تحدث في التجمع، كذلك، كلا من السيد حامد الأعرجي إمام مركز دار السلام، والذي استنكر الجريمة التي طالت مرقدا مقدسا ومحترما لدى جميع العراقيين وليس عند الشيعة فقط، على حد قوله، والدكتور داوود عبد الرحمن ممثل جبهة التوافق العراقية في واشنطن، والذي غبط الشيعة على مرجعتهم الدينية الرشيدة التي ساهمت في توحيد الموقف الشيعي ونزع فتيل الفتنة الطائفية، الأمر الذي يفتقر إليه سنة العراق، على حد وصفه، وكذلك السيد كريم الموسوي ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق في العاصمة واشنطن، والذي أكد على أن مثل هذه الجرائم لن تؤثر على تقدم سير العملية السياسية الجديدة في العراق، لوعي العراقيين للأهداف الخبيثة التي يضمرها الإرهابيون القتلة.
   كما شارك في المداخلات عدد كبير من الحضور الكريم، منهم السيدة مريم الريس عضوة الجمعية الوطنية العراقية المنتهية ولايتها، والتي حلت ضيفا على العراقيين في واشنطن من بغداد، والدكتور مهدي الصندقجي عضو الأمانة العامة في مركز دار السلام، وآخرون عديدون، شجبوا في أحاديثهم الجريمة النكراء، داعين إلى حوار أكثر صراحة وجدية بين مختلف الفرقاء، لقطع الطريق على القتلة والمجرمين.
   الجدير بالذكر، أن هذا التجمع أداره الإعلامي العراقي المعروف الدكتور عادل عوض، والذي قدم رؤية وافية عن تطورات الوضع السياسي والأمني في العراق، اثر الجريمة النكراء التي هزت العراق والعالم، مشيرا إلى مختلف جوانب الأزمة وتداعياتها، بما في ذلك احتمالات اندلاع حرب طائفية بين العراقيين، ومدى اقتراب هذا الاحتمال مع الواقع الاجتماعي العراقي المتنوع.

26 شباط 2006[/b][/size][/font]

34
نــــــــزار حيدر لـ(المنتدى الرسالي)البحريني:
لهذه الأسباب أنا متفائل إزاء مستقبل العراق

أدناه، نص الحوار الذي أجراه (المنتدى الرسالي) البحريني مع مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، نــــــــــزار حيدر
أجري الحوار في (7 كانون الثاني) المنصرم
   
توطئة

الحمد لله، وصلى الله على رسوله وآله المنتجبين الطاهرين.
في البدء، اسمحوا لي، أيها الإخوة الأعزاء، أن أتقدم بوافر الشكر والتقدير لكم ولكل المشاركين والمشاركات في هذا المنتدى، لإتاحتكم لي هذه الفرصة الثمينة، لأطل من خلالها على إخوتي وأخواتي في مملكة البحرين، على وجه التحديد، وعلى كل رواد المنتدى بشكل عام.

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

السؤال الأول:

الأستاذ نــــزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن؛
لا يخفى على أحد تاريخك الطويل في ساحات الجهاد، والإخوة الرساليون، سواء في العراق أو البحرين أو الجزيرة العربية، يحملون ذكريات كثيرة معك عن تلك الأيام.
فهل تتفضل وتذكر لنا شيئا منها؟.

الجواب:

   لست ممن يتحدث عن نفسه، فلقد أوكلت هذه المهمة للآخرين، ولكن، إن كان ولا بد، فاسمحوا لي أن أتحدث بالمجمل عن تلك المرحلة من التاريخ.
   فبالنسبة لي، تعتبر تلك المرحلة، بدايات التأسيس والتشكل الفكري والثقافي، بل وحتى السياسي.
إنها المرحلة التي أسست للمستقبل، الذي اعتبره الآن الامتداد الحقيقي والطبيعي لها، فلولا تلك المرحلة، لما كان الحاضر الحالي بكل تفاصيله، لأن المرء ابن ماضيه، كما تقول الحكمة، إذ لا يقدر الإنسان، أي إنسان، أن ينفصل عن ماضيه، إلا من أجل تطوير مستقبله، فإذا كان ماضي المرء سيئا، فبامكانه أن يستفيد منه لتطوير ذاته نحو الأفضل، وإذا كان ماضيه حسنا، فعليه أن يوظفه على أحسن حال من أجل أن يبني عليه مستقبلا مشرقا، المهم أن لا يفكر بالانسلاخ عن الماضي، بقدر ما يجتهد من أجل توظيفه لمستقبل أفضل، لأنه لا يقدر على الانسلاخ أبدا، فماضي المرء وحاضره ومستقبله، مراحل ثلاث مترابطة.
   أما الذكريات بهذا الصدد، فهي كثيرة لا يسع المجال لذكرها هنا، على أمل أن أوفق لكتابة جوانب منها، علها تكون تجارب خير للأجيال الجديدة من الرساليين والعاملين في مجال البناء الحضاري الذي ينشده المخلصون لأمتهم وشعوبهم.

السؤال الثاني:

ما هو تقييمك لمحاكمة طاغية العراق؟ وهل ترى أن المحكمة، والقاضي على وجه الخصوص، متساهلة مع الطاغية وأعوانه المجرمين؟.

الجواب:

   قد يكون القاضي السابق السيد رزكار أحمد أمين، حاول بطريقته الهادئة في إدارة المحكمة، أن يعطي صورة جديدة لما عليه القضاء العراقي ما بعد نظام الطاغية الذليل، ولقد فعل خيرا ونجح نجاحا باهرا في إيصال الرسالة إلى من يهمه الأمر من الأنظمة والحكام العرب على وجه التحديد، الذين يقودون أنظمة شمولية ليس للقضاء الحر والمستقل أي معنى، وان كنت أشك في أنه، أو أي أحد غيره، سيترك الأثر المطلوب في تبليغ مثل هذه الرسالة الحضارية عميقة المعنى والمحتوى والمغزى، لأن(من شب على شئ، شاب عليه) كما تقول الحكمة المعروفة، إذ من غير الممكن أن تستوعب مثل هذه الأنظمة هذا النوع من الرسائل، إلا أن القاضي عمل الذي عليه، ونجح في التفريق بين صورتين متناقضتين للقضاء العراقي، الأول الذي كان سائدا في عهد الطاغية الذليل، والذي كان يقوم على أساس أن الحاكم الأوحد هو القانون وهو القضاء وهو الدستور، وهو، بكلمة أخرى، الخصم والحكم.
   أما الصورة الثانية، التي نأمل أن تتكرس قواعدها وأصولها في العراق الجديد، فتقوم على أساس القضاء العادل المستقل الذي لا تتدخل فيه السلطة، لا من قريب ولا من بعيد، يسمع للشهود ويدون أدلتهم، كما يستمع إلى المتهم ويسجل إفاداته، ويعطي للطرفين وقتا متساويا للرد والاستفسار والنقاش والسؤال، ويتعامل مع المتهم والمشتكي بقدر متساوي من العدالة والإنصاف.
   إلا أن الشئ المهم الذي يجب أن نشير إليه هنا، هو أن هذه الطريقة جاءت، للأسف الشديد، على حساب مشاعر ضحايا النظام البائد، خاصة الأمهات والأرامل والأبناء الذين فقدوا أعز أحبتهم في عهد الطاغية الذليل، إما بالقتل أو بالاغتيال أو في المقابر الجماعية، أو في الإذابة في أحواض الأسيد، أو بأية طريقة شنيعة أخرى، كان يستخدمها النظام البائد لتصفية خصومه.
   ولهذا السبب، اعتبر الكثير من العراقيين، أن المحكمة ليست أكثر من مسرحية هزيلة تلاعبت بمشاعر الضحايا إلى درجة القرف، ولذلك شهدنا خروج الكثير من العراقيين في تظاهرات في العديد من محافظات العراق تطالب بتغيير نمط وطريقة إدارة المحكمة، كما أبدى كثيرون اعتراضهم على ذلك، وقد عبروا عن ذلك بكتاباتهم وأحاديثهم وتصريحاتهم، التي ملأت الشاشة الصغيرة ومواقع الانترنيت، بل أن الكثير، حتى من المسؤولين العراقيين، أبدوا استغرابهم من طريقة إدارة المحكمة من قبل القاضي السابق، الذي اعتبروه أنه كان متساهلا مع الطاغية وأعوانه المجرمين، إلى درجة كبيرة.
   وربما لهذا السبب، تم تغيير القاضي ليحل محله آخر أكثر شدة وصرامة مع المجرمين الذين يمثلون في هذه المحكمة، كطريق للانصياع إلى موقف الشارع العراقي الغاضب.
   وبكلمة، فأنا أعتقد بأنه لا يجوز التساهل مع الطاغية وأزلامه إلى هذه الدرجة، ولا بد أن تتسارع خطى المحكمة للوصول، في أسرع وقت ممكن، إلى يوم النطق بالحكم، لينال الطاغوت وزبانيته جزاءهم العادل لما اقترفوه بحق العراق وشعبه ودول الجوار وشعوبها، فالطاغية الذليل صدام حسين أصبح بحكم التاريخ، ولذلك لا يجوز أن ننشغل به أكثر من الزمن الذي استغرقته المحكمة لحد الآن، كما لا يجوز الاستمرار في التلاعب بمشاعر العراقيين مدة أطول، تحت مسميات عدالة القضاء وحرية الدفاع وإدارة المحكمة ضمن المواصفات الدولية وما إلى ذلك، فلماذا لا يحاكم، غير الطاغية، بهذه المواصفات، إلا أن يبيت البعض خطة مدروسة ليفلت بها الطاغية من حكم الإعدام المحقق الذي يجب أن يكون من نصيبه، ليس على جرائمه التي ارتكبها طوال (35) عاما من حكمه الأسود، وإنما لجريمة واحدة فقط من جرائمه، ولك أن تختار أية واحدة منها لتجد أن الحكم بالإعدام، هو الجزاء الأوفى لها.
   
السؤال الثالث:

ما هي توقعاتك حول مستقبل العراق بعد تشكيل الحكومة الجديدة المرتقبة؟.

الجواب:

   العراق إلى خير بإذن الله، وان تشكيل الحكومة العراقية الجديدة سيكرس الواقع الجديد الذي بدأ يشهده هذا البلد منذ سقوط الصنم ولحد الآن.
   فعلى الرغم من كل الظروف القاسية التي تمر بالعراق وشعبه، وبالرغم من كل التحديات التي يواجهها، وعلى رأسها تحدي العنف والإرهاب الذي تغذيه أجهزة مخابرات دولية وإقليمية، لتخريب العملية السياسية القائمة على أساس الشراكة الحقيقية في السلطة بين مختلف مكونات الشعب العراقي، خاصة الأغلبية(الشيعة) وأكبر الأقليات(الكرد) هتين الشريحتين اللتين ظلتا تحت خط القمع والتهميش في ظل أنظمة (الأقلية) الطائفية والعنصرية التي تعاقبت على الحكم في العراق، مع كل ذلك، إلا أن المستقبل الذي ينتظره العراقيون يبشر بكل خير، لحضور عناصره ومقوماته، التي يمكن تلخيصها بما يلي؛
   أولا؛ الحضور الفاعل للشعب العراقي الذي آلا على نفسه أن لا يترك الساحة السياسية من الآن فصاعدا لحفنة من اللصوص والمنتفعين الذين يبيعون ويشترون بمصالحه ومصالح البلاد.
   ولقد تجلى هذا الإصرار على الحضور ثلاث مرات حتى الآن، المرة الأولى في الانتخابات التشريعية الأولى التي جرت في الخامس عشر من كانون الثاني عام 2005، والثانية في الاستفتاء على الدستور في الخامس عشر من تشرين الأول عام 2005 كذلك، والثالثة في الخامس عشر من كانون الأول المنصرم.
   فلقد أبدى العراقيون إصرارا غريبا على الحضور عند صندوق الاقتراع، بالرغم من كل التحديات والتهديد بالقتل والموت، لعلمهم بأن الحضور في الساحة السياسية والشأن العام، هو أقصر الطرق وأفضلها وأسلمها لصيانة التضحيات والإنجازات من عبث العابثين وسرقة اللصوص وتجار السياسة، وهذا ما كان، فلقد كان لهذا الحضور دورا مفصليا في تثبيت حقوق وتكريس حقائق، ما كان يمكن أن يتحدث عنها العراقيون لولا هذا الإصرار على الحضور الفاعل.
   الثاني؛ المرجعية الدينية التي ثبت بالتجربة بأنها صمام الأمان لحفظ وصيانة منجزات الشعب الذي ضحى من أجلها بالغالي والنفيس.
   إن الدور الأبوي الذي تلعبه اليوم المرجعية الدينية، وعلى رأسها المرجع السيستاني وبقية المرجعيات المتنورة المتصدية للشأن العام، بمثابة عنصر الاطمئنان إزاء المخاطر التي تواجه تجربة العراقيين الجديدة، فالرقابة التي تمارسها المرجعية الدينية على الساحة، والرؤى الثاقبة التي تغذي بها العملية السياسية، والترشيد الذي تمارس دوره لكل ما يتعلق بالشأن العام، والتدخل في اللحظة الحرجة لتحقيق الصالح العام وتثبيت الحقوق، كلما شعرت بالمخاطر تحدق بالعملية الديمقراطية، والنصيحة والمشورة التي تقدمها لكل الزوار من دون تمييز أو استثناء، إن كل ذلك، وغيره، مؤشرات على أن العراق يسير بالاتجاه الصحيح ونحو الأفضل، وان كانت الخطوات بطيئة، إلا أن الحكمة تقول (خير للإنسان يكون كالسلحفاة في الطريق الصحيح، من أن يكون غزالا في الطريق الخطأ).
   الثالث؛ هو التعددية السياسية التي ستحول دون تكرار تجارب الأنظمة الشمولية، التي تقوم على قاعدة نظام الحزب القائد والقائد الأوحد والحزب الواحد، التي تنتهي عادة إلى الاستبداد والديكتاتورية.
   إن مما يطمئن على عدم تكرار مثل تلك التجارب السيئة، هو هذا النوع من التعددية السياسية الحقيقية التي يجب أن يحترمها الجميع ويحرص على استمرارها، فهي المعبر الحقيقي عن غياب ظاهرة الاستحواذ وسياسة الإقصاء، وان الذين يعتبرون هذه التعددية دليل تشتت في الآراء وتمزق في الرؤى، فإنهم مخطئون ومغرضون في أغلب الأحيان، لأنهم، وبحجة وحدة الصف والحرص على وحدة الرؤى، يريدون اختزال التعددية في تيار سياسي واحد، أو اختزال الزعامات بزعيم أوحد، سينتهي به المطاف إلى الاستبداد والديكتاتورية شئنا أم أبينا، ومهما كانت هذه الزعامة الواحدة أو تلك مؤمنة ومتقية ووطنية، فالمرء بطبيعته ميال إلى الاستبداد إلا من عصم ربي، ولا يكون ذلك إلا بالتعددية والتنافس السياسي والحزبي الشريف، والى هذا المعنى أشار القرآن الكريم بقوله{إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى} وهل هناك أكبر من غنى الاستفراد بالسلطة  والاستحواذ على الساحة، من دون منافس أو تعددية حقيقية؟.
   الرابع؛ إقرار النظام اللامركزي للعراق الجديد، بغض النظر عن المسميات.
   إن ذلك، ينهي، والى الأبد، عهد السيطرة المركزية الحديدية على الأطراف، والذي يهمش الدور الشعبي في العملية السياسية لدرجة الإلغاء والإقصاء.
   كما أن اللامركزية، تضع حدا للعبة السرقات المسلحة (الانقلابات العسكرية) التي ابتلي بها العراق.
   بالإضافة إلى ذلك، فان هذا النوع من الأنظمة السياسية، يغذي روح المسؤولية، والروح الوطنية، عند العراقيين، عندما يشعرون بأنهم مسؤولون عن كل تصرف، فلا يفكروا بتحميل السلطة في المركز، كل المشاكل، والهروب منها.
   
السؤال الرابع:

هل ترى من الصواب فتح الحوار مع الإرهابيين والتكفيريين في العراق؟ وما مدى إمكانية تحقيق ذلك؟.

الجواب:

   أولا يجب أن نميز بين جنسيات هؤلاء التكفيريين والإرهابيين.
   فالأجانب الغرباء (من العرب وغيرهم) الذين وفدوا إلى العراق من الخارج ممن جندتهم المنظمات الإرهابية للقتال ضد العراقيين الأبرياء، هؤلاء لا حوار معهم أبدا.
   هؤلاء يجب أن يتركوا العراق فورا ويغادروا على وجه السرعة، ويعودوا إلى بلدانهم، وإذا كانوا يتصورون بأن جرائمهم وأعمالهم الوحشية جهاد ومقاومة فليعودوا إلى بلدانهم وليمارسوها هناك، وليدخلوا الجنة، إن أرادوا، من هناك، إذ أن أغلب هؤلاء قدموا من بلدان تزدحم فيها القوات الأجنبية، إذا كانوا قد جاءوا إلى العراق للقتال ضد القوات الأجنبية، فضلا عن أن أغلب بلدانهم ترفع الأعلام الإسرائيلية فوق أسطح بنايات سفارات إسرائيل، وما عمان والدوحة والقاهرة وغيرها ببعيدة، أو أنها تحكم من قبل أنظمة استبدادية شمولية، ملكية وراثية أو عسكرية، متخلفة لا ترعى في أمتها وشعوبها إلا ولا ذمة، كان حقا على هؤلاء مقاتلتها وإنقاذ بلدانها من شرها وشرورها، فلماذا يأتون إلى العراق لإنجاز مهامهم؟ وبلدانهم وشعوبهم أولى بـ (جهادهم ونضالهم)؟ وأكثر حاجة إليهم، من أجل إنقاذهم من العبودية للطاغوت والفقر والتخلف والأمية؟.
   على هؤلاء أن يتركوا العراق وأهله، فالعراقيون لم يطلبوا من أحد أن يقاتل بالنيابة عنهم، أو أن يأتي إلى العراق ليعطيهم دروسا في الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى أو في سبيل نصرة الوطن وعزته.
   لقد تعرض العراق الحديث للغزو الأجنبي مرتين، قبل ذلك، لم يطلب فيها العراقيون أية مساعدة أو دروس أو استشارة من أحد في المقاومة ضد المحتل، بل إنهم، في كل مرة، اعتمدوا على الله تعالى وعلى أنفسهم لطرد المحتل وتحقيق الاستقلال للبلاد.
   كما أنهم يعرفون جيدا كيف يقاومون الأنظمة الاستبدادية، فلعلهم من أكثر الشعوب تعرضا للأنظمة الشمولية والاستبدادية، وأن تاريخهم يزخر بالتجارب والدروس في هذا الصدد، ما يمكن أن يكون نموذجا يحتذى، تتعلم منه شعوب العالم، التي تتعرض للقمع والاضطهاد في ظل أنظمة مستبدة، دروسا وتجارب.
   أما الإرهابيين والتكفيريين من العراقيين، فإذا كان الهدف من الحوار معهم هو لإلقاء سلاحهم أولا وقبل كل شئ، ومن ثم لتقديم زعماءهم للقضاء العادل لينالوا جزاءهم الطبيعي على ما اقترفوه من جرائم وحشية مروعة ضد الشعب العراقي الصابر، فذلك أمر مستحسن، وقد يكون واجبا، بشرط أن تأخذ الحكومة العراقية الجديدة على عاتقها هذا الأمر وهذه المسؤولية، وليس القوات متعددة الجنسيات أو الاميركان أبدا، لأن حوار هؤلاء معهم عادة ما يكون في اطارصفقة سياسية، دائما ما تكون ضد مصالح العراقيين، أما حوار الحكومة العراقية، فبينها وبين زعماءهم القضاء العادل، وبينها وبين المغرر بهم، من الذين غسلت أدمغتهم بالفتاوى الطائفية الحاقدة، قد يكون العفو والصفح، تصدره الحكومة قرارات محدودة الأمد، أحد الحلول الممكنة والمعقولة، ليلقي أمثال هؤلاء سلاحهم ويعودوا إلى صف الشعب، نادمين على ما فعلوا، مصممين على عدم العودة إلى ماضيهم الأسود أبدا، ليبدأوا حياتهم من جديد، عناصر ايجابية فاعلة، توظف جهدها لبناء الوطن، بدل القتل والذبح والتدمير.
   أما أي نوع من الحوار مع كل أنواع هؤلاء وأمثالهم، من أجل مكافأتهم على جرائمهم، فتلك هي الخيانة بعينها، والتي لا يجوز لأحد أن يتورط بها أبدا، لأن ذلك سيشجع الإرهابيين على مواصلة أعمالهم الوحشية، على أمل أن تحاورهم الحكومة يوما ما، فيقايضوا السلاح بمنصب أو موقع في السلطة، وكل ذلك لا يصب في مصلحة العراق والعراقيين والعملية السياسية الجديدة، أبدا.
 
السؤال الخامس:

هل تستطيع الحكومة العراقية، بعد انسحاب الاحتلال، أن تفرض الأمن والسيطرة على الأراضي العراقية، كدولة مستقلة وحرة وقادرة؟.

الجواب:

   بالتأكيد، بل أن السبب الرئيسي لفشل الاميركيين في فرض الأمن في العراق، إنما هو لعدم تسليم الملف الأمني للحكومات العراقية التي تعاقبت على السلطة منذ سقوط الصنم.
   شخصيا، أشك في أن الاميركان جادون في التعامل مع الملف الأمني بصدق، بل أن هناك من يتهمهم بأنهم وراء الكثير من الأعمال الإرهابية التي يشهدها العراق، ليس بالضرورة بشكل مباشر، وإنما من خلال طرق ووسائل وأساليب عديدة، لحاجة في أنفسهم.
   فعندما يرفضون تحديد مصادر الإرهاب، ولا يقبلون الكشف عنها بشكل حقيقي وواقعي، فان ذلك يعتبر بمثابة التستر على الإرهاب، وبعبارة أخرى تحريض عليه.
   كما أن إصرار الاميركيين على تدريب القوات العراقية الجديدة في الأردن تحديدا، وليس في أي بلد آخر، يعتبر كذلك تحريضا على الإرهاب، بعد أن ثبت استشراء الفساد المالي والإداري وتغلغل الإرهابيين في مجموعات المتدربين، لحظة انطلاقتهم للعودة إلى العراق، لاستلام مهامهم الأمنية.
   كذلك، فان تورط الاميركان في صفقات الفساد المالي والإداري، كصفقات السلاح المشبوهة في زمن الحكومة السابقة، وبالتالي تسرب أموال هذه الصفقات إلى الإرهابيين، يعد بمثابة تحريض على القتل، وهكذا.
   وبقراءة سريعة للخط البياني للملف الأمني، وما رافقه من تدخل سافر من قبل الاميركان في كل تفاصيله، يتضح لنا جليا بأن الحل الأنسب لهذه المعضلة الشائكة، هو أن يسلم الملف بالكامل للحكومة العراقية القادمة، من دون تدخل أي طرف خارجي، أما أن يبقى جهاز المخابرات العراقي(الجديد) يدار من واشنطن، ويبقى العاملون فيه يتقاضون رواتبهم من ميزانية تحددها أجهزة معينة في واشنطن، من دون أن يكون للحكومة العراقية أي دخل في ذلك، فان كل ذلك لا يساعد على إنجاح مهام الحكومة العراقية في بسط الأمن واستتبابه بالصورة المطلوبة، والتي يجب أن تكون عليه الحالة الأمنية.
   كذلك، فان اللقاءات والحوارات السرية التي يعقدها الاميركان، بين الفينة والأخرى، مع مجموعات العنف والإرهاب، من دون علم، فضلا عن موافقة، الحكومة العراقية أو أي من الأجهزة الأمنية العراقية، فان ذلك، كذلك، يعقد من مهام الحكومة العراقية على هذا الصعيد، ويزيد من تعقيد الملف، وهذا ما نراه ويلمسه العراقيون يوما بعد آخر.

السؤال السادس:

علقت، قبل فترة، على تصريحات وزير الخارجية السعودي الخطيرة.
والآن، وبعد وضوح الرؤية، وبخاصة بعد تدخل الجامعة العربية ومؤتمر القاهرة، ما هو تعليقكم؟.

الجواب:

   في الحقيقة، كانت ولا تزال الرؤية واضحة عندنا، نحن العراقيين، والتي يمكن تلخيصها بكلمة وهي؛
   إن أي تدخل من قبل الأنظمة العربية، وجامعتهم العتيدة، في الشأن العراقي، هو ليس لصالح العراقيين أبدا، وان تصريحات الوزير السعودي المشار إليها في السؤال، كانت تقف وراءها بواعث طائفية واضحة، فلأول مرة يتحدث هذا الوزير ويبدي مخاوفه من تهميش طائفة معينة في العراق(السنة تحديدا) وهو الذي لم يتحدث بهذه اللهجة طوال (35) عاما، هي مدة حكم الطاغية صدام، والتي ظلت خلالها الأغلبية من الشعب العراقي(الشيعة) وأكبر الأقليات(الكرد) يتعرضون للتهميش السياسي والاضطهاد المذهبي والقومي، بأقسى وأشد أنواعه، تمثل في الإقصاء السياسي والقتل والذبح والتصفيات والتهجير والمقابر الجماعية والأنفال وحلبجة وغيرها الكثير من الجرائم التي يندى لها تاريخ البشرية والعرب(على وجه التحديد) لأنها ارتكبت باسم العروبة والقومية العربية.
   كما تمثلت في بعض جوانبها، بالتدمير المنظم للاقتصاد الشيعي، من خلال عمليات التهجير لكبار تجارهم وأثريائهم، أو قتلهم وإعدامهم، بعد تجريدهم من كل ما يملكون، والاستيلاء على أموالهم المنقولة وغير المنقولة، والقتل المستمر للمرجعيات الدينية التي تمثل عصب الفكر والثقافة، إلى جانب التدمير المنظم للمؤسسات الثقافية والفكرية لهم، والتي تقف على رأسها الحوزات والمدارس الدينية.
   فأين كان هذا الوزير يوم ذاك؟ وهو الذي أقصى شيعة المملكة العربية السعودية من وزارته على مدى ثلاثين عاما، فلم يعين منهم سفيرا أو وكيلا لوزير أو مديرا عاما أو حتى موظفا عاديا في وزارة الخارجية، التي لا زال يقف على رأسها طوال هذه المدة المديدة من الزمن، ثم يأتي ليتحدث عن ما أسماه وقتها بمحاولات تهيش السنة في العراق؟.
   أما تهميش نظامه للمرأة فحدث عنه ولا حرج، إذ يكفي أن نتذكر بأن المرأة في ظل حكم نظام هذا الوزير محرومة من الإحساس بآدميتها، فلا يحق لها أن تتدخل في الشأن العام بأي شكل من الأشكال، وكفى بذلك تهميشا وقمعا لهذا الكائن الذي هو نصف المجتمع، أي، بعبارة أخرى، أن نصف المجتمع السعودي مشلول ومصاب بالكساح، فلماذا لا ينتقد الوزير كل ذلك، ثم يأتي ليتحدث عما أسماه بمحاولات تهميش السنة في العراق الجديد؟.
   أوليس من الأولى به، أن ينتبه إلى الواقع السياسي المزري لبلاده، ليعمل على إصلاحه، بدلا من أن يتدخل في الشأن العراقي، ويحاول، بتصريحاته الطائفية، أن يثير النعرات الطائفية بين أبناء البلد الواحد؟ وهو الذي يعرف، قبل غيره، مدى حساسية الظرف الذي يمر به العراقيون، والذين يحتاجون اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، إلى البلسم الذي يضمد الجراح التي ورثها العراقيون من النظام البائد، بسبب سياساته المجنونة التي كانت السبب وراء كل الذي يمر به العراق اليوم، بل والمنطقة؟.

السؤال السابع:

ما هو رأي الأستاذ نزار حيدر بالفيدرالية بالمفهوم السياسي؟ وبالمفهوم الشيعي العراقي؟.

الجواب:

   الفيدرالية، بالمعنى السياسي، هي النظام اللامركزي، وهي نقيض النظام المركزي الذي يحكم البلاد من المركز، من دون أن يعطي للأطراف أية سلطة حقيقية.
   وان أول من طرح فكرة النظام الفيدرالي للعراق، هم الكرد بسبب ما عانوه من ظلم مركب على يد الأنظمة المركزية التي تعاقبت على الحكم في بغداد.
   الأغلبية من العراقيين(وأقصد الشيعة) من جانبهم، درسوا المشروع فوجدوا فيه من الايجابيات ما يمكن أن يكون حلا لمشاكل العراق التي سببها الحقيقي، نوع النظام المركزي الحديدي الذي تحكم بواسطته أنظمة الحكم العراق، وبسببه دخل العراق في دوامة لعبة السرقات المسلحة(الانقلابات العسكرية).
   فالنظام الفيدرالي يمكن أن يكون مشروع حكم ينقذ العراق من ظاهرة الأنظمة الشمولية الاستبدادية، كما أنه يمكن أن يكون صمام أمان يقف بوجه لعبة الانقلابات العسكرية.
   وعلى الرغم من اختلاف الموقف الشيعي من نوع الفيدرالية، إلا أن الأغلبية تقريبا متفقة على أصل الموضوع، أي ضرورة تغيير نوع النظام السياسي في العراق الجديد من النظام المركزي الذي يسيطر على كل شئ، حتى في أقصى بلدة في أقصى الشمال أو الجنوب، إلى النظام اللامركزي الذي يمنح الأطراف فسحة كبيرة من الإدارة.
   لقد كتبت عن الفيدرالية، مقالا مفصلا، أتمنى على من يريد أن يتوسع في الإطلاع على هذا الموضوع، وكجواب على هذا السؤال، أن يطالع هذا المقال، وهو بعنوان{العراق..الفيدرالي}.

السؤال الثامن:

كونك مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، هل لك أن تعرفنا على أهداف هذا المركز؟ ومن هم القائمين عليه؟.

الجواب:

   مركز الإعلام العراقي في واشنطن، هو مؤسسة إعلامية طوعية وغير نفعية، وهي مؤسسة غير حكومية، ينشط فيها عدد من العراقيين الخبراء في مجال السياسة والإعلام والبحث والتحليل والتخطيط، وهي تسعى لتكون جسرا ينقل الصورة الحقيقية للعراق الجديد إلى الخارج، فيما تسعى، من جانب آخر، إلى نقل تصورات العالم عن العراق الجديد إلى العراقيين في الداخل، وخاصة المعنيين من مرجعيات وقادة سياسيين وزعماء أحزاب وقادة مؤسسات المجتمع المدني.
   وبرأيي، فان المركز نجح لدرجة كبيرة في تحقيق هذه الأهداف، وان كانت دون مستوى الطموح، إذ لا زلنا نعتقد بأن المهام أكبر والمسؤوليات جسام، وأن أمامنا الكثير الكثير الذي يجب أن نعمله من أجل صالح العراق والعراقيين، وهم يسعون لبناء نظام سياسي جديد، قائم على أسس الحرية والكرامة والتعددية السياسية والشراكة الحقيقية بين مختلف مكونات المجتمع العراقي، وكذلك، قائم على أساس التداول السلمي للسلطة، من خلال التنافس عند عتبة صندوق الاقتراع، الذي يجب أن يكون المفصل دائما وأبدا.

السؤال التاسع:

ما رأيك بإعادة تأهيل البعثيين للرجوع إلى ممارسة الحياة العامة في عراق ما بعد الطاغية؟.

الجواب:

   إذا كان المقصود من الحياة العامة، هو الشأن السياسي العام، فأنا ضد فكرة إعادة تأهيلهم الآن، جملة وتفصيلا، فلقد أثبتت السنوات الثلاث الأخيرة التي تلت سقوط الصنم، بأن البعثي لا يمكن أن ينسلخ عن ماضيه بسهولة أبدا، ولذلك نرى أن البعثيين السابقين يحنون للعودة إلى الماضي، وأنهم يعبرون عن هذه الرغبة بكل الطرق والوسائل، المشروعة منها وغير المشروعة، فبالقتل والذبح والسيارات الملغومة والأحزمة الناسفة، يعبرون عن هذه الرغبة، كما أنهم يعبرون عنها، أحيانا، بالحديث المنمق تحت مسمى الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي وما إلى ذلك.
   طبعا، من أجل أن ننصف البعثيين السابقين، علينا أن لا نطلق الصفة جزافا، فكلنا يعرف بأن أعداد كبيرة من العراقيين والعراقيات انخرطوا في صفوف حزب البعث المنحل لأسباب قاهرة، إما من أجل طلب لقمة العيش، أو من أجل اقتناص فرصة دراسية أو شغل وظيفة معينة، أو ما أشبه، فكلنا يعرف بأن شرط الحياة في ظل نظام الطاغية الذليل صدام حسين كان الانتماء إلى حزب البعث الحاكم، الذي أمسك بتلابيب الحياة، وفرصها بالمطلق.
   ولكننا عندما نتحدث عن البعثيين الذين نرفض تأهيلهم للحياة العامة(الشأن السياسي العام) هم اؤلئك المسؤولين والقادة في الحزب المنحل، إلى جانب البعثيين الذين يرفضون التخلي عن انتمائهم الحزبي، صغيرا كان أو كبيرا، أما المجرمين منهم، فبينهم وبيننا القضاء العادل الذي يجب أن ينزل بحقهم أقسى عقوبة، جراء ما اقترفته أياديهم الآثمة بحق العراقيين.
   نقطة مهمة يجب أن لا نغفل عنها، وهي، أن كل بعثي يحال بينه وبين العودة إلى الحياة العامة، يجب أن يصرف له راتب تقاعدي يحفظ كرامة أهله وأبناءه، إذ لا يجوز أن يؤخذ الأبناء بجريرة وذنب الآباء أبدا، فليس ذلك من الإنصاف الذي أمرنا به في شئ، ولقد قال رسول الله (ص){من لا إنصاف له، لا دين له} ولذلك يجب أن نتعامل مع هؤلاء بكامل الإنصاف، فلا يجوز أن يحرم أبناءهم وعوائلهم(البريئة) من أية فرصة، تعليمية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية.
   إن علينا أن نقدم نموذجا جديدا في التعامل مع الآخرين، بغض النظر عن ماضيهم، وإذا كان الإنصاف والحق يقضي بحرمانهم من التأهيل في الحياة العامة، فهذا لا يعني أن نتعسف، فنحرمهم من حق الحياة، أو نحرم أبناءهم منها، أبدا.

السؤال العاشر:

هل أن المعارضة العراقية، سابقا، وبعد توليها لزمام السلطة في العراق، طبقت شعاراتها ووعودها التي كانت تقطعها على نفسها في ذلك الزمن؟.

الجواب:

   حتى الآن، فان من الصعب أن نحكم عليها بشئ، لأن ظروف العراق لا زالت غير مستقرة، وأن المعارضة(سابقا) ليست وحدها التي تحكم في العراق، لنحكم ما إذا كانت قد وفت بوعودها والتزمت بتطبيق شعاراتها التي رفعتها أيام النضال السلبي أم لا؟ ففي الواقع العراقي اليوم أكثر من طرف يؤثر على سير العملية السياسية، فهناك القوات متعددة الجنسيات، كما أن هناك التداخلات الإقليمية والدولية، إلى جانب الأثر الذي تتركه جماعات العنف والإرهاب على الواقع العراقي.
   انه واقع متشابك، لا يسمح لنا أن نحكم على أي طرف (معارض في السابق) بإنصاف، وعلينا أن ننتظر بعض الوقت لنتمكن من تقييم المسارات، وتحديد المسافة بين الشعار والواقع.
   ولكن بالمجمل، فأنا أعتقد بأن جل الأطراف تسعى بجد وإخلاص إلى أن تكون صادقة مع نفسها ومع الشعارات التي كانت ترفعها، ووفية للأهداف التي كانت تدعو لها وتتبناها، من دون أن يعني ذلك أن السلطة وإغراءاتها، لم تترك أثرها وبصماتها على جوانب من مساراتها وممارساتها.
   الذي نأمله، هو أن يقترب الجميع، يوما بعد آخر، من واقعه الذي يجب أن يتشبع بواقع المواطن العراقي الذي ضحى بكل شئ من أجل هذا اليوم الخال من الطاغية ونظامه، وبالتالي فان المواطن هو ولي نعمة السلطة ورجالاتها، ولذلك يجب أن يكون الجميع أوفياء له، من خلال السهر على مصالحه وطموحاته المشروعة، لتحقيق حريته وكرامته، في حياة سعيدة وآمنة.

السؤال الحادي عشر:

بعد أن عشت معارضا أكثر سني عمرك، ما رأيك بالمعارضة الحالية للحكومة العراقية الجديدة بعد سقوط الطاغية؟.

الجواب:

   حتى الآن لم أجد، شخصيا، معارضة بالمعنى الحقيقي والواقعي للكلمة، فالذي أراه هو مجموعات من العنف والإرهاب، وزمر من القتلة واللصوص.
   أنا أفهم المعارضة، على أنها قيم ومبادئ وأهداف نبيلة ووسائل مشروعة وقيادة واضحة، وان كل ذلك لم نجده في كل ما نراه اليوم في العراق.
   فالذين يتلفعون بشعارات المقاومة والجهاد ضد المحتل، ليسوا سوى قتلة ومجرمين، عنصريين وطائفيين في أغلب الأحيان، فأية مقاومة هذه التي تقتل المواطن البرئ لثنيه عن الوصول إلى صندوق الاقتراع للإدلاء بصوته والمشاركة في العملية السياسية؟.
   يقولون إن كل خطوة سياسية في ظل الاحتلال باطلة، وان كل ما بني على باطل فهو باطل، ولكن، لماذا تسري هذه القاعدة في العراق فقط دون غيره من البلدان التي تتشابه ظروفها معه؟.
   لماذا يعترف الجميع بنتائج الانتخابات الفلسطينية التي تجري في ظل الاحتلال الإسرائيلي، ويصفق لها حتى السلفيون المتشددون، أو على الأقل يسكتوا عنها ويدعوا الفائرين يفكرون بكامل حريتهم، وهي التي أفرزت، مؤخرا، فوز (الإسلاميين الراديكاليين){أعداء الشيطان الأكبر سابقا، وصديقه المستقبلي، والعراب الجديد للتطبيع مع إسرائيل، والمسوق(الشرعي) للمشروع الصهيوني في العالم العربي والإسلامي، من خلال توظيف(تاريخ المقاومة) و(الشرعية الدينية)}؟ أو يقبلون ولا يعترضون على نتائج الانتخابات الأفغانية التي تجري في ظل الاحتلال الاميركي؟.
   ألا يعني ذلك، أن هؤلاء القتلة يتعاملون بطائفية مقيتة مع الأحداث في العراق، لشعورهم بتنامي دور الأغلبية (الشيعة) وأكبر الأقليات(الكرد) في الحياة السياسية الجديدة؟.

السؤال الثاني عشر:

كيف تفسر الموقف العربي من قضية العراق، قبل سقوط الصنم وبعده؟.
وهل تتوجس خيفة من دخول الجامعة العربية الأخير على خط العملية السياسية في العراق؟ أم أن ذلك من مصلحة العراقيين؟.

الجواب:

   كان الموقف العربي من قضية العراق، ولا يزال، ينطلق من مستويين كلاهما خطأ؛
   الأول؛ هو المستوى القومي العنصري، وهذا بالتأكيد لا ينفع مع حالة كالعراق، الذي يتشكل من شرائح اجتماعية متنوعة، ومن اثنيات متعددة، ولذلك ظلم الموقف العربي، الكرد والتركمان والآشوريين وبقية الاثنيات، لدرجة كبيرة.
   الثاني؛ هو المستوى الطائفي، الذي لا ينفع، هو الآخر، في حالة كالعراق الذي يشكل الشيعة الأغلبية، ولذلك ظلم الموقف العربي شيعة العراق كثيرا، وهو الذي لا زال، للأسف الشديد، يصر على أن يتعامل بطائفية مع قضية العراق من دون أن يتعلم من تجربته المرة.
   أخشى أن يستمر الموقف العربي في خطئه، وعندها فسوف يفشل في التعامل الايجابي مع العراقيين، ما يزيد الهوة عمقا واتساعا بينه وبينهم.
   إن على الموقف العربي، أن يعيد النظر بطريقة تعامله مع قضية العراق، فيكون أكثر ايجابية مع العملية السياسية وأكثر انفتاحا على نتائج الانتخابات الأخيرة، وعليه أن يتعامل مع الأمر الواقع الذي أفرزه صندوق الاقتراع مؤخرا.
   عليه أن لا يظل أسير الماضي، كما أن عليه أن لا يحبس نفسه في شرنقة العقدة من الأغلبية، من أجل أن ينفتح عليها ويتعامل معها كواقع اجتماعي حقيقي لا يمكن التغافل عنه أو تجاوزه، أبدا.
   وأنا شخصيا، لا أخشى كثيرا من الموقف العربي إزاء الواقع العراقي الجديد، بعد أن تحول هذا الواقع إلى قوة تستعصي على الهضم أو الكسر أو الالتفاف عليها.
   لست خائفا من الموقف العربي على قضية العراق، والذي لا زال سيئا، وبالرغم من كل الضغوط التي يمارسها لثني العراقيين من التمتع بالاستحقاقات الانتخابية، لأنني أثق بمن تصدى للعملية السياسية، وفاز بثقة العراقيين في الانتخابات الأخيرة.
   كما أنني أثق كثيرا بالعراقيين الذين صمموا على أن يعضوا على النواجذ، ليحولوا دون نزو اللصوص على حقوقهم أو سرقة تضحياتهم.
   إن على الموقف العربي أن يتأكد بأن زمن الطاغية قد ولى من غير رجعة، كما أن عهد نظام الأقلية قد ذهب مع الريح، ومن غير الممكن أن يعود يحكم العراق مرة أخرى، ولذلك عليه أن يبني مواقفه من قضية العراق على هذه الحقائق، حتى لا يعيش الخيال فيكرر أخطاءه يوما بعد آخر، وله في تجربته مع اجتماع القاهرة، الذي فشل في نهاية المطاف بسبب خطأ في الحسابات، تجربة وعبرة.
   لقد بذل الموقف العربي في اجتماع القاهرة جهودا(جبارة) من أجل إعادة تأهيل البعثيين والقتلة والإرهابيين والطائفيين، ولقد كاد أن ينجح في تحقيق غايته هذه، لولا الموقف العراقي الصارم الذي أفشل الجهد العربي المشبوه، وحال دون نجاح المساعي التي بذلتها الجامعة العربية، وشخص الأمين العام، المعروفة بحنينها إلى نظام الطاغية الذليل، لكثرة ما كانت تستفيد منه(سياسيا وإعلاميا وماديا) إلى جانب ما بذلته عدد من الأنظمة الطائفية، منها أنظمة مصر والأردن والسعودية.
   
السؤال الثالث عشر:

ما هي وصيتك للشباب الرسالي في البحرين؟ وكيف يمكننا الاستفادة من مرحلة الشباب؟.

الجواب:

   مرحلة الشباب، هي المرحلة الفاصلة بين اللعب والجد، بين الطفولة غير المسؤولة والرجولة المسؤولة عن كل شئ، إنها الفترة الزمنية التي تتبلور فيها شخصية الإنسان، ويصنع الرجل بها كيانه، بعد أن يكون قد قضى عهد الطفولة البريئة.
   من هنا، فان من الواجب على الشباب في البحرين، أن يستغل هذه المرحلة من أجل؛
   أولا؛ بناء الذات القوية الواعية القادرة على استيعاب تحديات الزمن، والتفكير السليم وتحمل المسؤوليات.
   ثانيا؛ المطالعة المركزة، لبناء الشخصية المثقفة، العارفة بزمانها، التي لا تتأثر بالوارد من الأفكار الغريبة والثقافات المستوردة المشبوهة، فتميل مع كل ريح، وبالتالي، لبناء الشخصية التي لا تهجم عليها اللوابس، كما يصفها قول المعصوم{العارف بزمانه، لا تهجم عليه اللوابس}.
   إن من المهم جدا، أن يستغل الشباب هذه الفرصة من العمر في المطالعة المفيدة وعلى مختلف الأصعدة {السياسية والإعلامية والإدارية والاقتصادية والتاريخية والاجتماعية، وقبل كل ذلك الثقافة الدينية} بالإضافة إلى قراءة تجارب الآخرين ومذكرات القادة والساسة والعظماء، ففيها من التجارب الإنسانية الثرة، ما يغني الإنسان على صعيد التجربة، وفي الحديث الشريف{السعيد من اتعض بتجارب غيره} وليتذكر الشباب دائما وصية المعصوم عليه السلام{اغتنم خمسا قبل خمس…وشبابك قبل هرمك} فإذا كبر الإنسان، ندم على ما فرط في أيام شبابه، ولكن{ولات حين مندم} إذ هل يمكن إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، لنعيد الكرة بطريقة أفضل؟ هيهات ذلك.
   ثالثا؛ طلب العلم والحصول على أعلى الشهادات الجامعية العلمية والتخصصية، فالبلدان لا تبنيها الشعارات أو الناس الجهلة والأميون، وإنما تبنيها الكفاءات والتخصصات العلمية والعلماء الحاذقون.
   رابعا؛ المشاركة الدائمة في الشأن العام، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ليكون للشباب دور مباشر في بناء الوطن، وليساهموا في حل مشاكله، ومواجهة التحديات الكبيرة التي تعترض طريقه، خاصة تحديات البطالة والفساد الاجتماعي، وتحدي الجنس والمخدرات وغيرها.
   خامسا؛ دراسة فنون الإدارة، ليتعلم الشباب منذ نعومة أظفارهم، كيف يديرون حياتهم بشكل متوازن، لا يأخذ أي جانب منها من حصة الجانب الآخر، في الاهتمام، فإذا نجح الشاب في إدارة حياته الخاصة فانه سينجح في إدارة عائلته ومحيطه، وبالتالي مجتمعه وبلده.
   إن التوازن في إدارة الحياة أمر مهم جدا، يجب أن يتعلم الشباب فنونه، خاصة في هذه المرحلة من العمر، ليتعودوا على نظم حياتهم، والنظام في ممارساتهم وأعمالهم وبرامجهم اليومية، وبذلك فإنهم سوف يكسبون الزمن ولا يفرطون بالطاقات، التي تهدر عادة، إلى جانب الزمن، بسبب الفوضى في الحياة وعدم انتظام أمور الإنسان.
   لقد أوصانا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بذلك في وصيته بقوله{ونظم أمركم} والذي يبدأ بالحياة الشخصية للإنسان فصاعدا، فبالنظام لا يفرط الإنسان بوقته ولا يهدر طاقاته، ولذلك نرى، مثلا، أن المرء الذي ينظم وقته ينتج أكثر ويكسب وقتا إضافيا، أما المهمل الذي يمر عليه اليوم بالفوضى العارمة، فتراه يقطع الوقت ويهدر الزمن، من دون أن ينتج شيئا أو ينجز أمرا.
   أسأل الله تعالى التوفيق والسداد للجميع، فهو حسبنا ونعم الوكيل.

الأول من آذار2006[/b][/size][/font]

35
نـــزار حيدر لبرنامج (عين على الديمقراطية):
الديمقراطية من دون صحافة حرة، أكذوبة كبرى
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   اعتبر نــــــــــــــــــــــزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، أن الحديث عن ديمقراطية من دون صحافة حرة، هو بمثابة الأكذوبة الكبرى التي يراد منها إيهام وخداع الشعوب العربية، التي تحاول النهوض من تحت ركام الأنظمة الشمولية الاستبدادية، في ظل نظام القرية الصغيرة الذي يحكم العالم اليوم.
   وأضاف نـــــــــــــــزار حيدر الذي كان يتحدث لبرنامج (عين على الديمقراطية) الذي تبثه قناة (الحرة) العالمية الفضائية والذي يقدمه الإعلامي العربي الأستاذ محمد اليحيائي؛
   إن الديمقراطية وحرية الصحافة أمران متلازمان لا يمكن الفصل بينهما أبدا، فأينما حطت حرية الصحافة رحالها، تلمسنا الديمقراطية، والعكس هو الصحيح، فإذا شممنا رائحة الديمقراطية في مكان ما، يعني بالضرورة أننا سنجد صحافة حرة.
   عن الكم الهائل من الفضائيات العربية، وفيما إذا كان ذلك دليل على حرية الإعلام، قال نـــــــــــــــــــــزار حيدر؛
   إن كل هذه الفضائيات لا تعدو كونها أحد نوعين، فإما أنها فضائيات سلطوية تمتلكها الحكومات والأنظمة الشمولية، ولذلك فهي نسخة طبق الأصل للمحطات الأرضية التي تديرها هذه الأنظمة.
   أو أنها فضائيات، يمكن وصفها بالحرة ولكن ليس في حدود جغرافية البلد الذي تنطلق منه، وإنما على جيرانه، وهي تشبه إلى حد بعيد قصة الحوار الذي دار بين مواطنين أحدهما أميركي والآخر سوفيتي، زمن الحرب الباردة وقبل سقوط الشرق الشيوعي، عندما سأل السوفيتي المواطن الاميركي عن دليل الحرية التي يتمتع بها الشعب الاميركي، فأجابه بالقول {مثلا، أن بامكان المواطن في أميركا أن يشتم الرئيس روزفلت علنا وفي الشارع} فرد عليه المواطن السوفيتي بسرعة بديهة خارقة وذكاء قل نظيره{عندنا، كذلك، من حق المواطن السوفيتي أن يشتم الرئيس روزفلت علنا في الشارع} فهذا الإعلام العربي تراه ينتقد كل شئ، ويحاسب ويراقب، ولكن ليس السلطة في بلاده، وإنما تلك التي خارج حدودها الجغرافية.
   وأضاف حيدر؛
   برأيي، فان من أول مصاديق حرية الإعلام، هو أن تمارس وسائله المختلفة النقد الذاتي قبل أن تتحدث عن عيوب الآخرين، فلماذا نرى مثلا، أن هذا الإعلام تثور ثائرته بركانا غاضبا، إذا ما تم الكشف عن إساءات مرفوضة لسجناء في بغداد، على يد القوات الأميركية أو البريطانية، ولا يحرك ببنت شفة عن كل هذه الإساءات المرعبة التي يتعرض لها سجناء الرأي في بلاده؟  فضلا عن أنه لم يبذل أي جهد يذكر للكشف عنه وإماطة اللثام عن حقيقة ما يجري في سجون أنظمة البلدان العربية؟.
   وقال نـــــــــــــــــــــزار حيدر؛
   أعتقد أن مرد ذلك يعود إلى أن جل الإعلاميين العرب يمكن وصفهم بأنهم (إعلاميو السلطة) إلا ما ندر، ولذلك، ليس في البلاد العربية نضال حقيقي من أجل تحقيق حرية الصحافة، وان كان الأمر بدأ يشهد تغيرا ملموسا نحو الأحسن في السنين القليلة الأخيرة، والذي نتمنى أن يتصاعد هذا النضال أكثر فأكثر، من أجل بناء ديمقراطية حقيقية بعيدا عن خدع السلطات القائمة.
   عن مسؤولية حماية الصحفيين الأحرار في العالم العربي، قال نـــــــــــزار حيدر؛
   من المفترض أن تحمي السلطة رجال الإعلام، إذا كان النظام ديمقراطيا، ولكن في ظل الأنظمة الشمولية، فان من المفترض أن يحمي المتلقي (المواطن) حرية الصحافة والصحفيين الأحرار، إلا أن المشكلة في هذا المتلقي في البلاد العربية، محكوم إلى ثلاثة عوامل تحول بينه وبين ذلك؛
   العامل الأول، هو الفقر الذي لا يدعه يقترب من الصحف لاقتنائها، وبالتالي فهو لا يتحسس أهمية أن تكون حرة أو سلطوية، فالأمران بالنسبة له سيان لا يختلف بعضهما عن الآخر، والعامل الثاني، هو الأمية التي أشارت إليه الجامعة العربية في آخر تقرير لها، بأن نسبته قد تجاوزت الخمسين في المئة، أي أن نصف المجتمع العربي لا يقرأ ولا يكتب، وتلك هي الطامة الكبرى، فكيف تريد من المواطن العربي أن يقرأ الصحافة ليميز بالتالي ما إذا كانت حرة أو مسيطر عليها من قبل الدولة، وهو لا يقرأ ولا يكتب؟
والعامل الثالث، هو الجهل، فكثير من المتلقين لا زالوا يتصورون بأن حرية الإعلام تجرئ الصحفي على التجاوز على ثوابته ومقدساته، ولذلك فهو يحارب حرية الصحافة بشكل أو بآخر، وهذا العامل مرده إلى ثقافة الأنظمة الديكتاتورية الشمولية والمناهج التربوية التكفيرية، التي لا زالت تعتبر بأن النقد الذي يوجه ضد الحاكم، إنما هو تجرؤ على الله ورسوله، باعتبار الحاكم هو ظل الله في الأرض، وانه هو ولي الأمر الذي تجب طاعته على أي حال، عادلا كان أم ظالما، صالحا كان أم فاسقا، فهو ذات مقدسة لا يجوز المساس بها أبدا، وفي كل الظروف.
   وأضاف نـــــــــــــــــــــزار حيدر محددا مصادر الخطر التي تهدد الصحافة الحرة في البلاد العربية؛
   بالإضافة إلى نوع الأنظمة الشمولية التي تحكم البلاد العربية، والتي تكبل حرية الصحافة لدرجة كبيرة، فان لمجموعات العنف والإرهاب وعصابات التكفير، دور خطير في تهديد حرية الصحافة، كما هو الحال مثلا في العراق وفي عدد من البلاد العربية، لدرجة أنها تحولت، وللأسف الشديد، إلى أداة من أدوات العديد من وسائل الإعلام العربية، للتحريض على العنف والإرهاب.
   وفي نهاية حديثه، حمل نــــــــــــــــزار حيدر الشعوب العربية، مسؤولية النضال مع الإعلاميين الأحرار من أجل حرية الإعلام، قائلا؛
   إن الحرية تنتزع ولا تمنح، وان الديمقراطية لا تقوم، في أي بلد، إلا بالنضال والكفاح من أجل انتزاعها من الأنظمة الشمولية، فإذا قرأنا تجارب شعوب العالم الحر لرأينا كم هي ناضلت من أجل هذا اليوم الذي تنعم فيه بحسنات النظام الديمقراطي.

   24 شباط 2006[/b][/size][/font]

36
من يحمي الديمقراطية؟
نـــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   الديمقراطية كالإنسان، تنعقد نطفتها في رحم المعاناة، ثم تولد بهزة عنيفة، كأن تكون حربا أو ثورة، وقد تموت قبل الولادة أو عندها أو بعدها، فإذا ولدت سليمة وبتمام العافية، فإنها بحاجة إلى مداراة كاملة ومراعاة مستمرة، لتنمو وترشد وتكبر، لتأتي أكلها كل حين، بإذن ربها.
  والناس عادة، يبدون استعدادا منقطع النظير للنضال والجهاد والقتال ضد الاستبداد والديكتاتورية، فيضحون بكل شئ من أجل إنهاء عهدها، إلا أنهم يبدون برودا، ربما منقطع النظير كذلك، إزاء بناء الديمقراطية، وكأنهم يتصورون بأن الديمقراطية هي البديل الطبيعي للديكتاتورية، فإذا سقط الصنم، نهضت الديمقراطية من تلقاء نفسها، وكأنهم لا يتصورون أن من الممكن أن ينهض صنم جديد آخر إذا ما سقط صنم قديم، وتلك هي الطامة الكبرى، ولذلك رأينا، ونرى، كيف نهضت ديكتاتوريات على أنقاض ديكتاتوريات، وأنظمة استبدادية على أنقاض أخرى، لأن الناس ينفضون أيديهم عن المسؤولية، حالما يتم الإعلان عن سقوط الديكتاتورية.
   يجب أن نتذكر دائما، بأن النضال من أجل تشييد دعائم الديمقراطية، لا يقل أهمية، أبدا، عن النضال من أجل تهديم قواعد الاستبداد والديكتاتورية.
  ولذلك، يدور في الخلد، السؤال التالي، كلما جرى الحديث عن الديمقراطية، وهو؛
   من يحمي الديمقراطية؟ وكيف؟.
   يمكن تحديد الإجابة على هذا السؤال، بالنقاط التالية؛
   أولا؛ شعب متعلم، وأمة مثقفة.
   شعب يعرف حقوقه وواجبات الحاكم، كما يعرف واجباته وحقوق الحاكم.
   فالشعب الجاهل ليس بامكانه أن يحمي ديمقراطيته الوليدة، وبالتالي فهو أعجز من أن يبني ديمقراطية راسخة.
   إن التعليم والثقافة، شرطان أساسيان لتشييد دعائم الديمقراطية، فضلا عن استمرارها، ولذلك، تسعى الديكتاتوريات إلى تجهيل الناس لتستمر في الحكم، فالعلم نور يضئ الطريق أمام الناس، فيميزون بين الصح والخطأ، أما الجهل، فظلام دامس تتحرك فيه الديكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية، بعيدا عن أعين الرقيب، لأن الظلام لا يتيح المجال للناس في أن يفكروا بشكل صحيح، كما لا يسمح لهم بكشف الحقائق، ولذلك، تنقلب في أذهانهم الأمور والمفاهيم، فالصحيح يبدو عندهم خطأ، والخطأ يتراءى أمامهم صحيحا، وهذا العشو الليلي هو الذي توظفه الديكتاتوريات للاستمرار في حكم الناس والتسلط عليهم، وسلب حريتهم وإرادتهم.
   إن على العراقيين اليوم، أن يتعلموا كل ما من شأنه أن يفتح عيونهم فلا يستغفلوا أو يخدعوا، كما أن على السلطة أن تهئ للشعب كل سبل طلب العلم، فلا تحرمه من فرص التعليم أبدا، عملا بالحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله (ص) {اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد} فلا يقولن أحد، مالي وطلب العلم؟ فلقد كبرت عن ذلك، أو يردد المقولة (العراقية) المشهورة{بعد ما شاب، أخذوه للكتاب} وهو، بالمناسبة، لم يبلغ الثلاثين أو الأربعين من العمر.
   إن أول خطاب ألقاه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فور الإعلان عن بيعته للخلافة من قبل المسلمين، في أول انتخابات عامة، حرة ونزيهة، قال{أيها الناس، إن لي عليكم حقا، ولكم علي حق، فأما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم} وفي خطاب آخر، قال فيه{أيها الناس إني رجل منكم، لي ما لكم وعلي ما عليكم} وبذلك يكون الإمام عليه السلام قد حدد حقوق وواجبات كل من الحاكم والمحكوم، ليس بالكلام المعسول والشعارات البراقة، أبدا، وإنما بالتعليم والتربية والثقافة، التي علمهم بها الإمام كل شئ، ففتح بها عيونهم، لدرجة أن معاوية بن أبي سفيان أعرب عن قلقه من ذلك بقوله عندما تمكن من العراق مخاطبا أهله {والله لقد لمظكم علي بن أبي طالب، وقليلا ما تفطنون} لماذا؟ لأن المعرفة جرت عليه عصيانا دائما كونه نظاما سياسيا استبداديا حول الخلافة إلى ملك عضوض، وإذا كان أهل الشام قد استسلموا للواقع المر بسبب جهلهم بالأمور، جراء سياسة الاستغفال التي مارستها معهم السلطة، فان أهل العراق رفضوا ذلك، لأنهم كانوا يميزون جيدا بين الصح والخطأ، بين الحق والباطل، أما أصحاب معاوية فلم يكونوا يميزون بين الناقة والجمل، على حد قوله وهو يصفهم ويميزهم عن أصحاب علي عليه السلام.
   بالعلم والمعرفة، إذن، تصان الديمقراطية، أما الجهل فهو السور المنيع الذي يحمي الاستبداد من الانهيار، وهو الخندق الذي تتمترس فيه الديكتاتورية.
   وان من أهم ما يجب أن يتعلمه الناس هو، أن الحاكم في ظل النظام الديمقراطي، ليس أكثر من أجير عند الشعب، فلا فضل له على الرعية، ولا امتياز له على الآخرين، ولا حق له في الاجتهاد بمطاليب الناس أبدا، إنما هو مؤتمن عليها، ساعيا إلى تحقيقها وتنفيذ ما انتخب من أجله وانتدب إليه.
   على العراقيين أن يحفظوا العبارة{استأجره} في الآية الكريمة{يا أبت استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين} قبل أن يحفظوا العبارتين{القوي الأمين} فيها، والا ما فائدة القوي الأمين إذا كان متعاليا أو مجتهدا حسب أهوائه أو رغباته الشخصية أو الحزبية؟ ضاربا برغبات الناس عرض الحائط؟ كذلك، ما فائدة القوي الأمين إذا لم يكن منتخبا من قبل الشعب؟ إن القوة والأمانة أمران مطلوبان بعد أن يستشعر الحاكم بأنه أجير عند الرعية، ليكون قويا في تنفيذ رغبات الناس وتطلعاتهم، وأمينا على مصالحهم وحاضرهم ومستقبلهم، وعلى كل ما يرتبط بهم من روح ودم ومال وعرض وملك، وكل شئ.
   ولا يتحقق هذا الوعي، إلا إذا تعامل الناس مع الحاكم، كبشر من دون تقديس أو تأليه، فإذا أخطا قالوا له لقد أخطأت فيحاسب على ذلك وقد يقال من منصبه، وإذا أصاب قالوا له لقد أصبت، فيشكر على ذلك ويكافأ، ربما، بولاية ثانية، وهكذا، أما أن يحاط الحاكم بهالة من القداسة وعبادة الشخصية، من خلال التبرير له كلما أخطا، أو غض الطرف عنه كلما أساء، فان ذلك يصنع منه، بمرور الزمن، ديكتاتورا جديدا، وحاكما ظالما يرقى، ربما، في سلم الاستبداد، ليحل محل الطاغية الذليل صدام حسين، وما ذلك على أي أمرؤ ببعيد، فلقد سئل الطاغوت فرعون، ما الذي فرعنك؟ فقال سكوت الناس عن كل ما اقترفه من ظلم بحقهم، وتبريرهم ما ارتكب، خوفا أو من أجل مصلحة، لا فرق.
   ثانيا؛ المعارضة القوية، القادرة على مواجهة السلطة إذا ما أخطأت أو حاولت الضحك على ذقون الناس أو أن تتجاوز على حقوقهم أو تتنصل عن واجباتها إزاء الناس والبلد.
   إن العراق اليوم بحاجة إلى معارضة قوية جدا، كما انه بحاجة إلى حكومة قوية، ولذلك استغرب كثيرا عندما أسمع كل قادة الكتل النيابة الفائزة في الانتخابات العامة الأخيرة، يتحدثون عن مساعي لتشكيل حكومة عراقية تشترك فيها كل الكتل النيابية، تحت شعارات {حكومة وحدة وطنية} أو ما أشبه، فمن سيشكل، يا ترى، المعارضة النيابية القادرة على الوقوف بوجه الحكومة لتقول لها {لا} إذا ما احتاج الأمر إلى مثل هذا الموقف؟ ومن سيشكل الحكومة التالية التي ستخلف أختها إذا ما سقطت الأولى بقرار من نواب الشعب؟ أو بقرار من الشارع؟.
   إن الديمقراطية لا تنبني بحكومة تشكلها كل الكتل النيابية، لأن الديمقراطية لا يمكن أن تطير إلا بجناحين متوازيين ومتوازنين، هما السلطة والمعارضة، ومن الواضع فان كلا الجناحين ينبثقان من تحت قبة البرلمان، فإذا اشتركت كل الكتل النيابية في الحكومة، فمن ذا الذي سيشكل المعارضة القوية، يا ترى؟.
   إن تشكيل أية حكومة بهذه الطريقة، سيشل مفاصل الديمقراطية، أو أن نشهد معارضة سلطوية، هي أقرب ما تكون إلى المعارضة الكارتونية منها إلى المعارضة الحقيقية، وهذا الأمر يشكل خطرا على العملية الديمقراطية، جملة وتفصيلا، لأننا، في هذه الحالة، سوف لن نسمع أصوات معارضة لعمل وأداء الحكومة، وعندها يكون المواطن هو الضحية، الذي ستصك أذناه بشعارات الحكومة وتبريرات معارضتها.
   لا نريد رؤية برلمانا وحكومة بلون واحد، ولا نريد رؤية برلمان الحكومة، لأن بلدا بلا معارضة قوية، إلى جانب حكومة قوية، يفقد التوازن في العملية السياسية برمتها، وهذا ليس في صالح العملية الديمقراطية أبدا.
   إن كل الديمقراطيات في العالم، تنقسم فيها البرلمانات ومجالس النواب إلى نصفين، الأول يشكل الحكومة والثاني يشكل المعارضة، من أجل حماية النظام الديمقراطي، والمواطن على السواء، من خلال صوتين ورأيين، يمثلان السلطة والمعارضة، إلا برلمان صدام حسين ومن على شاكلته، من الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية الشمولية، التي لا تؤمن بالديمقراطية، فمن أجل ذر الرماد في عيون الناس تعمد إلى صناعة{معارضات} كارتونية، تقرأ رأيها (المعارض) تحت قبة البرلمان بالورقة وما كتب لها من كلمات لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، إلا رائحة دم الضحايا الذين ينحرون على مشرحة الأنظمة الشمولية كل يوم، بل كل دقيقة.
   ثالثا؛ الإعلام الحر والمسؤول، الذي يرصد عمل الحكومة وكلام المعارضة، ويكون صوت الضمير الحي للمواطن، فينقل آراءه ويتابع آماله، بكل أمانة وصدق.
   إن للسلطة الرابعة دور مفصلي في حماية الديمقراطية، لا يمكن أن تضطلع به إذا كانت للسلطة أي تأثير عليها، فالحرية لازمة من لزوميات نجاح الإعلام في مهمته الوطنية.
   لا نريد محطات تلفزيونية مطبلة، ولا نرغب في قراءة صحف همها التحميد والتمجيد بعمل السلطة، كما نكره قراءة الأعمدة التي تعدد إنجازات الحكومة.
   نريد إعلاما حرا ومسؤولا، يتحدث عن المواطن أكثر من حديثه عن السلطة، ويتحدث عن حقوق الإنسان أكثر من حديثه عن حقوق الحاكم، وعن واجبات السلطة أكثر من حديثه عن واجبات المواطن.
   نريد إعلاما يكشف تجاوزات السلطة على حقوق المواطن، ويفضح المستور من خروقاتها القانونية، ويميط اللثام عن فسادها الإداري والمالي، وبالأرقام والأسماء والأدلة المادية الملموسة، من دون محاباة أو خوف أو مجاملة، يحاسب الرئيس إذا أخطأ في قول أو فعل، ويعاقب الزعيم المعارض إذا تجاوز حدوده القانونية، كأن يتهم الحكومة من دون دليل مثلا، أو يشهر بمسؤول من دون برهان.
   نريد إعلاما حرا ومسؤولا لا يتعمد التشهير، ولا يلجأ إلى السباب والتسقيط، بل سلاحه المنطق والحوار الهادئ، نريده إعلاما معلما ومثقفا للناس على أخلاقيات الحوار والجدال بالتي هي أحسن، ليتعلم الناس، كل الناس، فن الحوار في أجواء الديمقراطية.
   نريد إعلاما يلاحق المسؤول ويفضحه إذا مد يده على المال العام، ولا نريد إعلاما يبرر للمسؤول لصوصيته، ونريد إعلاما يسلط الضوء على المناطق المعتمة من عمل الحكومة، ولا يدبج المقالات التي تمجد بالحاكم إذا وضع حجر الأساس لمشروع ماء صالح للشرب مثلا، فهذا واجبه، أما ذاك فتقصيره، والإعلام الحر يتحدث عن التقصير في أداء الحكومة أكثر من حديثه عن الواجبات التي تنجزها السلطة.
   نريد إعلاما يخاطب المسؤول كانسان وليس كأنصاف آلهة تسبق اسمه عدد كبير من الألقاب والأوصاف التي تقدسه وتضفي من حوله هالة من الكبرياء.
   وبكلمة أخرى، نريد إعلاما حرا بكل معنى الكلمة، يقول الحقيقة متى اكتشفها ولا يخشى سوط الحاكم، مهما كان الثمن.
   نريد إعلاما يسحب كل الملفات التي تحت الطاولة ويضعها فوق الطاولة، ليطلع المواطن على كل شئ، فلا يدبر أمر بليل، ولا تناقش الأمور في الظلمة، ليتداول المواطن المعلومة بكل حرية وشفافية وصراحة وشجاعة، ليحاور ويراقب وينتقد ويحاسب، وبالتالي ليقف على كل الأمور التي تخصه، ليس لأحد فيتو على معلومة أو احتكار لرأي.
   نريد إعلاما يسأل عن الميزانية العامة عند رأس كل سنة، فيناقشها بالتفصيل فلسا فلسا، ويسأل عن طريقة صرفها ومتى وكيف؟ ومن الذي سيشرف على صرفها؟ حتى لا تظل الميزانية العامة سرا في بوتقة، كما كانت أيام النظام الشمولي البائد.
   رابعا؛ مؤسسات المجتمع المدني، التي يجب أن تكون هي الأخرى حرة في نشاطاتها، ليس للحكومة أو الأحزاب أية سلطة عليها.
   إن دور مؤسسات المجتمع المدني في حماية الديمقراطية، لا تقل أهمية عن دور المعارضة البرلمانية في ذلك، فهي الضمير الناطق للمواطن، والذي يتكلم ويفكر بصوت عال بعيدا عن أية رقابة أو محاسبة، إلا رقابة الضمير ومحاسبة الناس.
   من المهم جدا أن تكثر وتتنوع مؤسسات المجتمع المدني في العراق الجديد، لنضمن أوسع رقابة غير حكومية على أداء الحكومة، ولابد أن تتحلى هذه المؤسسات، كذلك، بالشجاعة الكافية وشعور عال بالمسؤولية، لتكون قادرة على أداء مهامها ومسؤولياتها، ولا بد أن تكون من أكثر الجهات نزاهة وشفافية، لأنها إذا أصيبت بالفساد، كالمحسوبية والرشوة وغير ذلك، فإنها ستفقد مصداقيتها فتشل، بالتالي، حركتها، فلا تعدو أكثر من مؤسسات ميتة.
   على كل العراقيين، أن يشجعوا الإعلام الحر ومؤسسات المجتمع المدني، فهي الحصن الحصين لهم ولنظامهم الديمقراطي الجديد، وعليهم أن يحموهما من اعتداء السلطة عليهما، فيقفوا ضد أي انتهاك بحق العاملين في هذين الركنين، لأن تجرؤ الحكومة عليهما يعني تجرؤا على اللسان الناطق للمواطن، فإذا فقد الأخير الإعلام الحر وخسر مؤسسات المجتمع المدني، فسيخسر نفسه أولا وقبل أي شئ آخر.
   أخير؛
   ذات مرة سألني صديق، ترى، كيف يتمكن زعماء العالم الحر(الرئيس الاميركي مثلا) الذي يعيش كل هذه الحياة الفارهة، أن ينزع عن نفسه كل هذه الأبهة ويترك (جنة الأرض) ويغادر البيت الأبيض، ويعود مواطنا عاديا، لحظة انتهاء فترة رئاسته القانونية، وهو رئيس أكبر دولة في العالم؟ من دون أن يحتج بالتجربة التي اكتسبها للتشبث بالسلطة؟ وكيف يستطيع هذا الرجل أن يترك وراءه كل ما هو مسخر لخدمته بملء إرادته وبطيب خاطر ليعود مواطنا عاديا؟ لماذا لم يفعل الناس عندنا مثل هذا؟ فنرى الواحد منهم يتشبث بالطاولة، حتى لو كان مواطنا عاديا، فضلا عن كونه زعيما أو قائدا، في السلطة كان أم في المعارضة لا فرق، رافضا أن يتزحزح عن موقعه، وان جرت الدماء أنهارا في بعض الأحيان، أو الاستئساد بقوى الأمن والجيش والشرطة، إذا اقتضت الضرورة، أو حتى التخندق وراء كل آيات القرآن الكريم وسير التاريخ والرسل والأنبياء والأئمة والصالحين؟.
   حقا، انه سؤال هام جدا، ينبغي التفكير فيه لنجد الجواب عليه، لنتعلم مفاهيم التقدم والحضارة واحترام العهود والحقوق، ممن أخذ بها فتطور وتطورت بلاده وتطور شعبه، عملا بالمأثور{الحكمة ضالة المؤمن}.
   أجبته؛
   ربما أن هناك ثلاثة أسباب حقيقية تقف وراء مثل هذه الظاهرة، وعكسها يمكن اعتبارها عوامل تقف وراء تشبث الواحد عندنا بالكرسي والطاولة.
   السبب الأول: هو نوعية الثقافة التي تحكم هذين النوعين من الناس، فالرئيس الاميركي، مثلا، ومن على شاكلته، لا يرى أن نساء بلاده عقمت عن إنجاب مثله، ليتشبث بموقعه حتى الموت، لخلو بلاده ممن يستحق أن يتناوب معه الموقع، كما أنه يرى أن من حق أي مواطن أميركي آخر أن يتسنم موقعه إذا رأى في نفسه الكفاءة والقدرة والقابلية على إعطاء الموقع حقه، في الإدارة والقيادة، إذا منحه الشعب ثقته.
   أما الرجل عندنا، فلا يرى إلا نفسه، فيعتقد بأنه الوحيد القادر على الفهم والاستيعاب وتحمل المسؤوليات، والآخرون قاصرون أميون خائفون يخشون التصدي للمسؤولية، فلا يتقربون منها، لأن الموقع بحاجة إلى صفات استثنائية لا يمتلكها سواه، ولذلك، فإن الدين والعقل لا يسمح له بأن يسلم الدفة لغيره.
   كما أنه يرى نفسه الوحيد الراشد، على حق وعلى صواب، أما الباقون فمخطئون، ثم، من هم الناس حتى ينتخبوه أو لا ينتخبوه؟ إنهم، في رأيه، ليسوا أكثر من (عوام) و(همج رعاع).
   أما السبب الثاني: فهو حاكمية القانون الذي يتساوى أمامه جميع الناس، حتى الذي يشرعه، فيما يسعى الرجل عندنا إلى تعطيل القانون بمجرد وصوله إلى الموقع الذي تمناه وعمل من أجل الوصول إليه طوال حياته، وفي أحسن الحالات، يظل يناور ويناور حتى ينجح في تغيير القانون، ليشرعن بقاءه في الموقع حتى الموت، بحجة الظروف الاستثنائية، مثلا، والتي تبدأ، عادة، لحظة تسنمه المسؤولية، فالقانون عندهم هو الحاكم، أما عندنا، فالحاكم هو القانون.
   ثالثا، وأخيرا: فان للرأي العام عندهم (أحزاب، مؤسسات، وسائل إعلام، مثقفون وكتاب....الخ) دور مهم في الإبقاء على أو الإطاحة بالزعيم، ولذلك فان زعماء العالم الحر، يعيرون الرأي العام في بلادهم أهمية قصوى واستثنائية، فنراهم يخشونه كما يخشى الطفل المذنب عصا الشرطي.
   أما عندنا، فلا معنى للرأي العام، ولا دور له، لا بالسلب ولا بالإيجاب، لأن المطلوب من الناس، إما أن يصفقوا للزعيم (حاكما كان أم في المعارضة){ولقد أعدم مواطنا، لأنه توقف عن التصفيق للزعيم قبل الآخرين} أو السكوت والانشغال بلقمة العيش، أو في أحسن الفروض، متابعة خطابات الزعيم من خلال الشاشة الصغيرة، أو من على صفحات الجرائد، التي لا يجوز أن تخلو من صورته أبدا، لأنها جزء لا يتجزأ من حضارة الأمة وشرفها ومنظومتها المعرفية والمفاهيمية والفكرية، أما إذا سئمها المواطن، فله أن يطفئ التلفاز ويخلد إلى فراشه، ليغط في نوم عميق عميق...حتى الموت، حسرة وكمدا.
   عندهم، الرأي العام هو الذي يصنع الزعيم، أما عندنا، فالزعيم هو الرأي العام، لأن الإنسان عندهم يتمتع بحقوقه كاملة، وعلى رأسها الحرية وحق الاختيار، أما عندنا، فالإنسان(يتمتع) بكامل واجباته، وأن الزعيم وحده هو الذي يتمتع بكامل حقوقه بالإضافة إلى حقوق الناس، كل الناس، في مملكته، الذين يدعي الحاكم بأنهم تنازلوا عنها لصالحه، لأنهم يحبونه، أو خشية من بطشه وسوطه وسجنه، لا فرق، ودليله على ذلك، شعار الناس الذي لا يسقط من أفواههم ليل نهار وفي كل الحالات والظروف (بالروح، بالدم، نفديك يا... زعيم).

21 شباط 2006[/b][/size] [/font]

37
نــــــــــــــــــــــــزار حيدر لـ(العراقية): التوافقيون..لصوص سياسيون
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   اعتبر مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، نـــــــــــزار حيدر، أن اعتماد صيغ التوافق، في تشكيل الحكومة العراقية المرتقبة، على حساب نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي أفرزتها صناديق الاقتراع، هو بمثابة لصوصية سياسية، يراد منها الالتفاف على إرادة الشعب العراقي، الذي قال كلمته ومنح صوته لمن يريد في الانتخابات العامة الأخيرة التي شهدها العراق، كما يراد لها التغلب على الديمقراطية الوليدة بالضربة القاضية، وتخريب العملية السياسية برمتها، وإصابة الناخب العراقي بالإحباط واليأس من إمكانية أن يكون صوته هو الحكم في العملية السياسية من الآن فصاعدا.
     وأضاف نــــزار حيدر، الذي كان يتحدث من واشنطن إلى مدير مكتب قناة (العراقية) الفضائية الأستاذ علي شكور أحمد في برنامج حواري خاص؛
   إذا كان في النية اعتماد مبدأ التوافق في كل شئ، وبهذه الدرجة من التعسف والإسفاف، فلماذا أجريت الانتخابات العامة إذن؟ ولماذا يتحدث الجميع عن الديمقراطية التي تعني أولا وأخيرا سلطة الأغلبية مع كامل الاحترام والتقدير للأقلية التي يفرزها صندوق الاقتراع، وكلنا يعرف حق المعرفة، بأن التوافق يتناقض مع مبادئ الديمقراطية، ونه يفرغ الديمقراطية من محتواها الجوهري.
   وحذر نــــزار حيدر من مغبة انجرار الكتل البرلمانية الكبيرة التي فازت بأغلبية المقاعد في مجلس النواب القادم، وراء طروحات بعض أيتام النظام البائد، والداعية إلى اعتماد مبدأ التوافق والمحاصصة الطائفية على حساب النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع، في بناء مؤسسات الدولة العراقية الجديدة، معتبرا ذلك نوع من أنواع الخيانة التي لا يجوز أن يتورط بها الفائزون الذين منحهم العراقيون ثقتهم، ليس من أجل أن يتوافقوا مع الآخرين على حساب أصواتهم وإرادتهم، وإنما من أجل أن يتفاوضوا معهم لتشكيل الحكومة العراقية الحديدة، وفرق بين التفاوض والتوافق، فالأول قد ينتهي بالبعض إلى أن يكون معارضة تحت قبة البرلمان، فيما يعني التوافق، إرضاء الجميع على حساب إرادة العراقيين التي أفرزتها صناديق الاقتراع، على أية حال.
   وفي هذا الصدد، كشف نـــــــزار حيدر عن خيوط مؤامرة يحيكها أكثر من طرف للالتفاف على نتائج الانتخابات العامة الأخيرة بعد أن أفرزت نتائج لم تعجب الكثيرين، خاصة من أيتام النظام البائد أو من المستفيدين منه فيما مضى، أو ممن أرعبهم حجم الأغلبية من العراقيين الذي كشف عنه صندوق الاقتراع، من الطائفيين والعنصريين.
   وأضاف نــــــــــزار حيدر يقول؛
   لا أحد ضد التوافق المعقول، من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، شريطة أن لا يأتي على حساب الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، والا ما معنى أن تجري الانتخابات ويتحدى العراقيون كل المعوقات، وعلى رأسها الإرهاب، من أجل الوصول إلى صندوق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم؟ إن أية محاولة للالتفاف على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، تعد بمثابة سرقة لأصوات العراقيين بطرق وأساليب جديدة، يجب أن يفضحها العراقيون التواقون إلى بناء عراق جديد ليس للغش والتزوير والالتفاف على إرادتهم، أي مكان.
   وأضاف؛
   كلنا يتحسس مدى صعوبة الظروف التي يمر بها العراق اليوم، كما يشعر الجميع ويقدر التحديات التي يواجهها شعبنا الأبي الصابر، ولكن هذا لا يجيز لأي أحد أن يستغل هذه الظروف المعقدة لابتزاز الفائزين تحت شعارات التوافق والوحدة الوطنية وما أشبه، إذ من قال بأن الحل يكمن في التوافق على حساب الاستحقاقات الانتخابية؟.
   وأضاف نـــــــــــزار حيدر يقول؛
   نحن مع التوافق الذي يأخذ بنظر الاعتبار نتائج الانتخابات واستحقاقاتها لنفي بوعودنا للعراقيين، أي نحن مع التوافق الذي يكرس العملية الديمقراطية، وليس مع التوافق الذي يسعى لإلغاء أو تجاوز نتائج الانتخابات، وبالتالي يسعى للانقلاب على العملية الديمقراطية برمتها، إن هؤلاء، أضاف حيدر، يقودون انقلابا على العملية السياسية الجديدة التي عمادها صندوق الاقتراع وصوت المواطن العراقي، ولكن بأدوات جديدة، بعد أن فشلوا في الانقلاب عليها بالقتل والذبح والسيارات الملغومة والأحزمة الناسفة، فإذا ألغيت نتائج صندوق الاقتراع، عمليا وليس قانونيا، فما الذي سيبقى من حقيقة وجوهر الديمقراطية والعملية السياسية، يا ترى؟.
   واتهم نــــزار حيدر، التوافقيون على حساب الاستحقاقات الانتخابية والوطنية، بأنهم سراق سياسيون يريدون سرقة جهاد الشعب العراقي وتضحياته واستحقاقاته الانتخابية التي طرزها بالدم والصمود والتحدي والمثابرة، ولكن بأدوات(الديمقراطية) وشعاراتها هذه المرة، بعد أن فشلوا في تحقيق غاياتهم الدنيئة تلك بالعنف والإرهاب، الذي ظلوا متورطون به إلى الآن، من دون أن يفكوا ارتباطهم به بالكامل.
   وتساءل حيدر بالقول؛
   ترى لو كان التوافقيون قد حصدوا من مقاعد البرلمان ما حصده غيرهم اليوم، فهل كانوا يتحمسون لمبدأ (التوافق) إلى هذه الدرجة؟ ألم يتهموا الآخرين بالطائفية وتكريس المحاصصة، كلما تحدثوا عن التوافق فيما مضى؟ فما عدا مما بدا؟ إلا أن تكون حاجة في نفس يعقوب يريدون قضاها؟.
   وحذر نـــــزار حيدر من أن العراقيين سوف لن يدعموا أو يتعاونوا مع أية حكومة تتشكل بالتوافق، غير آخذة بنظر الاعتبار الاستحقاقات الانتخابية، التي أفرزت أكبر كتلتين نيابيتين، تمثل الأولى الأغلبية من العراقيين(وهم الشيعة) فيما تمثل الثانية أكبر الأقليات في البلاد(وهم الكرد) إذ لا بد أن يجني هؤلاء ثمار الاستحقاقات الانتخابية، ويتمتعوا بنتائجها، من دون أن يكون ذلك على حساب الحقوق المشروعة للآخرين، أبدا.
   وفي نهاية حديثه المتلفز، سخر نــــزار حيدر من التهديدات التي أطلقها عدد من أيتام النظام البائد من الذين حصلوا على بعض المقاعد في مجلس النواب القادم، ممن هددوا باللجوء إلى ما أسموه بـ(المقاومة) إذا لم تعجبهم تشكيلة الحكومة العراقية الجديدة، أو ممن حاول أن يضع شروطا مسبقة قبل الحديث عن التشكيلة الوزارية الجديدة، قائلا؛
   إن أمثال هؤلاء يتصورون أنهم لا زالوا يحكمون إبان العهد البائد، فيظنون أن بامكانهم أن يفرضوا شروطهم على الكتل النيابية الكبيرة بالتهديد والوعيد، أو بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة، كما قال الشاعر.
   إن على أمثال هؤلاء، أضاف حيدر، أن يتذكروا أين هم الآن؟ وما هو موقعهم وحجمهم في المعادلة السياسية الجديدة في عراق ما بعد الطاغية صدام حسين؟ وإذا كانت الكتل الكبيرة تمنحهم بعض الاحترام فتتحاور معهم، فهذا لا يعني أنهم يخيفون أحدا أو أن أحدا يخشاهم، أبدا، وإذا كانوا يتصورون بان الإصرار الاميركي على مشاركتهم في العملية السياسية بسبب الضغوط التي تمارسها عدد من الأنظمة العربية الطائفية، يشفع لهم ويقوي من موقعهم التفاوضي، فهم واهمون جدا، فليس بأسهل على الكتل النيابية الكبيرة من تجاوزهم وركلهم ونسيانهم وتركهم في ظلماتهم يعمهون، إذا ما اقتضت المصلحة الوطنية العليا، خاصة وان عددا منهم متورط مع النظام البائد حتى النخاع، كما يقولون.
   وأضاف نــــزار حيدر يقول؛
   ليس من حق أمثال هؤلاء أن يفرضوا أي شروط لا مسبقة ولا فيما بعد، لأن حجمهم السياسي لا يمنحهم أو يؤهلهم لأي دور تفاوضي مهما كان صغيرا، وصدق رسول الله (ص) الذي قال{رحم الله امرءا عرف قدر نفسه، فلزم حده}.
   من جانب أخر، اعتبر مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، نـــــــزار حيدر، أن صيغ التوافق، وبهذه الصورة المطروحة للنقاش، يشل الحكومة الجديدة، ويسلب منها القدرة على العمل والإنجاز، وانه سيعيد إلى الذاكرة تجارب الحكومات المؤقتة الماضية التي عجزت عن إنجاز برامجها السياسية والتنموية إلى درجة كبيرة بسبب الطريقة التوافقية التي تشكلت على أساسها، فيما يتفق الجميع على أن العراق بحاجة الآن إلى حكومة قوية ومنسجمة، قادرة على النهوض بالمهام والمسؤوليات الجسام التي تنتظرها، وعلى مختلف الأصعدة، خاصة على صعيد الأمن وإعادة البناء وتحسين الظروف المعيشية للمواطن العراقي.
   أخيرا، تمنى نــــزار حيدر على قادة أكبر كتلتين نيابيتين(الائتلاف والتحالف) أن يتعاملوا بشفافية ووضوح وصراحة أكبر مع شعبهم الذي منحهم الثقة في الانتخابات النيابية الأخيرة، فيتحدثوا لهم عن التحديات التي يواجهونها والضغوط التي يتعرضون لها، من أجل بناء جسور الثقة المتبادلة بين الطرفين، ومن أجل أن يقتنع العراقيون بأنهم، بالفعل، منحوا أصواتهم لمن يستحق ثقتهم.

28 كانون الثاني 2006[/b][/size][/font]

38
عاشوراء..جوهر الديمقراطية
نــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   تحت هذا العنوان، استضافني، مشكورا، الأسبوع الماضي، مركز دار السلام في العاصمة الاميركية واشنطن، لألقي محاضرة ضمن البرنامج الليلي الذي ينضمه المركز، احياءا لذكرى نهضة سيد شباب أهل الجنة سبط رسول الله (ص) الإمام الحسين بن علي عليهم السلام، والذي استشهد، مع ثلة من أهل بيته وأصحابه الميامين، في يوم العاشر من المحرم عام (61) للهجرة، على يد جيش الطاغية يزيد بن معاوية، على أرض كربلاء المقدسة بالعراق.
   عنوان المحاضرة استقيته من فكرة جوهرية تتمحور حولها الرسالات السماوية جمعاء.
   فبقراءة متأنية لآيات القرآن الكريم، نلحظ أن الهدف النهائي للرسالات السماوية، ولرسالة نبينا محمد بن عبد الله (ص)، يتجلى في تحقيق كرامة الإنسان، كانسان، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو اثنيته، والى هذا المعنى تشير الآية الكريمة رقم (70) من سورة الإسراء{ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} وهي إشارة واضحة إلى أن الهدف هو كرامة الإنسان، وليس المسلم فحسب أو الشيعي على سبيل الفرض، إنما الهدف هو كرامة(بني آدم) وهي عبارة تعني كل البشر بغض النظر عن انتماءاتهم وأصولهم ومعتقداتهم، والى ذلك أشار الرسول الكريم بقوله(ص) {من آذى ذميا فقد آذاني}و{من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة}أو في قوله عليه وعلى آله أفضل التحية والسلام{من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت أنا خصمه، خصمته يوم القيامة}.
   السؤال الذي يلح هنا للإجابة عليه هو؛
   أين تتجلى كرامة الإنسان؟ وكيف؟.
   برأيي، فان كرامة الإنسان تتجلى في ثلاث قيم أساسية واستراتيجية، هي اليوم محور الديمقراطية التي يكتب ويتحدث عنها ويبشر بها العالم، تلك القيم الثلاث هي:
   أولا؛ الحرية، والتي تتمثل في حرية العقيدة والرأي والاختيار، وكذلك في حرية التعبير عن الذات.
   ثانيا؛ المساواة بين الناس، وعدم التمييز بينهم على أساس خلق الله سبحانه وتعالى، كالتمييز على أساس اللون والجنس والانتماء القومي أو الجغرافي، كما تتجلى المساواة في مبدأ تكافؤ الفرص، إذ لا يحق الاستئثار بالفرص لجماعة وحرمان أخرى منها، إذ لا بد أن يتمتع الجميع بنفس الفرص وعلى كل الأصعدة وفي كل المجالات.
   ثالثا؛ الشراكة الحقيقية والواقعية بين الناس في الشأن العام، فلا يجوز احتكار فئة للشأن العام، وحرمان الآخرين منه، بأية ذريعة، ولذلك، ليست الملكية من الإسلام في شئ، وان أي سلطة تقوم على أساس النظام الملكي الذي يفاضل بين الناس في الشأن العام على أساس القبيلة أو العائلة، التي يولد مولودها أميرا يتمتع بامتيازات خاصة على حساب سائر المواطنين، فهي باطلة لا أساس لها من واقع الدين أو الإنسانية أو حتى العقل، في شئ.
   إن أي انتقاص من أي واحدة من هذه القيم، يعد بمثابة الانتقاص من كرامة الإنسان.
   فتحديد حرية الإنسان، أو سلبها منه، بمثابة اعتداء على كرامة الإنسان، لأن العبودية ضد الكرامة، وان الإنسان إما أن يكون حرا أو أن يكون عبدا، ولا وجود لمنطقة وسط بين الحرية والعبودية، وان السلطة التي تنتقص، ولو ذرة من حرية الإنسان، إنما هي في حقيقة الأمر، تسلب كل حريته وليس بعضها، وبالتالي فهي تسلب كل كرامة الإنسان، لأن الكرامة كالحرية، وحدة واحدة لا تتجزأ، فإما أن يكون الإنسان كريما، أو أن يكون ذليلا.
   كما أن التمييز بين الناس على أساس اللغة أو اللون أو الجنس أو ما أشبه، يعد بمثابة انتهاك صارخ لكرامة الإنسان، لأنك، في هذه الحالة، تفاضل بين إنسان وآخر في أمر ليس له رأي فيه، إنما هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله عز وجل.
   نعم، يمكنك أن تميز بين الناس على أساس العلم والعمل وحسن الأداء والتقوى والصدق والأمانة والنزاهة والخبرة والتفاني والشجاعة، فتلك جميعا قيم وصفات يمكن للإنسان الحر، أي إنسان، أن يجتهد ليكسبها، وبالتالي ليتفاضل بها مع الآخرين، لأنها قيم قابلة للاكتساب، بامكان أي أحد أن يكتسبها، ولذلك لا يجوز لأحد أن يمنع أي إنسان من السعي لاكتسابها، والا فسنقع في المحذور مرة أخرى، ولارتكبنا خطأ التمييز بين الناس مرة أخرى، لأننا لم نفسح المجال أمام الجميع، وبالتساوي، لاكتساب هذه الصفات الحسنة والمهارات الايجابية، على أساس قاعدة مبدأ تكافؤ الفرص، لنفاضل، بعد ذلك، بينهم، فالفرصة أولا ثم التفاضل.
   كما أن تكريس الطبقية السياسية في المجتمع، من خلال احتكار الشأن العام من قبل زمر معينة وحرمان الآخرين منه، يعد بمثابة العدوان على كرامة الإنسان، الذي يعبر عن نفسه عادة من خلال المشاركة في الشأن العام، ولذلك فان سلطة الحزب الواحد، تتناقض مع كرامة الإنسان، لأنها تسلبه حق المشاركة في الشأن العام بحرية، كما أن الاستبداد والديكتاتورية، أنظمة حكم تصادر كرامة الإنسان، لأنها تسلبه حق المشاركة في الشأن العام، كما أن الأنظمة الملكية، تتناقض مع كرامة الإنسان، لأنها تبني سقفا سياسيا فوق رؤوس الناس، لا تسمح لأحد تجاوزه، فتقمعه، أو تقتله إذا أصر على تجاوز السقف السياسي المحدد للشعب.
   لقد استهدف السبط الشهيد بثورته الإصلاحية في العاشر من المحرم عام 61 للهجرة، إعادة الكرامة التي سلبتها السلطة الغاشمة من الإنسان، من خلال الممارسات المنحرفة التالية:
   أولا؛ إنها تعمدت إذلال الإنسان، كما قال شاعرهم معبرا عن ذلك؛
   فدع عنك ادكارك آل سعدى             فنحن الاكثرون حصى ومالا
   ونحن المالكون الناس قسرا             نســـومهم المذلـــــــة والنكالا
   ونوردهم حياض الخسف ذلا           ومــــــا نالـــوهم إلا خبـــــالا
   ثانيا؛ التمييز بين الناس، في العطاء أولا، ومن ثم في كل الأمور، تاليا.
   ثالثا؛ الاستحواذ على مقدرات الأمة، كما يشير إلى ذلك أحد ولاة السلطة بقوله(سواد العراق بستان لقريش، ما شئنا أخذنا منه، وما شئنا تركناه)، أو كما في قول الآخر(لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ، وان رغمت أنوف أقوام).
   رابعا؛ قمع المعارضة، والحيلولة دون الإعراب عن رأيها في أية قضية تخص المسلمين عامة، بل وصل حد القمع إلى أن منعت السلطة كبار الصحابة من ترك منازلهم إلا بأذن خاص، وهو أول قرار يقضي بفرض الإقامة الجبرية على المعارضين، للحيلولة دون لقاءهم بالناس والإعراب عن آرائهم، التي كانت تخشاها السلطة.
   خامسا؛ الجبر والقهر والفرض، وسلب الناس حرية الاختيار التي تعد جوهر كرامة الإنسان.
   ففرضت السلطات البيعة على الناس بالإكراه، كما يعبر عن ذلك نص الرسالة التالية التي بعث بها الطاغية يزيد إلى واليه على المدينة المنورة، الوليد بن عتبة(أما بعد فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذا ليس فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام)، ومن المعلوم جيدا فان فرض البيعة يسلب الإنسان حريته وبالتالي ينتقص من كرامته.
   سادسا؛ محاربة المعارضة في لقمة العيش حتى ترضخ لقرارات السلطة الغاشمة، فلقد صدرت الأوامر المشددة لحكام الأقاليم، أن(انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان، واسقطوا عطاءه ورزقه) وفي قرار آخر(من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكلوا به واهدموا داره).
   سابعا إشغال المعارضة والهاء الناس، لإبعادهم عن التفكير بشؤون الأمة، وقضايا السلطة، والى ذلك تشير نصيحة أحد مستشاري السلطة، والتي أخذت بها لسنوات طويلة، بقوله(رأيي يا أمير المؤمنين، أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وان تجمرهم في المغازي، أي تحبسهم في أرض العدو ببعوث عسكرية طويلة الأمد، حتى يذلوا لك، فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه، وما هو فيه من دبرة دابته وقمل فروه).
   وان أكبر تجاوز على كرامة الإنسان، تجلت يوم أن نزا على السلطة من لا يستحقها، ومن دون تفويض أو استشارة من الناس، وكأن السلطة ملك خاص لهذه الأسرة أو تلك القبيلة، فعندما حول الطاغية يزيد بن معاوية، الخلافة إلى ملك عضوض، يكون بذلك قد اعتدى على حرية الناس وكرامتهم، وقبل ذلك، يكون قد اعتدى على ابرز نص سياسي من نصوص القرآن الكريم، والذي يقول فيه الله عز وجل{وأمرهم شورى بينهم} فألغى، بالملكية، حرية الناس في الاختيار، وحال بينهم وبين الشراكة الحقيقة في الشأن العام، ولقد عبر السبط الشهيد عن هذه الظاهرة بقوله{على الإسلام السلام، إذا ابتليت الأمة براع مثل يزيد، ولقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول، الخلافة محرمة على آل أبي سفيان}، أو كما في قول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام{ولكني آسي أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولا وعباده خولا والصالحين حربا والفاسقين حزبا، فان منهم من شرب فيكم الحرام، وجلد حدا في الإسلام، وأن منهم من لم يسلم حتى رضخت له في الإسلام الرضائخ} وتلك هي حالة الأمة والسلطة في ظل حكومة الطاغية يزيد بن معاوية، ولذلك كان لا بد للسبط أن يتحرك لتصحيح الأوضاع مهما كان الثمن، فهو{أحق من غير} على حد قوله عليه السلام.
   لقد اعتدت السلطة بكل هذه الممارسات، وأكثر، على كرامة الإنسان التي بعث الرسول الكريم من أجل تحقيقها، ولذلك كان لابد للإمام الحسين بن علي السبط، أن يتحرك من أجل إصلاح الأوضاع لإعادة الكرامة المسلوبة للإنسان في ظل السلطة الجائرة.
   وأن أول ما استهدفه الإمام الحسين عليه السلام، في ثورته، هو محاولة استثارة حرية الإنسان الذي غررت به السلطة، فخرج لقتال ابن بنت رسول الله (ص)، ولذلك تركزت أقواله حول قيمة الحرية التي إن تذكرها الإنسان وسعى إلى صيانتها، لم يفقد كرامته، وبالتالي لم يجرؤ على ارتكاب جريمة بشعة كتلك التي ارتكبها الأمويون وجيش البغي في كربلاء.
   تعالوا نقرأ ما قاله الإمام الحسين بن علي في هذا الصدد؛
  {إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم}{لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد}{موت في عز خير من حياة في ذل}{إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد فاسق فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله}{ألا وأن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام}.
   لقد حاول الحسين الشهيد عليه السلام، استثارة حرية الناس وغيرتهم وكرامتهم، ليعودوا إلى صوابهم فيفكروا بعقولهم دون أهوائهم، وبضمائرهم الحية دون الاستسلام إلى الشيطان الذي أغراهم فأغواهم فأنساهم ذكر الله عز وجل، لأن الإنسان الحر هو الذي يمتلك كرامته، والكرامة عقل سليم يفكر فيه الإنسان فيهتدي به إلى طريق الخير والصواب، وان الحر لا يرتكب جريمة بشعة يندى لها جبين الإنسانية، كجريمة قتل السبط الشهيد ابن بنت رسول الله(ص).
   لقد اعتدى الحكم الأموي على كرامة الإنسان فسلب حريته وميز بينه واستولى على السلطة بالقوة، وعندما قرر الإمام الحسين عليه السلام الثورة على هذا الواقع الفاسد، إنما استهدف إعادة الكرامة المسلوبة للإنسان أولا، من خلال إثارة قيم الحرية والمساواة والشراكة الحقيقية في نفوس الناس، لإشعارهم بآدميتهم، لأن إنسان بلا حرية، هو إنسان بلا كرامة، وأن إنسان بلا كرامة، هو إنسان بلا آدمية، لأن آدمية الإنسان بحريته وكرامته، كما أن إنسان لا يمتلك حق التعبير عن نفسه ورأيه وما يعتقد به، لهو إنسان مسلوب الإرادة، أي مسلوب الحرية والكرامة، انه إنسان ميت الأحياء، ولذلك، فان أول ما تستهدفه كل الدعوات التي تدعو إلى تشييد الأنظمة الديمقراطية في أي بلد من البلدان، إنما تدعو، أولا، إلى تحرير حرية الإنسان، وتحرير إرادته، لتحرير كرامته التي يسلبها النظام الاستبدادي والديكتاتوري، ولذلك جاء في القرآن الكريم متحدثا عن فلسفة بعث الرسول الكريم{ليضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} لأن أول خطوة في طريق تبليغ الرسالة تتجلى في تحرير الإنسان، ليتمكن من اتخاذ قرار الهدى والرشاد بكامل حريته بعيدا عن الفرض والإكراه والجبر من قبل القوى المتسلطة بغير حق.
   من هنا نفهم، أن ثورة الإمام الحسين عليه السلام، لم تكن ثورة طائفية أو أنها تنحصر، في أهدافها، بفئة معينة من الناس دون غيرهم، أبدا، بل أنها ثورة إنسانية أولا وقبل كل شئ، لأنها استهدفت (كما هو الإسلام) كرامة الإنسان كانسان بغض النظر عن أي شئ، لأن الحسين عليه السلام، وهو ترجمان القرآن الكريم، يؤمن بأن للإنسان كرامته التي فطر الله الناس عليها، ولذلك لا يجوز لأحد أن يعبث بها أبدا.
   إنها ثورة من أجل الإنسان، وأن من يحاول أن يحصرها بفئة معينة إنما يظلم نفسه أولا، ويظلم الثورة وصاحبها ثانيا.
   إن من الجريمة بمكان التعامل مع ثورة الحسين عليه السلام بطائفية، فنقول إنها ثورة شيعية أو أنها تخص الشيعة فقط، كما أن من الجريمة بمكان التعامل معها بأنها ثورة إسلامية أو أنها تخص المسلمين فحسب، إنها في الحقيقة ثورة إنسانية، على البشرية أن تحيي ذكرها كل عام، بل في كل يوم، فلولاها لما بقي شئ من كرامة الإنسان التي سحقتها السلطة الغاشمة، أو كادت، بسياساتها اللاانسانية المتعجرفة.
   الحقيقة التي يلزم أن نتذكرها بهذه المناسبة، هي أن كل حركة أو ثورة أو سلطة لا تأخذ في حساباتها كرامة الإنسان، فتسعى لتحقيقها من خلال تكريس حرية الإنسان والمساواة بين الناس والحث والسعي على إشراكهم في الشأن العام، لهي حركة لا تمت إلى الحسين عليه السلام بصلة، وان تزيت بزي الحسين(ع) أو رفعت شعارات حركته الإصلاحية، لأن السبط عنوان كرامة الإنسان، فأية حركة إصلاحية (حسينية) هذه التي تتجاوز على كرامة الإنسان؟ وأية سلطة صالحة تلك التي تسحق حرية الإنسان؟ وأية ثورة إنسانية تلك التي تميز بين الناس وتسلبهم الفرص ولا تمنحهم حق المشاركة في الشأن السياسي العام؟.
   إن الحركة الإصلاحية، أية حركة، هي تلك التي تبذل قصارى جهدها من أجل تكريس كرامة الإنسان من خلال احترام حريته وعدم التجاوز على حقوقه في المساواة وحرية الاختيار والمشاركة الحقيقية في الشأن العام، والا فهي حركة أموية مهما تجملت بالشعارات البراقة، وتغنت بالأهداف الحلوة والمعسولة، لأن الفرض والإكراه ليس من وسائل الحركة الإصلاحية الحقيقية، أبدا، وأن الذبح والقتل والتفجير والسيارات الملغومة والأحزمة الناسفة ليست الوسيلة لبناء مجتمع الكرامة الإنسانية، أبدا.
   إن الحسين عليه السلام، لم يفرض نفسه وأهدافه على أحد أبدا، إنما حاول إقناع الناس وسعى لكسب إيمانهم به طوعا وليس كرها، ولذلك فهو بذل جهودا جبارة من أجل توضيح وتحديد أهداف حركته الإصلاحية كما في أقواله التالية؛
   {فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، والدائن بدين الله، الحابس نفسه على ذات الله}في إشارة منه إلى أن السلطة القائمة ليست شرعية أبدا{ألا واني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا، أصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين}في إشارة منه إلى أن المطلوب هو قبول الحق فيه وليس قبول شخصه{أما بعد، فاني ادعوكم إلى إحياء معالم الحق وإماتة البدع، فان تجيبوا تهتدوا سبل الرشاد}في إشارة إلى الهدف الأسمى لحركته الإصلاحية{وأنا ادعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فان سمعتم قولي واتبعتم أمري، أهديكم إلى سبيل الرشاد}وفيه تخيير بلا فرض أو إكراه أبدا{أيها الناس، إن رسول الله (ص) قال، من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخله مدخله، ألا وأن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ واحلوا حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق من غير، وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم، وأنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فان تممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، فاني الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله(ص) نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة}وهي إشارة واضحة إلى أن بيعتكم لي، هي التي أقامت الحجة علي وعليكم.
   هذا من جانب، ومن جانب آخر، لم يكن الإمام عليه السلام، متهالكا على سلطة أبدا، فكان يقول بهذا الصدد؛
   {اللهم انك تعلم أنه لم يكن ما كان منا، تنافسا في سلطان ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وأحكامك}وهو نفس الخطاب الرسالي الذي نطق به أبوه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، عندما انثال عليه الناس يطلبون البيعة للخلافة، فقال{أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حابلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز} لماذا؟ لأن السلطة بالنسبة للإمام حق يسترد لمظلوم أو باطل يسقطه عن ظالم، والا فلا خير في سلطة أبدا، والى هذا المعنى يشير الإمام عليه السلام بقوله{الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه} فلا محاباة، في قاموس الإمام، ولا أثرة ولا محسوبية ولا رشاوى ولا فساد إداري أو مالي ولا تمييز بين قوي وضعيف، أبدا.
   بل أن الإمام السبط عليه السلام، لم يشأ أن يقتتل المسلمون بسببه، ولم يشأ أن تراق الدماء بسببه، ولذلك، عندما وصله خبر استشهاد سفيره إلى الكوفة ابن عمه مسلم بن عقيل عليه السلام، في منطقة بين مكة والعراق تسمى (الزبالة) لم يشأ أن يخفي الخبر على من التحق به في مسيره من المدينة إلى الكوفة، ولذلك جمعهم وأخبرهم بالأنباء غير السارة، وأذن لمن شاء بالانصراف حتى لا يقولن أحد أن الحسين أجبره على مسير أو بيعة أو قتال أبدا، فقال لهم عليه السلام{أما بعد فانه قد أتاني خبر فضيع، قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج، ليس عليه منا ذمام} لأن الإمام كان واضحا في أهدافه، طاهرا في وسائله وأدواته، ولذلك كانت ثورته رسالية وربانية وإنسانية.
   فعل ذلك عدة مرات، وكرره في آخر لحظة سبقت قرار الحرب في يوم العاشر من المحرم، بل أنه بادر إلى عقد عدة اجتماعات سرية وعلنية مع قائد جيش البغي لثنيه عن القتال، ولقد نجح في ذلك، إلا أن الأوامر المشددة التي صدرت عن الدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد بن أبيه، والقاضية بقتل الحسين أو استسلامه، وهيهات، هي التي أفشلت كل جهود السلام.
   لنقرأ المقطع التاريخي التالي الذي يرسم لنا الصورة التي كانت عليه الأوضاع في كربلاء قبيل بدء الحرب؛
   {حتى إذا قدم عمر بن سعد قائد الجيش الأموي، فاوضه الحسين طويلا وأقنعه بأن يمسك الطرفان عن القتال ويرجع الحسين من حيث أتى أو يذهب إلى حيث يريد من بلاد الله، وكتب عمر بن سعد بذلك إلى عبيد الله بن زياد فأبى وكتب إليه: أما بعد فاني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتقعد له عندي شافعا، أنظر فان نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي سلما، وان أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فان قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره فانه عاق شاق قاطع ظلوم، وليس في هذا أن يضر بعد الموت شيئا، ولكن علي قول، عهد للخليفة يزيد، لو قد قتلته فعلت هذا به}.
   لقد حاول السبط الشهيد عليه السلام، أن يلقي الحجة بكل وسائل الحوار والمنطق السليم والحق الواضح، إلا أن القوم قد استحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله عز وجل، فارتكبوا جريمة هي من أبشع الجرائم في تاريخ البشرية.
   وأن من يريد أن يثأر لكرامته التي اعتدت عليها الإساءات التي تعرض لها الرسول الكريم(ص) في الإعلام الغربي، عليه أولا أن يحيي قيم الثورة الحسينية في نفسه ومشاعره وأحاسيسه، لتتحول إلى كرامة حقيقية تتشبع بها شخصيته، ولا يكون ذلك إلا بإعلان الولاء، أولا، لآل الرسول الكرام الذين قتلوا في كربلاء في العاشر من المحرم عام 61 للهجرة، إلى جانب إعلان البراءة ممن قتلهم واعتدى عليهم، ولولا تلك الإساءة الكبيرة التي تعرض لها الرسول الكريم(ص) بقتل سبطه وسيد شباب أهل الجنة، على يد السلطان الجائر الذي تلبس بلبوس الإسلام، وأمام مرأى ومسمع المسلمين، لما تحولت الطريقة البشعة تلك إلى (ثقافة) تتوارثها أجيال الأمويين، بالانتماء السياسي وليس بالنسب، لتصل إلينا اليوم طرق وأساليب يعتمدونها الورثة في قتل الإنسان على الهوية، كما يجري اليوم في العراق، فيقتل الإنسان العراقي على الهوية والانتماء، وبنفس الطرق والأدوات التي استخدمتها الفئة الضالة التي قتلت السبط الرسول(ص).
   وأقولها بصراحة، فلولا استباحة الإرهابيين، الذين يتلفعون بالدين لتنفيذ جرائمهم وتحقيق مآربهم، لدماء الأبرياء، ولولا سكوت (علماء الإسلام) على هذه الجرائم، لما تجرأ أحد على الإساءة إلى مقدساتنا أبدا.
   إن تجاوز الإرهابيين على كرامة الإنسان، هو الذي جرأ الآخرين على التجاوز على مقدساتنا، والإساءة للرسول الكريم(ص).
   إن اكبر إساءة تعرض لها الرسول الكريم(ص) على الإطلاق، تمثلت في قتل سبطه الشهيد على يد حاكم جائر أساء للرسول عندما نزا على منبره، وهو الذي يعبد الله على حرف.
   استغرب حقا، كيف تثور غيرة (المسلم) لكرامة دينه ونبيه عندما يسئ (إعلام الكفار) لنبيه برسم، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا، ولا تتحرك في جسده شعرة، وهو يمر على ذكرى السبط الشهيد ابن بنت رسول الله (ص)، والذي قتل بتلك الصورة الشنيعة في رمضاء كربلاء، محاولا نسيانها أو تجاهلها، كما هو حال الإعلام (العربي) الذي يوصل الليل بالنهار، في أيام الذكرى، طربا ومجونا وخلاعة؟ ألا يرى (المسلم) في ذلك تناقضا صارخا يا ترى؟ أم ماذا؟ أم أنه لا يرى في قتل السبط أية إساءة للرسول الكريم(ص)، ولذلك لا يعير ذكراها أهمية تذكر؟.

السابع من شباط 2006[/b][/size][/font]
 

39
المنبر السياسي / حقائق انتخابية
« في: 11:31 24/12/2005  »
حقائق انتخابية


نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM


   ما أعظم العراق؟.
   ما أعظم العراقيين؟.
   ما أعظم تاريخهم وإيمانهم وصبرهم وجلدهم وعزيمتهم ووحدتهم، وحاضرهم ومستقبلهم؟.
   ما أعظم كبيرهم وصغيرهم؟.
   ما أعظم رجالهم ونساءهم؟.
   ما أعظم كهولهم وشبابهم؟.
   ما أعظم عالمهم ومتعلمهم؟.
   ما أعظم وعيهم وإدراكهم؟.
   وقبل كل شئ، وبعد كل شئ، ما أعظم شهداءهم، وتضحياتهم؟.
   ما أعظم أرواحهم ودماءهم؟.
   قتلوهم، فصبروا.
   ذبحوهم، فعظوا على النواجذ.
   هددوهم بالحرب الأهلية والطائفية، فتماسكوا.
   شككوا في مسيرتهم وطريقهم الجديد، فازدادوا إصرارا على المضي في الطريق الصحيح الذي اختاروه.
   اعتدوا على ثوابتهم ومقدساتهم، فخرجوا بالملايين مصطفين أمام صناديق الاقتراع، ليحنوا أصابعهم بلون الحرية والكرامة والعزة والإباء..... والوطن، لون البنفسج.
   فللمرة الثالثة، وخلال عام واحد فقط، يشهد عراق ما بعد الطاغية، ثالث ملحمة انتخابية، بكت لها عيون الأحباب فرحا، وعيون الأعداء والحاقدين، غيضا، تكاد تموت.
   لقد حسم العراقيون خياراتهم، ليس بالسلاح والعنف والإرهاب والسيارات المفخخة، وإنما من خلال صناديق الاقتراع التي يجب على كل الفرقاء، ومعهم كل العالم، خاصة دول الجوار، احترام نتائجها والخضوع لإرادة العراقيين الحرة التي منحت صوتها لمن تعتقد بأنه الأقدر على تلبية مطاليبهم خلال الأعوام الأربعة القادمة، بغض النظر عن صحة أو خطأ الخيار بالنسبة للآخرين، وحذار أن يحاول البعض، الالتفاف على هذه الإرادة بأي شكل من الأشكال، وتحت أية ذريعة من الذرائع، فان ذلك يشكل تهديدا مباشرا لنجاح العملية السياسية الجديدة، ويعرض العراق لتهديدات جدية، ليس أقلها التقسيم.
   كما حسمت الانتخابات جدلا ميتافيزيقيا ظل يشغل بال العالم، مدة طويلة، ذلك الجدل المتعلق بالأغلبية والأقلية التي تتشكل منها مكونات المجتمع العراقي، فلقد أفرزت صناديق الاقتراع، وأكدت حقيقة أن الشيعة، وليس غيرهم، هم الأكثرية، وان الكرد، وليس السنة، هم أكبر الأقليات في البلاد، وان ما ظل يدعيه الآخرون، رجما بالغيب تارة، ومحاولة لتزوير الحقائق لفرض أجندات معينة، تارة أخرى، لم يكن سوى ادعاء فارغ لا يستند إلى دليل علمي أو حسابي أو منطقي، بأي شكل من الأشكال، بل كان شكل من أشكال الغش والتزوير، ومحاولات مفضوحة للبناء عليها، سياسيا على وجه التحديد، وبالطريقة التي يريدونها، في إطار سياسة الإقصاء الطائفي والعنصري التي ابتلي بها العراق منذ التأسيس مطلع القرن الماضي.
   نقول ذلك، للتذكير فقط، ولتثبيت الحقائق لا أكثر ولا أقل، من أجل أن يعرف العراقيون، ومعهم العالم، التركيبة السكانية الحقيقية للعراق، حتى لا يرتكبوا الأخطاء تلو الأخرى عندما يريدون البحث في قضايا هذا البلد، فمن الواضح جدا، فإن أية دراسة يراد لها أن تعطي نتائج حقيقية، يجب أن تعتمد على معلومات دقيقة وصحيحة، كما أن من يريد أن يبحث عن حل لمشكلة، أو يريد أن يساهم في إيجاد حل لمشكلة، عليه أن يعتمد معطيات صحيحة ومعلومات دقيقة، أما إذا كان يجهل (أو يتجاهل، لا فرق) أبسط المعلومات، أو يعتمد على معلومات خطأ من منطلق طائفي أو عنصري، فانه بالتأكيد سوف لن يساعد على إيجاد حل لمشكلة، أبدا، بل قد يزيد المشكلة تعقيدا، لأنه سيكون، والحال هذه، جزء من المشكلة، كما هو الحال في الملف العراقي، كلما فكر الآخرون، بمن فيهم بعض العراقيين، البحث عن حلول لمشكلة من المشاكل.
   بشكل عام، فأنا أعتقد بأن نتائج الانتخابات صححت خطأ تاريخيا فيما يتعلق بالتركيبة السكانية للعراق، والتي ظلت إما مجهولة أو مزورة أو مشوشة على الباحثين طوال عقود طويلة من الزمن، عانى بسببها العراق والعراقيون أقسى أنواع التمييز الطائفي والعنصري.
   هذه المرة، لم يعد بامكان أحد أن يشكك في خارطة التركيبة السكانية التي رسمتها نتائج الانتخابات، فإذا كانت بعض مكونات المجتمع العراقي قد قاطعت الانتخابات السابقة، ما دفع بالبعض إلى التشكيك بالخارطة السكانية التي أفرزتها آنئذ، فان كل شرائح المجتمع العراقي قد اشتركت في هذه الانتخابات، ولذلك لم يعد بمقدور أحد التشكيك في نتائجها المتعلقة بالتركيبة السكانية، فهي وثقت الأرقام التي كانت تتداولها الأغلبية من العراقيين، فيما كذبت كل الأرقام التي كانت الأقلية تسعى لفرضها على الواقع العراقي بأي شكل من الأشكال، وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، بما فيها العنف والإرهاب، ولكن قديما قيل {إن البحر يكذب الغطاس} أليس كذلك؟.
   أعتقد أن من المهم جدا، من الآن فصاعدا، أن يعتمد كل المعنيين بالشأن العراقي، النتيجة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة فيما يتعلق بالتركيبة السكانية للعراق، آملين أن لا نسمع بعد اليوم نفس نغمة (الاسطوانة المشروخة) ونعود{نفس الطاس يا عباس} كما يقول المثل العراقي المعروف، من أجل أن ننظر إلى الأمام، ولا نتلفت كثيرا إلى الخلف.
   الحقيقة الأخرى المهمة جدا التي أفرزتها الانتخابات النيابية العراقية الأخيرة، هي تلك المتعلقة بالعنف والإرهاب.
   إن مما يؤسف له حقا، هو أن البعض من (العراقيين) يحاول الإيحاء بأنه هو الذي يقف وراء سكوت مدافع الإرهابيين خلال أيام الانتخابات، مدعيا بأنه نجح في إقناع الإرهابيين القتلة، الالتزام بهدنة مؤقتة من أجل مشاركة الغائبين في الانتخابات، فيما تمادى آخرون، عندما قدم الشكر للإرهابيين لالتزامهم بالهدنة، وأقول، بالفم المليان، أنه ادعاء كاذب لا صحة له أبدا، بالرغم من أنه يؤكد حقيقة أن أمثال هؤلاء المدعين، لهم علاقة حقيقية بجماعات العنف والإرهاب، والا لما كان بامكانهم التأثير عليهم وإقناعهم بالهدنة المزعومة، حسب ادعائهم.
   إن الذي أسكت مدافع الإرهابيين القتلة، هو الناخب العراقي الذي تحدى كل شئ للوصول إلى صناديق الاقتراع، فبسبب عزيمته وإرادته القوية اخرست المدافع والأبواق الإرهابية، ولو لم يكن الناخب يتحلى بكل هذه الشجاعة والعزيمة، لما اخرس الإرهابيون، ولظلت جرائمهم تتجاوز كل شئ من أجل تحقيق هدفها الوحيد المعروف، ألا وهو العودة بالعراق إلى سابق عهده.
   لقد تشبث العراقيون بالجدول الزمني الذي دونوه لتقدم العملية السياسية، بالرغم من كل التحديات والضغوط التي تعرضوا لها، ولولا هذا الإصرار لكانت الانتخابات، ومجمل العملية السياسية الجديدة، في خبر كان، كما يقولون، ولأن المدعين توصلوا إلى القناعة التي تقول بأن العملية السياسية الجديدة ستتقدم إلى الأمام، رغما عن أنف الجميع، سواء توقف العنف والإرهاب أم استمر في جرائمه، وسواء التحق بها الغائبون، أم تمسكوا بموقف المقاطعة، لذلك بادروا إلى إطلاق مثل هذا النوع من التصريحات لحفظ ماء وجههم، وسمعة ما يسمونه بـ (المقاومة الشريفة) والشرف منها براء، براءة الذئب من دم يوسف.
   الانتخابات، كذلك، تعد بمثابة آخر مسمار في نعش النظام الديكتاتوري الشمولي البائد.
   بالانتخابات، طوى العراقيون صفحة الأنظمة الشمولية، ونظام الحزب الواحد والزعيم الأوحد، وبها انتهى عهد السرقات المسلحة(الانقلابات العسكرية) وكل عهود الحروب العبثية والقرارات الارتجالية، وقانون السلطة، لتبدأ سلطة القانون، وسلطة الخيار الشعبي، في ظل التعددية الحقيقية واللامركزية الفاعلة، بعد أن أنهت الانتخابات عهود التغييب والطبقية السياسية والاستفراد والإقصاء.
   اليوم يئس أيتام النظام الشمولي البائد من أي احتمال لعودته إلى الحياة السياسية من جديد، كما يئس أيتامه من العرب وغيرهم ممن ظل يرضع من العراق الحلوب أيام الطاغية الذليل، دراهم وكوبونات وشقق مفروشة وسيارات فاخرة، وكل متع الحياة، على حساب المعاناة اليومية التي ظل يعيشها ضحايا النظام البائد، فاليوم، فقط، تأكد لهؤلاء بأن العراق لم يعد لهم كما يريدون، يحوطونه ما درت معائشهم، بل هو للعراقيين والعراقيين فقط.
   لا عودة إلى الماضي الأسود، إذن، وان عقارب الزمن العراقي سوف لن تعود إلى الوراء من الآن فصاعدا، فالعراقيون مقبلون على بناء العراق الجديد بإذن الله تعالى، وبإرادتهم الفولاذية المملوءة إيمانا واقتدارا وأملا وتطلعا إلى المستقبل.
   كما كشفت الانتخابات عن الأحجام التقريبية للتيارات والكيانات والأحزاب السياسية، خاصة من كان منفوخا منهم كالبالون، متمنيا أن يتواجه الجميع مع حقيقة الأحجام الجديدة، ولقد قيل{أن آفة النجاح، الوهم}فمن أجل أن لا يفشل المرء، عليه أن لا يتوهم، فلا يعيش الأحلام البعيدة كل البعد عن الواقع.
   اسمحوا لي هنا، أن أعود قليلا إلى الوراء، لأتذكر معكم ما يلي؛
   فعندما أصرت الأغلبية من العراقيين(الشيعة على وجه التحديد) على إجراء الانتخابات في المرة الماضية التي قاطعتها الأقلية(السنة على وجه التحديد) فسر البعض هذا الإصرار على أنه محاولة من قبل الأغلبية، لتوظيف الظرف السياسي الاستثنائي والشاذ الذي يمر به العراق، والعواطف الجياشة والظلامات المتراكمة، لتثبيت حقوق وأجندات ومكاسب، ما كان بامكانهم جنيها إذا ما أجريت الانتخابات في ظروف أكثر ملاءمة، خاصة إذا ما شاركت فيها كل شرائح ومكونات المجتمع العراقي.
   وتمر الأيام، ليكتشف العالم(العراقيون على وجه التحديد) الدوافع الحقيقية لذلك الإصرار، خاصة في ضوء النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، والتي لم تختلف كثيرا عن سابقتها، فالإصرار لم يكن لمكاسب تكتيكية أبدا، كما أنه لم يكن محاولة لتوظيف ظرف خاص، إنما كان ذلك الإصرار نابعا من الثقة العالية بالنفس وبما يقول المستعجلون ويدعون، وبالشارع الذي يمثلونه، كما أنه كان نابعا من إيمان حقيقي لهذه الأغلبية بالعملية الديمقراطية وقواعدها وأدواتها، والتي تقف على رأسها الانتخابات وصندوق الاقتراع، وحرية إرادة الاختيار لدى الناخب العراقي، لم لا وأن أمير هذه الأغلبية ونموذجها وقدوتها وأسوتها، هو سيد الأوصياء والمتقين أخو رسول الله (ص) ونفسه التي بين جنبيه، الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أول وآخر خليفة للمسلمين، اعتلى السلطة بانتخابات عامة، حرة ونزيهة، من دون أن يتآمر في سقيفة أو يلجأ إلى غش أو حيلة، كما أنه لم يدبر أمرا بليل أبدا، ولا أقول أكثر من ذلك.
   الأقلية التي رفضت المشاركة في تلك الانتخابات، حاولت، وقتها، أن تتلاعب بالألفاظ وتتشبث بالشعارات البراقة والمعسولة، وتتلفع، زورا، بقيم مقدسة، لتبرير رفضها، من دون أن تتسلح بالجرأة لتقول الحقيقة التي ظلت تخفيها إلى الآن {حقيقة عدم إيمانها بالديمقراطية وخوفها من صندوق الاقتراع الذي لم تتعود الاحتكام إليه أبدا} فتارة كانت تقول بأنها ترفض المشاركة في العملية السياسية، فضلا عن الانتخابات، لا زال المحتل يطأ أرض العراق، وها هي تشترك بكل قوة في انتخابات مماثلة، وفي ظل أجواء سياسية وأمنية مماثلة، وفي ظل الاحتلال كذلك، بل أنها أوجبت المشاركة(دينيا ووطنيا) على من تدعي أنها تمثلهم، فما عدا مما بدا يا ترى؟ أم أن مجرد مشاركتها يضفي الشرعية على العملية السياسية و....المحتل في آن واحد؟.
   لقد حاول المقاطعون في تلك المرة توظيف العنف والإرهاب لفرض ما يريدون ويتبنون من قناعات على الآخرين، بالرغم من أنهم لم يشاءوا الإفصاح عن علاقاتهم مع مجموعات العنف والإرهاب، ولكنهم هذه المرة قالوا كل شئ وأفصحوا عن المستور، لأنهم أرادوا المشاركة، أو أريد لهم المشاركة، لا فرق، لذلك بادروا إلى تبرير كل خطواتهم، شرعيا ووطنيا، من دون حياء.
   وإذا أردت أن أكون أكثر وضوحا، دعوني أقول لكم، بأن من شارك هذه المرة في الانتخابات، ممن قاطعها في المرة السابقة، لا زال لم يقتنع بالديمقراطية، فهو يكفر بأدواتها ولم يؤمن بوسائلها، بل انه قرر المشاركة هذه المرة، فقط من أجل أن يثبت للعالم بأنه (أكثرية) التركيبة السكانية في العراق، لا أكثر ولا أقل، وللباحثين عن الحقيقة والتفاصيل، يمكنهم العودة إلى تصريحات بعض رموزهم للتأكد مما أقول.
   إن قراءة سريعة لنماذجهم التاريخية، والكثير من نماذجهم المعاصرة، تؤكد لكل ذي بصيرة، بأن هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية وأدواتها طرفة عين أبدا، وإذا ما صادف أن قبلوا بها أحيانا، فللانحناء أمام العاصفة فقط، أما ما تخفيه دواخلهم، فالكفر بها وبكل ما يتعلق بها من قريب أو بعيد.
   الآن حصحص الحق، وتبين للجميع لماذا رفضت الأقلية الانتخابات الأولى، لأن صندوق الاقتراع وسيلة حضارية ومدنية للكشف عن الكثير من الحقائق المخفية، ومنها التركيبة السكانية، وهو ما فضح ادعاءات الكثيرين، ولعلمهم، من جانب آخر، بأن صندوق الاقتراع هو أذكى وسيلة لحمل الأغلبية إلى الأمام وركل الأقلية إلى الخلف، ليعطي كل ذي حق حقه، ولكل ذي صاحب موقع موقعه، وهذا ما فعله صندوق الاقتراع هذه المرة، وسيفعله في كل مرة.
   ولكن مع كل ذلك، يلزم القول، وللإنصاف، بأن الأقلية توصلت، أخيرا، إلى نفس القناعات التي كانت قد توصلت إليها الأغلبية لحظة سقوط الصنم، متمنيا أن لا يكون ذلك بعد فوات الأوان.
   تعالوا لنجعل الانتخابات النيابية هذه، الحد الفاصل بين زمنين، من أجل بناء عراق جديد قائم على أساس الشراكة الحقيقية بين مختلف مكونات المجتمع العراقي، طبعا مع الأخذ بنظر الاعتبار نتائج الانتخابات، على قاعدة{لا تظلمون ولا تظلمون} من خلال:
   أولا؛ تشكيل حكومة وحدة وطنية{ تستند إلى الاستحقاقات الانتخابية مباشرة، من دون أن يعني ذلك رفض مبدأ التوافق، أبدا} أساسها الخبرة والنزاهة والتجربة والإخلاص والقوة والأمانة، ثم بعد ذلك، بغض النظر عن الانتماء والهوية.
   ثانيا؛ ليحترم الجميع نتائج الانتخابات، فالفائزون الذين حملتهم الأصوات إلى البرلمان الجديد، عليهم أن يحترموا الخاسرين كونهم أقلية يجب أن لا تضطهد، لأن الديمقراطية تعني في جوهرها احترام الأقلية التي يجب أن تتمتع بتكافؤ الفرص من أجل أن تتمكن في يوم من الأيام أن تتحول إلى أغلبية، كما أن على الخاسرين أن يحترموا الفائزين لأنهم يمثلون إرادة الشعب، بغض النظر عما إذا أرادوا أن يتعاونوا معهم في إطار السلطة الجديدة، أم اختاروا أن يكونوا معارضة في الشارع العراقي الجديد.
   ثالثا؛ أعتقد بأن الناخب العراقي أدى الذي عليه من واجبات، وبقي عليه أن يتمتع بالحقوق، فقد تحدى الناخب كل الصعوبات ووصل إلى صندوق الاقتراع وأدلى بصوته لصالح من يراه ينسجم مع تطلعاته، فهو بذلك هيأ كل الظروف اللازمة والمناسبة لجلوس النائب تحت قبة البرلمان، وبذلك يكون الناخب قد وفى بالتزاماته الوطنية، ويبقى على النائب أن يلتزم بتعهداته التي قطعها للناخب، ليكون عند حسن ظنه، والا فالناخب لا زال لم يعدم الوسائل الديمقراطية لإسقاط النائب من مقعده الذي طرزه الناخب بالدماء الطاهرة والتضحيات السخية.
   رابعا؛ أخيرا، علينا أن نحذر بعض من فاز في الانتخابات ليجلس تحت قبة البرلمان، ليس إيمانا منه بالديمقراطية وأدواتها، وإنما لتخريب العملية السياسية الجديدة،  وبأدوات الديمقراطية هذه المرة، بعد أن عجز عن تخريبها وعرقلتها بوسائل العنف والإرهاب والقتل.
   بعضهم، طعن بالنتائج ليس بسبب التزوير مثلا أو التلاعب بالأصوات، وإنما لأن (مثل هذه النتائج لا تصب في مصلحة الشعب العراقي، ولا في مصلحة أمن واستقرار البلاد، وأنها تخل بالتوازنات) على حد قوله{وكأن المطلوب هو أن ينتج صندوق الاقتراع نتائج متوازنة، وكأنه ليس تعبيرا عن إرادة الناخب، بغض النظر عن النتيجة} من دون أن يوضح السبب في ذلك، ولكن ربما لأنه لم يفز إلا بنصف عدد المقاعد التي كان قد وعد بها أنصاره، أو ربما أقل، ولم ينس في نهاية تصريحاته أن يطلق التهديدات، فيبرق ويرعد(ومع هاتان الفشل) كرسالة للإرهابيين، داعيا إما إلى إعادة الانتخابات لتصحيح النتيجة، ما يكفل إعادة التوازن ولو بالقوة، أو بالتزوير، إذا اقتضت المصلحة الوطنية العليا، أو إعطاء الإشارة مرة أخرى لـ(المقاومة) إيذانا للبدء بـ(نضالها) من جديد.
   إنها، باختصار، طعون سياسية، وليست فنية أبدا، وهذا ما أكدته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي أدارت العملية الانتخابية، مشكورة، بشكل صحيح، وهذا ما شهدته لها المنظمات والهيئات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة وأمينها العام السيد كوفي أنان، وكفى بذلك فخرا، من دون أن يعني ذلك عدم التسليم بهامش الخطأ، أبدا، وهو أمر طبيعي، يتوقع حدوثه حتى في أعرق البلدان الديمقراطية.
   فليحذر الجميع من مغبة الانقلاب على نتائج الانتخابات، بأي شكل من الأشكال، والا{فلات حين مندم} أما التهديد والوعيد، فلم يعد مجديا، لأنه، وبصراحة، لم يعد وسيلة الابتزاز أبدا، فلقد خبر العراقيون كل الوسائل والأدوات، ولذلك لم تعد تمض بهم الوسائل القذرة، إطلاقا.
   أخيرا:
   أوجه حديثي إلى أولئك (العباقرة) الاستثنائيين من الكتاب والمحللين الاستراتيجيين الذين ملؤوا، ويملؤون، شاشات الفضائيات وصفحات الإعلام المقروء، بالمقالات والتحليلات، ممن جاءت نتائج الانتخابات، وعلى كل الأصعدة، مخالفة لكل توقعاتهم، لتفاجئهم وتخطئهم، على هؤلاء، أن يشككوا في المصادر التي تغذيهم بالمعلومة، إن كانوا يعتمدون على معلومة، ويشككوا في(عقولهم) التي أنتجت كل ما قالوه وكتبوه لحد الآن، من أجل تحليل أفضل ورأي أدق، واحترام أكثر للنفس وللقارئ اللبيب، والله المستعان على ما يصفون.   

23 كانون الأول 2005
    [/b]

40
المنبر السياسي / برنامج ناخب
« في: 01:42 23/11/2005  »
برنامج ناخب
نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

لن أتحدث هنا عن برنامج انتخابي لقائمة بعينها أو مرشح ما من مرشحي الانتخابات العامة القادمة في العراق، والتي ستجري في الخامس عشر من الشهر القادم، لأنني، وبكل بساطة، لست مرشحا فيها، كما أنني لا أريد أن أعبر، هنا، عن تأييدي أو اعتراضي على أي من البرامج الانتخابية التي تقدم بها المتنافسون في هذه الانتخابات العامة.
وإذا كان الجميع تحدث، ويتحدث، عن برامج المرشحين، بالأصالة أو بالنيابة، فأنا هنا سأتحدث، أو أحاول على الأقل، أن أتحدث عن برنامج الناخب العراقي، من خلال الغور في أعماق شعوره وأمانيه وتطلعاته، في محاولة جادة لقراءة ما يريده ويتمناه من الفائزين في الانتخابات القادمة.
وقبل ذلك، أود أن أبين الملاحظات الهامة التالية التي شغلت بال الكثير من العراقيين، والتي طرحت علي شخصيا في أكثر من أمسية سياسية استضافتني فيها غرف البالتوك العراقية، بالإضافة إلى الكم الهائل من الاستفسارات التي وردتني عبر الرسائل الالكترونية أو المكالمات الهاتفية، بشأنها.
الملاحظة الأولى، بخصوص النظام الانتخابي، وفيما إذا كان نظام الدائرة الواحدة هو الأفضل أم نظام الدوائر المتعددة؟.
برأيي، فان النظام الانتخابي الذي يعتمد الدوائر المتعددة، أفضل بكثير من نظام الدائرة الواحدة، وهو، بالمناسبة، النظام الذي كنت قد تبنيته ودعوت إليه في مقالات سابقة، وذلك للمميزات الهامة التالية التي يتصف بها نظام الدوائر المتعددة؛
1- انه الأقرب في التعبير عن إرادة الناخب، فالمرشح في هذا النوع من الأنظمة الانتخابية، يفترض أن يكون، بالضرورة، من ذات المحيط الجغرافي الذي سيمنحه الناخب صوته للتعبير عن إرادة هذه الدائرة أو تلك، فالناخب، في هذه الحالة، لا يحتاج، أو قل يضطر أو يجبر، على الإدلاء بصوته لصالح مرشح من خارج محيطه الجغرافي، كما يحصل ذلك، عادة، في نظام الدائرة الواحدة، وهو ما حصل بالفعل في الانتخابات العامة الماضية.
إن في كل دائرة عناصر كفوءة، ما يكفي لانتخابها للتعبير عن واقعها، فصاحب الدار أدرى بالتي فيها، كما يقول المثل المعروف، وبذلك سنقضي على ظاهرة(استئجار) المرشحين من الدوائر الأخرى، كما كان يفعل نظام الطاغية الذليل سابقا.
في نظام الدوائر المتعددة، ينبثق المرشح من بين أهله (جغرافيا) فيكون الأقرب إلى تمثيلهم، لأنه الأقدر على فهم واستيعاب حاجات دائرته الانتخابية.
كما أنه سيكون الأحرص على تلبية طلباتهم وتحقيق حاجاتهم وأمانيهم، ولذلك، ففي هذا النظام، تكون مشاريع التنمية أقرب إلى التنفيذ منها في نظام الدائرة الواحدة، كما أن الجهود المبذولة لمكافحة الفساد الإداري والمالي واللصوصية والمحسوبية والرشوة، وغير ذلك من الأمراض المزمنة التي تعشعش، عادة، في دوائر الدولة، تكون الأقرب إلى الفاعلية والنجاح.
وفي هذا النظام، كلما ضاقت مساحة الدائرة الانتخابية، كلما اقتربنا إلى حقيقة التمثيل النيابي أكثر، ولذلك تعيد الدول المتقدمة، النظر في حجم المساحات الجغرافية للدوائر الانتخابية بين الفينة والأخرى، كلما زاد عدد نسمة السكان الذين يعيشون على مساحتها، ليحافظوا على أعلى نسبة من التمثيل الحقيقي دائما.
2- كما أنه الأقرب في تمثيل كل المساحة الجغرافية التي تجري فيها الانتخابات، فهو الأقرب إلى الإنصاف في تغطية المساحات الجغرافية للناخبين، بالاعتماد على عددهم في كل دائرة واحدة، على أساس التمثيل النسبي، ولذلك ففي هذا النوع من الأنظمة الانتخابية، لا نشهد إفراطا أو تفريطا في نسبة التمثيل، على العكس من نظام الدائرة الواحدة، كما حصل ذلك مثلا في الانتخابات الماضية، فبينما تمثلت محافظة من المحافظات بـ (18) مقعدا، لم تمثل بعض المحافظات الأخرى مطلقا أو بمقعد واحد، ما سبب إجحافا في التمثيل، إلى جانب ابتعاد النتيجة عن الواقع الجغرافي في التمثيل، لأن الناخب كان مضطرا إلى أن ينتخب قائمة واحدة تغطي كل العراق، من دون أن يكون له الحق في انتقاء المرشحين من بين العدد الكبير، كما يريد.
3- ولذلك، فهو النظام الدولي المعمول به في الدول الديمقراطية التي تتمتع بنظام سياسي نيابي ديمقراطي حقيقي.
أما نظام الدائرة الواحدة، فعادة ما يتم اللجوء إليه عند الضرورة، في الدول التي تسعى للانتقال من النظام السياسي الشمولي إلى النظام الديمقراطي، كما هو الحال في الانتخابات العامة الماضية التي شهدها العراق بداية السنة الحالية.
4- إن نظام الدوائر المتعددة يحفظ حق مقاعد كل دائرة بغض النظر عن عدد الناخبين، لأنه يخصص لكل دائرة عدد مقاعدها حصرا، ويمنع الدوائر الأخرى من أن تنزو أو تستحوذ على مقاعد الغير، كما هو حال نظام الدائرة الواحدة، ما يحقق نسبة عالية جدا من العدل والمساواة في التمثيل، وهو ما يساعد على تطمين الناخبين على حقوقهم، من استيلاء الآخرين عليها لسبب أو لآخر، وهذا بدوره يساهم في دفع الناخبين للاشتراك بفاعلية أكبر واندفاع أقوى للمشاركة في العملية الانتخابية.
5- أخيرا، ففي نظام الدوائر المتعددة يكون الفائز في الانتخابات أكثر تمثيلا وتعبيرا عن إرادة الناخب منه في نظام الدائرة الواحدة التي يشعر فيها الفائز بأنه مدين إلى حزبه أو قائمته التي رشحته، وليس إلى أصوات الناخبين في دائرة انتخابية بعينها، إذ لم يكن باستطاعة الفائز اكتشاف الأصوات التي حملته إلى البرلمان، إلا في المجمل.
ولهذا السبب، ولأسباب أخرى، يشعر الفائز بأنه مدين إلى أصوات دائرته في الفوز بالمقعد النيابي، فيسعى لإرضاء ناخبيه أكثر من سعيه لإرضاء حزبه أو قائمته، ليضمن فوزا جديدا في الانتخابات القادمة، ولذلك نرى، مثلا، أن الفائز في الانتخابات النيابية في الولايات المتحدة الاميركية، يضطر في أحيان كثيرة إلى إرضاء ناخبيه حتى على حساب سياسات حزبه الذي رشحه لخوض الانتخابات، لأنه يشعر بأن الناخبين، وليس حزبه، هم أولياء نعمته بالدرجة الأولى، وذلك من أجل أن يضمن فوزا محتملا في دورة جديدة قادمة، على الأقل.
أما الملاحظة الثانية، فهي بخصوص تعدد القوائم الانتخابية هذه المرة، خلافا للمرة الماضية، وفيما إذا كان ذلك دليل على تمزق وحدة الصف؟ أم ماذا؟.
في الحقيقة أنا أستغرب كثيرا ممن يعتبر تعدد القوائم الانتخابية تمزقا.
فعلى العكس من ذلك تماما، فأنا أعتبر أن تعدد القوائم من أبرز مصاديق التعددية السياسية التي لا يمكن أن تشيد الديمقراطية من دونها، لأن الديمقراطية التي تعني، فيما تعني، حرية الناخب في الاختيار والتصويت والإدلاء برأيه، لا يمكن أن نتصورها إذا وقف الناخب أمام قائمة واحدة، ليس سواها وعليه أن يختارها بالتزكية، كما تفعل ذلك، عادة، الأنظمة الشمولية التي تعرض مسرحية الانتخابات بين الفينة والأخرى، لذر الرماد في عيون رعيتها أو للانحناء أما العاصفة كلما مرت بأزمة، إذ، في هذه الحالة، سوف لن يمتلك الناخب إرادة الاختيار، ما يعني إسقاط الديمقراطية بالضربة القاضية.
إن تعدد القوائم الانتخابية دليل صحة وعافية سياسية، لأنها تدلل على احترام الفرقاء لإرادة الناخب الذي يمنح فرصة الاختيار، في هذه الحالة، عند عتبة صندوق الاقتراع.
لذلك، فأنا أعتبر الانتخابات القادمة هي الأقرب إلى الديمقراطية منها في المرة الماضية، التي سلبت الناخب حق الاختيار لدرجة كبيرة.
علينا أن نتذكر دائما القاعدة التي تقول، بأن العلاقة بين الديمقراطية والتعددية هي علاقة طردية، فكلما ازدادت التعددية اقتربنا أكثر من الديمقراطية، والعكس هو الصحيح، فكلما تقلصت فرص التعددية، كلما ابتعدنا مسافة عن روح الديمقراطية وجوهرها، إذ، كلما تعددت القوائم الانتخابية، كلما وسعنا من فرص الاختيار أمام الناخب، وتلك هي الديمقراطية بعينها.
كذلك، فليس بالضرورة أن يكون من اختار النزول في قائمة منفصلة عن الآخرين، أنه اختار الانشقاق أو الخلاف أو ما إلى ذلك من الأوصاف السلبية، بل يلزم أن نعتبر ذلك دليل الوعي السياسي الذي لا يفرض على أحد اختزال نفسه، مرغما، في هذه القائمة حصرا أو تلك، كما أنه دليل على حقيقة الفضاء الديمقراطي الذي يعمل الجميع في ظله، فلا الوطنية ولا الديمقراطية يمكن اختزالهما بقائمة واحدة، أبدا.
إن التعددية في القوائم الانتخابية دليل، من جانب آخر، على فشل كل الجهود التي حاولت الاستحواذ على تمثيل هذه الشريحة أو تلك من الشرائح الاجتماعية المتعددة الأديان والمذاهب والأعراق والآراء والاتجاهات السياسية والفكرية، بل وحتى الحزبية.
علينا أن نحترم ارادات المرشحين وخياراتهم، بالضبط كما نتمنى جميعا أن تحترم كل القوائم الانتخابية، إرادة الناخب العراقي، الذي يجب أن تكون له الكلمة الفصل في الاختيار.
لننحني جميعا أمام التعددية السياسية، احتراما وإجلالا لها، كما نتمنى على كل المرشحين أن ينحنوا إجلالا وإكبارا واحتراما لإرادة الناخب العراقي التي ستتجلى في حرية اختياره للقائمة التي يراها الأنسب والأقرب إلى تحقيق طموحاته، وما يتطلع إليه.
كذلك، نتمنى أن لا تتميز القوائم الانتخابية، بالأسماء فقط أو العناوين والشعارات والمسميات والكلام الإنشائي المصفوف صفا محكما، وإنما نتمنى أن تتميز بالفعل اليومي على الأرض، قبل وبعد الانتخابات، لنطمئن، بأن اختلافا جوهريا وحقيقيا بين القوائم الانتخابية، هو السبب لتعددها، وليس التنافس على المقاعد، ومن أجلها فقط.
كنت أتمنى أن تنزل الأحزاب بقوائم منفردة، وليس بتحالفات عريضة، لتواجه الحقيقة، حقيقة حجمها في الشارع العراقي، وليكتشف العراقيون أحجامها الحقيقية غير المزورة وبعيدا عن الادعاءات الفارغة، في أغلب الأحيان، كما أن ذلك كان سيمنح الناخب خيارات واسعة جدا، تعبر بشكل حقيقي عن إرادته وخياراته، وربما أتطرف أكثر وأقول، كنت أتمنى أن ينزل كل مرشح لوحده، لذات السبب الوارد ذكره للتو، ولتتشكل التحالفات العريضة بعد ذلك تحت قبة البرلمان، لأنني، في الحقيقة، لا أحبذ نظام القوائم الانتخابية الذي يسقط إرادة الناخب ويسلبه حق الاختيار، ولكن...
أعذر المرشحين هذه المرة كذلك، كما عذرتهم في المرة الماضية، بسبب تحديات العنف والإرهاب وأيتام النظام الشمولي البائد، على أمل أن تتحسن الظروف السياسية والأمنية، لنشهد تعددية حقيقية في القوائم الانتخابية، تعبر بالفعل عن إرادة الناخب العراقي، بعيدا عن الفرض والإكراه والجبر والتزمت والتعنت والتهديد بالقوة.
أما من يخشى على حقوق هذه الشريحة أو تلك من الضياع، بسبب هذه التعددية في القوائم الانتخابية، فأطمئنه كل الاطمئنان، فنظام الدوائر المتعددة، كما أسلفت قبل قليل، حفظ لكل دائرة عدد مقاعدها في مجلس النواب القادم، وإذا كان المرشحون قد فشلوا في تشكيل تحالفات عريضة قبل الانتخابات، فان بامكانهم أن يحققوا ذلك تحت قبة البرلمان، بعد أن يكون الجميع قد اكتشفوا أحجامهم الحقيقية وليست المنفوخة بقدرة قادر أو بعوامل خارجية.
نعود من جديد لنتحدث عن برنامج الناخب العراقي:
أولا:
الناخب العراقي لا يهتم كثيرا بالأقوال، فلقد أتخم بها لدرجة الملل، انه يبحث عن المنجزات، ليتمتع بها.
حدثونا، إذن، أيها المرشحون، عن إنجازاتكم لنثق قليلا بوعودكم الانتخابية.
ثانيا:
انه يتمنى أن يتمتع المرشح برصيد شخصي يؤهله للتنافس مع الآخرين.
فهو لا يحب الإمعات التي لا تمتلك أي رصيد شخصي، وبالتالي لا تتمتع بقوة الشخصية، التي تؤهلها للأخذ بزمام الأمور بقوة ونفوذ، يحتاجها العراق اليوم، وهو يمر بكل هذه الظروف المعقدة.
إن الناخب لا يحب المجاملين على حساب قضاياه المصيرية، كما لا يحب الذين يمسكون العصا من الوسط كلما مر العراق بأزمة، أو أولئك الذين يتغنون بــ (لعم) كلما أرادوا أن يصوتوا، أو أنهم ينتظرون أن يرفع (زعيم القبيلة) يده إيذانا لهم بالتصويت، قبل أن نرى أياديهم قد ارتفعت بالفعل، فمثل هؤلاء يخذلون الحق، عادة، ولم ينصروا الباطل.
المرشحون أقوياء الشخصية، فقط، هم من لا يجاملون على حساب قضايا الناخب، فهم وحدهم القادرون على التصدي للفساد الإداري والمالي، المستشري في الدولة، وهم وحدهم القادرون على انتزاع حقوق الناخب من الدولة، إذا ما حاولت سرقتها بأية طريقة من الطرق، بالحيلة أو بالقوة، لا فرق.
ثالثا:
الناخب يبحث اليوم عن مرشح يقدم مصلحة بلده على مصالح الجيران، القريبون منهم والبعيدون، فالعراق والعراقي أولا، وأن نفط العراق للعراق، وخيرات العراق للعراقيين، وأن أمن العراق أولا، ومصلحة العراقيين أولا، وأن رفاه العراقيين وكرامتهم وتقدمهم أولا، وأن تنمية العراق أولا، وأن تاريخ العراق وحاضره ومستقبله أولا، وأن كل ما يتعلق بالعراقيين أولا وقبل كل شئ.
رابعا:
والناخب العراقي يبحث عن مرشح وطني، الوطن والمواطن عنده قبل انتماءه الديني أو المذهبي أو الاثني أو الجغرافي(المناطقي) أو الحزبي أو الفكري أو السياسي.
انه لا يحب المرشح شديد التمسك بأيديولوجيته، متزمتا بآرائه، لا يصغ إلى الآخرين ولا يقبل أن يسمع نصيحة ناصح.
خامسا:
والناخب العراقي يبحث عن مرشح مصمم وقادر على تصحيح الأخطاء التاريخية التي بني على أساسها العراق الحديث مطلع القرن الماضي في ظل الاحتلال البريطاني.
ومن هذه الأخطاء التاريخية، البناء الطائفي والعنصري للدولة العراقية ومؤسساتها المختلفة، بها فيها الجيش والأمن والمخابرات، فيعيد التوازن لها من خلال تكريس مبدأ الشراكة الحقيقية بين كل مكونات المجتمع العراقي، على أساس الكفاءة والنزاهة والخبرة والتجربة، وليس على أساس الانتماء، بكل أشكاله.
ومنها، كذلك، الهوية، فيصحح قانون المواطنة سئ الصيت، الذي قسم العراقيين إلى فئتين، بل إلى فئات عديدة ودرجات متباينة، من أجل مواطنة عراقية ليس فيها لـ(شهادة الجنسية العراقية العثمانية) مكانا، هذه الوثيقة التي لا يوجد مثيلا لها في كل دول العالم إلا العراق(القديم).
ومنها، كذلك، تصفية كل آثار النظام المركزي الحديدي الذي بنيت به الدولة العراقية الحديثة، وذلك من خلال العمل بجد ومثابرة، على تحقيق أقصى درجات النظام اللامركزي الذي يمنح الأقاليم والمحافظات مساحة واسعة لإدارة نفسها بنفسها، بعيدا عن قبضة المركز.
ولما كنت شخصيا من الداعين المتحمسين إلى نظام فيدرالية المحافظات، لذلك أتمنى على المرشح للانتخابات، أن يبذل قصارى جهده من أجل تحقيق بناء هذا النظام السياسي الإداري الأفضل للعراق الجديد، برأيي طبعا، لنقضي، نهائيا، على كل احتمالات نشوء الأنظمة المركزية الاستبدادية الديكتاتورية، كما سنمنع به ولادة ديكتاتور جديد، يسومنا سوء العذاب، كما نمنع به لعبة السرقات المسلحة(الانقلابات العسكرية).
سادسا:
كما يتمنى الناخب العراقي أن يدلي بصوته لمرشح يتمتع بتاريخ نضالي وجهادي حقيقي ضد الاستبداد والديكتاتورية، نظيف اليد، لم يسرق أو يمد يده على المال العام،  ولم يتورط بدم العراقيين، معروف ومشهور بالنزاهة والكفاءة والتجربة، فالبلد لا تبنى بــ(الأزياء) ولا يمكن إعادة بنائه بالشعارات الجوفاء، كما أن الأميين الذين لا يعرفون ألف باء التعليم والسياسة والتدبير والحكمة، لا يمكنهم أن يقودوا سفينة البلد إلى بر الأمان.
يتمنى الناخب العراقي، أن يجد متنافسين حقيقيين على القوائم الانتخابية، همهم خدمة الوطن والمواطن، يعتقدون أنهم أجراء عند الناخبين وليسوا متفضلين عليهم، يأخذون أجورهم من الناخب لقاء خدمة يومية يقدمونها إليهم من أجل تحسين مستواهم المعيشي، وتأمين حياة أفضل لأبنائهم، ألم نقرأ الآية القرآنية المباركة{يا أبت استأجره} لماذا؟{فان خير من استأجرت القوي الأمين} القوي في أمانته وشخصيته ومشروعه وحديثه وكفاءته، والأمين على قوته، فلا يوظفها لقمع الناخب أو مصادرة حقوقه، والأمين على أصوات الناخبين، فلا يبيعها في سوق النخاسة بثمن بخس دراهم معدودة، والأمين على المال العام وعلى أعراض الناس وممتلكاتهم وأسرارهم وحاضرهم ومستقبلهم.
سابعا:
الناخب، كذلك، يبحث عن مرشح يتحسس آلامه، ويعيش تطلعاته، وأحلام أبنائه.
مرشح، يسعى بجد، لإنصاف الشرائح الأكثر تضررا من سياسات النظام الشمولي البائد، فيفرد لها اهتماما خاصا في تفكيره وبرامجه ومساعيه الرامية إلى إزالة كل آثار النظام المقبور، فيهتم بعوائل الضحايا وأيتامهم ونسائهم وأمهاتهم وآبائهم وشبابهم، ويعيد كل فلس سرقه منهم النظام البائد، منقول كان أم غير منقول.
ثامنا:
يتمنى الناخب أن يملأ مقاعد مجلس النواب القادم، مرشحون ذوو بطانة صالحة، لا يعترضونه إذا أراد أن يصل إلى مرشحه(الأجير) ولا يحولون بينه وبين مقترحاته إذا أراد أن يسمعها إليه، فان نصف مشاكل الزعماء والقادة سببها البطانة الفاسدة.
يتمنى الناخب أن يدلي بصوته لنائب (ترابي) المزاج لا يتكبر ولا يستعلي على ناخبيه، يعيشهم طوال الوقت، ويقترب إليهم كالظل، يتحسسهم في كل كلمة يقولها وعند كل حركة تبدر منه، فالناخب هاجسه، ومشاكله تؤرقه ليل نهار، ما لم يجد لها الحلول اللازمة، فلا يعيش برجه العاجي، مكتفيا بصوت الناخب، فقط، لاعتلاء المنصب.
تاسعا:
يتمنى الناخب أن يعتلي مقعد البرلمان القادم، مرشحون يقاتلون بضراوة ضد الحزبية الضيقة التي باتت تهدد الحياة السياسية بالموت البطئ، وراحت تغلق كل الطرق بوجه المواطن العراقي البسيط الذي لا ينتمي إلى حزب أو عشيرة سياسية، وتأخذ عليه سبل الحياة، من دون أن يعني ذلك، طبعا، بأننا ضد الحزبية، أبدا، فالعمل الحزبي مطلوب في إطار التعددية، أما أن يكون الانتماء هو كل شئ في العراق، فهذا يعني أننا أحيينا عظام النظام البائد وسياساته وهي رميم، تلك السياسة التي كانت تقوم على أساس فرض الانتماء في كل مرافق الحياة، بل والممات.
عاشرا:
وأخيرا، سيمنح الناخب العراقي صوته لمرشح صادق صدوق، لم يبد تهالكا على السلطة، بأي شكل من الأشكال، فيتشبث بها مقاتلا عنيدا، حتى إذا لم يقنع الناخب بأدائه خلال الدورة الانتخابية التي يفوز فيها.
انه سيبحث عن مرشح يبدي استعدادا منقطع النظير لترك الموقع لغيره إذا فشل في المهمة، بالضبط، كالأجير الذي يستغني عنه صاحبه، إذا ما فشل في إنجاز مهمته على أحسن وجه كما يريد سيده، وكما كان قد خطط لها.
الناخب لا يحب المرشح الذي يتسلق الموقع بصوته، فإذا ما استقر مكانه، أدار ظهره عنه ولم يعره أي اهتمام، وكأنه لا يعرفه ولم يتوسله منحه صوته لدخول البرلمان.
وقبل الختام، أود أن أهمس في أذن الناخب العراقي بالكلمات القليلة التالية:
حاول، عزيزي الناخب، أن تتعرف على المرشح بشكل دقيق قبل أن تمنحه صوتك، لأن صوتك مسؤولية، ستحاسب عليها في الدنيا قبل الآخرة.
حاول أن تسأل عنه ذوي الاختصاص إن كنت تجهله، اسألهم عن تاريخه وأعماله ومنجزاته وعلاقاته مع الآخرين، خاصة مع عائلته وجيرانه وأصدقائه ورفاق دربه، كما حاول كذلك أن تسألهم عن شخصيته، وفيما إذا كانت ثابتة أم مهزوزة تميل مع كل ريح، وأسالهم ما إذا كان يحب المال حبا جما، وما إذا كان يأكل التراث أكلا لما، وأسألهم ما إذا كان من النوع الذي يحترم تعهداته التي يقطعها على نفسه للآخرين، أم أنه من الناس الذين ينقلبون على أعقابهم؟.
اسأل عن معاركه، أكان يقدم نفسه دفاعا عن الآخرين؟ أم أنه كان يقدم الآخرين ويقاتل من وراء جدر، دفاعا عن نفسه؟ أكان يضحي من أجل الوطن والمواطن؟ أم أنه كان يضحي بهما من أجل أن يحيا وتحيا عائلته وعشيرته؟.
تأكد ما إذا كان يحترم الزمن والتضحيات المبذولة في تحقيق إنجاز ما؟ أم أنه يستهين بها، ولا يعيرها أي اهتمام يذكر؟.
اسأل عنه ما إذا كان يؤتمن على مال اليتيم؟ أم أنه خوان لا يؤتمن على شئ؟ وما إذا كان ذا أخلاق وقيم ومناقبيات؟ أم أنه متحلل من كل التزام، لا يرعى بالآخرين إلا ولا ذمة؟.
اسأل عنه ما إذا كان أنانيا لئيما لا يحب إلا نفسه، أم أنه ودود يحب الآخرين، ويتمنى لهم ما يتمنى لنفسه، حلو المعشر، خفيف الظل، ينسجم مع الناس، ولا ينفرهم منه.
اصغ إليه وهو يتحدث، لتكتشف شخصيته، ولتتأكد ما إذا كان يحسن عمل شئ ما، وأنه كفوء في شئ معين، فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول{تحدثوا تعرفوا}.
إذا سنحت لك الفرصة، حاول أن تستثيره وتثير أعصابه، لتكتشف ما إذا كان عصبي المزاج يكره السؤال والمساءلة، أم أنه يتصف بسعة الصدر والقدرة على استيعاب الآخرين، مهما اختلفوا معه. تأكد من أنه لا يحب الثناء من دون إنجاز، وأنه لا يطرب على المديح والثناء على شئ لم يفعله.
اكتشفه، ما إذا كان يريد إقناعك بأن تبقى على وضعك من دون تطوير، من خلال تكريس معادلة(ناخب بلا تفكير) فيسعى، مثلا، للتعتيم على معنوياتك ورؤاك العقلية، والقضاء، بأي شكل من الأشكال، على قدرتك على التفكير قدر الامكان، والحيلولة بينك وبين القدرة على اكتشاف أي تناقض بين الماضي القديم والواقع الجديد، وإشعارك دائما بأن الرتابة واللاتفكير شئ صحيح، من خلال سعيه الحثيث لتحطيم تفكيرك في إنسانيتك ووطنيتك.
ختاما: تأكد، عزيزي الناخب، من أن صوتك، الذي ستدلي به في صندوق الاقتراع يوم الانتخابات العامة القادمة، سيحقق أعلى نفع ممكن، وتأكد، في نفس الوقت، أنه لن يضر.
وتذكر، بأن صوتك مستقبل، فأي مستقبل ستختار به؟ لك ولعائلتك وشعبك ووطنك؟.
20 تشرين الثاني [/b][/size] [/font]

41
ضمن البرنامج الرمضاني الليلي:
التكفيريون لا دين لهم
نــــــــــــــــــــــزار حيدر محاضرا في مركز دار السلام بالعاصمة واشنطن:
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   اعتبر نــــــزار حيدر، أن إقرار القرآن الكريم بالتنوع، دليل شرعي وعقلي على وجوب احترام الآخر مهما اختلفنا معه، وأضاف؛
   إن التكفيريين الذين يحكمون على الآخر بالموت لمجرد أنه يختلف معهم في الدين أو المذهب أو القومية أو الرأي، لا دين لهم، لأنهم يخالفون كل النصوص القرآنية الصريحة التي أجازت وأقرت التنوع والاختلاف، على كل الأصعدة.
   وأضاف نـــــزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، الذي كان يحاضر ليلة الأحد الماضي (29 تشرين الأول) في مركز دار السلام بالعاصمة واشنطن، ضمن البرنامج الرمضاني الليلي للمركز؛
   إن قراءة دقيقة وشاملة ومتأنية لآيات القرآن الكريم، تهدينا إلى حقيقة في غاية الأهمية، ألا وهي، أن الأصل هو التنوع وليس الوحدة، بالرغم من وحدة الخلق، كما في قول الله عز وجل؛ {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا} فلقد تحدث القرآن الكريم عن التنوع على مختلف الأصعدة منها؛
   التنوع في النبات، كما في قوله عز وجل{وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} أو في قوله عز وجل{والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه}.
   التنوع في الحيوان، كما في قوله عز وجل{وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}.
   التنوع في الملائكة، كما في قوله عز وجل{الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير}.
   أما التنوع في الإنسان، فيتخذ أشكالا مختلفة، وهي كالتالي؛
   أولا، التنوع العرقي والقومي، كما في قول الله عز وجل{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير}.
   ثانيا، التنوع في اللسان واللغة واللون، كما في قول الله عز وجل{ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}.
   ثالثا، التنوع الديني، كما في قول الله عز وجل{إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شئ شهيد}.
   رابعا، التنوع في الرأي والفكر والقناعات والفهم، كما في قول الله عز وجل{الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب}.
   خامسا، التنوع في درجات العلم والرزق، كما في قول الله عز وجل{يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير} أو في قوله عز وجل{نرفع درجات من نشاء، وفوق كل ذي علم عليم} وفي قوله عز وجل{ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}.
   واستطرد نـــــــزار حيدر بالقول؛
   إن التنوع هو أحد تجليات عظمة الله عز وجل، وقدرته في خلقه، والى هذا المعنى أشار القرآن الكريم بقول الله عز وجل{وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون}أو كما في قوله عز وجل{ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءا فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه، كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور} وفي قوله عز وجل{وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} وفي قوله عز وجل{ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}.
   كما أن إقرار القرآن الكريم بالتنوع دليل على مشروعيته، ولذلك وجب اعتماده واحترامه، إذ لا يحق لأحد أن يكفر بهذا التنوع أو يتنكر له أبدا، فيسعى لإجبار الناس على الوحدة في التفكير والانتماء والرأي، لأنه يتعارض وحكمة الله عز وجل في التنوع، كما أن ذلك يعتبر أول الظلم الذي يلحقه الإنسان بأخيه الإنسان، عندما يسلب منه حقا الله تعالى منحه إياه، ألا وهو حق التنوع والاختلاف، لأن الإكراه والفرض والجبر ظلم يفضي إلى القتل إذا ما رفض الإنسان الانصياع إلى الآخر الذي يحاول كل ذلك معه.
   لقد تحدثت العديد من آيات القرآن الكريم، عن تجلي إرادة الله عز وجل في التنوع، وهي تخاطب النبي الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بعدم قدرة أحد على معاكسة هذا التنوع لأن الله أراد ذلك، فهل لأحد من البشر أن يخالف هذه الإرادة الإلهية؟ كما في قول الله عز وجل{ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم} وفي قوله عز وجل{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين} وفي قوله عز وجل{ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وفي قوله عز وجل{ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة} وفي قوله عز وجل{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} وفي قوله عز وجل{وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم انه عزيز حكيم}وأخيرا في قوله عز وجل{انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}.
   من هنا يتأكد لنا بأن فرض الدين والمذهب والرأي والفكرة وكل ما يرتبط بإيمان الإنسان وعقله وقناعاته، إنما هو مخالفة صريحة لله عز وجل ومعاكسة لإرادته ومنازعة لردائه في الخلق، وبذلك نستنتج بأن التكفيريين لا دين لهم وأن (الاكراهيين) الذين يكرهون الناس على إيمان ما أو سلوك معين، لا ينتمون إلى دين وهم، في حقيقة الأمر، يتعارضون مع الإرادة الربانية التي شاءت أن يكون الناس مختلفين وأن يكون التنوع هو الأساس في خلق الله عز وجل.
   لقد خلق الله الناس وهداهم إلى الحق، ثم ترك الخيار بأيديهم كما في قول الله عز وجل{وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} فلا يحق لأحد كائن من كان، بمن فيهم النبي والرسول المبعث من قبله عز وجل، أن يجبر الناس ويكرههم على ما لا يريدون.
   هذا من جانب، ومن جانب آخر فلقد شاءت إرادة الله عز وجل التنوع من أجل التعارف والتعايش، وليس من أجل الصدام والاقتتال، وأن طرق التعارف والتعايش هي الحوار والاحترام المتبادل والإقرار بحق الآخرين في الاختلاف وكذلك احترام الرأي الآخر مهما كان نوعه، لا زال في إطار المنطق، لم يتورط بالعدوان والعنف والقتل والدم والسيارات المفخخة والتجاوز على حقوق الآخرين.
   لقد أكد القرآن الكريم على هذه القيم المقدسة في أكثر من آية، من أجل أن يشيد بناء الحوار على أحسن وجه وفي أفضل صورة ليتعلم الناس الحوار بالحكمة والمنطق والدليل والبرهان، وليس بالأيدي والأرجل والسباب والعنف، فمثلا، نهى الله عز وجل الناس من أن يسخر بعضهم من بعض، كما في قوله عز وجل{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن} وفي آية أخرى نهى الله تعالى عن السباب إذ يقول عز وجل{لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم، كذلك زينا لكل أمة عملهم} وكل ذلك من أجل تثبيت أسس التعايش السلمي الصحيح بين بني البشر مهما اختلفوا في كل شئ، كما في قول الله عز وجل{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين} فلا زال الآخر يلتزم بقواعد التعايش والسلم الأهلي ولم يعتدي أو يتجاوز الحدود والقواعد ولم يظلم، كان حقا على المؤمنين أن يبروه ويقسطوا إليه، بغض النظر عن درجة الخلاف ونوعيته، لأن الخلاف لا يبرر القتال عندما يكون في إطار التنوع الذي شاء الله أن يخلق عليه الناس.
   ولأن التنوع هو خلق الله تعالى، وهو إرادته ومشيئته، ولذلك اعتمد أسلوب الرسل والأنبياء الحوار وعدم الإكراه، فكان أسلوبهم المنطق، وأدواتهم الحوار والجدال بالتي هي أحسن، ووسائلهم البرهان والإنصاف مع الآخر، لأنهم منعوا من إكراه الناس على شئ، فهم ليسوا مسيطرين أو متجبرين، والى هذا المعنى أشارت الآيات الكريمة التالية من قول الله عز وجل:
   {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}{أم اتخذوا من دونه آلهة، قل هاتوا برهانكم}{لكم دينكم ولي دين}{أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}{وان تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين}{قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون، من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم، إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل}{قل من يرزقكم من السماوات والأرض، قل الله، وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}{والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل}{من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون}{وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}{ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم، إن الله كان غفورا رحيما}{فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر}{أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}{لا إكراه في الدين}{ليس لك من الأمر شئ، أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا}.
   نستنتج من هذه الباقة من الآيات القرآنية الكريمة، عدة حقائق، هي كما يلي:
   ألف؛ إن أمر الحكم بين العباد مرده إلى الله عز وجل، وليس إلى النبي أو المرسل، فلا يحق لأحد أن يحكم بين الناس على أساس ما يعتقدون ويؤمنون به، أبدا، فقد نهى القرآن الكريم عن(محاكم التفتيش) كما في قول الله عز وجل{ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون} وكما في قوله عز وجل{قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} وفي قوله عز وجل{ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون}.
   باء؛ إن الرسل والأنبياء هم مبشرون وداعون إلى الله تعالى، ليس لهم أي سلطان على عقل الناس واعتقاداتهم.
   جيم؛ يلزم احترام عقائد الناس مهما كانت، ومهما اختلفت لدرجة الشرك بالله عز وجل.
   دال؛ إن التحلي بمكارم الأخلاق عند جدال الآخر هو الطريق إلى العقول والقلوب وليس العنف والإكراه والإرهاب.
   هاء؛ لا يجوز الحوار مع الآخر، في أجواء الأحكام المسبقة، كأن تخبره بخطئه وصحة ما ستذهب إليه، حتى قبل البدء بالحوار، فما فائدة الحوار في هذه الحالة، إذن؟ يلزم الإنصاف مع الآخر ليتقبل منك الحوار والدليل.
   حتى طريقة حديث الرسول مع الطاغوت حددها القرآن الكريم، بقول الله عز وجل{اذهبا إلى فرعون انه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} أي أنه عز وجل أمر نبيه المرسل بأن يتحدث مع الطاغوت بلين ورفق، فلا يلجأ إلى العنف اللساني، لأن المطلوب هو التأثير بالآخر وليس صده عن الإيمان بالله تعالى، وكما هو واضح فان حديث العنف والتقريع لا يترك أثرا ايجابيا في نفس الآخر.
   لهذه الدرجة، إذن، يراعي القرآن الكريم طريقة الحوار بالتي أحسن مع الآخر.
   ولو قرأنا تاريخ الرسل والأنبياء، وعلى وجه الخصوص، تاريخ الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رأينا أنه (ص) فرض شيئا على من رفض رسالته، فهو لم يوظف العنف والإكراه والقوة والسيف والتعسف والإرهاب، قط في مهمته الربانية، لأنه مأمور بالحكمة والموعظة الحسنة، كما أنه مأمور بالتبليغ وليس بالسطوة والسيطرة، فذلك حال الجبابرة والملوك والمستكبرين والطغاة، أما الرسل والأنبياء ومن على شاكلتهم من المصلحين، فمنطقهم البلاغ والحوار والجدال بالتي هي أحسن والدليل والبرهان.¨
وأنا أجزم هنا، لو لم يواجه صناديد قريش دعوة الرسول الكريم بالقوة، لما أريقت قطرة دم واحدة في كل عهد النبوة، لأنه ليس في أجندة الرسالة وصاحبها استخدام القوة لفرضها على الناس أبدا، كما لم يكن الإكراه والعنف من وسائلها إطلاقا، إلا أن عناد قريش وإصرارها على منع الرسول من تبليغ الرسالة بأية طريقة سلمية، هو الذي اضطر المسلمين للدفاع عن أنفسهم، والى هذا المعنى يشير القرآن الكريم بقول الله عز وجل{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} فلولا ظلم قريش للرسول الكريم وأصحابه والتابعين له، لما شرع الله تعالى له القتال أبدا، فالقتال هنا للدفاع وليس للابتداء، وذلك هو حال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حروبه الثلاثة التي اضطر لخوضها بسبب خروج بعض (الصحابة) على إمام زمانهم المنتخب من قبل المسلمين، وعنادهم وإصرارهم على اللجوء إلى القتال لحل المشاكل الداخلية، وكذا هو حال السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، وكل الشهداء والصالحين والصديقين.
   لم يذكر لنا التاريخ أن الرسول الكريم أجبر أحدا على الالتزام بدينه، ولم يكره أحدا على الصلاة أو الصوم، كما لم يكره امرأة، قط، على ارتداء الحجاب، كما تفعل اليوم بعض الأنظمة باسم الإسلام، أو بعض التنظيمات التي تدعي حرصها على الإسلام، كما أنه لم يجبر أحدا على حضور صلاة الجماعة، ويكذب على الله ورسوله، من يدعي أن الرسول أحرق بيوت بعض المسلمين لأنهم رفضوا حضور صلاة الجماعة، كما يدعي البعض.
   حتى زوجاته (ص) لم يجبرهن على شئ، بل خيرهن بأمر الله عز وجل، كما في قوله جلت قدرته في محكم كتابه العزيز{يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا، وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}.
   إن دعوة المنطق ثابتة، أما دعوة العنف والسيف فزائلة، إن عاجلا أم آجلا، كما أن التغيير الذي يعتمد المنطق، ثابت لا يتزعزع، أما التغيير الذي يجري بالإكراه والإرهاب، فزائل لا يدوم أبدا، ولذلك دامت دعوات الرسل والأنبياء والصالحين، لأنها اعتمدت المنطق وطريق الإقناع والسلم، أما دعوات الطغاة فلا تدوم طويلا لأن أسلوبها العنف والإرهاب والإكراه والتعسف.
   إن العنف والإكراه واستخدام القوة لفرض الرأي والموقف والدين والطريقة والإيمان والالتزام، هو منهج الطغاة والمستبدين والجبابرة على مر التاريخ.
   تعالوا نقرأ، مثلا، هذه المنهجية عند نموذج صارخ من نماذج الطغاة، انه فرعون، فماذا قال هذا الطاغوت لمن آمن بموسى عليه السلام الذي لم يرفع بوجهه سعفة ليقاتله؟ انه قال {فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال، وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} وفي آية أخرى{قال آمنتم له قبل أن آذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى} وفي أخرى{وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك، قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون}.
   شتان، إذن، بين منهج الرسل والأنبياء، الذي يعتمد الحوار والمنطق والاعتراف بالآخر، وبين الجبابرة والطغاة الذين لا يفهمون إلا لغة القتل والعنف والإكراه.
   من هنا يبدو لنا واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار، أن من يريد أن يلتزم نهج الرسل والأنبياء في عملية التغيير، عليه أن يوظف وسائلهم فقط في الحوار، أما من يوظف القتل والتكفير والإرهاب والعنف في(حواره) مع الآخر، فلا يمكن أن يكون ربانيا ونبويا أبدا.

3 تشرين الثاني 2005[/b][/size][/font]

42
المنبر السياسي / الاستفتاء
« في: 23:47 18/10/2005  »
الاستفتاء
نــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   بغض النظر عن النتيجة التي سيفرزها صندوق الاقتراع، فان مجرد المشاركة في الاستفتاء على مسودة الدستور العراقي الجديد، تعد إنجازا وطنيا تاريخيا، اثبت بها العراقيون أنهم أكبر من التحديات وأقوى من التهديدات، وأنهم شعب حي يستحق الحياة الحرة الكريمة، التي سلبتها منهم الأنظمة الشمولية التي تعاقبت على الحكم في العراق، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولحد يوم سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 المنصرم.
   لقد كان الحرص على الوطن، حاضره ومستقبله، هو القاسم المشترك بين كل الذين اشتركوا في عملية الاستفتاء.
   كما أن الإحساس بالمسؤولية، هو القاسم المشترك بين الجميع.
   فالذين قالوا نعم، اعتبروا المسودة أفضل صيغة يمكن لها أن تحفظ العراق وشعبه من كل أنواع المخاطر، ولذلك اعتمدوها كصيغة مقبولة للمرحلة الزمنية المنظورة على الأقل.
   كما أن من قال لا، اعتبر أن هذه المسودة تشكل خطرا على العراق وشعبه، ولذلك حاول، بصوته، وهو السلاح الأمضى في المجتمعات المدنية، أن يسقط الدستور.
   إنها الطريقة المدنية الحضارية التي اختارها العراقيون للتأثير على مجرى الأحداث السياسية لبلادهم، بعيدا عن لغة العنف والقوة والإكراه والتعسف، إنها لغة الحوار السياسي والجدال بالتي هي أحسن والإقناع عن طريق الصوت ومنطق القوة، هذه اللغة التي غابت عن العراق مدة طويلة من الزمن، شهد العراق خلالها أنواعا من الحروب العبثية والمآسي الإنسانية التي انتهت إلى ما نراه اليوم.
   إن من المهم جدا أن تتكرس هذه اللغة لتحل، شيئا فشيئا، محل لغة القوة والعنف، التي أثبتت الأيام والتجارب التي مر بها العراقيون، أنها لا تبني بلدا ولا تشيد مدنية ولا تساعد على التنمية والتقدم، كما أنها لا تحقق الحرية والكرامة للمواطن أبدا، وإذا كان العنف يجبر الناس على تبني خيارا ما لبعض الوقت، فانه بالتأكيد لن يجبرهم على ذلك طوال الوقت، ولنا جميعا في تجربة الطاغية الذليل صدام حسين خير دليل، فعلى الرغم من أنه مارس كل أنواع العنف والإكراه ضد العراقيين لإجبارهم على الانصياع لسياساته العدوانية، إلا أن الشعب العراقي تخلى عنه في أول فرصة سنحت له بذلك.
   كذلك، فان شعور المواطن العراقي بجدوائية المشاركة في عملية الاستفتاء، هو الذي دفعه إلى أن يتحدى كل الضغوطات التي يتعرض لها، ليصل إلى صندوق الاقتراع ويدلي برأيه.
   فمن قالوا نعم ومن قالوا لا، شعروا بأن رأيهم مهم في تحديد مصير مسودة الدستور، ولذلك حرص الاثنين على الإدلاء بأصواتهم، ولو كان أي واحد منهم يشعر بأنه لا جدوائية من المشاركة، وان النتيجة محسومة سلفا، وان التصويت وعدمه سيان، لا يزيد ولا ينقص من النتيجة، لما تحدى الظروف القاهرة ليقف أمام صندوق الاقتراع، ولترك حابل الأمر على غاربه، وجلس في بيته يتفرج على المسرحية، كما يقولون.
   إن من المهم جدا أن يشعر المواطن العراقي بجدوائية المشاركة في العملية السياسية الجديدة دائما، لأن ضعف الشعور، لأي سبب كان، سوف يسلب منه الاندفاع، وبالتالي سيحول بينه وبين حماس المشاركة، وهذا أخطر ما يمكن أن تتعرض له العملية السياسية في بلد كالعراق، هو أحوج ما يكون فيه إلى أكبر مشاركة شعبية في الحياة السياسية، لحماية المكتسبات، والحيلولة دون عودة النظام الاستبدادي الشمولي.
   إن فقدان المواطن للحماس والشعور بالجدوائية، سيحول قيم الانتخاب وصندوق الاقتراع والاستفتاء، إلى مسرحيات هزيلة، تشبه المسرحيات التي تشهدها شعوب البلدان العربية بين الفينة والأخرى، والتي هدفها خداع الناس وذر الرماد في عيون السذج والبسطاء، وفي أفضل الحالات، للانحناء أمام رياح التغيير التي تهب على المنطقة والعالم العربي، بين الفترة والأخرى.
   إن عدم شعور المواطن بجدوائية المشاركة، هو السبب الأساس وراء انسحابه من الشأن العام، ولقد رأينا، مثلا، كيف أن الشعب المصري لم يعر أية أهمية تذكر للانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا في بلاده، لأنه لم يشعر بجدوائية المشاركة، لعلمه بأن النتيجة محسومة سلفا، وان من الصعب عليه أن يؤثر في النتيجة بأي شكل من الأشكال، ومهما بذل من جهد، لا زالت مفاصل الحياة السياسية بيد الحزب الحاكم وأجهزته القمعية وماكينته الدعائية المضللة، فلم المشاركة إذن؟ أليس من الأولى أن يحترم المواطن نفسه فلا يشترك بالمسرحية التي كتبها وأعدها وأخرجها الحاكم وجوقة الممثلين الذين حوله؟ يتساءل المواطن المصري، وهذا ما لا يجوز أن يصاب به المواطن العراقي أبدا، لأن ذلك يعرض العملية السياسية الجديدة برمتها للخطر.
   وان مسؤولية ذلك تقع على عاتق النظام السياسي بالدرجة الأولى، فهو المسؤول المباشر عن الإبقاء على جذوة (الجدوائية) متقدة في نفوس المواطنين طوال الوقت.
   أما الذين لم يشتركوا في الاستفتاء، فمن خلال قراءتي لآراء عينات عشوائية من المواطنين العراقيين في عدد من مناطق العراق، تأكد لي بأن جل من لم يشارك في الاستفتاء، ليس بسبب موقفه السلبي من العملية الدستورية، أو لأنه استهان بحقه في المشاركة، أو لشعوره بعدم جدوائية المشاركة، أبدا، وإنما لسبب آخر مختلف تماما، ألا وهو، أن هؤلاء احتجوا بأنهم لم يحصلوا على نسخة من مسودة الدستور، فكيف يمكنهم أن يدلوا بآرائهم في نص لم يقرؤوه؟، انه منطق العقل بصيغة أخرى، أليس كذلك؟.
   فبغض النظر عما إذا كان عدم إطلاعهم على مسودة الدستور، تقصير أم قصور، وفيما إذا كانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قد قصرت في هذا الجانب أم لا، وفيما إذا كانت هذه الحجة مجزية من الناحية الشرعية أو الوطنية، وما إذا كانت سببا كافيا لإسقاط الواجب الوطني والتاريخي عن المواطن الحريص على حاضر بلاده ومستقبلها، إلا أنني لا أخفي القارئ الكريم، بأنني أكبرت الحجة وصاحبها، ووقفت إجلالا لمن ساقها كدليل على عدم مشاركته في يوم الاستفتاء، لأن الحجة دليل صارخ على أن صاحبها يتمتع بشخصية مستقلة، ومحترمة، لا تقلد ولا تتبع بطريقة عمياء، بل تحاول وتسعى للإطلاع على الأمر بنفسها قبل أن تبدي رأيا، أو تدلي بصوتها.
   إنها، في الحقيقة، صفة مهمة جدا، نحتاجها ونحن نبني العراق الجديد، ليعرف المواطن بدقة، على ماذا يصوت، ولماذا يقول نعم أو لا؟ ولأي سبب يمنح ثقته لزيد أو لعمرو.
   إن التصرف الواعي، وعدم التقليد الأعمى، والسير وراء كل من هب ودب، وعدم الانقياد وراء كل من رفع شعارا ليخدع به البسطاء والسذج، إن كل ذلك يطمئننا على مستقبل العملية السياسية الجديدة التي يشهدها العراق.
   إن أخطر مرض يهدد العملية الديمقراطية، هو مرض (الإمعة) الذي يعني قول الناس {أنا مع} من دون تمحيص أو سؤال أو تدقيق في المسار، وان من امتنع عن المشاركة لهذه الحجة، يثبت أنه ليس إمعة، فهو، لذلك، يستحق التقدير كذلك، وان كنا نتمنى عليه أن يبذل جهدا أكبر من أجل الإطلاع على مسودة الدستور، كما فعل الملايين من العراقيين، قبل مشاركتهم في يوم الاستفتاء.
   أعود مرة أخرى إلى(نعم) و(لا) المقترعين، فبرأيي، إننا بحاجة إلى الاثنين، لأن الديمقراطية لا تطير إلا بجناحين، الأول تمثله(نعم) المواطن، والثاني تمثله(لا) الآخر، شريطة أن نحترم أحدهما وننصاع إليها عندما تكون خيار الأغلبية، من دون أن يعني ذلك، الاستهانة بالأخرى.
   فعندما تكون(نعم) خيار الأغلبية، يجب علينا جميعا أن نسلم بها، وننصاع لنتائجها، وفي نفس الوقت نسعى لقراءة مسببات ودوافع (لا) فنحترم الأقلية التي أدلت بها، لنحاورهم ونجادلهم بالتي هي أحسن، للوصول إلى أفضل صيغ التوافق والإجماع.
   كذلك، فعندما تكون(لا) هي خيار الأغلبية، علينا أن نحترمها وننصاع لها، مع تسليمنا بأهمية (نعم) التي اختارتها الأقلية.
   إن من المستحيل أن نحصل في أية عملية استفتاء على(نعم) فقط أو(لا) فقط، لأن الاختلاف في وجهات النظر والمواقف والآراء، هي سنة الله تعالى في الحياة الدنيا، وسنشكك بنزاهة وشفافية أي استفتاء إذا ما حملت نتيجته واحدة من الاثنين(نعم أولا) فهي، بهذه الحالة، ستشبه النسبة المئوية المطلقة التي تعودت عليها الشعوب العربية، كلما أجرى نظاما ما، استفتاءا أو انتخابات، لحاجة في نفسه يريد قضاها. 
   نحن، إذن نحب (نعم) و(لا) في آن واحد، فالتنوع دليل صحة النتيجة ومؤشر على العافية، ولكننا في نفس الوقت نكره(لعم) التي يتلفع بها البعض أحيانا، لأنها نوع من أنواع النفاق السياسي المرفوض، يمارسه الوصوليون والنفعيون من الذين يتسلقون ويصعدون على دماء الضحايا.
   لقد حدثنا القرآن الكريم عن نماذج من هذا النوع، ممن كان يختار(لعم) كلما مر المسلمون بمنعطف، في محاولة منه للحصول على الغنائم، في كل الأحوال، ولقد فضحهم القرآن الكريم على رؤوس الأشهاد، بقوله في سورة النساء الآية(141){الذين يتربصون بكم فان كان لكم فتح من الله قالوا الم نكن معكم وان كان للكافرين نصيب قالوا الم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينهم يوم القيامة}.
   نتمنى أن يعي (المنافقون) خطورة الظرف السياسي الذي يمر به العراق، من أجل أن يحددوا خياراتهم، بين(نعم) واضحة أو(لا) واضحة، فكلا الموقفين صحيحين، أما الخطأ المعيب، فهو عندما لا يختار المرء موقفا، إلا(لعم) بانتظار ما ستسفر عنه النتائج ليرفع عقيرته، بعد أن تهدأ غبرة المعركة، كما يقولون، ليسارع إلى جني الثمار، ما أمكنه إلى ذلك سبيلا.
   أما ما يمكن أن نقرأه في رسالة يوم الاستفتاء، فهو كما يلي:
   أولا؛ إن تقنين مبدأ {الاستفتاء} وتأصيله والنص عليه في الدستور الجديد، يعني أن الشعب العراقي بات هو{المرجع} في كل شؤونه، وليس فوق مرجعيته أية مرجعية أخرى.
   وبذلك نكون قد أنهينا عهود الاستحواذ والتغييب والإقصاء والتهميش، ليعود المواطن هو مصدر السلطات، وليس الزمر التي تستحوذ على مقاليد الحكم بسرقات مسلحة(الانقلابات العسكرية) في خلسة من الليل والناس نيام، أو الأسر الحاكمة التي حملها الاستعمار إلى سدة الحكم في بلاد العرب والمسلمين.
   إن من أهم ايجابيات الدستور العراقي الجديد، هو إقراره بسلطة المواطن، فلم يعد الدستور مثلا، يكتبه حفنة من الناس ثم يفرضونه على الشعب، بكل طرق الترغيب وأساليب القهر، كما لم يعد مجلس النواب، الذي يمثل إرادة المواطنين، يتشكل بمرسوم جمهوري أو يلغى بإرادة ملكية، كما هو الحال في جل بلاد العرب والمسلمين، إذ نص الدستور على أنه لا يحق لأحد، كائنا من كان، أن يحل مجلس النواب إلا نفسه، أي لا يجوز لأحد أن يلغي تفويض الناس لنوابهم بغير إرادتهم، كما أنه نص على استحالة إجراء أي تعديل أو تغيير في بنود الدستور الذي يقره الشعب بإرادته، إلا من قبل الشعب نفسه، باستفتاء عام، وهذه واحدة من أهم ما يميز الدستور العراقي الجديد عن بقية الدساتير العراقية السابقة، بل وعن بقية دساتير البلاد العربية والكثير من دساتير البلاد الإسلامية، التي كتبت من قبل حفنة من الناس لم يفوضهم أحد، أو من قبل العوائل والأسر الحاكمة، التي اتخذت عباد الله خولا.
   ولتكريس سلطة المواطن، وللحد من ظاهرة الرعونة السياسية التي يتميز بها الحكام عادة، أنيط قرار السلم والحرب في العراق الجديد بمجلس النواب، أي بإرادة المواطن، فلا حرب عبثية بعد الآن، ولا اتفاقات متهورة أبدا، كما كان يفعل الطاغية الذليل، في كل مرة يورط بها العراق وشعبه في حروبه العبثية لتحقيق نزوات صبيانية، ليس للناس فيها ناقة ولا جمل.
   ثانيا؛ لقد عزلت المشاركة الشعبية الكبيرة في الاستفتاء، جماعات العنف والإرهاب، وأيتام النظام البائد، كما أسقطت ورقة التوت التي ظل يتستر بها من كان يدعي، كذبا وزورا، تمثيله لهذه الشريحة من العراقيين أو تلك، لتكشف عورتهم وتعريهم أمام الملأ.
   لقد كشفت هذه المشاركة، حقيقة في غاية الأهمية، ألا وهي يأس الإرهابيين وأيتام النظام البائد من إمكانية التأثير على إرادة العراقيين الصلبة، ولذلك أسقط في أيديهم، ولم يعد بامكانهم أن ينفذوا التهديد والوعيد الذي أرعدوا به وأزبدوا، قبيل يوم الاستفتاء، لإرعاب المواطن العراقي للحيلولة دون وصوله إلى صندوق الاقتراع، من دون أن يعني ذلك غض النظر عن جدوائية الخطة الأمنية التي وضعتها الحكومة العراقية المؤقتة التي كان لها دور مشهود في تهيئة الجو الأمني المناسب في يوم الاستفتاء، إلا أنني أعتقد بأن الفضل كل الفضل، يعود، بعد الله تعالى، إلى صلابة المواطن وقوة عزيمته ومثابرته وتحديه الذي أنزل أقسى الهزيمة في نفوس الإرهابيين ومجموعات العنف، التي باتت تشعر بأن الاستمرار في جرائمها، لا يزيد العراقيين إلا عزما وتصميما على مواصلة المسيرة، على طريق بناء العراق الجديد.
   ثالثا؛ كما أثبتت المشاركة الشعبية الواسعة، حقيقة أن {الغائبين} اكتشفوا الطريق الصحيح هذه المرة، والذي يمكنهم سلوكه من أجل صيانة حقوقهم، والوصول إلى الحق الذي يرونه لهم، والمتمثل في تحقيق الشراكة الحقيقية بين مختلف مكونات المجتمع العراقي.
   لقد انتبهوا هذه المرة إلى خطئهم السابق، خطأ المقاطعة التي عزلتهم وغيبتهم عن الساحة السياسية، بعد أن تأكدوا بأن سلاح المقاطعة لا ينجز شيئا ولا يكسبهم حقا، كما أن مراهنتهم على قوى خارج الحدود(كبعض الأنظمة العربية الشمولية أو جامعتهم الفاشلة) لا يجديهم نفعا أبدا، ولذلك قرروا هذه المرة الحضور في العملية السياسية، والذي سيعوضهم عن كل ما فاتهم وأكثر، شريطة أن يظلوا متمسكين بموقفهم السياسي الايجابي الجديد، من دون أن يصغوا إلى من يجبنهم أو يلومهم أو يتهمهم أو يطعن في مصداقيتهم أو وطنيتهم.
   لقد راهن (الغائبون) وللأسف الشديد، وعلى مدى أكثر من عامين، على العنف، أو على الأقل، استسلموا له، وفي تصورهم، أنه الأسلوب الأنجع لتخريب العملية السياسية، أو لابتزاز الآخرين للحصول على تنازلات تنفعهم في تحقيق مكاسب ما، وبالتالي إعادة السلطة إلى (أهلها) السابقين، إلا أن التجربة أكدت لهم بأن العنف لا ينتج شيئا، سوى التخريب والمزيد من إراقة الدماء، كما أن الإرهاب لا يمكن أن يعيد عقارب الزمن إلى الوراء مهما كانت الخسائر جسيمة، ولذلك قرروا أن يلجوا الطريق الصحيح المتمثل بالمشاركة والتعامل الايجابي مع أدوات العملية السياسية الجديدة والمتمثلة بصندوق الاقتراع والاستفتاء والانتخاب وما إلى ذلك من الأدوات المدنية والحضارية.
   أما الإرهابيون الذين أهدروا دم من أعاد النظر في موقفه السابق، من العملية السياسية الجديدة، من السنة على وجه التحديد، فلقد أثبتوا مرة أخرى بأن هدفهم الوحيد هو تخريب العملية السياسية الجديدة، أما الدين والمقاومة وما إلى ذلك من الشعارات التي يتلفعون بها، فليس إلا أسماء وشعارات يرفعونها للضحك على ذقون المغفلين من الجهلة والمراهقين.
   لقد أثبت الإرهابيون بقرارهم هذا، أنهم يريدون فرض أجنداتهم على العراقيين بكل السبل غير الشريفة واللامشروعة، وأنهم يرفضون أن يفكر العراقي، مواطنا كان أم حزبا، بإرادة حرة، ولا يقبلون منه أن يعيد النظر في موقفه بناء على معطيات جديدة أو قناعات مغايرة، تأسيسا على قراءات جديدة للوضع الراهن.
   إنهم، بقرارهم هذا، تشبهوا بفرعون الذي قال لمن أعلن إيمانه بموسى عليه السلام قبل أن يأذن له{قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون، لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين} وكأن الأيمان بالله ورسوله بحاجة إلى أذن من أحد، أو كأن إعادة النظر في الموقف من قضية ما بحاجة إلى أذن من الإرهابيين.
   إنهم يريدون للعراقي أن يتقمص شخصية (جحا) الذي ظل كل حياته يجيب من يسأله عن عمره بالقول(عمري ستين عاما) من دون أن يتغير أبدا رغم تقادم الزمن{لأن الرجل كلامه واحد} على حد قول جحا.
   رابعا؛ إن من المهم جدا، ونحن نبني عراقا ديمقراطيا جديدا، أن نشجع المواطن العراقي على أن يعبر عن نفسه بنفسه، لنغلق الباب أمام(المفاوضون) المفترضون، ولنمنع الإرهابيين من التمترس وراء شخصية العراقي بحجة التعبير عن إرادته، ومن أجل أن نحول، كذلك، بين المواطن والتستر على آرائه، ليقولها بصراحة ووضوح بعيدا عن الخوف والتردد، الذي يدفعه في أغلب الأحيان إلى البحث عن الطرق غير المشروعة للتعبير عنها، ومنها طرق العنف والإرهاب.
   يجب أن يشعر المواطن بالأمان وهو يدلي برأيه، حتى نقطع الطريق على أساليب العمل السري، ففي ظل الديمقراطية، لا معنى للعمل السري أبدا.
   أخيرا، أود أن اهمس بالكلمات التالية في أذن (المثقفين) العرب الذين حاولوا الطعن بالدستور والاستفتاء بكل طريقة ممكنة، وأقول لهم؛
   أنا على يقين من أنكم لم تقفوا طوال حياتكم أمام صندوق الاقتراع للإدلاء برأيكم في دستور بلادكم، مثلكم في ذلك، مثل كل الأجيال التي سبقتكم.
   وأنا على يقين من أنكم لم تقرأوا دستورا طوال حياتكم، حتى إذا كانت بلادكم فيها دستور، لأنكم تعرفون جيدا بأن الحاكم هو الدستور، وليس وثيقة العهد التي تنظم العلاقة بين المواطنين، والحاكم في بلادنا، كما هو معروف، لا يمكن قراءته، لأنه مخلوق متقلب المزاج، ولا يملك نفسه، إنما يملكه ويتصرف به من جاء به إلى سدة الحكم.
   وأنا على يقين من أنكم تجرون الآن آهات الحسرة عميقا، متمنين لو كان بامكانكم أن تشاركوا في صياغة دساتير بلادكم، ولو لمرة واحدة.
   وأنا على يقين من أنكم واثقون بنزاهة وشفافية عملية الاستفتاء التي شهدها العراق في الخامس عشر من الشهر الحالي، فلأول مرة يشهد فيه بلد عربي استفتاءا شعبيا عاما، تشرف عليه هيئة مستقلة ليس للحكومة فيه أي دخل أو دور، أما عمليات الاستفتاء والانتخابات المسرحية التي تشهدها البلاد العربية عادة، فتنظمها وتشرف عليها الأنظمة والحكومات الشمولية البوليسية.
   كما أنني على يقين من أنكم، في السر، لا تشككون بنزاهة النتيجة، لأنها اختلفت هذه المرة عن النتائج التي تعودتم عليها في ظل أنظمتكم الديكتاتورية الاستبدادية، إذ لم تكن نسبة المشاركة(99.99) كما أن نسبة الاستفتاء لصالح الدستور لم تكن(99.99)  التي تعودتم عليها، أبدا.
   وأنا على يقين من أنكم تخدعون أنفسكم في السر عندما تأخذون على العراقيين أنهم صوتوا لصالح نص لم يرونه أو يقرأونه، لأنكم تعلمون بأن شعوبكم لم تقرأ نصا دستوريا في كل حياتها.
   وأنا على يقين من أنكم تضحكون على ذقونكم، عندما تطعنون بالدستور العراقي الجديد، بقولكم أنه كتب في ظل الاحتلال، لأنكم أعرف من غيركم بالحقيقة المرة التي تقول بأن كل دساتير العالم العربي، أقصد الدول التي فيها دساتير، كتبت في ظل الاحتلال، بل كتبه المحتل، كما هو الحال بالنسبة إلى لبنان والعراق في عهد التأسيس الأول.
   أخيرا، فأنا على يقين بأنكم تضحكون على ذقونكم بكل ما تقولونه عن يوم الاستفتاء، لأنكم تتحدثون من دون الإشارة إلى نموذج واحد يحتذى، ظل العالم العربي يفتقده على طول الزمن.
   إذن، اسكتوا، ولا تفضحوا أنفسكم، فإذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب، وصدق رسول الله (ص) الذي قال{قل خيرا، أو فاسكت} وقوله{رحم الله امرءا عرف قدر نفسه، فلزم حده}.
   أحسن لكم من أن تروا القشة في عيون العراقيين، أن تروا الجذع في عيونكم وعيون شعوبكم.
   انشغلوا بالجذع الذي في عيونكم وعيون شعوبكم المغلوب على أمرها، ودعوا القشة للعراقيين يعالجونها كيف ومتى يشاؤون، والله تعالى هو المسدد.

18 تشرين الأول 2005[/b][/size][/font]

43
هل يحق للسيستاني أن يتدخل بالسياسة؟
نــــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   مرة أخرى، يحتدم الجدال في العراق، متسائلا، هل يحق للمرجعية الدينية (كالسيستاني مثلا) أن تتدخل بالسياسة؟.
   فبينما يرى البعض، أن من حقها أن تبدي رأيا في الشأن العام، على اعتبار أنها، كأي مواطن عراقي آخر، تتمتع بمثل هذا الحق، الذي يكفله القانون للجميع، في إطار المساواة والشراكة الحقيقية، يرى آخرون أن للمرجعية الدينية خصوصية روحية لا ينبغي إقحامها بالسياسة، لنحافظ، بالتالي، على القها الديني والروحي، ومن أجل أن لا تتلوث بقذارات الساسة وأحابيل السياسة، من دون أن يخفوا قلقهم من تكرار تجربة الحكم الديني في إيران.
   الملفت للنظر، أن هذا الجدل يحتدم أكثر حول تدخل المرجعية الدينية في موضوع تدوين مسودة الدستور العراقي، في الوقت الذي يسعى فيه كل العالم إلى أن يتدخل بهذا الأمر، محاولا فرض أجندات خاصة، وآراء وأفكار معينة، فهل يا ترى يحق للجميع أن يتدخل بذلك؟ باستثناء المرجعية الدينية، وهي صاحبة الحضور الأكبر والأوفر في الشارع العراقي؟.
   وبالرغم من هذا الجدل الحاد، إلا أن الجميع يقر بالدور الوطني الاستراتيجي الذي لعبته المرجعية الدينية، منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الآن، إذ يعترف الجميع، مثلا، بفضل المرجع السيستاني في إنجاز ثلاث محطات هامة، كان العراق قد مر بها خلال العامين الماضيين، وهي على التوالي:
   أولا؛ منعه انجرار العراقيين وانحدارهم في منزلق الحرب الأهلية التي كادت أن تقع بسبب حرب الإرهاب التي يشنها التكفيريون على الشيعة بوجه خاص، والذين ظلوا يقتلون على الهوية والانتماء طوال الفترة الماضية، والى الآن.
   ولقد أقر بدور السيستاني على هذا الصعيد، الكثير من الزعماء والقادة والساسة والكتاب والمثقفين والباحثين المنصفين، من العراقيين والعرب والأجانب، لدرجة، أن بعضهم اقترح أن يمنح المرجع السيستاني جائزة نوبل للسلام، لهذا السبب على وجه التحديد.
   ثانيا؛ دوره في توكيد الخيار الشعبي في بناء العراق الجديد، من خلال إصراره على لزوم إجراء الانتخابات العامة، لاختيار البرلمان العراقي، وتاليا الحكومة الانتقالية، ورفضه القاطع للخيار الذي كان يتبناه البعض، والقاضي بتأجيل الانتخابات، واللجوء إلى طريقة الانتخابات الجزئية (التعيينية) كطريق لتشكيل البرلمان.
   لقد كاد الكثيرون، حتى من قادة وزعماء العراق الجديد، أن يقتنعوا بأن لا طريق سوى التعيين لتشكيل البرلمان الجديد، وذلك بسبب تحديات (الاحتلال) والعنف والإرهاب، وأحيانا بسبب الخوف من الخروج من المولد بلا حمص(كما يقول المثل العربي){وهذا ما حصل بالفعل للعديد منهم} إلا أن إصرار المرجعية على أن يكون صندوق الاقتراع هو الفيصل في اختيار ممثلي الشعب وليس أية آلية أخرى، هو الذي وضع العراق على السكة الصحيحة وفي الاتجاه الصحيح.
   ثالثا؛ إصراره على أن تتم كتابة مسودة الدستور العراقي، من خلال لجنة منتخبة من العراقيين أنفسهم، وليس من قبل مجموعة تعين من قبل أي كان، وبأية طريقة من الطرق، إلى جانب تأكيده على أن تتم المصادقة على الدستور بصيغته النهائية، من قبل كل العراقيين، ومن دون استثناء، باستفتاء شعبي عام، وهي المرة الأولى التي سيتم فيها تبني دستور دائم للبلاد في استفتاء شعبي حر وعام، ليس في تاريخ العراق الحديث، وإنما في تاريخ كل البلاد العربية.
   وبذلك، تكون المرجعية قد شيدت، بإصرارها وثباتها ومثابرتها ومواقفها الوطنية الفريدة من نوعها، الأسس الاستراتيجية لبناء العراق الديمقراطي الجديد.
   إلا أن هذا الاعتراف بفضل المرجع السيستاني ودوره في كل ذلك، وأكثر، لم يشفع له عند البعض من الذين لا زالوا يتوجسون خيفة من تدخله بالسياسة.
   ومن أجل أن نكون منصفين في معالجة هذا الموضوع، أرى لزاما أن نبحث الأمر من الجوانب الهامة التالية؛
   أولا: في العراق، على وجه التحديد، لا تكمن المشكلة في تدخل الدين بشؤون السياسة، وإنما العكس هو الصحيح، فان تدخل السياسة بشؤون الدين، هو الخطر الماثل والمحدق بالبلاد دائما، ولذلك، فإذا كان هناك من يقترح النص في الدستور العراقي الجديد على فصل الدين عن السياسة، للحيلولة دون تدخل الدين بالسياسة، عليه أن يفكر بطريقة معاكسة تماما، أي عليه أن يطالب بالنص على عدم تدخل السياسة بالدين، وربما لهذا السبب نص المشرعون الاميركيون، عند تدوينهم الدستورالاميركي قبل أكثر من (200) سنة، على منع السلطات السياسية من تشريع أي قانون يتدخل في شؤون الدين، وليس العكس، لمعرفتهم بنهم الساسة، وتطاولهم على الدين، بل وعلى كل شئ يمكن أن يوظف لخدمة أغراضهم السياسية، وعلى رأسها الوصول إلى السلطة، وتاليا التشبث بها أطول فترة زمنية ممكنة.
   إنهم فطنوا إلى حقيقة الأمر وواقع المشكلة، مبكرا، ولذلك عالجوها من جذورها، وبالطريقة الصحيحة.
   هنالك خوف من إقحام السياسيين للدين كلما مروا بأزمة، وليس العكس، لأن الدين لم ولن يمر بأزمة، ليلجأ إلى إقحام نفسه في الشؤون السياسية، ولقد رأينا كيف أن الأنظمة المتعاقبة على العراق، كانت تلجأ، عند كل أزمة سياسية، إلى إقحام نفسها بالدين، ومحاولة الحكام امتطاء الدين للوصول إلى أهدافهم السياسية، بغض النظر عن صحتها أو خطئها.
   ليس في العراق فحسب، وإنما في طول البلاد العربية (والإسلامية) وعرضها.
   خذ مثلا على ذلك، النظام في الجزيرة العربية(المملكة العربية السعودية)الذي شيد قواعده، في الأساس، على التحالف المشبوه والزواج غير الشرعي(السفاح) بين أسرة بدوية متخلفة(آل سعود) وظفت السيف لإخضاع زميلاتها في الصحراء لسلطتها، ومذهب متخلف إرهابي تكفيري(الوهابية) لتستظل الأولى بالفتوى الدينية الطائفية للثاني، ويستمر ويتمدد الثاني بحماية سلطة وأموال الأولى.
   واستمر هذا النظام موظفا الدين لتحقيق أهدافه السياسية وأغراض أبناء الأسرة الحاكمة، منذ ذلك الحين ولحد الآن، ولقد رأينا، مؤخرا، كيف اضطر الناس في بلاد الله ورسوله، أن يبايعوا الملك الجديد على كتاب الله وسنة رسوله، في مسعى لإضفاء(الشرعية الدينية) على(نظام الحكم الملكي).
   ولأن هذا النظام القبلي، مضطر للسكوت عن ممارسات المذهب السلفي المتخلف وفقهاءه، لحاجته لهم، استغل (المتمذهبون) ذلك ليتمددوا في العالم، فانتشر خطرهم في كل البقاع، حتى تحولوا إلى غول إرهابي يهدد البشرية بالدمار، بعد أن عشعش الإرهاب وباض وفرخ في مدارس مملكة ولي الأمر، على مدى قرنين كاملين، أو أكثر.
   وكذلك هو الحال بالنسبة إلى بقية الأنظمة السياسية الأخرى، والتي وظفت حتى الأسماء الدينية لخدمة أغراضها السياسية، وهي التي تدعي بأنها أنظمة علمانية لا دخل لها بالدين، فهذا أمير المؤمنين، وذاك المجاهد الأكبر، وذلك خادم الحرمين الشريفين والآخر عبد الله المؤمن، وهكذا دواليك.
   كما أنها شكلت وزارات ودوائر للأوقاف، لتتدخل في شؤون الدين، ولتسيطر من خلالها على حركة أموال الأوقاف، تسرق منها ما تشاء، من دون حسيب أو رقيب، فما علاقة نظام سياسي علماني بأوقاف الدين، يا ترى؟.
   كذلك، سيطرت من خلالها على المساجد، فهي التي تكتب نصوص خطب الجمعة لائمتها المعينين من قبلها، والتي عادة ما تنتهي بعبارات الثناء على الحاكم والمديح بسياسات السلطة، وتهديد الرعية بتلقي أقصى العقوبات إذا ما خرجت عن طاعة ولي الأمر.
   حتى الأحزاب السياسية التي تصف نفسها بأنها علمانية، بادرت إلى تشكيل هيئات ورابطات للدين وعلمائه، لتسخير الفتوى الدينية لصالح سياساتها ومناهجها الحزبية، كلما احتاجت إلى ذلك، وضاقت بها السبل.   
   ولا زال هناك الكثير من الكتاب (العلمانيين) يتدخلون في الشأن الديني إلى درجة كبيرة، بمن فيهم الكثير من الكتاب اليساريين (بل وحتى الملحدين الذين لا يؤمنون بالله ودينه من قريب أو بعيد) من الذين نصبوا أنفسهم منظرين للدين وشؤونه، إلى درجة القرف، يفسرون الآية ويستشهدون بها، كما يحلو لهم، ويحملونها من المعاني فوق طاقتها، إذا ما مالت أهواءهم مع كل ريح.
   إن الدين، كان ولا يزال، الباعث الحقيقي للحفاظ على البلاد والعباد، فكان الباعث للتصدي للغزو الأجنبي للبلاد، كما كان الباعث لحفظ الشعب العراقي من الانزلاق في مهاوي الحروب الأهلية والطائفية، كلما دست الأنظمة أنوفها في الشأن الديني، من قريب أو بعيد، وكلنا يتذكر الفتاوى الدينية التي حرمت القتال ضد الكرد في شمال العراق، على مرور الأيام والحقب التاريخية السياسية، والتي حفظت النسيج العراقي من التمزق، بسبب السياسات العدوانية التي كانت تنتهجها الأنظمة(العلمانية).
   كما كان للفتوى الدينية التي تصدت للمد الأحمر الملحد الذي اجتاح العراق فترة الخمسينيات من القرن الماضي، والذي كان قد نصب العداء لكل ما هو من الدين من قريب أو بعيد، دورا، لا ينكره أحد، في حفظ كيان العراقيين ومنظومتهم الفكرية والعقائدية من عبث العابثين.
   والمضحك المبكي، والمخجل في آن، أن جل من يعترضون على تدخل المرجعية في العراق، بالشأن العام، هم إما رعايا أو يكتبون في وسائل إعلامية تمتلكها واحدة من أسوأ الأنظمة الدينية الشمولية في التاريخ الحديث، واقصد بها(المملكة العربية السعودية) فلماذا لا يكتبون ضد توظيف هذا النظام السياسي للدين؟ ألا يدل ذلك، على أن دوافعهم سياسية طائفية، وليست من منطلق الحرص كما يدعون؟ أم لأن هذا النظام، وسواه، يدفع سلفا، فيقطع السنة(المثقفين) على الطريقة الأموية؟ أما المرجعية في العراق فلا تدفع شيئا، إذ ليس من عادتها أن تشتري الضمائر، وتوظف الأقلام المأجورة للدعاية لصالح سياساتها، لأنها، في الأساس، ليست بحاجة إلى كل ذلك.
   والشئ بالشئ يذكر، فان أغلب هؤلاء الكتاب، هم إما من مخلفات اليسار المهزوم أو التيار القومي العروبي الفاشل، أو من أيتام التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وأمثالها، وهم الذين كانوا يتمنون{في يوم من الأيام الخوالي، أيام النضال السلبي والشعارات البراقة والجهاد ضد الحاكم الكافر الذي لا يحكم بما انزل الله تعالى}أن يشربون من دماء هذا النظام الذي كانوا ينعتونه بكل صفات الرذيلة كالرجعية والعمالة للأجنبي والكفر، كل حسب انتماءاته الفكرية المذكورة سلفا، فيما نراهم يلوذون اليوم بصمت أهل القبور، يسكتون على كل شئ، فما عدا مما بدا يا ترى؟.
   ثانيا: لم يطرق السيستاني باب أحد من العباد، يتوسله الإصغاء إلى آرائه، في القضايا السياسية، بل أن الذي حصل هو العكس من ذلك تماما، فلقد تقاطر على بيته كل القادة والزعماء والسياسيين الذين تصدوا للمشهد السياسي العراقي الجديد منذ سقوط الصنم ولحد الآن، يستشيرونه ويصغون إلى رأيه، في القضايا التي يرونها هامة ومصيرية.
   حتى أولئك النمط من القادة الذين لم يكونوا، في يوم من الأيام، متمسكين بالدين وتعاليمه، أو يهتمون بشؤونه، أو يعتقدون بدور المرجعية، رأيناهم يتقاطرون على باب المرجع السيستاني طلبا للاستشارة، وفيهم المسلم والمسيحي والشيعي والسني والعربي والكردي والإسلامي والعلماني، والمدني والعسكري، والجمهوري والملكي.
   كما أن مبعوثي الأمم المتحدة وأمينها العام والجامعة العربية، وغيرهم، لم يستثنوا أنفسهم من ذلك، إذ أبدوا، بدورهم، حرصا متزايدا لزيارة السيستاني في منزله لاستشارته والإصغاء إليه، وكل ذلك ليس من باب الأيمان بدور الدين والمرجعية في الشأن العام، وإنما لما لمسوا من المرجعية، من الحرص الأكيد على مصالح العراق وشعبه، وهذا ما عبروا عنه في أكثر من حديث ومناسبة، أو ربما لأن التجربة علمتهم بأن الطريق إلى عقول العراقيين وقلوبهم وقناعاتهم، يمر عبر منزل السيستاني.
   حتى الاميركيين، حاولوا أن يصلوا إلى منزل السيستاني، علنا أو متنكرين، ولقد طرقوا الباب مرات وكرات، إلا أن بواب المرجع لم يفتح لهم الباب، خشية أن يتهم المرجع بالتدخل بالسياسة.
   لقد أثبتت الأيام العصيبة التي مرت على العراقيين، بأن المرجعية الدينية (والسيد السيستاني على وجه التحديد) هي الجهة الوحيدة التي تفكر بعقلية وطنية جامعة، تتعالى على الانتماءات الاثنية والدينية والمذهبية، وتقفز فوق الولاءات الحزبية والاتجاهات الفكرية، ولذلك يرى فيها العراقيون، صمام الأمان الحقيقي لصيانة حقوق كل العراقيين من العبث أو التجاوز والسحق، بغض النظر عن انتماءاتهم بكل أشكالها، كما أنها السد المنيع الذي يقف بوجه كل المحاولات الرامية إلى القفر على حقوق هذه الشريحة أو تلك، ومن هنا حاز السيستاني على ثقة الجميع، واحترامهم وتقديرهم، بسبب مواقفه وآرائه التي لم يعد أحد يجرؤ على القفز عليها أو تجاوزها، أو حتى أن يفكر بأن لا يأخذها بنظر الاعتبار، أو أن يعيرها القليل من الاهتمام.
   لقد تيقن العراقيون، على اختلاف مشاربهم، بأن المرجعية الدينية، هي الجهة الأكثر وفاءا لهم، والأكثر أمانا للجوء إليها للدفاع عن حقوقهم، ولذلك لجأ إليها الجميع.
   ولهذا السبب، على وجه التحديد، فإذا كان هناك من يلزم أن يؤاخذ بجريرته، فليس المرجعية لأنها تتدخل بالسياسة، وإنما الزعماء والقادة ومندوبي الأمم المتحدة والجامعة العربية، وغيرهم، لأنهم طرقوا باب السيستاني، ولا زالوا.
   ترى، ما ذنب المرجع إذا كان الناس يتبعونه ويهتدون برأيه، ويتعبدون بتوجيهاته التي يعتبرونها في أغلب الأحيان، فتوى دينية يجب الالتزام بها، طاعة قربة إلى الله تعالى؟.
   ترى، لو أن أحدنا استشاره صديق في أمر ما، هل سيقدم له النصح؟ أم يضرب عنه صفحا؟ ولأن المستشار مؤتمن، لذلك يسعى المرجع إلى أن يقدم للمشير أفضل ما عنده من آراء وأفكار، وان كانت في بعض الأحيان لا تروق لهذا أو تعجب ذاك، إذ ليس من مهام المرجع أن يرضي الجميع، وإنما عليه، أولا، أن يرضي ربه وضميره، والا، فان (رضا الناس غاية لا تدرك) كما تقول الحكمة.
   ثالثا: إن كل الذين يستنكرون على المرجع تدخله بالسياسة، متورطون بذلك، لدرجة أن بعضهم ضمن قائمته الانتخابية أسماء (مراجع دينية معروفة) في محاولة لتوظيف العمامة في حملته الانتخابية السابقة، فلماذا يجوز له أن يورط المرجعية بالسياسة إذا ما أراد ذلك، تحقيقا لمصلحة حزبية أو سياسية أو انتخابية ما، ويستنكر الأمر لغيره؟ لماذا باءه تجر وباء غيره لا تجر؟.
   أضف إلى ذلك، فان كل أمثال هؤلاء، قادة سياسيون متورطون بالتدخل في شؤون الدين، بشكل أو بآخر، فكم من مرة سمعناهم يتحدثون في شؤون الدين وقضاياه وكأنهم مراجع وفقهاء كبار، بالضبط كما كان يفعل الطاغية الذليل صدام حسين عندما كان، في كل أزمة، ينظر للدين، وكأنه آية من آيات الله العظام.
   رابعا: إن المرجعية الدينية لم تفرض رأيا على أحد أبدا، وإنما تحاول أن تبدي رأيا فقط في الأمور التي يتم التشاور معها أو الاستفسار عنها من قبل أي كان، إلا أن إيمان الناس بدورها، وحسن ظنهم بها، هو الذي يدفعهم للالتزام به، وتحويل رأيه إلى فتوى ملزمة، يتعبدون بها.
   خامسا: أجزم لو أن أية مرجعية دينية أخرى، غير السيستاني وأمثاله، كان لها كل هذا التأثير الكبير والعظيم على العراقيين، لعبدها أنصارها، ولطالبوا بأن ينص الدستور العراقي الدائم، على كل ما من شأنه أن يرفع منزلتها فوق القانون والمساءلة، ولرفعوا موقعها فوق الشك والريبة، خاصة إذا كانت تلك المرجعية تلبي حاجاتهم السياسية (مرجعية تحت الطلب) كما كان يفعل الطاغية الذليل، أيام زمان، أما السيستاني، فقد عارض، إلى درجة التوبيخ، من حاول أن يقحم المرجعية ودورها ومكانتها في الدستور الجديد، لأنه أبعد ما يكون عن الانتهازية، وسياسة اغتنام الفرص.
   ولذلك، لا نجد من يستنكر على مراجع التكفير وفقهاء الإرهاب وهيئات الذبح والتفخيخ والقتل العشوائي، تدخلها بالسياسة، إنما صب الجميع جام غضبهم على السيستاني وأمثاله.
   ترى، لو كان السيستاني سنيا، فهل كانوا يستنكرون عليه تدخله بالسياسة؟.
   سادسا: إن المعروف عن المرجع السيستاني، على وجه التحديد، عزوفه عن التعاطي بالشأن السياسي، ولو كان قادة وزعماء العراق الجديد، بمستوى المسؤولية والحدث التاريخي الكبير، لما اضطر إلى أن يتصدى بهذه الطريقة، إلا أن تصرف القادة العراقيين من منطلقات اثنية أو دينية وطائفية ضيقة، وعدم تقديمهم للمصلحة الوطنية العراقية العامة على المصالح الحزبية الضيقة، هي التي حملت المرجعية الدينية مسؤولية تاريخية، من أجل الاطمئنان على تقدم العملية السياسية الجديدة بالاتجاه الصحيح.
   إن دور السيستاني الايجابي والنزيه، نابع من انه ليس له مصلحة مباشرة، لا في نتائج أية انتخابات، ولا في تشكيل أية حكومة، ولذلك نراه قال أكثر من مرة، بأنه ليس المهم عنده من يكون الرئيس أو الزعيم، إنما المهم عنده أن يأتي عن طريق صندوق الاقتراع، ينتخبه الناس، ليعبر عن إرادتهم بشكل حقيقي وواقعي، وليس بطريقة مزيفة كما يفعل الطغاة.
   سابعا: وأخيرا، أليس من مصلحة العراق والعراقيين، أن يتدخل رجل كالسيستاني (العاقل والحكيم وذو النظرة الاستراتيجية البعيدة) في الشأن السياسي العام، على أن يتدخل غيره من الحمقى والمستعجلين والساذجين والمغفلين، ممن يشكلون، بتدخلهم، خطرا حقيقيا على البلاد؟.
   إن القاعدة العامة تقول، بأن الساحة لا يمكن أن تعيش فراغا، قياديا أو إرشاديا، لا فرق، فإذا لم يتدخل العاقل ليصلح الأمور ويأخذ بأيدي الناس إلى ما فيه صلاحهم وخير البلاد، فسيبادر الأحمق لملء الفراغ، فأيهما أكثر منفعة للعراق والعراقيين، يا ترى؟.
   أخيرا أقول؛
   نعم، كلنا حريصون على سمعة الدين والمرجعية الدينية، فلا نريد أن يتلوث الدين بقذارات السياسة، والمرجعية بأوساخ السياسيين، ولكن، في ذات الوقت، فإننا حريصون على مصالح العباد، فإلى متى تبقى هذه المصالح المقدسة، أسيرة بيد كل زعيم متهتك، لا يرعى في عباد الله تعالى إلا ولا ذمة؟ والى متى يظل الناس يساقون من قبل كل فاجر لا يؤمن بيوم الحساب؟ والى متى يظل يحكم الرعية، كل خمار ولص يسرق في الليل والنهار، ويعتدي على الأعراض ويسحق حقوق الرعية، من دون وازع من دين أو ضمير أو حتى مصلحة وطنية؟.
   إننا نريد المرجعيات الدينية، وكل مواطن، رقيب على أداء الحكام، علهم يرتدعون ويخافون يوما تشخص فيه الأبصار، يوم ترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، يوم تضع كل ذات حمل حملها، ويشخص الناس لله الواحد القهار.

تشرين الاول 2005[/b][/size][/font]

44
في ندوة حوارية عقدت بمركز دار السلام:

العراقيون في العاصمة واشنطن يناقشون مسودة الدستور

نــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر:

دور الدين في الحياة العامة، محفوظ حتى في أعرق الدول الديمقراطية العلمانية، كالولايات المتحدة
   
   عقد العراقيون في العاصمة الاميركية واشنطن، يوم أمس{الأول من أيلول} ندوة حوارية في مركز دار السلام، ناقشوا فيها مسودة الدستور العراقي.
   {في البداية، استذكر الحضور ضحايا الفاجعة الإنسانية المروعة التي حدثت فوق جسر الأئمة بالعاصمة بغداد، في ذكرى استشهاد سابع أئمة أهل بيت النبوة والعصمة الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في الخامس والعشرين من شهر رجب الأصم، والتي راح ضحيتها أكثر من ألف ضحية، بين شهيد وجريح}.
   وقد تركز النقاش في الندوة التي حضرها عدد كبير من الباحثين والسياسيين والمهتمين بالشأن الدستوري، والتي أدارها الأستاذ صفاء الكاتب، حول قضايا الدين والفيدرالية والمرأة في الدستور العراقي الجديد.
   كما أبدى عدد من الخبراء، آراءهم ووجهات نظرهم في هذه الأمور الهامة.
   عن موضوع موقع الدين في مسودة الدستور العراقي الجديد، قال نــــــزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن؛
   لقد ناقش المشرعون العراقيون ذلك، في إطار وجهات النظر التالية؛
   فالذين تبنوا وجهة النظر التي ذهبت إلى ضرورة تدوين نص يتم فيه تحديد دور الدين في التشريع في مسودة الدستور، احتجوا بالأدلة والبراهين التالية؛
  أولا؛ إن مثل هذا النص، ليس بدعا في الدستور، فهو موجود بالفعل في كل دساتير البلاد العربية والإسلامية، كما انه موجود في كل الدساتير العراقية السابقة، فلماذا لا يكون في الدستور العراقي الجديد؟.
   حتى في الدستور الأفغاني الجديد، الذي كتب في ظل ظروف سياسية مشابهة لظروف العراق، نص على مثل ذلك، فلماذا يستثنى دستور العراق الجديد من مثل هذا النص؟.
 ثانيا؛ انه يحفظ هوية العراق وتاريخه وواقعه، إذ كما هو معروف، فأن النسبة المطلقة للشعب العراقي هم مسلمون، ولذلك ينبغي التأكيد على هويتهم في الدستور الجديد.
   ثالثا؛ الخشية من أن يتحول العراق الجديد، إلى دولة علمانية، في ظل الظروف القاهرة التي صاحبت حرب إسقاط نظام الطاغية صدام، وما رافقها من إصرار أميركي بهذا الصدد، والذي جاء على لسان أكثر من مسؤول، يقف في مقدمتهم الرئيس جورج بوش والحاكم الاميركي السابق في العراق، بول بريمر، بالإضافة إلى الموقف الدولي الذي كان يؤيد تبني مثل هذا التوجه، يسانده في ذلك، موقف عدد من الساسة العراقيين الذين عبروا في أكثر من مناسبة، عن موقف رافض لأي دور للدين في الحياة العامة، لدرجة العداء للدين ولكل ما يمت إليه بصلة، من قريب أو بعيد.
   هذه المخاوف، إلى جانب التجربة المرة التي عاشها العراقيون في تاريخهم الحديث على وجه التحديد، دفعت بأغلب المشرعين إلى التمسك بالنص على دور الدين في الحياة العامة، في الدستور الجديد.
   فمن أجل أن لا يرمى (القاضي بالنهر) على حد قول أهزوجة اليسار العراقي إبان خمسينيات القرن الماضي، فان ورود مثل هذا النص في الدستور، يحول دون التلاعب بمشاعر الناس.
   الرابع؛ إن النص الوارد حاليا في المسودة يتحدث عن ثوابت، من دون الخوض في التفاصيل، وكلنا يعرف جيدا، فان الثوابت الدينية، هي في حقيقتها، ثوابت إنسانية يتفق عليها الناس، بغض النظر عن نوع الانتماء الديني.
   حتى في أعرق الدول الديمقراطية والعلمانية، كالولايات المتحدة الاميركية، فان للدين دور كبير جدا في الشأن العام، على صعيد الثوابت الدينية (الإنسانية)، وكلنا يتذكر دور الكنيسة هنا في هذا البلد، في منع تمرير قانون (مثليي الجنس) و(الاجهاض)، في الكونجرس الاميركي العام الفائت، واللذان أثارا جدلا واسعا، حسمته الكنيسة، وليس الزعماء السياسيون.
   الخامس؛ حتى لا تتدخل السياسة بالدين، وكلنا يعرف جيدا، فان العراق ابتلي بالتدخل السافر للسياسة في الدين، وليس العكس، من خلال سعي كل الأنظمة والأحزاب السياسية التي تعاقبت في العراق، منذ تأسيسه على الأقل ولحد سقوط الصنم، إلى توظيف الدين لتحقيق أغراض سياسية، أو كلما مرت بأزمة.
   والا، فأين (الشيوعيون) من الدين والشعائر الحسينية، عندما كانوا ينظمون مواكب العزاء في ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله (ص) الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) أيام محرم الحرام؟ إلا السعي لتوظيفها في سبيل تحقيق أهداف سياسية معروفة.
   ذات الأمر ينطبق على نظام الطاغية البائد، عندما أعلن عما أسماه بالحملة الإيمانية قبيل سقوطه بسنين معدودة.
   فإذا كان ولابد من أن يتم اللجوء إلى الدين عند الأزمات، فيجب أن لا ينبري السياسيون للتصدي لتفسير الدين، فتلك هي مهمة علمائه وفقهائه ومراجعه.
   أما الذين عارضوا ذكر النص في مسودة الدستور، فقد احتجوا بالأدلة التالية:
   أولا؛ انه قد ينتهي بالعراق إلى نموذج الدولة الدينية، من خلال التفسير الخاطئ للنص، أو سعي البعض لتوظيفه من أجل تحقيق أهداف تنتهي بالعراق إلى نموذج الدولة الدينية.
   ثانيا؛ وان أكبر الخشية لدى هؤلاء، هي من قانون الأحوال الشخصية، والتي بددها نص المادة(39) من الفصل الثاني(الحريات)، والذي منح العراقيين حرية اختيار الالتزام بأحوالهم الشخصية.
   ثالثا؛ كما أن تعدد التفاسير للدين، يثير لدى الكثيرين، مخاوف من التفسير المرعب للإسلام والمتمثل ببعض الحركات والاتجاهات (الدينية) الإرهابية والتكفيرية والمتخلفة والمتزمتة، كالتفسير الذي تبنته (حركة طالبان) الإرهابية المتخلفة في أفغانستان، إلى جانب بعض التنظيمات الدينية الأخرى هنا وهناك.
   وأضاف نـــــزار حيدر، عارضا وجهة نظره بشأن الموضوع، قائلا؛
برأيي، فان المخاوف التي يسوقها المعترضون، فيها الكثير من المبالغة، فمن جانب، يخلو العراق من التفاسير الخاطئة والمتطرفة للإسلام، إذ لا يوجد فيه من يتبنى التفسير السلفي المتخلف للإسلام، فيمنع المرأة، مثلا، من سياقة السيارة، أو مشاركتها في الشأن العام، وان ما نراه اليوم من انتشار هذا التفسير في بعض مناطق العراق، إنما هو وافد على العراق وليس أصل فيه، وان مرده إلى الحقد الطائفي الذي وفد إلى البلاد بعيد سقوط الصنم، والذي تحالف مع أيتام النظام البائد، لأسباب معروفة.
   إن التزمت الديني، ليس من طبيعة العراقيين أبدا، كما أن المرجعيات الدينية وفقهاء الإسلام وعلمائه في العراق، معروفون بالوسطية والانفتاح، بعيدا عن التزمت الديني.
   كما يعرف الجميع جيدا، بأن ظروف العراق السياسية، إلى جانب تركيبته الاجتماعية والسياسية المتنوعة إلى درجة التعقيد، يضاف إليها، الرؤية السياسية المنفتحة التي تتبناها الأحزاب السياسية (الدينية)، إن كل ذلك يمنع من إقامة نظام ديني في العراق، ولهذا السبب، لم يدع أحد، إلى تطبيق مثل هذا النموذج،  ولم يتبناه أحد كمنهج سياسي، بل رفضته حتى الأحزاب الدينية بمختلف اتجاهاتها وانتماءاتها، معتبرة أن الحديث عن مثل هذا النموذج، نوع من ضرب الخيال.
   وأضاف حيدر يقول؛
   أعتقد أن النص الوارد حاليا في مسودة الدستور، جاء متوازنا إلى درجة كبيرة، ليبدد الكثير من المخاوف، ويطمئن العراقيين من خلال الحفاظ على هويتهم، فالنص حقق مبدأ التوازن والرقابة، أو ما يعرف بالولايات المتحدة (جك أند بالانص) إلى درجة كبيرة، وهو برأيي، أفضل ما يمكن التوافق عليه في هذه المرحلة على وجه التحديد.
   إن النص، أضاف نـــزار حيدر، حقق موازنة كبيرة بين (الديني) و(المدني)، وهذا ما يحتاجه العراق اليوم، كما أنه بدد إلى درجة كبيرة مخاوف الأقليات الدينية، عندما نص على ضمان كامل الحقوق الدينية لغير المسلمين، وذلك في (ثانيا) من المادة الثانية من الباب الأول (المبادئ الأساسية).
   بشأن مبدأ الفيدرالية الوارد في مسودة الدستور، قال نــــــــــــــــــزار حيدر؛
   إن تبني النظام اللامركزي في الدستور العراقي الجديد، والذي تم التعبير عنه بمبدأ الفيدرالية، هو ضمانة أكيدة للحفاظ على وحدة العراق، وليس العكس على الإطلاق، بل أن استمرار أي نوع من أنواع الأنظمة المركزية، بعد كل هذه التجارب المريرة التي مرت بالعراق، هو الذي يعرض وحدة العراق للخطر، ولذلك، حرصا من قبل المشرعين على وحدة العراق وانسجام تكوينه الاجتماعي المتنوع، تم تبني الفيدرالية كأفضل تعبير عن اللامركزية.
   وأضاف نــــــــــــــــــــزار حيدر، قائلا؛
   إن مما يؤسف له حقا، هو أن بعض الساسة العراقيين، لا يناقشون الفيدرالية {كنوع من أنواع الأنظمة السياسية الإدارية} ما إذا كانت تنفع العراق الجديد، وتساهم في التنمية وتحقيق أوسع مشاركة شعبية في الشأن العام أم لا؟ وإنما يناقشونها فيما إذا كانت أمرا واقعا فيتعاملون معها على هذا الأساس، فيعترفوا بها، أم أنها فكرة بكر لم تختمر بعد، قابلة للنقض، ولذلك رأيناهم يقبلون بها إلى منطقة كردستان (شمال) فقط لأنها أمر واقع لا يقبل النقاش، على حد تعبيرهم ، ويرفضونها لبقية مناطق العراق (جنوب ووسط) لأنها لا زالت في طور التفكير ولم تتحول إلى أمر واقع، ولذلك فان بالامكان اتهامها والطعن فيها وعرقلتها.
   إن هذه الطريقة من التفكير خطيرة جدا، إنها الطريقة التي شرعها الاستعمار البريطاني بداية القرن الماضي، عندما رسم حدود البلاد العربية بالشكل الموجود عليه حاليا، فهل سيقبل المعترضون على الفيدرالية لبقية العراق، بها بعد عشر سنوات مثلا، عندما يؤسس الجنوبيون فيدرالية جديدة لهم اليوم؟.
   يجب أن نناقش الأمور من منطلق المصلحة والمنفعة، وليس من منطلق الأمر الواقع.
   كما اعتبر نــــزار حيدر، إن مسودة الدستور أعادت المرأة العراقية إلى موقعها الطبيعي في العملية السياسية، من خلال مساواتها في الحقوق والواجبات مع الرجل، على اعتبار أن المرأة كمواطن عراقي كامل الأهلية، يحق لها أن تساهم في الشأن العام، وفي عملية البناء والتنمية، من خلال تمتعها بكامل الحقوق المنصوص عليها في الدستور العراقي الجديد، وعلى مختلف الأصعدة، كالسياسي والتعليمي والحقوقي وغير ذلك.
   الجدير بالذكر، أن عدة وسائل إعلام عربية كانت قد حضرت الفعالية لتغطية وقائعها، منها القنوات الفضائية، (الحرة) و (العربية) و (العالم) بالإضافة إلى راديو سوا.
   وفي تصريحات لقناة (العربية) الفضائية، اعتبر نــــــــــزار حيدر، أن المرأة في العراق الجديد عادت لتحتل مكانها الطبيعي في الحياة العامة، من خلال المشاركة بفاعلية في الشأن العام، معتبرا أن انتشار المؤسسات النسوية في مختلف مناطق العراق، وعلى مختلف الأصعدة، دليل على أن المرأة العراقية بدأت بالفعل تنتزع دورها الحقيقي والطبيعي، بالرغم من كل الظروف القاهرة التي يمر بها العراق، وخاصة المرأة العراقية، لأننا نعرف جيدا، بأن مجتمع من دون دور طبيعي للمرأة، لهو مجتمع ميت، لا يقوى على النهوض وتحقيق التنمية والتقدم.
   وفي نهاية الندوة الحوارية التي شارك فيها الحضور بمداخلات متنوعة أظهرت حرصا شديدا على التمسك بمبدأ الحوار كأفضل طريقة إنسانية وحضارية للتعبير عن الرأي والرأي الآخر، أظهرت نتائج الاستطلاع عن مسودة الدستور ما يلي؛
   ألف؛ الأغلبية المطلقة مع دور الدين في التشريع، كما ورد في مسودة الدستور.
   باء؛ الأغلبية المطلقة اعتبرت أن النص الدستوري الوارد بشأن دور الدين في التشريع، سيعزز من مكانة المرأة في المجتمع العراقي.
   جيم؛ الأغلبية المطلقة اعتبرت أن الفيدرالية ليست مشروع تقسيم أبدا، بل إنها ستعزز من وحدة العراق، أرضا وشعبا.
   دال؛ وأخيرا، أجمع الحضور، في آخر استطلاع للرأي، على أنهم سيصوتون بكلمة
{نعم} لصالح الدستور، إذا ما أجري الاستفتاء العام على المسودة الآن.

الثاني من أيلول 2005 [/size]

45
العراق .. الفيدرالي
[/b]


نــــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   مع اقتراب موعد الانتهاء من تدوين مسودة الدستور الدائم للعراق الجديد، لتقديمه للاستفتاء الشعبي العام، منتصف آب القادم، يحتدم النقاش أكثر فأكثر حول نوع النظام السياسي الإداري الأنسب لهذا البلد الذي عاش أسوأ تجربة مع الأنظمة الشمولية الديكتاتورية، خاصة في ظل نظام الطاغية الذليل صدام حسين.
   ويحتدم النقاش أكثر، حول مفردة (الفيدرالية) التي تعني النظام الاتحادي، والتي ظلت تتردد في الخطاب السياسي لحركة المعارضة العراقية (سابقا) منذ أن تبنى برلمان كردستان مشروع النظام الفيدرالي لعراق ما بعد الديكتاتورية عام (1992)، ولحد الآن، لترد أخيرا في القرار الدولي رقم (1546) بعد أن كانت قد وردت، قبل ذلك، في قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت للمرحلة الانتقالية.
   والعراقيون، إزاء الموقف من الفيدرالية، ينقسمون إلى أربع فئات:
   الأولى؛ هي تلك التي لا زالت ترفضها جملة وتفصيلا، فهي تعتبر الفيدرالية مقدمة مشروع لتقسيم العراق إلى دويلات، لإضعافه، ومن ثم ليسهل السيطرة عليه من قبل الأطراف الدولية الطامعة فيه.
   الثانية؛ هي التي تتمسك بالفيدرالية القومية، رافضة كل أنواع الفيدراليات الأخرى، فهي بالتالي تنادي بفيدرالية كردية في الشمال (كردستان) إلى جانب العراق.
   الثالثة؛ هي التي تذهب إلى نظرية فيدرالية الأقاليم، أي أن تقسم محافظات العراق إلى عدة أقاليم، في إطار فيدراليات متعددة، كأن تكون خمسة أو ستة، مثلا.
   الرابعة؛ هي التي تذهب إلى فكرة فيدرالية المحافظات، من دون إلغاء فكرة الأقاليم، أي أن يتشكل العراق من (18) فيدرالية أو اقل، إذا ما رغبت بعض المحافظات في الاندماج، بعضها مع البعض الآخر، لتشكل إقليما فيدراليا لها، كما هي، مثلا، رغبة الكرد في المحافظات الشمالية، حتى الآن على الأقل.
   شخصيا، أنا مع فكرة فيدرالية المحافظات، ولقد كنت قد ذكرت ذلك قبل عامين في مقالتي الموسومة (دستور جديد، لعراق جديد) ولكن، قبل أن أشرح وجهة نظري وأدافع عنها، أود أن أشير إلى النقاط التوضيحية الهامة التالية:
   ألف؛ للأسف الشديد، فان قسم من الناس ينبري لمناقشة الفكرة، من دون الإطلاع على حيثياتها، أو فلسفتها، كما انه لم يحمل نفسه حتى عناء الإطلاع على نماذج من الأنظمة الفيدرالية في هذا العالم، والتي هي تجارب إنسانية قبل أن تكون قومية أو وطنية أو إقليمية، وكلنا نعرف، فان من لم يمتلك الخلفية المناسبة لفكرة ما، لا يمكنه أن يناقشها بشكل منطقي معقول، ولذلك نرى الجاهل بأمر ما يتهجم على الفكرة المطروحة للنقاش ويشتمها، أكثر مما يناقشها نقاشا علميا ومنطقيا رزينا، فهو يميل إلى العاطفة عند الحوار، أكثر من اعتماده على العقل والمنطق، وصدق أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ إذ يقول؛ (الناس أعداء ما جهلوا) و؛ (لا خير في القول بالجهل).
   لا يجوز أن نناقش الفكرة، خاصة إذا كانت مهمة واستراتيجية للغاية، بخلفيات ضعيفة، أو بأحكام مسبقة، أو بمواقف متشنجة، أو بالاعتماد على الشائعات وعلى القيل والقال، فقد يكون الخير كله فيها، فنخسرة ونحرم أجيالنا منه.
   ليس العيب في أن نسأل ونقرأ ونصغ للآخرين، خاصة الخبراء منهم، لنتعلم، قبل أن نناقش أو نبدي وجهة نظرنا، ولكن العيب كل العيب، إذا ما تعصبنا لصالح فكرة أو ضد أخرى، لا فرق، من دون أن نعرف على ماذا ندافع أو لماذا نتهجم ؟ .
   باء؛ إن النظام الفيدرالي في العالم، متعدد الأنواع، وإنما اختارته الشعوب لنفسها، من أجل حاجة معينة، وليس (عليك يا الله) كما يقول المثل العراقي، إذ لابد لكل بلد اختار نوعا معينا من الفيدرالية، إنما اختارها لتلبي حاجة معينة، وليحل بها مشكلة أو عقدة كان قد تضرر بها، ولذلك لا يمكن أن نقارن حاجة العراق بنموذج محدد، بكل تفاصيله، أبدا، إذ يبقى هناك مقدار من المناورة والخيارات، يتسع ويضيق، حسب الحاجة.
   جيم؛ على العموم، فان الفيدرالية هي مشروع وحدة، وليس مشروع تقسيم أبدا، وفي حالة العراق، أحب أن أطمئن المتخوفين من مشاريع التقسيم، وأقول لهم، وبالفم المليان، أن العراق غير قابل للتقسيم والتجزئة، أبدا، لأسباب تاريخية، وأخرى متعلقة بالتركيبة الجغرافية للشعب العراقي، وثالثة متعلقة بموقع العراق الجغرافي، ورابعة متعلقة بالوضع الإقليمي والدولي.
   حتى الدول الاستعمارية، لا تريد تقسيم العراق، فهي، إن أرادت أن تلتهمه، فستفكر بالتهامه دفعة واحدة، وليس على دفعات.
   وبصراحة أقول، هناك سبب استراتيجي مهم، هو الذي لا يشجع كل دول العالم (العدوة منها، قبل الصديقة) على تبني مشاريع تقسيم وتجزئة العراق، والسبب هو كالتالي: 
   كلنا يعرف، إذا ما قسم العراق، فسيقسم إلى ثلاث دول، شيعية في الجنوب، وكردية في الشمال، وسنية في الغرب.
   وكلنا يعرف كذلك، بأن أقوى هذه الدول الثلاث، ستكون الدولة الشيعية في الجنوب، لأسباب جغرافية واقتصادية معروفة وواضحة للجميع، ولهذا السبب على وجه التحديد، لا يريد العالم تقسيم العراق.
   أرجو أن تكون الفكرة قد وصلت إلى كل المتخوفين من مشاريع التجزئة، من دون الاضطرار إلى الولوج في التفاصيل أكثر فأكثر، فالحر تكفيه الإشارة، والعاقل يقرأ ما بين السطور.
   دال؛ إن جذر فلسفة الفيدرالية، يعود إلى فكرة النظام اللامركزي، الذي هو بالضد من النظام المركزي، فهو إذن محاولة للتقليل من سلطة المركز لتوزيعها على الأطراف، للحيلولة دون تمركز السلطة في المركز، من جانب، وللحيلولة دون تكرار تجارب الانقلابات العسكرية التي تكون عادة اقرب للتنفيذ في الأنظمة المركزية منها في الأنظمة اللامركزية، من جانب آخر.
   إنها نظام يعتمد على فلسفة تفويض السلطات، من المركز إلى الأطراف، لتحقيق اكبر قدر ممكن من الشفافية والمساواة والاكتفاء الذاتي.
   كما أن النظام اللامركزي، يساعد على تحقيق عدالة اكبر في توزيع الثروات، إلى جانب أنه يشجع على المشاركة الشعبية في الشأن العام، أكثر فأكثر.
   كذلك، فان النظام اللامركزي يساهم في إزالة كل المخاوف التي تشغل بال الأقليات، بمختلف هوياتها، كالتهميش والتجاوز على الحقوق بمختلف أشكالها.
   وفي حالة كالعراق، أعتقد أن النظام اللامركزي هو أفضل وأأمن وصفة يمكن أن يتبناها العراقيون، للتخلص من كل المخاطر التي ذاقوا ويلاتها على مدى نيف وثمانين
عاما الماضية، أي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولحد الآن.
   نعود للحديث عن وجهة النظر التي تتبنى مشروع فيدرالية المحافظات، والتي أتبناها شخصيا، لعدة أسباب، يمكن إجمالها بما يلي:
   أولا؛ إن النص على حق كل محافظة (أو أكثر) في إقامة فيدرالية، يعني:
   ألف؛ عدم اغباط حق أي واحدة منها في تحقيق رغبتها، في إقامة مثل هذا النظام الإداري، من دون أن نضع عوائق في طريق أية مجموعة من المحافظات، إذا ارتأت أن تشكل إقليما فيدراليا فيما بينها، ما يعني أننا سنلبي حاجة وطموح كل محافظة على حدة، من جانب،  وكل مجموعة محافظات في آن واحد، وبهذا نكون قد منحنا الحق للجميع وبالتساوي، ومن دون أن نظلم أحدا، إذ كيف يجوز لنا أن نلبي طموح من يرغب في تشكيل إقليم من عدة محافظات، ونسلبه من آخرين لا يريدون ذلك، بل يرغبون في إقامة فيدرالية لمحافظتهم من دون الاندماج مع الآخرين ؟ .
   باء؛ منح كل محافظة الحق في تشكيل الهيكلية الإدارية ذاتيا، بدءا من تسمية حاكم الفيدرالية إلى تشكيل الحكومة الفيدرالية، فالمجالس البلدية في إطار المحافظة (الفيدرالية)، وانتهاءا بأصغر الوحدات الإدارية حسب الحاجة.
   هذا يعني، أن المحافظة (الفيدرالية) ستدار من قبل أبنائها حصرا، من دون الحاجة إلى الاستعانة بآخرين من خارجها، كما كان يفعل نظام الطاغية الذليل، عندما كان يعين، مثلا، شخصا من هيت، محافظا للبصرة، أو آخر من الدور، محافظا لكربلاء، وهكذا، وكأن كل محافظة، ليس فيها من الكفاءات والطاقات والخبرات، ما يؤهلها لإدارة نفسها بنفسها، ومعلوم جيدا، فان ابن المدينة، إذا ما عين محافظا لها (أو حاكما للفيدرالية)، سوف يتفهم مشاكلها وحاجاتها وتطلعات أهلها، أفضل بكثير من غيره، كما انه سيكون أحرص من الآخرين على النهوض بواقع محافظته، أو (فيدرا ليته).
   ثانيا؛ إن لكل فيدرالية حقوقا من مواردها الذاتية، وأخرى من الميزانية العامة، وفي حالة فيدرالية المحافظات، فان كل فيدرالية، بدلا من أن تأخذ حاجاتها من المحافظة المجاورة، ستأخذها من المركز، وبذلك نكون قد ساعدنا كل محافظة على حدة، للنهوض بمستواها، ليس على حساب أية محافظة مجاورة، وإنما من الميزانية العامة التي يتصرف بها المركز، كما أننا سنحول بذلك، دون تراكم المال العام في المركز، وإنما سنضمن توزيعه بشكل عادل على جميع الفيدراليات.
   ثالثا؛ كذلك، فبدلا من أن يحصل الإقليم المكون من ثلاث محافظات، مثلا، على حصة واحدة من المركز، فانه سيحصل على ثلاث حصص، إذا شكلت كل محافظة، فيدرالية لوحدها.
   رابعا؛ لقد أثبتت تجارب الأنظمة الإدارية الناجحة في العالم، أنه، كلما كانت الوحدة الإدارية أصغر، كلما أمكن إنجاز مشاريع التنمية، وعلى مختلف الأصعدة، بشكل أفضل، مثل مشاريع التعليم والصحة والضمان الاجتماعي وتنمية المهارات، وغيرها.
   كذلك، فان تفعيل قواعد الرقابة الشعبية والمحاسبة والمساءلة للمندوبين والنواب، ومتابعة حركة المال العام، والقضاء على الفساد الإداري والمالي، والجريمة المنظمة، وغير ذلك، في الوحدات الإدارية الصغيرة، أكثر فاعلية منها في الوحدات الإدارية الكبيرة، ولهذا السبب تسعى الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة الاميركية مثلا، إلى تقليص حجم مسؤوليات الوحدات الإدارية لتقتصرعلى نفسها فقط، من أجل تركيز جهدها، وعدم تشتيته، ما يساعد على التنمية بشكل أفضل.
   خامسا؛ إن هذا النوع من الفيدرالية، يساعد على أن تأخذ كل محافظة، خصوصياتها الذاتية بنظر الاعتبار، عند التخطيط لبرامج التنمية، وعلى مختلف الأصعدة، من دون الحاجة إلى الانصياع (عنوة) إلى خصوصيات المحافظات الأخرى.
   وكما نعرف، فان لكل محافظة في العراق، خصوصيات تتميز بها عن زميلاتها الأخريات، كالتنوع القومي والديني والمذهبي وطبيعة المناخ وعادات أهلها، وغير ذلك، فلماذا نجبر كل العراق على أن يتحمل كل الخصوصيات ؟ وما الفائدة من ذلك ، سوى المزيد من المشاكل ؟.
   سادسا؛ إن فيدرالية المحافظات، ستحل الكثير من المشاكل المستعصية التي ورثها العراقيون من النظام الشمولي الديكتاتوري البائد، كقضية كركوك، مثلا، وكذلك، الأزمة المزمنة (النائمة) بين الحزبين الكرديين الكبيرين اللذين يتقاسمان السلطة في المحافظات الشمالية، فان فيدرالية المحافظات، يمكن أن تكون مشروع حل لهذه الأزمة، في المستوى المنظور على الأقل، لحين تطبيع الأوضاع بشكل كامل بمرور الزمن، وعندها، بامكان هذه المحافظات أن تتحد لتشكل إقليما فيما بينها، متى ما أرادت ذلك.
   سابعا؛ في هذا الإطار، أقترح تقليص الحدود الجغرافية للعاصمة العراقية بغداد، التي ستعجز عن حل مشاكلها العويصة، والتي طالما ظلت أطرافها، الضحية الدائمة، محرومة ومسحوقة، بسبب التخمة التي يعيشها المركز.
   ويمكن تحقيق هذا التقليص، من خلال منح بعض الأطراف، كمدينتي الكاظمية المقدسة والصدر، حق إقامة الفيدرالية، أسوة ببقية المحافظات الاخرى، ليتمكن أهلها من
النهوض بواقعهم المزري، والذي تعمد الطاغية الذليل تكريسه لأسباب طائفية معروفة.     إن بغداد، عاصمة العراق الأبدية، ستكون أكثر قدرة على تحمل مسؤولياتها إزاء العراق، لو تقلصت جغرافيا، فالعبرة في العاصمة، ليس بحجمها الجغرافي، وإنما برياديتها وبقدرتها على أن تكون لكل العراق، بالتساوي، فالعاصمة الاميركية واشنطن، مثلا، لعلها من أصغر مدن الولايات المتحدة الاميركية من ناحية المساحة الجغرافية، إلا أنها من أكثرها، ربما، حيوية ونشاطا، ولذلك فهي لكل الولايات، وبالتساوي، بقدر ما هي لنفسها، أما أن تكون العاصمة ظالمة لأطرافها، عاجزة عن القيام بمسؤولياتها إزاءها، كيف يمكنها أن تكون لكل العراق، وبالتساوي ؟ .
   إن من مصلحة العراق وعاصمته، أن تكون بغداد صغيرة بمساحتها الجغرافية، كبيرة بدورها ووزنها، وهذا هو شأن جل عواصم العالم، حتى الكبيرة منها، تسعى الحكومات لتقليص مساحاتها الجغرافية، أو على الأقل تقسيمها إلى مناطق إدارية أصغر، مستقلة.   
   يبقى أن أناقش بعض الملاحظات التي ترد على نظرية (فيدرالية المحافظات)، والتي منها:
   من تقول أن محافظات العراق صغيرة المساحة الجغرافية والتعداد السكاني، فكيف يمكنها أن تؤسس فيدرالية لوحدها ؟ .
   وأجيب بالقول:
   أولا؛ أن أكثر من عشر ولايات اميركية، مثلا، كان تعداد سكانها اقل من أصغر محافظة من محافظات العراق، يوم أن تشكلت، ولازال عدد منها حتى الآن، لا يربو تعداد سكانها على النصف مليون، وعدد آخر منها لا يربو تعداد سكانها على المليون، مثل ولايات (ألاسكا)(ايداهو)(مين)(دلور)(مونتانا)(فيرمونت)(نورث داكوتا)(ساوث داكوتا)(ويومنك)، وغيرها.
   ثانيا؛ إن أصغر محافظة عراقية، هي أكبر من عشرات الدول في العالم كالبحرين وقطر ومدغشقر وجزر القمر وغيرها الكثير الكثير.
   ثالثا؛ إن النظام الإداري لا علاقة له بالمساحة الجغرافية أو عدد السكان، بقدر ما يتعلق أمره بالحاجة التي بمقدورها أن تنهض بالوحدة الإدارية.
   وبالمناسبة، ففي النموذج الاميركي، فان لولاية (دلور) التي لا يربو عدد سكانها على النصف مليون، عدد مساوي من الأعضاء في مجلس الشيوخ، مع ولاية كاليفورنيا التي يزيد عدد نسمتها على الثلاثين مليون، وهو(2) لكل ولاية، بغض النظر عن مساحتها أو عدد نسمتها.
   أما في مجلس النواب، فان التمثيل يختلف بين ولاية وأخرى، لأن الأمر يعتمد على النسبة، أي على عدد سكان كل ولاية، وبذلك ساوى النظام الفيدرالي بين الولايات، من جانب، وميزها من جانب آخر، وبهذه الطريقة لم يغبط النظام الفيدرالي الاميركي حق أية ولاية من الولايات الخمسين، واني أتمنى أن يطلع العراقيون على نماذج مختلفة من الأنظمة الفيدرالية، ومنها النموذج الاميركي، من دون التعصب ضد أو مع أي من النماذج، إذ تبقى للعراق خصوصيته في ذلك.
   ومن يقول بأن هذه الطريقة، هي أقرب ما تكون إلى مشروع التقسيم منها إلى صيانة وحدة العراق.
   وأجيب:
   على العكس، فان هذا المشروع هو الضمانة الحقيقية لصيانة وحدة العراق، أرضا وشعبا، إذ ليس من المعقول أن يقسم العراق إلى (18) دولة، بل انه أأمن على العراق حتى من فيدرالية الأقاليم، التي قد تبعث الريبة والشك عند البعض، في كونها مقدمة مشروع تقسيم العرق.
   إن نظام فيدرالية المحافظات، الذي سيقضي على المركزية التي ابتلي بها العراق، والذي سيضع حدا للعبة الانقلابات العسكرية (السرقات المسلحة) هو الذي سيحول دون تفكير العراقيين في تقسيم بلادهم، ومن دونه فان أي تكرار للمركزية أو لانقلاب عسكري، فانه سيكون، هذه المرة، وبكل تأكيد، المسمار الأخير في نعش الوحدة العراقية، لان الضحايا سوف لن يسكتوا هذه المرة، وهم يتفرجون على عودة نظام المقابر الجماعية، الذي ما كان ليرسخ جذوره في العراق، لولا النظام المركزي المطلق الذي كان قد سيطر على كل شئ.
   ومن يقول، بأن هذا النوع من النظام الإداري، يكرس المناطقية.
   وأقول:
   على العكس، فان فيدرالية الأقاليم هي التي تساعد على تكريس الطائفية والاثنية والمناطقية، عندما يرى مواطن محافظة ما، وقد تأمر عليه حاكما من محافظة أخرى، أما عندما يشعر مواطنو كل محافظة (فيدرالية) أنهم يديرون أنفسهم بأنفسهم، ويتمتعون بخيرات فيدراليتهم هنيئا مريا، من دون أن يقاسمهم بها الآخرون عنوة، إلا في إطار قانون تقاسم الثروة الذي سيحدده الدستور الجديد، فعندها سيبحث مواطنو كل فيدرالية
عن سبل التكامل مع الآخرين، وبكامل إرادتهم، ومن دون غصب أو إجبار.
   كما أن هذا النوع من الفيدرالية، يثير عند الناس قيمة التنافس المحمود، من أجل تنمية أفضل، وصدق الله العظيم الذي قال في محكم كتابه الكريم؛ (وفي ذلك، فليتنافس المتنافسون).
   ومن يقول، بأن بناء مثل هذا النظام السياسي الإداري، بحاجة إلى وقت طويل جدا، حتى يستوعبه العراقيون، ويكتمل بناءه ؟ .
   وأقول:
   أولا؛ يمكن الشروع بتشييد بناء النموذج، بالاعتماد على ما هو موجود حاليا، من لبنات إدارية، كمجالس المحافظات، وما أشبه، بعد توسيع صلاحياتها، ولذلك، فنحن لسنا بحاجة إلى أن نبدأ من الصفر، بل يمكن البدأ بما هو موجود، ثم تطويره شيئا فشيئا، باتجاه التكامل.
   ثانيا؛ أن يأخذ بناء نظام إداري ما، زمنا طويلا، تكون نتيجته الاستقرار والازدهار، خير من الاستعجال في بناء نظام إداري هش، ينهار عند أول اختبار.
   إننا لا نبني اليوم لأنفسنا فحسب، وإنما للأجيال القادمة، كذلك، فلماذا لا نفكر في أن ترث عنا نظاما سياسيا سليما وقويا ومستقرا ؟.
   لنتذكر دائما، بان عراقا جديدا قيد التأسيس، فالمرحلة التي يمر بها العراق اليوم، تشبه إلى حد كبير، تلك المرحلة التي مر بها مطلع القرن الماضي، فكما أن تلك المرحلة بنت الدولة العراقية الجديدة (بغض النظر عن سلبياتها) فان هذه المرحلة تعيد صياغة بناء العراق الجديد، فماذا نحن فاعلون ؟ .
   ولنتذكر كذلك، بان الإنجاز يجب أن يساوي الثمن الباهض الذي دفعه العراقيون من دمائهم وخيرات بلادهم، ليشعروا بأن التضحيات الكبيرة، أنتجت بالفعل إنجازا كبيرا، وان الظرف الذي يمر به العراق اليوم، وهو بمثابة الفرصة التي ستساعد على تصحيح تراكمات الماضي، قد لا تتكرر أبدا، ولذلك يلزم أن نستغل الفرصة، من أجل تشييد بناء استراتيجي، فـ (الفرصة غصة) كما في الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).

12 حزيران 2005
   

46
تحت قبة البرلمان

نــــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

   إذا تحولت طريقة تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة الحالية ، إلى قاعدة ، فعلى العراق السلام ، إذ سنكون ، وقتها ، أمام كارثة حقيقية.
   فهذه الطريقة التي اعتمدت الثالوث المشؤوم (المحاصصة والتوافق والفيتو) تؤسس لتفتيت النسيج الاجتماعي العراقي المنسجم ، منذ آلاف السنين ، وتزيد من قوة الانتماء العرقي والديني والطائفي ، على حساب الانتماء للوطن .
   نعم ، قد نقبلها كحل استثنائي لوضع استثنائي ، من أجل أن نتجاوز به مرحلة استثنائية ، أما أن تتحول إلى قانون وقاعدة ودستور وطريقة عمل ثابتة ونموذج يحتذى ، يبنى عليه المستقبل ، فهذا ما يلزم أن يرفضه كل مواطن عراقي ، حريص على العراق وشعبه .
   حتى كحالة استثنائية ، كان يمكن أن يتم الاعتماد على الفائزين بالانتخابات ، بالإضافة إلى من شارك فيها ، وان لم يفز ، لأن مجرد مشاركته فيها ، دليل على قبوله بقواعد اللعبة الديمقراطية ، كما يقولون .
   أما أن نتجاوزهم إلى من رفض الانتخابات ، سواء من أيتام النظام البائد ، أو الإرهابيين ، أو من يدعمونهم بالفتوى الطائفية والمال الحرام والإعلام المضلل ، وغير ذلك ، من أجل ترضيتهم على حساب الدم العراقي الطاهر الذي تحداهم أيما تحد ، لإنجاح العملية السياسية ، فهذا أمر غير مقبول بتاتا .
   إنها مكافأة خاطئة ، في الوقت الخطأ ، في المكان الخطأ ، لجهات خطأ ، نتمنى أن يضع الدستور العراقي الدائم المرتقب ، حدا لها ، ليطمئن العراقيون إلى أن عراقا جديدا قيد التأسيس والإنشاء ، لا يقوم على أساس المحاصصة ، بكل أنواعها .
   ليس بالضرورة أن يكون التوافق على حساب المبادئ والدم ، إذ كان يمكن تحقيقه تحت قبة البرلمان ، التي تحتوي على كل أطياف المجتمع العراقي .
   إن هذه الطريقة الخطيرة :
   أولا ؛ تعرقل تقدم العملية السياسية ، ولقد رأينا جميعا ، كيف ولدت الحكومة الحالية ، بسبب اعتماد هذه الطريقة ، بعملية قيصرية دامت ثلاثة أشهر ، كاد الجنين أن يموت في بطن أمه ، لولا الإسعافات الطارئة التي شملته في اللحظات الأخيرة .
   أما في كردستان العراق ، فلقد ظلت نفس الطريقة تعرقل التئام جمع أول برلمان منتخب بعد سقوط الصنم ، على مدة أربعة اشهر كاملة .
   ثانيا ؛ إنها تشل فاعلية صندوق الاقتراع ، بل قد تصيبه بالسكتة القلبية ، أو الدماغية ، لا فرق ، وتقضي عليه .
   إن جوهر الديمقراطية ، هو الإذعان لنتائج صندوق الاقتراع ، أما جوهر المحاصصة والتوافق والفيتو ، فهو ، تجاهل عدد الأصوات المشاركة في أية انتخابات ، وعدم الاكتراث بها ، ما يعني ، أنها تلغي صندوق الاقتراع ، ولا تعيره أية أهمية .
   كذلك ، فان جوهر الديمقراطية ، هو نظرية الأكثرية والأقلية ، أما المحاصصة وأخواتها ، فلا تعترف بهذه النظرية ، لأنها في الأساس تلغي صندوق الاقتراع الذي يحدد دون سواه ، هذه الأكثرية أو تلك الأقلية ، وهو الأمر المعمول به في كل النظم الديمقراطية المتحضرة في العالم .
   نعم ، نحن نرفض الأكثرية والأقلية ، المبنية على الأسس الطائفية أو العرقية أو الدينية ، ونتمنى أن نصل بالعراق إلى أكثرية وأقلية سياسية ، تبني أسسها على الهوية الوطنية  فقط ، ولكن هذا لا يبرر للمحاصصين حماسهم أبدا .
   والظريف في الأمر (أو قل ، المضحك المبكي) هو أن أشد المتحمسين للثالوث المشؤوم ، يتنكر له وينقلب عليه ، حال فوزه بأغلبية المقاعد في أية انتخابات عامة أو محلية ، كما هو الحال مثلا ، ما نراه الآن في كردستان العراق ، أو في أي مجلس بلدي آخر في العراق ، يكون الفائز فيه هو أحد المتحمسين للثالوث المشؤوم ، هذا يعني أن المحاصصين أنفسهم ، يرفضون الثالوث في قرارة أنفسهم ، إلا أنهم يتوسلون به ، ويلجأون إليه ، كلما فشلوا في حصد أغلبية المقاعد في هذه الانتخابات أو تلك ، فهم مصداق المثل العراقي المعروف الذي يقول (تريد أرنب ، خذ أرنب ، تريد غزال ، خذ أرنب) .
   على كل الفرقاء ، أن يتركوا المراهنة على هذا الثالوث المدمر ، ولابد لهم من تحدي الضغوط الدولية والإقليمية التي تمارس ضدهم ، والتي تشجع على ذلك ، فان من مصلحة العراق أن يتم اعتماد نتائج صندوق الاقتراع في العملية السياسية وما يترتب عليها ، مهما كانت ، سواء وافقت الرغبات الذاتية أم عارضتها ، لنحترم رأي الشعب ، ولا نستخف بعقول الناس ، ولنتعلم كيف نتحدث تحت قبة البرلمان ، بعيدا عن بيوت الرفاق والغرف المظلمة ووراء الأبواب المغلقة ، ولنتعلم مناقشة كل شأن عام من فوق الطاولة ، وليس من تحتها .
   إن الدول المتحضرة تحرص على مناقشة كل القضايا العامة ، تحت قبة البرلمان ، لأن ذلك ؛
   أولا ؛ يعلم الزعماء ، فن الحوار والنقاش بوضوح وصراحة وشفافية .
   إن البرلمان ، أكاديمية لتعليم فن الحوار والجدال بالتي هي أحسن ، بين الفرقاء .
   ثانيا ؛ يذكر الزعماء ، دائما ، بالرقيب الحي (الشعب) ، ما يجبرمتحدثهم  على  استحضار المصلحة العامة ، عندما يناقش أمرا من الأمور ، دون كل المصالح والاعتبارات الأخرى .
   ثالثا ؛ كما أنها مدرسة كبيرة للشعب ، الذي يتابع جلسات الزعماء على الهواء مباشرة ، فيشاركهم الحوار والنقاش وإبداء وجهات النظر ، كما أنه ، بهذه الطريقة ، يتعرف على زعمائه أكثر فأكثر ، فيكتشف المخلص منهم من الوصولي ، والكفوء عن غيره ، وصاحب الرأي والرؤية والنظرة العميقة للأمور ، عن السطحي خالي الوفاض من الفكر والرؤية ، والمتحمس لتحقيق حاجات الناس ، عن اللص الذي يتخذ من السلطة ، وسيلة للوصول إلى مآربه ، والى الثراء الفاحش من المال العام .
   كما أنه ، بذلك ، سيطلع على تفاصيل الخطط والبرامج التي ستعتمد كمشاريع عمل للنهوض بمستواه الحياتي ، وعلى مختلف الأصعدة ، وكيف تتبلور هذه الخطط وتناقش المشاريع .
   رابعا ؛ يرفع من مستوى الوعي السياسي العام ، لدى الشعب ، وهذا ما يساهم ، بشكل كبير ، في ترسيخ مقومات النظام السياسي الديمقراطي .
   ولهذا السبب ، على وجه التحديد ، تخشى الأنظمة الديكتاتورية الشمولية ، من تزايد الوعي السياسي لدى الناس ، لان العلاقة بين الاستبداد والوعي هي علاقة عكسية ، فكلما زاد الوعي السياسي لدى المواطن ، تقلصت حظوظ النظام الاستبدادي بالاستمرار ، والعكس هو الصحيح ، فكلما تقلصت دائرة الوعي السياسي لدى الشعب ، تمدد النظام الشمولي وتجذرت أقدامه في الأرض ، ولهذا السبب يحرص الديكتاتور على السيطرة على حركة المعلومة ، ويراقب حوارات الناس بعضهم مع البعض الآخر ، بل يعمد إلى مراقبة حتى حوار المواطن مع نفسه ، والتجسس على أحلامه في المنام ، خشية أن يتساءل عما لا يعنيه ، أو ليس من اختصاصه ، برأي النظام ، كالميزانية العامة للبلاد ، مثلا ، والتي ظلت سرية للغاية طوال حكم نظام الطاغية الذليل صدام حسين .
   خامسا ؛ وتحت قبة البرلمان ، نحقق مبدأ التداول السلمي للسلطة ، بعيدا عن لعبة الانقلابات العسكرية (السرقات المسلحة) ، فلن يدبر أمر بليل ، أبدا ، أما الثالوث المشؤوم ، فهو قاب قوسين أو أدنى من خيوط المؤامرة ، وهو يشبه ، إلى حد بعيد ، لعبة الانقلابات العسكرية ، ولكن بأقنعة جديدة ، وأدوات مختلفة ، وشعارات أكثر بريقا وجاذبية ، أما النتيجة ، فواحدة ، وهي ، في جوهرها ، سحق إرادة الشعب ، والتجاوز على صوت المواطن ، والاستهانة بخيارات الناس .
   إذن ، تحت قبة البرلمان ، تكمن إرادة الشعب ، ولذلك يجب أن ينبثق منها كل شئ وينتهي إليها الأمر، لأنها مصدر الشرعية ، ومأوى الرقابة والمساءلة والمحاسبة .
   يلزم أن يرتفع الجميع إلى مستوى الوعي بأهمية ما تحت قبة البرلمان ، ليتعاون الجميع من أجل بناء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي راسخ ، لا يتزعزع ، أو تهوي به الريح في واد سحيق .
   ومن أجل الوصول بالوعي العراقي إلى هذا المستوى من النضج ، أعتقد جازما ، بأن النصوص لا تكفي أبدا ، بل يجب أن تصدق النوايا التي في الصدور ، فالزعيم الذي لا يؤمن برأي الشعب ، ولا يعتقد بصندوق الاقتراع ، لا تنفع معه النصوص والاتفاقات والأيمان المغلظة ، مهما كثرت وتعددت وتشبعت ، وتكررت تواقيعه عليها .
   مرة ، نقل لي صديق ، قصته التالية مع شرطي المرور : 
   يقول صديقي ؛ 
   ذات مرة ، كنت أقود سيارتي مستعجلا في حالة طارئة ، فمررت بإشارة المرور الحمراء ، فتجاوزتها ، من دون أن أعير لها أي اهتمام ، فلحق بي شرطي المرور وأوقفني ، ليحاسبني على ذلك ، فبينما هو يحاول أن يعظني بسبب الخطأ المروري الذي ارتكبته ، وما يترتب عليه من مخاطر جمة محتملة ، ممسكا بالقلم ليسجل لي الغرامة المالية المترتبة على المخالفة ، بادرته بالقول ؛
   أرجوك ، سيدي شرطي المرور ، سجل لي مخالفة إضافية على تجاوز الإشارة الضوئية التالية كذلك ، لتريح بالي وتستريح نفسك ، إذ ليس في نيتي التوقف عندها  كذلك .
   صعق الشرطي من جرأتي وأسقط في يده ، متسائلا ، ولماذا ؟ وهو يظن بأنني أتحداه بوقاحة.
   أجبته بالقول ؛ لأنه ليس في نيتي الالتزام بقانون المرور والإشارات الضوئية ، لغاية الوصول إلى غايتي .
   وهكذا هو حال من ليس في نيته الالتزام بقواعد لعبة الديمقراطية ، فإذا لم يصدق النية ، ويقرر  في دواخله وأعماق نفسه ، الاعتراف بها والتوقف عندها ، فلا تنفع معه كل العهود والمواثيق والاتفاقات المبرمة ، حتى إذا وقع عليها بالحبر الأحمر القاني ، إذ ليس في نيته ، والحال هذه ، الالتزام بعلامات الديمقراطية وإشاراتها الضوئية ، وعلى رأسها ، احترام رأي الشعب وإرادته التي ترسمها صناديق الاقتراع .
   النوايا ، إذن ، وليس النصوص ، هي التي ترسم معالم النظام السياسي الديمقراطي الجديد في العراق .
   لقد كثرت الاتفاقات والبنود والمعاهدات بين العديد من الفرقاء واللوائح ، وفي كل خطوة سياسية جديدة ، تتكرر النصوص ، ويتجدد التوقيع بحبر جديد، وكأن كل فريق متربص بالآخر ، خائف منه ، في قلبه منه ريبة ، وكل ذلك بسبب عدم صفاء النوايا التي إن لم تحسن وتتغير فان احتمال تحقيق النجاحات يبقى ضعيفا دائما ، وهذا ما نراقبه الآن على الساحة السياسية في كردستان التي عادت إليها (أو كادت) أجواء التوتر بين الحزبين الكبيرين المتحالفين (استراتيجيا) ، إلى العلن مرة أخرى ، ما يذكرنا بظروف عقد التسعينيات التي شهدت ، بسبب ذلك ، اقتتالا داخليا مريرا ، كان المنتصر فيه ، خاسرا جملة وتفصيلا .     
   إن عدم اكتراث الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية ، ومنها النظام البائد في العراق ، بجوهر القيم الديمقراطية ، وعلى رأسها ، قيم الحرية والمساواة والمشاركة والشراكة الحقيقية وحقوق الإنسان والحريات الشخصية ، وتاليا ، هروبها من تحت قبة البرلمان التي تحولت ، في ظلها ، إلى اصطبل كبير، أو زريبة ضخمة ، يجمع بين جدرانه الأربعة ، كل إمعة ناعقة ، صماء بكماء عمياء لا تصغ إلا للزعيم الأوحد ، ولا تتكلم إلا بما يرضيه ، ولا ترى إلا ما يقربها إليه زلفى ، إن ذلك ، هو الذي أنتج كل هذا التخلف المرعب الذي تعيشه الشعوب العربية والإسلامية ، وهو السبب الحقيقي الكامن وراء الهزائم المتتالية التي شهدتها الأجيال المتعاقبة ، الواحد تلو الآخر ، بدءا من ما بات يعرف بهزيمة حزيران (عام 1963) والتي تصادف ذكراها هذه الأيام ، ومرورا بآخر هزيمة تسببت بها هذا النوع من الأنظمة ، وأقصد بها هزيمة النظام السياسي العربي القومي العنصري السني الطائفي ، المتمثل بنظام الطاغية الأرعن الذي كان قد سلم البلاد والعباد إلى المحتل الأجنبي ، من دون عناء أو مقاومة تذكر ، ليختفي في جحر، ويستخرج من بالوعة ، وهو البطل القومي العروبي الاستثنائي الأوحد.
   إن التجاوز على ما تحتضنه قبة البرلمان ، من إرادة شعبية انتخبت ممثليها عبر صندوق الاقتراع ، وبأية حجة أو دليل ، ستجر البلاد إلى نفس النهايات التي انتهت إليها بلداننا ، وعلى مدى نصف قرن أو أكثر ، ولذات السبب ، ولذلك ينبغي لزعماء العراق الجدد ، سواء أكانوا في السلطة أو خارجها ، أن يتعلموا من تجربة الأنظمة سيئة الصيت ، من أجل حاضر أفضل ومستقبل أأمن .
   نتمنى أن لا يرد في مسودة الدستور الدائم ، الذي كلفت لجنة خاصة بتدوينه ، أي نص أو كلمة ، بل ، ولا حرف واحد ، يشم منه رائحة الثالوث المشؤوم ، حتى لا نؤسس العراق الجديد على قاعدة خطأ ، لا تغفرها لنا الأجيال القادمة ، وليتذكر الجميع ، بأنهم يدونون ويصوتون للمستقبل ، وليس للحاضر فقط ، ولذلك ، يجب الأخذ بنظر الاعتبار مصالح الأجيال القادمة ، وعدم الانشغال بالبحث عن حلول للمشاكل الآنية فقط ، مهما تعقدت .

4 حزيران 2005
   

صفحات: [1]