عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - سمير القس يونان

صفحات: [1]
1
المنبر الحر / الشيخ والدجاجة
« في: 19:07 12/12/2017  »
الشيخ والدجاجة 
                     

بقلم..........سمير القس يونان      في     12 كانون الاول  2017
ونحن نستعد لاستقبال العام الجديد ويسوع النور لا استطيع ان اكون سعيدا لتعاسة العراق وتأوهاته العميقة..كنت سأكون اكثر سعادة لو كان الجميع في بيوتهم في هذه الايام الباردة لا في المخيمات..كانت سعادتي ستكون اعمق لو رجعت الاسر والعائلات جميعا تنصب شجرة الميلاد كما كانت وتحتفل مع جيرانهم المختلفين في الدين..كانت الغبطة ستعترينني اكثر لو كانت الأسر المتبعثرة هنا وهناك تقاسي الامرين تدشن عيدها وتسمع قداسها في كنائسها وبيوتها وبالقرب من مثوى اجدادها..كنت سأكون اعمق حبورا لو كان بلدي مستقلا وعلمه حرا ونشيده صادحا وأهله احرارا وأبراجه فنارا ليستدل بها من فقد السبيل..لقد جاء الفاسدون بملابس الحملان الوديعة ليقتنصوا لحظات الحبور من حياة العراقيين..لقد جاء دجالون وسحرة باسم الدين ليقصموا ظهر العراق ويسرقوا صبحه الجميل ويفطموا طفله الوليد..تعالوا معي لنقرا هذه القصة من تراثنا الجميل والتي تداولها الكثيرون والتي تنم عن واقعنا المعيب::هناك وفي قرية نائية والجهل كبلها لتصبح اسيرة شيخ جامع ، كان هذا الشيخ قد بسط نفوذه وبقوة الى درجة وهو جالس في مجمع يحضره اغلب رجال القرية وفجأة يقول:قوموا لقد جاء النبي فيقوموا ثم وبعد لحظات يقول اجلسوا لقد ذهب النبي لأنهم يؤمنون بان ما يراه لا يرونه هم..وهكذا النبي قال والنبي امر الى درجة يتدخل بشؤون الاسر الداخلية والعلاقات الزوجية والزواج..كان هناك شابا متعلما مثقفا يعي تماما ان الشيخ كذاب ويستغل سذاجة وبساطة اهل القرية وقد طفح به الكيل وضاق ذرعه لتصرفاته المشينة وقرر اختبار الشيخ الدجال،في احد الايام قال للشيخ:شيخنا المبجل انت معزوم عندي يوم غد لنتناول طعام الغداء معا،في اليوم التالي امر الشاب المتعلم زوجته ان تشوي دجاجتين وبرغل لان الشيخ سيكون غداءه عندهم وفعلت ما امرها به..عندما حان وقت الغداء بلغ الشاب زوجته بان تخفي دجاجة الشيخ تحت البرغل اما دجاجته فتبقيها ظاهرة فوقه..طرق الشيخ باب بيت الشاب وفتح الشاب للشيخ ورحب بضيفه الكريم المبجل المؤمن الصادق ودعاه للدخول معلنا ان البركة حلت ببته بدخوله اياه..بعد استراحة بسيطة اتت الزوجة بالطعام ووضعته اماميهما ودعا الشاب الشيخ ليتفضل بالأكل ،بدا الشاب بالأكل لكن الشيخ امتعظ وجهه وابدى سخطه لعدم وجود الدجاج فوق برغله وقال للشاب::كم هي زوجتك قليلة الاحترام وسيئة الخلق،كيف لها وأنا ضيفك ان تقدم اكلي بدون دجاج اما برغلك فمككل بالدجاج؟؟؟وهنا انبرى الشاب متعجبا من الشيخ واخذ ملعقة الشيخ وتقرب من إناءه وأزال قليلا من البرغل لتظهر دجاجة كاملة مدفونة تحت البرغل،انزعج الشيخ من هذا التصرف وقال للشاب لماذا فعلت ذلك؟؟ضحك الشاب ملأ شدقيه وبتهكم جلي واخذ يسخر ويستهزئ بالشيخ قائلا له::كيف بك ان ترى النبي والله داخلا خارجا وتعرف ما تفعله الناس في سرها وتدرك خفاياهم بينما الدجاجة التي لا تبعد عنك شبرا لم ترها؟؟؟كم انت دجالا كاذبا مرائيا تضحك على ذقون هؤلاء البسطاء المغضوب على امرهم،طرده وفضحه في القرية ومن بعدها اضحى شخصا منبوذا مكروها لا يهتم به احدا..اتمنى ان تكون نهاية الطغمة الفاسدة الحاكمة في العراق والمتسلطة على رقاب الابرياء مثل نهاية شيخنا والتي لم تترك اية عبرة إلا واستبيحت وحرية إلا وصودرت....................     

2
صقلي الجاندرمة وشمو القس يونان
                                                                                                   
بقلم .....سمير القس يونان
 في  2 آب  2017
إذا الشعب يوما أراد الحياة  فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر..بهذه المفاهيم الرائعة نبدأ قصتنا ونقول إذا كان الشاعر العظيم أبو القاسم ألشابي قد سطر هذه الكلمات في زمن غابر وإذا كانت كوكبة الشرق أم كلثوم قد صدحت حنجرتها بهذه التعابير وألهبت شعور وعنفوان الإبطال في سيناء وكفر دسوار في أكثر من منازلة قبل خمسة عقود فهذا لا يعني أن الإرادة والتصميم والنضال والإصرار والتحدي والصمود والحقوق والحريات لم يعد لها حيز من تفكير الشعوب الرازحة تحت نير العبودية والعولمة والقطب الواحد والرأسمالية والفقر والجهل ومصادرة الوجود والتطهير العرقي والتعصب الطائفي والقومي...إن التاريخ ميراث الشعوب ومنه تُسْتَمَدْ الخطوط العريضة لشخصية شعب أو ملة أو امة أو مجموعة بشرية ومن سلته العميقة تستنبط الدروس والعبر لتكون سيوفا مشرعة فقدت غمدها لتبتر شأفة الحاضر إذا كان مريرا ومجحفا..لذلك الاستنجاد بالماضي رغم بؤسه وألمه وطاعونه يمنحنا عونا وطاقة وشكيمة وسراجا وقنديلا لا ينطفئ..
وكما هو واضح للمتطلع والمضطلع أن الولوج في طيات التاريخ وأكوامه حتى لو كان قريبا وعلى مرمى حجر محفوفا بمخاطر واتهامات لان الأهواء والمزاجات هي التي تفسر هذا التاريخ وتأوله لصالحها في اغلب الأحيان..لذلك نتلمس السجالات والجدالات قد أخذت منحا مخجلا ومقززا تصبح للحقيقة خلالها منظرا ضبابيا مسرطنا...ورغم السبحة والمحبس والقوس والنشاب والسيف والترس والقيل والقال سندخل اليم الصاخب متلمسين قاعه بأقدامنا الحافية علنا نعثر على ماسة أو ياقوتة أو زمرد وحتى لو كان وزنها بأجزاء القيراط لنجعل منه قرطا يزين أذن حبيبة آثرت القنوط والانزواء في كهف يسكنه الخفاش والعفريت هربا من الصعاليك!!!فهلمي أيتها الحبيبة ومن خلال قرطكي ووشمكي نروي لحاضرنا المهلهل وبكأسه المترعة قصة حصلت قبل أكثر من مائة عام لرجل أبى الخنوع لجبروت صعلوك قدم من أدنة ليدب الرعب والخوف كنف كل أسرة من مجتمعنا الكادح الفقير في القوش قبل الحرب العالمية الاولى...(تزوج المرحوم شمو القس يونان سنة 1875 وله من البنين بتي 1879 ويونس 1881 وهرمز 1888 وجردو 1896 والبنات راحي وكتي)..كان شمو طويل القامة عريض المنكبين قوي الجسم جميل الطلعة تبدو عليه سيماء النبل والكبرياء وصادف أن يأتي الجاندرمة صقلي العثماني مسئولا على القوش  وبلوغ أولاده سن التسويق إلى العسكر وكان ذلك في العقد الأول من القرن العشرين...كانت حملات التسويق لرفد الجيش العثماني لا تنتهي وتجري على قدم وساق وكان لصقلي أياد كثيرة من داخل القوش كما هي الحال يومنا هذا وبأشكال مقززة وهم الذين يوشون بالشباب ونعرف بعض الاسماء لا نذكرها احتراما لأجيالهم اللاحقة..عملوا أدلاء أذلاء يقودون صقلي وجاندرمته إلى حيث المساكين الفقراء والابرياء الذين لا حول لهم ولا قوة غير الله ليلقي القبض عليهم ثم إرسالهم إلى الهند أو ادنة أو بغداد أو معسكر السحاجي وكثيرين منهم راحوا وبقوا سنين طوال وعادوا مثل المرحوم ساوا ككنا حيث سيق إلى الهند ومكث فيها خمسة أعوام وهناك من لم يعد..كان للمرحوم شمو صديق من قرية نمركي التي يسكنها عرب والتي تقع عند قدم جبل دهكان القريبة من بندوايا وكان صقلي لا يجرؤ أن يجند أحدا منها.بعد مداولات مستفيضة بين افراد اسرة شمو ومشورة العم متي(ككا)المعروف بحنكته ودرايته استغرقت عدة أيام رسوا على فكرة مفادها مفاتحة الصديق العربي في إيواء الإخوان بتي ويونس وهرمز أما الأخ الرابع جردو فكان صغيرا لا يشمله التجنيد...كان شمو قد شد الرحال ووصل إلى قرية نمركي وقصد صديقه  أبو محمد  ..رحب به كثيرا وبعد استراحة بسيطة فاتحه بالأمر الذي جاء من اجله رحب الصديق العربي بالفكرة وأبدى استعداده وموافقته لكن لا يمكن أن يتم ذلك إلا بعد موافقة القرية ومختارها...وعند المساء وبعد عودة جميع أهالي القرية تم بحث موضوع الضيف شمو فيما بينهم وخرجوا بالقرار التالي::لا مانع لديهم شرط أن يساعدوهم في كل أعمالهم والتي تشمل الزراعة والحصاد وما يتبعهما من عمل وفي السطو والسرقة والرعي وكل شيء




يطلبونه منهم ثم جاء الصديق العربي وقال لشمو ما اتفق أهل القرية عليه..وافق شمو على مضض وشكره كثيرا وقضى ليلته صافي البال قرير العين بسبب حل مشكلة أبناءه...ولم يصدق شمو متى ينبلج الصباح ليرجع إلى القوش ويبث الخبر السعيد لأولاده المهددون بالتسويق لخدمة العثمانيين..فجرا خرج خلسة من القرية التي تقع إلى الغرب من دهكان(داكن)وصل الى دهكان الصغيرة فالكبيرة ثم بندوايا وصولا إلى القوش وكانت عائلته بانتظاره...كانوا متلهفين لمجيئه مثلما تتلهف أفراخ الصقر مجيء صقرهم وما يحمل في حوصلته من صيد وغذاء..وصل شمو وفرحوا كثيرا بقدومه وبعد استراحة قصيرة ذهب عند أخوه متي وأفشى له سره والأحداث التي رافقت سفرته ونصحه المرحوم متي أن يكون كل شيء بسرية تامة خوفا من أولاد الحرام الذين يعملون كوشاة وجواسيس لصقلي...فقط للعلم أن عشيرة قس يونان كانت تسكن محلة سينا وكانت دورهم ومساكنهم متلاصقة الواحدة بالأخرى حالها حال اغلب البيوتات والعشائر ولا زالت تلك الشخوص والأطلال قائمة ليومنا هذا..بعد لقاءه مع أخيه متي عاد إلى أسرته واتفقوا على كل شيء وحكي لهم ما جرى له في قرية (نمركي) وأعلنوا ثلاثتهم موافقتهم واستعدادهم للسكن هناك مع زوجاتهم هروبا من سطوة ودسائس أزلام صقلي المزروعين في كل مكان برؤؤسهم المشرئبة فوق كل دار منتهكين الحرمة ولا زالوا...وخلال أيام اخذوا عوائلهم خفية دون أن يعلم بأمرهم أحدا وتوجهوا نحو نمركي ونزلوا عند صديق والدهم ورحب بهم كثيرا وما هي إلا عدة أيام وبعدها كانت أكواخهم البسيطة قد اكتملت وسكنوا فيها فرحين سعداء بعيدين عن صقلي وزبانيته وغيروا زيهم ولبسوا الزى العربي ولا أريد الإطالة وتفاصيل الحياة في نمركي لأنها ليست مدار بحثنا هذا ولنعد إلى القوش...بدأت عيون اللصوص تراقب دار شمو وتسال أين أبنائه وسرت الأخبار بسرعة سريان النار في الهشيم وهناك من ينتظر مثل هذه الحالات لإيصالها إلى الغريب المتسلط مقابل بعض الروبيات ولا زال البعض مثل أسلافهم يريدون أن يبيعوا القوش بطبطبة واحدة على الظهر وبكرسي بثلاثة أرجل يترنح ويتأرجح...تسابق العذال في إيصال الخبر إلى السقلي بعشرين روبية وبسبب هذا الوشاية انتابت صقلي  نشوة عارمة وقرر الانتقام واستعد لمداهمة دار شمو الذي كان قريبا من مقره(ملكي درباني)القريب من دائرة البريد القديمة..أمر بإحضار قوة لترافقه لمداهمة قلعة شمو  وسور حيرة الذي عجز ساسان الفارسي من اختراقه وإنها تتطلب جنود متمرسين لهم خبرة في حرب الشوارع والمدن...كان الحكم العثماني قد ضرب بأطنابه البلد حتى النخاع وبمباركة المنتفعين والمصلحيين المقيتين وكانت بلدتنا وغيرها من البلدات ترزح تحت نير ظلمه وحقده وتعصبه الأعمى..نعود إلى صقلي وقوته الذي تسلل خفية ليداهم بيت شمو وينتهك حرمته دون أن يردعه أحدا..دخل ساحة البيت وكان شمو في الدار وعلى حين غرة زمجر الصقلي ذو اللسان الذليق السليط واستشاط غضبا مثل كلب خطفت منه عظمته..اخذ يتفرس بوجه شمو المليح المتورد كأنه جريال الخمر دون أن تثبط كلمات الاستهجان والاستخفاف من عزيمته وكبريائه وكان ما أبداه شمو من رباطة جاش وضبط نفس عاليتين ومن الأنفة والكبرياء ما أغاض واستفز وأنغص الجاندرمة العثماني..أردف صقلي وكان وجهه مكفهرا وأوداجه منتفخة وهو يرتجف مثل ريشة في مهب الريح مستفسرا شمو عن أبناءه لكن لم يسمع جوابا ولم يعره شيئا من الاحترام وكأنه أبا الغول في جموده.. وثب كالنمر ونظر إليه بازدراء واحتقار وأخيرا قال شمو ما لك ولي إن أبنائي كبار وبالغين ومتزوجين وهم أحرار في قرارهم ولا سلطة لي عليهم وأقول لك أن شفقة الأغنياء والحكام أقسى من برودهم وإنهم كبدي يستحقون ما أكابده من اجلهم ثم لم يلبث سقلي أن كتم غيضه وتكلف الابتسام ثم قال في ترفع وغطرسة وبصوت مضطرب ومتهدج :: عفارم شمو عفارم..سأريك اليوم من أنا ومن أنت ويجب أن تعلم أن الكلب طالما كان وفيا نطعمه قدر ما يشاء ولكن عندما يصبح مسعورا نقتله وأمر بإلقاء القبض عليه وصفدوه في الحال واقتيد شمو إلى مقر صقلي وفكر التافه بأسلوب يقتص وينتقص منه ليكون عبرة للآخرين وبعد يوم قام بالاتي::في صباح اليوم التالي..اخرج شمو من السجن ليُلَطَخ وجهه  بأسود الأواني (سقمانا) ثم وبدلا من أن يسير بجواده خببا مرفوع الراس مطي على أتان يائسا وبصورة عكسية ثم اقتيد إلى أزقة البلدة جابرا الأهالي عنوة على الخروج وإطلاق الصيحات والتصفيق بالاياد استهزاءً بهذا الرجل..كانت السياط التي ألهبت ظهره لا تعرف السكون وكان يكظم جراحه بهدوء وهكذا نفذ ما أراد وكان شمو يذرف دموعا سخية حينا ويطق القهقهات حينا آخر وهو ممتطيا تلك الأتان اللعينة محدقا بتلك الجموع مقيدي الأطراف وملجومي الأفواه والمغلوب على أمرها ومن يدري ربما غدا دورها...وبعد هذه الحفلة (خشيوي ودلا خشاوا)أطلق سراحه ورجع إلى بيته خائبا ومنتصرا في الوقت نفسه وانقطع عن الأكل والشرب وبدا يتفوه بجمل غير مفهومة وكان طلبه الوحيد أن لا يأتي بنيه خوفا من الانتقام منهم وانقسمت الناس على عادتها فقسم من جاء مواسيا مؤازرا مقهورا معلنا استعداده للمساعدة والقسم الآخر الذي امتنع عن الزيارة وقائلا كالجبناء لماذا لم يقبل حاله مثل حالنا كما وليس أولاده أحسن من أولادنا فكما سيقت أولادنا كالخراف فلماذا لم تساق أولاده وسنعود لنعلق قليلا على الصنف الثاني في نهاية المقال...وبعد ثلاثة أيام غير محسوبة لعمر شمو فارق الحياة مضيفا إلى بطولته طيفا ولونا ومعنا ومغزا وفحوا وعمقا آخر لان موته كان بسبب ما جرى له من اهانة بمنظور صقلي ومن على شاكلته..هذا حال من



يرفض العبودية والخنوع والعمل لصالح الأجنبي والغريب..أخيرا اقتنع بالحكمة(عندما تصبح الحياة عارا يضحى الموت واجبا) وعندها اسلم الروح مواجها ربه وبيده صفحة ساطعة تقوض سبات وخلو من في الدهاليز والشقوق...وصل خبر اهانة شمو إلى بنيه(بتي ويونس وهرمز)وقرروا في الحال المجئ إلى القوش بسرية تامة متنكرين بثيابهم العربية ليتفقدوا حال أبوهم وليعطوا من ضعفهم قوة وعزيمة له وعندما وصلوا إلى تله قريبة مشرفة على الدار (مار يوسف)لاحظوا دخول النساء وخروجهن من البيت..توقعوا أن مكروها حصل لوالدهم وانتظروا قليلا إلا أن خيم السكون والهدوء والظلام المحلة ثم تسللوا إلى حيث الدار...أجهشوا بالبكاء حينما عرفوا أن أبوهم مات وكان حنقهم أعمق عندما علموا أن موته كان بسببهم وانتابتهم الحيرة تجاه ذلك وليس بيدهم حيلة ثم جاء أعمامهم ليواسوهم بمكروههم وحاولوا كثيرا أن لا ينتشر خبر وجودهم..وقبل أن ينبلج النهار وقبل أن ترسل الشمس بخيوطها الذهبية شعروا بوجود حركة غير طبيعية في الجوار واستيقظ الجميع واستعدوا لأي طارئ وعندما توضحت الرؤية لاحظوا وجود الجاندرمة ومعهم المختار..أكيد لم يأتوا لتقديم التعازي بل أتوا ليلقوا القبض على الإخوة الثلاثة وكان يونس شجاعا جدا بشهادة الكثيرين ممن يشهد بالحق وكان بحوزته بندقية بروكلي التي تطلق بواسطة الحشو وإشعال الخيط ..بحركة جريئة وسريعة من المرحوم يونس أطلق رصاصة بينهم فتفرق الجندرمة شذر مذر ومن مثلهم واستغل الإخوة الثلاثة تبعثر الأعداء  وما هي إلا خطوات قليلة حيث تواروا عن الأنظار تاركين أفراد سقلي في حيرة وريبة...نعم لم تمض ليلة واحدة يقضونها في كنف عشيرتهم وفي ظهرانيهم ورغم ثيابهم العربية وولوجهم دارهم في وقت متأخر وقرب دارهم من الجبل إلا أن الطابور الخامس والمندس والذليل والبخيل دائم الاستعداد للخسة والدناءة والإيقاع بالشريف الأبي الذي يأبى التسلق بإقدام الغير وعلى حساب الغير وهم كرملة جرعاء لا تنبت شيئا وان انبتت فسوف تنبت شوكا وعوسجا وأسلا وان سمحت هذه الجرعاء لطير أن يفرخ ويعشش فيها فلا تسمح لغير العقبان والغربان...نعود للقسم الثاني من هؤلاء الذين يركعوا من الصفعة الأولى منهمرين في البكاء وزوجاتهم فوق رؤوسهم يمسحون دموعهم ويربتن على ظهورهم مانحين إياهم الشجاعة فأي نوع من الرجال هم هؤلاء!!قيثارتنا تحتاج إلى راب الصدع وشد الأوتار وإصلاح التالف منها وإضافة التقنيات الحديثة لنخرج بها كتحفة وانتيكة ونجعلها بيد ماهر يلعب بأوتارها صادحا مولولا مخترقا السكون المخيم على أزقتنا واوهادنا وضمائرنا التي أضحت مطبعة نقود ليس إلا...لا يمكن أن تكون القوش على ما هي عليه لولا أناس صناديد وأباة صادقت الوحوش والكواسر هائمة في ألقفاري والبراري رافضة القفص والذل كطير الحباري واضعة دمها على اكفها وما خبت جذوتهم أبدا عندما كان الأمر يتعلق ببيادرهم وقطعانهم وكانوا كصندل طيب العطر ولبلاب يستفيء في ظله من أظناه الوهن في يوم قائظ ...في زمن شمو كانت تحصل مذابح وإبادات ومن لم يسمع ما حصل سنة 1915 في ديار بكر وسعرد وماردين وتوكات ويوزكات والرها والجزيرة ووو وخلالها أبيدت شعوب أصيلة عن بكرة أبيها ومن قتل الفيلسوف مار اوجين ومن قتل مار ايثالاها وكان العالم حينها قابع في ظلمة قاتلة أحدا لا يسمع بانتكاسة الآخر أما الآن فلا ويجب أن لا نكون مثل دون كيخوته عندما حارب طواحين الهواء كعملية يائسة فقط ليقول أنني اعمل............






                            Samer_alkass1@yahoo.com               

3
المنبر الحر / القوش تنتحب
« في: 22:04 24/07/2017  »
القوش تنتحب
بقلم.......سمير القس يونان
كما كنا وهكذا سنكون..لا يهدا لنا بال ولا تروق لنا سكينة الا اعادة الامور الى نصابها السابق..لقد جردتم حقنا يجرة قلم متناسين غير آبهين بمشاعرنا وما يترتب عن ذلك من خدش والم..اما وعودكم التي غمرتنا غبطة وحبورا فحدث ولا حرج ولا داعي لنذكركم بها فهي تملأ الصحف وأرشيفات المحطات الفضائية..اننا ننتحب من اجلك يا القوش يا مدينة السلام يا ايقونة النار واليمام..نستذكر جزءً من سفرك الطافح بالحب والتسامح لربما يجعلنا نستفيق من نشوة الفلوس والجذام..تعالوا معي لنقرأ بتمعن::في العقد الرابع من القرن الماضي كان العم المرحوم عيسى تلا يسكن قرية بندوايا المتكونة من عدد من البيوت وكان له قطيع غنم يربيه ويعيش من عائداته المتمثلة بصوفه ولبنه ولحمه وجبنه..في تلك الفترة وفيما قبلها كان قطاع الطرق والسراق ينتشرون هنا وهناك يبحثون عن لقمة سائغة كعادتهم...كان للعم عيسى غريم ند في القوش هو المرحوم كوريال شبو حصل فيما سبق سوء فهم بينهما لا اعرف سببه لكنه أدى إلى قطيعة تامة بين الاثنين وطال ذلك سنين كثيرة إلى أن كسا الشيب مفرتيهما...وفي يوم من أيام الشتاء حدثت بلبلة وضجيج في الأزقة ومن واحد إلى الآخر تبين أن غنم العم عيسى قد نهب ونتيجة لذلك هرع الشباب وغير الشباب بما يملكونه من سلاح بدائي بسيط لنجدة العم عيسى...كانت مجاميع الشباب تسابق الريح متجهة صوب بندواية علهم يعيدوا الغنم المنهوب بسلام وليعيدوا البسمة والفرحة باعادة غنمه ...كانت القوش معروفة بنخوتها واستجابتها للنجدة قديما ولا زالت واعتقد هذه الميزة هي التي حافظت على نسيجنا المعروف...كان العم عيسى وبعمره المديد واقفا عند (كرمة بنا)
غربي القوش يستقبل الجموع ويودعها مشيرا بيده الجهة التي قصدها اللصوص وهكذا استمرت الجموع بالتدفق وبيدها ما تملكه مستعجلة من أمرها لعلهم يلحقوا بالقطيع ويعيدوه إلى اصحابه بعد أن يكسروا شوكة المعتدين...وبينما كان العم عيسى ينظر بعيدا بنظره الذي اخباه الزمن وقعت عيناه على رجل كهل يتكأ جاكونيته وقادم نحوه بخطوات متثاقلة ورويدا رويدا اقترب منه إلى وصل عنده وعندما عرف العم عيسى أن الشيخ هو كوريال شبو أمتعظ وجهه واكفهر وقال بصوت ملئه تهديد وتهدج وتوبيخ::ماذا تريد مني؟ما لك ومشكلتي؟من دعاك لنجدتي؟اذهب من هنا إنني أكرهك ولا أريد رؤيتك بتاتا ولو كنت اعرف انك ستأتي مع هؤلاء أصحاب الغيرة لكنت تركت الغنم للسراق أفضل من رؤيتك!!!تعجب العم كوريال من لهجة العم عيسى لكنه امتص نقمته وعصبيته حيث لم ينبس ببنت شفة وقال له::إننا الآن في ورطة غنمك واترك موضوع الخلاف بيننا جانبا ولنفكر ونعمل جميعا كيف نعيد غنمك وبعدئذ لنعود أعداء كما تشاء..رغم العمر وآلامه وشقائه وجراحه المثخنة لكنه لم يمنع دموع العم عيسى من الذرف والانهمار وتحاضنا وتحابا وتوجها معا إلى حيث اللصوص توجهوا وعندما رأى الشباب والمستنجدين ذلك أضحوا برقا ورعدا وهمة وعزما وأخذت الأرض تزلزل تحت



أقدامهم وبصولة خاطفة وسريعة أعيد الغنم كاملا ولاذ اللصوص بالفرار واحتفل الجميع بمناسبتين::أولها عودة الوئام والسلام بين الشيخين وثانيها أعادة القطيع بالى اصحابه..لنعيد القوش الى سابق عهدها ومن هو راقد في لحده ينتخي اولاده واحفاده الذي نسوا الربقة المعصومة في اصابعهم((((((الربقة ذلك الخيط الذي تشده جداتنا باصابعهن ايام زمان ليتذكروا شيئا))))))).......
                                                                                                                                                                       

4
المنبر الحر / بربارة وحظية
« في: 19:32 10/02/2017  »
بربارة وحظية
                           
بقلم سمير القس يونان
 بيروت في 9  شباط  2017
  لا شك ان الحياة في العراق زاخرة بالغرائب والعجائب فعنده لا مستحيل وما ليس في الحسبان يكون في البيان..مفارقات ومنابزات نتعثر بها كاننا نتعثر في صخرة صغيرة مئات المرات كل يوم لما للعراق من مناخ مؤاتي لكي سيء وقذر ولا اثر لاية مسحة من الشعاع والامل والسلام..قصتنا تجسد الواقع الذي فرض على وطننا الذي تقاذفته امواج الكراهية والثيوقراطية والتوتاليتارية والطائفية..مجتمعنا ورغم الرياح العاتية لا زال محتفظا ببعض مما ورثه من اجداده في التعايش السلمي وحبه للتركيب الموزائيكي الذي اشتهر به عراقنا العزيز..الصورتين قائمتين في طرحنا هذا ولنلج الى اليم تارة نرتوي من ماءه المالح الذي لا يٌروى منه واخرى نركبه ليقلنا الى البر الامين..قبل ايام زرت مع عزيز لي الاخت الضريرة(عمياء)بربارة يوسف اسرائيل ذات ال68 سنة من منطقة ديري وكوماني القريبة من قضاء العمادية في شقتها في منطقة الفنار في لبنان...بربارة هذه ولدت من بطن امها ضريرة وعاشت ضريرة واغلب حياتها قضتها في كنف اخيها الذي سكن بغداد منطقة الدورة...توفى اخوها قبل عدة سنوات وتعهدت زوجته المسنة والمفعمة بالامراض بحمايتها والعيش معها..اضحت زوجة اخاها عاجزة في ادارة حياتيهما بل ادارة نفسها فقررت زوجة الاخ ترك بغداد والرجوع الى ديري وكوماني حيث لديها اهل واقارب لتقضي بقية ايام حياتها في كنفهم..كانت بربارة مشكلة في مشروع زوجة الاخ في ترك بغداد،ناقشا الامر مع بعضيهما علهما يتوصلا الى حل يرضيهما..اتفقتا ان يفاتحا جيرانهما المسلم الشيعي الطيب حسين وزوجته حظية وبناتهم اللذين تربطهما   بهم علاقة لها من الوشائج والمتانة ما يثير الجل والعجب..في احد ايام من شهر تشرين الثاني من سنة 2014 فاتحتا العائلة المسلمة الطيبة الفقيرة والمظلومة كونها عائلة شيعية تعيش في منطقة الدورة السنية..حسين رب الاسرة مريض(شلل نصفي)ولديه ثلاثة بنات احداهن لديها تلف في خلايا الدماغ والذي ادى الى اصابتها بالصرع والعائلة بمجملها تعيش حالة عوز وفقر مدقع..لم يكن مقترح بربارة واختها مفاجئا ولا ثقيلا على حسين وعائلته فوافقوا في الحال دون أن يفكروا بالامر مليا وقالوا:لتكن واحد منا فحينما نجوع تجوع وحينما نموت تموت هي قائلين لاخت بربارة:اذهبي وسنكون اهلها وسنكون عند حسن ظن خالقنا وظنكم..سافرت الاخت الى الشمال وانقطعت اخبارها اما بربارة فجاءت الى بيت حسين ورتبوا البيت وجعلوا لها سرير مناسب وهيئوا لها كل مستلزمات حياة انسان ضرير..عانت الاسرة الامرين،عانت المرض وشحة الدخل المادي وعانت التردي الامني والقتل على الهوية والاثنية المقيتة التي احتلت ضمير ووعي الناس..استمر الحال على هذا المنوال حياتهم ملئها هم وغم ووبال الى ان جاء بداية شهر حزيران من 2016 عندما قامت احدى العصابات التكفيرية وهي كثيرة تسيطر على الساحة لا تمت بالانسانية شيء بتهديد الاسرة علنا ودون خجل بوجوب وفرض طرد المراة النصرانية الضريرة وبعكسه ستختطف بناتهم وقتلهم..للضريرة اخ مقيم في كندا،اتصلت بربارة به موضحة له ما جرى لها من تهديد بالطرد والموت والموقف المشرف والشريف لعائلة حسين حيث الخطر محدق بهم بسببها..اقترح الاخ المقيم في كندا ضرورة مغادرتهم لبغداد بل العراق كله في الحال وهو سيساعدهم بكل ما اؤتي له من قدرة،غمرتهم السعادة عندما سمعوا كلام الاخ وقاموا بالاستعداد لذلك وكانت الخطوة الاولى مغادرة بربارة بغداد مع(علا)احدى البنات الثلاث متوجهتان الى اربيل للتخلص   


من سطوة الكلاب اولا وثانيا لاستصدار جوازات سفر لهما..في بغداد بقية الاسرة عملت جاهدة وبمساعدة بعض المتنفذين استطاعوا الحصول على ارواق السفر وهموا بتصفية وبيع ما يملكون واضعين قرشا فوق قرش ليقيهم عوز وبرودة وجفاء الهجرة والتناثر في الاصقاع..خلال اسبوع كانوا مستعدين للسفر ومغادرة العراق دون رجعة ليتخلصوا من وطنيتهم التي اضحت عبئا ثقيلا في زمان التكفير والتعصب والتقهقر الوطني والانساني والفكري..غادر حسين وحظية والبنتين الى اربيل ليلتقوا ب(بربارة)وعلا ومن هناك حجزوا ليطيروا الى بيروت ويحطوا في مطار رفيق الحريري في 25/6/2016..استطاعوا العثور على شقة تاويهم ومن الطبيعي لكل مهاجر ان يلاقي صعوبات عديدة وجسيمة في الايام الاولى لكن وبمرور الايام تُذَلْ الصعاب..اثناء ذلك اتصلوا باخ بربارة في كندا لكن لا جواب في الطرف الثاني من المحيط،تكررت المحاولات دون فائدة..تسلل الياس والخوف الى الاسرة المنكوبة والمجتمع القاسي لا يدرك مشاعرهم النائحة حسرة والمرمدة في موقد حزن خبت ناره..ها هي النخلة تذوي والشمس تلفحها والنسغ في ري الارض يكف عن امدادها بما يروي الغصون والاوراق..هذا حسين يسحب رجله اليمنى خلفه بسبب شلله وبربارة تتعثر باثاث الشقة لانها ضريرة والبنت تنتحب وتتاوه وتصرخ وتتلوى لانها مصابة بالصرع والجيوب خاوية وحظية تنظر بعين الحيرة والريبة ماذا تفعل بهؤلاء ولا حول لها ولا قوة..لوحات انسانية رسمت بفرشاة قاسية ودهون سوداء لا يرى منها الا البقع التي لم تصلها الاصباغ..ان هناك في الاعلى من لا يحسون لا يستشعرون ما يعانيه الذين في الادنى وان طبقية حياتنا وافتراقنا بين سيد وعبد واسود وابيض ستظل تحول دون قيام الاسرة والمجتمع المنشود..ونقول:الشمس في هاجرة الجحيم لا تخترق السحب لكنها وبطريقة ما ترسل شواظها الى قلوب اقتلعت من محاجرها عنوة واصبحت تعيش في غير قفص..قمنا بزيارتهم وكان لقاء احرق ذؤابات الحقل وشذب اضافرا ناتئة مسننة اوجدت لتنهش بالاجساد واعادتنا الى نقطة غير موجودة في دائرة الحياة عندما ساد صمت رهيب كما في محكمة تلفظ حكما بالاعدام..التقينا بانفس لا تعرف ماذا تريد لانها فقدت موقع القمر والشمس فكيف تستدل موقع الميزان والثريا..وبزيارتنا لهم انداحت مع المفاجاة امائر للراحة في قسماتهم كمن لقي فرجا بعد ضيق شديد وراينا في عيونهم حزنا عميقا يحيل الوانها الى احمر اما البياض فقد تزجج..ساعدناهم بكل طاقتنا وعملنا لهم استمارات المجلس الرعوي واخرى بتوفير الادوية المتيسرة..ودعناهم على امل زيارتهم مرة اخرى ومحاولة ايجاد منافذ اخرى تساعدهم وتمسح جزءً من دموعهم التي  يبست في المحاجر لتصبح حصاة بلورية كاوية تسد مجرى الدمع..انها حالة من حالات افرزتها الطائفية المقيتة المرذولة البائسة في مجتمعنا في الوقت نفسه لا زال نبض المحبة والتآلف والتجانس القديم باقيا ولو عند قلة قليلة فقصتنا تجمع الاثنين معا..لقد نسى الظلاميون ان النور قد يرتجف لكنه لا ينطفئ وان الليل يعقبه نهار.........     


5
           
ماسير حسنة...ينبوع لا ينضب
   

بقلم..سمير القس يونان
لبنان.......زغرتا..........في  1  كانون الثاني  2017
 
اننا نقول ان انسايتنا وبفقدانها قيمها ومعانيها تعيش حالة اجهاض،خلقت هذه الارض وحليفها الانسان ليكوِّنا بتحالفهما فردوسا قد يضاهي فردوس السماء اذا كان هذا العهد مبنيا على احترام متبادل وفيه لا الانسان يتجاوز حدوده ولا الارض تبخل في عطائها.

حياتنا وان رغبنا ان تكون كما نريد في تمنياتنا وكتاباتنا وتعليقاتنا علينا مراجعة الذات من قمة راسها الى اخمس قدمها حيث في كل مفصل وفي كل افق في اجسادنا وضمائرنا خلل ساطع وجلي لكننا نابى رؤيته والاعتراف به..حياتنا محطات..هناك من ياتي ليستريح ثم يغادر سريعا دون ان يترك اثرا ويُنْسى بعد هنيهة وعلى عكس من ذلك هناك من ياتي ليبقى في راسخا وراسما وناحتا اثارا كثيرة تكون دروسا مفعمة بالفحوى والمعني ومنهلا سخيا مدرارا يرتوي من شرب ماءه وسراجا وقادا موضوع على العلية يبيد الظلام لمن تاه وفقد الطريق..راهبتنا حسنة من الرهبنة الانطونية في زغرتا اتت لتبقى بعناد واصرار مترجمة معنى الانسان الحقيقي..اتت لتجعل من مجيئها مراجعة لكل من زاغ عن الطريق ونسى ما عليه القيام به..

مثل ((حسنة))يجب ان يتكرر ويكثر لاعادة هيبة الحياة الثمينة وقدسيتها المنتهكة ومكانتها المرذولة..تستطيع كغيرها الابتعاد والخمول والقنوط مكملة واجباتنا الدينية كالصوم والصلاة والحشمة والاعتكاف رافعة ساعديها ووجهها الى السماء محملقة بحسن الخالق وهندسته..اهذا يكفي؟؟هل الرب بحاجة الى الصلاة والصوم والمديح والتبجيل؟؟ماذا ينتظر منا الله؟؟انه لا ينتظر منا ان نحفظ الانجيل واعمال الرسل والايات وسير القديسين..ببساطة يريد منا ان نتجرد من انسانيتنا الجوفاء المملة الشاحبة المحبة لذاتها..يريدنا ان نذهب الى مواطن الالم والجروح النازفة الى الداخل..يريدنا ان نقي غيرنا من النار والالسنة اللاهبة..يريدنا ان نشارك بؤس غيرنا وبوشاحنا المخملي نمسح تلك الدموع الذارفة من عيون بريئة..يريدنا ان نشارك بثوبنا المتهرئ عريانا متقرحا..لا يريدنا ان نبقى نردد ما قاله المسيح من ايات ونذكر معجزاته وصولاته وجولاته دون ان نتعظ منها دروسا تشفي سقمنا وسئمنا وتحثنا الى المتاوهين والمتالمين..في جغرافية الماسير انمحت الحدود وازالت ما صنعه الانسان من فوارق فبين لبنان والعراق لا اختلاف الا بالاسماء..تمردت على قنوطها ومارونيتها ولبنانيتها ورأت في غبن وحزن ولجوء العراقيين ذاتها الحقيقية التي يجب ان تكون منغمسة بدموع الحائرين والمبعدين.

تبددت جميع المسميات الاثنية والطائفية والقومية في قاموسها وفهرسه لا يحتوي الا على اسماء بشر طردوا من دورهم واستبيحت احلامهم وسرقت اسمائهم وأوراق ثبوتيتهم لتمنحهم من ضعفها ووهنها قوة وباس يستطيعون بهما اكمال مشوار حياتهم الصعب..ابت لقائي معها وقالت ما افعله لزرع البسمة ومسح الدمعة وبث النغمة وتوفير اللقمة ليس لاتسلق سلم الشهرة واحاطتي بهالة من نور بل لاثبت لربي وخالقي انني احاول الايفاء بعهدي له حيث ما استمده وما املكه من عزيمة وشكيمة واصرار هي منه وملكه..لديها سجل بكل العوائل العراقية الساكنة في قضاء زغرتا التابع لمحافظة طرابلس الشمالية وكل ما يتعلق بها من حالتهم وحاجتهم ومرضاهم واطفالهم ومدارسهم ومحال سكناهم وعددهم واعمارهم..الراهبات الانطونيات وبالتعاون مع منظمة مالطا لديها برامج عديدة تساهم في اظفاء روح الفرح والبهجة على النفوس المتعبة من خلال الزيارات والسفرات والرياضات الروحية والاعتناء بالاطفال والتلاميذ وتوفير الملابس والقرطاسية والنقل المجاني والترفيه والترويح..لا تالو جهدا الا وسخرته في خدمة واسعاد اللاجئين فهي تطرق ابواب الاغنياء وميسوري الحال تطلب منهم ما يمنكهم اعطاءه اكان ذلك مبالغ نقدية او هدايا عينية..تضع قرشا فوق قرش لتجمعه ثم تسخر تلك الاموال في شراء ما يحتاجه الاطفال من الثياب والقرطاسية والحقائب والنقل والسفرات..اما للاسر فتوفر قدر استطاعتها ما تحتاجه من الاجهزة الكهربائية والاسرة والاغطية والفرش والمساهمة في تكاليف العلاج الصحي الباهض الثمن وتوفير فرص العمل للشباب والاتصال بهم وعمل كروب على الواتس اب للاتصال المباشر مع العراقيين والاتصال بارباب العمل والسلطات في إذلال المشاكل وحلها فيما لو حدثت...انها تتلقى المكالمات والرسائل الالكترونية  برحابة صدر وافق واسع لا تنزعج وتتذمر ابدا وتلك البسمة البريئة المؤثرة الرائعة قلما تفارقها رغما عن الالامها وتاوهاتها لما تراه عينها من تدهور وضمور في ايمان الانسان ورسالته المجتمعية..زرتها في مكتبها وكانت ورشة عمل متكاملة فيها من السجلات والبرامج والمجلدات الكثير وقد صنفت الاسر والمحتاجين الى اصناف عديدة وهي قريبة ومتطلعة لكل ما يحيط بهذه 122 عائلة..انا اعتقد ان لها طاقة كامنة اكثر من الحركية وهي تسخرها كل لحظة في تذليل الصعاب واذابة صقيع الايام القاسي الذي تبلور وتصلد لعنجهية الانسان وغروره الاجوف لتاتي هذه الراهبة الحنونة محاولةً بجسدها النحيل ان تدفع بهذه الجبال الصماء دون هوادة وتراجع وياس وخوف..انها نجمة في السماء ضياءها والقها مميز ويلاحظ من بعيد ولا حاجة للتلسكوبات والمراقب لرؤيتها وتحديد موقعها..

نجمة قد تكون اصغر النجوم لكنها صامدة لا افول لها ترنو من العمر ردحا وعتيا حتى وان كان نهارا لكنها تبقى لا تغيب لتستريح تنادي الجميع ليشتركوا بالحب وبوليمة الرب مع البعض..قد يتكرر بزوغ نجم هنا وهناك لكن ذلك لا يستمر فهناك من يتخذه دليلا في لياليه المدلهمة ويقطع شوطا من مسيرته والاخر يجهل موقع النجم ويبقى يراوح في محله عائشا في ليله المظلم..لنستفد من هيام هذه الراهبة الروحي ونسخر جزءً من وقتنا في خدمة الغير ونقتصد من مصروفنا اليومي ونجعله لقمة في فاه فقير يتوق لقطعة لحم ولا يستطع الحصول عليها..هنا علينا ان لا ننسى ابدا ان الدنيا تدور وتدور ومن الطبيعي نحن الاغنياء ان ياتي اليوم الذي سنصبح فيه فقراء فان لم نشف غليل احد ونترحم بحال الاخر الان فلا احد سيشفي غليلنا ويعطف علينا في المستقبل القريب... 

6
المنبر الحر / الغرباء
« في: 18:32 26/10/2016  »
الغرباء 
                             
بقلم سمير القس يونان................لبنان في 21   ايلول   2016
اختلف علماء الاجتماع عما تعنية كلمة الغرباء وما هو تعريفها ومدلولاتها،قسم حددها بالحدود الجغرافية تلك الحدود التي اوجدت ورسمت في 1916 عبر اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وانكلترا،فمن كان خارج تلك الحدود التي نشا وعاش بها فهو غريب،اخرون ذهبوا الى ابعد من ذلك وقالوا(غريب في وطنه)واتوا بامثلة عديدة ومنها الهنود الحمر في امريكا الشمالية والسكان الاصليين الزنوج في استراليا وغيرها..بمرور الزمن تم استثناء هؤلاء من هذه الطائلة لانهما وفي بلديهما لهما من الامتيازات والتفضيل الكثير مقارنة بالباقي من الشعب احتراما لكونهم السكان الاصليين..هل حصل لنا نحن الاراميين من احترام وتمييز في بلدنا كما حصل لاولئك في امريكا واستراليا والغجر في اوروبا عموما؟؟طبعا لا والف لا واذا كنا سنحترم ونميز فمن يقوم بذلك؟؟؟نحتاج الى انسان ومجتمع مثقف وواعي ومنفتح ويرى الجميع كما يرى نفسه وبكلتا عينيه..نحتاج الى حكومة يكون معيارها في المواطنة الحقة هو الاخلاص والتضحية واحترام القانون والذود عن حياض الوطن لا كما نراه الان من جهل وتخلف حيث تبنوا معايير مخجلة ومعيبة فحطوا الدين والطائفة والقومية والعشيرة اساس للمواطنة المزيفة..بالاستناد على هذه المقومات التي افتقر اليها ساكون ضعيفا وغريبا ومشلولا ومهمشا ومهشما في وطني الذي احببته وعشقته وصنت كرامته وحفظته في الاحداق ولم اساوم على قصم ظهره وخلب خزينته وبيع اسمه..نعم انا غريبا في وطني حالي حال بقية المكونات الصغيرة التي اضناها الاضطهاد والتمييز والارهاب واغتصاب تاريخهم ومحو مثاوى اجدادهم وغنم ممتلكاتهم واخيرا تركهم للعراق مشتتين في دول الجوار متحملين الذل والعوز وتهميش المنظمات الانسانية لهم..ما رايناه قبل ايام من تصرف مشين مخجل لا ينم الا على الحقد والجهل والكبرياء الاجوف من قبل سفير العراق في الهيئة الدولية عندما امتنع عن مصافحة ومباركة نادية مراد التي عينت سفيرة العراق للنوايا الحسنة  لدى الامم لانها من اهل الذمة بينما وكما شاهدتم السيد بان كي مون اضافة الى ممثلين لدول كبار هنئوها وباركوها وصافحوها،ليلى مراد بنت العراق الحقيقية المسالمة ضحية التعصب والتيه في اقبية ودهاليز الظلم والظلام والطائفية المقيتة التي ضربت باطنابها البلد حتى النخاع..اليس حقي ان امشي تحت المطر لكي لا يرى احد دموعي..جعلونا نسير بخطوات مثقلة بالغلال والسلاسل مقصومي الظهر..لنسال كل الشرائع السماوية منذ موسى والوضعية منها منذ ازمنة الامارات ايسن ولارسا واورنمو هل حصل تطهير عرقي في عهودهم كما حصل في العراق والعالم قرية صغيرة..لقد خربوا كنائسنا ومزاراتنا واديرتنا وباتت قاعا بلقعا يعشعش في ثناياها واطلالها البوم والحوم والغربان..كانت حقولنا تبهر الرائي بحلتها الخضراء وذؤاباتها القاتمة والان تحولت الى غابات من الادغال الضارة كعصا الراعي والمرير والعليق والخباز والاقاحي والعوسج والسذاب وغيرها..وهنا وفي هذا المستنقع الاسن لا خلاص الا بشحذ الهمم ووحدة الخطاب اكان روحيا او اثنيا في واقع مرير من الانقسامات والتنابزات والتراشقات رغم علمهم الاكيد انه الرمق الاخير..وفي صفحات التاريخ الطبيعي والبشري امثلة ودروس ممكن الاستفادة منها..يقال.. في خلال العصر الجليدي ماتت حيوانات كثيرة وانقرضت بسبب البرد وموجات الصقيع واضحت الارض ليلا مدلهما..قررت قوارض الشياهم (دعلج)(سيخور)ان تتجمع لتتبادل الدفء والحماية للتغلب على البرد غير ان اشواك الواحد منها ظلت تغرز في رفاقه معه فتفرقت غير متحملة وخزات الاشواك ومات الكثير منها مما اضطرها لاعادة النظر في حالها فهي لا محال ستموت وتنقرض اذا استمرت في تعنتها وتفرقتها..وعندها كان لا بد ان تتخذ القرار المصيري والحكيم لتلافي موتها وانقراضها بان عليها ان تحتشد وتتكور على بعضها للاستفادة من حرارة بعضها متناسية وخزات الاشواك وتقرحاتها وهكذا تعايشت وتحملت واستطاعت التغلب على البرد واستمرت لنراها ايامنا هذه...الا يمكن ان نتعظ من الشيهم ذلك الحيوان البليد..ام لا......




7
جورج ابونا...جهبذ من بلدتي 
             

                                 
بقلم...سمير القس يونان .....................في  19  ت1  2016                 
                           
حياتنا على هذه الارض وقتية وقد تمر بسرعة بحيث اذا سالت احدهم والذي بلغ من العمر عتيا:ماذا تتذكر من السنين الطوال التي عشتها سيكون جوابه حتما لا اتذكر غير هذه اللحظة..وطالما وجودنا هنا وعلى هذه الارض التي نحن ضيوف ثقيلي الظل عليها آني وحياتنا فانية لا محال يطرا السؤال التالي وبالحاح على بالنا:ماذا علينا ان نترك من بصمات واثار جميلة ولامعة لكي تكون خير معين حينما تدنو ساعة الاحتضار والاجل المحتوم واتقبل الموت الذي هو نتيجة جدلية للحياة كمرحلة لا بد منها..نعم الملايين عاشوا بين جنبات هذه المعمورة دون ان يستاثروا على ثنية من ثناياها ولا على طية من طياتها ولا على شعبة من شعابها ومروا هنا وهناك مرور الكرام دون ان يتركوا اثرا تتذكره الاجيال اللاحقة..هؤلاء ستندثر ذكراهم اندثار اجسادهم،وهناك من اتى ليرسم خطوط وطلاسم سوداء قاتمة في خريطة حياته وخرائط الاخرين ليكون ملعونا وفي ذكراه لا يتاسف احدا بل يتمنوا لو لم يُخْلَقْ..لكن هناك شخوص اتت لتبقى ناحتة اسمها في قلوب الكثيرين وعلى صخور ناتئة عند مفترقات الطرق لتكون نقاط دالة تشير الى الطريق القويم وفنارات شامخة راسخة في عرض اليم الديجور ترشد المتخبطين والمحرجين في خضم الامراج العاتية الى الشاطئ الامين..وفي معرض مقالنا هذا نقول::اراد احد الكتاب المغرورين اغاظة الكاتب المسرحي الشهير برنادتشو عندما قال له:انا افضل منك،لانك تكتب باحثا عن المال اما انا فاكتب باحثا عن الشرف،حينها جاوب برنادتشو وقال في الحال:لقد صدقت فكل واحد منا يبحث عما ينقصه..كثيرون من يبحثون عن المال بشتى الطرق متناسين ان للحياة معاني اسمى واقدس واخرون يحبذون ويفضلون الفضيلة وما لها من تعب وسهر وجهد..استطعنا التقصي عن بعض جوانب هذا الجراح الفريد من خلال الاتصال بابن عمه وصديقه العم جبرائيل ابونا ومما كتبه بعض الزملاء عنه..كان البروفيسور جورج قد ولد في القوش سنة 1933 ثم التحق بمدرسة مار ميخا وكان اول ما درس فيها الحروف الكلدانية ولم ينتهل من هذه المدرسة سوى ثلاث سنوات انتقل بعدها الى بغداد مع اهله وهناك  كان الميدان ليتبارى ويتسابق ويمزج الليل بالنهار ومنح القلم مدادا يطرز افكاره وما تلقنه بابداع لينهي دراسته الاعدادية بتفوق منقطع النظير ليس فقط على مستوى بغداد بل شمل العراق كله..منحته الحكومة العراقية زمالة دراسية الى المملكة المتحدة لدراسة الهندسة الميكانيكية في الوقت الذي كانت رغبته الطب وذلك في عام 1950..وهناك وفي جامعة درام ابدع واستثمر كل دقيقة من اقامته في التقصي والتعمق والمثابرة لتكون النتيجة النجاح الساحق وبدرجات اذهلت اساتذته والتي اهلته لدراسة الماجستير على نفقة الجامعة..كانت الحكومة العراقية قد قطعت النفقات الدراسية عنه لعدم عودته الى العراق بعد انهائه البكالوريوس،اكمل الماجستير بتفوق لكن نداء الطب كان قد اضناه ولا بد من تحقيقه مهما كانت العقبات فاعتبره عشه ولا بد من صقر يسهر ايحمي هذا العش وكان هو بذاته مؤهل لحماية ذلك العش..قابل رئيس جامعة درام ليحصل على التمويل يؤهله دراسة الطب وكان ذلك مثار اعجاب وتهليل رئيس الجامعة من ميول هذا المثابر لانه قضى ست سنوات في الهندسة والان جاء ليبدا من جديد في اختصاص مغاير تماما،فكيف ذلك؟؟لم يوافق رئيس الجامعة لغاية في نفس يعقوب ولعدم قناعته..كان العراقي الالقوشي جورج ابونا مصرا ان يكون المشرط وصالة العمليات كل حياته وخلالهما يرى نفسه ويحقق حلمه الوردي ولذلك قرر تحمل كل اصناف الحياة والنوم في الشارع اذا اقتضى الامر،لم يكن لديه لا سبدا ولا ليبدا ليبيعهما ليدفع اقساط الجامعة لذلك عمل بجد وتفاني واصرار وتقدم بطلب للدراسة في كلية الطب/جامعة درام وعلى نفقته وقٌبِلَ طلبه لسمعته الطيبه وذكاءه المعروف لدى هيئة الجامعة..كان يعمل ليلا ويداوم نهارا مزيلا الفرق بين ظلمة الليل وسطوع النهار لجعله كله نهارا الى ان انتهت السنتين الاوليتين لتمنحه الجامعة التمويل لبقية سنين الدراسة..استمر في الطب ليتخرج منها عام 1961 ليتخصص بالجراحة العامة،واضب بعمله وكان ولهان ومتيم دائم التفكير محب للاكتشاف وسبر اغور النفس والجسد البشري رغم حداثته في الجراحة والبحث المستمر عن مطامير الطب وتلك العقبات التي لا زالت خطوط حمراء لم يتمكن الطب من اجتيازها بل التقرب منها طالما بيده المشرط الحاد ليستطيع به الوصول الى ابعد واعمق نقطة من جسم الانسان..بما انه درس الهندسة الميكانيكية وتفوق بها سخر تلك الطاقات ودمجها بالجراحة لتكون النتيجة وبعد محاولات وتحدي للعقبات اختراع جهاز يستطيع القيام بوظيفة الكبد لفترة معينة لحين العثور على كبد حقيقي وكان هذا الابداع نقطة انطلاق حقيقية له وبه ذاع صيته وعرفه امهر جراحي العالم ..كان لهذا الاكتشاف الاثر البالغ والعميق في مسيرته الطبية لينطلق الى افاقها الرحبة بهمة عالية لا تلان وعلى اثر ذلك دعاه البروفسور (توماس ستارزي)المبدع والاول في زراعة الكبد في العالم في ولاية جيورجيا الامريكية للعمل في مستشفاه وبعد اكثر من سنتين استدعي للعمل مع الجراح العالمي(ديفيد هيوم)الذي كان يعد الاول في زراعة الكلى ومعه استطاع زراعة كلية ولاول مرة في حياته وكان بنظره انجازا رائعا لا يقل عن اختراعه لجهازه الذي سماه(ابونا)وبعدها ذاع صيته وبدات المستشفيات المرموقة بالتهافت للتعاقد معه واضحى من الجراحين المعروفين والمشهورين وكان يجري ادق العمليات واصعبها..ما ميزه عن اقرانه انسانيته الكبيرة والفائقة فكان يتالم قبل المريض واغلب الاحيان ينام معهم ليكون قريبا منهم لمتابعة حالتهم وكان يساعدهم ماديا وكثيرين من طلبوا منه اعفاهم عن تسديد فواتيرهم وكان يقبل وبرحابة صدر وهذا ما جعل اسمه يشق العباب والحجاب ويطرق الباب والجلباب..لا مجال لسرد انجازاته العلمية والاوسمة التي نالها والشخصيات العلمية والسياسية والدينية التي قابلها وصافحوه بحرارة المنتصرين والمثابرين وعلى صدرة انواط الظفر الغير ظاهرة ومنهم جيمي كارتر والبابا يوحنا بولص الثاني وامير الكويت وغيرهم كثيرين..في عام 1978 وبدعوة من امير الكويت فتح قسم للجراحة وزراعة الاعضاء واسس جمعية الشرق الاوسط لزراعة الاعضاء في الكويت واصبح رئيسا لها وكان من المقربين للامير وعائلته لاجادته اللغة العربية وبقي فيها 12 سنة وخلالها ايضا كان يلقي محاضرات قيمة في اغلب الدول العربية..وعندما دخل العراق الكويت سنة 1991 كان في اجازة لزيارة عائلته في بنسلفانيا حيث اقامته الدائمية ومنها ترك الكويت واستقر عند عائلته وكان السفر والعمل والمحاضرات والمؤتمرات قد اضنته وابعدته عن عائلته..كان يحب العراق والعراقيين ولم ينس العراق وبلدته التي انجبته القوش لحظة واحدة وكانت اغلب علاجاته وعملياته للعراقيين مجانا لكن العراق رفضه ولم يقدم دعوة واحدة له كحال العشرات من الدول والجامعات والمنظمات والهيئات الطبية وكان سابقا قد قرر عدم العودة الى العراق عندما قطع عنه التمويل في المملكة المتحدة عندما انهى دراسته في الهندسة الميكانيكية..لم يكن لديه أي ميول قومية او طائفية او دينية لان عشقه لعلمه ولطبه علمه كيف يعشق ويحب الانسان ايما انسان حيث كان الالم والحيرة والخوف من المرض يوحده معهم وهو يراهم واحدا،فايما انسانية هذه؟؟اذا رغبنا الغور في هذا اليم فسنتيه لكثرة شعابه المرجانية واخاديدة وارصفته فكان انسانا محملا بقيم ومفاهيم ما تجعله انسانا حقيقيا حيث قبل ان يغور مشرطه في جسم المريض الذي يكون مخدرا يتالم بقدر الم المريض وقبله..اننا نسمع جعجعة ونرى طحنا وفيرا من هذه الرحى،لقد تفصد جبينه عرقا وكم دغدغ الجوع بطنه عندما عمل في المطعم ليوفر قسط الكلية..لقد نفح في الرميم ليجسد من الثرى فنارات ومنارات ستبقى شاخصة شخوص الجبال وسمتها..اين فيدياس النحات ليترك منيرفا ولينحت جهبذنا واين الشاعرين هوميراس وهوراسيوس ليتركوا الالياذه وليمتدحوا عزيزنا جورج..انه لوحة متكاملة يتوقها القاصي والداني بلا وكس ولا شطط،كنت ينبوعا مدرارا عذب القوام مهما شربنا منه لا نرتوي..ستبقى معنا دائما وابدا...
 

8
    هزيمة الحياة في 6/8/2014                               

بقلم سمير القس يونان

لقد قيئت الحياة في السادس من اب لتضحى جثة هامدة لا همس لها ولا نبض..في هذا اليوم انطفأت شعلة الحب الاولى التي كانت مضطرمة الاوار..هنا كتمت البسمة وخنقت لتصبح ذبابة تئز حول فم فاغر لشيخ مسن عجوز ..في قصبتي الامنة وعند التاسعة مساءً من تلك الليلة ألمشئومة قرعت الاجراس على غير عادتها لا لتدعو الناس الى الصلاة وللقداس بل لامر ارهب الجميع..دعتهم لترك اجدادهم واسلافهم راقدين في لحودهم وقبورهم والرحيل صوب حدب مجهول..في تلك الساعة اخذت الام بخناق ولدها(زيقه) وانشات تهزه عنيفا باكية مولولة صارخة مؤنبة بوجوب المغادرة والهرب حيث اقترب الوحوش ودنا من عفتها وكانت مشاهد سنجار ماثلة امام عينيها وفجاة استشعر ابنها انتفاخا في اوداجه ونزعة الى البكاء وحيرة في القرار..دب القلق والصخب والخوف ارجاء المعمورة..هناك مسن لا يابى الهرب وصوته المرتعد يشبه نسيم صادر بين انابيب الخيزران المصدوعة حيث افترت شفتاه عن ابتسامة غامضة قائلا::كيف لكم ان تتركوا القوش التي تعرضت لابشع الوان واصناف الغدر والخيانة سابقا لكن اهلها بمذاريهم وفؤوسهم وعصيهم وشكيمتهم واسلحتهم البدائية بقوا فيها رغم بطش وكبرياء وعنجهية الاعداء؟؟لا يا بني اتركني وشاني وساقف عند قارعة الطريق مناديا باعلى صوتي قائلا::القوش بخير عودوا فانها اقوى من ان تطا اقدام الكلاب فيها وهي محمية بقديسيها وابطالها وشخوصها..لا تذهبوا فانكم ستكونون مثل هرة تعيش في بيت رجل غني تتغذى بالفتات الملقى اليها وربما تداس باقدام خدمه..لا تذهبوا فالموت بين جدران دارك احل واسمى من الضياع في الاصقاع وقد يصل الحال الى استنداء اكف السابلة...خرجت الجموع تتسابق متجهة الى دهوك تاركة طعامها معدا للاكل وموائدها عامرة والملابس غير مزررة كما ينبغي ان تزرر..سيارات..جرارات..حافلات..قلابات ومركبات كبيرة تحاول الفوز في التقدم بعيدا عن القوش..الوان واصناف من البشر..اختلطت في هذا الشارع الضيق المؤدي الى بندوايا ولا غيره نحو الخلاص..عشرات بل مئات القرى اتفقت ان يكون مصيرها واحدا هنا في العراء وداعش يقف عند تلال الكند عند قرية شرفية يضحك بملء شدقيه..الالاف الابطال جردوا من سلاحهم وعنفوانهم ومن متاريسهم ليصبحوا اجسادا سلبت اسماءها وبترت اصابعها وقطعت السنتها تاركتا خلفها ارثها وبيادرها ومزاراتها وطلاسمها وايقوناتها..ملعونة انت ايتها السياسة القذرة..ملعون من جعلنا بيادق شطرنه وقطع دومينو تحركها الاهواء والمطامع والسماء حائرة والانسانية خوارها صم الاذان..كان الخوف باديا على محيا الاغلب والجميع ينظر بعيون جاحظة حائرة لا تعرف الى اين تذهب وما هو مصيرها نادبة حظها لهذا المصير القاتل مقتنعة ان لا ذنب لها بما جرى لها..رغم ان الوقت الساعة الثانية عشر ليلا الا انني لاحظت سربا من الغربان حبري السواد يحوم فوقنا ناعبا على نحو صارخ مخيف ينذر بمستقبل نازف معيب مجهول..كانت الجموع المكتظة في حاويات الجرارات واوعية المركبات الكبيرة تبكي دون تبكي وذلك من خلال تلك الدموع المنهمرة من عيون متعبة حيث ينعكس ضوء انوار السيارات من عليها..هَمْ الجموع البشرية هذه وديدنها ان تبتعد من هذا السهل الفسيح الذي بذلت كل جهدها وضحت بكل ما لديها لتحافظ عليه وتنطره مئات السنين من عصابات السلب والنهب وطمع الجيران وغير الجيران واليوم تتركه منتفضة اياديها منه وكانها فرس تريد التخلص من القراد الذي التصق عند بطنها..ما شد انتباهي وجعلني لا ارى غيره منظر امراة عجوز ايزيدية جالسة في عربة تراكتور وامامها مهد..كان وجهها كوجه ابن عرس وعينين مدورتين بليدتين كعيني ثور وقلب اسيان بخيبة امل واصابعها المتغضنة ذات عقد بسبب الكد والتعب..وراحت تمسح تلك العينين بمئزرها وتعدل قليلا من تلك الجدائل المتدلية التي لم تحظ بفرصة مشط مثل بهيمة تحجب ما نشا من ولادة صغارها من دنس حيث شعرها لا يزال نديا بعرق المخاض..كانت شفاهها تتحرك دون ان افطن ما تقوله لكن ربما كانت تغني للوليد في المهد قائلة::دللو كريمن دللو..نه كه كري..رحلة تطول وتطول ولا زالت مستمرة ولا زال داعش ومن مثله يتبعنا ليقول لا مكان لكم بين ظهرانينا..تنحوا عن طريقنا فما قدمتموه وأظهرتموه من ولاء ومحبة واخلاص للعراق لا يجدي نفعا ولا يغير من جهلنا وتخلفنا..اخرجوا ليحل الظلام ارض السواد فنحن تعلمنا العيش في مجاري الصرف الصحي والشموس والاضواء تفقرنا وتقتلنا وتذيبنا..وهكذا في بلدي الذي احبه واحفظه في حدقاتي غاب الحب وغاب الوطن وحل محله الغضب والشجن وهكذا مرت سنتان ولا زال داعش في الاوطان يعبث بالموسيقى والالحان..يقول بولص(لو كنت اتكلم بلغات الناس والملائكة وليس عندي محبة،لما كنت الا نحاسا يَطِنُّ وصَنجا يرِنُّ)..لكي نعرف السلام في السماوات علينا ان نعرف الحب على الارض..ولا احد اعمى من ذاك الذي لا يريد ان يبصر..ان تحب يعني ان تحول العبودية الى حرية...............................




                                       Samer_alkass1@yahoo.com

9
قرية تشيش وليلة الميلاد   
               

بقلم النصير....سمير القس يونان  في  20 نيسان 2016
كان ذلك وبالضبط في ليلة الميلاد لسنة 1982..قبل عشرة ايام وصلنا الى مقر القاطع في كلي كوماتة والذي يقع مباشرة عند الحدود العراقية التركية عائدين من سوريا في رحلة مفرزة الطريق..ارتأت الامور ان تكون مغادرتنا   لمقر القاطع نزولا الى الافواج ومنها الاول في الدشت هذا اليوم لسقوط كميات كبيرة من الثلوج في المنطقة       وتجمع الانصار بعدد لا يتحمله المقر..منذ الصباح الباكر ليوم 24/12/1982 غادرت مفرزة تجاوز عددها الثلاثين عنصرا مقر القاطع لتعبر الخابور البسيط ثم السير نحو( القمرية)..كان الطريق مميتا وخطرا بسبب الطبيعة وما اسقطته من ثلوج قل مثيلها،فالطريق النيسمي ضاعت معالمه ونحن نسير نحو الشرق عبر جبال وعرة ووديان عميقة وبخط يوازي الحدود..كان اغلبنا متمرسا وقد استقى من رحلته الى سوريا الكثير من الدروس والعبر سوى بعض الانصار الذين التحقوا اخيرا..قطعنا شوطا كبيرا من المشوار الذي علينا قطعه حيث علينا الوصول الى خرائب قمرية عصرا وثم وبعد ان يسدل الليل ستاره عبور الشارع المؤدي الى ناحية (كاني ماسي) والملغم دائما والمعروف ببساتين التفاح الرائع..كانت استراحة في غاية الاهمية حيث اصاب الاعياء والوهن اغلبنا بسبب كتل الثلج والصقيع اضافة الى ان اغلبنا محمل بالبريد والعتاد والسلاح الزائد..تناولنا ما كنا نقتنيه من الحلويات وقليل من الالبان والخبز..كنا قد تعلمنا من مشوارنا الى سوريا اهمية الوقت القصوى وعدم الاستهانة به وقد يكون سببا في فشل الرحلة وهلاك الكثيرين..كان الطريق مزعجا للغاية وكنا نتبادل في فتح الطريق الذي غطاه الثلج وكانت مهمة صعبة للغاية حيث تتشنج الاقدام ويصيبها الخدر ليس بسبب البرد لكن بسبب ثقل الصقيع وعلى الاقدام دفعه جانبا..ازداد تعقيد الطبيعة وطوبوغرافيتها كلما تقدمنا نحو الشرق وكنا نصادف سفوحا قاسيا يستحيل اجتيازها لولا التأني والدراية وكان الوقت قد ادركنا بعض الشئ ولهذا شحذنا الهمم واستعنا بالطاقة الكامنة لنصل الى القمرية ضمن الوقت المحدد..كانت الساعة الخامسة مساء عندما وصلنا الى الدعامة الحدودية التي تطل على القمرية التي كانت تقع في صدر وهدة عميقة وعالية ومخيفة..علينا النزول تدريجيا للوصول الى اطلالها ومسجدها  مستذكرين اهمية الوقت وعدم هدره مهما كان السبب..وصلنا اطلال القمرية وقررنا استراحة بسيطة حيث خلالها استعاد الانصار قليل من عافيتهم وتوضيح طريقة عبورنا لشارع التفاح الخطير والتأكيد على عامل الشجاعة والصمود والانتباه وتنفيذ الخطة..امامنا سير من خرائب القرية الى السلسلة الحادة التي تطل على الربية الخطيرة والمسيطرة على اختراقنا للسلسلة هبوطا الى قرية (تشيش) اكثر من نصف ساعة..تم الاستعداد بشكل جاد لأننا سندخل حيز الخطر والتواجد المكثف والمموه لأجهزة النظام وكيف سيكون السير والمسافة بين الانصار والى اخره وبعض الحيثيات يتحكم بها اللحظات الحاسمة..كانت ألوقت 5.30 عصرا عندما بدأت المفرزة بالسير جنوبا نحو الوادي السحيق والوعر حيث الكتل الصخرية الساقطة من الاعلى والثلج والصقيع والأشجار والسنون الصخرية الحادة التي تتطلب القفز نحو الاسفل..استمر السير نحو الاسفل عبر طبيعة صعبة ولا يمكن السير خلالها بحرية وسرعة وأخيرا تركنا سير الوادي واتجهنا يمينا لنسلك السفح الذي يقودنا الى السلسلة التي تفصل وادي قمرية عن سهل كاني ماسي اذا صح التعبير..وصلنا الى السلسلة وكان الليل قد ارخى سدوله ولم يعد باستطاعة الربية


التي يفصلنا عنها بحدود الخمسين مترا رصدنا ومشاهدتنا..اجتزنا السلسلة بسهولة وهنا بدأت الحيطة والحذر والسيطرة على المسافات والامتناع عن الكلام والتدخين وإزالة امان البنادق والتأهب لأي طارئ او كمين..هنا قل الصقيع وتحولت الارض الى شبه هضبة يكثر فيها الطين..قادنا السفح خلال عشرة دقائق الى ازقة قرية (تشيش) التي يسكنها مسيحيون كانوا مستعدين لاستقبال الميلاد يوم غد..كانت القرية في حالة ابتهاج واحتفال وروائح ونكهات الاطعمة وصوت الاغاتي يصدح لتهز كياننا المتصدع صادرة من كل بيت ونحن في حالة تأهب متأبطين السلاح ومحزمين بتلك الرمانات ومخازن الرصاص..صفحات الحياة المتناقضة دائمة تصادف من يعيش في مجتمعات يخيم عليها الجهل والصمت والخوف..كانت بطوننا خاوية والجوع والبرد والقلق يسود مشوارنا وهؤلاء البسطاء يعيشون لحظات فرح وحبور قد لا يتكرر وربما لا يستمر الى الصباح طالما هم قريبون من فوهة البندقية..اجتزنا ازقة القرية التي كانت منشغلة بفرحها دون ان تعير اهمية لمن يجتاز ازقتها من خلال نباح الكلاب الصاخب..كانت القرية قريبة جدا من الشارع ولا يفصلها عنه غير 20 مترا..توقفنا خارج القرية ليكون امامنا المشوار الاخير وتم تحديد المجموعة التي تخترق ومن يؤمن عبورها بسلام فيما لو وقعت بكمين الذي قلما يغيب عن بساتين التفاح التي تقع الى الجنوب من الشارع المبلط الذي يؤدي الى ناحية (كاني ماسي)شرقا..وعند عبورها بسلام تتوزع لتحتل عدة نقاط لتؤمن عبور المجموعة التالية جنوب الشارع..انطلقت المجموعة الاولى فرديا والمسافة اكثر من 10 امتار بين نصير وآخر والهرولة بنصف قامة..عبرت المجموعة الاولى بسلام دون حدوث اي مكروه وبعد لحظات استعدت المجموعة الثانية واجتازت بسلام تلتها الثالثة والأخيرة واجتمعنا هناك بين اشجار التفاح العارية..قررنا الابتعاد بسرعة من المنطقة التي نحن فيها جنوبا نحو قرية (خشخاش)..تجاوزت الساعة الثامنة عندما انطلقنا الى قرية خشخاش وخلال نصف ساعة كنا في القرية وتوجهنا الى مسجدها الكبير..ماذا نفعل وكيف ننام في هذا البرد القاتل وماذا عن الطعام حيث لم يكن بمقدورنا طرق ابواب القرية بذلك الوقت المتأخر واغلب الناس نائمون..كانت ليلة نادرة في معاناتها وبردها وجوعها استطعنا الحصول على الحطب وأوقدنا مدفأة المسجد..قضينا ليلة تعيسة ولكن الذي منحنا العزيمة والإصرار والقوة عبورنا الهانئ والسليم الشارع الخطير الذي وقع بكمائنه الكثير من مفارز الانصار...........           



10
قانا الجليل...جران يرثى لها 
                       
بقلم....سمير القس يونان
قانا الجليل بلدة جميلة جدا بازقتها الضيقة وتعرجاتها الكثيرة والمعيقة لحركة العجلات وتقع الى الشرق من صور والقريبة من الحدود الفلسطينية حيث ترى الابراج والمرتفعات..انتصبت بلدة قانا على هضبة مستعرضة باتجاه شرق-غرب متوسطة الارتفاع حالها حال الطبيعة الطبوغرافية للمنطقة ككل..اما مناخها فبديع نتيجة للتيارات القادمة من البحر القريب جدا منها والغطاء النباتي الغالب والمتمثل باشجار الزيتون والصفصاف والسنديان والحمضيات وارتفاعها يؤدي الى استفادتها بدرجة قصوى من التيارات والنسائم القادمة من البحر والجوار..عبر هضاب ووديان مخيفة وجلاميد واراضي صخرية وعلى حين غرة ووجها لوجه جابهتني قطعة توضيحية مكتوب عليها((قانا))..استوقفتني الحيرة ودب شعور خفي لا يمكنني وصفه وتحديده محدثا نفسي::هل ساكون بعد هنيهة عند تلك الجران الستة التي حول يسوع ماءها الى خمر؟؟هل ساتلمس ولو خيال ذلك العرس؟؟هل ان عبق ذلك الخمر ماثل ام ان الدهر عمل مثل الغربال من دقيق الخبز يمسك خشاره ويفلت لبابه او الراووق من الخمر يحتفظ بعقاره ويستهين برحيقه؟؟هل ساحلق وعلى بساط الريح الى تلك المعجزة(الاولى)لارى الدهشة والحيرة نفوس الحاضرين؟كيف سافوز ولو بلحظات بالقرب من ذلك الكهف الذي عنده كان المسيح يلتقي بامه؟؟لا بد للمعلم وتلاميذه ومن بعدهم رسله ومبشريه ان جابوا تلك البقاع القاحلة محاولين بث الامل وزرع البسمة في ثغور ونفوس اضنتها الحروب والسبي والأمبراطوريات والفوارق الاجتماعية السائدة انذاك..وصلنا البلدة والتي تقع على قمة وسفح هضبة حجرية قاسية وبعد السؤال من الاهالي عن(الجران)استطعنا من زقاق الى اخر ومن انحناء الى اخر العثور على مبتغانا..ترجلنا من عربتنا وكانت الوحيدة في الموقف وفجاة قادتني الحيرة والريبة الى السؤال الاتي:اين الباصات والسفرات والكروبات وخاصة اليوم هو الاحد؟اين الزوار والسياح والمؤمنين؟؟لا احد غيرنا وعندها كانت الصدمة..تعجبت وذهلت حينما وصلنا الى منخفض بسيط لا يتجاوز قطره ال25مترا وهناك عند قعره عدة قطع دائرية صخرية لا يتجاوز قطرها المتر مختلفة الاشكال وبقية جرن حجري..كانت عند المنخفض كبرة او مظلة من الحصير تتسع لاربعين شخصا وتشرف عليها امراة مسلمة تبيع صور للموقع والمغارة عند المنحدر كما هو حال كنيسة القيامة وحارسها المسلم..بادرتها بالسؤال الاتي::لماذا الموقع بهذا الاهمال والغموض رغم كونه من الاماكن المهمة لدن المسيحيين؟قالت انا لا اعرف ويمكنك ان تسال القائمين على ادارتها..اغرورقت عيناي دموعا لكني كفكفتها وصاغت بداخلي حيرة واسئلة ومتاهات وتكهنات لما راته عيني وانا راغب ان اكذب نفسي...فركت عيني مرة تلو الاخرى لربما تغير المشهد وما رايته ليس الا خيال لكنها الحقيقة كل الحقيقة ايها المسيحيين..اين الجران؟؟واين نحن منها؟من كسرها بل سرقها وترك لنا اطلال تزفر غضبا وقيحا..الم تسال الكنيسة يوما ماذا حل بقانا الجليل؟اليس منطقيا ان ننتحب ولا نكفف دموعنا لهذا الترهل الكنسي؟؟اهناك اقبح من عيب عيب مطران عمل اعجاب لمختصر هذا الموضوع في الفيس ولم يكتب صفحة كامله معلنا المه وحسرته لما حل بالمعجزة الاولى؟؟اليس من الاوجب وقبل ان تبنى الصروح والابراج والمقار والكليات والماتم الوقوف ولو وقفة يتيمة عند الافواه الجائعة والنفوس الحائرة التي قذفتها امواج حقد الانسانية الى بر موحش قاتل؟لكن قانا الجليل تبكي ونحيبها لا يسمعه احد..كيف يستقبل كاهن يذهب لزيارة قانا ست مسلمة تبيع له بوسترات وصور للموقع مع معلومات قليلة دون ان يعثروا على راهب او رجل دين مسيحي يتفانى ليبقى عند الموقع مع المام بحيثيات الموضوع؟الف سؤال والف لماذا والف كيف لا تفي بالغرض..ثم ذهبنا لنكحل عين جولتنا الى تلك المنحوتات العجيبة للعازر والمسيح القائم وغيرها حيث لا دليل سياحي متوفر هناك..هبطنا نزولا عبر سفح لهضبة صخرية وكان الاهتمام بها اكثر من الجران دون ان يصطحبنا احدا لكن اقدامنا وسر خفي واثار غيرنا قادنا الى الاسفل لنصل تلك المغارة العجيبة..مغارة كان يسوع والتلاميذ ومعهم امه يقضون اغلب وقتهم فيها حيث كان التقليد اليهودي يحتم على المراة ان لا تختلط بمجالس الرجال ولهذا كانت مريم تلتقي بيسوع وتلاميذه في تلك المغارة..وفي عام 1986 جرت مذابح في ذلك الوادي الى الاسفل من المغارة..لو كان الانسان مؤمنا ومحبا وصافيا لاستطاع التحدث مع تلك الصخور الصماء والشاهدة على دروس في السلام والحب سطرها معلمنا يسوع الناصري ليستشف منها اتعاظ وحكمة ان البذل والعطاء اكثر غبطة وحبورا من الاخذ................     


 

11
مستنقع آسن وصلت اليه يا عراق
                     

بقلم...سمير القس يونان        في    13    ايار   2016
لا اعرف ابكي ام انتحب..لا البكاء يفيد ولا النحيب يشفي الغليل..المواطنة ليست هوية ولا توقيع ولا نسب ولا حسب..بل شعور وإحساس يسري في اجسادنا كما الدم يسري..المواطنة لا يمكن شراءها باغلى الاثمان في الوقت الذي يمكن بيعها بابخسها كما نراه وبشكل مستفحل الان اذ نعتبره العصر الذهبي للعراق..من كان قد تستر ببعض المسميات واليافطات ليلوح للناس البسيطة انه مواطن من الطراز الاول نراه اليوم وقد نبذ الخجل جانبا ليكشف عن نفسه وعورته ويعلن خيانته ويقود الجحفل الى منزلقات لا رجعة منها..ما يحدث للعراق الان لم يحدث له البتة،فلا الساسانيين ولا المغول ولا العثمانيين ولا الانكليز ولا ولا شاعوا الخراب والدمار،التشتت والاندثار،العار والشنار في طرقات الحياة ومسالكها كما شاع من هم على سدة الحكم الان..فلا الثيوقراطية ولا التعصب الديني والقومي ولا الانجرار خلف المصالح الذاتية المقيتة تستطيع انقاذ نهري الوطن وترابه،اسمه وعلمه ونشيده..لقد جعلتم من العراق  جثة هامدة وصوت مبحوح وهامة متهاوية وصورة مشوهة إذ ليس ذلك بخاف على احد فقد اضحى الجميع مفكرين ومحللين لما يعانوه من صور ولوحات متكررة من الازمات والهذيان السياسي والفساد الذي ضرب اطناب البلد حتى النخاع..اين التكنوقراط والكفاءات والطاقات والخبرات،لقد اسدل الستار عليها وسلمت المقاليد بيد اناس لا تمت بصلة تذكر بهذه الناس المتعطشة لصبح جميل نظيف ولا بوطن حر سعيد وشريف،فقد ربطوا مشيمتهم بارحام غريبة تختلف عن رحم العراق..لموضوعنا الملتهب قصة قد تلقي بعض الضوء لجزء يسير من صفحات العملية السياسية الغريبة والمشينة التي نعيشها اليوم..يحكى ان لملك من الملوك وزير متطلع ومضطلع بالمناخ والرياح والامطار وما يطرا عليها من تغييرات لعدة ايام..في احد الايام استدعى الملك الوزير المعني ليساله عن امر المناخ والمطر،حضر الوزير الى بلاط الملك واستلمه الحاجب ليدخله الى مجلس الملك..القى الوزير التحية وانحنى امام الملك خاضعا وقال::ايها الملك انني اذان صاغية،هل استطيع ان اعرف بماذا تامرني سيادة الملك؟ققال الملك:ايها الوزير،ارغب في الخروج غدا الى الصيد واريد منك ان تستطلع السماء لتحدد لنا هل سيكون يوم غذ مطرا ام لا؟اجاب الوزير:سمعا وطاعة سيادة الملك،استاذن الوزير وخرج ونظر الى السماء وبلل سبابته ورفعها الى الهواء وبعد ساعة دخل الوزير الى مجلس الملك ليقول له:سيدي ان يوم غد سيكون صحوا وانا متاكد من ذلك..شكر الملك الوزير وأذن له بالخروج..في اليوم التالي امر الملك باعداد فرسه وحراسه ليخرج الى جولة الصيد..بعد اعداد كل شيء كان الملك ومن معه بين الغابات والمروج تقودهم الكلاب ليعثروا على الارانب والغزلان..عندما انتصف النهار بدات الغيوم تتجمع في قبة السماء وما هي الا ساعة حيث بدات المطر بالهطول..احتموا ببعض الاشجار لكن المطر اشتد وبذلك خرجوا ليقصدوا كوخا لفلاح في الجوار..وصل موكب الملك الى الكوخ وخرج الفلاح البسيط للقائهم وادخلهم وتاسف الفلاح لما جرى للملك..بعد استراحة بسيطة قال الملك للفلاح:لماذا انت في البيت ولم تخرج الى حقلك؟قال الفلاح:سيدي كيف اخرج وانا بعارف ان اليوم سيكون مطرا؟تعجب الملك وقال للفلاح:كيف عرفت ان المطر سيهطل هذا اليوم؟لم يرغب الفلاح بالبوح بالحقيقة لكن اصرار الملك وخوف الفلاح من سطوة الملك قال:سيدة الملك لا اريد اخفاء الامر عليك،لدي حمار وصباح كل يوم اذهب اليه وانظر الى اذنيه،اذا كانت منتصبة وواقفة فذلك يعني ان


السماء غاضبة وستمطر مطرا،اما اذا كانت اذانه مرتخية ومتدلية فذلك يعني ان السماء ستكون صافية والامطار غائبة..عندما استيقظت مبكرا صباح هذا اليوم ذهبت الى الحمار وكانت اذانه متصلبة كالعظم ولذلك لم اخرج الى حقلي واذا تفضلت لتلقي نظرة بام عينيك..خرج الملك بمعية الفلاح الى الماخور ودخلاه ليلقيا الحمار واذنيه المنتصبتان..قال الملك:صدقت ايها الفلاح..ثم اردف وقال للفلاح:اتبيع لي حمارك وبثمن انت تحدده؟قال الفلاح يا سيادة الملك لا املك غير هذا الحيوان فهو كل شيء لي فان اخذته ذلك يعني انك حكمت علي بالقتل..قال الملك:لا اريد اذيتك ولكني سادفع لك ما تريد اضافة الى وزيري الخاص بالانواء الجوية..تعجب الفلاح من كلام الملك ثم قال:سيدي الملك:كيف تمنح لي وزيرك مقابل الحمار،قال الملك:انه السبب في ما حصل لنا اليوم حيث استطلع السماء واكد ان غدا ستكون السماء صافية وانت  رايت ما حصل وبذلك يكون حمارك اعقل واذكى وادرى وادهى من وزيري المحترم..ولذلك اطلب منك بعد موافقتك ان تقايضني حمارك بوزيري..الى هنا انتهت قصتنا وتبدا قصة اخرى قصة واقعنا المخزي الذي بدد كل احلامنا على يد اناس بعيدين كل البعد عن قيم الاخلاص والتضحية والحرص والايمان..مجموعة بعيدة عن طموح الناس التي تاملت بمجيئهم راب الصدع ورتق الفتق الذي حل بنسيجهم بسبب الحروب والحصار والفقر التي افرزتها تلك الطغمة الفاشية..             


12
في العراق...امتزج حب الله بحب الوطن
                       

بقلم....سمير القس يونان                               
في 27 نيسان لسنة 2016
لا يمكن ان نمنح عنوانا ومسميا لما يمر به العراق ويعيشه الان الا ما سمينا وعنونا هذا المقال..لقد اختلطت كل ما النظريات الاجتماعية وأضحت عاجزة لتبلور فكرة او نهج او طريق ينطبق على التخبط والتدحرج السياسي الذي نراه في العراق..يقولون ان السياسي ثعلب ماكر ومخادع ويصيغ العجينة على هواه لكنه يمتلك جزءا من الخجل والصدق اقله داخل اسرته وبعيدا عن اروقة برلمانه ومعتركه السياسي..لكن السياسي في العراق ضرب رقما قياسيا وخياليا في الكذب والمكر والسرقة ولا بد وقد فقد ماء وجهه ولم يعد يمتلك جزءً من الحياء..ما يجري في عراق اليوم فاق التصور ولم يعد بمقدورنا هضم ولو قضمة من هذا الجسد المتهرئ..لا وفاق ولا وئام ولا رؤية ولا احترام ولا نظام وأصبحوا شلة قذفتها الامواج لتلقى برا امينا وهو شاطئ العراق..جاءوا ليجسدوا الانحطاط الاداري والخلقي واقتنوا من التجارب السيئة التي اجتاحت العالم ليكونوا مثالا في التقمص..كان املنا بهم تجديد الحياة وإزالة ما تعلق بتلابيب العراق عبر العهود السابقة من وهن ورهن وان يعيدوا وجه العراق وبهائه لكنهم ركلوه بأقدامهم القذرة وأضافوا طمسا ورجسا وجعلوه جثة هامدة لا نبض للحياة يعتريها التفسخ والزوال..ماذا سيحل بمتأمل فقد كل مقومات صيرورته من هؤلاء ان يأتوه بحقه وإلا هم يتصارعون كالثيران تحت قبة البرلمان ديدنهم التنكيل والإخلال واخذ الثأر وهناك في الخارج صراخ وعويل وبشر جياع خائفين قلقين ينتظرون..قبل ايام قرأت خاطرة تقول::في اسطبل للحمير جحش مضرب عن الطعام وأصاب جسده الذبول حدا اثار حفيظة ابوه الحمار وهذا ما دفعه ليستطلع الامر عن سبب اضراب ابنه عن الطعام..ذهب الحمار الى الجحش وعندما رآه انقهر كثيرا لما حل به من وهن ونحول واخذ يداعبه ويمسد وبره بقدمه الامامية قائلا له::ما بك يا بني؟؟لقد احضرت لك اجود انواع التبن والشعير دون ان تأكل منها حفنة مصرا على انقطاعك وعزوفك عن الاكل..ارايت كيف اصبح جسمك؟؟انا والدك وأمرك يهمني اكثر من اي مخلوق..هل تعاني من الم او مرض او مشكلة؟؟قل لي ربما استطيع مساعدتك لتعود الى حياتك الطبيعية..رفع الجحش رأسه بصعوبة بالغة وقال لوالده:انهم البشر يا ابي!!اندهش الاب لكلام ابنه وقال الحمار:ماذا بهم البشر يا بني المسكين؟؟قال الجحش:انهم يسخرون منٌا نحن معشر الحمير فهم ينعتون بعضهم بعضا بالحمار كلما تصرف احدهم تصرفا خاطئا ومعيبا ومشينا..لهذه الدرجة نحن مخلوقات رديئة وبلهاء وغبية لا فائدة لها ولا يضيف وجودها في المعمورة لونا جميلا؟؟يا ابي نحن لسنا كذلك فإننا نعمل ليل نهار دون ان نكل او نمل او نحتج او نرفض وما يقدموه لنا نقبل به وفي نفس الوقت لدينا من المشاعر والإدراك القدر الكافي..فلماذا كل هذا الاجحاف بحقنا والتقليل من اهميتنا وإذلالنا المستمر..ارتبك الاب وعليه انتقاء الجواب الصائب والشافي لجحشه ليعدله عن قراره..وعلى حين غرة اخذ الحمار يحرك اذنيه ورأسه يمينا ويسارا ثم قال:انظر يا بني؟ان معشر البشر خلقهم الله على احسن تقويم وفضلهم على سائر  المخلوقات لكنهم اساءوا لأنفسهم بقدر كبير قبل ان يتوجهوا بإساءتهم الينا نحن الحمير..انظر اليهم والى اية درجة من الانحطاط والكراهية وصلوا..هل رأيت حمارا يسرق مال اخيه الحمار؟؟هل رأيت حمارا يعذب بقية الحمير ليس لشيء إلا لأنهم اضعف منه؟هل رأيت حمارا عنصريا يعامل الاخرين من جنسه حسب لون وبره او نهيقه او جنسه؟؟هل سمعت ان حمارا انتحر بسبب اتان لم تبادله الحب؟هل سمعت ان حمارا قتل اخاه الحمار ليفوز بعقيلته؟هل سمعت ان الحمير عقدوا قمة لا يعرفون لماذا مجتمعين؟هل سمعت او قرأت ان الحمير الامريكان يخططون لقتل الحمير العرب للحصول على الشعير؟هل رأيت حميرا جاسوسا وعميلا يتآمر ضد بلده لحساب الاعداء؟هل رأيت حمارا يميل الى حمار اخر على اساس الدين والطائفة؟وووووو..طبعا لا وجود لهذه الجرائم في عالم الحمير والبشر لا يحترمون تلك الحكمة من خلقهم بهذه الصورة..فهم اساءوا لخالقهم ولأنفسهم وفقدوا كل سبل السعادة والأمان..لهذا يا ولدي اطلب منك ان تحكٌم عقلك الحماري وترفع راسي وراس امك عاليا في محافلنا البسيطة وتبقى كعهدي بك حمار ابن حمار..اتركهم يا جحشي يقولون ما يقولون فيكفينا فخرا اننا لا نكذب ولا نسرق ولا نقتل ولا نشتم ولا نرقص طربا وبيننا جريح وحزين..اعجبت هذه الكلمات الجحش فقام وراح يلتهم الشعير والعلف وهو يقول::نعم سابقى على عهدتي يا ابي..سابقى افتخر انني حمار ابن حمار ..اترون كيف ان الحمير تستهزئ بانحطاطنا وخلقنا المتدني وكبريائنا وريائنا ونفاقنا..اليس من الواجب ان يشدوا بأصابعهم الرتيمة(خيط كانت العجائز في العقود الماضية تلفه على البنصر لتذكيرها بشيء)ليتذكروا دائما بأنهم مدينين لناس منحتهم الثقة ليكونوا حيث هم..الى اين وصلت بكم الوطنية من شح وضحل فقد اضحيتم مثار سخرية للقاصي والداني ولم يبق لديكم غير حفنة من الدولارات تعتقدون انها ستسعف افلاسكم الخلقي والروحي ولا تقلدوا الغجر بان تدفن مع نعوشكم المال والذهب ظنا منكم باستخدامها في الحياة الأخرى


13
بقلم ...سمير القس يونان
في 11 نيسان


انه عنوان كبير وهم اكبر ما نعيشة اليوم من كبت وحرمان.. يحاول رئيس مجلس محافظة نينوى السيد بشار الكيكي اقالة بل سحب الثقة من مدير ناحية القوش الاستاذ فائز جهوري لسبب هو ابتدعه لانه رسى على بر ليس ببره ولهذا من هو موجود عند الشاطئ يراه غريب لانه غريب..

لم يبق لدينا غير هذه المظلومة مكسورة الجناحين بسبب التطرف الديني والتخلف وبسبب ثقافة متوارثة عانت منها قصبتي واستبشرنا خيرا وقلنا ان الشعوب تطورت وتغيرت وتفتحت حدقاتها لترى الشمس والقمر كيف يعيشان بحب وتناغم لكن مع الاسف انت وغيرك لا زلتم كما قيل لكم ولم تؤثر التلسكوبات ولا العدسات في ان تجعلك ترى الحروف جيدا..

نحن لا نعيش التاريخ لكننا نستمد منه عنفوانا قد يقينا مقتك وجبروتك.. كثيرون من قبلك حاولوا وبكل ما اؤتي لهم من قوة واحدهم صدام المقبور الذي وقفت القوش كشوكة مسمومة في عينه النيل من هذه المسكينة .. مسكينة ودودة وديعة عندما تدعها وشانها وثور هائج وحوم كاسر وشحاذ غاضب عندما  تمس طرف مئزرها الذي حاكته عذراء على ضوء قمر محاق..

لا الومك بجهلك تاريخ هذه القصبة فهي عاشت مخاضات واجهاضات لو اطلعت عليها ربما تجعلك تتردد بالتحرش بها فهي بعد كل مخاض ومحنة كان يسمع صوت صبي اتى للتو وعلى جبينه كلمة القوش..الى اي منها اخذك فهي كثيرة ولكنني استطيع الاختصار بواحدة منها كانت بالامس القريب..1933عندما استيقظت قصبتي لتكون مطوقة بالجيش والعشائر معظمها والاقوام التي تحيطنا وربما كانوا اجدادك من ضمنهم لانكم جيراننا الاعزاء لقصفها ونهبها وسلبها ولكن بقدرة قادر وصمود اهلها البسطاء الفقراء الذين يملكون ما لا يملكه غيرهم ولى من جاء بسوء قصد خائبا مطاطا الراس..

ان مدير الناحية معروف بمحبته لقصبته ويضع مصلحتها فوق كل اعتبار وهذا ما لا يحلوه لك ومن الطبيعي ان العكازة التي تتكئ عليها هي القوشية وهؤلاء الذين يمهدون الطريق لتحقق مآربك سيلعنهم الزمن القاسي وسترفضهم سلات القمامة كما لعن من لم يخرج ويشارك تلك المظاهرة النجيبة 2013 والغاية منها عدم توزيع الاراضي لغير الالقوشي..اتدري يا رئيس المجلس ادرك انك تستطيع ان تفعل كل شيء بالقوة وليس بالحق وكن على يقين ان الغابة عندما تحترق وتعرف السنة نيرانها تناطح الثريا لكنها ترجع لتخضر ثانية براعم اجمل وابهى من الاولى..لم يبق من سهلنا الجميل الاصيل الا القوش وانت ومجلس الناحية تحاولون العبث بها لانها مسالمة وضعيفة كما تتصور لكنها بركان نائم وهي وفية لاولئك الذين حموها وحفظوها لتكون بيرقا وصارية وفنارا..هذه ليست المحاولة الاولى وستخيب محاولتك كما خابت السابقة وان كان الشخص المعني فاسدا كغيره وانت تعرفهم قبل ان اعرفهم لكنا شاطرناك الراي والخطوة لكن في جعبتك امور وافكار تنصب في جدولك وهذا ما لا تقبله الناس ابدا..اين انتم ايها الاحبة فان القوش يوسف كوزلي ويوسف بولا وججيكا يلدكو وتوما توماس ومئات غيرهم الذين لا زالت دمائهم رطبة ندية تناديكم وتقول لكم:من لا يمتلك الغيرة والنخوة والاستعداد للذود لقصبته فليذهب الى قبر الافذاذ وهم سيقومون بالواجب خير قيامة.........         

14
قبل مائة عام..ماذا فعل سقلي
بشمو قس يونان

بقلم .....سمير القس يونان
 في  21  آذار من عام 1996
إذا الشعب يوما أراد الحياة  فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر..بهذه المفاهيم الرائعة نبدأ قصتنا ونقول إذا كان الشاعر العظيم أبو القاسم ألشابي قد سطر هذه الكلمات في زمن غابر وإذا كانت كوكبة الشرق أم كلثوم قد صدحت حنجرتها بهذه التعابير وألهبت شعور وعنفوان الإبطال في سيناء وكفر دسوار..في أكثر من منازلة قبل أربعة عقود فهذا لا يعني أن الإرادة والتصميم والنضال والإصرار والتحدي والصمود والحقوق والحريات لم يعد لها حيز من تفكير الشعوب الرازحة تحت نير العبودية والعولمة والقطب الواحد والرأسمالية والفقر والجهل ومصادرة الوجود والتطهير العرقي والتعصب الطائفي والقومي...إن التاريخ ميراث الشعوب ومنه تُسْتَمَدْ الخطوط العريضة لشخصية شعب أو ملة أو امة أو مجموعة بشرية ومن سلته العميقة تستنبط الدروس والعبر لتكون سيوفا مشرعة فقدت غمدها لتبتر شأفة الحاضر إذا كان مريرا ومجحفا..لذلك الاستنجاد بالماضي رغم بؤسه وألمه وطاعونه يمنحنا عونا وطاقة وشكيمة وسراجا وقنديلا لا ينطفئ..
وكما هو واضح للمتطلع والمضطلع أن الولوج في طيات التاريخ وأكوامه حتى لو كان قريبا وعلى مرمى حجر محفوفا بمخاطر واتهامات لان الأهواء والمزاجات هي التي تفسر هذا التاريخ وتأوله لصالحها في اغلب الأحيان..لذلك نتلمس السجالات والجدالات قد أخذت منحا مخجلا ومقززا تصبح للحقيقة خلالها منظرا ضبابيا مسرطنا...ورغم السبحة والمحبس والقوس والنشاب والسيف والترس والقيل والقال سندخل الماء الصاخب متلمسين قاعه بأقدامنا الحافية علنا نعثر على ماسة أو ياقوتة أو زمرد وحتى لو كان وزنها بأجزاء القيراط لنجعل منه قرطا يزين أذن حبيبة آثرت القنوط والانزواء في كهف يسكنه الخفاش والعفريت هربا من الصعاليك!!!فهلمي أيتها الحبيبة ومن خلال قرطكي ووشمكي نروي لحاضرنا المهلهل وبكأسه المترعة قصة حصلت قبل أكثر من مائة عام لرجل أبى الخنوع لجبروت صعلوك قدم من أدنة ليدب الرعب والخوف كنف كل أسرة من مجتمعنا الكادح الفقير في القوش...(تزوج المرحوم شمو سنة 1875 وله من البنين بتي 1879 ويونس 1881 وهرمز 1888 وجردو 1896 والبنات راحي وكتي)..كان شمو طويل القامة عريض المنكبين قوي الجسم تبدو عليه سيماء النبل والكبرياء وصادف أن يأتي الجاندرمة سقلي العثماني مسئولا على القوش وبلوغ أولاده سن التسويق إلى العسكر وكان ذلك في العقد الأول من القرن العشرين...كانت حملات التسويق لرفد الجيش العثماني لا تنتهي وتجري على قدم وساق وكان لسقلي أياد كثيرة من داخل القوش وهم الذين يوشون بالشباب..عملوا أدلاء أذلاء يقودون سقلي وجاندرمته إلى حيث المساكين الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة غير الله ليلقي القبض عليهم ثم إرسالهم إلى الهند أو ادنة أو بغداد أو معسكر السحاجي وكثيرين من راحوا وبقوا سنين طوال وعادوا مثل المرحوم ساوا ككنا حيث سيق إلى الهند ومكث هناك خمسة أعوام وهناك من لم يعد..كان للمرحوم شمو صديق من قرية نمركي التي يسكنها عرب والتي تقع عند قدم جبل دهكان القريبة من بندوايا وكان سقلي لا يجرؤ أن يجند أحدا منها.بعد مداولات مستفيضة بين افراد اسرة شمو ومشورة العم متي(ككا)استغرقت عدة أيام رسوا على فكرة مفادها مفاتحة الصديق العربي في إيواء الإخوان بتي ويونس وهرمز أما الأخ الرابع جردو فكان صغيرا لا يشمله التجنيد...كان شمو قد شد الرحال ووصل إلى قرية نمركي وقصد صديقه  أبو محمد  ..رحب به كثيرا وبعد استراحة بسيطة فاتحه بالأمر الذي جاء من اجله رحب الصديق العربي بالفكرة وأبدى استعداده وموافقته لكن لا يمكن أن يتم ذلك إلا بعد موافقة القرية ومختارها...وعند المساء وبعد عودة جميع أهالي القرية تم بحث


موضوع الضيف شمو فيما بينهم وخرجوا بالقرار التالي::لا مانع لديهم شرط أن يساعدوهم في كل أعمالهم والتي تشمل الزراعة والحصاد وما يرافقهما من مراحل للعمل وفي السطو والسرقة والرعي وكل شيء يطلبونه منهم ثم جاء الصديق العربي وقال لشمو ما اتفق أهل القرية عليه..وافق شمو على مضض وشكره كثيرا وقضى ليلته صافي البال قرير العين بسبب حل مشكلة أبناءه...ولم يصدق متى ينبلج الصباح ليرجع إلى القوش ويبث الخبر السعيد لأولاده المهددون بالتسويق لخدمة العثمانيين..فجرا خرج خلسة من القرية التي تقع إلى الغرب من دهكان(داكن)وصل الى دهكان الصغيرة فالكبيرة ثم بندوايا وصولا إلى القوش وكانت عائلته بانتظاره...كانوا متلهفين لمجيئه مثلما تتلهف أفراخ الصقر مجيء صقرهم وما يحمل في حوصلته من صيد وغذاء..وصل شمو وفرحوا كثيرا بقدومه وبعد استراحة قصيرة ذهب عند أخوه متي وأفشى له سره والأحداث التي رافقت سفرته ونصحه المرحوم متي أن يكون كل شيء بسرية تامة خوفا من أولاد الحرام الذين يعملون كوشاة وجواسيس لسقلي...فقط للعلم أن عشيرة قس يونان كانت متركزة في محلة سينا وكانت دورهم ومساكنهم متلاصقة الواحدة بالأخرى ولا زالت تلك الشخوص والأطلال قائمة ليومنا هذا..بعد لقاءه مع أخيه متي عاد إلى أسرته واتفقوا على كل شيء وحكي لهم ما جرى له في قرية نمركي وأعلنوا ثلاثتهم موافقتهم واستعدادهم للسكن هناك هروبا من سطوة سقلي ودسائس أزلام سقلي المزروعين في كل مكان برؤؤسهم المشرئبة فوق كل دار منتهكين الحرمة ولا زالوا...وخلال أيام اخذوا عوائلهم خفية دون أن يعلم أحدا بأمرهم وتوجهوا نحو نمركي ونزلوا عند صديق والدهم ورحب بهم كثيرا وما هي إلا عدة أيام وبعدها كانت أكواخهم البسيطة قد اكتملت وسكنوا فيها فرحين سعداء بعيدين عن سقلي وأحبائه وغيروا زيهم ولبسوا الزى العربي ولا أريد الإطالة وتفاصيل الحياة في نمركي لأنها ليست مدار بحثنا هذا ولنعد إلى القوش...بدأت عيون اللصوص تراقب دار شمو وتسال أين أبنائه وسرت الأخبار بسرعة سريان النار في الهشيم وهناك من ينتظر مثل هذه الحالات لإيصالها إلى الغريب المتسلط مقابل بعض الشلنات ولا زال البعض مثل أسلافهم يريدون أن يبيعوا القوش بطبطبة واحدة على الظهر وبكرسي بثلاثة أرجل يترنح ويتأرجح...تسابق العذال في إيصال الخبر إلى السقلي بعشرين روبية وبسبب هذا الوشاية انتابته نشوة عارمة وقرر الانتقام واستعد سقلي لمداهمة دار شمو الذي كان قريبا من مقره(ملكي درباني)القريب من دائرة البريد القديمة..أمر بإحضار قوة لترافقه لمداهمة قلعة شمو  وسور حيرة الذي عجز ساسان الفارسي من اختراقه وإنها تتطلب جنود متمرسين لهم خبرة في حرب الشوارع والمدن...كان الحكم العثماني قد ضرب بأطنابه البلد حتى النخاع وبمباركة المنتفعين والمصلحيين المقيتين وكانت بلدتنا وغيرها من البلدات ترزح تحت نير ظلمه وحقده وتعصبه الأعمى..نعود إلى سقلي وقوته الذي تسلل خفية ليداهم بيت شمو وينتهك حرمته دون أن يردعه أحدا..دخل ساحة البيت وكان شمو في الدار وعلى حين غرة زمجر السقلي ذو اللسان الذليق واستشاط غضبا مثل كلب خطفت منه عظمته..اخذ يتفرس بوجه شمو المليح المتورد كأنه جريال الخمر دون أن تثبط كلمات الاستهجان والاستخفاف من عزيمته وكبريائه وكان ما أبداه شمو من رباطة جاش وضبط نفس عاليتين ومن الأنفة والكبرياء ما أغاض واستفز وأنغص سقلي..أردف سقلي وكان وجهه مكفهرا وهو يرتجف مثل ريشة في مهب الريح مستفسرا شمو عن أبناءه لكن لم يسمع جوابا ولم يعره شيئا من الاحترام ويشبه أبا الغول في جموده.. وثب كالنمر ونظر إليه بازدراء واحتقار وأخيرا قال شمو ما لك ولي إن أبنائي كبار وبالغين ومتزوجين وهم أحرار في قرارهم ولا سلطة لي عليهم وأقول لك أن شفقة الأغنياء والحكام أقسى من برودهم وإنهم كبدي يستحقون ما أكابده من اجلهم ثم لم يلبث سقلي أن كتم غيضه وتكلف الابتسام ثم قال في ترفع وغطرسة وبصوت مضطرب ومتهدج :: عفارم شمو عفارم..سأريك اليوم من أنا ومن أنت ويجب أن تعلم أن الكلب طالما وفيا نطعمه قدر ما يشاء ولكن عندما يصبح مسعورا نقتله وأمر بإلقاء القبض عليه وصفدوه في الحال واقتيد شمو إلى مقر سقلي وفكر التافه بأسلوب يقتص وينتقص من شمو وليكون عبرة للآخرين وبعد يوم قام بالاتي::في صباح اليوم التالي..اخرج من السجن ليُلَطَخ وجه شمو بأسود الأواني (سقمانا) ثم وبدلا من أن يسير بجواده خببا مطي على أتان يائسا وبصورة عكسية ثم اقتيد إلى أزقة البلدة جابرا الأهالي عنوة على الخروج وإطلاق الصيحات والتصفيق بالاياد استهزاءا بهذا الرجل..كانت السياط التي ألهبت ظهره لا تعرف السكون وكان يكظم جراحه بهدوء وهكذا نفذ ما أراد وكان شمو يذرف دموعا سخية حينا ويطق القهقهات حينا آخر وهو ممتطيا تلك الأتان اللعينة محدقا بتلك الجموع مقيدي الأطراف وملجومي الأفواه والمغلوب على أمرها ومن يدري ربما غدا دورها...وبعد هذه الحفلة (خشيوي ودلا خشاوا)أطلق سراحه ورجع إلى بيته خائبا ومنتصرا في الوقت نفسه وانقطع عن الأكل والشرب وبدا يتفوه بجمل غير مفهومة وكان طلبه الوحيد أن لا يأتي بنيه خوفا من الانتقام منهم وانقسمت الناس على عادتها فقسم من جاء مواسيا مؤازرا مقهورا معلنا استعداده للمساعدة والقسم الآخر الذي امتنع عن الزيارة وقائلا كالجبناء لماذا لم يقبل حاله مثل حالنا كما وليس أولاده أحسن من أولادنا فكما سيقت أولادنا كالخراف فلماذا لم تساق أولاده وسنعود لنعلق قليلا على الصنف الثاني في نهاية المقال...وبعد ثلاثة أيام غير محسوبة لعمر شمو فارق الحياة مضيفا إلى بطولته طيفا ولونا ومعنا ومغزا وفحوا وعمقا آخر لان موته كان بسبب ما جرى له من اهانة بمنظور سقلي ومن على شاكلته..هذا حال من


يرفض العبودية والخنوع والعمل لصالح الأجنبي والغريب..أخيرا اقتنع بالحكمة(عندما تصبح الحياة عارا يضحى الموت واجبا) وعندها اسلم الروح مواجها ربه وبيده صفحة ساطعة تقوض سبات وخلو من في الدهاليز والشقوق...وصل خبر اهانة شمو إلى بنيه(بتي ويونس وهرمز)وقرروا في الحال المجئ إلى القوش بسرية تامة متنكرين بثيابهم العربية ليتفقدوا حال أبوهم وليعطوا من ضعفهم قوة وعزيمة له وعندما وصلوا إلى تله قريبة مشرفة على الدار لاحظوا دخول النساء وخروجهن من البيت..توقعوا أن مكروها حصل لوالدهم وانتظروا قليلا إلا أن خيم السكون والهدوء والظلام المحلة ثم تسللوا إلى حيث الدار...أجهشوا بالبكاء حينما عرفوا أن أبوهم مات وكان حنقهم أعمق عندما علموا أن موته كان بسببهم وانتابتهم الحيرة تجاه ذلك وليس بيدهم حيلة ثم جاء أعمامهم ليواسوهم بمكروههم وحاولوا كثيرا أن لا ينتشر خبر وجودهم..وقبل أن ينبلج النهار وقبل أن ترسل الشمس بخيوطها الذهبية شعروا بوجود حركة غير طبيعية في الجوار واستيقظ الجميع واستعدوا لأي طارئ وعندما توضحت الرؤية لاحظوا وجود الجاندرمة ومعهم المختار..أكيد لم يأتوا لتقديم التعازي بل أتوا ليلقوا القبض على الإخوة الثلاثة وكان يونس شجاعا جدا بشهادة الكثيرين ممن يشهد بالحق وكان بحوزته بندقية بروكلي التي تطلق بواسطة الحشو وإشعال الخيط ..بحركة جريئة وسريعة من المرحوم يونس أطلق رصاصة بينهم فتفرق الجندرمة شذر مذر ومن مثلهم واستغل الإخوة الثلاثة تبعثر الأعداء  وما هي إلا خطوات قليلة حيث تواروا عن الأنظار تاركين أفراد سقلي في حيرة وريبة...نعم لم تمض ليلة واحدة يقضونها في كنف عشيرتهم وفي ظهرانيهم ورغم ثيابهم العربية وولوجهم دارهم في وقت متأخر وقرب دارهم من الجبل إلا أن الطابور الخامس والمندس والذليل والبخيل دائم الاستعداد للخسة والدناءة والإيقاع بالشريف الأبي الذي يأبى التسلق بإقدام الغير وعلى حساب الغير وهم كرملة جرعاء لا تنبت شيئا وان انبتت فسوف تنبت شوكا وعوسجا وأسلا وان سمحت هذه الجرعاء لطير أن يفرخ ويعشش فيها فلا تسمح لغير العقبان والغربان...نعود للقسم الثاني من هؤلاء الذين يركعوا من الصفعة الأولى منهمرين في البكاء وزوجاتهم فوق رؤوسهم يمسحون دموعهم ويربتن على ظهورهم مانحين إياهم الشجاعة فأي نوع من الرجال هم هؤلاء!!قيثارتنا تحتاج إلى راب الصدع وشد الأوتار وإصلاح التالف منها وإضافة التقنيات الحديثة لنخرج بها كتحفة وانتيكة ونجعلها بيد ماهر يلعب بأوتارها صادحا مولولا مخترقا السكون المخيم على أزقتنا واوهادنا وضمائرنا التي أضحت مطبعة نقود ليس إلا...لا يمكن أن تكون قصبتنا على ما هي عليه لولا أناس صناديد وأباة صادقت الوحوش والكواسر هائمة في ألقفاري والبراري رافضة القفص والذل كطير الحباري واضعة دمها على اكفها وما خبت جذوتهم أبدا عندما كان الأمر يتعلق ببيادرهم وقطعانهم وكانوا كصندل طيب العطر ولبلاب يستفيء في ظله من أظناه الوهن في يوم قائظ ...في زمن شمو كانت تحصل مذابح وإبادات ومن لم يسمع ما حصل سنة 1915 في ديار بكر وسعرد وماردين وتوكات ويوزكات والرها والجزيرة ووو وخلالها أبيدت شعوب أصيلة عن بكرة أبيها ومن قتل الفيلسوف مار اوجين ومن قتل مار ايثالاها وكان العالم حينها قابع في ظلمة قاتلة أحدا لا يسمع بانتكاسة الآخر أما الآن فلا ويجب أن لا نكون مثل دون كيخوته عندما حارب طواحين الهواء كعملية يائسة فقط ليقول أنني اعمل وهناك حكمة أخرى تقول إنني اسمع جعجعة ولا أرى طحنا وعلينا أن نسيع الحائط قبل أن ينهار..................






                            Samer_alkass@yahoo.com

15
المنبر الحر / الحَجَل المقيد
« في: 21:29 16/03/2016  »
الحَجَل المقيد
                                 

بقلم...سمير القس يونان
لبنان في  15  آذار  2016
يعتري حياتنا اليومية وبشكل ملفت للنظر ليس حالة بل حالات من الياس والقلق والخوف لما اصاب الانسان اغلب الانسان من انانية وكبرياء وجهل وحب الذات والذود من اجل حفنة من الفضة ومن اجل كراسي بثلاثة ارجل قلقة لا تدوم لاكثر من عدة ايام..لقد استحوذت افرازات وسموم الحياة المادية البحتة على معظم مفاصل حياتنا واضحينا بيادق تحرك وتساق حسب اهواء تلك الافرازات دون ارادة منا..من الطبيعي ان الشر لا يملك ارجل ولا ايادِ يتحرك بها لكنه يبحث ليلقى نفوس واجساد يتقمصها ليحقق مآربه وغاياته وهي كثيرة وسهلة في خضم هذه الحياة المتقلبة اللاهثة والواهية والواهنة..هذا الشر والجشع البشري والهذيان الثقافي والاخلاقي والترنح بين الحقيقة والخيال والابتعاد والنأي عن قيم وعادات وتقاليد يجب ان يكون قتل واستباحة للاعراض وسلب وتهجير واضطهاد وابادات وتمييز ومحو لامم وتغيير لخارطة التوزيع البشري التي اوجدها الزمن ومتقلبات الحياة..حالة من التقهقر الانساني نتلمسها في كل لحظة ونرى وبكل وضوح بروز تيارات جريئة وشجاعة تنادي بالانتهازية ممتشقة سيوفها وخناجرها مسغنية عن اغمادها لتنهش باجساد طاهرة ابت الرضوخ لها..لمقدمتنا هذه قصة جميلة قد تفي بالغرض وتقرب لي الحقيقة لنراها بوضوح:::يحكى ان ذات يوم كان هناك اعرابيا يسير بين الحقول والهضاب قاصدا المدينة لامر يهمه..وبينما كان سارحا مع احلامه فوجئ بصياد يختبئ هناك بين الاحراش..توقف الاعرابي وقصد الصياد والقى عليه التحية..رد الصياد تحية الاعرابي ودعاه للاستراحة معه ويشهق(يدخن) غليونا..لبى الاعرابي دعوة الصياد..استرسلا بالكلام وتجاذبا اطراف الحديث وبينما كان الاعرابي بنفث دخان غليونه قال للصياد::ماذا وكيف تصيد؟؟قال الصياد:لدي حجلا ذكيا جدا وقد دربته ليساعدني على صيد بني جنسه..تعجب الاعرابي وقال::كيف ذلك ايها الصياد..هل لك ان توضح طريقة صيدك؟؟قال الصياد::لقد ربطت حجلي بخيط وهمي لا يظهر للعيان وبالقرب منه نصبت عيونا(افخاخا)وبذرت هناك بالقرب منه بذورا ودخنا..كعادته يقوم الحجل بالصياح ودعوة بني جنسه اليه واذا كان هناك في الجوار حجولا تاتي مباشرة الى حيث الصوت لشعورها بامن وسلامة الموقف..عندما تاتي الطيور تسرع الى حيث الحجل وتقع في العيون لتشد على ارجلها واقعة صريعة وضحية مكيدة الصياد والحجل..اقشعر بدن الاعرابي من تصرف الصياد ومن الحجل الحقير..تعجب الاعرابي من دهاء الصياد ومكر الطير وقرر في الحال شراء الحجل باي سعر يطلبه الصياد..قال الاعرابي للصياد:اتبيع لي حجلك؟قال الصياد:لا لاني اعيش من خلال ما اصيده بواستطه..اردف الاعرابي عارضا مبلغا ضخما للصياد مقابل الحجل دون جدوى..اخيرا قال ساعطيك بوزنه ذهبا..عندها اقتنع الصياد ثم اعطى الاعرابي الذهب للصياد واخذ الحجل وابتعد خطوتين ثم اسدل خنجره او مديته في صدر الحجل وقتله في الحال..انقهر الصياد كثيرا لفعلة الاعرابي  وقال له::ماذا فعلت؟؟هل اشتريته مني لتقتلته؟؟قال الاعرابي انا حر بما افعله..لقد دفعت ثمنه لك..ثم قال الصياد: دعنا من انه لك او لي لكن فسر لي لماذا قتلته؟عندها انبرى الاعرابي ليقول للصياد هذا هو مصير كل من يمهد الطريق لقتل وهلاك بني جنسه..رغم كونه حيوانا فانه خائن ويستحق القتل..ونحن نقول ما هو استحقاق هؤلاء الذين باعونا ويبيعوننا ويمهدون الطريق لقتلنا وتشردنا وبكائنا وتشتتنا في الاصقاع دون وازع انساني وبشري..اليس من المفروض (ولو ان ذلك بعيد عن منطقنا)ان يلقوا في فوهة بركان فيزوف او في غابات الامازون لتعود بهم الحياة الى الدهور المظلمة..ما لي ولبنان..في هذه الايام المباركة الجميلة التي تحمل كل معاني الخشوع والايمان والتامل بتضحية المسيح لاجلي ولاجلك لابعاد الشر عن حياتنا ان اكون هنا بعيد عن قصبتي الجميلة التي تعرفت على الحياة في ازقتها وبيادرها..تعلمت السقوط والنهوض في سفوح جبلها الاشم..ايقنت تماما ان الانسان يجب يكون شمعة وضاءة ذائبة لغيره في كنف كنيستها واوكارها السرية..ادركت ان للحياة صفحات عديدة واكثرها مرسوم بها قطرات دم وعظام مهشمة واطلال كثيرة ونواحات مبهمة من خلال ما قراته من تاريخها وماثرها..كيف لي ان اكون سعيدا وانا بعيدا عن ذلك العبق الصادر من الفرن الوحيد في قصبتي عندما كانوا يطبخون الكليجة فيه استعدادا وتحضيرا للعيد حيث سيلان اللعاب..كيف انسى عندما كنا نبحث عن البيض القوي والخشن واصباغه لنكون متاهبين للعب بالبيض(نقوري)...كيف وكيف..   


16
ريجو قس يونان...قصة استشهادهــــا الغريبة

بقلم سمير القس يونان
العراق في  13  شباط     2016
المرحومة ريجو قس يونان عقيلة المرحوم أوراها كجوجا أم لخمسة بنين وثلاث بنات جميعهم متزوجين واغلبهم آثر الهجرة والضياع في تلك الأصقاع الغريبة وهي من مواليد 1917 ربت أولادها بعز واحترام متكاتفة مع زوجها متحملين جور الحياة وثقلها مهشمين نير الفقر وقحط الأيام بهمة لا تلان وعزيمة تجعل من الفولاذ يحسد صلابتها راكلين العقبات والمطبات بتلك الأقدام الجبارة غايتهم تأسيس أسرة سعيدة يكتنفها الود والاحترام ...لو تصفحنا أسفار الحركات الثورية عبر نضالها الطويل والدامي يطفو على السطح بعض من تلك الشذرات دائمة الألق والسطوع لا تعرف الأفول ولا السدول ترى في الليل والنهار في أديم السماء يستدل بها ليس من في الصحراء فقط بل من شحت عنده الإنسانية الحقة وجفت لديه تلك الينابيع التي تروي الروح والحياة وزاغ عن المعاني السامية عن المبدأ والهدف والطريق والمعتنق الذي لا يغره ويثنيه مال الدنيا واقنية الذهب...إحدى تلك الشذرات بل النسمات والمحطات التي علينا الوقوف عندها والتزود بالطاقة والوقود لنشق عباب الريح ونعيد صياغة صليب المسيح والتي من خلالها أيضا نستقي معنى البذل والعطاء ونستنبط من موتها الغريب حياة لا موت لها وينبوعا نرتوي من ماءه الرقراق بمجرد سماع خريره هي أم الجميع والتي لفها طي النسيان لسبب أو لآخر هي المرحومة ريجو أم لهامات شاخصة لا زالت آثارهم عند كل عين ماء واسمهم منقوش في كل كهف ولجوه بجانب تلك الرموز والرسوم والطلاسم التي وضعت من قبل الأقدمين...لنسمي هذه الأم الثكلى أيقونة..كان لهذه الأيقونة ابنا قد التحق بأنصار(بيشمركة) الحزب الشيوعي العراقي عام 1981 اسمه صلاح والمعروف بين رفاقه باسم( مخلص )يجوب جبال كردستان محملا ومثقلا بهموم شعبه وأهله رافعا مشعل الحرية رافضا الدكتاتورية عاشقا القمم الشماء وبسببه في 25 تموز من عام 1988 سنة الأنفال سيئة الصيت قام النظام المقبور وأجهزته القمعية المتنفذة بإلقاء القبض على عدد من آباء وأمهات الأنصار وحملوهم بشاحنات للجنود غير مبالين سنهم وحالتهم الصحية وابلغوهم أن لا يعودوا إلى ديارهم إلا برفقة أبنائهم الذين التحقوا بالأنصار وبالمناسبة كان شقيقه نادر يقبع في سجن بالموصل للسبب نفسه وبعد رحلة شاقة وعناء كبير ومعاملة رعناء واهانة صريحة تم جلب هؤلاء المساكين إلى ناحية اتروش التابعة لقضاء شيخان حيث بعدها لا تواجد لقوات وربايا النظام...بعدها انقطعت أخبار أم مخلص ولتكون الفاجعة مطلقة الواقعية جمعنا معلومات كثيرة ومن أفراد كانوا بمعية الأيقونة في الإبعاد والقرية التي نزلوا فيها ضيوفا إذن بعد المشوار الصعب من القوش عبر شيخان فاتروش ثم إلى تلك السيطرة إلى الشمال من اتروش المزعجة وبالمناسبة ونتيجة للتذمر الكبير من قبل الناس نتيجة للتحرشات والمضايقات من قبل هذه السيطرة تم تأديبها بعملية عسكرية مؤثرة وكنت احد الأنصار ضمن المجموعة المتكونة من الأنصار صباح و سالم  و سلام  و خالد و رزكار وغيرهم...ترجلوا جميعا عند السيطرة سابقة الذكر من تلك الشاحنات العسكرية وكانوا قد تقصدوا بنقلهم بهذه الطريقة للنيل من كرامتهم وعزهم وإذلالهم أمام العامة وسيقوا كما تساق الحملان للذبح والهراوات تنهال عليهم من عناصر السيطرة إلى مسافة وتركوا هناك لا يعرفون ماذا يفعلون ومن هنا لا نعرف ماذا حصل لهؤلاء المظلومين كما وانقطعت أخبارهم وفي تلك الأثناء كانت ابنتها يازي تسال عن مصير هؤلاء المبعدين وخاصة أمها من ذوي المبعدين دون أن تتوفق في الحصول على معلومة تفتح أساريرها وتقلل من همها وقلقها... وبعد مرور خمسة عشرة يوما وعلى حين غرة وصلتهم معلومة أن امرأة كانت قد أبعدت من اجل الإتيان بابنها واسمها أسيت عيسى والدة النصير غالي  موجودة في القوش في مكان ما وبعد محاولات حثيثة تكللت مساعيهم للوصول إليها بالنجاح والتقوا بالسيدة أسيت خفية دون معرفة احد وشرحت لهم ماذا جرى لهم من لحظة تركهم بالقرب من السيطرة سيئة الصيت وقالت ما يلي:::بعد أن أُجبرنا اجتياز السيطرة وباستعمال هراوات وأخمص البنادق وتوجيه كلمات جارحة ومخزية من قبل الذين جلبونا وطاقم السيطرة أيضا سرنا على شكل رتل عبر الشارع المؤدي إلى مصيف بلكيف ولم يكن الجميع بتلك القدرة ليتمكنوا من السير المستمر وكانت الأيقونة احد هؤلاء وهكذا وبعد تجشم عناء الطريق والاستراحات المتكررة وتحمل منقطع النظير وصلنا إلى قرية بيبوزي ثم إلى قرية دحلا نوي القريبة من الأولى والى الجنوب منها...مكثنا ولا زال الكلام للسيدة أسيت في هذه القرية يومين متتاليين وبما أن المهمة التي قدمنا من اجلها عقيمة وهي الإتيان بأبنائنا لذلك اتفقنا على الرجوع إلى الداخل ولكن من طريق آخر غير الذي أتينا منه وفي صباح اليوم الثالث تركنا جميعا القرية سالكين طريقا صعبا وطويلا وبما أنها لا تعرف أسماء القرى التي مروا بها سوى بعضها استطعت تخمين الطريق الذي رجعوا منه وهي عبر حسنكة – نصرة- ربتكي- كانيكة- كهربا- كاني مزن- ميزي – جمانكي- سواري- سبنداري – ثم سواره توكة...الكلام للسيدة المبعدة ثم انطلقنا إلى عدة مدن منها الموصل وبغداد وكركوك وقسم إلى القرى القريبة من القوش بعيدا عن عيون الأمن والجواسيس والعملاء وأما بالنسبة إلى العمة ريجو فلم تستطع المجيء معنا بسبب صحتها وكانت قد ازدادت سوءا ونحن هناك بسبب الطريق من اتروش إلى دحلا نوي وثانيا عدم تناولها الدواء حيث لم يوفروا أي الأوباش فرصة لأخذ أدويتها فأبينا أن نتركها ونغادر وتم الاتفاق فيما بيننا أن تقفل راجعة بنفس الطريق الذي أتينا منه ويأخذها احد الطيبين إلى السيطرة ومن هناك تكمل مشوارها بواسطة السيارات إلى القوش فتوسلنا من عدة أشخاص لأخذها إلى السيطرة الملعونة بواسطة جرار أو جواد ولحسن الحظ انبرى شخصا شهما اسمه يوسف وأتصور هو المختار القرية وتكفل بإيصالها غدا إلى نقطة قريبة من السيطرة...وحال سماع هذه الأحداث دب الخوف والقلق ابنتها يازي ومن معها وأقاربها وما زاد من الموقف إحراجا وصعوبة ماذا عليهم فعله وهم لا يستطيعوا الذهاب وان استطاعوا فأين يذهبوا ومن يسالوا وأين يفتشوا وهم يجهلون المنطقة تماما وهي منطقة مخيفة أحراشها كثيفة ووجود ربايا مطلة على الوادي وفي هذه الأثناء واللحظات الصعبة والحرجة اقترحت السيدة أسيت أن يحاولوا استحصال موافقة الأمن بالذهاب والتفتيش عنها وسأكون حاضرة للمجيء معكم دون أن يعلم احد وانفتحت أساريرهم بهذا المقترح عسى أن تكون أمهم بخير وربما قد مكثت لدى أولئك الأشراف...خرجوا من الدار دون أن يصدروا أية حركة  أو جلببة تنم عن شيء غريب وكان شغلهم الشاغل بمن يتوسطوا لاستحصال الموافقة ولكن بعد محاولات عديدة وجدية حصلوا على ما أرادوا وكانت لحظة حبور وسعادة عند معرفتهم ذلك وابلغوا السيدة التي سترشدهم إلى المكان وفي اليوم الثاني كان الجميع مقلين سيارة واحدة تنهب الأرض قاصدة دحلا نوي وكانت رحلتهم سليمة دون أي اعتراض لامتلاكهم أذن المرور وبعد ساعتين من السير المستمر وصلوا إلى القرية...بعد وصولهم القرية سألوا عن بيت يوسف الذي اقلها وكما هو متفق إلى القرب من السيطرة وخلال دقائق دخلوا الدار وإذا بالسيد يوسف موجود ورحب بهم كثيرا بعد أن عرف من هم وبعد استراحة قصيرة وأول سؤال بادر به استفساره عن صحة العمة ريجو وما هي أحوالها لقد أثار هذا السؤال زوبعة من الحيرة والقلق والاحتمالات فبادرت السيدة أسيت الم نكن قد كلفناك بأخذها إلى تلك السيطرة الملعونة وأردف السيد يوسف قائلا:::بعد أن ذهبتم بقت تلك المرأة العجوز عندنا ليوم آخر لتسترد عافيتها لتستطيع مقاومة أعباء الطريق الذي ستسلكه غدا وكانت حائرة خائرة القوى يائسة مهمومة لا تقوى على الكلام محبذة للنوم وكانت صحتها عليلة وتشتكي من أمراض كثيرة وكان وضعها النفسي لا يحسد عليه تبكي دائما وكانت على علم يقين أن ابنها النصير مخلص لا يمكن أن يرضخ لأساليب المارقين وكانت مصرة على الرجوع...وهكذا في 29 تموز امتطت جوادي بمساعدتنا امتطته بصعوبة بالغة وكانت مثقلة بهموم وتبعات زمننا الذي اندثرت وتلاشىت منه الأخلاق وانزوت الإنسانية في دهليز مظلم تعيش فيه الصراصير ومدمني المخدرات والدعارة وجَهزت حقيبة فيها قليل من الغذاء والماء الذين ستحتاجهما وتوكلنا على الله وغادرنا القرية وكما هو معروف أن الطريق من هنا إلى بيبوزي ثم بلكيف وصعودا نحو السيطرة يتطلب وقتا أكثر من ساعتين والطريق شائك وخطر ومتعب لامرأة مسنة ولكن ما العمل وهكذا انطلقنا نحو الهدف ورويدا رويدا كنا ننهب الطريق ودائما كنت اسألها عن صحتها وقليلا كان يصدر منها جوابا فكانت تجاوب بإيماءات وخلال ساعتين وأكثر كنا قد وصلنا بالقرب من السيطرة بمسافة اقل من مائتي متر وبصعوبة بالغة أنزلتها من الجواد وجلسنا على قارعة الطريق ردحا من الزمن متأملين قدوم سيارة ما لكن بدون جدوى وكان الوقت ظهرا عندما تركتها وها أنا الآن أمامكم وكل تصوري إنها الآن بين أهلها ترفل بالصحة والعافية...كان وقع كلام السائس كالصاعقة هزت كيان السامعين لان ذلك لا يعني إلا أنها غادرت الحياة ولكن أين هي ومن أخذها وماذا حل بها وهناك أصيص أمل بالنجاة ربما أخذها احدهم فاقدة للوعي إلى مستشفى قريب ولكن ذلك كان قبل عشرون يوما ولا بد أن يصلهم خبر رقودها المستشفى خلال هذه الفترة الطويلة إذن أين هي عم الصمت والهدوء بين الجالسين وفجأة أردف يوسف قائلا بانه سيذهب معهم ليرشدهم على المكان الذي نزلت فيه وفي الحال اقلوا السيارة التي أتوا بها وذهبوا إلى تلك البقعة المشئومة...وخلال أكثر من ربع ساعة كان يوسف يأمر السائق بالتوقف وقال هنا تركتها وترجل الجميع من السيارة وبدون عناء وخلال بحث بسيط كانت الفاجعة والطامة والكابوس والنهاية حيث كانت أشلاء من جسدها الطاهر مرمية هناك وبدا العويل والأنين والنواح والتأوهات وأجهش الجميع بالبكاء ليس لموتها فحسب حيث الجميع يموت ولكن لطريقة موتها النادرة والشاذة وهي أم لقبيلة من الاوادم ولا احد استطاع نجدتها  وآه لحظها العاثر.. لماذا لم يمر أحدا من هناك حيث الطريق معبد وتقع عليه أكثر من سبعة قرى ..في الحال تم التداول بين الحاضرين ما العمل ورسوا على الرأي التالي بان يرجعوا إلى القوش ويبلغوا الدولة والحصول على موافقة جلبها ودفنها في القوش وتوجهوا إلى مسقط رأسها  ووصلوها بسرعة قصوى واتصلوا بالأمن وشرحوا لهم القصة ووافقوا على جلبها شرط أن لا تدفن كباقي الاوادم ويشترك نفر قليل جدا لا يتعدى عدد الأصابع في دفنها وشرط آخر أن لا تقام مراسيم العزاء واستقبال الناس للمواساة لئلا تنكشف فعلتهم الدنيئة وهم محترفين وسباقين بهذه الأنشطة...في اليوم القادم ومنذ الصباح الباكر توجهوا نحو موقع الرفات ووصلوها باكرين ثم وضعوا الأشلاء في النعش بعد أن عطروه بالمسك والعنبر والياسمين والبخور ثم أتوا به إلى القوش ودون القيام باستخدام الناقوس وبأية مراسيم وعادات خوفا من  الجواسيس وتلاميذ الأمن وبعد صلاة بسيطة دون أن يشترك بها أناس كثيرون كالعادة ثم وارى النعش الثرى الطيب واقفلوا راجعين لا يستطيع أحدا الذهاب عندهم لتطييب خاطرهم وتقديم التعازي...هذه هي تراجيديا استشهاد العمة ولكن يعوزنا شئ مهم وخطر وصعب وهو كيف فارقت الحياة وليس هناك من شاهد ورأى ما حصل لها إذن لندخل هذا الدهليز المظلم عسى أن نخرج إلى الجانب الآخر بأمان فتعالوا معنا!!! نعود إلى الأيقونة التي أصابها الإعياء وتدهورت صحتها إلى درجة لم تستطع الوقوف على قدميها وكان الوقت بعد الظهر وفكرت أن تستريح قليلا لعلها تسترد بعضا من قوتها وعافيتها لتمكنها للوقوف وإتمام السير نحو الهدف القريب أو ربما يمر أحدا من هناك يساعدها ولو أن الاحتمال الثاني شبه مستحيل وهنا ولأنه لا أحدا شاهد ما جرى نستسلم للخيال لينسج سيمفونية محزنة ربما نحقق جزءا يسيرا جدا مما عانته ومما جرى في تلك اللحظات التي ترائي التاريخ كله أمامها وماذا سيحل بها تلك الأم التي ربت ثمانية شبانا وشابات متحملة الزمن العاتي ومطبات الحياة المزعجة ورفسات الدهر الموجعة والغير متوقعة في عراق جفت فيه سبل المحبة كما وكبت على أرضه تلك الهامات التي أسهمت في بزغ فجر كله شمس وافتخار...احتمال آخر ربما سيطر عليها الخوف واليأس بعد محاولات عديدة للنهوض والسير نحو الخلاص وما زاد من وطأة الأمر إدراكها التام بان الليل قادم وستبقى وحيدة تعاني الرعب من تلك الأصوات الموحشة للحيوانات المنتشرة في تلك الأودية العميقة ووحيف الأشجار التي تغطي الجبل  وماذا سيكون مصيرها وأسئلة كثيرة خطرت ببالها بسرعة البرق ولا جواب وربما بعد يأس مطلق وانحطاط نفسي قاتل وتزايد آلامها وإنهاك جسدها قد أسلمت لنوم نهائي لم ترجع للحياة بعدها...ربما كانت الليلة الأخيرة لها في هذه الأرض وقد تكون فارقت الحياة كموت طبيعي لعدم تناولها الدواء وهي تعاني من أمراض كثيرة ومن لجة الألم وعدم تحمل جسدها الإرهاق والتعب التي أُجبرت عليه والخوف من الوحدة والمجهول وإدراكها التام بان أية وسيلة تطلب فيها النجدة عقيمة ولا تجدي نفعا وبذلك يكون اليأس سببا رئيسيا لمفارقتها للحياة وان كان موتها هكذا فهي نعمة ورحمة حيث أسلمت الروح بسلام ورفق فيما لو قورنت مع موتها بطرق أخرى...واحتمال آخر فبعد جلوسها وعدم قدرتها على السير وانتظارها أحدا يأتي وينقذها ولكن وبمرور الوقت دون ظهور أصيص أمل وربما أخذت تجهش بالبكاء جاعلة من أنين البكاء وصخبه بل ربما أخذت ترتل بعض الصلوات أو تلك الألحان التي كانت الأمهات ترتلها أمام المهد جاعلة من هذه الجلببة كلها صديقا ومشجعا ومسليا لها في ذلك الصمت المطبق الرهيب  ثم استنفاذ كل السبل والحيل وحلول الليل واستسلامها لنوم عميق ثم مجيء حيوانات مفترسة ونهش ذلك الجسد البرئ الذي أثخنه هم وغم السنين العجاف...وهنا تراجيديا الإنسان والحيوان فمن أين تبدأ هذه الجائعات بالنهش أهل تبدأ بالرقبة كعادتها فان الجسد كله مخرم برصاص الزمن العاثر وتلك التقرحات والقيح النازف ونبض القلب المضطرب جعلت من تلك المفترسات تقف إجلالا وخوفا من ذلك الجسد البرئ وتلك الهالة الوضاءة المنبعثة منه رغم حيوانيتها ووعيها المتدني وبذلك تكون أكثر رحمة ودعة من اولئلك الأوغاد الأوباش الذين اغتصبوا خلوتها وعمرها وأمومتها ورحلوها إلى هذه البقعة التي يحكمها ويسودها الحيوان والجن ولكن وبعد انتهاء الفصل الأخير من مسرحية( سابقي حيوان) أكملوا رسالتهم المعهودة وحينها زلزلت الأرض وأسدل الليل حجابه وقامت المخالب والأنياب بجريمتها النكراء...    نعم تجمعت الحيوانات وكانت حائرة ماذا تفعل بهذه الوليمة بهذا الصيد الثمين الذي وفرته لهم أناس عَمَتْ بصيرتهم وشَلَتْ أطرافهم واكفهرت أساريرهم وشَحَبَتْ ثغورهم وقوضت مضاجعهم وثَلَمَت حِرابهم عند سماعهم كلمة شيوعي أو تقدمي أو ثوري والعمة الأيقونة ليست الأولى ولا الأخيرة فهناك حسيب ومنهل وحكمت وتماضر وجمال ومنصور ونوري أبو سمرة وأبو علي والمئات بل الآلاف على هذه الشاكلة وأيقونتنا نموذج عميق متكامل كان الغبار قد أنسانا إياها مثل الآثار التي كانت مقبورة تحت طبقات التراب وعلى حين غرة نكتشف قيمتها وبريقها بعد  نفضنا عنها غبار الزمن وترسبات الأيام ليتعرف عليهم من اعتبر نفسه من أهل الكهف ويدرك من اعتلى العرش وقبض بالصولجان بكفين من حديد إن التاريخ قد حددت معالمه بتلك الريشة وذلك الوتر وهذه القلم وباقارير من الدم القاني والدافئ...أية موتت لام ثكلى أعطت كل شيء ولم تأخذ شئ هل يوجد نهاية أتعس من هذه لام رفدت العراق ببنين وبنات قدموا الكثير للعراق في أعراسه وشجونه أهل  كوفئت بتلك الهدية التي يكافئ بها الموظف عندما يحال للتقاعد ولكن أمنا وإيقونتنا قدمت هدية ووليمة لذيذة للذئب والدب وباقي المفترسات كما وكحل مشوار حياتها الطويل والمضني بتلك الاهانة الشديدة والصريحة عندما وارى جثمانها التراب وكأنها إنسان حرم من دينه وحكم عليه الشعب بالرجم والحرق لاقترافه إثم لا يغتفر وذنب لا ينسى هكذا هو العراق وسيكون فيه الحق ونصله معقوف والأبي والشهم تاريخه محروف والرفيع والنديم والعليم دمه منزوف..أليس هذا طلسما مطلوب منا سبر غوره وكأسا نرتشف منه درسا وعبرة وصومعة نختزل منها ترتيلا ومزمورا وإرادة وأزميلا كان قد اغترف الرقيم والخزف والحرف وحكيما(طبيبا)استحوذ على الكمون والزنجبيل والعسل والاليسون يعمل منها خلطة يشفي السقم والعلة وأنينا وآهة تولول في كل زقاق وعتبة تصم الآذان كسيمفونية البجع وسراجا استخدمه بهلول ظهر احد الأيام باحثا عن ادمي الم يكن نزالا صعبا لم تشهده حلبات الملاكمة والمصارعة على مدى الأيام نعم أنها مفخرة يعتز بها من تاق إلى المعالي بعضلات مفتولة وطرق شائكة وهي أيضا نميمة وعار لكل من لا يتخذها زوبعة قلعت الضمائر المستترة والعقول التي خدرها أفيون الجيب والكرش والأنانية المقيتة...لنفهم التضحية من خلال أمنا تلك الأم المرمية في العراء ولمدة لا تقل عن عشرين يوما وما قاست وعانت قبل أن تحتضر وتسلم الروح فهي دخلت التاريخ بسبب معاناتها وطريقة استشهادها بينما لو رحلت وهي في دارها مع بقية أسرتها المتمثلة بالأب فقط لما تحدث عنها احد وكتب عنها احد وفي حينها كانت بعض الدموع ستذرف  لها أما الآن فان دموعا سخية ستخرج من المآقي عند قراءة قصتها المؤلمة وليكن قد مضى عليها أكثر من ثلاثة وعشرون سنة وسينبلج صباحا نقيا حين ذكرها وغيرها ممن جعل من ليله اسطوانة حب وسكينة لغيره...بقى الأب وحده يصارع الألم والمرض والفراق والوحدة ووجد له صديقا لم يكن في باله انه سيصادقه ألا هو الحزن والأنين واستمر الحال والمنوال لفترة ليست بالطوال إلا أن انقطعت الأخبار عن المحلة وبدأت الناس تسال أين العم أوراها هل هناك من رآه هذه الأيام ولا من مجيب وهناك من اقتحم الدار باحثا عن العم وبدا الصياح والمناداة داخل باحة الدار الكبيرة ولا من مجيب واستمر الحال هكذا ودخل الجيران وكان احدهم قد اشتم ريحة غريبة واقترح احدهم أن يعتلوا السطح لربما يكون هناك وكان ما أراد وما هي إلا دقائق بائسة مؤلمة يا ليتها لم تأتي حيث بعدها شوهد العم ومن هيئته ووضعه تبين انه قد فارق الحياة قبل عدة أيام...                                         

17
المنبر الحر / ألا يكفي
« في: 23:18 13/11/2015  »
 
ألا يكفي
                         
بقلم سمير القس يونان              القوش في 13  ت2   2015
هكذا علمتنا الحياة..اذا لم تسعى بجد وتفاني الى اشعال السراج وجعله منيرا مضيئا فلا احد ياتي ليشعله بدلا عنك..بل العكس ونحن نعيش حياة بائسة بين بشر لا يعيرون للغير أي احترام عليك بعد ان تنيره ان تحافظ عليه من الرياح العاتية التي تهب من كل حدب وصوب والتي تحاول اطفاءه وقلعه من قاعدته..عراقنا الذي وافته المنية على يد زمرة لا تعرف للقلم ممسكا ولا للعلم مسكنا ولا للاخلاق موطنا نحر وذبح بمدية عمياء على مذبح الرذيلة الذي اقامته تلك الزمرة..عراق الجبل والوادي تلك الحديقة الغناء في السدير والخورنق عراق الحب والفداء عبر الملوية والاسد عراق النبوغة والعلاء في الثور والمسلة وعراق الفلك والنماء في بابل والمعرة..عراق العلم والشفاء في اكد وسومر عراق الحضارة والمدنية في اشور وبابل..لو نبقى نستمر في وصف وتمجيد العراق(العُراق)لشلت الانامل وبطل المداد ولا زال العراق كما هو بما يكتنفه من حب وغموض ومن حرب وسلام ومن ذئب وشاة..نرحب بمشيئة الخالق بانه القانا في هذه الجنة الملتهبة وفي هذه المروج الصفراء..جنة لا خمر ولا عسل لا حواري ولا جواري..نشكره بانه اوجد لنا اناس يرددون كلمة الله نياما اصحاء!!!!سبروا اغوار العلم وفي جميع ميادين الحياة فقهاء!!!!رددوا القَسَم فداءً ووفاءً للوطن كرماء نجباء..اختلط ليلهم بنهارهم عشقا وهياما بارض الانبياء..يلتهون جردقهم وهم في العمل وان طعنوا بالسن كأِمرأة درداء!!!اي حب هذا لا يكل ولا يمل كذئب بين قطيع لا يبطل عواء!!ارايتم اية ملة انتم؟؟اتلمستم مدى روعتكم في الغباء والتخلف انتم؟؟اتشاهدون مدى جهلكم وضحالتكم وتماديكم في الانحطاط والرذيلة؟؟؟اذا اردناكم بالعمامة فانتم لها واذا بالمحبس والسبحة فانتم خير من يقلدها واذا اردناكم للكذب واللصوصية فلا احد يجاريكم..لقد جعلتم العالم يسخر منكم وجعلكم قبل القرود مقاما ومع هذا تقفون امام الكاميرات تضحكون بملأ شدقيكم وكانكم اجتزتم خط بارليف..لقد سرقتم الكحل والمسك من عين الغجرية الشهلاء..اضحيتم تملكون شركات طيران واساطيل بحرية لتسهيل عملية تحويل كوبونات البترول التي تقدر مليارات الدولارات الى الخليج وربما اسرائيل من يدري..اذا كان البرلمان والحكومة على هذا المستوى من البلع والنهم والشراهة لا معنى لها فلا عتب عليهم عندما سرقوا ويسرقوا حق وحاضر المسيحيين وباقي الاقليات العرقية العريقة عراقة العراق يا عراقيين..اثار تصويت مجلس النواب الكشخة على قانون البطاقة الوطنية في 27/10 من هذا العام جدلا وفزعا وقلقا وخوفا لدى كل من هو غير مسلم..كانت المادة 26 فقرة 2 سيئة الصيت تؤكد وتنص(يتبع الاولاد القاصرين في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الابوين).. وخرجت العديد من منظمات المجتمع المدني والشرفاء والنزهاء من الشعب مستنكرة وشاجبة ورافضة هذا القرار الجائر..وجاء النص معارضا مع ما جاء في الشرع الاسلامي(لا اكراه في الدين)وجاءت مخالفة لما ورد من مواد ونصوص في الدستور العراقي ومنها المادة 3 (العراق بلد متعع القوميات والمذاهب،المادة 37 فقرة 2(تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني)،اما المادة 42 تنص على(لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة).من جانب اخر لو كانت جميع الدورات السابقة للبرلمان تكن خيطا من الاحترام للاقليات الدينية والقومية في العراق لراجعت الدستور ولعثرت على المادة 21 الفقرة 3 من قانون الاحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972 المعدل المجحفة وحاولت ازالتها او تغييرها والتي تنص على(اذا اشهر الزوج او الزوجة الاسلام فان الاولاد القاصرين يعتبرون مسلمين،وعالى امين السجل المدني مامور النفوس تاشير

ذلك في سجلاتهم المدنية دون علم القاصرين).نعم ما بدؤه صدام ومن قبله يتم استكماله وعلى قدم وساق من قبل الاحبة الذين يضحكون على الملأ ويتشدقون بنظام ديمقراطي كونفدرالي تعددي مستهزئين بنا وضاحكين على ذقوننا التي غزاها الشيب لاجل العراق..ايضا يمكننا الجزم بان احد الاسياب التي تجعل من تعيش معه يحترمك ويتحسب لوجودك ويسمع صوتك عندما تكون قويا وان تمسك العصا لا في الطرف ولا في الوسم الا عند الثلث الاول لاحد الطرفين..ولا يمكن ان نتمتع بالقوة ونحن على هذه الشاكلة المخزية المقرفة من التشتت والتهرئ..وسؤالي للكل..هل هناك تناغم روحي ومبدئي بين ممثلينا في البلمان؟؟لما لا يكون صوتنا مهما كان موحدا مؤثرا؟؟اتعتقدان ممثلا المجلس والحركة ان ينفردا ويذهبا اينما ذهبا ستلقيان احتراما وتقديرا واذنا صاغية اكثثر مما لو ذهبت مع ممثلي الكنيسة والطوائف المسيحية الاخرة وممثل الوركاء الديمقراطية..لربما مكانتكم الرفيعة وصولاتكم في سوح الوغى تجعلكم تستنكفون السير مع من ذكرناهم..اذا كنتم تعتقدون ان احدا سيعيد اليكم ما سرق بالكلام المعسول وبهز الاكتاف و وو ونسيجكم مهلل فانتم على خطا ولا تعتفدوا ان الذي ذهبتم اليه وستذهبون مستقبلا لا يدرك مدى وزنك وتاثيرك وصوتك اذا كان جوهريا صادحا او مبحوحا ناصيا..كان المفروض ان لا نعتب ونعيب احدا بل ان  نسلط جام غضبنا وعتابنا لاهلنا الذي يكرهوننا وهم الذين يمسكون السراج في ليل حالك ليستدلوا السارق على مكان الكنز.......

18
المنبر الحر / بحر بلا دموع
« في: 15:55 14/08/2015  »
بحر بلا دموع
                   

بقلم سمير القس يونان
بيروت في     14 / آب  / 2015 
يقول البحر(السيدة ثائرة قاشا)كانت حياتنا هانئة ومستقرة يسودها كل معاني الحب والاحترام وذلك عندما بدا مشوارنا في 25/8/1979..نتطلع الى غد باهر ساطع تغدو الشمس والربيع قطبيه..كان كل شيء سهلا وميسورا ومتوفرا والفرحة تملئ شدقينا والحبور طافح وغادق اركان اسرتنا البسيطة..كنا نحملق ببعضينا متفقين على قهر عاتيات الزمن وتقلباته ومحاولة العوم بماء مهما كان صاخبا ولاهيا وعكرا..كنا قلما نفارق بعضينا نعيش الحياة كلها وليس اخماسها نقاسم الترح قبل الفرح نتسابق على اضافة لبنة لجدارنا المتين المحبوك والمجبل بطيننا المسيع..كنا دائما نقول::وماذا بعد،،لاننا كنا ننجز ما يجابهنا باصرار وتحدي غير مسبوق الى درجة لم نترك شيئا معلقا اؤجل تنفيذه بل كنا نبيد ونزيل اية عثرة او صخرة وقعت لحالها او القيت بطريقنا بهمة عالية وشكيمة لا تلان..كان الحب اسيرنا،لم نجعله يوما يفك وثائقه عن معصمينا كاسوار نُقِشَ عليه اسمينا..كان الحب قلادة مرصعة تتدلى من عنقينا متشبثين بالحرفين العظيمين لصهر كل اشكال الصقيع..كنا نتشبث بتلابيب الامل ونجعلها نياشينً نصبو اليها..نحلق مع النورس تارة نحوم وتارة نغطس كسهم الى الماء للعثور على سمكة او قريدس يشفي غليلينا اما وحيف اجنحتنا يُسمع من بعيد..نرتشف ذلك الشهد الساحر من الشقائق والبان والبنفسج ليفوح من جسيدنا عطرا وعبقا طالما اشتهاه العشاق..كان الربيع ديدننا وياذننا عندما يدنو بفرش الارض لما كنا عليه من هيام وود واحترام..وما لون حياتنا وجعلها نظرة وزاهية بنتينا( سونيا وتانيا )اللتان اضفتا كوكبين جميلين الى مجرتنا لتضحى زمردة في بحر السماء..هكذا كانت بداية المشوار..ثم وعلى حين غرة أُطفاتْ انوار المسرح لتبدا فصول اخرى احداثها مؤلمة..فصول لا تشبه احداها الاخرى وكانها انتقيت من اماكن وثقافات وافكار وميول مختلفة تماما..كيف ذلك ونحن تعودنا ان تكون الفصول والمشاهد مترابطة ومتعاقبة ومتسلسلة..لا ستارة للمسرح والكلام ممنوع لان الايماءات كانت كافية بايصال الهواجس والاختلاجات للمتلقن الجالس على تلك المدرجات..قصتنا وحياتنا تختلف..كان نهار  2 / 12 /1982عندما اثيرت اطلاقة نارية ملعونة من يد لا بد وانها شُلَّتْ لاثمها ودناءتها..اطلاقة حائرة اين تذهب فما كان منها الا ان تستقر في جسد حبيبي(قيس) ورفيقي وصديقي..استقرت في بقعة قد تكون اهم واحس واسواء بقعة في الجسم بحيث اسقطت نصفي(حبيبي)مرميا هناك لا يقوى الوقوف وعندها اضحى كطفل يحاول مسح الارض بثوبه ليتعلم الوقوف والمشي..سقط العندليب مخضبا بدمائه يتلوى من لجة الالم محاولا تحريك منقاره مناديا اياي لاداوي جرحه ببلسم جمعناه من اوكار الريم والايل عند المرتفعات..سقط العندليب ليجعل الجنينة يتيمة بغيابه فمن سيعوضها زقزقته ولونه ووحيف جناحيه..خيم الظلام وجاء الغلام نستعلم منه اخبارا عن حبيبي المقدام..فاذا به صامتا لا يقوى الكلام خنقته الحسرة منعقدا لسانه لا يحبذ الاعلام..قلت ماذا بك افصح ما عندك!!اجرى شيء تعجز معالجته الانام؟؟اهل وقع حبي اسير الغدر واغلال الظلام؟اسقط خليلي كحمل وديع ضحية الحبائل والاثام؟اهو هناك مرمي وقد اصابته الخناجر والسهام؟؟انتظرنا عودته ولكن دون اثر ولا طيف ومن هنا بدا الفصل القاتم لمسرحية حياتنا كليل داجي لا تُرَ فيه الا عيون الحيوانات وخيال النجوم والمجرات..فصل لم تفتح فيه الستارة ولا حاجة لذلك لان الانين


والالم كان قويا يكاد يصم الاذان..فصل طالت فيه الساعات لتصبح اشهرا وسنين..فصل اختلط فيه الليل بالنهار ولم اعد ارى الاشياء على حقيقتها بسبب الدموع ومياه الاحزان(لا زال الكلام للبحر)..اي حظ هذا فيه يقتل الحب والشاهد ذلك الكروان.. لقد اضحى مكمل احلامي جليس كرسي وكم حاولنا وبذخنا اموالا وجهودا ومحاولات ومساعٍ لكنها فشلت في ايقاظ حلمي وبقيت هائمة ومثقلة ومهمومة ولكن وفي خضم حزني وتاوهي قلت له:لا تهتم ومن الان ساكون لك رِِجلا ويدا وساعدا وخطوة وساجعل الايام تحكي وتحيك اسطورة قد تفوق بعطرها ووقعا ومداها اسطورة كلكامش ايام زمان..قالت كل هذا الكلام وهي واثقة من نفسها انها خلقت لتصنع وتفعل شيئا قلما صنعه غيرها وعندها استعدت للنزال وخوض جولاته الصعبة..اما انا كاتب هذه السطور ارى نفسي إزاء مهمة عسيرة حيث علي انتقاء جمل وصور تعبيرية تلائم وما قدمته ايقونتنا في التغلب على معاناتها ولتكون خير منقذ ومؤنس لزوجها..دون ان اعي وجدت نفسي وانا اصارع الموج الصاخب والحامل بين ثناياه ظلام وغطس وموت وهلاك..ابحرت كثيرا لاعثر على عنوان لمقالنا هذا فكانت معظمها عاجزة عن التعبير لحالتنا..غطست اليم لاسال القناديل لانها الوحيدة التي كانت وديعة وشعرت ببرائتها وشكلها الجذاب عن عنوان لقصتي لربما يشفي غليلي وكان جوابهم ان البحر ومخلوقاته بعيدة كل البعد لمرادي..اقلت البساط وحلقت بعيدا حيث الثريا والجوزاء وطلبت من البساط ان يكبو لاسال الثريا عن حالة كحالتنا ربما حدثت عندهم ليساعدوني بعنوان ملائم وكان الجواب سلبا..عدت ادراجي وزرت السحرة والمشعوذين وفتاحي الفال اخذا بنظر الاعتبار عن طلباتهم التعجيزية وكنت مستعدا لتوفيرها ومنها عظم الهدهد وحليب السنونو وكانوا جميعا في وادي وانا في وادي اخر..واخيرا وبينما كنت احملق في البحر المتوسط وانا عند الشاطئ في لبنان في بيبلوس الفينيقية عجبني اتساع البحر وانحنائه وموجه وعطائه  بل ما يزخر به من ثروات واسرار وانفاس وكائنات تحت سطحه فخطر على بالي العنوان التالي(بحر بلا دموع)..السيدة(ثائرة)رفيقة الدرب وما كفكفت الدموع يوما على حالها رغم وجود بحر منها وخزين من الالم في ثناياها تاركة الايام تحكي وتستنبط من تلك الدموع دروسا لا تمنحه كل المخطوطات والكتب..ها قد عثرنا على عنوان لقصة كلما حاولنا قراءة صفحة منها نكون عندها قد دخلنا الى كهف يعج بايقونات كتلك في ايا صوفيا ولآليء وعقيق وزمرد واضواء ساطعة وبحور زرقاء مخيفة كتلك في مغارة جعيتا ومجرات في عمق الفضاء فهي كفيلة بان تاخذنا الى عالم الخيال دون تردد..انني عاجز على السير قدما لسبر جزء من اغوار هذه النفس العجيبة كطفل يحاول الجري وهو في حلم عميق..ولكن رغم قيودي وتكبيلي لمعصمي وتكميمي لفاهي وصمي لاذاني وسملي لعيوني الا اني رسمت هذه الصور رغم تلك الحواجز،اقول::تُقلد النياشين والتيجان لفرسان ابدعوا في سوح الوغى وذادوا بحياتهم في سبيل ملوكهم وسلاطينهم وامرائهم..اما انتِ فماذا نقلدكِ؟؟نوطا ام  وساما او نيشانا او تاجا مرصعا ام ختما شمعيا احمرا..كيف ذلك وانتِ لم تبدعِ في القتل والاسر ولم يكن شعاركِ يوما سيفا ولا رمحا..انكِ انرتِ الارض وهادها ونجادها,سهلها ووعرها,عامرها وغامرها بحبكِ وشكيمتكِ وتفانيكِ وكنتِ مؤمنة تماما بان اليد التي تصون الدموع افضل من تلك التي تريق الدماء والتي تُشرِحْ الصدور اشرف من التي تبقر البطون فالمحسن افضل من القائد واشرف من المجاهد وكم بين من يحي الميت ومن يميت الحي..لم تكونِ يوما مثل الغربال من دقيق الخبز ولا مثل الراووق من الخمر فانكِ لم تمسكِ خشارة الدقيق وفلتِ اللباب ولا استهنتِ برحيق الخمر ومسكتِ عقاره فكانا اللباب والرحيق عزيزان عليكِ معزة قرينكِ..اني امام شلال مخيف مرعب يكتنفه الغموض والتحدي فكيف لي التقرب منه لاقناعه بشحذ قليل من هممه..انه طلسم حروفه وانحناآته من الغيب كالذي كنا نرسمه على الارض ونحن صغارا بقطعة من الخشب..شلال رذاذه يسحرني وصخبه يؤرقني وزبده يضنيني..شلال دائم النبض دفاق مدى الدهر..حاولت الاقتراب لاستانسه وترويضه علني ادخل نفقه لكنه ابى واستحال اقترابي وتوددي..انني امام شجرة وارفة الظلال ليس ككل الاشجار..فظلها امتد ليفئ الاضداد وثمرها يقطر شهدا حكى به الاجداد..تبتسم ليضحى ثغرها شمس بلا مغيب اهدابها من الطول تلفني لتعلقني بين السماء والارض احوم باحثا عن شبيهكِ ازور الاصقاع والفيافي ثم اعود


خائبا فانتِ وحيدة بين الخلق تحب بعناد...انكِ تجاوزت المالوف ولم ارى كطيفكِ وخلقكِ بين الالوف..حاولت الاستنجاد بالقواميس باحثا عن جمل ترضيكِ وتضعكِ على رف يجب ان توضعين فيه..اتصفح تلك المناجد محملقا باحثا عن ضالتي فكانت عاجزة عن تلبية رغبتي..انتِ امراة فندت الاقاويل ولو فتحت قريحة المطربين لتغنوا بكِ  والمقامات والمواويل..اما ريشة الرسام فانها ستثلم وتفقد شعيراتها معلنة فشلها في رسمكِ كانسان..وعندما جئنا الى النحات لربما لبى طلبنا فحاول مرارا بشفرته نحت جزءا من ثغركِ لكنه لعن اللحظة التي كلف باخراجكِ كياقوتة للعيان..انتِ حورية اقدامها زعنفة اكبر من تلك للحوت الاورق تجوبين البحار والخلجان تنقذين من هم في مازق تحملينهم الى البر وتمنحينهم بعض من نفسكِ لتعودين بالحياة لهم..ارى نفسي امام جبل امتد ليشكل حاجزا يقيني شر الاعداء وشرور الانفس وارى فيه كل الوقار والجمال وصورة الانسان ومطلع البدر ومغرب الشمس وهجعة الليل ويقظة الفجر...كتبت عنكِ منثور القول ومنظومه ثم لا البث ان انساه فلا يبق منه في ذاكرتي الا جمال اثارة وروعة حسنه وعمق بيانه..انتِ كالطبيب وان كان لا يشفي الا نادرا فانه يسكن الالم احيانا ويعزي دائما..انتِ كصحراء غزاها  فكري وقال عنها بتيمم::انت من الحسن اولهن ومن الخلق الكريم في مقدمتهن فهي درة بإبِلِها وشائها شيحها وقيصومها وضوى اجسامها وترددها في بيدائها بين حمارة القيظ وصبارة البر..انتجاعها مواقع الغيث ومنابت العشب وقناعتها من الطعام باحفان التمر وقعاب اللبن واصواع الشعير..انكِ ذلك الغصن الغض الحنون الذي ابى الانكسار والانحناء رغم ما الم بالشجرة من رياح عاتية وسيوف سمهرية وكنتِ خير ربيع لتلك العصافير التي احست بالامان بين ربوعه وبنت اعشاشها دون خوف وعند المساء تحكي قصصها وتغفو ميسورة الحال والاحوال..ارى ان اذرع عديدة نمت عند اكتافكِ وقد فاقت في عددها عن تلك في الاخطبوط..طالت الى حد تجعلين منها سياجا محكما تجعلين من بداخله بعيدا عن الخطر وانياب الذئاب تمسدين شعرهم بمجساتكِ وتسهرين عليهم من غدر المارقين ومكائد الانذال..يا قيثارة سومر اوتاركي نبض لقلوب اخفقت في حبها ولحنكِ فنار يستدل به من تاه في غياهب الدنيا وانفاق الحياة اما قرونكِ فهي مسحاة تزيل ما يعتري الطريق من حجر وعثرة ممهدة اياه لعابر سبيل ..لقد تجاوز حبكِ وباسكِ لقرينكِ واسرتكِ حب يوناثان لداؤد الملك عندما حاول والده شاؤل اقناعه للوشاية به..اي منحوتة انت..ايمكن لفيدياس ومايكل انجلو ان يعجزا في نحتكِ؟؟لا زالت كاتدرائية القديس بطرس في روما تحفة فنية رائعة بمنحوتاتها ورموزها التي تحكي لا محال..لكن عندما جاءوا ليجعلوك جزءا من فنهم خانتهم الخبرة والعبرة وبقيتِ لغزا ولا زلت..فعندما جاء الاخطل وقف مبهورا من اين يبدا::ايهجيكِ ام يمدحكِ؟؟فكلما بدا بصياغة بيت شعر تضحى ذاكرته ورقة بيضاء لا كلمة فيها..ايعقل ان يقف الاخطل عاجزا في رسمكِ بصدرين وعجزين  من الشعر؟؟لقد كنت انموذجا في التضحية والحب وجعلتِ من حياتكِ قربانا يتقدس به غيركِ وبلسما تطيبين جروحا تنزف قيحا وصديدا لمن يمد يده اليكِ..ومن عودكِ الصلب صنعتِ سلما يتسلق من يطمح الى العلى ومن يغار على الثريا..اي عنفوان تمتلكين..كان الاجدر بشهبور الثاني ان يقلدكِ النياشين والاوسمة بدلا من ساسان ذلك القائد الشاب المغوار الذي وقع بحب يزداندوخت..لقد فقت بحبكِ المطلق وغيرتكِ اللامتناهية وايمانكِ السديد كل الصناديد والابطال والجهابذة..انكِ اكملت مشوارا صعبا وحافظتِ على اسرتكِ وربيتِ زنبقتين تتمايلا يمينا وشمالا مع الموج لتكونا خير شاهد وسفير لنا في مملكة البحر..لم تتركِ جهدا الا وسخرتيه لجدار اسرتكِ لتجعليه متينا وجميلا وعنده تجتمع خيرة رجال الحي..عندما اراكِ ارى سحر العين الكامن في حاجرها وارى الثغور والخمر المترقرقة بين ثناياها,برؤيتكِ ارى الشمس وخيوطها الفضية الراقصة في جو السماء وارى القمر وشعاعه يسيل على جوانبه سيلا وارى الفجر وبياضه وهو يدب في تجاليد الظلام دبيب المشيب في تجاليد الشباب..يجب ان ندرك ان الغد بحر زاخر بعبابه مصطخب بامواجه يحمل في جوفه الدرر والجواهر او الموت الاحمر..لذا تقول المدام طالما نعجز عن كل شيء وما من امر نستطيع بلوغه دون محبة وعزيمة وتضحية فلما الغبن والقهر والفراغ ولما لا نحاول وعندها ستذل كل العقبات وما يعتري الطريق من مطبات ويحل الامن والسلام نفسنا المتعطشة..سالتها هل تعدي نفسك سعيدة؟قالت نعم لانني قانعة برزقِِِِ مغتبطة بعيشِ,لا احزن على فائت الدهر ولا تذهب نفسي حسرة وراء           


مطمع,فمن أي باب يخلص الشقاء الى قلبي؟قلت ايتها المراة اين ذهب الدهر بكِ ؟ما اراك الا امراة مهمومة قد أُثْقِلَ كاهلها باثقل من وزنها وعندها كيف تعدِ نفسك سعيدة وانتِ حافية غير منتعلة وعارية الا قليلا من الاسمال البالية؟؟قالت ان كانت السعادة لذة النفس وراحتها وكان الشقاء المها وعناءها فانا سعيدة لاني لا اجد في رثاثة ملبسي ولا في خشونة عيشي وحرماني من لذة الحياة ورياشها ما يولد لي الما او يسبب لي هما ..الا ترين قصورهم ومراكبهم اثاثهم ورياشهم خدمهم وخيولهم حفلاتهم ومجونهم!!الا يحزنك هذا الفرق العظيم بين حالتك وحالتهم؟قالت:انما تصغر جميع هذه المناظر في عيني..اني لا اجد اصحابها قد نالوا من السعادة بوجدانها اكثر مما نلته بفقدانها..,فلي ربي يشرق في نفسي فينير ظلمتها ويبدد ما اظلمها من سحب الهموم والاحزان..                                                     


19
المنبر الحر / في بيتنا الشرقي
« في: 19:36 30/03/2015  »
في بيتنا الشرقي
                                           
بقلم سمير القس يونان
القوش في  30  آذار
بعد ظهر أمس وبينما كنت في نوم القيلولة حُسِستُ من قبل المدام بطريقة تنم عن غرابة في شيء ما وتعرفون جيدا أن وضعنا في القوش قلق بسبب وجود المارقين على بعد أميال..قالت بصوت خجول وخافت هناك أجانب في البيت انهض بسرعة؟؟لم اكذب الخبر رتبت هندامي قليلا دون أن ارتدي ثياب أخرى لقناعتي التامة بعدم اهتمام الغرب بذلك..خرجت إلى باحة الدار الشرقي العائد الى عديلي مصافحا إياهم بحرارة ودعوتهم إلى داخل غرفة أنيقة..جلسنا وتعارفنا أولا وكانوا ثلاثة..الصحفية والناشطة سوسانا والمصور دومينيك اللذان يعملان في المفوضية العليا للاجئين التابعة لهيئة الأمم المتحدة والمترجم رشيد..رحبت بهم كثيرا..قالت سوزانا ممكن نتكلم قليلا..أبديت استعدادا لذلك وقلت لها كما تشائين..كان سؤالها الأول حول عيد اوشعنا لأنهم كانوا في القوش في مهمة توزيع المساعدات الغذائية ولاحظوا الاحتفال والكراديس والجموع الحاملة لأغصان الزيتون..قلت لها وباختصار أن المسيح عليه أن ينهي حياته الأرضية خلال أسبوع وسيكون ذلك في أورشليم حيث بداية الفصح ودخلها راكبا على أتان ليوضح لي ولكِ وللجميع أن الحياة الزائلة لا تستحق الكبرياء والتعالي وعلينا بالتواضع..أما عيد القيامة الذي كان سؤالها الثاني وكَأن العيدين لا يمارسان هناك في أمريكا أو كندا ..كان جوابي مقتضبا وقلت لها بعد أن أضنتني لغتي الركيكة وأتعبتني لذلك استعنت بالمترجم..إن رسالة يسوع يجب أن تمر بالآلام والعذاب والصلب والقيامة والأيام التي نحن فيها الآن تتويج لنشاط أو حركة دامت ثلاثة سنوات..وكان سؤالها الثالث عندما قالت:ماذا ترى في الأفق؟؟هل أنت متفائل في أن يكون القادم من الأيام مشرقا وصبوحا؟؟قلت لها أنا لست متفائلا كما ولا أرى في الأفق انفراج وانقشاع للغيوم الملبدة..أضفت ربما تكونين أكثر الماما مني لكن استطيع القول أن المشهد ضبابي ويكتنفه غموض لم يسبقه غموض والجميع يتدخل في حيثيات العراق إذا كانت أمريكا والغرب أو الدول الإقليمية كإيران وتركيا والسعودية والخليج وكلها لا تكن المحبة الصادقة للعراق ولها مصالح فيه تعمل كالقراد ملتصقا على بطن الحصان ماصين دمه ليجعلوه هزيلا لا يقوى على شيء..وأضفت:أترين حالي هذا ليس بيتي ولا هذه الأثاث الأنيقة لي..أردفت قائلا كنت ساكنا في بعشيقة وكان وضعي جيدا وكان لي معرض للمولدات ومحل لأدواتها الاحتياطية ودار جميلة أعيش حياتي ولا دخل لي ولغيري بما ستؤول إليها الأمور..لست أنا فقط بل آلاف العائلات والمحال والمصانع والورش والمزارع وبساتين الزيتون وكانت هذه القصبة أغنى من أمريكا!!ماذا فعلت لتأتي عصابات مدججة بحقد دفين ودم بارد لا تمت بالإنسانية بصلة لتكتسح حياتها ووجودها بالكامل لتجعلها مشردة ومفترشة الأرصفة وقاطنة الهياكل وأطلال البيوت..أي ذنب اقترفته لتحاكم بالتشرد والإبادة؟؟من أين أتت هذه الموجات البربرية؟ربما أتت من منغوليا..لكن أين الأقمار التجسسية وأين العيون الأمريكية؟؟كيف تقطع مئات العجلات مسافة صحراوية بحدود ألف كم دون أن يرصدها أحدا وربما يكونوا حماة لها..من أرسل هؤلاء ومن دعمهم ومولهم ودربهم ليأتوا ويمسحوا الأرض بنا ويغتصبوا حلمنا ويمحوا آثارنا..كيف سأكون متفائلا وأنا في هذا الخضم المزعج القاتل..قالت وما السبيل إلى حل هذه الأزمة؟؟قلت::هذه نكبة كبيرة وليست أزمة وعلى الإنسانية جمعاء ان تعترف بشللها وقنوطها وضعفها لأنها وقفت مكتوفة الأيدي لا تقوى على شيء..أن الجهل والخيانة سبب في تأخرنا وفي إنجاح مخططات الطامعين بنحرنا واغتصابنا..طالما شاعت في حياتنا ثقافة الأنا تاركين اسم العراق ثانويا هكذا سيكون حالنا وهو نحو الأتعس ماضيا..أنا أعتز بديني وقوميتي ومذهبي وهذه خصوصيات وثوابت لا يجب ان تكون حائلا في حبي واحترامي لغيري ولوطني..لكن السواد الأعظم تفكيره بهذه الثوابت سلبي ولا يرى غير نفسه منتقصا من غيره مستهزئا بحيثياته لأنها لا تدركها ولا ترتشف رحيقها..إذا تجنبنا هذه المسميات وعدنا إلى رشدنا كما كنا لرجع من جاء لذبحي ومحو صيرورتي خائبا مخذولا وعندها سيكون جوابي لكي إنني متفائل..طال الحديث كثيرا وأنا لا أريد الإطالة عليكم لأنكم مستعجلون من أمركم أحبتي وأخيرا تعجبوا بالكليجة وقلت لها هنا يكمن العراق في كرمه وفي غذائه وبسمته رغم جراحه النازفة والمنكأة..استرخصوا بالمغادرة لأنهم يرغبون بزيارة دير الربان هرمزد..ودعناهم وهم سعداء جدا...                             

20
أعطيتك ما املك..بماذا جازيتني
                                           
بقلم سمير القس يونان             العراق في  4  آذار   2015
يا عراق يا حبا رسمه النساك والعشاق..يا عراق يا بلسما يطيب الجُذام والبهاق..يا عراق يا جدولا وينبوعا دفاق..يا عراق يا بركانا حممه لا تطاق..يا عراق يا قبلة متيم بها حد الانعتاق..يا عراق يا بلد الزقورة والطاق..يا عراق يا كنارة الروح بلا سباق..يا عراق فيك اوجدت الكتابة والوقت والفلك واليوم دمك مراق..يا عراق!!يا بلاد السواد والانهر والغلات والسُّمّاق..كان احدهم من الذين على سدة الحكم سابقا يلفظ اسم بلدنا العُراق وليس العِراق المتعارف عليها ولما سُئل لماذا قال::لا اريد كسر عين العُراق!!اما اليوم يا عُراق ارى رجالك وقد طالت لحاهم وقَصُرَتْ كناديرهم متاهبين لغد مظلم مدلهق وقد وضعوا تحت حرف العين عشرين كسرة..ارى رجالك اليوم وقد تسلحوا بمديات وحراب مسننة مسمومة سمهرية ليبيحوا حرمة الانسان التي قدسها من في العلى وليغيروا لون الماء والتراب الى قرمزي وارجواني والتي تعني (الفينيقي)..لكن الفينيقيين ابدعوا في صناعة السفن وكان لهم اسطول جبار جاب المتوسط كله..لقد سُلمت يا عُراق كما سُلم يهوذا الاسخريوطي يسوع..انهم يتفننون في ذبحك يا عراق..تارة يزيلون الاثار ويفجرون المتاحف لانهم يخافون التاريخ وللعراق نصف التاريخ..واخرى يفجرون المراقد والاضرحة والكنائس لانها هوية العراق وصفحات مهمة من سفره الخالد..والان يغيرون المناهج ويبدعون لغة جديدة تعتمد على القتل والفناء ويتبنون اللون الاحمر والاسود ويجعلونهما اساسيان حيث الاسود يدل على الحزن الدائم والتشاؤم المتاصل اما الاحمر فيدل على الدماء المراقة بسخاء..ايضا يسرقون اطفال ويربوهم تربية وحشية ليكونوا مشاريع تفخيخ في القادم من الايام..اهناك افضل من هؤلاء كرعاة لنا نحن الخراف الضالة!!لم يكن المطران               على خطا عندما قال ان الشرف لدى الانسانية دخل السبات بل كان في منتهى الجراة والصراحة..بماذا نحكم على سياسي يمثل شريحة من المجتمع ان يقبل بما جرى بل لم ينبس ببنت شفة والانكى انه يثابر وكانه اسد الغابة في الابقاء على راتبه..اي شرف نسميه عندما تزال عشرات بل مئات القرى والمدن خلال ساعات تاركة طعامها وشايها على النار..تاريخ بحاله يزال وينتهك اما مراى البرلمان والحكومة والعالم المتحضر في مجال السرقة..ملايين البشر تترك ما جمعته(تحويشة العمر)في ليلة واحدة لينبلج الصباح وهم في العراء وعلى قارعة الطريق ينوحون ويندبون حظهم..اي شرف هذا؟؟ما الذي اقترفوه من ذنب وجناية ليطردوا؟؟لو لم يكن السلام والامان في اقليم كردستان سائدا وراسخا ..ماذا سيكون مصير هؤلاء؟؟اي ادمي خطط لهذه المكيدة؟؟هل سيعيش مدى الدهر؟هل يتهنأ في نومه اذا كان انسانا سويا لا زال يملك بعضا من الاحساس؟؟ايجوز ان تكون مدننا العريقة والبريئة محتلة من قبل زمرة تربت في مزارع الخشخاش في افغانستان؟؟ما الذي فعلوه من سوء وما الذي اقترفوه ليكون مصيرهم ارصفة الشوارع وقاعات المناسبات والهياكل قيد الانشاء وبين البساتين والاشجار؟؟ماذا افعل اذا كانت اشواك بلدي افضل واكثر لينا ولراحة من كل ارايك الدنيا؟؟وماذا افعل اذا كانت غفوتي وخلوتي بيت راحتي بلدي وحضنه اكثر امنا وراحة رغم خشونة جلده ورثاثة ردائه..يقول لي::انا لم امت انا حي التفت الى خلفك ستجدني امامك..هكذا اراك بل هكذا اريد ان اراك..قرات ما كتب عنك من المنثور والمنظوم ثم لا البث ان  انساه فلا يبقى منه في ذاكرتي الا جمال اثاره وروعة حسنه وبهاءه..يا وطني ارى فيك مطلع بدر ومغرب شمس وهجعة ليل ويقظة فجر..ارى فيك حمّارة القيظ وصبارة الشتاء واحفان التمر وقعاب اللبن واصواع الشعير..ان الغد يا بلدي رابض في مجثمه ينظر الى امالنا وامانينا نظرات الهزء والسخرية ويبتسم ابتسامات الاستخفاف والازدراء..انهم الذين نبشوا دفائنه وسلبوا كنوزه وهشموا اثاره وغيروا اسمه ومزقوا علمه وكسروا ساريته وحرفوا تاريخه وسرقوا حلمه ذلك الحلم الذي حمله الينا جهابذة     


وافذاذ،قديسين ووعاظ،وشعراء عكاظ.قلناها ونقولها يا وطنا انكر هويتي::ان اليد التي تصون الدموع وتصيغ الايات وترسم الايقونات وتشرح وتثلج الصدور  افضل واشرف من تلك التي تبقر البطون وتفقا العيون وتزرع الشجون وكم بالفرق بين من يحي الميت ومن يميت الحي حاله حال الغربال من الدقيق حيث يمسك خشاره(قشوره)ويفلت لبابه والراووق من الخمر يحتفظ بعقاره ويستهين برحيقه وعبقه..يا وطني يا عراق.عندما كان فيليكس على ارتفاع شاهق وقبل قفزته المشهورة وهو محدقا الكرة الارضية تخيلت وانا معه وحينها لم يخطر ببالي ان ابحث عن اية بقعة كانت جميلة او امينة او ساحرة او رائعة الا انت يا عراق رغم صغر مساحتك ورغم الدخان والغبار والصراخ المتعالي من ارضك وعندما لمحتك تفتحت اساريري وانطلقت من قنوطي وتحررت من همومي وشجوني..كل هذا العشق والهيام..كل هذا الحب والغرام..كل هذا الاخلاص والالتزام..تقول لي اخرج من ارضي فانت غير مرغوب فيه..تقول لي انت غريب وافكارك غريبة..كل شيء فيك ليس في..عندها جرت دموع من عيني حاولت كفكفتها فما استطعت فاجهشت بالبكاء كالطفل الرضيع..فدخلت احتسي الخمرة كما يقبل الصادي على بركة ماء رقراق..يا وطني لا تصدقهم فانهم يبدعون جملا فلسفية مسغلين طيبتك التي احببتها فيك لكنهم لا يخلقون سلاما روحيا لنفسك الحائرة الرجراجة..فما من احد احبك مثل حبي ولا هناك احد ربض عند بابك مثلي ولا من بكى لالمك وجرحك مثلي..امضي فانك انكرتني وصفعتني وركلتني وكلانا سيضيع في هياغب الدنيا وعندها لا يفيد الندم...............

21
حوار مع ..............مهاجر
                     
بقلم......سمير القس يونان
القوش في  15  ك2  2015
قبل أيام ودعت روحي لتهاجر ارض البؤساء والمهمومين وبقى جسدي يتأوه ألما وتكور زاوية الوطن المظلمة كجنين في بطن أمه..ودعت أضلاعا كانت تحمي فؤادي من غضب المارقين وسراق الدار لأضحى عنقودا يتدلى من كرمة وحيدا تلسعه الزنابير وتصفعه الرياح والأيادي الصفراء..ودعت حلما طالما راودني في النهار قبل الليل تاركا إياي كجذع شجرة نخرها الزمن البليد وأضحى وكرا للنحل ولمن يدع فيه المال المسروق..تركتهم يرحلون عبر أفق مخيف أما أنا فقد فضلت الوطن نعم ذلك الوطن الذي سياطه ألهبت ظهري وخناجره قطعت أوصالي أما سيوفه السمهرية جعلتني أشلاء التهمتها نيران التخلف والانحطاط..ودعت أسرة شاركتها كل همومي ومعاناتي وكنت احسب اليوم الذي لم التقيهم فيه ملغيا من حياتي فكيف الآن وهم هناك في بيروت الجحود والغلاء ..ودعت زنبقتين زرعتا في قلبي الأمل والصبح الجديد الذي محاه الوطن القاسي عبر مطبات كانت معاناتي خلالها جسيمة قوست ظهري واثنت قامتي..ودعت برعمين كانا أزهى وأعبق من كل أزهاري وجعلاني أرى الشوك والعوسج بان ولبلاب والجليد والرعد ربيعا وحبور..لقد تركوا العراق بلاد الزقورة والطاق..تركوه مضرجا بدمائه وسلوته الشحرور والحباري..دار حديث بيني وبين الدكتور رب الأسرة ونحن سائرين في الطريق إلى الدير من خيالي لرسم صورة قريبة لمعاناة الآلاف وهم في وطنهم غرباء مجهولين في الوقت الذي يحملون فيه هويته واسمه ويتقاسمون رغيفه اليابس وماءه المتكدر وليله المدلهم وهودجه المهشم وأسده المحطم وقلت له::أمهل قليلا لربما في الأمر بعض من الانفراج..قال الدكتور::كيف ذلك فاني أرى وطني جنينه منتهكة الاسراري..أرى المآقي وقد تخلت عن دمعها لاحتضاري..اتركني أتلوى في الغربة فهي اقل وطأة من بصقت الجار..قلت له أن الوطن مهموم ومجروح ونحن متفقان أننا لا شان لنا بجرحه وهمه وهو بحاجة إلينا حاجة الغريق لجذوة نار!!!!وكما تعرف أن المعنى في الخمر وليس في العنب..قال الدكتور::لقد ادلهمت الخُطوب واشتدت الكروب وكَثُرَتْ التأوهات والنحوب رغم أنني أقرا كلمات الإنجيل لتجلو عن قلبي صدا الوحدة واليأس والخوف..قلت نعم وأنا أؤكد وبحزم ما ذقناه وتلمسناه من وطننا من حَمَارَة القيظ وصبارة البرد وحلاوته المبطنة بالعلقم فإذا هي مظهر دون جوهر ومع هذا ارتمي بنفسي على أعتابه انهل من ينبوعه العذب الرقراق..جاوبني الدكتور والريق غصت في بلعومه وقال::لا تتصور أيها العم إنني أتغاضى العمق الذي احتله الوطن وبلدتي من قلبي ولكن في وطني لم الق غير القشور والسفاسف،وفيه يبدعون جملا فلسفية للفكر لكنهم لا يخلقون سلاما للنفس الحائرة والحائمة فوق بركان ثائر، وأنني في بلدتي أحببت المريض قبل علاجه وكنت امنح من ضعفي قوة له وبابي على مصراعيه مفتوحا للجميع وكانت عيادتي وصيدليتي التي تديرها عائلتي والتي كانت الأولى في كليتها شبه خاليتين من الزوار لارتيادهم إلى عيادات وصيدليات لا يحق لهم استقبال المريض ومع هذا يأتونني متى ما أتوا واستقبلهم لشعوري بالمهم..قلت له:ان من يغادر الوطن إلى المجهول متصورا انه سيلقى الأفضل كالمستجير من الرمضاء بالنار ووضع العَصّابة على عينيه تمنعه من رؤية الآخرين..قال وقد استعد للجواب::إنني وقبل توديعي لسماء الوطن بدا حنيني ينتفض كما تحن الوردة لقطرات الندى ولكن في وطني أحاسب على المضغة والجرعة والقومة والقعدة،وفي وطني يراك الرائي فيحسبك مغتبطا مسرورا لأنه يغتر بجمال وجهك ولمعان جبينك وصفاء أديمك ولو كشف له عن عالمك لرآه عالما خرابا وكونا يبابا لا تهب فيه ريح ولا يتحرك شجر ولا ينطق إنسان ولا يبغم حيوان..قلت:ما هذا يا دكتور؟يوم أمس لم تكن هكذا واني أرى فيك اليوم وقلبي يتقطر حزنا ولوعة واسى للحالة التي أنت بها،أنت في وطنك درة في تاج الملك و نيشانا على صدر قائد وقلادة



على صدر عذراء وأسوار في معصم جهبذة،إني لا أنكر وجود الفضيلة ولكني اجهل مكانها فقد عقد رياء الناس أمام عيني سحابة سوداء اظلم لها بصري حتى ما أجد في صفحة السماء نجما لامعا ولا كوكبا طالعا..كان بود الدكتور بتر الكلام ووضع حد له خوفا من التصادم بيننا لأننا أضحينا مناصرين لنظريتين متناقضتين كنظريتي المادية والمثالية لكنه أخيرا عدل عن رأيه وجاوب::الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس فمن عاش محروما منها عاش في ظلمة قاتلة يتصل أولها بظلمة الرحم وآخرها بظلمة القبر..ليست الحرية في تاريخ الإنسان حادثا جديدا أو طارئا غريبا أو أمرا غير مقبولا وإنما هي فطرته التي فطر وجُبِّلَ عليها منذ كان وحشا يتسلق الصخور ويتعلق بأغصان الأشجار ويأكل اللحم الني ونحن الآن بعيدين عن الكهوف والمغارات وأسكنونا الشقق والموتيلات مخلوبة الروح والأناة لا نملك فيها الحرية في استهلال الضوء من إطفاءه،أيها العم اقترح أن القادم من الأيام سيكون خير حاكم بيننا بل اسمح لي بهذه الحكمة::كان هناك شخص استهزئ بقدرة الخالق وقال بسخرية وتهكم كيف خلق الله البطيخ من نبتة صغيرة والتمر من شجرة كبيرة،جاوبه الحكيم ساترك الجواب للأيام القادمة وهكذا وبعد أيام وبينما كان المستهزئ نائما تحت نخلة سقط عليه بسر ونهض وتعجب وقال:كم أنت عجيب أيها الخالق ماذا كان سيحصل لي  لو كان البطيخ هو الذي وقع على راسي..قلت له لا تحاول إقناعي..إنني من القلائل الذين لم يستفيدوا من الوطن في الوقت الذي قدمت له الكثير فقد اخترقت فيافيه وجباله واكتسحت ظلامه قبل ضياءه دفاعا عن حياضه ومحاولا سبر أغواره في عكاشات والدور والعظيم والعوسجي والحسينيات ورغم ذلك أفضل لسعاته ولدغاته من افعوانيات لاس فيغاس وأضواء باريس وحدائق أمستردام..كان الدكتور قد صمم وحزم على قراره وفي الوقت الذي حز في قلبي مغادرته أقف احتراما له لتصميمه وإرادته التي لا تلان فيما هو ماض إليه وأردف قائلا::لقد تألمت حتى نضب معين الألم،أنا مقتنع أن الوطن عزائي إذا ادلهمت الخطوب،ومنارتي إذا عصفت الأنواء،كما أرى جداول الماء تنساب بين أنوارها وإزهارها انسياب الأفاعي الرقطاء في الرمال البيضاء وارى أنامل النسائم تعبث بمنثورها الأوراق عبث الهوى بالباب العشاق واسمع ما بين صفير البلابل وخرير الجداول نغمات شجية تبلغ من نفس الإنسان ما لا تبلغ أوتار العيدان،إنني يا عمي أعي أن الوطن كنارة روحي وأيقونة وجداني لكن هل لي بسؤال إليك؟قلت له يمكنك ذلك،قال هل تعد نفسك سعيدا؟قلت نعم لأنني قانع برزقي مغتبط بعيشي,لا احزن على فائت الدهر ولا تذهب نفسي حسرة وراء مطمع,فمن أي باب يخلص الشقاء إلى قلبي؟فالوطن رغم رفضه لي معتبرا إياي دخيلا عليه أحبه لسبب واحد هو قطعي عهدا له بعدم خيانة ما بيننا من عشق وغرام وهيام وود وخبز وملح في الوقت الذي هو نكرني وخانني وجحدني واعترف بحبه لغيري..وقفت برهة وقررت إسدال الستار على المجادلة وقلت للدكتور::إن كانت السعادة لذة النفس وراحتها وكان الشقاء ألمها وعناءها فانا سعيد لأني لا أجد في طردي من بيتي في بعشيقة ونهب محلي ما يولد لي ألما وهما،اذهب وأتمنى لك السعادة والاستقرار السريع في بلد قد ترى ضالتك به ومستقبلك في جوانبه والديمقراطية والحرية في ضرائبه واتركني هنا  مثل الغربال من دقيق الخبز يمسك خشاره ويفلت لبابه أو الراووق من الخمر يحتفظ بعقاره ويستهين برحيقه اقبل على الخمرة احتسيها بشراهة كما يقبل الصادي على ماء جدول رقراق...................


22
سناطي والليل الداجي
     بقلم سمير القس يونان

القوش  في  18  ك1
لقد وصل غي الإنسان وغدره لهذه الطبيعة بان نبش دفائنها وسلب خلوتها وكنوزها وتغلغل بين الآكام والآثار ليسرق منحوتاتها ومسلاتها وموميائاتها,احرق الشجر والبشر لتتحول تلك المعمورة إلى نفائس وأحجار تعانق هالة القمر, وموضع الجوزاء تحكي كل يوم لمن يرنو بقربها ويتألم لألمها إن الحياة أضحت ناعورا انتزعت جيوبه فلم يعد (يترس ويبدي)كما يقول الشاعر.أخذنا الطريق الميسمى إلى الأسفل انحدارا نحو رموز بلدة سناط المهجورة وشخوصها ولاحظنا فيه روث وسرجيل البغال والحمير مشيرا إلى أن الطريق سالك وهناك غيرنا قد مر من هنا, إلى الأسفل رويدا رويدا دون أن اصدق ما تراه عيني حيث قادتنا أرجلنا إلى باحة فسيحة يطل عليها كهف كبير وجاء الإيعاز بان تكون استراحتنا هنا خلال هذا النهار,بعد استراحة قصيرة دخلنا الكهف وكان واسعا من الداخل ينبعث منه عبقا يزكم الأنوف ويدميها يشبه ذلك النسيم الذي لاحظته عند أضرحة النساك والطوباويين في الأديرة المنتشرة في شمال العراق.ويا لعجبي لما اسمعه من رنين وصدى يأتيني من داخله وكأن حضارة أخرى منعزلة أقيمت هناك في الداخل أو أن مجموعة بشرية هربت من بطش المعتدين وتاهت في دهاليزه وأخاديده وأبت الخروج واعتادت على حياة الظلام متخذة من الوطواط صديق لها,وبينما نبحث في زوايا ومنعطفات الكهف المضيئة القريبة عثرنا على البعض من البرغل ومستلزمات الشاي, وصدرت صيحات وأصوات  من داخل الكهف منبئة العثور على شيء مهم, ثم شاع الخبر وكانت فرحة لا توصف عندما أُخرِجَتْ تلك المئون وفي الحال اعد الشاي وأخرجنا من حقائبنا الظهرية ما ألذ وطاب من نستله ماكنتوش إلى همبركر ماكدونالد ثم اللوف الفرنسي,وبعد فطور رائع أسديت بعض النصائح للأنصار بعدم الابتعاد في الداخل والذهاب إلى المدينة المهجورة لأسباب عديدة,أولا خوفا من الألغام وثانيا لكي يبقى وجودنا لهذا النهار سر ويجب إن تنحصر حركتنا في المناطق القريبة من الكهف وبساتين تقع عند مرمى العين فقط,حددت قمتين قريبتين لتكونا نقطة مراقبة من قبل نصير لكل نقطة. خرجت في نزهة بمعية النصيرين كوفان وعبد المسيح اللذين ينتميان لهذه البقعة يصاحبنا النصيرين صباح ووديع وتوغلنا في تلك البيادر والحقول التي كانت تزرع بالرز, وقادانا إلى صخرة منحوتة لتصبح على شكل مصطبة أو أريكة جميلة تطل على حقل فسيح وأردف كوفان قائلا::أترى تلك الأريكة؟هناك كان يجلس الراعي بعد جولة متعبة في تلك السفوح والآكام ليعزف ببزقه ونايه لغنمه لترعى بسلام...ما هذه اللوحة الجميلة وأين الراعي وأين الغنم وأين الناي وأين البزق لقد أُزيلتْ جميعها من تلك اللوحة,لقد أضحت رموزا وطلاسم خطها طفل عابث بفرشاة أبيه وتداخلت الألوان والخطوط والبقع يتلاءم وما تراه عيني من عبث وتدمير وزوال وانتهاك للطبيعة وصديقها الإنسان, ولكن مهما كان القيظ والزلزال قويا ومدمرا لا بد له أن ينسى ويترك شاهدا أو إطارا لتلك اللوحة حيث لا زالت الأريكة منتصبة تنوح وتتأوه وتصم آذان الجلاوزة والمعتدين وحينما يزورها من يعم السلام قلبه تناديه ليجلس عليها لتحس بالأمان الذي فقدته.
ثم توجهنا إلى الداخل نحو المروج والبساتين ورأيت جداول الماء تنساب بخفة ودعة بين الأشجار والأحراش انسياب الأفاعي الرقطاء قي الرمال البيضاء,وكان خرير الماء الصاخب يتداخل ويتلاطم عازفا سيمفونية (أين أحبائي)والى الأعلى وعند قمم العرموط والجوز تلمست أنامل النسيم تعبث بالأغصان وجميل الأوراق لتصدر وحيفا ينفذ إلى أعماقي يجعلني محلقا في الأعالي ساكن الأطباق.كانت مجاميع الأنصار تتجول بين الجنائن والأشجار المهملة وقد لف العوسج والشوك المزعج كل الأشجار كأن الحرية كبلت والإطراف شلت والدماء أريقت والظهور قصمت, ورغم هذا لا زالت هذه الكائنات تهمس بأذن الطبيعة قائلة إنهم ينتظرون شمس الحرية ولا بد لها أن تبزغ فمن عاش محروما منها عاش في ظلمة يتصل أولها بظلمة الرحم وآخرها بظلمة القبر.خرجنا من التداخل النباتي العشوائي وإذا بالنصير عبد المسيح يناديني صائحا موجها ساعده إلى بقعة بعيدة وقال انظر إلى تلك الأشجار وانظر إلى أسفلها هل ترى شيئا غريبا؟ فأمعنت النظر ورأيت أن الأرض تحت تلك الأشجار صفراء تماما فقلت له ما ذلك اللون الأصفر وكأنه كبريت؟ فقال لنمضي إلى هناك وسنحل اللغز,دفعني الفضول للمضي مسرعا لمعرفة ما سر ذلك الكساء الأصفر تتملكني الحيرة والريبة,بعد دقائق أشرفنا على تلك البقعة وتعجبت لما رايته انه العرموط الجبلي وقد سقط من الشجر, والانكى من شكله ولونه الأخاذ تلك النكهة الفواحة التي اكتسحت تلك الثنايا وان العرموط الجبلي معروف بنكهته وطعمه.وكما أسلفنا كان الطعام مشكلتنا المستمرة نتيجة لوضعنا السري أولا ولقلة الوجود السكاني حيث معظم القرى مدمرة ولم يبقى منها إلا أطلالا وأنصاف جدران.لم اصدق ما رأته عيني فانحنيت وتناولت واحدة وبعد مسح بسيط التهمتها فكانت كالعسل في حلاوتها والتمر في طراوتها والياسمين في عبقها ونكهتها والكركم في صفرتها, وما كان منا إلا دعوة بقية الأنصار لهذه الوليمة التي قلما تتوفر في أرقى البيوت,أكلنا الكثير وجمعنا الأكثر وجلبناه إلى باحتنا العظيمة قرب الكهف وبها سعد الجميع واعترتهم غبطة وسرور,وكانت أحاديث وجدالات كثيرة قد أثيرت حول هذه القصبة الرائعة وانبرى النصير كوفان يشرح مسهبا عن سكانها وعدد بيوتها وكنائسها وأزقتها ومآثرها وصمودها لمئات السنين.
بعد استراحة بسيطة واحتساء الشاي على شكل رشفات من علبة حليب النيدو مناولين العلبة واحدا للآخر ذهبنا ثانية إلى بساتين وأشجار ازنخ ونصحنا عبد المسيح بالذهاب إلى جدول له وقع في نفوسهم ولا اذكر بماذا اسماه حيث يكثر الجوز على جانبيه,حقيقة نحن في منخفض لا مثيل له فيه من الحقول والبيادر والبساتين والجداول والأشجار الكثير فكيف لو استغل بطرق علمية ولدينا من الطاقات البشرية شيء لا يصدق,توغلنا إلى داخل الحقول دون ان يخيفنا شيء رغم أن كل شيء متوقع من الألغام والكمائن والحيوانات المفترسة وفي طريقنا إلى الجوز عثرنا على الرمان واللوز والسفرجل ووقعنا في حيرة الاختيار فأي الفواكه نجمع ونأكل وأيتها نترك وكان كوفان يعرف أصحاب هذه الجنينات,وبعد نصف ساعة من التوغل كنا بمواجهة أشجار باسقة كبيرة وضخمة عارية تبكي لردائها الذي سلبته الطبيعة وقوانين الحياة منها كانت أشجار الجوز هذه قد فقدت حلتها بسبب الخريف الذي نحن فيه.قلت لكوفان وأين الجوز أيها النصير وفي الحال ركل الأرض بقدمه وأزال الأوراق اليابسة وظهر لنا الجوز السليم وقال هذا الجوز من أجود الأنواع ويسمى(أبو الندبة),حيث يوجد نتوء منحرف عند إحدى النهايتين وهو سهل الكسر وقليل الطيات والزوايا في داخله وبذلك يكون إخراج الثمر سهلا جدا,في الحال خطر على بالي القيمة الغذائية والسعرات الحرارية التي يمنحها الجوز للجسم, قدمت مقترح بان نجمع الجوز قدر المستطاع ونخرج لبه طالما سهل ونتسلح به جميعا لمقاومة البرد والجوع الذين سنواجههما في قادم الأيام,في حينها لا يمتلك أحدا أي جهاز اتصال لنبعث برسالة للأنصار بان يأتوا ويلموا هذا الجوز الوفير ولذلك وجب علينا العودة وإبلاغهم بالقصة والرجوع ثانية إلى حيث ثمار الجوز أو إرسال احد بطلبهم.كانت الساعة الحادي عشرة عندما ذهب اثنان منا مسرعين إلى حيث الكهف ليأتوا ببقية الأنصار,أما نحن الباقين فشرعنا بجمع الجوز العجيب وكان وفيرا للغاية ولا تتطلب العملية أي جهد حيث بإزالة الورق اليابس المتساقط تظهر أكداس الجوز العجيب,جاء اغلب الأنصار بسرعة البرق وتم جمع كمية لا يستهان بها وملانا الجيوب الكبيرة ونزعنا البشتين(الحزام الطويل المصنوع من القماش والمجوف من الداخل)ووضعنا فيه أيضا ثم رجعنا لان موعد الوليمة قد دنا...
كانت وجبة غدائنا برغل مسلوق بصفيحة الدهن التي عثرنا علينا مرمية في الأطراف, وكانت مشكلتنا أين نصب البرغل بعد طبخه وبماذا نأكله؟بعد وتفكير ونقاش مطول وبعد الاستنجاد بمطبخنا الايطالي توصلنا على ما يلي:يصب الطبيخ فوق ورق مقوى عثر عليه في الجوار وبدل الملاعق نستخدم أوراق الجوز العريضة بعد طيها من احد الجوانب, فتحنا المقوى وجعلناه مسطحا وصبينا القوزي المتبل فوقه وفاحت نكهته في الأرجاء وجعلت من لعاب الحيوانات في الجوار يسيل أما الملاعق فكانت عبارة عن أوراق لأشجار خضراء عريضة طويناها من إحدى الصفحتين وبهذا أسعِفَ الأمر برمته,بعد الغداء واحتساء الشاي بدأنا بعملية تنظيف الجوز وكانت سهلة جدا وكنت خائفا أن لا تكون كتلك التي كنا ننظفها عندما كنا صغارا لعمل الحلويات,استغرقت العملية ساعتين وجمعنا كمية كبيرة من لب الجوز وحصتي تجاوزت الكيلو غرام وكنت احتفظ بكمية من جوكليت التوفي كان احد الأنصار نصحني باقتنائها.كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة عصرا حيث انتهينا من عملية تنظيف الجوز ,كانت جميع الأمور تسير بصورة طبيعية وجيدة ودعينا لاجتماع بسيط وكان جميعنا قريبا من الكهف قسم ممدد لأخذ قسط من الراحة والقسم الآخر جالس يرتب أموره وهندامه,تحدث أبو سعاد واحد الإدلاء قائلين::أولا جميعا بجمع كمية كبيرة من الحطب لنقاوم ليلا باردا زمهريرا وثانيا فجر غد وعند الرابعة يجب إن ننطلق متسلقين هذا الجبل العاتي,وبعده وبمسافة قليلة ستأتيننا الحدود التركية وعلينا اجتيازها قبل إن الضياء الأول.توضحت الصورة لدى الجميع وفي الحال انطلقنا نجمع الحطب المتوفر وخلال نصف ساعة كانت كمية كبيرة منه مكومة عند باب الكهف,تجاوزت الساعة الرابعة عصرا عندما بدأنا بإعداد ما لدينا من عشاء بسيط والشاي وعلينا إن نستعد لليلة قارصة لأننا في وادي تملاه البساتين والأشجار والسواقي حيث ستكون الرطوبة عالية.تناولنا ما لدينا من الخبز والمعلبات وقضينا عليها تماما وبدا الظلام يداهمنا قبل وقته لان موضعنا في وادي عميق,    وبدا البرد وصوت الحيوانات تصدح في تلك الوهدات والكليان والوديان وعند الآكام والركام وكم تمنينا أن تمضي الليلة بسرعة,أسلمنا أنفسنا إلى النوم شاعرين بأمان روحي حيث حددنا أربعة مواقع حراسة وكان الزمهرير قاتلا وكل ذلك الحطب والنار العرمرم لم يمنحنا إلا القليل من الدفء, ولكن دفء الوطن الخفي كان حاضرا وهو أتون وجذوة وشرارة .قضينا الليلة بالتقليب ظهرا وبطن محاولين الاستفادة من حرارة النيران الأزلية التي لم تنطفئ أبدا ولم تقل جذوتها الليل كله, ورغم ذلك تخشب جسدى وسارت قشعريرة البرد سريان النار في الهشيم وترقبت نداء الاستيقاظ من الحرس المكلف إيذانا بالحركة,,لا اعرف كما لا أتذكر إن كنت نائما أو غافيا أو مستيقظا عندما رن في أذني أيعاز يقول(نصير كوم ساعة أربعة),كانت لحظة سعيدة ورائعة لكي أتخلص من لسعات البرد وتلك الأحلام التي تتلاطم دائما عند عتبة مخيلتي تارة تقلني على بساط الريح إلى حيث السعادة والهوى وأخرى تقلني إلى حيث الجفا والكرى.كان القمر محاقا ونظرة بسيطة وسريعة إلى الجوار ترى أزواجا أزواجا من المصابيح تتلالا ولا أدرى إن كانت ذئاب أم ثعالب ضباع أم مثالب,لكنها لا تجرؤ الاقتراب لوجود النار أولا ولعددنا الكبير ثانيا وثالثا ربما وعت إلى وداعتنا وسلمنا ولا نحمل من البغضاء شيئا ضدها,كان منظرا مخيفا ومرعبا ونحن في هذا المنخفض السحيق أمام كهف ليس له نهاية ودهاليزه المرعبة!! بين حيوانات تنظر إلينا ككائنات دخيلة تحاول سرقة خلوتها ومملكتها وأمام جبل كافر لا نهاية له علينا تسلقه بسرعة ودون توقف لان النهار عدونا وسبب هلاكنا في هذا الصراع بينما اعتدنا سابقا أن يكون النهار والضوء مصدر إبداع وخلق.




23
مرسم للاطفال

نظمت رابطة ألمرأة العراقية في ألقوش برنامجا" ترفيهيا" للاطفال الوافدين إلى القوش الذي  يهدف إلى كسر الحاجز النفسي والفراغ المدرسي والتخفيف عن المعاناة التي تعرضوا لها جراء اعمال العنف المسلح وتركهم لدورهم ومدارسهم وروضاتهم..وشمل البرنامج إقامة مرسم لهم ليعبروا عما بداخلهم من اختلاجات وأحاسيس وتحديهم للذات أيضا لتجسيد معاناتهم وآلامهم..وكانت اللوحات تتناول بصورة عامة العلم العراقي والنخلة والمناظر الطبيعية والصليب والى آخره . .وبعد الانتهاء من المرسم قدم للأطفال الحلويات والعصائر .. وأخيرا شكروا الرابطة على هذا الالتفاتة وتمنوا لو تتكرر الزيارات والنشاطات مستقبلا" ........

24
الفقير لا يموت جوعا" .. الفقير يموت قهرا"

نحن نعيش سنين عجاف ازيل اريجها وخلب معناها واستبدل اسمها..نعيش حياة تفتقر الى الحب والاحساس بالغير..جميعنا منصرف ليرعى مصالحه التي اوجدها لنا الاستعمار محولا مجتمعنا البسيط الى واحة هجرها الشجر والطير واصبحت ماوى لقطاع الطرق والسراق..ولنعيد جزءا من تلك المفاهيم والاعتبارات ولنقول للذي يعيش قهرا وظلما اننا معك مشاركين همك رغم همومنا ومشقاتنا..قامت رابطة المراة العراقية في القوش بزيارة العديد من الاسر التي تركت دورها ومحالها هربا ممن ليس لهم اسم..دابنا هذه المرة بزيارة اسر تم تهجيرها من سنجار والقاطنة في قرية بوزان حاليا..رأيناهم في هياكل البيوت التي هي قيد الانشاء وفي المدارس في هذا الجو البارد مفتقرين الى ابسط وسائل الراحة والتدفئة..               
 

25
المنبر الحر / طلسم من هيزاوا
« في: 15:42 07/11/2014  »
طلسم من هيزاوا
القوش في 5   تشرين الثاني
قبل أيام وفي حفلة زفاف احد الأعزاء في القوش والعروس من زاخو من قرية هيزاوا...كانت حفلة عادية كباقي الحفلات تماشيا مع الظرف الصعب الذي نعيشه حيث تقام في قاعات صغيرة مقتصرة على اقرب المقربين..لكن الذي شدني وبقوة إلى هذه الحفلة وجعلني اكتب هذه الأسطر هي تلك الدبكة الرائعة واسمها هربولي..وما أنقها وجملها أكثر هو زي تلك المرأة الذي سحرني وقادني في الحال إلى الماضي القريب مأخوذا رغما عن انفي..رأيت فيها ألما وقيحا متراكما عبر دهور التهجير والترحيل وأملا وتفاءلا رغم ما تعانيه من مستقبل مجهول وحاضر معلول..كانت قد ربطت نهايات الأكمة الطويلة (سوسكياثا) وجعلتها خلف رقبتها كما كان أهلنا يفعلونه في السابق القريب..رأيت فيها قصة كاملة فصولها واضحة ممكن قراءتها كما يقرا المنجم الفنجان والكف..بدأت تلك الرقصة الغريبة نوعا ما برفع السواعد تارة وثنيها تارة أخرى مع تلك الأقدام التي جاء إيقاعها متناغما وسلسا مع الموسيقى وحركة السواعد..رأيت الحورية تقود الدبكة برشاقة متناهية ألهبت مشاعر الحاضرين وقد تمنوا فرصة مشاركتها الرقصة والتودد إليها رغم سنها المتقدم...كانت الدبكة قريبة من تلك التي نعرفها وهي(كول شيني)..ما أجمل جدائلها المتزينة بالحناء وهي تتراقص بانسياب تام مع حركاتها الموزونة والدقيقة مع الإيقاع كجدول منساب بهدوء في واحة غناء وكخيوط الشمس عند المغيب..كانت رائعة في كل شيء..اقتربت منها لأسألها..رأيت تلك العينين الذابلتين ربما من شدة الدموع وكثرتها والتي سالت من تلك المآقي بسبب الماضي المؤلم والسنين العجاف التي مرت بهما..رأيت فيها خزينا من الصمت الموجع..تأكدت أن جميع محطات حياتها مليء بالصفع والبصق والركل كحجر مرذول لا يستخدمه أردا البنائين..كانت خطوط طويلة متقاطعة قد حرثت خدودها وثغرها الرصين وقد تحول إلى فسيفساء تشبه تلك الموجودة في آيا صوفيا وربما شاركت يد بابلية في صياغتها.. قدمت هذه الفراشة من منطقة المركا شرق زاخو وفيها ملي عرب وكندالا وليفو وهيزاوا ووو..حاولت التقرب منها والتكلم معها عن أمور تفيدني لكن شموخها كان أطول من سور الصين وأعلى من الهيملايا واعرض من الاورال..إنني بمواجهة طلسم رموزه لا يحلها إلا الفيلسوف الهندي بيدبا..ماذا فعلت هي وأهلها وقومها لتكون كالبيدق بأياد أثيمة غايتها مص دماء الفقراء وجعلهم قضية تناقش في أروقة الأمم المتحدة متى شاءوا..عالم سائر في ظلام دامس.. آه من الحرمان والهجران..أمم وحضارات مهددة من المسح والتغيير..لا رادع ولا وازع يوقف هذا النزوح نحو الشر..إنها النهاية الحقيقية للإنسان الذي خلق..خلق لينحت صومعته ويحرث كرمته ويصون حياته وليتأوه حين سماع صراخ جاره وليكون مصدر سلوى وتعزية لمن كان في حزن وليمنح من ضعفه قوة للآخرين..خلق لتقف الثريا حائرة لمحبته وتواضعه وجبروته وعزيمته..خلق ليرسم البسمة على وجوه قلتها الصدى..آلاف الأسر شقت طريقها عنوة لتبني مستقبلها ولتكون منارات مشعة في شارع الحياة..تحملت جميع أصناف الاهانة والعوز والتدبير فقط لتجعل أفرادها مصدر قوة للشعب..ولكن..أضحت جميعها اشلاءا مشتتة..آوتها القاعات والفناءات وتحت الجسور والحدائق وبين الأشجار وأيضا في هياكل الدور والعمارات..القوة والصاروخ أصبحتا الفاصل في كل شيء..مئات المنظمات الإنسانية لا تستطيع أن تنبس ببنت شفة أمام الطاغوت..إذا كان هناك مراحل أعلى من الامبريالية فهي الآن نراها حيث استوحش الإنسان بأنياب حادة ومعدة البعير..إلى أين ستمضي إيقونتنا الرائعة..انه

عالم ضبابي مطرز بالجريمة والدم..رجعت خائبا تائبا وتركتها لتكمل حلمها في القوش التي سَمِعَتْ عنها أنها أم القرى وفيها سترى ما لم تراه عند غيرها. .لكن المارد لم يترك بقعة إلا وبصمها بقدمه الملوثة..................................


26
المنبر الحر / غيث الخريف
« في: 16:25 17/09/2014  »
غيث الخريف
                                                                   
بقلم..سمير القس يونان
القوش في     16    ايلول  2014
ها هو شعب والذي صيره الزمن الأغبر أقلية يتعكز على لهفة فجر جديد وصباح أمين..فقد أصيب في سويداء قلبه..لقد قض مضجعه ولم تغمض عينه تلك الليلة..حتى كاد الليل قد أجفل فاحمر الأفق وكاد أن ينصدع عمود الصباح ..وخرجوا بقضهم وقضيضهم وهم لا يعرفون سببا لهذا الفلتان والخوف وقد ولوا وجوههم شطر الجبل كالأغنام إذا هربت من صوت الذئب..فيه كل الفضائل كالبنفسج تواضعا وكالزئبق طهرا والبان جمالا..وعبثا يطلب السعادة والسعادة بعيدة منه مناط الثريا...وفي قلبه تغلي مراجل الشوق ليعود إلى دياره وأماكن صيرورته..انه الشر أيها المتأوهون ..وبديهي أن الشر إذا رافقه الدهاء والذكاء احدث من الخراب والويل ما لا تستطيع جيوشا جرارة فعله..ليس للشر قدم أو يد يسعى أو يسطو بها لكنه يجد في بعض الناس أعوانا يتلبسونه ويصبحون له أقداما وأياد ليعيثوا في الأرض فسادا..ها نحن مثل الباقي من قطع الدومينو لا مكان لهم من خارطة اللعبة..فلا القرى والرساتيق تقبلنا ولا البراري والقفاري تحوينا..إننا شعب انتزع منه وطنه في الوقت الذي كان من أشعل السراج وبدد الظلام وسن الشرائع واوجد الحرف أولا..إن هولاكو والمغول الذين قتلوا كل شيء لهم وطن..وأشباه الشعوب لهم وطن..الفاشيون والنازيون والرجعيون والسفاحون ومصاصي الدماء وقاطعوا الرؤوس لهم وطن وارض إلا نحن..أين أوجه الحق والمنطق في هذه المعادلة الصماء..أين هو مسرح الفضائل والأخلاق السامية الذي انشأ لإصلاح العالم..أين ذلك الشعب الذي كان يرغي ويزبد ويهيج كالبحر الخضم حين المساس بأمنه وروحه ووجدانه..أين بحور الشعر وأوزان النثر عندما كانت تفيض وجدا وحسا وعنفوانا ولغطا حينما تهدد كيانه..أين الحقوين الممشوقين بالرصاص والغمد والسيف السمهري..أين النسوة اللائي كن يهلهلن بالقرب من المتاريس لتلهب المشاعر وتجعل من الثوار أتونا مضطرما..أين الناقوس برنه وصدحه وهيجانه وصخبه..أين الصليب بعظمته وتواضعه..بجبروته ومحبته..أين الرموز التي كانت تهرع إلى ساحة الوغى كالأيائل..أين الكاهن الذي وضع قلنسوته جانبا ليقود الميامين إلى حيث الثأر..أين الطاووس وألوانه وحكمته..أين ترمال الراهب وإنجيله..أين الطوباوي وعجائبه..أين الثوب الأبيض والماء الطاهر وزواج الصابئي..أين الحق وحامله..أين أين..لا جواب ولا رد..لقد صمتت الآذان إن لم تقتلع وعصمت العيون إن لم تفقأ..لقد اكتسح الظلام بصيرتهم وأعمى قلوبهم وأضحوا اسودا في واحات الصحراء..من يمنحني الحق رغم الحق في الحياة بكرامة وحرية إن لم انتزعها منه عنوة كما تنتزع الفهود قطعة اللحم من أفواه غيرها..ومن يصغى إلي إلا عندما يكون باستطاعتي سحب البساط من تحت قدميه..لقد رضيت أن أكون لعازر أتناول فتات مائدة الملك لكنهم استكثروه علي ومنعوني منه..أرادوني أن أكون مائعا هزيلا يولي الأدبار عند أول منازلة كالارءام(ظباء الرمال خالصة البياض)..أرادوني أن اكتب باحثا عن المال وليس عن الشرف والحكمة..أرادوني أن تنزعج الأرانب من غطيطي كسولا متسولا..أرادوني أن أكون لاهيا بمعاقرة بنت الحان شاربا إياها لتلعب نشوتها في راسي وتدمنني..أرادوني أن امشي تحت المطر دائما لكي لا يرى احد دموعي..أرادوني أن أستجير الرمضاء بالنار..أرادوني أن أصحح وأقوم الزمن رغم كوني نجارا أو عطارا..أرادوني أن يكون حبي لأرضي كحب يوناثان لوالده شاؤول الملك المتزعزع وليس كحب يوناثان لداؤد المتين الراسخ.. 

                           7

                 

27
قائمة الوركاء..ما أتت لتقوض المضاجع
 
 
بقلم..سمير القس يونان
العراق في 26  أيار  2014                                                                                                               
جرت الانتخابات وانتهت رغم ما الم بها من قبح ورمح  ورجح ومسح وكلح وطرح وقرح وجمح،قائمة الوركاء الديمقراطية راضية وقانعة كما كانوا أجدادنا راضون بكسرة الخبز بعد نزال وعراك وسباق مع من أتى لِيُلين المضغة لهم عنوة..دخلت القائمة من باب الكوتا الفسيح وكأنه جلنبلق أيام زمان دون أن يعترض احد أو ينبس ببنت شفة،مخمنون ومتأكدين أنها ستمر مرور الكرام وستعبر عبور الشهب دون أن يمنح لها احدهم بال وقليل من اكترث لوجودها،لكن القائمة ولان ولادتها طبيعية ومشيمتها نابعة من رحم الكبت والأمل مستمدة غذائها من فتات المظلومين وتأوهات الرازحين أبت الخروج من دائرة الغضب والسطوع ولا البقاء في منطقة شبه الظل.جاءت لتبقى والدليل القاطع حصولها على مقعد ربما يعتبره بعض الأحبة ميت قبل ولادته،لكنه ثقيل ليس بمقدور كل هب ودب حمله وتقليده،نالت هذا المقعد بما تملكه من نضال وإصرار وحب وخلق وماضي ساطع،رغم وفاض جيوبها وصفر أرصدتها، بإمكاناتها المادية الضعيفة التي يعول عليها اغلب المتبارين كرمح سمهري،جاءت لا لتبقى مع من هم على قارعة الطريق ينتظرون منة أو رحمة أو كسرة خبز أو طبطبة ظهر،بل لتنزل إلى المعترك مع أمثالها ومع من يرغب أن يضع العراق أولا بين الأحداق،جاعلة سهل العراق فراش لها وجباله وسادتها الوتيرة ونهريه شريانان قانيان لها وألم العراق وجروحه حلم لها.في طياتها برنامج وطني مفتوح كأفئدة عناصرها،تضع العراق بين راحتيها أولا،ثم وثانيا ذلك الشعب المغلوب على أمره بين الكذب والرعب وبين الرهب والرغب،تاه عند مفترقات كثيرة أوجدها من أراد به شرا وطمسا وضياعا وتشرذما.جاءت لا لتقف محملقة بالذين يزيلون السنابل والذؤابات من الحقول والبراعم من المروج،بل لتحاول أن تعلم كيف يرتشف الرحيق وكيف يصنع النحل وكيف تذري وينتقى الحَبُ،لم تأتي لتسرق ولا لترعب ولا لتوعد ولا لترغب ولا لتدخل من الشباك،بل لتقول دائما ومن خلال كل نشاطاتها إنني سأحاول بكل ما أؤتي لي من قوة أن افعل كذا وكذا،لنقف معا ونشكل صوتا مدويا يسمعه من لم يسمعه سابقا بأننا نمثل شعب بنى الزقورة قبل أن تعرف جميع الأمم للبناء معنى،إننا فصيل قاد اغلب المعارك في ساحات الوغى عندما كان اسم العراق في خطر شماله وجنوبه،جئنا لنقول لهم إننا نحب كل العراق أكثر منكم والدليل تفانينا وإخلاصنا وحبنا العظيم له،لنقول للذين يعتبروننا أقلية إننا باقون وباقون نمجد ونحيي أحرف العراق التي قلاها الصدى وأصابها الوهن والفتور. لقد انتقت القائمة أناسا تخرجوا من مدرسة النضال والكفاح واستمروا بتقديس تلك الشهادة التي منحها الزمن لهم دون أن يتعلق بتلابيب ثيابهم فتات الرذيلة والنميمة،وتراجعوا حينما وصل الركب إلى منحدر تلاشي الذات،وتحملوا الجوع والعطش،الخوف والحرمان،الاعتقال والنسيان في غياهب الدهاليز وظلام السجون،وعندما انبلج جزء من الصباح،ليس كل الصباح،وصوت الديك قد بح من الصياح،واليمام غزفت عن النواح،وزرياب قد ترك الليالي الملاح،عادت تلك الأنفس الأبية لتنحت لها صومعة في وادي الذئاب،وعلى ضوء سراج قديم كان يبدو لهم وجه الحبيبة المدور،ومن عينيها منهلان من الدمع،شعرها المشعث،جفنيها  المنتفخان نحبا ونحيبا،خديها الشاحبان حزنا ولطما.أبت هذه الأنفس أن ترى الناس يضحكون لأناة غيرهم ساخرة بآلامهم طروبة لمشهد نزاعهم.هناك مبدأ عسكري مهم جدا يقول:ليس المهم الوصول إلى الهدف بقدر الاحتفاظ والبقاء فيه،إذن مطلوب من القائمة الاحتفاظ بالمقعد وصيانته من الرض والالتواء ثم الانكسار بل ربما سرقته في وضح النهار كما تفعل الذئاب.نساك في رقابهم معلق الترمال،معبأ بأسمال الفقراء ملطخة بقيح المتشردين الفاقدين لجغرافية الحياة،وفؤوسهم ترنم مع الجلمود ترنيمة الحب والحياة،والحداة خير شاهد لتلك المسرحية...........................................   

         
                                             





28
شكرا للصوت الحر الشريف
                                         
بقلم سمير القس يونان   
لقد انتهت الانتخابات..تلك الممارسة الديمقراطية التي يقاس تطور الشعوب ورقيها عندما تمارس بشفافية ونزاهة..وقال الشعب كلمته حرا أو مجبرا لاختيار ممثليه في البرلمان مشيرا إلى رغبته في التغيير وإنقاذ ما بقى من دموع المجروحين وتأوهات المتألمين وصرخات الباكين..كان الوازع القوي والمؤشر العميق والنداء المدوي لهذه الانتخابات هو التغيير ثم التغيير لجميع أركان الهيكلة القديمة،فان حصل التغيير ولو بنسبة بسيطة تكون هذه الانتخابات قد حققت شعارها وستصنف ضمن خانة الناجحة وبعكسه نكون قد أبصمنا لبقاء العويل والنواح والجسم الهزيل.. أعزائي وأحبتي...أيتها الأنفس التي أخلصت لصوتها وجعلته أبيا غاليا مولولا نديا..إنكم بالقلب ساكنون رغم عدم معرفتي لأغلبكم..شكرا لكم من شغاف قلبي ونياط فؤادي لأنكم أبدعتم في تصويب كرتكم...شكرا لثقتكم العالية ببرنامج قائمة الوركاء وبمرشحيها..شكرا لكم عندما سافرت أقلامكم إلى تلك المربعات لتبصموا بمحبتكم معلنين إخلاصكم بمحض إرادتكم دون أن يدق احد بابكم..شكرا لكم عندما وضعتم جوارحكم ومعاناتكم وتطلعاتكم في خانة الوركاء لتزيدوا من عبئها ومسئولياتها جاعلين إياها يقظة لتمنح من دموعها وعبيرها بلسما لجراحكم وتأوهاتكم...إنني ممتن لما ابديتموهوا من محبة صادقة وإخلاص لا حد له وسوف لن انس تناغمكم مع قائمتي وصدقوني إنكم زيدتم تشبثي بالقيم والمبادئ التي تشربت نفسي من منهل القوش والعراق..جميلا أن يكون احدنا تحت تلك القبة والأجمل أن يكون حرا أبيا وجميع خطواته نابعة من صميم قلبه ومتأتية من نداء المستغيثين والمتأوهين أولئك الذين رأوا فيه خير ممثل لمطامحهم وأمانيهم..إنها مسئولية كبيرة للذي يدرك أبعاد العملية..لسنا هنا لنقول من الذي صوت لي ومن لم يصوت لي شرط أن يكون ذلك بقناعاته ونابعة من رؤاه..رغم هذا وذلك العملية تمت وكل ما نستطيع أن نقوله:ليس مهما أن نكون من المتفوقين بقدر التزامنا واحترامنا للجميع وجعلهم في الأحداق ومشاركتهم همهم ويأسهم والمهم..شكرا لكل من آزر القائمة ودعمها بل شكرا لكل من مارس العملية بتجرد وخلق كريم بعيدا من تشويه مضمون الانتخاب الرائع..شكرا لكل من شاركني حلمي واقتنع ببرنامج قائمتي دون ضغط أو تمويه ودون وعود وإغراءات..شكرا لكل من تسلق جبل الحياة المضني معي وتحمل وعثاء الطريق وضيقه والتواءاته..شكرا لكل من حثني لقبولي الترشيح وساندني خلال الحملة الدعائية..     

29
معزينا ينادينا..صلبت وقمت من أجلكم 
   
                                                                               
بقلم سمير القس يونان
العراق في   19  نيسان

في هذه الأيام المباركة..أيام تجردت ضمائرنا من تلك السمات التي ناد بها السيد المسيح..أيام أضحى فيها الإنسان عفريتا وماردا وإخطبوطا ربما إله كما كانت القياصرة والخانات والأمراء والملوك سابقا بيدهم السلطة الدينية والدنيوية..إنسانا نسى انه سيموت يوما ما وكأنه لم يكن.يوم أمس واليوم وكل يوم الآلام المسيح تزداد لأننا لم نتعظ منها ولم نستشف دروسنا مهمة من شقائه وبؤسه،لولانا ما كان تألم ولا مات،غسل عارنا بدمه ونحن اليوم نلومه ونقول له:من قال لك بان تفدي نفسك من اجلنا،انه لوحده في الجستماني يشعر بالوحدة والعزلة باكيا مقهورا،لقد أنقهر كثيرا واخذ على خاطره عندما نكره بطرس ثلاث مرات حيث صاح الديك،أما نحن فهل صُنّا هامته المدماة وسيقانه المعراة؟وهل نبكي معه حينما بكى دما في بستان الزيتون؟وهل قاسمناه جزءً من تلك الآلام التي لم يقاسيها اعتي المجرمين؟من منا منح الأشياء قيمتها لنمنح المسيح قيمته؟سأنام قليلا واحلم كثيرا لأراك بحلتك البهية ومساميرك القرمزية،مدركا أن كل لحظة أغلق فيها عيني تعني خسارة تأمل وصداقة رب حنون وإنسان وديع،لقد اجتاز وبجدارة خيانة بطرس ودناءة يهوذا،وإذا كان الأول نكره ثلاث مرات وباعة الثاني بثلاثين من الفضة،فإننا ننكره كل لحظة ونبيعه خلسة بدون نقد.سأصحو فيما الكل نيام،سأبرهن للناس أنهم خاطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقا متى شاخوا،دون أن يدروا أنهم يشيخون متى توقفوا عن عشق الفادي المسيح،تعلمت أن الجميع يريد العيش عند قمة الجبل،غير مدركين أن سر السعادة تكمن في تسلقهم للجبل نحو القمة،كذا الحال مع الرب فمعنى القيامة إن أقم إنسانا جديدا تاركا ما تعلق بتلابيبي من رذيلة وخسة ودناءة ،تعلمت أن المولود الجديد حين يشد على أصبع أبيه للمرة الأولى ذلك يعني انه امسك بها إلى الأبد،لنكن كذلك ويكون المسمار الذي اخترق ذلك الجسد الطاهر قاسمنا ورابطنا،تعلمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلى الآخر فقط حين يجب مساعدته على الوقوف،إنها فرصة كبيرة وعزيزة أن نراجع أنفسنا في هذا اليوم بالذات ونتلذذ مع المسيح ونعاونه في دحرجة الحجر الكبير من قبره،أتدري لقد خذل المسيح بتحمله اللامتناهي للألم والاهانة وقيامته رموز التسلط والعنجهية وبيلاطس والصدوقيين والمسامير والرمح واهانات الكهنة...... 
علينا وفي مثل هذا اليوم أن لا نكون مثل الغربال من دقيق الخبز يمسك خشاره ويفلت لبابه!!! أو الراوون من الخمر يحتفظ بعقاره ويستهين برحيقه،سالت فقيرا معدوما:هل تعد نفسك سعيدا؟قال نعم ،لأنني قانع برزقي مغتبط بعيشي,لا احزن على فائت الدهر ولا تذهب نفسي حسرة وراء مطمع,فمن أي باب يخلص الشقاء إلى قلبي،قلت: أيها الرجل ما أرى إلا انك شيخ قد اختلس عقله ،كيف تعد نفسك سعيدا وأنت حاف غير منتعل وعار إلا قليلا من الأسمال البالية ؟قال إن كانت السعادة لذة النفس وراحتها وكان الشقاء ألمها وعناءها فانا سعيد لأني لا أجد في رثاثة ملبسي ولا في خشونة عيشي ما يولد لي ألما أو يسبب لي هما ..ألا ترى قصورهم ومراكبهم، أثاثهم ورياشهم، خدمهم وخيولهم، ألا يحزنك هذا الفرق العظيم بين حالتك وحالتهم؟قال:إنما يصغر جميع هذه المناظر في عيني إني لا أجد أصحابها قد نالوا من السعادة بوجودها أكثر مما نلته بفقدانها...................................


30
المنبر الحر / الحياة...إلى أين
« في: 21:20 02/04/2014  »
الحياة...إلى أين

بقلم سمير القس يونان
القوش في    2   نيسان   2014
 
جميعنا يشكو من هذه الحياة،المترف والمحتاج،السعيد والمهموم،القوي والخائر،الجاهل والمتعلم،السيد والعبد،العتريس والهزيل ثم المقدام والجبان،أين مواطن الخطأ في هذه المعادلة التي حدودها لا تتعدى الإنسان والخالق والطبيعة والحياة.حتى لو أضفنا حدودا أخرى سيكون الحد المتغير الوحيد هو الإنسان وبذلك نقتنع وبقوة أن الخلل يكمن في تفكير الإنسان وتطلعاته الهوجاء،ماذا يريد الإنسان والى أين يريد الوصول وما هو دوره كمحول ومغير عناصر الحياة لصالحه أم العكس.أنا لم أمت أنا حي إلتفتْ إلى خلفك ستجدني أمامك هكذا يقول الرب دائما انتظر التجائك إلي،والإنسان يبتعد عن مصادر المحبة والسلام الروحي والنفسي،لقد وصل بنا اليأس منحا لا يمكن تصديقه،الجميع يتأوه ويئن ويندب حظه،انه الغد المخيف والمرعب،غدنا بحر زاخر يعب عبابه وتصطخب أمواجه فمن يدرك إن كان يحمل في جوفه الدرر والجواهر أو الموت الأحمر،..أن الغد رابض في مجثمه ينظر إلى آمالنا وأمانينا نظرات الهزأ والسخرية ويبتسم ابتسامات الاستخفاف والازدراء,يقول في نفسه:لو علم هذا الجامع انه يجمع للوارث وهذا الباني انه يبني للخراب وهذا الوالد يلد للموت:ما جمع الجامع ولا بني الباني ولا ولد الوالد. إن الإنسان نبش دفائن الأرض وسلبها كنوزها,وغلبها على لآلئها وجواهرها ونفذ بين الأحجار والآكام إلى القرون الماضية فرأى أصحابها وعرف كيف يعيشون وأين يسكنون..ماذا يأكلون ويشربون فعرف النفوس وطبائعها والعقول ومذاهبها والمدارك ومراكزها،حتى كاد يسمع حديث النفس ودبيب المنى واخترق بذكائه كل حجاب وفتح كل باب ولكنه سقط أمام باب الغد عاجزا مقهورا لا يجرؤ على فتحه بل لا يجسر على قرعه لأنه باب الله والله لا يطلع على غيبه احد.إننا بعيدين عن منأى الحياة وفحواها مثل الغربال من دقيق الخبز يمسك خشاره ويفلت لبابه أو الراووق من الخمر يحتفظ بعقاره ويستهين برحيقه فخير لنا أن نحتك بها ونجاريها جهدنا ونعشقها كما تريد لا كما نريد وان لا نولي الأدبار منها فرار السليم من الأجرب.الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس فمن عاش محروما منها عاش في ظلمة حالكة يتصل أولها بظلمة الرحم وآخرها بظلمة القبر،إن الحرية في تاريخ الإنسان ليست حادثا جديدا أو طارئا غريبا وإنما هي فطرته التي فطر عليها منذ كان وحشا يتسلق الصخور ويتعلق بأغصان الأشجار.سالت احدهم هل تعد نفسك سعيدا؟قال نعم لأنني قانع برزقي مغتبط بعيشي,لا احزن على فائت الدهر ولا تذهب نفسي حسرة وراء مطمع,فمن أي باب يخلص الشقاء إلى قلبي؟قلت أيها الرجل هل تسخر مني؟ما أرى إلا انك شيخ قد اختل عقله ويمم شطر القنوط والجنون،كيف تعد نفسك سعيدا وأنت حاف غير منتعل وعار إلا قليلا من الأسمال البالية الرثة؟قال إن كانت السعادة لذة النفس وراحتها وكان الشقاء ألمها وعناءها فانا سعيد لأني لا أجد في رثاثة ملبسي ولا في خشونة عيشي ما يولد لي ألما أو يسبب لي هما،قلت له: ألا ترى قصورهم ومراكبهم أثاثهم ورياشهم خدمهم وخيولهم ،ألا يحزنك هذا الفرق العظيم بين حالتك وحالتهم؟قال:إنما يصغر جميع هذه المناظر في عيني ،إني لا أجد أصحابها قد نالوا من السعادة بوجدانها أكثر مما نلته بفقدانها.لقد خسرنا تلك النفحة الساحرة التي جُبِلنا بها وأضحينا بيادق تتقاذفها الأنامل حيث الهلاك وانتبذنا جانب الطريق المكلل بالشوك والرذيلة،في الحياة مكامن تجود فيها منابت الحب لكل الأنام وتزهو بروابض الفرس ذات العبل الشوى وتلك الذؤابات التي منها نعمل القربان،كنت أقرا من منثور القول ومنظومه ثم لا البث أن أنساه،فلا يبقى منه في ذاكرتي إلا جمال آثاره وروعة حسنه وفيض نبضه، كل ما كان من أمري إنني كنت امرأ أحب الجمال وافتتن به كلما رايته



في صورة إنسان أو مطلع بدر أو مغرب شمس أو هجعة ليل أو يقظة فجر،أرى العين فرأيت السحر الكامن في حاجرها وارى الثغور فرأيت الخمر المترقرقة بين ثناياها,وكنت أرى الشمس فرأيت خيوطها الفضية الراقصة في جو السماء وارى القمر فرأيت شعاعه يسيل على جوانبه سيلا وارى الفجر فرأيت بياضه وهو يدب في تجاليد الظلام دبيب المشيب في تجاليد الشباب,وارى النجوم فرأيت عيونها الذهبية على الكون من فروج قميص الليل وارى الليل فرايته وهو يهوي بأجنحته السوداء إلى الأرض هوى الكرى إلى الأجفان..كنت اسمع خرير الماء فسمعت مناجاتها وحفيف الأوراق ففهمت همساتها وتغريد الأطيار فتيقنت لغاتها.هكذا يجب أن نرى الحياة جميلها ساحق وساحرها طاغي وحبورها طافح.ما نعانيه في أيامنا هذه هو الأمل الماروض والوحدة القاتلة وأصبحنا نستنجد بالماضي ثم الماضي متناسين حاضرنا المؤلم ومستقبلنا الجارف ودب الملل إلى نفسنا دبيب الصهباء في الأعضاء والكرى بين الأهداب والجفون.لنكن كالناسك عندما يسلم رجليه للرياح الأربعة واستن في فراره استنان المهر الارن فإذا سمع صفيرا مات وجلا وإذا رأى ظنه رجلا.لنحترم القمر ونحلق معه ونستقي منه دروسا تهمنا في زمن شحت فيه الأخلاق والنسائم واعتلت منصته اسواط ومقاصل ومناجل ناحل،أيها القمر ما هذه النجوم المبعثرة حواليك كأنها قلائد من جمان..وهذه النيرات حور وولدان..وهذه الهالة الدائرة بك إطار أم عين ثرة ثجاجة..وهذه الأشعة جداول تتدفق أم تنور مسجور وهذه الكواكب شرر يتألق..انك أنرت الأرض وهادها ونجادها,سهلها ووعرها,عامرها وغامرها,فهل لك أن تشرق في نفسي فتنير ظلمتها وتبدد ما اظلمها من سحب الهموم والأحزان..ويراك الرائي فيحسبك مغتبطا مسرورا لأنه يغتر بجمال وجهك ولمعان جبينك وصفاء أديمك ولو كشف له عن عالمك لرآه عالما خرابا وكونا يبابا لا تهب فيه ريح ولا يتحرك شجر ولا ينطق إنسان ولا يبغم حيوان.لننزع القشور القديمة ونزيل الجيوب الكبيرة من ثيابنا وليرف جفننا وتنهمر دموعنا عند لقيانا فقير على قارعة الطريق ومهموم انتبذ مكانا قصيا وندخل الحياة والحرية ونحتسيها كما يقبل الصادي على ماء جدول رقراق..........................





 



31
من يفعل قرار البرلمان لتطبيق اللغة السريانية 
         
بقلم سمير القس يونان
العراق في   19   آذار 2014
دون أن نجامل أحدا..أن بلدنا تحول إلى غابة..فيها القوي ضعيف ومهزوز لأنه لا يستطيع مواجهة الضعيف والهزيل لان الاثنان سراق المال العام والاثنين في جعبتهما الكثير من الأسرار والاختلاسات والانتهاكات،وفي هذا الخضم المقزز،عندما نستحصل على قرار أو توجيه يخصنا علينا التشبث به ومتابعته ليتحول إلى قرار يدخل حيز التنفيذ بسرعة قبل أن يُنكر ويجمد ويتم التراجع عنه.مما لا يقبل الشك أن هذه القرارات وغيرها لا تأتي بسهولة وعلى طبق من الذهب إلا من خلال المطالبة والإلحاح والعناد والإصرار،شكرا لتلك الجهود التي تنصب في بوتقة الصالح العام وعلينا تحفيزها للاستمرار في العطاء والابتعاد عن التنابز الطائفي المقيت.إن اللغة وكما درسناها في التربية الوطنية ركن أساسي لأي تجمع بشري أو شعب أو امة فبدونها تصبح كل المصطلحات عقيمة ولا تستطيع تعويض غياب اللغة.استنادا إلى أحكام البند(أولا)من المادة(61)والبند(ثالثا)من المادة(73)اقر مجلس النواب وصادق عليه رئيس الجمهورية قانون اللغات الرسمية ذو الرقم بلا لسنة 2013 والمبلغ إلينا في 7/1/2014.هذا القرار يتكون من 18 مادة وما يخصنا منه المادة 9 والتي تنص(اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان في الوحدات الإدارية التي يشكل التركمان والسريان فيها كثافة سكانية)،والبند ثانيا من المادة 13 والذي ينص(نشر الوعي اللغوي بغية التقريب بين المكونات العراقية وتعميق وترسيخ المفاهيم الإنسانية والوطنية)،والبند ثالثا من نفس المادة(تحقيق روح الاعتزاز باللغة الأم)،كذلك البند ثانيا من المادة(14)والذي ينص(لكل مكون عراقي الحق في إنشاء كليات أو معاهد ومراكز ثقافية أو مجامع علمية تخدم تطوير لغتها وثقافتها وتراثها).إن القرار صدر وإذا لم نطالب بتفعيله وترجمته إلى واقع ملموس سيترك فوق الرفوف ليعبث به الغبار ويهمش ويذيل بالحفظ وبذلك أضفنا كبوة أخرى إلى كبواتنا المتعددة أيها الأفاضل.على جميع الأحزاب القومية المشغولة بالتناحر وفي الانتخابات ومنظمات المجتمع المدني والكنيسة والمثقفين والمهتمين بالشأن اللغوي والتراثي ومن يكتبون على صفحات الانترنيت التآزر والتحاور في استثمار موقف الدولة والقرار.وهناك قرارات أخرى صدرت من وزارة التربية تفسح المجال لعملية محو الأمية وتعليم اللغة بحاصل يومين في الأسبوع مقابل مبالغ نقدية وفي نهاية الدورات يمنح الدارسين شهادة الابتدائية،هل فُعِّل القرار؟إن من يُفَعِلُهُ ويترجمه ويصر عليه هم نحن ومن يستفيد منه هم نحن ولا أحدا آخر سيذرف دمعة إذا جمد القرار طالما نحن ساكتون وراضون.           



32
في القوش..شعراء تغنوا للحب
             

                     
بقلم سمير القس يونان
                                                         
قامت اللجنة الثقافية بالتعاون مع الهيئة الإدارية لنادي القوش العائلي عصر يوم الأحد المصادف 16من هذا الشهر أمسية شعرية وفنية لإحياء عيد الحب’ذلك الحب الذي غادرنا على مضض وسكن الوهاد والفيافي وفي الشعر والمنثور ينتظر دعوتنا إياه ليعود ويحتل جمار قلوبنا ونياط أفئدتنا.إننا جميعا مدعوين لتجسيد معنى الحب الحقيقي في حياتنا وأروقتها ودهاليزها التي قلاها الصدى وأدماها الكَرى,إن نادي القوش العائلي يحاول أن يكون منبرا منه يشع عبق الوئام وبهاء الرخام ويجعل من ذراعيه سواعد قوية تطول لتحتضن الجميع تحت خيمة واحدة.شاركنا فرحتنا 15 شاعرا وشاعرة من القوش وشرفية وتلسقف إضافة إلى باطنايا وفعاليتن غنائيتين أضفت للمضمون الأدبي والثقافي لاحتفالنا نكهة أخرى،تغنت تلك القصائد بكيان الحب الذي سافر بعيدا تاركا خلفه مسحة كبيرة من الحزن والألم والحسرة حيث حل محله البغضاء والنفعية والذاتية.اغلبنا يشعر بفراغ غياب الحب وعزوفه السكن أركان أسرنا وأزقتنا وأحيائنا والذهاب بعيدا ليسكن الغابات وأشجار الصنوبر في سيبيريا المثلجة,كما تغنت تلك الأشعار بالوطن والحشرجة التي تصاحب جميعنا حين تألمه وجرحه بل عند خدشه ووجوب التشبث بمعانيه وماضيه رغم الجذوات التي صاحبته خلال آلاف السنين.هذا الوطن رغم المآخذ الكثيرة التي تثار هنا وهناك ضده وجميعها صحيح فسيبقى قرير العين عزيز السين طالما هناك من يعشقه بصدق وأمانه ولم يعرضه في البورصة العالمية للبيع بالدين.   
إنني أرى نعشك واسمك وجسدك العاري             يتقاذفه السلاطين والأمراء أولاد الجَواري
نسوا أن في ربوعك نواقيس ومنارات وصواري    لم تلده أمه ذاك الذي يحاول قطف أزهاري
لا تكترث مـــــــن لدغات العقارب ففي أوتاري      ترتيلــــة تتغنى بالمشحوف وسمك أهواري






33
في القوش... صياحات تتعالى  فرحا وحبورا

بقلم سمير القس يونان
القوش في  1   شباط

مرة أخرى ومثل كل مرة،اجتمعت الجموع المحبة للفرح مساء يوم الجمعة المصادف  30   ك2  لتطلق لنفسها العنان نافضة عن ثيابها غبار النهار المضني وليس هذا النهار فقط بل كل نهار ويكمله الليل بأحلامه المزعجة،أضافت الهيئة الإدارية لنادي القوش العائلي لبنة جميلة أخرى على جدارها الذي قارب بنائه السنتين.كانت أمسية رائعة تعالت فيها الهتافات وصدحت خلالها أصوات كل من العزيزن ياسر وراني والموسيقي  سدير ودي جي سلفر لتجعل الدماء تتدفق بسرعة إلى مراكز الإحساس والنشوة،ولتسري لتغطي الجسم كله،فترى الأكتاف تتلوى وتنبسط وترتفع لترسم لوحات جميلة لا يعرف راسمها معناً لها،أما الأرجل والأقدام فلنا لها حديث آخر،كانت تتسابق فيما بينها لتلطم الأرض لطما وتذيقها غضبا وتثير تلك الأصوات التي تصارع الإيقاع نغمته والربيع حلته. ابتدأ حفلنا عند التاسعة على محبة الله،كان الأخ ياسر وأغانيه العراقية القديمة ومنها (آه يا العراق) و (يا طيور الطائرة) و (فوك النخل فوك) قد ألهبت مشاعرنا وتحولت إلى براكين ثائرة ومراجل كادت أن تنفجر شوقا وتحرقا إلى اسم العراق الذي تحول إلى خردة بيد الفاسقين والجلادين والدجالين،(آه يا هال العراق نيرانك ثلج)يا نفط العراق ويا دجلة الخير ويا بصرة الفيحاء ويا نخل العراق ويا هور العراق،نعم كانت سياطا ألهبت ظهورنا وجعلتنا ننط ونقفز حزنا وتأوها ونكوصا لبلدنا لعراقنا الذي حفظناه في حدقة عيوننا وجعلناه أمينا في جمار قلوبنا.ثم جاء المغني راني الديربوني ليطربنا بمواويله ومقاماته وصوته القوي الصارخ وخاصة الكوردي تلك الألحان القريبة من إحساسنا والتي رافقتنا منذ طفولتنا وكانت الموسيقى الأولى التي تعرفنا إليها.الجميل والرائع في أمسياتنا هو الالتزام واحترام التعليمات والابتعاد عن كل ما يعكر جونا الجذل وما جئنا من اجله،جئنا لقضاء لحظات سعيدة يعمها الحبور لنبتعد قليلا من وعثاء طريقنا العاثر الذي زرعنا فيه الشوك والهموم لنجري مسرعين خلف سراب مقيت سراب القشور والنقود.إنها قلوب خافقة بحب طاهر،ونفوس حائرة كأنهن الحمائم تضطرب في أقفاصها وتطلب الفرار لتحلق في الفضاء.نفوس نكرت واقعها لساعات فقط وعقدت العزم على مصادقة الفراشات واليراعات وكانت قد أسبلت عيونها حياءً وتوردا وجهها خجلا لثورة الحبور والجذل،من يراقب قاعتنا من بعيد،يتراء له فم أتون مضطرم بتلك القرقعات والجعجاعات وثورات الأجساد المتناغمة مع إيقاعات ونوتات سدير وأوتار حنجرتا ياسر وراني.تعالت الهتافات وطالت السواعد لتصل الثريا وتحضنها،أما الأرض فأخذت تئن وتتأوه من وطأة أقدام جبلت لتدك معاقل الأرض ولحدها وشوكها وجبروتها.استمر الحال على هذا المنوال مضيفا لبنة أخرى إلى جدار الجمال متشبثين بمثوى الأجداد وتلك الأطلال،إذا قدر لنا،سنستمر بهذه الكرنفالات والأمسيات ليس لربح مال ولا لمآرب شخصي بل لجعل النادي شعلة لا تنطفئ وليكمل مشوار من بدا به بهمة وشكيمة رغم الإمكانيات البسيطة.وكان النادي قد دفع من رصيده المالي أكثر من 100 ألف دينار تكاليف إضافية للأمسية،عند الثانية عشر والنصف نهيت الحفلة رغم نداءات والحاجات الإخوة المشاركين للاستمرار بالرقص والدبكات،ومضى كل إلى سبيله مفعما بالمعنويات محلقا فضاء الحريات مشبعا نفسه بكل الرقصات.................   










34
الهجرة...ماذا فعلت بنا 
                                                   

بقلم..سمير القس يونان
القوش في    28   ك2
         
 إننا شعب أرهقته الهجرة وأضنته نزيفها القاتل والذي أضحى يهدد الكيان ككل،كثيرون عَرَّفوا الهجرة وأعطوا لها أوجه وصيغ عديدة.لكن حالتنا تختلف تماما،شعب أصيل مسالم يتمتع بإمكانيات غير محدودة،يولي الأدبار ويترك مثاوى الأجداد ليبحث عن بقعة أخرى فيها الأمن والأمان وفي الوقت نفسه لا يحس بالانتماء.أمامي أرقام مخيفة من العائلات التي تزمع الرحيل وفي القادم من الأيام،مثلا في بعشيقة هناك أكثر من 20 عائلة مرشحة للسفر وحمل الأحلام وأضغاثها التي لم تتحقق هنا ويظنون إنها ستتحقق في تلك الأصقاع،في برطلة اقل من هذا الرقم وقره قوش أكثر من 30 عائلة وهكذا الحال في تلسقف وباطنايا وتلكيف ومدن وقرى الشمال.أرقام لا يصدقها العقل ولا المنطق,سيستمر هذا القطار بقص البطاقات والغرب يوفر لأهلنا ملاذات وملاذات،وجميع المفاصل المسئولة عن هذه العملية واقفة تتفرج سوى الكنيسة في الفترة الأخيرة ونداء رئيسها المبجل.لقد أضحت النسبة الصغيرة الباقية من أهلنا المسيحيين عموما في ثنايا الوطن بين نارين،لا هي قوية ومؤثرة وفعالة بوجود الكل  ولا حزمت أمرها كالباقي وشدت الرحال ليكون حالها حال البقية.فهي تعاني الأمرين وتتمنى أن يكون وزنها كما كان ولكن!هناك من تشبث وتعلق بخيوط متينة تربطه بهذا التراب،رغم امتناع الأقوياء من مد هذه الخيوط لنا،وان مدوها فهي بألف حساب،وبهذه المناسبة ومن تراثنا المحكي هذه الأقصوصة:كان لفلاح حمار وكان لهذا الفلاح جار،في احد الأيام دُقَ باب الفلاح،ذهب الفلاح ليفتح الباب ويرى من الطارق،عندما فتح الباب رأى جاره فطلب منه الدخول ليرتشف فنجان قهوة،لكن الجار شكره على دعوته وامتنع من الدخول بحجة انه مستعجل من أمره،فقال الجار لجاره صاحب الحمار:أيمكنني استعارة حمارك لأمضي بدقيقي إلى الرحى لأطحنه؟فقال صاحب الحمار يمكنك ذلك وتستطيع أن تأخذه الآن،وفي الحال دخل إلى بيته وناد احد بنيه وأمره بان يجهز الحمار ليعطيه إلى جاره لأمر يقضيه,أؤتي  بالحمار وأُعطِيَ للجار،قبل أن يذهب قال الفلاح لحماره:اذهب وسيكون الله معك وهي ساعة وسيعيدك إلي،فرد الحمار وقال:سيكون الله معي عندما تكون أنت معي يا صاحبي!!!!إذن سيكون ظهري محميا عندما يكون أهلي وأحبائي حولي،أين هم؟تراهم يعقدون المؤتمرات والندوات ويكتبون لنا مقالات،منقسمين على ذاتهم وإذا نقدهم أحدا تحولوا إلى بركان ثائر منتفض يزيل الأخضر واليابس.لا هكذا يا أحبتي،إن كنا في بالكم ونحتل حيزا من تفكيركم آزرونا بمحبة صادقة ووحدوا كلمتكم التي أضناها الانقسام والكراهية والتعالي والكبرياء،إذا كتب فلان وتجاوز الخط الأحمر قليلا تقوم القيامة وتحد كافة المِديات والخناجر والسكاكين،كأنه كسر الصوم كما يقولون وباع (سيبدا وليبدا)،من منكم يعرف عددنا في عراق الأجداد؟وما هي نسبتنا الآن بالنسبة للشعب ككل؟وكم كانت في الأربعينات والخمسينات عندما كان لنا 8 أعضاء في مجلس الأعيان عندما كان البطريرك المبجل يوسف غنيمة احدهم؟أيضا أرقام ونسب يندب لها الجبين إلى درجة يصارحنا أصدقائنا ومن الشرائح الأخرى ويقولون: ما بالكم تغادرون البلد وتقولون نحن الأصلاء،كان المفروض تعلقكم بهذا الوطن مهما كان أكثر من غيركم،إنكم شعلة جميلة تمنح الضوء دون أن تحرق إبهام احد.والانكى من كل هذا نحن مقبلون لانتخابات رحم بنا الحيتان بخمسة مقاعد وهذا فضل علينا تذكره دائما وبنظام يسمى (الكوتا)؟؟إننا هذا النفر الباقي سنشارك في الانتخابات بثلاث عشرة قائمة،وكل قائمة فيها من 8-10 مرشحين،إضافة إلى الأصوات التي ستهدر هنا وهناك؟هل هذه حالة صحية مناسبة والوضع الذي نحن فيه:وسؤالي لولا الكوتا ،أهل سنحصل على مقعد واحد؟كانت أصواتنا ستندثر وتضيع   


هنا وهناك دون أن يكون لنا صوتا واحدا تحت قبة البرلمان،هذه هجرة أخرى أعمق وأصعب من التقليدية،لأننا نهجر حقنا وإرادتنا ونعمق من انقسامنا وبهتاننا وضعفنا وخنوعنا،علينا التوقف والتمعن في حالنا والجرأة والصراحة في تحديد مواطن الخطأ ونبذ الغرور والجلوس حول مائدة مستديرة يدير الجلسة أضعفنا.......                           

35
المنبر الحر / الصقيع القاتل
« في: 23:21 18/01/2014  »
الصقيع القاتل
           
                                       
سمير القس يونان
                                      القوش في  18  ك2
كان هذا في بداية كانون الأول 1982 داخل تركيا قرب قضاء شرناخ,,نحن عائدون من سوريا سيرا على الأقدام وجلبنا 17 نصيرا ونصيرة إضافة إلى سبعة بغال تحمل الأسلحة والمعدات الطبية وغيرها,,ما تقرءونه صفحة من كتاب من سفر أبطاله أناس عاديون ذهبوا إلى سوريا عبر تركيا ضمن رحلة طولت أكثر من شهر, فيه استشهد احد أنصارنا ووقعنا في كمين قاتل عند الحدود بين تركيا وسوريا إلى الغرب من قضاء الجزيرة التركي المعروف,تفضلوا وتعالوا معي ::
بدا البرق والرعد يهز أركان المعمورة وكانت في أجزاء الثانية تنير الطبيعة وكأننا في نهار,وبعد دقائق بدا المطر بالسقوط,كانت الطبيعة التي نسير بها طينية وحجرية,بدأت الأطيان والأوحال والثلوج بالذوبان نتيجة تلك الزخات القوية من المطر,كيف لي أن ارسم صورة للوضع الذي نحن فيه,بعد 10 ساعة من السير عبر تلك الجبال والمضايق والوديان والصقيع وفوق ظهورنا أحمال ثقيلة,الإعياء والخوف والليل والقلق والجوع ثم المطر والأوحال والطين وانعدام الرؤية والبرد,زاد وزننا إلى درجة كبيرة لابتلال ثيابنا إلى درجة لم يضحى خيط واحد يابس,أمامنا أكثر من ساعتين للوصول إلى القاعدة الخشبية,السقوط المستمر للأنصار والعثرات المخيفة للبغال,ما هذا الذي نحن فيه,كيف سنصل إلى المحطة,وكل شيء يحتمل ما عدا سقوط بغل ما وحينها ستكون طامة وغضب يحلا علينا,كل هذا ولم نقف لحظة واحدة ولا زال المطر على سجيته,ماذا سيكون حالنا إذا انبلج الصبح ونحن في العراء أمام أعين الكثيرين,أسئلة وأسئلة تبادرت إلى أذهاننا ولأغلبها لا جواب.
توقف المطر دون سابق إنذار,وكان لأغلبنا معاطف مطرية أنقذتهم من ابتلال ثيابهم,وقسم منا أعطى معطفه للأنصار الجدد,استمر السير في الوحل القاتل ولم يفلت احدنا من الانزلاق,توسخت ثيابنا وبنادقنا وأضحت قطع من الحديد ملأتها الأطيان والمياه,كانت الرابعة والنصف فجرا عندما انتهى الطريق الموحل وتغير اتجاهنا نحو الجنوب بعد أن كان شرقا,بدا جبل متوسط بالظهور تغطيه الثلوج,كانت حالتنا المعنوية يرثى لها,أما امنيا فعند تغيير اتجاهنا وبدأنا بتسلق الجبل نكون قد دخلنا حيز القاعدة وابتعدنا عن الخطر نوعا ما, كان لبعض الأنصار مواقف وبطولات لا يمكن للتاريخ مهما كان غافيا وغافلا وساهيا أن ينسى هؤلاء,عليه أن يجعل منهم أيقونات ومنارات يرتوي منها من رهن إنسانيته في سوق مريدي,كما وعليه أن يوثقها بحروف وردية وبصفحات تسبق تلك الصفحات الملطخة بالدم المراق هدرا, ومحو أمم بالكامل وإزالة اسم نقره التاريخ قبل أن يكون للتاريخ عنوان,وما هذه الأقلام التي تكتب بجدية ونزاهة إلا إماطة اللثام وإزالة الغبار والترسبات عن تلك الجواهر واللآلئ,لتلمع وترى لمن خدر نظره واخذ يرى بعيون الآخرين.
تحملنا الكثير واذللنا الصعاب وكانت تجربة نادرة اثبت من له إرادة وهمة وشكيمة جدارته وحنكته , توقفنا خمسة دقائق دون أن نجلس لنعيد ترتيب البغال وحزم أمتعتها مجددا.
   كان الوقت قد تجاوز الرابعة فجرا عندما قمنا باستراحة لمدة خمسة دقائق دون أن نجلس لنعيد ترتيب البغال وحزم أمتعتها مجددا.لم يبق إلى القاعدة سوى ساعة أو أكثر بقليل ثم استمررنا بالسير,بعد ربع ساعة شعرت بدوار وإحساس بالقيء والجوع الشديد وحملي الذي تجاوز الثلاثين كيلوغراما,طالما أصبحت القاعدة قريبة والطريق إليها أتقنه تماما لأننا مكثنا فيها عدة أيام عند ذهابنا,لذلك جلست عند صخرة ناتئة والصقيع يحيط بها وأشعلت سيجارة بسرية تامة لأستريح قليلا واسترد أنفاسي.
كانت الأحلام تتلاطم في مخيلتي الباطنية وانأ استمتع بنوم عميق على فراش وثير من الثلج متوسدا تلك الصخرة حيث اللاوعي الجميل,لكن نباح  الكلاب الصاخب أيقظني وغلب على هذه الاختلاجات والأحلام والنوم الهانئ,حاولت الجلوس ومعرفة ما جرى وأين أنا ومن أنا لكن دون جدوى حيث أصبح جسدي كمومياء فرعونية محنطة لا تقوى على أية حركة,وفي هذه الأثناء سمعت صراخا لرجل يوبخ  الكلاب لتسكت ليعرف سبب هذا النباح.
كانت الساعة التاسعة صباحا,حاولت مرارا أن أجلس ولكن خانتني القوة وبعد محاولات حثيثة استطعت الجلوس, إلى الغرب مني,وقعت عيني على كوخ قريب ترتفع من سقفه الطيني عمود من الدخان وكنت على علم بوجود هذا الزوم, ولكني حين استرحت صباح هذا اليوم لم اعرف إنني بالقرب منه وكانت الساعة التاسعة صباحا وهذا يعني إنني نمت على الصقيع أكثر من أربعة ساعات.
حاولت النهوض على قدمي لكن قوتي كانت قد خارت وجسمي تحول إلى قطعة واحدة متصلبة والبرد تغلغل إلى كل ثنايا جسدي,لأنني عندما وقعت خائر القوى كانت ثيابي مبللة لذلك تجمدت عندما بقيت نائما 4 ساعات في الصقيع الملعون.لكن بعد عدة محاولات استطعت النهوض لكنني سقطت لا اقوي الوقوف على أرجل مخدرة شللها البرد والصقيع,وكان المكوث والبقاء أكثر في الصقيع لا خير منه وسيزيد من حراجة الموقف, لذلك استعنت بالطاقة الكامنة وحاولت ونجحت المحاولة وتناولت البندقية وتوجهت إلى كوخ العم محمد.
 كان كوخ العم محمد لا يبعد أكثر من مائة متر ولكنها تحولت إلى مسافة شاسعة لكن وبخطوات وئيدة مثقلة كثعبان مقصوم الظهر وخطوة خطوة وشحذ ما بقى من قوة وطاقة قطعت مسافة لا باس بها,عندما جاءني الشيخ مسرعا وحثني على السير وساعدني والكلاب تحيط بي إلى أن وصلنا الكوخ(الزوم).ٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌ,حينما دخلت الكوخ سقطت جاثيا أريد التهام تلك المدفأة التي تحولت إلى قطعة حمراء من شدة حرارتها, لكن الشيخ منعني وسحبني وأجلسني بعيدا خوفا من الكانكرينا وتفحم نهايات الأصابع,وذهب في الحال واتى بإناء(طاسة) مملوءة بعسل التمر(الدبس)وأمرني بجرعها بالكامل,نفذت ما أراد وبعد لحظات شعرت بالحياة تعود إلى كياني والحرارة تنفذ إلي رويدا رويدا,حاول نزع الحذاء لكنه أبى الابتعاد عن قدمي وكأنه جزءً منها,وبعد عدة محاولات تمكن من إبعاد الحذاء من قدمي أما الجوارب فكانت كالثلج ملتصقة بجلد قدمي,وبدا بفركها بعد أن يحمي كفيه كثيرا بحرارة المدفئة وكنت لا أحس فيها في بداية الأمر,ثم أتى بإناء آخر من الدبس وقرصتين خبز والتهمتها في الحال,بعدها شعرت بالحياة تدب في تلابيب جسدي وأطرافي, كم كان هذا الطعام لذيذا ومنعشا الذي قدمه الشيخ محمد(هذا الشيخ يمتلك قطيع من الماشية وفي الشتاء يأتي إلى هنا ويبني بيتا بسيطا مشتركا للماشية وله هروبا من الثلج في العمق التركي حيث ينعدم المرعى ويسمى زوم), ولا زالت نكهة ولذة ذلك الطعام البسيط قائمة وشاهدة عند طرف اللسان.
وهكذا عادت الحياة إلي,وتعجب الشيخ الذي كان يعرفني مسبقا لحالتي وقال:كيف تنام في الثلج هذا العدد من الساعات,وضحت له بعض الأمور والمطر والجوع وكان كلما استطرد في الكلام تزداد فتحة فاهه اتساعا متعجبا لما تحملناه هذه الليلة.
كانت الساعة ال11 صباحا عندما سمعنا أصوات تنادي وتذكر اسمي الحركي,خرج الشيخ في الحال وخرجت خلفه لنرى مصدر هذه المناداة,وإذا بثلاثة أنصار يبحثون عني,لوحنا لهم بالقدوم إلى الكوخ,اقتربوا ولما كانوا على بعد استطاعوا فيه تمييزي,أسرعوا في الخطى وخلال اقل من دقيقة كانوا عندنا وسعدوا لملاقاتي ومشاهدتي وأنا بخير.
دعاهم الشيخ الوقور إلى الداخل لاحتساء كوب شاي,ولجنا جميعا الكوخ وكان بالهم قد تشوش ناحيتي,ويجب أن نعود مسرعين إلى القاعدة لان الباقي لا يعرفون ماذا جرى لي,احتسينا الشاي بسرعة ونهضنا وشكرت الشيخ كثيرا جدا وودعناه......

36
أمسية شبابية في نادي القوش العائلي   
         
بقلم سمير القس يونان
القوش في  3  كانون الأول   2013

قامت الهيئة الإدارية لنادي القوش العائلي بإحياء أمسية شبابية رائعة على القاعتين الداخليتين بتاريخ 29/11 والمصادف يوم الجمعة الماضية,أحيا الحفلة مطربين شعبيين قادمين من مدينة الحدباء وهما عامر فندر وفراس البغدادي ودي جي المبدع سلفر تومكا وكانوا جديرين بالاحترام وان يكونوا نجوما في سماء القوش لتلك الليلة.قبل الثامنة مساءا وهو الموعد المقرر لبداية الأمسية بدا أعضاء النادي وأصدقائهم بالتقاطر والوفود إلى النادي,لقد احتشد الشباب وبعض من غزى الشيب مفرتهم قاعتي النادي إلى إن لم يبق مكانا شاغرا ولو لشخص واحد وكثير من الأحبة عاد من حيث أتى لعدم توفر فرصة الجلوس والمشاركة.بدأت الحفلة حينما رحب سكرتير النادي بالحضور الكرام ناقلا تحيات الهيئة الإدارية ومتمنيا لهم سهرة سعيدة ملئها الحبور والسرور مع الابتعاد وتجنب التجاوز والتقيد بالنظام واحترام الجميع.ثم التقط المطرب عامر فندر واخذ يتلاعب بالمايكروفون كعادة المطربين مثل جورج وسوف والمهندس ثم فتح فاهه بأغنية شعبية تتغنى بالوطن وتقدسه وتجعله حدقة بها نرى الأشياء,تعالت الأصوات والصرخات والهلاهل مستذكرة ملحمة العراق التي مزقتها الطائفية والاثنية واتى على البقية الباقية منها الإرهاب الدموي الذي لا يرتوي أبدا.كانت البسمة بادية على جميع الثغور والضحك يملا الشدقين ودموع الفرح تتكور في مآقي الكثيرين واضحي الجميع براكين آيلة للانفجار,استلم المطرب البغدادي المايك واخذ يتمايل مع مقام (آه يا هال وطن)وكاد الحاجز بين القاعتين إن يسقط من قوة صوته وجبروت حنجرته وتفاعل من كان جالسا مع ذلك الصوت وتلك الكلمات التي يشوبها الحزن والعتاب.حزن على الوطن وعويل للتاريخ وتأوه لنسمات الفراتين وأبو نؤاس الذي اغتيل من جديد رغم موته قبل أكثر من 1300 سنة,ثم بدأت الدبكات والرقص الفردي الذي نمتاز به وأضحت تلك الأجساد براكين متفجرة عنفوانا وحمما وتتداخل الحركات عندما يتفوه المطرب بكلمة القوش وترتفع السواعد لتعانق السماء وعروش الفضاء.كانت أغنية (المضيع ذهب بسوك الذهب يلكاه والمضيع محب يمكن سنة وينساه بس المضيع وطن وين الوطن يلكاه)بمثابة وثبة فارس يتشبث بمتراسه ليدافع عن وطنه ومثل ذلك التياري الذي كان يشد رجله بشجيرة العوسج خوفا من لحظة التراجع دفاعا عن مضيق وكنيسة ليزان في هكاري,كانت القاعة مكتظة بالشباب وعنوة استطعنا إيجاد ممر للدبكات وكانت الأيادي تتشابك لتلتحم مشكلة سدا منيعا يطأ الأرض كجبلا أيهَماً وكيامورا اعتلى إحدى القمم ومزارا من المزارات يوقظ الهمم,تهتز الأجساد مفعمة لتحرك الصنم وتقول لمثوى الأجداد وهم في قبورهم ها نحن لكم نغم نناشد الملائكة لتنعم عليكم برغد سدم ولا نترك يبادركم بأياد عدم.وكانت أغاني فؤاد سالم كسهم زمهري ألهب النياط ونكأ الجراح التي كادت إن تلتئم وعاودت الأكتاف تعانق الثريا والجوزاء والقمر والشباب يعبثون بأحلامهم وأضغاثها كأنهم يراعات تتراقص في ليل داج مدلهق تموج في صحراء عيونها واحات ولجم.كادت الأجساد تسقط أرضا من كثرة الرقص والغناء وخوفا من ذلك لعبنا الدنبلة وكان جوا رائعا حيث الجميع مهموم برقم يلعنون الحظ ويتمنون الأولى واستمر القارئ بجرخلة تلو الأخرى ولا صوت يقول نعم.كانت أمسية فيها تلاشت الأحزان
والهموم ونسينا الدنيا وتأوهاتها والحياة وقرصاتها لنعبث كأطفال بتلك الدمى التي لا تتحرك وان تحركت فبأصابع إنسان قزم.سعد الجميع وتمنى إن تعاد الأمسية كل شهر وقلنا لهم طالما انتم راغبون فنحن ممنونون,..............









37
لا زال عبق ما ميخا في ألقوش

             
بقلم سمير القس يونان
 ألقوش في  16  تشرين الثاني

يصادف الأول من تشرين الثاني من كل سنة عيد الشفيع مار ميخا النوهدري والذي له مكانة خاصة في قلوب الالاقشة قديما وحاضرا وكان حضوره قويا ومؤثرا في إحساس العامة من هذه القصبة في أحلك الظروف وفي أرخاها...قدم إلى القوش  في القرن الرابع قادما من برية اسقيط في مصر عندما جاءه أحاء  يدعوه للذهاب إلى القوش ليبني له ديرا هناك...وقدم دون تردد وفي طريقه إلى القوش دعي للبقاء في أكثر من دير وأسقف لطرسوس لكنه أبى البقاء لأنه محمل برسالة وعليه الامتثال لها حتى  لو طال الأمر عنقه...قطع البراري والقفاري الصحارى والبوادي ليصل إلى حيث قصده الأخير...دخل القوش وهو حاملا في جسده الممجد آثار الآلام والصلب كأوسمة الانتصار ليستقبل استقبال المنقذين من قبل الكهنة والشمامسة وجموع غفيرة من الأهالي وديلم من الناس وذلك يدل على أن القوش كانت قد دخلتها المسيحية قبل هذا التاريخ ليقف بحزم وإصرار عند أمور ربما كانت مصيرية لهذه القصبة ...التفت الجموع حوله وآزروه وشدوا من حزمه  وبنوا له ديرا إلى الجنوب الشرقي من القصبة الذي هو مزاره الحالي وكانت حينها بيادر القوش لان القصبة كانت عند السفح (قرزي)الحالية وامتدادا إلى الشرق والغرب...في عيده في الأول من تشرين الثاني من كل سنة وبينما كنت في القداس شاءت الأمور أن اجلس بالقرب من ضريحه في الزاوية اليمنى من المذبح تماما وبينما كان نيافة المطران يتلو بصلواته عبر القداس ويشرح بإسهاب ما فعله الشفيع لقصبتنا ولأجدادنا  خرجت عن جو القداس محلقا بعيدا إلى حيث زمن قدوم القديس مار ميخا...كان وباءا قد انتشر بين الأطفال وبدا يفتك بهم فتكا وهنا قدم الأهالي إلى القديس ليخلصهم من هذه المحنة وطلب منهم أن يتوبوا ويعودوا إلى رشدهم واستجابوا لطلبه وعندها كان الوباء قد ولى ورجعت الفرحة تملئ  قلوب الناس...كانت رحلة القديس طويلة وشاقة ومتعبة من دير ايزلا إلى نصيبين إلى جبل جودي إلى القدس فأورشليم فبرية اسقيط ومن هناك إلى القوش مباشرة...نحن الآن وبتكنولوجيتنا الرائجة البعيدة عن تلك المشاعر الإنسانية الجياشة وبطائراتنا وشاحناتنا هل نقبل أن نخدم قضية ونضحي من اجلها عبر هذه السنين متجولين وفي جعبتنا ألذ الأطعمة وأشهاها كما قضاها القديس ماشيا على قدميه عائشا على الجراد والنباتات والأعشاب البرية وعلى منكبيه وحقويه سمل رث ليقيه شر البرد ولسعة البعوض...كل ما في الأمر كان يملك قناعة مطلقة لمنطق يتلهف إلى مخلص يجمع بين ضعف الطبيعة البشرية وعظمة الاستحقاق الإلهي ولذلك قطع البراري والقفاري رافعا ذراعيه نحو ربه متضرعا طالبا من خالقه الصبر والعزيمة ليكمل مشواره الذي خلق من اجله وها نراه يأتي من برية اسقيط التي تبعد أكثر من 2000 كم من القوش وهو لا يمت بصلة بهذه القصبة المنسية الواقعة على سفح جبل اجرد...وعندما قطن القوش وقام بعجائب كثيرة منها القضاء على الوباء وغيرها بنى له ديرا بسيطا بل صومعة حقيرة لم يقبل بها أهل القوش فأقاموا له ديرا محترما أصبح فيما بعد مدرسة  فرشت أرضها باثمن الطنافس وأسدلت على جدرانها السجف الحريرية المذهبة يؤمها الكثيرون من الأطفال والشباب من القوش والقرى المحيطة آنئذ مثل بلكا وخروثا وكربيرو وكرا وماكنن وبيكلبا وبندوايا وغيرها..استفاد من المعونات التي كانت تقدم له على شكل ذهب وفضة وبنى الهيكل الكبير واشترى أراضي زراعية غرب وشرق القوش ولحد الآن تسمى هذه الأراضي أراضي القسيس(آراثا


دقاشا)ليستفيد من   ريعها وريع الرحى الموجودة في بندوايا غرب القوش التي لا زالت أطلالها ماثلة ليومنا هذا واسمها على اسمه ليسد النفقات الكبيرة على المدرسة والقسم الداخلي وعلى ما يحتاجه التلاميذ...كما واسكن التلاميذ القادمين من تلك القرى البعيدة وهذا النظام يسمى في أيامنا هذه بالأقسام الداخلية وبذا يكون أول نظام يتبع في التاريخ على حد معلوماتنا البسيطة..هذه المدرسة وإيواء التلاميذ يحتاج إلى نقود وضمان غذائي وبحنكته وإيمانه استطاع إنجاح العملية وكان لها صدا واسعا حينها ولا زلنا نتحدث به بعد 1700 سنة...هو ومن قبله ثم الربان هرمزد الذي تنبأ بقدومه ثم البطاركة والأبطال والكتاب والثوار والأباة والفلاسفة والنحاتين والمثقفين والغيورين هم من بنوا القوش وحفظوها في أحداقهم وجعلوها نياط أفئدتهم  لتسلم من جيل لأخر كقلادة تلف المعاصم  وتاج على الرؤؤس ونيشان على الصدور زاهية أبية شامخة يعيش في كنفها أباة يمتلكون قلوب خافقة بحب طاهر ونفوس حائرة كأنهن الحمائم تضطرب في أقفاصها وتطلب الفرار لتحلق في الفضاء...وكان القديس وقبل أن يموت بساعات أحاط بنظره القوش التي منحته اسمها وحنانها ومنحها العلم والشفاعة والإصرار وينطق بقوله المأثور ((لا يتحكم بكِ عدوا))...ما هذه الغيرة ايها النوهدري وما هذا العشق العميق؟؟إذا كنت أنت القادم من برية اسقيط تمتلك هذا القدر من المحبة لالقوش فكيف بنا نحن؟؟إذا كنت أنت شيخا طاعنا في السن وقد تجاوز عمرك التسعين وتحمل في طيات قلبك كل هذا الود لهذه البلدة فكيف بنا نحن أولادها الذين ولدنا وصرنا وترعرنا وكبرنا في فتاءاتها وربوعها؟؟؟انك لوحة متكاملة أيها القديس تقاسيمها حدود القرية وعيونها ينابيعها وصهاريجها وجبينها الجبل الذي يحضنها وانفها الوادي الذي يقطعها وثغرها بيادرها وفسحها...كثيرون من أضافوا لتلك اللوحة طلاسم ورموز وكحلوا الرموش وأطالوا الأهداب وجعلوا من عيونك يا القوش عيونا دعجاء ومسحوا عنكِ صورة المرأة الدرداء(ليس في فمها سن واحد)  وقبلوا من أجلك وجوها مضرجة بالدماء ورؤؤسا معفرة بالتراب وهزوا الأرض وجعلوا فيها اخاقيق وشقوقا تبتلع من يدنو من رحابها ليجعلوا من صباحها يمام يستهل بهديله الشذي سيمفونية رائعة لا زالت تسحر النفوس...كانوا فقراء لم يسلأو سمنا ولم يطبخوا إقطا ورغم ذلك لم يعطُوا ظهرهم لبلدتهم لأنها إذا انتزعت من هويتهم لأضحوا جنودا مرتزقة. ..انكِ يا بلدتي أضحيت ألعوبة بيد من لم يتفصد جبينه عرقا لإزالة شوكة من طريقكِ ولم يذرف دمعة على سفرك النضالي كما ولم يتوسد رأسه صخرة أو حذاءا أو منديلا رثا من اجل اسمكِ وعنوانكِ ولم يقظِ ليلة في العراء تلسعه خيوط الصقيع وألم الزمهرير وما ذاق الحر ولم يتلظَ القيظ والشمس السمت...لو نظرنا إلى السماء في ليلة مدلهقة داجية لرأينا محطات ومحطات تنظر ألينا بأسف وألم لعدم اكتراثنا لإرثنا وعدم احترامنا لعصا البريد التي سلمت لنا وكأنها تنتلنا وتكهربنا ونريد التخلص منها بسرعة محاولين طمس ما ميخا ومدرسته في أتون مضطرم وإزالة ما نحت ونقش على الجلمود والصوان بفؤوس الصكوك والأوراق المالية..بلدتي يا لحنا نسج بمنقار وروار وفسيفساء زججت بأفران بابل يا كنارة نصيبين والرها ومعلثايي وداسن ومركا يا أنشودة تصدح الفضاء والرمضاء ويا امة رضعت الغريب قبل النسيب يوم البلاء..أراك اليوم يتيمة لا تحترمين مار ميخا وعبقه وذؤاباته القاتمة التي لا زالت حقولك تزخر بها..لقد أنساك الدهر من جعل هالة حولكِ ليقيك من وهج الأعداء والطامعين في سركِ وصيرورتكِ وأضحى الصولجان بأياد مهجنة وأضحوا كالغربال من دقيق الخبز يمسكون بخشاره ويفلتون لبابه أو الراووق من الخمر يحتفظون بعقاره ويستهينون برحيقه فخير لنا أن نتجنبهم جهدنا وان نفر منهم فرار السليم من الأجرب... وبداية كل تشرين الثاني نذهب لنشبع ضمائرنا بذلك العبق السرمدي ننتهل منه الغيرة والانتماء وتنتفض مشاعرنا حينما نتناول كراسا يدرج لنا مآثر القديس ومحبته الصادقة ولكن وبينما قدمنا الأخيرة  تغادر عتبة المزار نرجع إلى نحرنا خائبين خاسرين مفضلين قشور الحياة وتفاهاتها لتدنو ساعة الاحتضار........ 

38
محاضرة طبية في نادي القوش العائلي

عند الساعة الخامسة من مساء يوم السبت الماضي دعت اللجنة الثقافية للنادي الدكتور رافي نافع قوجا لإلقاء محاضرة طبية تحت عنوان  "آلام الظهر..علاجها والوقاية منها ".حضر جمع طيب من محبي النشاط الثقافي والاجتماعي ومن يتابع نشاطات منظمات المجتمع المدني والأحزاب لينتهلوا علما وثقافة.تطرق الدكتور مشكورا في محاضرته القيمة إلى أسباب تلك الآلام وقال أن هناك نوعين من تلك الأسباب الأول ميكانيكي ويمثل 90% والثاني أسباب أخرى تتعلق بخلل في الأجهزة الأخرى ويمثل العشرة الباقية.أما الميكانيكية منها تمثل تشنج وتمزق وسوفان وتضيق في القناة الشوكية وتحدب في العمود الفقري والانزلاق وهجرة الفقرات أما الأخرى فتتعلق بهشاشة العظام والسرطانات (الثدي والبروستات)وأمراض الكلية والتهابات أخرى والسكري والجلطة..وأضاف أن هذه الآلام تمثل ثاني معاناة بعد أمراض المجاري التنفسية مثل الزكام والأنفلونزا وتعتبر أهم سبب لغياب وانقطاع الموظفين والمستخدمين عن دوامهم حسب دراسات أجريت حديثا..وقال أن الانزلاق يكثر وبنسبة تصل إلى المطلق في أعمار تتراوح بين العشرين والخمسة وخمسين سنة لشدة وكثافة واستمرارية الحركة في هذه الأعمار إضافة إلى كون القرص الغضروفي البيني سميكا وممتلئا من المادة اللزجة الجيلاتينية..وبعد انتهاءه من المحاضرة فسح المجال للحاضرين بالمداخلات وطرح من يدور في خلدهم وما يعانون منه وأخيرا قدمت هدية رمزية للدكتور عرفانا لجهده في إعداد هذه المحاضرة.........
 





   

39
  إجحاف الطبيعة في كلي زاويتة   


  بقلم  سمير القس يونان
القوش في    29   تشرين الأول

كانت الساعة تشير إلى السادسة مساءً عندما وصلنا إلى منخفض يسمى(كلي زاويتة)على ما اعتقد والقريب من منطقة كيشان الحدودية  يلفه من جانب الشرق والشمال منحدر ذو ميل قاس قد يتجاوز السبعون درجة ولا سبيل لنا سوى اجتيازه رغم صعوبته واستحالة عبوره بسهولة...وكما هو معروف أن الليلة ذات البساط الأبيض تختلف عن غيرها في الوضوح ودرجة الرؤيا وفي الحال تم إنزال الحمولات وربط الحيوانات جيدا عند مواقع ينعدم فيها الصقيع لتظهر الأوراق والأعشاب اليابسة أما الأنصار فهموا جميعا بجمع الحطب المسمى(جناروك)الذي يحتوي على غازات طيارة أو مواد راتنجية قابلة للاشتعال أكثر من غيرهاِ...كان بطن الكلي الذي نحن بصدده أمينا ومخفيا ويعني ذلك أن إشعال النيران وارتفاع أعمدة الدخان لا تجلب لنا المتاعب ألبته ولم تكن نصف ساعة قد مرت على وصولنا إلا والنيران ترتفع نحو عنان السماء وكأننا سنشوي المزكوف والقوزي والمسكف واعتقدنا أننا في أبو نؤاس وفيه سيأتي النادل ليخدمنا ونسينا أننا في كلي زاويتة الاجرد القاتل...تم توزيع وجبة فاخرة من العشاء الذي لا يخطر ببال راقد تحت سقف ادمي ورغم بساطته وقلة قيمته الغذائية إلا أن طعمه ولذته لا يمكن أن يُنسى والدليل على ذلك بقاء ذلك الطعم في مخيلتي بعد مرور ثلاثين عاما انه قرصة خبز وقطعة حلاوة وبالنسبة لي لا اعتقد أن الغذاء قد وصل إلى المعدة لقلته وضياعه هنا وهناك وكان هذا الطعام يرافقنا من اليوم الأول لدخولنا الأراضي التركية ولكن المناخ البارد جعله يقاوم ولم يدنُ منه العفن ولحسن الحظ أيضا أن لدينا من الطعام ما يكفي لوجبة واحدة فقط...كان منظرنا شبيها لمشهد من مشاهد أفلام الخيال العلمي حيث يلفنا الصقيع من كل جانب دون رحمة وبسمك يتجاوز المتر في بعض الأماكن ولكنة متماسك وأعمدة النار والدخان تتعالى وتسمو لتصل قبة السماء وكان من الطبيعي أن تستأنس الحيوانات البرية معنا من خلال تلك المصابيح التي تتراقص حولنا في هذا العرس الصامت الفقير الذي يفتقر إلى الأرائك والموائد والطنافس والخزف الصيني وقوارير العطر ومعتقة الدنان وكل ما كان عرسنا وسمرتنا عامرا به هو الحب والأيمان وبذل الذات لأجل فتات...كان أمامنا يوما طويلا لنصل بعده إلى المحطة الأخيرة ولذلك طلب الكثير من الأنصار أن تتحرك المفرزة في هذا الليل لشوقهم العارم ولهفتهم الغير المحدودة ولكن وكما ذكرنا أن العائق الطبيعي والصعب الذي سيواجهنا غدا لا يمكن التعامل معه إلا خلال النهار...التحف الأنصار حول النار الأزلية على شكل حلقتين دون أن ننسى أننا في وسط محيط مشحون من الأعداء بمختلف أشكالهم ولذلك لم يغب عن بالنا الحراسة الليلية ومن يعتني بالحيوانات أما المسامرون فكانوا جذلون سعداء وكأن نشوة الخمر قد لعبت بهم وبرز صوت ريفي اخذ يصدح ليقهر وحشية السكون وخلو البطون وليظهر الفنون في فم الأتون...هل نحن في الجبايش أم في سوق الشيوخ أو ربما في الدغارة أو في الجفل وأخذت الأصوات والشجون تتعالي لتعبر عن هويتها دون رادع والقسم الآخر يدندن مع نفسه معاتبا إياها لماذا لم تتعلم الابوذية والسويحلي أيتها النفس فاليوم يوم الطرب والعتب...لقد نسينا أننا في كلي زاوية على بعد أمتار من الحدود التركية جالسين في وسط الصقيع القاتل أدهانا وأذكانا لا يدرك ماذا سيكون مصيرنا غدا وكيف سنسد رمقنا الذي بات يقرصنا كثيرا ويصقعنا البرد الحار من صوب ورغم ذلك فان جلسة سمر هذه أنستنا كل مؤلم وجعلتنا من اسعد الناس وليكن ذلك وقتا وجيزا...اقترح احدنا بان نعمل الشاي حيث ملاذنا الوحيد ولم تستغرق عملية تركيب الشاي دقائق وهذا



ما جعله مميزا أسرع من الغاز لأنه استقى الحرارة من تلك النار العظيمة بإمكانيات تثير الجدل لكنه أسكرنا وافعمنا وبعث في أوصالنا الدفء وكان الفرح والاحتفال أنسانا أن ظهرنا قد تخشب من البرد ولذلك ولكي نتغلب على ذلك قمنا بتغيير جلستنا بحيث فترة نواجه النار وأخرى نعطي لها ظهرنا وما كان يسعدنا توفر الحطب وجلبه السهل... عند السادسة صباحا نهض من كان نائما وربما أكون خاطئا إذا قلت أن الجميع كان مستيقظا بسبب البرد والقلق والخوف وكانت ليلة رائعة بحق فيها ارتوى الجميع من عطر العراق وعبقه وكل عنصر منا له حكاية وقصة قد تهز ضمير ووجدان كل إنسان تعلم من أي نبع يرتوي فهناك من له نبع في سراديب النجف وهناك من له نبع في بساتين شهربان وأيضا من لهم ذكرى حفرت في كهف مراقب وقسم آخر كان يؤجر المشحوف في الهور ليجتمع وينقل أخبار الحزب ونفر استغل حديقة الأمة في الباب الشرقي لينقل ما لديه من أخبار وتعليمات بحجة نزهة ترفيهية......كل هذه اللوحات عملنا منها متحفا إضافة إلى تلك الآلات التي كان يُصفى بها الثوريون التقدميون وتلك الرسائل التي كانت تكتب بالحليب وترسل إلى نقرة السلمان لإعادة الاتصال بالخارج لنقل الموقف إليهم كما وأضيف إلى المتحف صورة أبو سمرة(جبرائيل بولص)من قصبة كرمليس الذي سافر مع مياه الهيزل في مرحلة الذهاب  مكبرة ومرتشة تزين مدخل المتحف الذي يضيئه الصقيع وجدرانه من تلك الأجساد البريئة المخضبة بتلك الدماء التي ما زالت رطبة ندية...قاربت الساعة من الثانية عشر ليلا وكانت السهرة وجلسة السمر مستمرة والسنة النار واللهب تحاكي الثريا وأرادت الهبوط ومشاركتنا فرحتنا لولا موعدها مع الميزان لأمر يهم معركة ألطاهري وتقرر النوم لكي نستطيع مجاراة ومقاومة أحداث يوم غد التي ستكون طويلة ومريرة لا محال...تغيرت وجبة الحراسة وجعلناها قصيرة لا تتجاوز الساعة لمشاركة الجميع السهرة العفوية البسيطة ولان البرد قارصا والحرارة تدنت لتصبح اقل من الصفر بدرجات معدودة فإذا كان وقت الحارس ساعتين أو أكثر ذلك سيجعل الأمر صعبا بالنسبة للحارس لا سيما أن الحركة غير مسموح بها...خلدنا إلى النوم بعد أن ولج اغلبنا كيس نومه العجيب الدافئ الذي جلبناه من سوريا وتحديد نصيرين لتغذية النار بالحطب لان الحرارة ستهبط كثيرا كلما توغلنا في الليل وكانت ليلة هانئة سليمة لم نتعرض لأية مشكلة... عند السادسة صباحا نهض من كان نائما وربما أكون خاطئا إذا قلت أن الجميع كان مستيقظا بسبب البرد والقلق والخوف ولنقل مجازا نهض الجميع دون أن يتعرض احدهم لازمة برد والابتسامة ظاهرة على محياهم وكانت النار لا زالت مستعرة وكنا متأسفين بشدة لعدم تمكننا من توفير مغاسل وحمامات وشامبو وعطور وكل ما استطعنا توفيره صفيحة كبيرة ملاناها بالصقيع ووضعت فوق النار ورويدا رويدا غذيت بالصقيع إلا أن امتلأت بالماء واخذ يغلي ومنه اخذ  الأنصار ليغسلوا وجوههم...كما ذكرنا سابقا أن موجود الطعام لا يكفي إلا لوجبة واحدة فقط أي سنفطر هذا اليوم وبعدها يكون الطعام قد استهلك بالكامل وفي الحال تقدمت النصيرات وأخذن بإعداد الموائد والطنافس وفرشت الأرض بالياسمين والبخور حيث أضفت لونا من البهجة والسعادة وجلب الطعام وليكن ما كان فان سريانه في الجسم كان سلسا وعجيبا ومع الأكل البسيط شاي الفحم...تنعمنا بفطور شهي لأنه آخر وجبة من الطعام المخزون وثانيا انه على ارض الوطن وثالثا لم يبق للوصول لمقر القاطع سوى يوما واحدا وهكذا وبعد الفطور مباشرة تم تحميل البغال وربطها بشدة وقوة لتتحمل التواءات وانحدارات واحراجات الكلي(زاويتة)الذي قضينا هذه الليلة في كنفه...كانت الساعة السابعة صباحا عندما بدأت الحركة لقهر جبروت هذا العائق الطبيعي وكان عدد البغال سبعة وقسمت إلى مجموعتين بحيث تسخر معظم الجهود في إنجاح العملية حيث سيخوض أربعة حيوانات كمرحلة أولى والثلاثة الباقية في المرحلة الثانية وهنا يجب أن لا ننسى أن هذه الحيوانات من خيرة وامهر الحيوانات لما لها مدة طويلة في هذه الممرات والمضايق والموانع...بدأت المرحلة بهمة وعزيمة لا تصدق حيث ألتم أربعة أنصار على كل حيوان وبعد محاولات وجهود حثيثة وصل الحيوان الأول القمة دون أي مشكلة لكن الثاني كان حمله أثقل وربما عمرة اكبر ولذلك لاقى صعوبات وتوقف في أكثر من منعطف وبإتباع بعض الأساليب لا يعرفها إلا أهلها استطاع الثاني من الوصول وما كان يخيفنا أكثر أن أي حيوان يسقط سيكون مصيره الهلاك المحتوم وربما تنفجر حمولته أي ستكون الخسائر كبيرة...وعند التاسعة كانت المجموعة قد عبرت الكلي وأصبحت بمأمن في الأعلى بعد أن انزلق احدهم وكاد يسقط لكن إصرار الأنصار وتحملهم الذي لا يوصف استطعنا الإمساك به وانتزاع حمولته وتكليف بعض الأنصار بنقلها أما الحيوان فنهض واستطاع العبور بسلام وتركت الحيوانات في الأعلى وهبط الأنصار ثانية لإكمال المرحلة الثانية...كانت الشمس قد فعلت فعلا ايجابيا حيث بدا الصقيع وليس في كل الأماكن بالانصهار وخفت شدة الانجماد ليقل فعله الصابوني وكان العبور أسهل من الأول حيث كانت الساعة العاشرة والنصف عندما كنا جميعا خارجين عن سطوة هذا الكلي وفتكه وبعد استراحة قصيرة بدأت الحركة...........................
                                Samer_alkass1@yahoo.com                 

40
عيد الصليب في القوش
                             

                                                                                                                  بقلم سمير القس يونان
   القوش في    16      أيلول  2013
انه الصليب تلك الكلمة المكروهة المزعجة المخيفة والرهيبة التي حولها المسيح إلى رمز الفداء والتضحية والخلاص..قبل مجيء المسيح كان الصليب رمز القتل والدم والفناء والإعدام والعقوبة وكان كل من يعتلي منصة الاتهام ترتعد فرائصه من الصليب لكن المسيح بدمه وألمه وجرحه وبإكليله وبتلك المسامير التي خضبت ذلك الجسد البريء الإلهي  حوله إلى أيقونة وكنارة نعبدها ونحاول تسلقها ونجعل من معناها زخما وإصرارا ومحبة في حياتنا...في هذه الأيام نحتفل بهذه الذكرى المهمة ونحييها بشوق عارم وليكن هذا الإحياء لا  برفع الصلبان فوق منازلنا ونفنن بشكلها وحجمها ونقلد الرومان عندما عثروا على الصليب في بيت المقدس بشعل الإطارات والأخشاب بل في البحث عن الصليب مع القديسة هيلانة الرهاوية والدة الإمبراطور قسطنطين هذا اليوم وكل يوم  ومحاولة العثور عليه لجعله ختما أبديا في قلوبنا وفي ضمائرنا وقنديلا سرمديا لا ينطفئ...ليكن الصليب مثار شك في وجودنا والبحث المستمر والدائم عن ذاتنا التي جعلناها ألعوبة تتقلب مع أهواء النفس وغرور الجسد والاستنارة به حيث نسير الآن في أخاديد متعرجة ومظلمة فرضناها على أنفسنا لضعفنا ووهننا وبكامل إرادتنا...انك أيها الصليب المعطر بذلك الدم القاني والشاهد الحقيقي للجملة الأخيرة التي لفظها يسوع قبل الموت ألزماني عندما قال::أيلي أيلي لما شبقتاني::منحتني كل شيء مجانا ولكنني ارغب في تركك تتأوه وحيدا وكأنني أقول لك من الذي طلب منك أن تفدي بنفسك من اجلي؟؟إنني ماض إلى حيث الأهواء والأشلاء مترنحا بين الغدر والقدر تاركا إياك وحيدا في بستان الزيتون تستعد للموت...في الثالث عشر من أيلول عصرا وبعد انتهاء الصلاة وقراءة الإنجيل في كنيسة مار كيوركيس في القوش استعدت الجموع المحتشدة للاحتفال بعيد الصليب للمضي ليس لموضع إشعال الشعلة القديم عند خزان الماء بل إلى موقع آخر أكثر جمالا وبهاءا وروعة وارتفاعا وشموخا...خرجت من الكنيسة موجات من المحتفلين مستعجلة من أمرها وأخذت تخترق الأزقة والمسالك الضيقة التي تؤدي إلى حيث الخروج من القصبة شمالا إلى الجبل الذي ينتصب الصليب الجديد...كان الجبل قاسيا بالنسبة إلى الموغلين في العمر أما الشباب فكانوا كالأيائل يغزون الطريق قافزين من صخرة إلى أخرى بتلك الأجساد المرنة الرشيقة وعندما اضحينا خارج البيوت كانت تلك الجموع تتسلق متسابقة للوصول إلى حيث الصليب...انه منظر يفوق التصور عندما رأيت تلك الموجات البشرية ومن اتجاهات متعددة تتطلع إلى الأمام والأعلى غير آبهة قساوة الصخور وارتفاعاتها وتموجها متسمرة عيونها نحو صليب عجيب ولده الجبل منذ أيام قلائل وتحاول الوصول إليه قبل غيرها لإشعال القرابين وتقديم التهاني...توالت الموجات والتكتلات البشرية ومن أعمار مختلفة وبدأت بالوصول إلى تلك الرابية القليلة الاستواء ولكنها تحتل موقعا إستراتيجيا ليغطي القوش كلها بحمايته ورحمته ويتقدم هذه الجموع الأب الجليل غزوان والشمامسة وحال وصولهم تصافحوا الأخ أنور ذلك الشخص الذي أنجز العمل...وعندما تجمهرت الناس وقرص الشمس ودعنا بسلام ليتركنا نحتفل بعيدا عن تخرصات ضوئه بدأت الصلوات والتراتيل الخاصة بهذا اليوم العظيم يوم العثور على الصليب في أورشليم من قبل القديسة هيلانة الرهاوية ثم هوى الأب غزوان قليلا إلى فسحة وضعت فيها الشعلة لتدب تلك الشرارة   



أحشائها ولتتحول في الحال إلى أتون لفحت حرارتها وجوهنا إيذانا بالعثور على الصليب...ثم أشعلت أنوار الصليب ليتحول إلى جسم ناري احمر جبار وبارتفاع أكثر من 12 متر ليغطي بأذرعه الممتدة برفق وحنان تلك الجموع المنبهرة بشموخه وانتصابه وكأنه يقول رغم علوي وكبري فأنني أقصركم وأصغركم ولم آتٍ لأقيم بينكم رغم حومي المستمر فوقكم لأزيدكم جبروتا وعنجهية أرضية ولكنني هنا لأكون لكم سلوى ورحمة وسلة وملاذ وحناّن ومخلص...سأكون لكم منهلا يشفي غليلكم ويسقي زروعكم وبساتينكم وسيغسل أدرانكم وسقمكم وسأبسط بذراعي وكفي التي لا زالت تنزف لأحفظكم ولأمنحكم الحرية والانعتاق وسأبقى هنا طالما اردتم بقائي راعي وحارس على خرافكم وبيوتكم ولا أبالي قيظ الصيف ولسعة الشتاء ولعنة البعض...بهذه المناسبة الرائعة أود أن أقص عليكم هذه الحكمة بل الأقصوصة التي تنم عن معاني كثيرة::كان هناك في مدينة ما كنيسة كبيرة يعتلي وسط مذبحها صليب عملاق وكان يتردد إلى هذه الكنيسة شخص متعبد عاشق للصليب ومن عليه وكان يحدق بالصليب منذ دخوله الكنيسة ولحين انتهاء الصلوات وخروجه منها..وفي احد الأيام وقف بخشوع مادا ذراعيه محنيا رقبته أمام الصليب وقال له:يا سيدي أتسمح لي بان أريحك لبعض من الوقت من تسمرك وآلامك وأنت مثبتا على ذلك الصليب لأتحمل ولو جزءا من معاناتك التي لا تنتهي بسببنا؟وقف برهة وجاء الرد من الصليب وبصوت رخيم:انك لا تستطيع فمن يعتلي خشبة الصليب عليه أن يكون صبورا وحنونا ومنهلا دفاقا يقول كل يوم لرعيته إن رحمتي لكم أبدية لا تنتهي مثل الشمس لا تكل ولا تمل في بعث دفئها وضوئها لنا..لم يتردد الإنسان في الجواب لاندفاعه ومحبته الفائقة مشاركة يسوع آلامه وقال في الحال جربني وسترى كم هي محبتي لك..رد الصليب وقال إنني موافق ولكن لدي شرط بسيط فان قبلت به سأجعلك تعتلي الصليب فجاوب الشخص إني حاضرا لجميع شروطك أيها الصليب المقدس..جاء صوتا ملؤه رجاءا وقال عندما تكون معتليا للصليب سترى كل ما يحدث في الكنيسة وشرطي الوحيد أيها الإنسان انك مهما رأيت وشاهدتك لا تتكلم ولا تتحرك ولا تنبس ببنت شفة وفي الحال وافق الشخص شرط الصليب وخلال لحظات كان ابن ادم مسمرا على الصليب...مرت عدة أيام والإنسان مثبتا على الصليب دون أن يلاحظه أحدا وفي احد الأيام دخل شخص وجلس على إحدى الأرائك ومن هندامه وهيئته ممكن أن نقول انه غنيا وبعد أن انتهى من صلاته وأكيدا كانت طلبات في زيادة ثروته هم بالخروج ناسيا محفظته فوق الأريكة..وبعد لحظات دخل الكنيسة شخص يرتدي أسمال رثة وكل ما فيه لا ينم عن امتلاكه درهما واحدا وشاءت الصدفة أن يجلس على تلك الأريكة التي نسى الغني محفظته عليها وبعد أن انتهى الفقير من الصلاة لمح بصره المحفظة ثم نظر يمينا ويسارا لئلا يراه احدهم وعندما امن اخذ المحفظة ودسها في جيبه وخرج حالا...وبعد خروج الفقير دخل الكنيسة شخصا آخر مرتب ونظيف ومهندم وكان باديا من بزته انه قبطان وبحار وجلس يصلي راجيا من الصليب أن يعيده إلى أسرته بسلام حيث سيغيب عنهم في سفرة بحرية طويلة..وبينما كان رافعا يديه نحو الصليب دخل الغني الكنيسة وذهب مباشرة إلى الموضع الذي جلس عليه باحثا عن محفظته ولكنه لم يعثر على شيئا وبعدها اتجه نحو القبطان سائلا إياه فيما لو شاهد محفظته..لكن القبطان لم يرى شيئا وجاوبه في الحال انه لم ير محفظته لكن الغني لم يقتنع وخرج من الكنيسة مسرعا وذهب وجاء بالشرطي ليتهم القبطان بسرقة محفظته.. كل هذه الأحداث وابن ادم المسمر على الصليب ساكتا أمينا على اتفاقه مع الصليب ولكن دمه بدأ يغلي في عروقه للتجني الذي يقوم به الغني ضد البحار البريء..دخل الشرطي والغني إلى الكنيسة بينما البحار مستمرا في صلاته وتأملاته وإتجا صوبه إلى أن وصلاه عندها قال الشرطي للبحار بعد أن سرق خلوته وقطع سلسلة أفكاره:إن الغني يتهمك بأنك عثرت على محفظته وانك تنكر ذلك؟؟لكن البحار كان بريئا من التهمة وقال أيها الشرطي إني لم اعثر على شيء من هذا القبيل وأنا منذ دخولي الكنيسة ولحد هذه اللحظة لم اخرج منها فان كنت قد عثرت على المحفظة فستكون معي واطلب منك أن تفتشني؟وهنا انبرى ابن ادم من على الصليب وقال بصوت زلزل الكنيسة وبعث الرعب والخوف أركانها ومن في داخلها ونزل من الأعلى وقال للشرطي إنني شاهدت كل شيء فالبحار بريء وان من عثر على المحفظة هو الفقير...خرج الجميع من الكنيسة ما عدا ابن ادم الذي



كان قبل لحظات على الصليب مسمرا وأراد التسلق والصعود ثانية إلى حيث كان لكن الصليب كان له بالمرصاد وقال له بتهكم وسخرية إلى أين أنت ماض أيها الناقض للعهد؟تجمد الدم في عروقه ونسي اتفاقه فطاطا برأسه خجلا فتيقن مدى ضحالة إيمانه وصبره وأخيرا رفع رأسه مخاطبا الصليب قائلا له:كيف لي أن اصبر أكثر من هذا والبحار سيزج في السجن وهو بريء؟وهنا وبتروي معهود من الصليب وقال إنني وكل يوم أرى وأتلمس عشرات الحالات والتجاوزات والانتهاكات والمنافيات لقيم السماء والإنسانية دون أن أتحرك من على صليبي أما أنت فلا فعندما نسي الغني محفظته وتلقفها الفقير ذلك جيد في أن تذهب قسم من نقود الغني إلى المحتاج رغم عدم قناعتي بالطريقة ولكن لو ذهب ذلك الفقير ودق باب الغني مستجديا أية مساعدة أهل كان الغني سيكون سخيا ويستخطي الغني ويمنحه محفظته؟؟الجواب لا ولهذا كان عليك السكوت..وعندما جاء القبطان ليصلي ثم اتهم بالعثور على المحفظة ثم نكرانه ومجيء الشرطي للقبض عليه كان سيكون له حسنا لان السفينة التي ستقلهه كانت ستغرق في عرض البحر ولهذا لو سكت كانت الأمور ستسير أحسن وكان القبطان سيذهب إلى السجن ويخلص من الموت والهلاك..إذن تدخلك سافر ولم يفد أحدا بشيء فالنقود عادت إلى الغني وذهب الفقير إلى السجن وهلك القبطان...انك أيها الأرضي كل يوم تسمع بإذنك مئات الشتائم واللعنات توجه لي دون أن أجاوب أو أعاقب احدهم وبأم عينك ترى كل يوم عشرات الانتهاكات بحقي وأنا متحمل ركلات البشر ورفساتهم فكيف بك وإذا بتصرف قد يكون سلبيا بعض الشيء تنحيت عن موقعك الفوقي ونزلت هاويا إلى الأرض لتزيد الظلام حلكة...



     
                                                                                                                                                                                           

41

ندوة مهمة على حدائق نادي القوش العائلي

في 24 من هذا الشهر عقدت ندوة جماهيرية على حدائق نادي القوش العائلي بعنوان "طلبتنا وشبابنا عند مفترق طرق"..أعدت اللجنة الثقافية للنادي بالتعاون مع الهيئة الإدارية هذه الندوة واتصلت بأناس لهم باع ودراية لا يستهان بها في مجال التربية والتعليم...جاءت هذه الندوة في وقت تحتدم فيه الآراء والأفكار والجدال والسجال التي في اغلبها تشتت وتبعثر للصف والنقاش البناء الذي نحن بأمس الحاجة إليه...لا يوجد أحدا إلا ويدرك أهمية هذه الشريحة المعول عليها في حمل وزر الحياة وبيرقها وإنقاذ السفينة التي تمخر الآن عبابا صاخبا مروعا فكيف ذلك وهذه الشريحة ماضية في طريق بعيد عن ذلك الطريق الذي يضمن لمجتمعنا مكانة بارزة وصوت صارخ يسمعه من صم آذانه...توال المدعوون وغير المدعوين للحضور إلى النادي الذي يحاول دائما العزف على وتر يسمعه الجميع وبإذن من زرياب وعند السادسة والنصف افتتحت الندوة بعد أن حضر الأساتذة المكلفين بتفعيلها وهم كل من"الأب غزوان شهارة,الأستاذ بطرس قودا,الأستاذ نوئيل عوديش,الأستاذ أودا القس يونان,الدكتور أمير هيلو والأستاذ نافع قوجا وأخيرا المشرف التربوي الأستاذ جلال جما...كانت البداية الترحاب الحار بالحاضرين الكرام ثم هذه الكلمات البسيطة......أيها الأحبة ..أهلا بكم في نادي القوش العائلي الذي عودكم دائما في تقديم المزيد والأحسن والذي يبحث باستمرار عن مواطن الخطاء في مجتمعنا المصغر ويحاول بإمكاناته المتيسرة والبسيطة ضع الحلول بل حل قسم منها...نحن اليوم أمام شريحة نتطلع إليها ونطمح أن تحمل مشعل التطور والنمو والرقي والحرية وهي حاملة لمشعل التطور والنمو والحرية ولكننا نراها عازفة عن حمله وعاجزة عن التقرب إلى هذا المشعل الذي يحرق من لا يعرف كيف يحمله... وكلنا حسرة وألم أن نرى أعزائنا وقد تشبثوا بتلابيب القشور وأتفهها تاركين الجوهر والثقافة والأدب جانبا إلا القلة القليلة منهم..اليوم نحاول الولوج إلى كهف الطلبة والشبيبة ذلك الكهف المظلم لنكتشف دهاليزه وأخاديده علنا نسبر أغوارها ثم نعيد الحياة إليها بعد أن كانت مواطن الوطواط وكائنات الليل ونجعل منها مزارات تثير عبقنا ولهفتنا.....اليوم نستضيف مجموعة من الأساتذة التي تستطيع تمهيد الطريق للولوج إلى هذا الكهف الموحش دون أن ننسى مساعدتكم المهمة لنا أيها الحاضرون الكرام...ثم وجه لكل أستاذ بدءا بالأب غزوان سؤال يراد به توضيح جانب من جوانب العملية التربوية الشائكة حاليا واحتضان الشبيبة وكانت أجوبتهم شافية تنم عن إخلاص وإلحاح في استقطاب هؤلاء وتوعيتهم ووضعهم في المسار الصحيح..بعدها فسح المجال للحاضرين الكرام في مداخلات تفيد الحقل الذي ولجناه جميعا وإضافة بعض اللبنات التي ربما يقوى الجدار بها...وأخيرا ولكون الموضوع شائكا ومعقدا ويتطلب بحث وفحص وتمحيص وتدقيق وعدنا الجماهير بإقامة ندوات أخرى مكملة لهذه الندوة واعتبرنا هذه الندوة شرارة قد تسري في الهشيم...     سمير القس يونان
             


42
أنامل ناعمة ترسم المجد

بقلم سمير القس يونان
القوش في  6  اّب   2013   
   
هكذا كانت تلك الأنامل وكأنها مكبلة بقيود حريرية وها قد تحررت بدون جلببة لتحاور الفرشاة والممحاة لتشق حجاب الصمت وترسم لنا جميعا طلاسم لا نستطيع فك أسرارها إلا تلك العيون الثاقبة التي أبدعتها وأخرجتها لنا...ارتأت اللجنة الفنية لنادي القوش العائلي برئيسها الأخ إسماعيل وبمؤازرة بقية الهيئة الإدارية وخلف الكواليس الأخ باسل أن تقوم بنشاط فني بعد العام الدراسي لاكتشاف تلك المواهب التي لولا هذه الفعاليات لأصبحت طي النسيان وتتصاعد على معدنها البراق طبقات الغبار والأتربة...تم الاتصال بالمدارس الابتدائية المعنية وبعدها توالت اللوحات البسيطة في مكوناتها من الورق والأصباغ وعميقة في معانيها وفحواها حيث أبدعت تلك الأنامل في نقلنا إلى عالم برئ نحلق فيه مع هؤلاء إلى حيث الصفاء والنقاء تاركين هذه الحياة الوعثاء الرملاء العوجاء ولو لبرهة...كانت معاناة بحق أن نقوم بمثل هذا المعرض بسبب الإمكانات المادية وإننا نتعامل مع أطفال وليس بالغين وعلى القائمين بالنشاط إرضاء الجميع وتوزيع اللوحات بطريقة مستحبة من الأعزاء كما وعقدنا العزم بإرسال دعاوي كثيرة ليكون للمعرض شان خاص يسعد هؤلاء الصبية ويفرحهم ويحثهم على تقديم المزيد...أُعِدَتْ قاعة العرض بتأني ودراية تامة بمساعدة ومشورة الفنان ماهر حربي لعرض اكبر قدر ممكن من اللوحات وترتيبها بشكل يضمن أحقية تامة لجميع الطلبة وكانت النتيجة ناجحة تلقت استحسان من حضر وشاهد المعرض مشكورا...وعند الساعة العاشرة وأربعون دقيقة من صباح يوم 27 تموز افتتح المعرض من قبل قائمقام قضاء تلكيف ومسئول منظمة الحزب الشيوعي العراقي إضافة إلى جميع من المثقفين والمتذوقين والمهتمين لهذا الجانب المهم من حياتنا اليومية التي أصابها الشحوب والاصفرار...كانت المواضيع التي تناولها هؤلاء الصبية الطبيعة ومتغيراتها وعناصرها والمتمثلة بالشجر والجبل والشمس والنهر إضافة إلى الفرس وتعابيره وحكاته عبر حركات صعبة الإتقان والتطبيق إضافة إلى الإنسان وما يعتريه من مشاعر الحزن والفرح عبر رسوم ساخرة ومعبرة جدا...لقد تعرفنا في هذا المعرض على طاقات وإمكانات فنية لا يستهان بها وصقلها وتطويرها وتعليمها والأخذ بيدها إلى بر الأمان واجب وضرورة ملحة لجعل منهم منارات وفناران يستدل بها من أضاع السبيل...كان في سماء ذلك اليوم نجوم هزت الأرض والكيان وأركانهما واهتاجت اليم والمحيط بتمردها ودعت الشاة والذئب ليتآلفوا وينسوا ما تراكم من ضغينة وشكوى في قلوبهم وكان لزنابق البحر حضورا متميزا ليشاركوا البرية فرحتها وليمدوا جسور المحبة التي أضحت خيوطا آيلة للاضمحلال والزوال...دروسا نستطيع استنباطها من تلك الأنامل التي رسمت الطريق والحصان والإنسان والزهرة والأقحوان والزنابق وشقائق النعمان إضافة إلى بعض الطوباويين والقديسين لتعلمنا نحن البالغين المستهينين بمعنى الإنسان ومكانته أن الكبرياء والرياء مهانة بالغة بحق قوانين الطبيعة وسر الخالق...إنكم بحق شكلتم لوحة جميلة تتكلم وتنطق وتحتج وترفض واقعها المخزي وجعلتم من الفرشاة مولوتفا يفجر سكون الضمير وخدره وانزوائه في الظلام كما تنزوي الصراصير في النهار وبإصباغكم الناصعة والجميلة أزلتم قتامه وحالكة وديجور وجداننا وأحاسيسنا  التي أضحت تماثيل تشبه اللات والعزة وزيوس وبوذا ربما تتحرك وتتكلم الآن تماشيا مع رغباتنا عشقا وتيمنا وهياما بالفلوس والليرات والين والبنقنوط والدولار...ستافروس وادريان وآلان وسونيا واوناليا ولارسا وآندي ونجيبة وبيكي وهيلين وشانا ويوسف وتيهان وفينال ومريانا ونادين واوليفيا ومريم وديانا وفيرا وشهد وريناتا وسالي وكارينا وكريستينا ونيرا وطلاسم ويراعات أبوا السبات والخمول وجعلوا من خيالهم الخصب جسرا يصلون به إلى حيث الفضيلة والخلق الكريم ساكنين حضن مريم المكلومة الأليم راكلين الانحراف والكذب بقدم من عجين متضرعين إلى الرب مادين سواعدهم كأنها جبل طنين...رغم بساطة لوحاتكم فإنها محاولة لمطاوعة الزمن القاسي الملتهب لتجعلوه عجينة تبنون منها مسكنا وكنيسة ومدرسة وجسرا وشارعا ومعملا وتدبون الحياة في أشلائنا التي ماتت من زمان وأصبحت مناضد يأكل عليها الأغنياء وأسرة ينام فوقها المترفين والباذخين...استمروا في ركل الصخرة التي زرعت في طريق المحبة مرة تلو الأخرى ولا تتعبوا ولا تكلوا فإنها ستتزعزع وستطيع عزيمتكم وعندها يكون جبينكم مرفوعا يناطح الثريا والجوزاء وهامتكم عالية تجعلون من هملايا قزما لا يرى ومن صفعتكم وقبضتكم ضربة تسقط كلاي ومكاي أرضا يناجونكم لمساعدتهم للوقوف...كما كان في ميدان الفروسية فرسا تسابق الريح وتنفرد مسرعة تاركة خلفها الباقين كذلك في معرضنا البسيط برزت أسماء ستحطم قيود الدهر وحواجزه ليتسلقوا جبل الحياة العاتي وهم وحدهم سيذكرهم التاريخ  بخجل ووقار....بعد أن تجول الزوار والضيوف في أروقة القاعة وإبداء ملاحظاتهم والاستماع من المشاركين اختلاجاتهم عقدنا جلسة سمر نهارية في القاعة الداخلية للنادي تناولنا فيها المرطبات والحلوى وكانت بمثابة معرض ثان حيث تداخلت الآراء حينا وتقاطعت حينا آخر ومن الذي تلقى على عاتقه تدهور حالة شريحة الشباب وكيفية الخروج من هذه الشرنقة القاتلة ويا ريتها كانت شرنقة دودة القز وأخيرا حضن هؤلاء وتنمية ما لديهم من ميول وهوايات واستمر المعرض لمساء اليوم نفسه....       
Samer_alkass1@yahoo.com
                   
                                 




   

43
صفحة يدا بيد القوش
علامة مضيئة في سفرها     
بقلم سمير القس يونان
القوش في  29  نيسان

من ينظر بأهداب مسبلة تعبة إلى جغرافية الإنسان الحالي لرأى فيه أن التشدق والتخندق والتملق قد احتل مساحة كبيرة ربما اكبر من حجمه متغاضيا فحوى الرسالة التي حمل بها عندما حل ضيفا ثقيل الظل على هذه المعمورة...كان يجب عليه أن يضيف لبنة إلى جدار قد عبثت به عوامل الزمن وأياد صفراء شوهت سمته وعلوه بمنجنيقها وسيوفها ورماحها وأحقادها وغيها عندما كان الجشع والجهل والغزو ديدنها وهمها الوحيد...توالت الأحقاب والدهور وكان لكل رتل من يقوده ويسهر على وصوله إلى بر الأمان غيور على تسلسل رتله واصطفاف عناصره غير مبال ماذا حل بأسرته وكل ما كان يشغل تفكيره أن يصل إيعازه إلى القطيع كله محدقا على الجوانب والمؤخرة لئلا يفعل الذئب فعلته النكراء...استقينا من هؤلاء رشفة الحب ومعنى الحياة والتضحية بالذات وطول الأناة وصبر السلحفاة ونظرة الحداة وتسلحنا بها لمجاراة تقلبات العراة..جميل جدا أن نرتشف من إسفارهم معان لا يمكن أن نستقيها ونستنبطها من بطون المخطوطات والآلاف الكتب والرقيمات وعلينا أن نبحث عن تلك الريشة التي كتبت بها أسفارهم التي تكاد أن تندثر لنكتب بها سفرنا وشوطنا ونضعه في عش من أعشاش اللقلق العالية لربما تتلقفه إحدى تلك الأرواح التي لا زالت ترفرف على أطلالها...رغم هشاشة عظامنا ورجراجة مواقفنا واتساع جيوبنا وسرعة تسلقنا وعدم محدودية نهمنا لا زال البعض منا يفكر ويتألم ويرضى بالقليل الحلال المشروع ماضيا في طريقة نحو رابية رسمها في مخيلته ليبني عليها كوخا يكون له أثرا لا يطمع به أحدا أفضل مما تصول وتجول روحه في أركان مظلمة يكثر فيها المال والجمال ثم يبني صرحا يغازل الجنائن المعلقة مؤكدا ليس له...هذا البعض هم مجموعة من الشباب شمرت عن ساعدها كل أصناف البذل والإقدام والتطوع في إزالة آثار الفيضان الذي ضرب الجزء الشرقي من قصبتنا القوش العزيزة وتنظيف الشوارع والأرصفة وجمع النفايات وبقايا الأشجار وردم الحفر وإعادة كل شيء إلى ما كان عليه..هذه المجموعة تطوعت بهذا العمل المستمر لحد الآن وبوتيرة تصاعدية دون أن يطلب منها أحدا سوى تلك الهواجس والأحلام التي راودتهم ثم تم مناقشة الموضوع فيما بينهم إلى أن اختمرت الفكرة ونفذت وكان صداها كبيرا...ليس هنالك شيئا أجمل وأحلى من أن يعمل الإنسان طواعية مستعينا بعيون القمر وهو بدرا مكحلا أهدابه بدوائر المشتري العجيبة مسبلا إياها منتشيا بكاس معتقة الدنان دافعا بأذرعه ليلف بقصبتي وكأنه إخطبوط يحمي صغاره من التهام القرش...إنها مجموعة علينا جميعا حضنها وتشجيعها والاحتذاء بها وهم بوقفتهم هذه رسموا لوحة سرمدية فرشاتها معول ومسحاة وأصباغها تلك القطرات من العرق المتصبب من تلك الجباه التي أبت أن تقف متسكعة عند المنعطفات والطرقات تسترق النظر عندما تمر فتاة بريئة قد تتعثر من خجلها من كلمات مؤلمة توجه إليها...لقد اخذوا من الليل صديقا يبوحون له بسرهم والجوزاء شاهدة العهد وبدلا من أن يستعينوا بالسلم الموسيقي أو بإحدى سيمفونيات بتهوفن أو ديستوفسكي صاغوا بحيرة البجع ثانية بأنينهم ودندنتهم عندما يستتب الهدوء والسكينة تلك المعمورة مؤملين انبلاج صباح جديد تشدوا حناجرهم ما أنجزته قريحتهم...هؤلاء أنامل ناعمة تلعب بمفاتيح البيانو لتبهج ربوعنا التي قلاها الصدى ولتبيد الدجى من ليلنا الغافي الديجور ولتنفض الغبار الذي علا  كتبنا ومخطوطاتنا وأدراجنا ثم وقفت بهاماتها وسمتها المنتصب لتقول لنا أن الحياة لو انتزعت منها الخدمة والمحبة والتضحية تضحى وبالا ووباء...إنكم أيها الأعزاء درة في تاج الملك ترى من بعيد ونيشانا على صدر ساسان الذي أبى محاربة الحيرة وينبوعا تفجر عطرا وعبقا في زمن شح فيه المسك والياسمين وعقيقا كريما مرصوصا على بوشية فتاة وبرجا من أبراج السماء علق فيه فانوس المرحوم( اسحق بدي )ليبدد الحالك في الوقت الذي كان السراق واللصوص يتربصون في مداخل قريتكم...إننا فقدنا الجميل والعطر في حياتنا كأطفال نسوا أثداء أمهاتهم واضحي السام واليأس صديقنا وظلنا الذي لا يفارقنا إلا عند الكسوف ولكن عندما نرى نجما ساطعا يقترب وينادينا إلى وليمة أقامتها الثريا أكيدا ستنشرح نفوسنا التي أنهكها وأوهنها الدهر وهذا النجم هو هؤلاء الميامين الذين قالوا لنا وبصوت عالي تعالوا لنبني قبل أن يقتلعنا الصقيع والريح الثجاج...عندما أراكم وانتم منهمكين لتمهدوا الطريق لغيركم  أرى جداول الماء تنساب بين أنوار وإزهار وزنابق روحكم ووجدانكم  انسياب الأفاعي الرقطاء في الرمال البيضاء وارى أنامل النسائم تعبث بمنثورها الأوراق عبث الهوى بخيال العشاق واسمع ما بين صفير البلابل وخرير الجداول نغمات شجية تبلغ من نفس الإنسان ما لا تبلغ أوتار عيدان أندلسية...امضوا على سريرتكم ولتكبر كرة ثلجكم لتضم في دحرجتها عناصر تواقة تنتظر الفرصة لتصطف مع المسير وتتطور جهودكم ونشاطاتكم لتشمل ميادين أخرى لأنكم دون هذه الإبداعات ينظر إليكم وكأنكم عالما خرابا وكونا يبابا لا تهب فيه ريح ولا يتحرك بين ثناياه شجر ولا ينطق إنسان ولا يبغم حيوان...............



                          Samer_alkass1@yahoo.com
 

44
  شعر ونثر تغنيا بعيد الحب في القوش   
                                                                                                                                       
بقلم سمير القس يونان
                                         
القوش في   22  شباط
كان للحب حضورا متميزا قبل أيام وبالضبط مساء 15 من هذا الشهر خلال مهرجان شعري أقامته اللجنة الثقافية لنادي القوش العائلي بمناسبة عيده(الحب) حيث ترك فوق رفوف مخازننا كسلعة بالية لا نعيرها أهمية ونرغب بالتخلص منها في أية فرصة لترمى في القمامة حالها حال علبة معلبة بعد أن افرغ ما بداخلها...وكان ثمانية عشر شاعرا قد ألهبوا مشاعر اغلب الحضور إن لم يكن كلهم حبورا لما سطروه من جمل وأفكار واختلاجات وصور شعرية وفكرية تنم عن فراغ نعيشه بسبب غياب هذا المحرك الأساسي والملهم الأهم في حياتنا الذي هو الحب...تناولت تلك القصائد حالة الحب الفاترة التي تعم حياتنا المكبلة متمسكين بقشور لا تقودنا إلى البر الذي ننشده ونتمناه بل إلى هاوية سحيقة لا يحمد عقباها..كانت جلسة محاكمة للحب وجميعنا بكلماتنا وجملنا ومواويلنا وصيحاتنا أدناه ووضعناه في قفص الاتهام وكأنه هو الذي صلب المسيح وفجر بركان فيزوف وانتزع من مفاعل فوكوشيما أمنه وأمانه وأزال شواطئ اندنوسيا بتسونامي مدمر وأدناه أيضا بإحداثه للمجاعات البشرية والحروب الأهلية والقنوط والانزواء الفكري والروحي… نعم إننا نعاتبه وبشدة لأنه عزف البقاء بيننا وأبى السكن حجرات قلوبنا ومغادرته ضمائرنا ووجداننا وتركنا نجابه الرياح العاتية يائسين مسلوبي الإرادة كورقة توت في فصل الخريف تنزل متهاوية صفراء ساقطة على الأرض لتلتهمها النيران...تراوحت اختلاجات الشعراء في الأمسية بين هل (اللوحة رسمها فنان أم أن اللوحة رَسَمَتْ الفنان) أو هل أن اللوحة رَسَمَتْ الفنان أم أن الفنان رسم اللوحة وغرقنا في هذا الخضم الذي لا أول له ولا آخر معللين غياب الحب جحودنا وكبريائنا وتسلطنا الأرعن...هناك من يقول أن الحب عامر ومنهل دافق كان ولا زال وهو يحوم حولنا حوم الروح القدس ينتظر الفرصة المؤاتية ليحط ويسكن قلبنا مضيفا إلى حياتنا أمل وتفاؤل وإصرار ووئام..وهناك من يتصور أن الحب لملم متاعه وسافر بعيدا منذ أن أُطفِأَتْ القرابين التي كانت تقدم للآلهة افروديت(آلهة الحب)مفضلين سيوفا ورماحا سمهرية ومناجيقا وعندها أبيح الدم المسال وأحاط الإنسان نفسه بهالة من الانتقام والبغض والسيطرة والأنانية بدلا من الوعظ والجدال والبسر والخلال...سابقا كنا نضع زهور الياسمين والجمبد والرازقي والأس وأوراقها بين صفحات كتبنا ونتركها وكانت تتحنط وتتخذ قالبها الحقيقي دون أن يتأثر لونها وشكلها وهيئتها,,كذلك الآن حنطنا الحب وجعلناه في حاويات خاصة بعيدا عن شغاف قلبنا الذي تحول لونه إلى غداف حالك وعندما نشتاق إلى هذا الحب المحنط ونشتهيه نزوره خفية لئلا يرانا احدهم وكأننا نفعل شيئا مخجلا..لو كان اسم الحب ساكن شرفات قلوبنا وليس أبهائها  (جمع بهو) لما قلنا أن اليد التي تصون الدموع أفضل من اليد التي تريق الدماء والتي تشرح الصدور اشرف من التي تبقر البطون والتي تزرع شجرة أسمى وأنجع من التي تفقأ العيون...يجب أن نستمر في بحثنا عن الحب ليس في قصائد شعرنا ونظم منثورنا ولا في دواويننا ومعرض مقالاتنا كما ولا في فخامة صروحنا واتساع مروجنا وفناء ساحاتنا ولا في منابرنا الجارحة السارحة ولا في مراكزنا ونفوذنا الزائلة وكراسينا وطنافسنا المموهة بأشرطة واطر من الذهب بل في سقوف بيوتنا القديمة السوداء التي أضناها دخان السراج ومواقد الحطب وفي السفوح الجرداء وفي العيون الشهلاء والعجوز الدرداء وعند المرأة  الفلجاء ومخطوطة فلجتها العثاء وتلك الشاة التي ما بق منها إلا الثغاء  وفي مثاوى أجدادنا الذين اقلوا عربة الموت وسكنوا بالقرب منا ومعهم الحب العامر ذلك الحب الذي ارق الليل وأجهد النهار,,أرعد السبع وأجفل الضبع,,فيه كل الفضائل كالبنفسج تواضعا وكالزئبق طهرا والبان حلاوة والنمر رقطا والعوسج ثباتا والباز علوا والثرية مناطا والجنائن شموخا والناسك عنفوانا والنصل جمالا والغمد أمنا....إننا ولكبريائنا الأجوف أبينا أن نأخذ هذا الحب هذا القنديل منهم



لثقله وجبروته ولعدم مقدرتنا على الإيفاء بحمل الأمانة أمانة الحب التي تذيب الثلوج وتخضر المروج وتعيد السروج  وتلم الفروج ..كنت اسمع ما بين صفير البلابل وصخب وخرير الجداول همسات شجية تطربني ما لا تبلغه في نفسي أوتار عيدان أندلسية وقدود حلبية وبغيابك أيها العندليب فلا يسرني منها منظر ولا يهزني مسمع لأني تجهمت وتصمرت ولم أضح كما كنت مثل الأقاحي جميلة فواحة بلا وكس ولا شطط وقلائد جمان تتلالا في أديم الفضاء في ليلة ديجور حالكة ولا صومعة نحتت بلحن نياط فؤاد راهب معلق الترمال ولا كسيوف لا تتعب من الصليل وفرس لا تقبل الإدغام  ولا يكل من الصهيل...هذا هو حبنا يا ربنا علقت بقاياه فوق أتون وشرر ليسمى عطره انف خالق تفطر فؤاده وأدمعت مآقيه لما يراه من فاسق حاذق تنكر للفضيلة وتشبث بتلابيب الرذيلة الهزيلة... يا حب يا خليلي لا تغيب فإطلالتك تنير الأرض وهادها ونجادها,سهلها ووعرها,عامرها وغامرها,فهل لك أن تشرق في نفسي فتنير ظلمتها وتبدد ما اظلمها من سحب الهموم والأحزان وعندما يراني الرائي يحسبني مغتبطا مسرورا لأنه يغتر بجمال وجهي ولمعان جبيني وصفاء أديمي ولكن ألآن لو كشفت له عن عالمي لرآني عالما خرابا وكونا يبابا لا تهب فيه ريح ولا يخضر فيه شجر ولا ينطق فيه إنسان ولا يتكور فيه برعم...إني لا أنكر وجود الفضيلة ولكني اجهل مكانها فقد شكل رياء الناس وكذبهم ونفاقهم  أمام عيني سحابة  سوداء اظلم لها بصري إلى درجة لم اعد أرى في صفحة السماء نجما لامعا ولا كوكبا طالعا ولا جرما رائعا ولا طريقا ناجعا ولا حبيبا ضائعا...علينا جميعا البحث وبدون أن نكل وان نمل عن مواطن الحب ومواضعه ونعيده إلى موائدنا وعلى رفوفنا وبين أيدينا وبين نياط أفئدتنا  وفي أحداقنا قبل أن يحترق الزرع وييبس الذرع ويباع سبدا ولبدا ليسد ثلمة واحدة واني أرى أن اللغط على أشده والكره فاق حده وفي قلوبهم تغلي مراجل الحقد والانتقام...وعندما يهب ريح يحمل بين طياته خيال درهم أو دينار نراهم يهبون مسرعين بقضهم وقضيضهم بذليلهم وربيبهم رغم وجود أكداس من تلك العملات في أدراجهم بينما إذا سمعوا آهة واف أو دعوة فيها مد الأكف إلى الجيوب يتراكضون بعيدا وقد ولوا وجوههم الشطر البعيد منا لمدينة كالأغنام حينما تهرب بسماعها صوت الذئب………………………………………………                                                                                   

                                                                                                                                                           


                   
                                                   

45
أدب / دولاب الحب
« في: 00:06 22/02/2013  »
      

دولاب الحب


سمير القس يونان



القوش في  15 شباط 2013

كُنتَ مَلاذا آمِناً عِندَكَ يَلتَجِــــــــــأُ ألراهِبُ
بَلسَماً وَدَواءً لِمُقاتِلٍ بِدَمِـــــــــــهِ مُخَضَبُ
تَمْنَحُ رَونقـاً وَبَهاءًً لِلـروحِ كَأُظْفُرٍٍ مُشَذَبُ
لَكِنَ حَيائُكَ خُدِشَ يَومَ صُلِبَ يَسوعُ مُعَذَبُ

          ***

أليومُ عيدُكَ أيُهــــــا الحُبْ وَأَنــتَ مُسافُرُ
أَينَ حَبيبي فــــــي هَياهِبِ ألدُنيــا مُهاجِرُ
أصقاعُ طفولَتي وَنعومَــةَ أظفاري مُغادِرُ
ماذا أفعَلْ أنا هُنــــا أُقاسي لِوَحدي حائــِرُ

           ***  

أنا ألذي مــــــــــا ذُقتُ ألهَوانَ بِوجــودِكَ
وَمــا عَرِفْتُ ألذلَ وَألبَطْشَ وَأنـــــــا مَعَكَ
حُرا أبيــا صِنديدا بَطَلا وشُجاعـــاً بِظِـلِكَ
ظَهري متينٌ لــَمْ يُربِتْهُ أحَدا بِعُنفوانِــــكِ

        ***

سَأَلتُ ألحُبَ يَوماً أيـْـــــنَ شَقائِقُ ألنُعمانْ
وأينَ لَوحَةُ ألخَليقة ألتـــــي صاغَها فَنانْ
سَألتَهُ عَنْ رَبيعٍ أَلِفْتَهُ فــــــي كُلِ ألأحْيانْ
جاوَبَ ألحُبُ لا تَسْألُني إنَــهُ دَهْرُ ألأوثانْ

          ***    

سَأَلتَهُ عَــــــــنْ قَطيعٍ كــــانَ يَمْلأُ ألمَكانِ
قَطيعٌ كُنـــــا نَرتَوي مـــن حَليبِهِ  ألحَنانِ
كانَ يَصولُ ويَجولُ فـــــــي قَريَتي بِأَمانِ
قالَ ألحُبُ لَقَــدْ إلتَهَمَتهُ ألذِئابَ وَألغُربانِ

          ***

لَقَدْ أنْطَفَأتْ أنـوارُ دِيارُنا وأضحَتْ أطلالُ
وَجَفَتْ ألدموعِ فـــــي مآقينا وجَفَ شلالُ
كَفا سُباتا أيُها الحُبِ وهــــــا مُناداةََ بِلالُ
لِنَعُدْ إلى سابِقِ عَهْدِنـــــا وَنُعيدَ ألأَوصالُ                                                                
                
أيا حُبا كَمْ كُنا سُعَداءٍ وَأنتَ يَراعُنــــــا
صوراً مَنيعاً شاهِقاً يَحْمي بَيادِرُنـــــــا
لَولاكَ لَما سُطَرَتْ مَلاحِمٌ في ماضينـــا
وَلا كُنـــا هاهُنا جالسينَ نَتَغنى بِشَملِنا

           *** 

يـــا حُبْ يا عَندَليبْ ألا تَراني شاحـبٌ وَنَحيبْ
خِلوَتيْ سُرِقَتْ وَحِلمي أُبيحَ وَلا مِـــــنْ طَبيبْ
لا أقوى ألكَلامَ لقد بَحَ صوتي وأيـــن المُجيبْ
أينَ حِكمَتُكَ وَأينَ شَكيمَتُكَ فَلَمْ يَبقى لي حَبيبْ

             ***

أيا كَوكَباً كَمْ ناجَيْتُكَ وَرَجَوْتُكَ حينَ ألظَلامْ
رَغَمْ ألبُعدِ وَألمَسافاتِ كُنْتَ لي خَيْرُ مَقــامْ
لِماذا أفَلَ نَجْمُكَ وَإنطَفَأ فَنارُكَ يــــــا حَرامْ
بِغِيابُكَ أيُها ألحُبْ غَدَتْ ألمَسكونَةَ حُطـــامْ

                 ***

أنتَ لي سَلوَةً حينَما يَسْتَبِدُ بِـــــــيَ ألحُزنُ
ألَـــمُ يَنْهُشُ بِِأعضائي لا يُغْمَضْ لـي جِفْنُ
حينَمـــا أراكَ خَلفَ ألبابِ لا رأي وَلا شَأنُ
كَأسمالَِ رَثَـــــــــةٍ لا تُغَطي صَدرٌ وَلا بَطنُ

              ***

ألا تَرونَ ألعالَمَ كُلَهُ باعَ ألمُقَدَساتِ بأثمان
مُتَناسِياً أنَ ألغَدَ لا يَغْفِلْ مــــا فَعَلَهُ ألجَبان
وَأكيداً سَيُدفَنُ فــــــي قَبرٍ لا يَحْمِلُ عنوان
هَكذا عَرِفناكَ يــــــــــا حُبْ سَيْفاً ذو حَدان

                 ***

لا تَيأَسوا عَما جَرى لِحَبيبٍ مَضـــــى وَخــانْ
أخَذَ مَعَهُ رَسائِلَ ألحُبَ وَألهَدايـا وَألصَوْلَـجانْ
نَسِيَ ألقُبُلاتِ وَشاهِدُنا ألوَحيدْ شَجَرَةُ ألرُمـانْ
لَكِنَهُ قَطْعاً سَيَعودَ إلينا يَوْمــــاً أقْوى مِما كانْ


46
من سيأويني حرا مثل بلدي 
                           

بقلم سمير القس يونان
القوش في    27   ت2    2012

جميعنا يحاول أن يسترد ما سلب من إنسانيته بتبرئة نفسه من الخضم القاتم الذي طغى جوانب الحياة ونرى أن النميمة والذميمة والركوع للذل وخنوعه قد ضرب هذه الحياة بأطنابها حتى النخاع وسيطر الشؤم والكآبة ثغورنا وجباهنا...كنا سنكون اسعد فيما لو اعتبرنا مسوغاتنا وقياساتنا اشمل واعم بحيث نعتبر المعمورة بمجملها خيمتنا وكوخنا وملاذنا ونتألم بكل جوارحنا ونياط أفئدتنا لما حصل ليابان واندنوسيا وبورتوريكو وأوغندا وكل بقعة تعاني وتتأوه من المرض والفقر والتخلف وفي نفس الوقت نقهقه ونضحك بملء شدقينا عندما نتلمس انفراجا لازمة وازدهارا بعد كبوة وانفتاحا بعد ظلمة لأية امة أو شعب عبر كرتنا الزرقاء...لنترك هذا الميدان الفسيح الوسيع ونولج عُراقنا غرفتنا حديقتنا الغناء التي أعياها الوهن والرعن وفي كل زاوية من زواياها طلسم ورسم مسلة ووشم وتلك الشروخ المنتشرة في فناءاتها التي أوجدها لنا خال وعم عبس ولخم على عكس ما قال حمو واورنمو...عُراقنا       موزائيكنا واسمنا وعلى بواباته معلق لا تدخل من هنا لقد أممنا العُراق من متي وحنا وانتزعنا من سفر العراق كل صفحة ذكرت اوجين منا ولا نبالي متى وأين وبأي قانون سنا إن العراق للكل مسيحي ويزيدي مسلم بشيعة وسنة...كيف ذلك وكل ما في العُراق يحكي ويصرخ إنني كنت قبلك هنا ونقول للذي كتب تلك اليافطات واللافتات الم يقل لك أحدا من أين أتى هذا العبق الذي تشمه من تربة العُراق؟الم يقل لك أحدا بآثار أية حضارات تزخر وتتبختر أعظم واكبر متاحف العالم؟الم يبح أحدا لك بسر لماذا العُراق دون غيره قبلة يعبده الغرب ويعمل جاهدا لمسحه من الوجود؟كيف تنعتنا بالجالية الدخيلة والصخور الصماء تنادي (إلى أين أيها الأحبة ألا تروننا باقين هنا لأجلكم فقط لنشهد على حبكم وغيرتكم وعشقكم وإخلاصكم لتربتكم)...أتدرون يا من تحاولون بيع العراق في سوق الخردة والسباكة لإعادة صياغته وخلب روحه وشطب تاريخه أن من يكره العراق عندما يعثر على كهف أو تله تستوطن الحمى قلبه والقشعريرة أوصاله لان في الكهف اصواتا تنادي لا زال طنينها يهز الوادي قائلة لا تتركوا بلادي أما ألتله فهي انطقه حضارية كانت في يوم ما مستوطنات بشرية موغلة في التاريخ...يا عُراق الأمس واليوم تطاول بشرفاتك الشماء أفلاك السماء كأنك باز محلق في الفضاء أو قرط معلق في أذن الجوزاء تتنعم في فناءاتك الذئاب الغبراء والنمور الرقطاء انتفض وقل الحقيقة الصهباء انك كنت بنا قمة شماء ترى من بعيد حتى في ليلة ظلماء...كان المرحوم نوري السعيد الذي شكل عدة وزارات في العهد الملكي للعراق عندما يتكلم كان يلفظ كلمة العراق(العُراق)وليس العِراق كما كانت تلفظ حينها وعندما سُئِل لماذا هذا الانفراد في هذه اللفظة يا سعادة رئيس الوزراء قال مقهقها وبتهكم(أنا لا أريد أن اكسر عين العراق)ورغم هذه التقديس لحروف العُراق قتل مع ابنه وقطعت أجسادهم إلى أشلاء ثم أحرقت...نعم يا عُراق إن ماضيك مكلل بالغدر والخيانة والطعن والدم ولا زلت كشجرة رمان ازداد احمرارها بدم أصحابها  وترى من بعيد ورغم ذلك ورغم ما أعيشه كل يوم من وخز ونغز وطعن ولعن ورجم ولجم وكفر ونحر وذل وغل لا زلت أفضل كنفك يا عُراق...يحكى أن فلاحا وبينما كان يعمل في حقله وقعت عينه على صغير القنفذ قد فقد السبيل إلى أمه وظل يتأوه حزنا لا يقوى على فعل شيء ترك الفلاح مسحاته وانحنى والتقطه وكان شوكه قليلا واخذ يمسده محننا عليه ثم أخذه إلى بيته وعندما رآه أطفاله فرحوا وسعدوا به واهتموا به كثيرا حيث أطعموه وجعلوا له عشا مريحا ودافئا...وبعد عدة أيام جاء الفلاح قبل أن يهم بالخروج إلى حقله إلى حيث صغير القنفذ ورآه متوعكا خمولا ومهموما لا يرغب بالتكلم سأله الفلاح: ماذا بك أيها الصغير؟ أهل تعاني من شيء يؤلمك؟؟أما صغير القنفذ فلم يحرك ساكنا ولم تصدر منه حركة ما وتصور الفلاح أن صغير القنفذ قد مات..انحنى واقترب منه ومد يده ومسكه بتأني واكتشف انه لا زال حيا  كرر الفلاح سؤاله: ماذا دهاك؟ وعندها فتح صغير القنفذ إحدى عينيه قال بصوت خافت ملؤه عبرات ومعاني:أريد أمي..أنا لا استطيع العيش دونها..انزعج الفلاح من هذا الجواب ثم قال يا قنفذ حسبناك واحد من الأسرة كل ما نأكله تأكله وما نشربه تشربه ثم عشك الدافئ المريح حيث فرشنا لك الأرض بالتبن ونشارة الخشب لكي لا تؤذيك أشواكك ورغم ذلك كله تريد أمك...ماذا افعل أيها الإنسان الطيب الوديع لا املك القدرة على نسيان أمي وقومي وانك لم تقصر في شيء ثم قال الفلاح لا تكترث أيها القنفذ إنني لا اعرف مكان أمك ولكنني ساخذك إلى حيث انتشلتك...جاوب القنفذ بعد أن استعاد عافيته وعنفوانه عندما سمع ما قاله الفلاح وقال له::إني شاكر لك فضلك واعتنائك بي وأسرتك الفاضلة فرغم عشي الوثير واكلي الوفير ومائي القرير (فاني أفضل النوم في أحضان أمي المغطى بالشوك الكثير) وننام أينما كان حيث البرد والمطر والجوع وخطر الحيوانات المفترسة وسوف لن أنسى فضلكم طالما حييت وعندما اكبر سوف آتي إلى جوار دارك لانقض على الحشرات والعقارب وأخلصك من أخطارها...بذلك نقول إن الوطن يفوق بمعانيه كل المسميات والتراجيديات رغم كبت الحريات ووصفك بالمجترات ولإيجاز الحال والأحوال في بلد غاب عنه الحلال وسيطر فيه الزبال نذهب بكم إلى هذا الكرنفال::كان في غابة كلب شرس وقح حير الأسد ملك الغابة وغيره وفي يوم من الأيام وبينما كان الكلب يتخطى متبخترا لا يعير لأحد أهمية صادف الأسد نائما فاقترب منه الكلب فربطه بجذع شجرة بقوة بحيث لا يستطيع أن يخلص نفسه...عندما استيقظ ملك الغابة تعجب على حاله وأدرك أن الذي فعل ذلك هو الكلب وحاول الإفلات لكن كل محاولاته باءت بالفشل ومن شدة حمقه اخذ يزأر ويزمجر فسمع الحمار الذي كان في الجوار صوت الأسد الغاضب وقف الحمار حائرا ماذا يفعل ولكن سجيته وفطرته حثاه على الذهاب إلى الأسد لمعرفة ما خطبه...عندما وصل الحمار إلى حيث الأسد رآه يسيرا معاقا ذليلا أما الأسد فسعد كثيرا لمجيء الحمار فقال الأسد:أيها الحمار الجبار حل وثاقي وحررني وسأمنحك نصف الغابة!!وقف الحمار برهة مشككا بكلام الملك وأخيرا اتكل على الله وحل وثاقه ونهض الأسد وقال إنني اعرف أن الكلب فعل ذلك ثم قال الحمار يا أستاذي الأسد ماذا عن وعدك لي حينما قلت سأعطيك نصف الغابة وها أنا حررتك وما عليك إلا تنفيذ وعدك ليمضي كل إلى سبيله...سكت الأسد لبرهة ثم قال أيها الحمار المبجل سأمنحك الغابة كلها لأنك تستحق ذلك تعجب الحمار لكلام الأسد وقال كيف يا ملك تعطيني كل الغابة وهنا تدخل الأسد بحزم وقال لأنني راحل من هذه الغابة لان(الغابة التي يربط فيها كلب ويحل فيها حمار لا أريدها)وهكذا الحال في بلدي على الكرسي يتربع المحتال يجهل اليمين من الشمال لا يميز بين البسر والخلال يقتلون القديس المعلق في رقبته الترمال(محفظة كانت تعلق في الرقبة كان النساك والقديسين يحفظون الإنجيل بداخلها) يأتون إلى البرلمان مرتدين النعال وعندما يعلون المنصة يأخذون بالخطاب والعتاب مقلدين شلال....






                                    Samer_alkass@yahoo.com

47
                                                                              
   فضيلة القس يونان صفحة  من سفر التضحيات

   بقلم سمير القس يونان
     القوش في  13  كانون الثاني 2013
                                                                                  
   لست ادري كيف نمضي أو متى كل ما أدريه إناّ سـوف نمضي
   في طريق الموت نجري كلنا في سباق بعضنا فــــــي اثر بعض
   كبخار مضمحل عمرنا مثــــــــل برق سوف يمضي مثل ومض
   يا صديقي كن كما شئت إذا وامض لآفاق مــــــــن طول لعرض
   ارض آمالك في الألقاب أو أرضها في المال أو في المجد ارض
   آخر الأمر ستهوي مجهدا راقدا فـــــــــــي بعض أشبـار بأرض
   يهدا القلب ويبقى صامتا لــــــم يعد في القلب مـن خفق ونبض

هكذا نبدأ هذه الخاطرة بكلمات تنم عن محاكاة وتناغمات لغي الإنسان وجبروته ثم ضعفه ونهايته المحتومة عبر  موكب صاغه لنا الراحل الروحي بابا شنودة وهي خير كلمات نلج بها إلى دهليز الموت المذموم حيث ولجته اختنا وأمنا فضيلة القس يونان..كثيرون من يموتون ويقضون نحبهم مهرولين مسرعين ولا يقفوا في أية محطة للحياة للتأمل في معانيها ومضامينها ولا يحاولوا أن يرتشفوا ولو رشفة من ينبوع الألم الذي لا بد منه ولذلك عند موتهم تقام المراسيم وتنتهي القصة  وعلى عكسهم كثيرون من يقفوا عند محطة كلها قيح وألم وتضحية ولا يأبوا مغادرتها نحو الآفاق المغرية الرحبة الزاهية وعند هؤلاء يجب أن نمكث ونقف لهم إجلالا وانحناءا ليكونوا لنا عونا في تحمل وزر الحياة ومرارتها...نعم عندما نتجول في الجبال والاوهاد دائما نلتجئ إلى القمم لأننا من خلالها نرى كل شيء وان اختزن إنسان ما ذكراه فيخزنها عند القمم وهكذا ننتقل من قمة إلى أخرى مثل النحل يرتحل من زهرة إلى أخرى باحثا عن تلك التي تملك أكثر رحيقا وأطيب عبقا ومسكا ليصنع عسلا يتذوقه من حاول إيذائها قبل من رباها واعتنى بها..في تجوالنا يصادفنا قمم جرداء كرؤؤس صلعاء لا نبتة فيها ولا شعرة لا ذكرى ولا مغزى فنغادرها مسرعين لأننا لا نستطيع أن نستنبط منها درسا من دروس الحياة..ويستمر مسيرنا أيضا من قمة إلى التي تليها وقد نعثر على قمة غناء في فنائها من الشتلات والأشجار الكثير زنابق تحكي وحداة تغني طاووس يفرش ريشه وباز يحلق متاريس فيها آثار نار وخراطيش فارغة وقشور بيض وعلى بعد خطوات تنور خبز أثار حب أريكة صخر ريش ديك خرير ينبوع فناءات تنطق بالحياة زوايا تتحدث عن نوايا قصاصات ورق..ما هذه القمة انها لا زالت تتحدث ومصرة على الحديث تنطق عسلا وشهدا اختنا أبت أن تكون قمة جرداء وفتشت في ليلة ظلماء عن قمة خيلاء تقضي حياتها مع والديها المسكينين ولا تنام إلا بعد أن يربتا على ظهرها وكأنها ملكت الأولى والآخرة نعم انها قدمت الكثير من وارتدت ثوب حب الوالدين لتجعلهما أملها الوحيد في الحياة...كم جميلة هذه الرابية التي قدمت الكثير من التضحيات لتحافظ على فيئها وروحها ومتاريسها وفنائها وآثار النار والقرميد ومرابط الحصن ومرابض الفهود انها المرحومة (فضيلة القس يونان)التي رحلت قبل عدة أيام تلك المرأة التي أبت أن تقل قطار الأحلام بارتباطها بأحد من الذين تقدموا إليها...لقد حملت المرحومين (والديها)بأكفها باذلة نفسها لإسعادهما والاعتناء بهما متيقنة أن حلاوة وجمال الحياة بان تخدم من هم بحاجة إليها وليس ما تحتاجه نفسها وكيانها..أهناك أجمل من مثل هذه المحطة المكتظة بأناس حاملين زنابيلهم ليطعموا متشردين ومكفوفين ومعاقين ومسنين وآخرون بيدهم مناديل معقمة يمسحون وجوه هؤلاء لإزالة غبار الحياة من ثغورهم التعبة التي سرق نظارتها فعل الزمان ومطبات الحياة الغازية..............


 ا                                                            

48
ليلة غامضة مع دوامات
نهر   هيــــزل

بقلم سمير القس يونان
القوش في  3  كانون الثاني  2013           

هذه الأحداث جرت ونحن داخل الأراضي التركية في طريق العودة إلى العُراق بعد أن أكملنا المهام داخل الأراضي السورية والتي تشمل نقل البريد والأدوية والاعتدة والأسلحة والأنصار الذين لبوا نداء الحزب ليلتحقوا في جبال كردستان وكنا قبل شهر من الآن قد سرنا في هذا الطريق..كانت الساعة الخامسة عصرا من الثلث الأول من شهر كانون الثاني لسنة 1982 عندما تركنا تلك الوهدة العميقة التي أجبرنا الوضع الأمني والتأخر في الوصول إلى الهدف المنشود ليلة أمس نتيجة للعوارض الطبيعة التي ذكرناها في الحلقة السابقة بعد أن غرق قرص الشمس في الأفق بعد أن تزودنا بوجبة عشاء بسيطة...إن الحدود العراقية التركية لا تبتعد عن المكان الذي نحن فيه أكثر من خمسة ساعات سيرا على الأقدام لكن هذه المسافة مليئة بالمضايق والكمائن والحواجز والموانع الطبيعية المتمثلة بنهر الهيزل والكمين الدائم المطل عليه والصقيع والجبل العالي الذي سيواجهنا بعد عبور الهيزل مباشرة إضافة إلى الحدود والمخافر والكمائن المنتشرة هناك ناهيك عن الجواسيس والعملاء الذين ينتشرون في المنطقة لملاحقة أنصار حزب العمال ويجب أن لا ننسى وجود سبعة بغال محملة ضمن المفرزة وهذا يضيف وضعا خاصا وصعوبة أخرى...كان البرد قارصا والصقيع يغطي كل شيء أما الهواء وصفيره فحدث ولا حرج واشتدت ظلمة الليل وسكنت الطبيعة وأوت الناس إلى فراشها تاركين هموم الدنيا لنا أما نحن عكس ذلك حيث الآن بدا نشاطنا وكان كل شيء على ما يرام وكان نهر الهيزل لا يبعد من هنا أكثر من ساعة وكان جل تفكيرنا كيف سنعبر هذا الممر المائي حيث توقعنا ارتفاع منسوبه بسبب الأمطار والثلوج مقارنة بالوضع عندما عبرناه أثناء ذهابنا قبل شهر تقريبا....قبل الوصول إلى النهر بربع ساعة توقفنا حيث لدينا متسع من الوقت للقيام بأي تكتيك أو إجراء احترازي يؤمن سلامة الرحلة لان قاعدة (مام سوريشو) التي سنمكث فيها بقية هذه الليلة ونهار غد قريبة وتم الاتفاق أن  نعبر نهر الهيزل الغاضب شبه عراة للأسباب التالية: توقعنا أن يكون المنسوب أكثر من متر أي سيصل الماء إلى الخصر وأكثر وعبورنا بكامل ثيابنا سيجعلها تتبلل ومن هنا سينجم عن ذلك مشاكل كثيرة منها أن البرد إن لم يقتلنا سيعيقنا وسيحدد حركتنا وسيصيبنا الشلل لا محال لان ثيابنا كانت ستجمد على أجسادنا التي أوهنها التعب وسوء التغذية نتيجة للهواء البارد والزمهرير الخطير...اقتنع الجميع بالمقترح ولا سبيل أمامنا غيره رغم الحرج الذي يرافقه لكن الهدف والأمل والمبدأ أسمى من أن نفكر بشيء ينافي الطريق الذي نسير به والذي سيوصلنا إلى (كلي كوماتة) حيث المقر العام في بهدينان ,وبعد الاستطلاع واستبيان الوضع الأمني بطرق يتقنها الإدلاء فقط جاءت الإشارة بالاستمرار نحو الهيزل وكما ذكرنا في الحلقة السابقة أن نهر الهيزل سيكون على هيئة مختلفة تماما وخاصة أن المنطقة التي سنعبر منها لا مجال لامتداد النهر عرضا بسبب الضفتين الصخريتين الحادتين وبذلك أية زيادة في الماء سيكون على شكل زيادة في الارتفاع والعمق...وصلنا النهر وكان كل شيء هادئ سوى خرير الماء وصخبه وكان كل ما في تلك الطبيعة يوحي بالرهبة والكآبة كانت مجموعة من الأنصار القدماء قد عبرت قبل أوان لتامين الجانب الثاني من النهر الضيق وكان منظره مخيف وتكثر في وسطه دوامات وسرعته فائقة وإذا لم نأخذ التحوطات الكثيرة ستكون النتائج وخيمة لا محال...عبرت البغال بسلام وهذا منحنا عزيمة وقوة وبدأنا بنزع ملابسنا السفلى ما عدا الداخلية مع الأحذية وجعلناها على شكل كرة وتم تثبيتها فوق أكتافنا بإحكام حيث سقوطها في الماء يعتبر موت بعينه وقررنا أن يتم العبور على شكل سلسلة حيث تتشابك الأيادي بعضها بالبعض الآخر لتشكل سدا منيعا يخترق النهر موازيا إليه لنتغلب على الدوامات وسرعة الماء وان سقط واحد سيسقط الجميع وهذا شبه مستحيل...كان الماء باردا لا يطاق وبدأت صيحات وأصوات غريبة تصدر وخاصة من النصيرات ونحن في وسط الماء وكان كل واحد منا حريص ومنتبه ويقظ مثل الصقر الساهر على عشه وتم تشجيعهن وحاولن البعض منهن السقوط لقوة الماء وبرودته ودواماته لكن روح الإصرار والتحدي كانت أقوى من جبروت هيزل الذي بلع الكثير من الأبرياء...وخلال دقائق معدودة تمت عملية العبور بنجاح دون حادث وفي الحال قمنا بارتداء ثيابنا بسرعة متناهية لئلا يداهمنا خطر ما ويصيبنا البرد وهي كثيرة حولنا وخلال لحظات شعرنا بدفء عجيب يسري عروقنا وجاء الإيعاز ببدء الحركة لنبتعد من منطقة الخطر وتركنا الهيزل دون أن يتمنى احدنا ملاقاته ثانية...تسلقنا الجبل الشامخ الذي واجهنا ببطء خوفا من السقوط نحو الهاوية وخاصة البغال وهناك من الأنصار من سار خلفها ليسحبها من ذيلها في حالة فقدان توازنها واحتمال سقوطها في الوادي السحيق وبعد ابتعادنا من الخطر واستواء الجبل أمامنا بعض الشيء أخذنا استراحة طويلة لان قاعدة(مام سوريشو)أضحت قريبة وعلى مرمى حجر ...بعد عبور النهر عم شعور غريب لا استطيع وصفه من الحبور والسعادة لدى الجميع وانتابتنا أحلاما تتعكز على لقاءات قريبة على أرضنا الحبيبة ولان حاجزا مهولا قاتلا اجتزناه بسلام وخاصة بعد أن علم الجميع باستشهاد النصير(أبو سمرة) في هذا النهر قبل شهر واقترابنا من أراضنا العزيزة أضحى الجميع يراعات تنير السبيل للضال وفاقد الاتجاهات في هذا الجبل الغريب ووزعنا وجبة غذاء سريعة وكان طعمها ألذ وأطيب من وجبات ماكدونالد العالمية ومن يقول أن ماكدونالد لم  يسرقها من قاموسنا ولكن مهما عملتها مطابخ وشواه ماكدونالد لا يمكن أن يكون لها طعم كالطعم الذي ذقناه حيث نهمنا لفاتنا بسرعة لا توصف ولم يزِد منها شيء...كانت الساعة التاسعة مساءا على ما اعتقد والقاعدة لا تبعد من هنا لأكثر من ساعة ثم أكملنا المسير وكان كل شيء على ما يرام وكانت الأرض لا تستطيع أن تحملنا من شدة ما اعترانا من نشوة النصر وسعادة الاقتراب من الهدف المنشود...كلمنا ارتفعنا بالجبل كلما زاد الصقيع وكان السير في بعض الحافات الصخرية ينم عن خطر كبير وخاصة البغال المحملة ولكن الحيطة والتاني جعل من كل المنغصات بعيدة المنال وعند العاشرة والنصف وصلنا إلى قاعدتنا إلى عشنا إلى فيلتنا إلى منتجعنا بسلام...حال وصولنا تم ترتيب كل شيء أولا قلة الحركة وتجنب الصوت المرتفع والنيران الكثيرة لوجود مخفر حدودي تركي في وادي قريب لا يبعد كثيرا وكنا نسمع أصواتهم وصخبهم في بعض الأحيان وتحديد حراس ليحتلوا الأماكن المرتفعة التي تحيط بالدير أما البغال قتم ربطها بين صخور كبيرة مخفية تمام لا يستطيع أحدا أن يراها...كانت القاعدة عبارة عن كهفين منحوتين احدهما واسع بعض الشيء أما الأخر فكان ضيقا جدا وكان في السابق ديرا هجره الرهبان لكثرة مضايقات أهل المنطقة لهم وخلال عهود طويلة واستطعنا معرفة اسمه من قرية قريبة تقع إلى الشمال من الدير يسكنها أكراد استفسرت منهم عندما ذهبنا في اليوم القادم لشراء معزة لنجعلها وليمة...كانت أكياس النوم المصنوعة من البولستر والتي جلبناها من سوريا قد حان وقتها وقد استفدنا منها كثيرا ولولاها لواجهنا مشكلة كبيرة وتم تقسيم الأنصار إلى قسمين بحيث يكفي المكان لمبيتهم وكان الهدوء المخيف يخيم أركان الطبيعة برهبته سوى أصوات الضباع والثعالب والذئاب التي ضورها الجوع...والى اللقاء في الجزء الآخر..............................................         

                                                   



49
في القوش مهرجان يتهلل مع الرعاة والمجوس
 في بيت لحم
بقلم سمير القس يونان
القوش في  30  كانون الأول   2012
 وهكذا تستمر النشاطات والمهرجانات الثقافية والمسرحية في قصبتنا العزيزة أسوة بالقصبات الأخرى من أهلنا وتزامن ذلك مع هذه الأيام المقدسة التي فيها تهلل وتسبح المجوس والرعاة بمولد صبح وشفق وأمل وحب جديد في مذود حقير ربما لو خيروا آخرين في ذلك الوقت ليولدوا في ذلك المذود لامتنعوا وأبوا...في 27 من هذا الشهر أقيم مهرجان التراث السرياني على قاعة منتدى وشباب ورياضة القوش من قبل مركز كلكامش ونادي القوش العائلي تخلله فقرات جميلة ورائعة من الشعر والغناء والمسرح احتل الأطفال الأعزاء المساحة الكبيرة منه مضيفين إلى رصيدهم الفني والإبداعي لبنة أخرى ليشمخ جدارهم وتعلو هامتهم الفنية...استهل الحفل بكلمة ترحيبية للأخ باسل شامايا وتطرق على ما قام به هؤلاء الفتية من إبداع وتفاني في بغداد وخلبوا لب الحاضرين وحظوا بتصفيقهم ومحبتهم ورضاهم ثم بدا مهرجاننا بأغنية (القوش يما دمثواثا)غناها الأطفال البارعين وصاحب الأغنية هلاهل وأهازيج الجماهير المحبة للفن والأطفال...ثم فتحت ستارة المسرح ليطل علينا الطفلين سنار ساهر و أونيل جنان في محاورة جميلة جدا عبر الشعر وموال(دلي اللوي يا الوطن الغالي) يناشدون في محاورتهم عُراقنا وحاضره المكلل بالجراح والتقرحات وتأوهاته وأنينه الذي بات يقترن حياتنا اليومية ومناغاة أولئك الذين مهدوا للعُراق أن يكون في المقدمة ولكن الذين أتوا خانوا الأمانة وأعطوا ظهرهم لاسم وتاريخ وحاضر العُراق...كانت مضامين الشعر الشعبي الذي اخذ بأحاسيسنا بعيدا عن المسرح إلى حيث الفيضانات والاعتصامات والمظاهرات والاحتجاجات والمؤامرات والاتفاقات والألم والبؤس والمرض والفقر والاختلاس يعتمر كل شارع ودائرة ونفس ونهج وما أضافه أونيل من الموال الرائع والأخاذ لموال دللوي يا ابني كان بحق إطارا جميلا وبراقا  لصورة العراق القاتمة المتآكلة وكأنها رسمت قبل صورة موناليزا...وكانت المحاورة الغنائية بين أونيل جنان وهيلين يوسف قطارا طويلا اقلنا إلى حيث منولوجات آبائنا وبيادرنا والهموم التي كانت تصاحبهم وهكذا كان الحال لكل الأجيال والحقبات التي مر بها من سبقنا من الكبت والحرمان والقتل والتهديد واخذ الخاوة والإتاوة ولا زال الحال على نفس المنوال ننتظر الله وجبروته يغيرنا المقال...وكانت مسرحية الإشاعة وبطلها زياد خوشو والممثلة غزالة وطابعها الكوميدي ومغزاها العميق التي عالجت باقة من المشاكل التي تطفح بمجتمعنا المصغر والذي ومهما كانت حصانته ومقاومته لأمراض العصر الاجتماعية لا بد له للإصابة ببعضها وربما الاستفحال بالبعض الآخر والمسرح الهادف إحدى تلك الوسائل التي تصد تلك الرياح التي تعصف بقيمنا وقناعاتنا...كانت المسرحية وبشخصياتها الجميلة قد عبرت عن الكثير من الاختلاجات والهواجس التي تراودنا جميعا ونحن نعيش في عصر كله خوف ورعب وريبة من الغد وما يكتنف طياته من غموض والبلد يفتقر إلى سيادة القانون وانتشار الجهل الذي ضرب بأطنابه الوطن حتى النخاع وما يزيد الطين بلة لا يلوح في الأفق ما يبعث الطمأنينة...كانت تظاهرة فنية لاقت استحسان الحاضرون وإعجابهم وأضافت إلى شجرة الميلاد غصنا آخر ليزيد من بهائها وجمالها وطالما لنا طاقات ومبدعين ستستمر واحاتنا بعطائها وعيوننا بغدقها وجداولنا بتدفقها وبيادرنا بغلاتها وأقلامنا بكتاباتها ونواقيسنا برنينها وحقولنا بربيعها...عرض المهرجان لثلاثة أيام متتالية(27.28.29)من هذا الشهر وشهد إقبالا منقطع النظير وهذا يدل على الذوق الرفيع لأهلنا واهتمامهم البالغ لمثل هذه النشــاطات وسيكون مسك الختام لهذا المهرجان في بلدتنا العزيزة عينكاوة في يوم 3 كانون الثاني.................         
       
                             


50
       لنلد مع المسيح من جديد       
                     

القوش في   22  كانون الأول  2012     
بقلم سمير القس يونان
إننا بأمس الحاجة الآن دون باقي الأيام أن نلتجئ حيث مذود غلام ومنه يشع نورا وليس أي كلام لنستشف دروسا وننبذ هذا الركام ونتألم وقتا كطفل حين الفطام وبعدها يشع نورا في أنفسنا ويعمها السلام...يا يسوع ألا ترى كم تعلق بتلابيبنا غش وخداع وجميعنا ثوبك القرمزي قد باع ساعين لبناء أمجاد وفلل وقلاع وإننا لا نكل ولا نمل في جمع المال ودليلنا يراع وكنت أيها المسيح قد قلت أنا لكم في بحر هائج شراع ولكننا موغلين في الإثم متناسين أن النهاية ستكون بالوداع...لقد علمتنا أن الملكوت ليس أكلا ولا شربا بل برارة وسعادة بالخالق لا ينالها الإنسان إلا بالاستقامة والثبات ومحبة الغير...في
هذه الأيام التي تزدان بعبير الحلويات والكليجة وعبق الملابس الجديدة وشجرة الميلاد والمغارة نحن نقف عند مفترق طرق وعلينا أن نختار سبيلا إلى الفرح والاستقرار النفسي وان نعثر على كياننا في أي زقاق قد ضاع ونأخذ بيد يسوع الممدودة دائما والذي جعل في كل منعطف من طريقنا الشائك قنديلا جميلا يفني الظلمة ولكننا حينما نرى تلك اليد وقد تشوهت بمسامير الرومان تشمئز نفسنا ويعترينا الخوف والفزع وفي الحال نتركه مع آثاره وجنبه المشقوق وحيدا يتأوه لفراقنا وكبريائنا وتبرمنا...إن لم نولد مع يسوع في ذلك المذود الحقير وهو ملاحق من الاعتقال وان لم تكن النجوم شاهدا لمجيئنا والحمل والحمار مصدر دفئنا والمجوس ينبوع باسنا وسلوتنا لا يمكن أن نعيش الميلاد ولا نشعر بالأمان والاطمئنان مهما كانت جيوبنا وقصورنا وقازاتنا وموديلاتنا وواجهات قلاعنا..نعم إنها ولادة جديدة وجه جديد يوم جديد أفق جديد نترك كل عتيق ننبذه ونرتدي ثوبا جديدا يختلف عن سابقه كل الاختلاف نتشبث بالجوهر والمعنى واللب تاركين المظاهر والقشور لنار مستعرة تأكلها ولا نكن مثل الغربال من دقيق الخبز يمسك خشاره ويفلت لبابه أو الراووق من الخمر يحتفظ بعقاره ويستهين برحيقه فخير لنا أن نتمسك بالدقيق والرحيق وان نفر من القشور والعقار فرار السليم من الأجرب...إننا لا نعيش الحياة مرتين وطالما ذلك فلماذا لا نرتشف عطر الحياة الزاهي المسكر النقي بأنفنا ومجساتنا بجوارحنا وجوانحنا براحاتنا واكفنا بطيبنا وتواضعنا بحبنا وثباتنا أما الغد لنتركه رابضا وجاثما ينظر إلى آمالنا وأمانينا نظرات الهزء والسخرية والاستخفاف والازدراء  ونجعله أي الغد المجهول متسمرا محدقا متذمرا يائسا إذا تركناه وحيدا لا ينال من وجداننا موطئ قدم وهو بحر زاخر يعب عبابه وتصطخب أمواجه فمن يدرك إن كان يحمل في عبه العقيق والجواهر أو الموت الأصفر...يقول يسوع أنا لم أمت أنا حي إلتفت إلى خلفك ستجدني أمامك  منتظرا سعيدا بلقائك وهنا أقول كنت اسمع خرير الماء فسمعت مناجاتها وحفيف الأوراق ففهمت مناغاتها وتغريد الأطيار فأدركت سليمانها وكبوة مؤمن تيقنت وطأتها وافتتن وانهار بيسوع  كلما رايته في صورة إنسان أو مطلع بدر أو مغرب شمس أو هزيع ليل أو يقظة فجر ... ونحن على أبواب سنة جديدة واليأس والقنوط صفحة مهمة من كتابنا الذي لا ينتهي أرى أن الطبيب وان كان لا يشفي إلا نادرا فانه يُسَكِنْ غالبا ويعزي دائما فان عجز يسوع عن معالجتك فلن يعجز عن تعزيتك على أن الماء إذا اشتد غليانه احتاج إلى التنفيس عنه وإلا طار بالقدر طيران الهم بالصدر...ألا تتطلب الحرب التي نخوض غمارها اليوم والحياة التعيسة التي نعيشها والدهاليز التي ولجناها ولا مخرجا  منها والأوحال التي طمسنا فيها وقفة سريعة وجدية ونضع حدا لقلب لا يسكن عن الخفقان ولا يفيق من الهموم والأحزان ونكف عن الجري واللهث ونحن خلف القضبان قضبان الحيلة والمكر والرذيلة مكسوري الصولجان...وبهذا الصدد نقول لمن يعطي ظهره للراعي الصالح انك مثل الذي ينام فوق حجر الرحى يستيقظ عند سكونها وكان الأجدر والأحرى به أن يستيقظ عند دورانها وهذا هو سر ضياعنا وأحلامنا المزعجة قلقنا والخوف من غدنا والتيه الذي نعانيه وسط اليم ونحن أصحاب عيون عديدة ولكننا لا نرى ببصيرتنا وان الذي نرى به هو أعيننا فقط...لنعد إلى رشدنا ونجعل من قلوبنا الحزينة واليتيمة مسكنا ليسوعنا ونضعه بأحداقنا لنرى بعيونه التي لا تخطا ولا تقود إلا إلى البر الأمين لان أعيننا عماها الجشع وترسبت عليها غشاوة غمستنا في نفق لا نرى فيه إلا أنفسنا ولو علم المتمادي والموغل والمتناسي أن للحياة نهاية لما ولما...وبالمناسبة هناك حكمة وردتني بالانترنيت تقول::في احد الأيام زار الملاك احد الأشخاص وبلغه أن اليوم يوم اجله وعليه أن يستعد وكانت الزيارة صدمة كبيرة لذلك الشخص وكم ترجى من الملاك أن يؤجل يومه لكن الملاك قال تفضل هذه قائمة أرسلني الله بها وأنت الأول ولا مجال لتغيير أو تأجيل..طلب الشخص من الملاك أن يأكلا لقمة أخيرة فوافق الملاك وبسرعة اعد الإنسان المرشح للسفر الطعام وجعل في طعام الملاك بعض من المنوم وهكذا نهموا الطعام لكن الملاك وقبل أن ينتهي استسلم لنوم عميق فقام الشخص بأخذ قائمة الأسماء ومسح اسمه من بداية القائمة وكتبه في آخر القائمة...وعندما أفاق الملاك من النوم قال للشخص المرشح انه تلمس منه احتراما كبيرا ولذلك سأرضخ لطلبك وسابدا من الاسم الموجود آخر القائمة!!!عندئذ لا حظ الملاك أن الاسم الأخير هو للشخص نفسه فقال له لم تفد كل الحيل أيها الحبيب تفضل لنذهب............ 

51
الموت ابتلعه النصر..فأين نصرك يا موت

بقلم سمير القس يونان
القوش في    16    كانون الأول


قبل أيام افتتحت كاتدرائية سيدة النجاة في بغداد وبحضور ديني ورسمي وشعبي كبير جدا أعطى للحدث هالة أخرى ربما اكبر من تلك الهالة التي تكونت عندما تمت المذبحة عام 2010والتي راح ضحيتها 58 نفسا بريئة لم تاتِ حينها إلى هذه الكنيسة لتركب عبوات أو أحزمة ناسفة ولا سيارات مفخخة بل أتت متذرعة محدقة في السماء طالبةً من الرب أن يحمي ويحفظ العُراق...لقد فعل الإرهاب حسنا عندما قام بفعلته الشنيعة ليدخل سجل غينس للأرقام القياسية لأنه حسن هندام وتلابيب هذه الكنيسة وأعيدت إليها الحياة بحلة زاهية لها مضامين عديدة اعتصر المهندسان بني أدمغتهما ليجعلوها تحفة ولؤلؤة وفسيفساء أعادت للذاكرة أن السومريين رحلوا من آيسن ولارسا وحطوا في بغداد رغم انهم كانوا في كل العُراق...نستطيع أن نستشف مما جرى لهذه الكاتدرائية ومن محنتها ومن الصراخات التي دوت في فنائها ومن التأوهات التي سمعت من بين مقاعدها ومن الأشلاء التي تبعثرت وانتشرت راسمة خارطة الحب الأزلية ومن القربان الذي وقف محملقا من مهزلة العقل البشري أن الحياة اقوي من الموت (انتصار الحياة على الموت)...كان السيد رئيس الوزراء من الشخصيات المهمة التي حضرت افتتاح الكاتدرائية إضافة إلى أصحاب الغبطة والقداسة قد ذكر في مستهل كلمته الجميلة انه لشيء مفرح أن يتشبث المسيحيون بأرضهم وأنهم لم يرضخوا لرسالة الإرهاب والظلام والمقت في ترك بلدهم الحقيقي وأنهم قبل الكل في هذه الأرض المعطاءة ويجب أن يكونوا غيورين عليها قبل غيرهم ويبقوا ليعطوا ما لديهم كما أعطوا في كل الأزمنة والمستويات الحياتية عبر تاريخ العراق الطويل والمجيد وكانت ولا تزال هاماتهم تتحدث.. وأضاف انه تحدث مع دول الاتحاد الأوروبي بعدم منح مسيحيي العراق أذنا بالإقامة في بلدانهم وبالفعل كانت سويد السباقة في عدم منح وإيقافه لطالبي اللجوء الإنساني لمسيحيي العُراق...أُخرجت الكنيسة إخراجا فنيا وفلسفيا رائعا ومن يدخل إلى فنائها الخارجي ورواقها الداخلي يتلمس حيثيات الجريمة رغم إزالة كل الآثار كليا لان صوت الأطفال وبكائهم وأنينهم عندما كانوا مضرجين بدمائهم لا زال يدوي وينعكس من على الجدران رغم المرمر والكرانيت..فعند كل بقعة دم على الأرض باعتبارها بقعة شهيد ثبتت قطعة من الكرانيت الأحمر القريبة من الدم وتقابلها تماما على السقف مرآة تعكس تلك البقعة الحمراء تدل على استمرار الحياة على شكل ترابط خفي بين الأرض والسماء وان تلك الروح لا زالت ترفرف لا تاب ترك ومغادرة دمها الذي أُضيف إلى قطار الشهداء من اجل البقاء ومن اجل كلمة الحق والصليب...لو سألنا الأشجار المعمرة والصخور الناتئة والشواهين المحلقة والجداول والعيون التي جفت وتلك التي لا تزال تعطي عما شاهدت وحفظت في ذاكرتها لما رأته وتلمسته فإنها ستبكي أولا ثم تحكي عن دماء سالت وأعراض هتكت ورؤوس قطعت وأثداء أزيلت وأظافر سحبت وعيون فقئت وأفواه كممت وآذان صمت...لكن كان البقاء أقوى من كل القنوات التي انتهجها (المحبون) وعبر أزمنة طويلة ابتدأت من القرن الثاني ولحد يومنا هذا عبر أساليب يندب لها الجبين إن كان لصاحبها حياء ومنها الإبادة الشاملة والقتل وبقر البطون والترك ألقسري للعقيدة والمذهب والتهجير الجماعي وتقييد الحريات ومنع أداء الشعائر والصلوات ولكونك مسيحي وفي بعض الأحقاب عليك وضع علامات لكي تكون معروفا ومميزا عن أصحاب الإتاوات والعمامات والهراوات...انه خط مستمر في الاضطهاد والقتل والترهيب يعرفه الجميع يهدف إلى التخلص من شعب وليس شريحة كما يقولها البعض أساء لتاريخ العراق نعم كان خائنا لهذا البلد وكان هذا الشعب المخلص يعتبرونه واشي يبيع العُراق بقليل من الشيكلات..السؤال الملح والصعب يطرح نفسه ولا احد يعرف جوابه::لماذا يستهدف شعب أمين مخلص مؤمن عتيق أصيل نظيف لا يؤمن بلغة السلاح والقتل ولا يفرط باسم العراق بكل الأمجاد والألقاب وتحمل شتى أنواع الاهانات والإذلال فقط ليبقى بين أطلال العراق ويرتوي من ماءه ويستفيء في ظله ولأنه أيضا عندما يسأل من أي أعمام أنت يقول أنا عراقي...سيدة النجاة عادت أزهى وأجمل وأعطر عما كانت عليه قبل أن تهاجم لأنها تُقاد من الروح القدس وما استقيناه من التاريخ الغابر وبالتحديد في القرن الثالث عندما أبيدت كنيسة كوخي عن بكرة أبيها تهلل وتفاخر وعربد واحتفل شابور الساساني بقضائه على أتباع يسوع ولكن كيفما تعود الغابة بعد أن نحترق وتشتعل بشجيرات غضة ويانعة هكذا عادت الكنيسة تنبض بالروح كطير ألباز يبسط بجناحيه ليضلل مساحة كبيرة...عادت الكاتدرائية كأيقونة تحاكي الثريا في أديم السماء وستحتفل بالميلاد والبشرى رغم انف الأعداء الذين أرادوها رملة جرعاء عادت بطاقها ومذبحها وقبتها الشماء وأضاف بشهدائها ال58 كنجوم على الجانبين رونقا وبهاء عودي وناقوسك يرن كما كان في النبط والبتراء..........             



52
المنبر الحر / جغرافية الإنسان
« في: 22:09 22/11/2012  »
جغرافية الإنسان
                                     

بقلم سمير القس يونان
القوش في   22   ت2  2012
قليل منا لم يتطلع على علم الجغرافيا والإدريسي ومواقع الدول وحدودها ومساحاتها وانهرها وعواصمها وسكانها وجبالها وسهولها وكم كان درس شيق عندما كنا طلابا وكان الأستاذ دنو خير من يدرس هذه المادة الجميلة الجافة..ارتأيت اليوم أن أتناول جغرافية الإنسان من حيث حدوده وشكله وطوله وفكره وهواجسه وآماله وتطلعاته وموقعه ومساحته الإنسانية ودوره ككائن حي مفضل لدى الخالق..أولا نبدأ ونقول إن الأمر ليس بخافٍ على احد إن جغرافية الإنسان أصابها مد وجزر وان خارطته تتغير بشكل بشع مثلما تتغير خريطة بنغلاديش اليوم حيث تزحف مياه البحر عليها وهكذا نرى أن حدود الإنسان التي منحت له تتغير بشكل موجع وعلى وتيرة سريعة...كل دولة وجدت لتلعب دورا أنيط بها لتحتل موقعا في المنظومة الاجتماعية خلال خارطة العالم ككل وأية دولة تعزف على تحمل هذا الدور ستؤثر على لون وشكل الكرة الأرضية المزركش كما رأيناه من خلال عدسة فيليكس السويسري...هكذا الإنسان وكل إنسان خلق واوجد على هذه المعمورة ليؤدي رسالة انيطت به ليضيف جمالا ولكنة وبسمة ورشفة وقبلة وحبا وسندا وسلوه ورحمة ومودة إلى هذه الحياة لأنها تستحق أكثر من ذلك ولتكون مساحته أكثر في التضحية والتسامح والعنفوان وموقعه في اغلب قلوب الناس لا أن تأكله البحار ويضحى من القفار ويضحى طوله فارعا إلى درجة يضحى فنارا يرى من أعماق البحار لتستدل به سفن فقدت سبيلها...ولكن إنساننا غير مقتنع بهذه الجغرافيا ونراه وقد نمت له اذرع خرافية أخطبوطية الذي لا يرضي بما حدد له من حدود ومن البديهي أن اذرع مثل هذه لا بد لها أن تمتد بحيث تستولي على حدود الآخرين وحقوقهم وحرياتهم وتضمها إلى حدودها لتصيبه التخمة ثم يتدلى كرشه ليظهر ذلك جليا على خارطته مثل ألاسكا وذراع فلوريدا ومنطقة الحياد بين العراق والسعودية والجيوب بين العراق والأردن..ماذا عن موقعك من خارطة الإنسانية أيها المحب!!!أمقتنع أنت بما رزق ويرزق لك؟؟هل موقعك على الخارطة ايجابي ومفيد لغيرك؟؟أهل ترضى بالمتر مربع الذي حدد لك؟؟أتدري أن الرب منحك دماغا حجمه اكبر من حجم دماغ النحلة بأكثر من مليون مرة ورغم ذلك لا تستطيع بناء بيت سداسي واحد من خليتها ألا تراه عيبا وأنت عاطل في تفكيرك إن تلك النحلة لا تقف مجاهدة لتصنع عسلا وشمعا ..قبل فترة كان ثلاثة من الشباب في سفرة سياحية إلى شمالنا الحبيب يتجولون بسياراتهم بين المصايف والجبال الرائعة ليزيلوا جزءا من همهم المتراكم وبينما كانوا عند نبع جميل وماءه الرقراق العذب الفياض انتبه احدهم إلى عبارة كتبت على صخرة مطلة على النبع مكتوب عليها(كن بهذا النبع شبيها)..استوقفتهم العبارة ودخلوا نقاشا جميلا ومحتدما فيما تعنيه هذه العبارة وهنا تدخل الأول وقال بان المياه داخل هذه الصخور تكون على شكل قطرات في البداية لكنها لا تلبث أن تتحد وتجتمع لتشكل سيلا ثم تحاول أن تجد منفذا لتخرج على هذا الشكل ويشبه ذلك ثروة الإنسان وكيف تتجمع وكان تاجرا!!أما الثاني فقال أن هذا النبع يخرج بمائه ليروي هذه الأشجار الوارفة الظلال والحقول المترامية الأطراف لنستفيد من ظلها وثمرها وجمالها وخشبها وكان معلما!!أما الثالث فوقف برهة يتأمل النبع والصخرة وصديقيه الذين ينتظران ما سينطق به ثم فتح فاهه وقال إن هذا النبع مثال للعطاء المستمر والسخاء الدائم كأنه صقر ساهر على عشه فهو لا يقف عند حد وان رميناه بأحجار لا يقف عن بذله وانسلاله بماءٍ يرتوي منه المتقي والمتزن والمتعظ وفي نفس الوقت يرتشف من عذبه الشرير والبليد والحقير ولأولئك الذين لم يتفصد جبينهم عرقا بذلا وخدمة للآخرين وكان صاحبنا يجهل القراءة والكتابة وكان نحاتا...كل سائح فسر بما تمليه ثقافته وقناعته بالنبع ولكن الثالث هو الذي نبحث عنه وكم سيكون هذا النبع أكسيرا لو بلل مآقينا الجافة وقلوبنا المتلبدة وخطواتنا المتعثرة وظنوننا المتعجرفة وعنفواننا المتهرئ وشكيمتنا المهلهلة بأردية المال والحال تاركين الصفح والملح والبلح والصرح متشبثين بالغرائز والدسائس مثل الذي يستجير بالرمضاء بالنار...هناك من يمشي تحت المطر لكي لا يرى احد دموعه محتكرا الهموم والأسقام لنفسه ورغم ذلك نراه منذ الصباح مبتسما متفائلا وديعا كنبعنا وهناك من يحتكر السعادة لنفسه ولكنها لا تظهر على محياه خوفا من أن أحدا يسعد بسعادته وهؤلاء منتشرون عند المنعطفات يتسكعون ويتربصون ناصبين الفخاخ لمن تمتع بقهقهة أو شدقة ليقلبوها مناح مباح...إذا عرض الإسطرلاب في المحال للبيع فان السواد الأعظم من بشرنا يحتاج إليه لان إنساننا فقد الاتجاه وطالما ذلك واقعنا فكيف يوجه خارطته نحو الشمال الحقيقي ليعرف موقعه واتجاهه فلنعد مسرعين لا مثقلين بالغلال كثعبان مقصوم الظهر إلى النقطة التي بدأنا منها حيث الأصل والفصل والمبتدأ والخبر والجار والمجرور والوشاح والإصحاح والموعد والمحضر والنار والفنار ونصحح المسار حيث لا خيار وإلا سنتدحرج بعيدا نحو الإذلال ولا احد يبال...لنعد ونقرا حكايات جدتي وسفر بلدتي فيها سنرى الأقحوان والزعفران يرتمي بحضن راهبة بيدها سبحة الوردية منتصبة عنيدة راجية الخير من رب الأرباب لبني جلدتي كما سنرى الساعور يهم بناقوسه ويحثه على الرن والضجيج لينبه الجميع إلى الصلاة والتقوى لتقديم القرابين والنذور إلى حماة البلدة(الطوباويين والقديسين)ليعود النداف والعلاف إلى بلدتهم بسلام وأمان...لنعود إلى تلك الأيام التي تسبق العيد عندما كانت الجيوب خاوية والأطفال سعداء رغم خلو الدكاكين من لعبهم سوى تلك التي يصنعها النجار الماهر وكانوا يتمتعون بأحلامهم ويعيشون عيدا ثانيا أما عبق الكُليجي فحدث ولا حرج والفرن الوحيد والصواني والسرة والبقصمي والكادي وعندما نجتاز من أمام الفرن كان اللعاب يسيل دون إرادتنا...إن قرانا السفر وبعض الرقيمات لتعبنا لأننا سنقارن ما نحن عليه الآن من ترف وبذخ وجاه وأبهة وأطعمة وحلويات أما الكليجة فتلاشت من الأعياد لقدوم البقلاوة والكيك والشعرية والمحشية والماكنتوش ولكن ولكن لنرسم صورة من الماضي القريب فعندما كنا طلابا صغار نعود إلى مدرسة مار ميخا في الدوام الثاني بعد الظهر كانت جيوبنا عامرة بالزبيب والاجرسي وكنا في بعض الأحيان نمزح بلبها وكانت طيبة جدا تمنحنا الطاقة والعنفوان كانت السعادة تغمرنا ومن في جيبه عانة كان الباقون يتملقون له ورغم ذلك كنا نحب بعضنا البعض ولا زالت آثار ذلك الحب باقية وجلية بين تلك الشريحة فقط(أي اللوحتين أجمل)...كانت جغرافية مقبولة ومنطقية وكل نهر فيها يدرك سريانه ومتى فيضانه وكيف يحترم من يسبح ويعوم ويعيش فيه أما الجبل فأمره محير لا يقبل المساس بكسوته الخضراء وكأنه ربيع دائم وفي القمم الأيل وعلى السفوح الغزال والدب والدراج وأوكار الوحوش وأعشاش الأطيار وفي الوادي لا يسمع إلا خرير الماء ونقيق الضفادع نعم كانت بيئة متكاملة جميلة وبسيطة لم تمتد بعد يد الغاشم إليها...أيها الإنسان الذي ضيع المشيتين كطير أراد تقليد طيرا آخر في الطيران وعندما أراد الرجوع إلى طيرانه كان قد نساه!!هل تستذوق وأنت تفطر وعلى مائدتك أنواع لا تعد من الألبان والبيض واللحوم واللوف والمقدد والمزبد والحليب المطعم وأما عند الغداء فأصناف الطعام كثيرة جدا والمقبلات والفواكه وربما في بعض الفلل التي كانت سابقا بيدرا يذر وينقى فيه الحب يتناولون الحلويات بعد الشاي أبو الفحم الذي تبقى من شوي السمك المسكوف ليصرف الأكل كما يدعون فان آذاننا صممت بحيث لا تستلم ترددات تخص الحكمة أو الفلسفة أو الثقافة أو مثالا أو ترتيلا فهي مسخرة لسماع كيف الانقضاض على البنوك وكيف الاستحواذ على الصكوك...من كان يتذكر الراهب مقاريس وكيف كان يبدع كاليراع والذي كان يؤنسه هي حفيف الحمائم وتغريدات الأطيار ووحيف الأشجار والأغصان وخرخشة الدبيب وعبقرية النحل وجهاد النمل وعطر الصندل وريش باشوكا المهلهل وكانت تلك جغرافية صحيحة كان الراهب أو أي إنسان مثله قد حدد موقعه فيها...وأخيرا (حجبنا عيوننا بكلتا يدينا شاننا شان تلك الطيور التي تطمئن واهمة إن أحدا لا يراها فتعود هي لا ترى)لنعد إلى سابق عهدنا وقديم طورنا وعظيم حبنا وفائق احترامنا وجم خلقنا وفيض إيماننا حيث الأب يحترم والكاهن يحترم والمعلم يحترم والشارع يحترم والكتاب يحترم والكلمة والشعر يحترم والشيخ يحترم والذكرى تحترم والبيت الحزين الذي يمر موكب الفرح أمامه يحترم والزى يحترم وأيضا الدبكة التي كان يحسنها ويجملها الشالا شبك وليس فتح الرجلين والبنطرون الحصر مع السسكاني وغيرها كثير وعندها نعود إلى موقعنا السليم والصحيح على خارطة الإنسانية..................



                             Samer_alkass@yahoo.com           

53
محاضرة علمية

ضمن نشاطات اللجنة الثقافية لنادي القوش العائلي..أقامت محاضرة علمية أعدها الجيولوجي سمير عابد القس يونان في الثامن من هذا الشهر وعلى حدائق النادي عند الساعة الرابعة عصرا.تناولت المحاضرة المياه الجوفية علميا وبصورة عامة حول تواجدها ونشأتها ومصدرها واستغلالها وتلوثها وأنواعها,ثم تم التطرق إلى المياه الجوفية في العراق وتقسيم تواجدها إلى خمسة انطقه عبر العراق وأنواع هذه المياه من حيث تراكيز الأملاح وأنواعها والمكامن المائية والخزانات الرئيسية خلال هذه الانطقة,وأخيرا تناول المحاضر الحوض الترسيبي في القوش(سينكلاين)وتكوين البيلاسبي الجيري الحامل للمياه ومحور هذا المنخفض وتركيز وعمق تواجد المياه وكيفية الحفاظ عليها من التلوث واحترامها بقلة الهدر والإفراط,حضر المحاضرة جمع من جماهير القوش المحبة للعلم والثقافة واستغرقت المحاضرة نحو الساعة....




54
  حناجر أطفال مزقت حاجز الصمت في القوش   
           

بقلم سمير القس يونان
القوش في 30  ت1  2012 
هكذا يجب أن تكون الحياة كثيرة المحطات متعددة الخلوات يستريح فيها من فقد البوصلة والاتجاهات لا سيما إن كنا في وضح النهار حيث تغيب الثريا والفنارات...في 28 من ت1 وبالتحديد عند الساعة الخامسة وعلى حدائق نادي القوش العائلي دشن مهرجان الأغنية السريانية للأطفال وفيه بدأت حناجر ومزامير 13 طفلا بالغناء مولولة وصادحة جاعلة الحضور يفتحون فاههم موسعين أحداقهم مقشعرة أبدانهم لهؤلاء الذين تراوحت أعمارهم من11- 13 عاما...وقفنا أمام مجموعة من الأطفال أظهرت خلال شهر من التدريبات والبروفات التزاما رائعا واستقطابا كبيرا لكل نصيحة قدمت وميولا لا يوصف لتحسين الإمكانات الفنية رغم كونهم طلابا في مدارس وقسم منهم دوامهم مسائي...كانت تظاهرة فنية أقدم عليها الأطفال بثقة عالية وأرضية صلبة حيث أدوا أغاني صعبة وبأقل الأخطاء وأذهلوا الحاضرون لأدائهم وحضورهم المسرحي وتلازمهم مع الإيقاع ولا سيما أن تجربتهم هذه هي الأولى حيث يواجهون جمهورا غفيرا...عند الخامسة أعلنت عريفة الحفل بدا المهرجان بعد أن كانت جموع المواطنين المحبين للأطفال والنادي بالتقاطر وكانت الدعوة عامة وبعد كلمة المشرف المبدع الأخ باسل شامايا وكلمة الهيئة الإدارية للنادي بدأت الأصوات والحناجر تصدح بلسما وتنقط عسلا وتدر أكسيرا لتهز أركان المسرح وتخطف قلوب الحاضرون وتسيطر على مشاعرهم وتحولت المسابقة إلى كرنفالا رائعا وميدانا للفروسية وكل فارس يحاول الإبداع وخلب روح المتفرجين لينال إعجابهم ومحبتهم فكان كل واحد منهم بحق فارسا امتطى صهوة جواده قابضا الرسن في يد وفي الأخرى المايكروفون ليجعل من الفرس أفعوانا يساير الريح ويسابقه...كنا قد دعونا مجموعة مكونة من أربعة أكاديميين في الموسيقى ليكونوا لجنة فحص وتقييم الأصوات والأداء وتثبت الدرجات التي يمنحونها للمتباري على استمارة خاصة لكل متباري وزعت على اللجنة وتكون الدرجة لهذا النشاط 70% أما ال30% الأخرى فيحصل عليها الطفل من خلال الأصوات التي يجمعها المتسابق من الجمهور من خلال أوراق وزعت على الحاضرين قاطبة حيث يحق لكل فرد أن يرشح ثلاثة أسماء...وأضاف المغني راني القادم من دهوك عبر أغنية جميلة لونا آخر بصوته الشجي العذب وقُدِمَ له باقة ورد تكريما وتقديرا لمشاركته بالمهرجان وتلبية دعوتنا...كانت آراء ونصائح وتشخيصات اللجنة سديدة وصائبة وابدوا إعجابهم وذهولهم لبعض الأصوات وأشادوا بالجهد الكبير الذي بذل لإيصال هؤلاء إلى المستوى الفني الذي تلمسناه وصرحوا أن قسما منهم إذا استمر في الغناء وتطوير وتدريب صوته سيكون له شان ومكانة في مجال الغناء...وبعد أن اشترك الجميع بأغانيهم الكاملة أعلن عن استراحة ليتم فرز الأصوات وتحديد الدرجات التي منحت للمتبارين من قبل اللجنة وتم جمع الأوراق من الجمهور واستمارات اللجنة وقامت مجموعة من الهيئة الإدارية بفرز الأصوات داخل غرفة الإدارة واحتساب كما أسلفنا درجة التقييم ورأي الجمهور بدقة ونزاهة حيث منح لكل متباري رقم...بعد ذلك سلمت النتائج إلى المشرف ليقوم بتلاوتها على الأطفال الأعزاء والجمهور ولكنه أي المشرف جعل الأطفال يتلهفون للنتيجة بتماطله وتلاعبه بأعصابهم التي كادت تنهار وما هي إلا لحظات وبأعلى صوته أعلن الفائز الأول وكان الطفل ماركو وائل...ثم تلا واستمر المشرف بمداعبتهم وإثارتهم وأضحينا جميعا نسمع دقات قلوبهم وكاد المسرح ينهار فيما لو توحدت تلك الدقات كما حصل لجسر في أمريكا عندما سارت عليه فرقة موسيقية حيث في لحظة توحدت الموجة وانهار الجسر ولكن المشرف  قطع الصمت والقلق بتلاوته الفائز الثاني وكان الطفل رامي ثائر...أما الفائز الثالث فنصحنا الأخ باسل بإعلانه دون التلاعب بأعصابهم خوفا من أن ينهار احدهم وبسرعة أعلن الفائز الثالث والأخير وهو الطفل أونيل جنان وبعدها اهتاجت الجموع فرحا وحبورا بفوز هؤلاء...ونحن نقول ليس مهما أن تفوز أيها الطفل العزيز فان مشاركتك هو فوز بحد ذاته حيث اكتشفت نفسك وعرفك الجمهور وخضت تجربة لم يخضها الآلاف مثلك ولذلك أنت فزت بالقلوب والحضور وان لم تستلم جائزة ويجب أن تدرك جيدا أن الحياة طويلة وفرصها كثيرة...ثم وأخيرا تم توزيع الهدايا الرمزية على الفائزين وباقي الأطفال وللجنة وعريفات المهرجان وابدوا الذين قدموا الهدايا إعجابهم بما رأوا وان تستمر مثل هذه الأعمال والجهود التي تفيد كثيرا ولا تضر بشيء وبعدها أعلن عن نهاية المهرجان...وكان فريق النادي لكرة القدم قد اشترك ببطولة بابل الثانية التي أقامها الحزب الديمقراطي الكلداني بمناسبة تأسيسه ونال فريقنا كاس البطولة...جميعنا مدرك للوضع الخلقي والنفسي والثقافي والاجتماعي المتدهور الذي نعيشه وخاصة شريحة الشباب الذين يعول عليهم مسئولية الأخذ بالمجتمع نحو بر الأمان إن لم يكن الآن فذلك سيكون بعد سنين ولا يوجد من يحرك ساكنا تجاه هؤلاء المساكين حيث أدمنتهم مظاهر التكنولوجيا على المزرعة السعيدة والبوكر والدردشة وصفحات الانترنيت الأخرى قابعين في زوايا مظلمة لا يراهم احد ولا يرغبون برؤية احد...ولذلك واحد هذه الحلول هو الاعتناء بالأطفال وحضنهم وتنمية ما يمتلكون من طاقات ومواهب حيث بعد سنين سيكونون شبابا وسيلعبون دورا كبيرا وفاعلا في إصلاح بعض المعطوب وليس كله وعندما يصبح مغنيا أو ممثلا أو رساما أو رياضيا أو مبرمجا سيكون محصنا أكثر من غيره تجاه ما يصدره لنا الشرق والغرب...ستتفتح هذه البراعم عن زهور بكافة الألوان لتضفي إلى حديقتنا التي كانت في يوم ما غناء رونقا أخاذا وثغرا بساما وبهاءً ليس بعده بهاء وستكون هذه البراعم نجوما وكواكب تتلألأ في سمائنا التي أجهضت كل جميل ليستدل بها من فقد الطريق والسبيل في الفيافي والبوادي والصحارى...بوركت تلك الجهود التي سهرت الليالي وقومت المداري لتنقي ألغلالي في موسم الحصاد وستحتل مكانا بارزا في المخطوطات والمنشورات هذا إذا سَلِمَتْ من يد هولاكو والأشرار.....              .           
.    .       

55
ما يجري لالقوش الآن امتداد لقرون خلت
 (الجزء الثاني) 
 ((الأراضي السكنية في القوش لأهلها حصرا وليست لغيرهم))
    إعداد: جميل يلدا حيدو
              سمير القس يونان

القوش في 15 تشرين الأول  2012
تحدثنا في الجزء الأول عن التاريخ الموغل في القدم لملكية الأراضي السكنية وعائديتها وكيفية توارثها عن الآباء والأجداد والقرارات الغير الصائبة التي اتخذت بحقها لإرباك تلك الملكية وإدخال الغرباء في التوزيع ليتمكنوا من الحصول على الأراضي داخل بلدة القوش النقية الصافية والتي تتميز بتماسكها الرصين بدينها وعاداتها وتقاليدها وخصوصياتها وهم أمناء على هذه السجايا حيث ينقلوها معهم أينما رحلوا وحلوا...كيف تريدون أن يقبل أهل هذه البلدة والذين يمتلكون كل هذه الصفات والذين حافظوا على هذا المعنى الناصع عبر عشرات القرون من خلال تضحيات جليلة لا يسعنا ذكرها هنا وكتبوا سفر القوش بماء ممزوج من الذهب والدم السماح لمن هو غير القوشي للعيش معهم وأخيرا إجبار أهلها على ترك منازلهم والهجرة بعيدا وهذا ما حصل سابقا يحصل الآن أيضا..إن عصر الظلم والتجاوز يجب أن لا يكون في أعداد الموتى لما حصل للشعوب من انفتاح وثقافة وتوعية تجعله يدرك ما هو حقه وما هو لغيره حيث تطورت وسائل الأعلام وأضحى العالم قرية صغيرة ليس كما في السابق حيث أبيد شعب بالكامل وتعداده أكثر من مليوني شخص في تركيا دون أن يصل ذلك إلى مسامع الناس إلا بعد فوات الأوان...في أيامنا هذه كثرت المنظمات الدولية الإنسانية التي تضع حدا للتجاوز على حقوق الإنسان وتصيغ وتطور برامج تحاول فيها توعية الناس وإيغالهم بمفاهيم الإنسانية الحقة واحترام عادات وتقاليد وخصوصيات الشعوب التي ورثوها من أجدادهم قبل أن لم يكن آلاف السنين فمئاتها كما ولم تعد أفكار الشعوب وتطلعاتها متقوقعة حتى تمرر عليها مثل هذه المشاريع السيئة والمظالم المتعددة..إن موقع القوش وطبيعتها الجغرافية والمناخية وبعدها عن مجاري الأنهار ومصادر المياه جعلها تعيش حياة اقتصادية صعبة لكن أبناءها وعبر القرون الماضية المجحفة وبسنيها العجاف تغلبوا عليها بإرادتهم وتصميمهم وتجذرهم الحقيقي ومحبتهم المطلقة لبلدتهم فعاشوا عيشة الاكتفاء الذاتي فكانت هناك الزراعة الديمية المحدودة والى جانبها الصناعات اليدوية البسيطة التي كانت تسد حاجة البلدة والمنطقة في بعض الأحيان...ولما انتشر التعليم وفتحت المدارس توجه أبناءها إلى كسب العلم والمعرفة بهمة عالية لمسايرة الحياة العصرية وتخرج الكثيرين منهم وحصلوا على شهادات عليا في جميع الاختصاصات وعملوا بجد وإخلاص في خدمة البلد...إن نسبة كبيرة من أبناء القوش ممن كان لهم أملاك وأراضي وبيادر واسعة في القوش استلبت تلك الأملاك دون أن تمنح وتحدد لهم عدة أمتار مربعة  يستطيع إقامة دار بسيطة عليها ليحمي ويسكن عائلته وكان هذا سببا إضافة إلى أسباب أخرى أدت إلى الهجرة اللعينة التي نخرت بعظمنا وقوضت شوكتنا وأضعفت من وزننا وهمشمت من دورنا في الحياة السياسية والإدارية والاجتماعية والثقافية لعراقنا الجريح...لم يكن هناك دراسات وخطط تراعي مشاعرنا وتواجدنا لا في السابق ولا أيامنا القاتمة هذه بل كان ديدن وهم الحكومات كيف يغيرون هوية القوش وتلكيف وبرطلة وبخديدي وغيرهم(ومقالة الكاتب عبد الغني من الموصل)تضع بعضا من النقاط على قليل من الحروف لمعاناة المسيحيين دون غيرهم بسلب أراضيهم وتغيير ديموغرافيتهم وخنق أصواتهم وغيرها وكان العراق ضاق وانحسرت أراضيه لتقدم البحر ثانية ولم يجدوا ارض يسكنوا فيها إلا أراضينا وعرصاتنا وبيادرنا...وكان عليهم وضع حلول منطقية ومقنعة وما يتجاوب مصلحة البلد الشرعية لامتصاص مشكلة الانفجار السكاني وبوازع أنساني بحت وتطبيق مبدأ(للجميع ما على الجميع)ووضع هذا الجميع بين الحدقات بالتساوي وتطبيق القانون بنزاهة وحيادية لتشعر جميع المكونات أنها في بلد يحترم ساكنيه بل أهله ككل...إننا بانتظار ذلك مستقبلا لتوعية أبناء المناطق المتعددة المكونات لقبول كل منهم الآخر ضمن حدوده والعيش بتفاهم واحترام وانسجام بين أبناء الشعب يجمعهم حب الوطن ومستقبله وجروحه النازفة...لدى الكثير من أهلنا في المهجر نية للعودة إلى الوطن وانه لأمر طبيعي إن من ينوي العودة يجب أن تتوفر له جميع سبل الحياة الآمنة المستقرة ومن هذه المستلزمات السكن وفرص العمل وهذه لم تعد متوفرة على الأقل في الوقت الحاضر ليعودوا كما كانوا منتشرين عبر مدن العراق كله مقدمين خدماتهم وطاقاتهم لبناء العراق...إن التصميم الأساسي الموسع لبلدة القوش والجميع مع هذا التوسع الذي امتد شرقا وغربا وجنوبا وما تم من توزيع للأراضي السكنية على وجبات عديدة وكانت الوجبة الأولى التي تم توزيعها بإشراف الجمعية التعاونية للإسكان والتي تأسست في القوش عام 1976 وجرت السحبة الأولى لتوزيع الأراضي بتاريخ 28/7/1982 وكانت طريقة التوزيع هذه من اسلم الخطط التي وضعت في حينها للمستحقين من أبناء القوش...وقد قام الجميع بالبناء في الأحياء الثلاثة وفق الأسس والأنظمة الحديثة تحت إشراف البلدية من دون حصول أية تجاوزات في جميع الأحياء وتم السكن فيها إلا أنها كانت دون الطموح لأهالي بسبب الحاجة الماسة إلى السكن...أما الوجبات التالية التي أعقبت ذلك فقد تدخلت فيها عناصر غريبة عن القوش وحاولت الحصول على قطع سكنية وكان لبعض الإداريين الموقف المشرف في إبعاد هؤلاء عن القطع التي جاءوا بكتب وأرقام من الجهات العليا آنذاك بحيث جعلت بعيدة عن البلدة وقريبة من الجبل في منطقة صخرية وعرة وهكذا تراجع البعض منهم وعادوا أدراجهم من حيث قدموا...أما الغرباء الذين أصروا في الحصول على ارض بحكم موقعهم ونفوذهم فقد انبرى بعض الغيورين من أهل القوش وقاموا بشرائها بأسعار مغرية وهنا تبين للملا الغايات والحسابات الدفينة لتلك القرارات والغايات ألا وهي الربح المادي على حساب أموال وأملاك الغير مسفيدين من تلك القرارات التي كانوا يظنون أنها من صالحهم مع هذا فقد تمكنت البلدة من التخلص من هذه الحالة المبطنة وذلك عبر التضحية بالأموال وشرائها منهم وإبعادهم عن البلدة...ومن المعلوم أن جميع أولئك المستفيدين من تلك القرى لهم دور وأراضي سكنية في مدنهم وبلداتهم وهكذا عالجنا تلك المحنة بصمت..(أعط مالك للغريب على حساب القريب)إنها تجربة شاقة مرت بها القوش فماذا يريدون الآن؟هل يريدون استمرار هذه الحالة؟لقد بدا أمرها مكشوفا للقاصي والداني ولا احد من أهالي القوش ولا كل منصف عادل بيده زمام الأمور يقبل بذلك والجميع مدعوين وبحزم وإصرار للوقوف بوجه هذه المحاولات اليائسة..إن الحياة الحديثة مبنية على الإحصاء ولو قمنا بإحصاء العوائل والأفراد التي هي بحاجة ماسة إلى سكن نجد أنها نسبة عالية جدا بسبب الضيق الذي يعانيه هؤلاء لان أكثر العوائل تسكن في دور غير لائقة لسكن الإنسان العصري وان قسما كبيرا منهم يسكنون البلدات القديمة في دور ضيقة غير متكاملة وغير مطابقة للشروط الصحية من عدة نواحي كما أن هناك الكثيرين من الشباب المتزوج وله أطفال قد كونوا لهم عوائل جديدة يسكنون مع ذويهم في دار واحدة ضيقة لا تفي بالغرض ولا تصلح للسكن لأكثر من عائلة واحدة...إن العوائل الشابة التي لا تمتلك سكن يليق بطموحها وحياتها الكريمة تعيش عيشة اليأس والحرمان الغير محدود لما يعانوه من أزمة السكن وان الحالة النفسية من جراء ذلك تجعل طموحهم الشبابي خبر كان!!انه ينتظر الفرص ولكن إلى متى طالما مشروع توزيع الأراضي يعاني من تعثر(إن الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة)...إن حصول العوائل الشابة على قطع سكنية والقيام بأعمارها وبنائها هي فرصة العمر لديهم وهم قادرون على ذلك بتدبيرهم وأفكارهم النيرة لمسايرة الركب الحضاري في البلد واستخدام واستغلال كل ما هو حديث وضمن الهندسة المعمارية الحديثة بحيث يقوموا بإضافة معالم حضارية جديدة تفتخر بلدة القوش إضافة إلى المعالم الحضارية القديمة المتواجدة فيها والتي بناها الآباء والأجداد,فلا حدود للطموح عند أبناء القوش في جميع الحالات سواء كانت علمية أو عمرانية فجميعها تصب في خدمة البلد والمجتمع...هنا يمكن القول بان الأراضي الداخلة ضمن التصميم الأساسي والجاهزة للتوزيع قد تكون غير كافية لأعداد العوائل الشابة والعوائل الاقوشية المهجرة قسرا والقادمة من الخارج والمدن والمناطق الأخرى والتي ليس لها دور سكنية وترغب بالسكن في القوش,فلماذا هذه العراقيل وهذا التريث والتلكؤ في التوزيع وهذه العوائل بحاجة ماسة إلى ارض تسكن فيها؟لماذا التريث حاليا في توزيع الأراضي السكنية؟هل هي لإيجاد مبررات جديدة للالتفاف على القرارات وما يريده أهالي القوش من إبعاد الغرباء عنهم والتمسك بحقهم الشرعي ومطلبهم الإنساني أم ماذا؟إن الحقيقة شجاعة ولا يمكن لمن يدعي الشجاعة الوقوف بوجه الحقيقة....إن المطالبة بتوزيع الأراضي لأبناء القوش حاليا حق مشروع لأنهم أبناء أولئك الآباء والأجداد الذين حولوا الصخور القاسية والأراضي الجرداء إلى بيادر تنطق وتتكلم والى أراضي سكنية وهم الورثة الشرعيون لهذه الأراضي ومن حقهم الحصول عليها وبنا دور سكنية لهم وليس من حق غيرهم...إن توزيع الأراضي على كل مستحق ومحتاج لسكن من أهالي القوش ووفق الشروط والضوابط يجعل ذلك كسب هذه العوائل للبقاء في البلد ومسك الأرض وعدم تفكيرهم بالهجرة...إن إيقاف نزيف الهجرة هو من واجب الدولة الأساسي إن هي رغبت بذلك ولتسهيل أمر المواطن بالبقاء يتم توفير ما يحتاجه من متطلبات الحياة المهمة ألا وهي-الأمان –السكن- العمل....
      
    

56
أضحت الشعوب كلها تلد أجيالا جديدة
 إلا نحن نلد آباءنا وأجدادنا

بقلم سمير القس يونان
 العراق في    02  تشرين الأول 2012


ما هذا العنوان الغريب في هذا اليوم الغريب الذي تزداد قتامته باضطراد ملفت للنظر ونحن غافون غارقون في أحلامنا الوردية وعلى أنغام شجية حاضنين وسادة مكتوب عليها ضاعت القضية يا أولاد الحلال لقد بدا النهش واقتربت المنية...بالأمس نحر الكبش أمام مذبح الحرية لتشق شهقته الأخيرة حجاب الهيكل وتجفل غزال الرنة في البيرو وحيتان الأمازون والقندس وتقف صامتة وتسال!!أهل توصل العلم إلى مقياس ريختر آخر ونحن لا نعلم؟ما هذا الزلزال لا بد أن شعب سحب من آذنه بل قرص من خده..ها قد  راق دم الكبش وسال بعيدا ليصل شقائق النعمان لتشتم عبق الاحتضار والموت لأمة أو لملة أو لأيقونة ابتلت على روحها لان الرب خلقها على غير دين وخلق واثن وارث واسم...لو تمعنا النظر نرى أن كل الشعوب تنبعث وتلد لتستمر لتحتل موقعا على المائدة  التي لا تحوي أصناف الطعام ومجلدات الكتب ومحاضر الاجتماع إلا نحن السورايي ومع الأسف فإننا وقفنا عن التكاثر ولم نعد نولد شيئا لنشكل موجة عاتية تشبه تسونامي في ارتفاعها وقوتها لتغضب من يولينا ظهره وتهدد مفاعل فوكوشيما ..لقد أضحينا مجموعة متفرقة تقف لخدمة المائدة التي جلس عليها من كان بنطاله أنا الذي فصلته ورممته ورأبته يوما وأخيرا كتب عليه صنع في!! متى نستحي ونخجل من واقعنا المقزز؟وهل نبقى نمسح اللعاب من على خدودنا وكأننا أجرمنا وليس من غفران؟الم نكن أحسن حال عما مضى؟ربما لم يكن لنا عشتار وصحف ومجلات ومجمعات بل كان لنا عيد ومعبد ولافتة في بعقوبة والعمارة وتكريت والفلوجة..عندما كنا صغارا جدا كانت مراسيم الزواج تختلف عن الآن تماما(أيهما أجمل وأمتع)وتفاصيلها كثيرة وتناولها الكثير من الإخوان التراثيون والفلكلوريين ولكن صورة من تلك المخطوطة ماثلة أمامي مدى الأيام وهي!!بعد يوم البوراخ وبالتحديد صباح اليوم الأول وعند الفجر حيث يكون عليكو الدوغاتي ضيفا عزيزا ومحترما على بيت العريس وكلنا يعرف أن الجميع ينام فوق السطوح وكان العقرب بخرزته السوداء يلوح والقبج والدراج والبركتا يمرغل على السفوح والأجساد مرهقة مكللة بالقروح وكان قبل أن ينبلج الصباح والجميع أشباح يعزف ملحمة(لو لو لو برا)..ومن يتذكرها يتذكر ذلك اللحن الشجي الذي يقودنا إلى دهاليز الماضي والخنجر الذي في قطيعة مع غمده لاستمراره بالقتل والفتك والهتك وكان لحنا سحريا يخلب الروح ويدخل الإنسان غيبوبة ونشوة تنسيه من هو وأي هم واه لو كانت كاميرة تصور تلك الرؤؤس التي تنبثق من الأغطية لتستستمع مع لو لو لو برا ومع عليكو الرائع...بالأمس أعلن ساسة البلد ورعاته الأجلاء نهاية دور وفعل ووزن (سورايي)والذين لا ينفكوا ويقولوا  ويعلنوا دائما وأبدا محبتهم وإخلاصهم ومشاعرهم الصادقة والجياشة والعميقة تجاه المسيحيين تلك الشريحة التي تضفي بريقا ورونقا وبهاءا وعبقا وروعة إلى هذا البلد الذي تحمل فيه المسيحيون قبل غيره بقرون كثيرة ويلات الجيران من والعثمان والساسان...أهناك رياء ونفاق وبلاء أكثر من هذا يا إخوتي.. هل رأيتم أين أوصلتنا الهجرة والشرذمة والكبرياء والتعالي فيما بيننا!!!أرأيتم كيف جعلنا من كان بالأمس يبيع البيبسي والسي يبخل اليوم في أن يعطينا ربع كرسي...إلى أية درجة وصلت الخسة والدناءة في برلمان تعددي فيدرالي ديمقراطي والذي تشكل بمشورة من بريمر ودباباته يقومون بلقاءات فردية وتجاذبات أثنية ومصلحيه لأجل سرقة مقعد من ملة أو صفحة مهمة من سفر العراق كان لها في الملكية ثمانية مقاعد!!ألاعيب وتساومات وتناغمات في الكواليس جرت وما هذا بالامس كانوا شذر مذر واليوم شمس وكمر فقط لإذلال المسيحيين!!!سوف تتعلم الحيتان دروسا مهمة منكم في التخمة والنهمة والغور نحو أعماق النفس الشريرة وأكيد انتم أقوى من الحيتان ولهذا ستجرون العراق إلى أعمق نقطة في المحيط إلى ما يسمى الحاجز الوسطي الأطلسي mid Atlantic ridge) )لكي تلوثوا الحياة البدائية الطاهرة والعذراء...كانت النتيجة محسومة مسبقا وعلينا جميعا أن نعي أن الاثنية والطائفية سيطرت على طيات وفصوص أدمغة الأعزاء وما كانت تستأهل نقاشات ولا تصويت ولا محاكاة ولا مناغاة ولا دغدغة الآباط لان الذي تركلوه بإقدامكم القذرة ليس الآن فقط بل بتفجيراتكم وتهديداتكم وقتلكم لرجال الدين والطلبة العزل لا يملك من القوة والعدد والعلاقات المشبوهة مع الاستعمار والجيران وساكني الأنفاق والبالوعات كي يخيفكم ويردعكم فامضوا فيما انتم مصممين عليه وهذه ليست الأولى ولا الأخيرة في سجل نكبات أهلنا والمجازر التي ارتكبت بحقه ...وهكذا إنكم تمارسون ما يمارسه الفهد بفريسته حيث يلاعبها ويداعبها ثم يقبلها ويداهنها وبعد أن تنتهي حيله ويتعب من الكذب والتسلية يلتهمها وهي تنظر إليه نظرة العتاب قائلة له( أن حبة الحنطة أن لم تمت في الأرض بقيت وحدها وان هي ماتت أتت بثمر كثير)وما كان بالوحش إلا مثلب صغير يردي الغزال الوديع أرضا ويجعله يلفظ أنفاسه...ماذا لديكم بعد الآن في مجلس النواب أيها المسيحيون؟اانتم خائفون على مركزكم وحيزكم؟أم على مكانتكم وكرسيكم؟أين مجالسنا ومنظماتنا؟ربما القصد في نفس يعقوب لكن الكرامة مطلوبة ففي بعض الأحيان ينتحر الفهد عندما تقطع به السبل وهو كما تعرف أيها الشجاع هو من أشجع واقوي الحيوانات...بماذا ستجاوبوا أهلكم في الحيرة والحرمان بعد أن أكمل قص أجنحتكم؟أتعرفون أن الصقر والدجاجة من الطيور؟أهناك احد في تلك الأروقة يهاب من عددكم؟أتصور أكثركم لا يتكلم مع الآخر ولا تتوفر ابسط صيغ الاحترام بينكم ولا ريب أن أحبتكم في البرلمان يعون ذلك ومن يدري ربما لهم يد طولى في ذلك...قبل أيام أقيم مؤتمر للغة السريانية في القوش وكنت من المدعوين ونحن هنا لسنا بصدد تفاصيل المؤتمر وحيثياته بقدر ما نحن مهتمين بتلك الوشائج والأواصر التي تربط من حضر للمؤتمر واقصد تلك الأقطاب الذين يقفون عند العتبات يرحبون ويصافحون وكان الأجدر بهم طي كل صفحة لا تسمح للنور بالولوج إلى صوامعنا ويكونوا المبادرين في راب صدع جدارنا الكبير والذي سيسقط حتما إذا بقى الحال والمحال كما هو...لم يكن هناك ما يربطنا وكل واحد يتصور انه الأحق في قيادة البائسين من هذه الملة إلى هاوية لا عودة منها..لا تخلو كلمة من كلماتنا في المؤتمرات والمهرجانات والاحتفاليات إلا وتشيد بذلك التاريخ المشرف وبتلك الحضارات التي سبت إسرائيل التي تصول وتجول في كوكبنا الآن حيث أكمل النبي حزقيال رسالته في بابل وأضحينا نعامات وطواويس نعيش مع عظمة الماضي ونكون بذلك نعيش نشوة الماضي والحاضر يسرقنا ويسرقه غيرنا...الم يكن الأجدر بنا أن نجعل من ذلك الماضي البعيد حافزا وعذرا وسببا ونداء لنتشبث بأرضنا ونصون اسمها ولأجلها ننبذ المقت المستشري بيننا ونجمع العصي المبعثرة هنا وهناك ونجعل منها حزمة متينة تصارع تقلبات الزمن وما يجب علينا إدراكه أن(ما يفسده الزمن لا يمكن ان يصلحه الفحام)...ما هذا الحال المقزز أرى فيه الأرانب تنزعج من غطيطهم ولم يعد الذباب يسقط على تمرهم كما وخلت الصوامع من نساكهم وأضحت رحاهم قاعا بلقعا يأوي إليها الأطيار وتمردت قلوبهم إلى درجة أصبحت تلك النياط أوكار يعيش فيها الخفاش ولا ننسى أن إيقوناتنا ولوحاتنا عرضوها في سوق النخاس وقسم منها أعطي هدايا والآخر لا زال معروضا فلنستعجل للحصول عليها حيث هي ما بقى من تلك المقتنيات التي سلمت لنا...رغم الصفعات الموجعة والركلات المؤلمة لا زال للعمر بقية ويجب أن لا نفقد الثقة بالإنسانية كما قال غاندي(ولكن ليس إنسانيتنا المعاصرة)ولا نعرف ما بجعبة الغد من مفاجآت ولكم هذه الرغيف(مرة أغاض خادم القيصر يوليانس الجاحد احد النساك عندما قال أي الخادم ماذا فعل نجارك الناصري فرد عليه الناسك وقال بحزم شديد انه ينجر نعشا لقيصرك وهكذا لم تستغرق أياما عديدة ومات القيصر وتقدم الناسك وقال للحاجب ارايت ماذا فعل النجار الناصري)......................................................

57
في القوش...جنود مجهولون يقهرون الجلمود  
 
بقلم سمير القس يونان
   القوش في  27  أيلول

لقد تعودنا على سماع عبارة الجندي المجهول كثيرا ولا بد أن تبادر إلى الذهن كثيرا من هو هذا الجندي المجهول ولما له كل هذا الاحترام؟؟لماذا هذه المكانة المتميزة في القلوب  والنصب والصروح العالية التي تقام له في مواقع متميزة من العواصم وتطبق فيه فنون الهندسة المعمارية؟جميعنا يعرف موقعه السابق في بغداد الحبيبة واعتقد أن لأغلب دول العالم نصب للجندي المجهول تقدم له باقات الزهور في يومه الأغر من قبل كبار الساسة والمسئولين وفي بعضها يضاهي في مكانته وأهميته يوم تحرير البلد واستقلاله...كم هو جميل ورائع أن تستنفر جل طاقاتك وخبراتك خدمة للآخرين وأنت خلف الكواليس لا ترغب بترفع أو تعويض أو طبطبة على ظهرك فانك بذلك تفعل ما فعله ذلك الجندي الذي أنقذ كتيبته بالتسلل خلف خطوط العدو دون توجيه أو أمر من احد ودون أن يعرفه احد فقط الذي دفعه لهذا الفعل السامي والشامي ضميره وداخله المفعم بالإنسانية الصادقة دون أن يطمح بتصفيق أو تهليل أو تبويق مقابل فعلته...ونحن اليوم وبعد أن أغنتنا ديمقراطيتنا المستوردة والمستحدثة حداثة المايكرو سوفت واليوتيوب والتويتر واللي باد ومكللة بالسبح والمحابس المفصصة بالكوراندوم والياقوت والعقيق والزمرد وفنون ذبح البشر وقد اكتشفوا أن الفرنسيين كانوا بدائيين بمقصلتهم والمليارات التي ابتلعها حوت يونان لكي يؤمن مستقبل عمره مليار سنة والمقابر الجماعية في الرمادي وغيرها مقلدين العم صدام حيث قامت هذه الديمقراطية مشكورة وجذلة بإزالة جندينا المجهول وهمشت يومه وتأسفت كثيرا لتلك الباقات من الزهور التي قدمت له خلال 82 سنة الماضية منذ تأسيس الدولة العراقية...أين جندينا المجهول بشهامته وإقدامه وتفانيه ورغم كونه صناعة صدام لكنه اشبع المعتدون صفعات وركلات يشهد لها التاريخ وأين جندينا المجهول الذي اقتلع من الضمائر حسبما صاغته أيدلوجيتنا الآنية وجعلوا في محله متحف من الصور التي لا تمت بماضي وحلم العراق بشيء وكم من صفحة اقتلعت من المناهج التي تمجد ذكراه وربيعه(الجندي المجهول)...وهنا تعالوا معي لنذهب حيث جنودنا المجهولين الذين قارعوا وصارعوا الجلمود والصوان وقيظ الصيف ولسعة وزمهرير الشتاء وتنشقوا غبار النعش المتحلل وعبق العظم ومشقت شفاههم الظمآنة أشعة الشمس وشظايا الصخر أولئك هم جنودا يعملون ليل نهار في توفير المثوى الأخير لموتانا وأيضا لنا(الله يطول بعمر الجميع)مستقبلا فمن يدري ربما لا نحظى بلحد محترم مثلما يحضوه طالما واقعنا مؤلم ومخزي ومستقبلنا بأياد تعشق التوقيع بالعشرة لأجل حفنة من النقود والرياح الصفراء التي تهب من هنا وهناك تحاول قلع كرمنا وصيرورتنا...نعود إلى جنودنا المجهولين في القوش هؤلاء هم ثلة من الشباب المتقد عنفوانا في يده اليمنى معولا وفي الأخرى قارورة طيب وفي صدرهم صورة العذراء المكلومة بجرح وحيدها يبذلون ما لديهم من جهد ليزيدوا من قتامة الذؤابات وهم لا يتجاوز عددهم العشرة وكم كان بودي ذكر أسماؤهم هنا ولكن كان سيتناقض مع العنوان ومع ما ينوونه حيث اتصلت بالأخ نادر وقال لا تذكر أسماؤنا واترك الزمن يفعل فعلته...فعندما يأتيهم إشعارا بان فلان أو فلانة قد وافاه الأجل يستعدون في الحال وفي أي وقت كان ومهما كان المناخ أكان مطرا ثجاجا(منهمرا)أو صقيعا أو ليلة مدهلقة أو قيظ قاتل ثم نراهم يتسابقون إلى عملهم ويكونون حريصين على تنفيذ عملهم حرص الصقر الساهر على عشه متذرعين بالصبر وطول الأناة نظرا لما سيلاقونه من صخور وجلاميد... يأتي من يمثل المتوفى ليحدد مكان اللحد لهؤلاء الميامين ثم تبدأ آلاتهم بحفر التربة ونخر وتفتيت الصخور والجلاميد إذا صادفتهم وقد تكون الصخرة كبيرة وهنا عليهم نحتها وتكسيرها بهمة يشحذون فيها نياط أفئدتهم بكلمات من ماء الذهب وعصارة الاقحية(جمع الأقحوان)وأريج الصندل وجريال الخمر ووثبة اليامور لينحتوا مكانا يرتاح فيه راحلنا يرتاح من هذه الدنيا البائسة اليائسة والتي( أضحت الشعوب كلها تلد أجيالا جديدة إلا نحن نلد آباءنا وأجدادنا)...إن هؤلاء يحبون عملهم حب يوناثان لداؤد الملك ويعملون دون مقابل كما لا يرغبون بالتباهي حافظين همومهم ومعاناتهم في عبهم لا يرغبون بتلاوة وذكر أسمائهم(جنود مجهولون) مقلدين اؤلئك الذين يمشون تحت المطر لكي لا يرى احد دموعهم وقبل أيام أقامت نادي القوش العائلي مهرجان فني للطفل رغبت فيه الهيئة الإدارية بتثمين جهودهم الاستثنائية بتقديم هدايا رمزية فامتنعوا أن يستلموها أمام الحضور وسلمت لهم فيما بعد مع شد أزرهم وتشجيع الشباب على أفعال كهذه أفضل من التسكع عند المنعطفات والزوايا...قال احد الجنود المجهولين كان الليل ساجيا بهيما صافي الأديم والجميع غارق في لجة أحلامهم وإذا بصياح دب في زقاقنا ولم تدم الحال طويلا وإذا بالخالة الفلانية قد وافاها الأجل ورحلت قبل أن تودع من عليها توديعهم ورغم حزني وأسفي لهذه الفاجعة حيث كانت خالتنا من النساء المتزنات لا تجعل بين القلوب بعدا وبغضاء وضغينة إلا وتزيلها ببسمتها وبلسمها كانت تحب الجميع والجميع يحبها... توليت أمر حفر اللحد وكانت الساعة الخامسة فجرا واتصلت بمن يجب الاتصال بهم وتم الاستعداد للعمل واتصلت بجيراننا لكي يحدد لنا مكان اللحد وخلال فترة وجيزة كانت آلاتنا تعمل دون أن يثبط عزيمتنا شيء حيث تستحق المرحومة ما نكابده من اجلها وكانت جديرة بتيجان الملوك وهل هناك ملك بطهارتها وعفتها ومحبتها للإنسان...هؤلاء هم جنودنا المجهولين يقهرون اخافيق الأرض ورعونتها ورنين معاولهم أصدى من جلنبلق باب الياس بولا وهم يتممون عملهم بلا وكس ولا شطط يستأنسون بمزاراتنا العديدة وبوحيف الأطيار وعملهم غير محدد بوقت وبذلك لا يستفيدوا من وهدة الربان هرمز عندما كان الفلاحون أيام زمان (يا ريت بعضها)يحلون من عملهم في الحصاد صيفا عندما يقولون طارت الحمامة(فيرا يونا)عصرا وجنودنا هنا لا يعترفون بالساعة ربما يتأخرون إلى وقت متأخر من الليل.. مرة إقتُحِمَ الكاتب الشهير برناتشو من قبل كاتب مغمور ومغرور مبتدئ قائلا للأديب الكبير أنت تكتب باحثا عن النقود أما انأ فاكتب باحثا عن الشرف!!جاوبه برناتشو في الحال وقال له أنت صادق فيما قلت فكل واحد منا يبحث عما ينقصه فانا تنقصني النقود أما أنت فينقصك الشرف ولهذا تبحث عنه وهنا نقول لنكن مثل برناتشو نبحث عن النقود بعد أن لبينا طلب الشرف ودفعنا استحقاقاته لا أن نكبر جيوبنا استعدادا للربيع النقدي تاركين الشرف والجانب الروحي والمعنوي للحياة..هؤلاء يفيضون بالنبل والشهامة قدر يستحق الثناء نراهم وقد تفصد جبينهم عرقا عذبا مملحا بالغبار المتصاعد من الثرى واللحد يظهرون دائما رباطة جاش منقطعة النظير رابضين بين القبور والصخور لا يهمهم إذا كانوا يدقوا على صدور أجدادنا لكن مرارتهم والمهم الطافح حينما يسمعون أنين الراقدين وسرقة خلوتهم لكن ما العمل...يقول احدهم(الذي نفسه بلا جمال لا يرى في الحياة شيئا جميلا)وقلت له هذه حكمة إيليا أبو ماضي وقال تعلمت درسا من عملنا المجاني هذا وأقول لمن يحمل هما أن همك لن يدوم فمثلما تفنى السعادة هكذا تفنى الهموم وجندي الآخر قال لنا إنني اعشق حكمة بطرس الرسول حيث يقول(إن العطاء أكثر غبطة من الأخذ)فمن يعطي وبسخاء قبل أن يأخذ أو بدون أن يأخذ يكون قد سبق الأولياء إلى الأعالي وسيكون حكاية تتداولها الألسن لسنين طوال...نِعم الكلام وبدورنا نقول أن من يذهب إلى سريره ليلا ويضع رأسه على وسادته وهو مرتاح البال لا شيء يؤنبه قدم الكثير ما لم يقدمه غيره رغم إمكانياته الضعيفة يكسب مرتبة الإنسان الحقيقي وهذا ما لا نستطيع الوصول إليه بسهولة طالما المال أول أولوياتنا والكبرياء أيضا يوازي المال فلنكن مثل هؤلاء يحفرون لحدنا وهم مبتسمين قائلين هنا ستكون نهايتك أيها الأبله المتهرقل.......................................


                          Samer_alkass@yahoo.com          

58
ما يجري لالقوش الآن امتداد لقرون خلت
(الجزء الأول) 
((الأراضي السكنية في القوش لأهلها حصرا وليست لغيرهم)) 
   
     إعداد: جميل يلدا حيدو
              سمير القس يونان


القوش في  21  أيلول 2012

      إن الرفض الجماهيري الذي تلمسناه مؤخرا من قبل أحرار وشرفاء من أهالي القوش وقرانا وبلداتنا على شكل مظاهرات واحتجاجات واعتصامات أو كلمات استنكار واستهجان ومقالات ساخرة ومعبرة  هي كرد فعل لقرارات عقيمة ومستهجنة اتخذت عبر قرون خلت وتتخذ الآن لصهر هذا الباب العالي هذه الآية الروحية من سفر العراق العتيق والموغل في القدم انه سفر الوجود المسيحي بكل مسمياته القومية والاثنية...إن محاولة توزيع الأراضي السكنية في القوش والتي ظهرت مؤخرا ليكتمل المسلسل الذي بدا ببغديدي وبرطلة لا يعتبر جديدا علينا بل هو مستكملا لقرارات ومواقف مشينة وعنصرية منذ الحكم الملكي ثم الجمهوري إلى يومنا هذا لا بل هو امتداد للاستعمار العثماني الجائر عندما كانت مناطقنا خاضعة للإمبراطورية العثمانية سيئة الصيت وكانت فترات الحكم هذه سيفا مسلطا بقراراتها على مقتدرات ورقاب الأقليات الضعيفة عموما والمتمثلة بالمسيحيين والايزيديين والأكراد والشبك دون استثناء وكان للإقطاع والمتنفذين اليد الطولى في ذلك...كان ذلك بتسجيل أراضي لا بل قرى بكاملها بأسمائهم واعتبارها ملكا لهم انطلاقا من نفوذهم وسطوتهم في أجهزة الدولة المختلفة من هنا كانت الانطلاقة ويجب أن لا يغيب عن بالنا بان الذي شجع مصادرة حقوق الأقليات بالجملة دون رادع يذكر هو انتشار الثلاثي الفتاك بين أبناء الشعب ألا وهو(الفقر,الجهل والمرض) وحينئذ لم يكن للناس هم سوى هم كيفية الحصول على لقمة العيش الشريفة بينما الإقطاع والدوائر الأخرى تعمل في الغرف الحمراء جاهدة في الاتجار بمقتدرات هؤلاء المساكين ومصادرة حقوقهم...إن ما جرى لالقوش سابقا وما يجري الآن ما هو إلا نموذج حي لما يجري لمناطق وبلدات أخرى من إجحاف واستغلال وتغيير وتمييز وإذلال بطرق شتى في انتزاع حقوقهم ومصادرة أملاكهم وتغيير تركيبتهم السكانية وتجريدهم من الاعتبارات الإنسانية ليس لسبب بل لغاية في نفس يعقوب وكما يقال(إن الذي بيده مفتاح جهنم يمهد الطريق لهدر حقوق الإنسان)...إن تسلسل التاريخ والوقائع تشير إلى كبت وخنق للأصوات التي تنادي باسترداد الحق المهضوم وربما وعدها بوعود كاذبة مؤجلة لكسب الوقت والهاء الآخرين ب(أذن الثور)وكانت النتيجة ضياع الحابل والنابل...إن ما تم ويتم الآن بخصوص مصادرة وسرقة الأملاك والعقارات في القوش وعائديتها وملكيتها يعرفها القاصي والداني وخاصة المخضرمين والمسنين من أهالي القوش فصبتنا العزيزة وبالذات الذين عاشوا فترة الأربعينيات من القرن المنصرم والى يومنا هذا ومع أسفنا الشديد لبقاء القليل منهم على قيد الحياة ليرووا لنا ما تحمله ذاكرتهم عن هذه الأراضي وكيف اغتصبت وانتزعت والتي كانت تسمى في يوم من الأيام(البيادر وجوار القوش)والتي هي مدار بحثنا في هذه المقالة...إن (البيادر)هذه المساحات التي كانت تحيط بالقوش من جهاتها الثلاثة(لان الرابعة جبل)ليست غريبة على أهالي القوش ويتذكرونها جيدا في الفترة التي احتدم الصراع والمطالبة بهذه الأراضي عندما تم تحويل ملكيتها من الذين صنعوها بأكف أياديهم واخمس أقدامهم إلى ممتلكات الدولة أي البلدية أعقبها ذلك وضع تصميم أساسي ثم بيع هذه الأراضي للأهالي ثانية وليس لأصحابها الشرعيين وظهرت حالة تدخل الغرباء عن البلدة في الشراء طمعا في السكن أو الربح أو العمل التجاري أو بقصد التغيير الديموغرافي لتركيبة البلدة الاجتماعي...إن وراء ذلك غايات دفينة مستنبطة من التعصب القومي والديني والانحصار الفكري والتي دامت لمئات السنين ومحاولة إيصال الأهالي البسطاء إلى حالة اليأس والقنوط والوصول إلى نتيجة حتمية ترك البلد والهجرة إلى تلك الأصقاع التي ليس لنا فيها لا بيدر ولا قبر...لنعود إلى البيادر وجوار القوش التي هي صلب موضوعنا حيث كانت مسجلة لدى الجهات الرسمية تحت رقم مقاطعة(68):لما كانت بلدة القوش بلدة زراعية منذ القدم حيث يمتد أمامها سهل فسيح خصب استغله الالاقشة منذ نزوحهم من الكهوف المطلة عليه قبل آلاف السنين واتخاذهم موقعا قديما والذي يسمى(القوش المندرسة)ومن ثم وتدريجيا تحولهم إلى الموقع الحالي..ثم أخذت تتوسع على شكل مجموعات سكنية تربطهم علاقة الرحم حيث كل عشيرة حددت لها موقعا فنرى ولحد الآن تركز اغلب الاوجاغات محاذية للجبل(برنو,بلو,قوجا,اودو،سكماني,شدا,قس يونان,شعيوكا)والى آخره وامتدت جنوبا ليفصل بينها أزقة ضيقة طولية موازية لجبلها اتجاهها شرق-غرب يقطعها عدد من الأزقة غير المنتظمة والقصيرة واتجاهها شمال جنوب..كانت طبوغرافية القوش الحالية قاسية ومعقدة وصخرية نمت على ثلاثة تلال رئيسية وهي امتداد للسفوح الجبلية يفصل بعضها ثلاثة وديان تنحدر فيها مياه الأمطار من الوهداة الجبلية وهي وادي الشرقي الغدير ووادي حكيم الوسطي والثالث وادي محلة سينا الغربي..هذه التلال وهذه المرتفعات لم تكن صالحة للسكن والزراعة بسبب كثرة الصخور وشدة الانحدار فيما بينها وما كان على هؤلاء إلا العمل الدءوب والنشاط المستمر في تطويع هذه الطبيعة القاسية لصالحهم حيث قاموا بنحت الصخور والجلاميد وإذلال صلابتها أولا لبناء دورا بسيطة لسكنهم وثانيا تسوية مساحات مختلفة الشكل والمساحة تسمى بيدر لوضع محاصيلهم وإجراء عمليات الدرس والتنقية عليها...لقد قام الآباء والأجداد بتسوية هذه المنحدرات بنحتها أولا ثم ببناء جدران ساندة لها من الصخور التي استخرجوها اثنا النحت والتعديل وثم قاموا بنقل التربة والطين من أماكن أخرى لتسوية هذه المساحات ثم حدلها بأكفهم وأقدامهم القوية وكذلك بالات حجرية اسطوانية (كرانيت أو كابرو)مفلطحة ومستوية وعملوا في وسطها فتحة يثبت فيها قطعة خشبية طويلة ليمسك بها..لا زالت بصمات أجدادنا ظاهرة على بعض من تلك البيادر التي لم تصل إليها يد الدولة بعد وكانوا يقضون أياما وليالي في محاكاة تلك الصخور الصماء ومناغاتها ليجعلون منها أصدقاء وأحباء يحمون انجراف تلك الأتربة التي نقلت بزنابيلهم وراحاتهم وبمآزرهم من مواقع متعددة لتمتزج الأماكن حيث صخرة من بقعة وتراب من أخرى ويد خليلنا لتكون النتيجة بيدر يدخل ضمن ارث الإنسان ومكنوناته الحياتية والتي سيقضي اغلب الصيف القائظ اللاسع فيها..إن البيادر وجوار القوش المتاخمة لتجمعات الدور الثلاثة وهي سينا وتحتاني وقاشا التي تتكون منها القوش كانت ملكيتها  تعود إلى الفلاحين الساكنين بالقرب من هذه البيادر حيث كانوا في الشتاء يعملون على تسويتها وصيانتها وقلع الصخور والأعشاب وجعلها مستوية تماما بأيديهم وبطرق بدائية جدا لتكون صالحة لاستقبال المحاصيل بعد حصادها..كانت اغلب الأسر تقضي أشهر الصيف الحارقة في هذه البيادر بيتها الثاني حيث تقوم بمعالجة المحاصيل المحصودة وذلك بدرسها أولا بالجرجر ومن ثم تذريتها وتصفيتها وتنقيتها وأخيرا نقلها إلى دورهم القريبة من هذه البيادر..ومن الجدير بالذكر وجود بساتين خلال وادي بيت حكيم ووادي محلة سينا لبعض العوائل تنتج من الفواكه والخضر ما يسد حاجة الناس وكانت تقع على جانبي الواديين مسيجة بالصخور والعوسج يرنو عددها الخمسين بستانا معروفة بأسماء أصحابها وكان لكل بستان بئر أو اثنتين لسقيها كما يستفاد منها للشرب وللحيوانات في بعض الأحيان...وقد دخلت هذه البيادر والبساتين ضمن الموروثات(الإرث)الأسر والعوائل وبعد توسع هذه الأسر ووفاة رب الأسرة كانوا يتقاسمون الإرث فيما بينهم فتدخل البيادر والبساتين مع الدور السكنية والأراضي الزراعية في التقسيم وكانت العملية تتم بالتراضي والقناعة بين الأخوة فالذي كانت حصته البيدر يكون قد خسر لأنها شملها مصطلح (محلول) وانتزعت البيدر منه لتصبح من أملاك الدولة ثم توزع إلى أناس آخرين ربما غرباء على ضوء قرارات مخزية ومغرضة ثم يخرج الوريث من المبكى بدون حمص خالي الوفاض...إن هذا الاستهلاك والهدر لحقوق الآخرين يدفعهم للمطالبة المستمرة والمستميتة بما يتيسر لهم من الإمكانات الذاتية المادية منها والمعنوية لإعادة ما استلب من أرضهم ورد الاعتبار لما خدش من حيائهم وضميرهم وتم هذا الإجحاف بقرارات متعاقبة منذ وجود العثمانيين ولحد أيامنا هذه التي انبلج فيها صباح الحرية والتعددية والفيدرالية(إن لم تستحِِِِِ فافعل ما شئت)....في الأربعينيات من القرن المنصرم انبرى عدد من الغيارى من أهالي القوش يدعمهم اغلب الناس ليقودوا حملة استرداد تلك الحقوق المسلوبة عنوة وفي وضح النهار عندما أعلن أن هذه الأراضي محلولة للدولة أي مصادرة ملكيتها للدولة ومن هؤلاء(يوسف بولا اسمرو,ألخوري أبلحد عوديش,هرمز وحنا أولاد شيشا,سمو الياس بولا,ياقو عوصجي,زورا جبو حيدو وآخرين)...لقد قاموا بحملة جمع التبرعات والأموال كل حسب قدرته رغم الفقر المدقع لتوكيل محامين ولمراجعة أعلى الجهات وكانت وقفة الأهالي ليست بالغريبة فالتاريخ يشهد لهم بالغيرة والإقدام والتفاني من اجل إعلاء اسم القوش وسافر هؤلاء إلى بغداد والموصل لطرق أبواب أعلى المسئولين والمتنفذين ومن بيدهم العصا الطويلة لمن ومع الأسف باءت تلك الجهود الكبيرة بالفشل ولم يتراجع أحدا عن قراره وبذلك استبيحت الأرض ولطخت الكرامة وخدش الحياء ليس من قبل الغريب بل من قبل حكومة لا خير وإسعاد من ذكرها...ولم تكتف الدولة المارقة بالمصادرة فقط بل قامت بمطالبة الأهالي الذين بنوا دورا في فترة قبل اتخاذ هذه القرارات بما يسمى(بدل المثل والتجاوز)عن تجاوزاتها على أراضيها وبيادرها وبذلك يكن الغبن مرتين ومن بينها محلة خبرتا بالكامل ودور أخرى بنيت في البيادر وفي الكروم وسفح الجبل والأطراف الأخرى...وأخيرا ونتيجة الانفجار السكاني وحاجة الناس لدور جديدة لولادة اسر جديدة كثيرة اقتضت الحاجة إلى توسيع التصميم الأساسي بحيث شمل قسما من الأراضي الزراعية والكروم التي تقع شرق وغرب البلدة وتم تقسيمها وتوزيعها وإنشاء مباني حكومية وخدمية عليها...إن جوار القوش تشمل المناطق المحيطة بالبلدة من سفوح الجبل والوديان والمراعي ومرابط الحيوانات(قصيلي وكوتاني)والكروم والبساتين المنتشرة على طرفي الوديان داخل البلدة وتلال ومنحدرات وتلك المنخفضات لتجميع مياه الأمطار(خبراثا)والمناطق الخضراء المحيطة بالبلدة والتي كانت تتخذ كمواقع للنزهة والترفيه والحفلات والاستعراضات الرياضية للمدارس وكذلك عيون الماء والآبار التي ردمت فيما بعد...ومن هذه الكروم والأراضي الزراعية كرم بيت بتوزا وكرم بيت ياقو كورجي وكرم رحيكي أما الأراضي الزراعية منها بي سينا وخو رؤولي و منطقة مار يوحنان وخووشا وغدير وطلشا والأراضي الزراعية(قراجي) التي امتدت لتصل دير السيدة دير وبعض الكروم والأراضي الصخرية الأخرى تم توزيع قسما منها كوجبة أولى وبيعت بعض الأراضي الممتازة والأركان إلى البعض من أهالي القوش..أعقب ذلك توزيع وجبة أخرى من الأراضي قسما منها إلى أهالي القوش والآخر إلى الغرباء مما اضطر البعض من أهالي القوش للقيام بشرائها وبأسعار مغرية ولم يتركوا قطعة واحدة باسم غريب لكي لا يشكل ذلك منحا خطيرا باتجاه تغيير خصوصية القوش اجتماعيا وثقافيا واثنيا...وهنا يطفو على السطح سؤالا كان علينا أن نسأله لكل من تسول له نفسه ويحاول الحصول على قطعة ارض في القوش الحرة الأبية التي لا يوجد بين أهلها غريبا واحدا؟؟؟اليس لهؤلاء قرى وبلدات فيها أراض واسعة يستطيعون بناء ما يشاءون ولماذا يستغلون تلك القرارات القاتمة ليصلوا إلى مآربهم في المتاجرة بأراضينا مدركين جيدا ارتفاع أسعار الأراضي ناهيك عن تلك الأطماع الدفينة والتي يقف وراءها البعض لغاية في نفس يعقوب...نهيب بأصحاب الأقلام الخجولة أن يقطوا أقلامهم لتسطر حقيقة لا تشوبها شائبة بان القوش ليست لأحد إلا لأهلها ولديهم من الإصرار والعزيمة الكم الهائل في المطالبة بحقهم الذي يسرق(ما ضاع حق وراءه مطالب) ولا يقبلون أي ظلم كما لا يقبلون بظلم لأحد كما ونهيب بمن لهم إلمام بالقوانين ونقض القرارات وكل ما يتعلق بالأملاك والتسوية والطابو ومن يمتلكون سندات محررة سواء كانت حكومية أو خارجية أن يتخذوا منها منطلقا وحافزا للكتابة وحتى الذين يحملون في ذاكرتهم كل ما يتعلق بهذه الأمور وما سمعوه من الآباء والأجداد الراقدين في مقبرة القوش العالية((الذين اطلوا برؤوسهم من وراء سياج المقبرة يوم سارت من أمامهم مسيرة احتجاج صامتة صباح يوم الأحد المصادف 24 /6/2012)) وقالوا ما قالوه من خلال قلم السيد سمير القس يونان عن تلك المشاعر والاختلاجات...أن الظرف الحالي المفتعل يدفع أهالي القوش للمطالبة بحقوقهم والحفاظ على خصوصيتهم وعاداتهم وتقاليدهم الموروثة والعلاقات الجيدة مع جيرانهم والوقوف بحزم بوجه القرارات الجائرة في الحاضر والمستقبل ولكي يكون أبناء هذا الجيل على بينة بما أصاب آبائهم وأجدادهم وما ورثوه من هذه المصائب التي أثرت على حياتهم وكانت سببا لهجرة الكثيرين منهم...وأخيرا نتقدم وننادي بأعلى أصواتنا لأهم مطلب عاجل لحماية التعيش الإنساني المتحضر لهذا البلد المتمثل في فلسفة(عش حياتك ودع غيرك يعيش)....................               
 
   

59
 
   القوش تزدان بحمم أطفالها     
               
       
بقلم سمير القس يونان
القوش في  17  أيلول 2012

مساء الخميس المصادف السادس من أيلول أقامت اللجنة الثقافية والفنية لنادي القوش العائلي مهرجان الطفل الأول على حدائق النادي ومسرحه المحدث وفيه انشد الطفل ومثل الطفل كما ورقص ونقل لنا صور فلكلورية جميلة جدا عندما كانت الروح نضرة والمحبة عامرة والحدقة ساهرة والشكيمة غائرة والغمامة عابرة...تدفق الجمهور بكل شرائحه ومكوناته ليصاحب فقرات المهرجان بشوق عارم وما سيقدمه هؤلاء الأطفال بفئات عمرية متعددة حيث سيمثلون وسيرقصون وسينشدون ويقرؤون شعرا ويتلون حكمة...اجتازت الساعة السادسة والجالسون يسالون متى يبدأ المهرجان وعلى حين غرة فتحت الستارة التي انتهى من ترتيبها قبل ساعات اعتلى المسرح طفل جميل وبيده بعض الأوراق التي تبدو كبيرة مقارنة بطوله وظهر انه عريف الحفل مع طفلين آخرين وأعلن بداية المهرجان داعيا رئيس النادي لافتتاح المهرجان..كانت كلمة معبرة ودعا رئيس النادي خلالها معبرا عن جماهيرها إلى احتضان هؤلاء الموهوبين وتسخير ما يتيسر للنادي من إمكانيات  لتطوير طاقاتهم الفنية في مجلاته المختلفة ثم بدا المهرجان بتلك الأنشودة الرائعة...ها قد برزت الغزالة من خدرها بحركاتها الرشيقة ووبرها المزركش اللطيف وجمالها الأخاذ لتقول إنني ها هنا لأشارككم فرحتكم وتظاهرتكم الفنية  تاركة صغاري تحت رحمة المفترسين وربما ينتظرهم ذئب أو ثعلب لكنكم أيها الأطفال أعزاء كصغاري بل وأكثر من ذلك...بدأت الفعاليات وانبهر الحضور للإبداعات التي بزغت في كنف ذلك المسرح البسيط الذي رمم بمبالغ بسيطة وجهود جبارة ليحتضن هذه المجموعة الجميلة وغيرها مستقبلا ليتكرر هذا العرس وغيره من الأعراس لتبقى بلدتنا فرحة وسعيدة بأهلها منورة بمشاعلها وفناراتها لتضيف إلى جدار الآباء لبنة أخرى وحرفا آخر...خرج الأطفال عبر محاورات شعرية تعكس صورا وضاءة للأيام الخوالي حيث المحبة والتسامح والتضحية وكان الأداء عجيبا ومنه نستنبط مقدار الجهود التي بذلت في صياغة هذه الفقرات وإخراجها مؤطرة بهالات قد تفوق بعرضها وبهائها هالة القمر...لقد أجبرنا هؤلاء الصبية على السفر بعيدا إلى عالم آخر وبيئة أخرى وشمس أخرى جميعنا تمنى لو تم ذلك فقد أخذنا بساط الريح إلى ذلك العبق عبق العرق المتفصد من الجبين والأكتاف عبق المحبة والتالف رغم السنين العجاف عبق البطيخ والسنابل ورنين النداف لقد قادونا إلى نادر طهماسب وميري كور والطاعون والهيضة والفقر والمرض لكن رغم كل ذلك كان لهم قلبا كله نياط وشغاف...أين كانت هذه الدرر والياقوتات وكم مثل هؤلاء موجود في شارعنا الذي لا يرحم ويسقم وكم علينا تقديم الشكر لمن اكتشف وسيكتشف المزيد لمثل براعم كانت ستذبل وتسحق تحت أقدام الهراقل والجبابرة من عصرنا الاجرد كجبلنا وما دورنا من هذه المعادلة حيث الآن الرجحان للصبية!!!ما علينا فعله لتتوازن المعادلة ويصبح الطرفان متساويين؟علينا دعم العملية ككل والإشادة بها ومؤازرتها وتشجيع أطفالنا للخروج من قوقعتهم الحديثة والانخراط في كل الجهود التي تقدم هنا وهناك لوضعهم على جادة الصواب...ثم تلت فقرات أخرى منها شعرية وحوارية وغناء ورقص ولكن ما شدنا هو المسرح ذلك العالم الأخاذ الذي فيه تتلاطم أمواج الخيال خيالنا الذي قلاه الصدى وأوهنته الردى وخدشته القذى فكم هو جميلا أن تعيد ترتيب بعض مما مسحه الدينار والقصر والرقص على كل الحبال(ديرا جنكلي)وهز الذيل الذي أضحى في أيامنا المرة هذه مروحة لتبريد المؤخرة...ثم كانت مسرحية (اوربالا)الغربال وفي رأينا البساطة والسذاجة والأسلوب المستقيم في التعامل والصراحة والمودة والروابط الاجتماعية المتينة ومضمونها رغبة إحداها رؤية بنت الجيران عن كثب وزيارتهم في الصباح الباكر(الآن لا يمكن الزيارة بدون موعد مسبق)لرؤيتها على حقيقتها قبل أن تضع مساحيق التجميل(يا حسرة فقط كان لهن الكيل والاريتا وربما كخلا)بحجة الغربال وبعد أن تقتنع أم الشاب من الفتاة وتتيقن أنها ليست مخطوبة لأحد تودعه على مضض وهي سعيدة والمثل يقول(ثيلا لطلابا داوربالا  ولتا قمخا تا نخالا)...نعم كان ما قدمه أحبتنا أيقونات رائعة يكمن فيها الانسجام والتداخل لمقومات الفن الرفيع ومن زار(آيا صوفيا)في اسطنبول تلك الكنيسة البيزنطية التي تعتبر تحفة فنية قبل أن تكون فضاء روحيا وحولت إلى جامع بعدئذ سيلقى أيقونتنا مرصعة على سقفها تبجل الخالق العظيم وتضع الإنسان الذي يعتمر الخير والحب قلبه الى مستويات عالة من السمو والفضيلة...لقد اقلنا قطار السلام الذي يقوده هؤلاء الصبية والأطفال إلى جبل كوركوفادو في ريودوجانيرو في البرازيل حيث ينتصب اكبر وأضخم تمثال للسيد المسيح(له السلام)وكانوا أدلاء متمرسين يعرفون مكامن الشموخ والترفع وكيفية استقاء المحبة والخطوط العريضة للإنسانية من هذا الجبل ومن وجه منيرفا الذي نحته فيدياس ومن بعض الشعر الذي سطره هوميروس...ما هذا الفن الرفيع طفل له من العمر خمسة سنوات يقف كالطود الشامخ دون تردد أو خوف كأتون مضطرم ماسكا في اليسرى حمامة وفي اليمنى إكليل الظفر ذلك الإكليل الذي أهداه رئيس دير الجماجم في حاضرة الحيرة إلى الأمير الساساني في القرن الثالث الميلادي...وما هذا الترمال الذي يعلقونه في رقابهم(الترمال محفظة كان النساك يعلقونها في رقابهم وفي داخلها الإنجيل)وربما سرقوه من مار افرام كنارة الروح في الرها!!!هل يبغوا إعادة صياغة التاريخ وإعادة بعض من زهوه وبهاءه؟هؤلاء الصبية وبهذه الإرادة والعزيمة ربما سافروا بعيدا واستفادوا من أهرامات الجيزة بل ربما اقله بساط الريح ليعبروا المحيط الأطلسي ليحلقوا فوق أهرامات الانكا والمايا في المكسيك والبيرو........................................................................................
               

Samer_alkass@yahoo.com

60
   القوش تعيد بعضا من المحبة  إلى سالف عهدها         
                                 
       

                      بقلم سمير القس يونان
                     القوش في  20  آب 2012
 
كلنا يقول إن الحب والألفة والجيرة توارت عن الأنظار لما نراه من إجحاف بحق الإنسانية وعلى مختلف المستويات وبسبل متعددة هنا وهناك وان الأسرة والمحلة والحي والمدينة أضحت امريكات جديدة تتسلط على رقاب الأفراد وتدريجيا على رقاب الشعوب المظلومة والرازحة تحت نير مصاصي الدماء...في 18 من هذا الشهر أقامت جمعية الثقافة الكلدانية/فرع القوش وعلى قاعة منتدى القوش شباب القوش مهرجانا للسلام رعته منظمة ميرسي كوربس تضمن لوحات فلكلورية وتراثية وفنية ومسرحيات وقصائد شعرية وأناشيد وأغاني لأغلب مكونات منطقتنا عكست جميعها تعطش الجميع للسلام الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الاعتكاف والولوج منعطفا ينذر بدخان متصاعد قد يرى لمئات الكيلومترات...كم من مشهد أو حركة و جملة أو إيماءة قادتني إلى ذرف ولو دمعة وارتداد للريق وحث لشعر جسمي شبيها بالقنفذ لهؤلاء الأبرياء الذين جاءوا محملين بحلم يبغون تحقيقه في القوش بل يريدون البوح به في تلك القصبة القابعة بسلام حيث تعودت على فتح الذراعين رافعة العلمين الأخضر والأبيضين حيث الحب والسلام دائمين...لوحة تركمانية تراثية راقصة من الرشيدية أو كبة وشريخان لا يهم مهما كان الاسم طالما عشقوا السلام والحنان وقد تحنوا أياديهم بحناء هندي تفوح منه محبة غاندي وكأنهم في عرس رباني تتلاشى عنده كل المسميات الأرضية من الدين إلى القومية ومن الطائفة إلى العرق حيث صهرهم السلام في بوتقة حملتها حمامة إلى تلك الأصقاع التي يفوح منها عبق دم محروق وتأوه أم تغني(دلي اللوي يا ابني)...ثم كان لشعر موضعا ومنزلة صدحت الحناجر عندما نادت بالحب والسلام النفسي الذي كان عامرا ممتدا طافحا أيام زمان وحثت تلك القصائد إلى مد السواعد لتلتقي جميعها في نقطة العراق الذي يحب الجميع وبدونه سنعيش مفطومين من حليب الأم وأيضا تركه كما هو والمساهمة على بقاءه على حاله المبكي المخزي جريمة شنعاء وبذلك نكون قد شاركنا في إزالة دجلة والفرات...أما الإخوة الايزيديين فقد جاءوا بهمومهم وبسطوها على ذلك المسرح عبر لوحاتهم ودبكاتهم وتراثهم عاشقين للسلام ذلك السلام الذي ثقلت خطواته  بغلال وسلاسل الطائفية المقيتة والتي ضربت بأطنابها البلد كله حتى النخاع وأضحينا مثل ثعبان مقصوم الظهر لا يقوى على الحراك والنطق والغناء...ثم جاءت لوحة للفلكلور الالقوشي حيث(كرستا) والمنول(دوك)والنجار وفأسه والبطيخ السي جوقل وبذلك تكون هذه الحيثيات الجميلة التي أخذت معها المحبة والتآخي والاحترام قد نكات جراحا وأيقظت أشباحا كنا قد نسيناها وآلفنا الليل الساجي البهيم وصورة العذراء الضارعة المكلومة بجرح ثكلها المرير وقد راح القمر يداعب وجه قصبتي بعد أن هجع الجميع إلى فراشه وباتت البيادر والحقول يتيمة خائفة والتي كانت تعج بأولئك الميامين والذي لا يرى منهم شيئا في الليل غير جمرة لفائفهم(سكائرهم)المخروطية وكأنهم اسودا تحرس عرينها...وما شدني كلمات الشاعر محمد عبد الرحمن عندما أشاد بالقوش ومكانتها حاضنة للأدب والعلم والفن والثقافة وليس غريبا عليها ما تقوم به فلها باع طويل في هذه المجالات ولها قصب السبق والريادة في تسلق خيوط الشمس محلقة مع الأطهار والأبرار تاركة فيدياس ينحت وجه منيرفا ثانية ليضعه بجانب البطل توما أما الشاعر هوراسيوس فأكيدا سيسطر ملحمة اكبر من الإلياذة ليعلقها على باب مثوى أجدادنا ليرتاحوا ويقتنعوا أن أحفادهم أوفياء لمشورتهم ومشوارهم...أما المسرحية الرائعة الأمانة فإنها لم تعزف إلا على الوتر الحساس الذي أرهف المشاعر وأكدت على الانتماء والحفاظ على الأمانة وتقديسها وعدم الإفراط بها وجعلها في الحدقة وتحت الإبط وعلى الجبين وقلادة تسترسل على الصدور وأسوارا يلف المعصم لا ينتزع إلا بقطع الساعد وأنا أقول عندما أيقظ الشاعر محمد نياط قلبي وأوصى بالقوش فكيف بي وأنا الذي رضعت حليبها وتفيات بظلها وحملت اسمها وتوسمت بشرفها ومنحتني دينها وسيعتني بقوميتها وقبلت بي عضوا في سفرها...أولا لنبحث عن السلام الروحي والنفسي الذي نفتقر إليه وهو متلاصق بنا ثم نأخذ به إلى النفوس التي لم تر الحمام وغصن الزيتون في عمرها ولنجعل من الصحراء غابة ومحمية تأوي إليها ليس


فقط النفوس الضمانة للحب والأمان بل الحيوانات المهددة بالانقراض ككوالا ولا نترك أضرحة قديسينا وأبطالنا تأنس وحشتها بحفيف أجنحة الحمائم وتغريدات الأطيار بل نمد السلام ليشمل مزاراتهم ولا نجعل للشموع انطفاء....نختم مقالنا هذا بنبرة فلسفية جرت للكاتب العظيم برنادتشو حين سأله احد الكتاب المغرورين فقال لبرنادتشو انك تكتب باحثا عن النقود بينما أنا اكتب باحث عن الشرف فرد عليه برنادتشو وعلامات الفوز على محياه حينما قال طبعا وأنا أوافقك الرأي فكل واحد منا يبحث عن الشيء الذي ينقصه فانا محتاج للنقود وأما أنت فينقصك الشرف ولهذا تبحث عنه فلنكون مثل برنادتشو.....                     



                    Samer_alkass@yahoo.com

61
نتاجات بالسريانية / يا ملكثا
« في: 17:45 11/08/2012  »
  

يـــــــا مَلكثــــــــــــــــــــــــــــــا


بقلم سمير القس يونان
          القوش في 31 تموز 2012  
           
يا مَلكثا دشمشا بتشعيثا تخرتــــا                         شمَخْ بَهورا وقُمتَخْ صطلتـــــــــــا
بأيداثا دمهيري مأزلا زقرتـــــــــا                         رخاشا تقاما جوكاثا لَوتوا قَرِتـّـــا
                       2                 ــــــــــــــــــــــــــ
يا مَلكثا دحُبا يا ستونا رَمتـــــــــا                         طلَخْ مشُويثا الطورا ودَشتــــــــــا
طَرأَخ بثيخا تَكُلْ كيانا حرتـــــــــا                         آيت بصختا وقَريَتوا هَيو دلا مِنتـا
                       3                 ــــــــــــــــــــــــــ
يا مَلكثا ماقدا وَتوا حَكِمْتــــــــــــا                         إمِدْ زوري ورابي بدايموثا كخكتـا
شَقتَخْ تَسنيقي وشُلخايي ولتــــــا                         تَحشي دخني أريَوالَخ صمَرتـــــــا
                       4                 ـــــــــــــــــــــــــــ                                  
يا مَلكثا مَر بوشيا سمَقتـــــــــــــا                        زْرِزْتا وحَليثا دمرَتَخ بيرَختــــــــــا
أو صَدرَخْ دياتا مسبلا بمحنَقتــــا                        وأي قمتم يَرِختا دَمرَتا شَبوقتـــــــا
                       5                 ـــــــــــــــــــــــــــ
يا ملكا هويلَخ دلا أيذَتوا ميَثْتــــــا                       شني وداري ألقديشي نطرتـــــــــــا
بأقلاثَ دكَشيري حزوقا صِرتــــــا                       خو كُلبخ ليمتا يالخ خديكد كوذتـــــا
                       6                  ــــــــــــــــــــــــــ
يا مَلكثا بْشلَخْ مَلكثا وآيَتْ زَرْتــــا                      مبَقرَتوا مَكيخي ديخ إساقا سِمَلتـــــا
وديخ بنايِد كودا وملايا دبَثَرتـــــا                      وشني دأكراني ما بتهويا تَكبَرْتـــــــا
                       7                   ــــــــــــــــــــــــ
يا مَلكثا فندا بأيذَخ مَخزويي دَرتـا                      اسحق بدي لَثوا دمَبهيوارَنْ ألَلَتـــــا
خَريثا دكُلي دَمخَتوا شويثَخْ مبَرتا                      إينَقْلا نيخَتوا أيمَنْ دشَمَتوا كَلكَلتــــا
                       8                   ــــــــــــــــــــــــ      
يا مَلكثا بهونَخْ وحَخمثَخْ مسُقَلتـــا                       كتوي وحزاكي مأورخاثا منُكَلتــــا    
ناشا لَسنيلَخْ كبيرا بأيَتوا كَبَلتــــــا                       جيلَتوا ألحَقوثا أيذَتوا ديلا مسُكَرْتا
                       9                  ـــــــــــــــــــــــــ                      
يا مَلكثـا دكـول زَوْنـي يـا ستَتــــــا                       كوديقيوا ألطَرأخْ تبثاخا ما قَلُلتـــا
كوري وكَري وشلي بخانَخْ دَريَتوا                       لبَخ بثيخا كَبوثَخ تكبينـي موخَلتــا
                       10                ـــــــــــــــــــــــــ
                      11
يا مَلكثا خمثا جنجارَنْ وحشَـْن طنتا                     مربيوثَخْ قوتا تَكُلْ عَمي ولتـــــــــا
شمَخْ بريسـا ودُني مبَثْرَخْ شِشتـــــا                     تخومانَنْ مأمني مُطُلْ آيَتْ بشتـــــا
                      12                 ــــــــــــــــــــــــــ
يا مَلكثا دبيرا شَبويي دقَلاما عشقتـا                    قرايا وكثاوا تَيَلوذي ورابي مولَبْتــا
حُضراثا وأكرياثا خوذرانَخْ مجُمَعْتــا                   مدَنحا ومَعروا قيناثا وشَنياثا شقِلتــا
                      13                 ــــــــــــــــــــــــــ                              
يا مَلكثا لا جلَخْ ألسيبا ولا ألتَفكتـــــا                    لا زريلَخ بلغوني حَنينوثا منَخْ نوئتــا
بدراثخْ مليي صَرني دخطيثا وصَرتا                    عَقارَخ مرَبخا وقشيطا كُلِحْ بَرتـــــــا
                       14                ــــــــــــــــــــــــــ
يا مَلكثا بكو كُل بنياثا دأَرأَ غذرتــــا                      دمَثيَتْ علايا وريشايا إصراثا شكنتا
لَشوِقلَخْ ترئ حميصي تَكيبَي أرقتـا                      زريتا حُبا وأيقارا بدوكد لَثوا لِزِتــــا
                    15                    ــــــــــــــــــــــــــ
يا مَلكثا مبَثِرْ أَن شِني أريثَخ صفنتا                    مفَروجي الماثَخْ زديتا إلَحْ مبَرْبَزْتــــا
مريتا ومقُهرتا دِميثا ألباثَخْ مكُندَرتا                    كيلي جهوي نِهوي قاي باثا برمتــــا
                     16                   ــــــــــــــــــــــــــ                                            
درو درو ألحُبا دبَبَواثا تاميلا زمَرتـا                    تاميلي خكا وغباقا وبَشوقي دأكرتــا
لَكَخكي ألوخُنْ نخرايي تما جرَطتــــا                   كَوي بَثرَحْ دمأي وبخيا وتوارا بقرتا
     ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
         ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
           ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

62
رغم الغبار والعواصف صدحــــــــت
الحناجر شعرا في الـقــــــــــــــوش

بقلم سمير القس يونان
القوش في   2   آب 2012

كان لا بد للهيئة الإدارية الجديدة لنادي القوش العائلي أن تجدد نشاطها وتدفق الدم في عروقها وبعد عدة نشاطات سابقة ارتأت اللجنة الثقافية أن تقيم أمسية شعرية على حدائق النادي لتضيف إلى الكلمة التي عاهدناها لونا ولكنة أخرى وللحركة الثقافية والشعر احد أركانها زخما آخر...وبعد مناقشات ومداولات مستفيضة اتفق أن يكون يوم 31 تموز موعد لهذه الأمسية وفي الساعة السادسة مساءً وتم الاستعداد لها بجدية حيث أرسلت بطاقات الشرف لكل الجهات الرسمية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات مهمة لحضور الأمسية إضافة إلى دعوات مشاركة إلى ثمانية عشر شاعرا من القوش وشرفية وتلسقف وباطنايا ودعوة عامة للجميع عبر لافتات وملصقات ورقية عند منعطفات الطرق ومفارقها في القوش...وعند صباح اليوم المقرر تم ترتيب كل شيء من حيث استدعاء الفضائيات مشكورة والتأكيد على الشعراء والمصور والهدايا وعريفة الأمسية ودقائق الأمور أملا في إنجاح التظاهرة الشعرية..وقبل الظهر بدأت الأتربة والعواصف تهب نحونا وأضحى المناخ مزعجا ودب كياننا القلق والريبة تجاه ذلك وكيف ستكون بعد عدة ساعات ولكن بعد مداولات واخذ ورد استقر الرأي إقامة الأمسية في القاعة الداخلية فيما لو ساءت الأحوال الجوية أو استمرت كما هي..وعند الرابعة عصرا ساءت الأحوال الجوية وبدأت التلفونات بالانهمار علينا حول إقامة الأمسية من عدمها وكان الإصرار ديدننا وقرارنا لنقول للطبيعة والتحديات الأخرى بان الإنسان وليس كل إنسان إذا رغب بشيء وكان هذا الإنسان عصامي مصر وجابهته تحديات وصعاب فلا بد أن يتحقق ما يصبو إليه وان لم يتحقق فيجب أن تكون المحاولات مستمرة إلا أن يصبح الحديد مطاوعا ومنه تصنع ما تريد...تم تكثيف الجهود وترتيب القاعة الداخلية التي تسع لأكثر من 150 شخصا وقبل الموعد المقرر كان كل شيء في مكانه وبدا المدعوين وغير المدعوين بالتقاطر إلى النادي رغم تدني درجة الرؤية والغبار الكثيف والعواصف الترابية القوية وكانوا الشعراء المدعوين من شرفية وتلسقف وباطنايا أول من وصل إلى القاعة مشكورين وهذا دليل ساطع لرغبة الجميع في احتلال المساحة المقدر منحها لهم من قبل الزمن والحدث والكفاءة والإصرار...بدأت الأمسية عند الساعة السادسة والربع وكان منهاج الحفل بسيطا ومكثفا وبعد الكلمة الترحبية التي استهل بالترحاب بالحضور العزيز جميعا رغم الظروف الجوية القاسية وخاصة من أتى من خارج القوش ثم دعا الجميع للوقوف دقيقة صمت ترحما على أرواح الشهداء وأضاف علينا جميعا شيبا وشبابا رجالا ونساءً سياسيين وأكاديميين وبقية الشرائح العمل في راب الصدع وتقويم الجدار والتقارب في وجهات النظر من خلال الكلمة الصادقة النبيلة الوضاءة وإعادة شعلة الآباء الفلاسفة والمترجمين والشعراء وغيرهم إلى فنارها العالي...حضر الأمسية 15 شاعرا إضافة إلى ممثلين للدوائر والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وعدد غفير من الجماهير وخاصة النسوية منها رغم ما ذكرناه سالفا واغلبهم مستخدما كمامة وبدا الشعراء وعلى مختلف مستوياتهم وإمكانياتهم اللغوية والخيالية بقراءة قصائدهم واحدا تلو الآخر واضعين أفكارهم وتهياتهم على بساط يراه الجميع ومن يرغب بالانتهال ما عليه إلا الغَرفْ...تخلل قراءة القصائد الشعرية توزيع المشروبات الغازية وتناولت تلك القصائد مناحي الحياة الكثيرة ومنها رسم ونقل بعض صور الماضي القريب وتمجيد شخصيات لا زالت هاماتها وظلها مائلة شاخصة في ضمائر المتعطشين إلى الظفر ووصف الطبيعة والحبيبة وبعضها حاولت التوغل إلى العقل الباطن والتقرب إلى الخالق والتحلي بالصفات الحسنة التي يدعونا إليها وأخرى دعوة الإنسان إلى التشبث بالقيم والأخلاق التي توارثناها من اؤلئك الأفذاذ والأرض التي عفرت وجوه النساء وشعورهن من ترابها حين النكبات وهي كثيرة عبر تاريخنا...بعد انتهاء الشعراء من قراءة قصائدهم تم توزيع الهدايا على المشتركين من الشعراء إضافة إلى عريفة الحفل من قبل ممثلين الدوائر والمنظمات والمؤسسات وعذرا لمن غاب عن بالنا ثم ختاما ودعنا الضيوف الأعزاء جميعا متمنين لهم الوصول السليم والآمن والاستمرار في خدمة الكلمة والجملة والصدر والقافية...نعم لقد صدحت تلك الحناجر مولولة ومنتهرة موجات التراب المتطايرة صارخة وموبخة إياها قائلين رغم انفك أيتها العاصفة ورغم من لا يتمنى للكلمة مكانة في حياتنا فإننا عازمون على المضي قدما لإرساء لغة الحوار والنقاش المتمدن عبر تلك الأبيات ليس خنوعا وركوعا بل لإكمال القطيع وجعل السيل جارفا وذارفا....           
 

                            Samer_alkass@yahoo.com


63
قبل مائة عام..ماذا فعلوا بشمو قس يونان 
         

بقلم سمير القس يونان
القوش في  27    تموز
 
إذا الشعب يوما أراد الحياة  فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر بهذه المفاهيم الرائعة نبدأ قصتنا ونقول إذا كان الشاعر العظيم أبو القاسم ألشابي قد سطر هذه الكلمات في زمن غابر وإذا كانت كوكبة الشرق أم كلثوم قد صدحت حنجرتها بهذه التعابير وألهبت شعور وعنفوان الإبطال في سوح القتال وفي أكثر من منازلة قبل أربعة عقود فهذا لا يعني أن الإرادة والتصميم والنضال والإصرار والتحدي والصمود والحقوق والحريات لم يعد لها حيز من تفكير الشعوب الرازحة تحت نير العبودية والعولمة والقطب الواحد والرأسمالية والفقر والجهل ومصادرة الوجود والتطهير العرقي والتعصب الطائفي والقومي...إن التاريخ ميراث الشعوب ومنه تستمد الخطوط العريضة لشخصية شعب أو ملة أو امة أو مجموعة بشرية ومن سلته العميقة تستنبط الدروس والعبر لتكون سيوفا مشرعة فقدت غمدها لتبتر شأفة الحاضر إذا كان مريرا ومجحفا ولذلك الاستنجاد بالماضي رغم بؤسه وألمه وطاعونه يمنحنا عونا وطاقة وشكيمة وسراجا وقنديلا لا ينطفئ..
وكما هو واضح للمتطلع والمضطلع أن الولوج في طيات التاريخ وأكوامه حتى لو كان قريبا وعلى مرمى حجر محفوفا بمخاطر واتهامات لان الأهواء والمزاجات هي التي تفسر هذا التاريخ وتأوله لصالحها في اغلب الأحيان ولذلك نتلمس السجالات والجدالات قد أخذت منحا مخجلا ومقززا تصبح الحقيقة خلالها منظرا ضبابيا مسرطنا...ورغم السبحة والمحبس والقوس والنشاب والسيف والترس والقيل والقال سندخل الماء الصاخب متلمسين قاعه بأقدامنا الحافية علنا نعثر على ماسة أو ياقوتة أو زمرد وحتى لو كان وزنها بأجزاء القيراط لنجعل منه قرطا يزين أذن حبيبة آثرت القنوط والانزواء في كهف يسكنه الخفاش والعفريت هربا من الصعاليك!!!فهلمي أيتها الحبيبة ومن خلال قرطكي ووشمكي نروي لحاضرنا المهلهل وبكأسه المترعة قصة حصلت قبل أكثر من مائة عام لرجل أبى الخنوع لجبروت صعلوك قدم من أدنة ليدب الرعب والخوف كنف كل أسرة من مجتمعنا الكادح الفقير في القوش...(تزوج المرحوم شمو من شمي جورا رمو  سنة 1875 وأنجبت له بتي 1879 ويونس 1881 وهرمز 1888 وجردو 1896 وراحي وكتي) وكان شمو طويل القامة عريض المنكبين قوي الجسم تبدو عليه سيماء النبل والكبرياء وصادف أن يأتي الجاندرمة سقلي العثماني مسئولا على القوش وبلوغ أولاده سن التسويق إلى العسكر وكان ذلك في العقد الأول من القرن العشرين...كانت حملات التسويق لا تنتهي وكان لسقلي أياد كثيرة من داخل القوش وهم الذين يوشون بالشباب وعملوا أدلاء أذلاء يقودون سقلي وجاندرمته إلى حيث المساكين الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة غير الله ليلقي القبض عليهم ثم إرسالهم إلى الهند أو ادنة أو بغداد أو معسكر السحاجي وكثيرين من راحوا وبقوا سنين طوال وعادوا مثل ساوا ككنا حيث سيق إلى الهند ومكث هناك خمسة أعوام وهناك من لم يعد..كان للمرحوم شمو صديق من قرية نمركي التي يسكنها عرب والتي تقع عند قدم جبل دهكان القريبة من بندوايا وكان سقلي لا يجرؤ أن يجند أحدا منها وبعد مداولات مستفيضة استغرقت عدة أيام رسوا على فكرة مفادها مفاتحة الصديق العربي في إيواء الإخوان بتي ويونس وهرمز أما الأخ الرابع جردو فكان صغيرا لا يشمله التجنيد...كان شمو قد شد الرحال ووصل إلى قرية نمركي وقصد صديقه العربي ورحب به كثيرا وبعد استراحة بسيطة فاتحه بالأمر الذي جاء من اجله رحب الصديق العربي بالفكرة وأبدى استعداده وموافقته لكن لا يمكن أن يتم ذلك إلا بعد موافقة القرية ومختارها...وعند المساء وبعد عودة جميع أهالي القرية تم بحث موضوع الضيف شمو فيما بينهم وخرجوا بالقرار التالي::لا مانع لديهم شرط أن يساعدوهم في كل أعمالهم والتي تشمل الزراعة والحصاد وما يرافقهما من مراحل للعمل وفي السطو والسرقة والرعي وكل شيء يطلبونه منهم ثم جاء الصديق العربي وقال لشمو ما اتفق أهل القرية عليه فوافق شمو في الحال وشكره كثيرا وقضى ليلته صافي البال قرير العين بسبب حل مشكلة أبناءه...ولم يصدق متى ينبلج الصباح ليرجع إلى القوش ويبث الخبر السعيد لأولاده المهددون بالتسويق لخدمة العثمانيين وخلسة خرج من القرية التي تقع إلى الغرب من دهكان(داكن)ثم إلى دهكان الصغيرة والكبيرة ثم بندوايا وصولا إلى القوش وكانت عائلته بانتظاره...كانوا متلهفين لمجيئه مثلما تتلهف أفراخ الصقر مجيء صقرهم وما يحمل في حوصلته من صيد وغذاء وهكذا الحال مع شمو وفرحوا كثيرا عندما قدم وبعد استراحة قصيرة ذهب عند أخوه متي وأفشى له سره والأحداث التي رافقت سفرته ونصحه المرحوم متي أن يكون كل شيء بسرية تامة خوفا من أولاد الحرام الذين يعملون كوشاة وجواسيس لسقلي...فقط للعلم أن عشيرة قس يونان كانت متركزة في محلة سينا وكانت دورهم ومساكنهم متلاصقة الواحدة بالأخرى ولا زالت تلك الشخوص والأطلال قائمة ليومنا هذا وبعد لقاءه مع أخيه متي عاد إلى أسرته واتفقوا على كل شيء وحكي لهم ما جرى له في قرية نمركي وأعلنوا ثلاثتهم موافقتهم واستعدادهم للسكن هناك هروبا من سطوة سقلي ودسائس أزلام سقلي المزروعين في كل كان برؤؤسهم المشرئبة فوق كل دار منتهكين الحرمة ولا زالوا...وخلال أيام اخذوا عوائلهم خفية دون أن يعلم أحدا بأمرهم وتوجهوا نحو نمركي ونزلوا عند صديق والدهم ورحب بهم كثيرا وما هي إلا عدة أيام وبعدها كانت أكواخهم البسيطة قد اكتملت وسكنوا فيها فرحين سعداء بعيدين عن سقلي وأحبائه وغيروا زيهم ولبسوا الزى العربي ولا أريد الإطالة وتفاصيل الحياة في نمركي لأنها ليست مدار بحثنا هذا ولنعد إلى القوش...بدأت عيون اللصوص تراقب دار شمو وتسال أين أبنائه وسرت الأخبار بسرعة سريان النار في الهشيم وهناك من ينتظر مثل هذه الحالات لإيصالها إلى الغريب المتسلط مقابل بعض الشلنات ولا زال البعض مثل أسلافهم يريدون أن يبيعوا القوش بطبطبة واحدة على الظهر وبكرسي بثلاثة أرجل يترنح ويتأرجح...تسابق العذال في إيصال الخبر إلى السقلي بعشرين روبية وبسبب هذا الوشاية انتابته نشوة عارمة وقرر الانتقام واستعد سقلي لمداهمة دار شمو الذي كان قريبا من مقره(ملكي درباني)القريب من دائرة البريد القديمة وأمر بإحضار قوة لترافقه لمداهمة قلعة شمو  وصور حيرة الذي عجز ساسان الفارسي من اختراقه وإنها تتطلب جنود متمرسين لهم خبرة في حرب الشوارع والمدن...كان الحكم العثماني قد ضرب بأطنابه البلد حتى النخاع وبمباركة المنتفعين والمصلحيين المقيتين وكانت بلدتنا وغيرها من البلدات ترزح تحت نير ظلمه وحقده وتعصبه الأعمى نعود إلى سقلي وقوته الذي تسلل خفية ليداهم بيت شمو وينتهك حرمته دون أن يردعه أحدا ثم دخل ساحة البيت وكان شمو في الدار وعلى حين غرة زمجر السقلي ذو اللسان الذليق واستشاط غضبا مثل كلب خطفت منه عظمته واخذ يتفرس بوجه شمو المليح المتورد كأنه جريال الخمر دون أن تثبط كلمات الاستهجان والاستخفاف من عزيمته وكبريائه وكان ما أبداه شمو من رباطة جاش وضبط نفس عاليتين ومن الأنفة والكبرياء ما أغاض واستفز وأنغص سقلي...أردف سقلي وكان وجهه مكفهرا وهو يرتجف مثل ريشة في مهب الريح مستفسرا شمو عن أبناءه لكن لم يسمع جوابا ولم يعره شيئا من الاحترام يشبه أبا الغول في جموده ووثب كالنمر ونظر إليه بازدراء واحتقار وأخيرا قال شمو ما لك ولي إن أبنائي كبار وبالغين ومتزوجين وهم أحرار في قرارهم ولا سلطة لي عليهم وأقول لك أن شفقة الأغنياء والحكام أقسى من برودهم وإنهم كبدي يستحقون ما أكابده من اجلهم ثم لم يلبث سقلي أن كتم غيضه وتكلف الابتسام ثم قال في ترفع وغطرسة وبصوت مضطرب ومتهدج :: عفارم شمو عفارم سأريك اليوم من أنا ومن أنت ويجب أن تعلم أن الكلب طالما وفيا نطعمه قدر ما يشاء ولكن عندما يصبح مسعورا نقتله وأمر بإلقاء القبض عليه وصفدوه في الحال واقتيد شمو إلى مقر سقلي وفكر التافه بأسلوب يقتص وينتقص من شمو وليكون عبرة للآخرين وبعد يوم قام بالاتي::أولا لطخ وجه شمو بأسود الأواني (سقمانا) ثم وبدلا من أن يسير بجواده خببا مطي على أتان يائسا وبصورة عكسية ثم اقتيد إلى أزقة البلدة جابرا الأهالي عنوة على الخروج وإطلاق الصيحات والتصفيق بالاياد استهزاءا بهذا الرجل وكانت السياط التي ألهبت ظهره لا تعرف السكون وكان يكظم جراحه بهدوء وهكذا نفذ ما أراد وكان شمو يذرف دموعا سخية حينا ويطق القهقهات حينا آخر وهو ممتطيا تلك الأتان اللعينة محدقا بتلك الجموع مقيدي الأطراف وملجومي الأفواه والمغلوب على أمرها ومن يدري ربما غدا دورها...وبعد هذه الحفلة (خشيوي ودلا خشاوا)أطلق سراحه ورجع إلى بيته خائبا ومنتصرا في الوقت نفسه وانقطع عن الأكل والشرب وبدا يتفوه بجمل غير مفهومة وكان طلبه الوحيد أن لا يأتي بنيه خوفا من الانتقام منهم وانقسمت الناس على عادتها فقسم من جاء مواسيا مؤازرا مقهورا معلنا استعداده للمساعدة والقسم الآخر الذي امتنع عن الزيارة وقائلا كالجبناء لماذا لم يقبل حاله مثل حالنا كما وليس أولاده أحسن من أولادنا فكما سيقت أولادنا فلماذا لم تساق أولاده وسنعود لنعلق قليلا على الصنف الثاني في نهاية المقال...وبعد ثلاثة أيام غير محسوبة لعمر شمو فارق الحياة مضيفا إلى بطولته طيفا ولونا ومعنا ومغزا وفحوا وعمقا آخر لان موته كان بسبب ما جرى له من اهانة بمنظور سقلي ومن على شاكلته وترفع وسمو لمن يرفض العبودية والخنوع والعمل لصالح الأجنبي والغريب وأخيرا اقتنع بالحكمة(عندما تصبح الحياة عارا يضحى الموت واجبا) وعندها اسلم الروح مواجها ربه وبيده صفحة ساطعة تقوض سبات وخلو من في الدهاليز والشقوق...وصل خبر اهانة شمو إلى بنيه(بتي ويونس وهرمز)وقرروا في الحال المجئ إلى القوش بسرية تامة متنكرين بثيابهم العربية ليتفقدوا حال أبوهم وليعطوا من ضعفهم قوة وعزيمة له وعندما وصلوا إلى تله قريبة مشرفة على الدار لاحظوا دخول النساء وخروجها من البيت  وتوقعوا أن مكروها حصل لوالدهم وانتظروا قليلا إلا أن خيم السكون والهدوء والظلام المحلة ثم تسللوا إلى حيث الدار...أجهشوا بالبكاء حينما عرفوا أن أبوهم مات وكان حنقهم أعمق عندما علموا أن موته كان بسببهم وانتابتهم الحيرة تجاه ذلك وليس بيدهم حيلة ثم جاء أعمامهم ليواسوهم بمكروههم وحاولوا كثيرا أن لا ينتشر خبر وجودهم في المحلة إلى احد واستسلموا لنوم عميق بعد جهد كبير بذلوه للوصول إلى حيث أهلهم...وقبل أن ينبلج النهار وقبل أن ترسل الشمس بخيوطها الذهبية شعروا بوجود حركة غير طبيعية في الجوار واستيقظ الجميع واستعدوا لأي طارئ وعندما توضحت الرؤية لاحظوا وجود الجاندرمة ومعهم المختار وأكيدا لم يأتوا لتقديم التعازي بل أتوا ليلقوا القبض على الإخوة الثلاثة وكان يونس شجاعا جدا بشهادة الكثيرين ممن يشهد بالحق وكان بحوزته بندقية بروكلي التي تطلق بواسطة الحشو وإشعال الخيط وبحركة جريئة وسريعة من المرحوم يونس أطلق رصاصة بينهم فتفرق الجندرمة شذر مذر ومن مثلهم واستغل الإخوة الثلاثة تبعثر الأعداء  وما هي إلا خطوات قليلة حيث تواروا عن الأنظار تاركين أفراد سقلي في حيرة وريبة...نعم لم تمض ليلة واحدة يقضونها في كنف عشيرتهم وفي ظهرانيهم ورغم ثيابهم العربية وولوجهم دارهم في وقت متأخر وقرب دارهم من الجبل إلا أن الطابور الخامس والمندس والذليل والبخيل دائم الاستعداد للخسة والدناءة والإيقاع بالشريف الأبي الذي يأبى التسلق بإقدام الغير وعلى حساب الغير وهم كرملة جرعاء لا تنبت شيئا وان انبتت فسوف تنبت شوكا وعوسجا وأسلا وان سمحت هذه الجرعاء لطير أن يفرخ ويعشش فيها فلا تسمح لغير العقبان والغربان...نعود للقسم الثاني من هؤلاء الذين يركعوا من الصفعة الأولى منهمرين في البكاء وزوجاتهم فوق رؤوسهم يمسحون دموعهم ويربتن على ظهورهم مانحين إياهم الشجاعة فأي نوع من الرجال هم هؤلاء!!قيثارتنا تحتاج إلى راب الصدع وشد الأوتار وإصلاح التالف منها وإضافة التقنيات الحديثة لنخرج بها كتحفة وانتيكة ونجعلها بيد ماهر يلعب بأوتارها صادحا مولولا مخترقا السكون المخيم على أزقتنا واوهادنا وضمائرنا التي أضحت مطبعة نقود ليس إلا...لا يمكن أن تكون قصباتنا وبلداتنا على ما هي عليه لولا أناس صناديد وأباة صادقت الوحوش والكواسر هائمة في ألقفاري والبراري رافضة القفص والذل كطير الحباري واضعة دمها على اكفها وما خبت جذوتهم أبدا عندما كان الأمر يتعلق ببيادرهم وقطعانهم وكانوا كصندل طيب العطر ولبلاب يستفيء في ظله من أظناه الوهن في يوم قائظ ...في زمن شمو كانت تحصل مذابح وإبادات ومن لم يسمع ما حصل سنة 1915 في ديار بكر وسعرد وماردين وتوكات ويوزكات والرها والجزيرة ووو وخلالها أبيدت شعوب أصيلة عن بكرة أبيها ومن قتل الفيلسوف مار اوجين ومن قتل مار ايثالاها وكان العالم حينها قابع في ظلمة قاتلة أحدا لا يسمع بانتكاسة الآخر أما الآن فلا ويجب أن لا نكون مثل دون كيخوته عندما حارب طواحين الهواء كعملية يائسة فقط ليقول أنني اعمل وهناك حكمة أخرى تقول إنني اسمع جعجعة ولا أرى طحنا وعلينا أن نسيع الحائط قبل أن ينهار..................






                            Samer_alkass@yahoo.com

64
أسبوعا في كوخ مع
 الحيوانات

بقلم سمير القس يونان
العراق في  4  تموز 
لا تشمل المحطة الثانية في عمق الأراضي التركية غير كوخ خشبي طويل بني من جذوع الأشجار رتبت بشكل جميل يشبه تلك الأكواخ الموجودة بكثرة في جبال الألب في أوروبا وبالتحديد في أماكن التزلج على الجليد وعين ماء واختيرت هذه المحطة في منطقة تكثر فيها الأحراش وهي مخفية بعض الشيء وهذا الكوخ لا يسع لأكثر من عشرين شخصا فكيف ونحن ستة وثلاثين شخصا إضافة لبعض الأنصار الثابتين في المحطة...قضينا ليلة واحدة بعد وصولنا ليلة أمس وكانت ليلة ليلاء تفتقر إلى حلم وخيلاء وقعنا جميعا خائرين من الإرهاق والعناء لا نوم فيها ولا راحة رغم وهننا وإرهاقنا الشديدين لما عانيناه ليلة أمس من سير طويل ومعاناة الصقيع والإمطار والجوع لا سيما وجود النصيرات معنا ما يضيف إحراج وصعوبة ولذلك تطلب الأمر معالجة سريعة وفورية للوضع...لمعالجة الموقف الصعب والمحرج اقترحت الذهاب إلى حجي محمد ومحاولة إقناعه لإيواء بعض منا في كوخه المتكون من غرفة كبيرة إضافة إلى غرفة أخرى كبيرة يأوي بها غنمه وماعزه وما يزيد من الأمر إلحاحا إننا سنبقى فترة ليس اقل من أسبوع...بعد طعام الفطور ذهبت  بمعية نصيرين آخرين إلى كوخ العم وكانت المسافة إلى الكوخ تقطع بأكثر من ساعة وكانت المنطقة أمينة لقلة القرى فيها وطبيعتها الوعرة وقلة الرعاة أيضا وكان الصقيع ضيفنا الدائم وبعد ساعة وصلنا الزوم وعلم العم بقدومنا من خلال كلابه التي لا تنقطع نباحا بسبب أو بدونه واستقبلنا بحرارة وعرفني مباشرة لما حصل لي يوم أمس...كانت مدفأته على عادتها متقدة حمراء مفعمة بالحرارة وجلسنا حولها وقدم لنا الشاي الساخن  لسحره في ظروف كتلك الظروف وبعد احتساء الشاي قلت له راجيا أن يقبل بإيواء 15-20 نصيرا في زومه ولمدة لا تقل عن أسبوع لان وضعنا في القاعدة لا يسعنا بتاتا وإننا بين الفينة والأخرى سنقوم بشراء غنمة أو معزة لنحرها غذاء لنا!!وقف برهة ثم قال انظروا إلى كوخي فلا يسع لثمان أشخاص فكيف تريدون إسكان هذا العدد الكبير في كوخي الضيق ناهيك عن المسؤولية الأمنية في ذلك حيث يكثر في هذه المنطقة عملاء وجواسيس..قلت له أيها العم العزيز أولا هي عدة أيام سنقضيها كيفما كان وقسم منا سينام مع الحيوانات حيث تقتضي الضرورة ذلك وبالنسبة للعملاء والجواسيس فإننا سنضع قيودا صارمة نمنع فيها الخروج من الكوخ نهارا وسنساعدك في كل شيء وإذا أردت نقودا مقابل ذلك فإننا سنعطيك إياها فقط الذي نرجوه منك قبول طلبنا...اطرق ساكتا بعض من الوقت ثم أردف قائلا إنني موافق شرط أن تحافظوا على هدوء المنطقة ونظافة الكوخ وان تجلبوا لكم الفراش فالذي استطيع توفيره لكم من مستلزمات النوم لخمسة أشخاص فقط ..كان جواب العم كالصاعقة على نفوسنا وملئنا حبورا وفرحا وقلنا له عندما تخف الحركة وتقل الرؤية مساءا سنأتي فقال لا مانع لدي..أقفلنا عائدين إلى كوخ العم سام الخشبي وكان النصير أبو سعاد ينتظرنا وقبل أن نصل إليه قال بأعلى صوته(ها بشروا) وجاء ردنا وقلنا لقد وافق الرجل وكان الظهر قد أزف وطعام الغداء جاهزا أعدته لنا النصيرات وكان شوربة عدس وبرغل إضافة إلى الخبز الحار(كشخة) وبعد الغداء كان الشاي والسيكارة حاضرين...بعد الغداء تمت مداولات بسيطة لتقسيم المجموعة إلى قسمين قسم يبقى في المحطة الخشبية والآخر يذهب إلى زوم حجي محمد وتم الاتفاق أن تبقى جميع النصيرات في المحطة إضافة إلى بعض الأنصار القدماء للحماية والقيام بما تقتضيه الضرورة أما المشكلة الأخرى التي عانينا منها هي الفراش ومستلزمات النوم في الموقعين علما إن ما لدينا من الفراش في الموقعين لا يكفي لعشرين شخصا فكيف نتصرف والصقيع على أوجه...لحسن الحظ وبينما نناقش هذه المعضلة تبادر إلى الذهن أن اغلبنا يمتلك كيس نوم كنا قد جلبناه من سوريا وهي أكياس خفيفة جدا ولا تشغل حيزا كبيرا ومصنوعة من البولستر فهي واقية للرطوبة ودافئة جدا وبذلك أضحى الذي يمتلك كيسا للنوم لا يحتاج إلى فراش كامل وعقدنا جلسة سريعة واضطرارية لحل هذه المشكلة وخلال ساعة من المداولات وتقسيم مستلزمات النوم ومن ينام هنا ومن ينام في الزوم كانت المشكلة قد رمت في سلة المهملات وأسرعت النصيرات في إعداد شاي معتبر(سكر زيادة) احتفالا بهذه المناسبة وكان الأنصار يعشقون مثل هذه الحالات ليجعلوا منها فرصة للتقارب والألفة والاحتفال وتبادل الأفكار وجعل من مجاميع الأنصار أُسِرٍ يعمها الاحترام والوئام والانسجام...بعد احتساء الشاي استعدت المجموعة التي اتفقنا أن تقيم في كوخ حجي محمد للإقلاع حيث أدركنا الوقت وكان بحدود الساعة الخامسة مساءا وكان الطريق إلى الزوم وعرا وتكثر فيه أشجار الزعرور والبلوط  أما الصقيع فكان يغطي الطبيعة برمتها وحاولنا أن لا يسير جميعنا بخط واحد لان ذلك ينم عن وجود للبيشمركة فكانت كل حركة أو نشاط  نقوم به مثار دراسة ومحاججة وبعد أكثر من ساعة كانت كلاب الزوم تتصارع فيما بينها للوصول إلينا لتقطعنا إربا ولتثبت مدى وفائها وإخلاصها لحجي وتفوز بوجبة دسمة ولكنها تنحت جانبا عندما أدركت بان القادمين أمناء وأضحت من المستقبلين واصطفت على جانبي مدخل الزوم لتلقي علينا التحية وكانت قد نكبت السلاح ونحن ندخل وكنا نحتاج إلى شريط احمر ومقص فقط...كان ألحجي على علم بقدومنا وكان الزوم دافئا جدا وبعد استراحة بسيطة اقترحنا أن نعمل مطبخ حركات طوارئ مشترك وكنا قد جلبنا معنا تجهيزات المطبخ شبه كاملة وقلنا له أن كل شيء سيكون مرتبا ومنظما وما نرجوه منه الراحة التامة والاعتناء بغنمه وماعزه فقط وشرحنا له مشكلة الفراش وقال في الحال سأعطيكم كل ما املك فقط اتركوا لي شيئا بسيطا وكان متعاونا وايجابيا وفرح لقدومنا... وفي الحال قمنا نخطط أماكن المبيت وكان عددنا ثمانية عشر نصيرا وتدبر الأمر بالنوم واحد بجانب الآخر فبقى أربعة لا يملكون مكانا وأنا واحدا منهم ولا نملك غير احتمالين أما النوم في العراء أي في الصقيع أو إن لم نقل بين الحيوانات فبجانبها تماما...بعد أن عرف كل واحد مكانه عملنا جدولا بالحراسات ورسمنا كيف ستكون حياتنا اليومية ليلا ونهارا وعلى الجميع الالتزام التام لئلا نثير حفيظة ألحجي ويتخذ موقفا سلبيا من تواجدنا معه وبعد أن ترتب كل شيء قمنا بإعداد الشاي وعشاءا بسيطا لا يتعدَ الخبز والجبن والشاي.. كان في الزوم كل مستلزمات صناعة الخبز كما واشترينا كيسا من الطحين من العم ثم جلسنا نتحدث وكان قليل منا يتحدث الكردية وأدرك الأنصار الجدد مدى أهمية اللغة في حياة النصير النضالية اليومية وتم الاتفاق أن ينهض الجميع عند الخامسة فجرا لقضاء جميع الحاجيات لكي تكون حركتنا خلال النهار اقل ما يمكن...كان كل شيء هادي والجميع مرتاح وسعيد(لاحظ عزيزي القارئ إنني لا أركز من الآن وصاعدا على الأنصار الجدد لاندماجهم التام بالحياة الجديدة) وجلس الأنصار على شكل حلقات ومجاميع لا يحكمها غير المصير المشترك وتحمل الأعباء والصعاب معا ممتزجين ومن كل الأطياف دون تمييز وكان شيئا مخجلا بل ومستحيلا أن يسال احدنا الآخر عن دينه أو قوميته أو طائفته أو أصله حيث بيننا قاسم مشترك أقوى من كل هذه المسميات هو النضال ضد الطاغوت والرذيلة والاستبداد والعنجهية ...وكان صوت الغنم يخترق آذاننا حيث سعالها وهضمها للعلف الذي اجترته خلال النهار لتعيد هضمه في الليل وكم سيكون جميلا لو تغير طبيعتها خلال الأيام القادمة والتي سنكون ضيوفا عليها...كانت ليلة مزعجة بالنسبة لي حيث اشتد البرد في الساعات الأخيرة من الليل لان المدفأة لا تغذى بالحطب بعد الحادية عشر وأنا بين الغنم نائما حيث سيمفونيات وأنغام هضم العلف وصوت برازها وتلك الرائحة الفواحة والرطوبة القاتلة ولكن ما العمل هو أسبوع وسينتهي لا محال ولم يكن نومي هانئا بل كابوسا كنت أتمنى أن يقبل الصباح مسرعا وكان الجميع غائطا في نومه والكل أضحى كتلة واحدة دون أن يتركوا فاصلا بينهم لئلا يلعب الهواء البارد فعلته وليحافظوا على حرارة أجسادهم أيضا وفيما لو تمرض احدنا فلا يوجد أحدا يعالجنا ولا نملك دواء ولذلك كانت الوقاية من الأمراض كسبا لمعركة كبيرة...نهض الجميع كما اتفقنا ودبت الحركة أركان الزوم وكان حجي محمد مستعدا للعناية بغنمه كما وأحست دوابه بالأمان والاطمئنان لتواجدنا معها وقمنا بإشعال المدفأة العظيمة وخلال ساعة كان كل شيء مرتب ونظيف والشاي على المدفأة يغلي وتم استطلاع المنطقة وكان كل شيء هادئا وطبيعيا...كلف ثلاثة أنصار بكسر الحطب وإدخاله لتغذية المدفأة لنهار كامل وكان الثلج يتساقط بشدة وأضاف بهاءا آخر للطبيعة وبعث الثلج دفئا لم نألفه كثيرا وبعد الفطور البسيط اتفقنا مع ألحجي أن يبيعنا معزة بمبلغ يرضيه وكان له وعاءا كبيرا لطبخها كما وكان بيننا خبازا ماهرا فنان بالعجن والخبز على الصاج وبذلك ذُلت اغلب مشاكلنا وأصبحت إقامتنا أكثر استقرارا وهدوءا...عند الثامنة كانت المعزة المسكينة تتقلب في القدر الكبير تتأوه من شدة اللهب ومن جانب آخر كنت سأكون اسعد فيما لو ذبحنا كل يوم واحدة لكي يفسح لنا المجال أكثر في خورها لننام مرتاحين ولكن اليوم سنتغدى بنصفها وغدا بالنصف الآخر... وبينما كان اللحم على النار بدا الخباز بعمله بمساعدة آخرين كما وانهمك الباقون بتنظيف بنادقهم وتزييتها وآخرون بالمطالعة ولعب الورق والأحاديث الشيقة وكل نصير محمل بذكريات غنية ووفيرة لان الذي يعيش في العراق يختلف عن أي إنسان آخر لان العراق زاخر وغني بآلام والتأوهات ومتغيراته وحروبه وفتنه وسجونه ومقابره ودهاليزه...عند العاشرة كان نصف المعزة مستعد للإبادة عن بكرة أبيها وأخذنا كمية منه وأرسلناه للقسم الآخر من الأنصار في المحطة وقام الطباخ بإعداد البرغل أيضا وكان الخبز جاهزا وعند الثانية عشر تم إكمال المهمة بنجاح منقطع النظير وكانت الكلاب والقطط تتملق وتهز بذيلها وفي بعض الأحيان يتحول إلى مروحة ليثير انتباهنا ونرحم بحالها بعظمة وقد انتزع لحمها حتى من الثنايا الصعبة...كانت أمورنا تسير على أكثر مما يرام حيث حجي محمد مرتاح ومقتنع ومتعجب لأخلاقنا وإدارتنا وسلوكنا وهدوءنا وثقافتنا والتزامنا والجميع سعيد وخاصة الذين فدوموا حديثا من الخارج للالتحاق بالعمل الثوري وبعد الغداء ذهب ثلاثة منا إلى المحطة الثابتة لتفقد الأوضاع وبعد ساعة كنا هناك وكانت البسمة بادية على محيا الجميع وقد شكرونا على اللحم الشهي الذي أرسلناه لهم وتم بحث موضوع انطلاقنا نحو المحطة الأخيرة مع أبو سعاد وغيره وتم الاتفاق أن نمكث أسبوعا لاسترداد الجميع عافيتهم ومنح البغال وقتا كافيا للراحة لان أمامهم طريق شاق وطويل ووعر وان أحمالهم لا توصف...ودعنا الإخوان بعد احتساء الشاي ووصلنا الزوم والظلام كاد أن يخيم على الأرض وكان المسئولين عن العشاء قد شرعوا بإعداده وهكذا تعشينا ثم جلسة سمر لطيفة جدا وخلالها الأحاديث الشيقة ولعبة المحيبس والحزورات والنكات وبطولات سطرت في ربوع كردستان كما وتحدث بعض من الأنصار عن كيفية تخلصه من قبضة النظام ومخالبه وكان لكل واحد قصة طويلة تكفي بان تكون فلما والى ساعة متأخرة وكان لدينا نظام حياتي محدد متعلقا بوقت النوم والنهوض وأوقات الغذاء وجدولا بالطعام المقدم حسب ما هو متوفر لدينا...كانت ليلة صعبة أيضا وكانت الحيوانات قد زادت من تبرزها وهضمها وأصواتها وحركاتها ومن المؤكد أن هدوءها في الليلة الماضية واحترمها كان بسبب خجلها من ضيفها أما اليوم وقد أضحينا أصحاب الدار فرفع الخجل وزاد الحرج...عند الخامسة فجرا من اليوم التالي كان النصيرين المسئولين عن المدفأة قد جعلوها قطعة حمراء وكأنها جمرة أما الذين كانوا ينامون مع الحيوانات فكانوا أول الأنصار بالاستيقاظ للبرد الذي استقوه وذاقوه خلال الليل ونومهم المزعج كما ذكرنا سابقا ثم تدب الحياة من جديد أركان زومنا العزيز حيث نهوض الجميع فالفطور أما للغداء فكان لنا النصف الآخر من المعزة بعد أن تم تمليحها يوم أمس خوفا من فسدها وبعد الغداء تم اختيار موضوعين سياسيين وتم التحاور حولهما وكانت نقاشات مستفيضة أغنى الجميع علما وثقافة فكنا نوفق بين الجد والهزل والراحة...ومرت الأيام على هذا المنوال دون تعكير صفو جونا حادث ما وكانت زياراتنا مستمرة للنصف الآخر وكانت حياتنا بحق نموذج رائع في المحبة والتعاون والإقدام وتحمل الصعاب وإذلالها وكنا جميعا قد انصهرنا في بوتقة واحدة امتزج فيها الطبيب والرسام والأديب والمقاتل البسيط والخباز والمسيحي والايزيدي والمسلم وجميع القوميات والاثنيات التي كنا لا نعير أهمية لهذه المسميات أبدا عكس ما نتلمسه أيامنا المقيتة هذه... وعند اكتمال أيامنا عقدنا اجتماعا مشتركا شرح فيه الطريق الذي سنقطعه هذه الليلة وكيف سنعبر الهيزل وبعد الاجتماع ودعنا حجي محمد وشكرناه الشكر العميق للخدمة التي أسداها لنا وتمنينا له ولحيواناته السلامة وعند الخامسة مساءا تحركت القافلة إلى صوب العراق حيث الذكريات والعذابات وصهيل الخيل ودجى الليل...






                                Samer_alkass@yahoo.com

65
تظاهرة القوش تبعث البهجة في النعوش
                 
      بقلم سمير القس يونان
القوش في   24  حزيران  2012

في يوم 23 حزيران شوهد قطارا من أهالي القوش يسير صامتا دون جلببة أو ضجيج أو أي صخب كان قد تحرك من صدر جبل القوش من عند(ملكي خاثي)بالقرب من بيت المرحوم هرمز كوزينا متوجها إلى نهاية القصبة حيث مديرية الناحية(مقبل دار ممو اسمرو) لتسليم مذكرة استنكار إلى السيد مدير الناحية ليسلمها إلى من هو أعلى بشان يهم ويخص حاضر قصبتنا...في الأيام القليلة الماضية كانت اجتماعات عديدة تضم معظم من يهمهم شان القوش قد عقدت وندوات حول عدة شؤون أقيمت وتدابير كثيرة بشان مظاهرة ليوم 23 حزيران اتخذت لنقول بأدب جم ولافتات بيضاء وعبر كاميرات كثيرات وبمختلف الحركات والإيماءات أن القوش مصرة على التشبث بثوابت وضعها الأجداد فعيب علينا أن نكون اقلهم استعداد...تجمهرت النفوس التي ذاقت أمر الكؤوس لتقول أمامنا الكثير من الدروس ورويدا رويدا ازداد عددها وحجمها ثم تدحرجت هذه الكرة البشرية عند العاشرة والنصف صباحا والعديد من الفضائيات تغطي حركة الخطوط البشرية المتعاقبة وكأنها مصفوفة رياضية ككرة الثلج حيث بانحدارها يزداد حجمها وهكذا كانت الجماهير تنضم إلى التظاهرة من هنا وهناك..كان توجيه قد عمم بان يكون الهدوء والصمت واجبا وتصادم الأقدام بالأرض وئيدا لئلا يستيقظ اؤلئك الراقدين من أجدادنا في المقبرة الكبيرة(روما)التي تحاذي مسيرتنا وهكذا تقدم الحلم والأمل نحو الأمام مفعما بشكيمة استمد جذوتها ووهجها من آهات لا زال أنينها يصم أذن كل غيور وشريف وحبيب يعشق حبيبته بصدق...وبينما كانت الجموع تنحدر بحذر شديد وعند دور آل حكيم تزلزلت الأرض وسمع صوت حجاب الهيكل القريب وشتتت الصخور وبرزت رؤوس أفذاذنا واطلوا برؤوسهم ووجوههم الشقراء من فوق سياج المقبرة وكأنها براعم تفتحت توا لتقول هكذا كان عهدنا بكم ميامين تقرؤونا التاريخ كل صباح قبل أن تبللوا وجوهكم ... بدأت النساء بالأهازيج والهلاهيل فرحنا وسعادةً وتساءل الجميع ماذا حل بالكون أهل تلاشت قوانين الطبيعة ورب الأرباب والسماء ؟ أهل قام الأموات ؟ ربما منحوا إجازة ليبتهجوا معنا وليزيدوا من محبتنا وانتماءنا وليعمقوا من تغلغل جذورنا لاسيما أن لنا بلدةً مذكورة في العهد القديم وفي رقيمات القدماء ... توقفت المظاهرة وطلبَ الذين تركوا نعوشهم أن لا توجه الكاميرات صوبهم لئلا تتلوث بغبار الإنسان المسموم وبغتة ظهر سدا من النار وصدر صوتا موحدا قائلا أن مثوانا مريحا للغاية لسبب واحد هو وفاءنا لتراب واسم وربيع وهزيع وشفيع القوش...وانبرى احد الراقدين ووقف على سياج المقبرة الحجري ليكون أطولهم وبصوت ارهب وأرعب الجميع وعلى غير عهدته حيث عندما كان حيا كان هادئا منطويا متسائلا (أين بنيني وبناتي )لا أرى لهم أثرا بينكم فان كان وقد حصل لهم مكروه لكانوا قد أتوا عندي إذن أين هم ولماذا لم يشاركوكم فرحكم وهمكم وأردف قائلا رجائي منكم أن تبلغونهم أنهم في نظري أشلاء وأصنام وان أتوا عندي سأطردهم ولا اجعل لهم قبرا وسأكون بعد اليوم تعيسا ومهموما رغم سعادتي الأبدية لان زرعي غدر بي ويا ليتهم لم يولدوا..ولكن احد المشاركين في تظاهرة الحق جاوبه لا تنقهر أيها العم(لقد عرفناه جميعنا)ترى أولادك الآن في احد الكهوف ملثمين يراقبوننا وقد قتلتهم الحيرة واظنتهم الشكوك وأرعبتهم الحرية والشمس الساطعة لا يستطيعون رؤية الضوء الكاشف لأنهم كالصراصير تعشق المجاري والبالوعات والكهوف والدهاليز وستبقر بطونهم وتسمل عيونهم وسترافقهم اللعنة طالما هم أحياء وسيرذلهم البناء ولا يلقى لهم مكانا في جدارنا العالي... ثم عاد كل شيء إلى حاله وإلا هو حلم ألهب بصيرتنا وأضحى الغد جلي وكان الهام وروح تغلغل كياننا لأمر في نفس يعقوب وشعر الجميع بنشوة عارمة وولجنا حلما آخر بدا لنا وكأن أجنحة نتأت عند أكتافنا وبدأنا نطوف ونحلق فوق غليلتنا لنوقظ الطوباويين والقديسين لنقول لهم أن وقت الصلاة دنى وما علينا جميعا وفي هذا الوقت بالذات إلا أن نرتل ترنيمة(الحب الأزلي)التي رنمها نساك دير بيث عابي وبعدهم محلة أودو عندما زار القوش ألصفوي نادر طهماسب 1743 ولا زال طلشا(تل الشاه)المعروف يرددها ولا يسمع تلك الترتيلة إلا الذين يمتلكون آذانا...واستمرت المظاهرة منحدرة نحو هدفها وطولها في تزايد وكأنها عرس من تلك الأعراس القديمة عندما كان المدعوين(خشيوي ودلا خشاوا)حيث نرى الجميع متزينا وبراكين تنتفض حينا وتخبو حينا آخر وذؤاباتهم البيضاء(سوسوكياثا)تتراقص في الأفق ومن لا يعرف ما هذه الكلمة ليسال احد الراقدين ها هناك طالما نحن في لقاء معهم وأيضا نحن اليوم في عرس سياسي مصيري يهدد المهد واللحد والنهد والشهد والرعد والوغد والعهد...ونحو الهدف سارت بنا التظاهرة ومجاميع البشر تنضم إلينا  وتشبه النهر عندما يجري وبين فينة وأخرى تلتقي به الفروع والجداول إلى أن يتحول هذا النهر إلى جسم هائل متحرك يرعب من يقف على جانبيه حيث هديره وأمواجه ومخاريطه وما جرف من الطمى وجذوع الأشجار حيث اقتلع اليابس والهزيل لينظف الغابة ويبعث فيها نبض دفاق..لقد وصل السيل مديرية الناحية وكان السيد مدير الناحية فائز جهوري ومدير المجلس البلدي في استقبال التظاهرة واكتظت الجموع أمام البناية ثم أتلى المناضل المغمور صباح توماس على الحاضرين الرسالة التي تم الاتفاق عليها بين المجتمعين خلال الأيام الماضية وتتضمن الاحتجاج على قرار وزارة البلديات بتوزيع الأراضي السكنية في الناحية للساكنين فيها ولغيرهم...سلمت الرسالة إلى السيد مدير الناحية ليوصلها بدوره إلى الجهات المسئولة مشكورا وطالب المتظاهرون إلغاء القرار المجحف واستصدار قرار بتوزيع الأراضي على الساكنين القوش حصرا حفاظا على هويتها وخصوصيتها التراثية وكان نظام صدام قد قام بهذا العمل وبموجب خطة محبوكة تم شراء جميع الأراضي وبأسعار بخسة من اؤلئك!!فهل تمجد حكومتنا الحالية التي بح صوتها وتشنجت أوداجها من كثرة الصياح والنباح النظام السابق وتمارس ما مارسه وإذا كان ذلك صحيحا فإننا لم نفعل شيئا نحو الديمقراطية والفيدرالية والتعددية والتحررية بل رسخنا المفاهيم الاستبدادية العنجهية المقيتة...تبعثرت الناس بعد تلاوة الرسالة وتسليمها وكان الحر شديدا وأنا عائد إلى النادي صادفت صديقا يسير متبخترا وقلت له لم أراك ضمن المتظاهرين وقال ما زال ليس لي دار ولا قطعة ارض ولا ولا فلماذا أكلف نفسي بهذا القيظ القاتل شكرته على شعوره الأهوج وأشرت بيدي إلى أربعة أشخاص يسيرون معا ولا يملكون أي شيء وقلت له لماذا اؤلئك الذي تراهم وهم نفس حالتك شاركوا وأضافوا صوتهم إلى الصوت الهائج المدوي وأنت فضلت القبوع والرجوع...لا يمكن  لالقوش وغيرها من قصباتنا أن تعبر من تلك الأزمنة الغابرة البائسة السوداء وتجتاز انهار الدم التي رسمها التاريخ والخيانة لنا بسلام وهناء وهدوء دون أن تدخل أنفاق وأخاديد سفكت خلالها دماء طاهرة وشوهت أثنائها أيقونات وطلاسم ومخطوطات وأسماء لكن بقت القوش وتلسقف وارموتة وكرمليس وصوريا نجوما تتلألأ في سماء الحرية يستدل بها من فقد الاتجاهات في فسيح البيداء...                
 

66
ندوة ثقافية جماهيرية في نادي القوش العائلي

بتاريخ 22 حزيران استضافت اللجنة الثقافية لنادي القوش العائلي مسرورة المغترب السيد سمير اسطيفو شبلا الناشط والكاتب في مجال حقوق الإنسان والمنظمات التابعة لها ومنظمة العفو الدولية (التغيير الديموغرافي وحقوق الانسان) لتسليط بعض الضوء إن لم يكن كله على بعض نشاطات وفعاليات هذه المنظمات..وكان من بين الحضور السيد قائمقام تلكيف باسل بلو والسيد مدير ناحية القوش فائز جهوري والسيد سعد طانيوس عضو مجلس محافظة نينوى والسيد معن عجاج مدير شعبة المشاريع في المحافظة والسيد بولص جرجيس أمين عام حركة المسيحيين الديمقراطية ومسئولي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني إضافة إلى جمهور غفير من القوش وكانت القاعة الداخلية للنادي قد اكتظت بالحاضرين ومن مختلف المستويات..بعد افتتاح الندوة ومقدمة بسيطة من قبل رئيس اللجنة الثقافية للنادي تم تقديم المحاضر الكريم وبعض من مناصبه ونشاطاته ثم بدأت الندوة...كان وقت انعقاد الندوة مهما وحرجا لان مناطقنا وقصباتنا تتعرض الآن لهجمة مدروسة ومخطط لها مسبقا في تغيير نسيجها الاجتماعي واصطفافها السكاني...شرح المحاضر الكريم وبإسهاب ما تحاول أن تقوم به المنظمات والهيئات غير الحكومية التي يعمل من خلالها مع غيره من الحقوقيين والمحاميين في تضمين حقوق الشعوب وإيصال الصوت الصارخ عندما لا تذعن الحكومات لندائهم إلى أعلى المستويات وأخيرا مجلس الأمن واستطرق إلى موضوع دجلة والفرات وكيف تعتبرهما الحكومة التركية نهران عابران أي لها حرية التصرف بمائهما دون التفكير بالدول الأخرى المستفيدة من مياههما مثل سوريا والعراق ومحاولة تغيير هذا المفهوم إلى نهرين عالميين..أما المحور الثاني في الندوة هو التخطيط من قبل الحكومة المحلية والمركزية لتوزيع أراضي سكنية لأهالي من غير الساكنين في القوش وغيرها ومحاولة تسييس القضية وينص الدستور(من حق كل مواطن عراقي امتلاك قطعة ارض أو دار سكن في أية بقعة من العراق يرتئي العيش فيها شرط أن لا يؤثر ذلك على نسيجها الديموغرافي)...فسح المجال للحاضرين للمداخلات وإبداء آرائهم بهذا الخصوص وكانت المشاعر لا توصف تجاه هذا المشروع المجحف والكثير من الحاضرين اشترك في النقاش بتروي وتعقل..وبعد اقل من ساعتين ختمت الندوة لتأخر الوقت متمنين من الجميع الالتفاف والتكاتف لإفشال هذا المشروع وغيره من المشاريع التي تمس ماضي وحاضر ومستقبل الشعوب...كانت نادي القوش العائلي وسيكون منبرا نعبر من خلاله عن اختلاجاتنا ومشاعرنا ومنه نتنفس الصعداء وعبر اروقته القليلة نوحد الهمم والجهود لتنصب في جعفر ونهير الصالح العام...



67
                                نَبـــــــــــــوئا
بقلم سمير القس يونان
القوش في  28 أيار 2012

ما أَمْرِنْ وما مَحْكِنْ لِبي شغيشــــــا                       تَأَثْ نَبوءا أتيقا مماييحْ ويشـــــــا
أيذيئا تكُلن وتخيرا وأرْءا شيشــــــا                       كِتْلي ولَكيذِخْ لِبّحْ من ماني بيشــا
                                                ××××××
مايِِحْ كَبيري وصبيي وخيرِح شْبيخا                      ليلي ويوما بِجرايا وتَعَما خريخـــا
كياوِلي بيرِح دلاكلايا وآوي بْصيخـا                      دلا مِنتا وخَشْبَنْتا ولبواثا موبيخــا
                                                ××××××        
أثْ نَبوءا كمولِبْلَنْ ديخْ تَخني بشـارا                     بيشا فندا ومَخزويي تَخني أورخــا
آنيلي خايي بكَوَيْ مشيحـــا مــــــارا                     حُبـا وحـوياذا ولا خاصـــــــا توارا
                                                ××××××
يا نَبوءا جَلََبي وحَلويا إلَيْ لا صيثـتْ                     مايوخْ مقَََدْشي إيوَلَـيْ لا كالِـــــــتْ
لبَواثا صِِهيي تا مَترويي لا بَخْلِـــــتْ                     آييلا. بَرْناشوثا مَشْتِتْ ولا مَصْهـتْ
                                                ××××××
ناشوثـــــا ليلا بصوري وحماصــــا                     ولا بـــكو براما دبوزا ورباصـــــــا
ولا قَــمْ طينا دخـــــورا كماصــــــــا                     إلا أيمن نبالا مَعونــي تَتْراصــــــــا                                
                                                ××××××
تََماهاَ سِنيوثا وتَماهـــــا خراصــــــا                     ورِشْ جومِنْدي بَقَرْتــــا قراصــــــا
دمـــــا دخاء خنا خسِنِكْ مياصـــــــا                     شُدْ دَأرخْ ألعَقلَــنْ ويَلْبِخْ رواصـــــا
                                                ××××××
لََكْ خَدْما تخارا دخاء خنا وكياصـــا                      وليشَنْ محَلقا قَـم أيبايا خماصـــــا
ساما وخيلك الباثِدْ عَزيزيْ رياصــا                      ليامِـــد صَرْنـا وإلا نبالا وكماصــا
                                                ××××××                          
خورو إيكا مْطيلَنْ قالـــــَن خويـــــا                      أثرَنْ إيتاثا وديري ورَبَنْ بويـــــــا
بَلَزيزي وحَلحَلَيي وتيتي بابي عويا                      كًوبا دمايا معولَنْ لِبِحْ كويـــــــــــا
                                                ××××××
قرو تِشعيثا بخازوتُنْ بكاوَح ليَمْــتا                       صَرْني وبِدراثا مَقْذي عَدي توِرتا                    
 الولي سبيقي كبيلي خذا معددتــــــا                      بدأرِخْ وأمرِخْ قَلولا كِبالا تَكبَرْتــــا
                                                ××××××
خيرِنْ لِجمَعتَنْ مَبخيو كُلَحْ مبُرْبَزتـا                       ليبا حوياذا وإيقارا وكُلَحْ خَشبَنْتـا
يا عَمــا قاي وتَماها كُلْ أثْ بَلْبَلتـــا                      إن لا مشَخلبِخْ بأخليلا قرَشْتـــــــــا
                                               ×××××ِ×
تَخاتِرْ جيبا  وكاسا مرُوبَختـــــــــــا                      كُد يوم ألخا دينا وإكًرتــا جِقـــــتـــا
ألفَََرشي دبابَواثَن حَقوثا كثوتــــــــا                      لا جيمِخْ خذاء أينا وبَثْخِخْ خرتــــــا
                                            ××××××
خُرو ألماثَنْ كمَبخْيا قوطـــا مبُرِبزا                       سنقتا لشيفانـــا دمَرئــي أوانـا وإزا
لايِملَنْ لخذاذي بْحُبا خديكــــد كـِـزا                       مَشَرْتَنْ بيذِحْ ومَعِنَنَ بِخبــارَ دوَرزا
                                            ××××××
كِمْ كًندريلا قَمايي خديكِد خِمِرْتـــــا                       كمَمْطيلا إلَنْ بحُبَيْ ومليثــا بَثَرتــــا
بلِبا خَميما وقيذا نَطريوا كَبَلتـــــــا                       لا خدها تجومِندي زَبونـي بَقَرتـــــا
                                            ××××××
لازموثيلا دنَخبِخْ مِنْدَثْ كَفَلتــــــــا                        مَديرِخْ دِما خاثا تَأرخلْ بَطِلتــــــــــا                                  
ومِنَحْ مدَشنِخْ طََنبوري بسِمَلتـــــا                        قَمْ  دماطي مايي وشَمِخْ بَقْبَقْتـــــــا
                                            ××××××
كباري يوما خاثا وأورخا خَثتــا؟؟                        إمِدْ يوما خذارا خديكِدْ كيكُرْتــــــــــا
وكباري آدخ تْمَلْ بروشِحْ تَفِكتا؟؟                         وإديو كيبا تَخذا طوعا دميبَختـــــــا
                                            ××××××
مَدْ كِبِتْ بوش كاوِِحْ إيصُرْ شَرِِفتا                         لا أمِدْ بوخا تاكِتْ ناشتا قُبلتــــــــــا
زونا قشييلي  بتاخيروخ بِخروتـا                         دور ومْتَخْمِلْ يا تَوارا دكَرَستــــــــا
                                            ××××××
كُلَنْ يالِدْ خَبابا تَماها بَرْبَشتــــــــا                          دماطخ ألمَرادن وأمح كَلكَلْتـــــــــا
أخني مُهُرثا إيذيتا ومجُرَبتــــــــا                          مَدْ أوذي سبيقي لَتـــا تَرْعَسْــــــــا
                                            ××××××
ألقُشْ عَمُقْتا وأتِقْتا كَبيرا تْخرتــا                            قَصِتَحْ يَرِختا وحَليثا بإزلا زْقِرتــا
جو كاثا لَبِشلا لوبَرْ مفُرفَرتـــــــا                            شمَحْ ألصَدْرا كُلَنْ خديكًد محنَقتــا
                                            ××××××
كُلَنْ أخنواثا لَكْ خَشْخالَنْ بَلبَلتـــا                            ولا شِماني خاثي دَرقُل كَرْكيزَرتــا
بيشخ خا بازكا وسَتحخلا أورتـا                            تَخْمَلياثا خاثي إلا بجيقا شَقْتــــــــا
                                           ××××××


                                    Samer_alkass@yahoo.com                                
    

                                  
                                  

  

68
ها قد ودعنا الأكباد
 من بلد الاسيـــــــاد

بقلم سمير القس يونان
القوش في 11  أيار
قبل أيام ودعنا ثلاثة من عائلتنا الكبيرة كانوا قد قدموا قبل شهرا من ألمانيا وأمريكا لزيارتنا وزيارة بلدتهم وأزقتها وسفوح جبلها الاجرد لقضاء اوقاتا سعيدة لا توفرها لهم ناطحات سحاب أمريكا ونصب حريتها ولا بهاء ألمانيا وتكنولوجيتها...إنها سمة الحياة الآنية وفيها الكثير من الاستقبال والوداع نظرا لتشتت الأسر لسبب أو لآخر وهذا ليس موضوعنا الآن وكم هو الفارق بينهما وأي الدموع اسخن وأحر...كان موعد وصول الطائرة الرابعة فجرا وكانت ساحة المطار تعج بالمستقبلين وكادت أعناقنا تمتد من بين الجموع لتضحي كرقبة الجمل لنعرف من هبط وترجل من الباص الذي يقل المسافرين من المطار إلى حيث ساحة الخروج لنفوز بالنظرة الأولى ونصيح بنبرة عالية(وولي فلان)ثم تبدأ الدموع بالانهمار والأحداق بالاتساع لتحوي الزائر خفيف الظل بكل تلابيبه وحدوده وحتى ظله...وبعد الاستقبال الحار والقبلات الطويلة همنا بالرجوع إلى القوش وتبين أن الأحبة قد نسوا العراق وشوارعه ونظامه و(طساته)والسياقة الرعناء التي يتصف بها سواقنا وخاصة أيامنا هذه حيث الديمقراطية والرخاء الاقتصادي لا سيما والجيوب والقاصات والمجرات والرفوف أيضا كحلت عيونها وأدراجها بالدفاتر الدولارية التي اكتسحت الدفاتر والكراسات المدرسية وبعد قطع مسافة قليلة ربت احد إخواني على ظهري خائفا ومتعجبا وقائلا ماذا دهاك أيها الأخ ألا تعر لسلامتك وسلامتنا أية أهمية جاوبته والحيرة تدب خيالي وقلت طالما وطأت قدمكم العراق إذن سترون  العجيب والغريب فانسوا من أين قدمتم وإلا سنرجع إلى المطار واذهبوا من حيث أتيتم...عالجنا الموقف وتوجهنا صوب القوش وصلناها  الساعة السادسة صباحا بسلام وكان الأهل وعصافير البيوت بانتظارنا وكانت هذه العصافير(بيديكي)على علم بقدوم ضيفا ليس غريبا عليها فكم من مرة حاول اصطيادها ولكنها لا تحمل البغضاء كما هو حالنا نحن بني البشر وشاركتنا فرحتنا بزقزقتها وحركة أجنحتها الشاذة وكان القصاب وخروفه المرتعب بالانتظار وكثيرا ما توسل الخروف الوديع قصابنا بان يتركه وشانه لكن القصاب أصر وقال له لقد دنت ساعتك فلا مجال للتأجيل...كانت لحظات سعيدة وجميلة ونادرة ربما سرقت من هذا الزمن البائس في غفلة منه حيث لا يقبل بالحبور والفرح وجلسنا نسمع ما يسرده لنا الأحباب وأول سؤال سألوه من بقى من الجيران في زقاقنا(الولن) وكان صدى الجواب ادخل الإخوان في هم وكرب عندما قالت أمي منهم من سافر بعيدا بعد المجرات ومنهم من سافر بعيدا في الأصقاع ومنهم قد تحول إلى الأحياء الذهبية ومنهم من ليس لدينا إخبارهم ولولا الأوضاع المؤلمة والمزعجة للمسيحيين في المدن ونزوحهم إلى المناطق الآمنة مثل القوش لكان نصف قاطنو زقاقنا ليسو ههنا الآن...وبعد فطور بسيط استسلموا إلى نوم عميق هانئ وأكيد سيكون نومهم خاليا من الأحلام المزعجة التي يحملونها عن بلدهم وقصبتهم لأنهم الآن في حضنه وبين ذراعيه نائمين ويعلمون جيدا أن الطوباويين والأتقياء والقديسين يحرسونهم وهم يطوقون القوش من جميع جهاتها وهم الآن سعداء لان لديهم ضيوفا قدمت من وراء البحار...إن تفاصيل الحياة اليومية والزيارات والسفرات والسهرات والمهرجانات ليست موضوعنا ومدار بحثنا في هذه الأسطر ولكن ما جذب انتباهي الليلة الأخيرة تلك الليلة التي فيها انتحب الأطفال بعمق وحسرة ليس لان ذويهم لم يعطُ لهم نقودا أو حرموا من طلب أو رسبوا في امتحان(يا حسرة)أو ضربهم احدهم ولكن تيقنوا أن أعزائنا سيغادروننا هذه الليلة وغدا سيضحى الدار هادئا ساجيا في ليل بهيم لا نهاية له...جميعنا تمنى أن يطول النهار الأخير ويصبح مثل نهارات نبتون أو بلوتو وربما أطول لكي لا تزف لحظة الرحيل والفراق وعندها ستنتهي برامجنا اليومية وسيضحى السؤال(ماذا سنفعل غدا)كأي انتيكة في إحدى زوايا الغرفة جثة هامدة وغدا سأكون مثل الذي يسير في المطر كي لا يرى احد دموعه كما سأكون هائما فاقدا مداري وطريقي وربما ستسعف الثريا والميزان أمري...كان الغضب واللعن والألم والسأم واليأس قد ألَمَ ببلادي (ولا زال وربما اشد)وضرب بأطنابه البلد حتى النخاع وسرقت الصورة الحية الحقيقية للحياة (ولا زالت تسرق في وضح النهار)وادخل العراق في دهليز مظلم ربما يشبه تلك الدهاليز التي اكتشفت حديثا في بيرو وتشيلي (ولا زلنا قابعين في إحداها رغم الشمس الساطعة)وهشمت السواعد والسيقان وتحولت الناس إلى أشلاء وخردوات (سكراب)كما وقلعت أبواب وشبابيك مدارسنا ومتاحفنا وأديرتنا ودورنا ومسارحنا وأضحت قاعا بلقعا يقطنه الغربان والعقاب والهيثم والبوم وبسبب كل هذا وغيره الكثيــر عزم الأحباب على ترك مثاوى الأجداد والسفوح الجرداء وتلك الاوهاد التي تاه فيها الأنداد في زمن الأعادي ولكنها تنطق وتتكلم أكثر من الكثيرين منا الآن لأنها شاهدة على ملاحم وبطولات وصفحات وأيقونات وطلاسم حروفها وانحناءاتها من دم وذهب لا زالت مضيئة ترى من بعيد ولا نحتاج زرقاء اليمامة للاستدلال عليها...ما هو ذنبهم وغيرهم ان يعيشوا في أصقاع لا يمتون بها بأية صلة رحلوا مرغمين كما يرحل الآن البعض وسيرحل غيرهم وسيكون النزيف مستمرا كما كان نزيف الكنيسة ولكن البذار الطيب الأصيل يبقى مخضرا يانعا ليصنع منه القربان رمز التضحية والفداء وستستمر الحياة هنا أو هناك وسيكون العب والجنب محملا بتأوهات الماضي والحاضر ولفيفات رسم عليها شجرة العائلة يخرجها من حين إلى آخر كي لا ينسى أصله وفصله وفي جيبه تلك العلبة الصغيرة(علبة البرنوت)مسحوق التبغ التي كان جده يستخدمها وكاد أن يفقد إقامته في ألمانيا عندما لاحظه المحققون وهو ممسك بها بقوة واعتزاز قائلا هذا ما بقى من ذكريات أهلي في العراق...كان الليل ساجيا بهيما وقد راح القمر يداعب وجه الأم وهي تمسد شعر عزيزتها التي ستتركها هذه الليلة وكانت تمتمة الأم وإيماءاتها معطرة بأريج الصلوات وهي جاثية على ركبتيها وجذوة الحنان والشجن على أوجها ومن سيأنس وحشتها بعد مغادرة الأعزاء أهي حفيف الحمام وتغريد الأطيار أم الاعتصام والمكوث في المطار أو وصفة سحر من امهر عطار ليعود إليها النرجس والياسمين والجلنار...أما احد أبناءها فقد اتقدت عينيه السوداوين كقطعتين من الجمر وقد امتقع وجهه وارتعدت ركبتاه وكان يشبه أبا الغول في جموده وكن وجهه مكفهرا وهو يرتجف مثل ريشة في مهب الريح ماذا يفعل وتمنى لو لم يأت لقد أعاد الذكريات وأمدها من دمه حياة وديمومة وأضحت شجيرات وعوسج يفيء بظلها الحداة والقبج كيف له أن يتركها ويمهد السبيل لمضابث الأسد العبث بقدسيتها وبتوليتها وتصبح عظاما وحطبا...أما الابن الآخر فقد اختلى مع نفسه وجلس فوق رابية وبيده خشبة مدببة النهاية يرسم على الأرض طلاسم ورموزا لا يستطيع تفسيرها لأنه تنكل عن تلك العهود والوعود بينه وبين تلك الرابية والتي قضى اوقاتا سعيدة في ثناياها وسفحها وان عدد المرات التي تعثر وسقط من فوقها مدحرجا إلى الوادي لا تحصى وكانت ودودة رءوفة رحيمة تحميه من كل سوء وغم وكانت تناشده دائما وتقول لا تنس من يودك ويحبك وينطر اسمك وكنيتك فان في الحياة والأرض ألوان كثيرة ولا تقتن احدها لأنها ليست لك...كانت ليلة ستذكر دائما وفيها ذرفت دموعا كثيرة وتسمرت الوجوه وغلب عليها الشحوب وكأن الزمن أزال نضارتها وغضارتها ولملم الهم والكرب أشلائه وتلابيبه وحل علينا ضيفا غير مرغوب به وعلى حين غرة سمع نحيب وشهقات وبعد البحث عن مصدرها تبين أن أطفالنا رغبوا أن يتوجوا ليلتنا بدموعهم السخية النقية الساخنة ويطلبوا من المسافرين تأجيل سفرهم لينعموا ببقائهم يوما آخر فيه يسرقون جوازات سفرهم وتذاكر طيرانهم ويربطونهم بالارائكة عندما يخلدون إلى النوم بأشرطة حريرية وبذلك تفوت عليهم الطائرة ويمكثون بيننا فترة أخرى!! ما أجمله من تفكير وتخطيط أيها الملائكة...وعندما حلت الساعة وقدمت الشاحنة التي ستقلهم إلى المطار في عنكاوة خنقتنا العبرات وأبت من الحنجرة خروج الكلمات وأضحت الشخوص أشباحا بسبب الدمع الذي تجمع في الأحداق واخذ البكاء الصامت ينهش في الأحشاء مرنما ترتيلة جاعلا كل العيون حمراء تعالى في الأحضان يا من أسكرتني وشربتني معتقة الدنان اذهبوا إلى أسركم بحماية آم الحنان واحكوا لبنيكم قصصنا وجولاتنا لكي يتذكروا ولا ينسوا أن لهم في العراق أهل وفلان وعلان...وها قد أزف الرحيل وفي خضم لجة الألم ولواعج الحزن تواروا عن الأنظار بين جموع المسافرين على ارض المطار وكانت أمي قد قطبت حاجبيها وأظهرت شيئا من الامتعاض والحسرة ولم تلبث أن قالت هذه ليست نهاية طبيعية ولا منطقية أن نتعب ونحمل ونسهر ونولد ونربي ثم يولوا الأدبار لماذا أتوا ؟أهل لينكئوا جراحي مجددا ويوقظوا تلك الأشباح التي سرقتني نومي وأحلامي وراحتي فترة طويلة عندما تركوني للمرة الأولى ::ماذا افعل أهل احمل التراب وأعفر به وجهي أو التجئ إلى البكاء والأنين حيث هو بلسم المعذبين...........                               

69
شكر من الهيئة الإدارية الجديدة لنادي القوش العائلي

بمناسبة استلام الهيئة الإدارية الجديدة لنادي القوش العائلي مهامها لا يسعها إلا أن تقدم شكرها وتقديرها وامتنانها لجميع أهالي القوش عامة وأعضاء الهيئة العامة خاصة ولكل من أدلى بصوته المهم والعزيز لانتخاب هيئة إدارية جديدة كممارسة ديمقراطية حضارية كفيلة باستمرار العمل وخدمة الهيئة العامة بكل همة وعزيمة..سيكون هدفنا بلوغ أعلى مستويات العطاء والبذل والتطور وسنعمل جاهدين على جعل النادي منظمة جماهيرية عائلية شاملة إحدى منظمات المجتمع المدني المنشود وستقف على مسافة واحدة من جميع التنظيمات والتوجهات السياسية العاملة في ساحة القوش وسيكون شعارنا (العمل الجاد والمشترك لخدمة أبناء القصبة)...وخلال الاجتماع الأول والثاني تم الاتفاق على الخطوط العامة التي سنعمل بموجبها خلال عملنا القادم وعلى ضوئها تم تحديد مهام وواجبات الهيئة كجسم متكامل ووضع السبل التي تكفل انجاز هذه المهام بما يخدم مصلحة الجميع والمساهمة في خلق جو من الألفة والمحبة والعطاء..ومن بين الخطوط العامة المعروضة أن نحقق التوازن بين حقوق وواجبات الهيئة الإدارية والهيئة العامة والمتعهد لتصب جميعها في مجرى المصلحة العامة واحترام الآخر ..وانطلاقا من مبدأ العمل الجماعي ومشاركة الهيئة العامة الهيئة الإدارية في بعض من مهامها نفتح باب المساهمة وتحمل المسؤولية المشتركة على مصراعيه ونزيل كل حاجز أو عائق يحيل دون ذلك ويكون ذلك بالانخراط في اللجان الثقافية والاجتماعية والفنية والرياضية وغيرها وسيكون هذا الباب مفتوحا دائما لأي مقترح أو نصيحة أو مساهمة من أي عضو من أعضاء الهيئة العامة ونعزز ذلك بإيجاد صندوق تضعون فيه ما يجول بخاطركم وسيتم تثبيته في مكان بارز من النادي...سنعمل على تطوير بناية النادي قدر المستطاع وضمن الإمكانيات المتاحة وما نرجوه من الهيئة العامة التعاون وشد أزرنا لنخرج بالنادي بصورة أبهى وأجمل وأكثر ترتيبا وفاعلية..وأخيرا أملنا كبير بان مساهماتكم وإبداعاتكم ستكون كبيرة وتعاونكم معنا سيكون ملموسا وواضحا لنتخطى الصعاب والعثرات معا ولنتمكن من تحقيق الأهداف التي جئنا من اجلها..............


                                             الهيئة الإدارية 

70
عرس مسرحي في القوش يخدش
كبرياء الزمن 
           
                                                                         
بقلم سمير القس يونان
القوش في  3  أيار  2012
عند الساعة الرابعة من مساء يوم الأربعاء المصادف 25 من الشهر المنصرم صدحت حناجر واستفاقت خناجر من غمدها وسباتها لتسطع وتولول في فضاء قاعة منتدى الشباب في القوش لتضع بعض من الأعشاب فوق جروحنا الزمنية الآنية التي أتتنا مع موجات الجراد حيث الجراد أبيد وبقت هي تعشش في عقولنا وتطلعاتنا...كانت وستبقى مسرحية( بسا بختا) للأخ باسل شامايا وترا رخيما علينا سماع لحنه قبل أغاني فيروز صباح كل يوم وحلما جميلا علينا الولوج فيه لاستنباط كثيرا من الدروس والعبر اختمرتها واختبرتها الأيام...أبدع الممثلون جميعا وخاصة الأخ زياد خوشو بدور الأب وجسدوا بكلماتهم وحركاتهم وإيماءاتهم الساخرة والهادفة بعضا من الآفات الاجتماعية التي تنخر جاهدة بهيكلنا ومجتمعنا محاولة إبعاده من الخط الأحمر الذي وجد من اجل تعميقه وترسيخه لا إزالته وتبديده...كانت خشبة المسرح في مساء ذلك اليوم منارا يبدد ظلمة النهار القاتلة والقائظة وفنارا تستدل به السفن والمراكب الحائرة والتي خارت قواها في عمق البحر بعد أن انقطعت بها السبل وبلسما يمسح به جروح البائسين التائهين بين الأمس الأصيل الجميل الندي وبين اليوم الدخيل العليل سليل حضارات استمدت قوتها من رقاب وشرايين البسطاء والكادحين...تجربة جميلة أن تضاء جنبات المسرح ثانية ويلبس حلته الزاهية ليساهم كغيره من العوامل يدا بيد في تغيير المجتمع وترسيخ المفاهيم الإنسانية الصحيحة المستمدة من الحب والاحترام والتفاني وما قاله لنا الآباء والأجداد وما أهداه لنا التاريخ من أيقونات ونغمات وطلاسم ووضع هذا المجتمع في المسار الصحيح ليكون محط أنظار وكنجم يتلألأ في أديم السماء...لقد جسدت هذه المسرحية الصراع الدائم والمستميت والسرمدي بين الرجل والمرأة وبين الخير والشر وبين الصالح والطالح والأقطاب المتضادة عموما وأبدع الممثلون في إيصال الفكرة والغاية إلى المشاهدين الذين عجت القاعة بهم (اغلبهم من النساء) عبر مسالك سهلة أخذت الحضور إلى مطاوي الماضي وأخاديده وأدخلته في دوامة من المقارنة ووضعته في مفترق طرق وعليه أن يختار الآن وليس غد لئلا تفوت عليه الفرصة ويخسر كل شيء...لتتكرر مثل هذه الأعراس الفنية الهادفة وليكن المسرح أهم حقول الفن السبعة وعلينا دعمه بطاقات تكفل نجاحه واستمراره ورفده بتلك القابليات والإمكانيات التي لا زالت في سبات عميق لأنها بعيدة كل البعد من الخشبة الافعوانية وأتصور لدينا من المخرجين والكتاب والممثلين العدد الكافي لإظهار أعمال جديرة بالاحترام والثناء فيما لو تكاتفت وتعاونت وكما هو معروف أن واقعنا المؤلم خير مرتع لاختيار معالجات وتضميد لجروح كثيرة ويكون المسرح احد الوسائل القوية في اندمالها وشفائها...لم ينس المخرج العزيز المزج بين الجد والمبادئ والقيم المتمثلة بالابن المهندس يوسب (ناهض زرا)والعبثية والتسيب والانتقام والأنانية المتمثلة بالأم ريجو(غزالة شمعون) والحيرة والهزل والانتقال من شخصية إلى أخرى بما يتطلبه المشهد المتمثلة بالأب حنا (زياد خوشو) ومن الجدير بالذكر أن الانتقال من وضع إلى آخر مغاير تماما يجعلنا نحن المتلقنين منشدين لمجريات أحداث المسرحية...كانت المسرحية موفقة في تشخيصها لمواطن الألم التي تعم وتعتري حياتنا اليومية وقدمت حلولا ليست بالمستحيلة لراب الصدع الذي أحدثته الديمقراطية التي منحت لنا على شكل مأكولات ماكدونالد والجينة السويسرية المملوءة بالثقوب وعربات همر وحمامات جاكوزي وأثاث وموبيليات ميلونا دون أن نرتشف من عطرها الحقيقي شهقة واحدة وهكذا وكما رسم لنا نبقى ندور وندور دون أن ندفع النذور للراقدين في القبور...



                                     Samer_alkass@yahoo.com                 

71
من يوزكات إلى دير الزعفران في ماردين   
  خط مستمر من التطهير العرقي

بقلم سمير القس يونان

العراق في   20   أيار 2012
قبل أيام وبالتحديد في 19 من الشهر المنصرم كانت لي زيارة عمل إلى تركيا فقمت باستغلالها في زيارة ابن عم لي يقيم هناك وبالتحديد في محافظة يوزكات وكان قد غادر العراق مع عائلته المتكونة من ستة أفراد قبل سنة وسبعة أشهر ليبحث عن عرين جديد عن غابة أخرى يتصور أن الأسود والنمور قد تركوها وان شمس الحرية والإنسانية ساطعة دائما وقد قضت على مضاجع الظلام...وصلت أنقرة العاصمة صباح يوم  20  واتصلت بالشخص المعني وقلت له سأصل يوزكات الساعة الواحدة ظهرا وكم هو جميل السفر برا للتمتع مع تلك الطبيعة الأخاذة وتلك الشوارع والعمارات والممرات والاوتوكارات (الكراجات)وتلك الباصات والخدمة والهدوء والأسلوب الحضاري عند المخاطبة واحترام الوقت والموعد والنظافة وخاصة دورات المياه والمطاعم والمتاجر وكل شيء انه لأمر عجيب وغريب بأننا أي العراق وتركيا رغم ما يجمعنا نقاط مشتركة متعددة وجيرة هناك فرق شاسع جدا جدا في كل شيء بيننا فلماذا...وصلت المدينة وهي ليست مثل أنقرة و اسطنبول و ادنة والرها لكنها جميلة بطبيعتها الجبلية التي تخلب الروح وثلوجها الناصعة وإنسانها الذي يختلف جماله وبهائه عن باقي المدن التركية التي زرتها سابقا والسبب سنعرفه لاحقا!!كان ابن عمي يتلفت يمينا ويسارا باحثا عني عند دخول الشاحنة الموقف وحركت يدي بشدة من داخل الشاحنة لكنه لم يشاهدني وبعد برهة كنت مباشرة أمامه وتعانقنا وتكاتفنا وتماسكنا وشهقات الفرح والألم تُسْمَعُ من بعيد وحاولت أن أراه لكن البصر خانني لامتلاء عيني بالدموع التي تعني الكثير ثم اقلني إلى داره البسيطة التي تقع على منحدر يغطيه الصقيع وهذا الحي هو أقدم مكان لهذه المدينة وربما كان خاجيك أو كريكور أو اوهانسيان أو ساهاك ساكنين فيه يوما ما...ولجنا الدار وكانت الأسرة في الانتظار وتصافحنا بحرارة وعم الفرح والحبور جميعنا وتبادلنا أطراف الحديث وما يعانونه من الغربة والبطالة والانتظار القاتل والدعايات التي تحاك هنا وهناك حول مصيرهم والهموم كثيرة لا تعد ولا تحصى وكان الغداء جاهزا وكأننا في القوش حيث البرغل وغيره من الأطعمة اللذيذة وبعد الغداء واحتساء شاي التفاحة الذي جلبته معي همنا بالخروج للتعرف على المدينة الجميلة التي تشبه الى حد بعيد مدينة كوستامونو التركية أيضا...كانت المدينة رائعة رغم بساطتها مقارنة بأنقرة واسطنبول ولكن كنت اشعر بعبق الماضي ونسيم دماء لا زالت رطبة تعم أركان الأحياء القديمة ووجوه وسِماءٍ تشبه ما شوهد في كوستامونو مختلفة تماما عن باقي المدن التي زرتها وتدحرجنا نازلين المنحدر القوي الذي يقع عنده الدار إلى سوق المدينة ومركزها ومحالها وأكشاكها وساحاتها المشهورة والسوق التجاري الكبير المعروف...عدنا إلى الدار عند الغروب وكانا ولديه قد عادا من العمل بعد أن تحدا اللغة والقوانين التي تمنعهم عن العمل والتعامل مع محيط لا يحبذ تواجد هؤلاء بل يحاربهم وهما بعملهما يكونا قد تحملا جزءا من الأعباء والمسئوليات ويا ريت أن يحتذي جميع شبابنا بهؤلاء في الالتزام والطاعة والاحترام ولوي ذراع الغربة والهجرة بالطاقات الفذة الكامنة التي يتمتع جميعنا بها...كانت سهرة جميلة تخللها الضحك بكامل شدقيه والأغاني المحلية التي إعادتنا إلى تلك الأزقة الحالكة التي كانت فوانيس العم إسحاق بدي تبدد ظلامها وتكشف منحدراتها ومنعطفاتها وغرقنا في بحر السعادة وكانت بنت الحان قد لعبت نشوتها من رؤؤسنا وكان صوتنا قد اجتاز حدود دارنا وربما تجمعت القطط والسنجاب الارمني عند النوافذ والباب محتفلة سعيدة مع حبيبها الإنسان الذي أثقل كاهله هم الحياة ووطأتها وحبذا لو لم يأت الصباح لنبقى على ما نحن عليه من الفرح والحبور...نهضت متأخرا بعض الشيء ونهض الجميع وبعد الفطور توجهت مع ابن العم صوب السوق والساحة التي يؤمها العراقيون كل يوم وبعد دقائق كنا بمواجة تلك الساحة الكبيرة ذات المدارج التي يستغلها الزوار بالجلوس عليها وذلك النصب العالي المتكون من عمود صخري منحوت بشكل رائع الذي يبلغ طوله حوالي العشرين مترا وفي نهايته ثبت ناقوس كبير ومن يدري إلى من يعود وكم دقة دق وكم شخص دعا إلى الكنيسة وكم نفس أزهقت دفاعا عنه لكنه أحيل إلى التقاعد كما أحيل أهله وأحبابه إلى التقاعد بقتلهم وإبادتهم وتبديدهم وتطهير تلك الأصقاع من رجسهم...كانت هناك مجاميع من الناس هنا وهناك عبر الساحة والفناء واغلبهم عراقيون من قرانا وبلداتنا العزيزة وكل مجموعة تمثل بلدة ما فهناك من تلسقف ومن قرةقوش وبرطلة وعينكاوة والقوش وغيرها ثم توجهنا نحو مجموعة من القوش تتكون من أربعة أفراد وهمة جرجيس خبير وعزيز بلو وفارس وشخص آخر وبعد المصافحة وتبادل التحايا جلسنا نتبادل أطراف الحديث الشيق تارة والمحزن تارة أخرى...كلنا يدرك مدى وطأة وثقل الانتظار وخاصة عندما يرغب احدنا الاغتراب والهجرة حيث يكون قد حزم أمره وصفى حساباته وارتباطاته ببلد الأم وبذلك يكون ديدنه الوحيد ان يتصلوا به محددين موعد الطيران ليصل أينما يصل فقط أن يجعل الانتظار حدا ولذلك كانت الحيرة والقلق والانزعاج وربما الخوف باديا على محيا الإخوان وكل هؤلاء كان وضعهم المادي والمعيشي في العراق لا باس به إذن ما الذي اقلهم إلى مدينة يوزكات؟؟؟؟بدا الإخوان يتحدثون بحسرة وتأوه وعن الذي جاء بهم إلى هذه الأصقاع الغريبة واجمع الحاضرون أن الخوف من الغد وفقدان الثقة بكل شيء وواقع العراق المأساوي والمتغيرات الكثيرة والعديدة التي تعصف بالعملية السياسية في العراق وعدم وضوح الرؤية حتى لو استخدمت أدق المناظير وأقواها في رسم ولو صورة مموهة مشوهة لواقع العراق المؤلم...تم التطرق إلى مواضيع كثيرة ومنها واقع المسيحيون في العراق حيث الوهن والترهل والتشتت والمصالح الضيقة وتفضيل الأنا على جميع المسميات للقلة القليلة الباقية التي تحملت الكثير من عضات ورفسات وركلات وصفعات الزمن الغادر ولو رجعنا إلى الخلف قليلا وتصفحنا بعضا من أوراق الماضي لتلمسنا أن هناك عواصف اعتي وزلازل أقوى وحملات اشد ألمت بأجدادنا لكنهم كانوا بعزيمة وشكيمة لا تلان ومنحونا عصى البريد التي استلموها وسلموها بأمان لنا ولكننا حائرين لأننا لا نستطيع أن نوصلها إلى احد وبذلك نكون قد خنا الأمانة ولم نكن آهلين بحملها...قال احدهم في يوزكات عائلة ارمنية تنوى الهجرة مثلنا أصلهم من هذه المدينة ويعرفون كل التفاصيل القديمة لها ولا يستطيعوا أن يقولوا أنهم من هنا ويعرفوا من خلال أحاديث الكبار والمسنين منهم مواقع الكروم والكنيسة والبيادر وشتتوا وأبيدوا خلال مذبحة الأرمن والمسيحيين عموما عام 1915 وطهرت تلك الأصقاع من ظل المسيحية المخيف حيث لا اثر للماضي غير ذلك الناقوس المنتصب شامخا بعد أن اخذ الصدأ والقلا قسطا كبيرا ولكنه لا يزال يرن في أذن الكثيرين من الذين يعترفون أن آباءهم وأجدادهم كانوا أتباع هذا الناقوس...تطرقنا إلى مناح كثيرة وكان يوما مشمسا جميلا مشجعا للحديث ويحاول كل واحد أن يفرغ ما بجعبته من هموم وطموح وأمال يسردون كيف كانت حالتهم المادية والاجتماعية وربما الثقافية في العراق وكيف هي هنا معللين تحمل هذا الفارق بين الصنفين من الحياة إلى البحث عن امن وأمان قانون وإنسان دليل وبرهان التي يفتقر بلدنا لها وقال احدهم لقد أصابنا الملل والريبة حيث كل يوم (جاك الذيب وجاك الواوي) و(ما تكدر تحجي ويا الدجاجة)لأننا فقدنا مكانتنا الاجتماعية ووزننا وثقلنا ودورنا في القرار بينما الأبواق مستمرة في دعاءها إلى التهرئة بين مئات الأحزاب والمجالس والمنظمات التي تقودنا إلى الهاوية لا لسبب إلا لإشهار السلاح بينها دائما وعددنا لا يتعدى المئات فكيف لي أن أبقى والراعي قد باع القطيع بأقل من الثلاثين...ودعتهم متمنيا لهم السفر القريب والاستقرار العاجل أكملنا جولتنا الصباحية في هذه المدينة الجميلة واقترح ابن عمي ان نجلس قليلا في احد الكازينوهات التي يرتادها أبناءنا وذهبنا إلى هناك وكانت الكازينو قد عجت بروادها والغالبية الساحقة هم عراقيون وكان ابن عمي يعرف اغلبهم وكانوا يلعبون الورق وغيرهم الدومينو وكانوا ينتمون الى بلداتنا المختلفة وعرفوا إنني زائر جديد فبادر احدهم وسال ::كيف هي الحال في العراق وآخر إلى أين تنوي الذهاب؟؟ وكان جوابي أن حالة العراق ربما تعرفونها أحسن مما اعرفها أنا وثانيا إني قدمت لزيارتكم واليوم مغادرا إياكم وكانت حالتهم يرثى لها فأنهم يتمنون أن تمر الأيام كالبرق ليستقروا في أية بقعة توفرها برامج الاستيطان العالمي هذا هو الوريث الشرعي يهاجر مع السلمون ليلقى المجهول في أعالي الأنهار على يد الدببة وغيرها...خرجنا من الكازينو وتوجهنا إلى الدار وبعد قضاء أوقات جميلة وحرجة مع عائلة ابن عمي والأهل هناك ودعتهم عند العاشرة ليلا وكان معي في الباص عدة عوائل متوجهة إلى اسطنبول لكي تسافر إلى أمريكا وكانوا سعداء فرحين وكأنهم ذاهبون إلى الجنة أما احدهم والجالس بجانبي كان مهموما ليقينه المسبق أن المشاكل ستواجهه هناك في الأرض الموعودة وخاصة الاقتصادية منها وفرص العمل القليلة...
أكملت عملي في اسطنبول وراجعت قافلا إلى اورفة الحالية(الرها سابقا)وصلتها السادسة صباحا وكنت اعتقد سابقا إنني سأواجه العدد الكثير من الأبراج الكنسية والنواقيس والأديرة لما لرها من مساحة كبيرة من التاريخ الكنسي الثقافي واللاهوتي والطقسي والأدبي والعلمي ولكن أين هي أين ذهبت آثار مار أدي ومار أجي والملفان افرام ويعقوب وبرسميا ومار شربيل من الذي مسح التاريخ برمته ومن صاغ التاريخ الحديث ومن منح لرها اسما جديدا أين ذخائر أولائك القديسين وأين إشعارهم وتفسيراتهم وتأويلاتهم لا يوجد كل هذا وغيره لم اعثر على صليب واحد أو ناقوس واحد...من منا لا يعرف قصة ابجر الخامس وعشقه ليسوع ودعوته لزيارة الرها ليعالجه من دار النقرس ولكن يسوع اعتذر وأرسل منديلا طبع فيه ملامح وجهه وبرء وذهاب مار أدي وبناء كنيسة كبيرة بمساعدة الملك ابجر الخامس أين دير فبرونيا ولكن ابن الملك سلك نهجا مغايرا لنهج والده ونكل بالمسيحيين ودياراتهم وكسر أرجل مار اجاي تلميذ مار أدي ومثل بجثته ومآثر وبطولات جرت في الرها لا يسعنا ذكرها وبطش بالأديرة وقصة فبرونيا الرائعة الجمال والإيمان لم يبق من هذه الطلاسم والأيقونات والشذرات شيء يذكر وأضحت الأرض وما فيها قاعا بلقعا خالية من الروح والوجدان...تركتها على عجل وربما أثارت نظراتي هنا وهناك باحثا عن اثر يشفي غليلي شكوك بعضهم ولكن كتمت أنفاسي وحسراتي وأجلت دمعي رغم استحالة تأجيله حيث لا باس فنصيبين أمامي وهناك أطلق العنان لجميع الحواس غادرت الرها إلى ماردين وكان هناك صديق تركي ينتظرني واستقبلني بحفاوة وحاولت أن انبش تراب الماضي وقشه لكن لا نفع من ذلك وسألته عن دير كبرييل الذي انتزعه السريان قبل فترة من يد مغتصبيه من خلال المحاكم وقال يبعد من قزل تبة اقل من الساعة ولكنه استبشر خيرا طالما ابحث عن دير أو كنيسة واشر بيده صوب شرق ماردين القريبة وقال أترى تلك الأطلال والبنايات على ذلك السفح قلت نعم فقال ذلك هو دير الزعفران الكبير الذي تم تعميره بالفترة الأخيرة وصرفت أموالا طائلة لإعادة رونقه وبهائه...تذكرت في الحال عندما قرأت بعض الأسطر التي كتبها عنه الأخ روميل حنا عنه وكم هو هذا الدير عريقا وموغلا في التاريخ وكيف كان عرينا احتمى به المئات من النساك والمتعبدين والرهبان والراهبات عبر العشرات من محاولات الإبادة والصهر والقتل خلال القرون الماضية
ولم تسنح لي الفرصة لزيارته ويوجد في ماردين عدد لا باس به من المسيحيين وعدة كنائس والجميع يعيش هناك بتآخ وتراضي والقانون صارم وحازم يفتك بالمقصر والمسيء بشدة...تركت ماردين على أمل العودة لزيارة الدير انشالله وما هي الا نصف ساعة وكنا عند نصيبين ومن لم يسمع بمدرستها وصفوفها وعلمها وأساتذتها وترجمتها ومؤلفاتها وتراتيلها وخريجيها العشرات من البطاركة والأساقفة والعلماء والمفكرين أيضا أول ما يتبادر إلى الذهن أين هي بل أين أطلالها وبقاياها على اقل تقدير كان الحمام والبلبل سينعم ببلسمها وعبقها وأنينها وآهاتها ومن سيمسح عيونها ويطبطب على ظهرها ويواسيها ويجدل ضفائرها ولكن لتكن محررة معلنة حزنها الدائم ابد الأيام لا تضحك وتبتسم إلا بعودة ذلك البهاء والعنفوان والألق الذي كانت عليه...تركت نصيبين متوجها غالى الجزيرة التي كان لي معها ذكرى حيث كنا قد اجتزنا الحدود التركية السورية بداية عام 1983 أثناء عودتي إلى العراق وكان مرورنا ليلا غرب مدينة الجزيرة وقبل أن أصل إلى المنطقة المتوقعة والتي عبرنا منها أو بالقرب منها لملمت كل ذكرياتي وحدقت جيدا إلى الصخور والطريق وأبراج المراقبة وأنبوب النفط وموقع المدينة والى آخره وعند وصولي إلى الرقعة المتوقعة انتصبت واقفا في الباص مشدودا مندهشا منشدها آثار تصرفي هذا من كان حولي ثم جلست والحسرة تملأ كياني واعتراني شعور غريب وشوق عارم لماضي الأيام وسابقاتها وهذا حال البائسين دائما يستنجدون بالماضي...أنها حلقة وسلسلة خرزها وحباتها مرتبطة انه نهر من الدماء لا زال قانيا وسائلا ورطبا انه كبت للأحلام والأماني لا زال وطيسه وسعيره مستمر انه تدبير خبيث غايته كسر الصليب وإذابة الناقوس وخاصة ان سعر البرونز في الاسواق العالمية مغريا ومرتفعا أيامنا هذه سواء أكان ذلك في ساليق أو في كرخ ليدان أو بيث كرماي أو يوزكات والرها وطور عابدين وسلامس وقوجانس أو كشكر ونصيبين وكذلك أصن واركن وهكاري ولا زال الصفع والبشع مستمرا طالما الانقسام غايتنا والشرذمة ديدننا والكبرياء مسلكنا والخيانة ضالتنا والديماغوغية شعارنا والارتماء في الأحضان هوايتنا والصيد في الماء العكر ناموسنا...مساكين نحن ضحايا نقاشات عميقة وعقيمة بدأت حول مصير اليهود الشتات سنة 50 ميلادية وتوالت الانقسامات ومنها حول طبيعة المسيح ودور ومكانة مريم العذراء والبدع والترهات والمتاهات اللاهوتية وطبيعة الملائكة فيما إذا كانت ذكورا أم إناث والانقسامات المذهبية الأخرى التي قوضت دور أيقونة المسيح ثم الانقسامات الاثنية والقومية ضيقة الأفق فمن يقول إننا الأصل والغالبية وانتم سحرة ومشعوذين ومن يقول نحن أحفاد فلان وكانت النتيجة ضياع الكل ووهن الكل وبذلك يكون خط الإبادة والتطهير والتغيير مستمرا طالما نحن نجسده ونعمقه ونعشقه فلا ريب أن حبذه الجانب الآخر وان ما يفسده الزمن لا يمكن أن يصلحه عطار فأين الغيور في تقويم عمود الخيمة ليعود الفيء إلى ربوعنا ونعود إلى الفيلسوف الألماني عندما قال ( عندما تصبح الحياة عارا يضحى الموت واجبا)...........   

72
النوم في الصقيع أربع ساعات

بقلم سمير القس يونان
العراق/القوش في  26  آذار
بعد أن ودعنا الكهف الوفي الدافئ بحفاوة وتكريم كبيرين (خلسة) وعند الخامسة والنصف مساءا وبهمة وعزيمة كبيرتين تحركنا نحو المجهول والمصاعب المتمثلة أولا بالمضيق الخطر الذي كان السبب في تأخرنا كثيرا بالمكوث في المحطة السابقة وكان المضيق يبعد مسير ثلاث ساعات عن الكهف وكانت مجموعة مؤلفة من أربعة أنصار أشداء قد تحركت قبل نصف ساعة من حركة الرتل ككل لاستطلاع الطريق قبل وصول الرتل بكامله والمؤلف من اثنين و ثلاثين نصيرا إضافة إلى الإدلاء الثلاثة حسبما اعتقد وسبعة بغال محملين بأسلحة ثقيلة وتجهيزات أخرى تجاوز وزنها الحد المعقول...كان الطريق وعرا جدا ناهيك عن  انحناءاته ومنحدراته الحادة والصقيع الذي تراكم خلال الأيام الماضية والذي أدى بدوره إلى ضياع وفقدان آثار الطريق ألميسمي الذي يقودنا إلى المبتغى وما زاد من الأمر سوءا ومن الوضع صعوبة وجود البغال وحملها القاتل والذي يتطلب المتابعة المستمرة من قبل النصير كوفان البطل حفاظا على توازن الأحمال لان سقوطها سيأخذ وقتا ثمينا من مشوارنا ونحن في وضع لا يمكن فيه فقدان نصف ساعة هدرا لان كل شيء محسوب وبخلاف ذلك سيدركنا النهار وعنده سينكشف أمرنا ونكون لقمة سائغة بأفواه الجياع التي تنتظر نهمنا وتسليمنا إلى الحكومة العراقية بأسعار مغرية تحلم بها...كانت حركتنا بطيئة لا تناسب والوضع الأمني الذي نحن فيه وقررنا العجلة والانتباه إلى البغال وحثها على الحركة للوصول إلى المضيق ضمن الوقت المتفق عليه مع مجموعة الاستطلاع وكان كل شيء طبيعيا وصادفتنا قرى خلال طريقنا ولكنها بعيدة بعض الشيء عن الطريق وكانت مجموعة الاستطلاع قبل وصولها المضيق (دربند) قد انقسمت إلى مجموعتين كل مجموعة تؤمن جانب من المضيق وصلنا إلى المجموعة الأولى وبلغتنا أن كل شيء على ما يرام ويجب العبور بسرعة دون توقف لأننا تأخرنا أكثر من ربع ساعة عن المقرر وما هي إلا دقائق وكان الرتل برمته على الجانب الآخر من المضيق وكانت المجموعة الأخرى بانتظاره...سعدنا جميعا بالعبور السليم كما وشعر الأنصار الجدد بزهو لا يماثله زهو وكانت معنوياتهم لا توصف وبعد استراحة قصيرة جدا أكملنا المسير وكانت حالة البغال جيدا وكان الصقيع عائقا طبيعيا إضافة إلى طبوغرافية المنطقة ولكن لا مجال لأي شيء سوى التقدم نحو الأمام مهما كانت الصعاب وبعد مسير ساعة اعترضنا طريق دولي مزدحم كانت الشاحنات الكبيرة اغلب ما يسير فيه ويتكون من الذهاب والإياب وبينهما جزرة وسطية عريضة تخلو من العوارض الحديدية ولم يكن عبور الأنصار شيء صعب لكن وجود البغال السبعة هو الذي أضفى مسحة الصعوبة على الأمر...يجب أن لا ننسَ أن الطريق الذي سلكناه حينما ذهبنا إلى سوريا يختلف عن هذا الطريق اعتمادا على الجانب الأمني أولا وثانيا وجود العوارض الطبيعية المتمثلة بالثلوج والجبال الوعرة وعلينا اختيار مسالك سهلة لتكن طويلة بالعمق التركي لوجود البغال والأنصار الجدد وهنا نحن ملزمين بالسير والمشي مهما كانت العوائق والوصول إلى القاعدة الأمينة لان النهار قادم ولا يمكن أن نبقى في العراء أمام عيون عامة الناس والدرك حيث عندها ستكون نهايتنا مأساوية ولا احتمال ثان لذلك وفي الحال تم وضع خطة لعبور الطريق الدولي تقتضي استغلال الفراغ وهدوء الشارع يعقبها اندفاع سريع للبغال وحثها على السرعة مع الحذر من الكمائن والعجلات العسكرية ولحسن الحظ ما أردناه تم بنجاح وسلام وسرعة...كان الرتل يسير بهمة عالية  لا توصف وكان الالتزام فائقا والهدوء يخيم على الجو العام وكانت الساعة العاشرة ليلا وبدأت الطبيعة الطبوغرافية بالانبساط ومررنا بالقرب من قرى كثيرة كانت ضوئها المنبعث عبر شبابيكها  والدخان المتصاعد من أقبية منازلها  يثير في نفسنا الشوق إلى الدفء والفراش الوثير والطعام الشهي والعطف الأسري ولكننا في نفس الوقت أحرارا ثوارا تواقين إلى النضال الذي يتطلب الحرمان والجوع والبرد والخوف والسهر وكان ترتيب الرتل الإدلاء في المقدمة يليهم عدد من الأنصار القدماء ثم الأنصار الحديثين ثم مجموعة من القدماء ثم البغال وأخيرا حماية مؤخرة الرتل من الأنصار القدماء المتميزين... استمر الحال والتقدم بنشاط وكان الشعور بالجوع مشكلة نعاني منها وعند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وصلنا إلى مرج جميل منبسط تتخلله عين ماء رقراق قررنا الاستراحة والتزود بالطعام لمدة نصف لا أكثر...كان طعامنا اللذيذ الشهي والذي يتطلب أقوى الصوابين والمنظفات لإزالة الدهون رغيف خبز وقطعة حلاوة تركية نهمناها بلمحة بصر ولا ندري أين مضت وكأننا لم نأكل شيئا ولم يكن باستطاعتي إعطاء المزيد(عوازة)لظرفنا الحرج وعددنا الكبير وقلة المصادر التي من الممكن التزود منها حرصا من انكشاف أمرنا وهكذا جاء الإيعاز بالحركة وكانت الساعة الواحدة والنصف ليلا وأمامنا أكثر من أربعة ساعات للوصول إلى القاعدة الخشبية(حيث كانت عبارة عن كوخ مبني من جذوع الأشجار) ومرتب بشكل جميل يجلب النظر كتلك الأكواخ التي تبنى في الريف الأوروبي وكان لا يسع لأكثر من عشرين شخصا وكنا قد مررنا به عند الذهاب...لا زلنا نتوغل في العمق التركي وليس محاذون للحدود وهذا يزيد من المخاطر ولكن التضاريس بدت في هذه المنطقة اقل وعورة عن سابقاتها وكم سنكون محظوظين لو استمرت على هذه الشاكلة لبقية الطريق لكن...بدا الإعياء والإرهاق يظهر على الأنصار وخاصة النصيرات وفي هذه الأثناء ظهر لنا قضاء شرناخ المعروف وكانت الساعة الثالثة وتمت الاستراحة لمدة ربع ساعة لنيل قسطا من الراحة وبث المعنويات وتم توزيع حقائب المرهقين بين الأنصار القدماء الأشداء بعدها تمت الحركة وباغتنا المطر الشديد وكان الوضع مزريا مخيفا حيث الوقوع المستمر للبغال والأنصار والأطيان والثياب المبللة وانعدام الرؤية والبرد وثقلت أجسادنا وزاد وهننا وأصاب اليأس بعض منا وأصبحنا في وسط عاصفة هوجاء لكن القدر والحظ كان بجانبنا عندما خفت شدة العاصفة... استمر المسير وكانت حالة الأنصار جميعا ولاسيما البغال يرثى لها وكان لبعض الانصارمواقف وبطولات لا يمكن للتاريخ مهما كان غافيا وغافلا وساهيا أن ينسى هؤلاء وعليه أن يجعل منهم أيقونات ومنارات يرتوي منها من رهن إنسانيته في سوق مريدي كما وعليه أن يوثقها بحروف وردية وبصفحات تسبق تلك الصفحات الملطخة بالدم المراق  ومحو أمم بالكامل وإزالة اسم نقره التاريخ قبل أن يكون للتاريخ عنوان وما هذه الأقلام التي تكتب بجدية ونزاهة إلا إماطة اللثام وإزالة الغبار والترسبات عن تلك الجواهر واللآلئ لتلمع وترى لمن خدر نظره واخذ يرى بعيون الآخرين...تحملنا الكثير واذللنا الصعاب وكانت تجربة نادرة اثبت من له إرادة وهمة وشكيمة جدارته وحنكته ولم يبقى من المشوار غير ساعة ونصف عندما بدا الجبل والثلج والصقيع وكانت سرعة الرتل قد هبطت بشكل مخيف وخاصة البغال حيث حملها الكبير والطريق الموحل والمشوار الطويل لا سيما جوعها وقلة علفها بسبب الصقيع الذي غطى الأرض بالكامل وكانت أمتعتها قد حزمت منذ الخامسة من عصر أمس ولكن ربما ثوريتها وهمتها اكبر من الكثيرين وهذا ما جعلها تتحمل أكثر من المنطق....كان الوقت قد تجاوز الرابعة فجرا عندما قمنا باستراحة لمدة خمسة دقائق ولم يبق إلى القاعدة سوى ساعة أو أكثر بقليل ثم استمررنا بالسير وفي هذه الأثناء شعرت بدوار وإحساس بالقيء والجوع الشديد وحملي الذي تجاوز الثلاثين كيلوغراما وطالما أصبحت القاعدة قريبة والطريق إليها أتقنه تماما لأننا مكثنا فيها عدة أيام عند ذهابنا  لذلك جلست عند صخرة ناتئة والصقيع يحيط بها وأشعلت سيجارة لأستريح قليلا واسترد أنفاسي ثم أكمل المسير إلى القاعدة...كانت الأحلام تتلاطم في مخيلتي الباطنية وانأ استمتع بنوم على فراش وثير من الثلج متوسدا تلك الصخرة حيث اللاوعي لكن نباح  الكلاب الصاخب أيقظني وغلب على هذه الاختلاجات والأحلام والنوم الهانئ ثم حاولت الجلوس ومعرفة ما جرى وأين أنا ومن أنا لكن دون جدوى حيث أصبح جسدي كمومياء فرعونية محنطة لا تقوى على أية حركة وفي هذه الأثناء سمعت صراخا لرجل مسن اسكت الكلاب ليعرف سبب هذا النباح... حاولت مرارا أن أجلس ولكن خانتني القوة وبعد محاولات حثيثة استطعت الجلوس ووقعت عيني على كوخ قريب ترتفع من سقفه الطيني عمود من الدخان وكنت على علم بوجود هذا الزوم ولكني حين استرحت صباح هذا اليوم لم اعرف إنني بالقرب منه وكانت الساعة التاسعة صباحا وهذا يعني إنني نمت على الصقيع أكثر من أربعة ساعات...حاولت النهوض على قدمي لكن قوتي كانت قد خارت وجسمي تحول إلى قطعة واحدة والبرد تغلغل إلى كل ثنايا جسدي لكن بعد عدة محاولات استطعت النهوض لكنني سقطت لا اقوي الوقوف على أرجل مخدرة شللها البرد والصقيع وكان المكوث والبقاء أكثر في الصقيع لا خير منه وسيزيد من حراجة الموقف لذلك استعنت بالطاقة الكامنة وحاولت ونجحت المحاولة وتناولت البندقية وتوجهت إلى كوخ العم محمد... كان كوخ العم محمد لا يبعد أكثر من مائة متر ولكنها تحولت إلى مسافة شاسعة لكن وبخطوات وئيدة مثقلة وكثعبان مقصوم الظهر وخطوة خطوة وشحذ ما بقى من قوة وطاقة قطعت مسافة لا باس بها عندما جاءني الشيخ مسرعا وحثني على السير وساعدني والكلاب تحيط بي إلى أن وصلنا الكوخ(الزوم)....حينما دخلت سقطت جاثيا أريد التهام تلك المدفأة الخشبية التي تحولت إلى قطعة حمراء من شدة حرارتها لكن الشيخ منعني وسحبني وأجلسني بعيدا خوفا من الكانكرينا وتفحم نهايات الأصابع وذهب في الحال واتى بإناء(طاسة) مملوءة بعسل التمر(الدبس)وأمرني بجرعتها بالكامل ونفذت ما أراد وبعد لحظات شعرت بالحياة تعود إلى كياني والحرارة تنفذ إلي رويدا رويدا  وكانت الجوارب والحذاء قد التصق بقدمي وبمساعدته وبصعوبة بالغة استطعت نزعها وقمت بدلكها وخاصة أطراف الأصابع ثم جاء بإناء آخر من الدبس مع الخبز...كم كان هذا الطعام لذيذا ومنعشا الذي قدمه الشيخ محمد(هذا الشيخ يمتلك قطيع من الماشية وفي الشتاء يأتي إلى هنا ويبني بيتا بسيطا مشتركا للماشية وله هروبا من الثلج في العمق التركي حيث ينعدم المرعى ويسمى زوم) ولا زالت نكهة ولذة ذلك الطعام البسيط قائمة وشاهدة عند طرف اللسان.... وكانت ملابسي مبللة بالكامل والتي  تصلبت عندما كنت غافيا بين كتل الصقيع ولكن المدفأة البدائية عالجت الموقف برمته ولكن وأنا في هذا الحال فكرت بالأنصار الباقين ماذا حل بهم وكيف ناموا بذلك الكوخ الخشبي الذي لا يسع لأكثر من عشرين شخصا والذي يبعد من هنا ساعة وهل لهم علم بغيابي فخلعت ثيابي المبللة وبدأت أجففها لأذهب لالتحق ببقية المفرزة وتعجب الشيخ لحالتي ولم يصدق إنني من العراق لان ذلك مستحيل لرعونة الطبيعة وصعوبة الطريق وطوله والخطر المحدق المتمثل بالدرك والجاندرمة والمجندين الأكراد والمفسدين والجواسيس وبينما كنا نتجاذب أطراف الحديث وإذا بصوت ينادي باسمي الحركي وفي الحال بدأت الكلاب بالنباح وخرج الشيخ ولوح لهم بكلتا يديه ودعاهم إلى كوخه وبايمائاته وإشاراته وضح لهم بان رفيقكم هنا والى حلقة أخرى وأحداث أخرى مع جبال تركيا وبرد تركيا ويبراخ والفاصوليا المعلبة والسكن مع ماشية الشيخ ولمدة أسبوع في جزء قادم....                   

73
حسيب قس يونان...لا زلنا ننتظرك   
         

بقلم سمير القس يونان
القوش في  17   آذار  2012
كان شابا يانعا يافعا ولد في بلدة القوش تلك البلدة القابعة عند جذر جبل أشم اجرد أيهم في عام 1970 ثم تربى وترعرع في كنف أسرة فلاحيه بسيطة وتشّرَبَ من تلك العناقيد التي اعتنقت طريق الحقل والنبتة والسهل والمطر والجدب والقحط والسونة وتلك العين المنصبة على تلك الحقول وتلك السنابل ونعمت أظفاره ثم دخل المدرسة وكان يطمح في تسلق متاهات العلم وحقوله وكان مجتهدا مواظبا دءوبا وخلوقا بشهادة معلميه وعام بعد عام تزداد مثابرته وهمته ودائما كان يتصور أن المشوار قصير مثل الذي يحصد بالمنجل وينكب بإبادة السنابل غير رافعا رأسه ليرى كبر الحقل وينتابه اليأس والسام...وهكذا تخرج من الابتدائية واستمر بعزيمة صلبة إلا أن حل طالبا في الصف الثالث متوسط واضحي شابا ابن الخمسة عشر ربيعا جميل الطلعة جذاب المحيى طويل القامة مستقيمها خفيف الحركة أشقر الشعر ذو ثغر بسام محبا لأهله عاشقا مدرسته ومعلميه وكن اجتماعيا في ميوله وله اهتمامات غير كتابه فمثلا كان يساهم في النشاطات الرياضية التي تقيمها مدرسته ففي إحدى مسابقات الماراثون حل أولا وقلد الوسام ومنح ألكاس وغيرها كثير لا مجال لذكرها هنا وأكمل امتحاناته الوزارية للثالث وكان يوم 16 حزيران من عام 1985 اليوم الأخير وذهب إلى بيته ليلقى والده وقد أتى من الحصاد متعبا وقال له يا أبي أنت أبقى في البيت لتستريح وإنني ذاهبا لإخواني لأساعدهم مشوار الحصاد المضني...اخذ الجرار(التركتر)وقاده إلى حيث الحاصدة تعمل واخذ ينقل المحصول من الحاصدة إلى البلدة وبعد ظهر ذلك اليوم وبينما كان يقود الجرار نفذ وقوده في منطقة قريبة من الشارع الذي يؤدي إلى الموصل والى الجنوب من سيطرة مفرق القوش بكيلومتر تدعى (قيلا)ثم ترك الجرار وقصد البلدة واتى بوعاء مملوء بالوقود وطلب من احدهم أن يوصله جراره ترجل وسار بالوعاء خلال الأراضي المزروعة إلى أن وصل جراره وكانت البقعة التي وقف الجرار فيها مخفية بعض الشيء ولا ترى من قبل الحاصدة وهناك قام يهوذا بفعلته الشنعاء حيث اقتيد الخروف إلى حيث لا يدري وهناك ضاع الحلم وضاعت معه الأمنيات وبقت السنابل تنتظر رفيقها وعندما تيقنت أن لا جدوى في الانتظار أخذت تنتحب وتنوح كحمامة سُرِقَ عشها وأهلكت أفراخها وكان صوت نواحها قد سمع من بعيد وأسرعت بقية الطيور والدبيب إلى حيث النحيب والعويل ولكن بعد فوات الأوان وما كان منهم سوى مواساة الحمامة ومشاركتها ألمها... لا زلنا وأهله ننتظر كما ينتظر الكثير من العراقيين بنيهم وبناتهم آبائهم وأمهاتهم إخوانهم وأخواتهم عودتهم بعد رحلة طويلة استغرقت الكثير من الوقت ورغم حلول الديمقراطية ثنايا وطيات وأركان وطننا لأكثر من ثمان أعوام لكن دون أي أصيص أمل ولا زالت تستغرق مع القدر الذي ساقهم إلى دهاليز الفناء على أياد قذرة  لجلادين باعوا شرفهم ووجدانهم بثمن بخس..لكل واحد من هؤلاء قصة ورواية تهز أركان المعمورة ببشاعتها وقسوتها ووطأتها وتضع الضمير الإنساني عند نقطة انقلاب وربما ترك هذا الضمير فوق رف لا تصله يد إنسان وقد تعالى فوقه غبار الزمان مخدرا متحنطا متسخا داخلا سبات عظيم ولا زال يعاني من ضمور وخمول ولا زالت الجريمة مستمرة...قبل هذا الحدث كان أخوه ملتحقا مع الأنصار الشيوعيون لمقارعة النظام ولفترة من الزمن حاله حال الكثير من أولاد عمه واحدهم كاتب هذه السطور وأيضا لوالده مواقف شجاعة وبطولية كثيرة هو معروف بها وكان متعاطفا مع شخص توما توماس الخالد وفي احد الأيام وبينما كانت أجهزة النظام وأزلامه من الأمن والجواسيس تصول وتجول أزقة وسوق القوش وتتحرش بالشيوعيين والثوار حاول اثنان من الأمن معروفين للجميع مساس شخصية العم توما وما كان منه غير الانتفاض والانقضاض عليهما وهما مسلحان وبعد التأديب حيث ألهب وجهيهما بساعديه جردهما من مسدساتهما وطردهما  إلى من حيث أتيا  وبسبب هذه وإضافة إلى مواقف أخرى منافية للخنوع والخضوع أغاضت الأشرار وقرروا السرقة في وضح النهار لا سيما أن كل شيمهم عيب وشنار ومن المؤكد أنهم قاموا بمراقبته ومراقبة أي فرد من هذه الأسرة وغيرها وربما طالت المراقبة أيام عديدة ليقع الدراج في كمينهم وكان حسيب ذلك الينبوع الذي لم يُشرب من ماءه الثر العذب وتلك الغزالة الرشيقة ضالتهم وها قد وقع في شركهم...انتظر إخوانه الذين كانوا يحصدون ليأتي وينقل المحصول دون جدوى وما كان من أخيه إلا ترك الموقع والرجوع إلى القوش ليقف عن كثب مصير أخاه وعند خروجه من الوادي ظهر له التركتر (الجرار)واقفا ولا أحدا بجانبه وحث الخطى إلا أن وصل الجرار ولا اثر لأخيه وحاول تشغيل الجرار ففشل وتيقن أن وقوده قد نفذ وان حسيب قد ذهب إلى القوش للإتيان بالوقود وهناك اطمئن باله وانفتحت أساريره وكان الوقت عصرا فعاد أخوه إلى الحاصدة واستمروا بالعمل ولكن فات الوقت دون مجيء أخيهم واخذ الفار يلعب بعب أهله في الحاصدة وأي جرار أو عربة تأتي لنقل المحصول يسألونهم فيما شاهدوا حسيب أم لا فكان الجواب بالنفي واستغرق زهاء الأربع ساعات منذ أن غادرهم ومن المستحيل أن يكون الأمر طبيعيا وبذلك تركوا العمل وجاءوا جميعا عند الجرار الذي كان يقوده...أضحى النهار غروبا ولا اثر وجاء الخبر من داره في القوش إلى إخوانه المنتظرين عند الجرار انه وقبل ساعتين اعد وعاءا مملوءا بالوقود وتوجه إلى حيث الجرار كان هذا الخبر قد ادخل الحيرة قلب أهله عند الجرار ولا يستطيعوا أن يفعلوا شيئا حيث أدركهم الليل وانتشر الخبر في القصبة وتجمهرت الجموع في داره وعند الموقع الذي فقد فيه وآراء عديدة طرحت منها من يقول انه لربما قد غفي في مكان منها لما عاناه من إرهاق وجهد ومنهم من قال ربما لدغته حية وفقد وعيه في الجوار ومنهم من قال ربما اعتقلته الشرطة لسبب ما وهكذا وفي لجة الحزن والقهر والحيرة اقترحوا تبليغ السلطة ربما اعتقلته وثانيا الإتيان بالفوانيس والاضوية والجذوات للبحث عنه في الأماكن المحتمل تواجده فيها والتي هي بين الشارع العام والجرار...وفي الحال هناك من ذهب إلى الشرطة وابلغهم بما جرى وأكدوا أنهم لم يقوموا بأي اعتقال بحقه ولا يملكوا أية معلومات تخصه وكانوا صائبين وصادقين في جوابهم (لان الحزب والأمن ) هما الذين شاركا في العملية الشنيعة والتي سنكتشفها فيما بعد وجوابهم الشرطة هذا زاد من الأمور تعقيدا ثم تطوع الكثير من الأهل والأقارب والشرفاء بالبحث في المنطقة المحتملة مع المناداة ولساعة متأخرة من الليل حيث كان الوقت يمر وئيدا وكانوا جميعا يتلظون على جمر اللهفة والأمل في الحصول على اثر ودليل له لكن لا نتيجة ايجابية إستُحصلت وفي تلك الليلة قامت السلطة وفي عملية تغطية لما جرى وإبعاد الشك بأنهم الفاعلين برمي شديد ومكثف بالأسلحة المتيسرة لديهم  ولفترة ليست بالقليلة لإيهام أهله والناس أن هناك عمل إجرامي قامت العصابات المسلحة كما يسمونهم ولكن الحكمة تقول(عندما كنت صغيرا كثيرا ما صليت لله أن يرسل لي دراجة ثم أيقنت أن الله لا يستجيب لمثل هذه الأدعية فسرقت دراجة ثم صليت له طالبا المغفرة)...كانت حالة الأسرة يرثى لها والعالم تتقاطر عليها سائلين الرب أن يعيده بأقرب وقت وكانت السلطة ترسل عيونها وجواسيسها إلى البيت لتتقصى عن كثب ماذا يقولون الناس ...انبلج صباح المعمورة وليس صباح الأسرة المنكوبة لأنهم لم يتذوقوا طعم النوم وان سرقهم للحظات  لكن لم يلبثوا أن يعودوا إلى يقظتهم بسبب تلك الأحلام المزعجة والتي لا زالت مستمرة لحد يومنا هذا ثم استيقظت الناس ولا من خبر وثانية ذهب من يعنيه الأمر إضافة إلى الجيران والأقارب ليبحثوا في ثنايا وطيات الحقول مع المناداة باسمه وبأصوات عالية إلى أن غطى تفتيشهم المنطقة كلها دون أن يعثروا أثرا له ليتمكنوا من اقتفاءه كما وتم تفسير إثارة الرمي ليلة أمس إلى مشاهدة العصاة في الجوار حسب قول السلطة ليتهموا الأنصار الأبطال في عملية اختطاف الشاب اليانع...وكانت جهود البحث حثيثة ومستمرة وتوجهت مجموعات من المهتمين إلى القرى المجاورة والعشائر ليستفسروا فيما لو شاهدوا شابا يافعا هكذا أوصافه وكان جوابهم جميعا بالنفي وفي هذه الأثناء جاءت امرأة معروفة  لا نذكر اسمها ليس خوفا على اسمها فهي في غنى عن التعريف ولكن احتراما لبنيها وقالت أن هناك من رآه مع مجموعة من الأنصار الشيوعيين قبل يومين متوجهين إلى الجبل وأكد هذا الكلام المفبرك المرتب امرأة أخرى من قصبة تلسقف ولكن لم يصدقه أحدا لان أخلاق الشيوعيين لا تسمح بسرقة برئ كما لا يوجد أي عداء بين أهله والأنصار ولا لأهله أيضا علاقة مع النظام ليقوموا بسرقة حسيب في منطقة مفتوحة يسيطر النظام عليها بقوة وفي وضح النهار...رغم الأدلة الدامغة والراسخة بعدم تورط الأنصار بهذه الجريمة ذهبت أمه وأمي يصاحبهم أخي الصغير هيثم إلى مقر الأنصار في مراني بعد أن زودتهم السلطة النزيهة بورقة تجيز لهم العبور وتحملوا عناء الطريق وصعوبته وخطورته فقط ليحصلوا على أصيص أمل من قيادة الأنصار عن مصير المنكوب وهكذا وبعد أن انقطعت أوصالهم أضناهم الطريق الوعر والصعب وبعد ظهر يوم 20 حزيران وصلتا الى المقر في مراني ولحسن حظهم كان العم توما توماس موجودا إضافة إلى أبو نصير وأبو ليلى وأبو امجد وآخرين ولم يصدقوا ما رأته عيونهم فتعجب   العم وبعد استراحة بسيطة شرحن القضية بالتفصيل وما قالته المرأة حول اعتقاله من قبلكم فانبرى أبو جوزيف متحدثا بشيء من الانزعاج رغم ما كان يتحلى به من استقرار وهدوء وقال كيف قبلا عابد وبدري أن تأتيا إلى هذا الجبل الموحش وهذا الطريق الذي تحف به كل أنواع المخاطر وكيف اعتقدا وفكرا إننا سنقوم بهذا العمل!! إننا لا نعمله مع العدو ألصميمي فكيف نقوم به ضد أصدقاءنا وخاصة بيتكم وعشيرتكم ثم أردف قائلا قوما واذهبا قبل أن يرخي الليل سدوله وبعد يومين أو ثلاثة ستأتيكم رسالة نحاول فيها إماطة اللثام عن هذا المصاب وتفاصيل وملابسات الحادث...أرسل معهن عدد من الأنصار إلى قرية آتوش وكان الوقت قد أدركهم وليس بمقدورهم الاستمرار لذلك قررا قضاء تلك الليلة في القرية المذكورة وعند الصباح هموا بالسير وبعد محطات كثيرة بين الترجل وإقالة العربات وصلوا القوش في وقت متأخر من النهار بعد أن خارت قواهم وأنهكهم التعب والجوع والهم والخوف والقلق والحزن كما واستمرت محاولات البحث والتقصي والتوسط وكلها لم تأت بخبر سعيد وقد أصاب أمه مس من الجنون لهذا المصاب الأليم فأخذت تحمل التراب من الأرض وتعفر به وجهها وشعرها وما كان من الحاضرين سوى منحها المعنوية والاتكال على الله ولا سبيل آخر وأخذت الحكايات والقصص تنسج وتحاك واغلبها من إبداع أجهزة النظام القمعية لطمس الحقيقة ليثبتوا أنهم براء من دم يوسف كما يقال...استمر البحث على قدم وساق بين العشائر وفي المراكز وعند الأمن وفي كل مكان وكل من يسمع تفاصيل المصيبة يتعجب وكان نهج السلطة وأجهزتها القمعية(طالما الكلب وفيا أطعمه قدر ما تشاء ولكن عندما يصبح مسعورا اقتله)وهكذا كل من كان سائرا في فلكها تطعمه وتزوقه ليخدم مصالحها ولكن من يتخذ الجانب الآخر من النهر ملجأ له فلا يحق له الحياة وكان الاستبداد قد ضرب بإطنابه البلد حتى النخاع وبعد ثلاثة أيام من عودة النسوة من الجبل وصل مكتوب بسرية تامة وكانت الرسالة تتضمن تفاصيل الحادثة وان العملية مشتركة قام بها البعث والأمن ولا دخل للشرطة وكانت الأسرة مراقبة ولعدة أيام واعتقل في منخفض لا يراه أحدا وعصبت عيناه ونقل مباشرة إلى شيخان بسيارة لاند كروز وكان احد الأشخاص رآه وهدد بان لا يبوح بالسر وأمور أخرى لا داع لسردها وكان النظام يتصور أن لا أحدا يعرف ولكن ما العمل ومن يجرؤ أن يقول انتم الذين أخذتموه بل ومن يستطيع أن يقول للأسد إن فاهك عفن...كانت هذه الرسالة كالسيف البتار لكل الاحتمالات وكانت الرسالة قد ذكرت بعض الأسماء التي كنا نصادفها كل يوم وكان سلامهم حارا وملاقاتهم لا توصف ويسالون أين وصلتم بالبحث وإذا احتجتم أي شيء في الدولة فنحن رهن الإشارة وهنا تنطبق الحكمة التي تقول (حجبت عينيها بكلتا يديها شان تلك الطيور التي تظن واهمة أن أحدا لا يراها فتعود هي لا ترى) وما يهمنا في هذا البحث ليس الدخول في حيثيات الأسرة وما حل بها من هم وحزن وقلق بقدر اهتمامنا ما فعلته الأيادي الأثيمة التي تمقت كتابة أي حرف مضيء يُرى من بعيد بل أن ديدنها وهمها عندما ترى الحب والوئام بين ساعدي إنسان واحد فكانت توقع بينهما ...سخرت الأسرة كل نشاطها في التوسط عند المتنفذين والمتبوئين مراكز مهمة في أجهزة الدولة لمعرفة أين هو أولا ومحاولة إخراجه ثانيا ولكن كانت محاولات يائسة منها كمن يستجير من الرمضاء بالنار وهل بمقدورنا أن نقول انه قابع في سجونكم وانتم الذين اعتقلتموه؟ذلك مستحيل لأنهم ومباشرة يبادرون بالسؤال التالي::كيف عرفتم انه لدينا؟ فكانوا يستنفرون ويقولون اذهبوا إلى العصاة فهو لديهم وللتا كيد وفي احد الامرار كان المرحوم والدي وعمي الذي هو والد المعتقل في مديرية امن الموصل يراجعون بهذا الخصوص وبين سائل ومجيب قال والدي لمدير الأمن إنكم الدولة وانتم أبونا وأمنا وما يجري لأحد أفراد الأسرة يكون بعلم الوالدين وواجبكم البحث عنه وقد استنفر وغضب وطردهم في الحال دون أن يعودا مرة أخرى إلى هذه المديرية اللعينة...وكانت تصل أخبار ومعلومات من هنا وهناك وكلها تؤكد أن النظام هو من سرقه ويخاف أن يقول انه عندنا وإلا لماذا هذا التستر والإخفاء التام والتهديد بالإعدام كل من يبوح بمعلومة من الذين شاركوا في سرقته وكانت المعلومات الأخيرة بأنه بعد مكوثه يومين في الشيخان نقل إلى منطقة مجهولة وفي سنة 1989 حينما كنت طالبا في الدراسات العليا في جامعة الموصل قمت بتدريس ابن مدير الشرطة وتكونت علاقة عائلية بيننا وفي احد الأيام طلبت منه ومن خلال مركزه المهم أن يبحث عن ابن عمي وأعطيته كل المعلومات وقلت له أن العملية برمتها حساسة لان الأمن والحزب اشتركوا فيها والى آخره وقال لي بالحرف الواحد رغم صعوبة طرحها لأي كان لكن سأحاول وبعد أكثر من عشرة أيام اتصل بي راغبا اللقاء بي واتفقنا وعند المساء جاءني وقال لي باختصار أن لا اذكر اسمه أبدا وان الشاب حي يرزق وموجود في احد السجون جنوب العراق وان موقفه صعب للغاية ومعلومات أخرى لا نستفيد منها هنا...ومضت أعوام دون أي جديد وكم من محاولة قام بها ذويه في مقابلة المسئولين ورجال الدين وفي احد الامرار بينما كان صدام في الموصل جاءوا لمقابلته لكن لم نتوفق في ذلك والى آخره ولو حاولت أن اثبت المحاولات التي بذلت للوصول إليه وعبر 17 سنة الماضية فستكون النتيجة رواية كبيرة تتعدى صفحاتها الألف وخلال هذه الفترة كم من مرة طرح موضوعه في تلك الأسرة الآمنة ومن الطبيعي أن تنشب شجارات ومشادات بين الأسرة في إلقاء اللوم على بعضهم البعض وكم من مرة انقلبت حياتهم إلى جحيم وألم وبكاء وكم عيد فرحوا وسعدوا كما فرح وتسعد الناس وكم حقير وضعيف ودنيء وخسيس انتعش عندما سمع بالخبر وكم من طيب ولبيب أنقهر وغيمت أساريره وأخذت تمطر قيحا ودمعا... نعود إلى أمه المكلومة بجرح الثكل المرير والتي تتلظى بلجة الألم ولجعة الحزن وكانت تتذرع بالصبر وطول الأناة وتقول دائما ما هذا الأتون الذي وقعت فيه ولماذا جعل الله هذه الأرض قاعا بلقعا يعشعش فيها البوم والغربان لقد شعفها حب ولدها وأضحت امرأة شجية وقد شاهت كل الوجوه التي تراها وأنها على يقين أن حياتها بدون فلذتها ستكون مثل ثعبان مقصوم الظهر وعند انبلاج كل صباح فيه تنكأ الجراح وتوقظ الأشباح فأي مأساة هذه وكم تمنت أن تصبح يراعا(حشرة تطير في الليل حاملة وهج متقطع)لتجوب الفيافي والاوهاد والبحار والقفار لتسترق بسمع نبضاته وتمسد شعره وتتحسس ثغره البسام...كم من يوم عاشته دون فاصل بين الليل والنهار فلا احد يؤنس وحشتها لا حفيف الحمائم ولا قفزات اليامور (ذكر الأيل)الرشيقة ولا وداعة الشاة الجماء(بدون قرون) ولا عطر الشثّ والصندل والجلنار ولا بريق الرماح السمهرية ولا صوت الجلنبلق الرخيم (صرير باب ضخم)ولا روعة وبهاء الجمانة وما هذا الحب والبنوة فقد فاق حب يوناثان للملك داؤد وهل حصل لأحد ما حصل لي في الشرائع السماوية منذ موسى والشرائع الوضعية منذ زمن اشنونا ولارسا واورنمو وحمورابي من أصادق وبمن أناجي بالميزان أم بالثريا هما أيضا أبا أن يظهرا في عمق السماء لكنها وهي مخضبة بدماء المصلوب(أي أمه) نظرت من بعيد إلى ذؤابات السنابل السوداء علها ترى ذلك الوجه الدائري الأبيض وكأنه بدر مكتمل وتصيح تعال هنا يا حسيب فالمدرسة قد فتحت أبوابها ولا يجوز لك أن تبقى بعيدا هكذا يا بني فأصدقائك عند الباب ينتظروك...لا تصدقهم يا بني فقد غلب الافك(الكذب)طبعهم فأنهم ثلة من المجرمين وقطاع الطرق يريدون بك شرا فك أغلالك وهشم قيودك فإننا هنا مقيدي الأطراف وملجومي الأفواه لا نقو على شيء فهؤلاء اغتصبوا خلوتك ومستقبلك وتنطبق عليهم حكمة إيليا أبو ماضي عندما قال من نفسه بلا جمال لا يرى في الحياة شيئا جميلا هؤلاء الجلادون لا يهمهم دموع الأم وانين الزوجة وتأوه الأب وحيرة الأخ وديدنهم الوحيد أن تخبو جذوة الحب والسلام والأمان عند الأمناء ومحبي الحياة ورافضي الخنوع والركوع وعاشقي الحرية والتحليق بعيدا مع الأحلام...لقد أذبلها القدر وأضحت امرأة هائمة لا مدار لها وأنهكها القهر والتفكير إلا أن أنساها الدهر حياتها وأضحت كالفراشة من وردة إلى وردة ومن زهرة إلى أخرى دون أن تدرك ماذا هي  فاعلة ولازمها الم مستديم رأسها وما تتذكره الآن أنهم أي الأوغاد الذين باعوا ما لديهم من جميل وحسن امتشقوا سيفهم ضد بريء طفل اعزل وكبلوه كخروف وديع وقيدوه بتلك الأصفاد التي قيد بها مار شمعون وعصمت عيناه بمنديل اسود كقلبهم الحالك وساقوه إلى حيث لا يدري ولم يبدِ أية مقاومة ولم يحاول الهرب لأنه لم يفعل شيئا هؤلاء لم يتعلموا بعد أن من يلعب مع الأفاعي لا يسلم من لدغها واهٍ لو رجع الزمن إلى الوراء لاستعنا بفيدياس لينحت لنا طلسما يجسد معاناته وبالشاعرين هوميروس وهوراسيوس ليرسما لنا بمدرارهما ملحمة تطأ خريطة الزمان وأركان الوجدان وكما قال الفيلسوف سبينوزا فكما أن النور يكشف عن نفسه في الظلمات كذلك الحقيقة تكشف عن نفسها في كومة الأكاذيب .................................


                                        Samer_alkass@yahoo.com 

74
ميساء غزالة...عزيمة جلمود في
جسد متهرئ  
                                                                               
بقلم سمير القس يونان
العراق- القوش في 24  شباط 2012
نحن أمام حالة تتطلب التوقف مهما كانت سرعتنا والإمعان جيدا لندرك تماما متى يكون الإنسان إنسانا بقلب نابض وإحساس مرهف وشعور متقد وخط حياته مستمر مفعم بالحيوية يكلله الأمل رغم آلامه وجسده الذي يغلفه المرض والعاهة والعوق والحسرة ومتى وكيف يكون الإنسان لا إنسانا رغم اكتماله الجسماني وكمال عافيته حيث ينبض قلبه المعلول لنفسه فقط لا يستطع أن يفيد أحدا واضحي عنده الأمل بعيدا بعد المجرة وأوصد أبواب الرحمة والتضحية والمحبة وبذلك يكون وجوده وعدمه سيان...تلك هي الأخت ميساء عيسى زورا غزالة من مواليد 1975 والتي تعاني من أمراض كثيرة وأهمها                                                      ضعف جسدي عام يعيقها في حركتها إضافة إلى أمور أخرى ورغم هذا وذاك فإنها لم تنس يوما أنها خُلقت لتتحدى القدر وتكون طبيعية في عطاءها ربما أكثر من غيرها فعندما كان عمرها أربعون يوما وبينما كانت أمها قد أخذتها إلى المركز الصحي في بغداد لتلقيحها بلغها الطبيب بوجوب مراجعة الأطباء حيث هناك أمورا وعلامات لا يمكن التغاضي عنها...تقول الأم بعد مراجعة الأطباء ابلغونا بوجود أربعة فتحات غير طبيعية في قلبها وهذا يؤدي إلى إختلاطات كثيرة وكانت هي السابعة من بين الأولاد والأخيرة وقررنا جميعا الاعتناء بها وتربيتها وتنشئتها على خير تقويم وكان عناء جسيما تحملته العائلة كلها بإيمان منقطع النظير وإرادة لا يضاهيها إرادة وشكيمة أصلد من الصوان وصمدوا وصبروا وتحدوا وقاوموا ليروا ميساءا تتناول وتكتب وترتل وترسم وتصمم وتزخرف وتحيك...كان عمرها السادسة حينما ذهبت إلى المدرسة وكان ذلك عام 1982 ولكن بعد شهرين منعت من الاستمرار لحالتها الصحية وأصبحت مقعدة وقبل أن تكبلها اذرع اليأس وتلتهمها ألسنة القنوط والكآبة تحركت الأسرة بسرعة وبعقلية تشكر عليها حيث وضعوا برنامجا يلعبون(أي الأم الإخوان والأخوات) فيه دور المدرسة والشارع والكنيسة وبناء شخصيتها وكأنها إنسان سوي وتَحمّل كل واحد فيهم مسئولية جانب من جوانب حياتها وكانت النتيجة وبعد تحد وإصرار وإرادة وأمل تعلم ميساء القراءة والكتابة وبثوا في نفسها العليلة روح الأمل الفياضة وأضحت عاشقة للحياة محاولةً ارتشاف رحيقها والتمتع برونقها البهي الأخاذ...كانت عائلة ميساء ساكنة في بغداد في منطقة آسيا لفترة طويلة وكان الاحترام والإيمان والتضحية يعم أركان هذه الأسرة البسيطة التي استقطبت من الزمن والحياة جانبها المسالم المضيء الوديع وهنا كانت ميساء تتردد على كنيسة مار يعقوب أسقف نصيبين وتناولت فيها كما وانضمت إلى أخوية المحبة والفرح وانتهلت الكثير من الكنيسة والأخوية حيث كان لها نشاطات كثيرة ومنها الترتيل وصياغة بعضها والقيام بترتيلها وضمن نشاطات الأخوية ألقت محاضرة بعنوان المحبة وأنواعها الخمسة ومنها المحبة الإلهية والأبوية والزوجية والطبيعية والى آخره ولاقت استحسان الحاضرين...توالى الاهتمام بها من لدن الأسرة على قدم وساق وقاموا بتشذيب وتطوير أية موهبة تظهر عندها دون أن يملوا أو يكلوا ولا زالوا على هذا المنوال إضافة إلى وضعها الصحي القلق والصعب وما يتطلبه من مراجعات مستمرة للأطباء ورغم ذلك لم تبتعد يوما عن المطالعة وتطوير قابليتها الفكرية وكانت ولا زالت تنكب على مطالعة نجم المشرق وروايات متنوعة والفكر المسيحي والطريق لابن العبري واستخلصت منه محاضرة تحت عنوان عمل وفعل الوصايا العشرة وقامت بترتيب جميل جدا لهذه الوصايا وتثبيتها على أحجار كما أنزلت وكذلك كتابة قانون الإيمان وإخراجه في حاسبتها بشكل رائع قلما يخطر ببال احد ولها شهادة تنشئة على صداقة يسوع من كنيسة مار يعقوب عندما كان أبونا سالم ساكا كاهنا فيها...ساءت ظروف بغداد كما هو جلي للجميع ولم يكن أمام أسرة ميساء سبيل غير مغادرة بغداد والنزوح إلى قصبة أجدادهم القوش والاستقرار في بيت جدها وتحسنت أحوال الأسرة يوما بعد آخر اعتمادا على طاقاتهم الذاتية الضعيفة ماديا والهائلة معنويا وإيمانيا دون أن يزورهم احد ويتفقد حالتهم الصعبة وقالت بحسرة كبيرة عندما كنا في بغداد كان لي حصة من الأدوية تمنحنا إياها المراكز الصحية أما هنا فلا يوجد ولكننا هنا مرتاحين جدا حيث الأهل والأحبة والأمن والاستقرار(لا زال الكلام لميساء)ولأخي طلال الذي له باعا طويلا في العهد القديم وأختي انتصار نشاطات كنسية ولقاءات دينية ما كانوا سيقومون بها لو كانوا في بغداد وكنت اخرج دائما مع أختي ونزور الأهل وهنا تتدخل الأخت انتصار وتضيف كنا نتقصد في إخراجها من البيت أولا للترفيه عن نفسها وثانيا لتنخرط في المجتمع وتتفاعل معه ولا تنظر إلى نفسها أنها عنصر غريب لا يمكن أن يتعايش أو يتفاعل مع المحيط ولكن مع الأسف ونتيجة لوضعها الصحي المتدهور تعرضت إلى تخثر في رجلها مما أعاق حركتها وأضحى خروجها صعبا جدا...لديها نشاطات أخرى كثيرة وطموحات لا تكفي طاقة شخصين كما ولها قدرة فظيعة في الاستيعاب وقرأت الكتاب المقدس بعهديه ولديها كتب كثيرة وفي مجالات إنسانية متعددة تحاول مطالعتها وتعرف الكتابة الكلدانية بصورة جيدة ولها خواطر عديدة وأبرزها خاطرة فيها تتحدث مع العصافير وطريقة مناغاتها ويا ليتها لو قرأت كليلة ودمنة للفيلسوف الهندي بيدبا وسليمان الحكيم كما ولها صلاة لمريم العذراء جميلة جدا وكانت قد تعلمت الطبع واستخدام البرامج والرسم والحياكة والتطريز والخياطة وجاءت بمنديل جميل مزهر ومطعم بورود حمراء محبوك بمتانة ودقة كانت قد نسجته بأناملها المبدعة والعليلة(صورة 1 ) ورسمت عدة لوحات جميلة وإحداها تلك المرسومة على حائط الباحة الداخلية والمرفق مع المقالة(صورة 2 ) ولو نظرنا أليها تبدو للوهلة الأولى لوحة عادية تعبر عن اختلاجة بسيطة ولكن عند التأمل والتمعن نكتشف ارهافات ونداءات وتأملات نفس متعطشة للتسلق والاكتشاف وآمالها لا تنته وتطلعاتها بلا حدود وكم تنقهر بسبب حالتها وعندما تدنو منها كبوة نفسية ما يكون أهلها وأسرتها بالمرصاد ويتحملون جزءا من آلامها ويبثون في نفسها الأمل وبان الغد جميل ينتظرها بفارغ الصبر...لميساء رغم ضعفها ووهنها الجسدي آمال ومشاريع كثيرة منها إقامة معرض كبير للصور واللوحات يتجسد فيها محبة الله والثالوث الأقدس ومتاهات الإنسان وهموم أخرى ومحاضرة عن المحبة والفرح والتآخي والعيش بسلام الرب وكم تمنت أن تتحسن صحتها لتتمكن من تقديم المزيد لتثبت للجميع أنها عضو مثمر وفعال أكثر من كثير من الكائنات السليمة المتعافية وقمنا باختبارها فسُئلت عن المعجزة الأولى التي قام بها يسوع وجاء جوابها سريعا وقالت قانا الجليل وشرحتها بالتفصيل ومعناها اللاهوتي كما وسُئلت عن السفر الأول من الكتاب المقدس وقالت التكوين وشرحت جزءا منه كما وسُئلت عن السفر الأخير من العهد الجديد وقالت الرؤية وسُئلت عن أبونا إبراهيم وقالت جاء من أور الكلدانيين وقدم ابنه إسحاق ذبيحة إلهية وزوجته رفقة وأولاده يعقو وعيسو وماذا جرى لهما إضافة إلى نقاشات أخرى كانت سباقة في الرد السريع والشافي...أما أمها والذي بدا عليها آثار الزمن المضني وآهاته فقالت كانت ميساء لنا درسا بليغا في التكاتف والتضحية ولا استطيع أن اشرح  الجهود التي بذلت لأجل بنتنا المسكينة والفضل والشكر يعود للرب الذي منحنا الصبر والقوة والإرادة لتقبل حالة ميساء وكيفية إخراجها منها بقدر المستطاع ولكن عندما نرى بنتنا وهي تتكلم وتحاور وتناقش وتكتب وترسم وتطرز ننسى التعب وسهر الليالي وتضيف أختها انتصار أن حالة ميساء بركة بالنسبة لنا وليست لعنة كما يتصورها البعض الضعيف لان ميساء جعلت من أسرتنا خلية نحل نظمت عملها وواجباتها بدقة متناهية ونكران الذات والتضحية من اجل الغير والإصرار والعناد للوصول إلى مبتغى مهما كانت صعوبته وبعده وغموضه وان المحاولة أفضل بمائة مرة من التراجع ومن خلال المحاولة لا بد أن يصل الإنسان إلى الهدف وهذا ما حصل لنا مع ميساء(انتهى الكلام للأخت انتصار)وبهذه المناسبة طلب من سجينا سياسيا في معتقل نكرة السلمان في السماوة أن ينتزع عودا قد غرز في الأرض بقوة عند باب زنزانته وعندما حاول لم يستطع وطلب منه أن يركله بقدمه عند خروجه ودخوله من والى زنزانته لقضاء حاجاته اليومية ولم يمانع السياسي حيث كان يركل العود بقدمه مرتين كل يوم وهكذا وبعد عدة أيام طلب من السياسي انتزاع العود من حيث غرز وبمحاولة بسيطة كان العود يتراقص بيد السياسي المخضرم...نعود إلى حالة ميساء ونقول أنها حالة إنسانية وتؤكد وتبحث عن بواطن ومكامن وخفايا النفس البشرية!!! والإنسان المكتمل السوي يحاول سبر أغوار نفسه كما ويحاول اقتطاف تلك العناقيد الناضجة النظرة الغضة من كرمته المترامية الأطراف ليجعل منها ذلك الخمر المعتق وبلونه الجريال لينعش الروح والجسد معا لينطلق بهما إلى مغاور وصوامع الفضيلة والحكمة ويرتشف منها عطر المحبة والسلام وينتهل من طلاسمها وبواكيرها وعبقها الدم المسفوك والمراق ليكون رمزا في حياة ملؤها نميمة ورذيلة وشتيمة...تجربة ميساء تقول هكذا يجب أن يكون الإنسان مكافحا مسالما ودودا مصرا رءوفا باحثا فالإنسان ككتاب إذا ولوجناه سنلقى فيه المضيء والمظلم فإذا أردناه مضيئا نراه مزركشا منمقا مرصعا معظما مردقشا(طيب) مرعا(خصيب) وينبوعا مدرارا ومدادا لا ينضب أما إذا أردناه أي الكتاب مظلما نراه ممزقا متهرئا مخزيا مكرها شنيعا وضيعا مريعا مفجعا وخليعا فأي جانب نختار؟؟؟إن ما يشوب المجتمع من تدني في الأخلاق والسلوك والميول إلى الرذيلة والخطيئة والتفكك والكبرياء والرياء والانزواء في الزوايا المظلمة التي يقطن فيها المدمنين والصعاليك وبائعي الهوى يعتبر اختيارنا للجانب المظلم من الكتاب وعندها ستكون خسارتنا عظيمة لا تعوض مثل ذلك المقاتل الذي سلم موقعه الإستراتيجي إلى العدو بثلاثين من الفضة...هذه الأسرة أنموذج طيب نرى فيه المعنى الحقيقي لدور الإنسان تجاه المجتمع أولا وتجاه أخيه الإنسان ثانيا وماذا سيكون مصير ميساء لو اُهملت وتُركت للإمراض والعقد النفسية تنهش بذلك الجسد البريء الطاهر وعندها أهل ستكون الأسرة سعيدة ومتماسكة بقدر ما هي عليه الآن ورأسها مرفوعا عاليا لأنهم أنقذوا ضلعا عزيزا غاليا وعليلا من جسدهم وما كانوا سيقبلون بي أو بغيري دخول كنف أسرتهم وإجراء تحقيقا إعلاميا بهذا الخصوص لولا نجاحهم بامتياز في إنقاذ فلذة كبدهم وهنا نقول لنحتذي بما فعلته هذه الأسرة البسيطة ونتحزم بما يمليه العقل والعقيدة فسنرى كثيرا من الحلول الشافية والناجعة لأغلب أمراض مجتمعنا ولما نعانيه جميعا وما نعانيه ليس بالقليل وأيضا علاجه ليس بمستحيل....


 
            
                2                                       1              

                                      Samer_alkass@yahoo.com                                                                                  

75
إلى الشهيد الشيوعي العراقي 
     
     
بقلم سمير القس يونان
القوش في  18 شباط 2012

بمناسبة يوم الشهيد الشيوعي لا نمتلك سوى بعض الكلمات التي تمجده وتجعله بالذاكرة منتصبا وحلما دائما ومشروعا حيا فإليك أيها القنديل نقول::::كان جميل الطلعة جذاب المحيا قوي الجسم معتدل القامة خفيف الحركة تبدو عليه سيماء النبل يرمق غريمه بعينين متقدتين يظهر رباطة جاش وضبط نفس عاليتين في أحلك وأصعب المواقف رقيقا دمث الأخلاق يحب العراق وحزبه حب يوناثان لداؤد وينظر إلى كردستان إنها غالية جديرة بتيجان الملوك وكان على موعد مع ذلك الأزيز والوحيف ليستقر جسدك الطاهر ويتلو علينا الصفحة الأخيرة من سفر كائن ارتفع كسهم ليشق حجاب السماء ويضحى ركنا مهما من السرمدية التي أوجدها الخالق للشفيع والقديس والمتقي والطاهر والشهيد...قال لي من هنا سأتسلل وما عليك سوى تغطية تقدمي وتسللي بسد ناري لنوهم العدو القابع على تلك الرابية اللعينة وكان يثور كالبركان حممه بلسم يشفي السقيم والعليل وخطا خطوته الأولى وتزلزلت الأرض تحت أقدامه كقط ينوء أما شكيمته وإصراره فبدا لي كهالة منها تنبثق أشعة تجعل ليل باعذرة نهارا ربيعيا حيث كان ربيعا وارتعد كالبرق وتلاشى بين دجى الليل وكان أزيز الرصاص ووميضه وهرجه جعل من اللوحة أيقونتا ينتصب رفيقي ويحتل وسطها وبيديه الطاهرتين باقتين من السنابل الذهبية وذؤاباتها السوداء...لم يعد ومن كان بشوق لملاقاتك هناك بعيدا في كنف السديم ولماذا فضلت البقاء في ذلك الدهليز هل عقدت اتفاقا مع العدو وآثرت الانزواء عن الرجوع إلينا وبيدك خصلة من شعر جلاد نحن هنا بانتظارك عد بسرعة حيث تمردت بنادقنا وعزفت عن الهلاهل والصرير ولا يهمها مصيرنا طالما أنت غائب...جاء الصدى من بعيد في ذلك الليل البهيم وأصبحت كوطواط استرق السمع واجمعه عساني أتحسس وقع أقدامه ورهبة زفيره وخفقان قلبه ولكن ما سمعته كور أحداقي ويبس ريقي وأضحت أشلائي كرملة جرعاء وحاولت أن استنجد  بقواي وطاقاتي ولكن دون جدوى وكأني ثملت بذلك الخمر الجريال وحاولت إناطة اللثام وبعثرة الركام لكن ما من نعام ولا أنغام فانا غارق في لجة الأحلام فأين أنا وأين رفيقي الذي توارى عن الأنظار...كان الصدى نقله الريح من فاه ينفث دما وكرها قال (كتلت واحد) هذا الكلام صدر من المارق الذي كان على علم بقدومنا انه رفيقي الذي سقط ولكن أين هو الآن وما حاله أتخليه مضرجا بدمائه متأوها من آلامه وربما لم يفارق الحياة كيف لي الوصول إليه ولكن لا لا يجب ان يبقى هنا وبصولة وغضب ونيران كثيفة ثائرة عثرنا عليه وكان قد لفظ أنفاسه الأخيرة وبرفق عظيم رغم الرمي الكثيف والمستمر حمل الوديع واخلي من تلك الساحة اللعينة وتم الانسحاب إلى خلف الجبل...وبينما يسير الرتل الجبار منسحبا ومسحة الحزن والألم بادية على الجميع لمصابنا الكبير كان الاسخريوطي يندب وينوح على الحظ العاثر لأننا فقدنا نصيرا محبوبا شجاعا فنانا هادئا بينما هو الذي وشى بنا حيث كان العدو على علم مسبق بقدومنا وكنا نحمل الشهيد وقد تلونت ثيابنا بذلك السائل اللزج حيث نكأ جراحا وأيقظ أشباحا وكانت الملائكة تشاركنا همنا وتقودنا إلى بر الأمان وتلوح بأجنحتها الشفافة إلى حيث قمة كلي رمان ليتوارى الثرى هناك...كان الطريق طويلا من باعذرة إلى هناك ونحن مثقلون ليس بحمل الفقيد ولكن بفراقه الأبدي وموقعه المهم في السرية أين أمه وأين أهله فلم يبق لديه هنا احد سوى نحن وخلال ثلاث ساعات كنا عند البقعة التي قرر أن يدفن بها وفي الحال بدأت الحراب والمديات والسكاكين والأظافر بحفر ذلك اللحد الطاهر البسيط ووضع الشهيد في كنفه وكل العيون حاذقة تجاهد لتفوز بالنظرة الأخيرة لذلك الجسد النائم دفن الشهيد بدون المراسيم المتعارف عليها بين الأديان المختلفة ولكن دموع الأنصار على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم امتزجت في ذلك الإناء ليتدفق ينبوعا يروي تلك الشتلة التي زرعت عند رأس الشهيد لتكون عربون عهد للوفاء للطريق الذي سار به الشهيد...ودعنا اللحد وابتعدنا من المنطقة رغم تأخر الوقت حيث كانت الساعة تشير إلى الثانية ليلا تحسبا من قدوم الطائرات السمتية وكون المنطقة شبه مفتوحة مما يجعلنا لقمة سائغة للعدو ودعنا الرفيق الذي كان بالأمس نحلة من نصير إلى آخر لترتيب شؤون العملية منهمكا في وضع الخطة وتوزيع المهام ولكن كان الطالع قد كشر أنيابه في اليوم التالي وان دمه غيثا مدرارا حين القحط والجدب ومدادا لا ينضب ينقل سيرة الثوار والأحرار وكما قال الفيلسوف الألماني ((عندما تصبع الحياة عارا يضحى الموت واجبا)).........                   

76
أبو أيار...محاولة العثور على لحده 
   
   
بقلم:: سمير القس يونان
القوش في  27 كانون الثاني 2012   
كان غروبا قانيا حيث خيوط الشمس الأرجوانية غربا تودعنا وتمنت لنا ليلة شتاءيه آمنة وسليمة حيث نحن في بداية كانون الأول ولكن عند التمعن جيدا في الأفق  نكتشف أن تلك الخيوط والأشعة الأرجوانية القرمزية تخفي وراءها شيئا ربما يكون مؤلما وحرجا أما إلى الشرق فكان جبل بيخير ينتصب شامخا باكيا مترنحا من وطأة السياسة القذرة وديربون وفيشخابور بنتاه قد بح صوتهما من العويل والصراخ لصديقيهما الذي رحل بعيدا كما رحل من صوريا..ذاك هو العراق أيها النصير المتقد عنفوانا والمكلل شكيمة والقادم من ارض الرخام والأبراج وكاتدرائية القديس بولص ومثوى غاليلو ونيوتن وقد جلبت معك فأس ومعول مايكل أنجلو لتمزق صمت كارة وقنديل وعندما نصل بسلامة سنذهب إلى منطقة ماوات حيث الصخور النارية والمتحولة في سوران تنتظرك وفيها يكثر الرخام والكرانيت والسيربنتين والكابرو لتنحت للعراق مشعل الحرية لينتصب في ساحة الحرية وفي محفظتك  ريشة دالي لترسم موناليزا بزي كردي متشحة بمخمل وردي يناغي زهر العرموط والرمان.... ونحن هنا في منطقة الجزيرة السورية القريبة من القامشلي ومن الحدود العراقية أيضا وانظر هناك إلى الشمال تلك هي أبراج المراقبة التركية وبعد قليل عندما يحل الظلام سنجتازها متغلغلين الأراضي التركية وعبر عدة محطات وخلال أسبوعين سنسير عبر هذه الأراضي  ثم ندخل العراق عند قرية سناطي الموغلة في التاريخ والخالية من البشر حاليا  نعم سندخل العراق الذي قدمت من اجله أيها النصير كما وارجوا أن لا تبوح بأية معلومة تعود إلى شخصيتك وأن تحدد لك  أسما حركيا فقال في الحال (أبو أيار) وكان اسمه الحقيقي فؤاد يلدا يوحانا...نعم كنا على موعد مع القدر لنمخر معا عباب الزمن ونجعل من الصقيع للجلادين كفن ومن الزنبق والسوسن قلادة للوطن تعالى لنمضي ونحاكي الليل لعله يقلنا إلى الهرم ونردد أغنية غناها العجم عندما فككوا كوخي في ساليق وقطيسفون اسمها وشم ونذهب إلى كرخ ليدان وننبش الرماد لنرى الرفات والجرن ونصادق الميزان والثريا لان حياتنا ونشاطنا من الآن ليل ونغم وسلوتنا مع الطير والبهيم وطفل توا فطم ولا داع للحياة أيها النصير إذا لم تكحل بدمع بائس وتطرز بدم صنديد وخلافه كل شيء عدم هيا لنجاري الزمن ونسابق الريح ونترك الرماح فإننا لا نحتاجها في جنة عدن فهناك الفهد والذئب والنمر على وئام ومحبة مع الشدن...كان أبو أيار وخلال الفترة القصيرة التي أمضيتها معه حيث افترقنا عندما وصلت المفرزة القادمة من سوريا بسلام إلى المقر العام في أيك مالة وكوماته وخلال العشرون يوما هذه عرفته رساما رائعا وصديقا حميما للطبيعة ومرحا وبسيطا وكان ضمن مجموعتي حينما عبرنا الحدود السورية التركية والتي وقعنا في كمين قاتل ومنها نشأت علاقة مميزة ولم يشأ بعدها مفارقتي وعرف أنني من القوش عندما كنت أتحدث مع احد الأنصار وضحك بكامل شدقيه واعتراه الحبور وقال أنا أيضا من ............... ومن البيت الفلاني فقلت له لا تلفظها ثانية فالكتمان والسرية احد أقوى الأسلحة لنجاحنا وهناك عناصر ورموز كثيرة جندتها السلطة وهي بدون شك تعيش بيننا فلذلك علينا الحيطة والحذر ومراقبة كل حركة غير طبيعية ولا تتحدث مع أي كان بأمور تخص اهلك وانتسابك واسمك وكنيتك فتلك نقاط ضعف يستغلها العدو في الضغط على اهلك وربما اعتقالهم وتعذيبهم....قبل أيام وعن طريق الصدفة تعرفت على أخيه السيد سالم يلدا يوحانا لأول مرة في القوش ودارت أحاديث ونقاشات كثيرة تخص الشهيد   والبطولة التي قام بها  وقال هناك شخص قادم من استراليا كان معه عندما وقعت الحادثة وفيها انتحر فما رأيك لو تتصل به ليأتي ويرشدنا إلى  قبره ليتسنى لنا جلب رفاته ليرقد هنا مع أهله وقلت له من هذا النصير فقال يسمى ساهر وزي وفي الحال اتصلت به بعد أن حصلت على رقم هاتفه وتعارفنا عبر الهاتف وأبدى استعداده التام وخلال اليومين القادمين فقط لانتهاء مدة إقامته واتفقنا أن ننطلق بعد يوم منذ الصباح...وهكذا وبعد ترتيب الأمر اقترحت منظمة الحزب المساهمة في العمل وانطلقنا ظهر يوم   18 تشرين الثاني 2011  وكنا ستة أشخاص بضمنهم اخو الفقيد السيد سالم بواسطة سيارتين قاصدين قضاء آتروش وكنا على عجل من أمرنا لتأخرنا وبعد ساعة وصلنا القضاء وبدون أي توقف استمرينا وكنت قد غادرت المنطقة  قبل 35 سنة ولكن محياها ووديانها وقممها وانحداراتها وانحناءاتها وأكمتها لا تنسى بادية أمامي وكان السيد سالم بجانبي أوضح له معاناة الأنصار حينها وبطولاتهم وكيف قهروا وأذلوا الطبيعة القاسية وكيف جلبنا الأرزاق والمواد الغذائية من تلي وبلان نحو كلي ئيسماوة العاصي بواسطة عشرون بغلا وعددا من الحمير جلبوا من القرى كانيكا وشيليا ونصرة وآزخ وهرماشي بهمة وعزيمة إلى الشارع الذي نحن فيه الآن ومن هنا حملنا بجرارين إلى جماني والى آخره وكانت معالم كثيرة قد تغيرت بسبب العمران الكبير في كردستان حيث قرى كانيكا وبلكيات وكهربا وكاني ماز ثم إلى ميزي الهدف المنشود...كانت لحظات جميلة تنساب إلى كياني كنسيم ينعش الباطن الذي قلاه الصدى وأوهنه البلاء وكم تمنيت أن تعود تلك الحياة وذلك الإنسان الذي لا يعرف ما هي (إلى الوراء دور)رغم بطنه الخاوية وافتقادها إلى اللحم وأشكاله سوى تلك الحيوانات البرية التي هنا وهناك وذلك الرداء الذي يخلو من الجيوب ولما هي الجيوب وله مع كل صخرة ذكرى وخلوة وتلك الوثبات ولربما الغزال والأيل قلدها وتعلمها حياة أملها البائسين والكادحين الذين فطرت الطبيعة كعوبهم ولوت ظهورهم وألهبت مناكبهم سياط الأسياد حياة جعلت من كارة الأشم ومن متين ذلك الطود الجبار أساور في معاصم الثوار وقلادات طوقت رقابهم ومغاور تعلموا فيها محاكاة الحيوانات والوحوش والطيور ليقولوا للنبي سليمان لست وحدك من يجيد التكلم مع الدبيب وليطبطبوا على ظهر بيدبا الهندي مؤلف كليلة ودمنة وهو في القبر أن يعود ويضيف إلى موسوعته طلسم آخر طلسم أنصار قدموا من كل العراق ليعلموا السفوح العربية وليتعلموا من القمم الكردية وينصهروا في بودقة واحدة ليكونوا سبيكة العراق كل العراق...وصلنا قرية ميزي بعد أن توهمنا بموقعها حيث تم بناء ميزي حديثة أما القديمة وكالعادة مع كل عبق وماض وتاريخ ومجد أضحت أطلالا مؤطرة بهالة النور الأزلية فلم يبق منها إلا أكوام من الحجر البازي والتراب وأنصاف جدران وسراديب  يسكنها البوم والباشك والعقاب وفي الليل تؤويها الضباع والخنازير والثعالب واستقبلتنا العائلات  الكردية الساكنة القرية الحديثة بترحاب حار وكانوا جميعهم من النساء وهذا ما تتميز به المرأة الكردية حيث تستقبل الضيوف بغياب زوجها وقالوا أنهم سكنوا ههنا بعد أن هجرها أهلها ووكلوهم على ممتلكاتهم وكاشفناهم عن قصد مجيئنا وأمنا السيارتين لديهم وبدئنا باختراق بساتين التفاح والخوخ والعرموط والسفرجل والتي لنا معها مئات الذكريات فأين العم بطرس وزريفة ومسكو وصخريا وياقو وبنو وعند من نقضي ليلتنا إذا غدر بنا الزمن وأجبرنا على البقاء ما هذا الصمت المطبق ولماذا أصبحت هذه الثنايا والنواحي موحشة توحي إلى رهبة مخيفة لقد تغير كل شيء وكنا على عجلة من أمرنا حيث سيدركنا الليل قريبا وأمامنا مشوار شاق وصعب وطويل والقبر ما معروف سوى للأخ ساهر وهذا كان قبل24 عاما وربما تغيرت معالمه وهيئته بعد كل هذه الأعوام وخاصة واللحد في وسط وادي تجري فيه المياه بقوة في موسم الأمطار ويقال انه وبعد عدة أيام من الواقعة وبينما كانت مفرزة من بيشمركة الحزب الديمقراطي تمر من هناك لاحظت أن جزءا من الرفات ظاهر فقامت بتغيير موقعه وتغطيته بصورة جيدة وكانت الساعة الثالثة والنصف ورغم عمري الذي اجتاز الخمسين لم تكن الحواجز المائية والأحراش والشوك البري عائق واجتزنا كل شيء وعبرنا الساقية الكبيرة وواجهنا الجبل وبعض منا لم يستطع مجاراة الجهد كما ونسى انه كان هنا قبل عقدين نارا متقدة وهنا يبدو جليا للعيان  تأثير المدنية والرخاء حيث أفقدت حماسه وعنفوانه ولياقته...بدءنا بالسير نحو الكلي الذي وقعت فيه الحادثة والذي يقابل قرية ميزي تماما وكان الطريق شاقا ومزعجا وكان المطر قد هطل صباح ذلك اليوم مما جعل الطريق موحلا ومزعجا بعض الشيء وبعد اقل من ساعة كنا نواجه الكلي الصعب وكانت الساعة قد تجاوزت الرابعة والنصف وتأكد الأخ ساهر بأنه هو الكلي المعني وحاولنا الولوج به لكن لا طريق يشقه وتعجبت من هذا الأمر فبادرته بالسؤال التالي من أين دخلتم الكلي حينها(11/9/1988) فقال ليس من هنا ولكن تسلقنا السفح الذي يقع إلى اليمين ثم نزلنا إلى الكلي وكانت الدنيا قد قاربت المغيب فقلت له كيف ذلك وتسلق السفح والدخول إلى الكلي يحتاج أكثر من ساعة وعندها سيكون الظلام قد بسط تلابيبه فكيف سنبحث عن القبر وكيف سنعود طالما الطريق شائك وغير واضح فقلت له في الحال ما علينا إلا العودة وتأجيل الموضوع إلى فرصة أخرى ونصير آخر ممن له دراية بموقع اللحد يستطيع مساعدتنا والالتحاق ببقية زملائنا قبل أن يدركنا الليل ونقع في إشكالات نحن في غنى عنها وبدءنا في العودة وبسرعة لئلا نفقد ملامح الطريق العشوائي الذي أتينا به...استجمعنا قوانا وسخرناها للوصول إلى السيارات وبقية المجموعة قبل حلول الظلام وكان انحدارا سهل لنا الطريق وحثينا الخطى وعبرنا الساقية الكبيرة وتبللنا ثم اكملنا المسير بين البساتين والأشجار والعوسج البري الشائك وكانت ميزي القديمة وأحجارها البازية بادية للعيان من بعيد وقصدناها وعند الغروب التام وصلنا الشارع ثم إلى بقية المجموعة حيث كان بعض من الأهالي ينتظروننا وقدموا لنا عسل وخبز(كشنيش)أي خبز وقد رص على وجهه معجون وكزبرة(تولي)وكان مذاقه طيبا ولذيذا وكنا حينها(عندما كنا أنصارا) محظوظين إذا نزلنا ضيوفنا في بيت له هذا الخبز بل وللنكتة كان بعض الأنصار يعرفون جيدا أي بيت يخبز هذا النوع وفي أي قرية ولهذا كان يقول للمختار والمسئول عن توزيع الأنصار انه سيذهب للبيت الفلاني ثم ودعنا أولئك النسوة والأطفال وقررنا العودة من الغرب أي عبر سواري ثم سبنداري ثم سواري توكة فدهوك وكان الليل قد أرخى سدوله وتوكلنا على الله وكان تبليط الطريق أوليا لم يلبث أن تحول إلى طين ووحل حيث يتم تعبيده وتوسيعه ولا سبيل لنا إلا الاستمرار بتأني وتعقل ورويدا رويدا فأي توقف يعني المكوث وباستخدام الحيلة والمناورة تمكنا من التغلب على مثالب الطريق بقدرة وقبل أن نصل إلى المصيف تعطلت السيارة الأخرى فقمنا بتأمينها لدى احد المحال واقلينا جميعا السيارة الأخرى وكانت الساعة قد تجاوزت الثامنة عندما وصلنا القوش بسلام على أمل أن نعود مرة أخرى عندما يأتي أحدا من الأنصار الذين كانوا ضمن تلك المجموعة وبإصرارنا ومحاولاتنا المستمرة سنعثر على اللحد المفقود..........................................
                       

                                             Samer_alkass@yahoo.com                                         

77
ماذا قــــال بهلول
                       

بقلم سمير القس يونان
القوش في 3 كانون الثاني 2012

لا بد لنا أن نتعرف على البهلول العاقل والمستشار والفيلسوف والداهية والمحنك والذي عاش قبل أكثر من ألف ومائتان عام في بغداد عندما كان هارون الرشيد خليفة وكانت هذه الشخصية الملاذ الآمن ليس للخليفة فقط بل لكل الناس وقد كون حول نفسه هالة واسعة وسمعة ضربت الأطناب كل جانب وكان بسيطا مرحا يجيد استخدام الرموز والأمثلة والحكم...كان كلامه مسموعا ورأسمالا يطبق بحذافيره وكل مشكلة أو معضلة تطرح عليه يقدم لها الحلول الشافية وكل من يقصده يلقى الباب مفتوحا على مصراعيه وصدرا واسعا يسمع الأنين والآهة قبل القهقهة والشدقة ولكن كانت حركاته وملابسه لا تنم عن شخصية فذة وذكية ولهذا يضرب به المثل ويقال لبعضهم وينعتون بالبهلول (مخربط) ويا ريت ينعت العاقل والمتزن والراسخ في هذه الأيام بالبهلول لكنا أوفياء للمعني....ففي احد الأيام وبينما الناس في السوق والأزقة يزاولون أعمالهم وينجزون مهامهم وإذا بجلببة وهمسات وحديث غير طبيعي يسري بين الناس سريان النار في الهشيم مفاده أن بهلول أصابه الجنون وقاد ذلك إلى إصابة الناس بالإحباط والقنوط والخوف لأنهم يعتبرونه  شفيعهم ومخلصهم ودليلهم إلى النجاة والى بر الأمان عندما يعانون من أمر مؤلم يلم بهم..لكن ماذا بدر من بهلول لكي يعتبرونه مجنون وبين سائل ومجيب ورويدا رويدا إلا أن توصلوا إلى فعلة بهلول حيث شوهد في وضح النهار ماسكا سراجا أو فانوسا (لالة)بيده هائما في الأزقة لا احد يدري ماذا يقصد بعمله هذا كما ولن يتجرا أحدا للذهاب إليه والاستفسار منه عن مقصده وتقاطرت الجموع تنظر إلى بهلول وتراقبه بعين الريبة والحيرة واستمر تقاطر أهل المدينة ليقفوا عن كثب ويشاهدوا حالة بهلول التي يرثى لها إلى أن تجرا احدهم وداهم خلوته ونزهته وأوقفه قائلا يا بهلول لقد حطمت قلوب محبيك واهلك بفعلتك فان كنت تبحث عن شيء تستطيع إيجاده دون اللجوء إلى السراج لان الشمس أقوى بكثير من فانوسك هذا""إذن ماذا جرى لك جاوبنا بسرعة فقد أهلكتنا جميعا وأنت تعرف محبتك ومعزتك لدى أهل المدينة وهنا جاء صوته مزلزلا ليس كعادته ثم وقف الجميع وساد الصمت والهدوء وقال::إنني أيها الأحبة لا تتعجبوا عما افعله ولا تلوموني إنني ابحث عن إنسان حقيقي فلم أجد وبادر احد الحاضرين وصرخ بأعلى صوته وما كل هذه الجموع والطوابير أليست بشرا وإنسانا وعندها لم يألُ جهدا في الجواب وبدون عناء قال لا لا انتم لستم ببشر صحيح تمشون على اثنين وتنطقون وتفكرون ولكن أين إنسانيتكم وضميركم ووجدانكم ومحبتكم للآخرين حيث كل ما في هذه المدينة يوحي بالرهبة والكآبة وجميعكم يجري لاهثا وراء السراب...أهل كان بهلولنا خاطئا والى أي مدى وصل حنقه وسامه ويأسه وهو بتلك الوداعة والبشاشة والأمل ليصل به اليأس إلى مرتبة يتهم فيه بالجنون والهلوسة وان كان قد وصل به الألم والهم قبل أكثر من ألف عام ما أسلفناه فكيف لو حضر بهلول دنيانا وحياتنا هذه فما كان سيفعل اعتقد كان سيشعل عشرات المشاعل والفوانيس وان كان سكان بغداد حينئذ بعشرات الآلاف فإنهم الآن بالملايين ولو حضر اغلبهم ما كان العم يعثر على مبتغاة بل كان يستمر بالبحث إلى المساء حيث حلول الظلام وعندها ينتهي العذر ويرجع خالي اليدين...أين الشاعر التركي ناظم حكمت عندما قال"إذا أنا لم احترق وأنت لا تحترق فمن يضيء لنا الطريق"وأين مار بولص حينما قال "العطاء أكثر غبطة من الأخذ" وأدباء وفلاسفة ومفكرين كثيرين عظام بنو نظرياتهم واعتقاداتهم على الجانب العاطفي والروحي والوجداني للإنسان والخزين الفكري والأخلاقي الذي يمتلكه الإنسان هي المعيار الوحيد الأوحد في تقييمه وإحلاله تلك المساحة المقدسة في المجتمع المتعطش إلى تلك الدعامات التي تستند خيمة الحياة عليها وليس غيرها...إذا كان بهلول قبل 1200 سنة يبحث عن إنسان حقيقي يتمتع بمزايا خلقية وروحية وفلسفية حين كان الإنسان على سذاجته وعذريته ونيته وبساطته وعنفوانه وإرادته وسريرته وشكيمته ولا وجود للأسلحة الفتاكة ولا تكنولوجيا تذكر ولا ليزر وباتريوت وكروز وروبوت وانترنيت وسيوز وموبايل وبنسلين ومليون واو أخرى ولم يلق ما أراده العم بهلول فكيف وحياتنا البائسة الشقية التي خلت من المحبة والعطف والرحمة والقناعة والتي اعتراها الشحوب والذبول والقنوط والكآبة ...ماذا فعلت النظريات العلمية والاجتماعية والاقتصادية وماذا فعلت المدارس الفلسفية بل وأين دور المسلات والشرائع والمخطوطات والأساطير والملاحم وأين بذار الأتقياء والأنبياء والرسل وبوذا وكونفشيوس ونيتشه وبيدبا وأفلاطون وفيثاغورس وحمو رابي هل أضحوا جميعا بأفكارهم ومعتقداتهم وكتاباتهم قلادات علقت برقبة تمساح يلتهم ولا يبكي أبدا ولا ريب عندما أكلت النار اغلب ما في دار الآثار المصرية في الأيام الماضية عندما أشعل الثوريون الأفذاذ المكحلون بدم الأجداد بعود ثقاب حفظ في جيب احدهم منذ مئات السنين ليطفئ ذلك القنديل الذي مداده دم الازكياء والانقياء...ما هذا الطمع والجشع وما هذا التملق والنفاق ولماذا كل هذا الكبرياء والرياء وكيف سنسطر بعض الجمل والعبارات في تلك الصفحات التي تركت لنا من قبل أحفادنا ولماذا كل هذه الكراهية والمقت والإسقاط للقلم والكلمة والحكمة أهل يكون بمقدورنا وبهذه السجايا المخزية تحمل مسؤولية الحياة التي نحن في خضمها وهي تعيش لحظات مخاض صعبة وليس بيدها أي الحياة لا مدية ولا خيزران لتصارع إخطبوط الشر الذي يكتنف ثنايا قلوبنا وطيات أدمغتنا وهنا نصيح بأعلى صوت ليأتي بهلول هارون الرشيد بقنديله وسراجه ويبحث فهل سيعثر على ضالته...بشرى سارة للذين يهوون الجيوب السحرية وقاصات لا يراها إلا صاحبها وانشالله تكون هذه السنة سنة الرجوع إلى مفاهيم ومعتقدات الغجر حيث يتصورون أن هناك حياة أخرى يحتاجون فيها النقود والمصوغات والسبائك ولذلك عندما يموتون تزين أصابعهم بالمحابس والحلقات وصدورهم بالقلادات ومعاصمهم بالأساور وآذانهم وأنوفهم ووو والنقود على راحة أياديهم ولهذا نرى إنساننا الحالي يهتم كثيرا بجمع المال ليضمن حياته بعد الموت وانه لشيء لطيف أن يرجع ويفكر جيدا ويختار طريق الغجر وبذلك يبرر انحطاطه وانزوائه وتحطمه وتسلقه الأكتاف والظهور وتملقه وضعفه عندما يعرض عليه منصب ما بل ينهار ويذوب عند سماعه كلمة الشدة أو الدفتر ويقرر الحصول عليه بأية طريقة كانت والمؤلم والمخجل هناك مثقفين وأصحاب ماضي تليد وثوريين بنظر الكثيرين ولكنهم اشتروا لأنفسهم ذيل طويل وفي نهايته كركوشة جميلة مقلدين السنجاب يهزونه للي يسوا واللي ما يسوا كما برزت لهم اذرع خيالية مهلهلة أينما تسقط فتلك البقعة لهم أبا عن جد...هذا حال المحبين لا يهمهم إذا أضحوا تنين فأين الحب وأين الحنين فقد أضحت صلادتهم عجين ليكن ما يكون طالما مركزي ومقعدي المسروق مضمون تلك هي حالة غابتنا فالثعلب أصبح الملك بمكره وحيلته أما الأسد فبقعت عيناه وجلس هناك ضريرا يرجوا الرحمة والمساعدة من الحمار فأين صاحبنا البهلول ليدخل إلى الغابة فهل يرى أسدا...         



 

78
أيامٍ عسيرة في كهفٍ حقير
       
بقلم سمير القس يونان
العراق في   19  كانون الأول  2011
كان هذا في كانون الأول من عام 1982 وكانت مرحلة صعبة ضمن طريق العودة من سوريا عندما كنا مكلفين ضمن مفرزة الطريق لجلب ما يحتاجه العمل الأنصاري والذي كان مستحيلا توفيره من داخل العراق من الأسلحة والاعتدة والتجهيزات العسكرية الشخصية واللوجستية والأدوية والبريد الورقي والموفدين من والى كردستان إضافة إلى تامين الطريق لجلب الملتحقين ومن كلا الجنسين إلى العمل الأنصاري من كافة أصقاع العالم ملبين نداء وطلب الحزب الشيوعي الذين كانوا قد تشتتوا في أرجاء المعمورة عندما خان البعث الجبهة الوطنية وضرب بأطنابه قواعد وقيادات الحزب حتى النخاع عام 1979…كان طريقنا ليلة أمس ونهار اليوم مكللا بالصعاب والماسي والمخاطر عندما عبرنا الحدود السورية التركية ووقوعنا في الكمين التركي ثم أخيرا عدم مجيء ألكلك ليعبرنا نهر دجلة عند الساعة الرابعة والنصف صباحا ولولا حسن الحظ والتحدي العنيد والمثابرة والصمود والتحمل اللامحدود لكانت النتائج لا يحمد عقباها لا يتحملها جسدنا الضعيف وهذا موضوع آخر حيث كان القرار بان نختبئ بين الصخور بدون حركة تذكر أما البغال المحملة فتم إخفاؤها من قبل أصدقاءنا حال وصولنا النهر ليلة أمس…في عصر ذلك اليوم الذي رافقني حياتي كلها وعلى حين غرة ظهر ألكلك على الجانب المحاذي للجبل والذي يعتبر بالنسبة لنا المنطقة الأمينة لطوبوغرافيتها الوعرة وكثرة الكهوف فيها وقلة تواجد الجاندرمة والدرك وربما كانت إمارة فينيقية في تلك العصور الغابرة وهم ألكلك بالعبور إلى الضفة التي نحن فيها وكم كانت سعادتنا عندما بدأنا بالعبور غير آبهين المخاطر المحدقة بنا التي من الممكن أن نقع فيها وكان النهر سريعا وقويا مما جعل عبورنا صعبا وخلال ساعة كان الجميع عند الضفة الأمينة وبدون توقف تسلقنا الجبل المحاذي للنهر عبر وادي لا يرى إلى أن وصلنا كهفنا المنشود...كان الكهف قذرا وسخا ورائحة روث الماشية وفضلاتها تفوح منه وكيفما كان فهو ملاذنا الأول والأخير وبدأنا في الحال بوضع خطة فورية لتامين حياتنا وماذا سنفعل تجاه أي طارئ قد يداهمنا وتم تحديد نقاط الحراسة ومن سيحرس وكيف سنقاوم البرد القارص والثلج المتراكم وتوفير الغذاء الضروري وكيف ستكون حركتنا لئلا يتم كشف أمرنا وماذا سنفعل إزاء الأنصار الجدد والذين أصيبوا بالإعياء والتقرحات تغطي أقدامهم ومنحهم العزيمة والشجاعة وخاصة الانهيار العصبي والنفسي الذي أصيب البعض منهم بعد وقوعنا في كمين قاتل بعد عبورنا الحدود التركية بثوان...كان الوقت ليلا وأول ما قمنا به بعد تحديد الحراسة المشددة تنظيف الكهف وتطهيره ورشه بالمبيد المتيسر وصنع باب بسيط للكهف ليقينا البرد أولا  ولمنع خروج الضوء ليلا إلى الخارج ثانيا وكان النصير أبو سعاد قد كلفني بتوفير الغذاء للمجموعة المتكونة من أكثر من ثلاثين نصيرا ونصيرة من القرى المجاورة بحيطة وحذر وقام أصدقاء الحزب ومن خلال مؤيديه بتزويدنا ما نحتاجه من الفراش وأدوات الطبخ وقمنا بفرش الكهف بعد التنظيف الجيد والتطهير كما تم تحديد مجموعة لجمع الحطب المتوفر في الجوار وما هي إلا ساعتين وكان الكهف شقة مفروشة دافئة بعد إشعال الحطب وكان اغلب الأنصار القادمين من أوروبا وغيرها قد غلبهم النعاس والتعب وبعد ترتيب الكهف اسلموا للنوم مباشرة بعد تعقيم أرجلهم المتقرحة وفي هذه الأثناء ما كان ينقصنا هو الغذاء ونحن جميعا جياع لم نتذوق الطعام منذ منتصف ليلة أمس حيث كان عشاءنا خبز وحلاوة فقط ولذلك ذهبت يصطحبني النصير كوفان مع احد الإدلاء الأتراك من حزب العمال إلى قرية قريبة وكان الطريق وعر مغطى بالثلج قد يجتاز سمكه مترا وكانت القرية شبه مهجورة لم نتلمس مظاهر الحياة فيها لربما الصقيع والوقت المتأخر هو السبب في ذلك وقادنا الدليل إلى متجر صغير وتزودنا بكل ما نحتاجه ولمدة يومين...انقضت الليلة الأولى بسلام وقبل أن ينبلج النهار تم إيقاظ الجميع لقضاء حاجاتهم الضرورية خارج الكهف حيث بعد وضوح الرؤية علينا الركون داخل الكهف ويسمح للحراس بالخروج فقط لتأدية واجبهم وبهدوء تام ومنذ الصباح قمنا باستطلاع المنطقة وكان كل شيء على ما يرام وضمن البرنامج الذي تم الاتفاق عليه أن يكون الفطور عند الثامنة تماما ولا يجوز غير ذلك كما هي الحال في المقرات الثابتة وابلغ الجميع وكان العمل في الكهف طوعي فبادرت النصيرات رغم إعيائهن وأقدامهن المتورمة والمتقرحة بإعداد الفطور البسيط حيث الشاي والألبان واللحم المعلب والخبز وأكملنا فطورنا وكان الأنصار جميعا فرحين حيث نالوا القسط الكبير من الراحة في شقتهم المطلة على التايمز...كانت فرصة جميلة ونادرة أن يتم التعارف بين المجموعة كلها فكل واحد قدم من بقعة وكان للانصارالقادمين طاقات فذة وإمكانيات لو استغلت في وقتها لامكن من القيام بمهام علمية لا يتصورها العقل فمنهم الرسام مثل الشهيد أبو أيار والبروفسور والطبيب والمهندس والخبراء في الاقتصاد والإدارة والاتصالات وغيرها من حقول الحياة والعلم المختلفة وترجمت هذه الإمكانات عندما رفضوا العيش الرغيد في تلك الأصقاع البعيدة عن جروح وآمال أهلهم وأحبائهم في العراق ملبين النداء ليأتوا ويناضلوا...كانت الجلسة الأولى والتي شارك بها الجميع ما عدا الحراس مهمة للغاية حيث تم فيها التعارف وقدم كل نصير نفسه للجميع وتحديد الأسماء الحركية لكل نصير وأدار الحوار آمر المفرزة وأكد مرارا على الاحترام والمحبة والالتزام والتضحية والتحمل والصبر وكتمان السر والصراحة والشجاعة ووضع العراق ومستقبله في المقام الأول من اهتمامنا وتطبيق  كل ما يدعم ويعجل في إصلاح واقع البلد المؤلم والموجع وكان الجو وديا ومرحا في نفس الوقت كما وكانت الطروحات ايجابية ومتفائلة للملتحقين وكانوا يلحون على سرد بعض البطولات التي قام بها الأنصار في جبال كردستان الشماء وفي الحال انبرى النصير عبد المسيح وقص بشوق والجميع يسمع كيف تمكن من التخلص من الطائرة السمتية وهي تلاحقه في بساتين بازي ولمدة ساعة وكنا قد نسينا إننا في ارض يلفها الخطر من كل جانب وكنا نتجنب الحديث حول هذه النقطة خوفا من أي ارتباك أو صدمة قد تصيب بعض الأنصار...انقضى اليوم الأول وكل ما يحيط بالكهف طبيعيا لان الجميع ملتزم وتكونت علاقات بين الجميع وكنا نجلس على شكل حلقات نتناول كل ما يدور بخلدنا ويتم التطرق حول حياة الأنصار ومقراتهم وغذائهم ومعاركهم وعن النظام وتواجد قواته ومعنوياتها وعن الوضع في الداخل وهل للحزب قاعدة عريضة بين الجماهير بينما النصير الرسام مهموما في إخراج تلك اللوحة التي تعجبنا بفنه الرفيع وإحساسه المرهف فقلت له ستأتيك كردستان وفيها من المناظر الطبيعية الساحرة ما يمكنك من إقامة معرض كل شهر وبهذا الكلام ازداد تلهفه لملاقاة أرضنا الحبيبِة وبلغنا النصيرات بان الغداء يقدم عند الواحدة ووضعنا جدولا لعدة أيام وحسب الأطعمة المتيسرة لدينا وعرض على الجميع ليبدوا آرائهم وأعربوا عن إعجابهم عن هذا الأسلوب حيث الكل مهم وكلنا خلية واحدة ولها من الأواصر والوشائج ما يمنحها القوة والصلادة لمواجهة كل خطر يداهمها...واستمر الحال طبيعيا ولم نعاني من أية مشكلة حيث الطعام لا باس به والعلاقات الأنصارية عالية والحالة المعنوية قوية وجو الكهف لا باس به سوى الاغتسال الاستحمام والبرغوث الذي يسلب راحة الجميع إضافة إلى ظهور القمل كحشرة مزعجة تنافسنا غذائنا ولا تتركنا أن ننام وما جعل المشكلة أكثر صعوبة استحالة القضاء عليها والتخلص منها لأنها تتواجد في الأماكن الحساسة المشعرة من الجسم حيث للتخلص منها أولا يجب الاستحمام وتعقيم الجسم والتخلص من الملابس القديمة وكل ذلك شبه مستحيل وخاصة النصيرات...كان أمامنا مضيق خطر علينا اجتيازه لنكمل المسير إلى قاعدة أخرى وكل يوم بعد أن يرخي الليل سدوله تقوم مجموعة من الأنصار القدماء باستطلاع هذا المضيق الذي لا يبعد كثيرا عن الكهف لمعرفة حالته الأمنية عن كثب وبما أن للدرك والجاندرمة والمجندين الأكراد علم بتواجدنا في المنطقة لأننا وكما أسلفنا قد وقعنا في كمين للأتراك عند اجتيازنا للحدود السورية التركية ولذلك يبقى اهتمامهم متركزا في المنطقة التي نحن فيها ومراقبتهم للطرق والمضايق المقترحة والمتوقعة وفي نفس الوقت بقاءنا في الكهف وبهذا العدد الضخم وكما أظن كان عددنا يتجاوز ثلاثون نصيرا إضافة إلى الإدلاء والبغال والأحمال وأيضا يكثر في المنطقة التي نحن فيها الرعاة وكما هو معروف فان كل الحكومات تعول على الرعاة مكسبا في تجنيدهم خدمة لمآربهم في نقل المعلومات ورصد الحركات إضافة إلى المضايقات التي أخذنا نتعرض لها من البرغوث والقمل وأمور أخرى جعل من اتخاذ قرار بقاءنا من عدمه في الكهف مسؤولية كبيرة... ومضى يومان آخران والحالة كما هي وبدا الضجر والسام يتسلل إلى نفوسنا وكنا على أمل أن الحالة الأمنية للمضيق ستتحسن لاعتقادنا أن المقابل سيصيبه اليأس من اصطيادنا متوقعا مغادرتنا للمنطقة حال عبورنا النهر وما زاد الحالة سوءا حاجة أجسامنا للاستحمام وغسل الملابس واصبب اغلبنا بالأرق من تلك الحشرات اللعينة حيث تدب نشيطة عندما نخلد إلى النوم ومن الغذاء المكرر والحركة المقيدة بحيث كنا ننتظر حلول الليل لنخرج ونتنفس الصعداء وما من سبيل أمامنا سوى التحلي بالصبر وكنا نقضي اغلب وقتنا بلعب الورق والشطرنج والحزورات والألغاز والنوم والأحاديث الشيقة وكانت المجاميع المكلفة بواجبات الحراسة وتوفير الحطب وجلب الغذاء وإعداد الطعام والاستطلاع تقوم بواجبها على أكمل وجه بينما أبو أيار كان دائما منكبا على الرسم والشيء العجيب في طريقته انه كان يرسم صورة في مخيلته ولمدة دقيقة ثم يدير ظهره ليرسم وخلال ساعة لوحة ولدقتها كنت أتصور إنها مكوناتها تتحرك وخلال فترة بقائنا في الكهف رسم عشرين لوحة تجسد حياتنا اليومية وآهٍ لو كانت تلك اللوحات بمعيتي الآن كانت ستعطي لهذا المقال طعما أكثر مما يعطيه المقال برمته...وحسب اعتقادي حل اليوم التاسع وبعد الاستطلاع تبين خلو المضيق من رموز العدو وهكذا عند الصباح وبعد تناول طعام الفطور عقدنا لقاءا للمجموعة كلها وها أبو سعاد يقول أن اللحظة الحاسمة قد أزفت وإننا هذه الليلة سنغادر بعون الله عشنا الأزلي نحو العراق الذي طالما اشتقتموه وما نرجوه من الجميع الشجاعة والتعاون والحيطة والحذر من أي طارئ والصبر ويجب على كل نصير أن يتصف بروح التحدي والإصرار وتم وضع خطة لكيفية مسيرنا ومن سيكون في المقدمة ومن في المؤخرة وكيفية عبور المضيق والتزود بالغذاء والراحة خلال هذا النهار لكي نستطيع مقاومة الطريق والبرد والصقيع الذي سيواجهنا هذه الليلة كما ويجب أن تكون الحركة من حول الكهف ولهذا اليوم بالذات شبه معدومة وشدد على الأنصار القدماء بان يكونوا نموذجا يحتذي به في المساعدة وتقديم المشورة والصدر الواسع والإقدام والثبات عند الشدائد وكانت وجبة الغداء معتبرة ودسمة حيث قمنا بشراء كبشا وتم طبخه وإعداده في بيت احد الأصدقاء وما هي إلا لحظات فقط كانت العظام وحدها ترقص في المأدبة وبعد الظهر تم الاستعداد الفعلي فأخذنا بارتداء المعاطف المطرية والاعتدة وفحص السلاح وتنظيفه وجمع الفراش والبسط وترتيبها والأواني استعدادا لتسليمها وقمنا بإزالة كل الآثار التي استحدثتاها خلال إقامتنا فيه وهكذا والمجموعة المسئولة عن البغال والأحمال ذهبت لإعدادها وهكذا عند المغيب كان الجميع حاضرا ومتأهبا...ودعنا الكهف على أمل الرجوع إليه ثانية في جولة أخرى مجهولة ودعناه جميعا وكان رمز الوداع ليس مصافحة بالأيدي كالعادة حيث لا أيادي له ولكن بقبلة عند الباب وكأننا نقبل ضريح قديس آو مزار لأحد أولياء الله وكم شكرناه لاستضافته لنا كما وتشكل رتل طويل من الأنصار وسار باتجاه العراق حيث الذكرى والمسقط وألام والكلمة والسر وكم من نفس وكيان وجسد ينتظر وصولنا بشوق ولهف فمنهم ينتظر ليستلم قطعة سلاح ومنهم من ينتظر وصول هؤلاء القادمين من أوروبا لعلمه المسبق بقدومه إلى كردستان وكان حملنا كبيرا ليحمله سبعة من البغال المتمرسة وان طريقنا سيكون حتما شائكا وصعبا ولكن أمام المناضل العنيد ستذل كل الصعاب كما سنرى في أعداد أخرى قادمة.....                                         
 


79
هكـــــذا كانــــوا
                               
بقلم سمير القس يونان
القوش في 5 كانون الأول 2011
إننا هنا نتطرق إلى صفحة من ذلك الكتاب المجيد الذي قد يطول عمره إلى أكثر من ألفا وخمسة مائة عام كتاب صفحاته مطرزة بتلك اللوحات والأيقونات ومن خلالها نقرا التالف والتآخي والتحاب والتنا غي بين مربعات تلك الفسيفساء المزججة والتي قاومت تقلبات الزمن لتكون لنا شاهدا لعلاقات إنسانية مجتمعية ترتقي إلى مستوى قد نراه ضرب من الخيال لو قارناه عما تراه أعيننا أيامنا هذه...في 27 من الشهر الماضي توفى احد أقربائنا في بغداد في منطقة شارع فلسطين التي كانت في يوم ما مكتظة بالمسيحيين وخاصة عائلة الفقيد عائلة اسمرو وقررنا السفر إلى بغداد رغم المحاذير الأمنية لمشاركة أهل الفقيد حزنهم وهمهم ومواساتهــــــم لمصابهم الأليم وليقيننا التام بقلة المشاركين في مراسيم العزاء لأسباب معروفة للقاصي والداني ولذلك كانت مشاركتنا عزائهم ضرورة ملحة...غادرنا مدينة الموصل منذ الصباح الباكر عند الساعة الخامسة صباحا راجين من الرب أن تعم السلامة سفرتنا وتفاصيل الطريق ليست مدار بحثنا حيث نقاط التفتيش التي لا تعد ولا تحصى وقلة المركبات والازدحام الفظيع الذي يعم شوارع بغداد وصلنا إلى دار الفقيد واستُقبِلنا بحفاوة وترحاب حار حيث مضى أكثر ست سنوات عن آخر لقاء بين اغلبنا ولذلك كانت التغيرات على وجوهنا وعلامات الزمن الوضيع كثيرة وعميقة خلال هذه السنين المنصرمة بدرجة أظهرت التعجب على محيا الجميع  وكان الحاضرون بعدد الأصابع وجلسنا وتبادلنا أطراف الحديث وتطرقنا إلى أوضاع بغداد ومن بقى من الأهل والأصدقاء وأمور أخرى كثيرة لا مجال لذكرها بل لا تضيف شيئا إلى الذي نحن بصدده...وبعد الغداء قررنا الرجوع إلى الموصل مساء هذا اليوم لارتباط معظمنا بواجبات ومهام وظيفية وعائلية وكان علينا الذهاب إلى علاوي الحلة لتأجير مركبة تقلنا وتكفل احد الإخوان بإيصالي إلى النقليات وللمفارقة استغرق ذهابنا إلى منطقة علاوي الحلة والرجوع إلى شارع فلسطين ساعتين ونصف للازدحام الخانق والقاتل الذي يعم شوارع بغداد الحبيبة وكان موعدنا مع سائق أل(جي ام سي)الساعة الخامسة والنصف مساءا...كان النظام المعمول به أن يستقبل ذوي الفقيد مقدمي التعازي والزائرين في  قاعة كنيسة شارع فلسطين من الساعة الثالثة إلى السابعة مساءا ولمدة ثلاثة أيام متتالية وكنت قد وصلت إلى القاعة بعد رجوعي من علاوي الحلة الساعة الرابعة والنصف على أن يأتي صاحب المركبة الساعة الخامسة والنصف مساءا ليقلنا إلى الموصل وولجت القاعة وكنت على يقين بان المعزين والجالسين داخل القاعة لا يتجاوز العشرة أشخاص لقلة من بقى من الأقارب والأصدقاء من المسيحيين لنزوحهم إلى مناطق أكثر أمنا أو لهجرتهم إلى خارج العراق ليواجهوا الضياع في الأصقاع المظلمة الباردة...كانت مفاجاة كبيرة لي عندما دخلت القاعة ورايتها مكتظة بالمعزين وواجهت صعوبة بالعثور على مقعد فارغ لكن احد الجالسين اشر بيده وبصوته المبحوح راجيا مني الجلوس بصفه وشكرته على دعوته وإذا بكلمة الترحاب المتعارف عليها(الله بالخير)من الجموع تنهال علي بحيث أصابني الارتباك وكان من المستحيل أن يكون ردي بيد واحدة يفي بالغرض ولذلك اضطررت لاستعمال الاثنتين والملفت للنظر والاستغراب أن الذين اعرفهم من الجالسين لا يتجاوز العشرة أشخاص...من هؤلاء؟؟هل هم أصدقاء وجيران أقاربنا؟؟وبينما أنا في خضم هذه التساؤلات والأفكار وما أنا عليه من حيرة وريبة بادرني الذي عزمني للجلوس بجانبه بالحديث قائلا::(عمي مبين أنت كرايب الجماعة وجاي من الشمال مو هيجي) جاوبته (نعم عمي) ثم أردف قائلا (عمي اكو شي غريب ما عاجبك أشوفك حاير تتلفت يمين يسار) جاوبته (عيني تريد ألصدك ما توقعت أشوف هالعدد من الناس بالقاعة لان كرايبنا وأهلنا مثل ما تعرف شالو بعيد بسبب الإرهاب والخوف والتهديد) ولم يتردد لحظة عندما قال (عمي إحنا أهل وهاي الفاتحة مالتنا قبل متكون مالتكم واللي بيناتنا اكبر واقوي من هذولا ألاجونا بهاي الخزعبلات والتفاهات ونبقى إخوان وأهل مثل ما كانوا أسلافنا)...كان كلاما جميلا وكان الرجل صادقا في طرحه وعباراته وكانوا جميعا يشكلون سدا منيعا حين يداهمهم خطرا ولم يكن الدين والطائفة واللون والعرق أساسا في التعامل على الأقل في القرون القليلة الماضية والتاريخ يحكي لنا وقائع كثيرة وخاصة في الموصل تدل على المصير المشترك والعيش المشترك فكيف يجوز أن يبيع الإنسان عشرة وألفة وجيرة عمرها مئات من السنين ببلاش ويتحول إلى عدو بين ليلة وضحاها فمن الذي غسل دماغه وأقنعه باستحالة العيش والتعامل مع المسيحي واليزيدي والصابئي ومع من يختلف معه في المذهب اهاكذا تكون الوطنية الصادقة والتسامح الديني والحوار البناء وقبول الآخر...أكيد من يعتنق الكراهية ويتحزم بالبندقية ويتكبر ببيادق الشطرنج سيكون مصيره كهوف تورا بورا وسيلعق دم الضواري وسينعق كتلك الضفادع التي تربى في فيجي لينعى بتهكمه الأجوف لحظة صيرورته فعد إلى نحرك ورشدك أيها البغيض فلم تكن البغضاء يوما سبيلا للغد والحرية بل كانت أداة تزيل المشاعل من على الأكمة ليعم الظلام والطيش والعويل المعمورة................                 
   

80
المنبر الحر / نفوق الحيتان
« في: 13:50 12/11/2011  »
نفوق الحيتان 
                       

بقلم سمير القس يونان
العراق في 12 تشرين الثاني 2011

كانت هذه العبارة غير مطروقة أيام كان الحب والوئام يعم البيئة البحرية ولا الجشع والطمع البشري وصل حدا من التعطش واللامبالاة ليزرع الحقد والضغينة بين تلك الكائنات ولينفث بسمومه عبر قلب التوازنات الطبيعية من خلال تلويثه لكل عناصر الطبيعة أما الآن فقد طفت على السطح وبشدة هذه العبارة بسبب ظاهرة موت الحيتان ونفوقها وجرفها مع الأمواج ورصوها عند سواحل البحار والمحيطات لتكون لقمة سائغة لكل آكلة اللحوم بعد أن كانت تأكل ولا تؤكل ولا احد يستطيع منازلتها وممازحتها ومصارعتها فهي سيدة الماء بلا منازع مثلما الأسد سيد الغابة...ربما يتصور القارئ العزيز عند مطالعته للعنوان وللأسطر الأولى إننا سنوغل في تقرير علمي يناغي الطبيعة ويحاول إناطة اللثام عن بعض الجوانب التي تخص الحيتان وما تواجهه من مخاطر في بيئتها الهادئة ولكن لا.. لا علاقة لنا بالحيتان بقدر ما لنا علاقة بواقعنا المرير والمؤلم نحن المسيحيون وبكل طوائفنا ومسمياتنا وأجنحتنا التي هي في حالة زيادة مضطردة وكأنها اميبا حيث التكاثر الانشطاري اللاجنسي وليس في ذلك ضيرا إذا عملت جميعا لترميم الجدار الآيل للسقوط وراب الصدع والشرخ الذي منحه التاريخ الغادر لنا نحن المغلوب على أمرنا ومن يندب لحظنا إلا من كان من دمنا يا من تنادون باسمنا...كثيرا ما نسمع ونقرا بأننا أصحاب الوطن الشرعيين الأوائل والاصلاء حيث اريدو وبابل وأور وأوروك وكيش وآشور وماري ولارسا وآسين وخورسباط وكالح وكوخي وغيرها ومآثر وبصمات لا تعد ولا تحصى حيث أسد بابل والثور المجنح ومسلة حمو رابي وملحمة كلكلمش والجنائن المعلقة والزقورات نعم إنها أيقونات على جباهنا ونجوم وكواكب نستدل بها ونحن تائهون في الفيافي والصحاري وفنارات تطاول بقاماتها فنار الإسكندرية ونحن وسط اليم بين الحوت والقرش وكم ينفش ريشنا ويتعالى كبريائنا حينما يُقال لنا انتم أصحاب الحضارة والمنارة وانتم من أوجدتم العربة والحرف...كل هذا ارث ثقيل يعود لنا وكيف يجب أن نكون مخلصون لهذه الأمانة أيكون ذلك بخطوات ثقيلة مقيدة بالغلال والسلاسل كثعبان مقصوم الظهر أو كوجه مكفهر يرتجف مثل ريشة في مهب الريح وفي المفهوم العسكري ليس مُهِماً أن نصل إلى الهدف المنشود ولكن الأهم كيفية الحفاظ على الهدف ونحن جميعا لم نحافظ على الهدف الذي وصله أجدادنا وإسلافنا بإيمان راسخ بالبقاء وتحدي كل عاتية وعاصفة أَلَمَتْ بحاضرهم فكانوا حريصون على عصا البريد التي أُمِنوا عليها بان يسلموها إلى من يأتي بعدهم...هذه الحضارة وهذا الخط المستمر من الانجاز والإبداع والتصميم والإصرار يجب أن يكون مصدر الهام وتطلع وأمل لنا لكي نعيد بهاء ورونق المجد الذي بلوره وجسده أولئك الميامين لا أن نرذله وننبش كومة قش أسلافنا ونقلب صفحات ذلك السفر الوديع الذي كتب بقصبة من ماري ومداد من دقلات (دجلة) ونحاول قلب الحقائق بكل الطرائق ونغدو كالبطاريق لا تعرف الخببا فمن منا سيأخذ الشعلة إلى اولمبيا تاركين الإسطبل مكتظا بتلك الحصن الرافدية الأصيلة رغم صهيلها الذي أصم آذان الأولياء والنبلاء في زمن كثر فيه الدخلاء...إن تاريخنا ينبوع ثر إذا رغبنا أن نرتوي من ماءه الرقراق العذب ومنه نستطيع أن نجعل من قناة شميران وجيروانا وتل جومل وترع بابل ولارسا شرايين تغذي جسدنا المعلول بالذبحات والجلطات وبتفاهات وسفاهات هاماتنا وشخوصنا ومسئولينا الذين أعمتهم الحيلة والرذيلة وضربوا بإطنابهم اسمنا حتى النخاع وأضحوا عشاق المايكروفونات والشاشات ليتلعثموا ويزبدوا رغم وجود ملقن غير مرئي وكأنهم في مسرح الدمى ورغم التلقين والتأشير فإنهم يخرسون لخلو جعبتهم من السَوَليْقْ والأحرف المضيئة التي دشنت في أروقة ساليق وكرخ ليدان وبيث عابي وفي الوقت نفسه يطلقون لنفسهم العنان لينكئوا الجراح ويوقظوا الأشباح متفوقون في المزاح مولولون مغرمين بالنباح لا يهمهم إذا كان يوناثان يحب داؤود النبي بعمق أكثر من أبوه شاؤول لأنهم لا يمتون بأية صلة بالحب والتضحية والنزاهة طالما جيوبهم منتفخة وكروشهم متدلية تضني الخياط  حال ولوجهم محله حيث عليه تصفح كل أعداد البوردا لعله يعثر على موديل يسعف أمره..أهل ذلك لا يعجل من أمر الحوت ...أيها الأحبة لا تجعلوا من أنفسكم متفرجين تقولون وبثقة عالية(نحن ما علينا) ولا علاقة لنا بالواقع المخزي الذي نعيشه كما لا نستطيع أن نفعل شيئا إزاء ذلك ولكن ليكن واضحا للجميع أن وجودنا ومستقبلنا وشخصيتنا على كف عفريت وان البرد والصقيع آت لا محال وأول بيت يجرفه السيل هو بيتك أيها الأناني اللئيم الذي لا يهمك غير(تحود نار لكرصتك) وكذلك ستكون آخر من يذكره التاريخ هذا إذا لم تكن في مزبلته النتنة فلنرفع صوتنا ونكون مثل أولائك الذين يحبون المشي تحت المطر كي لا يرى احد دموعهم حيث تمتزج مع المطر المنهمر عاشقين العمل في الخفاء ومتحملين رفسات وهموم غيرهم دون أن يطبلوا ويزمروا ويصفقوا بأكف غيرهم وها نحن على عتبة زمن المنافقين والمرائين والذئاب المتنكرة بهيئة الحملان الوديعة تخطف الكحل من تلك العين الحوراء محبي الجوسق والصرح وظيفتهم التسلل ليلا ليسرقوا اسطر من التاريخ وصفحات من المخطوطات ولكن رغم فطنتهم ودهائهم الشرير نراهم قد نسوا أن ينفضوا الغبار الذي تعلق بملابسهم حينما كانوا في المتحف العتيق المكلل بمصائد العنكبوت لقلة الزوار بل لعدمهم منهمكون في السرقة وتزوير الحقائق وسيقبض عليكم عاجلا أم آجلا متهمين بالجرم المشهود وستعلقون عند بوابة اشنونا وجثامينكم ممرغلة بالتراب عند أقدام الثور المجنح وهذا ما يعجل من نفوق الحوت...لماذا تضعون الحصان خلف العربة بل لأكون اشمل وأجاريكم الشعوذة لماذا نضع الحصان خلف العربة وليس أمامها..هل أن مهمة الحصان دفع العربة أم سحبها؟ بدون شك وجميعنا يعرف أن الحصان يسحب العربة وبذلك ستبقى العربة في محلها والحصان سيذهب إلى عربة جارنا وسيأتي قطاع الطرق والمسحورون بجريال الخمر وسكرته إلى عربتنا تقودهم الحدأة ينهبون ويسلبون نفائس أجدادنا دون أن ينبس احد ببنت شفة وكلنا ملجومي الأفواه مقيدي الأطراف ثم يتركون عربتنا كجرعاء عرجاء ونحن نئن بقربها ننوح ولواعج الحزن تلوح على جباهنا لأننا سلكنا اكثم الطرق واعوجها وتوهمنا ببياض البهاق ومصيرنا أحلك الأنفاق وهؤلاء لا يرغبون بالغد المشرق أن يطل ويريدون للعربة الوقوف والشلل لأنهم قد فقدوا الاحترام والوجل وهذا ما يعجل الحوت من النفوق...جميعنا يعرف أن ما يفسده الزمن لا يمكن أن يصلحه العطار وإصلاح زمننا المشوب بالحيرة والقلق يتطلب وبلا مراء أناس تعمل أفكارهم خلف أجفانهم ويسخرون أحلام يقظتهم لبعث الدفء والأمل في نفوسٍ كساها القلى والصدأ وأضحى اليأس والهجرة أملهم الوحيد وليس أناس يفكرون بالتحليق والطيران وهم مكسوري الأجنحة ويجهشون بالبكاء لآلام البؤساء ولعلهم من علموا التماسيح كيف يكون البكاء ويسمع من بعيد صوت جعجعتهم دون أن يرَ أحدا طحنا لهم وكزنبور قُطِعَتْ به السبل وتغيرت أقطاب الأرض فجأة ليتيه ويبقى طنينه يصم الآذان كما ويسقطون جاثين راكعين أمام حفنات من الدراهم غير آبهين على أرجلهم من الشوك وقطع الزجاج ويقولون أصحاب المبادئ هؤلاء ليكن ما يكون طالما الصكوك موقعة وكانت شفتاهم قد تدلت مثل كلب الصيد حينما بُلغوا بالراتب الجديد ويقولون نحن الجديرون بتيجان الملوك أليس هذا ما يعجل الحوت من النفوق...ولكي لا اُتَهم بميولي لأحد فهناك عملاق لا نذكر اسمه قال (أن الثورات تبدأ في أجود الأدمغة ثم تهبط إلى الجماهير)فأين أجود الأدمغة وأين أجود القادة وأين أجود المتحدثين وأين أجود الأدباء والكتاب حتى تهبط نظرياتهم وبديهياتهم وجنجلوتياتهم يفكرون أو فحينما يكتبون أو يصرحون ويصلون إلى عبارة أو جملة دخيلة غير موجودة بالنص الذي حفظوه تخدش مبدئهم الهش الفاشوش نراهم يتملصون ويتلصصون ويتربصون لئلا يؤخذ منهم الشص(صنارة)ويرجعون إلى أهلهم خائبين يجرون ورائهم الخسة وسيرذلون كما أرذل يهوذا الاسخريوطي ومثل هؤلاء لا يُخشَ عليهم حيث هناك جهات وخلايا أخرى ستحضنهم وتدرسهم وتدربهم على الكذب والخديعة والتضليل والرياء والنفاق إضافة إلى خزينهم السابق ليتخرجوا فطاحل مؤهلين لكل مهمة يكلفون بها وليس هناك أحقر واخطر من إنسان متقلب يميل حيث الريح مالت ويوم جديد وحزب جديد يقف دائما على تلة عالية يراقب الشرفاء والانقياء والأتقياء والنبلاء لينفث بسمه الزعاف بعد سنين عجاف ليرى نفسه شمشون وشواف ومثل هذا وغيره كيف سيكون شعورهم عندما يقرءون هذه السطور التي تردعهم وتورقهم وعليهم أن ينتحبوا ويلجوا حماما ويبكون كتلك المرأة الزانية عندما طلبت التوبة  حينها يحلو القول وهل بحقهم (ارجوا من النداف ذهبا)أليس هذا وغيره ما يدفع الحوت للنفوق...في الفترة الأخيرة كثرت ظاهرة الندوات والمحاضرات السياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية وبدون شك الهدف والغرض من هذه النشاطات هو توعية الناس وجعلهم بالصورة من بعض المنعطفات التي نحن بعيدين كل البعد منها وخاصة العلمية منها والثقافية والاجتماعية لا سيما الجهد الكبير الذي يبذله معد المحاضرة والليالي والساعات الطوال التي يقضيها ويستهلكها في إعداد المادة على حساب راحته وراحة عائلته والمفروض أن تكون القاعة أو الباحة التي تُلقى فيها المحاضرة تلقي رواجا وحضورا منقطع النظير من كافة الشرائح الثقافية والسياسية ولكن!!!!!!!انه لشيء مقرف ومعيب ومقزز حين تكون المقاعد شبه فارغة ويمكن للمتفرج أن يعد الحاضرين بنظرة خاطفة وعلى الجانب الآخر من اللوحة ترى الكازينوهات والنوادي والبارات ومنعطفات الطرق ومفترقاتها تعج أيضا بالأفذاذ والذين ختموا العلم والمعرفة ومناهل الحياة وسبلها فلا داع لحضورهم وهدر وقتهم الثمين كما ويحدد نوع الجمهور القليل الحاضر وعدده على المحاضر ومكان انعقاد وإلقاء المحاضرة حيث المزاجيات والارتياحات الشخصية وتوجه المحاضر السياسي وقناعاته الفكرية  ولدينا ليس في القوش فقط بل في كافة بلداتنا وانأ مطلع على هذه الحيثيات فصائل وتكتلات تشجع على الشرذمة والتشتت والحقد والكراهية متصورين أن ذلك ينفع في الوصول إلى بر الأمان ولكن هم السبب في جعل الحوت في خطر ونفوقه قادم... لم يبقَ لنا إلا أن ننوه عن تلك المهازل التي نمارسها من على أنبل وأنزه صفحات الانترنيت وكأنها اكتشفت وطورت للنيل من احدنا للآخر أمام العالم المتطلع كله وهل أن جسدنا العليل يتحمل كل هذه التفاهات والنزوات ولو كانت صادرة من مراهقين لكنا فضلنا السكوت ووقفنا جانبا ولكنها تصدر من أقبية فتحت أفواهها بعد سبات جاوز أهل الكهف لتدمر كل صومعة أيقظ نحاتها القبج والبركتا من غفوته ويزيلوا تلك الأكواخ البسيطة للقديسين التي نطرتنا وحرستنا وخاضت جولات وصولات ونحن نيام لا نابه لصياح الديك ألا يوجد عيوب وكدمات في جسدنا لتذهبوا وتتناولوا ذلك المنحى المخجل ونكون على أتفه الألسنة وأقذرها ألا يوجد طريق آخر لتحافظوا على كبريائكم إلا بالخناجر والسيوف المشرعة دائما لمقاتلة إخوانكم بينما انتم لا تنبسون ببنت شفة والبعض يدنس مقدساتكم أما مرآكم ويمس شرفكم وتاريخكم فمن أين ورثتم هذه الشجاعة الفائقة والغيرة اللامحدودة وان كنتم قد طالعتم التاريخ القريب لكنتم خجلتم قليلا وأقفلتم راجعين إلى جادة الصواب ولا نجعل أكمة ردائنا دون كي وعلينا أن نبت بالحكمة التي تقول أن الشجرة المثمرة دائما تلقى بالحجر فلنكن بل لنحاول أن نكون أشجارا مثمرة وارفة الضلال وبعكسه الم نعجل نفوق حوتنا الأزرق............

81
في القوش..لقاء مع جهابذة الأمس  
                               
بقلم سمير القس يونان
العراق في 24 تشرين الثاني 2011

استضافت القوش الحبيبة المربي الكبير القاضي الأستاذ حبيب يوسف عبيا الذي يقوم بزيارة قصبته الساكنة قلبه كله وبلده المخضب بالدماء واستفحال الجريمة والذي غادره قبل خمسة عشر عاما مرغما ومنذ ذلك اليوم والأنين يغازله والدمع لم يفارقه طالما عراقه نازفا باكيا صائحا مولولا مترنحا جاثيا غاشيا...كان المربي الفاضل من أوائل المعلمين في القوش وله دور كبير مع غيره من الجهابذة والفطاحل الذين جعلوا من الكلمة شمسا تبزغ وتشع بين ثنايا وأزقة بلدتهم ثم لتنتشر وتسري سريان النار في الهشيم وتدق اغلب الأبواب معلنة حربها على الجهل والمتاهة والأمية...قبل أيام كنت مع الأخ باسل شامايا في زيارة للمربي الفاضل لنجري معه لقاءا بسيطا لننشره في جريدة صوت القوش وفي زاوية هموم الغربة التي استحدثتاها مؤخرا للوقوف عند بعض المنعطفات والمحطات التي تهم إخواننا الذين تبعثروا وتشتتوا في ارجاء المعمورة عسى أن نجعل من هذا المسعى خيطا رفيعا يشدنا لبعضنا مثل ذلك الخيط الذي يربط الطائرة الورقية أيام كنا أطفالا...

لقد طلب الأستاذ حبيب ولأكثر من مرة أن نعد له لقاءا مع تلامذته وذكر بعض الأسماء ثم استطعنا معرفة العديد ممن لقنهم وعلمهم وهذبهم وتم إبلاغهم عن نية المربى الوقور وابدوا استعدادهم وسعادتهم لهذا اللقاء وهكذا وعند الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة المصادف 7/10/2011 لبى هؤلاء الأساتذة الأعزاء طلب المربي الفاضل وحضروا في الوقت المحدد وفي حديقة نادي القوش العائلي وهم :: يوسف حميكا،جميل قوجا،كريم ككتوما،بيبو كريما،نوئيل عوديش،حبيب كردي،داويذ رمو،سادونا خوشو،اندراوس جولاغ،ايليا حلبي،حميد قلو،غانم أوراها قاشا،جميل حيدو،كريم قلو كما واعتذر عدد من الأساتذة للحضور لانشغالهم بأمور تخصهم...وكانت لحظة تاريخية عندما احتضن التاريخ نفسه وأعاد الشمس والكواكب إلى الوراء إلى عام 1948 عندما كانت مدرسة مار ميخا وكرا للعلم وعرينا للمعرفة وصومعة للأخلاق ومذبحا تقدم فيه القرابين للقلم وعبر هذا القلم دخل أبناء القوش تلك الدهاليز المظلمة ليصلوا إلى شواطئ دجلة إلى كنيسة مار بثيون التي عرفوها من خلال مذابح هولاكو...كان لقاءا حارا عارما ورغم العمر وسنوات القحط والجدب الفكري والنفسي كانت الدموع حاضرة عند اغلب المآقي وكأنها لم يضنيها الزمن والأستاذ بتلك الذاكرة الفذة عرف الجميع وشخصهم بل حدد كل طالب أن كان لديه صفة مميزة يشتهر بها آنذاك وأصر أن يكون كرسيه بين طلابه وامتنع أن يجلس على رأس الجلسة واخذ يجول بنظره وخاطره مفترسا تلك الوجوه التي أثخنها الدهر وجعل فيها تضاريسا عجيبة غريبة معللا ذلك ومع نفسه انه العراق الأبي الذي اخذ كل شيء وغير كل شيء ولم يعطي من الشيء إلا أذن الجمل...

بدأت الجلسة حين شكر الأستاذ تلبية الإخوان دعوته ورغبته وقال هكذا كان وسيكون عهدي الأخوي بكم وما حضوركم هذا إلا احد تلك الدروس التي تعلمناها حينذاك في الاحترام والتواضع وان هذا التجمع وهذا اللقاء أضاف إلى زيارتي رونقا وبهاء كبيرين وأتصور نفسي ألان وكأني في تلك الصفوف اصدح بصوتي مترنما جاعلا طيور السماء تتجمع عند الشبابيك كأنها مدعوة إلى وليمة ناقرة زجاجها مصفقة بأجنحتها راغبة دخول الصف لتشاركنا تلك التراتيل ولتتعلم من تلك القلوب العاشقة للمعرفة والمتعطشة ولكل ما هو جديد وجيد الجد والإخلاص...وبدا الأستاذ يتحدث وبإسهاب متطرقا مناحي كثيرة ومنها الهجرة وأحوال الجالية في كندا وإحياء التراث والقيام بمشاريع تخدم المنطقة وخاصة شريحة الشباب التي أضحت مكسورة الأجنحة وعرج على تلك الأفعال المشينة التي يقوم بها بعض من شبابنا في الغربة إضافة إلى تلك الذكريات الراسخة في ذهنه وعندما تناولها بشوق ولهفة أصيب الحاضرون بنشوة عارمة وسعادة غامرة والجميع شارك كل حسبما اختزنت ذاكرته من تلك المداعبات والمقالب والنكات بعد كل هذه السنين العجاف...

تطرق الأستاذ إلى القوش وعلينا جميعا أن نكون غيورين عليها ونعمل متكاتفين لإبقاء اسمها اللامع الساطع كما هو وكيف كان لها وفي كل زمن أو حقبة فارس أو بطل أو مفكر أو صنديد أو عنيد قادها إلى بر الأمان لتخترق العباب وليس زمننا هذا أصعب من ذلك الزمن الذي عاشه أجدادنا حيث استطاعوا حماية القوش من الخدش والصدع  وان حدث كانوا يرأبونه بسرعة لئلا يستفحل كما وكان لهم راع صالح ابد الدهر يقف منتصبا في ساحة الوغى مقاتلا ضاريا حريصا على خرافه يبكي حينما يداهمها ذئب أو ضبع ويسعد ويطير فرحا وحبورا حين هطول الأمطار ليعم الربيع ويكثر العشب والمرعى... أبدى الجميع آراء متباينة حول الهجرة وهو اخطر مرض نواجهه الآن والجميع لا يحرك ساكنا خاصة من يتشدق بمنطق (مستقبل أبناء شعبنا) وكم يعجبهم حينما يتحدثون أمام الكاميرات ليدخلوا التاريخ من أبوابه الموصدة بإحكام وهي ذلك السرطان الذي استشرى في جسدنا ونحن إن شخصنا بعض الجوانب السلبية للهجرة ولكن العاقبة والاحتضار الحقيقي عندما ينتهي وجودنا في هذه الربوع ونحن جميعا غافلين لهذه النهاية وتطرق البعض إلى أن الموضوع سياسي بحت وخلفه دول ومنظمات وأروقة ودهاليز كانت قد قررت إنهاء هذا الوجود وليس في العراق فقط وإنما في الشرق الأوسط كله ولننظر إلى سوريا والأردن ولبنان وفلسطين ناهيك مصر والمغرب العربي وتركيا وإيران وهي التي تؤلب التيارات الوصولية على هؤلاء العزل وتضع لهم مخالب وما يؤكد طرحنا هذا التسهيلات التي تقدم لطالبي اللجوء الإنساني والوصول إلى المبتغى بفترة قصيرة دون أن يحتاج إلى تلك المبالغ الطائلة التي كان يحتاجها أيام زمان بعد أن كانت في السابق طرق ميسميه صعبة مبهمة وغير شرعية وتستغرق أشهر بل سنين وتستنزف طاقات مادية هائلة وتطرق الأخ اندراوس جولاغ إلى موضوع الجيل القادم في الغربة ماذا سيكون شعوره وإحساسه تجاه بلده وبلدته ومسقط رأس أبوه وجده ولو خيروه بين القوش ولا نقل العراق وبين محل إقامته الآن فأيهما سيختار والجواب موجود لدى المجنون قبل العاقل رغم وفرة العقال هذه الأيام...ورأى الاستاذ أن الحركة الاقتصادية في القوش مشلولة واستغلال رؤوس الأموال شبه معدوم  في إنعاش القوش واستشهد بمصيف بندوايا الذي من الممكن القيام بمشاريع سياحية فيه وفي يوم ما سيكون قبلة للسياح والباحثين للراحة والاستفادة من مياهه في الري والزراعة وأضاف إنني أتذكر البستان العلوي والسفلي واللذين كانا يعجا بمختلف الفواكه والخضراوات وأتذكر جيدا حين كان رهبان دير السيدة يقومون بإدارتهما حيث كانوا يذهبون منذ الصباح من الدير إلى بندوايا ويقفلون راجعين عند المساء وكذا الحال مع البساتين الأخرى وأيضا بناء المصانع والمعامل لتستقطب البطالة المتفشية والتي هي سببا لكثير من المشاكل في مجتمعنا المصغر وهناك رؤوس أموال ومستثمرين من القوش وهم يعيشون الآن في أرجاء المعمورة متلهفون لاستغلال أموالهم في مثل هذه المشاريع ليعود الخير لهم ولالقوش...كما وتطرق إلى أوضاع الجالية في كندا حيث يقيم وأضاف إنها مبعثرة ولا يوجد شيئا يلم شملنا ويشد من أزرنا ويوحد جهودنا وينظم صفوفنا سوى ذلك اللقاء السريع العابر أيام الآحاد في الكنيسة وفي التعازي وهذه لا تكفي أبدا وأشار إلى بعض الأفعال المشينة والشنيعة التي يندب لها الجبين والتي يقوم بها بعض من شبابنا وربما سمعتم بها في الآونة الأخيرة وهذا ما يخيفنا كثيرا فهي بداية لانزواء هذا الجيل في تلك الزاوية المظلمة حيث الرذيلة والمخدرات والموبقات والحيلة والسطو والانتحال فإنهم راغبون في تسلق سلم الرخاء والمبالغ الخيالية والفلل في هوليود دون أن يتفصد جبينهم قطرة عرق...قبل الختام رجا الأستاذ من تلاميذه الأولون أن يذكروا له بنيهم وبناتهم والذين حصلوا على شهادات عالية وفي اختصاصات مهمة وحساسة وذلك طبعا يضيف إلى سعادته كما ومقدارا آخر وفي الختام أشار إلى بعض من تلك النشاطات التي قام بها مع بعض من زملائه في القوش عام 1949 أمثال المرحوم عابد كعكلا والمرحوم سليمان بوكا وكامل كادو عندما شحت المياه وجفت اغلب العيون سوى عين محلة سينا وكيف سيطروا على توزيع الماء ليستفيد كل أهل القصبة بالتساوي حالهم حال مدير الناحية عبدا لله الملاح وكيف انزعج من تصرفهم عندما منعوا المرحوم هرمز قبيكا من التزود بالماء للمرة الثانية حيث كان يسمح لمرة واحدة فقط  وكان باستطاعته نقلهم أينما يشاء لسيادة نظام الإدارة المحلية حيث يمنح صلاحيات واسعة للمسئولين وأيضا تبليط شارع القوش ولمسافة 5 كيلو متر بالعمل الطوعي ورصه الحجر قبل تبليطه حيث هب الشباب من كل حدب وصوب ملبين لذلك النداء فكم نرجو ونتمنى أن يتمتع ويشعر شبابنا الحالي بالمسؤولية كما كنا نحن...ونحن بدورنا نقول للزائر خفيف الظل ولضيوفه كم من طلقة أثيرت وكم من معركة قامت وكم من عراك بالأيدي أو العصي تحقق وكم وكم وأيهما أكثر عمقا وتأثيرا وفعلا ما ذكرناه أم تلك الحروف التي حملوها على ظهرهم غير آبهين عاتيات الزمن ليضيئوا الطريق ويبددوا الظلام الذي آلفوه بغياب عن أزقة القوش وتلك الكلمات التي زلزلت الأرض وقضت على مضاجع الجهل والتخلف وأيضا هؤلاء الميامين وبقبضة من الفولاذ جعلوا من المنجل مبيدا لكل شوك ودغل ومن الحب بلسما شافيا لكل القروح والجروح وهي صروح نادت وتنادي بالعلم والمعرفة ليس كصروحنا الآن خاوية ولا محال أنها ستكون ملاذا للطيور والخفاش فاقدة لتلك الروح التي تمنح الديمومة والبقاء والصيرورة وليس صعبا أو مستحيلا أن نقتدي بالأولين فكانت رسالتهم بحق شعلة بددت الظلمة لكل من يريد الانبهار والبذار....                      


82
مهمـــــــــــــة في ألقــــــوش

بقلم...سمير القس يونان
العراق في  28 آب  2011


 عمل الأنصار عموما يشمل على العمل العسكري وإيقاع الخسائر بجانب العدو قدر الإمكان وكان ذلك ينعش الحالة المعنوية المتدهورة التي تعيشها جماهير وسكان المنطقة الذين ضاقوا ضرعا من سطوة النظام وعنجهيته وكان العمل الأنصاري  يتعدى الجهد العسكري والتعبوي ليشمل المجال الثقافي والتوعوي ومن خلاله يتم القيام بالندوات ويتم فيها شرح الوضع الأمني للبلد وخاصة العراق في حرب مع إيران والوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي وفيها كان يتم فضح وتعرية النظام الحاكم وكان الإقبال في اغلب الأحيان جيدا إضافة إلى عمل آخر مهم وهو القيام بمعالجة الفقراء من خلال أطباء الأنصار ومنحهم بعض الأدوية المتيسرة وكان الحصول على الأدوية وجلبها إلى الأنصار بالأمر الصعب وقد حاول النظام ولأكثر من مرة وفي أكثر من قاطع إرسال أدوية مسمومة قاتلة من خلال أناس مأجورين ومندسين وكانت محاولاتهم تُكشف في اللحظات الأخيرة...كان ذلك في 18 من نيسان لعام 1983 عندما ارتأت مجموعة من الأنصار متكونة من أربعة عناصر وهم نبيل ’رفعت’ طلال’ وشعيا للقيام بعملية داخل قصبة القوش الهدف منها إرباك النظام وأجهزته القمعية في القصبة وتمت الحركة من قرية جماني عصرا قاصدين القصبة عبر طريق طويل إلى كلي كورتك ثم باصواي ثم صالحيه ثم سيدكي ثم عبور جبل القوش والسير شرقا نحو القصبة بمحاذاة الجبل وقد اخترنا هذا الطريق الطويل تجنبا للربايا التي كانت مرابطة على طول هذا الجبل...كانت الساعة تشير إلى الثانية ليلا عندما بدا المطر بالهطول واستمر هطوله إلى درجة أضحينا قطعة منه ورغم صعوبة السير في الطرق الميسمية الموحلة والظلام الدامس وثيابنا المبللة استمرينا بالمسير إلى مشارف فصبتنا وكانت المنطقة المقترح الدخول منها ملغومة دائما بالكمائن وبعد أن تسلقنا جبلا وأصبحنا مشرفين على موقع الكمين المفترض وبعد مراقبة بسيطة وممارسة أسلوب بدائي جميل أيقنا أن منطقة مار يوسف موقع الكمين الدائم أمينة ولا أحدا فيها...دخلنا أزقة القصبة بسلام واخترنا طريقا أكثر أمانا من غيره رغم علمنا  بمن استلموا سلاح النظام أو من لهم بشكل أو بأخر علاقةً بأجهزة هذا النظام وبسرعة خاطفة وصلنا دار احد الأنصار وكانوا على علم مسبق بقدومنا وكان الباب شبه مفتوح فولجناه بسرعة لئلا ينكشف أمرنا وكان موقع الدار على مرتفع بحيث ترى أعظم القوش منه وكانوا قد اطفؤا المصابيح توخيا للحذر...وتم استقبالنا بحرارة وما كنا نعاني منه قبل أي شئ ثيابنا المبللة وعالجنا الموقف وكانت الساعة تشير إلى الخامسة صباحا وبعد أن غيرنا ثيابنا وبهدوء وحذر جلبوا لنا الغذاء وما أطيبه لأننا بين ظهرانينا وبين أهلنا وكانت الكليجة حاضرة لان عيد القيامة كان قبل أيام وكان كل شئ هادئ وطبيعي ثم خلدنا إلى النوم وكان أهل الدار قد وضعوا خطة بسيطة للحراسة ولأي طارئ...تم إيقاظنا عند الساعة العاشرة وكان جوا مشمسا ربيعيا صافيا وكان للغرفة التي نحن فيها شباك يطل على القوش وقمنا نتسابق للحصول على فرصة لإلقاء نظرة على تلك الأزقة والساحات والبساتين والدور والمدارس التي تربينا فيها ونعمت أظفارنا بين طياتها والناس لعل احد من أقاربنا يمر من هناك وأقول له بس بس لأفوز بنظرة عابرة منه ثم قدمت وجبة الغداء الدسمة والتي كانت صعبة وغريبة على معدتنا التي تعودت على النبات والأكل البسيط فقط ...وبعد الغداء تم تدارس آلية تنفيذ العملية التي قدمنا من اجلها وارتأيت أن لا أفصح عن فحواها لعدم تنفيذها وللأسباب التي سنتطرق إليها لاحقا ومن اجل زيارة أهلنا الذين كنا بشوق عارم لرؤيتهم واللقاء بهم وكان آخر لقائي بهم قبل سنة وعند المساء تبعثرنا فكل واحد قدم أهله وأخذوه بعد التنكر والتمويه والمراقبة الشديدة أما أنا فذهبت إلى بيت جدي الفارغ والقريب من الدار الذي مكثنا فيه منذ ليلة أمس وكانت المسؤولية كلها مناطة بالتنظيم الداخلي فيما يخص جمع المعلومات والمراقبة وترتيب التنقل داخل القصبة والاتصال بذوي الأنصار والى آخره...وبقينا اليوم القادم بأكمله بمعية أهلنا وكان الوضع صعبا جدا والعدو يتربص ويقارب عن كثب ويحاول الإيقاع بنا من خلال عناصره الكثيرة التي وهبت كرامتها على طبق من الذهب ومن اجل بعض الشلنات ولكن الحذر التام حال دون معرفة أية حركة من حركاتنا وعند المساء تجمعنا في بيت آخر قريب أيضا على أمل إكمال العمل يوم غد والتقينا بشخص شيوعي قديم متمكن ثقافيا وأتذكر ما قاله عن البرجوازية بان لها طبيعة رجراجة قلقة مترنحة تميل مع المصالح والأنانية...في صباح اليوم التالي فوجئنا بخبر مقتل احد أولاد عمي في الجبهة وبعد ساعة سيصل نعشه وكانت السلطة قد استنفرت كل قواها وإمكاناتها بسبب ذلك وراقبنا الوضع من خلال التنظيم الداخلي الذي سخر كل قدراته في دراسة الوضع والاتصال بنا واتخاذ ما يلزم تجاه الوضع الجديد أما نحن فكنا في بيت يشرف على الشارع الذي سيسير النعش بعد ساعة عبره وذلك جعل أمرنا سئ للغاية وماذا نستطيع أن نفعل حيال ذلك...وما هي إلا ساعة وبعدها اقترب صوت النسوة وصيحاتهن وأهازيجهن وصرخاتهن ونواحهن ثم دنا الموكب المهيب الكبير وسار على بعد أمتار منا فقط يفصلنا حائط ولاحظت ورأيت من كان من المستحيل رؤيته من الأهل والأحبة والأصدقاء والأعداء وكان كثير من ممثلي الحكومة مشتركين مع التشييع وكان الجميع حائرا حزينا كئيبا تجاه هذا المصاب الأليم لفقدان الشاب الودود الهادئ الوديع وكان بيت الضحية رشدي قريب جدا وكل هذه الإحداث أضفت مسحة من التشنج الأمني للمنطقة التي نحن فيها والتي كان من المفترض التحرك منها مساء هذا اليوم المشؤم...كان الوقت الثانية عشرة ظهرا وانتهى الموكب في دار الفقيد وبعد ساعة بدا الموكب ثانية بالحركة متوجهين إلى المقبرة وكان جماهير غفيرة مشتركة وما أثير دهشتنا أن الكثيرين تحملقوا في الشباك الذي نراقب منه وانتهى الموكب وقررنا في الحال ترك الدار والتوجه إلى أخرى آمنة وبعد الاتصال بالتنظيم الداخلي رتب الأمر بالخروج إلى دار قريبة وكانت المنطقة قد خلت من الناس لذهابهم إلى المقبرة لدفن الفقيد وبلمحة بصر تحولنا إلى دار النصير أيفان حيث كان فيها الأنصار ايفان ’أدور و اراس إضافة للنصير لطيف الذين قدموا بعدنا...هناك التقينا بالأنصار وبعد مداولات بسيطة كان الرأي بالإجماع الخروج من القصبة حال إرخاء الليل سدوله وكان هدوء لم يسبقه هدوء لربما مثل (الهدوء الذي عم المحلة عندما تقدم الحرس القومي والمجندين الأكراد في تموز من عام 1963 قدموا باحثين عن الثوار والتقدميين وحينها ما كان علينا غير الاختباء في الكهوف والسراديب) كما والتقينا ببعض من أقاربنا الذين قدموا من بغداد مع النعش وكانت مناسبة طيبة ليقفوا على جانب من حياتنا وزينا وسلاحنا وإرادتنا وسعدوا كثيرا ولكن لم ننسى الحيطة واليقظة وأين نحن...عند الساعة الخامسة قدمت مجموعة مسلحة من الشرق وتحديدا من القشلة(مركز الشرطة القديم) متكونة من ستة مسلحين واغلبهم غرباء وكنا نراهم ونستطيع قتلهم بسهولة ولكن بعد القتل ماذا سيكون مصيرنا ومصير البيت الذي نحن فيه وقدمت نحونا ثم وقفت عند حاوية للنفايات متسترين بها وتقريبا كانت المسافة بيننا لا تتجاوز ألمائتي متر دب الخوف والحيرة والقلق نفوس من يعرفوا إننا هنا أما نحن فليس أمامنا غير الانتظار وهناك احتمالان لقدوم هؤلاء الأول لربما هم ذاهبين إلى موقع الكمين الدائم مثلما نوهنا عليه بداية المقال ولكن الوقت كان باكرا وهذا ما جعلنا نميل إلى الاحتمال الثاني والذي هو انكشاف أمرنا وما هذه الخطوة إلا جص النبض وماذا سيكون رد فعلنا ولكننا حافظنا على الهدوء التام والمطلق وكان عنصرين من التنظيم يتحركون بسرعة وتعقل لمعرفة من هؤلاء وهل هناك مجاميع أخرى جاءت من الغرب وكانت النساء من تنقل لنا الأخبار...غابت الشمس ولا تطور في الموقف والانكى من ذلك كله لم نستطع معرفة مصير الجماعة المسلحة ولكننا وبعد اكتساح الظلام المعمورة قررنا ترك الدار بعد ترتيب الأمر من قبل التنظيم وبعد هنيهات جاءنا الإيعاز بالحركة إلى دار أخرى وبسرعة خاطفة خرجنا وتوجهنا الى تلك الدار القريبة جدا من موقع الكمين ليتم مراقبته عن كثب ودخلناها وكل شئ منظم وكانت الأحوال في الخارج هادئة جدا وتم رصد الكمين وقمنا بمراقبته وبحذر تام إلى الساعة الثالثة ليلا وعندها جاءنا الخبر بأنهم انسحبوا ثم تأكدنا من خلو الطريق الذي سننسحب منه من الأعداء وخرجنا بخطوات وئيدة وبين الصخور وما هي إلا لحظات بعدها كنا خارج القصبة وحينها لم نكن بمأمن مطلق حيث من المحتمل وجود كمين آخر في منطقة (خووشا) ولكن كانت المنطقة خالية من أي كمين وكان الاتفاق أن نثور بطلقتين عندما نصبح بمأمن تام وحسب الاتفاق أثيرت طلقتين وتقدمنا نحو مبتغانا بسلام......         


83
ريجو قس يونان...قصة استشهادهــــا

بقلم سمير قس يونان
العراق في   11  آب  2011
المرحومة ريجو قس يونان عقيلة المرحوم أوراها كجوجا أم لخمسة بنين وثلاث بنات جميعهم متزوجين واغلبهم آثر الهجرة والضياع في تلك الأصقاع الغريبة وهي من مواليد 1917 ربت أولادها بعز واحترام متكاتفة مع زوجها متحملين جور الحياة وثقلها مهشمين نير الفقر وقحط الأيام بهمة لا تلان وعزيمة تجعل من الفولاذ يحسد صلابتها راكلين العقبات والمطبات بتلك الأقدام الجبارة غايتهم تأسيس أسرة سعيدة يكتنفها الود والاحترام ...لو تصفحنا أسفار الحركات الثورية عبر نضالها الطويل والدامي يطفو على السطح بعض من تلك الشذرات دائمة الألق والسطوع لا تعرف الأفول ولا السدول ترى في الليل والنهار في أديم السماء يستدل بها ليس من في الصحراء فقط بل من شحت عنده الإنسانية الحقة وجفت لديه تلك الينابيع التي تروي الروح والحياة وزاغ عن المعاني السامية عن المبدأ والهدف والطريق والمعتنق الذي لا يغره ويثنيه مال الدنيا واقنية الذهب...إحدى تلك الشذرات بل النسمات والمحطات التي علينا الوقوف عندها والتزود بالطاقة والوقود لنشق عباب الريح ونعيد صياغة صليب المسيح والتي من خلالها أيضا نستقي معنى البذل والعطاء ونستنبط من موتها الغريب حياة لا موت لها وينبوعا نرتوي من ماءه الرقراق بمجرد سماع خريره هي أم الجميع والتي لفها طي النسيان لسبب أو لآخر هي المرحومة ريجو أم لهامات شاخصة لا زالت آثارهم عند كل عين ماء واسمهم منقوش في كل كهف ولجوه بجانب تلك الرموز والرسوم والطلاسم التي وضعت من قبل الأقدمين...لنسمي هذه الأم الثكلى أيقونة..كان لهذه الأيقونة ابنا قد التحق بأنصار(بيشمركة) الحزب الشيوعي العراقي عام 1981 اسمه صلاح والمعروف بين رفاقه باسم( مخلص )يجوب جبال كردستان محملا ومثقلا بهموم شعبه وأهله رافعا مشعل الحرية رافضا الدكتاتورية عاشقا القمم الشماء وبسببه في 25 تموز من عام 1988 سنة الأنفال سيئة الصيت قام النظام المقبور وأجهزته القمعية المتنفذة بإلقاء القبض على عدد من آباء وأمهات الأنصار وحملوهم بشاحنات للجنود غير مبالين سنهم وحالتهم الصحية وابلغوهم أن لا يعودوا إلى ديارهم إلا برفقة أبنائهم الذين التحقوا بالأنصار وبالمناسبة كان شقيقه نادر يقبع في سجن بالموصل للسبب نفسه وبعد رحلة شاقة وعناء كبير ومعاملة رعناء واهانة صريحة تم جلب هؤلاء المساكين إلى ناحية اتروش التابعة لقضاء شيخان حيث بعدها لا تواجد لقوات وربايا النظام...بعدها انقطعت أخبار أم مخلص ولتكون الفاجعة مطلقة الواقعية جمعنا معلومات كثيرة ومن أفراد كانوا بمعية الأيقونة في الإبعاد والقرية التي نزلوا فيها ضيوفا إذن بعد المشوار الصعب من القوش عبر شيخان فاتروش ثم إلى تلك السيطرة إلى الشمال من اتروش المزعجة وبالمناسبة ونتيجة للتذمر الكبير من قبل الناس نتيجة للتحرشات والمضايقات من قبل هذه السيطرة تم تأديبها بعملية عسكرية مؤثرة وكنت احد الأنصار ضمن المجموعة المتكونة من الأنصار صباح و سالم  و سلام  و خالد و رزكار وغيرهم...ترجلوا جميعا عند السيطرة سابقة الذكر من تلك الشاحنات العسكرية وكانوا قد تقصدوا بنقلهم بهذه الطريقة للنيل من كرامتهم وعزهم وإذلالهم أمام العامة وسيقوا كما تساق الحملان للذبح والهراوات تنهال عليهم من عناصر السيطرة إلى مسافة وتركوا هناك لا يعرفون ماذا يفعلون ومن هنا لا نعرف ماذا حصل لهؤلاء المظلومين كما وانقطعت أخبارهم وفي تلك الأثناء كانت ابنتها يازي تسال عن مصير هؤلاء المبعدين وخاصة أمها من ذوي المبعدين دون أن تتوفق في الحصول على معلومة تفتح أساريرها وتقلل من همها وقلقها... وبعد مرور خمسة عشرة يوما وعلى حين غرة وصلتهم معلومة أن امرأة كانت قد أبعدت من اجل الإتيان بابنها واسمها أسيت عيسى والدة النصير غالي  موجودة في القوش في مكان ما وبعد محاولات حثيثة تكللت مساعيهم للوصول إليها بالنجاح والتقوا بالسيدة أسيت خفية دون معرفة احد وشرحت لهم ماذا جرى لهم من لحظة تركهم بالقرب من السيطرة سيئة الصيت وقالت ما يلي:::بعد أن أُجبرنا اجتياز السيطرة وباستعمال هراوات وأخمص البنادق وتوجيه كلمات جارحة ومخزية من قبل الذين جلبونا وطاقم السيطرة أيضا سرنا على شكل رتل عبر الشارع المؤدي إلى مصيف بلكيف ولم يكن الجميع بتلك القدرة ليتمكنوا من السير المستمر وكانت الأيقونة احد هؤلاء وهكذا وبعد تجشم عناء الطريق والاستراحات المتكررة وتحمل منقطع النظير وصلنا إلى قرية بيبوزي ثم إلى قرية دحلا نوي القريبة من الأولى والى الجنوب منها...مكثنا ولا زال الكلام للسيدة أسيت في هذه القرية يومين متتاليين وبما أن المهمة التي قدمنا من اجلها عقيمة وهي الإتيان بأبنائنا لذلك اتفقنا على الرجوع إلى الداخل ولكن من طريق آخر غير الذي أتينا منه وفي صباح اليوم الثالث تركنا جميعا القرية سالكين طريقا صعبا وطويلا وبما أنها لا تعرف أسماء القرى التي مروا بها سوى بعضها استطعت تخمين الطريق الذي رجعوا منه وهي عبر حسنكة – نصرة- ربتكي- كانيكة- كهربا- كاني مزن- ميزي – جمانكي- سواري- سبنداري – ثم سواره توكة...الكلام للسيدة المبعدة ثم انطلقنا إلى عدة مدن منها الموصل وبغداد وكركوك وقسم إلى القرى القريبة من القوش بعيدا عن عيون الأمن والجواسيس والعملاء وأما بالنسبة إلى العمة ريجو فلم تستطع المجيء معنا بسبب صحتها وكانت قد ازدادت سوءا ونحن هناك بسبب الطريق من اتروش إلى دحلا نوي وثانيا عدم تناولها الدواء حيث لم يوفروا أي الأوباش فرصة لأخذ أدويتها فأبينا أن نتركها ونغادر وتم الاتفاق فيما بيننا أن تقفل راجعة بنفس الطريق الذي أتينا منه ويأخذها احد الطيبين إلى السيطرة ومن هناك تكمل مشوارها بواسطة السيارات إلى القوش فتوسلنا من عدة أشخاص لأخذها إلى السيطرة الملعونة بواسطة جرار أو جواد ولحسن الحظ انبرى شخصا شهما اسمه يوسف وأتصور هو المختار القرية وتكفل بإيصالها غدا إلى نقطة قريبة من السيطرة...وحال سماع هذه الأحداث دب الخوف والقلق ابنتها يازي ومن معها وأقاربها وما زاد من الموقف إحراجا وصعوبة ماذا عليهم فعله وهم لا يستطيعوا الذهاب وان استطاعوا فأين يذهبوا ومن يسالوا وأين يفتشوا وهم يجهلون المنطقة تماما وهي منطقة مخيفة أحراشها كثيفة ووجود ربايا مطلة على الوادي وفي هذه الأثناء واللحظات الصعبة والحرجة اقترحت السيدة أسيت أن يحاولوا استحصال موافقة الأمن بالذهاب والتفتيش عنها وسأكون حاضرة للمجيء معكم دون أن يعلم احد وانفتحت أساريرهم بهذا المقترح عسى أن تكون أمهم بخير وربما قد مكثت لدى أولئك الأشراف...خرجوا من الدار دون أن يصدروا أية حركة  أو جلببة تنم عن شيء غريب وكان شغلهم الشاغل بمن يتوسطوا لاستحصال الموافقة ولكن بعد محاولات عديدة وجدية حصلوا على ما أرادوا وكانت لحظة حبور وسعادة عند معرفتهم ذلك وابلغوا السيدة التي سترشدهم إلى المكان وفي اليوم الثاني كان الجميع مقلين سيارة واحدة تنهب الأرض قاصدة دحلا نوي وكانت رحلتهم سليمة دون أي اعتراض لامتلاكهم أذن المرور وبعد ساعتين من السير المستمر وصلوا إلى القرية...بعد وصولهم القرية سألوا عن بيت يوسف الذي اقلها وكما هو متفق إلى القرب من السيطرة وخلال دقائق دخلوا الدار وإذا بالسيد يوسف موجود ورحب بهم كثيرا بعد أن عرف من هم وبعد استراحة قصيرة وأول سؤال بادر به استفساره عن صحة العمة ريجو وما هي أحوالها لقد أثار هذا السؤال زوبعة من الحيرة والقلق والاحتمالات فبادرت السيدة أسيت الم نكن قد كلفناك بأخذها إلى تلك السيطرة الملعونة وأردف السيد يوسف قائلا:::بعد أن ذهبتم بقت تلك المرأة العجوز عندنا ليوم آخر لتسترد عافيتها لتستطيع مقاومة أعباء الطريق الذي ستسلكه غدا وكانت حائرة خائرة القوى يائسة مهمومة لا تقوى على الكلام محبذة للنوم وكانت صحتها عليلة وتشتكي من أمراض كثيرة وكان وضعها النفسي لا يحسد عليه تبكي دائما وكانت على علم يقين أن ابنها النصير مخلص لا يمكن أن يرضخ لأساليب المارقين وكانت مصرة على الرجوع...وهكذا في 29 تموز امتطت جوادي بمساعدتنا امتطته بصعوبة بالغة وكانت مثقلة بهموم وتبعات زمننا الذي اندثرت وتلاشىت منه الأخلاق وانزوت الإنسانية في دهليز مظلم تعيش فيه الصراصير ومدمني المخدرات والدعارة وجَهزت حقيبة فيها قليل من الغذاء والماء الذين ستحتاجهما وتوكلنا على الله وغادرنا القرية وكما هو معروف أن الطريق من هنا إلى بيبوزي ثم بلكيف وصعودا نحو السيطرة يتطلب وقتا أكثر من ساعتين والطريق شائك وخطر ومتعب لامرأة مسنة ولكن ما العمل وهكذا انطلقنا نحو الهدف ورويدا رويدا كنا ننهب الطريق ودائما كنت اسألها عن صحتها وقليلا كان يصدر منها جوابا فكانت تجاوب بإيماءات وخلال ساعتين وأكثر كنا قد وصلنا بالقرب من السيطرة بمسافة اقل من مائتي متر وبصعوبة بالغة أنزلتها من الجواد وجلسنا على قارعة الطريق ردحا من الزمن متأملين قدوم سيارة ما لكن بدون جدوى وكان الوقت ظهرا عندما تركتها وها أنا الآن أمامكم وكل تصوري إنها الآن بين أهلها ترفل بالصحة والعافية...كان وقع كلام السائس كالصاعقة هزت كيان السامعين لان ذلك لا يعني إلا أنها غادرت الحياة ولكن أين هي ومن أخذها وماذا حل بها وهناك أصيص أمل بالنجاة ربما أخذها احدهم فاقدة للوعي إلى مستشفى قريب ولكن ذلك كان قبل عشرون يوما ولا بد أن يصلهم خبر رقودها المستشفى خلال هذه الفترة الطويلة إذن أين هي عم الصمت والهدوء بين الجالسين وفجأة أردف يوسف قائلا بانه سيذهب معهم ليرشدهم على المكان الذي نزلت فيه وفي الحال اقلوا السيارة التي أتوا بها وذهبوا إلى تلك البقعة المشئومة...وخلال أكثر من ربع ساعة كان يوسف يأمر السائق بالتوقف وقال هنا تركتها وترجل الجميع من السيارة وبدون عناء وخلال بحث بسيط كانت الفاجعة والطامة والكابوس والنهاية حيث كانت أشلاء من جسدها الطاهر مرمية هناك وبدا العويل والأنين والنواح والتأوهات وأجهش الجميع بالبكاء ليس لموتها فحسب حيث الجميع يموت ولكن لطريقة موتها النادرة والشاذة وهي أم لقبيلة من الاوادم ولا احد استطاع نجدتها  وآه لحظها العاثر.. لماذا لم يمر أحدا من هناك حيث الطريق معبد وتقع عليه أكثر من سبعة قرى ..في الحال تم التداول بين الحاضرين ما العمل ورسوا على الرأي التالي بان يرجعوا إلى القوش ويبلغوا الدولة والحصول على موافقة جلبها ودفنها في القوش وتوجهوا إلى مسقط رأسها  ووصلوها بسرعة قصوى واتصلوا بالأمن وشرحوا لهم القصة ووافقوا على جلبها شرط أن لا تدفن كباقي الاوادم ويشترك نفر قليل جدا لا يتعدى عدد الأصابع في دفنها وشرط آخر أن لا تقام مراسيم العزاء واستقبال الناس للمواساة لئلا تنكشف فعلتهم الدنيئة وهم محترفين وسباقين بهذه الأنشطة...في اليوم القادم ومنذ الصباح الباكر توجهوا نحو موقع الرفات ووصلوها باكرين ثم وضعوا الأشلاء في النعش بعد أن عطروه بالمسك والعنبر والياسمين والبخور ثم أتوا به إلى القوش ودون القيام باستخدام الناقوس وبأية مراسيم وعادات خوفا من  الجواسيس وتلاميذ الأمن وبعد صلاة بسيطة دون أن يشترك بها أناس كثيرون كالعادة ثم وارى النعش الثرى الطيب واقفلوا راجعين لا يستطيع أحدا الذهاب عندهم لتطييب خاطرهم وتقديم التعازي...هذه هي تراجيديا استشهاد العمة ولكن يعوزنا شئ مهم وخطر وصعب وهو كيف فارقت الحياة وليس هناك من شاهد ورأى ما حصل لها إذن لندخل هذا الدهليز المظلم عسى أن نخرج إلى الجانب الآخر بأمان فتعالوا معنا!!! نعود إلى الأيقونة التي أصابها الإعياء وتدهورت صحتها إلى درجة لم تستطع الوقوف على قدميها وكان الوقت بعد الظهر وفكرت أن تستريح قليلا لعلها تسترد بعضا من قوتها وعافيتها لتمكنها للوقوف وإتمام السير نحو الهدف القريب أو ربما يمر أحدا من هناك يساعدها ولو أن الاحتمال الثاني شبه مستحيل وهنا ولأنه لا أحدا شاهد ما جرى نستسلم للخيال لينسج سيمفونية محزنة ربما نحقق جزءا يسيرا جدا مما عانته ومما جرى في تلك اللحظات التي ترائي التاريخ كله أمامها وماذا سيحل بها تلك الأم التي ربت ثمانية شبانا وشابات متحملة الزمن العاتي ومطبات الحياة المزعجة ورفسات الدهر الموجعة والغير متوقعة في عراق جفت فيه سبل المحبة كما وكبت على أرضه تلك الهامات التي أسهمت في بزغ فجر كله شمس وافتخار...احتمال آخر ربما سيطر عليها الخوف واليأس بعد محاولات عديدة للنهوض والسير نحو الخلاص وما زاد من وطأة الأمر إدراكها التام بان الليل قادم وستبقى وحيدة تعاني الرعب من تلك الأصوات الموحشة للحيوانات المنتشرة في تلك الأودية العميقة ووحيف الأشجار التي تغطي الجبل  وماذا سيكون مصيرها وأسئلة كثيرة خطرت ببالها بسرعة البرق ولا جواب وربما بعد يأس مطلق وانحطاط نفسي قاتل وتزايد آلامها وإنهاك جسدها قد أسلمت لنوم نهائي لم ترجع للحياة بعدها...ربما كانت الليلة الأخيرة لها في هذه الأرض وقد تكون فارقت الحياة كموت طبيعي لعدم تناولها الدواء وهي تعاني من أمراض كثيرة ومن لجة الألم وعدم تحمل جسدها الإرهاق والتعب التي أُجبرت عليه والخوف من الوحدة والمجهول وإدراكها التام بان أية وسيلة تطلب فيها النجدة عقيمة ولا تجدي نفعا وبذلك يكون اليأس سببا رئيسيا لمفارقتها للحياة وان كان موتها هكذا فهي نعمة ورحمة حيث أسلمت الروح بسلام ورفق فيما لو قورنت مع موتها بطرق أخرى...واحتمال آخر فبعد جلوسها وعدم قدرتها على السير وانتظارها أحدا يأتي وينقذها ولكن وبمرور الوقت دون ظهور أصيص أمل وربما أخذت تجهش بالبكاء جاعلة من أنين البكاء وصخبه بل ربما أخذت ترتل بعض الصلوات أو تلك الألحان التي كانت الأمهات ترتلها أمام المهد جاعلة من هذه الجلببة كلها صديقا ومشجعا ومسليا لها في ذلك الصمت المطبق الرهيب  ثم استنفاذ كل السبل والحيل وحلول الليل واستسلامها لنوم عميق ثم مجيء حيوانات مفترسة ونهش ذلك الجسد البرئ الذي أثخنه هم وغم السنين العجاف...وهنا تراجيديا الإنسان والحيوان فمن أين تبدأ هذه الجائعات بالنهش أهل تبدأ بالرقبة كعادتها فان الجسد كله مخرم برصاص الزمن العاثر وتلك التقرحات والقيح النازف ونبض القلب المضطرب جعلت من تلك المفترسات تقف إجلالا وخوفا من ذلك الجسد البرئ وتلك الهالة الوضاءة المنبعثة منه رغم حيوانيتها ووعيها المتدني وبذلك تكون أكثر رحمة ودعة من اولئلك الأوغاد الأوباش الذين اغتصبوا خلوتها وعمرها وأمومتها ورحلوها إلى هذه البقعة التي يحكمها ويسودها الحيوان والجن ولكن وبعد انتهاء الفصل الأخير من مسرحية( سابقي حيوان) أكملوا رسالتهم المعهودة وحينها زلزلت الأرض وأسدل الليل حجابه وقامت المخالب والأنياب بجريمتها النكراء...    نعم تجمعت الحيوانات وكانت حائرة ماذا تفعل بهذه الوليمة بهذا الصيد الثمين الذي وفرته لهم أناس عَمَتْ بصيرتهم وشَلَتْ أطرافهم واكفهرت أساريرهم وشَحَبَتْ ثغورهم وقوضت مضاجعهم وثَلَمَت حِرابهم عند سماعهم كلمة شيوعي أو تقدمي أو ثوري والعمة الأيقونة ليست الأولى ولا الأخيرة فهناك حسيب ومنهل وحكمت وتماضر وجمال ومنصور ونوري أبو سمرة وأبو علي والمئات بل الآلاف على هذه الشاكلة وأيقونتنا نموذج عميق متكامل كان الغبار قد أنسانا إياها مثل الآثار التي كانت مقبورة تحت طبقات التراب وعلى حين غرة نكتشف قيمتها وبريقها بعد  نفضنا عنها غبار الزمن وترسبات الأيام ليتعرف عليهم من اعتبر نفسه من أهل الكهف ويدرك من اعتلى العرش وقبض بالصولجان بكفين من حديد إن التاريخ قد حددت معالمه بتلك الريشة وذلك الوتر وهذه القلم وباقارير من الدم القاني والدافئ...أية موتت لام ثكلى أعطت كل شيء ولم تأخذ شئ هل يوجد نهاية أتعس من هذه لام رفدت العراق ببنين وبنات قدموا الكثير للعراق في أعراسه وشجونه أهل  كوفئت بتلك الهدية التي يكافئ بها الموظف عندما يحال للتقاعد ولكن أمنا وإيقونتنا قدمت هدية ووليمة لذيذة للذئب والدب وباقي المفترسات كما وكحل مشوار حياتها الطويل والمضني بتلك الاهانة الشديدة والصريحة عندما وارى جثمانها التراب وكأنها إنسان حرم من دينه وحكم عليه الشعب بالرجم والحرق لاقترافه إثم لا يغتفر وذنب لا ينسى هكذا هو العراق وسيكون فيه الحق ونصله معقوف والأبي والشهم تاريخه محروف والرفيع والنديم والعليم دمه منزوف..أليس هذا طلسما مطلوب منا سبر غوره وكأسا نرتشف منه درسا وعبرة وصومعة نختزل منها ترتيلا ومزمورا وإرادة وأزميلا كان قد اغترف الرقيم والخزف والحرف وحكيما(طبيبا)استحوذ على الكمون والزنجبيل والعسل والاليسون يعمل منها خلطة يشفي السقم والعلة وأنينا وآهة تولول في كل زقاق وعتبة تصم الآذان كسيمفونية البجع وسراجا استخدمه بهلول ظهر احد الأيام باحثا عن ادمي الم يكن نزالا صعبا لم تشهده حلبات الملاكمة والمصارعة على مدى الأيام نعم أنها مفخرة يعتز بها من تاق إلى المعالي بعضلات مفتولة وطرق شائكة وهي أيضا نميمة وعار لكل من لا يتخذها زوبعة قلعت الضمائر المستترة والعقول التي خدرها أفيون الجيب والكرش والأنانية المقيتة...لنفهم التضحية من خلال أمنا تلك الأم المرمية في العراء ولمدة لا تقل عن عشرين يوما وما قاست وعانت قبل أن تحتضر وتسلم الروح فهي دخلت التاريخ بسبب معاناتها وطريقة استشهادها بينما لو رحلت وهي في دارها مع بقية أسرتها المتمثلة بالأب فقط لما تحدث عنها احد وكتب عنها احد وفي حينها كانت بعض الدموع ستذرف  لها أما الآن فان دموعا سخية ستخرج من المآقي عند قراءة قصتها المؤلمة وليكن قد مضى عليها أكثر من ثلاثة وعشرون سنة وسينبلج صباحا نقيا حين ذكرها وغيرها ممن جعل من ليله اسطوانة حب وسكينة لغيره...بقى الأب وحده يصارع الألم والمرض والفراق والوحدة ووجد له صديقا لم يكن في باله انه سيصادقه ألا هو الحزن والأنين واستمر الحال والمنوال لفترة ليست بالطوال إلا أن انقطعت الأخبار عن المحلة وبدأت الناس تسال أين العم أوراها هل هناك من رآه هذه الأيام ولا من مجيب وهناك من اقتحم الدار باحثا عن العم وبدا الصياح والمناداة داخل باحة الدار الكبيرة ولا من مجيب واستمر الحال هكذا ودخل الجيران وكان احدهم قد اشتم ريحة غريبة واقترح احدهم أن يعتلوا السطح لربما يكون هناك وكان ما أراد وما هي إلا دقائق بائسة مؤلمة يا ليتها لم تأتي حيث بعدها شوهد العم ومن هيئته ووضعه تبين انه قد فارق الحياة قبل عدة أيام...                                         

84
القوش تزدان بشفيعها توما توماس

بقلم سمير القس يونان
القوش في 17  تموز 2011
في 14 تموز وبمناسبة تحرير العراق افتتح متنزه البطل توما توماس على رابية عند مدخل القوش لكل من يروم زيارة البلدة ليستمد منه بعض من تلك العزيمة والإصرار وليكن هذا النصب من البرونز حسب اعتقادي جلمود صنم لكن نظرة واحدة إليه تعتري الناظر شعور بالغبطة والرهبة والغور داخل أعماق النفس بعيدا ليعش نزرا يسيرا مما خاضه وقاسه وتعلمه ودرسه وتحمله وجابهه...كان حلم جميلا يراودنا جميعا بل ربما عند الجيل الناشئ أكثر أن يكون لهم رمزا أو شفيعا أو قديسا أو بطلا يستنجدون به حين الشدائد وفنار يستدلون به حين الضياع وها هو يقف بيننا شامخا صلبا مبتسما شفيعا يجول بنظره كل بيت وكل زقاق ولا ريب إن كانت عائلته هنا أم لا ...أصبحت القوش رمزا للنضال والبطولة والمنازلة والشموخ ودخلت التاريخ من جميع أبوابه بسبب هذه الأيقونة الجميلة النادرة والتي أخذت وقتا طويلا من امهر الرسامين والنحاتين لصياغتها وإخراجها للملأ وبسببه أيضا نرى الوفود والشخصيات رفيعة المستوى تزور القوش تباعا وكم كانت كلمة أبو تارا مؤثرة ومفعمة وكأنه قد عاش في القوش بالقرب من توما توماس...إن لكل مرحلة ستار يسدل وكل شجرة عهد تبتر ولكل عين وقت تسبل ولكن كلمة توما والمكتوبة بحروف من نور لا يشملها السدول والذبول ولا الفتور وتبقى حية في ضمائرنا رطبة ندية في قلوبنا تبقى متلاصقة بنا كظلنا نتمسك بها لنستشيرها حين استحالة السبل إلى ينابيع جافة ...إن تراجيديا الموت الموجعة أنصفت هذه المرة واجتازت هالة توما دون أن تمسه أو تدعوه إلى وليمتها المفجعة وبذلك يبقى حيا رغم الموت والتلاشي والزوال ويبقى ينبوعا بمائه المدرار لا يكف ولا يبخل بنهل ماءه العذب إلى كل نفس عطشه لمفاهيم شمولية في حب الوطن والقومية والمبدأ والتضحية لأجله وللأسف قليل من يحترم تلك المسميات والمحطات والصولجانات فبينما ضحى الماجد بكل ما كان يملك حيث كان من أغنياء عهده نرى غيره يستنجدون بما لا يرضي العم ويتشدقون بما تشدق أنداد العم دون رادع ولدغة ضمير وقرصت زمهرير...ها قد تربع الخالد قلوبا أوهنها وأضناها الانتظار والفطام قدم من دهوك نعشا وسكن شرقا ومن بغداد جاء تمثالا ليسكن جنوبا أما شمالا وغربا كانت صولاته ونغماته ومتاريسه ومنازلاته بما يكفي ليكون موجودا فيها ابد الدهر مانحا السكينة والأمان لمن خذلوه وعادوه أولا ثم إلى محبيه وعشاقه الذين بكوه دائما وهم راقدين في أسرتهم في أحلامهم وخاصة عندما رحل جسدا وجلبت رفاته من سوريا إلى دهوك دون استطاعتهم المشاركة في التشييع وكانت حسرة لا ترتقيها حسرة...لا يمكن أن تطوى صفحة توما توماس ففيها من الطلاسم والرموز والمعادلات والسجايا كمٌ عجزت فيه المسلات والملاحم والمعاجم مضاهاتها ففيها الحب حتى لو من جانب واحد وفيها التضحية والإقدام رغم شرور الأصحاب قبل الأغراب وفيها الاستقامة والثبات لا سيما وحالة التقهقر والخيانة والتجبن سارية في الجسد سريان النار في الهشيم فيها من التواضع والدعة والبساطة قدرا جعلت من يروم إيذائه ينهار ويستسلم ويبوح بنيته السيئة المبيّتة وكان العم يعفو عن هؤلاء...أية عجينة جُبِل منها هذا المخلوق حيث كان يسمع بأمِ أذنه شتائم وكلمات بذيئة وكان يقابلهم بالسكوت دون أن يزدري أو يكترث باحدا وكان بمقدوره فعل الكثير من الأساليب التأديبية التي ألفناها من غيره وبذلك يشبه عندما قال السيد المسيح يا أبتي اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون وكم من لقاء سؤال طرح مفاده هل الطريق الذي سلكته سيوصلك إلى المبتغى وكان الجواب يأتي سريعا ودون تردد ليست كل الطرق تؤدي إلى السلطة ولكن الثبات والإصرار هو المبتغى الذي ارجوه من الجميع كما وليس صعبا الوصول إلى الهدف ولكن الأصعب والاهم الحفاظ على الهدف لتنطلق منه إلى مشوار أصعب...كان انجازا رائعا ويعتبر كل من ضحى وعمل وتبرع وخطط لصالح هذا المشروع الإنساني المصيري وفيا لذلك الشخص الذي بعث بتلك الرسالة بيد المختار عام 1969 منذرا من دنس اسم القوش مغادرة البلدة وخلال ساعة وإلا ستكون نارا ألسنتها ترى من بعيد وكانت تلك الرسالة زوبعة هزت المعتدي وحطمت الفنجان وبركان ارتعشت النفوس لعز وشرف بلدتهم وكانت الأهازيج والناقوس وأقدام جبارة تركل الأرض كان هذا العم الذي حفظ قصبته بأحداقه وجعل من أهدابه هالة جميلة تقينا شرور الكون!!!!أين كنتم يا اغلب أهل القوش حين الافتتاح لربما كان الضيوف أكثر لربما كنتم تخططون لتشكيل كيان سياسي آخر لتزيدون من التهرئ الذي انتم فيه ولتقسمون العشرة على سبعة وبذلك تعجلون من دنو تلك الساعة التي لا يحمد عقباها وستحرق الأخضر قبل اليابس
وعندها نكون قد أسئنا لأولئك لا الذين صنعوا لنا هذا الاسم الذي نتباهى به وجعلوا من القاصي والداني يرتاب منا....             
                           


85
أهكذا تصان الأمانة في زمن المهانة

بقلم...سمير القس يونان
فــــــــي  21  حزيران 2011

مما لا شك فيه أن الشعوب والمجتمعات الآنية سائرة في مسالك وخيارات ثقافية واجتماعية واقتصادية مجبرة وترسم لها الحياة في أروقة مظلمة وحكومات ظل وانه لبديهي أن تكون الخسائر العاطفية والروحية والتراثية جسيمة ومخيفة لا يمكن تخمينها وان نتائج هذا النفق بدت ظاهرة للعيان متمثلة بتدهور وتلاشي مساحة الثقافة والفنون وتدني في القيم والأخلاق وتكاد لا ترى مثل هذه المتغيرات لا من قريب ولا من بعيد...أن البشرية غارقة في الشر وأصابها التشاؤم وكان السحر انقلب على الساحر ولا من مسيطر لمجريات الأمور حتى اؤلئك الذين رسموا وخططوا للحياة أن تكون كما هي الآن فانه لم يعد بمقدورهم إيقاف السيل الجارف وتسونامي الهالك وهذه الحمم المقذوفة من تلك الفوهات تمحي وتقلع وتجرف ما بناه الإنسان السوي خلال ألاف السنين التي مضت ورغم ذلك لا زال الإنسان الجشع ماضيا في غيه ..
كيف السبيل لكبح جماح الإعصار الذي عصف بالنبيل والسامي والجميل واللبيب وكيف السبيل لامتصاص وطيس هذه الثورة المعاكسة التي أودت بحياة الديمقراطية وجعلتها على شفير الهاوية وسحقت الطبقة الوسطى والتي تربط بين الطبقتين المسحوقة والمترفة وخلقت حالة تخبط اقتصادية فكيف اللعب بكرة القدم إذا أُزيل خط الأشباه أو الوسط وعندها من يغذي الهجوم بالمناولات لتسجيل الهدف وهي بذلك تربط بين الدفاع والهجوم يربط ويوجد قنوات اتصال بين الدفاع والهجوم...من منا يستطيع الحفاظ على الأمانة التي أودعت بذمتنا من قبل أجدادنا الأفذاذ الذين كانوا مفعمين بروح البقاء والتحدي وسلاحهم الوحيد الغيرة والوحدة؟؟ وهل نستطيع بنسيجنا المتهرئ وأفكارنا التي برز لها قرون ناطحة مقارعة الطاغوت الذي بات عند عتبتنا؟؟بل كيف نوقف السرطان المستشري ضمن ثنايانا وطياتنا وها قد غزا فص الإحساس والوعي من أدمغتنا وبذلك نكون قد انقطعنا عن الغذاء الروحي والوجداني انه لبهر يس رائع وتقشف فكري لم يخطر ببال احد...قبل أيام التقيت شخصا في القوش في موقع قيادي لأحد الأحزاب وقال لي بالحرف الواحد عندما كنت صغيرا كنت أتمنى لو أن الله خلقني القوشي لما اسمع لها من بطولات ومواقف وصولات وشجاعة منقطعة النظير إضافة إلى مواقف قومية وعشائرية وكم أنجبت رموز يشهد لهم الزمن والتاريخ حيث شقوا عباب الأيام بسيوف وخناجر من الحب والبسالة أما الآن أيها الأخ وبعد أن تلمست القوش عن قرب فأرى فارقا كبيرا وجدارا اعلي وأضخم من جدار الصين وبارليف بين القوش الآباء الغيارى وبين القوش الأبناء... قلت له نعم لقد تغيرت المجتمعات والبشرية جمعاء بمختلف ألوانها وثقافاتها وأديانها واثنياتها وأعراقها ومرتباتها الاقتصادية نتيجة للعولمة والسوق المالية المفتوحة وسماسرة رؤوس الأموال والأزمات الاقتصادية الحادة وما أصاب الإخطبوط الكبير شاء آم أبى من أزمة مالية خانقة وابتعادنا جميعا وبدرجات متفاوتة عن الإيمان وقوانين الحياة وتلك المفاهيم والقوانين والأسس التي سطرتها وجسدتها الكتب السماوية والمسلات والرقيمات منذ حضارة السومريين والاكديين مرورا بالأشورية والبابلية واؤلئك الفلاسفة وتلك النظريات نابذين جميعها مفضلين الولوج في تلك الدهاليز المظلمة لنحتسي الشاي ونستنشق الهرويين ونعبد الفجور والمجون...وأضفت أن الإنسان مهما كان محصفا ومحصنا ومشربا بتلك القيم والمبادئ الجميلة السماوية والأرضية لا بد له أن يتأثر بمهزلة النفاق السياسي والعنكبوت الاقتصادي وحضارة الإلكترون التي نسئ فهمها واستخدامها والصراع الغذائي والتكالب على أوكار الفضيلة لكن القوش وبقية بلداتنا لا يمكن أن تبقى على حالها في هذا الخضم وهذا المخاض العسير وما يفرح أن تأثرنا ليس بدرجة كبيرة يصعب إصلاحه بعيدا عن اليأس والقنوط ونكاد نفقد آثار الركب الذي أمامنا وما علينا إلا الالتحاق به مسرعين وان ضاع الركب بين التلال فمن أين نأتي بزرقاء اليمامة ....إن تركيبة مجتمعنا المصغر في القوش حيث لا غريب فيه والجميع على صلة وقرابة مع البعض وذلك يقلل من درجة الإصابة من آفات الحضارة الحالية شرط أن تمسك المفاصل المسئولة عن هذه الخلية بزمام الأمور بقوة مستحوذة على كل الطرق التي تؤدي إلى جسمنا وكياننا ومن أهم المفاصل البيت والأسرة وما عليها من تدبير ومتابعة وإرشاد ثم المدرسة وحرصها على تقويم الطالب بحقنها مزيج من العلم والأخلاق والطاعة ثم الكنيسة ودورها في بث روح الإيمان والتقوى والتي لا تتعارض مع المفاصل الأخرى فإذا عملت مجتمعة بتفان وإخلاص ستكون النتيجة خلية ومجتمعا أفضل مما نحن الآن....  جميعنا اخذ يهرول دون أن يصاب بالإعياء والوهن خلف النقود باحثين عن ثياب جيوبها كبيرة ومطاطية في نفس الوقت لتتسع لأكبر كمية من الدولارات غير مبالين عن مصدرها والطريقة التي تجمع متناسين الجوانب البراقة والأخاذة والنظيفة للحياة التي وحدها ستبقى مرافقة للإنسان حتى بعد مماته ومن يطلع التاريخ حتما لا يرى كتابا أو رواية أو مجلسا أمتدح غنيا مترفا بل لا يخلو كتابا أو أسطورة أو ملحمة أو رقيم عن مديح وإطراء لتلك النفوس التي أحبت بل عشقت الشجاعة وجعلت الفضيلة والثقافة والفن والأدب والعلوم فنارا عاليا..بدت تظهر للعيان أفعال تصم الآذان وتزعج القديس وسمعان لا تليق بنا نحن أولاد الخاتون فلكل قصبة وقرية قصص يشهد لها الصولجان مقارعين الغازي بههم فذة وبعود الخيزران فلماذا الآن هذا الفلتان حيث الأحزاب والمجالس والجمعيات والمنظمات تقود إلى الخذلان جميعها يسب ويلعن ويشتم غيره والنتيجة يا أحبائي أكيدا ستكون مثل نجران ارحموا بنا يا حاملي المشاعل فهي مطفية من زمان لنعد جميعا إلى رشدنا ونشيد ما هدمه الفرقان فاني أرى في الأفق بيارق لوني بينها مهان...     



86
هكذا كانت حياة الأنصار 
     

بقلم سمير القس يونان
في  17  أيار   2011

كان الحزب يتكفل بتدبير لقاءات بين الأنصار وذويهم شرط أن لا يؤثر ذلك على سلامة الطرفين النصير وذويه حيث يأتي دور التنظيم الداخلي بالقيام بالاتصال بذوي النصير وبسرية تامة والاتفاق معهم على المكان والزمان الذين فيهما سيتم اللقاء. في صيف من عام 1984 كنتُ في إجازة ولمدة خمسة أيام والمكان المحدد قرية خورزان والتي تقع إلى الشرق من قصبة القوش لوحدي لكون المنطقة شبه أمينة والقرية تقع عند سفح الجبل حيث أي طارئ امني فجائي يمكن التخلص من خطورته باللجوء إلى الجبل ووديانه العميقة وهذا الكلام ينطبق في النهار فقط أما في الليل فكنت اخرج إلى احد الكهوف قبل حلول الليل داخل الكليان والوديان التي كانت منتشرة هنا وهناك وقسم منها لا يمكن اكتشافه أبدا إلا عند الوصول إليه خوفا من تقدم لأزلام النظام وجحوشه والاستخبارات التي كانت تجوب المنطقة بحثا عن صيد سهل...وبعد اللقاء مع الأهل وفي اليوم الخامس وردت لي رسالة مفادها البقاء والمكوث في القرية المذكورة لحين مجيء مفرزة بقيادة أبو نصير وانتظرت وعندما أسدل الليل ستاره قدمت المفرزة والتقيت النصيرين أبو نصير وصباح وابلغوني أن أبقى في القرية لحين رجوعهم من مهمة يرومون تنفيذها دون أن يذكروا لي شيئا آخر...انتظرت في البيت الذي كنت ضيفا فيه احتسي الشاي مع الأخ الياس احد أفراد الأسرة واجتازت الساعة الواحدة دون أن يأتي أحدا وبدا القلق يدب كياني لا ادري ماذا افعل حيث بقائي في القرية لمثل هذا الوقت من الليل أمر لا يسمح به لخطورة الموقف وسبل الخلاص والإنقاذ صعبة للغاية وما يزيد من الأمر صعوبة وجود أعداد كبيرة من عملاء النظام تغطي المنطقة جغرافيا وكنا على يقين أن أية حركة ونشاط للأنصار يصل إلى أجهزة النظام الحزبية والأمنية على جناح الطير وأسرع مما كنا نتصور...أدركنا الوقت وأضحت الساعة الثانية ليلا ولا أثر للمفرزة في الوقت الذي كان الصمت والسكون يخيم القرية والمناطق المحيطة بها وفي الحال قررت ترك القرية وولوج الكلي الطويل المحاذي لكلي (كلوكي) ولكن الأخ الياس أبى أن يتركني وحيدا وقرر الخروج معي وتناول سلاحه وخرجنا مسرعين لئلا يدركنا الخطر إذا وجد وما هي إلا دقائق بعدها كنا خارج القرية ودخلنا الكلي وكان مصير المفرزة قد شغل بالي أين ذهبوا ولماذا لم يأتوا أهل عبروا الجبل وقد نسوا موعدهم معي أو لربما لم تنته مهمتهم وكانت هذه الاحتمالات مسيطرة على تفكيري كله وبسبب انشغالي هذا كثيرا ما كنت أتعثر وأكاد أقع...كانت الساعة تشير إلى الثالثة عندما وصلنا الكهف(الشكفتة)وكان موقعها محصن لم أصلها مسبقا وكانت معروفة حصرا لأهل القرية وبصعوبة بالغة ولجنا داخلها لضيق فتحة الدخول ولوجودها على مرتفع وكانت الشجيرات تحيط بها بحيث تغطي فتحتها ثم توسدنا البنادق والعتاد وتمددنا وكانت مريحة بعض الشئ لدفئها ووجود التبن على أرضيتها غير آبهين بحيوان مفترس أو ثعبان أو عقرب أو كمين أو مندس تلك كانت حياة النصير يحيط بها الخطر وبأشكاله المتعددة...وتناولنا مواضيع شتى والتي كانت تدور حول محور الحرب مع إيران وما مصيرنا ومصير الآلاف من الشباب الهاربين من نار الحرب وثم خلدنا للنوم ونهضت صباحا وكان الأخ الياس غائصا في نومه وكانت الساعة السابعة والنصف وكان الهدوء المخيف يعم الكلي وهممت بالخروج من الكهف ولكن عند اللحظة الأخيرة قلت مع نفسي يجب أن اخرج تدريجيا وأراقب القمم وأعالي الجبل فإذا كان العدو قد قدم فانه حتما سيتواجد في المناطق المرتفعة أولا ليسيطر على الوديان والمناطق المنخفضة وثانيا لخوفه وجبنه الأكيد لان القادم لم يكن أبدا مؤمنا بقضية ولأجل من يضحي بنفسه...ثم بعد لحظات أخرجت راسي أولا وبصعوبة بالغة لاستطلع وأتأكد من سلامة الظرف والموقف وما أن رفعت راسي ونظرت إلى أعلى الجبل سحبته بسرعة وأدى ذلك إلى اصطدامه  بالصخر وكان ما رايته لم يكن في الحسبان حيث رأيت مئات الأشخاص ولم استطع تحديد هويتهم فيما إذا كانوا جنودا أو مجندين أكراد أو استخبارات المنطقة وفي الحال أيقظت الأخ الياس بهدوء تام ووضحت له الأمر وقلت له ما علينا فعله أولا التحلي بالصبر والشجاعة وثانيا بالهدوء التام ولا نقوم بأية حركة تجلب انتباه العدو المسيطر علينا تماما...وعند الساعة الثامنة بدأت الطائرات السمتية بالتحليق والطيران فوق المنطقة ومناطق أخرى خلف الجبل وكنا نسمع صوت قصف ولكنه بعيد ولم نستطع تحديد بعده لوجودنا في واد عميق وهذا الفعل عقد الأمور ولا يجب أن يكون استقدام كل هذه القوات ومعها الطائرات إذا لم يكن هناك أمر يستحق ذلك وفي الحال خطر على بالي مفرزتنا التي ذهبت ولم تأت وكنا نراقب العدو من داخل الشكفتة وكانت الساعة العاشرة عندما بدأت القوات بالانسحاب تدريجيا دون أن تُثار طلقة وبعد نصف ساعة انسحب العدو بحيث أصبحنا في مأمن وخارج مدى نيرانهم وبسرعة خاطفة قفزنا من خارج الشكفتة إلى الوادي وكانت شجيرات العوسج والزعرور وأخرى قد مَوَهتنا ولم يستطع أحدا من اكتشافنا أما الطائرات فكانت لا تزال تحوم حول المنطقة وكانت قد وسعت دائرة طيرانها لأنها كانت تتأخر في إكمال دورتها وكنت خائفا على مصير المفرزة التي كان أبو نصير من ضمنها ...استمرت القوات بالانسحاب وكانت بيادر القرية ترى من النقطة التي نحن فيها ورصدنا عشرات العجلات العسكرية وتجمعات بشرية ضخمة وكانت القمم والسفوح لأربعة جبيلات قد غطت ولغمت بتلك القوات وكان الانسحاب قد اكتمل عند الساعة الثانية عشرة وبدأت العجلات المحملة بالجنود وغيرهم بالانسحاب من القرية واستغرقت ساعة كاملة وخلت المنطقة من أي نشاط معادي وهممنا بالذهاب إلى القرية مسرعين وفي الطريق في وسط الوادي التقينا بعائلة الأخ الياس ولم يصدقوا مشاهدتنا وفرحنا كثيرا وابلغونا أن الجيش قام باعتقال كل رجال القرية وأخذوهم إلى جهة مجهولة...وصلنا إلى القرية وكانت الناس تنظر بتعجب إلينا وكيف تخلصنا من قبضة كل هذه القوات  وسردنا لهم ما جرى وبعد استراحة بسيطة تركت المنطقة وبعد مسير متواصل وبهمة عالية وعند الغروب وصلت قرية بالاتن(بلطة) وقضيت الليل في القرية دون أن يغفو لي جفن للحظة لان التوجيه كان يمنع السير والمبيت إذا كان النصير لوحده ولكن كنت مضطرا وقبل أن ينبلج الصباح كنت أسير في كلي رمان ووصلت قرية( دزي) وتناولت الفطور فيها وسالت إذا سمعوا شيئا أو مجابهة عسكرية أو أو ولم يسمع أحدا بشئ ثم أكملت الميسر نحو المقر وعند المغيب أدركت المقر وكان المشوار الذي قطعته طويلا جدا وكان النصير أبو امجد في باحة المقر وبادرته قبل أي سؤال عن مصير مفرزة أبو نصير وعرفت أنهم وقعوا في كمين ولحسن حظهم ورغم قصف الطائرات لم تقع خسائر بين صفوفنا فقط ستة جرحى وشرحت له ما جرى لي وسعدنا لعدم وقوع احد بأيدي الفاشيين...



                      Samer_alkass@yahoo.com               

87
ما طاب مقامهم في بيرموز...
 فآثروا الرقود في القوش


بقلم سمير القس يونان
العراق في 2  أيار  2011

إن الشيوعيين كباقي الأحزاب الوطنية والحركات الثورية رووا وما زالوا يروون هذه التربة العطشى بتلك الدماء الرطبة القانية إنها سخية روت ولا زالت تروي قصصا تفوق الخيال تهز العروش والضمائر والتي قلاها الصدى أيامنا هذه حيث اخذ الذبول القسط الكبير من ثنايا وطننا الذي أرهقته الكبوات دون أن يستطع رفع رأسه لبرهة من الزمن...قبل عدة أيام تم نقل رفات ثلاثة أنصار كانوا قد استشهدوا مع مجموعة أخرى عند مدخل كلي كورتك المطلة على دشت سينن وشيخ خدر والقريبة من قرية بيرموز المعروفة وهؤلاء الثلاثة كانوا على موعد مع الزمن الفاني حيث تتلاشى فيه الإحداثيات والزمان والمكان لتسموا أرواحهم عاليا لترفرف بأجنحتها البيضاء لتصنع لنا وحيفا وظلا في يوم حار وقيظ...أبطال أفذاذ لا يمكن للزمن مهما كان من الغدر سوءا نسيانهم وطي صفحتهم جعلوا من حياتهم ومستقبلهم مشروعا إنسانيا بحتا ورذلوا الذات والأنانية المقيتة بإقدامهم البريئة ويقولون لنا إننا ماضون إلى للانتماء إلى رابطة شهداء العراق التي أضحت اكبر وأضخم رابطة بين دول العالم...لقد أعادوا التاريخ إلى الوراء أكثر من خمسة عشرة عاما بل أضاءوا حقبة منه أي التاريخ كان العراق يرزح تحت نير ثقيل لا يحمله ثور وطاغوت جبار للأعناق بتار بحروف  معروفة فقط للثوار الذين وضعوا دمائهم على اكفهم مسترخصين الحياة كلها لاسم العراق أولا ولحركة أنصارهم ثانيا غير مبالين لما يجري لعوائلهم من بطش وتهجير وسجن وترحيلهم إلى جبال ووديان كردستان طالبين منهم الإتيان ببنيهم...هؤلاء صنعوا من جبال كردستان ناطحات ليروا العالم كله ومنها يبثون أخبارهم وصولاتهم وبطولاتهم فجعلوا من كارة عرينا يؤمه الأشبال ومن المتين برجا تتخيله الأشعار وكان النحل رغم فلسفته وعبقريته يستقي منهم الأسفار ومنهم يتعلم الصبر وكيف تسبر أغوار الأنهار ...كان الصمت والسكون قد خيم الدشت حين قدوم طائرات الأشرار لتنهال بحممها وصواريخها على صدور لا زالت نابضة حاملة هموم البؤساء رافضة الأقدار كانوا قد تحملقوا بعيون الأضداد مؤكدين لهم وان هوى وانهار الجسد فان الروح تبقى في الجوار فنار...خيم الصمت وزلزلت الأرض وفاقت من غفوتها معلنة الحداد على حبيبها وأسدل الليل ستاره وأعلنت الشمس اعتكافها وغضبها وعصيانها ودخلت الحيوانات والطيور أوكارها وجحورها وتوقفت العيون من تدفقها أما الأشجار والأعشاب فقد دب فيها الحزن والهم وأخذت تتمايل يمينا شمالا تنوح على من كان بالأمس يتفيأ بظلها...أبطال ربما يعصون أمر ذويهم ولكن النضال والكفاح لا يعرف المعصية والرفض فها هم في دشت مفتوحة لا أخاديد ولا صخور ولا قواطع ولا أودية ملتوية وسحيقة يحتمون بها حين تلم بهم الشدائد ولكن الضرورة تحتمت أن يتواجدوا هناك في العراء كما يخرج القندس من جحره باحثا عن طعام لأفراخه رغم إدراكه بالخطر المحدق المتمثل بالصقر الحائم فوقه تلك هي الغيرة ونكران الذات لا يهمهم ماذا سيحصل لهم ولكن المهم أن لا يتقاعسوا وينفذوا الأوامر بأمانة واستماتة...كنتم أيها الأحياء قد لوحتم بأياديكم البيضاء جميع الناس مانحين السلام زارعين الأمن والطمأنينة في نفوس البائسين واليائسين مشكلين درعا يقي البسطاء من لهب التنين متخذين موقعا متقدما في الوعي والثقافة والإدراك والتحليل مبددين الظلام والعتام الذي يخيم وديان وهضاب وجبال كردستان العزيزة...كم من صخرة توسدتم وكم من كهف ومغارة آويتموها وجعلتموها بيتا لكم وأكيدا كانت هذه المغارات في يوم ما مأوا للإنسان القديم الذي انحدرنا منه وكم هي مفارقة أن تنطلقوا نحو المبتغى من نفس المكان الذي انطلق منه أسلافنا القدماء مكملين المشوار نحو الأفق الشاسع المبهم منطلقين من المغارة الوضيعة كالتي ولد فيها يسوع السلام وليس من الفلل والقصور الفخمة...عند القبر كان هناك عش للدراج(ققوانا)وقد آثر الطير الجميل إن يبني عشه بين قبور الأنصار المؤقتة متيقنا أمانة وسلامة المكان وعدم اقتراب العدو اللدود الإنسان من العش والذي يحتوي على عدد غير قليل من البيض وتم الاعتناء بالعش بحيث لم يؤثر على شكله لكي يرجع الطير ويكمل مشواره في تفقيس بيضه وبذلك كان النصير صديقا لكل المخلوقات في بيئته ولم يشعرهم يوما انه عدو يكن لهم الضغينة فان كان للطيور والحيوانات هكذا مكيف سيكون للإنسان....أهلا بكم لترقدوا بالقرب من أبوكم ومثالكم الأعلى في الكفاح المسلح توما توماس فوق رابية القوش قلعة النضال ورمز الجمال لتشكلوا درعا وبلسما ومنهلا وسراجا لنا نحن المتعطشين للحرية والسلام الحقيقيين وكم سيكون لنا جميلا فيما لو انتهلنا من هؤلاء الوداعة والأمانة والمحبة ونكران الذات ونبذ المصلحية المقيتة والمحسوبية ووضع أمام نصب أعيننا مصلحة الجميع ومحبة الجميع والاتصال بالجميع فان الرب منحنا قلبا يسع حب البشرية كلها إذا رغبنا فليعتمر الحب قلبنا وعنها ستكون الغلبة والصيرورة والديمومة والبقاء لنا حتما..... 


                                  Samer_alkass@yahoo.com

88
إنني اسمع جعجعة ولا أرى طحنــــــــــــا   
   
بقلم سمير القس يونان
العراق في  22  نيسان

في مثل هذه الأيام وقبل ردحا طويلا من الزمان يقارب الألفي عام كان يسوع ابن الإنسان يستعد للفصح حيث كان قد قطع طريقا طويلا عبر الجليل والسامرة محاولا وضع سراجا عند كل قمة وهضبة ليبدد الظلام الحالك الذي أكتنف طريق الأمم وتثبيت أركان الحب والسلام والإيمان عند تلك الأنفس التي عاشت وتعيش قحطا وقيظا...إن التفاصيل إن لم يكن كلنا فاغلبنا يعرفها حيث القبض على يسوع والحكم عليه بالموت وآلامه ثم صلبه وموته وقيامته ولكن الحدث لم يكن كباقي الأحداث ويتطلب الوقوف والتمعن والنظر الى عمق التضحية والتحمل والصبر والحكمة ولأجل من وما مقدار وفائنا واحترامنا لتلك المسامير التي سمرت ذلك الجسد المخضب بالدماء على تلك الخشبة...هل سلك المسيح طريق الجلجلة من اجل نفسه وهل كان قد شكل حزبا اوتنظيما أو اتحادا أو جيشا سريا يناهض فيه التواجد الروماني محاولا تقويض سلطتهم وسطوتهم وهل مس التواجد اليهودي والشخصية اليهودية والتاريخ اليهودي ليعامل بتلك الوحشية والقسوة من قبل الفريسيين ورؤساء الكهنة وهل كان جرمه اكبر من أولئك اللصوص عندما سقي بخل ممزوج بِمُرٍ وهل كان باراباس أجدر بإطلاق سراحه من يسوع...نعم كان يسوع بنظرهم خطرا لأنه جاء ليمحي الفوارق الاجتماعية والطبقية وتجسيد المحبة والتضحية والأمل خلال جميع طيات وثنايا الحياة وذلك لا يعجب ويفيد الشرائح المسيطرة والمتنفذة جاء ليقول كلنا واحد وبذلك سيتلاشى مركز ونفوذ الفريسين والصدوقين والسلاطين والأباطرة والأمراء ولا سبيل للحرية والخلاص إلا بالمحبة والتفاني من اجل الغير..ما هذا العالم الذي يلهث وراء الذات والانا متناسيا الغير وأين كلام الرب وأين نحن إننا عاشقين للمظاهر والنفاق ومتشبثين بالقشور تاركين جوهر الإنسانية خلف الظهور وبذلك نسمع جعجعة وجلباب الرحى ولكن لا طحن في الأسفل لا فعل لا خطوة لا ذود ولا مجد ولا ننظر أبدا إلى الساعة ولا نعير للوقت أهمية تذكر وكل ما نصبو إليه صناعة مجدنا على أنغام سيمفونيات تصدح في الفلل والقصور تخلو من عبق وعطر الإيمان والخدمة لا ترتوي منها نفسنا وروحنا أبدا..لماذا لا ننتهل بلسما وحبا ودروسا تنعش روحنا من خميرة يسوع دون أن نسمر كفينا وأقدامنا ودون أن تشق جنباتنا حيث جزء من الوفاء والى أية درجة وصل كبريائنا لنمتنع من حمل الصليب ولو لبرهة من الزمن ولماذا لا نتحمل سوطا واحدا من تلك السياط التي ألهبت وقرحت ذلك الجسد الإلهي وجعلت منه غابة من الجروح وواحة من الدماء ولكن لم تَخُرْ وتنهار قواه ليبقى قويا صامدا ليذل جبروت الإنسان القاسي وليقول للخطيئة ها قد انتهى دوركِ...جئت لتمنحنا الوداعة وراحة القلب وصفاء النفس والروح وتحملت تلك الآلام والاهانات بدلا عنا وكنت من مهد الطريق عبر الأدغال والوحوش والقراصنة وقطاع الطرق لنسير فيه آمنين منصورين ورغم هذا كله نحن متمردون ناكرين تضحيتك مطلقين العنان لغرورنا ان يقودنا نحو المهالك والأنانية والحروب والكراهية نحو ماديات وقشور وترهات وتفاهات الحياة والتي لا محال سيكون الاندثار والزوال الحليف القوي لمعنى وفحوى ومغزى هذه الحياة المبهمة..الم تكن مسيحيتك أيها الفادي مدرسةً فيها كل العلوم والمعارف وتختص بصقل مواهب الإنسان الروحية الم تكن واحة وارفة الظلال يقصدها التائهون في تلك البيداء المترامية الأطراف الم تكن معجما يحوي كل التفاسير والتحاليل والأجوبة لكل حيرة وضائقة للنفس الم تكن نجمة الصباح وبها نستدل طريقنا ونصل مقاصدنا الم تكن راعيا يغار على راحة وسلامة غنمه وإذا فقد واحدة نراه يترك الكل باحثا عنها ولا يرتاح جفنه ليل نهار متيقظا من فعلة وغدر الذئاب...أتسمح لي أن احضن صليبك وارسم قبلة على ثغرك لعلني اكتوي بتلك السياط والهراوات التي أثخنت جسدك جرحا ودما وقيحا كيف تحملت كل تلك الاهانات واللطمات والركلات وانأ الإنسان الضعيف لا أتحمل لسعة بعوضة اوتمتمة صديق أو توبيخ معلم فكم من حرب وقتال وأرواح زهقت وأقوام هاجرت بل وأبيدت نتيجة كلمة واحدة جرحت حيائنا وصفعت قدنا..لنعد مسرعين ونتصالح مع حبيبنا الذي رذلناه وأهناه أكثر بكثير من تلميذه بطرس الذي أنكره ثلاث مرات فانا أنكره يوميا ولعدة مرات وان كان يهوذا الاسخريوطي قد سلمه بثلاثين من الفضة فاني أسلمه بدون مقابل هكذا نحن الذين اعتمرت الخطيئة ضمائرنا والتعنت الأجوف عودنا نعم إنني اسمع ندائه كل يوم يدعوني إلى وليمته وانأ بكبريائي وريائي ارفض وامقت دعوته وارتمي في أحضان الرذيلة التي قصمت ظهري وجفت مآقيَ حيث لا بكاء ولا صرير ولا الم .....                               




                                                           Samer_alkass@yahoo.com   

89
أطلال تموء من قيظ الفـراق


بقلم سمير القس يونان
العراق في 11  نيسان 2011
انه لألم عظيم عندما تسير عبر أطلال لك فيها ما ليس لك في دارك وقصرك الحالي وتبحث هنا هناك لعل جدارا أو باحة أو شباكا أو ركاما يناديك ويدغدغك ولو بصوت ونبرة مبحوحة ليبث في كيانك تلك القشعريرة وذلك الشعور والهاجس لينتشلني من وحل أنا فيه منغمس...قبل أيام وبينما كنت ماضيا إلى (كبد مايا) الواقع في جبل القوش بمعية عزيزين منذ الصباح لأجل الرياضة سارعت الخطى عندما وصلت الزقاق الضيق المنحدر الذي انتمي إليه بكل جوارحي لئلا تلمحني روحا من الأرواح الساكنة فيه حيث أبت مغادرة تلك الأطلال وفضلت البقاء متخذة قلادة الحارس لتنفث المعنى الروحي بتلك البقايا...كان زقاقا(ألولا)يعج بعشرات العوائل بمئات الأحلام بآلاف الآمال والتطلعات راضية بتلك الحياة البسيطة ذات الجيوب الخاوية حيث لم ولا يتسنى لها أبدا التلذذ بضيف من فئة كبيرة كدينار ومفرداته ولكن كان هناك قلب نابض دافق لا تستطيع كل مطابع النقود من إيقافه أو تعجيزه فكان قلبنا فقير الحال ولكن مفعما بالعنفوان والأمل والقوة والشكيمة واليد الضاربة لكل ترس يعيق التحدي وصولجان يزيح العاتيات لرسم طلسم ومجد ومنجنيق يعصف باليأس بردا ورعد وسرادا لا يبقي في الأعلى غير الحب والمهد...قلوب تسمع دقاتها من بعيد وعند أي طارئ وعندما يزداد الخفقان يدرك الجميع أن قلبا ما أصابه اعتلال ولا بد  من استنفار كل الجيوب الخاوية من الفلوس (أيامنا هذه متدلية من الفلوس المسروقة)لنجدة من بحاجة للنجدة والجميع يهرع نحو الألم ليحملوا الألم بتلك الجيوب والتأوهات على تلك الأكتاف التي أضنتها مرارة ولجة تلك الصفحات الخاسئة والمتتالية حيث القمل والجوع والجراد والسقلي والأمير الراوندوزي وطهماسب ثم القوميون والاشتراكيون...ما كان التاريخ ليصنع أو يكتب أو يصاغ أو يرسم بقلوب لا تنبض بالحب كقلوبنا التي أبت أن تترك للعفة والشهامة مكانا أو حيزا داخلها بعد ان كانت عامرة وزاخرة بتلك السجايا حيث الإنسانية الطافحة وكيف نسطر تاريخا ما دمنا لا نملك قلما ولا ملاحم ولا جولات ولكننا حبذنا اقتناء ممحاة تزيل كل الأحبار والكتابات من على الرقيمات وجلد الغزال لنعيد كتابة التاريخ بدم الأبرار عن فنون القتل وطرق النهب وسبل الاغتصاب...مشينا خلال الزقاق كله دون أن التمس واشعر بان هناك قلب ينبض وحنجرة تصيح وقطة تموء وتنور يعلو منه الدخان ومزلاج باب يتحرك وصوت أب يوبخ ابنه وتكتكة ساعة ماذا حل بحياة الزقاق وبهائه ونشاطه والى أين ذهب أهله لربما قسم باق ولكنه آثر وفضل الاعتكاف والسكينة لألمه لزقاقه ولعدم استطاعته إعادة الحيوية لبيئته التي أصابها الفتور والضمور والقسم الآخر ذهب بعيدا باحثا عن تلك الصفحات من أمجاد وخطى أجداده التي سرقها من سرقها ولكن الحقيقة ذهب ليعرض الصفحات التي بقت من تلك المآثر والتي يفوح منها عبق الماضي في حانات الخمور ودهاليز الدعارة وأنفاق الأفيون والقات...أما الآخرين لربما شيدوا دورا وقصورا في أماكن حضارية تخلو من الجيرة والغيرة وفيها الأبواب موصدة وأجراس(منبهات)الدور مفقودة ولا يشاركون الآخرين لا حزنا ولا سرورا ولا يهمهم إذا دخل جارهم صراعا وخرج منه منكسرا أو منصورا لا زيارات ولا لقاءات لربما يلتقون في الكنيسة حين تقديم النذورا هذه إحدى وخزات الحضارة والعولمة سرقت الحس والنفس وتركت الضمير والوجدان هباءً منثورا لا يوجد بيننا احد لا يؤمن بالتطور والتكنولوجيا ويعشق الحساب والجيولوجيا شرط أن تبقى إنسانيتنا وعاطفتنا وحبنا ووجدنا وقلبنا بين أضلاعنا نمنحها لمن يتذرع للخالق طالبا منه إياها قبل الخالق نفسه...أكملنا المسير نحو كبد مايا وخرجت من الزقاق بسلام خوفا من تأوهات وانين أرواح أجدادنا التي تراقبنا من دون أن ندري وقابلنا الفسحة الكبيرة التي كنا نسميها (قصيلا) قبل بداية الجبل وكان قصيلنا ملاذنا ومرجوحتنا ومدينة ألعابنا رغم خلوه من دولاب الهوى وسكة الموت وسفينة نوح وباقي الألعاب ولكن كان يعج بعشرات الأطفال والشباب والشيوخ وعند البحث عنا من قبل أهلنا في تلك الأيام وبدون عناء كانوا يعرفون أن واحتنا وسلوتنا هي قصيلا مجاميع تلعب ألقتا وبيت وأخرى تلعب العبدلو وثالثها تلعب الكيلاثا وأخرى تبلياثا والأكبر من هذه الشريحة والفئة العمرية كانوا يطالعون ويدرسون وبصوت عالي ذهابا وإيابا وكل طالب مجد له منطقته ومن كثرة الروحة والجيه كانت الحشائش لا تنبت في المسار الذي يدرس عليه أما الشيوخ فكانوا يجتمعون عند (كودا درباني) يتناولون تلك الأحاديث والحكايات والقصص التي عاشوها وكانوا يعتزون بها لأنها ارثهم ومالهم وكان بينهم من يستطيع الحديث ولمدة ساعات وهنا أقول من منا حاصلي الشهادات وفي جيبنا من رموز التكنولوجيا العجب أن يحكي حكاية فيها لغز ودراية...




                                           



                            Samer_alkass@yahoo.com


90
31 آذار..نبع لا ينضب

Samer_alkass@yahoo.com           
بقلم سمير القس يونان
العراق في 30 آذار

في هذا التاريخ بالذات اتفقت مجموعة من الشباب إقحام الوضع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي للعراق محاولين رص طريق العراق العاثر والمتلبد والشائك بذلك القرميد الأحمر بذلك الكرانيت الأخضر لحث الخطى نحو أمام ساطع يانع رائع غير مبالية ماذا سيحصل لعروش وأمجاد ورياض مزيفة أثخنت جرح العراق نزفا وقيحا وألما من زلزال واهتزاز وبركان وسيغدون بعدها أطلالا ينوح بين ثناياها الحمام في النهار ووحيف أجنحة الوطواط الجلدية في الليل...مجموعة تلفعت ببقايا علم العراق الذي بيع الجزء الأعظم منه بالمزاد وبثمن بخس واستقطع كما تنهش الشاة بين أنياب الذئاب والضباع ولا احد يذرف دمعة ساخنة لهذه اللؤلؤة التي صيغت وكورت بين صدفتي محار في احد أهوار العراق جاءوا ليكونوا صواري وفنارات بها يهتدي من فقد طريقه في عرض اليم والبيداء مجموعة لم تكن الماركسية همها وحزنها وديدنها بقدر حب ومصير العراق...مجموعة اقتنعت أن الشيوعية خير مسلك وسلوك ومن خلالها ترتشف رحيق الشغيلة والأيدي العاملة لتصنع ذلك الغذاء السرمدي ليكون أسطورة وبه تضع اللبنة الأولى لمجتمع متساوٍ متحاب تمحى فيه الحواجز والفوارق الطبقية التي هي أساس الصراع الآني وأيضا الأبدي...في مثل هذا اليوم اُعلن عن تأسيس حزب سيُروي السهوب والبراري والبوادي بتلك القطرات القانية من ذلك الدم وما فضل منه كتبت به قصائد شعرية تمجد العراق راسمة صورة الإنسان الحقيقية منتشلة إياها من وهن العبودية والإقطاعية وسموها إلى مرتبة تُعجِبُ خالقها...في مثل هذا اليوم تلاشت ما بناه التاريخ وصفحاته المتقلبة من حواجز وهواجس واختلاجات واختلافات وفروقات بين النفس البشرية الواحدة حيث لا دين ولا قومية ولا أثنية ولا عرق ولا لون ولا لغة ولا انحدار ولا مرتبة اجتماعية تقف حائلا بين الإخوان فالكل يجب أن ينصهر ببودقة واحدة ليشكلوا سبيكة متينة فيها كل الألوان والأديان والاثنيات لينهضوا بالعراق ونفض الغبار الذي علق به بسبب العواصف الكثيرة التي هبت عليه...ألا يجوز أن تكون البداية لدى فهد(يوسف سلمان)لوحة محزنة أو مشهد مؤثر في صغره لفلاح يحصد بلقمة بطنه بعد أن ألهبت ظهره سياط مالك الأرض وما يزيد اللوحة اكتمالا انه أي المؤسس منحدر من إحدى القصبات شمال الموصل الفلاحية وربما تأثر بأولئك العمال في الورش البدائية التي كانت منتشرة في منطقة سكناه...حلم سكن الوجدان والكيان وستتداوله الألسن عبر الزمان حلم أحبه من سمعه وتمنى لو كان من رآه حلم فيه يشارك الجميع صاحبه أفراحه وأتراحه فيه الحياة تضحك ولا سبيل للحزن في طياته حلم يصاحبك ما حييت ولا حياة بدونه...افترشت الشيوعية بساطها رغم العواتي والأعاصير المهلكة ورغم الأنفس المربكة المسفكة فقد لاحت الصواري بين البراري يصاحبها الحجل والحباري لتدك معاقل وقصور الجواري وتقوض سلطة البكات والمعالي وتنادي بقوة وتشحذ الهمم من الجنوب والشمالي...لقد طرقت الأبواب كلها شاحذا ودهم مشاركا همهم حاملا ثقلهم لتقول لهم وبصوت مدو لنمضي جميعا نبحث عن الكنز الذي دفن في دجلة وتحرسه حورية كنز فيه مفتاح العراق وطلسمه كيف نحصل على الكنز إذا لم نشترك كلنا بالبحث عنه امسكوا تلابيبي لنسبر غور ونكشف سر الكنز حيث فهد وغيره من الصولجانات عبدوا الطريق اليه وها هي خريطة مرسومة على جلد غزال تقودنا إلى المخبأ لنفتح باب العراق حيث بح صوته من البكاء وان لم نلحقه سيكون مصيره كتلك الحيتان النافقة على شواطئ اليابان.........               


91
هامــــــــات تتهاوى بالمجــــــــان

بقلم سمير القس يونان
العراق في 23 آذار

لو تصفحنا وتوغلنا قليلا في دهاليز التاريخ وأزقته المظلمة وأقبيته الحالكة والمخيفة لاكتشفنا وبدون عناء وبقليل من التروي والحذاقة انه أي التاريخ عملية صنع الحياة وهو سلسلة متصلة ومستمرة لا يمكن فصم عراها وخط مستمر يتكون من مراحل وأشواط رغم ما يتخلله من فراغات وثغرات وعثرات نتيجة للحروب والإبادات وإقامة حضارة على أنقاض حضارة أخرى وهذه المراحل والأشواط والمتمثلة بالحضارات والممالك والإمارات حمل صولجانها وتيجانها واسواطها رموز وأعلام وهامات وشخوص استطاعت أن توصل عجلة الحياة إلينا نحن غزاة التاريخ...إن التاريخ هو ميراث الأمم والشعوب وذلك الإناء الفخاري الذي ينضح بتلك القيم والمفاهيم ومنه تستنبط التجمعات البشرية الحالية دروس وملاحم تحفزها إلى الاعتزاز بتلك الأمجاد والتشبث بتلابيب الحياة الآنية وفي نفس الوقت تحاول بقايا تلك الحضارات أن لا تخيب ظن أسلافهم بالتحلي بالشجاعة والغيرة ورص الصفوف ونبذ الخلافات والحوار الدائم والبناء والسير على حذوها نحو الأمام  ونستطيع تشبيه انتقال حيثيات التاريخ من عصر إلى عصر ومن عهد إلى آخر ومن حضارة إلى أخرى بفعالية ركض البريد ضمن العاب الساحة والميدان حيث فيه يتم إيصال وتسليم عصا البريد من لاعب إلى آخر ثم الوصول إلى خط النهاية...إن حاضرنا الاممي المؤلم لا يمكن له أن يضيف لجدار التاريخ لبنة ممكن أن تقوي من ورصانة وجبروت هذا الجدار بل يحاول هذا الحاضر فك الأواصر والروابط التي تشد ذلك الجدار العتيد الذي نشمخ ونفتخر به وبناء وإقامة حدود وحواجز حسية وعاطفية بين مكنونات المساحة الإنسانية الحالية انطلاقا من الرؤية الأحادية الجانب والنزعة السادية لؤلئك المتنفذين والذين بيدهم الدفة والشراع والأطماع القاتلة والنوايا الشريرة وأخيرا تكون النتيجة سحق واندثار الأقليات قومية واثنيه هنا وهناك فعندما تتصارع الفيلة فيما بينها تعود بعد العراك لتتصالح والنتيجة هي سحق ودعك تلك الحشائش التي جرى المناطحة والمصارعة فوقها كما حصل لنا الأقليات هنا في بلد الحرية والتسامي والشموخ حيث المصالح الذاتية  والصراع بين الهراقل والملاكمة المبهمة الكاذبة كما نراها في التلفزيون لا احد من المتبارين والمتصارعين يصاب بأذى فقط خشبة الحلبة والكراسي التي تتطاير تصاب بأذى وربما في بعض الأحيان يتطاير الحكم مع الكراسي في الهواء الطلق...             
إذن نحن المسيحيون عموما سواء كنا كلدانا أو سريانا أو اشورا أو ارمنا وكذلك اليزيديون والى آخره من الأقليات التي لهم جذورا عميقة ربما تمتد الآلاف السنين والذي لهم الغلبة والأولوية بحمل العراقية مقارنة بغيرهم فلا بد لهؤلاء  من مستقبل غامض مؤلم وسيكون مصيرنا مصير ذلك العشب الندي الغض النابض بالحب والحياة والذي يضفي للطبيعة جمال خاص ذلك العشب الذي هرس وشوه وسحق تحت أظافر واضلاف وأقدام الفيلة العملاقة وما يزيد من عمق الهاوية ان الكتل التي نعيش معها لا تستطيع وبسبب نظرتها الضيقة وتطلعاتها القومية أن ترى سواها وتحاول ابتلاع والتهام ما يحلو لها من الطبق الشهي ومن يستطيع ردع الفهد إلا الفهد ومن أين نأتي بالفهد طالما غابتنا كلها...في مثل هذا الخضم وهذا الاصطفاف وهذه الثقافة كيف يمكن إيصال عصا البريد إلى النهاية بأمن وسلام ونحن على كف عفريت والهجرة تنخر وتحفر بالعظم والكبرياء والتعالي يسيطر على الخليل والجليل والتفكك والتحزب أمر مخزي يندب له جبين عديم الخجل والانزواء في ركن مظلم والقيام بدور فناص بغداد والدخول إلى أرحام غريبة والحصول على مشيمة غريبة وبوق الأحزاب
والمنابر والمجالس والجمعيات والهيئات لا ينفك يسكت ليصم الآذان بعبارات وجمل رنانة لم يتطرق التاريخ بعمقه اللغوي والفلسفي إلى أشباهها مع هذا كله كيف نستطيع أن نحكم وما هو الحكم أكيدا سيكون مخيبا للآمال ومحبطا للمعنويات ومثيرا للشفقة ومذرفا للدموع عندها وقبل الرمق الأخير على الموما إليه تغير كل شئ وليكن البدء من لا شئ وجعل كل شئ يفيد لشئ فوق طاولة المناقشة والأخذ بغيرة المسيح عليه السلام على خرافه مبدءا فكل واحد في الركب مهم فالإقصاء والتهميش والتحقير لا يفيد بشئ بل أن فعله السيئ يطغي من مدبره قبل قاصده...       


92
عندما قال المرحــــــــــــــوم.....نحن باقون

بقلم سمير القسر يونان
العراق في  13 آذار  2011

في مثل هذا اليوم من عام 2008 فقدت كنيسة العراق كوكبا وهاجا ساطعا وعكازه لا تلين كانت متكأ لمن يريد وفنارا يقصده التائهون في عرض اليم وفسيح الصحراء وسراجا يعادي الظلمة والضلالة وصوت رخيم من البرية ينادي نعم كان المطران فرج رحو سارية تحمل هموم الموجوعين والمحرومين ممدودا يديه مانحا من ضعفه قوة للمنهمكين...كان المرحوم يعي وبكل ثقة انه ماضٍ إلى اجله المحتوم كما كان يسوع داركا صعوده إلى أورشليم حيث الفصح والألم والموت والقيامة وبعمله البطولي هذا أشاد إلى التحدي وإذلال الموت والخوف لاسم ..لمعنى.. لمعتقد..لطريق شائك..لرشفة كاس..لصليب قائم..لكاس سامق.. إذن في موعظته الأخيرة لم يكن خائفا أو مترددا أو منزعجا بل بين أن للموت معان وأهلا بالموت عندما يأتي وأنت في خدمة الآخرين...لقد قُتِلَ لأنه تشبث وتمسك وأكد وفي أكثر من مرة على البقاء واعتبار الوطن المثوى الأخير لمن يحب وطنه ولا راحة وأمل إلا فيه كما وأبى أن يترك خرافه يوما ولم يخذلهم للحظة واحدة وكان الحارس الأمين لا يغفو له جفن والذئب يتربص بالقطيع وكان باستطاعته الخلاص والتملص ولكن كان سيموت وهو حي ولم يكن بمقدوره بعدئذ إلقاء موعظة يحث فيها على الإيمان والتمسك بتلابيب الوطن ففضل الموت لكي يبقى صوته صادحا نقيا ثاقبا مدويا تتناقله الألسن والقنوات والمجلات فقد تفوق على الموت ولم يرض أن يموت كباقي الناس ليكمل رسالته وإنني على ثقة تامة سيرسم ليكون شفيعا أو قديسا...
كيف عشق المطران العراق كله رغم جراحه وآلامه وآهاته.. أهل كان باستطاعة قلبه أن يحوي العراق كله لقد كان العراق جزءا كبيرا من إيمانه وكان يعاني من جروح العراق النازفة قبل أن يولي لألام المسيح أهمية لربما أحب المسيح لأجل العراق أو رأى أن الألم امثل طريق للعشق والاعتناق فطالما الطريقين مؤلمين (العراق والمسيح )ومن يسلكهما يجب أن يكون جبينه متفصدة للعرق ذلك هو الوطن برأي الخالد...
قلنا مرارا أن الوطن هوية لا يمكن الحصول عليها مطلقا وإنها لفرصة جميلة أن نستذكر الوطن من خلال فاجعة المطران وكيف أن الوطن يقتل ويصلب على مذبح الرذيلة كل يوم على يد المتشدقين والسماسرة والمأجورين وكيف تنهش جثته الهامدة بأنياب قاطعة على يد الأوباش والصقور البشرية الطافحة بالطمع والجشع وكأنها حيتان لا تشبع وكيف يُباع بليرات بخسة لا ليعززوا حساباتهم في بنوك ومصارف أبو ظبي بل ليتخلصوا من الق واسم وتاريخ وعمق العراق ويطمسوا صفحة العراق وسفره في مستنقع كريه...لقد رحل المطران وجعل القلوب تتفطر دما وتعتصر ألما وتنزف قيحا جاعلا هذه القلوب تنتظر مثل تلك الكلمات التي تروي الروح بلسما ووهجا تنطلق بهما نحو العنان تلك الكلمات التي نتوسد عليها لحظة الوهن والضعف لماذا رحلت مبكرا وتركت الهياكل والمنابر والمذابح تنتظر من يفعمها وينفث فيها نفس البقاء والعلاء مذابح تتلى من على مدرجاتها القسم والولاء للصليب الوطن...نعم يا أبتي لم تطلب من ربك أن يعفو عنك ألكاس ولكنك تقدمت نحو الجلادين وحاملي السياط بهمة لا تلان وعزيمة لا مثيل لها وشكيمة اصلب من الفولاذ ولم تنحن لهم ولكنك نصحتهم من أين تؤكل اللقمة وسهلت لهم الأمر وفي ذات الوقت كنت تطلب من خالقك أن يعفو عنهم معللا ذلك بعدم معرفتهم ما هم قائمون به أية أيقونة أنت ربما أيقونات أنا صوفيا وكاتدرائية القديس بطرس لا تضاهيك حيث محت هذه الأيقونة كل الفواصل والحواجز بين البشر وجعلت المعمورة حديقة غناء فيها من الباسق والمتسلق سترا للعوراء ومنهلا معطاء يرتوي منه طالب الحب والوفاء...                 
         

93
رغم اهانات الحدود التركية...لا زالت هجرة المسيحيين 
 مستمــــــــــــــــرة

بقلم سمير القس يونان
العراق في   5  آذار
رغم الاستتباب الأمني النسبي في عموم العراق وقلة الجريمة وانسحاب الإرهاب وعودة الثقة بالشارع بعض الشئ إلا أن المسيحيين لا زالوا راكبين عقلهم ومصممين على التلاشي والاضمحلال والعزوف عن البقاء في وطن أجدادهم ذاهبين بعيدا للم شملهم وأوصالهم التي تشتت في ارض الله الواسعة...لوحظت في الفترة الأخيرة عودة عائلات كثيرة بسبب منعها من قبل بوابة إبراهيم الخليل الحدودية التركية بدون توضيح السبب وختم جوازات السفر لهؤلاء العوائل بالختم الأحمر والذي يعني منعهم من الدخول إلى الراضي التركية لأمد غير محدد وإعادتهم إلى العراق بسيارات الشرطة وكأنهم مجرمين القي القبض عليهم متلبسين بفعل لا يقبله القانون...ألا يعتبر ذلك اهانة عندما يسلب حق من حقوقك التي تعودنا على سلبها في بلدنا وفي غيره من قبل نقطة حدودية دون توجيه تهمة معينة أو تقصير محدد أو مخالفة لا يجيزها القانون ويتم طردك دون اعتذار دبلوماسي فقط التأشير باليد نحو العراق من قبل الضابط التركي وسيارة الشرطة الحدودية جاهزة وكان الأمر مبيت وكنت أتمنى أن يعرف الذي أهين وأعيد من قبل تركيا ماذا فعلت بأجداده من إبادة وتطهير وغسل لعروق عديدة...ماذا دهانا نحن النفر القليل الذي لا يعني شيئا الآن بعد أن كان موجا كبيرا يحسب له آلف حساب لا لشره وجبروته العشائري الدارج بل لوزنه الفكري والثقافي والعلمي والتقني وفي بعض الأحيان السياسي ومسيرة العراق وعبر مراحلها المتعددة تشهد بذلك الدور الفعال وعلى كافة الأصعدة فلنحافظ ولنبقى على تلك الشذرات التي صمدت وتحملت مع أطياف أخرى كافة أصناف المقت والجور والبغض...إن شعبنا المسيحي كان يعد شريحة تنموية محركة ومهمة وذات ثقل اقتصادي لا يُستهان به ومفصل عتيد وعنيد من مفاصل العراق وقد اعتلى مناصب رسمية ومهنية وعلمية وخدمية رفيعة كثيرة وكبيرة وذلك لأصالته ولانتمائه المطلق ولحرصه وإخلاصه العظيمين ولذوده وحبه الدائمين لاسم العراق والذي تألم وقاسى وعانى الأمرين من اجله والآن نتحول إلى سرب صغير لا يؤثر على النسق العام ولا على الحياة السياسية وأصبحنا القومية الرابعة إذا لم نكن الخامسة أو السادسة...إن الهجرة نخرت ولا زالت تنخر بعظمنا والتناحرات والخلافات بين الفصائل القومية المتعددة والكثيرة  وعدم توحيد الخطاب القومي والمذهبي بين عموم الفصائل ووهن الكنيسة ورجالاتها وخطابها الرجراج إضافة إلى المؤامرات التي تحاك لغلق هذه النافذة الأصيلة لان بقائها مفتوحة تؤرقهم وتهز مضاجعهم وتشل جفونهم وكل هذا وذاك فعل فعلته الدنيئة وكانت المحصلة تقليص عددنا وجعل نسيجنا متهرئا أكل عليه الزمن وشرب ورغم هذا الواقع المؤلم والمخزي فلا زال الكبرياء يعتلي جباهنا والغرور يرفع أنوفنا والنتيجة وهننا وهشاشتنا...في جرد بسيط وأولي للعوائل التي هاجرت للقرى والبلدات المسيحية رصدنا الأعداد التالية::كانت العوائل التي شدت الرحال من القوش وخلال الثلاثة اشهر الماضية حوالي أربعون عائلة ومن تلسقف حوالي عشرون عائلة ومن باطنايا مقارب للعدد السابق وفي تلكيف خمسة وثلاثون عائلة وفي برطلة اثنان وعرين عائلة وكرمليس عشرة عوائل وبغديدي واحد وأربعون عائلة ما عدا البلدات الأخرى وان هذه الأعداد مخيفة وتتطلب وقفة سريعة والتفكير بالأمر مليا ومراجعة لؤلئك الذي يحملون الصولجان برامجهم الهدامة وأطروحاتهم المهلكة وتوجهاتهم البعيدة عن نبض وطموح من يمثلونهم...وا أسفاه لهذا الواقع المتشرذم لهذا الحقد الذي طالنا دون سابق انذار وأقولها وجميعنا يقر بذلك أن الوئام والتوافق بين طوائفنا وقومياتنا سابقا وقبل التبدلات السياسية في العراق كان أقوى وامتن مما هو عليه الآن نعم أن الصراع شئ حضاري لا بد منه والبقاء للأصلح ( لا للأقوى ) ولكن الشئ الذي لا نوليه أهمية تذكر أن جسمنا الهزيل لا يستطيع تحمل الانفلاقات التي نعاني منها فكم من مجلس وحزب واتحاد وحركة وجمعية ومنبر يعمل والسؤال ما ثقل جماهير هؤلاء ليكونوا قوة مؤثرة يصدح صوتها في الأزقة التي تعمل بها ناهيك عن جموع أخرى غفيرة تعمل تحت لواء أحزاب ومنظمات لا تمت بالمسيحيين صلة...             


                                         Samer_alkass@yahoo.com

94
       
من سجل نصير( ليلة في قرية بيبان)

بقلم  سمير القس يونان
في  25 شباط 2011

قلنا سابقا ورغم ذلك نؤكد أن أي عمل يصاحبه هفوات وأخطاء وخاصة العمل الأنصاري وبالذات عندما يكون النشاط قريبا من العدو والمتمثل بمنطقة الدشت مجال عمل سريتنا وقد تكون هذه الأخطاء عفوية وتمر مر الكرام أو قد تكون مؤلمة تترك أثرا بالغا وتكون نتائجها فقدان أرواح عزيزة كما يجب أن لا يغيب عن بال احد أن النظام السابق كان يعول الكثير على اؤلئك الجواسيس والعملاء والمندسين الذيـن كانوا يجوبون المنطقة متربصين مترصدين حركة الأنصار وهذا الأمر كان يضفي صعوبة وخطرا آخرين على عملنا في الدشت...في ربيع عام 1983 كلفت مع نصير آخر بالذهاب مع نصير ينوي زيارة أهله في قرية بيبان التي تقع إلى الشرق من ناحية القوش وتبعد عنها لمسافة 7-8 كم ولساعات قلائل تلك القرية التي تقع على الشارع الرئيسي الذي يربط قضــاء شيخان بمحافظة دهوك والذي كان ملغوم دائما من قبل المجندين المسلحين من أهل المنطقة والجواسيس والعملاء ممــن قبلوا بيع ذاتهـــم بأبخس الأثمان نظرا لأهميـــــة هذا الطريق لوجستيا وعسكريا وامنيا وإداريا...كنا قد وصلنا إلى قرية خورزان التي تقع إلى الشمال من قرية بيبان عند المغيب وكان فصيل أبو أنيس في القرية والتقيت به وشرحت له ما نحن ماضين إليه فقال نحن أيضا ذاهبون إلى القرية نفسها ولكن ليس الآن ولا تتحرك من الدار إلى أن ابعث بطلبك لنغادر سوية قرية بيبان وسيتم ذلك بحدود الساعـــــــة الحادية عشر واتفقنا وتركته شرط أن يبقى الأمر بيننا لخطورة الموقف وتحركت مع النصيرين مباشرة إلى قرية بيبان بسرعة  قبـــــل إسدال الليل ستاره وحلول الظلام لنتمكن من رصد حركة هؤلاء المجندين وكشف عن وجود كمين من عدمـــه وكان الطقس جميلا والربيع قد بسط حلته الخضراء حقول ووديان السهل والزروع طويلة من الممكن الاستفادة منها في التمويــه والاختفاء وهكذا وبسرعة قصوى وصلنا بيادر القرية الشمالية التـــــي تسمى(باون)والليل عند أوله وتمكنا من رؤية كل شئ وفي نفس الوقت نجحنا في تجنب الرعاة حيث كانوا يشكلون خطرا على حركتنا لان النظام كان قد جند اغلبهم خدمة لمآربه...بعد التأكد من سلامة الموقف الأمني تحركنا بسرعة محاولين ولوج القرية عبر مسلك آمن وبحركة خاطفة قادنا النصير إلى داره الذي يقع مباشرة بمحاذاة الشارع سالف الذكر ودخلنا الدار وتـم استقبالنا من قبل عائلته بحرارة وبعد الوصول مباشرة اتفقنا على المراقبة المستمرة من خلال سطح الدار لتفويت الفرصة لأزلام النظام المنتشرين هنــــا وهناك وفي هذه الأثناء أعدت لنا عائلة النصير عشاءا شهيا من الصعب تناوله دائمــا خلال الحياة اليومية للأنصار لشحة المواد الغذائية ولصعوبة الحصول عليها وبعد العشاء اتفقت مع النصير التقيد بالضوابط المعمول بها وأهمها الابتعاد عن الكحول كليا وان يكون مستعدا دائما لأي طارئ وخاصة نحن قابعين بيــــــــــن عيني العدو...غاب النصير مع أهله وأطفالـه وكانت المراقبـــة مستمرة وبحذر تام للشارع والطريق الإستراتيجي وكانــــت الأمور طبيعية وقارب الموعد المحدد مع النصير أبو أنيس على الدنو ولكن لا احد ثم وعلى حين غرة بدأت الكلاب بالنباح المستمر والشديد وكأنها تلاحق غريبا دخل مستعمرتها ومباشرة لحقت بالنصير الثاني الذي كان على السطح لمراقبة عن كثب عما يجري في الخارج ولكن لم نلحظ شيئا يهدد أمننا ولكـن نزلت مسرعا إلى النصير الثالث للانضمام إلينا وبسرعة هرع النصير مستفسرا وكانت الساعة تشير إلى الثانية عشر وكان موعدنا مع آمر الفصيل المتفق عليه مسبقا قد تجاوز ساعة كاملة وأصبحنا في حيرة من أمرنا ماذا نفعل وما قضية الكلاب التي كانت لا زالت تنبح وبشراسة منقطعــة النظير ومن هو الغريب الذي داهم المنطقة التي نحن فيها...كان الهدوء يخيم الشارع كله لولا نباح الكلاب وانتظرنا برهـة أخرى لربما يأتي النصير أبو أنيس بطلبنا لكن دون جدوى وتم التخمين على أن الكلاب تنبح علــــى مجموعة دخيلة جاءت للنيل منا بعد أن انكشف أمرنا ولذلك وفي الحال قررنا الخروج من الدار بسرعة ومهما كانت النتائج على أن يكون اتجاهنا إلى داخل القرية لتصورنا أن الطريق المبلط قد لغم أولا وثانيا اعتقدنا انه إذا كان عدوا موجودا بالفعل فانه يتصور أن خروجنا من الدار سيكون حتما نحو خارج القريـة وبذلك علينا فعل العكس وان يقودنا النصير من أهل القرية  لدرايته التامة بحيثيات قريته وتــم الاستعداد لأي طارئ وخرجنا من الدار مسرعين إلى داخل القرية وما هي إلا لحظات وكنا قد وصلنا إلى ساحة صغيرة تتوسط القرية وكان الضوء شديدا ووقفنا في الحال أسرع من العقرب لذهولنا مما رأيناه...ومــا رأيناه مجموعـــة مسلحة لم نستطع تحديد هويتها وحقيقتها ووقفنا لبرهة وقلنا إذا كانوا هؤلاء أنصارنا فلماذا لم يأت أبــو أنيس للحاق به حسب الاتفاق إذن ليس هؤلاء إلا أعداء ورجعنا أدراجنا وغيرنا طريـق الخروج إلى ناحيـة الغرب وبسرعة خاطفة كنا أمام خزان الماء العالي الذي يقع عند طرف القريــــــة الغربية تماما وكان قد نصبت فوقه كواشف ضوئية قوية ولكن مـا العمل يجب الاستمرار وتم اجتياز الخزان والمنطقة المحيطة به بسلام وخلال فترة وجيزة كنا خارج القرية بأمان ثم جلسنا لنسترد أنفاسنا ونناقش محاولين فك اللغز الذي نحن بصدده... كانت الساعة وقتئذ تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل وكان الهدوء والسكون يخيم المعمورة سوى تلك الأصوات اللعينة المتمثلة بنباح الكلاب وكنا على مقربة من القرية وكان شيئا خفيا يشدني إلى البقاء لمعرفة من هؤلاء الذين صادفناهم في الساحة وأين هو فصيلنا وتطرقنا إلى احتمالات عديدة وأضح الأمر كمعادلة صماء ولغزاً لا حل له في الوقت الحاضر وبقائنا قريبين من القرية لا يجدي نفعا بل قد يشكـل خطرا على أرواحنا لذلك قررنا المسير نحــــــو عين كلوكي التي تقع في جبل خورزان...خلال أكثر من ساعة وصلنا إلى قمة بصف العين ولم نذهب إلى العين خوفا مـــــــن التصادم مع مجموعات الأنصار  التي ربما موجودة هناك والتي ليس لنا معهم موعد مسبق عنـد العين وتبادلنا الخفارة إلا أن انبلج الصباح وبسطت الشمس بخيوطها الحريرية عاكسة من على قطرات الندى التي تكاثفت على النباتات خلال الليل وكأنها بلورات الماس باعثة أمل جديد واحتمال جديد..استطلعنا الحقول المنبسطة والقمم القريبة من احتمال تقدم للجيش خلال الليل الذي كثر تلك الأيام وكان الوضع سليما وقررنا النزول والذهاب إلــــــــــى قرية خورزان لتقصي آثار الفصيل وماذا حل به وهكذا خلال اقل من ساعة كنا على مشارف قريـة خورزان وإذا بأفراد الفصيل يتجولون في أزقة القرية فتوجهت مسرعا إلى احدهم مستفسرا عن حركتهم ليلة أمس فقال كنا في قرية بيبان إلى ساعة متأخرة من الليل وكان وقع الجواب كالصاعقة زلزل كياني وفي الحال تلاطمــــــت الصور والمشاهد داخل مخيلتي كبحر هائج ماذا كان سيحصل لو حصل اصطدام مسلح بين الإخوان وخاصــــــة بعد أن عرفت أن مجموعة مــــن فصيل أبو أنيس كانت قد انسحبت من موقع قرب خزان الماء الذي تسللنا خارجين بالقرب منه قبل ربع ساعة من عبورنا أي أن تأخير بسيط في انسحابهم أو تعجيل بسيط في خروجنا كان سيؤدي إلى مواجهة مسلحة فيما بيننا واستفسرت عن مكان تواجد آمــــــر الفصيل والتقيت به معاتبا إياه عما فعله ليلة أمس وماذا كانت ستكون عواقب خطأه فيما لو حصل تصادم بيننا فاعتذر في الحال مبررا موقفه بانشغالـــــه بأمور أخرى أكثر أهمية فقلت له وهل كان هناك أمر أكثر أهمية من أرواحنا نحن الثلاثة وقلــت له يجب أن يتم تحقيق بالأمر لئلا يتكرر وما هو سبب التقصير.. هكذا كانت حياة الأنصار دائمـا الأخطار محدقة بها من كل حدب وصوب وبكل أشكالها ومنها المعيشية والصحية والأمنية والطبيعية ورغم ذلـــك كله كان النصير يحمل هموم غيره وعندما يأكل وجبة بسيطة في قرية معينة كان طموحــــــــــه أن يبشر صاحب الدار بعملية عسكرية أزعجت العدو ليكون خفيف الظل وليس عالة على هؤلاء المساكين...                 

95
ثلاثي بغداد...عفارم لـ (تونس ومصر وليبيا )
    التي أثلمت نصلكم ولوت صولجانكم


بقلم سمير القس يونان
العراق في 21 شباط


ها قد سرى النار في الهشيم والتهمت هذه النار الأخضر واليابس حتى اؤلئك الذي ارتدوا بدلات الاسبستوس التي يرتديها رجال الإطفاء أقحمتهم النار من حيث لا يدرون وقبل أن تشعل هذه النار المستعرة ثيابهم أشعلت أدمغتهم المثخنة بالحقد والضغينة لكل بهي وزاهي وجميل ليعيدوا ببغداد إلـــى حيث يدرون ويدري المتطلع لصفحات التاريخ...إن إسفين تونس ومصر ألهب ظهر المستبدين الثلاثة الذين أضحوا مكوك بغداد(المحافظ والأمين ورئيس المجلس)وأسمائهم ممكـــــــــن استنباطها من اللافتات التي تزين شوارع بغداد وأصبحوا حديث الشارع يصولون ويجولون كمـــا يحلو لهم ولا من قوة توقفهم لأنهم بالحقيقة يترجمون أفكار غيرهم الذين يأكلون الخرنوب بأفواه هؤلاء كمـــــا يقول المثل الشعبي...لقد جاء هؤلاء الغرباء من نسيج بغداد الأصيل كما الحال في محافظ واسط ليمرغوا اسم بغداد وشارع الرشيد وجندي المجهول بالوحل والطين وإلا ما معنى ختم نادي الكتاب والأدباء بالشمع الأحمر ومعاملة السكرتير الفريد سمعان معاملة لا تليق بأدبه وثقافته ومكانته وإذا كان التبرير بيع الخمور والكحول التـــــي تنافي ثقافتهــم فالكل يعرف أن غرضهم وقصدهم مصادرة الكلمة والعبارة وخنق الجملة والثقافة وأشاع الجهل والأميــــة وحرق الكتب والمجلدات والمخطوطات ليعيدوا التاريخ للمرة العشرين ليخيم الظلام والعتام ونعود أدراجنا للسراج واللالا واللمبة...وما ذنب جمعية أشور بانيبال لتهان هي الأخرى وبأسلوب وحشي يندب له الجبين على يد أفراد وصل بهم الحقد درجـــة لا تصدق حيث تلقوا أخبار بان مقر الجمعية يستغل لتفخيخ السيارات وصناعة العبوات الناسفة والعبوات اللاصقة وأسلحة كاتم الصوت وبذلك نعطيهم الحق وكان الأجدر بهم نسف الجمعية وإزالتها عن بكرة أبيها..لقد وصل غيهم إلى حد لا يسمعون الأصوات التي تنادي بإيقاف مثل هذه الأفعال وإعادة الحق إلى أصحابه وبدلا من ذلك التوجه إلى التفكير براحــــة ذلك المواطن الذي أوصلهم للموقع الذي هم فيه وتوفير الأمن والأمان والدخول إلى جوهر الخدمات المعدومة ولا السير بمحاذاتها وتحسين مفردات البطاقة التموينية التي تثقل كاهل الفقير لربما نسوا أن هنالك فقراء في العراق لأنهم على وضعهم المادي يقيسون الدخل العائلي والمستوى المعيشي لعامـــــــة الناس الذين أضناهـــم القتل والإرهاب والتهجير...ها قد لاحت دغدغات الخطر في الأفق والاحتجاجات والاستنكارات والاعتصامات تعم مدن العراق الجريح وأجيج نار تونس ومصر أم الدنيا كما يقولون تعصف بالمضاجع والمعاقل والآن ليبيا  ألقذافي تهتز كما يهتز الكاهل الشيخ أمـــــام غضب وسخط الجماهير التي رزحت وترزح تحت نير العبودية والطغيان عقود عديدة فلا تتصوروا أن هناك أشجع وأروع والذع من شعبكم المظلوم ولا تجعلوه يقطع ما بقى من الشعرة وعندها لا الحواجز تقيكم ولا الهمر والمتاريس ولا اعتى الأسلحة ولا مشورات وفتاوى مـــن تعطشت قلوبهم لإراقة دم العراقيين...كان الراحــــل الأديب والشاعر اللبناني بطرس البستاني قد أبدع كثيرا عندما قال إن الدين لله والوطن للجميع وبذلك تكون مكنونة الوطن فوق أي اعتبار وأي تفسير وعيبا عندما تقولون من على الشاشة إن الخمور والكحول تنافي عادات وتقاليد شعبنا الذي استهلكتموه قبــــــــل الأوان ونقول هل أوجدتم عادات وتقاليد جديدة أو هل أن الشعب كله مؤمن ومتقي ومتنسك ومتعبد مثلكم وهل أنكم لوحدكم في هذا البلد الذي خلقه الباري ليكون متنوعا ومختلفا وتلك إحدى خصائصه الفريدة وهل الديمقراطية وحرية الرأي والفكر والممارسة التي كنتم تتشدقون بها لتصلون إلى ما وصلتم إليــــه أصبحت حرام تنافي ومتطلبات عصركم...ويجب أن لا يفوتني أن أشكركم على تلك الجهود الحثيثة التــــي تقومون بها حيث أن محافظتكم وأمانتكم ومجلسكم لا يحتاج إلى سلطـــــة القضاء والسلطة التنفيذية واختصرتم المشوار وأصبحتم بتاع كلو انتم تقررون وانتم تحكمون وانتم تتصدرون الأوامر وانتم تنفذون عفارم لأنكم قتلتم الروتين التــــــي نعاني منه كثيرا ويا حبذا لو اقتدت كل مؤسسات بلدنا بإبداعكم وفطنتكم وعندها تستغل بنايات المحاكم والشرطة لنجعلها مدارس حيث يعاني العراق من قلة المدارس ونحل أيضا مشكلة دوام أكثر من مدرسة في بناية واحدة...     
   

96
في القوش...مار سهدونا يتكلم



بقلم...سميرالقس يونان
samer_alkass@yahoo.com                                       
العراق في 28 كانون الثاني

أيها القارئ الحبيب إننا نعيش في العراق اليوم أوقاتا عصيبة ومؤلمة ليس لسبب إلا لعراقيتنا ووطنيتنا الصادقــة التي لا نقبل التساوم عليها باعتبارها قيمة إنسانية لا يمكن شرائها أو استقائها أو تبنيها أو استنساخها تصاحـــب الإنسان منذ الصرخة الأولى فهناك من ينبذها بثمن بخس وهناك من يصونها ويجعلها بين الأحداق فعندما تقلـــــع العينين التي تعتبر الرمق الأخير لدى الإنسان تقلع معهما الوطنية والانتماء...طبعا وكما أسلفنا هذه الآصرة وهذه
الوشيجة المتينة والرصينة بين هذه الملة أو الفئة أو الطائفة أو القومية أو الدين أو الشريحة المسالمة التــــي لا تؤمن بالعنف وبين الوطن والأرض والتراب لا ترضي وتريح أولئك الذين جعلوا من الوطن حروفــا متناثرة توزع كهدايا كما يوزع بابا نوئيل لذلك على هذه الشريحة العريقة عراقة العراق والإنسانية في وادي الرافدين أن ترحل
وتولي الأدبار وتترك البلد والزقورة والتقويم بيد الأشرار الذين قدموا من المنفى وبيدهم معاول وفؤوس ليهدموا باب نركال وباب شمس ومسلة حمورابي ليجعلوا منها مرابط لحصنهم وأقبية تدفن فيها كنوزهم المتمثلــــــــــــة بمليارات الدولارات بعد أن بيعت آثاره ورقيماته ولوحاته بالمزاد العلني فــــــــي سوق ألمريدي والصباغ...وبهذه المناسبة لدينا صورة حية لا زالت دماؤها ساخنة فيها نرى حب الوطن وذكرى الوطن فقبل أيام كنت مع أخـــــــي القادم من استراليا مع عائلته في جولة عبر جبل القوش لنعيش معـــــــــــا بعضا من تلك الذكريات التــــي دعكها وهشمها الزمن البائس الذي جاء ليمحي كل جميل ورائع فخرجنا منذ الصبـــــــاح لنتغذى الفطور مع تلك الطيور البرية التي طالما ألفناها والتي كانت تكسر وحشة الجبل وسكونه ورهبته فزقزقة واحدة كانت تكفـــــــــي لتؤنسنا وتزيل خوفنا وكذلك تلك الأعشاب والنباتات مثل(حلحليي و مستوكي وبلزيزي وغيرها)التي كانت تجذبنا منــــــــذ الصباح وكنا ندرك تماما مكان تواجدها إذن كان الجبل ملاذنا الآمن ومدينة ألعابنا وخزين ذكرياتنــــــــا وسجـــــل حياتنا وكنا قد تعلمنا منه الثبات والوقار والصبر والعطاء والحب والشموخ والتسامح...ولجنا الكلــــــــــــي وبدأت حشرجة أنفاسنا تسمع من بعيد حيث أنستنا الحضارة المزيفة الرياضة والرشاقة والخفة وأضحى الخمول والذبول والتخمة والكرش المتدلي سمتنا ومحور تفكيرنا واجتزنا الكلي وبدأنا بالتسلق نحو كبد مايا المعروف وكان كـــــل شئ قد تغير حيث لم نسمع وحيف طير أو زقزقة عصفور أو حركة تنم عن حياة فكانت الحياة في جبلنا قد أصابها الفتور والعزوف وقد أبت تلك الطيور والزواحف وغيرها العيش هاهنا ما زال الإنسان صديقها الحميـــــــــم اختار طريقا أخر وآثر الهجرة والضياع...تسلقنا تلك الصخور قاصدين الكهف وخلال الطريق الصخري الذي نحـــــــــت ونقش بأقدام أجدادنا لاحظنا أسماء كثيرة منقوشة ومحفورة وكان القصد منها أن تكون شاهدا أو سندا للملكيــــة وان صاحبها على يقين تام بأنه نقش اسمه هنا ليعود ويزوره وأينما حل وارتحل فلن ينقشه ثانية لإحساســـــــــه الخفي ولا يشعر مطلقا انه ابن بقعة سوى هذه التي نحت اسمه عليها واستمر التسلق وعبــــر الطريق كان هناك فسحة عريضة صخرية كنا وأجدادنا نستريح عندها عندما نجلب الماء الرقراق الصافي لعمل الشاي فقط من عين
لا تدر الكثير من الماء في الكهف واسترحنا قليلا لنعقد صفقة مع جبلنا لنعيد الوئام بيننا ولنمد جسور الود والحب
التي هشمها كبرياء وجور الإنسان وأطلقت صرخة واحدة أنادي الجبل الذي أنكرته كما نكر بطرس المسيح عليه السلام راجيا منه العفو لتبرمي وابتعادي عنه وما هي إلا لحظات وكانت صرخات متتالية وصدى رخيم قادم مـــن الجبل معلنا حبه السرمدي وحبوره اللامتناهي واستقباله الحافل بنا....اطمئن قلبنا لاستجابة الجبل لندائنا إذ لا زال الأشم على سريرته وسذاجته وان الذي تغير هم نحن وان الذي تلوث واستسلم للرذيلة هم نحن أولاد آدم الذيــــن أغرانا الكبرياء ولم نعد نرى غير أنفسنا تلك الأنفس الجشعة المريضة التي لا تهوى غير الألم والدرهم ثم أكملنا المسير نحو كبد مايا عبر ذلك الطريق الصخري الذي سرناه مئات المرات ولكن هذه المرة تختلف عن سابقاتهــا كونها جاءت بعد قطيعة مع الجبل دامت عقدين من الزمن نعم كان كل شئ صامت ساكن لا حراك ولا همس حتــى صفير الهواء ووحيفه غاب عن هذا الكلي الذي كان معروفا بذلك...دخلنـــــــا الكهف المفتوح وجذب انتباهنا حفر خالية كانت قبل أيام قد شتلت بها أشجار ولكن قبل أن تمد جذورها اقتلعت لتحرق ليبقــــى الجلمود الأصم اخرسا وحيدا لبقية عمرة تلك هي أحاسيسنا ومشاعرنا أيامنا هذه ثم ذهبنا إلى بُركة الماء التـــــــي سقت ورويت ملايين الأنفس وعبر مئات السنين وكانت مقدسة وممجدة لدى الالقوشيون القدماء وكثيرا ما كانت تقام مهرجانات الحب
والربيع والعطاء والزواج قبل المسيح بقرون عديدة المتمثلة بالدولة الأشورية وأيضا اليهود وكان عطاءها فـــي السابق وفيرا أما أيامنا هذه كادت تشح لقلة الأمطار وانزواء الجبل في ركن مظلم لقلة زواره وابتعاد حبيبه أنا...
جلسنا بالقرب من البركة وكانت أيام الخير تعج بالزنابير والحشرات والطيور والزواحف لكننا تعجبنـــــــا لهجرة الجميع حيث من المنطقي أن تستأنس وتشعر بالأمان بوجود الإنسان بقربها حينها رغم نظرتنا المتدنية لهــــــــا وعدائنا المتأصل نحوها وأخيرا اقتنعت أن عليها المغادرة طالما غادر الإنسان ذلك الإنسان الذي كان الجبل لــــه ترسا ومتاريسا أما الآن فاخذ يهرول خلف القشور ثم ارتوينا من الماء الرقراق العذب النابع من حب الجبل بعيدا عن الشب والكلور...طلب أخي أن نزور كوخ مار سادونا(سهدونا) الذي يقع إلى الغرب من الكهف على مرتفـــع
والطريق نحوه ليس بوعر ولكن علينا التسلق ولم تمض نصف ساعة إلا ونحن بالقرب من كوخ صغير ينــم عن عبق الماضي وانه لرائع حيث لم تصل يد المرممين والبناء الحديث ليمسح تلك الهيبة البسيطة الأصيلة الموغلة عمق مئات السنين وهنا بدأت تلك الأحاسيس والاختلاجات التي أصداها الزمن وأثخنها الوهـــن بالهيجان كبركان
لم يثور من مدة ثم اقترب أخي وفتح ذلك الباب الصغير الذي لا تتعدى أبعاده الثلاثين سنتيمترا ولاحظنا آثار شمع
وعدد من صور القديسين إضافة إلى صورة الشفيع وذلك البلسم والعبق الذي لم أشُمُهُ في مكان آخـــــــر لعبت يد الإنسان عبثا في معناه الروحي...لقد شيدت وأقيمت صروح عظيمة خلال السنين الماضية في فصبتنــــــــا وأماكن أخرى كثيرة لا تدل إلا على رقي الإنسان وتطور الهندسة والديكور ولكن حين الولوج في قاعاتها وغرفها الفارهة وأثاثها وانتيكاتها لا يكتنفنا ويعترينا شعور وإحساس وغبطة وحبور روحي رباني مثلما يكتنفنا مثل هذه المشاعر فيما لو وقفنا متسمرين أمام كوخ لا يصلح لصيد الدراج والحمام مثل كوخ مار سادونا الذي نحن بصدده ولكنـــــه يحمل معنى وفحوى يحمل معاناة مئات من السنين العجاف المؤلمة آثار ملايين البصقات والركلات مــــن الذين لا يكنون له ولقصبته غير الحقد والكراهية إذ كانوا يأتونه مدججين بحرابهم وبنادقهم لقتل ذلك التذكار الأصم لقتـــل صدى ذلك الكاهل الذي ببلسمه وعنفوانه أشفى الكثيرين وحرسني عندما اذهب بسبات عميق...جلسنا بالقرب من
الكوخ وأشعلنا شمعة لنطيب ذكراه لعله يستيقظ ليتحدث لنا وفجأة تجسد صوت من بين الركام صوت رخيم حنين
صوت يحمل في موجاته بحة الزمن وألم الوحدة وانين البعد صوت يكتنفه غموض وتكرر الصوت قائلا إنني أرى وجوها غريبة لم تألفها عيني فمن أية مجرة أتيتم ولا أحس بأمان بوجودكم أجابه أخي وكله حيرة وريبــــــة ماذا أقول لك أيها القديس إنني قدمت من استراليا لزيارة أهلي وبلدتي وأماكن رضاعتي ومثوى أجدادي وأضرحــــــة القديسين وها أنا عندك نادما غلبانا على فعلتي بتركك ولكن الذي خسر هو أنا أيها الشفيع المبجــــــل حيث بحثت استراليا كلها باحثا عن كوخ وعن عبق وعن تاريخ وعن أريج وبلسم مثل الذي تعودته عندك فلـــــم الق فاقبلني عبدا أمينا جاء من بقعة تبعد كثيرا كثيرا لأشبع من عطرك وفيضك وبهائك منتهلا من سيلك الأخاذ بهاء روحــــك
وسمو وقارك وعلو هامتك وسملا من ردائك وردحا من دهرك وآية من سِفرِكَ...عندها تنهد الشفيــــــــــع وتنفس الصعداء كمن أوقع حملا ثقيلا من على كتفه وأردف قائلا انه يوم سعيد أيها الشقي سعادة ملاقاة ربي حيث أعدت لي بهجتي وأملي بأولئك الذين تحملت من اجلهم عَواتي الزمن وعجرفة المارقين وبَلادَة الناكرين ومُكرَالمنافقين
متناسيا صقيع الليل وأهوج الرياح وسياط وقيظ الحر فيا أيها القادم من بعيد أتعرف مرة سؤل القنفذ عن انعم جلد
صادفه في حياته فقال في الحال جلدُ أبي فرغم أشواكه ودغدغته وغلاضته ألقى عنده الدفء والأمان فماذا افعل في شعر وصوف دب ناعم يلتهمني دون رحمة(انتهى الكلام لصغير القنفذ) ولا أنت أيها العزيز فرغـــــم وعورة طريق بلدك الأم العراق واندثار الأخلاق  وتلاشي الإيمان وعزوف الأولياء عــن الحق واستهداف المجرميـــــــن صوامع البارين وسرقة بطاقة التموين والجميع يقول أنا تنين وافتقاد الرحم إلى حنين وكل خطوة يصاحبها أنين وفيه ذبح الأسقف بيد شاهين وفتك الجراد حقله والبساتين وتفشي البغضاء والحقد سريرته آمين  وسلب الهــم والحزن حلمه ورغم هذا كله يبقى أفضل من سهوب استراليا النظرة وحياتهــــــــــا المستقرة وشواطئها العامرة ومرجانها وكنغرها ومفاتنها أما إذا تسألني أيها الاسترالي لماذا فأقول الجواب لدى مشاعرك وأحاسيسك...تركنا الشفيع في حالة يحسد عليها بعد أن كان الهم والغم والحيرة ملأت جنباته وتمنى لنا سفرة سعيدة وودعنا واختفى أما نحن فكانت نشوة النصر على الذات حيث الروح تسمو والوجدان يرتقى وخلدنا إلى مآرب سامية تاركيــــــــن الجسد المغرور المتكبر برهة وتحلقنا مع الشفيع إلى حيث الأجداد............

                                                 

97
الميلاد...بين الأمس واليـــــــــــــــــــوم

بقلم..سمير القس يونان
العراق في  24 كانون الأول 2010

نحن مقبلون على ميلاد السلام والمحبة على التضحية من اجل الغير والفداء لإنقاذ هؤلاء الغير مـــن براثن الخطيئة ميلاد المسيح الذي أحب الجميع دون أن يُبالي إذا أحَبَه الجميع ولكن ذلك يهمــه ميلادٌ الكلمة والمعني ميلادٌ أُريدَ منه إكتساح الشر واعتلاء البـِر حَدَثٌ بَلبَل الأفكار والاخدار لِتسموا النفوس والرؤوس بعد الظلمة أبهى النهار...أيام زمان كنا نستعد لهذا العيد روحيا أولا حيث كنا نحــــــاول أن نولِد من جديد مع المسيح بروح أُخرى وزيٍ آخر تاركين الثوب القديم وما تعلق بتلابيبه من رذيلــــة وزلة وخدش وعيب عاشقين التفاؤلَ وقاصدينَ الأملَ والحَمَلْ لنضيف إلى الحياة التي طالما سئمنـــــا منها غصن غض آخر وبرعم ارجواني يتفتح لنا بوردة نرجسٍ...كانت شجرة الميلاد وتماثيل بابـــــا نوئيل تُرى في كل بيتٍ وشارعٍ دون استثناء وكان الجميع يقتني هذه الشجرة وملحقاتها مـــــــــــــــن المسيحيين وغيرهم دون أن يدركوا هل هذه المناسبة تَخُصُهُمْ من عدمها ولكن الشئ المهـــــــم الذي كانوا يدركوه أن السلام يخص الجميع وعلى الحب أن يعتمر قلب الجميع كما وكانوا على بَينةٍ أن بابا نوئيل عندما يأتي ليوزع ما بكيسه من هدايا للأطفال لا يميز طفل عن آخر ويدق الأبواب كلها وكـــان يدق باب الفقير قبل باب الغني دون أن يعرف باب من هذا لِيَطمَئِنَ على دقات قلوبهم وكانت الأنــــوار تُتُرَكْ مشتعلة ليقصدها الزائر الحنان القادم من بعيد الأرض والأوطان...الآن يا كريم يا سمعان في بلد مثل الموصل التي كان يُصنَعْ من جميع السواعد صولجان لِتُدَقْ حناجر الأعداء على يــــد فلانٍ وفلانْ يُمنَعْ بيعُ شجرة الميلاد وَعَرضِها خارج المحال التجارية والنشرات الضوئية وأُدخِلَتْ ضمن القائمـــة السوداء إلى جانب تلك الدول التي تعاملت مع إسرائيل وأصبحت الشجرة من المُحَرِمات وَصَنفهــــــا المجتهدون والمتطرفون بجانب لحم الخنزير الذي لم أذقه يوما وعلينا إبلاغ بابا نوئيل أن يكون حذرا لأنه أصبح غير مرغوب به من قبل بعض الدور وما ذنب الأطفال الأبرياء الذين ينتظرون هذا الحدث بفارغ الصبر لينهضوا صباحا ليلقوا فراشهم باردا شاحبا وليس من زائر ولا من هدية...وهكذا أقيمت السواتر على أَسْطُحْ الدور بعد أن كانت مفتوحة لبعضها لِتُبعِدْ القلوب عن بعضها بل جُلِبَتْ أجزاءٌ من جدار برلين لِتُستَخدَمْ هنا في بلد عاش فيه الكفار والمؤمنين مئات السنين دون أن يُعَكِرُ صَفوَ ماءِهِمْ شئٌ يُذكَرْ بل كانوا معا في السراءِ والضراءْ يجابهون العدو المتربص وخير ما نستنجد به حملة نادر طهماسب ألصفوي عام (1743) وغيرها كما وكانوا يجابهون الفيضانات والأوبئـــــــــــة والكوارث الطبيعية كفيضان ووباء عام (1831)وسنوات القحط والجدب والغلاء كسنة الليرة عام(1878) يدا بيد دون تمييز بل كانوا يقضون الأعياد معا متبادلين التهاني والمشاعر الصادقة مترجمين الحكمــــة (الدين لله والوطن للجميع)...أيُ عيدٍ نحن فيه الأشلاء متناثرة والنواقيس صامتة (أين ناظم الغزالي) ليأتي ليُغير أغنيته (أيُ شئٍ في العيد)حيث أضحت خردة وبالة ولم تعد تلائم عصرنا البرونزي الأَخاذْ عصر الانغلاق والنفاق عصر الإقصاء والاعتلاء والذي وقف التاريخ عنده حائرا أيـــــن كانوا هؤلاء الجهابذة الأفذاذ وكيف غَفلتُ عنهم (الكلام للتاريخ)هذه الكفاءات وآهٍ لو كانت هذه الشرارات قـــــــــد أُضيفَتْ إلى مُنحنيات التاريخ لكان له معنا آخر يختلف عن تلك المفاهيم والأسس التي بزغت وشاعت وضوّت واكتسحت الظلام فلِنَستنجِدُ بها ونمسح ما جمعته الحضارات والإمبراطوريات ونهشـــــــــــم المَسَلاتْ والرُقَيِماتْ فنحن لم نعد بحاجة لها...ها هو التاريخ يعيد نفسه للمرة العشريـــن وهذه المرة علينا نحن الغرباء عدم القيام بأية مراسيم تَنُمُ عن العيد والقداديس يَجب أن تُتْلى كما تُتْلى للطِرشانِ والخرسانِ وَبلغةَ التَمتَمةِ وعلينا الاستعانة بما توصل إليه العلم بهذا الخصوص مــــــــــــن الإيماءات والإشارات والمكبرات التي يستخدمها ذوات السمع الضعيف وأنـــــا بدوري أقدم مقترحـــــا لأصحاب الشأن ببيع النواقيس لأننا وكما أسلفنا في معمعة العصر البرونزي نجد البرونز مرتفــــــعا هذه الأيام وبذلك سَيَسْتفيد السباكين وهنا ينطبق المثل (مصائب قوم عند قوم فوائد)...عيدنا هذا يشوبه الخجـــل وفاض عنده الاحترام والوَجَلْ وحتى الكليجة والحلويات وخوفا من أن ينفضح أمرها  تم عملها فـــــي الرهرات والسراديب وغطت الجدران بالفحم والبلورات لِيُمتصَ عِطرٌ الهيـــــــــل والدارسين والبيض الناتجة مــــــن طبخ الكليجة لان هذا ممنوع وهنا نقول إذا كان الوصوليين والمتزمتين ومـــــن يفسر الديـــــــن والآيات على هواه هم السبب الوحيد للذي يجري من ظلــــــم وجور بحق المسيحيين فذلك خطـــــــــــا لان هؤلاء كانوا  موجودين قبل مئات السنين ولربما لهم نسبة بسيطة من العمليـــة ولكن المسئول الأكبر أمام الله والتاريخ هي الحكومة التي تعودت على الكذب والافتراء ولازمتها المسابح أم التسعــــــــة والتسعيــــــــــــــــن والمحابس  ذات الفصوص البارزة من الياقوت والزمرد والعقيق والكوراندوم وكذلك تعشــق الرقص والدنص على أنغام الشقاء والبؤس يغتالون الفقيـــــر والمهموم بالرفس والهمس وهمهـــم وديدنهم أن نكون خرسانا وبرص...أين أهلنا بعد أن اعتلى وعــــم الظلام قصورهم ودورهـــم وأضحت مأوى ووكر أمين للحيوانات السائبة ولا يخفي على البسيط فكيف يخفي لدى الدولـــــــــة والمنظمات والجمعيات الإنسانية المنتشرة في ساحتنا بعـــــــــد حلول الروح القدس وبسط الديمقراطية ربوع وثنايا الوطن أنهــم تشتتوا في أصقاع المعمورة وحلوا ضيوفا أعزاء علــى الأديرة والكنائس وعلــــى كردستان الموقرة ونسبة كبيرة منهم آثر الهجرة والتخلــــــص من ظاهرة الكر والفر والنزوح حين الخطر والرجوع حين هدوء العاصفة لتبدأ بعدها جولـــــــــة أخرى وبتكتيك مختلف ليخضب الجسد ثانية كما وأصبح جليا جلاء الشمس أن هناك مؤامرات ودسائس تحاك فــــي أروقة مظلمة لا تصلح إلا للصراصيــــــر والخفافيش لسحق ومحو هذه الشريحة المسالمة الأمينـــة وأكيد أنها تؤرقهم بحبها للوطن ونبذها للخيانــــــــــة وإخلاصها المستميت ووعيهــــــــــــا المستنير ووجدانها الوقاد وكل هذه الخصائل والسجايا لا تريحهم بل تقلق مضاجعهم وتضعف شهوتهم وتعمي بصيرتهم وسؤالنا ما هو الخطر الذي نشكله لتراق دماءنا القانية في سيدة النجاة وفــــــي الكوكجلي بالموصل وغيرها كثير ويجب أن لا يغيب عن بال احـــــــــد أن التاريخ يشهد أن المسيحيين يمتلكون من الشجاعة القسط الكبير ولكنهم لا يؤمنون بالقتل وسراجهم الوحيد هو التسامح وتمني الخير للذي يؤلمهم...مثلما ولد يسوع في تلك المغارة الحقيرة والمقدسة لا شئ يدفئه سوى تلك الحيوانات الأليفة الوفية هكذا اليوم نحتفل بالعيد والقلب مثخن وجماره مكفن والكنائس محاطة بعربات عسكريـــــــــــة مدججة وتهديدات تصدر من هنا وهناك وتطمينات رخيصة تصرح في مؤتمر صحفي وآخر وهكذا تم إذلالنا واحتقارنا في ديارنا وصوامعنا ويحظرني اليوم تلك النزالات التي كانت تقام فــــــــــي الحلبات الرومانية وكثيرا ما شاهدناها في السينما وكان النزال يجب أن ينتهــــــي بقتل احــــد المتبارين وكان الصياح والعويل يهز الملعب فرحا وابتهاجا للدم المزهق بسبب العنجهيـــــــة والكبرياء الأجوف هكذا هي الحال الآن ولا من سائل ولا من مجيب والجميع ينتظر نحبه وكل حسب حضه ...........           

98
مذبحة سيدة النجاة تدغدغ الضمير المستتر
 

بقلم...سميرالقس يونان
قبل أيام وكالعادة قامت مجموعة عامرة بالحب والحنان متشجعة بجرعة من الكوكايين الأفغاني باغتناء الصلاة الربانية المقامة في كنيسة سيدة النجاة في بغداد بتراتيل ومقامات وألحان وأصوات لم تتعود الكنيسة على ممارستها خلال عمرها الطويل  وعبر آلات وأجهزة متمثلة ببنادق لم تستعمل في تكساس ورشاشات ربما استعملت في المحمرة وعبوات ناسفة ربما استخدمت للسيطرة على الرايخ والفوهرر سنة 1945 وأحزمة ناسفة وتقنيات ربما استخدمت في معركة بيــــــــــل هاربر...دخل المناضلون الأشداء المجاهدون الأقوياء كنيسة أمنة تعج بمصلين أبرياء يحملون مــــــن المبادئ والقناعات والأخلاق ما يخيف اؤلئك المدججين بكل ما وصلت إليه تقنيات الفناء من أسلحة فتاكة تقتل بالجملة دخلوها فاتحين وهــم متعودين على الفتح والغزو ليريقوا ذلك الدم القاني ويعبثوا بتلك الأجساد التي أثخنها هم وحزن العراق وخنقوا تلــــك إلا الأصوات الداعية لانتشال العراق وخلاص العراق ورقي العراق متناسية الطلبات الشخصية من خالقهم وربهم وإلههـــم...
إنها بطولة ليس لها مثيل وكما تعرفون أنها شيمة الجماعة حيث لا يهابون النساء والأطفال وتلك طفرة وبذلــــــــك تكون الجماعة محظوظة لدى ربهم ذبحوا الكهنة والشمامسة أمام أنفس عفيفة ليعلموهم حرفة متوارثة لا يعلموها لأي كــــــان وهم بذلك كرماء يعتمر السخاء قلبهم علموهم من أين يذبح الإنسان ونحو أية قبلة يكون الاتجاه وبأية مدية تتم العمليـــة بنجاح ليكون ذبح حلال مقبول لدى إلههم...قتل طفلة بعمر أربعة اشهر ساندرا جان وقتل الطفل آدم يجب أن يدخل سجـــل دينس للأرقام القياسية ومن منا لا يرغب دخول هذا السجل ولكن بهذه السرعة الخيالية صعب جدا إلا شاذا كانــــت القدرة الإلهية بجانبهم وكذلك الجماعة العاشقة لدم الكفار المحرومين من الدخول إلى الجنة تلك الجنة المفعمة بالحوريات وحور العين وتلك الأنهار طبعا نحن غير مشمولين بها لأنها لا تليق بنا...نقول لمن يمثل امن البلاد السائب وتلك الأجهزة العفنة والتي قالت نحن نملك من القوة والكفاءة والقدرة ما يجعلنا مستعدين لاستلام الملف الأمني من الأمريكان طبعا يستطيعون ليفوتوا الجمل من ثقب الإبرة كيف أيها الحرامية تزيلون الحواجز الحديدية قبل 36 ساعة من المذبحة بل لماذا غابـــــــت سيارتي إسعاف من اصل ثلاثة والمكلفة بحراسة الطرق المؤدية إلى الكنيسة والانكى من هذا كله كيف استطاع الثوار من إيصال كيسين طحين معبئين بالرمانات وإنزالها في الساحة الخلفية للكنيسة طبعا كان الاتفاق بين الأعداء في الإعلام فقط أي بين الحامي والحرامي أن يتخلصوا من المجرم الآثم الكافر أن يتخلصوا من المرتزقة الذين مهدوا الطريق للمحتــــــل للدخول ارض حمورابي  وسنحاريب للتخلص من هذه الشريحة المحبة لكل شئ يكرهه الصعاليك فهؤلاء القابعين فـــــــي صوامعهم لا دخل ولا فعل لهم ما يجري في الساحة من استباحة كل شئ لقد قتلتموهم وهجرتموهم وهدمتم دور عبادتهم ولم يبقى منهم إلا نسبة قليلة جدا لا تتعدى قبيلة من قبائلكم...إذن لماذا لا زلتم تهرولون كالدببة خلفنا هل هذا النفر القليل يؤرق عيونكم ويهز مضاجعكم ولأنه يحمل من الكنوز الروحية ما يجعلكم تفقدون بصيرتكم التي عماهـــــــا الجنس والدم وطالمــــا تقولون نحن ثوار(ولو رجعت ثورة كاسترو ضد باتيستا وراجعت نفسها أكيدا أكيدا كانت ستستفيد من خبرتكم) فلماذا تعشقون الغدر والطعن من الخلف ولماذا تحبون الأشلاء ونواح وتأوهات الرضــــع والاغتصاب (والله عمي هذولا سبقوا البشرية أشواط في فنون لم يتطرق التاريخ إليها بفنانيه وفلاسفته وفطاحله وشمشوناته)إذن لماذا انتــــــم أنانيين لهذه الدرجة أيها الثوار المكافحين من اجل رش واجهات البيوت بالصبغ الأسود فكيفما تستعملون تقنيات وأدوات وعلــم الكفار امنحوهم جزءا من ثقافتكم في فنون القتال(يا ريت تكون كاراتيه أو تايكواندو اوملاكمة )وفنون الإبادة(يا ريت في إبادة الذباب والجراد والبعوض)وفنون الترويع والترهيب...ما هذه الشجاعة الفريدة والفذة وما هذه الصولات التي تخيف
الخالق كيف تنادي باسمه قبل سفرك الموعود وهل لك الحق في نفسك يا أيها المكلل بالتناقضات وبكم جرعة من القات و الهرويين خدرت وبكم حورية مفعمة بالنشوة والغرام (الله يدري كم حباية فياغرا شربت هاي الحورية)وعدت بحيث تصل إلى وضع من الإنسانية المنحطة الوضيعة لتسمع صرخات طفل رضيع مجروح دون أن تتأثر وتتحرك مشاعرك فكيــــــف ستشبع تلك الحورية وأولئك الغلمان وأنت بهذه الحالة المزرية أنصحك بتأجيل سفرك...أيها المسيحيون الدخلاء على بلاد الجماعة ألا تستحون وتخجلون ألا تتلمسون إنكم غرباء عن هذه البلاد إنكم تختلفون عنا في كل شئ وكم مـــن مرة ومرة أشعرناكم بوجوب مغادرة العراق ولم تبالوا لقد نسيتم ماذا جرى لليهود في العقد الخامس من القرن الماضي لماذا ولمــــا
 انتم متشبثون بهذه الأرض وما سركم وكيف وصلت الوقاحة بكم  لتقولوا للعالم(لا زال الكلام للجماعة أهل البلد)أن بابــل ونينوى وأور وآيسن ولارسا ونمرود وخورسباط وجيروانا والجنائن المعلقة والأسد والثور والخورنق وحيرة وسلماــــن باك وعكركوف وكنيسة احودامة وبيث عابي والرأس والأعلى وباشطابيا وما بثيون آثارنا ومواطن أجدادنا...أيها المجرد من كل لطيف وجميل اعطني مجالا لأتكلم فقد تكلمت الكثير(الكلام لشماس مخرم بالطلقات مضرج بدمائه في كنيسة سيدة النجاة قبل أن يسلم روحه بلحظات)..نعم أنت الآن الأصل وانأ ضيف غير مرغوب فيه فقد خدمك السيف والإنجيـــــل يقول من يأتي بالسيف يمضي به ولا تنسى رغم يقيني الأكيد انك ناكر جميل من الدرجة الأولى انك ولدت من رحم المسيحيـــــة والمسيحية مهدت الطريق لك لتنبح أكثر من السائبات ومنحتك القوة والتنظيم وآوتك يوم كنت على شفير الهاوية وبعد أن استردت عافيتك(أيام زمان)أخذت تنكل بي أولا وتجبرني على ترك عقيدتي مكرها وقوضت شكيمتي وسرقــــــــت كنائسي وأديرتي وجعلتني من الدرجة الثانية كما هو الفلبيني في الكويت ومنعتني من شعائري وإخفاء صلباني وتغيير أسمائـــــي
وغصبتني لأضع شريطا حول عنقي لاتميزعن أصحاب العقيدة الاصلاء منعت عني كل شئ وفرضت ضريبة لتثقل كاهلــي
وحددت سبل حياتي في الوقت الذي كنت لك حكيما ومترجما وعالما وفلكيا ومخلصا في كل شئ فيا عزيزي الصعلوك مـــا يجري الآن في هذه الكنيسة التي تشرفك ليس غريبا عليك ونحن المسالمون إيماننا يجبرنا على السماح والصلاة من اجل المتجبر والمتهرقل ن يرجع عن غيه ويعود إلى جادة الصواب...     
       

99
توما توماس..أهلا بك فوق رابية ألقوش 
                 
 

بقلم..سمير عابد القس يونان
العراق في25 تشرين الأول 2010


نعم أيها القارئ المبجل قبل أيام كنا في عرس إلاهي كنا على موعد مع العائد من الأموات العم الأب الرفيق النصير توما توماس المعروف بابو جوزيف ولا اعتقد أن القوش رأت مثل هذا الاحتفال وهذا
الكرنفال فيما مضى حيث الجماهير الحاشدة تسير كالأمواج المتلاطمة لتفوز بموقع قريب من ذلــــــك النعش الأحمر الذي أبى أن يبقى بعيدا عن أجداده ومحبيه...دأبت بعــــض الطاقات واحتشدت بإلحاح وإصرار وعبرالسنين التي خلت على نقل رفات الخالد توما وأم جوزيف من مثواهم قبل الأخير فـــــي دهوك وسوريا ورغم الصعاب والتلكآت تضافرت الجهود والمساعي في تحقيق الحلـــــــــم الذي راود الكثيرين من العشاق والمحبين في نقل رفاتهم إلى تراب أجدادهم إلى تلك الرابية في القوش ليرقدون
مع من سبقوهم في العطاء والبذل...قليلون من ذاقوا النوم في تلك الليلــــــة حيث غدا ستكفكف الدموع وتصطك الأسنان وستتسع الأحداق لتحوى الشمس كلها فرحا وحبورا وسيترك الوليد شرنقته ليخرج لاستقبالك ومنذ الصباح خرجت الجموع تاركة أوكارها وقدمت الوفود من كل حدب وصوب وشملت كل القوميات والأديان والطوائف حيث توحدت بالزائر العزيز وأزيلت الفوارق والأحقاد لأجل العــــم الغيور
لأنه أحب كل هؤلاء واسكنهم جمار قلبه ثم توزعت الجموع المتراكمة حسب تخطيط محكم من منظمــة الحزب إلى مجاميع لاستقبال الموكب المهيب مجموعة تنطلق من دهوك ومجموعة تنتظر عنـــد مفرق البدرية ومجموعة تنتظر عند مفرق القوش وأخرى مع الجوقة والأعلام وفرقـــة الاستقبال ذات الثياب الخاصة مع جموع غفيرة من النساء والشباب عند مدخل المقر...كنا ننتظر عند مفرق البدرية التي تقع إلى الجنوب الغربي من القوش منذ التاسعة صباحا وتقاطرت الوفود من كل الأماكن وكانت فرصــــــــة ثمينة لتلتقي من لم تلتقيه من الأعزاء والذين لك معهم ذكريات جميلة منذ فترات طويلـــــة وقسم منهم عكف الزمان بوطأته القاسية على تغيير كل معالمه وذلك قاد إلى معانات للتعرف عليهـــم وإزداد عدد الجماهيرالى حد وصلت السيارات عبر الطريق المؤدي إلى قرية بندوايا أكثر مــــن كيلومترطولا وكان الانتظار مضنيا  مما حدا بالجماهير أن تترتب على شكل حلقات تمجد تاريخ هذا الرجــل وتسلط الضوء على بطولاته وحبه اللامعقول للجميع وخاصة لبلدته التي صان كرامتها وجعل من جسده الطاهر صورا منيعا لحمايتها كما أعطى من ضعفه قوة ولا بد أن نتذكر جبال كردستان والتي لم يترك احدها من قنديل وزوزك وشيرواني مزن وماوت وبرزان وشيلا دز ونيروة وريكان وكاره ومتيـــــــــن وكيشان وبيخير والباقي أكثر إلا وترك بصمته على سفوحها لتكون شاهدا لمناضل صادقها وأحبها وغازلها وجعل من أسمائها جزءا من تاريخه... وعند الحادية عشرة ونيف صدحت أصوات الإسعاف والنجدة والحمايــــة وشقت سكون الأثير جاعلة الآذان والعيون والوجوه تنشده نحو المصدر حيث وصل موكب الساكــــن قلوب المتعطشين للعزة والكرامة لا غير وعندها تزاحمت الجموع بسياراتهم للحاق بالموكب المهيب
وانتظم السير وكان من الصعوبة تحديد بداية ونهاية الرتل ولكنـــــــــــه كان طويلا جدا وكان النعشين المحميين بالأنصار وبزيهم التقليدي يتقدمان الموكب لقد اعتصر قلبي حزنا وفرحا وعم كياني رعشة ونشوة وانتفخت مآقي لتفيض بالدمع الساخن الذي خزن لهذا اليوم البهي وتسابقت السيارات لتصل أولا إلى راس الموكب وكأننا في رالي باريس حيث لا خوف من الاصطدام والحوادث لان العم يستحق كل شئ...وعند مفرق القوش انضمت مجاميع أخرى لا تقل شانا من السابقة وبذلك أصبح الشارع كله مشغولا وبلغ طول الرتل الكيلومترين ويضم وفودا رسميين وأهالي وأصدقاء ومدعوين ومن دفعتــــه غيرته ليشترك بالمراسيم حيث لم يستطع في الأولى بسبب النظام القاتل فجاء مفعما بحب الغائب وهكذا
وقبل الوصول إلى الساحة المقابلة للمقر تركت السيارات في أي مكان كان دون تاميـــن اوخوف عليها لان الجميع لا يدور في خلدهم إلا السير بالقرب من النعش وملاقاة الجماهير الصاخبة وبدأت الهلاهـــل وأنغام الجوقة الموسيقية تشق عباب الريح وجعلت من الراقدين في القبور يحتجون علــــى الخالق كي  يسمح لهم بالمشاركة رغم يقينهم التام بان الباسل وزوجته سيحلون اليوم ضيوفا دائميين عندهـــــــــم وكانت الجماهير كثور هائج فمنهم من يريد الاقتراب من النعشين ومنهم من يريد الاقتراب مــــــــــــن السكرتير حميد مجيد موسى وعزيز محمد وكمال شاكر وضيوف آخرين مرموقين ومنهم مــــــن حاول حمل الأعلام الحمراء والصور الكبيرة للراحل..من المقر توجه الموكب الضخم إلى دار العـــــــــم الذي تعرض إلى الحرق ولعدة مرات وتمت مصادرته وبيعه بالمزاد العلني حينئذ وكان الموكب من الضخامة والاتساع ما يثير دهشة المشتركين واستغرابهم حيث احتشدت الجماهير على أسطح المساكن وفــــــي الأزقة المجاورة والساحات والشوارع ولاقى الكهنة والشمامسة صعوبة فــي الدخول وإكمال المراسيم
وحينها لملمت جراحي وسافرت بعيدا إلى زمن كان الدار ملجأ الثوار من جميع أنحاء العراق وقلمــــــا ترى الباب مسدولا كان كخلية نحل دائبة الحركة والنشاط وكم من مرة طوق ونصبت حولــــــه الكمائن وكم من جاسوس وخائن عين ليراقب الدار لكن العم كان محميا بهالة من الخالق لدماثة أخلاقه وحبــه
المطلق للجميع وتسامحه اللامحدود وإرادته التي لا تلين وغيرها من السجايا المعروفـــة لدى القاصي والداني وكان يقول لمن يعاديه نحن إخوان لكننا نختلف بالانتماء الفكري والطبقي...بعد المراسيم هـــم الموكب ومن خلاله الجموع الحائرة بين الحزن بسبب فقدانها لهذا الحب السرمدي أم فرحهــــــا عودة
الغائب إلى جوار أهله ومحبيه فكانت تختلط دموع الفرح والحزن ولاق الموكب صعوبة كبيرة فـــــــــي الحركة واستغرق وقتا للوصول وعشنا لحظات كنا ننتظرها بفارغ الصبر تتخللها أحاديث تتناول الخالد
بيننا وما أحوجنا إليه اليوم فلا احد يسال علينا أو يعتني بنا أو يخاف على امننا وبقائنا وكانت الهتافات والهلاهل تتعالى وعندها تنتفض المشاعر وتنبري الضمائر لتعيش اللحظات الأخيرة مع مـــــــــن صان كرامة واسم وتخوم قصبته وفي الطريق الطويل إلى المقبرة كانت الجموع تتقاطر وقسم منها اصطفت عند الأرصفة والأماكن العالية حتى المعوقون والعاجزين عن السير خرجوا لتوديع حبيبهم وهكذا وصل النعش إلى تلك الرابية التي سنزورها كل في يومه وكانت الحشود تأبى الابتعاد إلى الصفوف الأخيرة بل فضلت قرب القبر حيث توارى جثمانهما في قبر واحد رمزا للالتئام الروحي الذي استمر بعد الممات أيضا وبدا الاحتفال الخطابي والرسمي بدأه أبو داؤد بكلمة ارتجاليه أشاد بالراحل وقال قليل من يدفـــن مرتين وهذا يدل على مكانته وأهميته وتوالت كلمات الوفود الرسمية المتمثلة بالأحزاب الوطنيــــــــــة وممثلي الأقليم ومنظمات المجتمع المدني وعائلة الراحل...وهكذا ارتاح الراقدون ومن يدري ربمـــــــا يقيمون احتفالا أكثر بهاءا من الذي أقمناه نحن الأرضيين احتفاءا بقدوم العم وسيكون لنــــــــــا سلوى ومشورة رغم رقاده وفنارا نستدل به ونحن في عباب البحر تتقاذفنا الأمواج وبلسما لجروحنا التـــي تراكمت وأثخنت نعم كان يوصي كل مناصريه ويؤكد عليهم أن يحافظوا على قرية أبيه فمن منا لــــم يتمنى أن يكون مثله رغم المعاناة والشقاء وضياعه في الأصقاع لقد دخل التاريخ ليحتل موقعا يحسد عليه فكن إلى جانبنا بروحك فقد سكنت القلوب وأنرت الدروب لكل سائر محبوب.......     


100
برحيلك ستجعل الجبل عقيما
           
                               
بقلم..سميرالقس يونان
العراق في    18  ت1   2010

 
قبل أيام قصد رجل في مقتبل العمر ممشوق القامة جبلا يطل على قصبته جبلا شامخا هرما وبدت عليــــــــه علامات الوقار والهدوء لما عاناه من تلك السنين العجاف المؤلمة القحيطة الجدباء حين`ذاق الأمرين مــــن القصف المستمر لكونه وَََِِِِكرا منيعا يؤويه الثوار والحرق المستمر لإزالة الغطاء النباتي  وذلك أدى إلى لسع حرارة الصيف ظهره العاري ولكن كان يحس بفخر عظيم لما قدم من خدمات جليلة في إيواء الفارين مـــــن الجاندرمة والسقلي والحرس القومي وأجهزة النظام السابق...كان هذا الرجل يزور الجبل دائما ويتكلم معه عن العطاء والذود والانتماء والبقاء والصمود والتحدي والأمل والحياة وكان الاثنان متفقين وتشكلت علاقة مصيرية ذات أواصر لا تنفك ولا تتجزأ وكان جبلنا الجلمود يقول دائما لصديقه الممشوق القامة إنني سأكون مخلصا وأمينا لك كما كُنتُ للذين سبقوك...وفي ذلك اليوم المشؤم تسلق الرجل عبر طريق غريب لم يألفـــــه الجبل وسار مسرعا خاطفا خطواته لئلا يراه الجبل ولان الجبل لا يُغمض له جِفنٌ خوفا على قصبتــــــه لَمَحَهُ وتعجب لتصرف صديقه الإنسان وعلى حين غرة زلزل الجبل نفسه ساخطا ومستنكرا مناديــــا الرجل وقائلا ماذا دهاك أيها الحبيب وما الذي عكر مزاجك وهل بادرتُ بشئِ خدش حَياؤك وشعورك لتُغير مــــــن مسارك مبتعدا عني وذلك أثار حَفيظيتي أرجوك أن تخبرني بسرعة ماذا دهاك...اخذ الرجــــــل يَتلعثم ويُتَمتِم مُحاولا التملص من مواجهة العم الجبل وحين أدرك أن ذلك مستحيلا قرر في ذاته مصارحة الحارس الأمين الجبـــل الحنين عما يدور في خلده المشين حيث الهشاشة والحقد الدفين فاخذ الرجل يقترب من تلك التكيــــــــة التي تَقطُنها روح الجبل والتي تطل تماما على تلك  القصبة التي وَلوَلت وخَرّصت الأيام الخوالي بجَبَلِها وطُلسُمِها وكنارتها وريشتها وغيرتها اقترب الرجل مُطَاطا الراس والعَرَق يتصبب من جبينــه ويبدو أن قواه قد خارَت وأصابه الوَهن وحينها انتفض الجبل واقفا حائرا مستجمِعا قواه لسَبر أغوار عزيزة الإنسان حيـــث تعود أن يراه مبتسما ودودا مرحا شجاعا لم يأته يوما إلا ورأسه مرفوعا بفِعلي وشكيمة أجداده وعوده الذي سقـــى من ذلك المنهل المدرار...تقابل التوأمان حيث روحهما لم تنفصل أبدا وخلقا ليكونا لبعضهما الجبـــــل الاصَمْ والرجل الناطق العاقل وبادر الجبل سائلا الرجل لقد جَنني وَضعُك حيث لم ألقاك بهذا الشكل أبدا أبدا وإننـــي عَلمتُك حين الشدائد والمصائب ماذا علينا فعله فيبدو اليوم أن هناك شئ يدور في خلدك لم نتطرق إليــه أبدا اقوى مما مضى وكما تعرف لقد عانينا الكثير ولم نجعل من جباهنا يوما تنحني بل كانت هويتنا وعلمنــــــــا وساريتنا ولم نمسح عرقها يوما بل كنا نتركها للريح ليَفعل فعله فاِفصَح أيها الضيف وقل لي ماذا هناك وكان الرجل لا زال صامتا وحين سمع كلام الجبل رفع رأسه ولم تصدق عينا  الجبل ما رأتــــه حيث الدموع وانف يُكفكِفُ  وكأنه قد ارتدى أكليل يسوع وشرع الرجل بالبكاء وشَهَقاتِه تشق حِجاب سكون وصمــــــت الطبيعة وروحه تكاد تغادره فصرخ الجبل وَوَلوَلَ كبركان هائج لا يعرف كيف يقذف بِحِمَمِهِ ساخطا ولكنه في اللحظة الأخيرة حكم عقله واخذ يُربَتُ على ظهر الرجل مُطيبا خاطره مُعَزِزَا معنوياته مُشَجِعا سَريرَتُه قائلا للرجـــل استرح ولا تخف واشكي لي همك وسأكون لك سدا منيعا اذودُ بحياتي من أجلك...تشجع الرجل وفتح فاهــــه وبدا بتمتمة بعض الكلمات وكأنه لتوه بدا تعلم الكلام مما زاد من حيرة وغضب الجبل فمسكه من كتفه وهزه بعنف وقال له تشجع وتكلم وبعكسه سأدفعك إلى الوادي السحيق واجعل منك طعاما للوحوش وحينهــــا فاق الرجل من غفوته وقال الرجل بعد أن مسح وجهه من افرازات عينيه وانفه ولخجله ودناءته لم يستطع النظر إلى الجبل وقال بصوت مَبحوح مِلؤُهُ خشوعٌ وانكسارٌ إنني أيها الجبل سأترُكُكَ واترك قَصَبَتـــــي واترك بلدي وأهلي وقلبي ومدرستي وبَيْدَري وسوقي وقبور أجدادي والقديسين والطوباويون وكنيستي وسأذهــب بعيدا فإنني لم يعد باستطاعتي العيش هنا...كان وقع هذا الكلام كالصاعقة زلزلت كيان ووجدان الجبــــــــــل ورغم جبروته وعنفوانه ورغم وِقارِهِ وهيبته سقط مَغمِيا عليه وكأنه فارق الحياة قبل مائة عام وما هي إلا هنيهات وكان الوعي قد عاد إلى الجبل وتمنى لو لم يعد إلى الحياة ليرى رئته الثانية تذهب بعيدا ورويدا رويدا سيطر على رِباطِ جأشه وضرب بِكَفِهِ الأرضَ بكل ما أؤتي له من قوة وقال للرجل الجبان...أأنت الذي اؤكلتْ إليــــك هذه القصبة سَتترُكُها باحثا عن سعادتك المزيفة بين أحضان باردة لم تالف الحنان عمرهـــــــــــا كيف تتجرا وتخون العهد الذي قطعته مع من منحك الاسم والكينونة انظر إلى تلك الأزقة وتلك السفوح وتلــــــــك البيادر والساحات فان لك فيها ذكرى منحتك الحب والبقاء والانتماء وكم من مرة وقعت وجرحت بل وكم مــــن مرة نَقَشتَ اسمك وحَفَرتَهُ عميقا ليبقى أثرا ربما يوليه التاريخ يوما ما جزءا من صفحاته وكم دافعت عنه لئــــلا يمسحه أصدقائك محاولين إزالته وألان تولي الأدبار وتتحلى بالكفر والشنار وتترك الأفذاذ والأبرار كيف قــل لي كيف تسول لك نفسك بل كيف وصلت بك الوقاحة إلى هذا الحد الذي فيه تترك صومعتك وكوخك بــــــــــل تاريخك وصلواتك تنتهك من قبل الذين أهانهم وأذلهم أجدادك وجبلك..أتعرف أن اسماك السَلَمونْ ترجـــــــــع لتموت في المكان الذي رأت فيه النور بعد أن تقطع الآلاف الكيلومترات عِبر الأنهار والبحار رغم أن دماغها لا يمكن مقارنته بدماغك لماذا..ولماذا بعض الغَجَر لا يدفنون موتاهم إلا في المكان الذي يولد فيه وكمـــــــــا تعرف ليس للغجر مكان محدد حيث كالبدو دائمو الترحال أتعرف لماذا..ولماذا يُثَبِت مسقط الراس في كـــــــل الوثائق الشخصية وخاصة جواز العبور هل لان الوطن يجب أن يرجم ويترك وينبذ ويركل ويلعن ويشتـــــــم لسبب أو لأخر نعم إننا خلقنا ههنا لكي نتحمل رفسات وعذابات وتخرصات وآهات ولكمات ليس الوطن بــــل من يعيش في الوطن ومن يقرا التاريخ ويتمعن فيه يلاحظ أن هناك قبائل كثيرة أفدت بنفسها من اجـــل مذود أو شبر ارض أو بيت شعر هجاهم وقلل من شانهم هذا هو الانتماء وأقول من يموت على أرضه لم يمـــــــت ومن يولي الأدبار فمن حينها يتلاشى وعليه أن يولد من جديد ليصنع له ذكرى وحياة وتاريـــــــــــــــخ وهذا مستحيل..إلى أين يا صاحبي فان كنت تستطيع إقناعي بهجرك لنا فكيف بالدراج والقبج (زرخا)والزنبقــــــة وشقائق النعمان والينبوع(كبد مايا) وفراش الحرامية(شويثد كناوي)و(كبيثا دحلاوي) ووووو فإنهــــــــم لا يقبلون اعتذارك ولا تنسى أننا نشكل جسما واحدا وأنت عضو فيه وابتعاد أي عضـــــــــــــــو سيهدم النظام الاجتماعي وبذلك ستكون سببا رئيسيا في دنو واقتراب اجَلنا واجَل تاريخنا وستجف قطرات الدم الدافئــــــة الرطبة التي أراقها أجدادنا لتكون أنت وأمثالك مزهوون متفاخرون منتعشون بين القبائل والمجتمعات التـي تحيطكم ويحسب لكم ألف حساب أتبيع كل هذا ببلاش وليكن بعلمك أن الدولة التي ستذهب إليها ليس لديهـا ما لك من قيم سماوية ومآثر تاريخية وطلاسم والغاز لا يستطيعون بتقنياتهم فك رموزها ودهاليز وأقبيــــة نحتت بتلك الزنود الفذة وبتلك الإرادة والشكيمة ليمنحوك الحاضر الذي أنت فيه واليوم ترفسه وتركله بقدم ما ذاقت عمرها طعم الشوك...ستندم وستلعن اليوم الذي بَهَرَتك وأفزعتك تلك الحضارة التي عمرها لا يتعدى عمرك وان كنت أنت ستحن يوما جبلك الذي أبكيته لأول مرة فان أولادك سيبحثون عن جبل آخر واسما آخر وعندما يقرؤون تاريخ تلك البلاد سيبكون لا محال لعدم امتلاكهم الإحساس بالانتماء لأنه لغيرهم وأنـــا ذلك الوجدان الحي هناك الملايين ممن يودون حمل اسمي وقبول حمايتي وصداقتي لأنني مفعم بالحب والحنــان لأخي الإنسان منذ ذلك الزمان وأخيرا اطلب منك أيها الرجل الناكر جميلي وجميل الآخرين انك عندما تلتقي
بأولئك في البلد المنشود أن تذكرنا أنا الجبل ومثاوى قبورهم أجدادك وتذكر أيضا تلك المآثــــــر والصولات والجولات وتلك الأقلام والفؤوس وإنني على يقين تام سيحسدونك وينصحوك بالعودة.........       


101
           
هل أضحى الخريف فصلنا الوحيد
                   
بقلم...سمير القس يونان
العراق في  12 أيلول

  نعم فصل الخريف يعرفه كلنا بل يهابه جميعنا لما له من معان ومغاز تنم على الذبول والسدول وفيه البصر والنظر يخبو والكهل والشيخ يكبو واليأس والقنوط يدنو وفيه أيضا الشجر يرجو ا نحو حلتـــــه الخضراء يغدو ولهذا نرى الشعراء والأدباء يتجنبون الخريف الأصفر ويجنحون إلى الربيع الغض اليانع اليافع...قبل عدة أيام تزوج ابن عمي في القوش وكنا هناك في الكنيسة لإتمام مراسيم البوراخ وقد أثار حفيظتي ذلك العدد الضئيل من المشاركين وفي الحال تبادر إلى ذهني أين الأشلاء أين الأخ والأخت أين العم والعمة أين الخال والخالة أين الجيران والخلان أيـــــــــن المحب والحبيب وأين المهندس والطبيب معظمهم غائب وسيبقى كذلك سالكين الطريق الشائك تاركين مثواهم في ظلام حالك وعندها سافرت بعيدا بخيالي تاركا الصلوات والتراتيل تتلى دون أن اشعر بها وتكورت دمعة ساخنة في تلك المآقي الـــــــتي أضناها قحط وقيظ وانين تلك السنين العجاف...خرجنا إلى باحة الكنيسة وإنتظر ذلك النفر القليل خروج العريسين لتقديم التهاني وهكذا لم تستغرق العملية وقتا ولا عناءا حيث غابت الهلاهل والأهازيـــــــــج (كلكليلثا) وأين تلك الأزياء والبوشيات والكمر والميزر والشال شبك والسوسكياثا وأين البسمة والغبطة وأين الطوابير المفعمة بالفرح والسعادة وقد استعدت لليلة ملؤها عنفوان ونشاط تدق الأرض بتلــــــــك الأقدام الأقوى والاجبر من أحافر الفرس ثم خرجنا فرادا ذاهبين إلى القاعة وأمام باب الكنيسة لمحــــت عيني عليكو متكأ على الحائط حائرا وبادرته بسؤال وقلت له بالكردي (علو ليدا)والتي تعني علـــو ابدأ بدق زورنك وطبلك وفي الحال جاوبني والحسرة تعصر قلبه وقال (بو كي ليدم مامو)وتعني لمــــن أدق واعزف أيها العم داركا تماما أن مهنته أيضا سيكسوها الخريف الذي نحن بصدده حيث لا شاباش ولا                               
 تلك الساعات الطوال ولا تلك الأجسام التي كانت تتمايل وتترنح كشقائق النعمان متناغمة مــــــع تلك الألحان وخاصة لو لو برا لا يتخللها وقفة ولا سكون إلا عندما تتشنج عضلات فك عليكو من النفـــــخ المستمر...يذهب كل واحد إلى سيارته وإذا كان قد اصطحب عائلته فذلك شئ جميل ولولا تلك الثياب لكان من الصعب أن يعرف أحدا إننا خارجين من البوراخ حيث غابت مظاهر الفرح ماذا حل بنا اهو الخريف الذي نهابه والذي حل علينا ضيفا غير مرغوب به سرق كل شئ ومنحنا السيارات الفخمة والقاعـــــات الفارهة والثياب الجميلة التي تحدد معالم الجسم جملة وتفصيلا سرق عليكو واعطانا الفرقة والدي جي سرق القدح الذي كان يبرد بلف المنديل المبلل حوله واعطانا المعلبات والحــــلويات نعم سرق الخريف أحبائنا وشتتهم وجعل الباقون يعانون من الوهن والريبة إنها أسوا من الخريف إنها النزيف البشري إنها الهجرة المقيتة قاصمة ظهرنا ومبددة حلمنا وسارقة حاضرنا وهي كفيلة إن استمرت على هذا المنوال أن تزيل وتمسح تلك الأسماء والطلاسم وتهشم الإيقونات التي أريقت دماء سخية من اجلها...سابقا كان موكب العرس بعد انتهاء البوراخ يستغرق اكثر من ساعة للوصول الى البيدر وخلال هذه الساعة كانت تسطر لوحات فنية رائعة مع الزورنة حيث الشباب كبركان هائج وتلك الأكتاف المكتنزة والصيحات التي كانت تصدح عبر الوديان والكليان ويتحول إلى صوت رخيم وكان القوش في وضح النهار وذلك العرق المتصبب من تلك الجباه كله فرح وسعادة كان الرقص يستمر وبقوة يقف فقط عند الوصول إلى البيوت الحزينة ثم يستمر إلى البيدر التي تقام على فنائها العرس بينما ألآن يذهب كل واحد إلى سيارته كالأيتام ونذهب مباشرة إلى القاعة المكيفة...انتهت الحفلة دون أن ترفرف روحي ولو للحظة انتهت الحفلة دون أن اندمج بإحدى فقراتها نعم انتهت وانأ أترصد موقعا مناسبا لانخرط بإحدى الدبكات وخاصة السسكاني دون جدوى لا سيما غياب تلك الأيادي السمراء التي تلوح كأنها فنار الإسكندرية وتلك الأجساد التــــي أثخنها وسمرها الكد والعمل الشاق والتي كانت ترفس الأرض بقوة تفوق قوة أحافر الفرس وأين تلك الجباه التي كانت تعانق الخالق بغيرتها وعزيمتها وهكذا انتهت الحفلة دون أن احضى بفرصة المشاركة حيث سيطر الجيل المحظوظ اليافع الغظ على مجريات الأمور وحول تلك اللوحات الفنية التي كان أجداده يعتزون بها إلى رفس وقفز ووخز وقد تمنطق بحزام ليس عند خصره بل أسفل وركه وصدره مكشوفا لحد السرة التي تغذى منها ومنحته الحياة ليأتي ويقدم لنا هذه اللوحات الفاقدة لكل جميل وعذب ...أين تلك الرقصات وأهل بلدتي يعرفون أن في عائلتنا كثيرون من يرقصون وكانوا يزيدون مــــــــــن نشوة المتفرجين وفرحتهم فنرى غانم قس يونان وبدري وسامي وغيرهم يتحدون بعضهم بلغة الكتف والصدر والرجل وكانوا يحاطون بعدة حلقات من المشجعين والهتافات والأهازيج تنهمر باعثين الفرحة والسعادة في نفوس الحاضرين ومن الجنسين...أين اؤلك وأين نحن لقد تغير كل شئ وأضحينا بيادق الشطرنج حيث خلبت الإرادة والتصميم والعزيمة رغم امتلاكنا لكل شئ أين ذلك الصف المتراص وأين ذلك النسيج المحبوك من الحب والتضحية وليس من القطن والصوف لقد أرهقت الهجرة وجودنا وحسب بيانات متوفرة لدي فان هناك أربعة أضعاف سكان القوش الحاليين خارج العراق وكذا الحال مع بقية قرانا وقصباتنا وفي ذات الوقت يستغل المتربص الفرصة ليغير من ديموغرافية بعض قصباتنا والجميع يتفرج
والنزيف مستمر أقوى وأكثف من قبل...في الوقت الذي نحن بحاجة إلى لملمة الجراح والحفاظ على البقية وإعادة المياه إلى المآقي نرى طبقتنا المثقفة القابعة في المهجر وقد سحبت قلمها من غمده لتصب
الشتائم وتقذف بالويلات على بعضهم حيث هذا تأشور وذاك تكلدن وغيره تأرمن متناسين أهلهم هنا في المعترك وقد أثخنهم القلى والصدى لا يقوون فعل شئ يفرح ويسعد أجدادهم كفا أيها النفر القليل وانه لشئ مخجل بحق الجميع أن يساهموا مع الجلاد وقد قدموا إلى مذبح الرذيلة قبله وانه عار وشنار لمن يصب الزيت على النار ليحرق البقية بنار الكراهية فان مائدة أبي تكفي للجميع وللعازر أيضا فجميع مقالاتكم لا تضع حجرا فوق جدارنا الآيل للسقوط بل تحفر تحته لتزيد من سرعة سقوطه...من يحترم التاريخ ويعتز به عليه احترامه ويضيف إليه بعض اللمحات التي ترفع ألراس لا أن يقول نحن اكتشفنا
الحرف والعجلة وأوجدنا القانون وأنظمة الري وفي ذات الوقت يقتل أولاد اؤلئك وينكر هويتهم....       

102
الخالد توما توماس يحرس ألقوش ثانية
               


 
بقلم سمير القس يونان
العراق في 27 آب 2010

بعد جهود مضنية ومحاولات حثيثة وإصرار منقطع النظير تمكن المشتاقون إلى نفحة ذلك الينبوع النابض الدفاق أن يعيدوا الماجد توما توماس إلى بلدته وهو يعتلي تلك المنصة تمثالا ناطقا مفعما بالحب والحنان كما تريده الجموع المحبة والعاشقة لتلك البسمة التي منحها لعدوه قبل مناصريه.........رغم العراقيل والصعوبات
الرسمية والفنية ورغم العثرات اكتسب مشروع إقامة نصب تذكاري للمناضل توما توماس عند مدخل ألقوش
حق التنفيذ وبإمكانيات مادية بسيطة ولكن غيرة الميامين وعناد المناضلين وشكيمة المحبين سيرى العمل النور قريبا...إن ألقوش تلك القلعة المنيعة التي أضحت أبراجها شاغرة تستغيث بحراسها وقديسيها وكل شفيع
احتل فوسا من محيطها وأيضا بتلك القمم الشماء وتلك الصفحات واللوحات التي حملها الريح إلى أصقاع المعمورة ليكونوا عكازه يتكؤن عليها وكنارة يغذون أرواحهم ببلسمها...تلك الصفحات وتلك اللوحات كنارات
وفنارات علينا جميعا احترامها وإجلالها وعندما نصل إلى اسمائمهم ونحن نطالع مقالة أو كتاب أو بحث علينا وضعهم بين عدة أقواس وليس قوس واحد لسبب واحد ألا وهو أنهم رسموا ذلك الطريق ألميسمي في ظروف حالكة ومخاضات عسيرة وجعلوا من بيوتهم ملاذات آمنة هروبا من السقلي والجاندرمة والجتة والعشائر
الطامعة وتلك المؤامرات التي حيكت في تلك الدهاليز...انه عصر الغيبوبة والانزواء في زوايا مضلمة لا ترى فيها إلا تلك الجيوب المتدلية والكروش المنتفخة ومفكرة صغيرة ليس لكتابة الذكريات والخواطر بل لتثبيت
تلك المبالغ المغزية انه دهر التدلي من السقوف سارقين سر البيوت تاركين جهينة مذلولة وسرها مباحا .....
نحن جميعا بصدد مشروعا نستطيع من خلاله الإيفاء بجزء من ذلك الدين الثقيل الذي تراكم عبر تلك السنين العجاف دفع هذا الدين من اجل راحتنا واسمنا وامننا ومكانتنا ولم يطلب منا صك مصدق ولا كمبيالة ولا كفيل ..دين كان ثمنه موت واختطاف جوع وترحال دائم برد وصقيع لا فرق بين الليل والنهار مجالس وعلاقات وطالما الحياة اخذ وعطاء فكنا قد أخذنا الكثير عبر منعطفات يذكرها التاريخ من خلال السن ذاقت طعم مرارة تلك الأيام حيث كان صوت هؤلاء المناضلين يصدح كالرعد مزلزلا وجدان وكيان من تسول له نفسه الاقتراب من تلك البيادر والقديسين ها قد جاء زمن العطاء لنقول للذين سافرت ورحلت أجسادهم تاركين أرواحهم بيننا
ترفرف كالملائكة نقول لهم انتم في البال قبل المال علمتمونا الحب والوصال أمنتم لنا الطريق وجعلتم الجيران
والخلان يحترم كلمتنا ونسبنا وتركتم حدودنا مصانة بعد أن كانت تهان وتسرق وتحرق غلاتنا....احد هذه الرموز واحد الخالدين وصفحة مهمة من سفر القوش توما توماس ذلك البطل المتواضع يطلب منا العودة الى
قصبته التي كانت دائما قلادة معلقة بعنقه وأسوار زين معصمه وكل حلمه حيث لم يطيب له المقام وهو في مثواه الأخير علينا إذا أردنا الوفاء وإعادة زهو وشموخ وبهاء قصبتنا وخاصة في هذه الأيام العصيبة حيث الهجرة تنخر بعظمنا علينا تعضيد  ودعم المشروع ماديا ومعنويا وعلى أقلامنا أن تنبري معلنة حبها لذلك الاسم الذي خدم الجميع دون استثناء والخالد كان القوشيا قبل أن يكون شيوعيا وعندما أصبح شيوعيا أبى نسيان قصبته وجعلها في الإحداق ومن جفونه سياجا منيعا يقي أطفال قصبته لذلك ارجوا أن لا يأخذها البعض ذريعة عقيمة واتخاذ مواقف مشينة لا تليق ومقام وتضحيات الخالد الذي نحن بصدده...أليس جميلا ومفيدا
ولائقا إن يكون لكل قرية أو قصبة أو مدينة رمزا أو قديسا أو شفيعا أو وجيها نتذكره عند الألم والمحنة والتحدي بل عند الشدائد والمصائب نردد مواقفه وأقواله وأفعاله المؤثرة والسخية ليزيد ذلك من تمسكنا وتشبثنا وغيرتنا وحبنا لتلك الثوابت التي نادوا وأشادوا بها ونمد جسرا ومشيمة بتلك التلابيب والأهداب لنروي عروقنا وضمائرنا ونقول معهم هذه أرضنا ومثوى اجدادنا ورياض أطفالنا وعليها سطرت ملاحم ولوحات دروس وأمجاد ومنها نبعت علوم وألقاب....الم يكن للعم توما حصة الأسد من هذا السرد دون ان ننسى من أمنه بعصى البريد وسلمه طلسم القوش من الأولون الذين لا زالت صرخاتهم وحكمهم تصم الآذان
وتنخز الوجدان وتقول لا تمضي بعيدا أيها الحيران فانا هنا انتظر منك التضحية والعنان فها هنا يوسف كوزلي الذي حرم من الضنا والأولاد يقول أن شباب القوش كلهم أولادي وعمل بجد وإخلاص لرفع هذا الشأن
وكذا الحال مع يوسف بولا وكثيرون آخرون أنهم نجوم براقة وهالاتهم من العرض بحيث تحمينا كلنا وبها نهتدي عندما تقطع بنا السبل وتمنحنا الدفء أيام الصقيع...إنني وبهذه المناسبة المغبطة يملؤني الحبور والأمل أن استهل بتلك الإطلالة وانأ ادخل قصبتي من بابها العريض وليس من شباكها الضيق بتلك الانحناءة التي ملؤها تسامح وحب بتلك البسمة التي تنم عن عشق سرمدي يطال الأبدية بتلك القامة الممشوقة التي عجز الزمن والمحن من ثنيها وحدبها نعم ستكون بقربي تربت على ظهري كما تطبطب الأم رضيعها حين ياخذني اليأس بعيدا واستنجد بك حينما أساق للجلاد دونما ذنب وخطيئة...لنعيد إلى الوراء قليلا ونقلب تلك الصفحات سنرى ملاحم وبطولات صوامع وصولات سطرها الناس لا يقلون شانا عنا وفي نفس الوقت أحاول نبش الحاضر لأجد فيه نقطة مهمة مضيئة ومنها ممكن أن انطلق لشق هذا العباب المغبر فلا أرى غير الأوهام وأوراق اتضحت سمراء خالية من حرف وكلمة تركها اجدادنا لنملؤها بمواقف وخطوات تفرحهم حينها أكون مجبرا أن ارجع إلى تلك الصفحات لترتشف روحي من ذلك البلسم الأخاذ ففيها آهات وشجاعة موت وبراعة قتل ورضاعة ورغم ذلك بزغت شمسهم وذاع صيتهم...أيها القائد القومي الاممي ذهبت إلى ديار بكر وعرفوك ذهبت إلى حلب وقامشلي شرناخ وعرفوك إلى دغارة وسوق الشيوخ وشطرة والمقدادية وكفري وطوزخورماتو عرفوك محبا للسلام والوئام باذلا للنفس والروح مناضلا شريفا لم يستطع أحدا من ثنيه عن مبدئه رغم ضراوة المعادين له ضمن خطه ألا يستحق هذا البطل تبجيلا وترتيلا تهليلا وترحما وكم من واش قدم لتصفيتك واغتيالك ولكن عندما كانوا يدنون منك يصابون بالهلع والرهبة من تلك الشخصية التي لا يكرهها أحدا وفي الحال كانوا ينهارون معترفين وكان العم توما يخلي سبيلهم لربما نرى ذلك في ألجنه فقط فأهلا بك نقولها جميعا أهلا بك وأنت بين اهلك ومحبيك وستكون الحامي الوحيد لان الجميع على أبواب الرحيل فكان قدومك في هذا الوقت العصيب ليس محض صدفة فأبيت ترك القطيع مهانا يلعب به الذئاب نهشا ونهما...هلم أيها الأعزاء ومن يقرا هذه الكلمات ندعم هذا المشروع معنويا قبل كل شئ ويجب أن يكون حلم الجميع لأنه عمل لمصلحة الجميع تاركا بل ناسيا مصلحته وأسرته علينا التشبث بحقيقة واحدة أن هذا القائم بيننا أحبنا قبل أن يحب حزبه وإلا كيف نفسر شخصا استقدم قوات كثيرة من الجيش والمجندين لاغتياله ولأنه بار استطاع الخلاص وبعد أن ولو خائبين وانسحبوا جاء إلى دار المخبر والجاسوس ليقول له تأدب وثانية لا تعملها نعم فأنت لن تكون تمثالا برونزيا بل ستكون من لحم ودم وروح تنفث بروحك في تلك الأجساد التي كساها الصدى وغطى جبينها رموزا هندية أجسادا تترنح كشقائق النعمان ومثل زهرة الشمس تذهب باتجاه الفلس وليس حين الشمس موجودة.....   
   
                       

103
                                                                                                                                               
من تراث القوش ننتهــــــل

بقلم...سميرالقس يونان
في    3 تموز2010


 التراث جزء من التاريخ التي تخلفه الشعوب ليفصح عن هويتها ومنــــــه تستنبط الدروس والعبرلتختصر مشوارالاجيال القادمة فالحاضر غرز الماضي والمستقبل نتاج الحاضر والتاريخ ككل حلقات مرتبطة لا يمكن
فصم عراها ومغازيها...إن حاضرنا المؤلم وما جلبته وجسدته لنا الديمقراطية من تهرئ فـــــــي الصفوف والهجرة المجانية المضمونة والعنا تر والعناكب المسلحة بسياط الأمس وسم اليوم وربما نووية وذرية الغد والتشدق اللامسؤول من تلك الأفواه التي فقدت أسنانها من كثرة أل (سوف) وآه من تلك الجيوب التـــــــي لا ترتوي وتدلت حيث جعلوها مطاطية كل هذا يشوقنا أن نذهب مسرعين إلى ذلك الماضي المؤلم أيضـــــــــــــا بفرماناته وسقلياته وإباداته وأوبئته واضطهادا ته وقمله وبرغوثه بمجاعاته وجراده ولكن فيه بعض النقاط المضيئة لربما عند سردها وذكرها تمنحنا بعض الدفء وتنخز ضمائرنا الغافية مع أهل الكهف لننقلب علـــى واقعنا المخزي والمشين...من تلك النسمات والدعامات والساريات والعبرات طيــــب الذكرىالمرحوم يوسف الريس والمعروف ب(يوسف كوزلي أو عزيزا)وكان حكيما سديدا وصاحب حنكة وبديهيـــــــــة وكان يتمتع بعلاقات قوية ومميزة مع مراكز القوى آنئذ لتحصين قصبته من مكروه يداهمها دائما وكان سيطه وباعـــــه
قد امتد خلال العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر وفي واقعة يرددها الأولون بنشوة لما لها من معنى واثر
في النفوس المتعطشة للوحدة والمحبة والغيرة ونبذ الخلافات وتقوية الوشائج والأواصر بين ذلك المجتمــع المصغر الذي أبى الإصغاء إلى كلمة الخنوع ورخص الدماء لأجل الكرامة وما المرحوم إلا واحد مـــن أولئك
الميامين الذين بنوا تلك القلعة الغير مسيجة تاركين أمر حراستها للقديسين والطوباويين الذيـــــــن يحيطون القوش من جهاتها الأربعة...في هذه الواقعة أريد رسم الحدود الجنوبية بين القوش وقريــة حطارة في العقد الأخير من القرن التاسع عشر ومن المعروف أن طوبوغرافية المنطقة ملتوية يتخللها تلال وهضاب وأودية
ويجري خلالها جدول من الماء كان يستغل للزراعة سابقا وتعرف هذه البقعة باسم (بي كلبا)وتـــم استدعاء
الوجهاء والعقلاء من الطرفين إلى البقعة المتنازع عليها وكان المرحوم يوسف ريس ينوب أهالـــي القوش
والله لم يعطه أولادا وكان دائما يقول أن أولاد القوش أولادي والمرحوم حجــي آغـــا ينوب عـــــــن الجانب الآخر ....وتمت المناقشة وكان المرحوم صادق خوبير صديق ومقرب من حجــي آغــا وخلال المناقشــــــــة والجدال كان المرحوم صادق يقف بجانب شيخ قرية حطارة وقد احتد النقاش فما كان من السيد صادق إلا أن يترك موضعه ويلتجأ إلى جانب المرحوم عزيزا وعندها قوى موقف عزيزا ورفع جاكونته (كبالا)وغرزهــــا
في الأرض وقال تلك الجملة الماثورة والتي سمعتها كثيرا من المرحوم والدي وغيره ومفادهــــــا(ئه كه دار
زرافا تخوم دي دانن آف وأفا وئه كه دار ستورا تخوم دي دانن دور ودورا) وتعني إذا كانت الخشبة رفيعـة
سنضع الحدود عند الماء وإذا كانت غليظة سنضع الحدود بعيدا وبالفعل وضعت الحدود كمـــــــــا أراد الوجه ومن خلفه إخوانه وأهله ولحد يومنا هذا انه درس جميل في نبذ الخلافات والأحقاد جانبـــــــــا ووضـــــــــــع مصلحة القصبة فوق أي اعتبار ومهما كان حيث واجهوا الموقف العصيب بكل صلابة وثبات وربحوا الجولة
ليس برأيي بمضمونها المادي البحت ولكن بمعانيها الروحية والغيرة لدى السيد صادق والعنفوان والشكيمة
لدى عزيزا...هناك دروس كثيرة بل بطون كثيرة أنجبت أعلاما ألوانها لون القوش ومساحتها مساحة القوش
وساريتها تدنو من مزار مار سهدونا الجاثي فوق قمة من جبل القوش نعم رموزا جعلت من رموشها بوابة تحمي تلك القصبة وأحداقها مرقاب تترصد العدو قبل وصوله أزقتها وماعلينا إلا احترام هؤلاء الذيــــن بنوا التراث والتاريخ البعيد القريب بعيدا أذا نسيناه ومسحناه من ذاكرتنا وقريبا إذا ذكرناه وتخيلناه قبــل الصلاة والصوم للذين يصلون ويصومون وقبل فرك الأعين وانبلاج البؤبؤ للذين لا يصلون ويصومون وكلمــــــــة المرحوم قليلة بحقهم وعلينا نعتهم بالماجدين الخالدين لان طيفهم يسبقنا عند السير الغير أمن فأين هم الآن من حلمنا وحقيقتنا وأين ملاحمهم وحكمتهم...لا يجرى حديث أيامنا هذه بين أية مجموعة مثقفة كانــــــت أم غيرها دون التطرق إلى صفحات الماضي والتطرق هذا يصاحبه حسرة وألم !!أهل كانت حياة آبائنا وأجدادنا سلسة ويسيرة وسعيدة أم أن الدهر هذه الأيام عزف عن الحب وأعطى ظهره لكل جميــــل عدا تلك النمنمات والمنمقات التي لا تمت بجوهر الانسان والحياة صلة تذكر وهنا أقول من يقرا الماضي ويتأسف عليه بـــــــل
ربما يبكي عليه ليس أمام الحاضرين بل عندما يختلي مع نفسه عليه بجد وإصرار احترام الحاضـــر ورفده  بكل ما اؤئتي من قوة وعزيمة لا تلين بالحب والتضحية والتسامح وصفع الكبرياء قليلا وإعطاء المجال للكل
بالتحدث وإبداء الرأي ومراجعة النفس دائما وخاصة لمن هو اليوم كبيرا وغدا سيأفل نجمه لا محال.....
 الديمقراطية وصناديق الاقتراع والانفتاح السياسي وحرية العزف على أوتار متقطعة جلبت لنــــــا بالذات البلاء والجفاء وها القوش حالها حال أخواتها تعاني من نزيف الهجرة الذي استفحل بشدة وكان السد إنهار وتدفق الماء والسيطرة عليه مستحيلة وإنني اجمع بيانات من كل القصبات والنواحي والاقضيـــــة في سهل نينوى حول الهجرة وأعداد المهاجرين وتظهر تلك الأرقام والمعدلات المخيفة التي وان استمر الحال كما هو سيكون الأمر مفجعا ومقلقا وإنني لا أقول كم دارا معروضا للبيع في القوش وكم عائلة مرشحة للسفر وكـــم في تلسقف وباطنايا وتلكيف وبرطلة وكرمليس وقرةقوش وغيرهم ومع هذا جميعنا يتفرج وينتظـــر وصول السيل الجارف إليه ورغم هذه المعطيات وغيرها فان كبريائنا وتعنتنا وجفائنا والتحليق بدون أجنحــــــــــــة وتكتلاتنا التي لا تجلب غير العار والشنار تزداد وتستفحل وكل من يحود نار الكرصته وكل شريحة استقطبت من قبل مدير ناحية أو قائمقام أو مسؤول حزب أو جمعية أو مجلس أو رابطة وشكلوا مراكـــــز قوى تتضاد فيما بينها غير منجذبة متناسية أنهم جميعا إن استمروا بهذا المنوال المخزي سيتلاشون وسيلعنون من قبل الأبرياء ليس على ارض العراق بل في تلك الأصقاع الباردة التي جبروا العيش فيها....فقصبتي بنيت قديما و بسواعد جبارة وعبر قرون متعددة سلمت من جيل إلى جيل بأمانة وإخلاص وجعلوها معززة مكرمة ما أفل نجمها يوما  ولم تدنس أزقتها من حقير طامع وعلينا أن نتذكر دائما ما قاله موتانا للقس منصور عندما أراد الشيخ طابو بل خاوة من القوش حيث جاوبوا وقالوا قل لإخواننا في الحياة نحن لا نعطـــي فان أعطوا ليأتوا محلنا ونحن محلهم وسنتصرف فأقول للذين بيدهم دفة الأمور أن ورائكم تاريخ سيكتب وأساليبه كثيرة فلا تتركوا بصمات وطلاسم أجدادكم الأفذاذ يمحيها تشبثكم بتلابيب الأنانية المقيتة والتخندق العدائي والعمـــــل
ضد بعضنا البعض بسبب أو بدونه.. اجعلوا من عكازة ايسف كوزلي وجاكونية كوريال قانيجو وخط بولص
قاشا وجراة وغيرة البطريرك بولص شيخو وبذل الذات لأجل الغير لتومــــــا توماس وعبرة القس منصور وحكمة وشجاعة وحنكة الكثيرين باب لبيتنا الكبير وفنار نهتدي به ونحن في عرض البحر الصاخب ومعول نجتث به ما يعيق جرينا وقلم نكتب به شهادتنا لمحاكمة المقصر والمقامر ببيدر ليس بيدره وبردع ليس له
ولا بد أن كل أهلنا في تلك القصبات الواقعة في هذا السهل لهم من المناهل والفنارات وان اهتدوا بها قاوموا
قيظ الصيف ولسعة الشتاء وان ما قاله الأب الفاضل لويس(كبيرا من يموت علــــــى أرضه) كان قد اختصر
تلك الطرق والوديان  التي تؤدي إلى دهاليز وأقبية تحاك فيها ما يضمن إطفاء شمعتنا وخلع بابنا....   

104
كلمة عزاء للمرحوم يونس كدا


بقلم سمير قس يونان
العراق في 12 حزيران 2010

قبل أيام وعلى غفلة من الزمن قدمت الملائكة داعية الأستاذ يونس إلى وليمــــة
الرب غير آبهة ماذا سيحل بمحبيه وأهله وأصدقائه من حزن وألم وتأوه وانين..
كان الموت سريعا وسلط جم غضبه على تلك النفس البريئة التي تفتقر إلى المكر
والخوف تلك النفس التي ما أحبت يوما نفسها أكثر من غيرهـــا ولا ارتدت رداء غيرها بل لم تحسد يوما سعة وكبر جيب المنتفخين والمنتفعين ولم تكن رجراجة
أبدا نقية عذبة مهذبة... كان المرحوم وذلك يحز في قلبي أن أقولها حالـــــه حال غيره من الانقياء الأتقياء مثالا في الهدوء والبساطة والنقاء وقد حـــــب الجميع والجميع بادله بنفس الحب وكم تفانى وضحى ورحل وتعذب من اجـــــــــل اسمه وكنيته وعائلته وما من احد سمع عنه شيئا مشينا يندب له الجبين كما فعل غيره من اجل حفنة من الدراهم كتلك التي أعطيت ليهوذا... كان نبــــا رحيلك كالزلزال صعق الكيان والوجدان وكنت وغيرك لــــي ولغيري قوة وصولجان بمن استنجد
وعلى من أضع الرهان نعم في هذا الزمـــــن القاسي حيث الصوامع دون رهبان
والحب والأمل ذهبوا وأصبحوا طي النسيان وأصبحنا نجري ونعدو خلــــف وهم
فلان... انك أيها الباقي في قلوبنا بذكراك وأخلاقك الدمثة النادرة والشحيحة أيامنا هذه لا ننساك طالما ارتد ذلك بما كنت تملكه مـــــــن خصائل وسجايا تنم
عن حب وتضحية وكنت تجعل من كرتك وأنت في حصة الرياضة سلسلة تربط بها قلوب الجميع إلى شغاف قلبك الوردية...امض الى رحمـــة الله وسنكون لك
خير مدافعين في هذه الدنيا البائسة التي باعت كل شئ سوى الموت......   
                         
 

105



                            نوحــــــــامــــــــا


بقلم: سمير القس يونان
في    18  أيار 2010

             ( 1 )                                                    ( 5 )
بأثرا دنيري نوحـامـــــــا                             يَلوذي شَبيري بقَدَمتا بِزالا
مِندي ليبي تَقامـــــــــــــا                             لا دريي بَلَي تَرعَستا ونبالا
بِشتا وخروتـا وكيامــــــا                            كديوم هَدودي لا درايا بــالا
قطلا ودما ولا شلامـــــــا                            ديَلبيْ شَنَياثا شهادة شقــالا
       ,,,,,,,,,,,,,                                               ,,,,,,,,,,,,,,,,
            ( 2 )                                                      ( 6 )
حِشا وبخيا وألريشا لطاما                           شلاما بدرايا خاء ألخنـــــــا
كثاوا جيقا وتورتا قَلامــــا                           بناثا إيدَثَِيْ صويئي بْحَنـــــا
يما بقرايا كيلا شَمامـــــــا                           دَمْرَتي بدَأوا إمَي زورنــــــا
لبَح خريبا بكاوَح بخلامــا                           بَثرشيثا مدمَي مليليْ كَرنـــا
      ,,,,,,,,,,,,,,,                                              ,,,,,,,,,,,,,,,
        ( 3 )                                                          ( 7 )
إيقيري خايَن كبيلي عيانـا                           قالا من بَغديدي مزُنكيـــريْ
كديوم قطلا وكناوا دبلخانا                          كخكا من بَثواثا مسوكيــري
قالَن خويا كبيلي مَحزقانــا                          كجا وأرجَل أث ماثا منقيليْ
بَسا دماخا ونشايا كيانـــــا                          بخيا وحشا لبَن مهُريلـــــيْ
       ,,,,,,,,,,,,,                                               ,,,,,,,,,,,,,,,
        ( 4 )                                                          (8)
بَغديدي جرحتا أمَح كُلَـــــنْ                        جرحا رويخا خلي كُشمـــــا
طَأنخْ يُقرَحْ ومارن أمَــــــنْ                       أقلا وأيذا قيصيْ مقََرمـــــــا
ياوخلا قوتا وملوشِخلا جُلَنْ                       قَميثا لَبشْ بشلا خلمـــــــــا
لا دَريَتْ بالا طالَخ وَريـــذَنْ                       كُشما دسورَث بشلي طَرمـا 
      ,,,,,,,,,,,,,,,                                             ,,,,,,,,,,,,,,
         


         ( 9 )                                                    ( 13 ) 

سَهذي بريخي بثخلي طَـرأَ                         ثيلي دخَروي ومحَلقي كيَلاثا
مدمَي شَقياثا بريلي بَـــــرأَ                         ومَقذي باتي وصَرني دبدراثا
كيانَي دوَحتا مُشتيلــي زَرْأَ                         قطائد هِلاني ومَفروئي دشاثا
أني ليلي ميثي مُرحقي مَرأَ                        ويوما لا ياسق لأخونا وخاثـا
     ,,,,,,,,,,,,,                                               ,,,,,,,,,,,,,,,,
       ( 10 )                                                    ( 14 )
حَبيوي كَشيري بِِزالا لقرايا                        نبيلي وجريحي ومقَلودي إلَي
لبَي عميطا لَكيذي جهايـــــا                        لا مارا ولا مرثا وأثرا ديَــــي
هونَي مُركوا تَبلاخا وبنايــا                        ناطوري خريوي بصيخي بدَمي
دأوذيلي أثرا كودا علايـــــا                        أو دمــا زَكايــــا مقذا لبَــــــي
      ,,,,,,,,,,,,,,,,                                           ,,,,,,,,,,,,,,,,,
     ( 11 )                                                      ( 15 )
حاطوبي بأُرخي طوبي دريي                     خذا أورخا إتَنْ بيشخْ خذاكَرتـا                                           
بارويا  ليطَي ومَيَي سريــــي                    بلغوني سَتحخ مطَنبرخ بسِمَلتا
بَرناشوثا كيبَي خايَح كريـــي                    قَم دأثيا أنانا وطالن لَبش بهَرتا
مد أوذي وقَطلي بَشيلَي مهيي                  بكالي يومَنْ إيتا دكوخي دِختـــا
        ,,,,,,,,,,,,,                                           ,,,,,,,,,,,,,,,,
      ( 12 )                                       أيبيلي خواثنْ مكَردخْ كودَيــــي
أن بيشي نيتي قطالا ديونــــا                   وأيبيلي دطَرقي ودائخ بيـــرَيي
لا رخاشا ألقاما مَكلويي زونا                   بَغديدي بقرايا لا ناشوتُن دمَيي
هادَخيلي مَلبي شَلولي دهونا                   أني سَهذي طالَن شوقلي جولَيي
بصخوثا لبش لا كليلا وبكنونا                            ,,,,,,,,,,,,,,
       ,,,,,,,,,,,,,,,,,
  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
     ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



106
المنبر الحر / لطلبة بغديدي نكتب
« في: 23:55 12/05/2010  »
لطلبة بغديدي نكتب 


بقلم سمير القس يونان
العراق في 13 أيار 2010
 
   عند صباح الثاني من هذا الشهر كانت ثلاثة باصات تقل أعدادا كبيرة من الطلبة من قرقوش الى جامعة الموصل حيث لم يكن أحدا منهم على علم انه على موعد مع الدم والألم مـــع الموت واللاوعي مع العصف والغبار والشظايا عندما انفجرت بهم عبوة ناسفة كانت ممهدة لعمل قاتل
اكبر من خلال سيارة مفخخة وحصل ذلك في منطقة صناعية تسمى كوكجلي ولحسن حظهــــــم وسوء طالع البطل الماجد رديف يوسف الذي كان يعمل في إحدى الورش أن يصنع مــــن جسده
الطاهر جدارا ومتراسا ليقي العشرات من الطلبة من الموت المحقق...أيهما أشجع وأنبل واصدق
واطهر من فجر نفسه وهو سكير ومكبسل بخشخاش أفغانستان المشهور وقات اليمـــن ومربوط بمقود السيارة بسلاسل كما يربط الحمار ليقتل البرئ قبل المقصود والرضيع قبل المســن أم الذي دفعته شهامته وغيرته وإنسانيته لإنقاذ الأبرياء وتيقنه التام وحدسه مــن أن العبوة ليست المراد الأخير وعندها سينتهي كل شئ بل هناك أبشع واخطر من العبوة متمثلــــــــة بالمفخخة ولذلك قام بعمل استطاع به إنقاذ العشرات بالذود بحياته وبزواجه المبكر عندما نبه للأخطر وجعل من جسده الطاهر جدارا ومتراسا لتلتهمه النيران بدلا من غيره...بعدها عم الصراخ والعويل وانشــق حجاب الهيكل في الحال وزلزلت الأوداج والضمائر ها قد فعل الاسخريوطي ما أمر به فهنا ببلاش وهناك بثلاثين من الفضة وسالت الدماء لتروي الأرض أكسيرا وتسقيها ماءا خريرا وآه لـو حضر جريرا
لجعل الأشلاء يراها ضريرا وأضحى الزى الموحد الذي يرتديه الطلبة أعلاما تركية وصينيــــــــــة حمراء وخيم الصمت ساحة الحرية سوى تلك الآهات وانين الألـــــــم وأصوات حائرة وتلك الكتب والمحاضرات التي أضحى الدم والدمع مالكها وتلك الأقلام التي انبرت في الحال وكأننا فــــي أفلام كارتون لتقول سنكتب كما كتب أهلنا في كوخي وكرخ ليدان والخورنق و و و و و وكوكجلــــي...
 مشهد يندب له الجبين يبكي ويأسف له الجنين وستبقى تلك الدماء رطبة تحكي لسنين وسنيــــن
ها هنا تذبح الحرية وتنسف الديمقراطية بكمين أجساد بريئة ملقاة مرمية على قارعة الطريـــــق
كأريكة أكل عليها الزمن وشرب أراد صاحبها التخلص منها الجميع ينزف وتكونت سواقي مــــن ذلك الدم الذي دعا للحب والدعة والحبور ينابيع من الخير تروي من فقد الحب والسلام واضحي القتل والهلاك رمزه وسبيله...كان مخرج هذا المشهد من الانحطاط والسفاهة والرخص أكثر من أولئك الذين دبروا محرقة اليهود النازيين وأصحاب المقصلة الفرنسية وما فعلت من الشناعـــــة بحق الثورة الجزائرية وما قام به بينوشيت الطاغية التشيلي عندما قصف ملعب لكرة القدم حيث الشيوعيون يحتفلون ونيرون الذي احرق روما بكاملها سنة 67 ميلادية تلك هي حال المحبيـــن للحب والسلام فهم يمضون إلى المعركة سلاحهم صولجان من نار وريشة تكتب حروفا مضيئـــة
يقراها الضرير ومعول يمهد الطريق إلى قلب الرب وقنديل ينير عيون الضالين ومنجل لا ليلثـــــم فوهة بنادق المتشدقين والمولولين بل ليعلمهم الحصاد وإزالة الشوك والزيوان...إنها لوحة أزلية
بلا حدود ومحكمة ملؤها شهود فيها طلاسم والغاز تطاوع الجلمود لوحة تعطي الغلبـــــــة للفهود
إنها تجسد زمنا كله طغيان وجحود ليس فيها من يبحث عــــــن الخلود يدخلون الهيكل غير آبهين للسجود تلك اللوحة رسمت بريشة مار بهنام الشهيد فيها من المناظر ما يفوق خيال العاقل والبليد
طلاب بزيهم وكتبهم وأقلامهم عاندوا التهديد والوعيد فانتم رغم آلامكم وجراحكم بلسم ومرهــــم للمسن والوليد...أيها المجاهد الحبيب لا بل أيها الراكب سدة الحكـــــم الذي يتشدق بدماء الأبرياء المحروسين بهالة الرب فقط وبيده سبحة أم 99 وأنامله مزركشة بالكوراندوم والعقيق من تفصد جبينه عرقا لاسم وعلم وماضي العراق ومن جعل الوطن قلادة تزين عنقه وأسوار ينمق معصمـه وحلم من أحلامه وسفير مخلص خارج بلده ومن زين أروقة اللوفر من التماثيــــــــــــل والمسلات  والفخاريات ومن عمل من العراق أنشودة يرددها عندما يسال من أين أنت لا بل من لــــــــم يفرط بحدودك وأمنك وسلامتك ومن صان السر والينبوع وذرف لآلمك وتأوهك ساخنة الدموع ومـــــن تجرع السم الزعاف وذاق الأمرين من ذي الأكتاف الساساني...فيا حاملي مشعل التحرر واسترداد
الحقوق والأسماء كفى دموع التماسيح والنواح على نعش شفيع ارفعوا صوتـــــــا موحدا مزلزلا مدويا واجعلوا حدا لهذه الدماء الزكية ولهذا الانهيار المعنوي فهذه الصفعة لن تكون الأخيرة لان الحاقد وساكن الاقبية والدهاليز والبالوعات مصر على غيه وطيشه ووحشيته ونحن ماضون إلى الهجرة المقيتة التي تصل أوجها عندما يعتدي على أحبائنا وتؤدي إلى تحقيق ما يبتغيــــه المجرم وتقل أعدادنا ويضعف ثقلنا ومن يعطينا حقنا المسلوب الذين يقعدون في حضن بارد ينفذ أجندة لا تمس بصلة مصلحة هذه الأمة المغلوبة على أمرها وكمــــا هو معروف أن الحق والحقوق تنتزع بالقوة ولا تمنح كهدايا على طبق من الذهب فلا حق يعطى لنا ولا نحن نستطيع استلاب شيئا من تلك المسروقات طالما واقعنا هذا...الرحمة للشهداء الميامين والصبر والسلوان لذويهم وللجرحى  الشفاء التام والعاجل والعودة إلى مقاعدهم التي علاها الغبار.... 
         


107
في الموصل...الجلجلة كل يوم


بقلم....سمير قس يونان
العراق في 22 آذار 2010
محطات كثيرة وقف عندها المسيحيون والنصارى(عندما يستخف البعض منهم) عبر تاريخهم الطويل فــــــــي العراق الخليل ليحاسبوا على خطا لم يقترفوه وإثم لم يرتكبوه وجرم لم يعرفوه وعبر كل محطـــــة ينتزع غصن
أو غصنين من تلك الشجرة الوارفة الظلال والتي أحبت كل عابر سبيل...لماذا ترتعد فرائص الكثيرين من هؤلاء
المحبين لكل نغمة حنين ليجبروا على ترك دورهم وجيرانهم هل لأنهــــم أشرار ومفترسين ووحوش كاسرة أم لأنهم محبين لوطنهم لا يأبهون لهمجية من يرمي السهم غدرا...قبل ألف وستمائة سنة  كان الساسانـــــــــيون
الفرس يحكمون العراق وحينها كانت حروب طاحنة تقوم رحاها بين الفرس الوثنيين والرومــــــان المسيحيين المتواجدين في بلاد الشام ونتيجة لذلك كان الملك الساساني شابور الثاني 339ق.م _379ق.م قد قام بحملتـــه الشعواء على كنيسة كوخي في ساليق الفتية بحجة أن المسيحيين في العراق يسربون معلومات إلـــى الجيوش الرومانية لكونهم مسيحيون أيضا ولكن الكنيسة خرجت من الدهليز المظلم القاتل المبيد من قبل الموبيد(الرئيس الديني للمزدية الفارسية) بقوة واكتسبت مناعة وصيرورة استعدادا لصفحات مريرة قادمة...وكانت تلك محطــة كبيرة وعميقة في تاريخ الكنيسة والتواجد المسيحي ثم توالت المحطات والانتكاسات ثم جاء الفتـــــح الإسلامي وكانت المسيحية قبل ذلك قد تألق سراجها وأضحى يرى من بعيد في الخور نق وتكريت والحيرة والبصــــــــرة وحدياب وبيث كرماي وكشكر وداسن وبيث هوزاي بيث عابي وعاقولا(الكوفة) وجزيرة الموصل واسكي وبابل
وغيرها واستقبلوا الفاتحين الجدد بحفاوة وتكريم كبيرين وكان عمر ابن العاص قد استقبل من قــبل المسيحيين في الموصل بالأهازيج والهلاهل وقدموا لهم الطعام وأسكنوهم في كنائسهم وأديرتهم بادئ الأمــــــــــــر سعداء  بالمخلص الجديد من سطوة الفرس والميديين وغيرهم وقد قاتل مسيحيو العراق إلى جانــــــب المسلمين العرب
ضد الفرس في معركتي الجسر والبويب عام 13 هجرية من قبيلتي نمر وتغلب وكان القائد الفارسي مهران قــد قتل على يد غلام تغلبي...وثم جاء الخلفاء الراشدون وتذبذبت حال المسيحيون اعتمادا على سياسة الخليفــــــة
وكانوا قد منعوا من البقاء في نجران ونجد واليمن وغيرها في الجزيرة العربية مما اضطروا للنزوح إلـــى بلاد الشام والرافدين ومن هذه القبائل تتوخ وطي ولخم وتغلب وغسان وغيرها ثم بني أمية في الشام وكان الشاعر الأخطل المسيحي شاعر معاوية  وشعراء آخرين مثل شعراء المعلقات امروء ألقيس ونابغة الذبياني وعمرو بن كلثوم وقس بن ساعدة الأيادي وعثمان بن الحويرث والدولة وعلى نفس المنوال ثم الخلافــــــــــة العباسية في العراق والاضطهادات كثيرة من منع ممارسة الشعائر إلى فرض ضرائب مختلفة مجحفة باهظة مما أثقلت كاهل المسيحيين آنذاك واضطروا للدخول للإسلام قسرا قبيلة بعد قبيلة والمضايقات لا تعد ولا تحصى والتاريخ يشهد
ثم سقوط الدولة العباسية على يد هولاكو في 10 شباط  سنة 1258 ميلادية وما تعرضت له بغداد من دمــــــار وهلاك وإزالة للحاضر والماضي واصطباغ دجلة الخير بلون حبر الكتب والمخطوطات والمجلدات والرقيمـــات التي ألقاه المغول في دجلة وكان للمسيحيون وديارا تهم القسط الأكبر من الخراب  وقد قوضت ساحتهــم وحدد وجودهم مما اضطروا للنزوح نحو الشمال وهكذا بعد مجئ آل عثمان الأتراك سنة 1516 ولا مجال لذكر كـــــل شئ هنا من بطش وتعدي كأنها وحوش كاسرة....كان لمجئ الانكليز عام 1918 اذبان الحرب الكونيــــة الأولى الأثر السئ أيضا من هذا كله نستنتج أن هذا الجذع تعرض للكثير من البطش والإذابة والحصار والتهم والأهوال
عبر الألفي سنة الماضية ولكن إيمانهم وباسهم وشجاعتهم وأمانتهم وتشبثهم المستميت بأرضهــــــــم ومثاوي أجدادهم قاوموا واستمدوا قوتهم من أسلافهم الأبطال وكانوا لهم منارات وقمم...أما معاناتنا اليوم فتختلف تماما عن معاناة الماضي وان كانت النتيجة واحدة ولكن يبقى الدين والعرق والمذهب هم محور  فهاهنا العويــــــــــل والبكاء وهناك الصراخ والأنين ماذا فعلت هذه العصارة المخلصة هذه الأيقونة الأثرية هذه اللوحــة النادرة هذه
القيثارة الرنانة في هذا الصراع العبثي حيث الصراصرخرجت من بالوعاتها وأوكارها المظلمة لتواجـــــه النور
وتقوم بقرض وقضم الشموع والقناديل ليعم الظلام حيث تعودت....أضحت هذه الأيقونة لا تدري ماذا تفعل حيث
الهراقل تجر بالحبل وهم في الوسط مصيرهم الهلاك تتقاذفها الأمواج حسب أهواء ومصالح الكبار وصراعاتها
وأجندتها والجميع محصن ما عدا هؤلاء العزل ولا يملكون من السلاح سوى الصلاة والتسامح وهم فــــي نفس الوقت يستطيعون فعل كل شئ ولهم الجرأة والقدرة ولهم مواقف بطولية فردية وجماعية ولكن ثقافتهم وارثهم
الديني لا يقبل ويسمح بذلك فهل أيها المتسمون بشجاعة الغدر والدخول من الشباك والاصطياد في اللـــــــــيل وردائهم الوحيد هو اللثام ولا يهم إذا انكشفت عورتهم وهم في قمة نشوة الماريجوانا والقات والحشيشـــــــة والخشخاش حيث أسكرهم منظر الدم المسيحي...آلاف العوائل المسيحية لم يبقى منها إلا المائة أو مائتين في مدينة الموصل لماذا ومن الفاعل ولحساب من وهل كان المسؤل عن قتل وتهجير وترهيب وتهديد هؤلاء العزل
خائفا من وجود هؤلاء وهل كانوا يؤرقونه ويسلبون الراحة والقيلولة من أجفانه وهل شكــــــلوا منظمـــة ايتا اوجيش الايرلندي أو الارمني السري ماذا فعلوا ليحترموا بهذا القدر هل هذا عرفانا بالجميل لمحبتهم لهــــــذا الوطن وهم معه في الحزن قبل الفرح وأبوا يوما ما أن يدنسوا اسمه أو يبيعوا رايته أو يسرقوا تماثيـــــله أو
يحرفوا تاريخه أو يطعنوه بخاصرته فكان في الأحداق مصانا والقلب له مكانا وفي سبيله تقدم الحياة قربانــــا
وحين تمس كرامته تضحى الأوداج بركانا... فهو لم يحمل السلاح ضد شعبه ولم يقتل احد غدرا ولم يقل ويدعوا
أحدا إلى وليمة العراق وآباره ومكامنه النفطية كما وما اقتطع يوما جزءا من العراق وقدمه هديـــــة لإيران أو سوريا أو الأردن على طبق من ذهب فكان المسيحي أمينا صادقا ومخلصا لاسم العراق الذي دنس ويدنس كـــل يوم تحت مسميات خجولة وفي بعض الأحيان ينتزعون الحجاب ويقولونها صراحة تعالوا وخذوا من ورث أبيكم
فهل نادى المسيحي بتقسيم العراق وتقطيعه إربا واقاليما ومقاطعات فكان أول من يضحي وآخــر من يستفيد....
عندما يقف الكاهن الجليل على مذبحه وليس منبره ويدعو للمحبة والسلام والغفران لمن يقتلنـــــــــــا ويستبيح كرامتنا بل ربما ينبش قبورنا أهل يوجد امثل وأعظم من هذا الطلب عندما نقبل من يلطمنا وكأنه كلاي ومع هذا ليعلم من هو قوي الآن بكبريائه وصولجانه أن للتاريخ قلمان قلم يبكي ويكتب وقلم يضحك ويكتب ونحن نركض خلف الأول لطالما تعلمنا البكاء وقد صاحب أجدادنا والسبب نفسه....ليعلم من تسوله نفسه على إراقة دم العزل
ويعتبروننا أقلية زائلة لا محال أن الإيمان اقوي من كل الحيل والمتفجرات وقد تعرض أجدادنا إلى أبشع مــــــن الممارسات التي ألفناها أيامنا هذه وخرجوا من الدهليز معافين وأوصلوا عصا البريد إلينا وما علينا إلا إيصالها لمن بعدنا بأمانة وصبر ونكران الذات ولا يتصور من يتصور أن الإخوان في البرلمان يستعدون لصناعة قالب الكيك الذي سيقدم للمسيحيين من خلال حفل مهيب تنقله وسائل الإعلام.....         
                   


108
نهارا بين أحضان دير مار سوريشو في تركيا


  بقلم...سمير القس يونان
   العراق في 27 كانون الثاني

 إن حياة كل نصير حافلة ومليئة بصفحات براقة تضئ حياته فيما لو تذكرها واخذ منها دروسا تفيده في الحياة وتقيه من تقلبات هذا الزمن القاسي والعاتي وما يحملـــــــــه من معان فاسدة أبعدت المبدأ والعقيدة مشوارا عن طريقها الذي آلفناه في زمن ما...كان  النصير وعند التحاقه بتلك الحياة يضـــع دمه بأكف يديه حيث تحيط به المخاطر والعيون تحاول الإيقاع به لكونه مشروع لا يمكن المساومة عليه وكانت حركاته الذكية والمخطط لها سابقا تريق العدو وتفقد صوابه..كانت حياة الأنصار تشبه
خلية النحل والاختلاف الوحيد أن لا ليل للأنصار وكان الليل صديقهم وحاميهم ومؤنسهم وسلواهم فنرى مجموعة مكلفة بجمع المؤن والغذاء وأخرى مكلفة بإزعاج العدو والقيام بعمليات عسكريـــة وأخرى تقوم بندوات عبر القرى لتثقيف وتعرية النظام حينها وأخرى تقوم بنقل الأسلحة والأدويـــة
وكل ما  يتعلق بالعمل الأنصاري...لقد عملت فترة ضمن مفرزة الطريق والمكلفـــة بمهام كثيرة من ضمنها أولا الذهاب إلى سوريا عبر الأراضي التركية الوعرة للإتيان بالأنصار القادمين من أوروبا ودول أخرى كثيرة ممن أعلنوا رغبتهم للالتحاق بفصائل الأنصار الشيوعيين في كردستــان العراق
وثانيا جلب الأسلحة والاعتده ومواد طبية ومستلزمات أخرى تفيد العمل الأنصاري....كانت محطـة دير مم سور يشووالمعروف بهذه التسمية المحطة الأخيرة أثناء عودتنا وكان الدير الذي يقع فــــــي الأراضي التركية والذي يبعد مسير ساعة ونصف على الأقدام عن الحدود العراقية في يوم مــا يعج بالرهبان والنساك قبل الحملات البربرية للدولة العثمانية ضد المسيحيين عبر القرون الأربعــة التي خلت ولم يبقى من الدير إلا تلك المغارتين المتشحتين باللون الأسود بفعل الرعاة حيث لم يتركوا أية سمة تنم على انه دير وللدير باحة كبيرة فيها أشجار الرمان واللوز والسفرجل .... بعد جهد جهيــــد ومصارعة الطبيعة القاسية حيث أظهرت كل إجحافها وفنونها تلك الليلـــة وتحمل مخاطرلا يمكنني تصورها المتمثلة بالثلوج المتراكمة وضياع معالم الطرق الميسمية وعبور الهيزل الجنوني القاتــل والجزافي وفيه استشهد النصير أبو سمرة أثناء الذهاب وكانت البغال المحملـــة والأنصار الجدد قد أضافوا عبئا ثقيلا آخر إضافة إلى الكمائن والمفارز والمخافر للجاندرمة والمجندين الأكراد الأتراك والرتل الخامس الذي تخلصنا من حبائله بقدرة قادروالاستخبارات الخاصة بالمجنديــــــــن الأكراد
والمدعومين من المخابرات العراقية وصلنا إلى دير مم سور يشو قبل انبلاج نهار 18/12من عام
1982 ..كانت الحدود وكما أسلفنا لا تبعد مسير ساعة ونصف من الديرحيث سناطي الحبيبة القابعة في ظلام دامس وكنائسها وبيوتها وبيادرها وحقولها وبساتينها العظيمة أضحت أعشاشـــــا وأوكارا لقطاع الطرق والوحوش ولم يلقى نظري مثل هذه القصبة المتكاملة الجميلة الخصبــــــــة ما سرت وشاهدت ولكن ما العمل ها أهلها الكرام مبعثرون في الأصقاع حالهم حال غيرهم لنعود إلــــــــــى موضوعنا....بعد وصولنا الديروالذي يقع على مرتفع وبجانبه قطع صخري حاد ممكن الاحتماء به فيما لو حصل مكروه ما حددت المهام والواجبات وإخفاء الدواب وارتداء معاطف بيضاء للتمويــــه وتحديد نقاط حراسة وإنذار مبكر وتقليل الحركة ومنع الأصوات العالية وتجنب إشعال النيران خوفا من الدخان ثم إرسال نصيرين مع الإدلاء الأتراك من حزب العمال إلى قرية كردية قريبة لجـــــلب الطعام لنفاذه وما هي إلا لحظات حيث تعالى صوت شخير الأنصار لما عانوه وقاسوه ليلة أمــــس وذلك الجهد والتعب الذي أضناهم وأرهقهم لقد استسلموا للنوم رغم البرد القاتل ورغم تلك الملابس
المبللة ورغم تلك التقرحات..وقبل منتصف النهار تم إيقاظ الجميع للاستعداد للغداء الدسم الذي تـــم تحضيره سريا في القرية وهو عبارة عن خروف سلق وتم شواءه بطريقة خاصة ومثل هذه الوليمة قلما نلقاها بل لم نألفها أبدا وكان الجميع قد استعاد نشاطه وقوته التي خارت خلال رحلة ليلة أمـــس المضنية وتم القضاء على الخروف وماءه اللذيذ بلحظات وشبع الجميع وعملنا الشاي بواسطة قطع الكربون(الفحم الحجري)الذي جلب لهذا الغرض والذي لا يبعث الدخان حين اشتعاله واحتسينا من  ذلك الشاي الممزوج بعبق ماضي الدير وحلم الوطن القريب وصنارة العدو المتربص...بعد الغداء والشاي والاستراحة وكل شئ على ما يرام عقدنا لقاءا بسيطا تم فيه شرح أين نحـــــن وكيف سنعبر الحدود هذه الليلة وما على كل واحد القيام به فيما لو حصل طارئ ما وكان النصير أبو سعاد قد قلل من مخاطر وعثرات العبور لكي لا يؤثر ذلك على معنويات الأنصار القادمين من الخارج وحصلت مداخلات كثيرة وتم التأكيد أن الوطن على مسافة رمية عصى وانه بانتظار الجميع..نعم أن العراق قريب أيها النصير الذي تركته مضطرا دون أن تودع أمك أو حبيبتك تركته في ليلة ليس فيها نجوم لتشهد على معاناتك وخوفك وآلامك وحسراتك تركت الوطن وكتبك ومحاضراتك على الرحلــــــة مفتوحة لا يأبه أحدا الاقتراب منها خوفا أن لا يصاب بمرض الشيوعية الذي يمقته مــن يمقت النور والحب والسلام ها قد دنوت من سريرك وقد على الغبار وجهه وغيره ومن يدري أين ستلقـــــــــى عائلتك إذا كانت ترزق بالحياة وفي أية زنزانة وسجن ومعتقل قد أودعوا لقد أصبحت بين نارين نار
ووهج الوطن ونار أخبار ربما تؤلمك وتؤرقك ليكن ما يكون ويجب أن لا أنسى أن العراق علمنــي الحزن قبل الفرح وحملني تتبعاته قبل نعومة أظفاري وخشونة صوتي وبروز شاربي فلماذا الخوف 
...قبل المغيب جاء الإيعاز بالاستعداد للحركة وكل نصير قديم تحمل مسؤولية عدد مــــــن الأنصار والنصيرات الجدد وكان الأنصار عبد المسيح وكوفان وسعيد مسئولين عن ربــــــــط أحمال البغال وقيادتها وكما أسلفنا أن العراق لا يبعد أكثر من ساعة ونيف انه حلم لم يصدقه القادمون أهل سنرى  شفق زاخو وخيال باطوفة وبيكوفة وبيرسفي وشرانش  وأسئلة كثيرة يسألها القادمــــــــــون الجدد
مثل الطفل عند بداية تعلمه الكلام...تم الانطلاق بعد أن أرخى الليل سدوله ولا احد سوانا والوحوش والنجوم ولربما كمين قاتل من الأتراك وكانت بياض الطبيعة بسبب الثلج المنهمر قــــــــــد أضاف صعوبة وخطورة أخرى حيث تنكشف أية حركة من قريب أومن بعيد وخاصة في قافلــــــــــــــتنا
ستة بغال إضافة إلى عددنا الذي فاق الثلاثين نصيرا ولكن أملنا وتفاؤلنا بالوصول سالمين معافين إلى النقطة الأمينة وهدفنا السامي وتضحياتنا الجسام كانت أقوى من الكمين ووعورة الطريـــــــق وصعوبة اجتياز بعض الممرات وهكذا وبعد مسير ساعة ونصف تم اجتياز الحدود بسلامة تامة وكانت الفرحة لا توصف...وبعد أن اجتزنا الحدود وأضحينا في منطقة أمينة جدا وقفــــــت إحدى النصيرات وهلهلت بأعلى صوتها وكأنها في زواج  وتوالت انعكاسات الصوت كوننا على قمة جبل قاسي واسفلنا واد عميق وفي الحال تكورت الدموع الساخنة في ذلك البرد القاتل في مآقـــينا وأخذنا ندبك ونرقص لأنه الوطن حيث يستحق أن نربت على صدره وكانت الدببة والذئاب قد نســــــــت وحشيتها وعدوانيتها ورقصت معنا وشاركتنا تلك اللحظات السعيدة وتمنت لو نست دمويتها وتعود إلى رشدها ثم تصافحنا وتعانقنا للعبور السليم وإقدامنا قد وطئت ذلك التراب الذي جبلنا منه وكـــــنا قبل أيام قد وقعنا في كمين قاتل عند عبورنا من سوريا إلى تركيا بسلام لم نتصافح ونهلهل كما فعلنا لماذا الجواب مطلوب من القارئ الكريم.................................


109
كبيرا من يموت على أرضه

بقلم:سمير عابد القس يونان
العراق في 11/1/2010

ليلة ميلاد المسيح له المجد كانت قناة عشتار تنقل القداس المهيب من كنيســـة الشهيدين مار بهنام وأخته في قرة قوش برعاية الأب الفاضل لويس وكانت موعظته من العمق والتحلــــيل
مقدارا جعلتني انشده إليها وأصبحت ككل آذانا صاغية لئلا تفوتني عبارة أو جملــــــة وخرج فضيلته من إطار الإنجيل الذي تلاه على الحشود وكانت جملة قد استهوتني ومفادهـــا عنوان المقالة...وللفاضل وللقراء ولمن يحب الوطن أقول............أينما ذهبنا وحطينـــا فان الأرض نفسها لربما يتغير فيها بعض الأمور العلمية والمعدنية والترسبات والمتحجرات وهي تخـص الجيولوجيين ولا تشمل من يبحث عن الحنين والشوق والذكرى والنسب والجنسيـــة...هنالك آصرة خفية وسلاسل غليظة من الفولاذ غير مرئية تربط الإنسان بوطنه بل إحساس طافــــح بالحيوية والانتماء نشعر به وتعترينا نشوة عارمة عندما اسمع باسم وطني وانأ في الأصقاع
مبعثر..أيها الوطن يا من تركتني أولد في ثناياك ومنحتني تلك الهوية التي تباع أيامنـــــا هذه ببلاش نعم يا وطن حيث كانت أول زغرودة ونشيد تعلمته موطني الذي لا تقبل ذاكرتي نسيانه بل تغييره واردده دائما مع احمرار المآقي وحشرجة في الريق لما حل به من اهانــــة وخدش وجرح وتغيير في اسمه وعلمه...نعم يا وطني لا تتركهم يرمونني خارج الحدود فـــان مذودي
ومهدي وكرن عمادي ههنا على صدرك لربما في الجنة امنح هذه المكنونات وليس في مكــان آخر ولا احد يستطيع تجسيد اسمي وكياني سواك فأنت لي الوجه الثاني للعملة فاسمح لــي أن أكون رفيق دربك الشائك المحفوف بالمخاطر... لماذا ذرت رفاة غاندي المحترقــــة فوق النهر المقدس في الهند ولماذا أؤتي بجثمان المرحومة سلوى في الآونة الأخيرة من أمريكـــــا حيث وافاها الأجل متحملين معاناة الطريق والروتين الرسمي القاتل في المطارات والأموال الطائلــة
التي تبذخ نعم حيث تربة الوطن والحلـــم والاسم والمثوى والانتماء والأجداد والذكريات والألم والحب والأنين والناقوس وتلك المروج والبيادر والتي من خلالها رسمت صورة حياتهــا وهي أجمل فيما لو رسمت بريشة مايكل أنجلو...إن الوطن الأم يضفي لحدود الإنسان هالة جميلـــــة كهالة القمر لا يمكن الحصول عليها من أية بقعة أخرى من هذا الكوكب آو من المجرات الأخرى
ومهما توفر فيها من الحقوق والحريات والكرامة وصيانة الذات والعيش الرغيد رغم ما موجود
في بلدنا من هم شديد وقلما ترى إنسان سعيد إلا من كان أبله وبليد...كبيرا مــــن يتوارى الثرى على ارض أجداده حيث له مكان في المدفنة محدد ومحجوز وحقوقه مصانة ليس هناك مـــــــن







ينازعه عليها ويحمد بل ويشكر الوطن لتوفيره قبرا مصانا محروسا من الشقائق والضبــــــاع
وعند رأسه تلك الحجرة المنحوتة منقوشا عليها كنية وهوية من داخل القبر وهناك من يزوره
في جمعة الموتى ويرش عليه ماء الورد كما ويطيب ذكراه الأليمة بتلك البخور منبهة الرب ألا ينسى ضيفه وكل هذه العطيات مسلوبة منه أينما حل عدا جذوره واصله...يا وطن لقد استهلكت حياتي هدرا وانأ راض وغيرت مجرى حياتي وذوقتني المر كل يوم وانأ راض وأبعدت العزيــز والأخ والصديق وجعلتني مفطوما وانأ راض وانتزعت باب كنيستي وقتلت اسقفي المبجل وانأ راض عرضت شهادتي العليا للبيع في سوق ألمريدي وانأ راض قضيت أحلــــــى سنين عمري متنقلا من جبل إلى جبل ومن بيت إلى آخر ومن وكر إلى آخر وانـــــــأ راض واليوم وحسرتاه تحسبني غريبا دخيلا متواطئا جاسوسا أبيعك ببلاش وانأ راض تطردنـــــي كل يوم من وليمتك وتوصي مطارات العالم قاطبة حتى الإسرائيلي منها رغم عدائك لها لتسهيل أمــــر سفري وانأ راض تبوح بسرك إلى العجم والرجم والى الحيتان النافقة والى الظبــــــاء الصماء والى الرعد والزوابع وعندما يصل الأمر عندي لا لا تجعلوه يشاركنا سرنــــــا فهو غريب وانأ راض......
نعم أيها الوطن القاسي انأ الذي أعطيتك الاسم والعنفوان والصولجان وانـــــــأ رسمت حدودك
وتحملت معك رفسات الأحباب والأغراب ولويت ذراع صحرائك حين سبرت أغوار الحديـــــــد والفوسفات والبوكسايت مع أحباء آخرين نعم لقد اغتصبت عذريتك وشوهت صورتـــك وحرف تاريخك وسرقت آثارك وانتزعت مديتك وخدش حيائك وأفل طالعك وكبت فرسك رغم هذا وغيره كثير احبك وعشرتك لذيذة عندما تدق عنقي بدجلتك وسعادتي مرهونة ببقائي فيك رغم علمـــي الأكيد بكرهك لي فانا باق إلا أن تتذكر من أنا لتعود إلى رشدك وسلوتك وعندها نعقد قرانا جديدا صادقا بريئا....يا وطني وموطني أزيدك علما (عليك أن تكون عالما وفيلسوفا وطلسما وبلسمــا
وديوانا لما لـــــك من تاريخ إلا إذا بعته أو نكرته في أيامك الأخيرة وآثرت السبحة والفتوة) أن بعض أنواع السلاحف والحيتان والطيور تقطع آلاف الأميال سابحة وطائرة متحملــــــة مخاطر ومشقة الرحلة لتموت على أرضها حسب تصورها ويا وطني الحبيب أنت سيد العارفيــن بفرق الذكاء بيننا نحن البشر وبين تلك الحيوانات رغم انحطاطها ألذكائي والعقلي فإنهــــــا لا تنسى المكان الذي عليها أن تموت فيه فكيف نحن الذين حفرنا الأرض ونبشناها وبنيـــــنا المتاريس وأعلاها وخسرنا الحياة وأغلاها في تلك الحروب البائسة وصادقــــنا الفئران والجرذان وآنسنا الدراج والثعبان وتعودت أنوفنا على الدم والبارود لكي تنام قرير العين والآن تقول لـــــــي انك مطرود من الخدمة وعليك الرحيـــــل ليس لسبب فقط لأنني تغيرت ونسيت ( الكلام للوطن )...
إنني الآن على وطنيتي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى لأنني وخلال حياتي لم أتعلم الخياطـــــــة والنجارة والتجارة وغيرها من المهن وعندها كنت سأكون مسلحا مدججا استطيع العوم ضمن أنواع المياه وأية بقعة اختارها لدي من مهارة ما يمكنني الحياة ولكنني يا وطني لا املك شيــئا غير حبك الذي كلفني الكثير فكيف تريد مني العيش والحياة في مكان أنت ليس فيه انــه ضرب من الجنون لذلك أنا باق بجنبك أحرسك وأنت لا تدري نعم انأ باق لا لأحصل على كوبونات النفط بل الموت هنا وعلى الأقل أن حيائي وإحساسي أعمق وأقوى من السلحفاة والسلمون والحوت الأزرق....         
   


110
صفعة تلو الأخرى..وهناك المزيد أيها المسيحيون

بقلم سمير القس يونان

لقد تعودت هذه الشريحة المهمشة المسالمة البريئة حالها حال بقية الأقليات والمكونــــــــــات الصغيرة إلى صفعات وركلات موجعة ومؤلمة لا تستحقــها من قبل الإرهابيين المتشددين تارة ومن قبل كتل ضخمة قومية واثنيه لها مصلحة في إثارة مثل هذه الزوابــع وعلى حساب هؤلاء المتفرجون الذين لا دور لهم في المعادلة السياسية المقيتة تارة أخرى...هذه الدراما التي تخلــو من ابسط المشاعر والقيم وهذه الصراعــــــات والماراثونات وحلبات الملاكمة في قبة البرلمان الموقر وهذه الأفواه المتشدقة بكلمة العراق المذبوح لا تأبه بل لا تتردد في إزالـــة باقات الورد
من بستان الشوك الذي زرعوه يوم حرروا العراق وهم في سبـــات عميق في أفخم الفنادق ذات العشرة نجوم..ماذا نتوقع من هؤلاء الذين تعلموا مصادرة حقوق واسم وتاريــخ وسقف الغير...
ماذا نتوقع من هؤلاء الذين نترجى بل نأمل منهم الاحترام فقط وهم فـــــي ذات الوقت مصممين على ديكور جديد يخلو من المزهريات والانتيكات واللوحات ونصب الحريـــة وتماثيل قسم منها يجسد يوم من نضال الأفذاذ في تلك الزنزانات...ماذا نتوقع من مخيلــــــة لم ترى ضوء الشمس وقضت نحبها في أنفاق رفح وأخدود نجران ودهاليز تورا بورا وإذا بها أمام تشكيلة من الأديان
والقوميات والاثنيات والمسميات والثقافات...كيف تطلب من هؤلاء حق مسلوب وتصحيــح اسم
وإدارة ذاتية بل حكم ذاتي وصلبان فوق قباب عالية وأجراس ونواقيس ترن والحمام بجانبـها لا يأبه رنينه ليقينها التام بسلامه وحبه وأمانتــــــــه..ماذا نطلب منهم وهم حين الحديث قد أعطوا ظهرهم غير مكترثين للمتكلم والسبب أولا لجهلهم وأنانيتهم وكبريائهم وثانيـــا لضعفنا وتشتتنا
ووهننا وعنتريتنا التي لا تتعدى عتبة الدار وذلك النزيف القاتــــــل الذي أودى بمكانتنا وترتيبنا
ذلك المرض المستشري في كياننا ألا وهو تلك الهجرة التي نخرت بالسن والعظم وأذبلت البرعم
والقرنفل وصدئت الذهب والكوراندوم...أن نسيجنا أيها القارئ الكريم متهرئ سمله رث ومندثر وجدارنا متصدع وذلك يجب أن يقود الجميع إلى وقفة تأمل سريعة لدرء الخطأ وردم الهوة التي أوجدت بين القوى القومية المسيحية والكنيسة حيث كل واحد يعمل لوحده ولمصلحته رافضــــا التنسيق مع الغير ناسيا وغافلا أن ذلك يقود إلى ما نحن عليه الآن من تراجـــــــــع في الصوت والثقل والدور..قلنا وسنقول أن التهميش الذي تعانيه الأقلية المسيحية حــال بقية الأقليات ليس
سببه الحوت والكركدن المتمثل بالكتل السياسية المهرقلة بــــــل الصف المنقسم على نفسه في مدرسة هؤلاء الأقليات المغلوب على أمرها وتعلمنا ما قاله مهــــاتما غاندي وسلفادور ايرلندي وفيدل كاسترو وميرابو وروبسبيير أن الحرية والحق لا يعطى ويمنــــــــــــــــح بل يؤخذ عنوة بالتضحيات وسيول من الدماء...قبل أحداث التغيير السياسي في 2004 كان النظام قد صهــــــر الجميع في بودقة واحدة اثنيا وقوميا الفرق فقط مخلص وغير مخلص للنظام وبعـــــــد انقشاع الغيوم الحالكة طفت على السطح المكنونات الحقيقية لهذا الشعب وانبرى الجميــــــــع وبحناجر ديمس روسز والمناضل شيفان وبأصوات صادحة قائلين من هم وماذا يريدون منظمين كياناتهم
لتحتل مواقع متقدمة في ركب العراق الجديد وبكل الطرق المشروعة وغيرها وتحولـــــــت تلك النفوس المظلومة المكبوتة إلى وحوش كاسرة وحيتان زرق فاقدة حاسة الشبع وأطلقت لنفسها العنان لتطبيق قانون البلع والالتهام للأسماك الصغيرة وذلك تكوين جدلي ديالكتيكـــي للأحزاب القومية والدينية التي لا تستطيع ديباجاتها وزواياها قبول الآخر كمكون عزيز في الركــــــب...
وفي المقابل لم تستطع الأحزاب المسيحية وغيرها رص الصفوف وتوحيـــــد الأصوات وشحذ الهمم تجاه هذه الموجة العارمة وهذا السيل الجارف بل العكس اتفقت على الشرذمة وانـــأ في وادي وأنت في وادي آخر وأنا الأصل وأنت لا وأنا الأجدر وأنت اسكت وإنا الازكن والأغنـــــى
وأنا الأقوى وأنا الأكثر وأنا الأعرق والأعمق وأنا الأقدم ثم تلت المؤتمرات والندوات وبدلا من أن تكون النتائج محاولة الوحدة والتقارب في المواقف والمعتقدات والنقاشات الجادة ووضــــع الخطاب السياسي في جادة تفيد وتخدم الجميع كنا نرى العكس حيث ينبلج صباحا جديدا وحزبـا جديدا يدعو إلى الهجرة ومقت وكراهية الآخر مناديا وبصوت بركان فيزوف أن جدي فلان وأنا أبو الفلك والزقورات والمسلات والأسود والثيران ولولا الخجل لقالوا الحيتان أيضــا..من يكون غيورا لجده وارثه وتاريخه وسبيه لإسرائيل ولجنائنه المعلقة وجسر تل كومل ونظام الري في الحضر وزراعته الرائعة حيث وصل عرض ورقة الحنطة إلى خمسة أصابع بشرية طبعا فـــــي بابل هذا ما تقوله المصادر وما يقوله المؤرخون يعمل بجد وإخلاص لصيانة وترميم ذلك الإرث
الجميل اللطيف ويعمل أيضا على تعزيز وتجسيد خطوطه العريضة وإيقاعاته الرائعة تلك التـــي استفاد منها زرياب وإسحاق الموصلي ولا اذهب بعيدا ها أنا بالقرب من صـــــــور نينوى وباب نركال وخورسباط وغيرهم كثير تبكي وتقول إن لم تستطيعوا إعادة ارثنا ومجدنا تعالوا وادخلوا قبورنا ونحن نخرج حيث أخطانا بإعطائنا عصى البريد لمن لا يستحقها...من يتابع حركـــة المد والجزر والمواقف الرجراجة والرؤية الضبابية للكتل البرلمانية عليه الشعور بالريبـــة والرهبة
حيث لا يكنون أي قسط من الاحترام لهؤلاء الأقزام على حد رؤيتهم ويترجمون ذلـــك بالقرارات المجحفة والمواقف المشينة الشوفينية وكل ما تحصر كتلة في الزاوية تلجا إلى صفع وركل هذه الأقليات الاثنية العرقية متناسيــة تلك القرون من العيش المشترك والمصيـــر المشتـــــــرك..إن الصفعات وتدني مستوى المواقف لبعض الكتل مسلسل حلقاته كثيرة وفيما مضــــــى أثبتت هذه الكتل رغبتها في سحق هؤلاء نتيجة لصراعات فيما بينها والخلاصة إن الصغار يكونوا قد دفعوا الثمن والكبار يرجعون متصالحين ضاحكين على الذقون البريئة الضعيفة ونشبه ذلـــــك بصراع الفيلة ومناطحتها حيث تتصالح فيما بعد ولكن الأعشاب الغضة تهلك وتمسح بأقدامها الضخمــة
وأخيرا موقف البرلمان من تمثيل المهجرين والأقليات وتلك الأرقام المضحكة والخروج مـــــــن نصوص الدستور وصياغة تعابير ومواد قانونية تتماشي مع بلعومها وفكيها الغير مرتبطين مع البعض كحال الأفاعي...إذن لا يمكن لأحد أن يعطي حقك ويسمع صوتك ويتألم معك ما لم تكــــن قويا رصينا موحدا رزينا متكاتفا غيورا مضحيا متواضعا عندها يستعد الجميع لـــك ويحسب لـك
حسابا خاصا تأخذ ما استلب منك معلبا مرزوما مختوما وذلك أمر صعب جدا عندما ننطلق مـــن واقعنا المخجل والمخزي ومن أعدادنا المتناقصة نتيجة للهجرة الدءوبة المستمرة وأبواقنـــــــا ومزاميرنا الموجهة لبعضنا البعض وتلك المقالات الجارحة التي تخلو من الكياسة واللياقــــــــة الأخلاقية والأدبية وهؤلاء بعيدين عما نحن عليه لا هم لهم ولا غم ولديهم الوقت الكافي لمراقبة المواقع لتقتنص تصريح معين ومؤتمر معين وندوة معينة ليصبوا عليهم سيلا من الاتهامـــــات
واللعنات ليجعلوا جحا وولده وجحشه يسيرون على أقدامهم حائرين...أخيرا ليس أمامنا ونحــن بهذه الحالة التي لا يحسدها احد سوى إزالة الخلافات والنقاش المستمر حول مائدة مستديــــرة والاصطفاف مع القوى التقدمية العلمانية تلك التي تمقت الطائفية والتي تقف على مسافـــــــة متساوية من الجميع والتي تصون حقوقنا وتحترم مشاعرنا وتطلعاتنا وان الغد لناظره قريب..       
           
 
                             العراق في 19 تشرين الثاني


111
توما توماس...ما مرة نام قبل الليل بل كان الليل صديقه
     

بقلم سمير عابد القس يونان
العراق في 19-10-2009

تمر الذكرى الثالثة عشر على رحيل جسد المناضل الكبير ابن القوش والعراق البار توما توماس المعروف بابي جميل الذي رحل ولم يرحل وأعطى ولم يأخذ شيئا حيث أصاب جسده الوهن والنهاية الحتمية أما روحه ووجدانه ماثل وباق لأنه أبى أن يترك القطيع خائفا على والمسن والرضيع ولربما يرتقي مقام الشفيع في هذا الزمن البائد السريع...أيها الشيخ الجليل أيها المناضل الفذ يا من انتصرت على ذاتك واتشحت بنيشان ووسام الرجولة عندما ذللت القيم الذاتية الدنيوية وتركت كل شئ لشئ تركت معملك وسيارتك ودواجنك ورتبتك وفلذات أكبادك أواخر خمسينات القرن الماضي لأجل طريق لأجل فكرة ربما كنت على قناعة أنها لا توصلك إلى مبتغى ولكنها الاصوب والأحق والاشمل والأعمق ولذلك ذهبت متغلغلا دهاليزها وأنفاقها لعلك سبرت أغوارها وارتشفت عطرها...ها نحن نحتفل بوجودك بيننا كل سنة لنعزز اسمك ونجسد كلماتك ونرسم من جديد الطرق الميسمية التي دشنتها في جبال كردستان العزيزة ونحن الآن أحوج إليك من أي زمن مضى لأنه زمن المخاض زمن الولادة الجديدة من عدمها زمن رجرجة المبادئ والأفكار زمن الانتفاع الخاوي زمن الجيب المنتفخ والكرش المتدلي زمن شحت الثقافة والمعرفة...أين تلك الأحداق التي شملت المسئ قبل المحسن أين تلك العين التي حمت بجفنها وهدبها عيون الآخرين من القشة والرماد والغبار تلك العين التي تعودت على الليل لربما أضحت مثل زرقاء اليمامة التي كانت ترى ببصيرتها وليس بعينيها ..انك وأقرانك كنتم عطايا وصواري كنتم شهب وقوس قزح كنتم طلاسم ورموز كنتم عراق بكامله حملتم جراحه وآهاته المزمنة ونمتم في الكهوف وعلى قمم الجبال همكم الوحيد كيف نولد العراق
ولادة جديدة ولادة طبيعية...أين زمانك أيها العم نضال بلا هوادة كر وفر دم وانين قهر وحنين أيام وسنين فهد ولينين مرفوعين الجبين خطط وتخمين الغاية دق الإسفين في صدر الشوفين...انك لم تأخذ أبدا وكنت تعطي من ضعفك قوة للمحتاجين وكان عطاءك سخيا واليوم نجدد البيعة لهويتك وهذا لا يعني انك في باقي الأيام خارج الوجدان والحنان وبعيدا عن الضمير والبصيرة ولكنك في الأحداق نظيرا وللأجساد حريرا دائما نستنجد بك ونستحضرك لنشحذ من حلمك زخما وعنفوانا وكبر ياءا وإصرارا لمجاراة الزمن العاتي بإنسانه ولسانه بحلمه المباح بدمه المراق ببابه المخلوع بثوره المذبوح باسمه المنقوح....إنني أتخيلك ممتطيا ذلك الفرس الممشوق حيث بوخزه بسيطة تراه يسابق الريح وذلك الزى الجميل المسمى بيش بز وأنت تغازل حبيبتك كردستان التي سطرت بجبالها واوهادها ملاحم
منحوتة على سفوح كاره ومتين وئيسماوة وبشتا شان ودزي وكيشان ودر كلي ومريبة وبامرني ورسمت لوحات ليست بريشة بيكاسو ودالي ولكن بشكيمة وهمة بطل ولدته الدنيا ليبقى سلوى للبائسين وحلم للتائهين والذين  لا ينامون وعكازه للذين لا يستطيعون السير والجري...كنت وستبقى ينبوعا لا ينضب
ارتوى من ماءه الرقراق الظمآن والحيران وأمدت الحقول والجنائن شريانا دمه قان وكان هذا الينبوع قد اخترق الجبال واستمر إلى وسط وجنوب البلد وأينما حل مذاقه معروف في تكريت وبغداد والدغارة وسوق الشيوخ والحيانية وأبو الخصيب...لم تردعك المصائب والمصاعب ولم تركعك الشدائد والقلائد ولم تثنيك المناصب والمكاسب ولم تغريك الأموال والأحوال أية طينة هذه لم تتعرف على الكراهية وكان يقول دائما أن هؤلاء الذين تراهم أعدائي هم بالحقيقة لا أمت لهم ذرة من البغضاء والكراهية وهم ليسو أعدائي بالمنظور والمفهوم المتداول بل هم أعدائي إيديولوجيا حيث نتقاطع بالأفكار والقناعات الفكرية وأثناء العمل الأنصاري في كردستان لم التقي بفرد لا يكن احتراما لهذا المناضل على الرغم من المآخذ المثبتة بحق حزبه ...كانت داره فترة الرخاء السياسي والذي انقلب وبالا على صاحبه كالمتحف يؤمه الجميع وفي هذا المتحف قطع أثرية من جميع الحقب الزمنية ومن جميع الحضارات التي تعاقبت على وادي الرافدين المسمى (ميزوبوتاميا) السومرية والاكدية في الجنوب والبابلية الكلدانية في الوسط والأشورية في الشمال هكذا كان حالك لا تعرف السكينة والراحة ومتحفك لا يعرف العطلة والأبواب الموصدة..
لقد كنت علما ومنارة كباقي الأعلام التي رفدت الحركة التقدمية والوطنية وذاع صيتك وصداك عبر الأصقاع ولم تكن ثوريا فوضويا بل هادئا ومتواضعا بل ومحبوبا وكم من عدو جاء لتنفيذ
مآرب خاص في تصفيتك والتخلص منك ولكن لحظة الزناد كانوا ينهارون معترفين بنواياهم وكنت تعفو عنهم ثم يطلبون منك أن يبقوا معك يقاسموك الحلوة والمرة... ستبقى نيشانا على صدور المحبين الطامعين بتلك الخصال والسجايا التي قلما تجتمع في شخص واحد وكنت جدارا منيعا للجميع والى عشيقتك القوش الحرة الأبية النقية انك وغيرك ممن يعرفهم التاريخ رسمتم تلك الهالة الوضاءة التي تقينا من كل سوء كما تقي مثل هذه الهالة القمر ويكفيك أن نتذكرك دائما
بطلا محبا خجولا عادلا صادقا مناضلا رفيقا أخا وصديقا مرحا شجاعا وعاقلا حاذقا ذكيا ألا يكفي كل هذا وختاما هناك الكثير ممن هم أحياء ولكن طلبوا الرحمة من زمن ليس بالقريب وهناك موتى قد رحلوا دنيانا هذه ولكنهم حاضرين معنا غير مرئيين كالملقن على المسرح يأخذ دوره عندما تشتد الأزمة عند الممثل وتخونه ذاكرته نعم هم بيننا أحياء يقاسموننا بكل شئ....
           

112
نبض من أعماق دير الربان هرمزد
                 


بقلم سمير عابد القس يونان
العراق في 02-10-2009
  
لقد جدب الكلأ وشح الملا وجف النبع أيامنا هذه وأضحت الإنسانية جمعاء لا تبالي عمـــــــا
يحصل لها من تدني للجيد والحسن ويبدو أنها أي إنسانيتنا ولجت الدهليز وليس في نيتهـــا
الخروج منه وأنينها ونواحها يسمع من بعيد وليس من أذن صاغيـــــة ولا مـــن مجيب...أيها الزمن القاسي أقسى من وحشية ودموية هولاكو ووطأته أثقل من الطاعون الذي يبيد الأمــــم
وسواده أحلك من الثقب السود في عمق الأثير ها أيها الزمن الخــــــاوي قد اعتراك الشحوب
والذبول والاصفرار وبح صوتك وزال بريقك وكسر عودك ولا سجل لك ولا ذكرى وقد أضحت حروفك تباع في سوق النخاس ولا مشتري...لأجل التزود ببعض الصبر والقدرة والعزيمـــــة
والالتزام ارتأيت الهجرة ليس إلى هذا العالم المظلم المتشـــــح بحب ذات قاتل ومروع بل إلى حقبة قبل أربعة عشر قرنا لأنام على أنغام تلك الفؤوس التي قهرت الجلمود والصوان ونحتت الصوامع والصلبان لأهاجر كما تهاجر طيور النورس وغزال الرنــــة واسماك السلمون لأزيد
من امتعاضي لما أنا فيه رغبت السفر إلى وهده في جبل القوش حيث سطرت دروس جميلــة
ليس في القتل والنهب والجشع والكره والسقم والبغض بل دروس في عجن ودعك الحيـــــاة
في الحب والتجلد والصبر والصوم والانتصار على الجانب المظلم منها ...تملكني الخوف أولا كيف لي وانأ ذلك الإنسان من حقبة لا ليل فيها ولا نهار لا حق فيها ولا باطل لا صدق فيها ولا كذب حيث تلاشت الحواجز والاختلافات بين المتضادات ولا البقاء للأصلح كمــا قيل ترى بماذا أتسلح لأذهب وارى كيف كانت حياة الأولون في تلك الوهدة وذلك الناســـــــك المتعبد المتجلد
وجنوده السماويين وأخيرا جازفت بكل شئ حيث لا املك أي شئ بالتحليق بعيدا إلى ذلــــــــك
الزمن حيث الربان هرمزد يطاوع الصخر والجبل ويبث الحب والأمل قدم من آخر الدنيا كـــما يقال ليبني في ارض ليست أرضه في بقعة لا تمت به صلة في ذلك الجبل الأشم جـــبل القوش عشا تؤويه طيورا ونسورا وليبقى لنا شاهدا...جاء ليحكي ويتكلم مع الجبل الأخرس المسكون بالوحوش والجن ويباغته بدماثة الأخلاق  ووداعة الخروف وحكمة الأفعى ليلين كبرياء الجبل ويثلم شوكته وحين حط الرحال في هذه الوهدة التي وان دخلتها أيها القارئ لا تسمــــع سوى صوت الوحوش الكاسرة والطيور ووحيف الرياح التي تخلب الروح ولا تترك شئ فــــ الجسد لرهبتها لكنه بصليبه وإيمانه دخل الوهده منتصرا كما دخل المسيح أورشليم وهو ممتطيا أتان
وتراجع الجميع وهدأ البركان وتحولت الوحوش إلى حيوانات أليفة وعم السلام والوئــام جبلنا
وهم الجميع ممن التحق بركب الربــــــان ببناء أعشاشا صوامعا بتلك الآلات المضحكة فيما لو قورنت بما نملكه الآن محاولين كسر عناد وشكيمة وجفاء الجبل ليبنوا بإصرارهـــــم بإيمانهم بعزيمتهم صرحا ليس كالصروح المقامة ألآن الخالية من النبــــــض والحياة جاء ليبني عرينا ليكون ملاذا آمنا للبؤساء والمحتاجين للفقراء والمتشردين والأيام التاليــــة شهدت بذلك.....
وما هي إلا سنوات  حتى ذاع صيته وجاء الكثيرون ممــــــن ينذرون حياتهم للرهبانية من كل حدب وصوب وعج الدير بالحياة كأنه خلية النحل كانت الطيور والحيوانات تنظر بعين التعجب لهذا المجتمع الغريب الذي يسوده الاحترام والطاعة والمحبة والتسامح ولربما اثر ذلك النمط على غرائزها ووحشيتها واقتنعت تلك الكواسر أن الدم والقتل لا يجدي نفعـــــا وبذلك خسرت الوحوش القوية النزال لان الجميع اتفق على المائدة المستديرة والتعاون على كل شئ انـــــه لأمر عجيب أن تتأثر هذه الحيوانات بنموذج الحياة الذي ابتدعه الربــــان...كان سلاح الراهب فاسه ومعوله حيث كان يجعله وسادته ويشاركه أحلامه وبه يحفر وينحت صومعته ويدافــــع عن نفسه ويرسم طلاسم ورموز بقلا يته ليوصل الرسالة إلى من بعده كانت الحياة تدب بالدير منذ الضياء الأول حيث الصلاة والتراتيل وأصوات الفؤوس والمعاول تنخر بالصخور مسطرة أروع السيمفونيات والإلحان ولا بد أن زرياب اقتنص بعض من هذه الألحان لجمالها وعمـــق تأثيرها ووسعه شجونها وفي الجانب الآخر كانت شقائق النعمان تتمايـــــــل بخجل لقدوم هذا الصديق الأمين وموسيقاه الرائعة أما الدراج والقبج والبركوتة كانوا سعداء فرحين بهذا الجو
لهذا السلام الذي عم الوهدة والجبل بعد تأسيس الدير وربانــــه القدير...ومرت عقود وحقبات كان الدير مدرسة تخرج منها كثير من الرموز الكنسية ومنهم من تولى إدارة الكنيسة كجثالقة
وبطاركة كما وكان مأوى يؤمه طالبي العلم والمعرفة وفي فترات تراجــــــــع أخرى كان الدير يتعرض إلى انتهاكات وقتل للرهبان وحرق للدير حالــه حال القوش والقرى المجاورة الاخرى
وأهمها حملة غزو نادر شاه طهماسب ألصفوي على كردستان عام 1743 وحملة مير باشـــا الراوندوزي المعروف ميري كور عام 1832 وحملة إسماعيل باشا العمادية على الـــــــقوش والدير ففي هذه الحملات تعرض الدير ورهبانه إلى وقف الحياة فيه وأحرقت كتبـــه ومجلداته ومخطوطاته وقتل وطرد رهبانه وقسانه ونهب وسلب محتوياتــــــه والتي على اغلب الظن لا تتعدى حاجات بسيطة للاستخدام اليومي...كما كان الدير مقر للجاثليــــق لمدة تجاوزت خمسة قرون كانت الكنيسة تدار من هناك بالقرب من رفات الربان هرمــــــــــز ولا زالت قبور هؤلاء الجثالقة من بيت أبونا موجودة وفي الفترة الأخيرة وبالتحديـــــد الستينات من القرن الماضي هاجر الرهبان الدير وتعرض إلى نهب محتوياته من قبل بعض الجيران والمجنديــــــن الأكراد الــتي كانت الدولة تستقدمهم لملاحقة الثوار والبيشمركة وكان قد أصبح لفترة قصـــيرة مقرا للأنصـــــــــار الثوار الملتحقين مع الثورة في كردستان ولا زالت بعــــــــض من قبور هؤلاء الشهداء ماثلـــــــــة للعيان يزورها الكثير من الناس...أن الدير الشاخص أما ناظرينا لم ينزل من السماء ولم يــكن هناك فرق والويه تحرسه انه لؤلؤة لم يصنعها محار انه حقـــل لـــــــم تلمسه يد بذار هذا الصرح بناه أناس أبرار مسلحين بالحب والإيمــان والإصرار هؤلاء أهدوا لنا هذه الأيقونة وهذا المنار لننظر إليهم نظرة إلهام وتواضع ونقول من فينا يستطيــــع نحت صومعة له ليس بالفأس بل بالآلات والأدوات المتيسرة الآن وان أردنا الاستفادة من تجربتهم وعزيمتهم علينا مناداتهم لأنهم لا زالوا أحياء................................... 
       
   

113
من الموروث الشعبي:الشيخ عيسى يقول
 للشيخ كوريال ..الآن ليس وقت الخصام

بقلم سمير عابد قس يونان

نعم الموروث الشعبي يعبق بخيال وتجربة وفلسفة يفتقر إليها الموروث الحالي الذي نضحت منـــه تلك العصارة
وأضحى جثة هامدة لا تمت بالحاضر بوشيجة تذكر..ونتيجة لهذا الواقع المؤلم الدموي قمـــــــنا نستنجد بحكايات
واقصوصات وخيال الماضي المؤلم أيضا ولكن كان يمتلك رموزا وأعلاما حملت على أكتافها أنين وآهات الأجداد
وأمدت مشيمتنا بحب الماضي وعنفوان الماضي وبكاء الماضي..انه المصير أيهــــــا القارئ المحب حيث أضحت قارورة العطر قاب قوسين أو أدنى وأضحى الاسم بل التاريخ الذي نتشدق به على شفير الهاوية ونحـــــــــن ننعم
بتلك الأحلام التي كانت عند الأقدمين إسفين يقهر صلادة الأرض وجلمودها وسراج يقهر الليل ويقضي علــــــــى مضاجع السراق وقطاع الطرق..وهكذا اتركونا نستذكر إحدى تلك المواقف الكثيرة وجميع قرانا وقصباتنا غنيــــة
بها لان حياتهم كانت مليئة بالمتغيرات والغزوات والغارات والتحرشات وغيرها , جرت هذه الواقعة البسيطة فــي القوش في زمن ليس بالبعيد بين أناس لا يملكون من الثقافة والوعي والدراية والرؤية والبصيرة التي نتميز بهـا نحن الأبطال الطامعين والغازين عذرية الطبيعة وأعشاش الطيور وسارقي ديمومة الأوزون وبهاء سيبيريــا وسر الأمازون وأوكار القندس..في احد الأيام وقف شيخ على تله شرق القوش وهو الشيخ عيسى تلا ينادي بمــــا ائتيا من قوة طالبا النجدة من أهل القوش حيث كان ساكنا في قرية بندوايا لإرجاع حلاله وغنمه الذي سرق عنوة أثناء  عملية سطو وتعدي على بيته وكانت مثل هذه الأفعال والتصرفات كثيرة حينها ويقوم بها جيرانـنا ولأسباب عديدة لسنا في بصددها..سرى وقع النداء في أزقة القوش سريان النارفي الهشيم وما هي إلا لحظات والجموع تتقاطـــر نحو رؤلد مايا وادي غرب القوش والجميع مسلحون بالنخوة والغيرة التضحية قبل ذلك السلاح البسيــــط المتوفر
تلك الأيام وكان الشيخ واقفا عند التل يوجه الجماهير الغاضبة الملبية للنداء نحو قرية بندوايا حيث وقــــع الأمر..
القوش معروفة ومشهورة بالغيرة عند الشدائد والمحن وهناك امثل كثيرة تؤيد صحة هذا الكلام كغيرها مـــــــــن قصباتنا وفي محنتنا هذه خرج الجميع وامتلأت الأزقة والممرات بالشباب والبالغين مدججين بتلك الأسلحــــــــــة القديمة التي أكل عليها الزمن وشرب والعبرة بمن يحمل تلك البنادق حيث الشجاعة والإقدام ونكران الذات وحب
الجميع دون استثناء وفرق .... لا زالت الناس وبأعمارها المختلفة تندفع لإعادة الاعتبار لأهلــــــــه والعم عيسى
يحثهم على اللحاق بالمعتدين ووقع بصره  على شيخ مسن مثله وبيده عكازه كبالة وهو قادم بسنينه الطويلــــــة
بعمره العميق بقامته الشامخة بعنفوانه المتقد ببركانه القاذف بتلك الحمم بعكاز ته التي تقصم ظهر المعتدين بتلك
العينين الغائرتين ولكنهما أبهى واقوي من عينين زرقاء اليمامة بذلك الجبين الذي فعل الزمن فعلته حيث الأخاديد
والخطوط وهو عالي علو السماء والتبانة ذلك هو الشيخ المسن كوريال قانيجو والذي كان على خلاف عميق مع
الشيخ عيسى...حالما عرف العم عيسى أن هذا الشيخ الطاعن في السن هو كوريال قانيجو  ثارت ثائرتــــه وتأزم
غيضه وتغير لونه وخارت قواه وجحظت عيناه وفي الحال رفع مديته ووجهها نحو الشيخ كوريال قائلا له بصوت متهدج مرتفع ماذا تفعل هنا بالأمس عاديتني وحاولت ضربي وألبت الجميع علي واليوم تأتي لتفرح وتبتهـــــــــج بهمي ومشكلتي فما عليك إلا لملمة أسمالك وعثرات أقدامك وحقدك الدفيـــــــن والرجوع إلى نحرك...وقف الشيخ كوريال متسمرا وقد أضحى صنما لما سمعه من كلمات واهانــــــة في هذا الوقت العصيب الذي يتطلب شحذ الهمم ونبذ الخلافات وفي الحال تدحرجت الدموع الساخنـــــــــة من مآقي الشيخ كوريال وكاد إن ينهار من هول الواقعة
وفي اللحظات الأخيرة سيطر على أعصابه واعاد زمام الأمور إلى جانبه وأردف قائلا بصوت ملئه الهدوء وبتهكم
وقور يا آخي عيسى نحن الآن في وضع لا يسمح لنا بتصفية الحسابات وحل ما بيننا من مشاكل فمن الأجدر بنـــا ترك الخلافات ألان والتوجه يدا بيد لإعادة غنمك وحقك حيث أي تأخير ليس بصالحنا فهلم بنا أيها العزيــز...احتار
العم عيسى وفكر مليا بكلام العم كوريال وهو في هذه المحنة وأخذت روح الخير والشر تتصارع داخلــــه وأعطى العم عيسى زمام الأمور بيد روح الخير وفي الحال فتح ذراعيه الهزيلتين يوم أمس والقويتين هذا اليوم وتشابكت
الأذرع وحضن احدهما الآخر بقوة واستمدا تلك القوة من الحب الذي سرى في كيانيهما وكان فرحهما عظيمــــــا وقال العم عيسى أيها الإخوان حتى لو لم يعد غنمي أنا سعيد وفرحان بعودة أخي الذي كان ضائعـــــــــــا ومفقودا والفضل يعود لهذا المصاب الذي جمعنا وأنسانا كرهنا وغيضنا وكبريائنا...لقد فرح الجميع وفي تلك الأثناء سمع دوي عدة أطلاقات وعرف من نسقها وعددها أنها طلقات الفرح وهذا يدل على إعادة الماشيـة وطرد السراق إلى
غير عودة وحمل الشيخين على الأكتاف والأهازيج والهلاهل تصدح تلك الكليان والوديان واستقبلت الجموع بحب
وفرح لا يوصفا وكانت السعادة اكبر عندما علم الأهالي بما جرى للشيخين..وكما طالعنا ففي هذه الأيـــام تصادف الذكرى 91 لميلاد المناضل الأفريقي نلسون مانديلا حيث تجاوز عمره 91 عاما وكان هذا المكافح قد قارع النظام
العنصري في ناميبيا 28 سنة أعطى السود خلالها الآلاف من الضحايا والمشردين والقابعين فــــي السجون دون جدوى بل العكس ازداد النظام وحشية وضراوة وعنادا إلى أن استكان الطرفين إلـــى الحوار السلمي والمناقشات شرط أن يقبل الواحد للآخر واستطاع السود نيل حقوقهم كاملة والتي عجزوا عن تحقيقهـــا بالأساليب الأخرى...
وأيضا قبل أيام طالعنا دعوة السيد مسعود البار زاني رئيس إقليم كردستان الفصائـــــــــــل المسيحية لعقد مؤتمر يناقشون فيه مشاكلهم في كردستان ودراسة وضعهم المتهرئ والذي يضع الحكومة والبرلمان في بعض المواقف
الغير مريحة إرضاء للغير وغبن للآخر وذلك خلال لقائه مع التنظيمات المسيحية في عنكاوة العزيزة وهذه دعوة مخلصة في طياتها شوق وأمل لحل المعضلات التي أوجدهــــــــــــا المسيحيون أنفسهم...لماذا لا نتعظ من تجربة الشيخين الجليلين والمناضل الأفريقي نلسون مانديلا ودعوة رئيس الاقليم ألا يكفــــــــي تجارب وأمثلة وانأ أقول للمخلصين فقط أن الخسران في هذا التكالب المستباح هو الكل والنار تلفح الكل والتهميش والإلغاء يشمــــل الكل فقط للذين يذرفون الدموع ونقول أيضا أن الكعكة تكفي للجميع شرط أن يأخذ كل حقــــــه ويحترم حق الجميع ...
لا تغوطوا في التسميات وتغوصوا في التكتلات من ضد من وهل هناك من حصل على الحمص دون غيره فالجميع سيخرج من المأتم بلا حمص ولا تتوهموا فلا أحدا منكم يصبح شاهينا بمنقــــــــــار الزرزور لنقول أن الكلدانيون موجودين وكذا الحال مع الآشوريون والسريان والأرمن والسبتيون لتقعدوا تاركين حقدكم وكبريائكم ومخططاتكم
خارجا حول مائدة مستديرة لا رئيس فيها ومن له باع طويل في النضال ليتكفل بحمايــــة الركب والقافلة ومن هو
ضحل ليعلمه من خرجه حافل بالمعاني والتضحيات فلا سبيل آخر غير المحبة وقبول الآخر ومعرفة وزنه الحقيقي ومنه ينطلق نحو الحظيرة المكلفة ببناء الجدار الآيل للسقوط وان سقط سيزيل كل الأسماء والآثار
ومن يخرج من الزلزال سيكون فاقدا لرشده ووعيه واسمه قوميته بل ودينه أيضا.......
   
     

             العراق في 20 تموز


114
الهجرة....لا زالت تنخر بعظمنا

كتابة::سميرعابد القس يونان

بدءا ذي بدء الهجرة كلمة مقيتة وشر قاتل وسبيل مهلك وحال مشين وحكم بالهلاك والاندثار لأيـــــــــة مجموعة بشرية سكانية تنتهج هذا الطريق وتعتبره حلا شافيا لمعاناتها..لقد كتبت سابقـــــا ثلاثة مقالات بهذا الخصوص وهذه الرابعة ولا زالت المأساة مستمرة وبتواترات أعلى والجميــــع ينظرون ولا يبالون مثل الذي أحاطته النيران ويقول أنا لست معنيا من هذا الأمر نعم سيحترق ولا يدفن كالباقــــــي ويقول لا
يخصني الموضوع بشئ...لقد تبنيت وبمساعدة الخيرين الطيبين موضوع إحصاء أولي لأهلنا من القوش
خارج العراق ولا زال العمل قائما على قدم وساق من خلال النتائج الأولية البسيطــــــة لبعض الدول يبدو الموضوع مخيفا ومحبطا وأقول جازما انه ليس في مخيلة احد ومن المهتمين بهذا الشان بالذات أيـــــــة صورة وأية نسبة وأي رقم لما جرى لهذا المجتمع المصغر..أن داء الهجرةعضال وقاتل ليس بسبب مـــا
يجري لهيكلنا من تقزم ونجمنا من أفول واسمنا من ضياع وتلاشي وناقوسنا من خفوت وسكوت بل لعدم
إعارته أهمية تذكر ووقفة سريعة من أصحاب القرارات المصيرية الذي يتبجحون هذه الأيام بالحكـــــــــم الذاتي والإدارة الذاتية وأسماء قطاريه وانتصارات خاوية وأقول لهـــــــم وفي هذا الوقت بالذات لمن هذه
المكاسب المستحيلة لأية ملة وطائفة فإذا كنتم تقصدون الكلدان والسريان والأشوريين والأرمن وغيرهم
فإنهم مسافرون وقد شدوا الرحال وحزموا الحبال واعدوا الطبال تاركين الأطلال لمـــــن يتشدق بالمصير
والكرسي الوتير والقمر المنير والذين يحاولون تقليد الأخطل والجرير..نعم أقول للذين يحتفلون وأنـــــــا معهم بالانتصارات الاخيرة وللذين يشجبون ويلعنون المكاسب الاخيرة وانأ معهم أين القاعدة الجماهيرية
وأين النفوس وأين البسطاء المغلوبين على أمرهم وأين التواقون المتعطشون للحقوق وانـــــأ أقول أنهم كقافلة النمل محملين بأحلام القنوط واليأس وقد فقدوا الإحساس باليد والرأس تاركين لكم الخارطـــــــــة والفأس راحلون مسافرون مهاجرون لينتحلوا اسما آخر وجنسية أخرى وكنيـــــــــة أخرى بعيدا عن قبر الأجداد حيث في الأصقاع لا جمعة الموتى ولا زيارة المثاوى البتة..قبل أيام بينما كنت في منطقــــــــــــة الجوسق في الموصل حيث القنصلية التركية لأمر خاص جلب انتباهي الطوابير البشرية المصطفة علــى شكل رتل طويل واحد للنساء والآخر للرجال واغلبهم من المسيحيين ينوون الحصول علــــــــــى تأشيرة الدخول إلى الأراضي التركية وانأ متأكد أن هدفهم من هذه التأشيرة هو ليس للسياحة والعلاج أو التجارة
بل الهجرة إلى حيث لا يدرون تاركين الحقوق والأحلام والمكاسب والانجازات والأحزاب والجمعيـــــــات
والمجالس والكنائس التي لا تمت بأية صلة بهم لما ذاقوه من وعود كاذبة وأعمال ساذجة ومنطق أجوف
...لو نقلب معادلة الطوابير ونقول أن طوابير ضخمة من جماهيرنا المتعطشة انتظمت على شكــــل ارتال
طويلة أمام تنظيماتنا لتعبر عن فرحتها وسعادتها بالمكاسب الاخيرة في تثبيت الاسم الموحـــــــــد ومنح الحقوق والحريات لأهلنا وإقامة منطقة ذات خصوصية مسيحية حينهــــــا كانت هذه الكلمات دون معنى
بل ربما كلمات إطراء ومديح وهلاهل كنت سأكتبها شاكرا الذين ناضلوا للحصول عليها نعــم لنعتبر هذه
المكاسب مثل بذور مطعمة منقحة محصنة ومهجنة منحت لنا لزراعتها والاستفادة منها ولكن أيـــــــــن ستزرع ومن سيزرعها طالما الجميع على أبواب السفر ونبذوا الزراعــــــــــة وكرهوا المسحاة والترع
وآثروا المسير ليلا والوقوع في مكائد وحيل المهربين وقطاع الطرق لفقدانهم الثقة بكل ما هــو موجود هنا والاسباب كثيرة انتم إحداها...إننا غافلون ما يجري الآن لأهلنا في القوش وتلسقف وباطنايا وتلكيف
وباغديدا وغيرها ففي مسح ميداني شفهي أجريته لهذه القصبات كانت هناك أرقام غريبة لعدد العوائـــل المرشحة للرحيل إلى ارض الميعاد والقوش وحدها هناك أكثر من ثلاثين عائلة قد عزمت السفر والدليل القاطع على ذلك عدد الدور المعروضة للبيع وهكذا في القصبات الأخرى دون أن يسألهم أحدا إلى أين بل دون أن يسال احد المتنفذين البارعين نفسه ما العمل تجاه هذا النزيف الذي استشرى في جسمنا وهـــــو المهدد الحقيقي لثقلنا واسمنا ووجودنا وصوتنا...أهل زمام الأمور لم تعد بيدنا وهل الكنيسة والتنظيمات
السياسية ومنظمات المجتمع المدني لا يعنيها الأمر بشئ ولا تستطيع القيام بخطوة حيال ذلك وهل هؤلاء
المهاجرون على خطاء وإذا كانوا على خطاء فمن هو الأصح ومن يوضح لهم الصورة ويقول بقاءكم هو الأفضل وهل يوجد مخططات إقليمية لإفراغ العراق وسوريا وغيرهمـــا من المسيحيين والأقليات الأخرى
أسئلة ملحة تفرض نفسها اليوم أكثر من أي وقت مضى حيث وصل الماء الذقون وضاع ما جنته السنون
وهشم ما نحتته الفنون وراح إدراج الرياح التاريخ والحاضر بل المستقبل في غضون...مسلسل الأحداث
السابقة وما جرى من تهميش وتشييش وتفليش لنا ليس محض صدفة ولا هو وليد لحظـــــــــــة بل احد إفرازات الهجرة حيث العدد المتناقص يصبح كالصوت المبحوح الصادر من أعماق الوديان لا احد يسمعه بل ليس هناك من يعيره أهمية ومنحنا مقعدا يعتبر جميلا من الإخوان وفاءا منهم للخدمات الجليلـــة التي قدمت لهذا الوطن بل يشبه الهدية التي تقدمها الدائرة للموظف عندما يحال إلى التقاعد فهــــل يقبل رعاة القطيع بهذا الحال...تعالى أيها العزيز المتألم للحاضر المتهرئ تعالى فنحن مدعوون إلى مؤتمــــــــــــــر
وهي كثيرة لا نذكرها لئلا تخدش حياء المؤتمرين وهذه الأيام دسمة بمناسبة وفاة البطل العراقــي الغيور
عمو بابا الذي كتبت عنه قبل سنة وعنه عراقيته فكثير من الإخوان مشغولين بالفواتح والتعازي المقامة
لهذا الفقيد فإذا كنــــــــــــا متمرسين وخبراء في مجال المؤتمرات والكونفرسات والسينودسات ويا مكثر القاعات والمنتديات فلماذا لم تذرفوا دمعة لكابوس الهجرة وتعقدوا مؤتمرا يناقش هذا الموضوع الملــح المدمر المزلزل لكل ركن من اركاننا...طبعا الجميع حولنا مبتهج وسعيد لما يجري لنا ليغيروا من ملامح
المنطقة وديموغرافيتها واثنوغرافيتها وها قبل أيام طالعنا كيف استطاع الإخوان في باغديدا من إفشال
إطفاء ألف قطعة سكنية كانت مخصصة للغرباء عن المنطقة ليأتي يوما وتكون القصبة العريقة بغير اسم
كما هو الحال في اسمنا الحالي فهلموا قبل تندثروا واصحوا قبـــــــــــل أن تذبحوا وحاولوا دمل الجروح واتركوا الصروح قبل أن يشملكم النزوح وعيب لنا لأننا لا نحترم التاريخ ونمجد ونجسد المآثـــــــــــــــر والبطولات...أيتها الأقلام ألا يكفي نقدا وجرحا وتبجحا اكتبوا عن مواطن الخطأ فـــــي الخطاب السياسي
وتنازلوا عن كبريائكم ولا تكتبوا باليد اليسرى وادعوا للوحدة الكنسيـــــــة أولا ثم الباقي وكونوا بسطاء
ودعاء كالحملان ولا تنتظروا أحدا عندما يخطا لتسوقوه للجلاد وتسلخوه وهو حيا وقد حشوتم فاهــــــه
أسمال رثة خوفا من صدوح صوته...الجميع مطالب وأولنا الكنيســـــة ثم السياسيين والقوميين والأحرار
بإيقاف هذا النزيف والعودة حيث الأديرة والبيادر والمقابر والصوامع والأضرحة والقناطر التي تعبــــــق
بذلك العطر الذي يشدني وأحس به كمناغاة ودغدغة الأم لوليدها فذاتنا هنا والصيحة الأولى عند الولادة
كانت هنا وكل شئ كان هنا فليبقى هنا....     
     
   
العراق  في 6 تموز 2009
Samer_alkass@yahoo.com   

       

115
قال الشيخ العجوز لأولاده:::ابحثوا عن الخروف

بقلم::سمير القس يونان
في:::15حزيران

إن الإرث الشعبي خزين ثقافي اجتماعي لا ينضب ومـــــا علينا إلا الانتهال منه والاستعــــانة به عن
د ضحالة الواقع وشحة الخيال ووهن التجربة والإدراك..هذا الإرث بيدر واسع فيه كل الغلاة ومنــه تنبثق كل الخيرات  وعبره تتواجد العبرات والسمات فالولوج فيه يلفح الوجنـــات تلك النسمات...من هذا الإرث نستدين إحدى سلواته حيث تقول...في سالــــف الأزمنة والدهور كـــان هنالك شيخ مسنن وقور قضى حياته في حماية أولاده من قدر الشرور..وكان هذا الشيخ وأولاده الأربعة يعيشون عـلى
تربية الحيوانات وما يدر عليهم حقلهم من غلاة وبذور وكان الشيخ الوقور قد قسم العمــل والمهام
بين أولاده وفي احد الأيام جاءه احد أولاده قائلا لقد ضاع الخروف وكان وقـــع هذا كالصاعقة هزت
كيان الأسرة حيث فقدت مصدر مهم تقتات عليه عندما يباع..مضت عدة أيام والشيـــخ يؤكد ضرورة
العثور على الخروف المسكين ولكن الأولاد غير مبالون ولم يعيروا لنداء والدهم أدنى احترام والتزام
وكأنهم لم يفقدوا شيئا...سيطر الهم والغم طبــــع الوالد لهذا المصاب ولعدم مبالاة أولاده وهكذا وبعد عدة أيام جاءه ابنه الثاني مسرعا متلعثما متعثرا قائــــــلا لوالده المسكين يا والدي لقد ضــــاع الثور وانتفض الشيخ وكاد يقع من هول الخبر ووطأة الصدمة وفي الحـــــال صدر منه صوتـــــا غريبا هز الأركان وزلزل الأبدان واستيقظ الجميع من سبات الوجدان لما أصابهم من هم وفقدان...قال الشيـــخ
بعد أن هدأ بصوت كله رأفة وحنان يا أولادي المساكين الغارقين في خدر السكران أبحثوا عن ذلــك
الخروف الذي طواه النسيان فقالوا بصوت واحد::أن الثور قد ضـــاع يا والدنا وليس الخروف وبعـد
هنيهة أردف الشيخ قائلا نعم ولكن ابحثوا عن الخروف واخذوا يستهزؤن به حيث الذي فقد هو الثور وليس الخروف ثم أردف الشيخ وفي نبرة صوته الأجش مسحة من الألم والحسرة طالما لم تذرفــــوا
دمعة واحدة لفقدان الخروف فلم تذرفوا لغيره وذهب كل إلى عمله تاركين الشيخ الصبور يقلم أظافره
التي طالت ولم ينتبه إليها لما عليه من هم أولاده..لقد أصاب الأسرة انتكاسة لا يمكـــــن نسيانهــــــــا والتغاضي عنها لكن الأولاد نسوا الفاجعـــــة بسهولة وسرعـــــة ومضوا في سبيلهم الجوف الأرعن
حيث يتخيلون أنهم لا زالوا يستطيعون العيش والحياة لأنهم يمتلكون الفرس والدجاج والبقرة والحقل
ونسوا أنهم لا يتحلون بالحرص والطاعة والغيرة ولم يتبادر إلى ذهنهم يوما أنهـــــــم سيكونوا فقراء
محتاجين لا احد يفتح لهم الباب..وفي يوم حالك يسوده الشؤم وسوء الطالع جاءه احد أولاده خائفــــا
مترنحا لا يقوى على الكلام ونظر الشيخ وتوقع كل شئ وقال له ماذا هناك ربما جئت تبشرني بخبــــر سار جاوبنه ابنه وقال لا يا أبي لا فالحقيقة أن البقرة لم تعد إلى مكانها وقد فتشنا في كل مكان ولا اثر
لها وكان الشيخ قد تعود على فقدان ماشيته وأولاده لا يأبهون ..سكت برهة ثم وجه عينيه الغائرتين
الذابلتين اللتين جفت فيهما المآقي لما ذرفه من دموع وعرق لتربية هؤلاء الكسالى نحو ابنه وقال له
بصوت خافت اذهب وقل لإخوانك فتشوا عـــن الخروف وعندمـــــا تعثرون عليه ستعثرون على الذي ضاع وبعكسه سيضيع الباقي وعندما سمع الابن ما قاله أبوه المسن اخذ يقهقه ويقـــــوم بحركـــــات بهلوانية ساخرا مستهزئا....تلك كانت قصة الشيخ الوقور والتي تشبه قصتنا نحن الذين نقضي معظم
أوقاتنا نناغي ذلك التاريخ الشامخ شموخ الهامات والقمم جميل جمـــال زيوس والهرم بهــــــي بهاء
الثور والأسد ..نعم كل هذا موجود ولكن أين الناطور الأمين الغيور الذي يذر في عينيه الفلفل والرمل
لئلا يغلبه النعاس ويتسلل يهوذا إلى جستماني ليشق الحجاب ويكشف عن عورة آدم...نحـــــــن أولاد
ذلك الشيخ الذي نقشت أسماء بنيه اخاديدا وخطوطـــــا على محياه ووجهه محبا لــــهم سالكا كــــــل الوعورات لأجلهم ولكن.. نحن تلك الملة الصغيرة الجميلة المتجذرة تعلمنا في هذه الأيام على خسارة
تلو الأخرى وطالما لم نتأسف للأولى كما قال الشيخ عندما ضاع الخروف فلا أسفــــــــــــا للخسارات
والإخفاقات التالية والقادمة وهذا ما حل بنا بدءا عندما فقدنا هويتنا واسمنا في الدستور وفي ضمير
البرلمان وما تلاه مــــــن تهميش وتخديش وتعطيش من خلال القتل والتهجير والتفجير وقص الأذن
والأنف في مجالس المحافظات ولولا الكوتا الرحيمة وذلك الصوت العقيم المبحوح لكان مصيرنــــــا
خلف الحدود كأناس دخلاء لا مكان لديهم هنا عند قبور ومدافن أجدادهم...ولا ضيــر في ذلـــــك فان
الماضي بدءا بالــعـــــم شابور الثاني الساساني والحثي والميدي ثم العباسي والتتري والعثمانــــــي والانكليزي ليسوا غرباء علينا فلطماتكم ولكماتهم وسياطهم بل وسيوفهم باقية على الخدود وعـــلى
الصفحة الأولى لأناجيلنا وضير بل عيب أن تبقى الوجنات محمرة ملتهبة ليس بسبب مساحيــــــــق
التجميل أو لفحة شمس أو مداعبة حبيب بل الركلات ضمن الملعب كله ونقول ها قد حققنا مــــــا لم
يحققه إسلافنا ...أتدرون يا أصحاب الجيوب المنتفخة والكروش المتدلية غدا وهو قريب سيرئسكم
غيركم في نواحيكم واقضيتكم ومجالسها فعندها ماذا تنفع أختامكم وتواقيعكم ومجالسكم وجمعياتكـم
وحركاتكم وأحزابكم وانتم تتنازعون على اسم اوكنية أو قناة فضائية أو أغنية أو مهرجان وغيركـم
يستعد للهجوم ولماذا الهجوم أيها الأخ تقدم فالجميع بكوات وأغوات وشيوخ وربمـــــــــــا آريا مهر
فمن سيقاتلك ...انه واقع مؤلم ومخزي لمن يخجل ويستحي انه واقع متهرئ ومشرذم بيعت فيـــــه
الأسماء والذمم وليعلم من نكس العلم أن السيل الجارف إذا نقول إذا جاء يجرفـــــــــك أولا وسينبت
عند جثتك عوسج وشوك ليبقى مزارا للذي ينوي العبرة والحسرة وكل زائر سيرميــــــــــك بحجرة
ليثقل كاهلك لكي يكون صعبا عليك القيام مع الذين سيقومون في ذلك اليوم الأغر...لنفكـــــــر بعيدا
عن الأحقاد والأصفاد والعناد والمزاد ونبني جدارا مزركشا شكيما رصينا يقينا سيكون عاليـــــــــا
عاتيا فاديا يحمي الجميع ويدافع عنه الجميع ليكن جدار برلين قد أزيل لكونه نازيا ولكن جدارنـــــا
سيبقى ملاذا آمنا خلفه تصاغ كلكامش أخرى وطروادة أخرى وسيشيد خورنق وجنائن ترع ومدائن
نعم لنبكي ونتلذذ دفء الدموع قبل أن تجف المآقي وتزيل السواقي ولا نقطة للتلاقي.....


116
دراسة ديموغرافية لقصبة القوش

إعداد: سمير عابد القس يونان

كانت فكرة إجراء دراسة إحصائية ميدانية للالقوشيين الذي يقطنون خارج العراق قد اختمرت قبــــــــل شهريـــن
ومن خلال هذا الجرد الاستبياني نستطيع القيام بدراسة ديموغرافية شاملــــــة لمجتمع القوش وما جــرى لهــــذا
النسيج من دعك وتشوه خلال العقود الماضية والتي أحدثت شرخا جليا لمجتمع القوش وغيره من المجتمعــــــات
العراقية المصغرة.... أن هذه الدراسة حالها حال غيرها من الدراسات التي تخص المجتمعات التي يطرأ عليهـــــا
تغيرات وتبدلات تتسم بالصعوبة البالغة نظرا لما تتطلب من اتصالات واسعة ومكثفـــة والدخول إلى كل الأوطــان
وإحصاء العوائل التي الدراسة بصددها... الغرض الحقيقي من هذه الدراســـة الشاملــة هو معرفــــة مدى التغيير
الديموغرافي السكاني لهذه القصبة العزيزة حالها حال غيرها من المجتمعـــــات العراقية المحدودة وما حصـــــل
لهذا النسيج الأصيل القديم قدم الحضارات ورغم جذوره العميقـــــة من تصدع في جداره وتهرئ في نسيجــــــــه
ونزف في عروقه.... أيضا تبغي هذه الدراسة إلى رسم خارطة لهذا الجزء المغترب المبتعد وتثبيت مواقع الأهــل
والأحبة وما جرى لهم من تغييرات من وفيات وولادات وزواجات خــــلال الأصقاع المختلفـــة لهذه المعمـــــورة
المترامية ولا يستثني الأمر تشيلي والمكسيك وبنما... من الجلي أن ثنايا وأركان هذا العمل تتطلب شحذ الهمـــــم
وتسلق القمم ومشاركة كل الذمم وجهود جبارة ومشاركات واسعة لتكون نتائج هذا العمل الجمـــاعي المجـــــاني
البريء واضحة ودقيقة وشافية.. يستحيل على شخص أو مجموعــة أشخـــاص القيام بهذه المهمــة وهذا البحث
الشائك دون الاستعانة بفعل ودور الكنائس والمجالس والاتحادات والأندية والجمعيـــات المنتشرة عبر هذا العـالم
الفسيح... إن دقة وشمولية ما سنتوصل إليه بعون الله يعتمد كليا ومباشرة على البيانات والمعلومـــات المستقــاة
من تلك النوافذ ومن مشاركات فعالة من لدن المفاصل المثبتة أعلاه وإرسال تلك المعلومـــات بدقة وأمانة وصدق
لتبويبها وتصنيفها وثم إجراء دراسات عليها واخيرا تكون كالفهرست في متناول الجميع... ونحــــن بدورنــــــــا
سنتشبث بكل كبيرة وصغيرة وبكل قشة نراها مفيدة تضيف لبنة أخرى لهذا الجدار المراد بنـــاءه ونحاول التغلغل
في كوم القش للبحث والعثور على حلقة الذهب المهمة لتكون هذه الدراسة مرضية للجميع وترسم صورة حقيقية
لهذا المجتمع الذي انقسم كما تنقسم وتنشطر الاميبا نتيجة للظروف المعروفة والتي لســـــــنا نحن بصددها...
نهيب بكل من يهمه الشان مشاركتنا والتفاعل مع هذا العمل الجمـــاعي لاعادة بناء الدار الالقوشي من لبنــــــات
وقرميد جمعت من أصقاع المعمورة وليكن معلوما أن اليد الواحدة لا تبعث قرقعة ولا يضاهي التواضع والبساطة
صفة إنسانية أخرى وسيثبت كل جهد ضمن طيات هذا العمل الإنساني المجاني الذاتي وسيكون هذا العمل برأيــي
دليل وسراج وسيكون تصفح هذا الدليل والفهرست في تلك الأحيان القاسية حين يدب الشوق إلى الوطن وابناءه
خير منجد ومبعث للراحة ويزيل اللثام عن عملية الهجرة التي نخرت بهذا الجسد البريء....ارجوا الاتصال بنــــا
عبر العنوان الإلكتروني للاستفسار حول المعلومات المراد جمعهاsamer_alkass@yahoo.com
أو الأرقام 009647707407735و009647507315395,009640662559539
سنكون شاكرين جدا لتعاونكم.....   
   

117
المنبر الحر / رحلة إلى كوستامونو
« في: 00:32 23/03/2009  »
رحلة إلى كوستامونو
بقلم.. سمير قس يونان

كوستامونو مدينة تركية تقع في وسط الشمال وتبتعد عن البحر الأسود بحوالي 100 كيلو متر وعن العاصمــــة انقرة
حوالي 400 كيلومتر أيضا..وهي مدينة جميلة جدا تحيط بها الجبال من جهاتها الأربعة والطريق إليها وعر جدا وعلى
المسافر أن لا ينظر إلى الخارج لكي لا يصاب بالدوران والعبرة بذلك الإنسان الذي قهر تلك القسوة الطبيعية وسخرها
لخدمته بفتح ممرات وانفاق للوصول إلى ابعد نقطة..المدينة بحد ذاتها نظيفة جدا يتخللها وادي جميل للغاية حيث رص
مؤخرا بالقرميد وزرعت جنباته وأضفى على المدينة مسحة جمالية أخرى وفيها من المحال والمتاجر والمعارض مــــا
يعجز عن وصفه والهدوء الغريب الذي يخيم المدينة قلما يسمع صفير السيارات والعجلات وفيها كل شئ مرتب ومنظم
أما عن آثارها فقلعتها الجميلة ترى من بعيد لضخامتها وارتفاعها وهي شاخصة شخوص العشرة قرون الماضية وهي
مبنية على رابية عالية مسيطرة تماما على الوادي الموجودة فيه هذه المدينة.. أما ساعتها القديمة التي ترن كل ساعة
منبهة سامعيها بان الحياة ماضية وسائرة فلا تتركوا الزمن يمضي دون معنى وتحيط بها مدرجات جميلة وتكثر فيهـــا
المقاعد والمصاطب والتي تعج بالزائرين والعشاق دائما وفي الليل نظرة واحدة تكفي لتسرق وتخلب روح الناظر لمـــا
لها من جمال وبهاء وكأنها لؤلؤة تسبح في أديم السماء ولهذه المدينة معالم أخرى لسنا بصددها فـــــي هذه السطور..
وصلتها عند الساعة الخامسة فجرا وكان آخي المقيم في هذه المدينة منذ الستة اشهر ينتظرنـــــــي واستقبلني بحرارة
وشوق كبيرين إلى درجة أزعج سائق الباص لطول العناق والحقائب لا زالت في العربة.. حملنا الحقائـــــــب والأكياس
وتوجهنا نحو شقته وبدانا بمراثون الدرج حيث كان يقطن في الطابق الرابع وهكذا وبمشقة وعنــــــــــاء وصلنا شقته
الباردة الخالية من الحياة سوى تلك القلوب البائسة الحزينة ... ولم استطع أن انبس ببنت شفـــــــة إلا بعد أن استردت
أنفاسي أما آخي فكان كالغزال حيث كسر شوكة هذه الطوابق لصعودها ونزولها عشرات المرات يوميا وكانت أسرته
المكونة من ستة أفراد تنتظرنا عند الباب وقد تلفحوا بالبطانيات من شدة البرد وكان فرحهم عظيمـــا لا يوصف وكانت
الدموع تنهمر من الجميع سوى الصغير منهم دموع لاناس حائرين لا تفسير لديهم لما هم فيه ولماذا هم هنا فـــــــــي
كوستامونو التي لا يعرفها اغلب سكان تركيا حيث خلال رحلتي عبر انطــــــــاكيا – عثمانية- ادنة- بيزنطة – ثم انقرة
قليل جدا من عرفها... كانت شقته بسيطة جدا لا تتعدى أثاثها على تلفزيون قديم وطباخ بسيط وفراش على قد الحـــــال
وعدد من الكراسي وعدد من الطبلات وهكذا هي حال جميع العراقيين هناك والذين زرتهم لاحقا حيث لا أريــــــــكة ولا
 سرير فأخذنا نحتسي الشاي ونخرج ما بجعبتنا من أخبار وحكايات تراكمت خلال هذه الشهور الســتة الماضيــة وفيها
المحزن والمفرح والثاني أكثرها والمأساة التي يعيشونها يوميا حيث الغلاء واستغلالهم بدفع مبالغ طائلـــــة كغرامات
إقامة والبرد الشديد والمحروقات الباهضة مما يضطرون إلى شراء الحطب وإشعاله في مدا فئ قديمة كنا نستخدمــــها
قبل ثلاثون سنة... ثم خلدنا إلى النوم بعد أن غلب النعاس أعيننا ولكن من شدة فرحي لرؤية أخي وأسرته لم استطــع
النوم إلا أن انبلج الصباح حيث لا خيوط الشمس الذهبية ولا الفجر الذي اعتدناه بسبب الضباب ونهضت من فراشــي
الوتير الذي أعده أخي لي وتوجهت إلى الشباك لارى جانبا من المدينة ولكن البخار المتكاثف على الزجاج حــال دون
رؤيتي لأي شئ وهكذا يمكنهم الاستغناء عن الستائر وتلك إحدى حسنات كوستامونو الوحيدة .. ثم رغبت بإيقاظ أخي
للخروج ورؤية المدينة فرايته مع عائلته قد اصبحوا جسما واحدا للحفاظ على الدفء وان لا يتركوا أي فراغ يمكـــن
للهواء البارد النفاذ منه وهذه صورة حزينة أخرى وأيقظت أخي ثم نهض الجميع وتناولنا الفطور وارتدينا ثيــــابــــا
تصارع الثلج والبرد وهممنا بالخروج لملاقاة الإخوان الذين على شاكلة أخي وربما على شاكلتي بعد سنين من يـدري
من مناطق مختلفة من العراق.. خرجنا وأخذني أخي إلى الكازينو الذي يرتادونه كما الفناه في الأردن وسوريا و و و
وولجنا المقهى وإذا بالجالسين الأعزاء لم يصدقوا انهم راو أحدا قادما من حلمهم من طفولتهم من عرين حبهــم من
من العراق القريب البعيد من الوطن اللاوطن من الحبيب المسلوب وهموا بالنهوض لملاقاتي وتصافحنـــــا وحضــنا
بعضنا البعض الآخر والقبلات والدموع التي تتجمد حال ملامستها الخدود الباردة وهم من بيئات ومناطق مختلفة
من العراق من كركوك وبغداد وموصل ومن مانكيش وتلسقف وبرطلة وداؤدية وارادن وغيرها ثم جلسنا نحتسي
الشاي والمشروبات الساخنة وألقيت نظرة خاطفة إلى المقهى فلم يكن هناك غير العراقيين وبداوبالحديــــث حول
أوضاعهم وبدون أي جهد ممكن ملاحظة الحيرة والقلق والخوف من المستقبل على وجوههم لربما اكثر من الذي
كان على وجوههم عندما كانوا في العراق وهنا تتلاشى الأسماء والمراكز الاجتماعية ومسقط الرأس ومن أين أنت
ويحل محلها نحن إخوان من منطقة حدة ولا فرق بيننا ويواجهنا عدو واحد هو الوحدة وهاجس الخوف والشـــــك
من مصيرنا الذي ربط بيد اليو إن ثم بيد منظمة icmc ... وتجاذبنا الحديث بأمور كثيرة حيث تطرقنــــا إلى أحوال
القوش وعموم جلدتنا حالها ومصيرها وهم بدون راعي أمين يجسد حلمهم وطموحهم بالعيش السعيد الآمـن الحر
كباقي المكونات وكان عددنا اكثر من خمسة عشرة شخصا لم يقل أحدهم أن سبب قبعي في هذه المدينة النائية في
هذه الظلمة الحالكة في هذا الصمت المخيف المطبق في هذا الوادي العميق بالقرب من قلعة كوستامونو الجميلـــة
التي ضربها الزلزال سنة 1943 هو بسبب البطالة أو بسبب العمل والحاجة والجوع والفقر أبدا بل العكس من ذلك
أن اغلب الحاضرين من المتمكنين ماديا بل الجميع أكدوا أن السبب هو من الغد الضبابي المخيــف من التقلبــــات
السياسية الدينية الطائفية المقيتة من الشلل الفكري الذي نعيشه من التخبط في وحل المصالــــح والمناصـــب من
الصراعات بين الأخوان بين هابيل وقابيل لاجل ماذا لا أحد يعرف... عندها أضفت أن الأحزاب والجمعيات والمنابر
والمجالس المسيحية جاءت لتجسد تاريخنا وتوثق مآثرنا وتمهد لنا الطريق نحو آفاق واسعة رحبــة وتجعـــل منا
ركن مهم من أركان العراق المتعددة ولكن لم تلقى مداخلتي رضا واعجاب الحاضرين بل بدت بعــــض علامـــــات
الامتعاض والريبة وحينها أدركت أن اليأس قد أصاب ما أصابهم ومن الأجدر إعطائهم الزخم المعنــــوي وحثهـم
على الصمود والمضي قدما نحو المجهول فهم الذين اختاروه ... إنها حالة يرثى لها أن نرى أكبادنا وافذاذنا فــي
كل مكان حتى في بنما وجزر فيجي ونيكاراكوا يبحثون عن أمل فقدوه في مهدهم في حديقــــة بيتهــــم في مختار
محلتهم في دفتر مذكراتهم ذهبوا هناك ليفتحوا لنا سفارات وممثليات ليعرف الجميع باسماءنا وتراثنــا واعيادنـا
وبيضنا الملون ويسمع بمأساتنا وبحلمنا الذي سرق وحقنا الذي استلب وبعد أن مل الجميع من هذه المواضيــــع
العقيمة بدأو بالانسحاب ليلعبوا الورق والبليارد والطاولة فان ضالتهم هنا في اللهو.. وبعدها خرجنا من الكازينــو
واقترح أخي بالذهاب إلى القلعة الشاهقة التي بناها البيزنطينيون في القرن الثاني عشر وهكذا بدأنا بالصعود عبر
الممرات والمحال القديمة ويبدو أن المدينة الأصلية كانت هنا حيث المنازل من الخشب وشوارعها قد تم رصهـــا
بالبازلت الأسود وفيها دكاكين كثيرة للانتيكات والأثريات وبعد جهد لا يستهان به وصلنا القلعة المهيبة المريعــــة
الكبيرة كبر عمرها وقرونها يا لعجب إنسان عندما يعمل ويكد فهنا تكمن معان كثيرة للإنسان الذي يشبه انساننــا
الحالي الذي يخاف من شكل القلعة ليس من بناءها وهو يمتلك التكنولوجيا الحالية... كانت جولــة ممتعــة انستني
تعب وهول الطريق وفي المساء ذهبنا ثانية إلى الكازينو وكانت هنالك وجوه جديدة أخري وتعارفنا وتصافحنـــــا
وقال لي أحدهم بعد أن أجري المقابلة الأخيرة انهم يوقعونه على أماكن كثيرة وقلت له انـــك بعـــــت كل شئ وان
الكرماء جعلوك توقع الكثير وكل توقيع يمثل حق من حقوقك وعاجلا ام آجلا سيضحـون الوريـــث الحقيقــــي لك
في بلدك والويل لمن كان السبب................
       
   
     

118


أين مجلس أعيانك يا ألقوش

بقلم... سمير القس يونان
من البديهي أن يبحث الإنسان ويبدع في تنظيم وترتيب حياته ليرتقي بها إلى أبهى صورة بين المجتمعات
والأمم لتكون نموذجا طيبا من الممكن الاحتذاء به و جعله في مصافي المجتمعات المتقدمة ولا يتأتى ذلك
إلا من خلال تطبيق الأطر الصحيحة والأفكار السليمة لاستغلال الطاقات وتوظيفها وفق برامج علميــــة
تنموية يتم فيها وضع الإمكانات والمسببات والعوامل على الخط الأحمر ليتم مجاراة ومواكبة الأزمنـــــة
العاتية وكسر شوكة الاجهادات والاجهاضات ... إننا وكما يقال نعيش في وضع لا نقول انه ديمقراطــي
ولكنه يختلف عن سابقه حيث التعبير عن الرأي وتشكيل الكيانات السياسية بحرية تامة والانتماء إلى أية
جهة يرتئيها الفرد والصحافة والإعلام هي الأخرى آخذت قسطا كبيرا في هذا المجال إضافة إلى مناحي
حياتنا الأخرى... بعد هذه المقدمة البسيطة نستطيع أن نشبه ما حصل لنا مثل بعثرت قطع الدومينو ثـــم
خلطها واعادة ترتيبها وما يتلاءم والوضع الحالي والمتبارون هم من في الساحة الآن إذن كل شئ تغيــر
وطفى على السطح أسماء وشخوص ومبادئ وكتل وأحزاب كل واحد يمثل شريحـــــة من هذا المجتمع
الذي كان مكبلا بقيود واغلال ... إذن بعد خلط الأوراق وقطع الدومينو اصطفت من جديد لتعبر عــــن
التكوين الديموغرافي الحقيقي للشعب العراقي وكل مكون ينادي باسم شريحة أو طائفة أو قومية أو دين
يمثله ويحاول مع غيره لتشكيل اللوحة الفسيفسائية الجميلة التي يمتاز بها المجتمع العراقي.... فــي هذا
الخضم الصعب المتشابك وفي هذا التلاطم الصاخب للأمواج أضحت إدارة الذات مغايرة للسابق وغدي
الجري خلال ميدان السباق ضمن خيول مدربة وجامحة بالصعب جدا ويتطلب حنكة ودراية وسياســـة
وافق... وقبل الولوج في قصدنا نود أن نقول أن مجتمعنا متعدد المعاني والمقـــــــــاصد ومتعدد الألوان
والأصناف ومتعدد الأديان والثقافات وأيضا متعدد المذاهب والقوميات وكل هذه العوامل والخصوصيات
يجب أن تعمل جاهدة لبناء الحلم المنشود والأفق الممدود وغير ذلك نكون قد آثرنا الأفق المحدود والحلم
المنكود...أن الحياة وثناياها وتفاصيلها في مرحلة الانفتاح الفكري لمجتمع لا يسير وفق برنامج ومخطط
أو نظرية اجتماعية يصيبها ويواكبها عشوائية وضبابية وتقاطع وتداخل في الحقوق والواجبات وتنتهك
حريات وتسلب ارادات وتخنق صرخات وفقا لتوجهات ضيقة الأفق أنانية المبدأ.. لهذا ولغيره ولعـــــدم
الثقة في السلطات التنفيذية تقوم التجمعات السكانية بإدارة نفسهــــا وإيجاد صيغ وسبل لتوحيد رأيهــــــا
وحلمها وصفها عبر اتحادات وجمعيات ونقابات ومجالس لتتنفس الصعداء من خلالها وتكون خير ممثل
لها وكذلك تتشعب ألوان وأطياف الحياة في هذا المنحى مختلفا كليا عن لون الكبت والحرمان والاستبداد
التي كانت عليه... نأتي إلى منطقة سهل نينوى ولو أجرينا مسح ميداني نرى أن اغلب قصباته ونواحيه
دأبت بتشكيل مجالس أعيان لها تنتخب من أناس مثقفون ميالون للتضحية وخدمة الآخرين متكونة مــن
عيون تمثل كل العشائر والاوجاغات القاطنة في تلك الوحدة الإدارية لتكون مرجعا يعتمد عليه ومنـــه
تعطى التوجيهات وما يلزم عند الضرورة لدرء الخطر وتجنب التخبط وقطع دابر المسيئين والمخربين
والذين يحبون الصيد في الماء العكر...لكن غدت القوش غير آبهة لمثل هذه المشاريع متناسية معنــــى



التنظيم والإدارة بينما كانت سباقة لمثل هذه الأفكار والإبداعات في الماضي القريب وأعطت لغيرهـــا
من قريب أو بعيد أمثلة ودروس في تنظيم الذات وتلابيب الحياة ولها من الأعلام والرموز من صدعـوا
وشقوا الجبال الصماء بحنكتهم ونكرانهم لذاتهم لاجل الصالح العام ولينام الفقير المسكين مطمئنا مرتاح
البال.. هل ينقصك إبداع ومبادرة يا قصبة الثوار وقلعة المناضلين ومدرسة المؤمنين وهالة النســــــاك
والعابدين والغائرة في التاريخ غور الفراعنة والبابليين محبة لغيرك عبر العقود والسنين وباسك اقصم
ظهر الوحش والتنين ماذا ينقصك يا منجبة العلماء والباحثين واسمك نيشان على صدور الكتــــــــــاب
والمؤرخين وأبطالك تمنطقوا بحزام الحب والأنين..ماذا دهاك الآن ألا تخافي من الراقدين وقد سلموك
النور والفأس والشكيمة واثقين وحينها كانت اللطمة والصفعة تأتيك يمينا ويسارا وأبيت الخنوع ونقشت
اسمك على سارية عالية عند مفترق الطرق ليقصدك لمن يرغب اللجوء إليك والاستنجاد بك وكنـــــت
واثقة أن اسمك وكنيتك لن يكون ذي معنى إذا لم يقترن بحبيباتك تلسقف وعينكاوة وباغديدا وارموتـــا
 وآزخ واصن وكرمليس غيرهم وتستمدين منهم البأس والعنفوان وكنت لهم خير معين.. ماذا جرى لك
في هذا الزمن الصعب زمن الولادات المتكررة ..زمن الديمقراطيات المنشودة..زمن السياســــــــــات
المتهرئة..زمن الكذب الصريح وزمن الخجل المباح..زمن القوي المبجل وزمن التسلق السريع وعليك
استرداد اسمك وشخصك وهويتك عنوة وان تجمعي قطرات الدم والعرق التي سالت وروت والحروف
المضيئة التي نقشت على جبين الخالدين والماجدين وان تسترسلي مع من رسم صورتك وجسد هيكلك
وان تكملي بعض الملامح وإلا فالزمن سريع وصعب ولا مجال للاعتذار فهو اخطر من هولاكو ونادر
شاه وميري كور وتيمور وبرياق لان هولاء جاءو حينها ليدمروا ويقتلوا الكلمة والرقيمات والمسلات
ثم يولوا لتنشا الحضارة والكلمة من جديد وبعزم اكبر أما الآن وكما نتحسس ونتلمس فانهــــــم ينوون
التغيير والبقاء على صدرك كالجلمود بحيث إذا نزل نفسك فلا طلعة له...إذن مفهوم مجلس الأعـــــيان
ليس جديدا وكانت الشعوب تنظم شؤؤنها وتجعل لها هيئة أو لجنة أو طليعة واعية لتسيير أمورهـــــــا
وتنظيم جهودها بدلا من التشتت وهدر الإمكانات والقدرات وكان الوجهاء والعقلاء سابقا يتولون إدارة
رعيتهم وكانوا يتمتعون بعلاقات طيبة وقوية مع السلاطين والبكوات والشيوخ والاغوات لتوفير الأمن
والامان لمللهم ورعيتهم.. في هذا المنحى أقول وبحسرة لالقوش انك كنت قد تربعت عرشا لم يكن سهل
المنال بل كانت ولادتك عسيرة وخرجت للنور بعد إلحاح وعناد وهمة أناس غيارى مجبولين من الحديد
والنار وفندوا كل التوقعات ورجموا الحاقدين بتلك القطرات المتصببة من جبين الأفذاذ..نعم لقد سلخت
كل الأسمال الرثة والأثواب المتهرئة وارتديت رداءا جميلا فضفاضا تحمين به وتأوين فيه المحتاجين
إلى محبتك السامية وتمنحين لهم هالة تقيهم شر الأشرار والان أليس مخيبا للآمال أن تكوني بدون عين
ترين بها عثرات الطريق الوعر الذي أنت بصدده هذه الأيام ...وهل إيجادك مجلسا محترما لا يميـــل
لاحد ولا يمثل أحدا غير الاسم الموحد مستحيلا وهل خنعت وخضعت لمسميات دخيلة أوجدها مــــن
لا يمت بك بأية صلة أو آصرة ولم يذرف لألمك يوما دمعة واحدة ولتكوني على بينة أن القادم الجديد
لا يملك شيئا ليخسره عندما تخسرين فتشبثي بازقتكي ومجالس شيوخكي وبيادركي وتذكري أنت من
تكوني... الجميع يقول لك أنت يمد مثواثا أي أنت أم القرى فكوني بقدر هذا الاحترام واكون شـــاكرا..
               
 
         
                                   

119
ماذا وضعنا في الخرج

بقلم سمير القس يونان

قرر إن تكون مشكلة ونحن بعيدون عنها كما قرر إن نكون مستهدفين ولكن دون سبب واقتلعت الابواب
ليدخلوا الى المساكن لينتزعوا الوثائق والاقراص واصابع الديناميت لتكون ادلة دامغة لادانتا واستهلاك
حقنا وادخالنا في غيبوبة دائمة ومستمرة،قلنا وسنقول إن الحياة والارض لها من المدى والاتساع ما يكفي
للجميع شرط إن نصل الى قناعة تامة بان الغير مثلي وان اراهم كما ارى نفسي وان ارفع مستوى نظري
لارى الجموع المتعطشة لحبي وباسي وعنفواني وان امنحهم من ضعفي قوة وإقداما لبناء الحياة المنشودة.
إن السير في سراب الصحراء لا يقود الى المبتغى ومحاولة ازالة آثار منقوشة على السفح لا ينفع الا بازالة
الجبل كله وهذا مستحيل لذلك على حامل الصولجان الرجوع الى الواقع ورؤية الجميع  بكلتا العينين لا
بإغماض الواحدة،إن ثقافتي العامة لا تقودني الى التمنطق بحزام القومية والدين وان لا ارى الا انا وانما ابحث
عن المصير مع المجموع وان اجلس على الرحلة مع الغريب واصعد الى القمر مع جنس غير معروف
فقط لسبب واحد وهو لمحو الفوارق ونبذ العنصرية والتعصب واقول بجدارة إن للرب نفحة في كل نفس
وعندها نتوصل الى نتيجة مفادها اننا اخوان واحباء شرط إن نصل الى هذه القناعة .
 يجب إن لا يخفى عن بال احد إن الحضارات والامم عبر التاريخ مرت بالمراحل المعروفة من النشؤ الى
البلوغ ثم السقوط والزوال حالها حال النجوم والكواكب فيقال أفل نجمه ولكن هذه الحضارات جميعها
أضفت الى الخزين الانساني من العلم والثقافة اشياء كثيرة نستنير بها الان ونرتشف من رحيقها الكثير
وهي حاضرة في كثير من مفاصل حياتنا اليومية،لكن حال تلك الحضارات حالنا هذه الايام المعدودة التي
جسدنا حضارة بكاملها وصححنا مسارات ومفاهيم لا تحصى واولها على الاغريق اعادة النظرفي مضمون 
الديمقراطية وايجاد بديل يلائم وويلات العصروعلى حمورابي كسر مسلته والمجئ حالا لينتهل من البلسم
والنهر الخالد الذي ننتهل منه نحن الان...حضارة سماتها تختلف عن نيلسون مانديلا وهيلاسيلاسي ولينين
 وافلاطون وباتيستا وبطرس البستاني والبهلول وحتى بينوشيت وغيره... حضارة لا تسمح لالقها الا لها
حضارة لا تشبع غليلتها الا بقصم ظهر غيرها...حضارة لا يسمح بدخول ارفع منابرها ومناقبها ومشارفها
الا وبيدك سبحة ام التسعة وتسعين لتلعن نقمة الروتين.
 انه تدبيررباني إن يتوافق انتخاب اوباما الافريقي الديمقراطي الاسود لاكبر دولة عملاقة فيها تصاغ اغلب
القرارات والخطط التي تهم وتمس الجميع مع ما يجري للاقليات في العراق من تغيير اسمائهم وسلب وخلب
احلامهم ورش السموم والمبيدات على ربوعهم وسرقة مقاعدهم وتعدى ذلك الى تغييرمحال سكناهم معززين
مكرمين فاسحين المجال للصوص والسراق ليختاروا الغنائم ويمسحوا كل شئ ويعيدوا الحواسم للاذهان لكي
لا ننسى ابدا...لماذا تطلب مني إن اقول انا عراقي قبل إن اقول انا عربي او كردي او كلداني او شبكي او
يزيدي وانت ايها القابع في اقبية الرئاسة والبرلمان تقلل من شأن هذه الكلمة ومعناها ومغزاها وعمقهـــــــــا
وصداها وتأريخها..انا البسيط الحريص المتمسك بتلابيب الوطن حاملا جروحهه مسافرا بها الى كلكامش
ليرى ماذا حل بالرافدين وبلاد السواد والثورالمجنح والجنائن المعلقة فقد بيعت جميعا في سوق النخاس
ولم تضحى الان الجنائن من عجائب الدنيا...اهل ترقع هذا الثوب المتهرئ والواقع المخزي بكسر شكيمة
الاخرين وتطردهم من وليمة الوطن المقامة على شرف الافذاذ الحكماء وتقول لهم اذهبوا ايها الغرباء ما
بالكم والعراق

120
نتاجات بالسريانية / مَتخَرْتَا
« في: 02:36 26/10/2008  »

121
نتاجات بالسريانية / مَتخَرْتَا
« في: 14:53 19/10/2008  »

122
اننا نفحة جميلة وخير لكم الحفاظ عليها

بقلم سمير القس يونان

خلق الله الانسان ليعيش مع اخيه الانسان كيفما كان ومن اينما كان ليؤسس معـــه الحضارات والامارات والثقافات ويترجم الحياة بكل السواعد والامكانيات المتاحة...
وليعلم من لا يعلم إن خير طريقة للعيش السليم هو العيش مع الجميع بامن وسلام كمـا
هو جسم الانسان باعضائه المختلفة وكل عضو يؤدي الوظيفة المناط يها حيث إزالة أي عضو او شلله يؤثر على إداء الجسم ككل.إن التباين في بنيـة المجتمع ونسيجه يمـنح
لذلك المجتمع جمال وباس وجبروت شرط  إن يهضم ويدرك ويحترم هــذا التبايـن وبعكسه ينقلب وبالا وجحيماعلى اهله حيث تمارس مفاهيم خاطئـة لترجمة هذا التباين
إنطلاقا من الدين والقوميـة والطائفة ثم يبدا كل فصيل برص صفوفه ليس لبناء الـبلد
وإضافة لبنة الى جداره المنهار بل لتقويض فصيل آخر شريك له بكل شئ.
نسيج مجتمعنا كان يتصف ببراءة وعيش مشترك لا تتخلله المفاهيم الحالية التي يعتبـر
العيش مشتركا على ضؤها,لقد اعتبر الدين والطائفه والانتماء القومي في ايامنا الكئيبة
هذه معيارا في التعامل والوطنية بدءا بتشــكيل مجلس النواب والحكومـة والهيئات والمجالس وطبق نظام المحاصصه وفتح هذا الاسلوب من الديمقراطـية المتطورة بابا
لا يمكن إسداله بسهولة.
قبل فترة وجيزة وبينما كنت عائدا من حلب وعلى نفس الشاحنة التي اقلتني الى العراق
إلتقيت بشخص لا اعرفه سابقا وجلست معه على نفس المقعد واسمه قيصر عناد من مدينة الموصل وكان ذو هندام جميل وشكل انيق يدل على مركز هذا الشخص وموقعه
في المجتمع،وبعد التحية والمصافحة كان اسلوبه في الحديث متحضرا وسلسا واسترسل
بالكلام حالا وكأنه يعرفني منذ زمن بعيد,وبعد خروجنا من المدينة ليلا إتصل احد أقربائي الذي كان قد أوصلني الى موقف الشاحنة قائلا لي إن الشخص الجالس بجانبك
إسمه قيصر وكان معي في متوسطة الضواحي نهاية اسبعينات في الموصل وهو صافي
السريرة بسيط اجتماعي جدير بالاحترام في ذلك الوقت أي قبل ثلاثون عاما،إنتهت المكالمة وبدات باكلام مع الصديق الجديد منتظرا الفرصة المناسبة لافاتحه بهويته الا إن حانت الفرصة وقلت له اليس اسمك قيصر جاوب بتعجب وقال نعم ثم اردفت قائلا الم تكن طالبا في متوسطة الضواحي نهاية السبعينات إزداد اندهاشه وتعجبه وجاوبني بنعم وسالته هل هل هل ...واخيرا زاد إصراره وإلحاحه لمعرفة مصدر هذه المعلومات
وقد إعتلى جبينه عدة قطرات من عرق الحيرة والاستفهام ثم قلت له اتعرف فلان(الذي اعطاني المعلومات) سكت لبرهة وأخذ يفرك بجبينه حائرا يشحذ من ذاكرته ورفوفها المبعثرة بسبب الزمن الغادر المخادع هذا الاسم الذي كان صديقه الحبب قبل ثلاثين سنة،وعلى حين غرة صفق بيديه وقال نعم اعرفه وثم اعطى اوصافه وخصائله وقال اين هو الان فقلت له قبل ساعة وقبل انطلاقنا كان معنا في المحطة ثم قال لماذا لم يتكلم معي فقلت له لم تسنح الفرصة له والسلام،ثم طلبت الشخص بالموبايل وتكلم معه بعد إن تكورت عدة قطرات عند مقلتيه وحشرجة في صوته وتلعثم في كلامه الا إن استعاد رشده وتكلموا عن تلك الايام التي ذهبت مع اهلها.
إن الطريق إلى الحدود يستغرق السبعة ساعات وخلالها تطرقنا الى مواضيع شتى وما حثني على كتابة هذا الموضوع هو ما يجري الان للمسيحيين في مدينة آشور من اعمال يندب لها الجبين وحصرتي هي إن اقول للذي يقتل المعوق والطفل إذا كان يعرف والداه وانا على يقين انه بدونهما اساسا كم صديق مسيحي له وكم واحد من هؤلاء الاقوياء بايمانهم وصدقهم كان مصدر إزعاج او قلق لاحد،تعالى يا اخي قيصر لترى الغرباء عن مدينتنا ماذا يفعلون بها لقد إنتزعوا الباب والشباك وقلعوا المقلة والجفن وغيروا الاسم والجنسية وحولوا مجرى دجلة لتموت الموصل والجنائن المعلقة..بدأ الصديق يسترسل في خياله بتأوه عميق وإختنق الكلام في حنجرته وبدأ يتفوه بكلمات غير مفهومه ثم رويدا رويدا استرد صوته وقال لا أتصور إ الذي فجر كنيسة باشطابيا إبن الموصل وإن كان فهو هجين وانا في حينها ذرفت دموع سخية ربما أكثر منك،وعندما إختطف المطران فرج رحو ثم قتل قلت لقد قتلوا جميعنا وإن ترقيع ألرداء صعب وعملية إحتواء الاخر بالحب والاحترام لم تعد موجودة حيث تغير نسيج مجتمعنا الموصلي وبات يتحلى بصفات مستوردة ،وإستمر بالكلام ولم يترك لي مجالا وكان متحمسا لبقا قائلا إن اغلب اصدقائه كانوا مسيحيين وذكر لي اسماء كثيرة يحضرني منها سعيد وغانم شعيا وحازم وجلال واديب وووووو وكنت ادخل عندهم مثل بيتي همهم همي وفرحهم فرحي وكنت اشترك في حفلاتهم وهم نذلك،واردف انتم ناس ابرياء وكان البيت المراد بيعه وجيرانه مسيحيين يباع بسعر اغلى واتذكر حادثة سمجة حيث كان لي صديق وله اربعة إخوة واراد السفر وكان يملك دارا في منطقة راقية واراد تسجيله بإسم إخوانه لكنه إعتدل في رايه وسجله باسم جاره المسيحي.
أضاف الاخ قيصر إلى اسفل السافلين كل من اوجد هذه التسميات والصرعات وبعد القلوب والنيات وإستورد لنا أسماء جديدة دخيلة لا نكهة لها ولا معنى وصنع حواجز وخنادق بين العربي والكردي والايزيدي والكلداني والاثوري والشبكي والصبي والسرياني حيث كان الجميع منصهر في بودقة العراق مع إحترام الشعائر والعادات والتقاليد،وقلت له إن الحياة جميلة واخاذة إذا احسنا استخدامها وإرتشفنا رحيقها وإحترمنا مكوناتها وليدرك الحياة كل على طريقته وفي ذلك لا ضير على احد واضفت إن السيد المسيح يرسم ويجبل في افريقيا على انه اسود وزنجي وهل بذلك تغير جوهر المسيح وخصائله نعم إن للحياة أبعاد كثيرة اتت مع الانسان وليس بمقدور احد النيل منها او إزالتها.إن قلب الانسان كبير كبر الاثير إذا إعتمره الحب وبذل الذات وهو صغير صغر البكتريا إذا داهمه وسيطر عليه الحقد والكراهية والانانية وهذا ما نراه الان وإن العراق واسع وشاسع لمن يريد له الخير وان يصبح في مصافي الدول المتقدمة والجميع يستطيعون العيش فيه والانتهال من ماءه الرقراق فإننا ايها القتلة نفحة طيبة لها القوة من الايمان والجمال من الاحسان والشهادة من الزمان والحجة من البرهان .ختمت حديثي مع الاخ قيصر بعد ال غلب النعاس عيوننا وقلت له إن إرادة الشعوب أقوى من كل الاسلحة والمؤامرات وكل الحيل والنزوات وما علي وعليك إلا مقارعة الظلم والتمييز العنصري والتعبئة ضد هولاء الضلاميين اصدقاء الصراصر حيث يحبذون العيش في المجري والدهاليز المظلمة خوفا من حقيقة قاتلة وهي انهم ليسوا اوادم واي خروج للسطح سيذوبون بضؤ الشمس فابقوا حيث انتم ومبروك لكم مجاريكم.     

 

123

بقلم سمير القس يونان
   


لقد ترسخ عندي ترسيخ الاقانيم المقدسة الثلاثة ان العراق الجديد بلد ديموقراطي فيدرالي تعددي والعراق للكل والكل للعراق وله تركيب موزائيكي جميل تصان فيه حقوق كل الاطياف والمكونات عبر التاخي والاحترام ورؤية الاخر بحدقتين رحومتين عبر الانسانية والدستور ..ومن خلال المقابلات واللقاءات عبر هذه السنين الطوال أكد المعنيون واصحاب القرار انهم اتوا لاسدال الستار على حقبة سوداء المت بالجميع ضيرا وغبنا وكانت كالجلمود على صدور العراقيين جميعا .. تحمسنا جميعا لمساندة هذه الهيئة المنتخبة وزدنا اصرارا وتمسكا بالعراق وان لم نكن قد قصرنا سابقا تجاهه الا ان بعد التغيير والديمقراطية المرتقبة اعتلت كلمة العراق على الجبين بحروف مضيئة ترى من كل الاصقاع .. لقد عانينا مالم يعانيه غيرنا من الاضطهاد والتهجير والقتل وسلب كل ما لدينا والبرلمان والحكومة يفتحون عينا ويغمضون الاخرى والان يحاسبوننا على بعض المعيارات التي هم سببا في تغييرها وان ثلاثة اعضاء في مجلس محافظتي بغداد والموصل لا نستحقها لعددنا المتضاءل والسبب الحقيقي وراء ذلك هو الهجرة والعزوف عن البقاء في الوطن التي يتمناها كل من صوت ضد المادة 50 .. نحن الاقليات وجودنا ضروري ن لم يكن اساسي في هذا المجتمع وان لم ننهش ونقظم بفكين قويين حادين فاننا نضيف  نكهة خاصة ورونقا جميلا لا اتصور وجودها يكون مصدر ازعاج وقلق لمصالح الغير .. اليس من المنطقي ان تظيف هذه التعددية النزيهة الى الكيان العراقي قوة ومناعة وان نشعر الغير اننا رغم حداثتنا وعمرنا القصير في مجال الديمقراطية فاننا قطعنا منها الكثير ..ولكن سمح بذبح الحمل بمدية عمياء ليكون الالم المصاحب للذبح اقوى من الذبح نفسه ولتطول عملية الذبح والتاوه والنواح لتخترق كل المسامع .. لماذا ايها الاصحاب الاجلاء .. ماذا سيفعل هؤلاء في مجالس محافظات العراق الواسع الشاسع غير اضافة الحب والاخلاص والتفاني للعراق ولتكونوا على يقين انهم لم ولن يشكلوا خطرا على ماتنوون اليه انها الطبطبة على الخد ايها الاعزاء .. وهل مجلسنا بهذه الهشاشة ينقض ماوافق عليه يوم امس لمجرد تدخل بسيط من قبل ممثل الاخوة الايزيدية والخلاف على مكنونة الشبك .. هل تقبلوا ان هذه القشة الخفيفة تقصم ظهر البعير الضخم الذي يجوب الصحراء بطلاقة وله معرفة دقيقة بمواقع الواحات كلها .. نحن الاقليات لا نشكل اي خطر على الثور المذبوح ونحن لا ناكل الا من بقايا المائدة ثم وعلى حين غرة تحجب عنا هذه البقايا والفتاتات ..
اهذا هو وفاءكم لاناس امناء مسالمين بنو الدار ورصفوا الطرق والمسالك بالقرميد واهدوا للعراق القديم والحديث تلك البدايات الحسنة تلك العربات والمسلات وانظمة الري والقوانين والزقورات واسود وايائل التي تكالبت النفوس الان على سرقتها واصبحوا اناس وراء الباب
غير مرغوب فيهم عليهم الرحيل والانزواء في زاوية معتمة . انها وليمة بحق ان يساق الحمل للمقصلة ولم يحتاروا من سيكون السياف لان السيوف كانت مشرعة وبدون غمد لكي لا يتاخروا وتفوت عنهم الفرصة ..لنصوت بنعم اولا لمادة  اتفقنا عليها مسبقا  وهي خاصة بنفر قليل لا يملكون شيئا غير حب الوطن وآهاته وحفظ الوطن كقلادة حفرت الجلد واصبحت جزء من الجسم المثخن  بجراح كلمة العراق .. ان الفيلة دائمة الصراع والمناطحة ولكن بعد هنيهه تعود لتعانق وتغازل تاركة الحشيش المدمر نتيجة ضخامتها وثقلها ... نحن الحشيش يا سادة اتركوه على لونه فتارة تقتلوه واخرى ترشوه بالمبيد وغيرها تسحقوه الا ان تعم الصحراء والبيداء وقد زال الزهو والجمال.. لماذا اقصاء الاخر وتهميش الاخرين لنكن مثل السبحة التي بيدكم وانتم تصوغون القرارات المصيرية فان خرزاتها ضرورية جميعا لا يمكن ان تصل الى احداها دون الاخرى حيث هي دورة حياة متكاملة ليكن عددها 33 و 55 او 99 خرزة فهذه هي المادية الديالكتيكية التي لا ترغبونها ولا تستسيغون سمعها فهي الحياة بحقها. . بقدر هذا الكلام كله واكثر منه اناشد بقية اجزائي واشلائي المتناحرة المتخاصمة التي يسودها التبرم والتراشق والقذف بكلمات وجمل لا تفيد ابدا بل تزيد من الهوه التي خلقها وصنعها لكم غيركم وليعرف الجميع ان الزمن لا يرحم وان الحرية والحقوق لاتمنح بل تؤخذ.. نحن المسالمون لا ناخذها بالقوة حيث لا ايمان بالسلاح والقوة والجبروت والعنوة بل بالتسامح فيما بيننا والوحدة في الدين والجلوس على المائدة المستديرة لا رئيس فيها .. لقد وصل الماء الذقون وقد يجتازه فلنرجم الهوه ونرقع الرداء ونعيد جسور المحبة ولنقل ان المسيح بحبه ودمه وامه وصليبه يكون جامعنا وموحدنا. لنجعل هذه الصفعة ردة فعل قوية لاعادة تنظيم اشلاءنا ونبذ الكراسي والمناصب لاجل الاسم القديم الذي تنادون به بل انتم مغرورون بهذا التاريخ وليكن ذلك ولكنكم تحاولون ازالته بكلتا يداكم وباقدامكم ايضا عبر تناحركم وكراهيتكم الواحد للاخر لتصحوا وتعودوا الى رشدكم فانكم بلا محال نحو الهلاك سائرون .

124
لماذا يفضلون الهجرة على البقاء


بقلم : سمير القس يونان

إن للهجرة معنى دارج وبسيط مفاده’ ترك الوطن الأم والانزواء في أحد البلدان المنشودة التي تتوفر فيها ما يفقده’ المهاجر في وطنه الأم , إن قرار الهجرة صعب للغاية لأنه يتضمن مسح وإلغاء مشوار حياة وبداية وصياغة مشوار آخر غير واضح ومحفوف بالمخاطر قد تصل إلى الهلاك وفقدان أسرة بكاملها .
إن للهجرة أسباب عديدة ومنها اقتصادية واجتماعية وأمنية ونفسية وثقافية وأثنية ودينية , وتختلف سيطرة هذه الأسباب على عملية الهجرة بين فترة وأخرى تبعا للظروف المسيطرة على البلد والمنطقة , ونلاحظ لفترة ما تشحّ’ مصادر الرزق والعيش اليسير ويكون ذلك سبباً يحفز شريحة معينة على الهجرة وقد تأتي في فترة أخرى ظروف أمنية وحياتية صعبة كما حصل في الحرب العراقية الإيرانية فلاحظنا أن فئة واسعة من الشباب الذي كان مهدداً بالموت والفقدان في ساحات القتال فضّل الهجرة والابتعاد عن مصادر الخطر , وقد يكون السبب عرقي أو إثني أو ديني حيث تتعرض طائفة معينة للاضطهاد وملاحقة أفرادها وهدم مراكز ديانتها وإلى آخره من التصرفات التي تجعلها تبتعد من مسرح الحياة والنزوح إلى أماكن قد تكون أكثر أمنا أو تفضل الابتعاد عن الوطن برمته . إن المسيحيين في العراق تعرضوا إلى كل هذه الأشكال من الهجرة وأثـّر ذلك بصورة فعالة على نسبة تواجدهم في التركيبة الديموغرافية للمجتمع العراقي .. إن التأريخ يذكر ويقول ويؤكد أن نسبة المسيحيين في العراق كان يصل 70 ٪  أو 80٪ من المجتمع آنذاك ثم وخلال أحقاب زمنية متعددة والتي تعرضوا فيها إلى الاضطهاد والإكراه وسلب الحقوق واعتبارهم طبقة دونية وأخيرا الهجرة أدّى إلى نقصانهم إلى نسب ضئيلة غير فعالة في صياغة القرار ودورها في الساحة السياسية والدليل على ذلك نسبة تمثيلهم في البرلمان . بدأ مسيحيو العراق الهجرة وبشكل فعال بالسبعينات من هذا القرن وكان السبب حينها يختلف عن الأسباب في الفترات اللاحقة وحينها كانت العملية منظمة ومرتبة فقط عليك التسجيل في الجمعيات التي كانت تسهل عملية الهجرة .. أما في الثمانينات من القرن الماضي وعندما فتحت الحرب مع إيران أبوابها والموت الزؤام بالجملة وبدون سبب مما حدا بالشاب والجندي العزوف للذهاب إلى الجبهة والتضحية بنفسه لسبب تافه وبقاؤه في منطقة سكناه هارباً يشكل خطر فلذلك فضّل الابتعاد كلياً وترك أحلام طفولته خلف ظهره ليشق طريقه عبر المستقبل المجهول .. أما في التسعينات كانت الظروف الاقتصادية الصعبة سبباً إلى اختيار الهجرة وكذلك الحصار الاقتصادي والخوف من اليوم القادم وما يلف في ثناياه من خوف ويأسٍ مما جعل الكثير من الشباب والعوائل اختيار طريق الهجرة وتحمل صعابه ومخاطره لكونه غير رسمي وعبر مهربين لا يمتون بصلة بالضمير والوجدان الإنساني وكثير من العوائل ماتت غرقاً في مياه( إيجة ومرمره والمتوسط وبحر اندونيسيا ) وأصقاع أخرى من العالم وفضّلت أن تكون طعاماً للقرش , وأخيرا وبعد التغييرات السياسية في العراق وسيادة الديمقراطية الناقصة في الشارع والوزارة فكّر الكثيرين بالعودة إلى حلمه وذكرى طفولته وقبر أجداده للمساهمة في بناء البلد الجريح الذي طالت يد الجريمة كل صفحاتهِ .. استعدوا لهذه الخطوة على مضضٍ وشوق حار ولكن بمرور الأيام انكشفت الوجوه القاتمة والقلوب التي تطفح’ بالحقد والضغينة والإتيان بمفاهيم أيديولوجية بعيدة عن إدراك هذا الشعب الجريح , وأختلق الإرهاب مناهج متعددة ورسائل متطرفة تتبنى القتل والخطف والتهجير والتهديد والتنكيل وكان العراق باستثناء إقليم كردستان مرتعا خصبا للدم والقتل وكان للمسيحيين حصة الأسد حيث لفحتهم النار على كلتا وجناتهم وكانت النتيجة الهروب من هذا الواقع المأساوي المصيري فمنهم من فضّل النزوح إلى الأماكن الآمنة المستقرّة والمقصود منها  إقليم كردستان حيث قام من فيه بدورٍ جبّار لتوفير وسائل السكن والمعيشة لهؤلاء وهنالك من فضّل الهجرة إلى بلادٍ بعيد , وفي الفترة الأخيرة نلاحظ تزايد وتيرة النزوح والهجــــرة أكثر من الفترات السابقة , وأستطيع أن أوجز بعض الأسباب المهمة في هذه الهجرة ليتني أفي بالغرض ومنها :-
1-   الظروف الأمنية وهذه تطرقنا إليها سالفاً بإسهاب وإيجاز وكلنا يعرف ما جرى في الشارع وفي الأحياء التي يتركز فيها المسيحيين من قتل وتهجير قسري ودمار وهلاك وتدمير كنائس وغيرها كثير .
2-   المسيحيون المثقفون يشعرون أن وجودهم في هذا البلد الأصيل أصبح زائدا على غيرهم والدليل على ذلك تمثيلهم الرديْ واللا منطقي في البرلمان الذي يمثل كل أطياف وشرائح مجتمعنا الموزائيكي الجميل , ومن الجدير بالذكر أن تمثيل المسيحيين في البرلمانات السابقة وخاصة الملكية منها كان تمثيلهم أكثر بكثير في مجلس الأعيان والنواب وأيضا في برلمان كردستان عما هو في البرلمان الحالي حيث الديمقراطية والفيدرالية والتعددية والتمثيل الحقيقي الجغرافي لكل المكونات .. هذا ما يجعل المسيحي مظلوماً وإحساسه بالجذور العميقة ضعيفا وأواصره ووشائجه  بوطنه ليست محل ثقة .
3-   إني ومن خلال الاختلاط والمعاملة مع جميع شرائح هذا المجتمع يقولون أن المسيحيين شريحة نظيفة وزهرة هذا المجتمع وأقحوانه لجمالهم وأمانتهم وإخلاصهم وتسامحهم وثقافتهم ثم ضعفهم .. أقول نعم وهل هذا يفيدني بشيء طالما هو غير موثق ومثبت عبر صفحات الدستور الذي هو مرجع الجميع وحامي حاضرهم وضامن مستقبلهم .. أين أنا والدستور وأين الدستور والباقي فإذا كان الدستور قد كتب لي فأين موقعي منه وماذا رسم من تلابيب صورتي وأين ثبتت حدودي وماهو إسمي وكنيتي فاتضحت الصورة التي رسمها هذا الدستور وظهرت بأنها مشوهة وغير واضحة المعالم تحتاج إلى بصمات وخطوط كثيرة .
4-   سبب مهم آخر هو شعور هذا المسيحي بأن صوته غير مسموع ولا أحد يمثله قلباً وقالِبا نتيجة لتفكك النسيج السياسي والخطاب القومي للأحزاب والمجالس والاتحادات التي تمثل قلوب المسيحيين المبعثرة , هذا المسيحي المسكين المغلوب على أمره يطمح بأن يكون له ممثلاً حقيقاً يوصله إلى بر الأمان ويجسد مكانته في هذا المجتمع الصعب .
كل هذه الأسباب وغيرها أكثر يجعل من المهاجر البسيط يسأل نفسه .. لا برلمان ولا دستور ولا حزب ولا مجلس ولا إتحاد يمثلني ويصون صورتي ويجسد التأريخ في حاضري الميؤوس ولا كنيسة تأتي وتسأل إلى أين أنت ذاهب بأطفالك وعائلتك يابني فإنا وطنك أولى من كل الأوطان والجنائن المنشودة خارج الحدود بك .. إبقَ  لنتلو المزامير وننفث في روح الكنيسة نفساً عميقاً وقّاداً ونبني كوخي أخرى بدلاً من أن يبقى مقعدك فارغاً في القدّاس .


125

هل أجدت الشرذمة نفعاً

نحن شعب يجمعنا صليب واحد وهو خير قاسم مشترك بيننا لإزالة الخلافات وهو خير مثالٍ في التضحية والتواضع , وقد أصاب ما أصاب هذا الشعب من الهجرة والتشريد والبعثرة وأدى ذلك إلى قلة وشحة فعله في الساحة السياسية وصنع القرار .. ما يتطلب من الجميع المساهمة في ترقيع هذا السمل وإعادة رونقه وبريقه وإلى سالف عهده بشحذ الهمم ونبذ الخلافات وتقريب وجهات النظر والتضحية في منح الكراسي الواحد للآخر , وأي تلكُؤ ونسيان الواقع والجري خلف المنافع الشخصية والهالات الكاذبة سيؤدي إلى ضياع الفرصة الأخيرة التي نعيشها . ولتقريب الصورة التي نعيشها الآن من التبرم والابتعاد وجر الحبل والأنانية والشرذمة نستنجد من التراث الشعبي المتداول هذه الأقصوصة .. في غابر الأزمنة كان هنالك مدينة يحسدها الكثيرون بما تتمتع به من الخيرات والبساتين والمنتوجات وتربية الماشية والزراعة وكانت تسكنها قبيلة مفككة .. طمعت قبيلة أخرى في خيرات هذه المدينة وفكرت أن تسيطر عليها وتغزوها وقبل ذلك أراد شيخ القبيلة عن كثب ما يخص هذه المدينة حول عسكرها وقوتها وشكيمتها ومؤونها ورئيسها .. وهكذا أوفد في أحد الأيام رجل حكيم ماهر إلى هذه المدينة وفي الصباح الباكر إستعد الشخص المعني للرحيل وأخذ مؤونه وسيفه وفرسه وهم بالسفر إلى المدينة المنشودة وبعد مسير صادفه شخص وسأله إذا كان قادما من المدينة المبتغاة فأجابه بنعم وسأله بأنه ذهب إلى المدينة نفسها ويريد أن يعرف من هو شيخها لأمر هام فأجاب الشخص القادم من المدينة ذو الأسمال الرثة بأنه هو شيخها .. فتعجب من كون هذا الشخص شيخ المدينة وشك في الموضوع برمته تخلص منه ببعض الحجج وودعه , قرر الزائر أن يستمر في طريقه وان الشخص الذي لاقاه في الطريق ليس شيخ إستمر في الرحلة وهكذا بعد فترة صادفه شخص آخر يمتطي دابة فبادر زائرنا بتحيته واستوقفه وسألهم عن شيخ هذه المدينة التي هو قادم منها فأجاب في الحال بأنه هو الشخص المعني واخبره بأنه ذاهب إلى الوالي بأمر يخص مدينته .. وبعد تحية الوداع وقف زائرنا حائرا من هؤلاء وقرر الاستمرار في طريقه إلى المدينة وبعد برهة من المسير وقبل أن يصل إلى المدينة صادفه شخص ثالث وسأله نفس السؤال وأجاب بأنه شيخها .. عندها قرر الرجوع إلى قبيلته وإبلاغ ما اكتشفه إلى شيخ قبيلته وبعد الوصول تم التوصل إلى استنتاج مفاده أن المدينة لا يرأسها أحد وكل ساكنيها رؤساء وشيوخ ومسئولين وعند مباغتتها بأي عمل عسكري فلن يكون هناك من يدافع ويقاتل .
قامت هذه القبيلة بإعداد جيش بسيط للسيطرة على المدينة وباختصار تمت السيطرة على المدينة وسلب غلاتها وخزينتها وقد إنتهى مجد المدينة وبهائها بكبرياء أهلها وتكبرهم الأجوف .
لذلك نقول للذي له سيط وباع في تقرير مصير هذا الشعب البريْء بمختلف ألوانه ألا يكفي شرذمة وتقطع للأوصال .. أل يكفي تبرم للوجوه وتراشق الكلمات .. ألا يكفي تشكيل أحزاب ومجالس وإتحادات جديدة .. ألا يكفي صد الأبواب بوجه الآخر .. نعم تلاحظون جيدا ماذا حصل لهؤلاء المساكين حيث جعلتهم الكراهية بين هذه التشكيلات السياسية والاجتماعية يبتعدون عن هذه الاتجاهات بل ويمتعضون حين سماعهم بأسماء هذه القيادات اللا مسئولة , من هو السبب في هذه القطيعة بين النحب والقاعدة وليكن في علمنا جميعا بان البطانيات والدولارات والمولدات والمئون لا تخلق مشيمة قوية تربي الجنين إلى حين الولادة ليقطع المراحل الصعبة في الاكتمال والنمو .. وإن مثل هذه المغريات لا تزيد الارتباط ألصميمي قوة وشكيمة وبأسا ولا تخلق نسيجا محبوكا مترابطا بل تجعل العلاقة بين هذه النخب والقاعدة والناس المتعطشة إلى من يقودها ويرشدها إلى بر الأمان علاقة واهنة متزعزعة بل ولا يمكن اعتبارها علاقة .. وقد طرق هذه العلاقة إلى علاقة مصلحيه غير متبادلة تطفلية ليس كالبكتريا في أمعاء الإنسان تأخذ وتعطي وطالما هذه العلاقة باتجاه واحد فتبقى المعادلة صماء وعقيمة ولابد في يوم ما وهو قريب لا محال إلى التوصل إلى قطيعة واز دال الستار .إذن على هذه النخب غير المختارة خلق ثقة ووشائج رصينة وأواصر قوية مع الناس التي أعلنت ولاؤها ليس بالوسائل الرمزية والمادية فقط بل خلق جو روحي ترفرف له النفس وأيضا الجلوس حول المائدة المستديرة حيث يعيب الرئيس ولا فرق بين رئيس ومرؤوس وكبير وصغير لئلا يحص ما حصل للمدينة سالفة الذكر ويخرجون بمقررات وبرنامج عمل يفيد الجميع على حد سواء , وعندما يصلون إلى قناعة أن كبيرهم خادمهم ومن ناضل وكافح وله تاريخ مشرف في مقارعة  النظام وإعلاء الكلمة يأخذ التسلسل الأخير ليحمي مؤخرة المسير لان له خبرة ودراية عندها يكون المشوار الصحيح قد بدأ وناقوس الحب قد دق . قد تكون هذه البادرة لبنة وخطوة جيدة قد تحتذي بها الكنيسة نحو إزالة الفوارق والاختلافات التي صنعها التاريخ والنفوس المنحرفة وترجع إلى قرونها الأولى خالية من البدع والهرطقة .. نعم المشوار صعب وفيه من المطبات والألتواءات والدهاليز والأخاديد الكثير كثير منها ما موجود في ذاتنا وكياننا والذي نحن بصدده ومنها ما يأتي من خارج جسدنا حيث لا يرتاحون إلا لشرذمتنا ولا يهدأ لهم بال إلا بتفككنا .. أنقذوا هذا العدد القليل الباقي وانه لشي مخزي أن يكون شعبنا بهذا الشكل حيث توجد ألاف الطاقات المبدعة والخلاقة تنتظر دورها في البناء والإبداع ولكنكم شللتموها بل هاجر اغلبها بعيدا إلى اسقاع غريبة وكنتم احد الأسباب في ذلك. أين عددنا وثقلنا وأين مركزنا ومواقعنا بل أين كنائسنا وأديرتنا .. أين صوتنا في الحكومة والبرلمان وأين وزراؤنا وخبرائنا بل ماذا حل بناقوسنا وماذا حل بقداديسنا وشموعنا .. من يحمل المشعل ويقول أنا جدير بذلك عليه أن يحمله جيدا وعاليا ليكسر الحلكة لضعيفي البصر وإذا خفت نور مشعله يصيحهم ويناديهم بصوته الشجي كما ينادي الراعي وإذا بح صوته ونفذ وقود مشعله فإنه يغذي المشعل والسراج بدمه خوف من الانطفاء وحلول الظلمة مثلما حصل عندما أسلم الروح ربنا يسوع .. وهنالك من يقول هذه صورة مثالية قلما تتواجد بين البشر ونقول لنحاول ومهما كانت النتائج فستكون جيدة حتى لو كانت صغيرة بل بغير معنى محاولة إيجابية أفضل بكثير من العداء والإساءة وعدم سماع الغير . لتسال النخب نفسها ماهو دورها بالعملية السياسية في البلد ككل ومن يسمع صوتها وحرابها ومناجاتها  .. من دعاها إلى الوليمة التي أقامها الوالي وفيها ما ألذ وطاب ومن يعيرها أهمية وثقل واحترام بل من يذكرها في الإعلام بأشكاله وهنالك من قفز إلى مرتبتنا مثل سباق الرالي  ولتنظر بأنها الأخيرة ضمن هذا الركب وعندها نقول (( لاعافرن بالتركي ) .. يجب وفي الحال مراجعة النفس وإنقاذ ماتبقى وليعرف من يقود إذا قاد بدون استماتة وأمانة فإنه ميت قبل أن يموت . إن التاريخ قريب بل قريب جدا ونستنبط منه دروس وخيمة من عدم الاتفاق واحترام آراء الغير حيث فاجعة سميل وصوريا وغيرها الكثير كانت نتيجة لحب الذات وعدم التفاني في مصلحة المجموع ومستقبلهم . إن الناس والجموع متعطشة لقيادة موحدة وحكيمة لترقى إلى مستوى المسؤولية وتنتشل هذا الجسد من الغرق . لدينا قائد روحي ميداني يمتلك من التضحية ونبذ الذات والتسامح ما يكفي ليجعلنا إخوان وأبناء صالحين محبين وغيورين لصليبهم .

126
   الى من يسلّم توما توماس عصا البريــد

بقلم سمير القس يونان

لم يعرّف نفسه إلى أحد أبدا لان الجميع كان يعرفه ومن لا يعرفه تمنى لو فاز برؤيته أو لقاءه ‘ كان متمكنا من كل النواحي ومنها الإنسانية والسياسية والعسكرية والإدارية ونبذ الأنانية والانحيازية والانفرادية وانقاد إلى مبدأه وفكره متيقنا صواب اختياره . كان إيماؤه مفهوما ومقروءا لرفاقه لأنه كان صادقا في تفكيره ونيته معهم ‘ كان مرحا طوال الوقت لم يتشبث بحبال الشك أبدا ‘ لم يدق طبل الحرب أبدا بل كان يحتوي اللطمات واللكمات والهجمات والمؤامرات ‘ مامن مرة  نام قبل الليل بل كان الليل صديقه أو ينام معه .
يمر على رحيل المرحوم توما توماس  إحدى عشر سنة وكأنها اليوم وفي هذه الأيام الصعبة التي فيها أصبح الفرس دون خيّال نستذكر هذا الرجل هذا المناضل هذا المكافح بكل حسرة وألم لأنه زمن قاس وصعب وزمن شرذمة وتشتت وإننا بأمس الحاجة إلى راع صالح يقود خرافه بأمانة صادقة ‘ كان هذا المناضل شجاعا مقداما لم يتنازل يوما لا في سوح الجبال والقتال ولا في المعتركات السياسية التي تتطلب مواقف حازمة مع رفاقه وكذا الحال مع من يخالفه المعتقد . انه نقطة مضيئة في هذا الأثير اللامتناهي ترى من بعيد ولا تحتاج إلى زرقاء اليمامة ‘ كما ولا يحتاج إلى مرصد فلكي لأنها قد دخلت الأدبيات العلمية للفلكيين ‘ مثل هذا الشهم وما صالت نفسه وجالت في هذه الجبال والسهول والاوهاد وذلك العرق المتصبب حيث لو جمع لملأت عشرات علب الحبر وما علينا إلا أن ننهل أقلامنا من هذا الإكسير ونكتب حروفا مضيئة ترى في الظلام ‘ مثل العم المرحوم وغيره الذين قلما رأت عيونهم النوم الهانيء .. مثل هؤلاء الذين يحبهم عدوهم قبل صديقهم مثل هؤلاء طرقوا أبواب الخطر وبنو سورا منيعا لهيكلنا وتخندقوا ليحموا سريرنا  ‘ مثل هؤلاء نادوا بإسم القوش وعينكاوه وشقلاوه ودوغات وكرمليس وبحزانى ومانكيش  وتلسقف رسموا صورة لنا وصنعوا هالة جميلة تقينا من الأشعة السامة القاتلة ... مثل المرحوم صرح عالي ومتحف كبير يفتح مرة في السنة وانه لضروري زيارة هذا المتحف ومشاهدة كل شيء فيه من رداءه وسلاحه وصولاته وكلامه وحبه وأصدقاءه ‘ انه مدرسة متكاملة في شخص واحد ترى فيه كل أنواع الكتب انه موسوعة فقد حاول الكثيرون وفي اكثر من مناسبة نزع وإزالة  أوراق من هذه الموسوعة ولكن دون جدوى لان التسلسل موجود وانه لمن المنطقي أن المحبين حفظوا حياة هذا الحبيب أي خربطة ستنكشف لا محال ... انه علم وسارية فمن يحاول قص هذه السارية فهناك غيرها وهنالك من يركض مسرعا لحمل الجزء المتبقي ... هناك ذكريات وأشعار أمثلة ومقالات قصص ومكنونات مآثر وآثار  دخان وبقايا نار  بل تقارير وهجمات خطط وتطويقات هنالك قطرات دم وقشور حب وحبل تنظيف في اغلب الكهوف كما وهناك علب حليب النيدو عند اغلب العيون والينابيع خارجها اسود وداخلها احمر بفعل الشاي ‘ كيف تمسح هذه وغيرها أكثر بكثير وما علينا إلا أن نستذكرها باحترام ووقار وشوق وان نجعل من توما توماس البار الوفي مثالا وأيقونة نضعه في مخيلتنا دائما . لقد تمنطق هذا المكافح بحزام الحب والصدق وبمنجله طهر طريقه دون مساومة وأبى أن يحمل السلاح إلا عندما أصبح مضطرا لذلك . لمن يكون الخلود والمجد إن لم يكن لمثل هذه الدعامة والسارية لمن يكون المجد والخلود إن لم يكن لمن كان سراجا وحبا سرمديا . كيف ننسى من نبذ أنانيته وسلخ جلده وغطى به من كان محتاجا له ... لقد كان كل شيء وكان بلسما لجروحنا النازفة وكان صولجانا يضرب به يمينا ويسارا من يحاول حذف حرف من اسم بل إزالة نقطة من باء أو نون أو خاء ‘ كان مجتمعنا حينئذ يفتقر إلى عكازه يتكئ عليها وينبوعا صافيا يرتوي منه بعد أن جفت كل العيون ‘ كيف ننسى من يسال ويتفقد حال الجار قبل أهل الدار أحب الجميع والجميع أحبه وقال في الأيام الأخيرة من حياته (( لو كان أهلي وأحبائي حولي لاكملت’ مشواري وحياتي واكتملت رتوش الصورة )) ‘ من أحب أهله حبا مطلقا مثل هذا ومن دافع عن فقير جلدته قبل الغني منها بعض الأقلام والرموز القومية تتهمه بالابتعاد عن أهله وقوميته والأصح انه مهما كان  من أممية فان عصارة نضاله وكفاحه تنصب على هذه التسميات وهو جدار ضخما ممكن لهؤلاء  المتشدقين أن يتكؤا عليه بعد مسير يابلاش ‘ أقولها بكل صراحة انه أضحى بدون مسكن ولم يستطع أن يرتمي في أحضان قصبته بسبب مبدأه في الوقت الذي كانت هجمات شرسة من رفاقه ومعاصريه ومن هو في درجته الحزبية على أوجها وذلك زاده إيمانا ويقينا وثباتنا وإصرارا وإلحاحا على البقاء مخلصا لمبدئه واسمه وكنيته وأهله وشعبه ‘ لقد جاء في زمن ووقت عصيب تعدى الخطر حدوده وكاد الدار ينهار على ساكنيه والأرض امتنعت عن الإنجاب وإعطاء الغلل .. لقد جاء نتيجة صرخة طفل جاء احدهم ليسرقه من حضن أمه وليس (( هفتيار كما يقال لها )) . لقد جاء ليخضر الجبل القاسي المتجرد المطل علينا وليؤمن لنا نحن الأطفال في وقتها كي نجمع (( البلزيزي والحلحليي والمستوك )) .. لقد جاء ليؤمن الطريق إلى دير البسقين ومار سهدونا ونستطيع إشعال الإطارات القديمة وأكوام الحطب يوم نوروز الجميل ‘ لقد جاء ليجعل ليلنا أمينا خاليا من الخوف واللصوص من الجيران (( يامكثرهم حينها )) لقد جاء ليؤمن حدودنا من التعدي والتحرش ليزرع الخوف في نفس كل من تسول له نفسه ويحاول التربص بغلاتنا ‘ ألا يكفي كل هذا لاعتبره مثالا واستلذ عند ذكره واشحذ منه شهامة وقوة وباسا ‘ لقد جاء ليؤمن الطريق إلى حقولنا لنذهب ونباركها بأغصان الزيتون بمناسبة عيد اوشعنا ‘ لقد جاء لتبقى حفلاتنا البسيطة على أنغام الداول والزورنا في البيادر إلى أوقات متأخرة ثم نذهب إلى بيوتنا كباقي البشر أما هو ومن معه فكان الحجر فراشه . ونحن نعيش في مجتمع عشائري قبلي فيكون من دواعي القوة  والبأس والجدارة أن تتمتع ببعض الوجوه التي تضفي مسحة جميلة إلى المكنونة العشائرية لمجتمعك المصغر ‘ وسبق المرحوم توما توماس شخوص وصواري اتصفت من نبل ونبذ حب الذات والغيرة التامة لبلدتهم وهم الذين كانوا اعضاءا في لعبة البريد والذين سلموا العصي إلى المرحوم لكي تستمر أحداث التأريخ ‘ نستذكر هؤلاء جميعا بحب وخشوع وهم نجوم وضاءة في سماءنا وقد اضاؤا الدرب إلينا نحن الذين نسينا كل شيء . إنها حيرة وقلق نحن فيهما فأين من يستلم منه عصا البريد ليكون الخط متواصلا وحلقات السلسلة واضحة حيث عند فقدان أي حلقة أي مرحلة سيكون هنالك فراغ وهذا يؤثر على السلسلة ككل  ولذلك نقول أنت في القلب ساكن وكل خطوة في حياتك النضالية درسا ننتهل منه وكنت خير من أنقذنا وانتشلنا من أيادي أخطبوطية ‘ صغيرة هي كلمة مرحوم بحقك ولو هي عدل سماوي وألهي ومع هذا فانك لم تمت ولا يقبل اسمك  القسمة على أي نسيان ... فانك باق مدى الأيام وما فعلته لم يكن غير الصواب فإلى جنة الخالدين وعلى صدور المحبين وساما ونيشان .




                                       

127
   الى من يسلّم توما توماس عصا البريــد

بقلم سمير القس يونان

لم يعرّف نفسه إلى أحد أبدا لان الجميع كان يعرفه ومن لا يعرفه تمنى لو فاز برؤيته أو لقاءه ‘ كان متمكنا من كل النواحي ومنها الإنسانية والسياسية والعسكرية والإدارية ونبذ الأنانية والانحيازية والانفرادية وانقاد إلى مبدأه وفكره متيقنا صواب اختياره . كان إيماؤه مفهوما ومقروءا لرفاقه لأنه كان صادقا في تفكيره ونيته معهم ‘ كان مرحا طوال الوقت لم يتشبث بحبال الشك أبدا ‘ لم يدق طبل الحرب أبدا بل كان يحتوي اللطمات واللكمات والهجمات والمؤامرات ‘ مامن مرة  نام قبل الليل بل كان الليل صديقه أو ينام معه .
يمر على رحيل المرحوم توما توماس  إحدى عشر سنة وكأنها اليوم وفي هذه الأيام الصعبة التي فيها أصبح الفرس دون خيّال نستذكر هذا الرجل هذا المناضل هذا المكافح بكل حسرة وألم لأنه زمن قاس وصعب وزمن شرذمة وتشتت وإننا بأمس الحاجة إلى راع صالح يقود خرافه بأمانة صادقة ‘ كان هذا المناضل شجاعا مقداما لم يتنازل يوما لا في سوح الجبال والقتال ولا في المعتركات السياسية التي تتطلب مواقف حازمة مع رفاقه وكذا الحال مع من يخالفه المعتقد . انه نقطة مضيئة في هذا الأثير اللامتناهي ترى من بعيد ولا تحتاج إلى زرقاء اليمامة ‘ كما ولا يحتاج إلى مرصد فلكي لأنها قد دخلت الأدبيات العلمية للفلكيين ‘ مثل هذا الشهم وما صالت نفسه وجالت في هذه الجبال والسهول والاوهاد وذلك العرق المتصبب حيث لو جمع لملأت عشرات علب الحبر وما علينا إلا أن ننهل أقلامنا من هذا الإكسير ونكتب حروفا مضيئة ترى في الظلام ‘ مثل العم المرحوم وغيره الذين قلما رأت عيونهم النوم الهانيء .. مثل هؤلاء الذين يحبهم عدوهم قبل صديقهم مثل هؤلاء طرقوا أبواب الخطر وبنو سورا منيعا لهيكلنا وتخندقوا ليحموا سريرنا  ‘ مثل هؤلاء نادوا بإسم القوش وعينكاوه وشقلاوه ودوغات وكرمليس وبحزانى ومانكيش  وتلسقف رسموا صورة لنا وصنعوا هالة جميلة تقينا من الأشعة السامة القاتلة ... مثل المرحوم صرح عالي ومتحف كبير يفتح مرة في السنة وانه لضروري زيارة هذا المتحف ومشاهدة كل شيء فيه من رداءه وسلاحه وصولاته وكلامه وحبه وأصدقاءه ‘ انه مدرسة متكاملة في شخص واحد ترى فيه كل أنواع الكتب انه موسوعة فقد حاول الكثيرون وفي اكثر من مناسبة نزع وإزالة  أوراق من هذه الموسوعة ولكن دون جدوى لان التسلسل موجود وانه لمن المنطقي أن المحبين حفظوا حياة هذا الحبيب أي خربطة ستنكشف لا محال ... انه علم وسارية فمن يحاول قص هذه السارية فهناك غيرها وهنالك من يركض مسرعا لحمل الجزء المتبقي ... هناك ذكريات وأشعار أمثلة ومقالات قصص ومكنونات مآثر وآثار  دخان وبقايا نار  بل تقارير وهجمات خطط وتطويقات هنالك قطرات دم وقشور حب وحبل تنظيف في اغلب الكهوف كما وهناك علب حليب النيدو عند اغلب العيون والينابيع خارجها اسود وداخلها احمر بفعل الشاي ‘ كيف تمسح هذه وغيرها أكثر بكثير وما علينا إلا أن نستذكرها باحترام ووقار وشوق وان نجعل من توما توماس البار الوفي مثالا وأيقونة نضعه في مخيلتنا دائما . لقد تمنطق هذا المكافح بحزام الحب والصدق وبمنجله طهر طريقه دون مساومة وأبى أن يحمل السلاح إلا عندما أصبح مضطرا لذلك . لمن يكون الخلود والمجد إن لم يكن لمثل هذه الدعامة والسارية لمن يكون المجد والخلود إن لم يكن لمن كان سراجا وحبا سرمديا . كيف ننسى من نبذ أنانيته وسلخ جلده وغطى به من كان محتاجا له ... لقد كان كل شيء وكان بلسما لجروحنا النازفة وكان صولجانا يضرب به يمينا ويسارا من يحاول حذف حرف من اسم بل إزالة نقطة من باء أو نون أو خاء ‘ كان مجتمعنا حينئذ يفتقر إلى عكازه يتكئ عليها وينبوعا صافيا يرتوي منه بعد أن جفت كل العيون ‘ كيف ننسى من يسال ويتفقد حال الجار قبل أهل الدار أحب الجميع والجميع أحبه وقال في الأيام الأخيرة من حياته (( لو كان أهلي وأحبائي حولي لاكملت’ مشواري وحياتي واكتملت رتوش الصورة )) ‘ من أحب أهله حبا مطلقا مثل هذا ومن دافع عن فقير جلدته قبل الغني منها بعض الأقلام والرموز القومية تتهمه بالابتعاد عن أهله وقوميته والأصح انه مهما كان  من أممية فان عصارة نضاله وكفاحه تنصب على هذه التسميات وهو جدار ضخما ممكن لهؤلاء  المتشدقين أن يتكؤا عليه بعد مسير يابلاش ‘ أقولها بكل صراحة انه أضحى بدون مسكن ولم يستطع أن يرتمي في أحضان قصبته بسبب مبدأه في الوقت الذي كانت هجمات شرسة من رفاقه ومعاصريه ومن هو في درجته الحزبية على أوجها وذلك زاده إيمانا ويقينا وثباتنا وإصرارا وإلحاحا على البقاء مخلصا لمبدئه واسمه وكنيته وأهله وشعبه ‘ لقد جاء في زمن ووقت عصيب تعدى الخطر حدوده وكاد الدار ينهار على ساكنيه والأرض امتنعت عن الإنجاب وإعطاء الغلل .. لقد جاء نتيجة صرخة طفل جاء احدهم ليسرقه من حضن أمه وليس (( هفتيار كما يقال لها )) . لقد جاء ليخضر الجبل القاسي المتجرد المطل علينا وليؤمن لنا نحن الأطفال في وقتها كي نجمع (( البلزيزي والحلحليي والمستوك )) .. لقد جاء ليؤمن الطريق إلى دير البسقين ومار سهدونا ونستطيع إشعال الإطارات القديمة وأكوام الحطب يوم نوروز الجميل ‘ لقد جاء ليجعل ليلنا أمينا خاليا من الخوف واللصوص من الجيران (( يامكثرهم حينها )) لقد جاء ليؤمن حدودنا من التعدي والتحرش ليزرع الخوف في نفس كل من تسول له نفسه ويحاول التربص بغلاتنا ‘ ألا يكفي كل هذا لاعتبره مثالا واستلذ عند ذكره واشحذ منه شهامة وقوة وباسا ‘ لقد جاء ليؤمن الطريق إلى حقولنا لنذهب ونباركها بأغصان الزيتون بمناسبة عيد اوشعنا ‘ لقد جاء لتبقى حفلاتنا البسيطة على أنغام الداول والزورنا في البيادر إلى أوقات متأخرة ثم نذهب إلى بيوتنا كباقي البشر أما هو ومن معه فكان الحجر فراشه . ونحن نعيش في مجتمع عشائري قبلي فيكون من دواعي القوة  والبأس والجدارة أن تتمتع ببعض الوجوه التي تضفي مسحة جميلة إلى المكنونة العشائرية لمجتمعك المصغر ‘ وسبق المرحوم توما توماس شخوص وصواري اتصفت من نبل ونبذ حب الذات والغيرة التامة لبلدتهم وهم الذين كانوا اعضاءا في لعبة البريد والذين سلموا العصي إلى المرحوم لكي تستمر أحداث التأريخ ‘ نستذكر هؤلاء جميعا بحب وخشوع وهم نجوم وضاءة في سماءنا وقد اضاؤا الدرب إلينا نحن الذين نسينا كل شيء . إنها حيرة وقلق نحن فيهما فأين من يستلم منه عصا البريد ليكون الخط متواصلا وحلقات السلسلة واضحة حيث عند فقدان أي حلقة أي مرحلة سيكون هنالك فراغ وهذا يؤثر على السلسلة ككل  ولذلك نقول أنت في القلب ساكن وكل خطوة في حياتك النضالية درسا ننتهل منه وكنت خير من أنقذنا وانتشلنا من أيادي أخطبوطية ‘ صغيرة هي كلمة مرحوم بحقك ولو هي عدل سماوي وألهي ومع هذا فانك لم تمت ولا يقبل اسمك  القسمة على أي نسيان ... فانك باق مدى الأيام وما فعلته لم يكن غير الصواب فإلى جنة الخالدين وعلى صدور المحبين وساما ونيشان .




                                       

128
المنبر الحر / يا بغداد
« في: 17:59 01/12/2007  »
يا بغداد
أتعرفين أن اسمك كبيرا كبر الجبال وارتفاعها ووسع البحار وتراميها ، لقد أبيت أن تعيشي كما الغير وقبلت بالدم والقتال والأسود الغالب ، يا بغداد أين اهلك الذين بنوك بعشق وتيمن وسخاء أين أبوابك واديورتك وأين النهر الذي سقاك والسور الذي آواك، اراى عيونك حمراء أهي من السهر أم من البكاء وهل فارقك البكاء دهرا أو سنة بل شهرا أو يوما ، لماذا عشقت الحزن وفضاءك كله رقصا وطرب وألوان ولماذا سلكت طرقا لا تدل على اسمك بل علمتك الدم والندب والنحيب ، بغداد اسمك كان أولا في كل المطارات والكراجات والآن فيها جميعا لا اسم لك ورجعت وراءا ، من سرق وشاحك وقماطك وانتزع منك رداءك المخملي ومن رفس جدارك وهوى كما هوى جدار برلين ومن قال لك انك متهمة غير المجرمين ومن قال انك مجرورة سوى من كان حرف الجر ، ومن ذبحك غير من تعلم الذبح قبل أن يأتيك ... لقد تغنوا بك زورا وبهتانا  وهم في ذلك منافقين ودجالين وقد سيح دمك تكرارا ولون دجلة مرارا ... يا بغداد احبك قبل أن يعلموني أن للحب وجدان وسأبعد عنك الحبل قبل أن تكبلي  لتطلقي لنفسك العنان ... يا بغداد لقد نصبت المشانق في كل الشوارع لمنحك اسما آخر وأقيمت الحفلات وفتحت المسارح للاحتفال بموتك ، تشجعي واستعدي لأنهم  سيتلون الحكم عليك وهل حكم عليك بالبراءة مرة واحدة ؟... لقد كنت بريئة ومتهمة بأهلك وجيرانك وكل مرة يقدمونك قربانا لأحد المذابح وهذه المرة سيقدمونك ذبيحة لمن ليس له قربانا ولا مذبحا ولا تاريخا بل ليس له اسما ، يابغداد تشبثي بعيون القمر وأهداب الشمس لأنهم فقط يحبوك ومن مجد القمر والشمس هم من  كانوا في روما وبغداد وأور وبابل ونينوى  هم من سيبقى وفيا لك وسيحفظ اسمك . يابغداد هل نسيت انك قتلت مرات ورجعت بغداد وهل نسيت انك مسحت وتم بناؤك ثم أزلت ورجعت بغداد هل نسيت أن أقداما غريبة وأقواما بعيدة سلبوك ثم رجعت بغداد ،يابغداد هذه المرة غيروا طريقهم وجاءوا ليعطوك هوية أخرى لقد جاؤوك في غفلة منك حينما كان الليل قد أرخى سدوله ، أزالوا سورك ليمهدوا الطريق إلى قلبك لوثوا بل سمموا النهر الذي يخترقك ، اقنعوا النخيل أن يبرم وجهه ويحجب ثمره واشتروا الحارس والحاجب وسرقوا صولجانه لقنوه كيف يشهد ضد بغداد وتاريخها يوم المرافعة ... أقاموا المتاريس واعدو المشنقة وياريتها المقصلة الفرنسية وجبروا أهل بغداد والعراق حضور احتفال شنق بغداد ... لقد تذكروا كل شيء ونسوا شيئا واحدا نسوا أن لبغداد تاريخ واصل وجذر ... نسوا إن لبغداد أهل ونسوا أن كل مدينة هي بغداد ونسوا أن بغداد أقدم من مائة جيل من أجيالهم البائسة وحينما بزغت الشمس على حين غرة كسرت حلكة الليل وسكون النهر وزلزلت بأهدابها وخيوطها وانفجاراتها الأرض ثم سقطت المشنقة وهي خالية ... هلع السفاحون والجلادون والسجانون وولوا هربا وابتلعهم الأرض في شرخ مثل شرخ البحر الذي عملته عصى موسى ، لقد لحقوا هولاكو وشابور وجنكيز وغيرهم كثيرون ، لم يقراؤا التاريخ بل لم يرشدهم أحدا وأضافت بغداد والعراق صفحة أخرى إلى مجلدهم وسيبقى عرين بغداد أمينا لا تطاه قدما وجميلا مهما نبشت به المعاول والمساحي .

سمير القس يونان

129
المنبر السياسي / صروح خاوية
« في: 16:47 01/12/2007  »
صروح خاوية
مما لا شك فيه أن السيد المسيح عليه السلام دعا إلى التواضع والدعة وكان مثالا لكل شيء ، إن المذود والأتان وغيرها ملازمات وحيثيات مهمة وحمل الصليب وإكليل الشوك والسياط والرمح والمقارعة على الرداء لازمت حياة يسوع ومنها نستنبط دروس وعبر . قبل التغيرات السياسية الجذرية الأخيرة في العراق والمسيحيون يعيشون منتشرين على ارض العراق يعيشون بحب ووئام وسلام مع جيرانهم ومع المكونات الأخرى وباعتقادي ليس هنالك أسلوب ناجع وصحيح وعلمي آخر سوى أن يعيشوا مع هذا المجتمع بكل مكوناته وتشكيلاته حالة امتزاج وتجانس مثلما كانت قبل عشرات القرون ولحد الآن . وقد آلت ما آلت إليه هذه الظروف أن يتعرض هؤلاء المسيحيون إلى اضطهاد ومضايقات وطرد وتجريد من دورهم وكنائسهم وفي مناطق معروفة من العراق بل تعد ذلك إلى خطفهم وقتلهم واغتصاب بناتهم وتدمير كنائسهم ودور عبادتهم . إن الكنيسة جسد المسيح وبيته وفيه نتناول الذبيحة الإلهية ونمارس الافخارستية ونتقرب من الصليب ونحاول حمله هذه الكنيسة تكون حية ونشطة برعيتها وناسها وأهلها ... لنتذكر كنيسة كوخي في ساليق ( سلمان باك ) الحالية في القرن الثالث حينما كانت تعج بالمصلين يوم الآحاد رغم اضطهاد الساسانيين لهم وقد دمرت هذه الكنيسة الأولى في العراق عن بكرة أبيها وقتل المسيحيون في ميدان الدم على يد شابور الثاني والملقب ذي الأكتاف وكيف نقل رئيس الكنيسة مار شمعون مار صباع والكهنة والشمامسة إلى كرخ ليدان ( ديزفول الحالية ) في إيران ليسيح دمهم في يوم خميس الفصح ، ولكن بقدرة الإيمان والروح القدس والمؤمنين الغيورين عادت كوخي أقوى من الأول وبصف وجدار رصين لتمد جسور الصليب إلى أيامنا هذه . في هذه الأيام العصيبة المرة والشاذة يبرز دور الكنيسة والأحزاب والمنظمات في حضن العوائل المهجرة والنازحة من المناطق الساخنة في لم الشتات وتضميد الجرح وتوفير الملاذ الآمن والسكن البسيط لهؤلاء المنكوبين لحين النجلاء الأمور وعودة الظروف الطبيعية انشاءالله وعودة هؤلاء المسلوبة إرادتهم وراحتهم وحقوقهم إلى ديارهم والعيش مع من كانوا قد عاشوا معهم لقرون عديدة . هنالك صروح كثيرة في طور البناء والإنشاء في قصباتنا بدون تحديد وبنايات وقاعات وكاتدرائيات ومقرات يصرف عليها مبالغ طائلة خيالية وزقورات وجنائن اخترقت الغيوم ربما القصد منها الاقتراب والتدني من الراعي الصالح ليكون الصوت مسموعا ... نعم تقوم الكنيسة بخدمات بسيطة إضافة إلى ما تقدمه المنظمات والأحزاب والحركات المسيحية على اختلاف أنواعها ( كل يوم تشكيل جديد ) ... ولكن هناك طاقات أخرى  غير مستخدمة إذا كانت الكنيسة لا تملك ما يكفي من مبالغ لبناء مأوى ومسكن بسيط لهؤلاء وتستطيع أن تقول للذي يبذخ عليها بهذه الأموال إننا لو بنينا مساكن بسيطة واسكنا هؤلاء الفارين من النار انه أحسن  ، كما ولا يخفي على احد أن الكثيرين بقوا في أماكنهم وقد رضخوا بشروط الجماعات المسلحة في قتلهم أو ترك دينهم أو نتزويج بناتهم لأمراء ومسئولي هذه الجماعات ... وكان السبب الرئيسي في عدم لجوء هؤلاء إلى الأماكن الآمنة هو السكن فقط حيث ندرة الدور الفارغة في هذه الأماكن الأمينة وكذلك الإيجارات وصلت إلى أرقام لا يتصورها العقل ولا يقبل بها الإنسان السوي وبهذا خسرت الكنيسة وخسرنا جزءا من الجدار جزءا من الهرم ... لنعود إلى هذه الصروح الضخمة والدهاليز والأبراج فإذا سافر جزء وقتل جزء وسخط جزء وترك دينه جزء وتعوق جزء فمن سيدخلها ومن سيصدح صوته فيها ومن سيفتح بابها ... إن الناقوس الذي يبعث الدفء والطمأنينة ويناغي النفوس العطشة سيتمرد وسيبح صوته ثم تنقطع حباله ويصبح جثة هامدة لا صورة ولا صوت إذا لم نستعجل في تشجيعه وحثه على الدوام وطلاءه وإبعاد آثار الزمن والصدأ من جسمه ، إنني أتذكر جيدا عندما كنت صغيرا كيف كان دير السيدة في القوش يفتح بابه وعلى مصراعيه من الصباح الباكر إلى المساء وسلت الخبز عامرة وحب الماء لكي يأكل ويرتوي منهما كل قاصد ومن يمر من هناك أيام الصيف والشتاء على بساطته كان نموذجا طيبا وحكيما لتكون الكنيسة مثالا في المساعدة وحضن المحتاجين وإيواء المتشردين .

130
لنكن مثل عمو بابا
عمو بابا اسم في غنى عن التعريف حيث يعرفه الجميع وخلب لب الكثيرين منذ أن كان لاعبا في المنتخبات العراقية والى أن أصبح مدربا قديرا قاد المنتخب العراقي في معارك كثيرة وكان الفوز صاحبه ، عمو بابا أحب العراق كثيرا وأعطى للعراق أكثر ودافع عن هذا الاسم في سوح القتال  وفي ساحات التدريب وعلى شاشات التلفاز وأمام الكاميرا فقط لأنه عراقي أصيل أحب بلده بكل جوانحه وجوارحه وأحلامه . لقد تعرض خلال مسيرته الرياضية إلى تخر صات ومضايقات بل عقوبات من اللجنة الاولمبية السابقة وذاق الهوان والمرارة وعاش أياما تعيسة مؤلمة ولكنه بقى للعراق لان ليس لديه غيره ، لقد سافر كل أجزاء جسمه إلى خارج العراق باحثين عن حياة آمنة مستقرة وتركوا عمو بابا هنا بقلبه فقط ينبض بماء العراق ويتنفس من هواءه وربط شريانه بنهر دجلة ، لقد داهمه داء السكري وأقعده فترة طويلة دون أن يزوره احد وليشعل شمعته احد بل ليتكلم قليلا مع احد لأنه كاد أن ينسى الكلام لوحدته الموحشة القاتلة ... رغم ذلك أحب العراق ولم يفكر لحظة في تركه وبكى أمام الكاميرا وشاهده الملايين ليس لألم في رجله بل لألم في قلبه الذي أصابه بعد أن انزوى في زاوية مظلمة بسبب العراق وكان يستطيع وبسهولة تامة أن يسافر كما فعل الكثيرين وكل شيء مضمون ولكنه غير متعود على غير خبز العراق وكلام العراق وغبار وتراب العراق .الجميع يعرف من خلال لغته الجميلة وأسلوبه الخاص بالكلام وجرأته وصراحته وعشقه للكرة ولفن الكرة ومن يحترم الكرة . .. لقد دلف إلى فراشه بتأوه من شدة العطش لهذه الكرة التي طالما لمسها وصادقها ونام معها كثيرا . إن عمو بابا نموذجا طيبا للمواطن الغيور الذي لا يبيع وطنه في سوق النخاس ولا يساوم قارون في المزادات ويقول للجميع أن شموخ بلدي شموخ الزقورات والجنائن التي علت شموخ زيوس ، عمو بابا مدرسة نتعلم منها ما لم نتعلمه في المدارس التقليدية حيث كلما كان يجرح شعوره وتسلب إرادته وتقوض قوته ويقصم ظهره زاد إيمانا وإصرارا في مواصلة الحياة بجنسية عراقية لا يهم ما ثبت فيها من دين أو قومية سوى اسم العراق . لقد بكى على تلك الأيام الخوالد عندما كان العراق بخير وكانت الملاعب رغم غياب وندرة الثيل فيها عامرة بالأقدام الذكية القوية ... لقد بكى على ذلك المنتخب الذي يتكون من جميع العراق والكل يلعب للعراق وأينما رحل وحل لا يقول غير أنني عراقي من كل العراق . لنكن مثل عمو بابا نحب العراق ولا نسرقه ... ندافع عن العراق ولا نقتله ... نبني الجدار المتهرئ الآيل للسقوط ولا ندعه ينهار ... لنكن مثل عمو بابا نبكي ونذرف دموعا ساخنة لتصنع ساقيتين في وجوهنا ليراها الجميع وتقول لهم هذان نهرا العراق ... لبنكن مثل عمو بابا يتمسك بالعراق رغم العصي والسياط والركلات والاهانات لم يبكي لأنه وحيدا بلا أهل وأحباء بل بكى لعدم الإيفاء بحقه وسماعه كلمة مديح وشكرا لك لما قدمته ولا باقة ورد من باغة ... وعزل لوحده كأنه مصاب بالحمى القلاعية رغم هذا وذاك لم يترك العراق ولم يتزعزع حبه للعراق وكل هذا زاده تمسكا بهذا الاسم ... إن لم نكن مثل عمو بابا لنحاول أن نكن نصفه بل وربعه ونسرق جزءا من عرق جبينه التي لا يملك في هذه الدنيا غيره .

131
المنبر الحر / إلى أين أنتِ ماضية
« في: 19:12 17/05/2006  »


إلى أين يا جميلتي

من دعاكِ  إلى الوليمة يا جميلتي ...  إياكِ  وقبول الدعوة .. فقد دس السم في صحنكِ .. إلى أين أنتِ ماضية .. في زمن ما كنت أتغزل بوجه حبيبة كان خيالي قد نسجها وعند الكتابة كان القلم يتكأ متثاقلا .. ولكن عندما كنت احتضن اسمكِ واكتب كانت خطى القلم وئيدة ثابتة سريعة .. إلـــى أين انتِ ماضية .. كنت أبوح بسري لكِ وكنتِ أنشودتي وكم من مرض أصبت به وباسمك شافيــا .. لا تفرطي بأي شيء فكل حرف من كلمتك كلف الكثير وكان السياف حينها قاضيا .. إلى أين انتِ ماضية .. لا تحاولي نبش القبور فكل الكنوز مدفونة بها .. فمن سيصنع مثل تلك الكنوز الآن ومـن سيرعى مهرجان الحب الذي كنتِ تقيمينه بالسن وأقلام بارية .. وإن أقمت مثل ذلك المهرجان الآن اكيدا اكيدا ستكون المقاعد خاوية .. إلى أين انتِ ماضية .. أين قلبكِ الذي كان مثقلا بهموم غـــيركِ .. أين قلبكِ الذي أوى بين جنباته من رسم محياكِ حاميا .. لا تذهبي إلى الوليمة وإن ذهبتِ ستنسين من انتِ راضيا .. إلى أين انتِ ماضية .. تشبثي بجدائل أجدادك الذين يحرسوكِ وهم في قبورهـــم .. يا حبيبتي لا تتركيني وتعاشري من يتمنى قتلكِ ودونكِ أنا للموت دانيا .. إلى أين أنتِ ماضــــية .. وعندها يضحى الهرم أطلالا لا تستفيد منها حتى الأفاعي من أوكاره .. وسيعيد التاريخ كتابـــة اسمكِ ثانية من حـــــروف مظلمة .. وسيقبع الجميع في زاويته لا يستطيعون كتابة كلمة .. وستقرع طبول القبور وتتحول إلى براكين مدوية .. والقديسين والطوباوبيين سيغضبوا ويتركون القــــــبور خاوية .. إلى أين انتِ ماضية .. هل نسيتِ من حملكِ على اكف من نار وجثث أولاده على المـــاء طافيا .. وهل نسيتِ كيف تمنطق أجدادك بحزام الحب والدم وهم لك ساريا .. لا تذهبي وان ذهبتِ فتسلحي بمدية الأبطال وحـــــــب المسيح عاتيا .. إلى أين انتِ ماضية .. يا حبيبتي كيف ستصلبين على مذبح الرذيلة وأنتِ راضــية .. كيف تغيرين اسمكِ الذي غزا الأصقاع وانتِ به عاليا .. هــل اذكر لكِ الأسماء والمفردات لعـــل ذلك يثنيكِ ومن القدر ناجيا .. إلى أين انتِ ماضية .. اتركــــي الوليمة وابقِ على الخبز والبصل خير لكِ من معاشرة الوحوش الضارية .. يا صديقتي ويا رفيقتي إن قطع عنكِ الماء  فسأكون لكِ قـــبل غيركِ فاديا .. لا تذهبي بعيدا ولا تنبهري بأضواء زائفة وكم أنا منكِ راجيا .. يا قريتي ويا ذكرى طفولتي هل تودين مسح كل ذلك بأياد غازيا .. إلى أين انـــتِ ماضية .. أنا بكِ وليس بغيركِ وهـــل أضحى لكِ عدوا بعد أن كنت لكِ حاميا .. لقد خــــيروكِ بين الموت والحياة فلا تختاري المــــوت يا جميلتي .. إلى أين انتِ ماضية .


سمير القس يونان








صفحات: [1]