عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - بدري نوئيل

صفحات: [1]
1
عيد الفصح في السويد.. الأساطير والتقاليد
اعداد: بدري نوئيل يوسف
أصبح عيد الفصح في السويد منذ عقود مرت، فرصة للكثيرين من أجل قضاء بعض الوقت مع العائلة، والأصدقاء القادمين من مسافات بعيدة في بعض الأحيان، وتزيين المنزل، وتلوين البيض المسلوق، والاستمتاع بالحلويات وأطعمة العيد، أكثر مما هو مناسبة دينية مرتبطة بقيامة السيد المسيح.
نظرة تاريخية
يتم الاحتفال بعيد الفصح في تواريخ مختلفة كل عام، ولكن يحدث دائمًا أن يكون في يوم الأحد ما بين 22 آذار و25 نيسان، وعادة تبدأ عطلة الفصح في السويد في يوم الجمعة التي تسبقه، وتنتهي مساء يوم الاثنين الذي يليه، إن تحديد يوم الفصح يعتمد على قاعدة كنسية تم وضعها عام 325 يجب أن يكون عيد الفصح أول يوم أحد بعد اكتمال القمر، بعد الاعتدال الربيعي.
تحتفل السويد بعيد الفصح منذ القرن الثاني عشر، وفي العام 1844 أصبح عيد الفصح عطلة رسمية في السويد، وظل الاحتفال ذا طابع ديني يستذكر صلب وموت وقيامة المسيح حتى نهاية العقد السادس من القرن العشرين على وجه التقريب، عندما بدأ الناس يتحولون باحتفالاتهم بعيد الفصح من الشكل الديني الكنسي، إلى الشكل المدني الاجتماعي.
لقد كان سائداً في أوقات مضت أن يصوم غالبية السويديين الأربعين يوماً التي تسبق عيد الفصح، ومع حلول عيد الفصح كان الناس يحتفلون بانتهاء الصيام. لكن الصيام هو الآخر تراجع في المجتمع السويدي بشكل كبير بسبب بعده الديني.
من الكنيسة إلى منزل العائلة
إن الغالبية العظمى من السويديين اليوم يحتفلون بعيد الفصح في إطار عائلي في المنازل، وعيد الفصح هو أول عطلة نهاية أسبوع طويلة في فصل الربيع، وهذا يعني بالنسبة للكثيرين أول رحلة يقومون بها إلى منزل العطل الريفي، والذي كان على الأغلب مغلقاً طوال فصل الشتاء.
وعلى الرغم من اختلاف العادات والتقاليد المتبعة في إحياء ذكرى المسيح بين البلاد غير أن الهتاف بتحية عيد الفصح (فصح سعيد)، وتزيين المنازل، وعادة تلوين البيض، وأرنب الفصح، هي من العادات الاجتماعية المرتبطة بالفصح في السويد كما حول العالم.
زينة الفصح
خلال عيد الفصح يقوم الكثيرون بوضع أغصان أشجار البتولا للزينة، ويتّم تثبيت ريش بألوان مختلفة على
الأغصان، بالإضافة لتعليق قشور البيض على أغصان عيد الفصح. كما تزين المحال والمجمعات التجارية، ويتم الاهتمام بكل ما له علاقة بالفصح، من أغطية الطاولات والمحارم بألوانها الزاهية، فروع الأشجار مع الريش الملون لا يكاد يخلوا منها بيت سويدي، رمزية الصيصان والأرانب والفئران ترتسم هي أيضاً في زينة الفصح التي تتميز بطابعها اليدوي في قسم كبير منها، ومهارات التنسيق.
وتجدر الاشارة إلى أن زينة الفصح هذه مرتبطة لدى السويديين بعيد الشعانين، إحياء لذكرى استقبال المسيح عند دخوله لمدينة القدس وبداية الاحتفالات المُتعلّقة بالأسبوع المُقدّس، ويُطلق عليه كذلك اسم أحد السعف، حيث فرش المستقبلين سعف النخيل ويلوحون بأغصان الزيتون، ولعدم توفر سعف النخل في السويد فقد استخدمت بدلاً عنه أغصان البتولا التي علق عليها الريش الملون.
ارنب الفصح
أرانب عيد الفصح هي عبارة عن شخصيات تقوم بتوزيع بيض عيد الفصح، حيث يلبس زي الأرنب لتمثيل تلك الشخصيات بهذا العيد، في الأسطورة تحمل هذه المخلوقات السلال المليئة بالبيض الملون وبعض الحلوى، وأحيانا العاب لمنازل الأطفال. ويشبه هذا العيد نوعا ما بسانتا كلوز (بابا نويل) في عيد الميلاد بأن كلاهما يقومان بتوزيع الهدايا للأطفال في ليلة الاحتفال بتلك الأعياد.
تقول الأسطورة بأنه ذات يوم ربيعي قامت إلهة الخصوبة بتحويل عصفور غط على يدها، إلى أرنب حتى يتمكن الأطفال من اللعب معه، ولكن هذا التحول لم يعجب العصفور فأصبح حزيناً جداً، ولذلك طلب الأطفال من الإلهة إعادة تحويله إلى عصفور، في ذلك الوقت كان قد مضى الربيع ووصل الشتاء وضعفت إلهة الخصوبة وفقدت قواها.
عندما عاد الربيع من جديد، عادت معه القوة إلى إلهة الخصوبة، وتمكنت من تحويل الأرنب إلى عصفور من جديد، ومع عودته إلى أصله قدم العصفور للإلهة البيض تعبيراً عن الشكر. عند وصول المسيحية إلى شمال أوروبا بقيت بعض التقاليد ولكن تغيرت معانيها.
اسطورة أخرى تقول بأن شعوب السكسون في أوروبا كانت تحتفل بعيد الخصب في أول الربيع، وترمّز إلى إله الخصب بالأرنب، نظراً لخصوبته العالية ولتزامن عيد الفصح وارتباطه مع الانقلاب الربيعي. وقد ورث المسيحيون في القرون الوسطى هذا الرمز، ثم نقله الأوربيون المهاجرون إلى القارة الأميركية.
بيض الفصح
بيض الفصح هو البيض المزيّن الذي يتم عمله ضمن تقاليد الاحتفال بعيد الفصح، تقليديا بيض عيد الفصح هو بيض دجاج يتم زخرفته وتلوينه بألوان براقة، لكن حاليا يتم الاستعاضة عن بيض الدجاج ببيض بلاستيكي أو بيض مصنوع من الشوكولا، يتم تغليفه بطبقة رقيقة من القصدير المزركش، بيض الفصح هو تقليد احتفالي قديم، حيث كانت البيضة ترمز إلى بداية الحياة على سطح الأرض حسب المعتقدات.
 يذكر التقليد الأرثوذكسي المسيحي أن القديسة مريم المجدلية كمواطنة رومانية، ذهبت إلى قيصر في روما لرفع احتجاجها على صلب المسيح، وقامت بشرح قصة محاكمة المسيح وصلبه وقيامته، عندها أوقفها القيصر قائلا: لو أن البيض أصبح بلون أحمر أصدق أن المسيح قام من الأموات، عندها أخذت المجدلية بيضة وقالت: (المسيح قام) فتحول لون البيض إلى أحمر، واتبعت الكنيسة هذا التقليد بصبغ البيض في عيد الفصح تأكيداً على قيامة المسيح. وكذلك يرمز البيض كما أن فرخ الدجاج يشق البيضة ويخرج إلى الحياة هكذا المسيح شق القبر وقام من الأموات تقليد مسيحي أرثوذكسي معتمد بالكنيسة
اسطورة: كما هو عليه الحال في بقية الطقوس، تعود عاده تبادل البيض وقت الفصح الى ايام العيد الاولى في القرن الثاني الميلادي. البيض يرمز لدى الشعوب الأوروبية الى بعث الحياة والولادة وكان يتم تزيين البيض بلفها برقائق ذهبيه عند الأغنياء، اما الفقراء فكانوا يغلونه مع اوراق الأعشاب، لإعطائه الوانا برّاقه ثم يتم تبادله في بدء الربيع كرمز لتجدد والبعث ومنهم تسربت تلك العادة، واصبحت شائعه كتقليد يرافق الاحتفال بالفصح.
بعض المؤرخين يعزو عاده تبادل البيض الى ان الفصح يأتي بعد الصيام الاكبر في المسيحية، وبما ان الدجاج لا يؤكل أثناء الصوم، ويتابع وضع البيوض اثناء الصيام فكان من الواجب ان يتم حفظ تلك البيوض لأطول مده ممكنه وكان ذلك يتم بسلقها ثم تلوينها وتبادلها وقت العيد.
اسطورة: تلوين البيض هو تقليد بالغ في القدم، يبلغ من العمر اليوم خمسة آلاف سنة، مارسه المصريون القدماء للاحتفال بأقدم أعياد البشرية على الإطلاق، وهو عيد شم النّسيم، عيد قدوم الرّبيع ومن مظاهر الاحتفال بهذا العيد ركوب القوارب في نهر النيل والغناء وتجميل المنازل بالزهور وتلوين البيض.
وكان الفراعنة يقومون بتلوين بيض الحمام أو الإوز أو البط، وأحياناً بيض النعام الكبير الحجم، وكانوا يزخرفونه بالنّقوش الفرعونية الموجودة في المعابد والبرديات القديمة، ولأنّ حياةً تنبثق من البيض، فقد اختاره الفراعنة ليكون تقليداً راسخاً في عيد شم النّسيم، عيد الرّبيع وتجدد الحياة كما تعددت صور تلوينه والرّسم على قشرته الرّقيقة برسومات بالغة الدّقة. أما البيض الذّي نقوم بتلوينه اليوم وهو بيض الدّجاج، فقد عرفه المصريون القدماء من الفرس في القرن الخامس قبل الميلاد.
يرتبط فن زخرفة وتلوين البيض لدى بعض الشعوب، ومنها شعوب وسط أوروبا بعيد الفصح. وتعود جذور هذه العادة إلى العهود الوثنية، عندما احتفل الناس بقدوم الربيع وعودة الخصب، واستعملوا في الاحتفال البيض الملون الذي يمتلك دلالة رمزية على الخصب كما هو معروف. إذ عثر على بقايا بيض مزخرف في قبور تعود إلى فترة ما قبل انتشار الديانة المسيحية التي أعطت هذه العادة محتوى دينياً جديداً.
وحسب العادة الشعبية اليوم تهدي الفتيات البيض الملون إلى الفتيان خلال عيد الفصح، وفي بعض المناطق يجري تقديم البيض في الأحد الذي يلي عيد الفصح. وخلال الاحتفال يقوم الأولاد من مختلف الأعمار في يوم إثنين الفصح برش البنات بقليل (أو كثير) من الماء بعد إنشاد أبيات شعرية خاصة بهذه المناسبة جوهرها انبعاث الربيع والحياة والخصب، بالمقابل يحصلون على البيض الملون وبعض الشراب والكعك أو النقود في بعض الأحيان. وكان البيض الملون في السابق يوضع في صحن مع معجنات مالحة ويقدم إلى الشباب.
ومن الطرق المميزة لمشاركة الآباء والأطفال الوقت الممتع، هي البحث عن بيض الفصح المخبأ. إذا تملأ بيضات من الكرتون المزركش بالحلويات وتخبأ بعيداً، ثم يعطى الأطفال بعض الأدلة أو خريطة لمساعدتهم على إيجادها.
ساحرات الفصح
عادة ما تغلق المدارس في السويد أبوابها خلال أسبوع الفصح، فهي فرصة للصغار كما للكبار للاستمتاع بالوقت مع العائلة، والتمتع بأول عطلة ممتدة لعدة أيام مع نهاية الشتاء السويدي ولياليه الطويلة المظلمة. ولعل واحدة من العادات التي تجعل للاحتفال بعيد الفصح في السويد نكهة متميزة مقارنة بغيرها من الدول حول العالم هو تقليد ساحرات الفصح، الذي يرتدي فيه العديد من الأطفال ملابس تنكرية هي ملابس الساحرات، ويضعون على رؤوسهم أوشحة وقبعات ملونة، ويرسمون على خدودهم باللون الأحمر، ثم يتجولون في الأحياء المجاورة، ويتنقلون من منزل إلى آخر فيقومون بتقديم اللوحات والرسومات للسكان آملين من خلال ذلك الحصول على بعض الحلوى. الغاية من سحرة عيد الفصح هو تقليد قديم له جذوره من أنشطة خميس الفصح وفقا للفولكلور، ان الشيطان كان مشاركا في مأدبة العشاء الاخير عندما يهوذا الإسخريوطي خان المسيح، تم السماح للأرواح الشريرة بمساعدة الشيطان على تقديم الاذية للناس في تلك الفترة، لكن الاطفال بملابسهم الشبيهة بملابس الساحرات يقدمون الفرح والبسمة للعوائل في هذه المناسبة.
اسطورة: ساحرة عيد الفصح. تقول الأسطورة أن السحرة كانوا يحلقون على مكانسهم إلى (الجبل الأزرق) للرقص مع الشيطان. كانوا يغادرون يوم الخميس ويعودون يوم عيد الفصح. 
مائدة الفصح
بالنسبة للكثيرين، فإن عيد الفصح وتناول الأطعمة الشهية يسيران جنباً إلى جنب. وأسبوع للاستمتاع بالطعام، أما محور معظم وجبات عيد الفصح في السويد فإنها تدور حول البيض، مرافقاً بطبق أسماك الرنجة المخللة التقليدي وصاحب الشهرة في السويد، شرائح أسماك السالمون المدخن، اسماك الأنشوفة المطهية بالكريما، (هي سمكة صغير خضراء اللون مع انعكاسات زرقاء بسبب شريط فضي يمتد من قاعدة الزعنفة الذيلية ويتراوح طولها بين 2 سم إلى 40 سم الأنشوفة سمك يستخدم طعامًا وهو شبيه بسمك الرنجة.)
إضافة إلى طبق سويدي يدعى Janssons Frestelse، وهو عبارة عن خليط من البطاطا والبصل، يقدم أيضاً كما العادات السويدية خبز المائدة، مصحوباً بمشروب كحولي هو الـ Schnapps، أما على العشاء يقدم لحم الضأن المشوي مع البطاطا المحمرة والجبن المبشور، لوبياء، الهليون، وأطباق أخرى جانبية.
وهناك عصير الفصح كمشروب أساسي على مائدة الفصح، وهو مشروب غازي غير مخمر من الفواكه أو التوت، وبغض النظر عن التسميات فإن محتويات عصير الفصح، هي نفسها محتويات عصير عيد الميلاد، الذي يصعب إيجاده في الأسواق في غير هاتين الفترتين من السنة.
ومائدة الفصح السويدية مازالت تتمحور حول الكثير من البيض كطبق رئيسي، حيث يصل استهلاك الأسرة السويدية من البيض خلال أسبوع الفصح إلى ضعف استهلاكها الطبيعي. عدا عن استخدامه للرسم والتزيين. والحقيقة أن جذور هذا التقليد تعود إلى الزمن الغابر في المجتمع الزراعي السويدي الذي كان سائداً فيه صيام الأربعين التي تسبق الفصح، فكان بيض الدجاج يتجمع خلال هذه الفترة في قن الدجاج، حتى إذا ما جاء يوم الفصح وانتهى الصيام وجدت العائلة السويدية المزارعة أمامها كميات كبيرة من البيض لأكلها.
والرنجة المخمرة هو أحد الاطباق الشهيرة بالأجزاء الشمالية من السويد ، ويؤكل غالبا مع رقائق الخبز الرقيقة أو المقرمشة، السويديون يتباهون بأطباقهم الشهيّة كمعظم دول العالم التي تتباهى بأطباقها ، كذلك هي حال السويد مع طبق الرنجة المخمّرة الذي تشتهر به ، ينطلق موسمه في نهاية شهر آب ، وبحر البلطيق الذي هو العنصر الرئيسي في المطبخ السويدي منذ القرن السادس عشر، عندما تصل المنتجات البحريّة إلى الأسواق ، وهواة هذا الطبق يفضّلون تذوّق انتاج العام السابق إذ تكون الرنجة عندها قد نضجت تماماً وصارت أكثر نضجاً وتخمراً ، ويستخدم الملح لمنع الأسماك من التعفن، وعملية التخمير تحتاج لستة أشهر على الأقل يعطي الأسماك المملحة رائحتها القوية المميزة وطعم حامضي إلى حد ما.
سمكة الرنجة هي سمكة صغيرة تنتمي لصف الأسماك شعاعيه الزعانف، تعيش عادة في المياه الضحلة المعتدلة الحرارة وتكثر بشمال المحيط الأطلنطي وبحر البلطيق والبحر المتوسط، والمفضل عند البعض الرنجة المخمّرة مع البصل والخردل، ويوجد في الاسواق مجموعة متنوعة مع الفلفل الأسود والأبيض، الشبت، الثوم، والبصل الأحمر.
المزيد من الحلويات
عرف السويديون تناول السكاكر والحلويات في عيد الفصح منذ القرن الثالث عشر، السكر حينها كان غالياً، وكان يُنظر إلى الحلوى على أنها شيء احتفالي للغاية، وعلى الرغم من حقيقة أن الحلوى لم تعد باهظة الثمن كما في السابق، فقد ظل تقليد تناول الحلويات في عيد الفصح قائماً.  حيث يتم بيع حوالي 6000 طن من السكاكر السويدية الشهيرة على مستوى دول الشمال خلال أسبوع عيد الفصح.
وعيد الفصح يتمحور حول كميات إضافية من الحلوى التي تعطى بسخاء من الأهل والجيران في حين يقيد استهلاكها في الأيام العادية ويحصر بأيام عطلة نهاية الأسبوع.

2
كذبة نيسان وتطير الأفيال.
بدري نوئيل يوسف ـ السويد
في احدى الأمسيات وأثناء زيارتي لصديقي الشيخ، سألته ما الفرق بين كذبة نيسان وتطير الأفيال حسب اللهجة العراقية، ضحك ملء شدقيه ثم ورث سيجارته واخذ نفسا عميقاً وقال بهدوء: في احد الأيام كان القديس توما الإكويني مع أصدقائه في قاعة كبيرة، وكان أحد هؤلاء الأصدقاء يقف بجوار نافذة يطل منها للخارج، ثم وجه كلامه للقديس توما الذي كان يجلس بعيدا عن النافذة، قائلا له: تعال انظر ما أراه، فرد عليه الإكويني مستفسرا والدهشة تملأ وجهه ماذا ترى من النافذة، أجابه الصديق إنني أرى بقرة تطير في السماء! ولم يُكَذب الإكويني خبرا ، قام متجها نحو النافذة لعله يرى تلك البقرة التي تطير في السماء ، وراح يتطلع من النافذة في كل اتجاه وفي السماء ، فلم يكن هناك بقر أمامه على الأرض ولا في الفضاء تطير ، التفت القديس الإكويني إلى صديقه يسأله عن مكان البقرة التي أخبره انها تطير ، فضحك الصديق ساخرا من الإكويني وسأله : هل صدقت يا قديس أن بقرا يمكن أن يطير . رد القديس الإكويني بعبارة هي المقصودة بمعناها وهذا هو الأهم من وراء الحكاية كلها إذ قال موجها كلامه إلى صديقه في حزن عميق : إنني يا صديقي أتصور بقرا يطير ، ولا أتصور أبدا رجلا يكذب !   
ثم استمر الشيخ بالكلام قائلا: صديقي، الحديث عن هذه المقارنة يحتاج إلى وقت وجهد ومجلدات تدون فيها أنواع الأكاذيب، فكذبة نيسان يحتفل العالم اليوم بمرور 451 عامًا على ظهورها في فرنسا عام 1564، وتحولت إلى نوع من الاحتفالات الساخرة لنشر الأخبار الكاذبة على سبيل المرح والمزح والضحك ليس إلا، وفي كل عام حيث ينتظر العالم شهر نيسان لاختراع كذبة تضفي الفرح عوضاً عن الأحداث المؤسفة على الساحة الدولية. هذه الكذبة لا تكون محزنة ولا تخدش صاحبها وضحيتها لأنها لها طعم خاص وأصبحت تقليعة متداولة بين الشعوب وانتقلت اللي العراق لتكون احدى الممارسات الاجتماعية، جاءت للتوازن بين الجد والهزل في ظروف مليئة بالصعاب وتفقد دهشتها بسبب وسائل التواصل الاجتماعي لأنها تنتشر بسرعة ويضيف لها تعليقات تغير مضمونها وفكرتها.
الأول من نيسان يوم مقدس في إسبانيا، وفي المانيا يصادف يوم مولد الزعيم بسمارك ولهذا يحاول الشعب الألماني والإسباني الابتعاد عن كذبة نيسان لكن إغراء الكذبة يسيل لعاب الذين يفضلون المرح والضحك.
الزئبق الأحمر في ماكينات الخياطة نوع سنجر القديمة وأصبح الجميع يبحثون عنها ووصل سعرها عالي وهذه كذبة ونوع من المزح وراح ضحيتها الكثير من الذين اشتروا المكائن بأسعار عالية! أما تطير الأفيال فقد جاءت من عالم ديزني بعد اختراع أفلام الرسوم المتحركة، علمنا أن تلك الحيوانات الكبيرة والضخمة أصبحت طائرة، وتعريف تطير الأفيال يعني كذبة من العيار الثقيل أطلقت بين الناس واستطاع الساسة الغربيون أن يطيروا لنا الأفيال وتلقفها الساسة العراقيون وتدربوا عليها وهكذا نشأت فكرة طيران الأفيال وأصبحت ارض العراق من أكبر المطارات التي تهبط عليها الأفيال ومن ثقلها تهدمت وخربت حضارة وثقافة وآثار ومصانع وشوارع وبيوت العراق.
تعددت الأفيال الطائرة فمنها تحمل على ظهرها الطائفية والأخرى تحمل السياسة والحياة الاجتماعية والثقافية والتجارية والآثار، وكلما تفتح التلفزيون نشاهد مَنْ يطير الأفيال في الكهرباء وتوزيع الأراضي والمستشفيات ومنهم من يبث بشرى سارة أن فيل سيهبط لزيادة الرواتب وإنشاء شبكة للمجاري وتصدير الكهرباء والقضاء على الفساد الإداري وإصدار قوانين لخدمة المواطنين، و...و   ! 
نحن الآن في زمن سيء فقدت فيه الخصال الحميدة وحل محلها خصال قبيحة سيئة وأهمها الكذب، لقد انتهى زمن الحق فالكذب والنفاق قد استشرى في جسد الوطن حتى النخاع، أصبح الكذب سياسة وصناعة فكل يوم نسمع بالكذب الأبيض والكذب السلبي والكذب الإيجابي والكل يعلم أن الكذب حرمه الله في وصاياه للإنسان، وأصبح الكذب آفة تنخر كل المؤسسات الحكومية ودوائر الدولة والجامعات، وإذا جمع ما قدم من كذب وأفيال طائرة سوف لا تسعه مجلدات ولهذا كانت الأفيال الطائرة سبباً في تأخير في بناء البلد.
لقد تحولت كل مؤسسات الدولة الى مصانع تنتج أفيال طائرة (كذب) يديرها منتفعون ومنافقون والذين يرددون كل يوم نحن العدل والمساواة نفكر بالمصلحة العامة والوطن، مدعين حبهم لمساعدة المواطن وتحت إمرته وبخدمته، وكل من يعمل بهذا المؤسسات دربهم المسئول الكاذب على فنون الكذب والنفاق وتطير الأفيال.
هناك مسئولون في وضح النهار يطيرون أفيال على الناس ، وتمر أفيالهم ( كذبتهم)  من دون رقيب أو محاسبة ، ويبقى المساكين المواطنين يتذكرون الأفيال الطائرة ومن يديرها بحسرة وألم ، اصبحوا خبراء في تضليل العقول لا فرق بين كذب الأقوال و كذب الأفعال والكذبتين عبث بالأهواء وخذلان الحق واستعلاء الباطل ، فقد يخترع الكاذب كل يوم كذبة حتى يحافظ على الكذبة الأصلية ولا يدرك قدر الورطة التي يقع فيها فلن يكون الكاذب مطير الأفيال ناجحا لأنه لا يحتفظ بذاكرة قوية يتذكر أفياله الطائرة ، فهؤلاء يعملون بالمثل القائل الكذب (المصفط) أحسن من الحجي (المخربط) ، أي أن الرواية المتماسكة لو كانت كذبا اقوى من الراوية الصادقة الغير متماسكة .يقول معروف الرصافي: أصبحتُ لا أقيم للتاريخ وزناً ولا أحسب له حساباً لأني رأيته بيت الكذب ومناخ الضلال ومتشجم أهواء الناس. وصدق القديس الإكويني عندما قال أتصور بقرا
يطير، ولا أتصور أبدا رجلا يكذب.



3
الذهب والعاصفة
الخوري الياس الموصلي الكلداني أول رحالة شرقي إلى العالم الجديد.
الجزء الثاني والأخير
اعداد: بدري نوئيل يوسف
قراءة في كتاب رحلة الياس الموصلي الى أمريكا الجنوبية، التي تعتبر اول رحلة شرقية الى العالم الجديد (1668 ـ 1683). نتابع في الجزء الثاني والأخير عن رحلة الخوري والمغامرات المثيرة والمخاطر التي وقع فيها، إنها شبيهة بحكايات ألف ليلة وليلة، وحكايات شهريار وشهرزاد، يصف الخوري الياس العجائب والغرائب في هذه الرحلة الطويلة، فالرحلة وسيلة الإنسان لكسب المعرفة، والتعرف على البيئة والإنسان الذي يعيش فيها منذ أقدم العصور، ولاتزال الرحلة من أنجح وسائل الإنسان في الحصول على المعرفة، ولهذا السبب حظيت الرحلة باهتمام القدماء والمحدثين على حد سواء، كما احتفى العلماء بما قدمته الرحلة من إسهامات ساعدت على اكتشاف مختلف البيئات، والتعرف على نشاط الإنسان في رحابها، ومن ثم تسابق العلماء والباحثون على تقديم الأوصاف الجليلة، التي أسبغوها بكرم شديد على الرحلة.
الرّحلة سياحة حافلة بالمفاجآت والقصص والحكايات، وهناك جوانب عديدة فيها تستحق التأمّل إذ أن المعلومات التي تتضمّنها غزيرة ومتنوّعة وقد يتقبّلها العقل أو تنأى عن التصديق، ولكنها لا تخلو من طرافة. ولا يترك رحالنا صغيرة ولا كبيرة إلا ويوفيها حقّها من الوصف، حيث نقل لنا مختلف التقاليد والأوضاع، والحيوان والطيور والجوارح والعمران والبنايات، والمعادن وكيفية استخراجها والمواشي والزواحف وعمليات القرصنة، فضلاً عن الطقس والمبادلات التجارية والمقايضة وتجارة العبيد وعادات الدفن والزّواج، والزلازل، وغيرها من الأخبار المثيرة.
يؤكد الخوري أن العناية الالهية كانت معه، والعذراء مريم حمايته ونجته من عدة مواقف صعبة في البحر والبر وهنا نذكر جزء بسيط من رحلته على سبيل المثال، عندما يصف المناخ يقول: (ثمّ صعدنا إلى جبل ولا زالت الرياح والبرد شديدا، فابتدأت تتغيّر أمزجتنا وتقيّأنا بسبب اننا خرجنا من أرض شديدة السخونة، وجزنا عاجلا إلى أرض باردة، ويتابع حديثه ما كان لهم في هذه المدينة مواشي، سوى واحد يشبه الجمل بقدر الحمار وحدبته في صدره يحملون عليه ويأكلون لحمَه، ولكنه لا يسافر بعيداً فلمّا يتعب ينام، ويزبد ويتفل على أصحابه).
ويتابع وصفه لبعض الجزر والمدن يقول: وصلنا إلى جزيرة  تسمى مرغريتا، (ذكروا لنا عن الجزيرة أنها من مدة عشرين سنة كان الغطاسون في البحر، يخرجون صدف اللؤلؤ البليغ في الكبير والشريف باللون، فذات يوم بينما كانوا يستخرجونه، نذروا على انفسهم أن أول شيء يخرجونه في ذاك النهار من اللؤلؤ، يدفعونه إلى كنيسة مريم العذراء، فلما نظروا أنهم اخرجوا لؤلؤ كبير غالي الثمين ندموا بذاتهم، وقالوا أن غدا يكون على اسم مريم العذراء، وأيضا غطسوا وأخرجوا اللؤلؤ فوجدوه اجود واحسن من الأول، فطمعوا كذلك وقالوا نهار الغد نفي بوعدنا إلى العذراء، حتى اليوم الرابع انحدر الغطاسون كعادتهم ليخرجوا اللؤلؤ فما وجدوا شيئا ابدا والى يومنا هذا ما بقوا يجدون لؤلؤ في  ذلك البحر).
وعن قلعة ماتشو بيتشو (Machu Picchu) في بيرو يقول: (وجدنا أجناساً من الحيوانات منها أيّل وبقر وحشية، وجنس حيوان آخر يسمّى بيكونيا (Vicugna) وهو قويّ وأنيس لمّا يرى أناسا أم دواباً مجتازين، ينحدر من الجبل ليتفرّج عليهم ولحمه لا يأكله غير الهنود، وفي بطنه يوجد حجر البازهر (الترياق)  (Bezoar) بين كليتيه فيخرجونه ويبيعونه بثمنٍ غالٍ لأنه نافع للسّموم).
ويقول: (سافرنا إلى بلدة تسمى بورتو بلو (Portobello) في هذه البلدة نوع من الدبيب إذا تغافل عنها الانسان تدخل في جسمه، ومن بعد أربعة أو خمسة أيام تكبر وتصير قدر حمصة ويخرجونا بإبرة دون ان يفقعوها ويضعونها على جمرة نار تنفجر مثل الفرقعة، وإذا لم يخرجونها أو يفقعوها داخل الجسم فيتورم الجسم ويموت الانسان المصاب بها)، (وفي هذا البلد يوجد خفاش الليل، كبير يجيء إلى الانسان وهو نائم ويبدأ مص دمه وستفرغه، وبجناحي يهوى على ذلك الانسان ليطيب له النوم، ولايزال يمص الدم ويتقيأ الدم إلى ان يفيق الانسان نصف غثيان من كثرة الدم الذي خرج منه).
ثم يتابع حديثه: (قاسينا في هذه البلدة من الحر والمطر اربعين يوماً، والتجار يبيعون بضائعهم، فلما ادخلوا خزينة الملك إلى هذه البلدة، ارسلني الجنرال حتى اتفرج عليها، فرأت شيئا لا يحصى من الفضة والذهب، بعد ذلك احببت الذهاب إلى مدينة تسمى صانتافة (Santa Fe) يستخرجون حجر الزمرد، لكن الجنرال نصحني ومنعني من ذلك لوجود حيات مسمومة تقتل الناس والمسافة بعيدة والذهاب اليها بواسطة النهر). 
بعدها وصلت إلى البيرو بمرافقة بعض التجار، استكريت ثلاثة بغال بتسعين قرشا، وأما الحاكم فلن يسمح لي الذهاب وحدي إلى الجبال، (بسبب وجود فيها نوع من الحشيش يشبه الخيزران الرفيع، فلما يمر عليه رجل ابيض عابر الطريق يرتفع من الأرض مثل العمود ويمس الانسان، ولا يشفى منها المصاب بهذه اللمسة إلى الموت، ولكنة لا يمس الهنود العبيد ولا يضرهم، فلما سمعت هذا الكلام من الحاكم، قلت له لا اصدق، إن لم أرى بعيني، فقام وارسل معي خادمه، وهو احمر حتى يريني ذلك الحشيش، جاء الخادم إلى جانب فرسي واختفى، رأيت الحشيش وهو بعيد عشرة اذرع عن الدرب، إلا وارتفع وأمتد أن يجيء يلدغني فخرج الأحمر، وصاح دونك يا كلب، فلما صاح عليه وقع على الأرض وأنا شاهدت بعيني. )
(وأيضا في هذا الجبل رأيت اغصانا معدلة من غير ورق، ففي كل غصن ثلاث جوزات مثل القطن، فإذا انفتح    جانب الجوزة رأيت داخلها حمامة بيضاء، بجناحيها ومنقارها الاحمر وعيونها السوداء، فهذه يسمونها زهرة الروح القدس، وكثير من الحكام ارادوا أن يحضروها ويزرعوها في إسبانيا لكنهم لم يقدروا ).
وصلنا إلى ميناء يسمى سانتا ايلينا (أي القديسة هيلانة) (مقاطعة سانتا إيلينا هي مقاطعة في الإكوادور في المنطقة الساحلية)، بقينا على الأرض خمسة أيام ومن خوف شر البحر قصدنا أن نمشي في البر وصار لنا تعب عظيم لبعد الدرب، حينئذ أخبروني ان في هذا الميناء رجل من الهنود عمره مائة وخمسون سنة، فقصدت أن اروح أزوره فنظرته صحيح الجسم عتيق الايام، فأبتدئ يحكي لنا الأيام السالفة وذكر لنا أن بالقرب من الميناء على بعد فرسخ واحد يوجد مغارة وهناك مدفونون أناس من الجبابرة، وكان والده قد أخبره (أن الهنود يظنون أن المراكب حيتان، وقلاع المراكب يظنونها جناح الحيتان، لأنهم لم يروا مركبا من قبل، ولما كان ينظرون إلى الخيل وراكبيها كانوا يظنون انهم قطعة واحدة).
صار لي رغبة بالذهاب إلى تلك المغارة، بعد ما سمعت عن الذي جرى للجبابرة، (اخذت معي اثني عشر نفرا من الهنود مع سلاحهم قاصدين تلك المغارة، فعند وصلنا اليها أشعلنا الشمع الذي كان معنا، خوفا من أن نضيع داخل المغارة، وكل عشرة خطوات اوقفنا رجلا في يده الضوء، وأنا اتقدمهم وبيدي سيف مسلول، وصلت إلى موضع العظام، فنظرتها ثخينة وأما الجماجم فكانت كبيرة جدا، فقمت وقلعت من أحد الجماجم ضرسا يزن مائة مثقال لثقله، وأيضا تأملت في عظام الساق وقست أحدها فكان خمسة اشبار، وعمل أحد المصورين قياسا وتخمينا لهذا الجسم، فوجد ارتفاعه خمسة وعشرين شبرا، ثم خرجنا من المغارة متعجبين واخذت الضرس المذكور معي) 
وعن بلدة غواياكيل(Guayaquil) يقول: توجد بساتين فيها جنس أشجار تشبه التوت تحمل ثمرة تسمّى كاكاو ويعملون منها الشكولاتة، وهذا الثمر تراه مثل البطيخ متعلقاً وملتصقاً على جسم الشجرة فلما يبلغ ويصفرّ يأخذونه ويقطّعونه وفي داخله يخرج الثمر وهو حبوب أخشن من الفستق، ثمّ ييبّسونه حتى ينشف، وبعد ذلك يلقونه فتراه كالقهوة في اللون والطعم والرائحة، لكنه كثير الدّهن ومن دسامته يصير مثل العجين. وعن قصب السكّر يقول: وفي كيتو (عاصمة الإكوادور حالياً)، يوجد جنس قصب ارتفاعه أربعون ذراعاً يجعلونه الصّواري أعني غطاء لسقف البيوت والبعض منه ممتلئ ماء أبيض وحلو وأنا شربتُ منه.
سجّل الموصلي خلال رحلته مختلف عادات وتقاليد السكان الأصليين ومنها ما بدا له أنها مستحبّة، ومنها ما بدا له مستهجنه ممّا يضفي على نصوصه قيمة تاريخية مهمة، وهكذا يصف لنا عادات الزواج في بانكاي فيقول: (وهذا الحاكم لمّا وصلنا إلى ليما تجوّز (تزوّج) مع بنت أعطته نقداً مئة وخمسين ألف قرش كعادة بلاد النصارى، أن البنت تعطي نقداً للرجل حسب حالها)، ويقول عن عادة أكل لحم البشر: (هؤلاء الهنود عندما كانوا يحاربون الإسبان كانوا إذا أمسكوا أحداً منهم يشوونه ويأكلون لحمَه، وأما الرأس فيقطعون جمجمته ويعملونها طاسة ويشربون بها)، وفي ضواحي كيتو يصف لنا أناساً (يصير لهم مثل غدة كبيرة نازلة تحت حلوقهم، وليس لهم ذقون بل بعض شعرات ثابتة في حنكهم، وأنا لأنني كنت رجلاً كاملَ اللحية كانوا يتعجّبون منّي قائلين إنني ذو شجاعة شديدة بحيث جزتُ تلك البلاد).
في الختام تعتبر رحلة الموصلي الكلداني، أوّل رحّالة أو سائحٍ كلداني، وأوّلَ سيّاحة شرقية حافلة بالأخبار والمعلومات، التي سجّلها لنا هذا الرحال، ويصف لنا تلك الدّيار البعيدة والأصقاع النائية. ولا شكّ أن لهذه الرحلة أهمية تاريخية لما تتضمّنه من أخبار وقصص وحكايات عن تلك البلدان النائية، خاصة أنّ كلّ ما تمّ تسجيله فيها كتبه الموصلي بلغته الأصلية وهي العربية، وأهمها الدافع الديني المستضيء بسيرة المسيح وأتباعه من المخلصين.
لمتابعة الجزء الاول
https://www.algardenia.com/2015-09-17-21-42-52/35001-2018-04-13-14-50-06.html


4
تقاليد عيد الفصح في السويد
بدري نوئيل يوسف ـ السويد
عندما تريد أن تزور أو أن تنتقل إلى بلد جديد قد تبدو بعض التقاليد والعادات مختلفة وغريبة مقارنة بعاداتك وتقاليدك بينما فد تكون هناك عادات وتقاليد اخرى تبدو مشابهة لما تعودت عليه. هذا القسم خاص بالثقافة والتقاليد السويدية وهي موجهة لك إذا كنت ترغب في معرفة الثقافة السويدية وأي الأعياد يحتفل بها في السويد
العديد من أعياد وعادات السويد نشأت من أصول دينية. بعضها مسيحية المنشأ بينما بعضها الآخر يعود الى زمن الديانة الوثنية والتي كانت سائدة في السويد قبل الديانة المسيحية. هي ديانة تؤمن بوجود عدة آلهة تعبد من بينهم أودين وتور
السويد بعتبر من أكبر دول العالم علمانية وهذا ما يعني انفصال الدين عن الدولة لذا ليس للكنيسة تأثير سياسي ويحتفل السويديون بالأعياد المسيحية وحتى من الملحدون منهم. العديد من السويديين يرى في هذه الأعياد مناسبة للاجتماع والالتقاء بالعائلة والاقرباء والأصدقاء وتمضية الوقت معهم


ليلة عيد الفصح هناك عادة وتقليد لدى الاطفال السويديون يطوفون على البيوت يطرقون الابواب ويقدم لهم من العوائل الحلويات أو النستلة او الجكليت ، طلبت حفيدتي مني ان اسمح لها المشاركة مع صديقاتها تطوف على البيوت ضمن المنطقة السكنية التي اسكن فيها ، وافقت مشاركتها مما اثار فضولي لمعرفة لماذا وجدت هذه التقليد .
قبل خروج حفيدتي من المنزل ، لبست زيّ ثوب الجدة مع مريلة المطبخ ومنديل شدته تحت الذقن ، ورسمت دوائر وردية على خديها مع النمش على وجوهها ، ووضعت على رأسها وشاح ملون ، متشبه بالساحرات التي حلقت وهي راكبة فوق المكانس.
قالت لي مبتسمة : انه الزي المطلوب الذي يخرج به الاطفال للطواف على المنازل . ..جدي ..عندي سؤال .. ما سبب هذا التقليد.
خرجت حفيدتي تحمل بعض الصور الصغيرة التي جلبتها معها من المدرسة .. وبعد ساعة ونصف عادت الى المنزل ودخلت مسرعة جلست بقربي قائلة : تفضل احكي لي عن الماجينا .
قلت لها : ايام زمان ولا اعلم حاليا اذا مازالت هذه العادة باقية ام انقرضت نتيجة تدهور الوضع الامني ،كان
قالت مستفسرة : وماذا عن ساحرات الفصح.
قلت لها : . بعدما لبست هذا الزي الشبيه بلبس الساحرات ووضعت الماكياج على الوجه وخرجت مع الاطفال تطوفون في الأحياء المُجاورة لمنازل وتتنقلون من منزل إلى آخر تقومون بتقديم اللوحات والرسومات للسكان آملين من خلال ذلك الحصول على بعض الحلوى ، الغاية من سحرة عيد الفصح هو تقليد قديم له جذوره من أنشطة خميس الفصح وفقا للفولكلور ، ان الشيطان كان مشاركا في مأدبة العشاء الاخير عندما يهوذا الاسخريوطي خان المسيح ، تم السماح للأرواح الشريرة بمساعدة الشيطان على تقديم الاذية للناس في تلك الفترة ، لكن الاطفال بملابسهم الشبيهة بملابس الساحرات يقدمون الفرح والبسمة للعوائل في هذه المناسبة .


مغزى عادة صبغ البيض
في عيد الفصح حيث كانت البيضة ترمز الى بداية الحياة على سطح الارض حسب المعتقدات. يذكر التقليد المسيحي بعد صعود المسيح إلى السماء، سافرت مريم المجدلية كمواطنة رومانية الى روما، ودخلت بلاط الامبراطور طيباريوس قيصر، واصفة ظلم محاكمة بيلاطس على صلب المسيح، معلنة قيامة المسيح من بين الاموات حاملة بيدها بيضة وقائلة: (المسيح قام) فسخر منها الامبراطور قائلاً: ان امكانية قيامة انسان من بين الاموات هي كمثل تحول لون هذه البيضة الى الاحمر.
وهذا ما حصل فعلاً فقد تحول لون البيضة الى الاحمر. وتابعت المجدلية اعلان البشرى السارة الى الحاشية الامبراطورية. واتبعت الكنيسة هذا التقليد بصبغ البيض في عيد الفصح تأكيداً على قيامة المسيح، لذا في بعض الاحيان ترسم مريم المجدلية في الايقونة حاملة في يدها بيضة حمراء، وشاع هذا التقليد بين المؤمنين ان يصبغوا البيض باللون الاحمر وليس بألوان اخرى وزخرفات لا معنى لها.
رمزت البيضة الى الخلق والحيوية كمصدر للحياة الجديدة. والفصح المسيحي أضاف معنى جديد الى رمزية البيضة فـ كما ان قشرة البيضة القاسية تنكسر لتنبثق منها حياة جديدة هكذا القبر الصخري انفتح حين قيامة المسيح من بين الاموات في اليوم الثالث.

لا تعتبر عادة صبغ البيض وإهدائه في عيد الفصح من التقاليد المسيحية فقط، بل هي عادة موغلة في القدم وربما يرجع تاريخها إلى الفينيقيين الذين كانوا يعبدون الخالق الذي كانت البيضة رمزا له، إذ كانوا يعتقدون أن الليل هو أول الكائنات وقد تمخض مرة فولد بيضة ومن هذه البيضة انبثقت سائر الكائنات. وساد هذا الاعتقاد كثيراً بين الأمم والشعوب القديمة.
أما في روما القديمة فكانوا يحتفلون في الربيع والخريف بعيد ميلاد الطبيعة وموتها وذلك بتقديم مائة بيضة كذبيحة، وأما المسيحيون الأوائل فكانوا ينظرون إلى بيضة عيد الفصح، كرمز لقيامة المسيح حيا من القبر كما يخرج كائن حي من البيضة المغلقة. وقد أخذ المسيحيون يحملون معهم البيض إلى الكنائس ليباركها الكهنة ثم يوزعونها على أفراد أسرتهم، ولا تزال عادة مباركة البيض هذه قائمة في بعض الكنائس الشرقية حتى الآن وكذلك تبادل المعايدة والتهنئة بمناسبة عيد الفصح وإعداد البيض ونقش البيض المسلوق عادة لا تزال متبعة في جميع البلاد المسيحية تقريبا، وهناك عادة يقوم البعض يفقسون البيض أثناء معايدة بعضهم البعض صباح يوم السبت المقدس الذي يعرف بسبت النور. ما زالت عادة إهداء الخبز والحليب والبيض المسلوق متبعة في عيد الفصح. وقد جرت العادة على أن يخفي الأهل عن أولادهم هذه الهدايا صباح يوم العيد ثم يقولون لهم بلهجة جدية "الأرنب جاء ليلاً وسرقها فما عليكم سوى اكتشافها."

أرنب الفصح
من الناحية البيولوجية لا يمكن للأرانب حمل بيض الفصح وتقديمه في عيد الفصح، لكنها ومن الناحية الرمزية موجودة للإشارة بحلول عيد الفصح وحلول فصل الربيع ووقت خصوبة الأرض. استعملت في القرون السابقة رموز الديوك واللقالق أيضا لجلب البيض وللدلالة على قدوم عيد الفصح أما اليوم فقد احتكرت الأرانب البرية هذه المهمة الرمزية وأضافت في سلالها، بالإضافة إلى البيض الملون، كثير من الحلوى

5
نوروز يملأ الأرض محبة
اعداد: بدري نوئيل يوسف
المقدمة
لا توجد مناسبة مثل نوروز، تجمع شعوبا ذات ثقافات مختلفة، حول معاني المحبة والتآخي والخير، الذي يعتبر عيدا مشتركا لشعوب عديدة، تختلف في اللغة والعرق والمذهب، تحتفل هذه الشعوب بهذه المناسبة يجمعها عيد نوروز وبداية العام الجديد لتقاويمها التاريخية.
وقد اختلفت فلسفات الاحتفال بعيد النوروز من دولة الى أخرى، من طقوس وعادات اضافة الى المشتركات بين الدول المحتفلة بعيد (نوروز). والبلدان الواقعة بمحاذاة طرق الحرير الأكثر احتفالا بهذا العيد، يمتد الطريق من المراكز التجارية في شمال الصين، حيث ينقسم إلى فرعين شمالي وجنوبي، يمر الفرع الشمالي عبر شرق أوروبا بما فيها أفغانستان، وأذربيجان، والهند، وإيران، والعراق، وقيرغيزستان، وكازاخستان، وباكستان، وطاجيكستان، وتركيا، تركمنستان، وأوزبكستان. وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً للبندقية. أمّا الفرع الجنوبي فيمرّ من تركستان وخراسان وعبر بلاد ما بين النهرين والأناضول وسوريا عبر تدمر وأنطاكية إلى البحر الأبيض المتوسط أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا.
طقوس نوروز في الدول المحتفلة:
سمي السومريون عيد النوروز (زكموك) وكان ذلك قبل خمسة ألاف عام، وسماه البابليون (أجيتو) أي عيد رأس السنة، وكان الكهنة في يوم النوروز يصلون للإله مردوخ لينبثق الربيع ويعود تموز من أسره في الأرض السفلى إلى سطح الأرض ليتم الخصب، ويستمر العيد عند العراقيين القدامى عشرة أيام حيث تقام الأفراح وتزدهر المواكب، وقد انتشر هذا العيد العراقي لدى شعوب أخرى مثل الترك والفرس، ولكنه في عراقنا هو عيد الكرد الذين يحتفلون بـ (نوروز) باعتباره يوم انتصار كاوه الحداد على الطاغية الضحاك.
ويعتبر أقدم الأعياد التاريخية على الإطلاق حيث ظل يحتفل به أسلافنا السابقون، بصورة رسمية وشعبية منذ خمسة آلاف عام وحتى الآن، مع اختلاف التسميات، وانه أكثر الأعياد شمولية لجميع فئات الأمة العراقية، كل هؤلاء يحتفلون بما لديهم من تقاليد حسب معتقداتهم وثقافاتهم، بتسمية معينة وحجة دينية وتاريخية مختلفة خاصة بهم، ولكن الجميع يحتفلون بهذه الفترة بانبثاق الخضرة والربيع وانتشار الخصب بمعانيه البيئية.
مع احتفالات العالم بعيد الربيع المسمى (عيد الدخول) في الجنوب العراقي المرتبط بحكم توقيته في 21 /آذار حيث تدخل الشمس في برج الحمل وهو السبب في تسميتها لدى العراقيون بـ (الدخول). تولي العوائل العراقية اهمية كبيره، بدءا بالأسواق حيث تظهر الاباريق الخزفية الملونة، والشموع وخلطات المكسرات والزبيب، فيما تطغي الالوان الصارخة على معروضات الملابس، وتشكل الاباريق الخزفية الملونة أعمالا فنية محلية ترمز لمعاني البركة والسعادة والتفاؤل، فيما يتم إعداد اكلات خاصة مثل (الزردة) و(البحت) وأنواع أخرى من الحلوى والفستق واللوز والدارسين فتكون الزردة صفراء اللون والبحت ابيضا مناصفة في كل اناء ويتركانها ليلا الى صبيحة 21 آذار محاطا بالشموع، واعواد الياس والزهور، وأطباق اخرى تحوي الحلويات الاخرى والمكسرات، والحناء وبعض الحبوب وغيرها. وبسطاء المجتمع العراقي يعتقدون ان ملكا صالحا يدخل البيوت الطاهرة، ويزور العوائل المؤمنة ويشاركهم الاحتفال بتذوقه هذه الأكلات، ويبارك لهم إيمانهم وأرزاقهم وصحتهم، أما حكاية صينية (السبع سينات) هي الأشهر في العراق، وتجمع عليها جميع النساء ويكون هَمْ اغلب الرجال لتوفير مستلزماتها قبل ليلة الحادي والعشرين من اذار، وإلا فان المرأة ستشعر بأن زوجها غير مهتم بسعادة العائلة، وهي عبارة عن صينية كبيرة تجمع فيها سبع اشياء تبدأ بحرف السين، أو تحتوي على هذا الحرف واولها سمكة صغيرة نوع (حرش) او ما يسمى عند الجنوب (الزوري او ابو خريزة) وهذه السمكة في صبيحة يوم عيد الدخول، تعلق على باب البيت الى العام القادم لطرد العين وجلب الرزق. اما باقي مكونات الصينية فهي (اعواد من نبات الياس، الملبس أي اللوز المغلف بالسكر، وسكر، وسمسم، وسلق، وخس) وغيرها وتوقد فيها الشموع في ليلة عيد الدخول الى ان تنطفئ لوحدها، اعتقادا من الاهالي أن هذه الصينية تبعد الارواح الشريرة عن ابناء البيت. وتبقى العادات والتقاليد المتوارثة امتداد تراثي يزرع الأمل والطمأنينة لدى الناس وتزيد من تواصلهم والفتهم وتفاهمهم.
وعيد الدخول من الأعياد المتوارثة في العراق عموما والنجف خصوصا ولكن قل الاهتمام به في الوقت الحاضر ولم يتبق إلا القليل من العوائل التي تستعد له. والنجفيون يهيئون الشموع وأغصان الآس ومجموعة من الأطعمة التي تتضمن حرف السين، ومن بينها سمكة صغيرة تعلق يوم العيد بباب المنزل لطرد النحس حسب العادات المتوارثة. إذا كان للأسرة بنت صغيرة يتم شراء (شربة) أي قلة فخارية صغيرة الحجم، وإن كان للعائلة وصبي صغير يتم شراء إبريق فخاري صغير الحجم، ويتم تهيئتها منذ بداية الشهر بزراعة حبوب الحنطة أو الشعير بداخل خرقة قماش توضع في فوهة القلة أو الإبريق، وفي ليلة الدخول أو (النوروز) تكسر الفخاريات تلك الليلة باعتقاد أن ذلك يجلب الحظ للطفل.
ومن التراث الشعبي في ميسان، أن أرياف المحافظة تحتفل أيضا بهذه المناسبة في 21 آذار، حيث يقومون بشراء الخس والشموع على عدد أفراد الأسرة، ثم يضعون الرز واللبن والسمسم والسكر والحناء في (صينية) كبيرة ويطلقون على هذه المواد (جوه السلة)، وبعد فترة من الهدوء والصمت يبدؤون بتناول ما في الصينية. وفي اليوم الثاني يخرجون للتنزه في البساتين عصرا ومعهم الأطعمة، ثم يعودون بعد الاحتفال إلى بيوتهم.
ويحتفل سكان كركوك والقرى التركمانية بهذه المناسبة، حيث يجتمعون في ليلة نوروز في الأزقة والحارات، ويبدأ الأطفال بالغناء وهم يحملون المشاعل في الطرقات وفي سطوح منازلهم. وفي المساء يتم كسر الجرار القديمة، ويسمى العامة هذه الاحتفالات باحتفالات (هيلانا) وهو في الأصل احتفال خاص بـ (مسيحيي القلعة) التركمان الذين يحتفون به بذكرى إرسال (هيلانه) أم الملك قسطنطين من المسيحيين من استانبول إلى فلسطين للبحث عن الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح(ع)، وبغية إضاءة الطريق طلبت إشعال المشاعل عبر التلال والجبال والطرق والمنافذ المؤدية من استانبول إلى فلسطين. ومع الزمن ونتيجة لمشاركة المسلمين التركمان جيرانهم من أبناء جلدتهم المسيحين في هذه الطقوس الاحتفالية، أصبح الاحتفال في نوروز بهذه المناسبة تقليدا عاما يحتفل به سكان كركوك من التركمان في أحياء مختلفة.
في جمهورية قرغيزستان تم حظر الاحتفال بنوروز خلال الحقبة السوفيتية، يعتبر عيد النوروز أحد أهم
الاحتفالات الرسمية، ويطلق القرغيزي اسم (نوروز) على أول أيام السنة الجديدة في نوروز يغادر السكان البدو خيامهم إلى السهول والمراعي حيث يرتدون أجمل ملابسهم، ويعدون أفضل أنواع المأكولات، ويقومون بتحطيم الجرار والأواني الفخارية كجزء من الاحتفال، ويشعلون النار ويطوفون حولها أو يقفزون من فوقها، يشعل صاحب المنزل شمعتين ويضعهما فوق منزله ثم يبدأ التنظيف ويعتقدون أن من ينظف منزله لن يصيبه مرض خلال السنة الجديدة، كذلك تقوم الفتيات في قرغيزيا بطبخ اكلة تسمى (اويقي آشار) من آخر ما تبقى من لحم الخيل الذي يسمى (سوقيم) وتدعو الفتيات من يحببن من الشباب لتناول الطعام، وفي المقابل يهدي الشاب مرآة ومشط وعطر للفتيات اللواتي يحبون الارتباط بهن ويسمون ذلك بـ (سلت اتكيتر). ويعد النوروز بالنسبة للقرغيزيين مقدس جداً، ويتفاءلون بالمطر ونزول الثلج في هذا اليوم، ويلبسون الملابس الجديدة البيضاء ويطبخون طعاماً خاصاً يسمى(نوروز غوجه) يعد من سبعة اشياء، وغوجة يعني شوربة من دقيق الذرة والبرغل، وهذا يعني توديع فصل الشتاء والاطعمة الشتوية. وتستمر الاحتفالات لمدة اسبوع.
أما في سمرقند وبخاري وأنديجان في أوزبكستان فيتم الاحتفال أيضا بعيد نوروز حيث تكون العطلة الرسمية لمدة اسبوع. وينطلق فيها السكان إلى السهول القريبة من الينابيع، وتمتلئ مكان الاحتفالات بالعازفين والراقصين، وفي اليوم الأول يبدأ التهاني بين الحاضرين، ويقدم طعام العيد (آش) للضيوف وهو غالبا ما يكون وجبة من الرز (بيلاو) إلى جانب الشاي والفواكه، وتحتم التقاليد على الضيوف تناول شيئا من الطعام المقدم له حتى لو كانوا شبعان، ويتم في هذه المناسبة تنظيم سباقات الخيل والمصارعة، وفي مدينة (قازان) يصنع بالمناسبة كعكعة نوروز وحساء خاصا يسمى بـ (نوروز شوربه سي).
كما يحتفل أتراك القرم بعيد نوروز كعيد للربيع، تتساوى فيه ساعات الليل مع ساعات النهار. ويقوم الأطفال بزيارة البيوت وهم محملين بباقات النرجس يوزعونها على البيوت مقابل الحصول على الحلوى والبيض الملون وبعض الهدايا، وتعد بمناسبة أكلة خاصة تسمى (نوروز آشي ـ طعام نوروز)، وفي المساء يقفز الشباب والفتيات بصورة زوجية من فوق أكوام التبن التي يضرمون فيها النيران.
وفي تركستان الشرقية بالصين فان للأويغوريين تقليدا خاصا في الاحتفال بعيد نوروز يختلف عن بقية الأقوام التركية، حيث يبدأ الاحتفال بتلاوة من القرآن الكريم يتبعه قراءة لملحمة (أركينكون).
(أركينكون أركينكون ....زالت الجدران ... وشاخ الرجال... ولا يزال طريقنا مجهولا...هل ثمة مسافة طويلة للبحر؟ أينعت الأزهار... وحل الصيف... اليوم يوم عيد... يوم العودة إلى أركينكون.)
ولا تزال المصادر الصينية تطلق اسم (أركينكون) على الكهف الذي لجأ إليه أجداد الترك. ويحتفل الصينيون بقدوم الربيع وهم يحملون محاريثهم. أما بطرق الحديد في هذه المناسبة فتقليد تركي مغرق في القدم حتى أنه يعتبر إيذانا بالبدء باحتفالات نوروز في الجمهوريات الناطقة بالتركية.
للشعب التركمانستاني تقاليد خاصة في عيد النوروز تشمل المأكولات والمباريات الرياضية المختلفة والالعاب المتنوعة. هو احتفال المزارعين الذين يقيمون احتفالات كبيرة بمناسبة حلول هذا العيد الكريم. كان اجداد الشعب التركمانستاني الراهن يعتبرون عيد النوزوز رمز الحياة الجديدة والبركة واليمن والرحمة والسعادة و الرفاهية ولذة العيش ، ويعطل اليوم اول و الثاني من شهر فروردين المصادف 21 و 22 شهر اذار الميلادي، و تقام احتفالات و مهرجانات عديدة في كافة ارجاء البلد، ونوروز رمز احياء العادات والسنن القديمة، وبعد اعلان استقلال تركمنستان اعلن الرئيس التركمنستاني بداية العام الجديد (نوروز) عيد وطنيا لتركمنستان لأحياء تقاليد وعادات تركمانستان القديمة. وفي عيد النوروز تقام مباريات المصارعة والفروسية والقفز وغيرها.
وفي المجتمعات الشيعية والعلويين والبكتاشين التركية يحتل نوروز مكانة مقدسة عند هذه المجتمعات. حيث يعتبر البكتاشيون (فرع من فروع الشيعة التركية) نوروز يوم ميلاد الإمام علي (رض) كما أنه بالنسبة لهم أيضا يوم زواجه من فاطمة الزهراء (رض). أما الشيعة فيعتبرونه اليوم الذي أعلن فيه الرسول (ص) الإمام علي خليفة له. أما التركمان في مدينة آرضروم فيعتبرونه يوم بعث الموتى.
وبالنسبة لبكتاشي البلقان فهو يوم معجزة حاج بكتاش ولي (مؤسس الطريقة البكتاشية) بإرسال نبع (صو دولو) إلى ألبانيا لينبعث من جبالها.
وفي أذربيجان تستمر احتفالات نوروز لثلاثة أيام يسبقها احتفالات مسبقة قبل اسبوع تسمى (آخر جرشمبة ـ الأربعاء الأخير) حيث يودع الأربعاء الأخير الذي يسبق نوروز، الذي يعتبر أول يوم من السنة الجديدة باحتفالات خاصة. وفي يوم نوروز يشارك الجميع في الاحتفال حتى الذين يبتلون بوفاة أحد أقاربهم حيث تقتضي التقاليد أن ينطلقوا بعد تقبل العزاء إلى الحقول أو الى ضفاف نهر (آراز) للمشاركة في الاحتفالات.
للاحتفال بعيد النوروز في ألبانيا هو التوجه إلى التكية المثيرة للإعجاب الواقعة في الشمال الشرقي من تيرانا ، وزيارتها. تزيّن التكية بالفسيفساء الملونة الرخامية المذهلة وتحتوي أيضًا على متجر للهدايا التذكارية الجميلة. في كل عام في شهر اذار، تحتفل جماعة البيكتاشي في ألبانيا بعيد النوروز. إنها لحظة مهمة توحيد جميع الزعماء السياسيين والدينيين الرئيسيين للبلاد ، الذين يتجمعون في محمية بيكتاشي العالمية الجميلة ، التي تقع في ضواحي تيرانا. هذا حدث هام لجميع الألبان، ليس فقط بالنسبة للمؤمنين، ويُعد اليوم رمزا للتعايش الديني في ألبانيا هذه الدولة الصغيرة في البلقان معروفة في جميع أنحاء العالم بتسامحها واحترامها الديني.
ومن عادات نوروز الخاصة في تركيا يصنع الناس معجوناً متشكلاً من أربعين مادة خاصة، يشفي الكثير من الامراض ويقوي الجسم ويمنحه طاقة كبيرة. ويعتقد الناس في تركيا بان النوروز هو بداية ربيع الطبيعة وتجديد الحياة في العالم وبعضهم يعده يوماً مقدساً والبعض يعده عاملاً للتضامن.
اما في طاجيكستان وخاصة الـ (بدخشانيون) فان النوروز عندهم العيد الوطني للأجداد، ويرمز عندهم للمحبة والحياة ويسمونه (خيدير أيام) بمعنى الحفل الكبير، يسارع الناس عند شروق الشمس الى اخراج اغراض البيت للخارج، ووضع قطعة قماش حمراء على مدخل المنزل، ويرمز اللون الاحمر الى الخير والبركة والفرح في السنة الجديدة. والطاجيكيون يهتمون بمائدة “هفت سين” التي يسمونها (دسترخان) ، ينزل الجميع الى الشوارع ليكون الناس فيه سواء وشركاء وفي الواقع مظاهر النوروز هي سمة ساحات وشوارع المدينة. من طقوس النوروز في طاجيكستان هو اجراء مباراة ( بزكشي) حيث توضع عنزة وسط ساحة ويجتمع حولها الناس فيتم تقيد الهدايا لمن يدور حول العنزة دون توقف. ومن سمات المباراة وجود قطعتي قماش حمراء واحده حول المعزة والأخرى بيد الحكم الذي هو من شيوخ المدينة، وتستمر المباراة حتى نفاذ المتسابقين. وتعد هذه المباراة تراث عظيم ورمزا لشجاعة والبسالة.
وفي افغانستان يرفعون علماً يسمونه علم الامام علي (ع)، في احتفال مهيب وبرفع العلم، يبدأ عندهم عيد النوروز والسنة الجديدة رسمياً، ويستمر العيد لأربعين يوماً، ويعتقد الناس هناك بان رفعة العلم تنبئ بماهية السنة القادمة، فاذا رفع العلم بشكل سلس وجيد وبدون اهتزاز وارتجاف وبسلاسة، فان السنة القادمة ستكون سنة خير، ويعتقد الناس هناك بان الجلوس عند العلم لمدة اربعين يوما يسمونها (جلة) يحل مشاكلهم ويجعل دعاءهم مستجاباً.
اما في باكستان فيسمى النوروز (عالم افروز) بمعنى اليوم الجديد الذي ينير العالم، ويقيم الباكستانيون طقوس النوروز المعروفة وعندهم يجب الابتعاد عن الكلام السيء وغير المناسب ويعتقد الباكستانيون ان هدف النوروز هو الأمل والأمان والسلام والمصالحة والاخوة والمساوة، ونوروز عندهم مثل رائحة الازهار الطيبة التي تريح النفس عند الانسان.
وفي الهند يعد عيد النوروز يوماً وطنياً يحتفلون به ويسمى "هولي" ويحتفل به بعد ان يكون القمر بدراً في نهاية فصل الشتاء البارد ويكون ذلك ما بين 16 الى 21 من مارس.
وفي ليلة حلول السنة الجديدة في ايران نوروز، تجتمع العائلة حول سُفرة خاصة تسمى بسفرة "هفت سين" (أي السينات السبع)، وتضم سبعة مواد يبدأ اسمها بحرف (السين)، وهي: سبزي (خضروات)، سيب (تفاح)، سنجد (تمر)، سير (ثوم)، سكة (قطعة نقد معدنية)، سركه (خل)، وسمنو (حنطة). وتتوسط السفرة نسخة من المصحف الشريف طلباً للبركة وسعة الرزق، وإلى جانبها أيضا ديوان أشعار حافظ الشيرازي للتفاؤل بقصائده، ويقوم كل فرد في الأسرة بطلب الخير في الشيءِ عبر فتح الديوان ليرى (حسب اعتقادهم) من خلال أبيات حافظ ماذا ستخبئ له السنة الجديدة.
وعلاوة على هذه الطقوس الفلكلورية التي يتمسك بها الإيرانيون أيما تمسك، وردت في التراث الشعبي جملة من التعاليم المتصلة باستقبال السنة الفارسية يحفظها كل إيراني عن ظهر قلب، عدم غسل الملابس في الأيام الخمسة الأولى من (عيد النوروز) لأن الهواء والماء في هذه الأيام يساعد على تمزيقها بسرعة، ولا بد من ارتداء الملابس الجديدة التي لم تغسل من قبل. وعدم إظهار أي عصبية أو مشاعر غضب في عيد النوروز، حرصا على أن تكون السنة الجديدة خالية من أي توتر عصبي. وتحاول ربة البيت في ليلة العيد ألا تكسر أي شيء زجاجي في البيت، وإن حدث ذلك فلا بد من رمي الزجاج المهشم سريعا خارج المنزل، لأنه يجلب الفأل السيئ. وعدم ارتداء الملابس القديمة في أيام عيد نوروز، لأن ذلك يجلب الفقر والحظ السيئ لهم. وقبل حلول النوروز يجب رمي الأدوية الموجودة في البيت بعيدا، لأن وجودها يجلب المرض في السنة الجديدة ويسود الاعتقاد لدى الإيرانيين أن التبضع في عيد النوروز، وغرس الأشجار أو وضع مجموعات الخضرة والأزهار في المنازل من شأنه أن يوسع الرزق في العام الجديد، ويبعث التفاؤل في النفوس.
من جانب آخر، تختتم احتفالات العيد يوم الثالث عشر بما يعرف بـ(سيزده به در) أو يوم الطبيعة وهو يوم يتشاءم به الإيرانيون، ويرون أنه يوم نحس، لذا يخرجون فيه من بيوتهم ويقضون أوقاتهم في الحدائق العامة، أو بين أحضان الطبيعة بشكل عام ،كما يقومون بإلقاء حزمة من العشب في النهر أو القنوات المائية، كرمز لامتزاج عنصري الحياة مع الطبيعة التي تعني السعادة والبهجة.
يحتفل في كردستان ذكرى نوروز ويعني اليوم الجديد، بما يعني أن السنوات الكردية بلغت الرقم 2630.اهم خصائص الاحتفال بعيد النوروز توقد النيران على قمم الجبال ابتهاجا بانتهاء فصل الشتاء البارد ومجيء فصل الربيع المعتدل، فضلا عن الاحتفال بقضاء البطل كاوه الحداد على الطاغية ازدهاك (الضحاك)، مما يضفي على هذه المناسبة انتصار قوى الخير والنور والسلام على قوى الشر والظلام. وفرصة مناسبة للشباب للالتقاء بشريكة الحياة من بين المحتفلين وهي تلبس أجمل ما لديها من ألوان مستذكرين هنا قصة العشق الكردية الأشهر في التاريخ «مم وژين» بعدما التقيا في أحد أعياد نوروز العام 600 للميلاد. والطقوس تستمر حتى صبيحة اليوم التالي، حيث يتوجه الناس إلى البرية لمعانقة الطبيعة، ويقيمون حلقات رقص تتشابك فيها الأيدي، وتعد لهذه الرحلات وجبات طعام تقليدية شهية.
يا شعب (كاوا) سل الحداد كيف هوى   صرح على الساعد المفتول ينهار
وكيف أهوت على الطاغي يد نفضت   عنها الغبار وكيف انقض ثوار
والجاعل (الكير) يوم الهول مشعلة   تنصب منه على الآفاق أنوار
بدر شاكر السياب، ابيات من قصيدة وحي النيروز
كل عام وأنتم ونوروز بخير.


المصادر:
عيد نوروز "الدُخول" تقاليد شعوب وأساطير عادات
طقوس وعادات عيد النوروز
كريم الكعبي في كتابه التراث الشعبي في ميسان
مركز الاعلام التركماني
.




6
من حكايات جدتي ... الثانية والتسعون
انثى الغراب
بدري نوئيل يوسف
في كتاب القراءة العربية للصف الرابع الابتدائي سنة 1958 ،كان هناك موضوع عن حذاء أبو القاسم الطنبوري، وقرأنا الدرس عدة مرات وكانت صعبة علينا فهم الحكاية التي تحتاج إلى شرح وافي، في هذه الليلة سألنا جدتي هل تعرف شيئا عن حذاء ابو قاسم؟ فقالت بكل سرور وفرح: أبو القاسم الطنبوري يملك حذاءً قديماً، وكان يرقّعه بقطع من الجلد أو من القماش عندما ينقطع، حتى أصبح حذاؤه عبارة عن مجموعة من الرقع، وقد عرف بين الناس بحذائه، كان الحذاء يجلب المتاعب والشؤم والفقر لصاحبه أبي القاسم، حتى عندما حاول أن يتخلص منه. حكاية الحذاء سمعتها من جدي، قالت:  يحكى إن بعض أصحابه قد أخبروه أن يتخلص من هذا الحذاء البالي، فرمى الحذاء في مكب النفايات، ورجع إلى منزله، وفي طريقه رأى الكثير من الأشياء التي أعجبته كالزجاجات المزخرفة، ولكنها كانت غالية الثمن، وليس بحاجتها، فمر مرة أخرى على محل لبيع المسك، ففكر بأن هذا المسك يجب أن يوضع في إحدى الزجاجات الجميلة، وقام بالرجوع إلى محل بيع الزجاجات، واشترى منه واحدة، ومر على محل بيع المسك واشتراه، ووضع المسك في الزجاجة، ثم عاد إلى بيته، ووضع زجاجة المسك، وخرج مرة أخرى ليقضي حاجات له، في ذلك الوقت، مر رجلاً يعرف الطنبوري بالقرب من مكب النفايات الذي ألقى فيه الطنبوري حذاءه وعرفه، وفكر وقال: من المستحيل أن يتخلى الطنبوري عن حذائه.
فقام بأخذه، وذهب إلى بيت الطنبوري، ودق على الباب لكن لم يجبه أحد، وقد رأى نافذة البيت مفتوحة، فرمى الحذاء من خلالها، وصدم زجاجة المسك فتكسرت، ولم يبقَ لها أثر ولا للمسك الذي بداخلها، فلما رجع الطنبوري إلى منزله، ورأى ما حدث وخصوصا الحذاء بالقرب من الزجاجات، فقال: "لعنك الله من حذاء"، ثم قام بأخذ حذاءه، وألقاه في النهر، ولكن كان هناك صياد قد علق الحذاء بشباكه، وقال في نفسه إنه لابد أن يرد صنيعاً إلى الطنبوري، ويعيد إليه حذاءه، فذهب إليه وأعطاه الحذاء، فقام الطنبوري بوضعها فوق سطح المنزل حتى تجف من البلل، فرآه هر وظنها قطعة لحم، فأخذ يأكلها، فرآه الطنبوري وقام بطرده، فأخذ الهر الحذاء في فيه وقفز فوق أسطح المنازل، فسقط حذاء الطنبوري على امرأة حامل فأجهضت مولودها، فقام زوجها بأخذ الحذاء وتوجه إلى القاضي، ولكن كانت حجة الطنبوري غير مقنعة، فحكم القاضي عليه بدفع دية الجنين، وأعطاه الحذاء، فقال : "لعنك الله من حذاء" ثم فكر وقال إنه سوف يلقيها في مكان لن يصل إليه أحد، فألقى بها في المياه العادمة، ورجع إلى بيته فرحاً مسروراً، فمرّ يومان، فطفحت المياه العادمة في الطريق، فجاء عمال لتنظيف المكان المسدود، فرأوا حذاء الطنبوري، فذهبوا به إلى القاضي، فحكم عليه بالحبس والجلد، وأعاد إليه الحذاء، فقال : "لعنك الله من حذاء"، فقرر أن يدفنه في مكان بعيد في الجدار، فسمع الجيران صوت حفر، فاعتقدوا أنه سارق فقاموا بإبلاغ الشرطة، فجاء الحرس ورأوا الطنبوري يحفر، وعندما سألوه عن سبب الحفر، أجاب بأنه أراد دفن الحذاء، ولكن حجته كانت غير مقنعة، وقام القاضي بالحكم عليه بالسرقة وجلده، وأعاد إليه الحذاء، فقال: "لعنك الله من حذاء"، فذهب إلى الحمام العام، ووضع الحذاء خارج الحمام، ورجع إلى منزله، ولكن هناك شخصاً قد سرق حذاء الأمير، ولم يبق سوى حذاء الطنبوري، ورفع أمره إلى القاضي بتهمة سرقة حذاء الأمير، فحكم عليه القاضي بدفع قيمة الحذاء وجلده، وأُعاد له الحذاء، فقرر الطنبوري أن يدفنه في الصحراء، فرأوه الحرس وأخذوه للقاضي، وقالوا له إنه تم العثور على القاتل ؛ لأنهم وجدوا رجلاً مقتولاً في مكان الحفر، فقال الطنبوري للقاضي : "يا سيدي، اكتب صكاً بيني وبين هذا الحذاء، أني بريءٌ منه، فقد أفقرني وفعل بي الأفاعيل"، وأخبره كل ما حدث معه بسبب الحذاء.
وبهذا أصبح حذاء أبي القاسم الطنبوري مصدر للشؤم والبؤس، وكل من حاول التخلص من شيء يملكه، ولكنه يعود إليه بعد كل مرة، ويجلب له المتاعب بحذاء الطنبوري.
نعود لحكايتنا اليومية: كان يا مكان في قديم الزمان، رجل وامرأته فقيري الحال يعيشان في كوخ صغير على أطراف الغابة ولم يرزقهما الله بخلفة رغم السنين الطويلة. في يوم من الأيام، دعت المرأة ربّها أن تحبل وتلد ولو غراب، فحملت وبعد تسعة أشهر ولدت فإذا بالمولود فرخ غراب.
بعد مدة قصيرة مات زوجها فبقيت المرأة وحيدة تربي انثى الغراب وتطعمها وترعاها، حتى كبرت وصارت تطير خارج البيت وتأكل من الأرض مثل باقي الطيور.
في أحد الأيام طارت انثى الغراب بعيداً في الغابة فرأت فيها بحيرة ماء صغيرة بين الأشجار ماؤها صافية كالزلال فنزلت على الضفة وخلعت ثوبها الريش على إحدى الأشجار، وإذا بها صبية حلوة شقراء جسم مثل البلور سبحان الذي خلقها، سبحت في البحيرة مدة من الزمن وهي مسرورة ثم خرجت ولبست ثوبها ورجعت كما كانت، وطارت وعادت إلى الكوخ.
كان في المدينة ملك عنده ابن ربّته أمه على الدلال والرفاه حتى صار شابا، فأرادت أن تزوجه فلم تعجبه بنات المملكة كلها حتى احتارت أمه معه، خرج مرة للصيد في الغابة فوصل إلى البحيرة، فرأى صبية مثل القمر تسبح في الماء، فجلس متخفياً بين الأشجار يراقبها وقد أخذ جمالها عقله، وبعد قليل خرجت الصبية من الماء ولبست ثوب الريش، وتحولت إلى انثى الغراب وطارت في السماء ولم يعرف أين ذهبت. في اليوم التالي ذهب إلى البحيرة في الموعد نفسه، فوجد الصبية تسبح كالعادة فراقبها حتى طارت وبقي على هذا الحال عدة أيام يراقب الصبية ويتابعها حتى عرف بيتها.
رجع يوماً إلى أمه وقال لها: الآن أريد أن أتزوج، ففرحت أمه وسألته عن عروسه فدلها على صبية في كوخ داخل الغابة، وطلب أن تخطبها له. حاولت الأم أن تغير رأيه وعرضت عليه أن تخطب له بنت الوزير أو بنت القاضي، ويترك بنت الكوخ الفقيرة دون فائدة، أصرّ الأمير على موقفه وقال: إذا لم تزوجيني هذه البنت (حطي لي التابوت واتركيني اموت). فاضطرت أمه أن ترضخ لرغبته، فذهبت إلى الكوخ، فوجدت فيه عجوز فقيرة، سألتها عن ابنتها، فقالت لها: يا ملكة الزمان ليس عندي بنات في البيت إلا هذه انثى الغراب.
عادت أمه وأخبرته بالقصة، فقال لها: هذا ما أريده أن تخطبي لي انثى الغراب. صرخت الأم وولولت وقالت له: كيف تتزوج انثى الغراب وأنت ابن الملك ماذا يقول عنا الناس هذا مستحيل. فدخل غرفته وأغلق عليه، وامتنع عن الطعام والشراب، والنوم حتى صار كالعود ومرض مرضاً شديداً أعجز الأطباء عن شفائه، حنّت عليه أمه ورقّ قلبها، وقالت لنفسها: أمري إلى الله سأخطب له انثى الغراب.
ذهبت إلى العجوز وطلبت انثى الغراب لابنها، فتعجّبت العجوز منها وأعطتها انثى الغراب، وقبضت ثمنها كيساً من
الذهب، فحملتها الملكة معها ورجعت إلى القصر، لما رآها ابن الملك ردّت إليه الروح، وقام مثل الحصان ولم يعد فيه شيء. فقالت له أمه: خذ انثى الغراب وتزوجها وانبسط معها.
في المساء خلعت انثى الغراب ثوب الريش فبانت صبية حلوة ليس لها مثيل في البلاد، ونامت تلك الليلة مع ابن الملك، وفرح بها كثيرا وكانت ليلة من العمر.
في الصباح نهضت انثى الغراب قبل أن يستيقظ الجميع، ولبست ثوب الريش ورجعت انثى الغراب ووقفت تتفلّى على الشباك. دخلت أمه في الصباحية وجدته مسروراً ومبسوطا، بينما كانت انثى الغراب على الشباك فقالت له: صباحية مباركة سلامة عقلك يا ابني. وتركته حزينة ومضت.
بعد عدّة أيام دخلت أمه فوجدتهما كما هما، فقالت له: يا ابني بهدلتنا بين الناس كيف تعيش أنت وانثى الغراب؟ غداً الوزير عامل حفلة كبيرة بمناسبة زواج ابنه، وقد دعانا لنحضر الحفلة، كيف ستذهب أنت وانثى الغراب إلى الحفلة؟ فضحك منها وقال: بسيطة يا أمي اتركي الموضوع عليَّ وغداً ترين خيراً إن شاء الله.
يوم الحفلة خلعت انثى الغراب ثوب الريش، ولبست أحلى الثياب فصارت أميرة من الأميرات، فذهبت مع ابن الملك إلى الحفلة فرآها الناس، وطار عقلهم فيها فرقصت، وانبهر الناس بجمالها ورقصها. انتهت الحفلة وعادت إلى البيت ولبست ثوب الريش ورجعت انثى الغراب كما كانت.
دخلت أمه في الصباح قالت له: كانت معك صبية أحلى من كل صبايا الدنيا ما مثل انثى الغراب، ما رأيك أن أخطبها لك وأزوجك إياها؟ فضحك وقال: كما تريدين يا أمي غداً نرى إن شاء الله تعالى.
تعجبت أمه واستغربت تصرفاته وأخذت تراقبه في الليل، فاكتشفت أمر انثى الغراب ورأتها عندما خلعت ثوبها وخبأته في الصندوق وبدت صبية رائعة الجمال، هي ذات الصبية التي رأتها في الحفلة، فعرفت سرّ الانثى الغراب وغافلتها وأخذت ثوبها الريش وأحرقته.
في الصباح لم تجد انثى الغراب ثوبها، فبكت وناحت كثيراً عليه، دخلت الملكة وقالت لها: يكفي بكاءً ودموعاً لن تحتاجي ثوب الريش بعد اليوم أنت زوجة ابن الملك، وأحلى الأميرات ذهبت أيام انثى الغراب ولن ترجع، وحاولت معها حتى رضيت، وصنعت لابنها عرساً جديداً وأقامت الأفراح والليالي الملاح، ودعت جميع نساء البلد إلى العرس ليشاهدوا عروس ابن الملك، وعاشوا بفرح وسرور وطيب الله عيش السامعين.


7
من حكايات جدتي
العدس وفتاح الفال
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي هذه الليلة: أن جارتنا أم البنات، سمعت منادي في الزقاق ينادي ( فتاح فال، عداد نجم، فوال)، ويعيدها عدة مرات، خرجت مسرعة تنادي عليه قائلة:
ـ تعال يا رجل يا فتاح الفال، من زمان وأنا ابحث عنك.
سألها فتاح الفال ببرود:
ـ عندك مشكلة يراد لها حل، أم تفكرين بمراد اقصد هدف، غاية ،الْمُبْتَغَى.
قالت لها بطلب ورغبة:
ـ نعم عندي مراد ولم يتحقق لحد الان.
سألها الرجل فتاح الفال بحيلة وذكاء:
ـ تريدين يصير عندك أولاد، لو تخلصين من حماتك، لو عند ضرة تريدين زوجك يطلقها.
قالت له أم البنات بكل براءة وهدوء:
ـ اطفالي كلهم بنات أريد اعرف متى احبل بولد.
قال المنافق بفرح وسرور بعدما جلس على الأرض ولف ساقيه:
ـ اجلبي لي طاسة فيها ماء بارد، واستكان شاي فيه طحين نمرة صفر.
وعلى الفور جلبت له ما يريد الرجل وجلست مقابله ولفت ساقيها مثله، وبدأ يقرأ في كتاب قديم أوراقه صفراء ويرفرف يده فوق طاسة الماء، وينفخ على الطحين ثم أضافه إلى الماء وحركه بأصبعه وقال لها:
ـ اطعمي زوجك شوربة عدس مساء كل يوم ولمدة شهر .
فرحت أم البنات بشوربة العدس، هذه الوصفة رخيصة متوفرة في المنزل، وأخرجت من صدرها ربع دينار، أخذ فتاح الفال المبلغ منها، على امل أن يعود بعد شهر لمعرفة النتيجة.
اسرعت أم البنات إلى المطبخ وطبخت العدس، وأضافت له البهار والبصل المقلي، وانتظرت المحروس زوجها يعود من العمل بفارغ الصبر، بعدما لبست ملابس جميلة ووضعت قليل من المكياج واحمر الشفاه، ورشة خفيفة من ماء الورد الجوري.
وصل أبو البنات إلى المنزل، واستقبلته بفرح وغبطة، وكاد الزوج يطير من الفرح والسرور لم يستطيع اخفائها، عندما رأى زوجته انيقة تفوح منها رائحة الورد الجوري، ومن عاداتها كانت تستقبله ببرود وتفوح منها رائحة طهي الطعام والدهن المقلي والبهارات.
 ومن عادة الزوج أن يحلب معه احتياجات المنزل يوميا، من خبز وخضروات ولحم وكان من ضمنها أنه جلب معه نصف كيلو عدس هذا اليوم، فرحت أم البنات كثيرا وشكرت فتاح الفال على قدرته أن يستطيع يذكر زوجها بشراء العدس.
غير الزوج ملابسه ولبس دشداشته البيضاء ووضع على رأسه عرقجين، وجلس على فرشة والتم حوله البنات ينتظرون العشاء وعصافير بطنهم تزقزق، دخلت عليهم أم البنات تحمل صينية النحاس فيها اطباق نحاسية مملؤة من الطعام الشهي، وقدمت له طبق فيه العدس قائلة بدلال وغنج وبنبرة كاذبة:
 ـ جارتنا أم موفق قالت لي : أنها كل يوم تطبخ عدس وأبو موفق يأكله مع العشاء، لأن العدس يقوي مسامير الركب، وله فوائد للعظام والأسنان والصداع، ويقلل الدهن في الدم ويقوي ...!
توقفت أم البنات عند كلمة يقوي ولا تستطيع أن تنطق تكملة الجملة خوفا من زوجها أن يصرخ بوجهها.
سألها مستغربا:
ـ لماذا لا تكملين الجملة، ماذا يقوي العدس؟
بخوف همست بأذنه خجلا أن تسمعها البنات قالت له:
ـ يقوي ... يعني يقوي ... أنت رجال وافهمها.
فهم أبو البنات مقصد زوجته أبتسم، قال لها:
ـ تعرفين يا زوجتي، العدس عدة أنواع منها الأصفر، والبرتقالي، والاخضر، والأسود والعدس البرتقالي يلقب بأبو الفوائد. لأنه يقوي القلب والشرايين، ويمنع الإصابة بالجلطات .
قالت له بفرح:
ـ الآن عرفت أم موفق خبيثة،  وكل مرة تتفاخر أمام الجيران ...!  وطلعت القوة من العدس. زوجي العزيز، طالما تعرف العدس البرتقالي أبو الفوائد اشتري لنا حتى يوميا اطبخ لك العدس. واتفاخر بكِ أمام جيراننا.
قال لها بابتسامه وسرور: 
ـ غدا اشتري لك العدس البرتقالي واسمعي حكاية عن العدس:
 – يحكى أنه كان في قرية صغيرة شاب وفتاة يسكن كلا منهما بجانب الاخر، وكانا يحب كلا منهما الأخر حباً
شديداً، ولكن والد الفتاه لم يوافق أن يزوج ابنته لذلك الشاب، وكان يريد أن يزوجها لابن عمها. استمر الشاب والفتاه في حب بعضهما، وكانا يتقابلان كل يوم حيث تصعد الفتاه إلى سطح المنزل ، متحججةً بتنظيف العدس من الحصى والقش، فتصعد كل يوم في نفس الميعاد لتنظيف العدس، فيأتي ذلك الشاب ليتبادل الحديث مع حبيبته دون علم والدها، واستمرا على هذه الحال فترة طويلة من الزمن، إلى أن رآهما ابن عمها الذي كان يريد الزواج منها، فذهب واخبر والدها بما رأى، فجن جنون والدها.
أخذ والد الفتاه سكين وصعد إلى السطح وقد نوى على قتل الشاب، وعندما رأى الشاب الشر في عينه والدها والسكين في يديه، ملأ كفيه بالعدس الموجود على السطح، وقفز من سطح المنزل، واخذ يركض، لحقه والد الفتاه وركض ورائه.
رأى أهل القرية المشهد غير مكتمل، مجرد شاب يحاول الهروب وفي يده بعض العدس ، بينما رجل بيده سكيناً يجري وراءه، وكلما رأى أحدهم المنظر يندهش ويقول: من أجل بعض العدس سوف يقتل الشاب ؟
كان والد الفتاه يسمع كلمات أهل القرية ولكنه غير قادر على قول ما حدث، كي لا يسيء إلى سمعته وسمعه ابنته، وبعدما هرب الشاب عاد والد الفتاة إلى المنزل وعاتبه جيرانه أهل القرية أنه كان يركض خلف شاب بيده عدس قال الجملة الشهيرة ( اللي يدري يدري واللي ما يدري يقول بيده كف عدس ).
ومن يومها وهذا المثل الشعبي يقال بين الناس، وخاصة عندما يلقى أحد اللوم على شخص اخر على فعل شيء لا يعرف سببه الحقيقي والذي ربما يصعب البوح به.
قالت زوجته أم البنات له :كُل يا حبيبي العدس بالهناء والعافية، واسمع هذه الحكاية التي حكتها لي أم موفق تقول: يُحكى أن جماعة من العُزاب، انتقلوا من العيش من بيوت أهلهم، ثم اتفقوا فيما بينهم ، على العيش في بيت واحد، دون الاستعانة بامرأة، وفي أحد الأيام تبرع أحدهم بالطبخ، باعتباره أكثرهم إجادة في عملية الطهي، فقرر أن يطبخ لهم شوربة عدس، وقبل أن ينتهي إعدادها وطهيها، ذاقها أحدهم فقال له :
ـ الشوربة ينقصها الملح، فوضع عليها كمية من الملح .
ثم ذاقها زميله الثاني في البيت، وقال له:
ـ الشوربة مالحة، يلزمها ماء .
 فسكب عليها مقداراً من الماء، واستمر الطبخ وهذا شأنه، أحدهم يطلب زيادة ملحها، والآخر يطلب زيادة الماء فيها، حتى استحالت إلى مجرد ماء وملح ، ولا تكاد تعثر على حبات العدس فيها، فقال الشاب الذي يجيد الطهي قولته الشهيرة، وقد أدرك أن الأمر خرج عن يده: (صارت شوربة) .
وأصبحت قولته مثلاً شهيراً، تتناقله الألسن، ويُضرب هذا المثّل تعبيراً عن ضياع الأمور وعدم الإلمام بالأمر.
قال لها أبو البنات وهو يأكل العدس بشراهة:
ـ يظهر لي أن لديك معلومات جيدة عن العدس.
قالت له بثقة وجدية:
ـ غدا عند ترجع من العمل سيكون العدس على سفرة المنزل، تأمله بنظرة العارف أن هذا الصحن له تاريخ، يكفي أنه واحد من خمسة وعشرين وصفة وجدت في العراق ضمن الآثار السومرية في بابل.
ضحك أبو البنات ملء شدقيه قائلا لها:
ـ صبي لي طبق ثاني من العدس.
رفعت يدها إلى الأعلى تدعو وتطلب أن يمنحه الله القوة. وصبت له الطبق الثاني وعصرت فوقة نصف ليمون حامض وقدمته بلطف وابتسامه وفرح ودلال وغنج قائلة:
من صحن العدس اغرُف وعبّي
عدس يا غالي أطيب ما عندي
يديمك يا عدس مع الليموني
مع ربطة فجل وصحن الزيتوني
اغرف يا عيني واصحى تنساني
يا محلا إياديك وفيها هناي
قال لها بفرح :
ـ تعالي يا زوجتي أجلسي بجانبي، فأنت اليوم مبدعة وجميلة في كل تفاصيلكِ وكلمني عن العدس.
قالت له بخجل بعدما احمرت وجنتيها:
العدس الليلة ليلة عيده
يا رب تبارك وتزيده
يا رب تبارك يا رب
مش عايز يخلف مواعيده مواعيده
يا رب تبارك تبارك وتزيده
 مرت الأيام وكل يوم أبو البنات يأكل العدس صباحا ومساء إلى أن انفجر بوجه زوجته قائلا:
ـ هذا أخر يوم أكل عدس، وإذا تكرر طبخه في هذا البيت فأنت طالق.
عرفت أن الفتاح الفال ضحك عليها، وبالربع دينار كانت تستطيع شراء عشرين كيلو عدس، رفعت أم البنات المسكينة العدس من منزلها واعطته إلى أم موفق التي تطعم زوجها كل يوم عدس يقوي صحته ومسامير ركبه.
وهكذا غنت نعيمة عاكف أغنية الشهيرة (العدس الليلة). تحكي حال محبين العدس ومبغضين العدس.
وتصبحون على خير .
 
 من فيلم اربع بنات وضابط (العدس الليلة).
https://www.youtube.com/watch?time_continue=73&v=cppu11Vbmus



8
من حكاية جدتي ... الحادية والتسعون
الامير والمهرة
حدثتنا جدتي في هذه الليلة: أن أحد الشباب اعتاد على مداعبة والدته، لأخذ مصروفه منها بعد وفاة والده، وقد اسرف كثيرا، وقررت الأم تقليل المبلغ ولم يوافق الشاب على ذلك الأجراء، ودخل معها في شجار وأساء الأدب مع امه، فأقسمت الأم على رفع شكوى ضد ابنها الى الوالي الحاج احمد اغا، وهكذا نفذت الأم قسمها وذهبت الى الوالي وشرحت له الموضوع، فأنزعج الحاج احمد، وقال لها: (هذا عمل قبيح)، الله يقول: لا تقل لهما أف! كيف هذا، ولد يسب ويشتم حضرتكم، ثم نادى على الجلاد وطلب منه الذهاب مع المرأة واحضار ابنها الى المحكمة بالقوة، خرجت المرأة مع الجلاد وكان ضخما ومدججا بكافة الأسلحة، ولما رأت الأم الشرر يتطاير من عيون ذلك الجلاد، خافت على ابنها وبنفس الوقت لم تستطع التراجع عن الشكوى، لذا اشارت الى شاب يسير بمفرده في الشارع، وقالت للجلاد، ذاك ابني، ثم نادى الجلاد على ذلك الشاب واقتاده بعنف الى مقر الوالي الحاج احمد، والشاب يتوسل بالجلاد لمعرفة السبب ولكن من دون جدوى.
بدأ الحاج أحمد بالمحاكمة وقال للشاب :( لماذا انتَ تكلم أمك كلام يغضب ربنا؟)، تعجب الشاب وقال للحاكم: مولانا، امي ميته من زمان وهذي المرأة لا اعرفها!
غضب الحاج احمد من نكران الشاب لأمه بالرغم من توسل الشاب، وقسمه بعدم معرفة هذه المرأة. كل هذا والمرأة صامته لم تنطق بكلمة وانتظرت قرار الحاج احمد الى ان انتهى من الكتابة، وامر الجلاد ان يعاقب الشاب بالجلد إذا أنكر امه وإذا اعترف عليه ان يحملها على كتفيه، ويدور بها في شوارع المدينة الى ان يصل الى بيتها!
وافق الشاب على حمل المرأة، والتجول بها والجلاد خلفه، للتأكد من تطبيق الشاب لبنود الحكم الذي اصدره الحاج احمد، وهكذا وبعد دقائق التقى الشاب مع اخيه وجها لوجه سأله الأخ باستغراب: ما هذا، ولماذا تحمل هذه المرأة؟
أجاب الشاب أخيه: هذه امنا!
بتعجب واستغراب سأل الأخ: يا أخي امنا ماتت من زمان.
 فأجاب الشاب مبتسما: أني اعرف لكن روح فهم حاج احمد آغا!
نعود لحكايتنا اليومية:
كان في قديم الزمان ملك وعنده أمير صغير جميل سبحان الخالق ما أجمله، وكان الولد مدللاً ومحبوباً عند الجميع، شاءت الأقدار أن ينتهي أجل الأم فمرضت وماتت وهو صغير، وبعد فترة من الزمن تزوج الملك امرأة أخرى، فأصبح للولد الأمير خالة (زوجة اب) تعيش معه في القصر، ولكن هذه المرأة لم تتفق مع الولد، وصارت الخالة لا تطيق الولد وتكره رؤيته وتعمل بكل الطرق لتؤذيه، وتجعل والده يكرهه.
كان للولد مهرة صغيرة يحبها ويعتني بها ويدلّلها، والمهرة كانت تحبه كثيراً، كل صباح كان يمر على الاسطبل، يسلّم عليها ويضع لها العلف الجيد، وأحسن الطعام والماء ثم يودعها ويذهب إلى المدرسة، وعند الظهر يعود إلى البيت وقبل أن يدخل يتفقّدها ويؤمّن لها حاجاتها ثم يدخل.
في يوم من الأيام عاد الأمير فوجد مهرته حزينة، سألها عن حالها، فأجابته: أنها رأت خالته تخون أباه مع العبد في
القصر، وهي الآن معه في غرفة النوم، فخرج الولد منزعجاً وشاهد العبد يخرج من غرفة خالته، فلاحظ العبد أن الولد يشكّ بأمرهما فأخبر خالته فانزعجت المرأة كثيراً وخافت أن يكشف سرها للملك وأخذت تحسب له ألف حساب. اتفقت مع العبد أن يتخلّصا من الولد بأية طريقة، فقررت أن تضع له السمّ في الطعام.
في اليوم التالي دخل الولد إلى مهرته ليتفقدها فوجدها مهمومة وحزينة فسألها عن سبب حالها، فأخبرته بأن خالته والعبد وضعا له السم في الطعام، فطمأنها الولد ودخل إلى البيت، فاستقبلته خالته على غير العادة بالتأهيل والترحيب، وقادته إلى المطبخ ووضعت له الطعام بنفسها ودعته ليأكل، فقال لها: أنا مستعجل وعندي درس في المدرسة، فضعي لي الطعام في زوّادة، وسآكل في المدرسة حتى لا أتأخر. ففعلت وخرج من البيت ورمى الطعام ثم عاد بعد ساعة إلى البيت سليماً، استغربت خالته ذلك الأمر.
في اليوم التالي دخل الولد على المهرة، فوجدها تبكي حزينةً، فسألها عن الأمر فقالت له: لقد وضعا لك إبر مسمومة في عتبة البيت حتى تدعس عليها وتموت، فضحك وقال: هذه بسيطة.
ذهب إلى المدرسة مطمئناً، ولمّا عاد دخل البيت قفز فوق العتبة، فقالت له خالته: لماذا فعلت ذلك فقد تقع، وتنكسر رجلك. ضحك وأجابها: اليوم علمنا أستاذ الرياضة القفز، وطلب منا أن نتدرّب عليه في البيت. انزعجت الخالة من تصرفات الولد الذي خرّب وفشّل عليها تدابيرها حتى الآن.
اجتمعت المرأة مع العبد لتدارس الأمر، فسألها العبد عن تصرفات الولد عند خروجه ودخوله من البيت، فأخبرته أنه يمر ليرى المهرة في كل مرة عند دخوله وعند خروجه، فعرف العبد علاقة المهرة بالموضوع، وقال لها يجب أن نتخلّص من المهرة حتى نستطيع أن نتخلّص من الولد، وطلب منها أن تتظاهر بالمرض وتترك الباقي عليه.
حضر الملك يوماً فوجدها مريضة تتوجع من الألم، فحزن عليها، وأحضر لها أمهر الأطباء في المملكة فعجز الجميع عن علاجها، فلبس العبد ثياب الأطباء وحمل حقيبة، وحضر إلى القصر ومر من أمامه وهو ينادي: أنا الطبيب أنا المداوي أنا أشفي كل الأمراض الغريبة.
فسمع الملك وأمر بإحضاره، فدخل العبد على أنه الطبيب المداوي وتعهد بشفاء الملكة، وبعد أن فحصها طويلاً، قال للملك: إن مرض الملكة غريب لم أر مثله من قبل، وطلب من الملك أن يتركه لوحده في غرفة لمدة ثلاث ساعات حتى يتوصل إلى طريقة ودواء لعلاج هذا المرض الغريب الذي أصاب الملكة، فوضع الملك تحت تصرفه غرفة خاصة، فاختلى بها وعمل نفسه أنه يقرأ في كتبه القديمة، وبعد ثلاثة ساعات خرج وهو منهك وقال للملك: يا مولاي تبين لي أن الملكة ليست مريضة بل مسحورة من قبل ملك الجان الأزرق، والتعامل معه صعب جداً ويحتاج إلى شروط وطلبات كثيرة، فطلب منه الملك أن يفك لها السحر مهما كلّف الأمر، وسيعطيه كل ما يريد.
عاد العبد إلى الغرفة وبقي فيها ساعة من الزمن ثم خرج، وقد تمزّقت ثيابه وانتفش شعره واصفرّ لونه، وقال: يا مولاي بعد جهد كبير وعراك طويل توصلّت مع ملك الجان إلى طريقة لفك السحر، وهي أن تدهن جسد الملكة بدم مهر صغير أشهب بين عينيه غرّة بيضاء وتأكل قلبه، وهذا يجب أن يتم في أسرع وقت ممكن قبل أن يفوت الأوان.
عرف الملك أن المهر المطلوب هو مهرة ولده، فحزن كثيراً وقرّر أن يكلم ولده بالأمر غداً.
في الصباح دخل الولد إلى المهرة، فوجدها تبكي بغزارة، فسألها عن السبب فأجابته: يا أمير الموضوع وصل للنهاية
وسيطلبني الملك للذبح، فحزن الولد حزناً شديداً وسألها عن الحل. فأجابته المهرة: عندما يطلبني أبوك منك غداً وافق
وقل له: تكرم يا أبي المهر غال عليَّ، لكن من أجل خالتي أعطيك إيّاه حتى تذبحه، لكن عندي طلب منك قبل ذلك أرجو تحققه لي، فالمهرة ربيتها وتعبت عليها كثيراً حتى كبرت ولم أركبها، فأريد منك أن تعمل لي سباق وتجمع لي الفرسان حتى أتودّع منها، وبعدها تأخذها وتفعل بها ما تشاء، وعندما يوافق أبوك ويحدّد الموعد تجهز (زوّادتك) وبعض المال واترك الباقي عليّ.
وافق الملك على طلب ابنه وفرح على رضاه بذبح المهرة، وقرّر في اليوم التالي أن يقيم السباق ونادى   بالفرسان أن تجتمع في الميدان، ودخل الأمير إلى المهرة وأسرجها ووضع زوادته من الطعام والمال في خرج على ظهرها، وركبها واصطف مع الفرسان.
بدأ السباق فانطلق الابن بفرسه وصاح على والده: الوداع يا أبي دير بالك من خالتي فإنها كاذبة وشريرة، وفي لمح البصر غابت المهرة والأمير عن أعين الناس، ولم يدر أحد أين اختفيا.
وجد الأمير نفسه في بلاد غريبة، فقالت له المهرة الحمد لله على السلامة، الآن أصبحتَ بعيداً عن خالتك وبلاد أهلك ولن يطالك هنا أحد، خذ المال والطعام وشعرة من ذيلي، واسرح في بلاد الله الواسعة حتى يفرجها الله عليك، وإذا وقعت في مشكلة واحتجتني فاحرق الشعرة تجدني أمامك في الحال، ثم ودعته وبكيا على الفراق واختفت المهرة.
سار الأمير أياماً حتى صادف راعي على مشارف مدينة، فسلّم عليه وجلس معه وسايره، وعرف منه أخبار هذه البلاد، ثم أعطاه ليرة ذهبية فذبح له الراعي إحدى الاغنام وشواها، وأكلا منها حتى شبعا ونام عنده حتى الصباح، فأعطاه ليرة أخرى وبادل ثيابه مع ثياب الراعي العتيقة والوسخة، ووضع قطعة من ( كرشة ) الغنمة على رأسه فظهر كالأقرع، وودّعه وسار حتى دخل إلى المدينة وتجوّل فيها حتى تعب، فوصل إلى قرب قصر كبير تسكن فيه بنات الملك الثلاث، وحوله بستان كبير وفيه بستاني عجوز يعتني بالأشجار والورود فيه، فأعجب الأمير الشاب بهذا القصر وحديقته الغناء.
رأى البستاني الأمير يدور حول القصر فسأله عن أخباره فأجابه أنه غريب، وفقير ويبحث عن عمل. فحن عليه البستاني وأدخله إلى القصر ورحب به وعينه معاوناً له يساعده في عمل البستان، فرح الأمير وعمل بجد ونشاط وفرح به البستاني وأحبه لأنه أراحه من عمله الشاق وأكرمه ووثق به.
بعد أيام أراد البستاني العجوز أن ينزل إلى المدينة للتبضع، فأوصى الأمير بالبستان وطلب منه أن يمنع دخول أحد إليه حتى لا يخرّب فيه، فطمأنه الأمير.
ذهب العجوز وجلس الأمير تحت الشجرة ليرتاح فتذكّر صديقته المهر، فأخرج الشعرة وحرقها فحضر أمامه في الحال. سلّم عليه وعانقه وجلسا يتحادثان، كانت الأميرة الصغيرة ترى من شباك القصر ما يفعل الأمير دون أن ينتبه إليها، فقام الأمير وركب مهرته ولبس لباس الفرسان، وأخذ يجري يميناً وشمالاً ويخرّب في البستان، ويقطّع الأغصان حتى تعب فنزل عن فرسه، وأخذ شعرة من ذيله وودعه ولبس ثيابه القديمة ونام تحت الشجرة.                                             
حضر العجوز فرأى ما حل بالبستان من الخراب، فطار عقله وأيقظ الأقرع من نومه وصرخ بوجهه وبهدله، وأراد أن يضربه لكن الأميرة الصغيرة صاحت به، وأمرته أن يتركه فتعجّب من موقفها.
في اليوم التالي طلبت الأميرة من البستاني أن يرسل لها الأقرع ليحمل الزبالة من القصر، فأرسله لها وأوصاه أن يكون مؤدباً، فلمّا دخل الأمير طار عقله ممّا رأى في القصر من عجائب، وغرائب الدنيا ولمح الأميرة الصغيرة، فرأى فتاة مثل القمر في الحسن والجمال، وعليها حلّة رائعة زادتها رونقاً وسحراً.
استقبلته الأميرة ورحبت به وطلبت منه أن يجلس قربها لتتحدّث معه، وهو مستغرب ومتعجب من موقفها منه، فاعتذر عن الجلوس لأنه ليس مقامه، ضحكت الأميرة وأعطته كيس الزبالة وكيسا آخر فيه وزّة محشية بالرز والصنوبر ليأكلها، فعاد بها إلى البستاني وحدثه بما جرى معه، فاستغرب البستاني من هذا الكرم على غير العادة، وجلسا معاً يأكلان حتى شبعا وناما تلك الليلة.
في الصباح جاء الخبر إلى الملك أن جيشاً جرّاراً جاء يغزو مدينتهم، فجهّز الملك جيشه الصغير ليدافع عن المدينة داخل الأسوار، أمّا الأمير الأقرع لمّا سمع بالخبر أحرق الشعرة، فحضر المهر أمامه ولبس ثياب الفرسان، وهجم على الجيش وقتل الفرسان وأهلك الجنود وهرب الباقون مدحورين، بينما الأميرة كانت تراقب ما يحدث من شرفة القصر، والملك وجنوده يرون من فوق الأسوار ما يجري، تعجّب الملك من هذا الفارس الجبّار الذي جرح إصبعه أثناء القتال، فرمى له منديله فلفّ به جرحه ثم اختفى الفارس عن الأنظار، وعاد إلى البستان وعمل نفسه نائماً لا علم له بشيء.
كان للأميرة الصغيرة شقيقتان عازبتان ففكّرت الأميرة الصغيرة بطريقة تتزوج من الفارس المجهول بعد أن عرفته وأحبته ولم تعد تصبر عنه، وأن تعمل على تزويج أخواتها أيضاً، فانتقت ثلاثة تُفَّاحات واحدة ناضجة جدا والثانية نصف ناضجة والثالثة غير ناضجة، وأرسلتها في صينية إلى الملك، استغرب الملك الأمر ولم يعرف معناه، فسأل وزيره الحكيم عن تفسيره؟ فقال الوزير: يا ملك الزمان أعطني الأمان، فأعطاه الأمان فقال: أنت عندك ثلاث بنات الأولى كبرت وقطعت سن الزواج، والثانية لاحقتها، والثالثة أصبحت على أبواب الزواج، ولا تريد أن يفوتها القطار، وهذه رسالة من الأميرة تقول فيها أنها ترغب بالزواج، وأنه يجب تصرف أخواتها من طريقها.
فرح الملك بهذا الطلب وقرّر أن يلبيه ويزوج بناته، فأحضر بناته الثلاث وشاورهم بالأمر، فاختارت الكبيرة ابن الوزير والوسطى ابن قائد الجيش، أمّا الصغيرة فطلبت من والدها أن يقيم مهرجاناً كبيراً يحضره جميع الشباب، ومن سيقع عليه الاختيار سترميه بتفّاحة ذهبية ويصبح زوجها.
وافق الملك على طلبها وأمر بالاستعداد والتجهيز للمهرجان، وفي اليوم الموعود مرّ جميع شباب المدينة، ولم يبق أحد سوى الأقرع، ولم ترمي أحداً بالتفاحة، فغضب الملك وسألها عن السبب فقالت له: ما زال هناك شاب لم يحضر، فطلب الملك من شرطته أن يفتشوا عنه، فلم يجدوا سوى الأقرع نائماً تحت الشجرة فحملوه، وأحضروه إلى الملك، وعندما حضر رمته الأميرة بالتفّاحة، فغضب الملك وحزن واستاء من اختيار ابنته، لكنه رضخ لشرطها الذي وافق عليه، ووعدها بتنفيذه سابقاً، فأمر بزواجها من الأقرع، وقرّر طردهما من المدينة، لكن الملك لم يتحمل الصدمة فمرض من الحزن ونام في سريره، وحضر أشهر الأطباء لمعالجته دون جدوى.
أمّا حكيم الأطباء المشهور، فقد رأى أن حالته لا يشفيها إلاّ أن يأكل من لحم الريم ويشرب من حليبه، فنادى الملك أن كل من يحضر له المطلوب سيملّكه نصف المملكة ويعينه ولياً لعهده.
وكان هذا الريم غير موجود إلا في جبال بعيدة وعالية لا يطالها أحد، فخرج أزواج بناته الثلاث وسافروا في طلب
الريم، أمّا الأقرع فإنه أحرق الشعرة خارج المدينة فحضرت المهرة أمامه، فركبها وبلمح البصر كان فوق الجبال، فاصطاد ثلاثة من الريم وذبحها وسلخها، وجمع حليبها في ثلاث زجاجات، وأخذ مرارة الريم، وفقأها على لحم اثنين منهما، وصب على حليبهما منها وترك الثالثة نظيفة، ثم علّقهم على المهر وعاد مسرعاً.
في الطريق قابل عديليه نائمين من التعب تحت الشجرة، فرأيا ما معه، فعرضا عليه أن يشترياها منه، لكنه رفض أخذ المال وأعطى كل منهما ريماً، وزجاجة حليب هدية دون مقابل ففرح الشباب وجدوا مسرعين عائدين إلى القصر.
عادوا إلى المدينة فحضرت ابنته الكبرى وزوجها إلى القصر، وقدّما للملك اللحم والحليب، ذاق فإذا هو مر كالعلقم، فأمر بسجنهما. وجاءت الثانية وزوجها فقدما اللحم والحليب للملك فوجده علقماً أيضاً، فأمر بسجنهما. أما ابنته الصغيرة فجاءت وحدها وقدمت لأبيها اللحم والحليب، فوجده طيباً لذيذاً فأكل من لحمه، وشرب من حليبه وشفي في الحال، لكنه قرّر أن يقطع رأس أزواج بناته الثلاثة، فلما أحضروا الأقرع بين يديه رأى منديله ملفوفاً على إصبعه التي جرحت في المعركة، فعرف أنه منديله الذي أعطاه للفارس المجهول وقت الحرب، وأخبرته ابنته أنه هو من أحضر الريم إليه، ففرح وحضنه وعرف قصته وأنه أمير وابن ملك، فأمر بإقامة الاحتفالات وجدّد الأعراس، والأفراح سبعة أيام وسبع ليال لا أحد يأكل أو يشرب إلاّ من بيت الملك وعاشوا باللذة والنعيم وطيب الله عيش السامعين.




9
من حكايات جدتي ... التسعون
الصياد والعفريت
بدري نوئيل يوسف
اجتمعنا حول مدفئة النفط القديمة، وقد وضعت جدتي على رأس المدفئة قطعة من النحاس ووضعت بداخلها البلوط وتنتظر حتى يستوي أي ينطبخ وتعطيه بعد أن يبرد علاجا للاضطرابات الامعاء وعلاج للإسهال للأطفال المصابين. كما تقوب يستخدم ثمار البلوط لعلاج مرض حموضة المعدة عن طريق اكلها. يُمكن الاستفادة من مغلي ورق البلوط لعلاج التهابات الفم وآلم الأسنان عند استخدامه كغرغرة.
سأل أحدنا جدتي: رأيت أم البنات جارتنا شاحبة الوجه لا تقدر على حمل بنتها الصغيرة.
قالت جدتي: جارتنا مريضة اصيبت بهذا المرض الذي لا علاج له بعد ولادة بنتها التاسعة، وهو مرض الغم والهم.
اسمعوا هذه الحكاية حتى تعرفوا ما هو المرض: كان أحد الملوك القدماء سمينا كثير الشحم واللحم، يعاني من زيادة وزنه، فجمع الحكماء لكي يجدوا له حلا لمشكلته، ويخففوا عنه قليلا من شحمه ولحمه، لكن لم يستطيعوا أن يعملوا للملك شيء.
جاء رجل عاقل حكيم إلى قصر الملك، وعرض الملك عليه أن يعالجه ويعطيه كل ما يريد.
قال الرجل: أنا حكيم ومنجم، دعني حتى أنظر الليلة في طالعك، لأرى أي دواء يصلح لك.
فلما أصبح جاء إلى ديوان الملك وقال له: أيها الملك اعطيني الأمان.
فلما أمنه، قال الحكيم: رأيت طالعك يدل على أنه لم يبق من عمرك غير شهر واحد، فإن اخترت عالجتك وإن أردت التأكد من صدق كلامي فاحبسني عندك، فإن كان لقولي حقيقة اتركني، وإلا فاقتص مني.
طلب الملك من وزيره أن يحبسه، ثم أحتجب الملك عن الناس وبقى وحده مغتما، فكلما انسلخ يوم ازداد هما وغما حتى هزل وخف لحمه ومضى على ذلك ثمان وعشرون يوما، طلب الملك من الوزير أن يخرج الحكيم من السجن، بعدما أخرجه قال له الملك: انظر إلى حالي؟
قال الحكيم: أعز الله الملك، أنا أهون على الله من أن أعلم الغيب، والله إني لا أعلم عمري فكيف أعلم عمرك. ولكن لم يكن عندي دواء إلا الغم فلم أقدر أجلب إليك الغم إلا بهذه الحيلة فإن الغم يذيب الشحم.
فأجازه الملك على ذلك وأحسن إليه غاية الإحسان، وذاق الملك حلاوة الفرح بعد مرارة الغم.
أرجو من الله أن تذوق أمتنا الفرح بعد كل هذا الغم الذي نعيشه اليوم.
نعود لحكايتنا اليومية: رجل صياد كان طاعناً في السن وله زوجة وثلاثة أولاد، وهو فقير الحال، وكان من عادته أنه يرمي شبكته كل يوم أربع مرات لا غير، خرج يوماً من الأيام في وقت الظهر إلى شاطئ البحر، وطرح شبكته وصبر إلى أن استقرت في الماء ثم جمع خيوطها فوجدها ثقيلة، فجذبها فلم يقدر على ذلك فذهب إلى البر ودق وتداً وربطها فيه ثم تعرى وغطس في الماء حول الشبكة، وما زال يعالج حتى أطلعها ولبس ثيابه وأتى إلى الشبكة فوجد فيها حماراً ميتاً، فلما رأى ذلك حزن، قائلا مع نفسه: أن هذا الرزق عجيب.
ثم أن الصياد لما رأى الحمار ميت خلصه من الشبكة وعصرها، فلما فرغ من عصرها نزل البحر ثانية، وطرحها فيه، وصبر عليها حتى استقرت، ثم جذبها فثقلت ورسخت أكثر من الأول، فظن أنه سمك ربط الشبكة وتعرى وغطس، ثم عالجها إلى أن خلصها وأطلعها إلى البر فوجد فيها زيراً كبيراً، وهو ملآن برمل وطين فلما رأى ذلك تأسف. ثم إنه رمى الزير وعصر شبكته ونظفه،ا وعاد إلى البحر مرة ثالثة ورمى الشبكة، وصبر عليها حتى استقرت وجذبها فوجد فيها شفافة وقوارير.
ثم أنه رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم أنك تعلم أني لم أرم شبكتي غير أربع مرات، وقد رميت ثلاثا، رمى الشبكة في البحر وصبر إلى أن استقرت وجذبها فلم يطق جذبها، وإذا بها تعلقت في الأرض فتعرى وغطس، عليها وصار يعالج فيها إلى أن طلعت على البحر وفتحها فوجد فيها قمقما من نحاس أصفر وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سيدنا سليمان، فلما رآه الصياد فرح وقال: هذا أبيعه في سوق النحاس فإنه يساوي عشرة دنانير ذهبا ثم حركه فوجده ثقيلاً فقال: لا بد أني أفتحه وأنظر ما فيه ثم اضعه في الخرج حتى أبيعه في سوق النحاس، أخرج الصياد سكينا، وعالج في الرصاص إلى أن فكه وحطه على الارض وهزه لينكث ما فيه فلم ينزل منه شيء ولكن خرج من ذلك القمقم دخان صعد إلى السماء ومشى على وجه الأرض فتعجب غاية العجب وبعد ذلك تكامل الدخان، واجتمع ثم انتفض فصار عفريتاً رأسه في السحاب ورجلاه في التراب برأس كالقبة وأيدي كالمداري ورجلين كالصواري، وفم كالمغارة، وأسنان كالحجارة، وأنف كالإبريق، وعينين كالسراجين، أشعث.
فلما رأى الصياد ذلك العفريت ارتعدت فرائصه وتشبكت أسنانه، ونشف ريقه وعمي عن طريقه فلما رآه العفريت قال: لا تقتلني فإني لا عدت أخالف لك قولاً وأعصى لك أمراً، فقال له الصياد: أيها المارد أتقول سليمان نبي الله، وسليمان مات من مدة ألف وثمانمائة سنة، ونحن في آخر الزمان فما قصتك، وما حديثك وما سبب دخولك إلى هذا القمقم. فلما سمع المارد كلام الصياد قال: أبشر يا صياد، فقال الصياد: بماذا تبشرني فقال بقتلك في هذه الساعة أشر قتلة، قال الصياد: تستحق على هذه البشارة يا عفريت زوال الستر عنك، لأي شيء تقتلني وأي شيء يوجب قتلي وقد خلصتك من القمقم ونجيتك من قرار البحر، وأطلعتك إلى البر، فقال العفريت: قول لي أي موتة تموتها، وأي قتلة تريدها، قال الصياد ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك.
قال العفريت اسمع حكايتي يا صياد، قال الصياد: قل وأوجز في الكلام فإن روحي وصلت إلى قدمي. قال اعلم أني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود وأنا صخر الجني فأرسل لي وزيره آصف ابن برخيا فأتى بي مكرهاً وقادني إليه وأنا ذليل على رغم أنفي وأوقفني بين يديه، فلما رآني سليمان استعاذ مني وعرض علي الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت، فطلب هذا القمقم وحبسني فيه وختم علي بالرصاص وطبعه بالاسم الأعظم، وأمر الجن فحملوني وألقوني في وسط البحر فأقمت مائة عام وقلت في قلبي كل من خلصني أغنيته إلى الأبد فمرت المائة عام ولم يخلصني أحد، ودخلت مائة أخرى فقلت كل من خلصني فتحت له كنوز الأرض، فلم يخلصني أحد فمرت علي أربعمائة عام أخرى فقلت كل من خلصني أقضي له ثلاث حاجات فلم يخلصني أحد فغضبت غضباً شديدا،ً وقلت في نفسي كل من خلصني في هذه الساعة قتلته ومنيته كيف يموت، وها أنك قد خلصتني ومنيتك كيف تموت. فلما سمع الصياد كلام العفريت قال: يا الله العجب أنا ما جئت أخلصك إلا في هذه الأيام، ثم قال الصياد للعفريت، اعف عن قتلي يعف الله عنك، ولا تهلكني، يسلط الله عليك، من يهلكك. فقال لا بد من قتلك، اختار أي موتة تموتها فلما تحقق ذلك منه الصياد راجع العفريت وقال اعف عني إكراماً لما أعتقتك، فقال العفريت: وأنا ما أقتلك إلا لأجل ما خلصتني، فقال الصياد: يا شيخ العفاريت هل أصنع معك مليح، فتقابلني بالقبيح ولكن لم يكذب المثل حيث
فلما سمع العفريت كلامه قال لا تطمع فلا بد من موتك، فقال الصياد هذا جني، وأنا إنسي وقد أعطاني الله عقلاً كاملاً وها أنا أدبر أمراً في هلاكه، بحيلتي وعقلي وهو يدبر بمكره وخبثه، ثم قال للعفريت: هل صممت على قتلي قال نعم، فقال له بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان أسألك عن شيء وتصدقني فيه، قال نعم، ثم إن العفريت لما سمع ذكر الاسم الأعظم اضطرب واهتز وقال: اسأل وأوجز، فقال له: كيف كنت في هذا القمقم، والقمقم لا يسع يدك ولا رجلك فكيف يسعك كلك، فقال له العفريت: وهل أنت لا تصدق أنني كنت فيه فقال الصياد لا أصدق أبداً حتى أنظرك فيه بعيني.
لما قال الصياد للعفريت لا أصدقك أبداً حتى أنظرك بعيني في القمقم فانتفض العفريت وصار دخاناً صاعداً إلى الجو، ثم اجتمع ودخل في القمقم قليلاً، حتى استكمل الدخان داخل القمقم وإذا بالصياد أسرع وأخذ سدادة الرصاص المختومة وسد بها فم القمقم ونادى العفريت، وقال له: اختار أي موتة تموتها لأرميك في هذا البحر وأبني لي هنا بيتاً وكل من أتى هنا أمنعه أن يصطاد وأقول له هنا عفريت وكل من أطلعه يبين له أنواع الموت يخبره بينها. فلما سمع العفريت كلام الصياد أراد الخروج فلم يقدر ورأى نفسه محبوساً ورأى عليه طابع خاتم سليمان وعلم أن الصياد سجنه وسجن أحقر العفاريت وأقذرها وأصغرها، ثم أن الصياد ذهب بالقمقم إلى جهة البحر، فقال له العفريت لا، لا فقال الصياد: لا بد لا بد فلطف المارد كلامه وخضع وقال ما تريد أن تصنع بي يا صياد، قال: ألقيك في البحر إن كنت أقمت فيه ألفاً وثمانمائة عام فأنا أجعلك تمكث إلى أن تقوم الساعة، أما قلت لك أبقيني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فأبيت قولي وما أردت إلا غدري فألقاك الله في يدي فغدرت بك، فقال العفريت افتح لي حتى أحسن إليك فقال له الصياد تكذب يا ملعون، ابقى في هذا المصباح النحاسي حتى تقيم الساعة.


10
من حكايات جدتي ... التاسعة والثمانون
المرأة الشريفة
بدري نوئيل يوسف
 حدثتنا جدتي عن كثرة العراك والخلافات بين جارتنا أم البنات وحماتها، قالت بحزن شديد:
ـ لم تمضي أيام قليلة بعد عودة العروسين من شهر العسل، انتقلت الكنة تسكن لكي مع حماتها في بيت واحد، ووجدت الكنة أنها لم تَعُد قادرة على المعيشة مع حماتها على الإطلاق، ووجدت أن شخصيتها لا تتناسب، بل تختلف كل الاختلاف عن شخصية حماتها، وكذلك شخصية حماتها نفس الشيء تختلف عنها، فقد كانت الكنة تغضب من كثيرٍ من عادات حماتها، بالإضافة إلى أن حماتها كانت تنتقد الكنة دائماً. ومرَّت الأيام، وعَبَرَت الأسابيع، والكنة وحماتها لا تكفَّان عن العراك والجدال، ولكن ما جعل الأمر أسوأ وأسوأ، هو أنه بحسب التقاليد العشائرية يجب على الكنَّة (زوجة الابن) أن تخضع لحماتها وتطيعها في كل شيء. وقد تسبَّب كل هذا الغضب والشقاء لزوجها بالحزن والألم الشديد. وأخيراً، وجدت الكنة أنها لا يمكنها أن تقف هكذا في مواجهة سوء تصرف حماتها وتحكُّمها فيما بعد، فقررت أن تفعل أي شيء لتلافي ذلك.
 في أحد الأيام توجَّهت الكنة إلى صديق حميم لوالدها، فهو عطار أعشاب طبية في القرية، وأخبرته بكل الوضع وسألته إن كان يمكنه أن يعطيها بعض الأعشاب السامة حتى تحل مشكلتها مع حماتها مرة واحدة وإلى الأبد، وفكَّر العطار مليّاً برهة من الزمن، وأخيراً قال بثقة وجدية:
ـ سوف أساعدك على حل مشكلتك، ولكن عليكِ أن تنصتي لِمَا أقوله لكِ وتطيعيني.
فردَّت عليه الكنة بفرح وسرور:
ـ حاضر يا ملك العطارين، سوف أفعل كل ما تقوله لي.
دخل العطار إلى الغرفة الداخلية لدكانه، ورجع بعد عدة دقائق حاملاً رزمة من الأعشاب، وقال للكنة :
ـ أنتِ لا تستطيعين استخدام سم سريع المفعول لتتخلَّصي من حماتكِ، لأن ذلك سوف يثير الشك في نفوس أهل القرية، لذلك فقد أعطيتكِ بعض الأعشاب التي تبني السموم في جسمها، وعليكِ يوماً بعد يوم أن تُعدِّي لحماتك أكلة لذيذة الطعم وتضعي فيها قليل أعشاب في إناء للطبخ، ولكي تتأكَّدي من أنه لن يشكَّ فيكِ أحد حينما تموت، فلابد أن تكوني واعية جداً أن تتصرفي معها بطريقة ودية جداً، فلا تتجادلي معها وأطيعها في كل رغباتها، بل عامليها كأنها ملكة البيت.
فرحت الكنة كثيرا، وشكرت العطار، وأسرعت إلى البيت لتبدأ خطة التخلص من حماتها، ومرت الأسابيع، وتتابعت الشهور، والكنة تُعِدُّ الطعام الخاص الممتاز كل يوم لحماتها، وتعاملها كأنها أُمها.
وبعد مرور ستة أشهر، تغيَّر كل شيء في البيت. بدأت الكنة تمارس ضبط غضبها من حماتها، حتى أنها وجدت أنها لم تَعُد تتصرَّف معها بحماقة أو بغضب، وظلَّت الكنة لا تدخل في مجادلات مع حماتها لمدة ستة اشهر، لأن حماتها بدأت تعاملها بحنان ومودة أكثر. وهكذا تغيَّر اتجاه الحماة تجاه الكنة، وبدأت تحبها كأنها ابنتها، بل صارت تحكي لصديقاتها وأقاربها أنه لا توجد كنَّة أفضل منها، وبدأت الكنة مع حماتها يتعاملان معاً كأم حقيقية مع ابنة حقيقية! أما زوج الكنة فعاد سعيداً جداً وهو يتعجب مما يحدث.
ولكن الكنة كانت منزعجة من شيء ما. فتوجَّهت إلى العطار وقالت له:
ـ يا ملك العطارين أرجوك أن تساعدني لتجعل السمَّ الذي أعطيته لي لا يقتل حماتي! فقد تغيَّرتْ إلى سيدة طيبة، وصرتُ أحبها كأنها أُمي. أنا لا أريدها أن تموت بالسم الذي وضعته لها في الطعام.
ابتسم العطار وأطرق برأسه قليلاً ثم قال لها:
ـ يا بنتي ليس هناك ما يثير انزعاجك، فأنا لم أعطِكِ سمّاً، فالأعشاب التي أعطيتها لكِ كانت فيتامينات لتقوية صحتها، السمُّ الوحيد كان في ذهنكِ أنتِ وفي مشاعرك تجاهها، ولكن كل هذا قد زال بمحبتكِ التي قدَّمتيها لها. أما المثل الشعبي الذي لا ينطبق على هذه الكنة: "الحماة ما تحب الكنة ولو كانت حورية من الجنة"
نعود لحكايتنا اليومية: كان يا ما كان، شيخ عرب وعنده بنت وحيدة جميلة وصاحبة دين وأخلاق حميدة اسمها كوكب، وكانت تحب أباها وتخدمه، وتصنع له القهوة المرّة ولها دقّة مهباج رائعة ومميزة ومشهورة بين الناس، وكان عندهم عبد أسود يخدمهم ويلبي حاجاتهم.
في أحد الأعوام أراد الشيخ أن يذهب إلى الحج، فجهّز نفسه وأوصى العبد بابنته خيراً وودّعهم وسافر، وفي أحد الأيام عاد العبد إلى البيت فوجد كوكب بالحمّام، وأراد الاعتداء عليها، فقاومته وضربته بالعصا، فكسرت رجله وقعد بالأرض لا يتحرك، فحقد عليها وصمّم على الانتقام منها.
لمّا عاد أبوها من الحج رأى العبد مكسوراً، فسأله عن السبب؟ فطلب منه الأمان، فأعطاه الأمان فقال له:
ـ يا سيدي ابنتك صاحبت رجلاً وأحضرته إلى البيت، فلما أردت منعها ضربتني هي وصاحبها، فكسرا رجلي وقعدت على الأرض منذ ذاك اليوم.
فغضب الأب وفار دمه وطلب ثلاثة رجال من القبيلة، وأمرهم أن يأخذوها إلى البرية ويرموها هناك،  ويتخلصون منها، فأخذها الرجال ولما ابتعدوا عن المضارب أرادوا أن يعتدون عليها، وصاروا يتقاتلون مع بعضهم ، فقالت لهم:
أنا أحلّ الخلاف بينكم سأرمي حجراً بالمقلاع ومن يسبق ويعود بها أكون له، فوافقوا ورمت الحجر بعيداً، فتسابقوا عليها، ولمّا ابتعدوا ركبت الفرس وسابقت الريح وهربت منهم، ومرت في طريقها على عين، فنزلت عليها وغسّلت وجهها وشربت، وجلست ترتاح تحت شجرة ونامت .
مرّ أحد أمراء العرب فشاهدها وأعجبه حسنها وجمالها، فعاد بها إلى القبيلة وكتب كتابه عليها، وتزوجها وبعد أعوام ولدت له ولدين، بعد فترة من الزمن وفي أحد الأيام قالت لزوجها:
لقد اشتقت لأهلي وأريد أن أذهب إليهم لتطمئن على والدي.
وكان الأمير مشغولاً فطلب من أخيه أن يوصلها إلى أهلها، ويبقى معها عندهم مدّة أسبوع ثم يعيدها إلى القبيلة. أخذها شقيقه وسارا في طريقهم إلى ديار أهلها، وفي الطريق نزلا قرب بئر ماء ليأكلا ويشربا ويرتاحا قليلاً، حاول الأخ الاعتداء عليها، فرفضت، وهدّدها بأن يرمي أولادها في البئر، ولكنها رفضته بقوة، فرمى الأولاد واحداً بعد الآخر وهي مصرة على موقفها، ثم رماها وراءهم في البئر وعاد إلى دياره، وقال لأخيه:
ـ زوجته هربت مني في البرية، وأنا نائم وبحث عنها كثيراً فلم أجدها.
غضب زوجها كثيراً وحزن لأمرها، وصمّم أن يبحث عنها ويجدها لكي يؤدبها ويغسل عاره منها.
أما المرأة والأولاد فقد جاء أحد الرعاة ليسقي غنمه، فسمع صوت أنين في البئر فنزل وأخرجها من البئر وأنقذها وأخرج الولدين ميتين، وأخذها إلى مضارب قبيلته ورعاها حتى صحّت، فأخذت ثياب من الراعي، ولبست ثياب الرعاة، ووضعت على رأسها عقالاً وحطّة وتلثّمت، وتابعت طريقها حتى وصلت مضارب أهلها فدخلت ضيفة على أبيها، فرحب بها وأضافها ثلاثة أيام بعدها قالت له:
ـ أنا غريبة ومقطوعة، وأرغب أن أبقى عندكم لخدمتكم، وأعمل عندكم مقابل مبيتي وأكلي.
وافق والدها ولم يتعرف عليها، فصارت تنظّف وتكنس وتطبخ له وتصنع القهوة المرّة، وعندما كانت تدق على المهباج تذكّر والده ابنته فبكى عليها. أمّا العبد فقد أحس بالشؤم من سماع دقة المهباج، وتذكّر فعلته مع ابنة سيده، فكره هذه المرأة الدخيلة والغريبة والملثمة، وصمّم على التخلص منها بأقرب فرصة.
 لم تمضي عدة أيام حتى حضر زوجها وأخوه الذي خرج للبحث عنها إلى بيت هذا الشيخ، فرحب بهما وقدّم لهما الطعام، و قال له أنه تزوج ابنتك وقد جاءت لزيارتكم ولكنها هربت و معها ولدان، فنفى والدها أنه شاهدها ، في المساء اجتمع أفراد القبيلة عند الشيخ، وبينهم الرجال الثلاثة الذين أخذوا البنت إلى البرية، وزوجها وأخوه والعبد وطالت سهرتهم، طلب الشيخ من المرأة الملثمة أن تقص عليهم حكاية لتمضية السهرة، وكانت تنتظر الفرصة لتكشف نفسها وتفضح الجميع أمام والدها وزوجها.
بدأت بسرد قصتها دون أن تذكر الأسماء، ولما وصلت لذكر ما فعل العبد صرخ بها، واتهمها العبد بالكذب وأن حكايتها قبيحة، وأراد الخروج فأمره الشيخ بالجلوس، وقد أحس الوالد بأن قصة هذا المرأة الغريبة تشبه قصة ابنته، ولما وصلت إلى الرجال الثلاثة قاموا ليسكتوها ويضربوها، فأمر رجاله باحتجازهم، فتابعت الحكاية إلى أن وصلت إلى قصة الأمير زوجها، فعرف أنها تحكي قصته، ففرح بها كثيراً واستبشر خيراً وعندما بدأت بقصة أخيه قام أخوه غاضباً وسحب سيفه، وأراد أن يضرب عنقها فأوقفه رجال القبيلة، وعندها قامت ورمت العقال والحطّة عن رأسها، فعرفها الجميع وفرح الأب والزوج لنجاة كوكب من كل هذا الظلم، وحاكموا الجميع ونالوا جزاء أفعالهم الشنيعة ثم أقاموا الأفراح من جديد وعاد العروسان إلى ديار القبيلة وجدّدوا الأفراح والليالي الملاح، وعاشوا بالثبات والنبات وخلّفوا صبيان وبنات .

11
من حكايات جدتي ... الثامنة والثمانون
الشيخ بشر وزوجته حسنه
بدري نوئيل يوسف
في هذه الليلة قبل أن تبدأ جدتي بحديثها اليومي سألها أحد الأطفال عن معنى كلمة (قز القرط) التي مرات تستعملها عند يزعجها أحد الأطفال بصياحه أو حركاته الصبيانية.
قالت جدتي: (قز القرط) كلمة تركيه معناها الذئب الأحمر، وهو أشرس الذئاب التي تأكل بطن الانسان، أولاً فكانت تلك الذئاب الحمراء تخافها العرب والعشائر، لأن لديها فنون قتل مخيفة، عندما تمسك بالإنسان لا تعطي له الرحمة فهي أولا تنهش بطنه، وتتركه حي، لكي ينظر اليها ثم ما بعد البطن ثم تصعد على قلبه، فقد كانت دعاء العرب على أحدهم الاخر بهذا الدعاء وهو القز القرط اي اتمنى ان يوجد ذئب احمر يأكل بطنك.
بعدما عرفنا معنى الكلمة وعدتنا جدتي ألا تستعملها مرة أخرى على شرط ألا يزعجها أحد.
سألتها ما معنى زق نبوت التي تستعمليها أيضا يا جدتي:
قالت: يُقال في زمن الحكم العثماني عندما كان الأتراك في مصر، يعاقبون بعض الخارجين عليهم بأن يُحضروا
العصاة المسماة في مصر (نبّوت)، ثم يتم ادخالها في فم الشخص المراد تعذيبه، حتى تخرج من (دبره)، أمام حشد من الجمهور، وكان هذا يُسمّى(زق) أي ادخال الشيء في الفم بدون مضغ و(النبوت)وهي العصاة فصار (زق النبوت) أو (زقنبوت) وبقي الناس يتذكرون هذه الطريقة الوحشية في التعذيب، فأصبحت نوع من الشتيمة، وانتقلت من مصر إلى بلدنا وكذلك وعدتنا ألا تستعملها ثانية.
نعود لحكايتنا اليومية بعدما تحلقنا حول المدفأة، قالت جدتي، كان في قديم الزمان شيخ قبيلة اسمه بشر، تعيش معه أمه وأخته، وكان مضرباً عن الزواج رغم أنه وسيم وكريم، ومشهور بين القبائل.
سمعت بقصته أميرة تسمّى حسنة بنت الشيخ حمدان، فقرّرت أن تصل إليه وتتزوجه، فحضرت إلى القبيلة متنكّرة بملابس الرجال برفقة والدها، فنزل ضيفان على الشيخ بشر، فأكرمهما لمدّة ثلاثة أيام، وعندما أرادا الرحيل طلبت من الشيخ بشر أن يساعدها في الركوب على الفرس، فأمسك بيدها فأحسّ بنعومتها، ولمّا رفعها بان شعرها مثل الحرير فعرف أنها فتاة، ونظرت إلى الشيخ بشر نظرة ساحرة أفقدته صوابه، ومضيا إلى ديارهما، فأضرمت النار في قلبه وزادت اشتعالاً بعد سفرها، ولم يعد يستطيع أن ينام، فجمع وجهاء القبيلة وحكى لهم لواعج نفسه (الْحُبُّ اللاَّهِبُ الْمُحْرِقُ)، وأنه قرّر أن يتزوج من حسنة بنت الشيخ حمدان .
ذهب الوفد كالعادة وخطبها له، وأقاموا الأفراح والأعراس سبعة أيّام بلياليها، وذبحوا الذبائح وأقاموا الولائم ودخل الشيخ على عروسه، فوجدها كالبدر في السماء ونجمة تضيء في الليلة الظلماء وعاشا في الفرح والسرور، غير أن حظّ حسنة كان سيئاً فلم تحبها أمه وأخته وعلى قدمها أصاب الديار القحط، وقلّ الماء والكلأ والمرعى فتشاءمت المرأتان منها. طال المحل واشتدّ الضيق على القبيلة، فخرج الشيخ بشر مع بعض الفرسان يفتشون عن مراعٍ جديدة وأرض خصبة، وأمضوا شهوراً في البحث والتجوال، ومنذ خروج الشيخ أخذت أمه وأخته تضايقان زوجته حسنة وتعذبانها، وتكلفانها بأصعب الأعمال، ويقدمان لها قليلاً من أسوأ الطعام حتى مرضت وهزل جسمها وشحب لونها ولما عاد الشيخ رأى حالها فاغتمّ كثيراً وحزن عليها، وسألها عن حالها فلم تقل له شيئاً عن معاملة أمه وأخته.
أرادت أمه وأخته أن يكيدا لها، فأخبروه أن زوجته عاشقة ولها صاحب وقد مرضت من أجله، فغضب أشدّ الغضب وهمّه الأمر والتفكير، وحتى يتفادى الفضيحة في القبيلة قرّر أن يرسل زوجته إلى أهلها ويتركها عندهم. عرفت حسنة بالمكيدة التي دبرتها أمه وأخته لها، فسكتت وصبرت وتأكّدت أن زوجها سيبعثها إلى أهلها ولن يعيدها، وأرسل معها قافلة لتوصلها.
في منتصف الطريق نزلت القافلة على عين ليستريحوا من عناء السفر، فطلبت منهم أن يتركوها ويعودوا إلى ديارهم لأنها أصبحت قريبة من مضارب قبيلتها فأطاعوها، وبقيت وحدها إلى المساء فصعدت إلى شجرة، ونامت عليها حتى الصباح.
صادف في هذا الوقت أن ورد شاب اسمه فجر هو ابن الشيخ صالح شيخ القبيلة، ومعه ثلّة من فرسان قبيلته، وبينما كان يجلس تحت الشجرة وهو ينظر إلى الماء لمح شبح حسنة في ماء العين، فتعجب ورفع نظره إلى الشجرة، فرآها وأنزلها وحملها معه إلى قبيلته، وأسكنها مع أمه وأعطاها الأمان، لكنها لم تحك له قصتها، وطلبت منه ألاّ يسألها عن أمرها شيئاً فوافق على ذلك، ومع الأيام أحبها الأمير فجر وأخذ يطلبها للزواج، لكنها كانت تمهله وتؤجّل الموضوع بشتّى الحجج، حتى يئس من المماطلة، وخافت أن تضعف وترضى قبل أن تعرف ما حلّ بزوجها وتبرئ نفسها.
لكن الأمور جرت سريعاً فقد قامت قبيلة الشيخ صالح بغزو قبيلة بشر زوج حسنة بعد أن أنهكهم الفقر والجوع فنهبوها، وأسروا فرسانها ومن بينهم الشيخ بشر وأمه وأخته، وعادوا بهم إلى مضارب القبيلة مكبّلين.
وفي ليلة مقمرة كانت حسنة تنشد قصيدة حزينة تحكي قصتها، وعذابها سمعها الشيخ بشر في أسره، فطلب مقابلة الشيخ صالح، وقصّ عليه حكايته وطلب منه أن يسمح له بمقابلة زوجته حسنة، فلما اجتمع الجميع حدّثتهم عن قصتها مع أمه وأخته فثار الشيخ بشر، وأراد قتلهما فمنعه الشيخ صالح، وعقد الجميع اتفاق صلح بين القبيلتين على أن تعود حسنة إلى زوجها بعد موافقتها، وأن تبقى أمه وأخته في هذه القبيلة، فتزوج ابن الشيخ صالح أخت بشر، والشيخ صالح تزوج أمه، وعاد بشر وأفراد قبيلته إلى الديار محملين بالهدايا والمؤن والمال، ولمّ الشيخ بشر شمل قبيلته من جديد، ووجد أرضاً خصبة وفيرة المياه والمراعي، وعاشوا في أحسن حال وخلًفوا الصبيان والبنات .


12
من حكايات جدتي ...السابعة والثمانون
قمر الزمان
بدري نوئيل يوسف
تذكرت حكاية جدتي رحمة الله عليها، هذه الحكاية سمعتها قبل أكثر من ستين عاما. وتمثل حالنا اليوم: يُروى أن مستشاراً دخل على الملك فوجده مستغرقاً في التفكير، فسأله عما يهمه فقال: أريد أن أفرض ضريبة على السكر لتمويل خزائني التي تكاد تفرغ، وأفكر كيف سيتقبل الناس هذا القرار.
قال المستشار: دع الأمر لي يا مولاي، في اليوم التالي جمع المستشار أعوانه، وطلب منهم أن يبثوا في الأسواق إشاعات بأن الحاكم ينوي فرض ضريبة عالية على السكر واللحم والتمر والقمح والشعير، فضج الناس بعد سماعهم هذه الإشاعة، وأخذوا ينتقدون الأمر علنا، وبدأوا يعبّرون عن سخطهم وعدم رضاهم، وكان اعوان المستشار ينقلون ما يحدث في الأسواق وما يقوله العامة أولا بأول، وفي الأسبوع الثاني طلب المستشار من أعوانه بث إشاعة تؤكد الإشاعة الأولى، وأضاف عليها أن بعض المستشارين هم من أشاروا على الحاكم بهذا الأمر، وأن القرار سيصدر قريبا جداً، أخذ الناس يقلبون الأمر، ويقولون: الضريبة مرتفعة جداً، ومن الظلم أن تدفع على جميع هذه الأصناف، لو كانت على صنف واحد لهان الأمر ونسبة واطئة، عندها ذهب المستشار إلى الحاكم وقال: مولاي، الآن أصدر الأمر بفرض الضريبة، ودعني أعد صياغة القرار.
كتب المستشار: تلبية لرغبات شعبنا الكريم، ونزولا عند رأيهم، فقد قررنا عدم الإنصات لمستشاري الملك السوء، الذين سعوا إلى إثقال كاهل المواطنين بالضرائب الكثيرة، واكتفينا بفرض ضريبة بسيطة على مادة السكر فقط، تنفس الناس الصعداء وقدموا الثناء والدعاء للحاكم الحكيم الذي يراعي شعبه، ولا يثقل كاهلهم بالضرائب الفاحشة.
كان الله في عون الشعب حاكمهم له عشرات المستشارين.
نعود إلى حكايتنا اليومية: يُحْكَى أنَّ الملك الذي كان يحب الأذكياء، ويقرِّبهم إليه دائماً، ويسعد بمجالستهم واختبارهم بأسئلته الذكيَّة، كان في أحد الصباحات يتنزَّه مع وزيره في حديقة القصر الواسعة، فمر ببحيرة رائعة تزيِّنها تماثيل أسود يخرج الماء العذبُ من أفواهها بطريقةٍ عجيبة وساحرة. شعر الملكُ بالعطش، وطلب من الوزير أن يسقيه شربة ماء، فتناول الوزير طاسة فضية كانت على الحافة، وملأها وقدم الماء للملك، بعدما شرب الملك الماء، أخذ الوزير الطاسة وأعادها إلى مكانها، نظر الملك إلى الطاسة بعد أن استقرَّت في مكانها، ثم التفت إلى الوزير وقال:
- أيّها الوزير ! لقد تكلَّمت الطاسةُ، ماذا قالت؟
وجمَ الوزيرُ، وكسى التعجُّبُ ملامِحَهُ، ولم يدرِ بماذا يجيب، فالطَّاسة جماد، ولا يمكن لها أن تتكلم، ولكن هل يجرؤ على قول هذا للملك، ولمَّا طال صمتُ الوزير ووجومُهُ، صاح به الملك:
- أُمْهِلُكَ ثلاثة أيام لتأتيني بما تفوَّهت بهِ الطاسة، وإلاَّ نالكَ منِّي عقابٌ قاسٍ!
عاد الوزير إلى بيته مهموماً حزيناً، ثم دخل غرفته، وأغلق على نفسه بابها، وراح يفكِّر ويفكِّر، ولكنه لم يهتدِ إلى حلٍّ أو جوابٍ مقنعٍ، وراح يتساءل: (ترى ماذا يقصد الملك بسؤاله؟ هناك جوابٌ، ولا شك، يدور في خلده ولكن، ما هو؟).
طالت خلوةُ الوزير في غرفته، فقلقت عليهِ ابنته الوحيدة (قمر الزمان)، فاقتربت من باب الغرفة، ونقرت عليه بلطف، ثم استأذنت بالدخول، فأذن لها. سألت (قمر الزمان) أبيها:
- مضى عليكَ يومان وأنتَ معتكفٌ في غرفتكَ، وأرى الهمَّ واضحاً على وجهكَ، فماذا جرى يا أبي؟
أجاب الوزير بنبرة حزينة:
- حدثَ أمرٌ جَلَلٌ يا ابنتي، لقد طرح عليَّ الملكُ سؤالاً صعباً ومستحيلاً الاجابة عليه، وامهلني ثلاثة أيام لأجيبه عليه، وإلاَّ عاقبني عقاباً قاسياً، سألت (قمر الزمان):
- ما هو السؤال يا ابي؟
رد عليها بهدوء:
- سَقَيْتُهُ الماء في طاسة، ولمَّا أعدتُ الطَّاسةَ إلى مكانها، قال لي: لقد تكلَّمتِ الطَّاسةُ ، ماذا قالت ؟
ضحكتْ (قمر الزمان)، وقالت:
- إنَّه سؤالٌ ذكيٌّ، وجوابُهُ يجب أن يكون ذكيَّاً أيضاً!
صاح الوزير بلهفة :
- وهل تعرفينَ الجوابَ يا ابنتي؟
قالت (قمر الزمان):
- طبعاً، فالطاَّسةُ قالتْ: صبرتُ على النَّار، وطَرْقِ المطارِقِ، وبعدها وصلتُ إلى المباسِمِ، وما مِنْ ظالمٍ إلاَّ سَيُبْلَى بألم!
وعلى الفور، لبس الوزير ثيابه وقصد مجلس الملك، ثم نقل إليه الجواب كما قالته له ابنته .
أُعجِبَ الملك بالجواب الذي كان أذكى من السؤال، ولكنَّه شكَّ في أن يكون الوزير هو الذي اهتدى إليه.
ذهلَ الملكُ لِحُسْنِ تصرُّفِ الوزيرِ ودَهاءِ حَلِّهِ، فأدناهُ منهُ، وهمسَ له:
- قُلْ لِي مَنْ يقولُ لكَ ذلكَ ولكَ الأمان.
قال الوزير:
- إنَّها ابنتي (قمر الزمان) يا مولاي.
قال الملك:
- أحضِرها لي في الحال !
ولما مثلت (قمر الزمان) بين يديِّ الملك، أعجبه جمالها، ولكنَّ ذلكَ لم يثنهِ عن اختبارها في سؤالٍ مُعْجِزٍ، تكون الإجابةُ عليهِ مستحيلة. قال الملك:
- سأتزوَّجكِ الليلةَ يا قمر الزمان، وأريدكِ أن تحملي منِّي في الفورِ، وأن تَلِدِي الليلةَ ولداً يكبرُ في ساعات، ويغدو في الصباحِ ملِكاً يجلس على عرشي.
ابتسمت (قمر الزمان)، وقالت:
- أمركَ يا مولاي!
واقتربت من النافذة المطلَّة على جزء كبير من الحديقة، ثمَّ التفتتْ نحو الملكِ، وقالت:
- أريدُكَ يا مولايَ أن تحرثَ هذه الأرض الليلة، وتزرعها الليلة، وتقطف الزرع الليلة، وآكل من ثمارها في الصَّبح.
ذهل الملكُ، ونهض صائحاً:
- هذا غير معقول.
قالت (قمر الزمان):
- كيف تريدني إذن أن أُنْجِبَ لكَ ولداً الليلة، ويكبر في ساعات، ويغدو في الصباح ملكاً.
سُرَّ الملكُ من جواب (قمر الزمان)، ثمَّ عقد قِرانه عليها، وأصبحت ملكة إلى جواره، وعاشا معاً حياةً هانئةً سعيدة.
 



13

من حكاية جدتي ... السادسة والثمانون
الشقاوة المحتال والفقير
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي في هذه الليلة: كان في احد الايام الخوالي شاب لا يستطع أي يتحمله احد، وكان كثير المشاكل وكثير التحرش بنساء المنطقة، ولكن لشده بطش هذا الشاب وضخامته كان الناس يتجنبوه، وحتى انهم كانوا يتغاضون عن تحرشه بنسائهم، الى ان ضاق بهم الخناق واتفقوا على ان يشكوه الى مختار المنطقة، فشكوه الى مختارهم الذي كان ذو سلطة ويتمتع بدعم الحكومة في اوانه، وقالوا له: ان هذا الشاب فعل هذا وفعل هذا و...و ... الخ الى درجة انه بات يتحرش بنسائنا، ونحن بجانبهن ولا يسعنا فعل شيء وحين سئل عن هذا الشاب وعن عائلته، تبين له انهم من عائلة محافظة إلا انهم غير قادرين عن ردع ابنهم، ومن خلال جمعه للمعلومات قال: اتركوا هذا الموضوع عليَّ أنا عندي الحل، وخرج الرجال اجمع وهم يائسين من حل لمعضلتهم. وهكذا استدعى المختار هذا الشاب وقال له: تعال مستهتر
ما هذه التصرفات التي تقوم بها مع الناس بمنطقتك، اعطيني العصا التي تحملها وأنا اعلمك التربية.
حاف الشاب من عصبية المختار وبدأ يتوسل: عمي الخاطر الله أني بريء من التهم، وبدأ بالتوسل وهكذا استغل المختار الفرصة وقال له: تفضل امشي أمامي أخطب لك بنت تتزوجها بعد أسبوع لو تدخل السجن، متى صرت شقاوة برأس أبناء المحلة؟
 بعد التفكير العميق من قبل الشاب الطائش قال طبعاً اتزوج لكن أنا ما عندي ولا فلس.
قال المختار سهلة أنا أعطيك مبلغ دين وأشغلك وخلال سنة لازم توفيني المبلغ وإلا السجن ينتظرك، وافق الشاب على الخطوبة وترك امره لله، المهم المختار خطب له بنت وزوجه واعطاه مبلغ على أن يرده بعد سنة وأشتغل عنده.
وهكذا وبعد فترة بدأ الشاب بالعمل ولم يكن لديه أي مجال لاختلاق أي مشكلة، وبدأ بالابتعاد عن المشاكل لدرجة ان سكان المنطقة باتوا يتساءلون إذا كان الشخص ذاته الذي كان يختلق المشاكل إلى أن جاء يوم كان يحمل في يديه اكياس طعام، وكان متعباً وبينما هوة يمشي إذ بكلب ينبح عليه، وكلما تجاهله هذا الشاب إذا بالكلب يزداد نباحاً إلا ان استدار عليه الشاب وصاح بصوت عالي ولك امشي لا ازوجك، طبعاً هذي القصة صارت مثل لكل شقي يتزوج فيعقل هذه قصة المثل (أسكت لا نزوجك)، وذهب قولة مثلا.
نعود لحكايتنا اليومية:
كان يا ما كان شاب شقي حيال صاحب حيلة وماكر، وهو في طريقة لعبور الجسر، سمع صوت رجل فقير شحات أعمى يجلس عند بداية الجسر ينادي بصوت عالي بصوت حزين.   
الخاطر الله من يعطيني ليرة أدعو له أن يكون بالجنة، على حب الله أريد أرى شكل الليرة قبل ما أموت، أين أهل المروة؟ سأل الشاب نفسه مستغربا:   
ـ لا اصدق هذا الفقير يريد الليرة، إذا أعمي ماذا يفعل بالليرة، أنا اعرف الشحاتين يرضون بالقليل، ومتعودين على اقل العملات، هناك سبب وسر بطلب الاعمى لليرة، أنا اعطيه الليرة وأراقبه وأريد أعرف قصته.
تقدم الشاب نحو الفقير المتسول وسأله:
ماذا تعمل بالليرة، إذا قلت لي الحقيقة أعطيتك ما تريد.
تنهد الفقير وأخذ نفسا عميقا وقال:
ـ هذه الليرة تعيد لي الحياة ولا تسأل لماذا.
أخرج الشاب من جيبه الليرة واعطاه إلى الفقير، بعدما استلمها الفقير من الشاب فركها بيده وعضها بأسنانه
 ضحك ملئ شدقيه وأرتاح نفسيا وحمل عصاه الغليظة وبدأ بالسير وهو يدعو للشباب بالخير والرزق الكثير.
كان الشاب يتبع الفقير خلسه حتى وصل إلى بناية قديمة فيها عدد من الغرف، قبل أن يدخل الفقير ووقف يرصد الشارع ويحرك عصاه في الهواء يتأكد أنه غير مراقب ووصل إلى غرفته وأخرج مفتاح الغرفة، وفتح الباب ودخل الفقير، وبسرعة دخل الشاب الشقي إلى غرفة الفقير بدون أن يشعر. وأغلق الفقير الباب خلفه، تقرب إلى منتصف الغرفة ورفع عصاه وقام يدور بوسط الغرفة حتى يتأكد أنه لا يوجد من دخل الغرفة خلسة، والشاب منزوي في احدى زوايا الغرفة.
بعدما تأكد الفقير الاعمى أنه لا يوجد أحد في الغرفة، جلس فوق منامه المفروش فوق ارضية الغرفة. رفع حافة المنام وظهرت حصيرة من قصب البردي رفع الحصيرة يوجد حفرة ادخل الفقير يده في الحفرة واخرج جرة مسدود رأسها بالطين، رفع الطين واخرج من الجرة كيش قماش ثخين لماع، اندهش الشاب المحتال عندما شاهد الفقير ويخرج من الكيس عشرات الليرات. 
بدأ الفقير الاعمى يعد الليرات حتى وصل إلى تسعة وتسعون، صرخ بصوت عالي:
تعالي إلى جانب خواتكِ. وأخرج ليرة الشاب من جيبه واضافها إلى الكيس وأصبح عنده مائة. وارجعه داخل الجرة وبلل الطين وأغلق فتحة الجرة وأعادها إلى الحفرة ووضع فوقها الحصير واعاد المنام فوقهم. ثم نهض الفقير ورفع عصاه وبدأ يضرب ارضية الغرفة يتأكد ثانية ألا يوجد أحد في الغرفة وبعدما تأكد خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه وبقي الشاب الشقي المحتال في الغرفة، بعد فترة زمنية اخرج الشاب الشقي الليرات وأفرغها في جيوبه وخرج من الغرفة بهدوء واقفل الباب خلفه.
أحب الشاب أن يتطفل ويعرف ماذا سيفعل الفقير الاعمى عندما يكتشف أن ليراته سرقت، والمصيبة التي حلت به. عند المغيب جاء الشاب إلى مسكن سكن الفقراء وشاهد الفقير يضرب حاله ويلطم ويصرخ على مصيبته، تجمع حوله الفقراء والشحاتين متعجبين من مشهد الفقير الاعمى، بعدما مزق ملابسه ونتف شعر رأسه وهو يصرخ سرق الليرات، بعد فترة من البكاء هدأ الفقير والتم حوله الفقراء من نفس الكار، وسألوه عن سبب بكائه وصراخه، أعلمهم أن ليراته سرقت، استغرب الفقراء من طريقة خزنه الليرات، وبدئوا يعاتبونه لماذا لم يحملها معه. وكل واحد منهم يتباهى بطريقة خزنه الليرات.
 قال أحدهم: أنت لا تعرف أي شيء أنا خبئت ليراتي في هذه العصا الغليظة التي اتعكز عليها. فهي مجوفة وأخفي اموالي بداخلها. وقال الثاني: أنا اضع الليرات في بطانة سترة ملابسي واخيط عليها قماش ثخين. 
وقال الثالث وهو يهز المفجوع: أنا اضع الليرات في كيس جلد في شروالي الداخلي.
وبدأ الفقراء وكل واحد منهم يحكي طريقة خزنه الليرات، والشاب الشقي يسمع كلامهم.
جاء إلى مسكن الفقراء رجل صالح معه خبز وحلاوة ووزعها عليهم صدقة وكل فقير أخذ قطعة خبز وبدأ بأكلها.
فكر الشاب المحتال بحيلة خبيثة يستطيع اخذ منهم الليرات وخطرت بباله حيلة بعدما شاهد الرجل الصالح يوزع عليهم الخبز والحلاوة.
في اليوم التالي مساء بعد عودة جميع الفقراء، جاء الشاب الشقي ومعه خبز وحلاوة ووضع وسط كل لفة خبز عدد من الزنابير، وبدأ يوزع ارغفة الخبز عليهم كصدقة على ارواح الاموات.
التم حوله الفقراء وهو يوزع عليهم ارغفة الخبز الملغومة بالزنابير، وباشر الفقراء بتناول عشاءهم وهجمت عليهم الزنابير وقت فتح الخبز تلسعهم والفقراء يحاولون التخلص من اللسعات المتلاحقة الواحدة بعد الأخرى، منهم من ترك عصاه المليئة بالليرات والاخرين نزعوا ملابسهم للتخلص من الزنابير. وهكذا جمع الشاب المحتال الملابس والعصي التي مليئة بالليرات وهرب بمبلغ كبير. 
وفي ختام الحكاية تقول جدتي :وكنا عندكم وجئنا، لو بيتنا قريب لجلبت لكم حملاً زبيب .
نلتقي من حكايات جدتي... السابعة والثمانون





14
من حكايات جدتي ... الخامسة والثمانون
التاجر وزوجاته الأربعة
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي في هذه الليلة حكاية فيها مغزى كبير لمن يفهمها وكيف التعامل مع الضيف: في أحد الايام جاء فلاح صيني إلى محل حلاق عجوز ايطالي ليحلق عنده، وبعد ما قص شعره، سأل الفلاح الصيني كم حسابك؟ أجابه الحلاق بثقة وفرح: لن آخذ منك أي مبلغ ، سأله الفلاح باندهاش: لماذا؟ رد الحلاق العجوز أنت ضيف على مدينتا ولهذا لن اخذ أي مبلغ.
ابتسم الفلاح الصيني وقال له: بصراحة أخجلتني.
وفى اليوم التالي ولمّا جاء الحلاق ليفتح محله، وجد عند باب المحل باقة زهور بألوان مختلفة وكان مكتوب عليه (تحياتي لك)، عرف الحلاق ان الازهار مرسلة من قبل الفلاح.
وبعد أيام جاء تاجر ذهب فرنسي الى محل الحلاق وطلب منه انه يقص شعره، وبعد ما انتهى سأل التاجر كم حسابك؟ رد عليه الحلاق العجوز بابتسامة وسرور: لن آخذ منك أي مبلغ.
سأله التاجر باستعراب، لماذا؟ أجابه الحلاق العجوز: أنت ضيف على مدينتنا، ولهذا لن اخذ أي مبلغ، ابتسم التاجر وقال له بصراحة: أخجلتني. وفى اليوم التالي ولما جاء الحلاق ليفتح محله، وجد عند باب المحل خاتم ذهب وكان مكتوب عليه (تحياتي لك) وعرف ان الخاتم مرسل من التاجر الفرنسي.
وذات يوم جاء لمحل الحلاق ابو داوود وطلب من الحلاق انه يقص له شعره، سأل أبو داود للحلاق كم حسابك؟ فرد عليه الحلاق العجوز مبتسما:  والله لن آخذ منك أي مبلغ، سأله أبو داود باندهاش: لماذا؟
أجاب الحلاق العجوز: أنتَ ضيف على مدينتنا ولهذا لن اخذ أي مبلغ.
ابتسم أبو داود وقال له: بصراحة أخجلتني.
وفى اليوم التالي ولمّا جاء الحلاق ليفتح محله وجد عند باب المحل مجموعة من الشباب قالوا له: (احنا من طرف ابو داوود الذي قص شعره عندك البارحة يسلم عليك).
نعود لحكايتنا اليومية: كان هناك تاجر غني وله أربع زوجات، وكان يحب الزوجة الرابعة اكثرهن، فيلبسها أفخر الثياب ويعاملها بمنتهى الرقة ويعتني بها عنايه كبيره يقدم لها الأحسن والأفضل في كل شيء، وكان يحب الزوجة الثالثة جداً أيضاً، وكان فخور بها ويحب أن يتباهى بها أمام أصدقائه ويأخذها معه عند زيارتهم، ولكنه كان يخشى أن تتركه وتذهب مع رجل آخر .
وكان يحب الزوجة الثانية أيضاً، فقد كانت شخصيه محترمه، دائما صبوره، محل ثقة الزوج، وعندما كان يواجه مشاكل كان يلجأ إليها دائماً، وكانت هي تساعده دائماً على حل المشاكل العصيبة.
أما بالنسبة للزوجة الأولى فمع انها كانت شريكاً شديد الإخلاص له، وكان لها دور كبير في المحافظة على ثروته وعلى أعماله، علاوة على اهتمامها بالشؤون المنزلية، لم يكن التاجر يحبها كثيرا مع انها كانت تحبه بعمق الا أنه لم يكن يلاحظها أو يهتم بها.
وفي إحدى الأيام مرض التاجر ولم يمض وقت طويل، حتى أدرك أنه سيموت سريعاً، وأصبح مقعدا لا يستطيع الحركة
فكر التاجر من سيكون معه ويخدمه بعدما قدم الكثير لزوجاته.
سأل زوجته الرابعة وقال لها: أنا أحببتك أكثر زوجاتي ووهبتك أجمل الثياب وغمرتك بعناية فائقة والآن أنا مريض مقعد، فهل تبقين معي وتخدميني، أجابت الزوجة: مستحيل وغير ممكن ولا أستطيع أن اخدمك، ومشت بعيداً عنه دون أي كلمه أخرى قطعت اجابتها قلب التاجر المسكين .
سأل التاجر الحزين زوجنه الثالثة وقال لها: أنا أحببتك كثيراً طول حياتي، والآن انا في طريقي إلى الموت فهل تخدميني وتحافظين على الشراكة معي. بانفعال أجابت لا، لا ثم أردفت قائله: الحياة حلوه وسأتزوج من رجل آخر بدلاً منك عند موتك، حزن التاجر عند سماعه الإجابة وكاد الدم يتجمد في جسمه.
ثم سأل التاجر زوجته الثانية وقال لها: أنا دائماً الجأ اليك من أجل المعونة وانتِ اعتنيت بي وكنتي تساعديني دائماً والآن أنا أحتاج معونتك مره أخرى فهل تخدميني وأنا مقعد،  فأجابته قائله:
أنا آسفه هذه المرة لن أقدر أن أساعدك هكذا كان جواب الزوجة الثانية ثم أردفت قائله أن اقصى ما استطيع أن أقدمه لك،  هو أن أشيعك حتى القبر، نزلت عليه أجابتها كالصاعقة حتى أنها عصفت به تماماً، وعندئذ جاءه صوت قائلاً له: يا حبيبي سأغادر الارض معك بغض النظر عن أين ستذهب سأكون معك الى الابد، نظر الزوج حوله يبحث عن مصدر الصوت وإذا بها الزوجة الأولى، التي كانت قد نحلت تماماً كما لو كانت تعاني من المجاعة وسوء التغذية، قال لها التاجر: وهو ممتلئ بالحزن واللوعة كان ينبغي علي أن أعتني بك أفضل أكثر وأسف جدا عندما اهملتك ولحقت خلفهن،  كان قلبي يميل لك دوما حتى بعد زواجي من ثلاث نساء بعدكِ، سيظل لكِ مكان خاص في قلبي ووجداني، لارتباطنا معا  بذكريات حلوة وسعيدة وسنوات كفاح وعشرة، ولحظات عسيرة كنت دوما بجانبي وفي ظهري تساندي بصبركِ وقوة إرادتكِ، كنت من الرجال ممن يسعون للتغيير والاستمتاع، ولن استحق أن تقدمي لي أي خدمة. قالت له: أنا الأصالة وبالرغم من ما عانتيه من جراح أدمت قلبي وجرحت كبريائي أنا السند الأول والأخير لك، واظل مخلصة مهما حدث لك من أمر خطير أو مشكلة واقف معك. وسأبقى الملجأ والملاذ الذي ترتاح به مهما ضاقت عليك الحياة. بكى التاجر كثيرا وندم على ما قدمه لزوجاته الثلاث.







15
من حكايات جدتي ...الرابعة والثمانون
وصية الأب
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي في هذه الليلة كيف يكون الكسـل نهايته وخيمة، قالت: كان ياما كان في قديم الزمان كان رجل يملك مزرعة على أطراف القرية، وكان يربي فيها ديكاً ودجاجة وبطةً وخروفاً وعجلاً. لكن الرجل كان مهملاً وكسولاً وجباناً، وكان سور المزرعة يخرب شيئاً فشيئاً دون أن يصلحه، حتى جاء في إحدى الليالي ذئب كاسر فوجد فتحة في السور، فدخلها وخرّب في المزرعة وحاول أن يدخل إلى حضيرة الحيوانات، وتحطيم الباب ليفترس الحيوانات، ولكن الليل مضى وقارب أن يطلع النهار فتركها وعاد إلى الغابة.
في الصباح شاهد الرجل ما فعله الذئب في المزرعة فاستاء كثيراً، وحكت له الحيوانات عن محاولات الذئب لاقتحام باب الحضيرة، وطلبوا منه أن يقوي الباب ويصلح السور حتى لا يتمكّن الذئب من الدخول إلى المزرعة وفتح الباب، قال لهم إن شاء الله ولم يفعل شيئاً.
في اليوم التالي جاء الذئب أيضاً، ووجد فتحة السور كما كانت فدخل منها وخلع الباب المكسور، وانقض على الدجاجة وافترسها وعاد إلى الغابة، بكت باقي الحيوانات على الدجاجة، وطلبت من صاحبها أن يصلح الباب، ويدعمه حتى يحميهم من الذئب المتوحش، فوعدهم خيراً لكنه لم يفعل شيئاً، في الليلة الثالثة جاء الذئب، ودخل بسهولة وأكل الديك حزنت عليه باقي الحيوانات، وطلبت مرة اخرى من صاحبها أن يصلح السور والباب فوعدهم أيضاً.
وفي الليلة الرابعة أكل الذئب البطة، وفي الخامسة أكل الخروف، وفي كل مرة يعد الرجل حيواناته بإصلاح الباب وسور المزرعة ولكنه لم يفعل شيئاً. في المرة الأخيرة قال له العجل في اليوم الاخير: يا صاحبي لم يبق من حيواناتك غيري، وعندما يفرغ مني الذئب لن يبق أمامه سواك فخذ حذرك من الآن، وإلا سينتهي أمرك مثلنا بسبب كسلك وإهمالك.
خاف الرجل على نفسه ولكنه بدلاً من أن يصلح الباب وسور المزرعة، قصد أحد الصيّادين الأقوياء، وحدّثه عن قصته وطلب منه أن يصيد له الذئب، وأعطاه مبلغاً من المال، فوعده الصياد خيراً وعاد الرجل إلى مزرعته مرتاح البال، وانتظر تلك الليلة فلم يأت الصياد.
وفي صباح اليوم التالي دخل الحضيرة فلم يجد العجل فخاف كثيراً على نفسه، وقصد الصيّاد وسأله عن سبب تأخره عنه فاعتذر بمشاغله الطارئة، ووعده أن يذهب هذه الليلة لاصطياد الذئب.
عاد الرجل وانتظر الصياد إلى المساء، فجاء الذئب فلم يجد أمامه سوى صاحب المزرعة فأكله ومضى في حال سبيله وعندما جاء الصياد وجد المزرعة خاوية والريح تصفر فيها وتلعب بسورها وأبوابها. وهكذا يا اولادي تعلموا من هذه القصة وهذه الحكمة العربية الندامة في الكسل كالسم في العسل.
نعود لحكايتنا اليومية حدثتنا جدتي :كان لرجل ثلاثة أولاد وزوجته متوفاة، وكان يملك دوراً وأراضٍ وأملاكاً، فتنازل عن أملاكه لأولاده قبل موته، ولم يترك لنفسه سوى الدار القديمة المهدمة التي لا تساوي شيئاً، كان الأولاد في البداية يرعون والدهم المسن المريض ويؤمنون له طلباته وحاجاته ولا يتركونه لحظة واحدة.
بعد سنوات تزوج الأول وأخذ زوجته وغادر البيت ولم يعد يزور والده إلاّ في المناسبات القليلة، وبعد فترة تزوج الثاني وسكن مع زوجته في دار مستقلة، ولم يعد يزور والده سوى كل عدة شهور مرة.
 بعد فترة من الزمن تزوج الثالث واستقل في بيته الجديد مع زوجته ولم يعد يزور والده أيضاً.
 بدأ الرجل المسن يشعر بالوحدة والحزن ومرارة إهمال أولاده له، وأحسّ بالندم وأنه ارتكب خطأً كبيراً عندما تنازل عن أملاكه لأولاده ليتمتعوا بها فنسوه وأهملوه. فأصبحت الأيام تمر عليه صعبة قاسية لا يزوره أحد ولا يهتم به، ولم يعد يجد لقمة طعام يأكلها.
في أحد الأيام زاره أحد أصدقاءه القدامى في بيته القديم، فوجده في حالة يرثى لها، أثار شفقته وحزنه عليه بعد العز الذي كان يعيشه، فأحضر له بعض الطعام أكله وحمد الله، وبدأ يشكو لصديقه إهمال أولاده له، وانقطاعهم عن زيارته وانشغالهم بزوجاتهم وأولادهم وبكى بكاءً مراً.
فكّر الصديق قليلا ثم أشار على الرجل بأمر لعلّه يصلح أحواله، ويعيد إليه اهتمام أولاده وزوجاتهم به، فأعجبته الفكرة وقام بتنفيذها، وبعد عدة أيام مرت زوجة ابنه الكبير إلى بيت عمها، وعندما دخلت رأته يخبئ صندوقاً خشبياً عتيقاً كان بين يديه عند دخولها، فأثار انتباهها فسألت عمها عن الصندوق، فتهرّب من الجواب وأصرت عليه، فتظاهر بأنه خضع لإلحاحها وطلبها فقال لها: هذا الصندوق يضم الأموال والجواهر التي بقيت عندي، ولا أعرف ماذا أفعل بها وأنا أتفقدها كل يوم وقد خصّصتها للولد الذي يهتم بي ولزوجته التي ترعاني، ولم أكن أحب أن أخبرك أنت أو أخبر أحداً بهذا السر، وأترك الأمور لطبيعتها إلى أن أكتشف من هو الأفضل من أولادي، والأكثر رعاية لي لأعطيه الصندوق، والآن بعد أن عرفت السر فأرجو ألا تقولي لأحد، واتركي الأمر سراً بيني وبينك.
فرحت زوجة الابن الكبير وطار عقلها لأن عمها خصّها بهذا السر، وصمّمت على أن تحصل على الصندوق دون الآخرين، فقامت ونظفت البيت وغسلت له ثيابه، وأحضرت له الطعام فأكل وشرب وحمد الله. ولما عادت إلى بيت زوجها أخبرته بالموضوع، فشجّعها على عملها وحثّها على المتابعة حتى يوصي لهما بالمال.
وفي اليوم التالي حضرت كنته الثانية، وعمل معها ما فعل بالكنّة الأولى، وفعلت هي كما فعلت الأولى. وعادت إلى زوجها فأخبرته بالموضوع ففرح وحثّها على متابعة رعايتها لوالده، وأن تترك الأمر سراً حتى يحصلا على المال.
وفي اليوم التالي جاءت الكنّة الثالثة، وحصل معها ما حصل مع الكنة الأولى والثانية، وأخبرت زوجها فشجّعها على الاهتمام بوالده للحصول على المال، وكل منهم يوصي زوجته ألا تخبر أخوته الباقين.
هكذا عاد الأولاد وزوجاتهم يهتمون بالرجل المسن، ويرعونه أشد الرعاية، ويجلبون له أحسن الملابس وأطيب الطعام، ويتنافسون على خدمته ورعايته، وعاش آخر سنوات حياته في أحسن حال، ونجحت نصيحة صديقه في إعادة أولاده وزوجاتهم إليه طمعاً بالمال.
عندما توفي الرجل ودفن الأولاد والدهم في قبره، عادوا مسرعين مع زوجاتهم كل منهم يريد أن يستولي على صندوق المال. في البيت بدأوا يتجادلون ويتعاركون على الصندوق وكل منهم يقول إنه من حقه.
حضر صديق والدهم وأراد فض النزاع بينهم وأقنعهم أن يتركوا له فتح الصندوق، وتوزيع ما فيه عليهم بالتساوي أو كما أوصى والدهم، فوافق الجميع وأحضر الصديق الصندوق وجمعهم حوله وفتحه أمامهم، فوجدوا فيه ثلاثة قضبان مكتوب عليها (حمار كل من يوزع أملاكه على أولاده في حياته، وقد تركت لكل زوجة من زوجات أولادي قضيباً تأخذه وتضرب به زوجها لأنه يستحق العقوبة على عقوقه لوالده).

16
من حكايات جدتي ... الثالثة والثمانون
الصديق الوفي
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي هذه الحكاية من زمن بعيد ونحن صغار: قالت حكاية رائعة طريفة بين الرشيدي وأبو نواس (الرشيدي هو حاكم لقرية، وأبو نواس هو شخصية معروفة بالذكاء وسرعة البديهة. وكان الرشيدي شديد الغيرة من أبو نواس لشدة ذكائه وشهرته وحب الناس له، ودائما ما كان الرشيدي يحاول أن يثبت أنه أذكى من أبو نواس، كما يحاول قتله).
فى يوم من الايام أقام الرشيدي بعزيمة كبيرة، ونادى حاشيته وشاعرة وكاتبة وأبو نواس الى العشاء في قصره الملكي، ولكن الرشيدي كان ينوى قتل ابو نواس والتفوق عليه، اتفق مع جميع المدعوين ان يحضروا بيضة وبعد ان ينهوا العشاء يقوموا بوضعها تحتهم، ولكنه لم يقل ذلك لأبو نواس وحذر جميع الحضور من ان يقولون له!
وعندما حان وقت العزيمة حضر الجميع، وبعد أن انهوا طعام العشاء قال لهم الرشيدي: الان أريد من الجميع الوقوف والشخص الذي لا أجد بيضة تحته اقتله، وبالفعل قام الجميع وتحتهم البيض عدا ابو نواس الذي كان لا يعلم بالحيلة، التي رتبها الرشيدي. وبفرح شديد قال الرشيدي: ها انتّ يا أبو نواس المشنقة تنتظرك. نهض أبو نواس فجأة دون فترة زمنية وبدأ يصرخ: كو كو كو كووووووووو ! استغرب الجميع من تصرف ابو نواس وسألوه هل جنيت يا أبو نواس. رد أبو نواس: إذا قد باضت الدجاجات كل ذلك البيض إذا فاين الديك؟ أنا الديك. وقتها نجا أبو نواس من مشنقة الرشيدي الذي وقف مدهوشا لا يعرف ماذا يقول، واشتد غيظا من ذكاء ابى النواس وانتهت محاولته كالعادة بالفشل. ولكن أبو نواس لحسن حظه، أو بالأحرى لسوء حظ الرشيدي كان ينجو دائما ويخلص نفسه من كل المكايد التي يخططها له الرشيدي بذكاء وحنكة.
ثم حدثتنا جدتي عن سيدة على فراش الموت كشفت سر لزوجها قبل وفاتها بعد زواج دام ستون عام، وكانا خلالها يتصارحان حول كل شيء وسعيدان بقضاء كل الوقت في الكلام، أو خدمة أحدهما للآخر، ولم تكن بينهما أسرار، ولكن الزوجة العجوز كانت تحتفظ بصندوق فوق أحد الرفوف، وحذرت زوجها مرارا من فتحه أو سؤاله عن محتواه، وكان الزوج يحترم رغبة زوجته ولم يقترب من الصندوق، إلى أن جاء يوم أنهكها المرض وقال الطبيب: إن أيامها باتت معدودة، وبدأ الزوج الحزين يتأهب لمرحلة الترمل، ويضع حاجيات زوجته في حقائب ليحتفظ بها كتذكارات، ثم وقعت عينه على الصندوق فحمله وتوجه به إلى السرير حيث ترقد زوجته المريضة، التي ما أن رأت الصندوق حتى ابتسمت وقالت له: لا بأس بإمكانك فتح الصندوق .
فتح الرجل الصندوق ووجد بداخله دُميتين من القماش وإبر النسج المعروفة بالكروشيه، وتحت كل ذلك مبلغ خمسة وعشرون ألف دولار، فسألها عن تلك الأشياء فقالت العجوز بصوت خافت: عندما تزوجتك أبلغتني جدتـي أن سر الزواج الناجح يكمن في تفادي الجدل والنق (النقنقة)، ونصحتني بأنه كلما غضبتُ منك، أكتم غضبي وأقوم بصنع دمية من القماش مستخدمة الإبر، هنا كاد الرجل أن يشرق بدموعه قائلا: دُميتان فقط! يعني لم تغضبين مني طوال ستين سنة سوى مرتين؟ ورغم حزنه على كون زوجته على فراش الموت فقد أحس بالسعادة لأنه فهم انه لم يغضبها سوى مرتين، ثم سألها: حسنا، عرفنا سر الدميتين ولكن ماذا عن الخمسة والعشرين ألف دولار؟ أجابته زوجته: هذا هو المبلغ الذي جمعته من بيع الدَمى.

نعود لحكايتنا اليومية: كان رجل غني يملك أموالاً وأراضي وبيوتاً وغيرها، وليس عنده سوى شاب مدلل، وقد تسلّطت عليه شلة من الشباب ترافقه وتستغلّه، وتستفيد من أمواله في الطعام والشراب والرحلات والسهرات، وكان أبوه يحذره من شلة أصدقائه تلك، ويطلب منه أن يتركهم لأنهم يرافقونه بسبب غناه وليس لشخصه، لينتفعوا بأمواله وما يصرفه عليهم، لكن الولد لم يقتنع برأي والده، فأراد الأب أن يثبت له صحة رأيه ويكشف له حقيقة رفاقه، طلب الأب من ابنه أن يمتحن أصدقائه ليعرف حقيقتهم، فأتى بخروف وذبحه وسلخه ولطخ قميص ابنه بالدم، وطلب من ابنه أن يذهب بالقميص إلى كل واحد من أصدقائه، ويقول لهم: إنه قد نزل على بيتهم لصاً وتعارك معه واضطر لقتله، ويطلب منهم أن يحضروا ليساعدوه في دفنه والتخلّص من جثته.
فعل الشاب كما أوصاه والده وذهب إلى صديقه الأول وحكى له قصته، وطلب مساعدته فاعتذر صديقه بشدة بسبب مشاغله الكثيرة فانكشف الأول، وذهب إلى صديقه الثاني وطلب مساعدته، فرد عليه بأن هذه جريمة قتل، ويجب أن يسلّم نفسه للشرطة ويأخذ جزاءه، فانكشف الثاني، فتركه وذهب إلى صديقه الثالث وطلب مساعدته، فرد عليه بخشونة، وطرده وهدّده بإخبار الشرطة عنه فانكشف الثالث.
عاد الشاب حزيناً وأخبر والده بما حصل، فضحك الأب وقال له: لقد رأيت بنفسك حقيقة رفاقك وكشفت أمرهم، والآن سأثبت لك حقيقة الصديق الوفي، فالصديق عند الضيق، خذ هذا القميص واذهب إلى القرية المجاورة، واسأل عن أبي محمود وسلّم عليه، وأخبره الحكاية ذاتها وقل له: إن أبي قتل اللص ويريد أن يتخلص منه، وانتظر ما سيفعل .
ذهب الشاب وفتش عن بيت أبي محمود حتى استدل عليه فطرق الباب فخرج إليه الرجل ورحب به، وقال له: إن أبي يسلّم عليك ويقول لك إن لصاً نزل على بيتنا يريد السرقة فتعارك مع أبي وقتله، ويريد منك أن تساعده في التخلّص منه، فرد عليه الرجل: ابشر يا بني اسبقني وسألحق بك.
عاد الشاب وأخبر والده وبعد قليل وصل أبو محمود مسرعاً يحمل على كتفه فأساً، وحبلاً وكيساً وقد لبس ثياب العمل فدخل البيت ملهوفاً يسأل عن حقيقة الأمر وأين جثة الحرامي.
استقبله الوالد بالأحضان ورحب به، وقال لولده: هذا رفيق العمر، وقد رأيت بنفسك ما يفعل الصديق الحقيقي، شكر الرجل صديقه على تلبية الدعوة، وجلسا معاً وحكى له القصة، فضحك أبو محمود وجلسوا يأكلون الخروف بعد طبخه. ويتسامرون ويستعيدون ذكريات الشباب، والولد يتعجب ويتأسف على الوقت الذي أضاعه من عمره، ولم يجد رفيقاً له مثل صديق والده أبي محمود.

17
من حكايات جدتي ... الثانية والثمانون
كيد النساء

بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي في هذه الليلة حكاية فيها مغزى قالت: حمار كان مقيداً بشجرة، جاء الشيطان وفك له الحبل، دخل الحمار حقل الجيران، وبدا يأكل الأخضر واليابس، رأته زوجة الفلاح صاحب الحقل، فأخرجت البندقية وقتلت الحمار، سمع صاحب الحمار صوت البندقية فلما رأى حماره مقتولاً غضب، وأطلق النار على زوجة الفلاح، رجع الفلاح ووجد زوجته مقتولة فحمل بندقيته وقتل صاحب الحمار، سئل الشيطان: ماذا فعلت؟ قال: لا شيء فقط أطلقت الحمار. تقول جدتي إذا تريد أن تخرب بلدا فأطلق الحمير. (الرحمة لجدتي وجَدَّاتكم).   
بعدها حدثتنا جدتي عن ملك في قديم الزمان أمر جنوده بقتل المسنين(كبار السن) جميعا، فكان هناك شاب يحب أبيه جدا، فعندما علم الشاب ادخل أباه غرفه سرية تحت البيت، وعندما جاء الجنود فلم يجدوا أحدا، ومرت الايام وعلم الملك عن طريق الجواسيس، أن الشاب أخفى أباه، فقرر الملك أن يخير الشاب أولا قبل حبسه وقتل أبيه، فبعث له جنديا يبلغه بأن الملك يريده، وأن يأتي في الصباح راكبا ماشيا فاحتار الشاب، وذهب لوالده في حيرة وقص عليه، فتبسم الاب وقال لابنه: أحضر عصا كبيرة واذهب للملك عليها راكبا ماشيا، فذهب الشاب إلى الملك فأعجب بذكائه، وقال له: اذهب وتعال في الصباح لابسا حافيا،  فذهب الشاب وقص علي أبيه، فقال الأب اعطني حذاءك ،وقام بنزع الجزء الأسفل منه، وقال له: البسه وأنت عند الملك، ففعل الشاب فتعجب الملك لذكائه وقال له: اذهب وتعال في الصباح معك عدوك وصديقك، فذهب الشاب لأبيه وأخبره، فتبسم الرجل وقال لابنه: خذ معك زوجتك والكلب واضرب كل واحد منهم أمام الملك، فقال الشاب: كيف؟ فقال الأب: افعل وستري فذهب الشاب في الصباح للملك وجاء أمامه وقام بضرب زوجته فصرخت وقالت له ستندم، وأخبرت الملك أنه يخفي أباه، وتركته وانصرفت. وقام بضرب الكلب فجر الكلب بعيدا عنه، ولم يخرج فتعجب الملك وقال: ما هو الصديق الوفي والعدو؟ فقام الشاب وأشار للكلب فأتي مسرعا يلف حوله فرحا به، فقال الشاب للملك: هذا هو الوفاء، وهذا العدو، فأعجب الملك به وقال له: تأتي في الصباح ومعك أبوك. فذهب الشاب وقص على أبيه، وذهبا للملك صباحا، فقرر الملك تعيين أباه مستشارا له بعد اختبارات، ونجا الشاب من القتل بفضل الله اولا ثم بفضل أبيه، فالأب مهما تقدم في السن فهو كنز لا ندرك قيمته إلا بعد فوات الاوان، فالأب مدرسة كاملة ودراية واقعية، فاجعلوه يا اولادي مكان لأسراركم فدائما ستجد الحل لمشاكلكم فحافظوا على أباءكم تغنمون.
نعود يا اولادي لحكايتنا اليومية: يحكى أنه كان في مدينة بغداد شاب جميل، من بين تجار المدينة، كتب على باب دكانه:
لا كيد إلا كيد الرجال فمرت ذات يوم فتاة من أجمل المخلوقات، وقرأت العبارة، فقالت في نفسها: يا له من غرور! لا بد أن أعرف هذا الجاهل بشيء من كيد النساء!
عادت الفتاة في اليوم التالي، لابسة أفخر الملابس، متزينة أحسن زينة، فدخلت الدكان وتظاهرت بالبحث عما تشتريه، وتعمدت في الكشف قليلاً عن بعض جسدها، فتعجب التاجر الشاب من جمالها، وظهر التعجب على وجهه، فقالت له: اعلم يا سيدي أنني مظلومة، والدي رجل بخيل يرفض أن يزوجني، لكي لا يصرف على العرس شيئا من أمواله، ويقول للناس إني حدباء وبلهاء وعرجاء وعوراء، ليس في الدنيا أقبح مني.
سأل الشاب: من هو أبوك؟
أجابت بحيلة ودهاء: هو قاضي القضاة.
قالت الفتاة ذلك وأسرعت في الخروج من الدكان وكأنها تبكي، بينما ظل التاجر الشاب مذهولاً لا يصدق ما رأى وما سمع، لكنه سرعان ما أغلق دكانه، وانطلق إلى المحكمة، واتجه فورًا إلى حيث يجلس قاضي القضاة، فسلم عليه، وجلس بين يديه، وقال: سيدي القاضي، لقد جئتك خاطبًا كريمتك!
رد عليه قائلاً يا ابني: بنتي حدباء وبلهاء وعرجاء وعوراء، لا تصلح للزواج.
أحاب الشاب: لا يهمني ذلك يا سيدي القاضي، المهم هو التشرف بمصاهرتك.
فتراضيا وعقد الزواج، على أن تتم الدخلة الليلة التالية، وفي مساء اليوم التالي دخل العريس على عروسه، وكشف عن وجهها فرأى وجهًا ليس في الدنيا ما هو أقبح منه، فأدرك فورًا ما حدث.
لم ينم الشاب ليلته تلك، وما إن طلع النهار، حتى انطلق يبحث عن تلك الشيطانة التي أوقعته في هذا المأزق.
وبعد ساعات علم أنها بنت أحد الحدادين، واهتدى إلى دار أبيها. فترقبها مدة ولما خرجت لحق بها، وقال لها:
لقد ورطتني أنت بهذا الزواج وعليك أنت أن تخلصيني منه!
قالت بغرور: ليس أسهل من هذا. سأخلصك من عروسك على شرط واحد!
سألها بحماس: قولي، ما هو؟
أجابت مبتسمة: أن تكتب على دكانك لا كيد إلا كيد النساء.
قال لها بحزن شديد: لك ذلك.
قالت له بثقة وجدية: قم حالاً إلى صعاليك المدينة واطلب منهم أن يأتوك إلى المحكمة ليهنؤوك على زواجك من بنت القاضي، وقل للقاضي إنهم جميعًا من عشيرتك.
فعل التاجر الشاب ذلك، وجاء الصعاليك إلى المحكمة حيث كان الشاب في انتظارهم، وصاروا يهنؤونه والقاضي مستغرب للأمر لا يدري ماذا يقول. أخيرًا سأل القاضي الشاب: من هؤلاء؟
أجاب الشاب: هؤلاء أبناء أعمامي وأخوالي وعماتي وخالاتي وكل أقاربي، وأنا فخور بهم جميعًا.
انزعج القاضي وصرخ بوجه الشاب قائلا: اسمع! إذا كانت هذه عشيرتك فلا يمكن أن تظل صهرًا لي! أنا قاضي القضاة.
أجاب الشاب بهدوء: وأنت إذا شتمت عشيرتي فبنتك طالق ثلاثًا.
وهكذا تخلص التاجر الشاب من بنت القاضي وتزوج من بنت الحداد، واعترف أن كيد الرجال لا يوازي كيد النساء.

18
من حكايات جدتي ... الحادية والثمانون
الملك والجارية
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي عن الفساد المنتشر قالت: طلب الوالي من أهل القرية طلباً غريباً، في محاولة منه لمواجهة خطر القحط والجوع الذي تمر به القرية، وأخبرهم بأنه سيضع قدراً كبيراً في وسط القرية، وعلى كل رجل وامرأة أن يضع في القدر كوباً من الحليب، بشرط أن يضع كل واحد الكوب وحده من غير أن يشاهده أحد، هرع الناس لتلبية طلب الوالي وكل منهم تخفى بالليل، وسكب ما في الكوب الذي يخصه.
وفي الصباح جاء الوالي إلى مكان القدر وشاهد القدر مملوء بالماء ولا يوجد فيه حليب. سأل وزير الوالي أين الحليب؟ لماذا وضع كل واحد من الرعية الماء بدلاً من الحليب؟
أجاب الوالي: السبب هو إن كل واحد من الرعية إذا وضعت كوباً واحداً من الماء فإنه لن يؤثر على كمية الحليب الكبيرة التي سيضعها أهل القرية في القدر. وهذا يعني إن كل واحد اعتمد على غيره في رعاية مصالح البلد. وكل واحد منهم فكر بالطريقة نفسها التي فكر فيها غيره، وكل واحد منهم ظن أنه هو الوحيد الذي سكب ماءً بدلاً من الحليب. هكذا حالنا يا أولادي عند ينتشر الفساد ولا يشعر أحد في المسئولية، والنتيجة التي حدثت أن الجوع عمّ هذه القرية، ومات الكثير منهم، ولم يجدوا ما يعينهم وقت الأزمات.
ثم حكت جدتي حكاية قصيرة قالت: في أحد الايام تشَاجرَ أخَوَان على مشكلة، فذهب أولُهما إلى جحا في بيتهِ، وكان جالساً مع زوجته، قصَّ الأخُ الكبير على جحا مَا كان بينه وبين أخيه، فقال له جحا: أنت على حقٍ، وأخوك مُخطئ.
وانصرف الأخ سعيداً، وسعدت زوجةُ جحا بحكم زوجِها، ثم طرق البابَ الأخُ الصغير وحكى لجحا ما كان بينَه وبين أخيه. فقال جحا: أنتَ على حقٍ، وأخُوك مُخطئ. وانصرفَ الأخ الآخر سعيداً، لكن زوجةَ جحا صرختْ في وجهِه غاضبة:
كيف تقولُ لكلٍ منهما أنتَ على حقٍ وأخُوك مُخطئ؟ هذا كلامٌ غير معقول.
فقال جحا في هدوء: لا تغضبي يا زوجتي أنتِ على حقٍ، وأنا مُخطئ، لقد أخطأ من استشار جحا.
نعود لحكايتنا اليومية: كان هناك ملك مقتدر وقوي، خرج في أحد الأيام للصيد، وفي الطريق شاهد جارية جميلة فعشقها، وطلبها من سيدها ودفع له مالاً كثيراً فباعه إياها، وبعد مدة مرضت الجارية مرضاً شديداً فحزن الملك لمرضها كثيراً، واستدعى أطباء القصر وقال لهم: إن روحي مرتبطة بروح هذه الجارية فإذا لم تُشف فإنني سأموت معها حتماً، وبذل الأطباء جهدهم ولكن دون جدوى، الجارية تزداد هزالاً والدواء يعطي مفعولاً عكسياً.
عندها يئس الملك من الأطباء، فذهب إلى المسجد وجلس في المحراب وأخذ بالبكاء حتى فقد وعيه، عندما استعاد وعيه دعا ربه قائلاً: إلهي، ماذا أقول؟ أنت تعلم ما في نفسي، ودائما كنت في نصرتي.
 وكان يدعو من قلبه وروحه وفجأة أدركه اللطف الالهي فبينما هو يدعو غطَّ في النوم، رأى رجلاً نورانياً يقول له: أبشر فإن الله قبل دعاءك، سيأتيك غداً رجل لا تعرفه إلى قصرك، وهو حكيم عالم يدرك كل الأمراض وعلاجها، تتجلى قدرة الله فيه فانتظره.
في الصباح ومع طلوع الشمس جلس الملك ينتظر الرجل، وفجأة رأى من بعيد وجه رجل يبدو عليه العلم والوقار يشع وجهه كالشمس يشبه الرجل الذي رآه في عالم المنام، قام الملك واستقبله وكأنه يعرفه منذ سنين طويلة مع أنه لم يره قبل وأدخله القصر.
وبعد أن استراح الحكيم رأى الجارية وعاينها ثم قال للملك: كل الأدوية التي وُصفت لها بدون فائدة بل على العكس جعلت المريضة أسوء حالاً، لقد أدرك الرجل مرض الجارية، ولكنه لم يقل للملك، وفهم الرجل أن الجارية عاشقة، جسمها سليم لكن قلبها مريض، بمرض العشق الذي يختلف عن بقية الأمراض ويعجز العقل عن شرحه.
على كل حال قال الحكيم للملك يجب عليكم بالخروج من الغرفة حتى الملك، لأنني أريد أن أسأل هذه الجارية عدة اسئلة، خرج الجميع وبقي الحكيم مع الجارية وبدأ يسألها، من أي مدينة أنت؟ وكان يراقب نبضها أثناء الأسئلة
وبدأ يسألها عن جميع مدن البلد الذي عاشت فيها، وكان نبضها طبيعياً إلى أن سألها عن مدينة اسمها سمرقند فجأة ارتفع نبض الجارية واحمرَّ وجهها، فبدأ يسألها عن الحارات الموجودة في مدينة سمرقند إلى أن وصل إلى حارة اسمها غاتفر فاشتد النبض أكثر، فعرف أن الجارية متعلقة بهذه الحارة في مدينة سمرقند، ثم راح يسألها السؤال تلو السؤال حتى ذكرت اسم شاب صائغ يعمل في الذهب في تلك الحارة، عندها بلغ اضطرابها الذروة واصفر لون الجارية!
قال الحكيم: لقد عرفت داءك وسريعا سوف تشفين، ولا تقولي لأحد شيئا عن هذا الموضوع لأن السر إذا حفظ في القلب يصبح كالحبة التي نضعها في التراب فإنها تنمو وتصبح شجرة خضراء.
ثم حكى الحكيم للملك أن الجارية تعشق شابا وسيماً شديد الجمال، وأنه لا مجال للملك إلا بإحضار الشاب ولو بالحيلة، فأرسل الملك إليه رجاله فقالوا للشاب: لقد بلغ صيتك في أرجاء البلاد والملك يدعوك لكي تأتي وتعمل عنده صائغاً في القصر، وأعطوه بعض الهدايا التي أرسلها إليه الملك، فلما سمع الشاب ورأى سال لعابه وقبل بالذهاب مع رجال الملك إلى القصر، وكان طيلة الطريق يحلم بما سيجده من المجوهرات والهدايا من خلال عمله في القصر.
عندما وصل إلى القصر استقبله الحكيم بحرارة وعينه رئيسا على العمال، ثم قال الحكيم للملك: يجب أن يتزوج الشاب الجارية لكي تتحسن حالتها وفعلا تم الزواج ومضت ستة أشهر فاستعادت الجارية صحتها وعادت كما كانت، عندها بدأ الحكيم بإعطاء الشاب دواءً جعله يضعف يوما بعد يوم، وذهب جمال وجهه ولم يمض شهر حتى أصبح هزيلاً وقبح وجهه عندها أصبح عشق الجارية له بارداً، وعندما أحس الشاب بما فعله به الحكيم بدأ يبكي دماً على ذهاب جماله، ثم لفظ الشاب أنفاسه الأخيرة ومات، ارتاحت الجارية وتخلصت من عشق الشاب الذي أصبح قبيحاً، لأنها كانت تعشق جماله ووسامته ووجهه، وبعدها أصبحت الجارية للملك. وتصبحون على خير.

19
الذهب والعاصفة
الخوري الياس الموصلي الكلداني أول رحالة شرقي إلى العالم الجديد
اعداد: بدري نوئيل يوسف
قراءة في كتاب رحلة الياس الموصلي الى أمريكا الجنوبية، التي تعتبر اول رحلة شرقية الى العالم الجديد (1668 ـ 1683).في عام 1905 بينما كان الأب أنطوان رباط اليسوعي، يفتش في مكتبة مطرانيه السريان في حلب، عثر على مخطوطة عربية بعنوان (سياحة الخوري إلياس الموصلي)، وبعد قراءته للمخطوطة اكتشف أهميتها فهي تمثل رحلة أول سائح شرقي إلى أمريكا الجنوبية، فكتب دراسة عن المخطوطة ونشرها في العدد 18 من مجلة (المشرق) الصادر في أيلول عام 1905، مع تحقيق جزء من المخطوطة، ثم أكمل بقية التحقيق في أعداد أخرى من المجلة تحت عنوان (رحلة أول سائح شرقي إلى أمريكا)، وهو أول من نشرها في كتاب.
في عام 2001 صدرت الرحلة بتحرير وتقديم نوري الجراح عن دار السويدي، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، تحت عنوان (الذهب والعاصفة)، رحلة إلياس الموصلي إلى أمريكا.
يضم هذا الكتاب (الذهب والعاصفة) بين دفتيه أقدم نصّ عربي عن القارة الأميركية الجنوبية، وضعه الرحالة العراقي إلياس حنا الموصلي، الذي انطلق من بغداد سنة  1668 م، في رحلة إلى (العالم الجديد) استمرت نحو عشر سنوات، ليكون بذلك أول رحالة شرقي يغامر في الوصول إلى أميركا الوسطى الجنوبية، في النصف الثاني من القرن السابع عشر.
 ويعتبر بحق وثيقة فريدة من نوعها عن أوضاع القارة الأميركية الجنوبية، في فترة شهدت حمّى البحث عن الذهب والفضة، فضلاً عن قيمته كأثر أدبي لا يخلو من طرافة.
الرحالة إلياس ابن القس حنا الألقوشي الكلداني من عائلة عمودة، كان قس نسطوري وقيل كاثوليكي ويبدو أن لعائلته روابط وثيقة بالفاتيكان والبابوية منذ القرن السادس عشر الميلادي.
المعلومات عن سيرته قليلة فلا نعلم تاريخ ميلاده ولا تاريخ وفاته، غير انه ذكر ان له ابن أخ اسمه يونان اكمل دراسته في روما ثم رجع بعدها إلى حلب عام 1670 م.
بدأت رحلة إلياس بن حنا الكلداني الموصلي إلى أمريكا في ربيع عام  1668 م، إذ انطلق من بغداد إلى الشام قاصدا بيت المقدس، ثم توجه بعدها إلى مدينة حلب التي مكث فيها أياما ليغادرها إلى ميناء الإسكندرونة، بعدها استقل مركبا قاصدا أوروبا، وأمضى 70 يوما من الإبحار، مر خلالها في قبرص وكريت، حتى وصل إلى البندقية، ومكث في الحجر الصحي 40 يوما، وبعدها أخذ يتنزه لمدة 20 يوما، ثم غادر إلى روما ومكث فيها ستة أشهر، ثم غادرها عبر فلورنسا وليفورنا وجنوا إلى فرنسا، فتوجه من مرسيليا إلى أوبنيون فليون التي فيها التقى القنصل الفرنسي السابق في حلب وبغداد، وفي باريس زار الملك لويس الرابع، ونال منه حفاوة وتكريما، ثم قصد إسبانيا ووصل مدريد حاملا رسائل من البابا إكليمونس التاسع إلى ملكة إسبانيا، ثم مضى بجولات بين المقاطعات الإيطالية وجزائرها، ليعود بعدها إلى مدريد فاستقبلته الملكة ثانية، ومنها توجه إلى البرتغال، وفي لشبونة أقام مدة سبعة أشهر، ثم عاد إلى مدريد والتقى ملكة إسبانيا التي أعطته تصريحا يجيز له العبور إلى أمريكا أو كما يسميها (بلاد هند الغرب).
في شباط عام 1675 بعد مرور سبع سنوات على مغادرته بغداد، وصل الرحالة إلياس الكلداني الموصلي إلى قادش، وفيها التقى دون نيقلاس ده كوردووا جنرال السفن الذي خصص له غرفة في السفينة الملكية التي تبحر إلى أمريكا مرة كل ثلاث سنوات، وفي طريقه إلى أمريكا مر الموصلي بجزر الكناري ليصل بعد ذلك إلى أول مدينة في العالم الجديد وهي كراكاس، فجزيرة مرجريتا، فكرتاخينا، وبورتوبيلو في فنزويلا، ثم إلى بنما، ومر خلالها بعديد من المدن والقرى والجزر، وتجول في البيرو وكواتيمالا، وكولومبيا، وتشيلي وبوليفيا، ووصل إلى مناطق خط الاستواء، وزار مناجم الفضة والذهب والزئبق في المستعمرات، وفي طريق عودته إلى أوروبا، بعد سياحة دامت ثماني سنوات، زار المكسيك أو كما يسميها بلاد ينكي دنيا، وأمريكا الوسطى، وتوقف في جزيرة كوبا.
في عام 1683 ركب سفينة متوجهة من كوبا إلى إسبانيا ثم روما، ويرجح أنه عاش بقية عمره في روما، ومات ودفن فيها، لوجود إشارة إلى كتاب طبع بالعربية في روما عام 1692 على نفقة إلياس الموصلي، تحدث الموصلي في رحلته عن مشاهداته وفي بعضها غرابة، ومن عناوين فصول رحلته، جزيرة السلاحف، خزنة الملك، النبات القاتل، وصف التمساح قيمان، القصب الشاهق، مدينة الذهب، جبال من ذهب، أرض الزئبق، المياه المتحجرة، سهام الهنود ورصاص الإسبان، الزلزال.
صاحب الرّحلة قسّ كاثوليكي قام برحلته لأسبابٍ ودوافعَ غير معروفة على وجه الدقّة، وإن كان من المرجّح لدى معظم الباحثين، ولدى كراتشوفسكي صاحب (الأدب الجغرافي العربي) أنه ربّما قام بمهمّة لحساب البابوية، أو التّاج الإسباني، أو لكليْهما معاً، لا شكّ إذن أن هذه الرحلة كانت لها أهداف وقد تمّت بمعرفة البابا، وفي ذلك يقول (فأنعم عليّ البابا إينوسينسيو الحادي عشر صاحب الذّكر الصالح بوظائف (وظائف) لم أكن أهلا لها، كما أنّ هذه الرحلة تمّت بموافقة ملك إسبانيا، إذ كما يقول هو نفسه: ( لأنه لا يقدر غريب أن يجوز إلى بلاد الهند إن لم يكن معه أمر من الملك، وكان في ذلك الزّمان رسول البابا في مدريد يسمّى الكاردينال ماريسكوتي وهذا المبارك ساعدني، كما يفصح الموصلي عن الغاية التبشيرية لرحلته فيقول: (فسبيلنا أن نبرهن ونبيّن رجوع هذه الطوائف إلى الإيمان الحقيقي واحتضانهم للكنيسة).
ولا شكّ أن لهذه الرحلة أهمية تاريخية لما تتضمّنه من أخبار وقصص وحكايات عن تلك البلدان النائية، خاصة أنّ كلّ ما تمّ تسجيله فيها كتبه الموصلي بلغته الأصلية وهي العربية، وقد عمل الرحالة على ترجمة الكلمات الإسبانية فيها وردّها إلى اللغة العربية، والطريف أنّ بعض الكلمات التي ظنّها إسبانية هي من أصل عربي!
وأهمها الدافع الديني المستضيء بسيرة المسيح وأتباعه من المخلصين الذين(كانت أشعة أنوارهم تشرق وتنير تلك الأقاليم المظلمة، حتى إنهما بكرازتهم طهروا المسكونة من عبادة الأوثان، وأرجعوهم من الضلالة والطغيان، واختاروا لهم تلاميذ وأخلافا، وخولوا تلك المواهب وإنعام الروح القدس، لكي يتولوا من بعدهم الرئاسة والتدبير، جيلا بعد جيل، مداومين إلى انقضاء العالمين، والمقولة تشير الى دور رجال الدين في تأسيس مملكة الله من طرف جماعة التبشير بعد زيارة القدس، بملابساته الدعوية، والذي سيكون المحفز على السفر نحو العالم الرابع، (العالم الجديد أو الهند الغربية)، الذي (كان مخفيا عن الأبصار ومستورا عن الأفكار، حتى أن القديس العظيم معلم الكنيسة المقدسة مار أغسطينوس كان يظن أن هذا الإقليم غير مسكون من البشر).
سجّل الموصلي خلال رحلته مختلف عادات وتقاليد السكان ألأصليين ومنها ما بدا له أنها مستحبّة، ومنها ما بدا له مستهجنه ممّا يضفي على نصوصه قيمة تاريخية مهمة، وهكذا يصف لنا عادات الزواج في بانكاي فيقول: (وهذا الحاكم لمّا وصلنا إلى ليما تجوّز (تزوّج) مع بنت أعطته نقداً مئة وخمسين ألف غرش كعادة بلاد النصارى، أن البنت تعطي نقداً للرجل حسب حالها)، ويقول عن عادة أكل لحم البشر: (هؤلاء الهنود عندما كانوا يحاربون السبنيولية (الإسبان) كانوا إذا أمسكوا أحداً منهم يشوونه ويأكلون لحمَه، وأما الرأس فيقطعون جمجمته ويعملونها طاسة ويشربون بها)، وفي ضواحي كيتو يصف لنا أناساً (يصير لهم مثل غدة كبيرة نازلة تحت حلوقهم، وليس لهم ذقون بل بعض شعرات ثابتة في حنكهم، وأنا لأنني كنت رجلاً كاملَ اللحية كانوا يتعجّبون منّي قائلين إنني ذو شجاعة شديدة بحيث جزتُ تلك البلاد).
وعن دار السكّة في البيرو يقول: (ورحتُ إلى البيت الذي يضربون فيه سكّة الدنانير من غروش وأنصاف أرباع، وفي هذا البيت (السكتخانة) رأينا الغروش مكوّمة على الأرض ويدوسونها بأرجلهم مثل ما يدوسون التراب الذي لا قيمة له). وعن ليما يقول (وفي هذه البلدة زلازل عدّة وفي ذلك الحين صارت زلزلة كبيرة فخرج الناس من البلدة لخوفهم لأنه سقطت منازل كثيرة مع بعضها كنائس). وعن الغلاء في ليما عاصمــــة البيرو يقول: (وهذه البلدة غالية المعاش بهذا المقدار حتى أنّ الدجاجة تساوي غرشاً ونصف غرش).
وعن كوبا يقول: (هذه الجزيرة هواها مليح، وماؤها طيّب، وأناسها محبّون، فلما أردت أن أخرج منها حتى أتوجّه إلى إسبانية جاءني حاكمها بشاكيش (البقشيش أو البخشيش) تسعة صناديق سكّر مع مرطّبانات المُربّى)
لم يتعرّض الموصلي خلال هذه الرحلة للجوانب الاجتماعية في العمق ولِمَا كان يعانيه السكّان الأصليّون من تعنّت، وتعذيب وملاحقة من طرف الغزاة الإسبان، وما كانوا يسومون هؤلاء السكّان من سوء المعاملة والاحتقار، ومن إتلاف لآثارهم، وتدمير لمعالمهم التاريخية، وتشويه لحضارتهم، وطمس لعاداتهم، وتقاليدهم، وإحراق لكتبهم ومخطوطاتهم.
كما لم يتعرّض البتّة إلى التأثير الإسلامي في مختلف هذه البلدان، خاصّة في فنون العمارة والمعمار وفي اللغة والطبخ والموسيقى ومختلف أوجه الحياة العامة في ذلك الوقت المبكّر، حيث نقل الاسبان هذه التأثيرات والفنون معهم إلى العالم الجديد كما يؤكّد ذلك معظم الدارسين والباحثين المتخصّصين الثقات في هذا المجال، خاصّةً أنّ جميع المدن والحواضر الكبرى التي زارها الموصلي ما زالت تحتفظ إلى يومنا هذا بالعديد من المآثر والآثار والمباني والدّور والقصور ذات التأثيرات الأندلسية الواضحة، والفنون الإسلامية التي لا يرقى إليها شكّ ولا ريبة .
يصف الخوري الياس العجائب والغرائب في هذه الرحلة الطويلة، فالرحلة وسيلة الإنسان لكسب المعرفة، والتعرف على البيئة والإنسان الذي يعيش فيها منذ أقدم العصور، ولاتزال الرحلة من أنجح وسائل الإنسان في الحصول على المعرفة، ولهذا السبب حظيت الرحلة باهتمام القدماء والمحدثين على حد سواء، كما احتفى العلماء بما قدمته الرحلة من إسهامات ساعدت على اكتشاف مختلف البيئات، والتعرف على نشاط الإنسان في رحابها، ومن ثم تسابق العلماء والباحثون على تقديم الأوصاف الجليلة، التي أسبغوها بكرم شديد على الرحلة.
الرّحلة سياحة حافلة بالمفاجآت والقصص والحكايات، وهناك جوانب عديدة فيها تستحق التأمّل إذ أن المعلومات التي تتضمّنها غزيرة ومتنوّعة وقد يتقبّلها العقل أو تنأى عن التصديق، ولكنها لا تخلو من طرافة. ولا يترك رحالنا صغيرة ولا كبيرة إلا ويوفيها حقّها من الوصف، حيث نقل لنا مختلف التقاليد والأوضاع، والحيوان والطيور والجوارح والعمران والبنايات، والمعادن وكيفية استخراجها والمواشي والزواحف وعمليات القرصنة، فضلاً عن الطقس والمبادلات التجارية والمقايضة وتجارة العبيد وعادات الدفن والزّواج، والزلازل، وغيرها من الأخبار المثيرة.
يؤكد الخوري أن العناية الالهية كانت معه، والعذراء مريم حمايته ونجته من عدة مواقف صعبة في البحر والبر وهنا نذكر جزء بسيط من رحلته على سبيل المثال، عندما يصف المناخ يقول: (ثمّ صعدنا إلى جبل ولا زالت الرياح والبرد شديدا، فابتدأت تتغيّر أمزجتنا وتقيّأنا بسبب اننا خرجنا من أرض شديدة السخونة، وجزنا عاجلا إلى أرض باردة، ويتابع حديثه ما كان لهم في هذه المدينة مواشي، سوى واحد يشبه الجمل بقدر الحمار وحدبته في صدره يحملون عليه ويأكلون لحمَه، ولكنه لا يسافر بعيداً فلمّا يتعب ينام، ويزبد ويتفل على أصحابه).
ويتابع وصفه لبعض الجزر والمدن يقول: وصلنا إلى جزيرة  تسمى مرغريتا، (ذكروا لنا عن الجزيرة أنها من مدة عشرين سنة كان الغطاسون في البحر، يخرجون صدف اللؤلؤ البليغ في الكبير والشريف باللون، فذات يوم بينما كانوا يستخرجونه، نذروا على انفسهم أن أول شيء يخرجونه في ذاك النهار من اللؤلؤ، يدفعونه إلى كنيسة مريم العذراء، فلما نظروا أنهم اخرجوا لؤلؤ كبير غالي الثمين ندموا بذاتهم، وقالوا أن غدا يكون على اسم مريم العذراء، وأيضا غطسوا وأخرجوا اللؤلؤ فوجدوه اجود واحسن من الأول، فطمعوا كذلك وقالوا نهار الغد نفي بوعدنا إلى العذراء، حتى اليوم الرابع انحدر الغطاسون كعادتهم ليخرجوا اللؤلؤ فما وجدوا شيئا ابدا والى يومنا هذا ما بقوا يجدون لؤلؤ في  ذلك البحر).
وعن قلعة ماتشو بيتشو (Machu Picchu) في بيرو يقول: (وجدنا أجناساً من الحيوانات منها أيّل وبقر وحشية، وجنس حيوان آخر يسمّى بيكونيا (Vicugna) وهو قويّ وأنيس لمّا يرى أناسا أم دواباً مجتازين، ينحدر من الجبل ليتفرّج عليهم ولحمه لا يأكله غير الهنود، وفي بطنه يوجد حجر البازهر (الترياق)  (Bezoar) بين كليتيه فيخرجونه ويبيعونه بثمنٍ غالٍ لأنه نافع للسّموم).
ويقول: (سافرنا إلى بلدة تسمى بورتو بلو (Portobello) في هذه البلدة نوع من الدبيب إذا تغافل عنها الانسان تدخل في جسمه، ومن بعد أربعة أو خمسة أيام تكبر وتصير قدر حمصة ويخرجونا بإبرة دون ان يفقعوها ويضعونها على جمرة نار تنفجر مثل الفرقعة، وإذا لم يخرجونها أو يفقعوها داخل الجسم فيتورم الجسم ويموت الانسان المصاب بها)، (وفي هذا البلد يوجد خفاش الليل، كبير يجيء إلى الانسان وهو نائم ويبدأ مص دمه وستفرغه، وبجناحي يهوى على ذلك الانسان ليطيب له النوم، ولايزال يمص الدم ويتقيأ الدم إلى ان يفيق الانسان نصف غثيان من كثرة الدم الذي خرج منه).
ثم يتابع حديثه: (قاسينا في هذه البلدة من الحر والمطر اربعين يوماً، والتجار يبيعون بضائعهم، فلما ادخلوا خزينة الملك إلى هذه البلدة، ارسلني الجنرال حتى اتفرج عليها، فرأت شيئا لا يحصى من الفضة والذهب، بعد ذلك احببت الذهاب إلى مدينة تسمى صانتافة (Santa Fe) يستخرجون حجر الزمرد، لكن الجنرال نصحني ومنعني من ذلك لوجود حيات مسمومة تقتل الناس والمسافة بعيدة والذهاب اليها بواسطة النهر). 
بعدها وصلت إلى البيرو بمرافقة بعض التجار، استكريت ثلاثة بغال بتسعين قرشا، وأما الحاكم فلن يسمح لي الذهاب وحدي إلى الجبال، (بسبب وجود فيها نوع من الحشيش يشبه الخيزران الرفيع، فلما يمر عليه رجل ابيض عابر الطريق يرتفع من الأرض مثل العمود ويمس الانسان، ولا يشفى منها المصاب بهذه اللمسة إلى الموت، ولكنة لا يمس الهنود العبيد ولا يضرهم، فلما سمعت هذا الكلام من الحاكم، قلت له لا اصدق، إن لم أرى بعيني، فقام وارسل معي خادمه، وهو احمر حتى يريني ذلك الحشيش، جاء الخادم إلى جانب فرسي واختفى، رأيت الحشيش وهو بعيد عشرة اذرع عن الدرب، إلا وارتفع وأمتد أن يجيء يلدغني فخرج الأحمر، وصاح دونك يا كلب، فلما صاح عليه وقع على الأرض وأنا شاهدت بعيني. )
(وأيضا في هذا الجبل رأيت اغصانا معدلة من غير ورق، ففي كل غصن ثلاث جوزات مثل القطن، فإذا انفتح    جانب الجوزة رأيت داخلها حمامة بيضاء، بجناحيها ومنقارها الاحمر وعيونها السوداء، فهذه يسمونها زهرة الروح القدس، وكثير من الحكام ارادوا أن يحضروها ويزرعوها في إسبانيا لكنهم لم يقدروا ).
وصلنا إلى ميناء يسمى سانتا ايلينا (أي القديسة هيلانة) (مقاطعة سانتا إيلينا هي مقاطعة في الإكوادور في المنطقة الساحلية)، بقينا على الأرض خمسة أيام ومن خوف شر البحر قصدنا أن نمشي في البر وصار لنا تعب عظيم لبعد الدرب، حينئذ أخبروني ان في هذا الميناء رجل من الهنود عمره مائة وخمسون سنة، فقصدت أن اروح أزوره فنظرته صحيح الجسم عتيق الايام، فأبتدئ يحكي لنا الأيام السالفة وذكر لنا أن بالقرب من الميناء على بعد فرسخ واحد يوجد مغارة وهناك مدفونون أناس من الجبابرة، وكان والده قد أخبره (أن الهنود يظنون أن المراكب حيتان، وقلاع المراكب يظنونها جناح الحيتان، لأنهم لم يروا مركبا من قبل، ولما كان ينظرون إلى الخيل وراكبيها كانوا يظنون انهم قطعة واحدة).
صار لي رغبة بالذهاب إلى تلك المغارة، بعد ما سمعت عن الذي جرى للجبابرة، (اخذت معي اثني عشر نفرا من الهنود مع سلاحهم قاصدين تلك المغارة، فعند وصلنا اليها أشعلنا الشمع الذي كان معنا، خوفا من أن نضيع داخل المغارة، وكل عشرة خطوات اوقفنا رجلا في يده الضوء، وأنا اتقدمهم وبيدي سيف مسلول، وصلت إلى موضع العظام، فنظرتها ثخينة وأما الجماجم فكانت كبيرة جدا، فقمت وقلعت من أحد الجماجم ضرسا يزن مائة مثقال لثقله، وأيضا تأملت في عظام الساق وقست أحدها فكان خمسة اشبار، وعمل أحد المصورين قياسا وتخمينا لهذا الجسم، فوجد ارتفاعه خمسة وعشرين شبرا، ثم خرجنا من المغارة متعجبين واخذت الضرس المذكور معي) 
وعن بلدة غواياكيل(Guayaquil) يقول: توجد بساتين فيها جنس أشجار تشبه التوت تحمل ثمرة تسمّى كاكاو ويعملون منها الشكولاتة، وهذا الثمر تراه مثل البطيخ متعلقاً وملتصقاً على جسم الشجرة فلما يبلغ ويصفرّ يأخذونه ويقطّعونه وفي داخله يخرج الثمر وهو حبوب أخشن من الفستق، ثمّ ييبّسونه حتى ينشف، وبعد ذلك يلقونه فتراه كالقهوة في اللون والطعم والرائحة، لكنه كثير الدّهن ومن دسامته يصير مثل العجين. وعن قصب السكّر يقول: وفي كيتو (عاصمة الإكوادور حالياً)، يوجد جنس قصب ارتفاعه أربعون ذراعاً يجعلونه الصّواري أعني غطاء لسقف البيوت والبعض منه ممتلئ ماء أبيض وحلو وأنا شربتُ منه.
سجّل الموصلي خلال رحلته مختلف عادات وتقاليد السكان الأصليين ومنها ما بدا له أنها مستحبّة، ومنها ما بدا له مستهجنه ممّا يضفي على نصوصه قيمة تاريخية مهمة، وهكذا يصف لنا عادات الزواج في بانكاي فيقول: (وهذا الحاكم لمّا وصلنا إلى ليما تجوّز (تزوّج) مع بنت أعطته نقداً مئة وخمسين ألف قرش كعادة بلاد النصارى، أن البنت تعطي نقداً للرجل حسب حالها)، ويقول عن عادة أكل لحم البشر: (هؤلاء الهنود عندما كانوا يحاربون الإسبان كانوا إذا أمسكوا أحداً منهم يشوونه ويأكلون لحمَه، وأما الرأس فيقطعون جمجمته ويعملونها طاسة ويشربون بها)، وفي ضواحي كيتو يصف لنا أناساً (يصير لهم مثل غدة كبيرة نازلة تحت حلوقهم، وليس لهم ذقون بل بعض شعرات ثابتة في حنكهم، وأنا لأنني كنت رجلاً كاملَ اللحية كانوا يتعجّبون منّي قائلين إنني ذو شجاعة شديدة بحيث جزتُ تلك البلاد).
في الختام تعتبر رحلة الموصلي الكلداني، أوّل رحّالة أو سائحٍ كلداني، وأوّلَ سيّاحة شرقية حافلة بالأخبار والمعلومات، التي سجّلها لنا هذا الرحال، ويصف لنا تلك الدّيار البعيدة والأصقاع النائية. ولا شكّ أن لهذه الرحلة أهمية تاريخية لما تتضمّنه من أخبار وقصص وحكايات عن تلك البلدان النائية، خاصة أنّ كلّ ما تمّ تسجيله فيها كتبه الموصلي بلغته الأصلية وهي العربية، وأهمها الدافع الديني المستضيء بسيرة المسيح وأتباعه من المخلصين.

المصدر
الأب انطون رباط اليسوعي مجلة المشرق.
الذهب والعاصفة.. نوري الجراح صدر عن دار السويدي كتاب عن هذه الرحلة بعنوان (الذّهب والعاصفة)
نشرت النشرة الثانية بعد سبعين سنة على يد الباحثة العراقية ابتهاج الرّاضي.
عبد الرحيم مؤدن . الرحالة والرحلة المضادة: رحلة إلياس الموصلي إلى أمريكا .


20
من حكايات جدتي ... الثمانون
الحجـر المسـحور
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي تشكي حالة الفقراء الذين لن يسأل عنهم معين، تقول جدتي وعلامات الحزن ظاهرة على وجهها:
كان هناك ملك خرج في أحد الأيام يتفقد أوضاع أبناء المملكة، وصل إلى قرية شاهد سكانها يشربون من نهر ماءه عكر وغير صافي فأمر الحاشية أن يجلبون حُبُّ (الحُبُّ: وعاءُ الماء كالزِّير والجرَّة)، يضعون فيه الماء حتى يصفى الماء  ويشربون منه أهل القرية، وعندما جلبوا الحُبُّ ، قال احد الموظفين: هذا الحُبُّ أموال عامة وعهدة حكومية، نحتاج  حارس يقوم بحراسته، وكذلك نحتاج عامل يملئه بالماء وبهذه الحالة نحتاج سته حراس وست عمال يتناوبون خلال الأسبوع، بعد ذلك قال أحد افراد الحاشية: الحُبُّ يحتاج حبل وطاسة واذا صار بيه خلل نحتاج واحد يصلحه وهنا لازم نعيين فني، تدخل موظف خبير متعمق في شؤون الدولة : وبهذه الحالة نحتاج شعبة حسابات حتى يقدمون لهم رواتب، تدخل موظف أخر من الحاشية قائلا: ومن يضمن هؤلاء الموظفين يشتغلون بانتظام و بدون غيابات.
وعليه نحتاج واحد يتابعهم ويشرف على العمل.
اتفق الجميع على إنشاء شعبة لشؤون العاملين وفتح سجلات حضور وانصراف للعمال، أما أحد افراد الحاشية اقتراح فتح شعبة قانونية لمحاسبة المقصرين بعملهم، وعند تم تعين كل هؤلاء لأدراه املاء الحُبُّ بالماء، جاءهم موظف موفر محترم مستفسرا: من يرأس كل هؤلاء الموظفين. ثم أجاب هو: نحتاج لموظف بدرجة مدير عام يدير العمل.
بعد مرور سنة زار الملك القرية شاهد مبنى كبير وعليه يافطة كبيرة مكتوب عليها (الإدارة العامة لشؤون الحُبُّ)
دخل الملك إلى المبنى وشاهد غرف وقاعات اجتماعات، ومكاتب وغرفة للمدير العام يجلس خلف مكتبه ورجل مهيب شعر راسه ابيض وفوق المكتب يافطة صغيرة مكتوب عليها (الأستاذ مدير عام شئون الحُبُّ).
 فتساءل الملك عن سر هذه المؤسسة الكبيرة وهذه الإدارة الغريبة التي لم يسمع جلالته بها. أجابه رئيس الحاشية الملكية: مولاي كل هؤلاء الموظفين يهتمون بشؤون الحُبُّ الذي أمرت بيه للناس بالعام الماضي. 
قرر الملك زيارة الحُبُّ الذي قدم خدمة للقرية بحيث أصبح له كادر كبير يديره، وصل الملك إلى الحُبُّ وكانت المفاجأة
أن الملك وجد الحُبُّ فارغ ومكسور وبجانبه حارس وسقا نائمين وعليه يافطة مكتوب عليها: (تبرعوا لإصلاح الحُبُّ من اجل الفقراء مع تحيات الادارة العامة لشؤون الحِب). 
تقدرون يا أولادي أن تقولوا لي ماذا قدمت هذه الحاشية للقرية من يوم امر الملك انشاء الحُبُّ والى الان. ابتسمنا جمعيا وكان جدي يسمع الحكاية تدخل وقال: اولادي احكي لكم سالفة قصيرة، من كذا سنة عندنا ولد ابني الصغير يعني خالكم، ذهبت إلى دائرة الأحوال المدنية لتسجيل اسمه واستحصال له بطاقة الأحوال المدنية، الموظف لم يعجبه اسم ابني طلب مني أن اغير الاسم، تعجبت من طلبه ورفضت أن اغير الاسم، اعتذر الموظف أن يكمل معاملة تسجيل الاسم، ورمى الأوراق بوجهي، دخلت إلى المدير العام اشتكي له، اعتذر وأيد كلام الموظف أن اغير الاسم، سألته عن السبب أجاب بكل برود: الموظف المختص لم يقتنع بهذا الاسم قدم طلب جديد باسم جديد يقتنع به الموظف. خرجت من الدائرة اشتم واسب من عين مديرا من أقرباء حاشية يدير دائرة الأحوال المدنية. انتظرت حتى تغير الموظف بعد الثورة التي قام بها الضباط الاحرار ونقله إلى دائرة أخرى موظف استعلامات، أما الموظف الجديد سجل الاسم بسجلات الأحوال المدنية. 

قالت جدتي نعود لحكايتنا اليومية
كان في قديم الزمان، صياد سمك فقير الحال يتعب كثيراً طوال النهار، وبالكاد يصيد بعض السمكات الصغيرة ويعيل أسرته ويؤمن لهم قليلاً من الطعام. ونتيجة حظه السيء ويأسه من النتيجة امتنع أياماً عديدة لا يخرج إلى الصيد حتى هدّهم الجوع، فطلبت منه زوجته أن يخرج إلى البحر، ورجته أن يجرّب حظه هذه المرّة لعله يصيد بعض السمك، وتحت إلحاح زوجته أخذ شبكته ووضعها على كتفه، وخرج إلى مكانه المعتاد على البحر، رمى الشبكة وأخرجها بعد ساعة فوجدها فارغة، ورماها ثانية فكانت أيضا فارغة، ثم ثالثة ورابعة حتى قاربت الشمس على المغيب دون نتيجة، فعزم أن تكون هذه المرة الأخيرة فرمى الشبكة وبعد قليل سحبها فوجدها ثقيلة. فرح كثيراً وظن أنها مليئة بالأسماك فعالجها كثيراً حتى رفعها بصعوبة، وفوجئ بأنها فارغة إلاّ من حجر بقدر رأس الحصان، فحزن على هذا الحظ التعس، وغضب وحملها ليرميها في البحر، فسمع صوتاً يقول: يا صياد لا ترميني، أنفعك احتفظ بيَّ
لم يصدّق أذنيه وهمّ برميها ثانية، فسمع الصوت مرة أخرى، فعرف أن الحجر تكلّمه، وأن في الأمر سر كبير، فحملها وعاد إلى بيته. عندما رأته زوجته يعود بحجر دون سمك وطعام انزعجت ولامته وعنّفته كثيراً، فقال لها: اصبري حتى نرى آخر هذا الأمر وحدثها عن سر الحجر، فقالت: نصبر ونرى إن كانت هذه الحجر ستطعمنا أم سنموت من الجوع، ونامت ونام الأولاد جائعين وبقي الرجل ساهراً يراقب الحجر دون جدوى.
في الصباح وجد الرجل كيساً من المال على الحجر، فطار عقله من الفرح، وأخذه وأيقظ زوجته والأولاد وغنوا ورقصوا من البهجة والسرور، وأيقنوا أن الصبر مفتاح الفرج، ونزل الرجل إلى السوق فاشترى لحماً وسمناً وزيتاً وخضاراً وفاكهة، وعاد بها إلى البيت، فأكل الجميع حتى شبعوا ولبسوا ملابس جديدة وأمضوا اليوم في فرح وسرور.
في صباح اليوم التالي وجد كيساً آخر فطار من الفرح، وأصبح كل يوم يجد كيساً جديداً، فتحسّنت الأحوال وأصبح من الأغنياء، فبنى قصراً فخماً وفرشه بأحسن الفرش، وبقوا ساكتين لا يقولون شيئا عما جرى معهم بعد أن أوصاهم الحجر أن لا يفشوا سرّه لأحد وإلا خسروه إلى الأبد.
لاحظ الجيران تغيّر أحوال جيرانهم وهذا الغنى الكبير المفاجئ على جيرانهم الفقراء، فاستغرب الجميع هذا الأمر، وبدأوا يتساءلون ويتهامسون عن حقيقة السر العجيب، وأخذوا يتساءلون عن سبب هذا التغير، وبدأت الناس تزورهم وتتودّد إليهم وتجمعت النساء حول زوجة الصياد، وأخذوا يسألون الزوجة عن سر غناهم فلم تجبهم في البداية، لكنهم ألحّوا عليها ولا حقوها بالأسئلة، فعجزت المرأة عن المقاومة، وضاقت نفسها بالسر فباحت به لجاراتها، وأخبرتهم عن حقيقة الحجر المسحور، وصارت تفتخر بأحوالها وقصرها وغناها، وتتباهى بين النساء، وبسرعة فشى السر من واحد إلى آخر حتى شاع بين الناس، فعرف الجميع قصة الحجر المسحور وحسدوهم عليه. وجاءت اللصوص وسرقت الحجر.في الصباح استيقظ الجميع ووجدوا أن القصر قد اختفى ووجد الرجل والمرأة والأولاد أنفسهم في كوخهم القديم، وقد فقدوا القصر والأموال والعز والجاه، وبحثوا عن الحجر في كل مكان فلم يجدوه، وعادوا إلى حالهم القديم. كما كان.





21
من حكايات جدتي ... التاسعة والسبعون
التفاحة والجاذبية
بدري نوئيل يوسف
في هذه الليلة حدثتنا جدتي حكاية أحد الامثال الشعبية المشهورة قالت: كان يا ما كان في قديم الزمان عَالِم كان موجود بوحدة من الحواضر، وكان هذا العالِم ذكي جداً وطبيب مشهور ويعمل عمليات خطيرة وكلها ناجحة.
هذا العَالِم اسمة كَمُّون وكان عنده صبي يشتغل معه، وكان فَطين ويتعلم بسرعة ولا يظهر للعالم كمُّون إنه جاء يتعلم من عنده اصول الطب، لان كَمُّون ما يحب أحد ينافسه ويصير عالم أو طبيب بنفس المدينة، وبقي كمُّون هو المرجع والطبيب لأهل المدينة.
في يوم من الأيام جلبوا مريض لكمُّون، وهذا المريض دخلت في أذنه حشرة ووصلت إلى الدماغ وصعب خروجها، بدأ كمُّون بتخدير المريض لأجراء عملية وبمساعدة الصبي الذي عنده، وبعد أن وصل للحشرة عرف أن واقفة فوق المخ وكل ما يحاول يرفعها يجدها ملتصقة بالمخ. وهذه أخطر منطقة وممكن تسبب تلف دائمي فبقي محتار كيف يرفع الحشرة، وكان الصبي يراقبه وعرف ان العالم كَمُّون عجز عن اكمال العملية، صرخ الصبي بصوت خافت (النار يا حمار). غضب كمون من الصبي بنفس الوقت عرف الحل هو النار فحمى الملقط على النار ومسك بيه الحشرة بعدما حست بالحرارة رفعت رجليها المتمسكة بالمخ واستطاع اكمال العملية.
بعد هذه الحادثة تواجه كمُّون مع الصبي وقال له: أنتَ غلبتني واصبحت أذكى مني، وأنا هذا الشي ما أقبله، فلازم واحد من عدنا يموت، هنا جاوب الشاب:
أنتَ استاذي وتبقى، لكن إذا كنت مصر على أن يموت واحد من عدنا اقترح أن تسقيني السم وأموت وإذا الله نجَّاني راح أنا أسقيك السم والأولوية لك لأنك الأستاذ وصاحب الفضل.
صنع كَمُّون سم حتى يسقيه لتلميذه وبنفس الوقت راح الشاب لوالدته وأخبرها بالذي راح يصير وطلب منها إذا احضروه عندها ان تقوم بتبضيع جسمه من كل مكان حتى ينزل السم، وبعد ذلك أن تطلي الجروح بالعسل وتتركه ليلة بالخرابة، حتى تتجمع الحشرات وتمتص السم وبعد ذلك تدخله للبيت وتداوي جروحه.
ذهب الشاب على الموعد وعرف أن كمُّون حضر له السم، طلب الصبي من كَمُّون بعد أن يشرب السم يوصلوه الى أمه قبل أن يموت حتى يودعها فوافق كمُّون، شرب الصبي السم وارسلوه الى إمِّه ونفذت ما طلب منها ابنها وبعد اسبوع تعافى الشاب ورجع لكمُّون ووقف أمامه.
انصدم كَمُّون عندما شاهد وعرف إنه نجى من الموت وجاء دور كَمُّون ان يشرب السم لكن الشاب أخبره أن له وصفة سم قوية، وبقي كَمُّون ينتظر والخوف مسيطر عليه وبعد أيام رجع الشاب لكَمُّون وشاهده متغير ومنقطع عن تناول الطعام والشراب، وطلب كَمُّون من عنده السم، لكن الصبي أخبره إنه لم يجهز بعد لان الوصفة قوية جداً. وبقي كَمُّون ينتظر والقلق والخوف أخذ مِنَّه مأخَذ واستمر هذا الحال مدة من الزمن، وبعد فترة جاء الشاب ومعه قدح أول ما شرب مِنَّه كَمُّون مات، وكان القدح فيه ماء فقط، لكن الخوف والقلق هو الذي مَوَّتَه وذكاء الشاب أنقذه من انانية كَمُّون واستحواذه على العلم وعدم تعليم الآخرين لمهنته وصنعته.
 ومشى القول بين الناس (أوعدك بالوعد وأسقيك يا كَمُّون)


تقول جدتي أما حكايتنا لهذا اليوم: يحكى أنه في زمن بعيد في احدى المدن، كان يعيش مزارع طيب يحب مزرعته كثيراً وكان مهووساً بعمله وتربية الحيوانات، والاهتمام بمزرعته الصغيرة، فكان يستيقظ كل يوم من نومه يطعم الحيوانات والطيور، ويقوم بجمع الخضروات والفواكه، وكان هذا المزارع مشهوراً جداً في أنحاء بلدته التي كان يقل بها عدد المزارعين دائماً، الذين يلجئون للسفر إلى المدينة مبتعدين عن القرية الصغيرة بحثاً عن عمل وحياة أفضل.
وفي يوم من الأيام استدعى عمدة البلدة هذا المزارع، ليقوم بزراعة بعض اشجار الفاكهة لتزيين مداخل المدارس بالبلدة حتى يستظل بها الطلاب في أوقات راحتهم، وفعلاً بدأ المزارع الطيب في عمله وأختار أفضل الحبوب لزراعة اشجار التفاح في أرجاء المدارس، كان يعمل ليلاً نهاراً لينجز عمله على أكمل وجه وفي وقت قليل، مرت عدة شهور وكبرت اشجار التفاح وترعرعت وذهب المزارع إلى العمدة حتى يحصل على أجره فأعطاه العمدة مبلغ قليل جداً من المال، فقال المزارع: (يا سيدي العمدة هذا المال قليل جداً ولا يكافئ مجهودي وتعبي). فقال العمدة: (بل إنه كاف لك فأنت لم تتعب، أنت مجرد فلاح تزرع الحبوب وهي تطرح بمفردها فعملك ليس بالكثير)، حزن المزارع كثيراً بسبب كلام العمدة الذي اعتبره إهانة له وتقليلاً من عمله، ومن مهنة الزراعة المهمة التي ظن العمدة أنها لا تفيد المجتمع ولا قيمة لها.
عاد المزارع الطيب إلى مزرعته حزيناً في ذلك اليوم، ظل يفكر كثيراً في كلام العمدة الخبيث الذي لا يقدر مهنته وعمله، وظل يفكر ويفكر في حزن وألم حتى غلبه النعاس، في هذه الليلة لم يستيقظ الفلاح كعادته من جديد، فقد مات المزارع الطيب بسبب شدة حزنه.
وبعد مرور عشرات السنين على وفاة المزارع، كان هناك أحد طلاب المدرسة التي زرع لها الفلاح شجرة التفاح، الذي يحاول يذاكر دروسه ويحل فروضه المدرسية تحت احدى الاشجار في فترة الراحة بينما باقي الطلاب يلهون ويلعبون، جلس هذا الطالب يقوم بواجباته، بينما شاهد أحد زملائه يتسلق شجرة التفاح لكي يلتقط بعض التفاح الناضج، ولكنه تعرقل وسقطت التفاحة على كراسة الطالب، لكنه التقطها ولم يأكلها وأخذ يسأل نفسه، لماذا لم تسقط التفاحة لأعلى ولكنها سقطت لأسفل ومن هنا اكتشف قانون الجاذبية الأرضية التي غيرت مفهوم العالم عن الكون. على الرغم من وفاة المزارع إلا انه ترك للعالم شركة التفاح التي كانت بمثابة الذهب، وليت ظل حياً حتى يفتخر بعمله كمزارع ويدرك قيمته ويعرف أن عمله غير حياة البشرية بأكملها.
اقول لكم يا اولادي: الاخلاص في العمل وانجازه على أكمل وجه، ولا تستصغر أبداً مهنتكم مهما كانت، ولا تسمحوا لأحد أن يستهين بكم أو بعملكم، لأنكم لا تعلمون ما يحدث غداً وكيف يمكن أن يحول عملكم هذا الذي تعتقدون أنه صغير حياة العالم من حولكم.




22
من حكايات جدتي ... الثامنة والسبعون
الملك والمهرج
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي أنه كان في قديم الزمان ملك وعنده مستشار حكيم يشاوره في كل الأمور، ويستشيره عن كل ما يحدث معه، وكان في كل مرة يسأله عن مسألة غريبة وصعبة يرد عليه المستشار بقوله: (هذه لحكمة يريدها الله).
في أحد الأيام كان الملك يمشي في بستانه يشمّ الهواء، ويتمتع بالمناظر الجميلة، ويروّح عن نفسه دخل أحد الأغصان اليابسة في عينه فانقلعت، تألّم الملك وحزن كثيراً، ثم طلب المستشار وسأله عن سبب حدوث ذلك معه، فأجابه الحكيم: حدث هذا لحكمة يريدها الله.
غضب الملك من ردّه وأمر وزيره أن يأخذه ويقتله ويريحه منه ومن حكمته، فأخذه الوزير ولكن حنّ قلبه عليه وخبأه في بيته، وقال للملك بأنه قتله.
بعد مدّة من الزمن كان الملك يتنزّه على الشاطئ ويفكر في أحوال الدنيا، فجاء قوم متوحشون نزلوا على الشاطئ، وكانوا يفتشون عن شخص يقدمونه قرباناً لآلهتهم، فوجدوا الملك وحيداً على الشاطئ قبضوا عليه وقادوه إلى جزيرتهم، وهناك عرضوه على الكاهن، فلمّا رآه غضب منهم وعنّفهم، ورفض أن يقدّم قرباناً للآلهة رجلاً أعور العين فأمرهم أن يعيدوه، ويأتوه بشخص سليم يصلح قرباناً.
عاد الملك إلى بلاده ونجا من الموت وعرف وتيقّن أن الحكيم كان على حق، وأن قلع عينه كانت لحكمة يريدها الله ولولا قلع عينه، لما نجى من الموت، تأسف الملك على قتل الحكيم وندم على فعلته، وتمنى لو أن الحكيم حياً، عندما سمع الوزير كلام الملك، أخبره بما حصل وأنه لم يقتله، وأحضره بين يدي الملك، فرح الملك كثيراً ورحب بالحكيم وأجلسه بجانبه، وعاد ينتفع من حكمته.
نعود لحكايتنا اليومية: في يوم من الأيام خرج ملك البلاد يصطاد أوغل في الغابة، وتاه الملك عن حاشيته في الطريق شعر بالعطش، فمرّ على بيت وجده في طريقه طرق الباب، خرجت امرأة حباها الله بجمال وضاح وحسن زائد فكانت مسرة للعيون ومبعث اعجاب لكل من يراها، ممشوقة القوام وجهها بدر في ليلة تمامه، طلب منها ماءً للشرب فناولته الماء، وجلس يتحدّث إليها وعرف أنها زوجة المهرّج في قصره، فأضمر في نفسه أمراً وعاد إلى جماعته.
رجع الملك إلى قصره وقد ملكت المرأة عقله وعواطفه، ولم يعد يستطيع النوم من التفكير بها، فاستشار وزيره بالأمر فأشار إليه الوزير أن يرسل المهرج برسالة إلى بلاد بعيدة، ليخلو له الجو خلال غيابه، استدعى الملك المهرّج وأعطاه الرسالة وأمره أن يوصلها إلى ملك البلد المجاور وأن يعود بالجواب.
ذهب المهرج إلى بيته وأخبر زوجته بالمهمة التي كلّفه بها الملك، فجهّزت له لوازم السفر والنوم والطعام، ووضع المهرج الرسالة تحت الفراش ونام، وعند الفجر ركب فرسه ورحل مسرعاً، وبعد مسيرة يوم تفقّد الرسالة فلم يجدها معه، وتذكّر أنه نسيها تحت الفراش، فعاد أدراجه متأسفاً على إضاعة الوقت.
أما الملك فقد جاء في اليوم التالي إلى بيت المهرّج، فاستقبلته الزوجة ورحبت بزيارته، ووضعت له الطعام والشراب، وبعد أن انتهى، طلبها لنفسه وعبّر لها عن حبه، أبت وعابت عليه أن يفكر الملك بإحدى رعاياه، ويتنازل إلى فضلات خدمه، فاستحى الملك وخجل من نفسه، واعتذر منها وخرج مسرعاً، لكنه نسي مسبحته الملكية في البيت.
عاد المهرج لأخذ الرسالة من تحت الفراش، فلمح مسبحة الملك وعرف أن الملك دخل بيته في غيابه، فوضع المسبحة في جيبه وخرج دون أن يتكلّم، وتابع سفره إلى أن أوصل الرسالة وعاد بالجواب، لكنه طول السفر كان مهموماً يفكر بأمر الملك وزوجته، وكيف يتصرف فلن يصل إلى نتيجة.
 عاد المهرج وصل إلى البيت استقبلته زوجته بحرارة واشتياق، فقابلها ببرودة وجفاء، وقدمت له الطعام ومدّت له الفراش ليرتاح من عناء السفر، فنام وحده دون أن يقترب منها، واستمر على هذا الحال ثلاثة أيام دون أن تفهم سبب عدم مجاملتها والابتعاد عنها.
في اليوم الرابع طلب المهرج من زوجته أن تذهب لزيارة أهلها، وتبقى عندهم حتى يعيدها، فأطاعته وهي تشك بأمره، وبقيت عند أهلها عدّة أسابيع لم يسأل عنها، فسألها أبوها عن السبب فأجابت أنها لا تعرف الحقيقة، فذهب الأب إلى المهرّج ليعرف منه سبب بعده، فلم يقل له شيئاً سوى أنه لم يعد يريد زوجته، وأنها ستبقى في بيت أهلها.
ذهب الأب إلى القاضي يشكو صهره المهرّج، فطلب القاضي المهرج للنظر في قضيته، وكان من عادة الملك أن يحضر مجالس القضاء. اجتمع الأب وابنته والمهرج بحضور القاضي والملك، وطلب من الأب عرض دعواه فبدأ بقوله: يا سيدي القاضي كان عندي بستان اعتنيت بها ورعيتها، حتى أثمرت وأينعت وأعطت الخير الوفير والثمار والأشجار، طلب مني هذا الرجل فأعرته إيّاه، وتمتّع بحرثها وزراعتها وحصادها وأكل من ثمرها، ثم بعد سنوات أعادها إليّ قاعاً صفصفا تذروه الرياح.
سأل القاضي المهرج عن ردّه على هذا الكلام فأجاب: هذا صحيح يا سيدي القاضي لقد أعطاني الرجل البستان كما وصفه وزيادة، ودفعت له ثمنا غالياً من المال، واستمتعت به كثيراً وعشت فيه مسروراً، إلى أن دخلته في أحد الأيام فوجدت فيه آثار سبع الغاب، فخفت على نفسي من بطشه وعلى حياتي من الهلاك، فأعدت البستان إلى صاحبها لأنفد بجلدي، وهذه حكايتي وأنا راضٍ بما تحكم يا سيدي القاضي.
 صمت القاضي طويلاً وقد حار بما يحكم، وكيف يحل هذه المشكلة فهو لم يفهم حقيقة الأمر، لكن الملك فهم سرّ الموضوع وأن الرجل عرف قصة دخوله إلى بيته وأنه يشك في زوجته، فوقف وصرخ بالمهرّج: اتق الله يا رجل إن سبع الغابة دخل إلى بستانك وخرج، لكنه لم يطأ أرضك ولم يأكل من ثمرها، فقم وخذ زوجتك فإنها طاهرة ولا توزن بالذهب. وافقته الزوجة على هذا الكلام فاقتنع المهرّج بحقيقة الأمر، واطمأنت نفسه فرضي عن زوجته، وأجزل لهما الملك العطاء، وعادا إلى بيتهما مرتاحي البال، وعادت المياه إلى مجاريها وصفت النفوس، وعاشا بالهناء والسرور والفرح والحبور.





23
من حكايات جدتي ... السابعة والسبعون
المرأة الارملة
بدري نوئيل يوسف
في هذه الليلة حدثتنا جدتي قائلة: أن جارنا أبو البنات، منزعج وضجر ويتأفف متذمراً، لان الله رزقه بعدد من البنات ولن يرزقه الله صبيان. ونسى أن الرضا بما قسمه الله سعادة ففي الرضا بقضاء الله وما قسمه له غنًا في النفس وراحة للبال، اسمعوا اولادي هذه الحكاية وتعلموا منها درسا مهما في حياتكم.
تعطلت إحدى السفن التجارية وهي في عرض البحر، من كثرة الحمل والمتاع الذي فيها فأصبحت مهددة بالغرق، فاقترح ربانها أن يتم رمي بعض المتاع والبضاعة في البحر، ليخفف الحمل على السفينة وتنجو.
فأجمعوا التجار فيما بينهم أن يتم رمي كامل بضاعة أحد التجار لأنها كثيرة، عندما علم بذلك اعترض التاجر على ان ترمى بضاعته هو لوحده، واقترح أن يرمى كل التاجر قسم من بضاعة بالتساوي حتى تتوزع الخسارة على الكل ولا تصيب شخص واحد فقط، فثار عليه باقي التجار ولأنه كان تاجر جديد ومستضعف، تأمروا عليه ورموه في البحر هو وبضاعته وأكملوا طريق سفرهم.
أخذت الأمواج تتلاعب بالتاجر وهو موقن بالغرق وخائف حتى أغمي عليه، وعندما أفاق وجد أن الأمواج ألقت به على شاطئ جزيرة مجهولة ومهجورة. ما كاد التاجر يفيق من إغمائه ويلتقط أنفاسه حتى سقط على ركبتيه، وطلب من الله المعونة والمساعدة وسأله أن ينقذه من هذا الوضع الأليم.
مرت عدة أيام كان التاجر يقتات خلالها من ثمار الشجر وما يصطاده من أرانب، ويشرب من جدول مياه قريب، وينام في كوخ ٍصغير بناه من أعواد الشجر ليحتمي فيه من برد الليل وحر النهار.
وفي ذات يوم وبينما كان التاجر يطهو طعامه، هبت ريح قوية وحملت معها بعض أعواد الخشب المشتعلة، وفي غفلة منه اشتعل كوخه فحاول إطفاء النار، ولكن لم يستطيع والتهمت النار الكوخ كله بما فيه.
 أخذ التاجر يصرخ لماذا يا رب؟ لقد رموني في البحر ظلماً، وخسرت بضاعتي، والآن حتى هذا الكوخ الذي يؤويني احترق، ولم يتبقى لي شيء في هذه الدنيا وأنا غريب في هذا المكان، لماذا يا رب كل هذه المصائب تأتي عليّ؟
ونام التاجر ليلته وهو جائع من شدة الحزن.
لكن في الصباح كانت هناك مفاجأة بانتظاره، إذ وجد سفينة تقترب من الجزيرة وتُنزل منها قارباً صغيراً لإنقاذه،
وعندما صعد التاجر على سطح السفينة لم يصدق عقله من شدة الفرح، وسألهم كيف وجدوه وكيف عرفوا مكانه فأجابوه: لقد رأينا دخاناً فعرفنا أن شخصاً ما يطلب النجدة لإنقاذه فجئنا لنرى من يريد المساعدة، وعندما أخبرهم بقصته وكيف أن التجار تأمروا عليه ورموه في البحر ظلما، أخبروه بأن سفينة التجار لم تصل وغرقت في البحر،
حيث اغار عليها القراصنة وقتلوا وسلبوا كل من فيها، فسجد التاجر يبكي ويقول الحمد لله، يا رب أمرك كله خير،
سبحان الله الذي نجاني من القتل واختار له الخير. سبحان مدبر الأمور كلها من حيث لا ندري ومن حيث لا نعلم
وهكذا يا أولادي إذا ساءت ظروفكم فلا تخافوا ثقوا بأن الله، له حكمة في كل شيء يحدث لك وأحسن الظن به، اعلم أن الله يدبر شؤونك ويسعى لإنقاذك.

نعود لحكايتنا اليومية تقول جدتي: كان هناك امرأة أرملة لم يكن لها معين إلا الله وحده، ثم نفسها تعيل أطفالها
كانت تقدم لهم الحب والعطف والأمان، وكانت صابرة مؤمنة مما جعلها تصبح قوية، في احدى الليالي، وبينما هم نيام، اشتدت الرياح وهطلت الأمطار بغزارة، وأزداد البرق والرعد، بشكل مخيف.
وكان بيتها قديم ضعيف الأساس ومتهالك السقف، ومن كثرة قلق الام على أطفالها بقيت مستيقظة، تحضن أطفالها بقربها ليحصلوا جميعا على أكبر قدر ممكن من الدفيء.
جاءت فكرة للأم أحضرت ورقة صغيرة وكتبت فيها بضع كلمات، ومن ثم وضعتها في أحد شقوق الحائط، وأخفتها عن ناظر أطفالها، في تلك الأثناء لم تكن تعلم الأم بان احدى أطفالها كان يراها وهي تضع شيء ما بالحائط.
مرت الأيام تعقبها السنوات تغير الحال وكبر الأطفال وأصبحوا رجال فقد كانوا متعلمين مثقفين، وأصبحوا متمكنين ماديا مما جعلهم يتركون بيتهم الصغير، ليسكنوا بيتا جميلا في المدينة.
لن لبثت أمهم سنه واحدة بينهم حتى توفاها الله، وبعد انتهاء أيام للعزاء اجتمع أبنائها، وكل منهم يحكي ذكرياته عن أمه، وفجأة تذكر أخاهم، أن أمه قد وضعت شيئا ما في حائط منزلهم القديم.
هرعوا مسرعين إلى ذلك البيت القديم، وعندما وصلوا نظر الابن إلى الحائط والتقط الحجر الذي يغلق فتحة الشق، وعندها وجد ورقة بالداخل، وبمجرد سحب الورقة، وإذا بالبيت يهتز بقوة فخاف أبناء المرأة من أن يسقط البيت عليهم، فابتعدوا بسرعة إلى جهة أخرى فوقع البيت فعلا، وعندها حل الصمت بين الإخوة للحظات.
وعلى وجههم الاستغراب والذهول، كيف بذلك يحدث.
قال أحد الاخوة الورقة معك يا أخي أقرأ ما مكتوب بها بصوت عالي، وعندما فتحها وقرأ ما كتبته أمهم فلم تكن تحتوي إلا بضع كلمات، (أصمد بإذن رَبك)
ما أعظم تلك العبارة وما أروع تلك الأم وما اصدق إيمانها، عندها ترحم الأبناء على أمهم وعرفوا آخر درس قد علمتهم إياه بعد وفاتها وهو أن يثقوا بالله حق ثقة، وان يكون لديهم ثقة كبيرة بان الله كي تسير أمورهم لما فيه خير لهم.



24
من حكايات جدتي ... السادسة والسبعين
اكل الرجال على كد افعالها
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي هذا المساء قائلة: يحكى أن امرأة فقيرة كانت تحمل ابنها، مرت في طريقها بالقرب من كهف، فسمعت صوتا آتيا من أغوار الكهف يقول لها: (دخلي وخذي كل ما ترغبين ولكن لا تنسي الأساس والجوهر فبعد خروجك من الكهف سيغلق الباب إلى الأبد ... انتهزي الفرصة ولكن خذي حذرك من عدم نسيان ما هو الأساس والأهم لك)، وما إن دخلت المرأة حتى بهرتها ألوان الجواهر ولمعان الذهب، فوضعت ابنها جانبا وبدأت تلتقط الذهب والجواهر وراحت تملأ جيوبها وصدرها بالذهب وهي مذهولة.
راحت تحلم بالمستقبل اللامع الذي ينتظرها، وعاد الصوت ينبهها أنه باقي لك ثمان ثواني لا تنسين الأساس. وما أن سمعت أن الثواني على وشك أن تمضي ويغلق الباب انطلقت بأقصى سرعة إلى خارج الكهف وجلست تتأمل ما حصلت عليه من مجوهرات، بعد ما اغلق باب الكهف تذكرت أنها نسيت ابنها بالداخل وأن باب الكهف سيبقى مغلقا إلى الأبد وأحزانها لن تمحوها ما حصلت عليه من الجواهر والذهب.
هكذا الدنيا يا اولادي خذوا منها ما تريدون ولكن لا تنسوا الأساس وهو (صالح الأعمال) فلا ندري متى يغلق الباب ولا نستطيع العودة للتصحيح. اتمنى أن فهمتم ما أعنى بهذه الحكاية.
ثم حكت لنا جدتي في هذه الليلة حكاية رائعة كان في أحد البلاد أمير، وكان هذا الأمير يعيش في قصرٍ هو وزوجته وطفله الصّغير، ويمتلكون كلباً وفيّاً يتعجّب النّاس من علاقته بهذا الأمير وعائلته، حيث إنّ لهذا الكلب مكانةً خاصّة في قلب الأمير فكان يعامله معاملة أهله، ويعتبره صديقاً وفيّاً يذهب معه إلى جميع الرحلات والأماكن حتّى حين يذهب إلى الصيد. وفي يومٍ من الأيّام توفّت زوجة الأمير بغتةً، فحزن الأمير عليها أشدّ الحزن، وقرّر بعد فترةٍ من وفاتها أن يخرج في رحلة للصّيد لينسى حزنه ويبدأ بدايةً جديدة، ولكنّه احتار في أمر طفله فأين سيضعه؟ ومن سيثق به ليعتني بابنه؟ فاختار كلبه الوفيّ لأنّه الأجدر لهذه المهمّة. ذهب الأمير إلى رحلته، ولكنّه لم يستمتع بها لأنّ صديقه الكلب لا يرافقه كما كان يفعل دائماً، ولأنّه قلقٌ على ابنه الوحيد مع الكلب، فقرّر أن يعود مبكّراً إلى منزله. فعندما اقترب الأمير من المنزل جاءه الكلب من بعيد يركض ويعوي عواءً شديداً، وكان الكلب مغطّىً بالدّماء!! ارتعب الأمير وبدأ يصرخ بالكلب ماذا حدث؟ ماذا حدث؟ والكلب يقفز حوله. ركض الأمير إلى المنزل مرعوباً وأسرع إلى سرير طفله فوجده فارغاً، وجميع الأغطية والمنزل ملطّخ بالدم، فزع الأمير وصرخ غاضباً، وأخرج سيفه وركض مسرعاً إلى كلبه وقتله بالحال، ولم يستجب لعواء الكلب الّذي يناجيه، ولم يشعر تجاهه بأيّ رحمة؛ بل على العكس لم يشعر إلّا بالغضب والنّدم لأنّه ترك الطفل مع الكلب دون رعايةٍ بشريّة فبدأ يجهش بالبكاء. وأثناء بكائه سمع صوت طفله الصّغير، فنهض من مكانه وهرع ليبحث عنه، فوجده في الغرفة المجاورة يلعب على الأرض وبجانبه حيوانٌ يشبه الذّئب ملقىً على الأرض ومغطّىً بالدّماء، حينها علم بأنّ طفله ما زال على قيد الحياة، ولم يمت. أكمل الأمير بكاءه ندماً على ما صنعه وعرف بأنّ الكلب لم يقتل طفله بل قتل الذّئب الّذي حاول أكله، فعاد مسرعاً لينقذ كلبه ووجده قد مات، ومنذ ذلك الحين لم يبتسم الأمير أبداً، وعاش حزيناً نادماً على ظلمه لأوفى صديقٍ له
في هذه الحكاية عبرة كبيرة تعلموا منها اولادي في التأني السلامة، وفى العجلة الندامة.
نعود لحكايتنا اليومية تقول جدتي: كثيرا ما نسمع هذا المثل يطلقه البعض عند اجتماع لوليمة (اكل الرجال على كد افعالها) قصة هذا المثل تحتوي من معاني للبطولة والرجولة والفداء والتضحية، احداث القصة تدور في حقبة الحكم العثماني ويقال ان هناك كان اخوان مطلوبان للحاكم العثماني وهما حمود وسعود.
شاءت الاقدار ان يقع حمود في قبضة العثمانيين وان يحكم بالإعدام، كما يسمى في وقتنا الحاضر، وقد تم تحديد زمان ومكان التنفيذ في أحد قلاع العثمانيين، ولما شاع خبر اعدام حمود قرر اخيه سعود حضور اعدام اخيه فأمتشق سيفه، وركب فرسه وتوجه قاصدا مكان التنفيذ.
في الطريق صادفه رجل يبيع اللحم المشوي للخيالة سالكي الطريق، جلس عنده وقال اجرد واشوي وضع امامي لحين ما اقول لك كافي، واستمر الرجل يجرد اللحم ويشوي حتى لم يبق من الذبيحة شيء.
بعد اتمام سعود وجبة الإفطار دفع لصاحب اللحم ليرة مجيديه وهي العملة المتداولة آنذاك، فقال له الجزار: ليس لدي قطع من العملة الصغيرة حتى ارجع لك الباقي، فقال سعود: ابقيها عندك وانا حين اعود امر عليك. فأجابه الجزار: بل ابقيها لديك، ثم بادره بسؤال الى اين انت ذاهب، قال: الى القلعة العثمانية يقال انه اليوم سيتم اعدام أحد الشخاص فيها، فقال له الجزار: لقد اتممت عملي أتي معك.
وصلا القلعة ولم يخبر سعود صاحبه الجزار ان اخيه الذي سيتم اعدامه، وبعد مده احضر الدرك حمود مقيدا بالسلاسل، وخيروه ماذا يطلب قبل اعدامه، فأجابهم لدي كلمات اود قولها دون ان يعلم ان اخيه سعود ضمن الحضور فقال:
نهض غيم الجديد وغيم كله
وجتلني مدكدك الزردوم كله
يالرايح لخوي سعود كله
حديد الصلب حطوا بالركاب

فأجابه سعود على الفور...
جمل جابوك للقلعة وناخوك
ومرس حطوا بذرعانك وناخوك
يهل تنشد علي حاضر اني اخوك
عضيدك يوم لكوات اﻻجناب
وسل سيفه وبصوله عزومه قتل مقاتل من الدرك وفك اسر اخيه وهرب به. وبعد فتره عاد الى صاحبه ليسدد قيمة ما اكل عنده فاقسم ان ﻻ يأخذ منه لما شاهده من شجاعة منه قائلا (اكل الرجال على كد افعالها) حتى ذهبت مثلا.


25
من حكايات جدتي ... الخامسة والسبعين
الملك والصيد الثمين
بدري نوئيل يوسف
حدثتني جدتي عن حكمة للنساء المتزوجات اللاتي يشعرن سوء معاملة أزواجهن، تقول جدتي: تزوجت فتاة شابة في إحدى القرى النائية وكانتىمستاءة من ذلك الزواج لأن زوجها كان يسيء معاملتها، ومن أجل هذا انطلقت الفتاة لتشكو زوجها لدى شيخ القرية، وتطلب منه عوناً في حل مشكلتها، قال لها شيخ القرية الذي حنكته التجارب:
يتوجب عليك أن تنزعي بنفسك شعرات من ذئب حي، ثم اجلبيها لي حتى أستطيع تليين قلب زوجك، فكرت الفتاة كيف يمكنها أن تفعل ذلك؟ كيف يمكنها أن تنزع شعرات من ذئب حي؟
وأخيرا قررت الذهاب إلى الصحراء لعلها تجد ذئب، وهي في الصحراء رأت ذئباً يجر معزة وينطلق بها إلى الغار، راحت تراقب الذئب وترصد جراء الذئب يرضعون من أمهم، وفي اليوم التالي أخذت الفتاة قدراً من اللحم والعظام
ووضعتها في طريق الذئب، جاء الذئب وأكل قسما من العظام وحمل الباقي إلى جرائه، وكل يوم كانت الفتاة تفعل ذلك
شيئاً فشيئاً راحت تقترب أكثر فأكثر.
الذئب اطمأن للفتاة واستطاعت التقرب منه وراحت تلاعب الجراء، وذات يوم وهي تمسح على رؤوس الذئاب الصغيرة، انتزعت بلطف عدة شعرات وذهبت بها لشيخ القرية، اندهش الشيخ وقال: كيف أمكنك أن تفعلي ذلك؟
كيف تسنى لك أن تنزعي شعرات من جسم ذئب حي؟ وقصت الفتاة على الشيخ ما جرى وقالت: لقد توددت للذئب حتى أصبح يطمئن لي فلا يؤذيني قال الشيخ لها: يا ابنتي لقد استطعتِ ترويض ذئب مفترس، وحيوان كاسر، أفلا تستطيعين ترويض زوجك! افعلي معه ما فعلتِ مع الذئب، لو أنك توددتِ له سيقع في حبكِ ويصبح قلبه أسيراً بين يديكِ، وقديماً قالوا (الإنسان عبد الإحسان).
نعود لحكايتنا اليومية تقول جدتي: كان في قديم الزمان ملك من الملوك اسمه صقر، صاحب دين وحكمة وأخلاق وعادل بين الناس، لم يرزقه الله سبحانه وتعالى سوى بولد واحد، فرباه أحسن تربية وعاش على الرفاه والدلال، وتعلم الأخلاق الفاضلة وحسن المعاملة، حتى يحبه الشعب ويصبح ملكاً عليهم بعد عمر طويل، وأمه كانت جميلة وبنت أصل أحبّت ابنها كثيراً وتعلّقت به، ولم تعد تصبر على فراقه.
شبّ الولد وكبر وأصبح جسمه قوياً جميل الأوصاف، لكنه كثير الحركة تولّع بالصيد والقنص والسفر، في أحد الأيام قرّر الولد أن يخرج مع أصحابه إلى القنص، فتجهّز الشاب قبل الفجر للخروج إلى الصيد، فلما رأته أمه قالت له: أنا خائفة عليك يا ابني وبالي مشغول، لا تخرج إلى الصيد حتى لا يحدث معك سوء فالزمن غدّار، اقعد في القصر وتمتع بحياتك فلا ينقصك شيئاً.
ضحك الأمير وقال: أنا لم أعد صغيراً يا أمي حتى تخافي عليَّ فقد صرت رجلاً، ارتاحي وطمّني بالك سأعود لك
بالسلامة، ومعي الصيد الوفير إن شاء الله تعالى، حزنت الأم وذهبت إلى الملك وقالت له: إما أن يبقى ابنك ولا يخرج
إلى الصيد، وإمّا أن تذهب مع ابنك حتى تبقى عيونك عليه وترعاه حتى يرجع بالسلامة.
سمع الملك كلام زوجته وجهز نفسه، وخرج مع ابنه إلى صيد الغزلان في الصحراء ليرافقه ويعتني به ويحميه من غدرات الزمان، في الطريق قال الملك لابنه: سنرى من يصيد أول صيد أنا أو أنت، فردّ عليه الابن: أنت فارس الفرسان يا أبي، ولا أحد مثلك في العالم، وبقيا يتحادثان ويتضاحكان مسافة بعيدة، حتى شاهدا غزالاً يمرّ من أمامها، فرماه الأمير بالسهم الأول وحاول ألاّ يصيبه عن قصد، ورمى عليه الملك فأصابه، وفرح الجميع بهذا الصيد وحملوه على الحصان، وتابعوا طريقهم مسافة من الزمن فشاهدوا طيراً كبيراً قدر النعامة، واقفاً على رأس تلّة صغيرة قريبة منهم، قال الملك لابنه: أنت تذهب من هذه الجهة وأنا أذهب من الجهة الأخرى، فنحاصره فإذا خلص من واحد تلقّاه الثاني.
سمع الأمير كلام والده ولما اقترب من الطير، وأصبح على مرمى سهمه، طار الطير ثم نزل بعد مسافة، فلاحقه فطار وابتعد كثيراً، وبقي يلاحقه حتى تمكّن منه وأصابه بسهم فقتله، فرح الأمير بصيده ولم يدر أين أصبح والده، وكان الأمير تعباً فجلس يرتاح وقد هدّه الجوع والعطش، والمشي الطويل تحت الشمس، فنصب سهامه على الأرض، وفرش الطير على السهام وفرد جناحيه واستظلّ به ينتظر مجيء والده الملك.
أما الملك فإنه لاحق الطير من الجهة الأخرى، ورماه فلم يصبه ولما طار تابعه مرة أخرى، وسار وراءه وأضاعه ثم رآه بعد فترة واقفا وفاتح اجنحته، فأطلق عليه سهماً فأصابه لكن الطير لم يتحرّك من مكانه، فرماه بسهم آخر، اقترب الملك منه بحذر وهو يشعر بالفرحة والغبطة، ويحدّث نفسه قائلاً: سيرى ابني حقيقة أنني أحسن صياد في المملكة؟
ولما وصل إلى الطير رأى منظراً صعقه، وطيّر صوابه وفجّر عواطفه، فقد كان ابنه على الأرض ملطخاً بدمائه، وقد أتى سهم أبيه في قلبه، فارتمى الملك على ابنه واحتضنه، وبكى وناح عليه، ثم حمله على كتفه وحمل الطير على الكتف الثاني، وعاد إلى جماعته فقصّ عليهم حكاية المصيبة التي وقعت له، فحزنوا على الأمير ثم لفوه بثوب من القماش، ووضعوه على حصانه وعادوا إلى ديارهم.
استقبلتهم الملكة ملهوفة وسألت عن ابنها، فأجابها الملك بكل رباطة جأش: لقد تأخّر قليلاً وهو قادم مع الصيد، ورأت حصان ابنها يحمل لفّة من القماش، فسألت عنها. فأجابها الملك: إنه أكبر صيد صدته في حياتي وقد حملته على حصان ابنك، وقبل أن ننزله وأريك إيّاه أريد منك أن تأتي لنا بأكبر قدرٍ في البلد حتى يسعه، ولكن على شرط أن يكون القدر من بيت لم يدخله حزن حتى الآن، فقبل أن تسألي عن القدر اسألي إن كان أهل البيت قد أصابتهم مصيبة، ودخل بيتهم الحزن أم لا؟
أطاعته الملكة وذهبت تبحث عما طلبه، وهي متعجبة من أمره وأمر شرطه، وبعد بحث طوال النهار عادت الملكة في آخر النهار خالية اليدين، وقد هدّها التعب والبحث والسؤال، وقالت للملك: لقد درت على كل البيوت وسألت كل الناس، فلم أجد بيتاً لم يدخله حزن، أولم تحدث فيه مصيبة فما العمل؟
فكّر الملك قليلاً وسألها: وهل دخل بيتنا الحزن قبل الآن، أو حدثت عندنا مصيبة؟
فأجابته: لا يا ملك الزمان لم يحدث شيئاً مما تقول.
فقال لها حزيناً: الآن تساوينا مع الناس؛ أنزلي ابنك من على الحصان، فهو الصيد الكبير الذي صدته اليوم، ودعينا نحزن عليه كما حزن الناس على مصيبتهم.
كان الحزن قد تمكّن من الملكة خلال جولتها على البيوت، وما سمعته من المصائب والأهوال التي جرت لهم، فهانت عليها مصيبتها وأقامت العزاء ثلاثة أيام؛ بعدها عادوا إلى حياتهم العادية، وعاشوا بقية حياتهم بالرضى والنعيم والسلام







26
من حكايات جدتي ... الرابعة والسبعين
الزوجان الكسولان.
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي في هذه الليلة أن رجلا كان يعيش في وسط الصحراء، في خيمة وكان فقيرا جدا، حتى أنه لا يجد لقمة العيش هو وزوجته وأولاده، مع ذلك كان سعيدا راضيا لا يشتكي أبدا ويشكر الله على كل شيء.
في احدى الليالي الشتوية الباردة أشعل هذا الرجل نارا ليدفأ هو وعائلته، فقد كانت ليلة شديدة البرودة، وفجأة سمع الرجل صوت حوافر خيول تقترب من خيمته، استقبل الرجل وعائلته رجلان ورحب بهما وعلى الفور طلب من أبنه الكبير وزوجته ذبح الشاة واعداد الطعام للضيوف.
سمع الرجلان حديث الرجل مع عائلته وعلما أنه لا يملك غير هذه الشاة، فحاولا منعه من ذبح الشاة لكنه رفض وأصر على اكرام الضيف، وبسرعة قامت العائلة بذبح الشاة واعدوا الطعام للضيفين فأكلا وشربا وباتا عنده حتى الصباح، بعدما شكراه على كرم الضيافة وحسن استقبالهما، وقبل أن ينصرفا طلبا من الرجل أن يزورهما في المدينة في أقرب وقت، ولم يعرف الرجل أن الرجلين هما حاكم المدينة ووزيره المخلص.
بعد عدة ايام نزل الرجل إلى المدينة وسأل عن الرجلين وارشداه إلى قصر الحاكم علم أنهما الحاكم ووزيره، ولكن لم يقابلهما وقال في نفسه: كيف أطلب المساعدة من مخلوق ضعيف ولا أطلبها من الخالق الرزاق.
عاد الرجل إلى خيمته في الصحراء وأخبر زوجته واولاده بما حدث، فرحت الزوجة بقناعة زوجها الذي ملأ قلبها باليقين والثقة بالله.
في احدى الليالي هبت ريح شديدة حطمت الخيمة، قام الرجل وعائلته بالرحيل في اليوم التالي إلى مكان اخر، وبينما هو يحفر ليثبت الخيمة، وإذا بصندوق كبير تحت رمال الصحراء، فتحه فوجده مملوء بالذهب والفضة؟
فرح الرجل وعائلته بهذا الصندوق وقرر أن يبيع هذا الكنز، وأن يبني قصرا كبيرا في المدينة.
بنى الرجل قصرا جميلا، سمع الحاكم ببناء هذا القصر الجميل والكبير، أرسل أحد جنوده ليعلم من هو صاحب القصر بعدما عرف الجندي، عاد للحكام وأخبره أن صاحب القصر كان يسكن خيمة في الصحراء وعثر على كنز باعة وبنى القصر، ذهب الحاكم بصحبة وزيره إلى صاحب القصر وعندما رآهما الرجل عرفهما وعرفوه ففرحوا بهذا اللقاء، سأله الحاكم: لماذا لم تأتي الينا لنعطيك المكافئة والهدية التي تستحقها.
أجاب الرجل بثقة عالية: لقد جئت اليكما ولم اعرف أنكَ الحكام، ولكن بعدما علمت عدت إلى خيمتي، والسبب أن العبد ينبغي أن يتوكل على الله ولهذا رزقني بهذا الرزق الواسع، فرح الحاكم بكلام الرجل وأخبره أنه سيكون صديقا له وتعلم الحاكم درسا لا ينساه أبدا، وهكذا اولادي عليكم التوكل على الله دائما في كل شيء.
نعود لحكايتنا اليومية يحكى أن فتى كسولا كان يرعى الأغنام رغما عنه، وفي أحد الأيام كان يفكر ويقول لو أن لي زوجة ترعى الأغنام بدلا عني حتى لا يضيع شبابي في العمل أريد أن أستثمر شبابي في الراحة والاستمتاع بالنوم.
تقدم لخطبة ابنة الجيران وكانت مشهورة بالكسل مثله، ففرح أهلها أن أحدا جاء يخطبها ومن الذي جاء يخطبها إنه جارهم الكسول، تزوج وعاشا في بيت صغير وأخذت زوجته ترعى الأغنام كل يوم، وفي أحد الأيام خرج الزوج مع زوجته لرعي الغنم لأنه تعب من النوم فأراد أن يخرج قليلا حتى يحس بطعم النوم بعد التعب مرة اخرى، جاءت لزوجته فكرة ذكية فقالت له: يا زوجي العزيز نبيع هذه المعزات ونشتري بدلا منها خلية نحل من جارنا؟
 فقال لها: شكرا لكِ أنتِ زوجة ذكية، حقا إنكِ رائعة، أليس النحل أفضل؟ يخرج كل يوم ليجمع الرحيق دون أن نخرج معه ونتعب أنفسنا ويعود في المساء ومعه عسل كثير، وما علينا سوى أن نجمع هذا العسل، وأضافت الزوجة بالإضافة إلى ذلك فالعسل سهل التخزين أما الحليب فسريع الفساد.
فذهبا إلى الجار وبادلاه العنزات بخلية نحل وقبل الجار ذلك عن طيب خاطر، وأمضيا ليلهما ونهارهما على سريرهما يرتاحان، ووضعا فوق السرير رفا فوقه جرة العسل وبجانب السرير وضعا عصى ليتناولا الجرة بسهولة ولا يحتاجان النهوض من الفراش، وفي أحد الأيام قالت له زوجته: ما رأيك أن نبيع من هذا العسل ونشتري عنزة ثمن نبيع من حليبها ونشتري بقرة وهكذا حتى يصير لدينا ما يكفينا الحاجة، فقال لها: نعم إنها فكرة رائعة ولكننا نحتاج إلى من يرعاها فنحن لن نضيع أثمن أوقاتنا في العمل فقالت الزوجة ما رأيك أن ننجب طفلا فقال لها أجل هذا أفضل حل فقالت له: وكيف به إذا عصاك ولم يسمع كلامك؟ وربما يكون كسولا لا يحب العمل؟ فقال لها: سأهوي على رأسه بهذه العصى هكذا ورفع العصى فارتطمت بجرة العسل وسقطت فانكسرت وسكب العسل منها على الأرض، فما كان منهما إلا أن قالا في برود لقد ارتحنا من هم الماشية وارتحنا من هم ابننا العاصي، لقد كانت هذه صدمة أتعب أعصابنا هيا بنا ننام لنرتاح من هذه الصدمة.

27
من حكايات جدتي ... الثالثة والسبعين
الحجر السحري والتعاون
بدري نوئيل يوسف
في هذه الليلة حدثتنا جدتي عن موضوع مهم للغاية، وهو تعاون الجميع لتنفيذ عمل ناجح، فكل واحد يمكنه أن يقدم مساعدة بسيطة ينتج عنها في النهاية إنجاز رائع، وأرجو منكم يا اولادي أن تتعلموا من هذه الحكاية درسا في حياتكم، عندما يعمل الإخوة معا تتحول الجبال إلى ذهب.
كان يا ما كان وعلى الله التكلان: كان هناك رجل عجوز ظل يسافر في أرجاء الهند حتى وصل إلى قرية صغيرة، كان الرجل يحتاج إلى طعام وشراب فاقترب من أحد الأكواخ وطرق الباب، فتح صاحب الدار الباب سأله: ماذا تريد؟ أجابه الرجل العجوز: لقد ظللت أسافر لأيام عديدة فهل يمكن أن تعطيني بعض الماء والطعام؟
نظر صاحب الكوخ إلى الرجل العجوز في ثيابه الرثة وقال: ليس لدي ما استغني عنه اذهب لحال سبيلك. ثم طرق الرجل العجوز باب الكوخ التالي وطلب ماء وطعام، ولكن مرة أخرى اغلق صاحب الكوخ الباب في وجه العجوز. بعد ذلك طرق الرجل العجوز باب الكوخ الثالث، فتحت الباب امرأة ورأى الرجل العجوز أطفالها يلعبون بالداخل، طلب الرجل من المرأة أن تعطيه بعض الطعام والشراب، ولكنها ردت عليه قائلة: كيف أطعمك وأنا بالكاد أستطيع إطعام أطفالي. رأى الرجل العجوز أن المرأة تريد أن تساعده بالفعل، وأن لها قلباً طيباً، عندها سألها الرجل: هل لديك إناء للطبخ؟ ردت المرأة: بالطبع لدي.
قال الرجل العجوز: حسناً لدي في جيبي حجر سحري، إذا ملأت إناء الطبخ ماء، وألقيت فيه الحجر فإننا نصنع حساء، لم تشعر المرأة بالطمأنينة تجاه ما يقوله الرجل العجوز ولكنها قررت أن تفعل ما يطلبه.
دخلت المرأة والرجل إلى الفناء الخلفي للكوخ، ووضع إناء مملوء ماء فوق النار، عندها دس الرجل العجوز يده في جيبه وأخرج الحجر ووضعه في الإناء، أخذ الرجل الملعقة الخشبية وتذوق الحساء، نظر إلى المرأة وقال لها: إن طعم الحساء جيد ولكنه يحتاج إلى شيء آخر، هل لديك جزر؟
كان لدى المرأة بضع جزرات فذهبت وأحضرتها وأضافتها إلى الحساء، بدأ الرجل يتذوق الحساء مرة أخرى ولكنه لم يعجب به، سألها الرجل العجوز: هل لديك بطاطا؟
أجابت: لا، وفي ذلك الوقت كان بعض أهل القرية قد سمعوا بحكاية الرجل العجوز، وتجمعوا ليعرفوا ما يحدث.
عندها قالت إحدى النسوة: أنا لدي بطاطا وذهبت وأحضرت بعض حبات من كوخها، وأضافتها إلى الإناء، تذوق الرجل العجوز الحساء مرة أخرى ولكنه لم يرض عنه وقال: إنه بحاجة إلى بعض البصل، عندها تطوعت إحداهن وأحضرت البصل، استمر الأمر على هذا المنوال لبعض الوقت، وفي كل مرة يضيف أهل القرية شيئاً جديداً إلى الحساء.
وأخيراً تذوق الرجل العجوز وابتسم وقال: إنه أصبح رائعاً.
غمس الرجل الملعقة الخشبية وأعطاها للمرأة التي ساعدته أولاً، تذوقت المرأة الحساء وقالت: إنه رائع بالفعل ثم مررت الملعقة إلى المتجمعين حولها، وبدأ الجميع يستمتعون بالحساء الذي شارك الجميع في صنعه.
في هذا اليوم، تعلم أهل القرية درساً مهماً للغاية، فقد تعلموا عندما وحدوا جهودهم ومواردهم، فإن كل واحد منهم استفاد على الرغم من أن كل واحد ينقصه شيء، وهكذا وفروا الطعام والشراب لأبنائهم.
وهناك حكاية أخرى تقول: أن أحد الحكام في الصين وضع صخرة كبيرة على الطريق الرئيسي فأغلقه تماماً، ووضع
حارساً ليراقبها من خلف شجرة ويخبره بردة فعل الناس، مر أول رجل وكان تاجر كبير في البلدة فنظر إلى الصخرة باشمئزاز منتقداً من وضعها دون أن يعرف أنه الحاكم، فدار هذا التاجر من حول الصخرة رافعاً صوته قائلاً: سوف أذهب لأشكو هذا الأمر، سوف نعاقب من وضعها.
ثم مر شخص أخر وكان يعمل في البناء، فقام بما فعله التاجر لكن صوته كان أقل علواً لأنه أقل شأناً في البلاد.
ثم مر ثلاثة أصدقاء معاً من الشباب الذين ما زالوا يبحثون عن مستقبلهم في الحياة، وقفوا إلى جانب الصخرة وسخروا من وضع بلادهم ووصفوا من وضعها بالجاهل والأحمق والفوضوي، ثم انصرفوا إلى بيوتهم.
مر يومان حتى جاء فلاح عادي من الطبقة الفقيرة ورآها فلم يتكلم وبادر إليها مشمراً عن ساعديه محاولاً دفعها طالباً المساعدة ممن يمر فتشجع أخرون وساعدوه فدفعوا الصخرة حتى أبعدوها عن الطريق، وبعد أن أزاح الصخرة وجد صندوقاً حفر له مساحة تحت الأرض، في هذا الصندوق كانت هناك ظرفا فيها قطع من ذهب ورسالة مكتوب فيها: من الحاكم إلى من يزيل هذه الصخرة، هذه مكافأة للإنسان الإيجابي المبادر لحل المشكلة بدلاً من الشكوى منها. وهكذا يا اولادي اخذ الفلاح الفقير قطع الذهب، انظروا حولكم وشاهدوا كم مشكلة نعاني منها
ونستطيع حلها بكل سهولة لو توقفنا عن الشكوى وبدأنا بالحل.
وتصبحون على خير.


28

من حكاية جدتي ... الثانية والسبعين
المرأة والاسرار
بدري نوئيل يوسف
تقول جدتي أن كثير من النساء يجلس على عتبة الباب يراقبون المارة، وبالأخص في المحلات الشعبية، وبعض هذه النساء تسأل وتريد معرفة ماذا يحمل الجار العائد إلى منزله بعد نهار قضاه بالعمل، أن هناك حادثة وقعت لاحد دهاة العرب يقول: ما غلبتني إلا جارية، كانت تحمل طبق مُغطّى، فسألتها: ماذا يوجد في الطبق؟ فقالت:
ولمَ غطيناه إذاً فأحرجتني!
لا أقول حكمة اليوم بل حكمة العمر: (أي شيء مستور لا تحاول أن تكشفه) لا تحاول ان تبحث عن الوجه الآخر لأي شخص، حتى لو كنت متأكد بأنه سيّء يكفي انه احترمك وأظهر لك الجانب الأفضل منه، واجعل من اكتفائك قناعة، فلكل مِنّا جانب سيّء يتحاشاه حتى مع نفسه. والاشتغال بسرائر الناس، يفتح باب سوء الظن وظلم الخَلق.
كما حدثنا طرفة تقول: رجل عصبي متقلب يثور من نسمة الهواء، تملك زوجة دجاجة حمراء واصبحت متعلقة معها تحبها كثيرا وتطعمها بانتظام، وكان زوجها متقلب المزاج في الأسبوع الواحد يتخاصم مع زوجته على الأقل مرتان فب الأسبوع ويطردها من المنزل فكانت هذه الزوجة، تأخذ الدجاجة وتضعها في علبة من الكارتون وتأخذها إلى بيت اهلها. وفي اليوم التالي يذهب الرجل ويصالح الزوجة تعود معه إلى المنزل مع دجاجتها داخل العلبة الكارتونية وكل مرة تخرج الزوجة من بيت زوجها متخاصمة تأخذ دجاجتها داخل العلبة الكارتونية. في أحد الايام قدمت الزوجة إلى زوجها شاي بدون سكر وطعمه غير لذيذ، تخاصم مع زوجته وارتفعت الأصوات في المنزل وقبل أن تخرج الزوجة من المنزل دخلت الدجاجة العلبة تنتظر الزوجة حملها استعداد للذهاب إلى بيت الاهل. وهكذا الدجاجة أصبحت شريكة مع مشاكل الزوج والزوجة.
نعود لحكايتنا الاسبوعية: تقول جدتي كان يا ما كان على الله والتكلان، كان في سالف العصر والأوان، رجل وزوجته يعيشان معاً في سرور وهناء وصدق وصراحة فرحانين وسعيدين في حياتهما. في أحد الأيام  جلس مع  صديقه يشربان الشاي ويتحدّثان ويتسامران، ومن خلال الحديث نصحه الصديق ألاّ يعطي سرّه لزوجته فالزوجة لا تؤمن على السر، ولو خبأته فترة من الزمن فإنها عند الحاجة تستخدمه ضد زوجها وقد تورده الهلاك، فأنكر الزوج كلام صديقه وقال له: إن زوجته مختلفة عن باقي النساء وأنها تحفظ السر ولا تخونه مهما حدث بينهما.
بدأ الصديقان يتجادلان دون نتيجة، فتراهنا على هذا وطلب الصديق من الرجل أن يمتحن زوجته ويضعها تحت الاختبار، فيقول لها سراً خطيراً وينتظر عدة أيام ثم يختلق معها شجاراً قوياً، ويطردها من البيت ويرى ما يحدث بعد ذلك.
وافق الرجل على هذا الكلام ليثبت لصديقه صحة كلامه وظنه في زوجته، واثقاً أنه سيكسب الرهان وافترقا على هذا الاتفاق. في اليوم التالي طلب الرجل من زوجته أن تذهب لزيارة أهلها، وتمضي اليوم وتعود في المساء فذهبت، ثم قام
إلى الحديقة وحفر فيها حفرة كبيرة، ووضع فيها كيساً من الأحجار ودفنه ثم ردم الحفرة بالتراب، وأبقى آثار الحفرة
ظاهرة على سطح الأرض لتبدو كأنها حفرة جديدة.
عندما عادت زوجته إلى البيت مرت من الحديقة رأت آثار الحفرة، فسألت زوجها بلهفة عن حكاية الحفرة فردّ عليها بغضب متصنّعٍ: لا شيء. لكن الزوجة أخذت تلحّ على زوجها وتلاحقه بالأسئلة حتى أظهر أنه خضع لإصرارها وكشف لها السر قائلا: إنه سر خطير يجب أن تكتميه عن كل الناس، وإلاّ فسيكون خراب في بيتي وقطع رقبتي.
فأكدّت له الزوجة أن سرّه في بئر عميق، وأن ما يمسّه يمسّها، ولن تبوح به لأحد ولو على قطع رقبتها. ففرح زوجها وباح لها بالسر قائلا: إنه في غيابها نزل رجل متسللاً إلى البيت ليسرقه، فحاول منعه والقبض عليه فتعارك معه وضربه بعصا فمات، فحفر له حفرة في الحديقة ودفنه فيها ليخفي معالم الجريمة، ولا يعرف بها أحد، والآن لا يعلم بهذا السر غيري وغيرك، فإياّك أن يفلت لسانك بكلمة أمام أحد فتكشفين الجريمة.
مضت عدّة أيّام بعد الحادث، ثم اختلق الزوج شجاراً مع زوجته فضربها ضرباً موجعاً، فغضبت منه وعيّرته وهدّدته بفضح سره، بقتل الرجل ودفنه في الحديقة، فزاد الرجل من ضربها حتى صبغ جلدها ثم تركها، وخرج من البيت مظهراً غضبه منها.
لم تتأخر المرأة كثيراً بعد خروج زوجها وذهبت في الحال، فأخبرت الشرطة بفعلة زوجها وأحضرتهم إلى البيت وأرتهم مكان دفن الرجل المقتول، فنبشوا الحفرة فلم يجدوا فيها سوى كيساً من الأحجار، أثناء ذلك حضر الزوج إلى البيت، فرأى ما فعلته زوجته وكيف نبشت الشرطة الحفرة وأخرجت كيس الأحجار، فضحك حتى انقلب على قفاه.
استغربوا هذا الأمر منه ولما سألوه عن حقيقة الأمر روى للشرطة الحقيقة، وكيف اختلف مع صديقه في الأمر وتراهن معه، وأنه اصطنع الموضوع كله ليختبر زوجته، فانكشفت وبانت على حقيقتها وأنها مثل باقي النساء والمشكلة أن صديقه كسب الرهان، فتركتهم الشرطة بعد أن عرفت الحقيقة، ودعا الرجل صديقه على الغداء، وبقي الرجل وزوجته يعيشان حياتهما كالسابق، لكنه لم يعد يأمن امرأته على سرٍّ قط بعد ذلك الحادث.   




29
من حكايات جدتي ... الحادية والسبعينالزوجة الغبية والجمل

بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي في هذا المساء: يُقال بأن جملاً مرض مرضاً شديداً، وشارف على الموت، فتأثر صاحبه كثيراً، وجلس قرب رأسه.
قال له بحزن: يا جملي المخلص ها أنت تُحتضر، لذلك أريد منك أن تسامحني على كل تلك المشقة التي عانيتها لأجلي كل تلك السنين الطويلة، فأنا أعلم كم من المشقة كابدت دون أي شكوى أو تذمّر.
 أجاب الجمل المريض: إنني أسامحك على كل شيء، لكنّ أمراً واحداً لا أستطيع أن أسامحك عليه.
قال صاحب الجمل: ربما تقصد ذاك اليوم الذي جعلتك تحمل فيه كيساً من الملح، مما جعلك تسقط تحت ثقله.
 أجاب الجمل: لا، فهذا الأمر أسامحك عليه.
رد صاحب الجمل: إذا تقصد ذاك اليوم الذي أجّرتك فيه لأهل القرية، لتحمل أكياس قمحهم إلى المطحنة. قال الجمل: صحيح أنه كان يوما شاقا، لكنني أسامحك عليه أيضاً، فاحتار صاحب الجمل.
قال: أنا لا أذكر بأنني قسوت عليك أكثر من هذين الأمرين.
أجابه الجمل: بل أن هناك إساءة لا يمكنني نسيانها، فأنت تعلم بأنني كنت أقوم بكل أعباء بيتك بإخلاص وبدون تردد، وقد خدمتك كل هذه السنين، ورغم كل ذلك، كنت تربط لجامي برأس حمارك الأسود ليقودني دائما، وهذا ما لا أستطيع أن أسامحك عليه أبدا.
نعود لحكايتنا اليومية، كان يا مكان في قديم الزمان، كان امرأة قليلة الفهم متزوجة من رجل طالب علم، وهذا الرجل عنده قطعة تشبه الطابوق بالحجم من الذهب، فكلما احتاج مبلغ من المال قطع من الذهب قطعه صغيرة ويأخذها للسوق، يبع القطعة ويتسوق ما يحتاجه من طعام وملبس ثم يذهب إلى عمله.
 في أحد الأيام جلست زوجته الغبية أمام باب المنزل تغزل الصوف، في هذا الاثناء مر بائع جوال يبيع الحلوى فوق عربة صغيرة وينادي حلاوة.. حلاوة.
نادت للبائع وقالت له: تبيع الحلاوة والعربة.
قال البائع مبتسما: أنتِ لا تملكين نقود لثمن العربة والحلاوة.
قالت له: ليس عندي نقود، لكن عند قطعة طابوق اعطيك إياها مقابل العربة والحلاوة.
ردت عليها البائع: ماذا اعمل بالطابوق اضرب رأسي بها.
قالت له: لا تضرب رأسك انتظرني اجلب قطعة الطابوق.
دخلت للمنزل وجلبت قطعة الذهب الشبيه بالطابوق، وعندما شاهدها البائع، ترك العربة بما فيها وشمر عن
ساقية وأخذ القطعة الذهبية واختفى من امامها بلحظات.
اخذت الغبية العربة والحلاوة وادخلتها منزلها، وصنعت من الحلاوة ثلاث بنات، على شكل عرائس وأجلستهم على كرسي وجلست امامهم وسمتهم (سعدية، رضية، فخرية).
عاد زوجها من عمله بعد العصر وطرق الباب عدة مرات، تعجب وهذه ليس من عادة الغبية لأنها دائما تجلس على عتبة الباب، لكنه سمع صوت زوجته تقول: سعدية افتحي الباب لوالدكِ. لقد عاد من عمله.
تفاجئ الزوج وبدأ يكلم نفسه: ربما جاءنا ضيوف لكن من تكون سعدية .
طرق الباب مرة ثانية ونادى على زوجته أن تفتح الباب.
سمع صوت زوجته تنادي: رضية قومي افتحي الباب عاد والدكِ من العمل، أنا مشغولة لا أقدر أقوم افتح الباب.
تعجب الزوج كثيرا وبقوة وعصبية طرق الباب.
سمع صوت زوجته تنادي: فخرية افتحي الباب ابوكِ عاد من العمل.
انزعج الزوج من طرق الباب وقفز من فوق السياج وتفاجئ عندما شاهد زوجته جالسة ومقابلها ثلاثة عرائس من الحلاوة وعربة بجانبهم.
صرخ بوجهها وسألها: ما هذه العرائس.
ردت عليه بهدوء: بناتنا (سعدية ورضية وفخرية).
سأل الزوج: من جلب لك الحلاوة والعربة؟
أجابت: أنا اشتريت العربة والحلاوة ودفعت قطعة الذهب ثمنا لهذه البنات.
صرخ بصوت عالي قائلا: أستغفر الله ربي واتوب اليك، لك أنتِ بلا عقل اعطيتِ قطعة الذهب مقابل هذه الحلاوة.
بعدما تأكد أنها أعطيت قطعة الذهب، امسكها من شعرها وجرها للشارع ورماها بعدما ضربها بعصى.
وطردها من المنزل وهددها بعدم العودة ثانية.
مشت في المدينة تبكي حتى وصلت إلى تله، جلست خلف صخرة تشتم وتسب زوجها بصوت عالي، بعد مدة قليلة مر من امامها كلب، صاحت بصوت عالي: عو..عو إذا هذا الحقير زوجي ارسلك يريدني ارجع، روح وقل له لم ترجع.
بعد دقائق مرت من امامها قطة، صاحت بصوت عالي: بشت.. بشت إذا هذا الحقير زوجي ارسلكِ يريدني ارجع، روحي وقولي له لم ترجع.
في هذا الاثناء صادف أن لصوص كانوا قد سرقوا جمل السلطان محمل بالذهب، وهم بالقرب من التلة لكي يقتسموا الغنيمة.
مرت من أمامها نملة واقتربت من رجلها صاحت بصوت عالي وصفقت ولن تنتبه أن هناك لصوص
وهي تقول: دخلت من هنا وخرجت من هنا.
سمع اللصوص صوت المرأة توقعوا أن هناك مع يطاردهم، تركوا الجمل وهربوا.
انتبهت الغبية أن هناك عند التلة جمل تقربت منها وقالت للجمل: أنتَ أبو الرقبة الطويلة عرفت أن زوجي ضربني وطردني، تعرف أرسل لي عوعو جلبي ما رجعت وأرسل لي بشبش خاتون ما رجعت لكن لخاطر هذه الرقبة الطويلة ارجع. 
اخذت الجمل وعادت إلى المنزل بوقت متأخر من الليل، طرقت الباب.
من الداخل صاح زوجها من الطارق.
قالت له: أسمع أنا ما حبيت ارجع، ارسلت لي عوعو جلبي ما رجعت وأرسلت لي بشبش خاتون ما رجعت لكن لخاطر هذه ابو الرقبة الطويلة رجعت. 
فكر الزوج مع نفسه وهو يتمتم: عرفت عوعو چلبي يعني كلب، وبشبش خاتون يعني قطة، لكن أبو رقبة طويلة من يكون.
فتح الباب وتفاجئ عندما شاهد جمل محمل ذهب جن جنون الزوج، وادخلها للمنزل بسرعة واغلق الباب خلفه، ضمدها من جراحها واعتذر منها واطعمها ونامت.
قال مع نفسه: لابد من إيجاد حل لهذه الجمل والذهب لان هذه الغبية سوف تفضحني، ذبح الجمل ودفن الذهب في حوش المنزل. وطبخ لحم الجمل كبة ولونها بألوان احمر وأخضر وأصغر ووضعها فوق السطح والحوش، في الصباح نهضت الغبية وشاهدت الحوش مملوء كبة ملونة قال لها: أنتِ كنتِ نائمة والسماء امطرت كبب.
جمعت الكبب وأكلت منها وقسم اخر احتفظت بها في البراد.
 بعد عدة أيام كعادتها جلست على عتبة الباب تغزل الصوف مر المنادي.
ينادي: يا ناس يا عالم من شاهد جمل السلطان، الذي رأى الجمل يرشدنا مكانه، السلطان يعطيه هدية
صاحت بصوت عالي: يا منادي أنا رأيت الجمل وأعطيته لزوجي.
قال لها المنادي: تقدرين المجيء معنا إلى القصر وتقولين للسلطان عن الجمل.
قالت له: لا أستطيع المجيء معكم لان مغزلي يتعطل.
حملها العبيد المرافقين للمنادي على اكتافهم.
ادخلوها للسلطان وسألها: أين الجمل.
أجابت: زوجي أخذه مني.
طلب السلطان من الحرس استدعاء زوجها بسرعة.
دخل للزوج على السلطان وسأله: زوجتك تقول أنتَ أخذت الجمل منها، أين اخفيته؟
أجاب الزوج: يا سعادة السلطان زوجتي غبية وتقدر تقول مجنونة، اسألوها: متى جاءت بالجمل وسلمته لي؟
سألها السلطان: متى جئت بالجمل وسلمتيه لزوجك؟
أجابت: أنت سلطان ما تعرف متى سرق الجمل منك تتذكر يوم السماء امطرت كبب.
طلب السلطان من حمايته تركها تتكلم .
سألها ثانية: أين رأيت الجمل وجئت به إلى زوجك.
أجابت بحماس وجدية: ذاك اليوم الذي امطرت السماء كبة حمراء وصفراء وخضراء وأنا أكلت وشبعت واطعمت الجيران.
ضحك السلطان من كلامها وقال: اخرجوها من القصر واعطوا مكافئة لزوجها واعتذروا منه.
بعدها عدة أشهر سافر الزوج وترك زوجته بالمنزل، واخذ الذهب معه وتزوج من زوجه عاقلة وعاش عيشة سعيدة وتعيشون وتسلمون وكنا عندكم وجئنا.

30
من حكايات جدتي ...السبعون
حسن النية مع الضغينة لا تلتقيان
بدري نوئيل يوسف
تقول جدتي: زعموا أن محتالاً ومغفلاً اشتركا في تجارة، فسافرا معًا، وبينما هما في الطريق، تخلّف المغفل لبعض حاجته، فوجد كيسًا فيه ألف دينار، فأخذه، فرآه المحتال، فرجعا إلى بلدهما بعد التجارة، ولما اقتربا من المدينة اتفقا على اقتسام المال.
فقال المغفل: خذ نصفه واعطني نصفه، وكان المحتال قد قرر في نفسه أن يذهب بالألف دينار كلها.
فقال له المحتال: لا نقتسم، فإن الشركة والمفاوضة أقرب إلى الصفاء والمخالصة، ولكن أخذ حاجتي، وتأخذ مثلها، وندفن الباقي في أصل هذه الشجرة، فهو مكان أمين، فإذا احتجنا جئنا أنا وأنت نأخذ حاجتنا منه، دون أن يعلم بموضعه أحد، فأخذا منه يسيراً ودفنا الباقي تحت الشجرة ودخلا البلد.
ثم إن المحتال خالف المغفل إلى الدنانير فأخذها، وسوّى الأرض كما كانت، وجاء المغفل بعد ذلك بأشهر فقال للمحتال: قد احتجت إلى المال فانطلق بنا نأخذ حاجتنا، فقام المحتال معه وذهبا إلى المكان فحفرا، فلم يجدا شيئاً.
فأقبل المحتال على وجهه يلطمه ويقول: لا تغتر بصحبة صاحب، خالفتني إلى الدنانير فأخذتها، فجعل المغفل يحلف ويلعن آخذها ولا يزداد المحتال إلا شدة في اللطم، وقال: ما أخذها غيرك. وهل شعر بها أحد سواك؟
ثم طال ذلك بينهما، فترافعا إلى القاضي، فاقتص القاضي قصتهما، فادعى المحتال أن المغفل أخذها، وجحد المغفل.
فقال القاضي للمحتال: ألك على دعواك بينة؟
قال المحتال: نعم الشجرة التي كانت الدنانير عندها تشهد أن المغفل أخذها.
وكان المحتال قد أمر أباه أن يذهب فيتوارى في الشجرة بحيث إذا سئلت أجاب، فذهب أبو المحتال فدخل جوف الشجرة... ثم انطلق القاضي وأصحابه والمحتال والمغفل، حتى وصلوا الشجرة، فسألها القاضي عن الدنانير، فقال الشيخ من جوفها: نعم المغفل أخذها.
فلما سمع القاضي ذلك اشتد تعجبه، فدعا بحطب وأمر بأن تحرق الشجرة، فأُضرمت حولها النيران، فصرخ أبو المحتال مستغيثًا، وخرج وقد أشرف على الهلاك.
فسأله القاضي عن القصة فأخبره بالخبر، فأوقع بالمحتال ضرباً، وبأبيه صفعاً، وأركبه في البلاد مشهوراً، وغرّم المحتال الدنانير، فأخذها وأعطاها للمغفل.
نعود لحكايتنا الاسبوعية: كان هناك ساقي أسمه شهاب، يبيع الماء للناس وهو يتجول بجرته الطينية في الأسواق، وقد أحبه كل الناس لحسن خلقه ولنظافته، ذات يوم سمع الملك بهذا الساقي فقال لوزيره: أذهب وأحضر لي شهاب الساقي؟ ذهب الوزير يبحث عنه في الأسواق إلى أن وجده وأتى به الى الملك.
قال الملك لشهاب الساقي: من اليوم فصاعدا لا عمل لكَ خارج هذا القصر، ستعمل هنا في قصري تسقي ضيوفي وتجلس بجانبي تحكي لي طرائفك التي اشتهرت بها.
قال شهاب: السمع والطاعة.
عاد شهاب إلى زوجته يبشرها بالخبر السعيد وبالغنا القادم، وفي الغد لبس أحسن ما عنده وغسل جرته وقصد قصر الملك.
دخل الديوان الذي كان مليئا بالضيوف وبدأ بتوزيع الماء عليهم، وكان حين ينتهي يجلس بجانب الملك يحكي له الحكايات والطرائف المضحكة، وفي نهاية اليوم يقبض ثمن تعبه ويغادر إلى بيته.
بقي الحال على ما هو عليه مدة من الزمن، إلى أن جاء يوم شعر فيه الوزير بالغيرة من شهاب، بسبب المكانة التي احتلها بقلب الملك، وفي الغد حين كان الساقي عائدا إلى بيته تبعه الوزير وقال له: يا شهاب إن الملك يشتكي من رائحة فمك الكريهة.
تفاجأ الساقي وسأله: وماذا أفعل حتى لا أؤديه برائحة فمي؟
فقال الوزير: عليك أن تضع لثاما حول فمك عندما تأتي إلى القصر.
قال شهاب الساقي: حسنا سأفعل.
عندما أشرق الصباح وضع الساقي لثاما حول فمه، وحمل جرته واتجه إلى القصر كعادته، استغرب الملك منه ذلك لكنه لم يعلق عليه، واستمر شهاب يلبس اللثام يوما عن يوم إلى أن جاء يوم وسأل الملك وزيره عن سبب وضع شهاب للثام.
أجاب الوزير: أخاف يا سيدي إن أخبرتك قطعت رأسي.
قال الملك: لك مني الأمان فقل ما عندك.
قال الوزير: لقد اشتكى شهاب الساقي من رائحة فمك الكريهة يا سيدي.
أرعد الملك وأزبد وذهب عند زوجته فأخبرها بالخبر .
قالت: من أَغْواه الشيطانُ يقول هذا، غدا يقطع رأسه ويكون عبرة لكل من سولت له نفسه الانتقاص منك
قال لها: ونعم الرأي.
وفي الغد استدعى الملك الجلاد وقال له: من رأيته خرج من باب قصري حاملا باقة من الورد فاقطع رأسه.
وحضر الساقي كعادته في الصباح وقام بتوزيع الماء، وحين حانت لحظة ذهابه أعطاه الملك باقة من الورد هدية له، وعندما هم بالخروج التقى الساقي بالوزير فقال له الوزير: من أعطاك هذه الورود؟
قال شهاب الساقي: الملك.
قال له الوزير: أعطني إياه أنا أحق به منك. فأعطاه الساقي الباقة وانصرف، وعندما خرج الوزير رآه الجلاد حاملا باقة الورد أمسكه وقطع رأسه.
وفي الغد حضر الساقي كعادته دائما ملثما حاملا جرته وبدأ بتوزيع الماء على الحاضرين.
استغرب الملك رؤيته لظنه أنه ميت، فنادى عليه وسأله: ما حكايتك مع هذا اللثام؟ أجاب شهاب: لقد أخبرني وزيرك يا سيدي أنك تشتكي من رائحة فمي الكريهة، وأمرني بوضع لثام على فمي كي لا تتأذى. سأله مرة أخرى: وباقة الورد التي أعطيتك؟
قال شهاب: أخذها الوزير فقد قال أنه هو أحق بها مني.
فابتسم الملك وقال حقا هو أحق بها منك، و حسن النية مع الضغينة لا تلتقيان.

31
من حكايات جدتي ... التاسعة والستين
الملك والسجادة
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي: كان لجدي صديق يعمل نقار للحجر، وهذه مهنة حرفية تحتاج إلى عضلات وقوة لقطع وحفر الحجر والنقش عليه، قبل ظهور الالات الحديثة، كان هذا الصديق الاخ الرابع لسبعة أخوة، وكانت امه كلما  طبخت دجاجة تضعها أمام حماتها وهي الجدة له. بدورها الجدة هي مسئولة عن توزيع الدجاجة، لأنها حقانية و تخاف الله وقد ذهبت للحج مرتين و اربع مرات للعمرة، وملتزمة بالصلاة في كل أوقاتها .
المهم  تأخذ الجدة الدجاجة وتغطيها بالخبز حتى لا يراها الاخوة، وكانت تأخذ رغيف خبز وتملئه خضروات وتمد يدها للدجاجة وتثلم قطعة من الجلد وتلفها بالرغيف، وتكبره بالخضروات من خيار وطماطم وبصل حتى تكبر اللفه، وتعطي لكل واحد من الاخوة، وتقول ابتعد عن اخوانك حتى لا يعرفوا ماذا تحوي اللفة، ولا تسمح لإخوانك يرون ما بداخلها، وكان كل اخ ينحشر في زاوية وحده ويأكل لفته، وتبقى الجدة وحدها تأكل الدجاجة كلها الى أن ماتت الجدة عرفوا الاخوة  ان الدجاجه تحوي على افخاذ وصدر وأجنحة، وأمهم تخاف تحكي لان زوجها يسمع كلام أمه، الرحمة على جدته التي كانت تضحك على الاخوة بالجلد أي (تقشمرهم).
رباطة السالفة ان صديق جدي كان يعمل باجرة يومية ويستلم الاسبوعية كل يوم خميس، لكن رب العمل كان يؤخر دفع الاجرة الاسبوعية بحجة أنه مسافر، أو ما عنده سيولة نقدية، ويقول لهم ان شاء الله الاسبوع القادم، وتمر اسابيع ولم يستلم أي نقار الاجرة وتضيع عليهم اجرة كم اسبوع مطلوب رب العمل دفعها، ومرات لم يستلموا لان الحسبة تاهت وضاع دفتر الميزانية، والله في عون النقارين، وكان صديق جدتي يقول الله يرحمك جدتي كنتِ مقشمرينا بالجلد، أنتِ ارحم من رب العمل الذي ضيع دفتر الميزانية وضاعت أجورنا (أي رواتبهم وكان الله في عون الذين لم يستلموا اجرتهم لحد الان).
في هذا المساء سألنا جدتي لماذا شاكر جارنا تزوج عدة مرات,
أجابت جدتي: جارنا شاكر موظف في دائرة البرق البريد وشغله يرسل برقيات اكثرها تعازي وربما بعض البرقيات تحمل تهاني بمناسبة زواج او تخرج من الجامعة، ميسور الحال يملك سيارة موسكوفيج موديل تسعة وستين تزوج ابنة عمه وهي مدرسة في إحدى مدارس للبنات، وكان دائما يوصلها للمدرسة وعندما يصل أمام باب المدرسة ينزل مباشرة ويفتح باب السيارة حتى تنزل زوجته، وأصبحت حديث المدرسة بأكملها بأن زوج المٌدرسة الفلانية رجل رومانسي لطيف يتعامل مع النساء بلطف واحترام، ودائما يفتح لزوجته باب السيارة، وكانت المدرسات يَغُرْنَ منها ويعلقن ما هذه الرومانسية وما هذا الاحترام، هنيئا لكِ بهذا الزوج الرومانسي ويا ليتنا لنا زوج مثل زوجك، بل حتى الطالبات يَغُرْنَ منها، والجميع لا يعلم بأن باب السيارة معطل ولا يفتح إلا من الخارج، والزجاج ايضا لا ينزل. المهم وربط السالفة ... الان شاكر متزوج من ثلاث مدرسات وطالبة، وهذا الباب العاطل أصبح مصدر رزق له لان اصبح يستلم ثلاثة رواتب مع راتبه ، الله يرزقه.
نعود لحكايتنا الاسبوعية
وأخيرا قرر الملك ان يتزوج، ونادى قائد الشرطة بأن يجمع بنات المملكة اللواتي لم يتزوجن بعد، حتى يختار منهن واحدة، وعلى ان تكون من أصل طيب ومعروف. فأحضر قائد الشرطة في اليوم التالي فتيات المملكة اللاتي يرغبن بالزواج من الملك سأله الملك:
ـ هل احضرتهن جميعاً؟
أجاب قائد الشرطة: نعم يا مولاي! احضرتهم جميعاً، ولكن إلا واحدة منهن، رفضت الزواج منك، وهي ابنة (حايك السجاد) برغم التهديد لها فأبت المجيء مع الفتيات. فأمر الملك بأن يَأْتَى بها بالقوة، وبالفعل حضرت ووقفت امام الملك فسألها: لماذا لا تريدين الزواج مني؟ وأنتِ تعرفين انك ستكونين اميرة القصر إذا تزوجت منكِ، والكل سيكونون في خدمتك، أجابت اني ارغب بالزواج من رجل له صنعة تحميه من العوز والمستقبل الغامض، واني لأراك يا ملك في أي لحظة يثور الشعب عليك وتصبح لا شيء ولا صنعة ولا مهنة، تعينك مستقبلاً. قال الملك اني املك كل شيء .قالت اني ارغب الزواج منك بشرط!
أن تتعلم مهنة او صنعة، قال لها أي صنعة اتعلمها، قالت له صناعة البسط والسجاد، فخضع الملك لشرطها وطلب منها أن تعلمه المهنة، بعد سنتين مرت علمته صناعة السجاد حتى اتقنها وكأنه قد مارسها من زمن بعيد حتى نسى نفسه انه ملك في ادارة المملكة وبعدها تزوج من بنت الحايك.
مرت الايام وإذا بالملك احب ان يتجول بين مدن المملكة وأطراف البلاد وأقاليمها. فخرجت عليه عصابة سلب ونهب فقضت على حراسه واقتادته الى مكان مجهول. اراد اللصوص ان يتخذوا منه سلعة للبيع والربح، قال لهم أني امتهن صنعة السجاد ويمكن من خلالها ان تجنوا ربحاً وفيراً. أحضروا لي الخيط وبعض الالات البسيطة وسوف انتج لكم سجاد يمكن بيعها في السوق، فأحضروا له، وبدأ ينتج لهم سجادة واحدة صغيرة وجميلة باليوم، ووجدوا ان السوق اسرع في شرائها.
وفي يوم من الايام انتج سجادة كبيرة وطعمها بالنقوش الجميلة الزاهية، وسيكون بيعها بثمن غال عند عرضها. وقال لهم خذوها هدية إلى قصر الملك، وسوف يكافئكم مكافأة كبيرة، علماً بأن الملك المخطوف عند نسجه السجادة  كتب اسمه وعنوانه وأمر بأن يسجن حاملي السجادة. ذهبوا بها الى زوجة الملك وقدموا لها السجادة، رأت السجادة الزوجة (بنت الحائك) وعرفت بأنها صنعت بأيدي زوجها المخطوف، فأمرت من قائد الشرطة وحراس القصر بإلقاء القبض على هؤلاء الاشخاص. ولولا هذه المهنة لكن حظ الملك في عالم النسيان.

32
من حكايات جدتي ... الثامنة والستين
حكاية الحطاب

بدري نوئيل يوسف   
كان يا ما كان في قديم الزمان حطاب يسكن بإحدى المدن وفي كل صباح يذهب إلى الغابة بفأسه يقطع الحطب ويحمله إلى سوق المدينة، يبيع الحطب ويشتري طعام لزوجته وأولاده، وفي في احد الايام  ذهب إلى الغابة على عادته ولما بدأ يقطع الأغصان من أشجار الغابة جاءه شخص وقال له: يا أخي أزعجتنا بهذا الصوت فكف عن قطع هذه الأغصان، قال الحطاب: ومن أين نأكل أنا وزوجتي وأولادي، قال: أنا أعوضك عن الحطب، قال الحطاب: كيف تعوضني؟ أجاب رجل الغابة: أعطيك هذه الشاه التي احد ثديها يحلب العسل والثدي الاخر يحلب لبن،  وافق الحطاب إذا كان كلام الرجل صحيحاً.
أعطاه الشاه وانصرف بها ولما وصل الحطاب إلى بيته، أخبر زوجته بالقصة، وأمرها بحلب الشاه فحلبتها فوجدت كلام الرجل صحيحاً، وفي الصباح أخذ الحطاب الشاه وأعطاها لراعي ليرعاها مع أغنام أهل البلد، وقال له: لا تطمع في الشاه وتأخذها، لأن شقاً من ثديها يحلب عسلاً وشقاً يحلب لبناً، فقال الراعي: معاذ الله أن أفعل ذلك، ولما حلبها وجد كلامه صحيحاً فطمع فيها وأخفاها، وأتى له بشاه أخرى شبيهة لها، ولما جاءت زوجة الحطاب تحلب الشاه وجدتها شاه عادية فأخبرت زوجها فذهب للراعي وطالبه بشاته الأصلية، رد عليه الراعي: هذه هي شاتك الأصلية.
في الصباح ذهب واشتكاه الحطاب لدى القاضي فحضر الراعي عند القاضي وقال له: هذا مجنون هل سمعتم يا فضيلة القاضي بشاه تحلب لبناً وعسلاً؟  فحكم القاضي على الحطاب وانصرف.
في اليوم التالي ذهب الحطاب إلى الغابة وأخذ يضرب بالفأس في أصول الشجر فأتاه الرجل وقال له: ألم نتفق على أن لا تعود للغابة قال: لقد نهب الراعي الشاه التي أعطيتني إياها وعدت إلى صنعتي قال الرجل: خذ هذا المكيال وإذا احتجت قل امتلئ ذهباً فيمتلئ ذهباً، وأحرص أن تفرط فيه. فأخذه الحطاب إلى زوجته وجرباه فوجداه صحيحا فقال لأمرأته: هات لنا ماعوناً من عند الجيران نضع فيه الذهب حتى أنزل إلى السوق واشتري مواعين، فذهبت إلى جارتها وقالت لها: أعطيني ماعونا وسأعيده اليكِ، أعطتها جارتها ماعونا وألصقت في قاعته من الداخل علك لترى ماذا سيضعون في الماعون، ولما أعادت الماعون الى جارتها رأت في قاعته قطعة من الذهب لم تنتبه زوجة الحطاب لوجود قطعة ذهب ملصقة بالعلكة، ذهبت الجارة إلى زوجة الحطاب وقالت: لقد لقيت قطعة الذهب ملصقة في اسفل الماعون وهو من مالكم قالت لها زوجة الحطاب: خذيه يا أختي وكبشت لها من الذهب وقالت لها : وهذا زيادة والحمد لله خير ربي كثير .
قالت لها جارتها: ومن أين لكم هذا ، فأخبرتها بالقصة، وفي الصباح اليوم التالي جاءت الجارة تستعير منها المكيال فأعطته لها وقالت: كيلوا به ولا تطلبوا منه ذهباً ، قالت: سنكيل به فقط ونعيده لكم في الحال، ولما جربته هي وزوجها وجدا كلامها صحيحاً فطمعا فيه، أعادت الجارة  لها مكيالاً مشابهاً له فلما طلب منه الحطاب وزوجته لم يحصلا منه على شيء، عرفا أن جارتهم وزوجها بدلاه ولكن ما جدوى الشكوى ومن يصدق. وفي صباح اليوم التالي عاد إلى غابته وبدا يضرب الأغصان بفأسه فأتى الرجل ولامه وأعطاه سفره وقال له أي طعام تشتهيه اطلبه من هذه السفره وستجده بها في الحال فذهب إلى بيته وطلبا من السفره ما أردا فحضر لهم في الحال وتسرب أمر السفره حتى وصل إلى والي البلد فانتزعها منه وقال له: هذه السفره تصلح للملوك وليست للصعاليك . وفي الصباح عاد إلى غابته فقابله الرجل وقال له : لقد تعبت معك ولكن خذ هذا السوط واقفل على نفسك في حجرة وقل له املأ الحجرة ذهباً ولا تدع أحداً يفتح باب الحجرة مهما حدث من أصوات حتى يملاً هذا السوط الحجرة بالذهب فشكره الحطاب ومضى فقفل على نفسه في الحجرة وحذر زوجته وأولاده من فتح الحجرة مهما سمعوا من أصوات وقال : يا سوط أملأ الحجرة ذهباً فتحول السوط إلى مارد كالنخلة وأخذ يضرب الحطاب حتى غشي عليه من شدة الضرب وعاد الوسط إلى حالته ولما أفاق الحطاب من غشيته طرق باب الحجرة من الداخل ففتحت له زوجته الباب وهي تبحث في الحجرة عن الذهب ولما فاق الحطاب تماماً أخبر زوجته بما حدث له وقال : سأرمي بهذا السوط اللعين، فقالت له زوجته: كلا فهذا السوط هو الذي سيرد بإذن الله حقوقنا، لكن نام الآن وفي الصباح رباح . وفي الصباح قالت له: أذهب إلى الراعي وأعطه هذا السوط وقل له هش به على غنمك ولا تقل له أعطني ذهباً فيعطيك الذهب ولا تطمع فيه كما طمعت في الشاه . فأخذ الحطاب السوط وذهب إلى الراعي وقال له ما قالته زوجته فقال الراعي: لا تخف يا صديقي وأخذ السوط وهو فرحان وعندما عاد إلى بيته قفل الباب على نفسه وأوصى زوجته ألا تفتح الباب مهما جرى وقال للسوط : أملأ الحجرة ذهباً فخرج له المارد فضرب الراعي حتى دوخه وقال له أرجع شاة الحطاب المسكين له فحلف الراعي له ألف يمين أن يعيدها من صباح رب العالمين وبالفعل طرق باب الصياد مع النجمة وسلمه شاته وسوطه . فعمل الحطاب ذلك مع جارته فأعادت المكيال، وصنع ذلك مع الوالي وأعاد الوالي السفره بعد علقة ساخنة وقال الحطاب لزوجته : يا فلانة اليوم سلمت كل مدخراتنا وفي غد لا ندري ماذا يكون فلنرحل من هنا فرحلوا هم وأولادهم في ليلة ما لها قمر وانتقلوا إلى بلاد أخرى بعيدة وعاشوا في رغد ويسر من العيش بفضل الله ثم بفضل هذه الكنوز الغالية أما السوط فقد وضعه في دولاب وقفل عليه وأخفى مفتاحه في جيبه وقال له نم هنا يا صديقي في وقت الحاجة نحتاجك.
من التراث الشعبي القديم


33

من حكايات جدتي ... السابعة والستين
طفل بدون اذنين
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي في هذه الليلة قائلة: قام أحد العلماء بعرض مسابقة على أطفال احدى القبائل الإفريقية البدائية،
حيث وضع سلة من الفاكهة اللذيذة قرب جذع شجرة، وقال لهم:
ـ  أول طفل يصل الشجرة سيحصل على السلة بما فيها .
عندما أعطاهم اشارة البدء تفاجأ بهم يسيرون سويا ممسكين بأيدي بعضهم حتى وصلوا الشجرة، وتقاسموا الفاكهة اللذيذة.
سألهم لماذا فعلتم هذا مع أنه يستطيع كل واحد منك الحصول على السلة له فقط.
أجابوه بتعجب:(أوبونتو) كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيداً فيما الباقين تعساء؟
وكلمة أوبونتو في حضارة القبيلة تعني : ( أنا أكون لأننا نكون).
تلك القبيلة البدائية تعرف سر السعادة الذي ضاع من نفوس ترى نفسها فوق غيرها، ضاع في جميع المجتمعات المتعالية والتي تعتبر نفسها مجتمعات متحضرة. والسعادة سر لا تعرفه إلا النفوس المتسامحة المتواضعة، التي شعارها نحن وليس أنا، فكل شيء ينقص إذا قسمته على اثنين إلا (السعادة) فإنها تزيد إذا تقاسمتها مع الآخرين. والسعادة لا تهبط عليكما من السماء بل أنتم من يزرعها في الأرض.
أما حكايتنا لهذه الليلة تقول: أنه بعدما أفاقت أم من تأثير المخدر بعد ولادة  قيصرية مؤلمة، طلبت من الممرضة ابنها الذى انتظرته لسنين طويلة، احضرته الممرضة  ووضعته في حضنها ثم خرجت،  رفعت الام الغطاء من على وجهه الطفل، اخافها ما رأت طفل بلا اذنين، إلا انها ابتسمت فى وجهه ورفعت يديها وشكرت الله على عطيته مهما كانت، واحتضنت الطفل فى صدرها وهمست اليه انت ابنى مهما تكون.
بدأ الطفل ينمو ومع الايام واجهت الام صعوبات كثيرة من خلال مضايقة اصدقائه وجيرانه وأقربائه إلا انها دائما كانت مبتسمة فى وجهه وداعمة له، ولن تنسى تلك المرة التى رمى بنفسه فى احضانها باكيا من استهزاء احد اصدقائه عليه، وتسميته بالوحش، إلا انها قالت: أحبك مثل ما أنتَ.
رغم هذه الاعاقة إلا ان اداؤه كان متميزا فى الدراسة، حتى دخل كلية مرموقة، وفى احد الايام كان والده جالساً مع احد الجراحين المشهورين، فحكى له مأساة ابنه وقال له الطبيب: ان هناك عمليات نقل للأذنين، ولكنها فى حاجة لمتبرع، فوافق الاب على اجراء العملية حينما يظهر اي متبرع.
وبعد فترة من الزمن، اتصل الطبيب بالأب، وقال: لقد وجدنا المتبرع لإجراء العملية لابنك.
سال الاب من هذا حتى أشكره فرفض الطبيب ذكر أسمه بناءاً لرغبة المتبرع.
وأجريت العملية بنجاح، وأصبح الطفل الوحش رجلا وسيما، وهذه الحالة الجديدة، دفعته للتفوق اكثر وأكثر، وتزوج بمن أحبها إلا أنه، وبعد سنوات من إجراء عمليته، ظل يتساءل عن الشخص الذي قدم له أذنيه!
هل كان متوفى دماغياً، ومن هم ذووه؟ هل كان شخصاً مريضاً؟
أسئلة كثيرة، وبدون أجوبة دائما في خاطره ولا تفارقه ابدا.
سأل أباه عدة مرات عن المتبرع،
حيث قال: أنه يحمل له الكثير من التقدير والعرفان بالجميل، ولا يستطيع أن يكافئه لأنه كان له الدور الكبير في نجاحاته المتعاقبة في حياته.
فابتسم الأب قائلاً له: «صدقني.. حتى لو عرفته، فلن تستطيع أن توفي له حقه».
وفي أحد الأيام زار الابن بيت والديه.بعد سَفر طويل، أمضاه في دولة أجنبيه في إطار عمله.حمل الابن لوالديه الكثير من الهدايا، كان من ضمن الهدايا قرطان ذهبيان اشتراهما لأمه، وكانت الدهشة للأم كبيرة عندما شاهدت جمال هذين القرطين.
حاولت رفض الهدية بشدة، قائلة له أن زوجته أحق بهما منها، فهي أكثر شباباً وجمالاً، إلا أن إصرار الابن كان أكبر من إصرار والدته، وأخرج الابن القرط الأول ليلبسها اياه، واقترب إليها، وأزاح شعرها فأصابه الذهول، عندما رأى أمه بلا أذنين! عرف الابن بأن أمه هي من تبرع له بأذنيها! فأُصيبَ بصدمة، وأَجْهَشَ بالبكاء، وضعتْ الأمُ يديها على وجنتي ابنها وهي تبتسم، قائلة له:لا تحزن، فلم يقلل ذلك من جمالي أبداً، ولم أشعر بأني فقدتهما يوماً، فوالله انك لا تمشي فقط على رجليك، إنما تخطو على قلبي أينما ذهبت.
"واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا "، رحم الله الاموات منهم وحفظ الاحياء وأطال اعمارهم.

34
من حكايات جدتي ... السادسة والستين
أبو صير وأبو قير
بدري نوئيل يوسف
كان يا ما كان، في قديم الزمان، حلاق ذكي اسمه أبو صير، فقير جدًا يعمل كثيرًا ويجد ويتعب كثيرًا، ولا يكسب إلا القليل. وبعد صبر طويل عزم على الرحيل إلى بلد آخر، يكسب فيه ما يستحق، ويعيش سعيدًا.
وكان له جار صباغ اسمه أبو قير، كان هذا الصباغ يكذب دائمًا على الزبائن ويغشهم، يأخذ أجرة صبغ الثياب سلفًا، ثم يذهب إلى السوق، ويبيع الثياب، ثم يقول لصاحبه: متأسف، سرقه اللص، لهذا قاطعه الناس، فصار فقيرًا هو أيضًا.
لما سمع أبو قير كلام جاره أبو صير عن السفر قال له :
_ أنا أيضًا، أريد الرحيل، أريد أن أسافر معك، لنذهب معًا إلى بلد آخر، نعمل فيه بجد، ونقتسم كل ما نكسب.
وهكذا اتفق أبو صير وأبو قير على السفر معًا، وباع كل واحد منهما دكانه، ثم ركبا في سفينة كبيرة، فيها عدد كبير من المسافرين، وعلى ظهر السفينة، جعل أبو صير يحلق لحى المسافرين، ويقص شعرهم، مقابل أجرة بسيطة، وكان يعطي صاحبه نصف ما يكسب، حسب الاتفاق. بينما كان أبو قير يأكل ويشرب وينام ويتفرج على البحر، وهو يقول :
أنا متأسف، فأنا صباغ، لا بد لي من دكان لكي أعمل، وسوف أعمل عندما نصل إلى وطننا الجديد.
أخيرًا وصلت السفينة إلى ميناء عظيم، فيه عدد هائل من الدكاكين والحوانيت والمتاجر والمحلات والمخازن، في أسواق كبيرة، وأخرى صغيرة. نزل الصديقان من السفينة ليلاً، وسارا في شوارع المدينة، وسط الظلام، حتى وصلا إلى فندق صغير نزلا فيه.
في الصباح الباكر، نهض أبو صير، وخرج إلى السوق ليبحث عن عمل، بينما ظل أبو قير في فراشه، وقال:
_ أنا مريض اليوم، يجب أن أستريح، وسأبحث غدًا عن العمل.
وهكذا صار أبو صير يعمل كل يوم، من الصباح حتى المساء، بينما يبقى أبو قير في الفندق، يستريح، ويأخذ نصف المال الذي يكسبه صاحبه الحلاق.
وحدث ذات يوم أن مرض أبو صير، فلم يستطع الخروج للعمل، فبقي الصديقان في غرفتهما في الفندق أحدهما مريض حقًا والآخر متمارض، حتى جاع أبو قير وهم للخروج بحثًا عن شيء من الطعام، وقبل أن يخرج وبعد أن تأكد من أن صاحبه نائم، فتش جيوب صاحبه وأخذ كل ما وجد فيها من دراهم، ثم خرج من الفندق.
ما إن سار أبو قير في المدينة قليلاً حتى تبين له أمر عجيب لا يعقل، المدينة بلا ألوان ! أو على الأصح ليس فيها إلا ما هو أبيض وأزرق! فأين الأحمر، والأصفر، والأخضر، والبرتقالي، والبني، والبنفسجي، والوردي !
أسرع أبو قير ودخل إلى دكان أحد الصباغين، وقال له :
_ إني أبحث عن عمل، وأنا أعرف ألوانًا جديدة لا تعرفونها في مدينتكم، اقبلني أجيرًا عندك وسوف أعلمك إياها فتكون أغنى صباغ في المدينة.
قال الصباغ بانزعاج :
_ نحن لا نقبل الغرباء في هذه الصنعة.
وكان أبو قير يسمع نفس الجواب في كل مصبغة يدخلها، احتار في أمره وفكر طويلاً، ثم عزم على الذهاب إلى قصر السلطان، وطلب من الحرس أن يخبروا سيدهم، بأن له سرًا خطيرًا لن يبوح به إلا للسلطان نفسه، فأذن له السلطان
بالدخول، فسلم وقبل الأرض بين يديه، ثم جلس بخشوع على مقربة من العرش، وعندما أشار إليه الحاجب، قال:
_ يا مولاي السلطان، يا ملك الزمان، يا صاحب الجلالة، إن عندي ألوانًا لا يعرفها أحد في مدينتكم، وأنا أتمنى أن يستفيد منها مولاي ورعيته، كما استفاد منها أهل بغداد.
السلطان وهو غير مهتم بما سمع سأله:
_ من أنت ؟
_ أنا أكبر صباغ في مدينة بغداد، أنا أبو قير الشهير.
ظل السلطان غير مهتم بكلام أبي قير، لكنه قال لوزيره :
_ أقيموا له مصبغة، وأعطوه بعض ثياب ليصبغها للسلطانة.
صبغ أبو قير ثياب السلطانة أحسن صبغ، بألوان رائعة، لم ير لها سكان المملكة مثيلاً أبدًا، ففرح الملك والملكة، وصار أبو قير من أغنى تجار المدينة، وصارت مصبغته أشهر مصبغة في البلاد، وجاءه الزبائن من كل صوب ومكان،
وأصبح أبو قير غنيًا، بل وغنيًا جدًا، ولكنه لم يفكر أبدًا بصاحبه.
بقي أبو صير مريضًا في فراشه عدة أيام، لا يخرج من الغرفة، حتى انتبه إليه صاحب الفندق ورق له قلبه، وعندما
تبين له أن الشاب المسكين مفلس تمامًا، قال له :
_ لا تحزن! ابق هنا حتى تشفى، فأنا لست بحاجة إلى المال.
وأتاه الرجل الطيب بالطعام والدواء، وظل يعتني به حتى شفي من مرضه، حينها خرج إلى المدينة بحثًا عن صاحبه، وعن عمل يكسب منه عيشه.
فصار يزور المصابغ مصبغة مصبغة، حتى وقع نظره فجأة على مصبغة كبيرة، يدخل إليها الناس ويخرجون في نشاط منتظم، دخل إليها ورأى صاحبه جالسًا على كرسي كبير وحوله الخدم ينفذون أوامره.
ففرح الحلاق برؤية صاحبه وأسرع إليه يهنئه بما صار إليه، لكنه فوجيء به يصيح في وجهه:
_ اخرج ! أيها اللص اللعين ! أنت الذي كان يسرق ثيابي في بغداد، وتريد أن تفعل هذا من جديد هنا !
أيها الخدم  اطردوه !
رجع أبو صير إلى الفندق حزينًا كئيبًا، لا يدري ماذا يقول فيما سمع ورأى، كان قلبه منقبضًا، وضاقت الدنيا في عينيه، وحن إلى مدينته، بغداد، وإلى تلك الأيام التي كان يعمل فيها بكد عظيم، دون أن يغدر به أحد، وبعد أن بكى ساعات، هدأت نفسه وعاد إليه العزم على مواجهة المصاعب بروح عالية، وصبر شديد.
خرج أبو صير إلى المدينة في اليوم التالي بحثًا عن العمل، وصار يعمل عند أحد الحلاقين، ثم في أكبر حمام في المدينة، ولما كان عمله ممتازًا، صار يكسب المزيد والمزيد من المال، حتى توفر لديه مبلغ يكفي لبناء حمام جديد، بنى حمامه على أحسن وجه، وبنى بجانبه دكانًا للحلاقة، وسرعان ما صار واحدًا من أغنى أهل السوق في المدينة، فسمع به أبو قير، وجاءه يومًا إلى الدكان، وتظاهر بأنه سعيد برؤيته، وقال له :
_ يا صديقي العزيز، يا أخي الحبيب ! أين كنت ؟ لماذا لم تسأل عني كل هذه المدة ؟ بحثت عنك في كل مكان، ولم أكن أتصور أن أجدك هنا ! كم أنا سعيد بنجاحك !
قال له أبو صير  :
_ ولماذا طردتني عندما جئت إليك في المصبغة ؟
_ أنا طردتك ! مستحيل ! ... آه، ربما كنت تعبًا، فلم أعرف أنك كنت ذلك الرجل الذي طردته صديقي، آه، لقد ضعف نظري يا صاحبي العزيز منذ فراقنا، كنت قلقاً عليك وحزين لغيابك !
_ لا بأس عليك، المهم أننا ما زلنا أصدقاء، أليس كذلك ؟
_ وكيف لا، بل نحن إخوة، أنا أخوك وأنت أخي وحبيبي.
_ نعم، أنت أخي وصديقي.
_ ... ولكن، قل لي ... لماذا لا تكمل نجاحك بأن تدعو السلطان إلى حمامك، وتحلق له شعره، فتصبح أشهر حلاق في البلاد !
_ إنها والله فكرة حسنة، سأفعل إن شاء الله.
ما إن خرج أبو قير من عند صاحبه حتى ذهب إلى قصر السلطان، وطلب المثول بين يديه على أسرع وجه، وقال له :
_ يا مولاي، هناك من يريد قتلك !
_ مَنْ ؟
_ الحلاق أبو صير، صاحب الحمام الجديد.
_ ولماذا يريد قتلي ؟
_ إنه الحلاق أبة صير عدوك اللدود، جاء إلى مملكتك لهدف واحد هو أن يقتلك في حمامه.
_ وما الذي يثبت أن ما تقوله صحيح ؟
_ سترى يا مولاي، أيها السلطان العظيم، سيأتي إليك أبو صير، ويدعوك لزيارة حمامه ودكانه، وهناك سيعرض عليك قص شعرك ثم يحاول قتلك.
بعد يومين جاء أبو صير إلى قصر السلطان، ودعاه إلى حمامه، فأمر السلطان الحرس بحبسه، ثم أمر الحاجب بأن يضعه في كيس ويرمي به إلى البحر. حدث ذلك كله في دقائق، ولم يتمكن الحلاق المسكين من الدفاع عن نفسه.
ولكن الحاجب أدرك حقيقة الأمر، وكان من أصدقاء الحلاق المقربين، فأخفاه في بيته، ووضع حجرًا في الكيس، ورمى به إلى البحر على مرأى من السلطان، وكان السلطان في شرفة عالية من قصره يتفرج على هذا المشهد وهو يداعب بأصابعه خاتمه العظيم، خاتم الحكم والقوة والسلطة، وعندما ألقى الحاجب بالكيس إلى الماء ارتعد السلطان وسقط الخاتم من يده إلى البحر. وكم كان حزنه شديدًا،ً والسلطان بلا خاتم ليس بسلطان، ولا أحد ينفذ أمرًا غير مختوم بخاتم المملكة.
انطوى السلطان على نفسه، لا يتحدث إلى أحد، ولا يأكل إلا القليل، ولا يخرج من غرفته. وكان أبو صير، هو الآخر، حبيسًا في دار صديقه المخلص حاجب السلطان. وفي يوم من الأيام، ضجر أبو صير كثيرًا، فخرج متنكرًا بثياب صياد سمك، وذهب إلى الشاطئ ليصطاد بعض السمك. فاصطاد سمكة كبيرة وجد في بطنها خاتما لم ير مثله قط، لا في جماله ولا روعة صنعته. فلما عاد الحاجب إلى داره وأراه أبو صير ما وجد في بطن السمكة، صاح قائلاً  :
_ إنه خاتم السلطان !
ثم أسرع إلى القصر، وبصحبته أبو صير، ودخل على السلطان، وبشره بعودة الخاتم، وقص عليه ما حدث. عندها، قال السلطان للحلاق النبيل  :
_ اطلب ما شئت ! إني مدين لك بالكثير  !
قال أبو صير  :
_ لي طلب بسيط، يا مولاي. قل لي، لماذا غضبت علي ؟
أخبره السلطان بما كان، فحدثه أبو صير بحقيقة الأمر، فغضب السلطان على الصباغ اللعين وأمر الحاجب بأن يرميه إلى البحر. فقال له أبو صير :
_ مولاي، أرجوك أن تعفو عنه، إنه كان صاحبي، وهو بغدادي مثلي .
ولكن السلطان رفض العفو عنه، فمات أبو قير، ولم يأسف عليه أحد. أما أبو صير فقد كره أن يبقى في المدينة التي مات فيها صاحبه، فعاد إلى بغداد وعاش فيها في أمان وسعادة وهناء.

35
من حكايات جدتي ... الخامسة والستين
الياقوتة العجيبة
بدري نوئيل يوسف
 حدثتنا جدتي مثلا كيف الظالم يبحث عن سبب لكي يظلم. قالت:
ذهب الحمار منفعلا إلى الأسد وسأله: ألست أنت كبير الغابة؟ فأجاب الأسد: نعم ماذا حدث؟ فقال الحمار: النمر يضربني على وجهي كلما رآني ويسألني لماذا لا ترتدي القبعة؟ لماذا يضربني ثم أي قبعة تلك التي يتحتم علي أن اضعها فوق رأسي؟ فأجاب الأسد: اترك لي هذا الموضوع وعندما التقى الأسد والنمر سأله: ما هو موضوع القبعة تلك التي تطلبها من الحمار؟ فأجاب النمر: مجرد سبب لكي أضربه فقال الأسد: ابحث عن سبب وجيه مثلا اطلب منه إحضار تفاحه فإذا أحضرها صفراء اصفعه وقل له لماذا لم تأت بها حمراء؟ وإذا أحضرها حمراء اصفعه وقل له لماذا لم تأتي بها صفراء ؟ فأجاب النمر: فكرة جيدة وفي اليوم التالي طلب النمر من الحمار إحضار تفاحه فنظر له الحمار وسأله: أتريدها حمراء أم صفراء؟ عندئذ تمتم النمر وقال: حمراء أم صفراء؟ ثم ضرب الحمار وقال له: لماذا لا ترتدي القبعة ؟ ما من ظالم إلا سيبلى بظالم.
نعود لحكايتنا اليومية: تقول جدتي:كان نور الدين تاجرا ناجحا و في احد الايام ذهب مع قافلة تجارية الى بغداد وفي الطريق الى هناك توقفوا للراحة في سهل ذهل نور الدين لجمال البيعة وفي الصباح اخذ يتنزه بين الاشجار ولما عاد لم يجد للقافلة أثراً فاحتار واخذ يقطع الصحاري وكله امل ان يجد مدينة ليستريح فيه وهو في الطريق وجد ياقوتة فأخذها معه. وبعد يومين من السفر دخل الى مدينة واستطاع ان يقايض الياقوتة بالمال لتامين قوته مع سلطان المدينة.و في يوم من الايام وبينما كان السلطان يتأمل في الياقوتة وفجأة امتلأت القاعة بدخان ملون كثيف، ثم انقشع الدخان عن شاب وسيم الطلعة، فاخر الثياب، فذهل السلطان وقال للشاب: من أنت؟ وماذا أتى بك إلى هنا؟ فأجاب الشاب انا امير الياقوت وانا هنا بسبب قصة لا استطيع البوح بها و سالبي لك كل رغباتك.
فطلب منه السلطان ان يخلص مدينته من تنين مخيف فاستجاب له الشاب و قضى على التنين.
و بما ان السلطان قد قطع عهدا على نفسه ان يزوج ابنته نور الحياة لمن يقضي على التنين فوفى بوعده وتزوج امير الياقوت بنور الحياة لكن نور الحياة ارادت ان تعرف سر زوجها وفي احد الايام عندما كانت مع زوجها يتنزهان على شاطئ البحيرة حول القصر اصرت ان تعرف قصته . وما إن بدأ بالكلام حتى ثارت موجة عاتية من عرض البحيرة وتقدمت نحو العروسين واختطفت أمير الياقوت. دبّ الخوف في قلب الأميرة وأسرعت عائدة إلى القصر في ذهول وهي تبكي زوجها الذي ابتلعته المياه، وفي إحدى الليالي، وكان الهم قد أخذ بها كل مأخذ، خرجت من القصر في ضوء القمر، وسارت على محاذاة البحيرة في المكان الذي فقدت فيه زوجها. ولما نال منها التعب، جلست تحت جذع شجرة تبكي ذكرى زوجها فجأة سمعت أصوات غريبة تنبعث من وسط البحيرة، ثم انجلت الأصوات عن مشهد غريب أذهلها وكاد يفقدها عقلها. رأت جماعة من الجنيات الصغيرات يفرشن الأرض حول البحيرة، بالحشائش الخضراء والأزهار الملونة، ثم انشقت المياه عن مركب كبير يتقدمه شيخ عجوز يمسك بيده شابا تتدلى على جيبه ياقوتة حمراء كبيرة.. عجبت نور الحياة لهذا المشهد الغريب. تقدم الشيخ العجوز من نور الحياة وخاطبها قائلا: أيتها الأميرة نور الحياة، إنني أعرف قصتك مع ولدي أمير الياقوت، ولكنك أنت المسئولة عما حدث لك وله، لأنه ممنوع عليه أن يذيع سره. ولكني بعد أن رأيت حسرتك عليه فإني على استعداد لأن ألبي لك أي رغبة تريدين.
فأجابته الأميرة في توسل: أريد أن تعيد لي زوجي الحبيب.
فقال الشيخ العجوز بصوت ملؤه العطف والحنان: اسمعي يا بنيتي، هل تعدينني بأن تكوني زوجة مطيعة لا تتدخل بشؤون غيرها ولا تسأل زوجها عن سر قصته؟
فقالت نور الحياة على الفور: أعدك يا سيدي بأن أكون كما رغبت
وما هي إلا لحظة حتى اختفى الموكب وبقي أمير الياقوت إلى جانب الأميرة نور الحياة.
وهكذا عاشا حياة جديدة كلها سعادة واطمئنان.


36
القداس الاول في  الكنيسة الجديدة  في سودرتاليا اقامها للبطريرك مار لويس ساكو.
بدري نوئيل يوسف
عند الساعة العاشرة من صباح يوم الاحد الموافق 10 كانون الاول 2017  توافدا بأعداد غفيرة المؤمنين من ابناء جاليتنا الكرام الى الكنيسة الجديدة لحضور القداس الاول  المصادف عيد البشارة .
مع دقات ناقوس الكنيسة  الجديد بدأ القداس الالهي  وصدحت اصوات الجوقة بالتراتيل والأنغام الكلدانية وبزياح مهيب في مقدمته الصليب تبعه لفيف من الشمامسة ثم الاب ماهر ملكو راعي كنيسة اسكلستونا والأب ازاد شابو راعي كنيسة شارهولمن مع الاب بول ربان راعي الكنيسة الجديدة  وبحضور غبطة البطريرك مار لويس ساكو و المطران  المعاون البطريركي مار باسيليوس يلدو والمطران سعد سيروب الزار الرسولي في اوربا، بمشاركة الشعب الحاضر الذي بث في نفوسهم مباهج السرور وغمرت قلوبهم الفرحة بكنيستهم الجديدة
قدم غبطة البطريرك موعظة قيمة شرح الظروف الذي يمر به الشعب المسيحي في العراق متمنا ان يحل الامن وسلام في العراق وهنأ الجالية بكنيستهم الجديدة . وقدم شرحا لإنجيل بشارة العذراء. طلب بعد هذا الانجاز أن لا تقف عنده بل الاستمرار  في الانجازات المستقبلة  لتحقيق مطامح الجالية الكلدانية  الذي يستحق كل الاحترام والتقدير والتضحية من اجله. وشكر للمرة الثانية كل العاملين قائلا : تأتي هذه الانجازات إلا بجهود خدامها الغيارى وكل خادم من موقعة لخدمة الرب والكنيسة المقدسة انهال الشعب بالتصفيق الحار وصدحت هلاهل النسوة والكل يغمرهم عبير الفرح والمسرة والابتهاج وقد تبادل الشعب التهاني مع غبطة بعد انتهاء القداس، ثم شارك ابناء الشعب طعام الغداء سادت المحبة الجميع .
الطراز المعماري للكنيسة
 يجلب انتباه الشعب مستفسرا عن اللون الاسود الذي طليت به الكنيسة، واللون الأسود الذي يرمز  إلى انشغال الانسان في عمق امور العالم وتسيطر على قلبه وفكره  مبتعدا عن الله تجذبه مغريات العالم وفساده ، ويرمز اللون الأسود  إلى الغموض، والتمرّد، فهو يعكس العمق المخيف، والأسرار الغامضة، وفقاً للعديد من قصص نشوء العالم، فإن بداية الزمن كانت سوداء، حتى أنشأت ومضة ضوئية الكون، معظم ثقافات البشر لا تفضل اللون المظلم وفي اللغات، الأشياء السوداء غالباً ما ترتبط بالأمور السلبية ويرتدي الأشرار عادة اللون الأسود
أما داخل الكنيسة طليت باللون الابيض وعلق في وسط تمثال المسيح  المصلوب فوق الصليب اسود وتحته بيت القربان وبجانبه قنديل مضيء والشبابيك الملونة كل شباك يحكي مرحلة او معجزة من حياة المسيح مدون تحتها عبارات باللغة الكلدانية . داخل الكنيسة الحياة مع المسيح والتقرب منه والابيض  في الثقافة الشرقية يدل على الثلج الذي ولد المسيح في موسمه،بالإضافة له رموز اخرى منها والحياة والبساطة والنقاء والأمل والسلام والبراءة والتواضع والعيش مع المسيح .
فانه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس . معلمه ايانا أن ننكر الفجور والشهوات العالميه ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح ( تيط 2 : 11 )
الرب يبارك الجميع

37
تكريس وتدشين كنيسة مريم العذراء والمركز الثقافي الكلداني في سودرتاليا ـ السويد
أول صرح ديني للكلدان يشيد في السويد
بدري نوئيل يوسف
بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ (سفر المزامير 5:93)
لكل بداية لها نهاية وكل حكايات تنتهي بتلك العبارة الاسطورية عندما كانت تحكي لنا جداتنا (كنا عندكم وجئنا) هذه العبارة حفظناها عن ظهر قلب، واليوم الثامن من كانون الاول 2017  يحفظه الكلدان (لأنه اول تكريس وتدشين كنيسة كلدانية في السويد) وعلينا أن نقول( مبروك للكلدان الكنيسة الجديدة).
في احتفال كبير مهيب ترأس القداس الاحتفالي الكاردينال اندش اربوليوس ساعده عدد من المطارين والكهنة والشمامسة التابعين للكنيسة الكاثوليكية السويدية، وحضر القداس غبطة سيدنا البطريرك مار لويس ساكو ، والمطرا  المعاون البطريركي مار باسيليوس يلدو والمطران سعد سيروب الزار الرسولي في اوربا، مع جميع الكهنة الكلدان العاملين في السويد، وشارك الاحتفال جميع مطارين الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، ومطران الكنيسة الاشورية وجمع كبير من كهنة الكنائس السريانية الكاثوليكية والقبطية والانجيلية والارمنية ، وعدد كبير من شمامسة الكنيسة الكلدانية، بحضور رئسية البلدية (المحافظ) ومدير الشرطة وجمع كبير من المسئولين السياسيين العاملين في المؤسسات الحكومية في مدينة سودرتاليا، وسيادة سفر العراق في مملكة السويد.وجمع كبير من المؤمنين.
في بداية القداس سلمت الشركة المنفذة لبناء الكنيسة مفاتيح وخرائط الكنيسة لسيادة الكاردينال، ثم بعد الصلاة على المياه قام سيادة الكاردينال برش الماء على الحضور وعلى البناء، بعدها كرس المذبح بالميرون شاركه الاب ماهر ملكو والأب پول ربان بتكريس جدران البناء بالميرون المقدس.
القى الكاردينال اندش موعظة شكر جميع العاملين في المشروع والمتبرعين بالمبالغ النقدية والكنيسة الالمانية الكاثوليكية التي ساهمت في دعم البناء بتبرعها بمبلغ وافر، والقى غبطة البطريرك ساكو كلمة باللغة الانكليزية شكر سيادة الكاردينال على دوره الكبير ودعمه لبناء هذا الصرح الجديد وكل العاملين في بناء الكنيسة والمساهمين المتبرعين ، اعقبه كلمة لسيادة المطران سعد سيروب الزائر الرسولي، هنأ جميع المؤمنين على هذا الصرح وقدم باسمه وجميع الكلدان في السويد أيقونة مريم العذراء لسيادة الكاردينال اندش هدية تذكارية ، حيث بلغ عدد العوائل الكلدانية في سودرتاليا ما يقارب الف عائلة، كما قدم نبذة مختصرة عن بداية فكرة انشاء الكنيسة ، في بداية الشهر التاسع من عام 2004 وافق المجلس الرعوي لكنيسة مار يوحنا في سودرتاليا برئاسة الاب ماهر ملكو تشكيل لجنة للبناء وبدأت اول خطواتها بمراجعة البلدية للحصول على قطعة الارض، كان اعضاء اللجنة متفائلون بسبب العزيمة التي كانت معهم، يشد على ايدهم ويشاركهم الاب ماهر ملكو، وطرقت اللجنة ابواب المطرانية الكاثوليكية في السويد، وعرضت عليهم الفكرة التي لاقت المباركة من سيادة الكاردينال وكل الدعم من الإداريين، وبدءوا يجمعون أي مبلغ فائض عن مصاريف الكنيسة ويدخل في حساب البناء، و"أبواب الجحيم لن تقوى عليها"، لقد أسس يسوع كنيسته على الصخرة، لن يستطيع أحد مهما كانت الظروف أن يقوى عليها، تقدمت الكنسية الكاثوليكية المانية بملغ كمساعدة اولى، وكان للمونسينيور فيليب نجم الزائر الرسولي في حينه دور كبير لمتابعة تخصيص الارض حيث كان يلتقي مع الكاردينال وأعضاء في المطرانية الكاثوليكة اثناء زيارته الرعوية. ثم واصل الاب سمير مهامه كاهن الرعية الكلدانية في سودرتاليا وتابع اعمال اللجنة بكل جهد وفكر وحماس، وتدخل عدة مرات الزائر الرسولي رامز كرمو والتقى سيادة الكاردينال ومناقشة المراحل التي وصلت اليها لجنة البناء، ثم استلم الاب پول  كنيسة مار يوحنا وكانت اول المهام الملقاة على عاتقه بناء الكنيسة شد العزم مع اعضاء اللجنة وتحقق الحلم، اليوم المطرانية الكاثوليكية بنت الكنيسة بعد ان وفرت المبالغ اللازمة مضافا لها المبلغ الذي جمعته اللجنة من قبل المؤمنين.
بعد هذا الاحتفال الكبير لتكريس الكنسية عقدت المفاجأة المذهلة لسان المتشائمون والمنافقون والنمامون والمشاغبون، شلّت أطرافهم وجعلتهم يحملقون وهم مشدوهين غير مصدّقين لما رأت عيناهم عندما اصبح الحلم حقيقة، أجل أبواب الجحيم لن تقوى عليك يا كنيسة المسيح، لأنها بُنيت على صخرة الإيمان، إنها الصخرة التي لا تعرف الهزيمة، فما بني على الصخر لا يتزعزع أبداً، إنها القلب الذي يجمع أبناء الله الذي ينبض بمحبة وسلام المسيح، أفرحي واقرعي أجراسك في سودرتاليا بل في جميع أنحاء المسكونة، ولا وتقلقين إن الله معك منذ الأزل وحتى نهاية العالم.
تحيّة مقرونة بأسمى معاني الاحترام والإجلال والشكر والتقدير لمن بدأ  واستمر بعطائه طيلة السنوات الماضية، والى من تابع البناء وأكمله بهذا الصرح الجميل.
لا يسعنا إلا ان نشكر الرب على نعمته لنا و بحضور ابينا الراعي البطريرك مار لويس ساكو، وعدد غفير من المطارنة والكهنة والشكر الجزيل للكاردينال اندش والكنيسة الكاثوليكية السويدية التي اخذت على عاتقها كلفة هذا الاحتفال الكبير.
ميزوك للجميع

38
من حكايات جدتي ... الرابعة والستين
قرع الطبول
بدري نوئيل يوسف
انه كان هناك صديقان يمشيان في الصحراء، وفي اثناء سيرهما، اختصما فصفع احدهما الآخر فتألم الصديق لصفعة صديقة فسكت ولم يتكلم بل كتب على الرمل (اليوم اعز اصحابي صفعني على وجهي)، وواصلا المسير ووجدا واحة غناء فقررا الاستحمام في بحيرة الماء ولكن الذي انصفع وتألم من صديقه علقت رجله في الطين وكاد يغرق فأنقذه صديقه الذي صفعه، ولما تمالك الغريق نفسه ابتسم لصديقه ثم قام وحفر على الصخر، (اليوم اعز اصدقائي انقذ حياتي)، فسأله صديقه: عندما صفعتك كتبت على الرمل،  لكن عندما انقذت حياتك من الغرق كتبت على الحجر.لماذا ؟ فأبتسم وأجابه: عندما يؤذينا شخص فعلينا ان نكتب على الرمل لتأتي الريح تمحوه وتجلب معها المسامحة، عندما يؤدي لنا شخصا معروفاً، فيجب أن نكتب على الصخر ليبقى ذلك، برغم هبوب الرياح ، فلنتعلم أن نكتب آلامنا على الرمال، ونحفر التجارب الجيدة على الصخر شي رائع حتى يبقى في ذاكرة القلب حيث لا رياح تمحوه. هذه الحكاية اعجبتني فيها عبرة وحكمة جميلة تعلموا يا اولادي المسامحة والغفران.
نعود لحكايتنا هذه الليلة:يحكى أن كان هناك تاجر ذكي وأمين يدعي منصور، كان يتسم بالأمانة والصدق ويهتم ببيع أفضل أنواع البضائع، مما جعل جميع التجار والزبائن يتناقلون أسمه فى أنحاء السوق، حتى أصبح من أشهر وأغنى التجار، وصار كبار التجار يحسدونه على تجارته الرائجة، وحسن سمعته والبضائع الجميلة التي أشتهر بها دكانه، وتزاحم الزبائن عليه لشراء أجود أنواع الأقمشة والحرير، وذلك لأنه كان يبيع بأرخص الأسعار ويرضى بالقليل من الربح ويشكر الله عز وجل على رزقه، وكان منصور التاجر دوماً يردد كلمة (كن متسامحاً في بيعك تكسب كثيراً من الأصحاب والزبائن)،كان هذا مبدأ منصور التاجر فى البيع والشراء.
فى يوم من الأيام جاء رجل غريب عن السوق ووقف عند دكان التاجر منصور وأخذ يقلب فى الأقمشة ويتحسس الحرير وبدأ يختار أجود الأنواع قائلا لمنصور: أنا تاجر مثلك وقد أعجبتنى بضاعتك وأريد شراء كذا وكذا، ولكن للأسف ليس معى ما يكفي من المال لشرائها الآن، وإذا أتيت معى إلى مدينتي سوف أعطيك الثمن وأكرمك، رد منصور على الفور: لا بأس خذ كل ما تحتاج فأنا ليس من عادتى أن أرفض طلب أحداً أبداً، وفعلاً أختار الرجل الغريب كل ما أراد من القماش وساعده منصور فى حملها حتى وصل إلى اخر السوق وودعه وذهب.
وبعد مرور عدة أشهر أراد منصور التاجر أن يسافر إلى مدينة الرجل الغريب ويزوره ويطمئن على أحواله، ويقضى فترة راحة بعيداً عن السوق وعن عناء العمل، ويأخذ منه ثمن البضاعة التي اشتراها منه.
 سافر منصور إلى المدينة وكان الطريق طويل جداً وشاق وبمجرد وصوله إلى السوق، أخذ منصور يسأل التجار عن الرجل الغريب حتى وقف أمام متجر كبير ملئ بخيرات الله، وفيه الكثير من العمال والزبائن وعلى باب المتجر وقف الرجل الغريب، دخل منصور إلى الدكان وسلم على الرجل ولكنه أنكر منصور وحلف أنه لم يره أبداً من قبل، ولم يأخذ منه أى شيء ولم يسافر إلى بلدته أبداً، وعندما صمم منصور على أنه يعرف الرجل، نادي الرجل عماله وطلب منهم أن يلقوه خارج المتجر، حزن منصور التاجر الأمين حزناً شديداً، وشعر أنه كان غبي عندما صدق هذا الرجل الغريب، وأعطاه بضاعته دون أن يقبض منه قرشاً واحداً، أخذ يفكر ماذا فعل وكيف يرد ماله وكرامته.
أخذ منصور يسير فى أنحاء وشوارع المدينة حتى أحس بالتعب فدخل إلى فندق صغير وبات فيه ليلتها، وعندما غلبة النعاس أستيقظ مفزوعاً على صوت قرع الطبول بجميع أنحاء المدينة، أستغرب منصور وسأل صاحب الفندق عن هذا الصوت فأجاب الرجل: أن هذه هى عادة المدينة عندما يموت شخص يدق الطبل أربع دقات بم بم بم بم ، وإذا كان الميت أرفع مكانة وعلماً دق الطبل عشر دقات، ولكن عندما يموت الأمير أو الملك يقرع الطبل عشرين مرة !
هنا خطرت على بال منصور الأمين فكرة ذكية جداً، ترك منصور غرفته وذهب إلى دكان قارع الطبل وطلب منه أن يقرع الطبل ثلاثين مرة! وبالفعل صنع قارع الطبول ما طلب منه منصور ودوي الصوت قوياً جداً فى أنحاء المدينة، سادت البلبلة والفوضى أرجاء المدينة وخرج الجميع يتساءل عن هذه الطبول، حتى وصلت الأخبار إلى قصر الأمير الذى أمر فوراً بإحضار قارع الطبول ليسأله عن سبب قرع الطبل ثلاثين مرة، قال قارع الطبول أن منصور التاجر هو من طلب منه ذلك وأعطاه مقابل فعلة ليرة ذهبية، غضب الأمير وطلب من رجاله أن يحضروا منصور التاجر على الفور. حضر منصور مبتسماً هادئاً ووقع أمام الأمير فى ثقة وشموخ، وعندما سأله الأمير عن سبب فعلته، رد منصور الذكي قائلا: إذا كانت وفاة الأمير تقرع لها عشرين قرعة طبل، فما العجب إن قرع لموت الأمانة والصدق ثلاثين قرعة، أعجب الأمير بذكاء منصور وحرصه على الأمانة والصدق وقال له: والله لن تموت الأمانة ولن يموت الصدق أبداً بين الناس، وأحضر الرجل المحتال وأمر بحبسه ودفع ثمن البضاعة إلى منصور.

39
من حكايات جدتي ...الثالثة والستين
الحطّاب وبناته الثلاث
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي:كانت زوجة رجل فقير تصنع الزبد و هو يبيعها في المدينة لأحد البقالين، وكانت الزوجة تعمل الزبد على شكل كرة وزنها كيلو غرام واحد ويشتري من البقال بثمنها حاجات البيت من سكر وطحين ومواد اخرى.
وفي أحد الايام شك البقال بالوزن فقام ووزن كل كرة من كرات الزبده فوجدها تسعمائة غرام، فغضب من الفقير
وعندما حضر الفقير في اليوم الثاني، قابله بغضب وقال له: لن أشتري منك يا غشاش تبيعني الزبد على أنها كيلو غرام ولكنها أقل من الكيلو بمائة غرام، حزن الفقير ونكس رأسه ثم قال: نحن يا سيدي لا نملك ميزان ولكني اشتريت منك كيلو من السكر وجعلته لي مثقال كي أزن به الزبد.
تيقنوا تماماً أن (مكيالك يُكال لكَ به) فكونوا أمينين مع الآخرين في كل شيء يا اولادي.
أما حكايتنا لهذه الليلة:كان حطّاب فقير جداً كبيراً في السن عنده ثلاث بنات، يحطب كل يوم بعض الحطب يبيعه ويشتري بثمنه قليلاً من الطعام لبناته، بحيث لا يكاد يسد الرمق، استمر على هذا الحال حتى انهدّ حيله وضعفت قوته، ولم يعد يقوى على العمل، فقرّر أن يتخلّص من بناته ويرتاح من همهنّ، فأخذهن إلى الغابة بحجة أنهن سيساعدونه، وبعد فترة من العمل جلس الجميع على حافة البئر ليرتاحوا.
ادعى الحطاب أن الإبرة الكبيرة التي تُخَاطُ بِهَا الاكياس وقعت منه في البئر، فطلب من ابنته الكبيرة أن تنزل إلى البئر لتبحث عن الإبرة فدلاّها بالحبل، وبعد قليل نادته ابنته أنها لم تجدها، فأنزل ابنته الوسطى وقال لها: أربع عيون يرون أفضل من اثنتين، بعد مدة من الزمن نادته الوسطى أنها لم تجد الإبرة، فأنزل البنت الصغيرة وقال لها: ست عيون يرون أفضل من أربع، ثمّ دلاّها بالحبل إلى أخواتها، ولما أصبحت أسفل البئر رمى الحبل في البئر وتركهم ومضى في حال سبيله.
بقيت الأخوات يفتشن حتى يئسن من إيجاد الإبرة، فأخذن ينادين أباهم ليخرجهم من البئر، لكن دون فائدة حتى تعبن وشعرن بالجوع، فبكين كثيراً حتى نعسن ونمن، وبعد ساعات أفاقت الصغيرة، فقامت تتلمّس جدران البئر في الظلام فمرّت على فتحة صغيرة يدخل منها هواء بارد، فدخلت منها بصعوبة، فإذا هي في دار كبيرة واسعة في وسطها شجرة كبيرة معلّق بأغصانها صيد كثير من الغزلان والطيور، فشمّرت عن يديها وعملت بهمّة ونشاط، ونظّفت الدار وكنّستها، ورشّتها بالماء ورتّبتها، وأنزلت الصيد ونظّفته وقطّعته، ووضعته في قدر كبير وطبخته وطبخت معه قدراً من البرغل، ثم رتّبت المائدة وصفّت عليها الطعام، وملأت صينية من الطعام وحملتها، وعادت بها إلى أخواتها، فتعجبوا من أمرها وسألوها من أين هذا الطعام وكيف وجدته،، روت لهم ما جرى معها، فأكلوا حتى شبعوا وحمدوا الله ثم ناموا حتى الصباح.
أما الدار فقد كان أصحابها ثلاثة فرسان شجعان يخرجون كلّ يوم إلى الصيد ولا يعودون إلى المساء، ذلك اليوم عادوا فرأوا العجب، المائدة مرتّبة وعليها أشهى الطعام، تفوح منه أطيب الروائح، لم يذوقوا مثله في حياتهم، فعرفوا أن أحداً ما دخل الدار في غيابهم، وفعل كل هذه الأعمال، فأكلوا بنهم وشبعوا وناموا إلى الصباح.
في اليوم الثاني عندما عادوا إلى البيت رأوا الأمور ذاتها قد حدثت فزاد استغرابهم، وقرّروا أن يعرفوا من يأتي في غيابهم، ويصنع كل هذه الأعمال، واتفقوا أن يبقى أخوهم الكبير حسين ليكشف لهم السر، لكنه جلس فترة طويلة من الليل حتّى ملّ ونعس ونام، ولما عادوا أيقظوه من النوم، وقد جرى ما يحدث في كل يوم، ولم يتمكن من معرفة الحقيقة، في اليوم التالي بقي الأخ الأوسط، فجرى معه مثل ما جرى مع أخيه الكبير ونام ولم يعرف ما يحدث، فجاء دور الأصغر فصمّم على كشف السر مهما كلّفه الأمر.
جلس الاخ الصغير يراقب ساعات طويلة من الليل حتى أحسّ بالنعاس، وحتى لا ينام أحضر دلواً ملأه بالماء، وعلّقه في الشجرة وجلس تحته، فكان تسقط على وجهه نقطة ماء كل لحظة، فتنبهه من غفلته فبقي مستيقظاً طوال الوقت، وبعد منتصف الليل رأى فتاة رائعة الحسن والجمال تدخل إلى الدار من الطاقة الصغيرة، وشاهدها كيف تنظف وترتب وتصنع وتطبخ الطعام، وتجهّز المائدة، وعندما انتهت وحملت صينية الأكل إلى أخواتها، هجم عليها الاخ الصغير وأمسك بها وصاح بها:أنت إنسية أم جنية ؟
خافت الفتاة منه ولاذت بالصمت ولم تجبه، فأجلسها وبقي يسايرها ويحدّثها بألطف الكلام حتى اطمأنت، فروت له قصتها من أولها إلى آخرها، فذهب معها وأحضر أخواتها وأعطاهم الأمان، وجلسوا جميعاً يتسامرون حتى حضر إخوته، ففرحوا بهن كثيراً، وتزوج كل منهم الفتاة التي تماثله بالعمر، وعاشوا جميعاً في السرور والهناء وراحة البال والصفاء. 


40
من حكايات جدتي ... الثانية والستون
الأطفال الخمسة والذئب
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي عن طرق قص الشعر (الزيان)، كان الحلاق سابقا متنقل أي ليس له مكان ثابت،ويمارس عمله على ارصفة الشوارع، والزبون يجلس فوق صفيحة (يگعده على التنكه) وهناك طرق لحلاقة الرأس مختلفة، منها زيان ابو الطاسه حيث الزبون يمسك بيديه طاسه ويضعها على رأسه والحلاق يحلق كل الشعر الذي يتجاوز حدود الطاسه وخاصة من اسفلها، والزيان الثاني هو الزيان ابو المجيدي حيث يحلق الجزء العلوي من الراس على شكل دائري والاطراف يتم تخفيفها اي حلقه ويصبح الراس بدون شعر بالوسط والتسمية للمجيدي قادمة من كون المجيدي هي قطعة نقود معدنية عثمانيه ومن الوسط مثقوبة، والحلاق قبل ان ينتهي من الحلاقه يقص بالموس الشعر المتواجد قرب الاذنين، لان ليس عنده ماء فيخرج اللعاب (التفل) من فمه بإصبعه ويبلل به حافات الاذن ومن ثم يقوم بالاستمرار بالحلاقة واستخدام التفال هكذا كان السبب بتسميه هذا النوع من الحلاقه بزيان ابو التفله، وبوجد زيان الصفر كانت العوائل تحلق راس اطفالها بشكل مستمر ومنتشر بدرجة الصفر اي حلاقه تامة للشعر والعرف المعلوم والمألوف يتمركز بالاقتناع بان هذه الطريقه ستعمل على تقوية الشعر للطفل عند كبره وسيطول وسيصبح اجمل وخاصة للبنات ولكنها بالحقيقة هي للتخلص او لتجنب احتمال تواجد القمل في شعر الابناء لان القمل كان يتكاثر بسهوله ولم تكن بتلك الايام العناية بالحمام، وعند الانتهاء من الحلاقه يكفخ الحلاق الزبون بضربه خفيفة على رقبته هي بمثابة القول نعيما وان الحلاقه قد انتهت فتقول له شكرا.
كما حدثتنا جدتي حادثة  سمعتها في احد الايام حدثت لشارلي شابلن، يقول: كنت صبيا بصحبة ابي متوجهين لمشاهدة عرض للسيرك، وفي صف قطع التذاكر كانت أمامنا عائلة بانتظار دورها، كانوا ستة أولاد وأمهم وأبيهم، كان الفقر بادياً عليهم، ملابسهم قديمة لكنها نظيفة، كان الأولاد فرحين جداً وهم يتحدثون عن السيرك وعن الحركات و الألعاب التي سوف يشاهدونها، وبعد أن جاء دورهم تقدم الرجل وسأل مسئول التذاكر عن كلفتها،فأجابه بمبلغ.  تلعثم الأب وأخذ يهمس في إذن زوجته، يقول شارلي: رأيت والدي يسارع لإخراج عملة ورقية فئة العشرين ويرميها على الأرض، ثم انحنى ورفعها ووضع يده على كتف الرجل وقال له: لقد سقطت منك هذه النقود، نظر الرجل في عين والدي وقال له شكراً سيدي وقد امتلأت عيناه بالدموع، حيث كان مضطراً لأخذ المبلغ لكي لا يحرج أمام أبنائه،
و بعد أن دخلوا لقاعة السيرك، سحب ابي يدي و تراجعنا من الطابور لان والدي لم يكن معه غيرها، و منذ ذلك اليوم و انا فخور جدا بأبي، لقد كان ذلك العرض أجمل عرض للسيرك وإن كنت لم أره.
حكايتنا لهذه الليلة: كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان امرأة ولديها خمسة أطفال، يسكنون في غرفة صغيرة على أطراف القرية ولها باب خشبي صغير، كانت أمهم تعمل وتقدم لهم الطعام، وفي كل مرّة كانت عندما تخرج من البيت تحذرهم من أن يفتحوا الباب لغريب مهما كان السبب، وأن ينتظروا حتى يسمعوا صوتها ويتأكدوا منها فيفتحوا لها الباب، في أحد الأيام خرجت في الصباح للعمل، طلبت منهم أن يغلقوا الباب، وأن لا يفتحوا لأحد وذهبت لعملها مطمئنة، بعد ساعة من الزمن جاء ذئب متوحش ضخم، طرق الباب وقال: افتحوا يا أولاد الباب أنا أمكم، انتبه الأطفال إلى صوت الذئب الخشن، فقالوا له:أنت لست أمنا لأن صوت أمنا ناعم وأنت صوتك خشن .
اغتاظ الذئب وذهب فغاب ساعة من الزمن، وأكل كمية من السكر ليصبح صوته ناعماً ثم عاد إلى البيت، وطرق الباب وطلب بصوت ناعم من الأولاد أن يفتحوا الباب، سمع الأولاد صوتاً مشابهاً لصوت أمهم لكنهم أرادوا التأكد من ذلك، فنظروا من ثقب الباب فرأوا ذيل الذئب الطويل يلوح خلفه، فقالوا له: أنت لست أمنا، أنت لك ذيل وأمنا ليس لها ذيل، غضب الذئب كثيراً من نباهة الأولاد، وذهب إلى جحره ولفّ ذيله تحت ثيابه، وأكل بعض السكر وعاد إلى بيت الأولاد وطرق الباب، سمع الأطفال صوته ونظروا من ثقب الباب، فلم يروا الذيل ولكن شاهدوا قدمي الذئب ومخالبه فعرفوه، فقالوا له: إن قدمي أمنا بيضاوان وأنت قدماك سوداوان.
اغتاظ الذئب وكاد ينفجر قهراً من هؤلاء الشياطين، الذين لم يستطع حتى الآن أن يخدعهم، وذهب مسرعاً إلى الطاحونة ومسح رجليه بالطحين فأصبح لونهما أبيض، وأكل بعض السكر وعاد فطلب من الأطفال بصوت ناعم فتح الباب، فنظر الأطفال فلم يروا ذيل الذئب، ورأوا  لون قدميه بيضاوين كالثلج، وكان صوته ناعماً، فانخدعوا فيه وفتحوا له الباب، فهجم عليهم والتهمهم واحداً واحداً ماعدا الصغيرين فقد اختبأ تحت الكرسي، فلم يراهما الذئب.
عادت الأم فلم تجد أطفالها فأخذت تصرخ عليهم، وتناديهم، فخرج عليها الصغيران من تحت الكرسي، وقصّوا عليها ما حدث، غضبت كثيراً وخرجت تبحث عن الذئب، وأخذت معها سكيناً وإبرة وبكرة خيوط، وبعد جهد كبير وجدته أخيراً في مغارة قرب البئر، وهو مستغرق في نومه فهجمت عليه وشقّت بطنه بالسكين، وأخرجت أطفالها، ثم وضعت بدلاً منهم بعض الأحجار، وخاطت له بطنه من جديد، وتركته وعادت بالأطفال إلى البيت، استيقظ الذئب بعد قليل وهو يشعر بالعطش الشديد، فخرج يجرّ نفسه بصعوبة نحو البئر بسبب ثقل الحجار في بطنه، وعندما وصل حافة البئر وأراد أن يتدلى فيه ليشرب منه سقط في الماء وأغرقته الأحجار ومات وارتاح الأطفال من شرّه .(كنا عندكم وجينا) .

41
من حكايات جدتي ... الحادية والستين
 حكاية الشاهد الذي يحلف بالتبن
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي عن لعبة قديمة من العاب الطفولة وهي لعبة (طوبتنه وگعت عالسطح)، حيث اللعبه تتم بين اثنين وخاصة مثلا الأب وابنه الصغير، فالابن يشبك يد بيد ويضعهما تقريبا امام الوجه او امام صدره، فيطرق الوالد بيده على تشابك ايدي الطفل حيث اليدان تشبه الباب المتكونة من فرديتين فيقول دگ دگ دگ،
يسال الابن:( منو) يرد الأب (آني)، يسأل الابن (شتريد) يجيب الاب: (طوبتنه وگعت عالسطح ) يقول له الابن: (تعال أصعد الدرج) فيقوم الاب يصعد پايه پايه ويحرك رجليه كأنه يصعد الدرج ويسأل: (خو ما عدكم چلب) يجيبه الابن: لا ، يبدأ الاب بأصابعه يصعد مزحلقا الاصبع على ساعد وعضد يد الطفل وفجأة يمسكه من بطنه بقوه صائحا عو عو عو عو فيبدأ الاخر بالضحك او يخاف وينهزم ويتفاجئ بحركة والده وإمساكه.
أما حكايتنا لهذه الليلة: يحكى انه كان في قديم الزمان امرأة عجوز فقيرة، كانت تملك خروفا صغيرا وكلبا. وكان الكلب يأخذ الخروف ويخرج به إلى الحقول ليرعى ما ترعاه الماشية أو تُعلَفه من عُشْب أخضر أو يابس. وفي يوم ما فيما هما في الحقل، إذ أحس الكلب بالجوع فقال لرفيقه الخروف: ابق هنا أنتَ، وسأذهب لأبحث عن كسرات خبز.
ذهب الكلب يبحث عن طعام وبقي الخروف يرعى وحده، فلمحه ثعلب من بعيد فدنا منه متلصصا حتى إذا اطمأن بأنه وحيد، اقترب منه حتى قابله، وقال له: بلهجة ا لغاضب وقد نوا في نفسه أمرا شديدا: كيف سولت لك نفسك يا غشيم أن تصل إلى هنا وتدخل أرض آبائي وأجدادي بدون أن تأخذ رخصة؟ وأخذ يهدد ويصيح عليه حتى جعله يقف متسمرا مكانه يرتعش خائفا، وأخيرا وبعد أن هدأت العاصفة قال الخروف بصوت الخائف: إذا كانت هذه أرض آبائك وأجدادك فأين شهودك عليها؟ فقال له الثعلب: انتظرني حتى أجيب لك شهودي. قال هذا وغادره حتى لقي ذئبا في الطريق، فأقبل عليه وقال له: الله يصبحك بالخير يا أبا سرحان ما تجيء تشهد لي؟  فاستفسر منه الذئب عن الحكاية فقصها عليه، وقال له: سأقاسمك لحم الخروف فتعال معي وأريد عليه حجة بسيطة. وهو خروف مسكين خائف، فراقت الفكرة للذئب وسار عائدا به إلى موقع الخروف .
في تلك الأثناء كان الكلب قد لقي له طعاما حتى شبع ورجعت إليه قوته، عاد إلى الخروف فوجده متألما والكآبة تظهر عليه، فسأله عن السبب فأخبره بالحكاية وقال: إن الثعلب ذهب ليأتي بشهوده، وكان الكلب شاطرا ماكرا فعرف أصل الحكاية وما هو المقصود، قال للخروف: أنت ما عليك، اتركني أنا أدير القضية، الدنيا أمان ولا تقلق مادمت معي، أنا سأدخل تحت التبن وأنت ما عليك إلا أن تضع التبن فوقي حتى لا يبان مني شيء، وعندما يأتي الثعلب الجبان الماكر هو وشهوده المزعومين سأريهم نجوم الضحى. ولا أريد منك إلا أن تأتي بهم إلى كومة التبن هذه تطلب من الشهود أن يحلفوا بالتبن قبل تأدية الشهادة ، لأني سأخرج عليهم عند حلفانهم، وأقطعهم إربا إربا. قال هذا ونزل في حفرة، وأهال الخروف عليه التبن حتى غطاه عن الأعين، وعندئذ لاح من بعيد الثعلب والذئب قادمين، وعندما وصلا إلى الأرض المدعى بشأنها، قال الذئب: إني أشهد بكون هذه الأرض هي ملك حلال للثعلب، ورثها عن آبائه وجدوده ولا منازع له فيها، تفاجئ الثعلب عندما رأى كومة التبن فقال في نفسه: هذه الكومة من التبن لم تكن موجودة حينما جئت أول مرة، ولابد أن هناك حيلة ترمي إلى الإيقاع بي، ولكن علينا الحذر أنا وشاهدي، وعندئذ توجه الثعلب إلى شاهده الذئب قائلا له: يا أخي لا تؤاخذني، أنت أيضاً توهمت وتذكرت هذه ليست أرضي وأنا غلطان بيها فهيا معي لنذهب معتذرين لإقلاق راحة أخينا المحترم الخروف، تعجب الذئب من هذا التحول المفاجئ من ابن عمه، ولما كان ضيق العقل فقد ظن أن هذا جزء من الحيلة وأن عليه أن يتمسك بشهادته فأصر قائلا: بل هي أرضك، وأنا اعرفها أحسن منك، لكوني أكبر منك سنّا، وعندئذ قال ا لخروف للذئب :
إذا شهدت بأن هذه هي أرض الثعلب، فاحلف لي بالتبن وحينئذ أصدق كلامك، وعندئذ لم يبق شك لدى الثعلب أن الخروف والكلب قد نصبا لهما فخا، فأخذ يجر الذئب ولكن الذئب أصر على رأيه قائلا: أجل إني مستعد لأحلف بالتبن ورب التبن ولا جناح علي، جن جنون الثعلب وأخذ يسحب الذئب وهو يصيح صياح القنوط: يا أخي أنا متوهم، هذه الأرض ليست أرضي، أنا صاحب الحق أتخلى عن حقي، ولا تتدخل في حياتي الخاصة؟ لست بحاجة إلى شهادتك، أنا لا أستطيع أن أسمع شهادة زور، أنها تجلب لي اللعنة، هيا يا أخي، وإذا بقيت مصرا على اليمين الذي يمنعه ضميري فسوف أخرج وابتعد عن الحقل.
قال الثعلب هذا وأسرع بالخروج، وهو عالم بسوء المصير الذي ينتظر صاحبه الذئب، أما الذئب فقد حد أسنانه وتقدم متلمظا من التبن ليحلف اليمين ثم يبطش بالخروف، ومد يده إلى كومة التبن وما كاد يقول: بحق هذا التبن حتى خرج عليه الكلب ومزقه إربا إربا.
(كنا عندكم وجينا)   


42
من حكايات جدتي ... الستون
بدري نوئيل يوسف
لصوص بشهادات عليا
حدثتنا جدتي:كان هناك حرامي متخصص بسرقة الهوش (البقر) وحرامي أخر يعمل في نفس المنطقة متخصص بسرقة الدواب (الجاموس) أراد حرامي الهوش أن يوسع عمله، ويدخل ضمن اختصاص الحرامي الأخر، أي أن يباشر في سرقة الدواب، هذا العمل أثار حفيظة الحرامي سارق الدواب و فشل في إقناع الحرامي سارق الهوش، بأن هذا العمل لا يدخل ضمن اختصاصه المهني.
في يوم من الأيام كان حرامي الدواب يسير قرب احد المستنقعات، لاحظ أن هناك بقرة قد غاصت أقدامها في الوحل، ولأنه متخصص بسرقة الدواب فهو يعرف طبيعة الأرض الهشّة التي لا يمكن اخراجها من الوحل إلا بمساعدة، على اعتبار أن الدواب أي الجاموس تعيش معظم حياتها في الماء والطين فكّر قليلاً ثم أسرع للحرامي الأخر حالما عثر عليه قال له: أنا لست مثلك، فانا ارفض أن أتدخل في اختصاصك، و قد عثرت على بقرة شاردة ليس معها احد، و سأدلك عليها، فرح حرامي الهوش كثيراً وانطلق مع الحرامي الأخر حالما، وصلا الى الارض الهشة وأشار له عليها، فأنطلق يسير في الوحل باتجاه البقرة قبل أن يصل لاحظ انه بدأ يشعر بصعوبة إخراج قدمه من الطين، فألتفت للحرامي الأخر وقال: (هاي طين ما ينمشي بيها)، فقال له: اصبر شويه راح توصل وقبل أن يصل للبقرة بخطوات قليلة علقت أقدامه في الطين تماماً، ولم يعد بمقدوره تخليص نفسه، عندها التفت الى صاحبه وقال له (هاي اكلان تبن) فقال له (لا خويه مو هسه تأكل تبن، راح اوكلك تبن من أروح هسه أصيح أهل الهايشة)! وعليه ضرب المثل (حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب).
ويقال ايضا: وفي يوم من الأيام، رفع احدھم قضیة وادعى ان جاموسته سرقت، بحثت الشرطة وبحث اعضاء المحكمة، وعن طريق البحث والتقصي، استطاعت الشرطة من التعرف على لص، وحین استجوبه القاضي علم انه متخصص بسرقة الأبقار، ظن القاضي انه ربما قد سرق (الجاموسة) ايضا. سأله عنھا فقال: يا سیادة القاضي انا متخصص بسرقة الابقار (اما الجاموس) (الدواب) فھي من تخصص فلان الفلاني ، عندھا ضحك القاضي وقال:(حرامي الھوش يعرف حرامي الدواب).
اما حكايتنا لهذه الليلة، خلال عملية سطو في احدى المدن صرخ اللص موجها كلامه الى الأشخاص الموجودين داخل البنك، لا تتحركوا فالمال ملك الدولة وحياتكم ملك لكم، فأستلقى الجميع على الأرض بكل هدوء وعندما انتهى اللصوص من السرقة قال اللص الأصغر عمرا، والذي يحمل شهادة ماجستير في ادارة الاعمال لزعيم اللصوص وكان أكبرهم سنا وكان قد أنهى ستة سنوات تعليم في المدرسة الأبتدائية :يا زعيم دعنا نحصي كم من الأموال أخذنا.
قال له الزعيم بعصبية: أنت غبي، هذه كمية كبيرة من الأموال وتأخذ منا وقتا طويلا لعدها، الليلة سوف نعرف من نشرات الأخبار كم سرقنا من الأموال؟ وهذه خبرة رئيس العصابة في هذه الايام الخبرة اكثر اهمية من المؤهلات الورقية. بعد أن غادر اللصوص البنك، قال مدير البنك لمدير الفرع: اتصل بالشرطة بسرعة ، ولكن مدير الفرع قال له: أنتظر دعنا نأخذ عشرة ملايين دولار ونحتفظ بها لأنفسنا ونضيفها الى السبعين مليون دولار التي قمنا باختلاسها سابقا ، "وهذا يسمى السباحة مع التيار تحويل وضع موات لصالحك "
قال مدير البنك : اذن سيكون الأمر رائعا اذا كان هناك سرقة كل شهر " وهذا ما يسمى ب قتل الملل "
وفي اليوم التالي ذكرت وكالات الأخبار ان مائة مليون دولار تمت سرقتها من البنك .
قام اللصوص بعد النقود المرة تلو المرة، وفي كل مرة كانوا يجدوا ان المبلغ هو عشرين مليون دولار فقط، غضب اللصوص كثيرا وقال رئيس اللصوص: نحن خاطرنا بحياتنا من أجل عشرين مليون دولار ومدير البنك حصل على ثمانون مليون دولار من دون أن تتسخ ملابسه، يبدو ان من الافضل ان تكون متعلما بدلا من ان تكون لصا.
"وهذا ما يسمى المعرفة تساوي قيمتها ذهبا "
كان مدير البنك يبتسم سعيدا لان خسائره في سوق الأسهم تمت تغطيتها بهذه السرقة.
" وهذا ما يسمى اقتناص الفرصة "
فاللصوص الحقيقيون هم غالبا ذوي المناصب والمدراء الماليين وغيرهم كثيرا لكنهم لصوص بشهادات عليا.


43
من حكايات جدتي .... التاسعة والخمسين
حكاية الحمار والثور مع صاحب الزرع
بدري نوئيل يوسف
في هذه الليلة سئلنا جدتي عن سبب وضع مطرقتين على ابواب البيوت القديمة، فرحت بهذا السؤال وأجابت: من العهد القديم وفي ايام الحكم العثماني، اي قبل الحرب العالميه الاولى،كانت هناك عاده جميله يتبعها العراقيين، وهي وضع على ابواب منازلهم مطرقتين احداهما صغيره والأخرى كبيرة، فعندما يطرق الباب بالمطرقة الصغيره يفهم ان طارق الباب هي امرأة أو طفل، وعليه تذهب سيدة البيت وتفتح الباب، وعندما يطرق بالمطرقة الكبيرة يفهم ان الطارق هو رجل وعلى رجل البيت أن يفتح الباب.
وكان سؤالنا الثاني لماذا يقال للمرأة السمرة والطويلة انها كمحراث عزرائيل، ابتسمت جدتي وأجابت لأنها تشبه السعفه المقطوع كل خوصها، ويبقى فقط الساق الذي نستخدمه لتحريك الخشب او الحطب في أرضية التنور، هذه الخشبه او الساق تصبح مسمرة اي لونها يميل للسمرة والسواد ومصخمه وتكون حارة جدا نتيجة تحريك وزيادة تهييج النار داخل التنور، وتكون ضعيفة القطر ومعوجه فيتم تشبيه شخص بهذه الصفات، مثلما هو الحال لشخص ضعيف وطويل فنقول عنه انه مثل گصبة المطيرچي.
كما حدثننا جدتي ان في احد الايام نادى المنادي في شوارع بغداد في العهد العباسي، ليعلن ان الخليفة يرغب بسماع صوت رجل يغني، وسوف يجزل عليه الهدايا النفيسة اذا اطربه، اما اذا ازعجه فسوف يعاقبه بعقاب يعلن عنه في حينه! توسلت امرأة رجل يشتغل في احد حمامات بغداد بزوجها، ليذهب الى قصر الخليفة ويشترك في المسابقة! فلم يوافق وقال لها ان صوتي جميل فقط بالحمام! فقالت له زوجته: اذن خذ معك الحب او الزير ( وهو الوعاء المستعمل لخزن الماء وتبريده في ذلك العهد وما زالت الطريقة تستعمل في الكثير من مدن العراق الجنوبية)، وضع رأسك به وغني! لم يوافق الرجل حيث سيعتبر ذلك غش! ويعاقب عليه، وهنا قالت له الزوجة: اذن خذ معك الشربه (القلة) وضعها تحت عباءتك! وسوف لن يراها احد! وافق الرجل وجهز نفسه وفق خطة زوجته، ولما حان دوره وراح يغني، انزعج الخليفة وأمر الجلاد ان يملئ الشربة بالماء، ويغطس عود الخيزران فيها ويضرب ذلك الرجل الى ان نشـف الماء منها، وفي كل مرة يقول الرجل: دفع الله ما كان اعظم! استغرب الجلاد وقال للرجل: لماذا تقول: دفع الله ما كان اعظم؟ فقال الرجل: احمد الله لم استعمل الزير في الغناء!
نعود لحكايتنا اليومية تقول جدتي :
في يوم من الايام شكى الثور لصديقه الحمار وسأله: يا صديقي الحمار انا تعبت من حرث الارض، كل يوم صاحبنا يأخذنني لحراثة الارض وأريد ارتاح حتى يوم واحد، فكر الحمار قليلا ثم قال لصديقه الثور: هناك حل واحد فقط. سأل الثور: وما هو يا صدقي الحمار اعطيني الحل أرجوك، رد الحمار عليه: الحل هوا ان تتمارض وتخدع صاحبنا، سأل الثور وكيف امرض كذبا؟ أجاب الحمار: لا تأكل العلف ولا تشرب الماء فإذا اتى صاحبنا في الصباح ورآك انك ما اكلت العلف ولا شربت الماء، سوف يقتنع انك مريض وسوف يتركك ترتاح، قال الثور لصديقه الحمار هذه فكره جميله. نفذ الثور كلام الحمار وفي الصباح كالعادة جاء صاحبهم ليأخذ الثور الى المزرعة للحرث، وجد الثور لم يتناول طعامه ولا شرابه فاعتقد انه مريض وتركه، ولكن صاحبهم عنده عمل مهم في المزرعة ولا بد من حيوان يحرث الارض فكر قليلا ثم جاءته الفكره ان يأخذ الحمار مكان الثور ويحرث به الارض، اخذ الحمار الى المزرعة وركب عليه آلة الحرث وحرث الحمار المسكين الارض، وهو غير متعود على الحرث لان الحمار تعود على حمل البضائع فقط، مر على الحمار يوم لم يرى تعب مثل ذلك اليوم قط، لأنه اول مره بحياته يواجه تعب بذاك الشكل، فكر الحمار قبل المغرب بحل لتك الورطة التي وقع فيها، وهي نصيحته للثور ان يتمارض كذب، وجد الحمار الحل وهو ان يعود الثور للحرث في الارض لكن كيف يعود الثور للحرث ؟
جاءت للحمار فكره خطرة على باله وجهزها الى ان يصل عند الثور بعد   العودة من المزرعة، جاء المغرب وعاد الى حظيرة الحيوانات ووجد الثور مسرور وفرحان، سأل الثور كيف حالك يا صديقي الحمار؟ اجاب الحمار انا بخير لكن انا زعلان من صاحبنا وخائف عليك يا صديقي الثور، استفسر الثور من الحمار ما الامر يا صديقي؟ رد الحمار على الثور وقال: سمعت صاحبنا يقول: اذا ما اكل الثور طعامه وشرب الماء وقام من مرضه فسوف اذبحه غداً احسن من ان يموت، سأل الثور ما هو الحل أجاب الحمار: لا يوجد حل إلا انك تقوم تأكل العلف وتشرب الماء كي لا اخسرك بالذبح، استجاب الثور للحمار و قام واكل العلف وشرب الماء، وعندما رآه صاحبه انه قد تعافا اخذه للحرث في المزرعة وتخلص الحمار من ورطته التي وقع فيها .

44
من حكايات جدتي ....الثامنة والخمسون
المنديل السحري
بدري نوئيل يوسف
في هذا المساء قدمت لنا جدتي حلاوة اسمها (الجق جق قدر)، وهذه اول مرة نأكلها ونسمع بها، قالت جدتي لا تستغربون يا اولادي هذه حلاوة شعبية من حلويات الشتاء، مصنوعة من الدبس الذي يغلى داخل قدر معين ويتم غليه حتى الوصول الى أن يصبح متكاثف ولزج جدا، بعد ذلك يوضع هذا الدبس المكثف جدا في صينية ويغرز اللوز أو الجوز عليه بشكل جميل وواحدة بجانب الأخرى فوق هذه الحلاوة المفروشة بالصينية.
يضع البائع الصينية على رأسه وهو ينادي (جق حق قدر) وهذه الحلاوة يأكلها الصغار والكبار وسميت بهذا الاسم نتيجة غلي للدبس وخلال الغلي تصدر اصوات چقچقه. وهناك نوع اخر من الحلاوة يسمى الپالوتة مصنعه من حليب ونشا وسكر مع إضافة المطيبات والألوان فتصبح لزجة وكأنها قالب من كيك، وتوضع في كاسات وتباع من قبل بائع متخصص ويعملها بنفسه وهي لذيذة للصغار والكبار، تطورت وأصبحت تسمى الكاستر.
نعود الى حكايتنا اليومية:كان يا مكان في قديم الزمان، فلاَّح ميسور يعيش في حقله مع زوجته وأولاده الخمسة، وذات موسم انحبس المطر فحزن الفلاَّح وكان قد بذر الحب، فتوجَّه إلى حقله العطشان، ناظراً إلى الغيم، منشد تعال يا مطر تعالْ‏ كي تكبر البذورْ ‏ونقطفَ الغلالْ‏ تعال لتضحكَ الحقول وننشدَ الموال مضت الغيوم غير آبهة بنداء الفلاح، فزاد حزنه، واعتكف في بيته مهموماً حزينا اقتربت منه زوجته تواسيه‏ وقالت: يا رجل توكل على الله لماذا تصنع من الحبّة كبّة؟ أجابها: لا تزيدي همّي، قالت: إلى متى ستبقى جالساً هكذا؟ قم اخرج اسعَى ربما تجد عملا، قال: ألا ترين أنّ الأرض قد تشقّقت لكثرة العطش؟ والحَبَّ الذي بذرته أكلته العصافير، اتركيني بالله عليكِ فأنا لم أعد أحتمل، قالت: لكنّك إذا بقيت جالساً سنموت جوعاً، لم يبقَ لدينا حفنة طحين، قم فبلاد الله واسعة.
 اقتنع الرّجل بكلام زوجته فحمل زاده وودّع أهله ثمّ مضى كانت هذه الرّحلة هي الأولى له لذا كابد مشقات وأهوالاً  فأحياناً يظهر له حيوان يهجم عليه بعصاه الغليظة ويطرحه أرضا، وأحياناً يعترضه جبل عال فيصعده، وهكذا إلى أن وصل إلى قصر فخم تحيط به الأشجار ما إن اقترب الفلاَّح من باب القصر، حتّى صاح به الحارس: قف أنت، إلى أين‏؟ أجابه أريد أن أجتمع بصاحب القصر، سأله: لماذا تريد أن تجتمع بالسلطان؟
سمع السلطان الجالس على الشرفة حوارهما، فأشار للحارس أن يُدخل الرجل وفور مثوله أمامه قال:‏ السَّلام على جناب السّلطان، أجابه: وعليك السلام ماذا تريد ؟ أجاب الفلاح: ‏أريد أن أعمل، ساله:‏ وما هي مهنتك، رد عليه : فلاَّح أفهم بالزراعة ثمّ سرد له قصّته، قال السلطان: اسمع ما سأقوله، أمّا العمل بالزراعة فهذا مالا أحتاجه، عندي مزارعون لكن إذا رغبت في تكسير الصخور فلا مانع الأرض مليئة بالصّخور وأنا أفكر باقتلاعها والاستفادة من مكانها ‏ إذاً توافق اتفقنا على الأمر الأوّل بقي الأمر الثاني ما هو الأجر أنا أدفع للعامل ديناراً ذهبياً كل أسبوع فهل يوافقك هذا المبلغ، حكّ الفلاّح رأسه مفكراً قال: عندي اقتراح ما رأيك أن تزن لي هذا المنديل في نهاية الأسبوع وتعطيني وزنه ذهباً.
أخرج الفلاّح من جيبه منديلاً صغيراً مطرزاً بخيوط خضراء، وفور مشاهدة السلطان المنديل شرع يضحك حتّى كاد ينقلب من فوق كرسيّه الوثير ثمّ قال: منديل يا لك من رجل أبله وكم سيبلغ وزن هذه الخرقة أكيد أنّ وزنها لن يتجاوز وزن عانة (اربعة فلوس) من الفضّة أنتَ أحمق مؤكد، بلع الفلاّح ريقه وقال  يا سيّدي: ما دام الرّبح سيكون في صالحك فلا تمانع أنا موافق حتّى لو كان وزنه وزنَ نصف فلسان‏، لمس السّلطان جدّية كلام الفلاّح فاستوى في جلسته وقال توكَّلنا على الله، خذ المطرقة وتلك الصّخور وشمّر عن زنديك وابدأ العمل وبعد أسبوع لكل حادث حديث‏.
 أمسك الفلاّح المطرقة بزندين فولاذيين ومشى باتجاه الصّخور بخطى واثقة، نظر إليها نظرة المتحدِّي وببسالة هوى عليها بمطرقته فتفتّتت تحت تأثير ضرباته العنيفة متحوّلة إلى حجارة صغيرة وكلّما نزَّ من جبينه عرق الجهد والتعب أخرج منديله الصّغير ويمسحه، عَمِلَ الفلاّح بجدّ وتفان، حتّى إنّه في نهاية الأسبوع أتى على آخر صخرة، صحيح أنّ العرق تصبّب من جبينه كحبّات المطر، لكن ذلك لم يمنعه من المثابرة والعمل.‏ انقضى أسبوع العمل، وحان موعد الحساب.‏ قال السلطان: أيُّها الفلاّح لقد عملت بإخلاص هاتِ منديلك كي أزنه لك، ناوله الفلاّح منديله الرّطب وضعه في كفّة ووضع قرشاً فضيَّاً في الكفّة الأخرى فرجحت كفّة المنديل، أمسك السلطان بعض الفلوس وأضافها، فبقيت كفّة المنديل راجحة‏، امتعض  السلطان وأزاح الفلوس ، ووضع ديناراً ذهبياً فبقيت النتيجة كما هي .
احتار وطلب من الحاجب منديلاً غمسه في الماء ووضعه مكان منديل الفلاّح فرجحت‏كفّة الدينار ،نظر إلى الفلاّح غاضباً قال‏: ما سرّ منديلك؟ أهو مسحور ؟ظننت أن الميزان خَرب لكن وزنه لمنديل الماء صحيح، ابتسم الفلاّح
وشرع السلطان يزن المنديل من جديد فوضع دينارين ذهبيين ثلاثة أربعة حتى وصل إلى العشرة حينها توازنت الكفّتان كاد السلطان يجن.
 يسأل السلطان نفسه ماذا يحدث ؟ أيعقل هذا ! عشرة دنانير ذهب. نهض محموما أمسك بياقة الفلاّح وقال‏: تكلّم أيُّها المعتوه اعترف من سحر لك هذا المنديل، وبهدوء شديد أجابه الفلاح، أصلح الله مولاي السلطان القصّة ليست قصّة سحر، فأنا لا أؤمن السحر القصّة باختصار ، هي أنّ الرّجل عندما يعمل عملاً شريفاً يهدف من ورائه إلى اللقمة الطّاهرة ينزّ جبينه عرقاً هذا العرق يكون ثقيلاً أثقل من الماء بكثير
هزَّ السلطان رأسه وابتسم راضياً، قال:‏ سلّم الله فمك وبارك لك بمالك وجهدك وعرقك، تفضل خذ دنانيرك العشرة واقصد أهلك غانما، قصد الفلاّح أهله مسرورا وأخبرهم بما جرى، ففرحوا وهللوا وتبدلت معيشتهم فنعموا ورفلوا‏
وكنا عندكم و جئنا.


45
من حكايات جدتي .. السابعة والخمسين
الملك والغني البخيل

بدري نوئيل يوسف
في احدى الامسيات حدثتنا جدتي عن خلاف وقع بين جارنا ابو البنات وأمه وتتطاول عليها،وكانت جدتي متأثرة جدا من ابو البنات لتصرفه الغير لائق مع والدته، ولن نسألها عن اسباب الخلاف بينهما، ولكنها استمرت بالحديث وقالت سأحكي لكم حكاية تعلموا منها درس وتذكروا محبة الام لأولادها التي لا تقدر بثمن. 
تقول الحكاية: ﻳﺤﻜﻰ أن ﻛﺎﻥ هناك أبن أراد أن ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺃﻣﻪ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﺍﻟﻤﺮﻳﻀﻪ، ﻓﺤﻤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ  وذهب ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺇﺣﺪى ﺍﻟﺠﺒﺎل ﻟﻴﺘﺮﻛﻬﺎ تموت هناك، وفي ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻣﺮ وسط غابات كثيفة ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮة والمزدحمة، وفيها طرق ملتوية ومتشعبة، وﻛﺎﻧﺖ ﺃﻣﻪ وﻫﻰ ﻋﻠﻰ تستند على ﻛﺘﻔﻪ ﺗﻘﻄﻊ ﺃﻏﺼﺎﻥ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ وأوراقها وﺗﺮﻣﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ، ﺗﺮك ﺍﻷﺑﻦ ﺃﻣﻪ ﻓﻮق ﺍﻟﺠﺒﻞ وهم ﺑﺎﻟﻌﻮدة ﺑﻤﻔﺮده ، وﻟﻜﻨﻪ وﻗﻒ ﺣﺎﺋﺮﺍً ﻓﻘﺪ أدرك ﺃﻧﻪ ﺿﻞ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ .
ﻧﺎدﺗﻪ ﺃﻣﻪ ﻓﻰ ﻟﻄﻒ وﺣﻨﺎﻥ و ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ: ﻳﺎ أبني ﺧﻮﻓﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ أن ﺗﻀﻞ ﻃﺮﻳﻘﻚ ﻓﻰ عودتك، ﻛﻨﺖ ﺃﻃرح الاغصان واوراق الاشجار ﻓﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ، اتبع أثارﻫﺎ ﻓﻰ ﻃﺮﻳﻖ عودتك وتصل ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ ، ﺃﺭﺟﻊ ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ ﻳﺎ أبني.
 ﺗﺮﻗﺮﻗﺖ الدموع ﻓﻰ عيني ﺍﻷﺑﻦ ورجع الى ﻧﻔﺴﻪ وحمل ﺃﻣﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻣﻜﺮﻣﺎ اياها، ﻳﺎ ﻟﻠﻌﺠﺐ ﺍﺑﻨﻬﺎ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻰ ﻣﻮﺗﻬﺎ ﻭ ﻫﻲ ﺗﻔﻜﺮ ﻓﻰ سلامته، ﺍﻧﻬﺎ ﺍﻷﻡ دائما ﺑﻘﻠﺒﻬﺎ ﺍﻟﻤﺤﺐ ﻣﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﺣﻨﺎﻧﻬﺎ وﻣﺎ اكبر ﻗﻠﺒﻬﺎ، تعلموا درسا واعرفوا أن حبّ الأمّ يهب كل شيء، ولا يطمع في أيّ شيء.
نعود لحكايتنا اليومية، في قديم الزمان، عاش رجل بخيل، ومن فرط بخله، كان دائم التفكير في وسيلة يحصل بها على المال، أو وسيلة تبعد عنه أي أحد يطلب منه ولو قليلاً من المال ولشدة بخله، طاف القرى قرية قرية، حتى وجد قرية كل سكانها كرماء، فحل بينهم، متظاهراً بأنه فقير شديد الفقر، فكان محط شفقتهم وعطفهم، وصاروا يعطونه دائماً ويتصدقون عليه، حتى إنه كان يأكل ويشرب ويحصل على ملابسه منهم، وذات صباح رأى الناس شيئاً غريباً، فقد أغلق الرجل باب بيته المطل على سكان القرية، وفتح في بيته باباً يجعل وجهه إلى الأرض الخالية الممتدة نحو البرية خلف البيت، ومع هذا فإن الناس استمروا يقدمون له ما كانوا يقدمونه، وحين عرفوا حكايته انفجروا من الضحك، فقد حصل على عنزة تعطي حليباً كثيراً، فخاف أن يسأله أحد شيئاً من حليب عنزته، فابتعد بباب بيته عنهم.
وعلى الرغم من أن بعض الناس تناقلوا بينهم، أنه غني شديد الغنى، وحفر كل أرض كوخه وأودع دنانيره الفضية والذهبية هناك، غير أن الناس كانوا يبتسمون مشفقين، واستمروا يعطونه وهم يرثون لحاله.
 في أحد الأيام كان أحد الفرسان يطارد غزال وفقد اثره حتى دخل القرية، ووصل الى بيت البخيل ودخل الارض الخالية خلف بيته وهي أقرب إلى البرية، أراد الفارس أن يترجل ليطلب جرعة ماء من الرجل البخيل، فلما رآه البخيل أسرع إليه يصيح به: لا تترجل يا رجل، فليس في بيتي شيء أعطيه لك لا طعام ولا شراب ولا حتى أعواد القش، صُدم الفارس، وبان الألم والتعب الشديد في وجهه، ولأنه تعب من مطاردة الغزال، ولن يفتح فمه ولم يكلمه، بل لوى عنق فرسه ودخل القرية، ووقف أمام أحد البيوت، وفوجئ تماماً بما حصل، فقد خرج صاحب البيت وأهله يرحبون بالفارس أيما ترحيب، وأسرعوا ليساعدوه على النزول عن فرسه، وربطوا فرسه، وجلبوا له الماء الذي شرب منه وشرب فرسه، والماء الذي غسل به وجهه ويديه، وقدموا له الطعام والشراب، وتركوه يستريح وينام من دون أن يسألوه سؤالاً واحداً.
حين استيقظ مستريحاً، شبعان مرتوياً، ودعهم وركب فرسه وأنطلق، وهو متعجب كثيراً من كرم العائلة، ولن يسألوه من أنت ؟ ولماذا كان على تلك الحال؟ وكيف وصل؟ بعد أيام دهشت القرية بكاملها، وخرجوا جميعاً ينظرون إلى ذلك الفارس الذي حضرت معه كوكبة من الفرسان كأنه جيش، وهم يسوقون معهم الخيل والحمير المحملة بخيرات كثيرة، وتوقفوا جميعاً عند باب البيت الذي استقبل الفارس و أسرع صاحبه من بين الجميع يستقبله، فقد عرف أنه الفارس الذي جاء بيته متعباً جائعاً عطشاً إنه أبن الملك .
نصب خدم ابن الملك خيمة كبيرة وعملوا وليمة دعا إليها جميع أهل القرية، وقدم لصاحب البيت هدايا كثيرة ، أقبل أبن الملك يشكره ويعترف بفضل صاحب البيت على كرمه، وعلم ابن الملك أن جميع أهل القرية كرماء مثله، فرح كثيرا وهو يقول: الحمد لله أن في مملكة أبي أناساً مثلكم ومثل كرمكم، بعد أن أكل الناس، وامتلئوا فرحاً وسروراً، سمع ابن الملك والجميع صوت بكاء، وسرعان ما عرفوا أنه بكاء الرجل البخيل، فأرسل ابن الملك يطلبه إليه، تذكره وعرفه انه طرده من ارضه الخالية، وسأله: ما بك يا رجل؟ ولم يرد عليه من كثرة البكاء، تدخلت احدى النساء وتقربت من ابن الملك وأجابته وهي ضاحكة يقول: إن هذه الهدايا كلها أمواله،  إنها ملكه هو، تناهبها الناس، سأله ابن الملك: كيف تكون كل هذه الهدايا التي جلبتها أنا معي ملكاً لك؟  توقف عن البكاء وأجاب من بين دموعه: إنها أموالي، ضيعتها أنا بيدي، لقلة معرفتي وحيلتي سأله: كيف يا رجل؟ فأجابه البخيل: ألم تقصد بيتي أولاً؟ ألم تحاول أن تنزل ضيفاً عندي؟ لكني، آه يا ويلتي، يا ويلتي، فضحك ابن الملك حتى شبع ضحكاً، وضحك الذين معه وأهل القرية كلهم، سأل ابن الملك اهل القرية: عجيب! كيف يعيش مثل هذا البخيل في قريتكم، فرد البخيل: أحسن عيشة يا سيدي، فهم يعطون ولا يسألون أو يأخذون، وانفجر الجميع بالضحك من جديد وانفجر البخيل بالبكاء، لكن صوت بكائه ضاع وسط ضحكهم الكثير.

46
من حكايات جدتي ... السادسة والخمسين
البذور العقيمة
بدري نوئيل يوسف
في احدى الامسيات حدثتنا جدتي: كان احد الرجل يسير بجانب البستان، وجد تفاحة ملقاة على الارض تناول التفاحة واكلها، ثم حدثته نفسه بأنه اتى على شيء ليس من حقه، فأخذ يلوم نفسه، وقرر ان يرى صاحب هذا البستان فأما ان يسامحه في هذه التفاحة او ان يدفع له ثمنها، ذهب الرجل لصاحب البستان وحدثه بالامر، أندهش صاحب البستان لامان الرجل، وسأله: ما اسمك؟ أجاب: ثابت
قال له: لن اسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط، ان تتزوج ابنتي، واعلم انها خرساء عمياء صماء مشلولة.
اما ان تتزوجها وإما لن اسامحك في هذه التفاحة، فوجد ثابت نفسه مضطرا، يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الاخرة ، ويوافق على هذه الصفقة، وحين حانت اللحظة التقى ثابت بتلك العروس، وإذ بها اية في الجمال والعلم والتقوة، أستغرب كثيرا الرجل لماذا وصفها ابوها بأنها صماء مشلوله خرساء عمياء؟
سألها الرجل:لماذا ابوكِ قال أنك خرساء عمياء صماء مشلولة، أجاب بكبرياء: انا عمياء عن رؤية الحرام، وخرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله و مشلولة عن السير في طريق الحرام. وتزوج ثابت بتلك المرأة .
ثم تابعت جدتي حديثها قائلة: في احدى الليالي رأى الدب في منامه أنه قد نجح في الحصول على ثلاث قطع دسمة من اللحم، وعندما استيقظ من نومه في الصباح ذهب للبحث عن هذه القطع، ثم سألت جدتي: مَن يعرف منكم هل يتحقق حلم الدب؟ توقع بعض الاطفال الملتفين حول جدتي لسماع الحكايات أن الدب سيجد قطع اللحم، والآخرين توقعوا أن حلمه لن يتحقق، قالت جدتي: بعدما خرج الدب للبحث عن قطع الحم وهو في طريقة داخل الغابة، شاهد من بعيد تيساً فاتجه الى ناحيته مسرعاً وعندما أحس التيس أنه لا مجال للهرب لم يرتبك وإنما اقترب من الدب وألقى التحية عليه، فسأله الدب: هل تعرفني !‏
أجاب التيس: طبعاً الكل يعرفك أيها الدب وبالأخص أنا، حيث إنني كنت مطرباً محبوباً في حاشية أبيك، فقال الدب: إذن أسمعني غناءك! بدأ التيس بالمأمأة بصوت عالي وسمعه الراعي فأتى جرياَ مسرعا وبصحبته كلاب الرعي، ضرب الراعي الدب بالهراوة فيما قامت الكلاب بعضه وبالكاد تمكن الدب من التخلص منهم والهرب .‏
تابع الدب سيره فصادف في طريقه خروفين، تمتم مع نفسه سوف آكلهما، نادى على الخروفين بالاقتراب منه، وبعد أن تأكد الخروفين أنه لا سبيل للهرب اتفقا على شيء فيما بينهما واقتربا من الدب وقالا له :‏
نحن سعيدان جداَ بأننا سنكون طعاماَ لحضرتك، وبدأ الخروفان في الجدال من سيكون أول خروف يأكله الدب، وأخيرًاَ اقترح واحد منهما الآتي :‏
بعد موافقتك أيها الدب المحترم سنتقاتل بقروننا والفائز سيكون أول خروف منا تأكله، تم اختيار الدب ليكون الحكم وتراجع الخروفان مسافة خمسين خطوة الى الوراء ثم ضربا معا الدب بكل ما أوتيا من قوة على جنبه بقرونهما، سقط الدب المسكين أرضاَ وعندما عاد الى وعيه لم ير للخروفين أثر.
 بعد ساعات قليلة نهض الدب وتابع سيره وفي الطريق قابل بعيراَ فقال في نفسه: هذا أحسن شيء لأنه أكثر لحماً ودسماَ، بدأ الدب بالصياح بأعلى صوته: أيها الجمل قف لقد رأيت في المنام أنه يجب علي أكلك! رد على الجمل: تحياتي لك أيها الدب، سأله الدب : من أين تعرفني؟‏
أجابه الجمل: ومن لا يعرفك ! وبالأخص أنا لأنني ساعي بريد أبيك والآن أيضاَ أحمل لك رسالة من أبيك.‏
سأله الدب: أين الرسالة ؟‏
أجابه الجمل: الرسالة مكتوبة على حافري، وما إن جلس الدب القرفصاء ليقرأ الرسالة حتى رفسه الجمل في صدره بقوة وأبعده عنه بمسافة عشر، خطوات مما أفقد الدب وعيه، وقبل غروب الشمس بقليل عاد الدب الى وعيه وأدرك أخيراً كيف كان يجب أن يفسر حلمه .‏
اما الان سأحكي لكم حكايتنا اليومية:كان يا ما كان وعلى الله التكلان، أراد أحد الأمراء أن يتزوج فقرّر أن يجمع بنات المدينه ليختار منهن زوجته المستقبليّة، فسارعت الفتيات في التّحضير لحضور هذا الحفل الراّقي، وكانت هناك فتاة فقيرة هي ابنة خادمة بسيطة، وقد تعلّق قلبها بحب هذا الأمير، وكان يُخَيَّلُ لها أنّها ستكون زوجته المستقبليّة، فحزنت الخادمه العجوز لأنّ قلب ابنتها الفقيرة تعلّق بالأمير كثيرا، فأخبرت ابنتها عن قلقها وخوفها من تحطّم قلبها، فمن المؤكّد أنّ الأمير سيختار فتاة من الطّبقة الرّاقية.
فقالت الابنة: لا تقلقين يا أمّاه سأذهب ليس هناك ما أخسره، ذهبت الفتاة إلى الحفل، جاء الأمير وقال لهن: (سأوزّع عليكنّ بذوراً ازرعوها، والّتي تأتيني بعد ستة شهور وبيدها أجمل وردة سأتزوّجها) استلمت الفتاة البذور اسوة بالبقية وعاد الى منزلها، زرعت البذرة ولكن دون جدوى، مرّت ستة شهور ولم تنبت تلك البذرة، فقالت الأم لابنتها: (لا تذهبين للحفل أخاف أن ينفطر قلبك فأنت لم تحصدين شيئاً)، قالت الفتاة : (سأذهب يا آماه وآخذ معي البذرة، بالله عليك يا أمّي اسمحي لي أمتّع ناظريّ برؤية أميري عن قرب و لو للمرّة الأخيرة)، ذهبت الفتاة الى القصر وأمام الامير اصطفّت جميع الفتيات وبيد كل واحدة منهنّ أجمل الورود، إلاّ هي كانت تحمل بين يديها بذرتها الّتي أبت أن تنبت و لو وردة بسيطة.
فقال الأمير لابنة الخادمه لما رأى بيديها بذرتها الجافة: أريد أن أتزوّجك أنتِ، سألت الفتيات: كيف وهي لم تأتي إلاّ ببذرتها البائسة؟
أجاب الأمير: إنّ البذور الّتي أعطيتكنّ إيّاها بذور عقيمة لا تُنبِت ، فجميعكن كذبتنّ إلاّ هي كانت من الصّادقات ، وأنا أريد لمملكتي أميرة صادقة ، فتزوّجها الأمير وأصبحت هذه الفتاة الفقيرة ابنة الخادمة حاكمة فيما بعد،
العبرة : الصّدق يجمّل الانسان أكثر من لباسه ومظهره ، والكذب يقبح الانسان مهما كان جميل.







47
من حكايات جدتي ... الخامسة والخمسين
قصة مسجد الملك والمرأة العجوز
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي في هذه الليلة قائلة:طبعا تستغربون، إذا سألتكم ماذا يعني حرفان ( س خ ) ؟ جميع الملتفين حولها هزوا رؤوسهم بالنفي، ومنهم من طقطق بفمه أي يقصد لا يعرف ماذا تعني هذه الحروف .
ثم تكمل جدتي حكاية تقول:  في قرية بعيدة كان هناك رجلان لا يجدان عملا، وكانت قريتهما مشهورة بالفلاحين الذين يملكون الخراف، في يوم من الايام قرر هذان الرجلان سرقة الخراف ليلا دون ان يراهما احد، بدأ اصحاب الخراف بالتساؤل، لأن عدد الخراف بدأ ينقص يوما عن يوم، عقد الفلاحون في القرية اجتماعا قرروا فيه ان يبقوا مستيقظين في ليلة معينة ليراقبوا شوارع المدينة،وفعلا بدءوا بتنفيذ مراقبة الشوارع وفجأة !
ظهر رجلان متلثمان وسرقوا الخروف الاول، وما ان أدارا ظهرهما اذ الفلاحين امسكوا بهما ،فكان العقاب ان يحموا سيخين على النار ، الاول مكتوب عليه حرف (س) ،والثاني مكتوب عليه حرف (خ )، يطبع على جبينهما ، والمقصود
حرف (س) يعني سارق وحرف (خ) يعني خروف، فكان هذان الرجلان اينما ذهبا يعرفهم الناس بسارقي الخراف.
الاول لم يحتمل الوضع والإهانة في قريته فقرر الذهاب لقرية اخرى لا يعرفه احد فيها، اما الثاني فقرر البقاء في قريته ونوى في نفسه تغيير حاله للأفضل،  فأصبح يساعد الكبير ويعطف على الصغير ويقوم بأعمال خيرية لا تعد ولا تحصى حتى احبه الجميع، وبقي على هذا الحال الى ان كبر وشاخ.
وفي يوم من الايام كان هذا العجوز المطبوع على جبينه( س خ )، جالس في قهوة القرية والكل يحترمه يسلم عليه ويثني عليه،كان هناك رجل غريب عن القرية، فأثار حال الرجل العجوز فضوله، فقام وذهب لصاحب المقهى وسأله : ما بال هذا العجوز الكل يسلم عليه ويثني عليه ؟ وما هذا المطبوع على جبينه ؟
قال صاحب المقهى: هذه قصة قديمة ،ولكن أظن ان هذان الحرفين ( س خ ) تعني (ساعي خير). فكم واحد يستحق ان تطبع عليه الحرفان.؟
اما حكايتنا لهذه الليلة : يحكى انه في زمن بعيد ،كان هناك ملكاً من الملوك أراد ان يبني في مملكته مسجداً، وأمر أن لا يشارك في بنائه أى حد لا بالمال ولا بغيره قصده أي مساعدة ،حيث أراد الملك أن يكون هذا المسجد بالكامل من ماله هو فقط دون مساعدة من أحد، وقد حذر جميع الناس في مملكته من المساعدة المادية او غيرها في بناء هذا المسجد، مرت الايام سريعاً وبالفعل تم بناء هذا المسجد وأصبح اكبر وأجمل المساجد في المملكة ووضع عليه اسم الملك.
وفي ليلة من الليالي رأى هذا الملك في منامه رؤيا عجيبة، حيث رأى ملكاً ينزل من السماء ويمسح أسم هذا الملك عن المسجد ويضع بدلاً منه أسم امرأة، استيقظ الملك من نومه مفزوعاً وأرسل جنوده حتى ينظروا إلى المسجد ويتأكدوا من أن اسم الملك مازال عليه، فذهب الجنود ورجعوا أخبروه ان أسمه لا يزال مكتوباً عليه كما تركوه تماماً، فأخبرهم بما رأى فقالوا له : لا تقلق يا مولانا فهذه أضغاث أحلام.
مر هذا اليوم وفي الليلة التالية نام الملك، رأى نفس الرؤيا من جديد، ومرة اخرى نزل الملك من السماء، ومسح اسم الملك عن على باب المسجد وكتب بدلاً منه اسم امرأة عليه، في الصباح استيقظ الملك مفزوعاً ايضاً وأرسل جنوده من جديد ليتأكدوا ان اسمه مازال موجوداً على المسجد ولم يتغير، فذهب الجنود ورجعوا ليخبروه أن اسمه لا يزال موجودا على المسجد وليس هناك أي مشكلة او شيء غريب.
اشتد غضب الملك وحيرته وعندما جاءت الليلة الثالثة نام الملك وتكررت معه نفس الرؤيا من جديد، فقام الملك من نومه وكان قد حفظ اسم المرأة التي يكتبه الملك على المسجد، فذهب الى جنوده وأعطى لهم اسم المرأة وأمرهم ان يحضروا له هذه المرأة بأي طريقة، ذهب الجنود يبحثون عن المرأة فوجودها امرأة عجوز فقيرة، فأحضرها الجنود على الفور الى قصر الملك، وقفت المرأة العجوز امام الملك ترتعش من الخوف والتوتر وهي لا تدري لماذا يريدها ولماذا دعاها إلى قصره، قال لها الملك : هل ساعدت في بناء المسجد الذي بنيته ؟ فقالت المرأة في خضوع : لا يا مولاي، فأنا امرأة عجوز فقيرة وقد سمعت تحذيرك أن لا يساعد احد في بناء هذا المسجد، فلا يمكنني قط ان اعصي اوامرك. فقال لها الملك : أسالك بالله اخبريني ماذا صنعت في بناء هذا المسجد ؟ فقالت له : والله ما فعلت أي شيء في بناء هذا المسجد، وفكرت قليلاً ثم قالت في تردد : إلا ، ولم تكمل حديثها، فسألها الملك في لهفه : إلا ماذا ؟ فقالت العجوز : إلا أنني مررت ذات يوم بالقرب من المسجد فرأيت احد الدواب التي تحمل الاخشاب والأدوات الخاصة ببناء المسجد مربوط بحبل إلى وتد في الارض وكان بالقرب منه قدر به ماء وكان الحيوان لا يستطيع الوصول الى هذا القدر حتى يشرب، بسبب الحبل المربوط ، وكان يبدو عليه ان العطش قد بلغ منه مبلغ شديد، فقربت له هذا القدر وسقيته فشرب حتى شبع، والله هذا كل ما صنعت ولم أعمل غير ذلك.
نظر الملك إلى الارض في خجل وقد فهم ما حدث قائلاً : فعلت هذا لوجه الله تقبل منك الله عملك، أما انا ففعلت ليقال هذا مسجد الملك ويكتب عليه أسمي فلم يقبل الله مني، انتهى الملك من حديثه وأمر جنوده أن يكتبوا اسم المرأة العجوز على المسجد بدلاً منه.
أما الحكمة من القصة :
لا تحتقر شيء من الأعمال فما تدري ما هو العمل الذي قد يكون فيه دخولك الجنات أو نجاتك من النيران.

48
من حكايات جدتي ... الرابعة والخمسين
قصة الفلاح الذي اصبح طبيباً
بدري نوئيل يوسف
تعلمت جدتي أن تحضر بعض الوصفات الطبية الشعبية، وتشتري المواد العشبية من سوق العطارين في الموصل، وهو أحد أقدم الأسواق الشعبية الواقعة داخل البلدة القديمة للمدينة، ويربط منطقة باب الطوب وشارع نينوى، وقد اشتق السوق أسمه من بائعي المحلات التجارية العديدة، التي تبيع البهارات والأعشاب الطبية (العطارون).
 تقدم جدتي هذه الوصفات لأبناء المحلة المحتاجين مجانا فمثلا، اذا بكى الطفل فكثيرا ما يصاب الرضيع بالمغص والغازات، تقول جدتي لامه (تره ابنكِ قلبه ديجعه لازم تشغيبه سفوف) والسفوف مجموعة مواد عطارية تتكون من
( انسون ،حبة سودة،كزبره، سْعد ،هيل ،قشور برتقال،حبة حلوه، خشخاش،كمون،محلب،ورد احمر )، تقوم جدتي بخلط هذه الكميات بنسب معنية أي نسبة كل مادة منها في الخلط ثم تطحنها (أي تدقها بالهاون لحين تتحول الى مسحوق يشبه البودرة بالنعومة)، وتأخذ الام التي ابنها يبكي من هذه الخلطة ملء ملعقة شاي، وتغلي الكمية داخل ابريق الشاي (قوري صغير)، ثم تبرده وتسقي الطفل من ذلك السائل، بعد اضافة قليل من السكر .
كما تصف جدتي لطفل إذا أصيب بالإسهال، فيسقى محلول(حبة حلوه) بعد غليه بالماء، وإذا اصيب الطفل بالإمساك فيسقى قليلا من دهن الخروع على(الريق)أي قبل ان يأكل شيئا، او تعمل له فتيلة، وهي عود شخاط ملفوف على طرفها قليل من القطن ثم يلوث بصابون الرقي (صابون حلب) وتوضع بشرج الطفل.
كما تصف الزرقيون لعلاج الاحمرار والتهاب الحفاظ لدى الاطفال، عندما يكون ملتهب أو محمر فيمسح القسم الملتهب بالزرقيون وهي مادة عطاريه قرمزية اللون .
أما اذا بكى الطفل كثيرا وشخصت جدتي سبب بكائه، أي عرفت أنه  مصاب بتشنج في ظهره عندئذ تقوم جدتي بدلك جسم الطفل، إما بحليب امه أو بالزبد أو دهن الطعام، ثم تخالف يديه وتخالف رجليه ثم تلفه بالقماط لفا قويا وتدحرجه على ساقيها الممدودتين الى الامام عدة مرات فانه يرتاح وينام.
وتصف جدتي للطفل الذي يصاب بـِ احمرار تحت الابط أو في طيات الذراع أو الفخذ مسحوق الطين خاوة الناعم وهي ترسبات نهرية يقوم مقامها اليوم البودرة الطبية.
وإذا كان فم الطفل (بايخ) أى ملتهب او مصاب بـِ (بطباطات أي يبدو الجلد محمرا وتورم مكان الحرق والشعور بوجع شديد، أو فراكيس أي قرحة الفم التي يعانى منها الكثير، ودائماً ما تكون قرحة الفم صغيرة إلا أنها مؤلمة ويسيل اللعاب من فمه)، تصف جدتي أن تشتري ام الطفل (الفروك) مادة عطاريه توضع فوق الالم، وهو مجموعة من مواد عشبية وطبيعية ، يعرف العطار كمياتها، تسخن وتطحن ثم تنخل جيدا وتحتوي على (شب ،عفص،قشور رمان، جاثه هندي ، طين ارملي).
اما حكايتنا لهذا اليوم تقول جدتي:كان يا مكان في قديم الزمان ،كان هناك فلاح يعيش مع زوجته، وكان الفلاح غريب الاطوار، حيث كان يضرب زوجته حتى لمجرد سببٍ بسيط، ثم يعتذر بعد ذلك ويقدم لها الزهور من اجل ارضاءها، وكانت زوجته المسكينة تبحث عن وسيلةٍ تخلصهُ من هذه العادة.
وفي يوم من الايام رأت زوجة الفلاح احد ضباط الملك في الطريق عندما كانت ذاهبةً الى السوق ، حيث كان الضابط في العربة وعلى عجلةٍ من امرهِ ، فقال لها الضابط: الملك بحاجةٍ الى طبيبٍ ماهر، هل يوجد بالقرب من هنا طبيب؟ هل تعرفين طبيباً جيداً؟ لقد ابتلعت ابنتهُ عظمَ سمك .
فكرت زوجة الفلاح وقالت لنفسها: هذه فرصةٌ لمعاقبة زوجي.
ثم قالت للضابط: زوجي طبيبٌ بارع، وإخراج عظم السمك امرٌ سهلٌ بالنسبة لهُ ولكن، سكتت الزوجة.
فقال الضابط: لكن ماذا؟
قالت الزوجة:انهُ كسول ولا شيء يغريه لتطبيب المرضى، وإذا اردته ان يعالج مريضاً عليك بضربهِ ضرباً شديداً بالعصا.فتعجب الضابط وقال: ضربهُ بالعصا .
قالت الزوجة: نعم، اذا فعلت ذلك عندئذٍ سيعالج الاميرة ويشفيها.
ضحك الضابط وقال: يالهُ من رجلٍ غريب، حسنأً، سنضربهُ بالعصا .
فرحت الزوجة وضحكت، وهكذا اخذ الضابط السعيد الفلاحَ الى القلعة، وكان الفلاح خائفاً جداً.
سأل الملك الفلاح: هل حقاً تستطيع ان تشفي ابنتي من مرضها؟
أجاب الفلاح وهو مرتبك: انا ،كلا، انا لستُ طبيباً، انا فلاح بسيط ولا اعرفُ شيئاً في الطب صدقني يا سيدي.
سأل الملك:ايها الضابط هذا الرجل يقول انهُ ليس طبيباً، هل هذا صحيح؟
أجاب الضابط: سمعتهُ يا سيدي، وسيعترف بعد قليل، ارجوك ان تنتظر. ثم امر الضابط الحراسَ ان يأخذوه.
سأل الفلاح: ما الذي تريد ان تفعلهُ بي؟
قال الضابط: اسمع جيداً اعلمُ انك طبيب، واعلمُ انك كسول، من الافضل لك ان تعالج الاميرة.
قال الفلاح: انا فلاح ولا استطيعُ شفاءها.
أمر الضابط الحراسَ بضربهِ، ضربوا الفلاح ضرباً مبرحاً، معتقدين انهُ طبيب كسول.
سأل الملك: والآن هل انتَ الطبيب الذي سيعالج ابنتي؟ هيا اخبرني .
أجاب الفلاح وهو متعبٌ من الضرب: انا فلاح.
ثم سال الملك الضابط: ايها الضابط هل هذا الرجل طبيب ام لا؟
فقال الضابط للحراس: اضربوه مرة ثانية، ولم ينفع الفلاح توسلهُ وبكاءهُ، لذلك وافق اخيراً وقال: حسناً انا طبيب ،طبيب، وسأخرجُ العظمَ ، نعم طبيب، وهكذا اقتيدَ الفلاح الى الاميرة، ومنذُ ان علقَ العظمُ في حلق الاميرة ، وهي لا تستطيع ان تتناول الطعام ، فهَزُل جسمها وضعفت.
قال الضابط: هذه هي الاميرة ، يجب ان تخرج العظم بأسرع وقت ،مفهوم؟ فكر الفلاح وقال لنفسه: لا سبيل امامي يجب ان اخرج العظم من حلق الاميرة وإلا ! ثم قال الفلاح للأميرة : والآن يا اميرتي ارجو ان تفتحي فمكي الكريم  فتحت الاميرة فمها ، وكان العظم قد دخل بعمق ، بحيث لا يستطيع الفلاح ان يصل اليه بيديه.
قال الفلاح لنفسه: السبيل الوحيد لإخراج العظم ، هو هبوب ريح قويه من داخل رئة الاميرة، فكر الفلاح وأخيرا توصل الى الحل وهو لابد ان تعطس الاميرة. ثم احضرَ ريشة وبدأ يحركها بالقرب من انف الاميرة.
فقالت الاميرة : ماذا تفعل؟ انتَ غريبٌ فعلاً انتَ مُضحك، ما هذا؟ ضحكت الاميرة بقوة ،وخرج العظم، وبجهدٍ بسيط استطاع الفلاح ان يشفي الاميرة، قال الملك: لقد اخرجتَ العظم، يا لك من طبيبٍ ماهر ثم اعطاه الكثير من الذهب، وفي اليوم التالي قررَ الفلاح مغادرة القصر حاملاً كيساً مليئا بالقطع الذهبية، وأثناء مغادرته وجدَ الضابط امامهُ، قال الضابط : انتظر ، ثم اخذه الى احد غرف القصر وإذا بالغرفة مليئة بالناس، وقال له : ارجو ان تعالج هؤلاء الناس قبل عودتك، ارجوك انهم مرضى. حيث حالما سمعَ الناس بالطبيب البارع ، تجمهروا امام القصر طالبين منه ان يشفيهم،وإذا رفض الفلاح طلب الضابط، فسوف يضرب ضرباً مبرحاً بالعصا، لاسيما وعدد المرضى كبيرٌ هذه المرة.
فقال احد المرضى: دكتور عندي الامٌ في العظام،لا استطيع السير ، ارجوك عالجني يا دكتور ارجوك.
وقال أخر رأسي يؤلمني ايها الطبيب ، ولا استطيع الرؤية جيداً.
واخذ الناس يتوسلون الى الطبيب ، وكل واحدٍ منهم يرغبُ بأن يكون المريض الاول الذي يُعالجُ من قبل هذا الطبيب.واخذوا يتدافعون ويصرخون.
وفكر الفلاح بفكرة رائعة ليخلص نفسهُ وقال:
حسنأً ، سوف أعالج امراضكم جميعاً بوصفةٍ طبيةٍ واحدة،اريد منكم ان تحرقوا مريضاً لا املَ في شفاءهِ في ذلكَ الفرن، لان مدونٌ في كتب الطب بأن الرماد دواءٌ جيدٌ ومفيد لجميع الامراض البدنية، ويؤسفني امرُ المريض الذي سيُحرق ولكن لابد من التضحية في سبيل انقاذ كل هؤلاء المرضى المساكين،ما رأيكم؟
من منكم سيضحي في سبيل الاخرين؟ انتَ؟ (وكان الفلاح مشيراً الى المريض الذي لا يستطيع السير).
فقال المريض : أنا كلا لقد شفيت ، انظر لقد تحسنتُ كثيراً ،عظامي سليمة، استطيع المشي، نعم لقد شفيت الى اللقاء.
وخرج المريض يركض بسرعة، ثم قال الفلاح وهو يشير الى المريض الذي يشتكي من رأسهُ: اذن انتَ ايها العجوز.
فقال المريض: انا لقد تحسن رأسي وأستطيع الرؤية جيداً، انا بخير، نعم انا بخير، وداعاً.
ثم خرج هذا المريض ايضاً خوفاً من الحرق في الفرن، هربَ جميع المرضى مدعين سلامةَ ابدانهم.
قال الملك للضابط: لقد شفيَ كلُ هؤلاء الناس، انهُ طبيبٌ بارع، ضاعف لهُ المكافأة.
قال الضابط: امركَ سيدي.
وهكذا عاد الفلاح الى قريتهِ سعيداً وبحوزتهِ كميةٌ من النقود الذهبية.
اما زوجتهُ فقد قلقت عليه ولم تستطع النوم، وعندما رأتهُ عائداٌ، فرحت كثيراً.
وفرِحَ الاثنان فرحاً شديداً، ومن يومها لم يضرب الفلاح زوجتهُ الطيبة وعاشا بعد ذلك عيشةً سعيدة.

49
من حكاية جدتي ...الثالثة والخمسين
فلاح داهية في الذكاء
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي قبل البدء بحكايتها اليومية:ان في احد الايام وقعت سليمة باشا في مأزق، فكيف أثبتت سليمة هويتها للچرغچي (الحارس الليلي)؟وأن هذه الطرفة سمعتها من والدها يرويها في احدى الامسيات:في احدى الليالي كان (الباسوانچي) أو الچرغچي عباس صالح، الذي كان يتولى الحراسة ليلاً في محلة کنکچية، حيث يقع قصر سليمة باشا ضمن حراسته، وكانت نوبته في الحراسة بعد منتصف الليل، وكان هناك رجل كبير السن يدعى أبو نسيم يخرج مبكراً من الكنيس اليهودي (معبد الصلاة) في تلك المحلة ويمر ببيوت اليهود ويناديهم بأسمائهم واحداً واحداً (شاؤول، خضوري، أنور، أبو منشي، لاوي)، اقعد ويستدير إلى الجانب الآخر من المحلة) لينادي أسماء أخرى (حسقيل، أبو الياهو، شوميل، ساسون، موشي، زعرور)، اقعد (صلاة الصبح مليحة، ومليح من يصلي الصبح).
وكان يعرفه جيداً إلا انه استغرب تلك الليلة، عندما شاهد خروج امرأة من قصر سليمة في هذا الوقت المتأخر، لتمشي خلف (أبو نسيم) وقد ارتبكت عندما رأته، فأسرعت بخطواتها عندها أثارت شكوكه، وزادته شكاً فخامة ملبسها، فلاحقها ثم اطلقت صفرة قوية من صفارته، وطلب منها ان تقف لحظتها، هرب أبو نسيم وتوقفت المرأة مرعوبة، وحين اقترب منها اخبرته أنها سليمة مراد المطربة، ولم يكن قد رآها من قبل، لكنه سمع في الراديو صوتها مراراً فطالبها بإظهار دفتر النفوس، وسألها: إلى أين تمضين في مثل هذه الساعة؟ فقالت له: أنها لا تحمل دفتر نفوسها وإنها ذاهبة لوداع قريبة لها تحتضر، وانه يمكنه مرافقتها إلى دار تلك القريبة، والتأكد من صحة كلامها فقال لها: انني لا أستطيع مغادرة منطقتي المسئول عنها، عندها التفتت نحوه وقالت: اسمع اذن واندفعت تغني يا صياد السمك صيدلي بنية فتذكر صوتها في الاذاعة واعتذر منها.
تروي جدتي حكايتنا لهذه الليلة تقول: كان في قرية قريبة من البحر يعيش فيها فلاح مع زوجته، طبعا كونه فلاح فهو يعتبر تحت خط الفقر، قرر الفلاح مع زوجته ان يعملا كم عملية نصب وإحتيال، للحصول على بعض المال وكان الفلاح داهية في ذكائه، لكن مشكلته انه كان متسرعاً قليلا، فقرر ان يشتري حمار من احد الاصدقاء مع دفع قيمة الحمار بالأجل، قام الفلاح وحشى فم الحمار بقطع من النقود الحديديه، وقام يتمشى بالحمار بالسوق وكلما فتح الحمار فمه تخرج النقود من فمه ! فرآه بعض التجار بالسوق فسألوه ما الذي يجري لحمارك ؟ فقال: بكل هدوء وثقة انه كما ترون، انه يخرج النقود من فمه أما في السابق كانت كمية النقود اكثر بكثير، ولكن بعدما هرم الحمار قلت كمية النقود ! سأل احد التجار: اتبيع الحمار؟ أجابه: انه مصدر رزقي وسيكلفك الكثير، سأل: التاجر سوف ادفع ما تطلب، أجاب الفلاح ب الف دينار ذهب، فوافق التاجر، ودفع المبلغ وأخذ الحمار. وذهب الفلاح الى بيته وقال لزوجته لقد بعت الحمار، ولكن المشكلة ان من اشترى الحمار سوف يكتشف الخدعة فما العمل؟
قرر الفلاح مع زوجته عمل خدعة جديدة، أما الحمار فقد مات عند التاجر بعد ان اشتراه بيوم واحد! فأخبر التاجر اصدقائه بالقصة مع صاحب الحمار، فقالوا له :انه نصاب ويجب ان ينال جزائه، فذهبوا الى بيت الفلاح فخرجت زوجت وسألت: ما المشكلة ؟
أجاب احدهم: نريد زوجكِ في الحال فقالت الزوجة: انه ذهب الى البلد المجاور، وإذا كنتم تريدونه بأمر هام فسأستدعيه بالحال فقالوا: كيف ؟ قالت لهم:ان عندي كلب وفي كلما احتجت الى زوجي بأمر هام، فإنه يذهب الى زوجي ويخبره فيعود زوجي، فضحك الرجال وقالوا :هذا امر عجيب فأرينا ما انتي صانعة، ففكت الزوجة حبل الكلب وفر الكلب هاربا الى جهة غير معلومة، وما هي إلا دقائق عاد الزوج مع كلب آخر مشابهة شكل الكلب السابق وقال لزوجته خير يا زوجتي العزيزة
قالت : هؤلاء القوم يريدونك بأمر هام .
قال التاجر: نعم انا اتيت اليك لكي اشتري هذا الكلب العجيب! فقال له الفلاح ان ثمنه غالي جدا فهو بمثابة ناقل الرسائل للحالات الطارئة.
قال التاجر:سأدفع لك ما تريد: قال الفلاح: ثمنه ثلاثة آلاف دينار ذهب ،وافق التاجر بدون تردد.
قالت الزوجة: نحن في ورطة ثانية سيكتشف التاجر الخدعة ، قال الزوج:لا عليك.
ذهب التاجر الى البيت وهو سعيد بالكلب، فأخبر زوجته بأمر الكلب فقالت زوجة التاجر: فلنجربه، فكا وثاقه فهرب الكلب وعلم التاجر انه وقع في عملية نصب كبيرة، غضب غضبا شديدا وذهب هو مع اثنان من اصدقائه الى الفلاح، طرقوا الباب فتحت زوجة الفلاح الباب قالوا لها: اين زوجك؟ قالت سيعود في الحال وبعد انتظار نصف ساعة حضر الزوج.
قال لزوجته : إلا  تضيفين الرجال فقالت الزوجه هؤلاء ضيوفك فقم واعمل الواجب.
فغضب الفلاح وأخرج سكينا من جيبه وطعن زوجته وأخذت الدماء تسيل من زوجة الفلاح، طبعا هذه خدعه جديدة، قال أحد الرجال: هل انت مجنون تقتل زوجتك لأنها لم تعد الشاي؟ فقال هي كذلك كلما نرفزتني اقتلها ! قال احد التجار:وهل قتلتها من قبل: قال الفلاح نعم فضحكوا، وقال احد التجار باستغراب لاشك انك مجنون كيف قتلت زوجتك من قبل! فأخرج من جيبه صفارة وأخذ يصفر بها فقامت الزوجة وكأنها لم تقتل فتعجب التاجر!
سأله التاجر: اريد ان اشتري الصفارة ،رد عليها لفلاح: ابيعه  ب 10000 دينار ذهب فوافق التاجر.
ثم غادرا منزل الفلاح هو وأصدقائه: قال له صديقة اريد ان اجرب الصفارة مع زوجتي! فأعطاه التاجر الصفارة وبالفعل قتل الرجل زوجته وأخذ يصفر الليل كله ولكن لا حياة لمن تنادي.
وفي الصباح قال التاجر لصديقه: ما أخبار الصفارة فقال الصديق : انها عجيبة وفعالة (طبعا كان يخشى ان يفتضح امرة) فقال الصديق الآخر: انا سوف استعملها اليوم فوافق التاجر وطبعا المأساه تكررت وأخذ التاجر الصفارة وذهب الى زوجته واختلق معها مشكلة وقتلها، وأخذ الصفارة وأخذ يصفر ولكن للأسف، انتهى الأمر ،
غضب التاجر وذهب الى اصدقائه وأخبرهم بالأمر أن زوجة  ماتت، قال له الأصدقاء! الفلاح نصاب كبير، كلما ذهبنا بأمر خرجنا بأمر آخر، فأخبر التاجر اهل المدينة بالأمر فقرر اهل المدينة الانتقام من الفلاح، ذهبوا الى منزلة، وخرج الفلاح ومعه خدعة جديدة، ولكن قبل ان يتكلم الفلاح قاموا بتقييده ووضعوه في خيشة وذهبوا به الى البحر لكي يرموه بالبحر، وعند الظهر قرروا ان يأخذوا قسطا من الراحة في ظلال الاشجار القريبة، من البحر ، ناموا جميعا، سمع الفلاح صوت اغنام قريبة منه فأخذ يصيح: لا أريد ان اتزوج بنت الملك، لا أريد ان اتزوج بنت الملك! فدفع الراعي الفضول وتقترب من الخيشة وفتحها و يسأله:هل انت مجنون؟ هذه بنت الملك ! أجاب الفلاح: إن كنت انت تريد ذلك، فك قيدي وادخل الكيس وأنا سوف احرس اغنامك الى ان تعود، ففرح الراعي بالأمر وبالفعل دخل الراعي الكيس، وعند العصر ذهب اهل المدينة بالكيس الى البحر وألقوه و عادوا الى المدينة.
في اليوم الثاني وجدوا الفلاح، ومعه الكثير من الاغنام (ثلاثمائة رأس من الغنم) فتعجبوا للأمر ! وقالوا له: ما الذي حدث ومن اين لك هذه الأغنام؟ فقال لهم: لقد رميتموني في البحر ولكن كنت قريبا من الشاطئ فأعطتني حورية البحر هذه الأغنام ! ولكن لو كنتم رميتموني ابعد لكنت حصلت على اغنام اكثر ! فقال له اهل المدينة: إذا ذهبنا الى البحر فسنحصل على أغنام وأنعام فقال الفلاح: نعم وحاولوا ان تبتعدوا لكي تحصلوا على اغنام اكثر ، وبالفعل ذهب كل اهل المدينة الى البحر وانتحروا وهم لا يعلمون انهم وقعوا في كيد نصاب محترف ! اما الفلاح فهاجر الي مدينة اخرى وعاش بها حياة سعيدة.

50
من حكايات جدتي الثانية والخمسين
لغز أثقل الثقيل
بدري نوئيل يوسف
تروي لنا جدتي حكاية قصيرة حدثت في يوم من الايام، إنه سطى أحد اللصوص على احد البیوت في محلة من المحلات، في لیلة من لیالي الصیف التي ينام فيها الناس فوق السطوح، واستيقظ أهل البیت على صوت وحرکة داخل البیت بالصياح، مستنجدين بالجیران حرامي .. حرامي .. حرامي .. وهنا استيقظ الجيران وأطلوا من سطوحهم على الطريق لیشاهدوا الحرامي وهو یرکض مذعوراً، فبدأت النساء والأطفال بالصراخ والعیاط والولولة .. یبو .. یبو .. یبو حرامي،سليمة تكرفك على هل الدكه الكشرة، نزول نزلك.
وفي هذه الاثناء تناول احد الجیران تنگة من على التيغة وقذف بها الحرامي، وعندما أخطأته أحدثت صوتاً عاليا بارتطامها بالأرض کصوت المفرقعات، فما کان من الحرامي إلا ان یلتفت صوب الشخص الذي رماه بالتنگة، (وجابه بزيك قوي) (صوت اصدره من شفتيه)، فعندما سمع أهل الدربونة ذلك الصوت، تحول صیاحهم وعیاطهم الى ضحك في وسط الليل، الامر الذي جلب انتباه الچرغچي الذي كان قريبا منهم، ولحق الحرامي والقى القبض عليه وهو يضربه ضرباً موجعاً بحزامه، ثم ويقوده الى القوللغ ویشفي غلیل الناس الذين نهضوا وفزوا مخروعين من نومهم تلك اللیلة .
في هذه الليلة حدثتنا جدتي عن حكاية (لغز أثقل الثقيل) تقول :كان في قديم الزمان أمير قبيلة مشهورة بين القبائل، ولها مكانتها وقدرها بين العربان، وكان الأمير شاباً وسيماً شهما وكريماً، ولم يتزوج بعد، في يوم من الأيام بينما كان يتمشى الأمير بين المضارب شاهد فتاة جميلة قامتها ممشوقة عيناها ساحرتين، فأحبها من أول نظرة وملكت عليه قلبه، فسأل عنها وعن أهلها وقبيلتها، وإذ هي بنت شيخ قبيلة (الهفتان) وهي قبيلة وضيعة بين القبائل، ليس لها شأن بين العربان، لكنه أحبها وصمّم أن يخطبها ويتزوجها مهما كلّف الأمر.
في بداية الأمر تضايق الأمير، وتردّد قليلاً في الخطبة لكن حب الفتاة تغلّب على تردّده وحيرته، وحزم أمره وشكل وفداً من كبار وجهاء القبيلة، وذهب إلى قبيلة الهفتان ليخطب ابنتهم، ففرح أهل القبيلة وأهل العروس، وطار عقلهم أن يناسبهم هذا الأمير صاحب المقام الكبير بين القبائل، فوافقوا فوراً ويقدموا له الفتاة هدية ما من وراءها عطية. أقام الأمير حفلة عظيمة وذبح الذبائح وعمل الولائم، وعاد إلى دياره بموكب كبير ومعه عروسه إلى أن وصل قبيلته، فجدّد الأفراح ثلاثة أيام، وجد زوجته من أطيب النساء وأحسنها خلقاً، وعندما اختلى بعروسه اشترط عليها شرطاً قاسياً هو ألا تفكّر بأهلها بعد الآن، ولا تذهب لزيارتهم مهما حصل، فوافقت الزوجة إرضاءً لزوجها الأمير وعاشت مسرورة، ووفرت لزوجها السعادة والراحة والاطمئنان، وأنجبت له ثلاثة أولاد من أجمل الصبيان، وسمتهم (صلاح وفلاح ونجاح)، فرعتهم وربتهم أحسن رعاية، فنشئوا على الأخلاق الحميدة والعلم، والحكمة والفهم والشجاعة واشتهروا بين فرسان القبيلة .
في أحد الأيام دخل الأمير على زوجته، فوجدها حزينة مريضة وقد شحب لونها وهزل جسدها، فسألها عن حالها ؟ فقالت له: لقد أطعتك بما تريد يا أمير، وأصبح لي أكثر من عشرين عاماً لم أرى أهلي، وقد سمعت أن والدي مريض وأخشى أن يموت ولا أراه، فأرجو أن تسمح لي بزيارته هذه المرّة فقط لأودّعه الوداع الأخير.
فكّر الأمير قليلاً وقد حنّ قلبه على زوجته، ثم قال لها: سأسمح لك بزيارة والدك، لكن سأحمّلك لغزاً إليه، فإن أجاب عليه تعودين إلى بيتك، وتزورين أهلك متى تشائين، وإن لم يجب عليه تبقين في بيت أهلك، ولا تعودين إلى ديارنا أبداً .
وافقت الزوجة وطلبت منه اللغز، فقال لها: أريد من والدك أن يعرف ما هو أثقل الثقيل ؟ وما هو أخفّ الخفيف ؟ فحملت هذا اللغز وسافرت إلى ديار أهلها .
سمع نجاح أصغر أخوته الحديث الذي دار بين والده وأمه، فخاف على أمه كثيراً وهو يعلم أن جدّه، وقبيلته جميعها لا يعرفون جواب هذا اللغز، فطلب من والده بعد أيام أن يذهب إلى قبيلة أخواله ليعيد أمه إلى ديارهم، فمنعه من ذلك وقال: دع أخوالك يعيدونها. صار نجاح صباح كل يوم يخرج إلى مشارف القبيلة، ليقابل أمه قبل أن تدخل إلى القبيلة إلى أن رآها قادمة ذات يوم مع أخواله، فاستقبلها وسألها: إن أتت بحل اللغز ؟ وما هو ؟ فأجابته: نعم سألت
جدّك، فقال: بسيطة أثقل الثقيل هو الحديد وأخفّ الخفيف هو التبن.
ضحك نجاح وقال: لقد عرفت أن جدّي لن يعرف الجواب الصحيح، لذلك انتظرتك لأراك قبل أن يسألكِ والدي، فإذا سألك والدي عن حل اللغز قولي له: إن أثقل الثقيل هو العفن وأخف الخفيف عشرة الزين، ولا تقولي لأبي أنك قابلتني وتحدّثت معي، ثم تركها وسبقها إلى المضارب .
استقبلها زوجها ورحّب بها ثم أجلسها، وسألها عن حلّ اللغز فأجابته كما علّمها ابنها، فاستغرب الامير جوابها واندهش كيف عرفت هذا الجواب، وهو يعلم يقيناً أن لا أحد من قبيلتها يعرف مثل هذا الجواب، فشكّ في أحد من أولاده وخاصة في نجاح، فسألها إن قابلت أحداً من الأولاد قبل أن تدخل مضارب القبيلة، فأنكرت ذلك .
جلس الامير يفكّر في الأمر وفي طريقة يكتشف فيها الحقيقة، فطلب من أحد رجاله أن يدخل عليه المضارب وهو يصرخ بأعلى صوته: الغوث الغوث وأن الغزو دهم القبيلة وأسروا نجاح، ففعل كما أمره، وعندما سمعت زوجته هذا الكلام طار عقلها ولم تصدّق فصرخت: يا ويلي الآن قابلت نجاح على مشارف القبيلة، وقد سبقني إليها فأين قابله الغزو وكيف أسروه ؟ .
سمع الأمير كلام زوجته، فعرف السر لكنه أسرّه في نفسه، وعند المساء تأخّر نجاح في الحضور إلى مجلس والده خوفاً من بطشه وغضبه بعد أن علم أن أمره افتضح، فأرسل الأمير ولديه لإحضار نجاح فوراً، ذهب صلاح وفلاح ملهوفين لا يعرفون ما السر؟ وأبلغاه طلب والده بالحضور إليه فوراً دون تأخير، وأن والده غاضب والشرر يتطاير من عينيه، وأنه مضطجع والسيف إلى جانبه، فخاف نجاح من بطش والده، وأخبر شقيقيه بالقصة كاملة، وأنه سيرحل في الحال من القبيلة هرباً من عقاب والده، ولما عرف الأخوان حقيقة الأمر قرّرا أن يذهبا معه أيضاً، فأسرجوا الأحصنة وغادروا القبيلة مسرعين، ليبتعدوا عن مضاربهم أكبر مسافة ممكنة قبل أن يكتشف والدهم أمر هروبهم.
افتقدت فرس الأمير زميلاتها في الحظيرة، فأخذت تصهل بشدّة فسمع الأمير صهيلها، فنهض إلى الحظيرة ليتفقدها، فلم يجد أحصنة أولاده، فعرف ما حدث، ركب الأمير مع بعض الفرسان وبدأ بمطاردة أولاده عدة ساعات حتّى لحق بصلاح، فأعطاه الأمان وطلب منه أن يعود إلى القبيلة، وتابع المطاردة حتى لحق بالولد الثاني فلاح، فأعطاه الأمان وأعاده إلى القبيلة، ثم تابع وجدّ السير وراء نجاح حتى لحق به .
كان نجاح قد قطع النهر وجلس على الضفة الأخرى، ليستريح قليلاً عندما لحق به والده، فأراد أن يقطع النهر فأبت فرسه أن تخوض في النهر، فوقف على الضفة المقابلة وصاح بولده: ما دمت خبيراً بحل الألغاز يا نجاح سأسألك ثلاثة أسئلة، فإن أجبت عليها سأعطيك الأمان أنت ووالدتك، وتعود إلى القبيلة، وإن لم تجب عليها تذهب ودمك مهدور، وافق نجاح ووقف أمام والده ليسمع أسئلة والده باهتمام بالغ، وفتح ذهنه وعقله ليجيب بالجواب الصحيح. سأله الأمير السؤال الأول: إن جاءك يا نجاح رجلين ( عفنين ) يتشارعان عندك فكيف تحكم بينهم ؟.
فأجاب نجاح: أعط الاثنين حقهم من جيبي، وأرضهم لأن ( العفنين ) لا يرضون بأي حكم كان.
فقال: صدقت، ثم سأله السؤال الثاني: إن جاءك رجلين واحد ( عفن ) وواحد ( زين ) كيف تحكم بينهم ؟ .
قال: آخذ من حق ( الزين )، وأعطي( العفن ) حتى يرضى، لأن الزين كريم ولا يسأل عن حقه ويتنازل عنه لحل المشكلة، بعكس ( العفن ) .
قال: صدقت. وسأله السؤال الثالث: إن جاءك رجلين ( زينين ) فكيف تحكم بينهم ؟ .
أجاب: يا والدي الزينين لا يختلفون ويحلّون المشكلة فيما بينهم، فلا يحتاجون للشرع .
أعجب الأمير بأجوبة ابنه، وفرح به وقال له: عليك الأمان عد إلى القبيلة وستكون ولي عهدي في مشيخة القبيلة منذ الآن، فعاد الجميع إلى الديار وعاشوا بالفرح والسرور والسعادة والحبور.

51
من حكايات جدتي ...الحادية والخمسين
جمالها كان نقمة عليها... !
بدري نوئيل بوسف
في هذا اليوم عادت جدتي من السوق، وقد اشترت دهن حر تحمله بيدها ملفوف بورقة، والجو بارد جدا وهذا البرد يسمى برد العجوز، وقد ظهر عليها التعب، وبعد ان استراحت قليلا حول المدفئة وأخذت نفسا، قالت:العراقيات في هذا الوقت (أي تقصد الخمسينات من القرن الماضي وما قبلها)، حينما يذهبن للسوق فهن يشترين من عند العطار الدهن والمعجون ويتم وضعه فوق گاغد (ورق) وتحمله المرأة بيدها ولا تضعه بالزنبيل كي لا يختلط بالمسواگ واقل كميه كان ممكن شراؤها هي الست دراهم اي ليس الدهن الذي يقابل قيمته أي سعره ست دراهم، بل ما يعادل وزنه ست قطع نقدية قيمتها درهم، يكون حيث وزن الدهن نصف الربع للكيلوغرام اي مائة وخمسة وعشرون غرام. للعلم الدرهم يساوي خمسون فلسا والدينار الف فلس.
عند المساء حدثنا جدتي عن برد العجوز، ويطلق على موجة باردة تأتي مع نهاية فصل الشتاء، ومطلع فصل الربيع وعدد أيامها سبعة أيام فقط، تكون اربعة أيام أواخر شباط وثلاثة أيام أوائل اذار، قبل هذا البرد  يسبقه عادة ارتفاع في درجة الحرارة يكون (خادعاً)، فيظن البعض أن البرد قد انصرف إلا أنه يعاود هجمته مجدداً مصحوباً برياح شماليه، أو شماليه شرقيه محملة بالغبار والأتربة وبعض الاحيان بالمطر، وهذا الطقس يؤثر خاصة على الأطفال وكبار السن وفي نهايته تسود الرياح الجنوبية أو الجنوبية الشرقية الدافئة، ثم تعقبها نسمات الربيع فتنشط الحشرات، وتكثر أمراض الحساسية بأنواعها، ويشار إلى أن سبب تسمية هذه الفترة بـ (برد العجوز)، ما قيل إنه كانت هناك عجوزاً أحست بالدفء فجزت صوف غنمها، ثم رجع البرد، مما أدى لنفوق كل الأغنام، وقيل لأن برده يؤثر على كبار السن والعجائز دون الفتيان، وقيل لأنه يأتي في عجز الشتاء أي آخره والعامة تسميها العجوز، وقيل إن سبب التسمية يرجع لعجوز عند العرب تكهنت بعودة الشتاء لأيام قلائل، أي أنه كانت هناك عجوز كاهنة من العرب تخبر قومها ببرد سيقع أواخر فصل الشتاء، سيتلف ماشيتهم، ولكن أبناء قومها لم يصدقوها، فحدث ما حذرتهم منه فعلاً، ونفقت الماشية وغيرها، وسميت الأيام المذكورة نسبة لها (أيام العجائز)، وكذلك يوجد مقوله معروفه ايضا تتعلق بهذه المناسبة ولكن بشرط ان يتبع هذا البرد اي في اليوم السابع زخات مطر قويه يقولون عنها: (غسلت شيبتها العجوز).
نعود لقصتنا اليومية: يحكى أن رجلا تزوج امرأة آية في الجمال، فأحبها وأحبته وكانت نعم الزوجة لنعم الرجل، ومع مرور الأيام اضطر الزوج للسفر طلبا للرزق، وقبل أن يسافر أراد أن يضع امرأته في أيدٍ أمينة لأنه خاف من جلوسها وحدها في البيت فهي امرأة لا حول لها ولا قوة، فلم يجد غير أخ له من أمه وأبيه، فذهب إليه وأوصاه على زوجته وسافر ومرت الأيام، وخان هذا الأخ أخيه فراود الزوجة عن نفسها إلا أن الزوجة أبت أن تهتك عرضها وتخون زوجها فهددها أخو الزوج بالفضيحة إن لم تطيعه، فقالت له: افعل ما شئت، فإن معي ربي وعندما عاد الرجل من سفره قال له أخوه على الفور: أن امرأتك راودتني عن نفسي وأرادت خيانتك إلا أنني لم أجبها، فطلقها الزوج من غير أن يتريث ولم يستمع للمرأة وإنما صدق أخاه فانطلقت المرأة، لا ملجأ لها ولا مأوى، وفي طريقها مرت على بيت رجل عابد زاهد طرقت عليه الباب، وحكت له الحكاية، فصدقها وطلب منها أن تعمل عنده على رعاية ابنه الصغير مقابل أجر، فوافقت وفي يوم من الأيام خرج هذا العابد من المنزل، فأتى الخادم وراود المرأة عن نفسها، إلا أنها أبت فهددها الخادم بأنه سينال منها إذا لم تجبه، إلا أنها ظلت على صمودها فقام الخادم بقتل الطفل وعندما رجع العابد للمنزل قال له الخادم بأن المرأة قتلت ابنه، فغضب العابد غضبا شديدا، إلا أنه عفى عنها، وأعطاها دينارين كأجر لها، على خدمتها له في هذه المدة وأمرها بأن تخرج من المنزل، خرجت المرأة من بيت العابد وتوجهت للمدينة فرأت عددا من الرجال يضربون رجلا، فاقتربت منهم وسألت أحدهم: لمَ تضربونه ؟ فأجابها بأن هذا الرجل عليه دين فإما أن يؤديه وإما أن يكون عبدا عندهم، فسألته: وكم دينه ؟ فقال لها: إن عليه ديناران، فقالت: إذن أنا سأسدد دينه عنه، فدفعت الدينارين وأعتقت هذا الرجل فسألها الرجل الذي أعتقته: من أنت؟ روت له حكايتها فطلب منها أن يرافقها ويعملا معا ويقتسما الربح بينهما فوافقت، فقال لها: إذن فلنركب البحر ونترك هذه القرية السيئة، فوافقت وعندما وصلا للسفينة أمرها بأن تركب أولا، ثم ذهب لربان السفينة وقال لها أن هذه جاريته وهو يريد أن يبيعها، فاشتراها الربان وقبض الرجل الثمن وهرب، تحركت السفينة بحثت المرأة عن الرجل فلم تجده ورأت البحارة يتحلقون حولها ويراودونها عن نفسها فتعجبت من هذا الفعل، فأخبرها الربان بأنه قد اشتراها من سيدها ويجب أن تطيع أوامره الآن فأبت أن تعصي ربها وتهتك عرضها وهم على هذا الحال، إذ هبت عليهم عاصفة قوية أغرقت السفينة فلم ينجو من السفينة إلا هذه المرأة الصابرة ،وغرق كل البحارة، وكان حاكم المدينة في نزهة على شاطئ البحر في ذلك اليوم ورأى هبوب العاصفة مع أن الوقت ليس وقت عواصف، ثم رأى المرأة طافية على لوح من بقايا السفينة فأمر الحرس بإحضارها الى القصر ، أمر الحكم طبيبه بالاعتناء بها وعندما أفاقت، سألها عن حكايتها فأخبرته بالحكاية كاملة، منذ خيانة أخو زوجها إلى خيانة الرجل الذي أعتقته فأعجب بها الحاكم وصبرها وتزوجها، وكان يستشيرها في كل أمره فلقد كانت راجحة العقل سديدة الرأي وذاع صيتها في البلاد ومرت الأيام، وتوفي الحاكم الطيب واجتمع أعيان البلد لتعيين حاكم بدلا عن الميت، فاستقر رأيهم على هذه الزوجة الفطنة العاقلة فنصبوها حاكمة عليهم، فأمرت بوضع كرسي لها في الساحة العامة في البلد، وأمرت بجمع كل رجال المدينة وعرضهم عليها وبدأ الرجال يمرون من أمامها، فرأت زوجها فطلبت منه أن يتنحى جانبا، ثم رأت أخو زوجها فطلبت منه أن يقف بجانب أخيه، ثم رأت العابد فطلبت منه الوقوف بجانبهم، ثم رأت الخادم فطلبت منه الوقوف معهم، ثم رأت الرجل الخبيث الذي أعتقته فطلبت منه الوقوف معهم، ثم قالت لزوجها لقد خدعك أخوك فأنت بريء، أما هو فسيجلد لأنه قذفني بالباطل ثم قالت للعابد لقد خدعك خادمك فأنت بريء، أما هو فسيقتل لأنه قتل ابنك، ثم قالت للرجل الخبيث أما أنت فستحبس نتيجة خيانتك وبيعك لامرأة أنقذتك.
( كنا عدكم وجينا لو كان عندي حمل زبيب لوزعته على المستمعين).

52
من حكايات جدتي ... الخمسون
اشتغل في صنعة أبيك
بدري نوئيل يوسف
في هذا اليوم حاولنا أن نصنع لنا فرارات ولم تنجح تجربنا وخسرنا الورق اللامع والعيدان، والفرارات تصنع من ورق ملون مربع الشكل تقص رؤوسها إلى مسافة مناسبة، ثم تثقب الورقة من وسطها ويقوى الثقب بقطعة مقوى صغيرة مثقوبة أيضا من وسطها، ثم يلصق عدد الرؤوس الجديدة على قطعة الورق المقوى، وتترك الرؤوس الأخرى سائبة، على أن تكون بين رأس وأخر يلصق رأس ويترك الثاني بالتتالي، يمرر في الثقبين عود من جريد النخل الجاف بعد تنظيفه من شوائبه، وتكون نهايته مدببة ليمسك بها الطفل حينما يواجه بها الهواء وهي تدور بيده، واغلب أطفال المحلة كان اهلهم يصنعونها لأطفالهم، وحين يقتنون الفرارة يرفعونها عاليا ويركضون مسرعين في الازقة فرحين بدورانها. لكن جدتي تدخلت بعدما فشلنا في صنع الفرارة وقالت: جمعت كمية من الصمون والخبز اليابس (الغير معفن) الذي سيقوم بائع الفرارات بأخذه مقابل اعطائكم فرارات، وبدوره يبيعه لبائع الحلويات وخاصة صانعي الزلابيا رخيصة السعر، ويقوم الحلواني بدق الخبز والصمون اليابس وخلطه مع الطحين الذي تصنع منه الزلابيا، أو عمل جريش بعد خلطه مع السكر ووضعه تحت قوالب الزلابيا لتكون فاصلة بين الصينية والزلابية، وهكذا بائع الفرارات يحصل على ربح زهيد يحصله جراء ذلك ويوفر له القوت اليومي لإفراد أسرته، وبائع الفرارات رجل بسيط يحمل بيده مجموعة من الفرارات الملونة بالألوان البراقة ويتجول في الأزقة والأحياء ليبيعها للأطفال الذين يستأنسون بها. البائع يصنعها بيده بعد أن يوفر المواد اللازمة لصناعاتها والتي لا تتعدى الورق اللامع (والشريز) وقطع من العيدان يساعده بذلك أفراد أسرته ليحملها في اليوم الثاني على كتفه مثبتة على حاملة وهو ينادي بأعلى صوته (فرارات ،فرارات ، شندل مندل ، فرارات ) دون إن يفهم اطفال الازقة المغزى من كلماته، وهذا الصوت الجهوري يجتذب إليه اطفال المحلة ويتبعونه لشراء أو مقايضة فراراتهم المصنوعة من ورق (الزرق ورق) بالخبز اليابس،
أولادي: انتظروا قدومه وستحصلون على الفرارات غدا.
أما حكايتنا لهذه الليلة، يُحكى أنه كان هناك شابّ زاهد متعبّد يرتدي ثياب الزاهدين، من ثوبٍ أبيض وعمامة خضراء وغيرها، وكان هذا الشاب هو الذي يعيل أمه وإخوانه بعد وفاة والده، وفي ذات يوم ضاقت في وجهه سبل العيش ولم يجد عملاً، أو أي شيء يرتزق منه، وكان يتمشّى في أحد الأيام في سوق البلدة والحزن يخيّم عليه وعلامات اليأس والقنوط ترتسم على وجهه، فرآه شخصٌ من معارفه، وسأله ما الذي بك يا فلان ؟ أراك على غير وضعك الطبيعي، فأخبره عن حاله وعن الوضع الماديّ الصعب الذي يعيش، فقال له: أعمل يا أخي في صنعة أبيك وتوكّل على الله .
ولما كان الشابّ لا يعرف ما هي صنعة أبيه لأن والده مات وهو صغير توجّه إلى أمه وسألها قائلاً: ماذا كان أبي يعمل يا أمي، وما هي صنعته ؟ فتغيّر وجه الأمّ وأصابها شيء من الوجوم وقالت بشيءٍ من عدم المبالاة : كان أبوك يعمل في التجارة يشتري ويبيع ويربح ويرتزق من ذلك، غير أن الشابّ لم يقتنع بهذا الكلام فقال لأمه: والله إن لم تخبريني عن صنعة أبي لأترك هذا البيت ولن أعود إليه مرة أخرى. ولما رأت الأمّ الإصرار في نبرات ابنها وفي نظرات عينيه، وأيقنت أنه يعني ما يقول تنهدت وهي تقول: وماذا كان يصنع أبوك يا أبني؟ كان لصاً يحمل عَتَلَةً وهي عمود من الحديد له رأس عريض يستعمله البنَّاءُ ويُهدم به الحائط، ونَبُّوتَاً وهي العصا الغليظة المستوية وهذه أدوات صنعته، فيفتح أبواب الناس خلسة في الليل بالعتلة، ويضرب بالنبوت من يجيء في وجهه من الناس، لقد قضى أبوك أكثر أيام حياته هائماً على وجهه في الجبال مطارداً من الناس ومن الحكومة، وقضى بقيّة أيامه في السجون، وكنت لا أراه في السنة إلا لأيام قليلة، وصدّقني إني كنت أتمنى له الموت حتى يريحني ويريح نفسه، وسكتت الأم بعد أن أفرغت ما لديها من كلام طالما كتمته ولم تُصرّح به، ولكن دمعات خفيفة ملئت مقلتيها .
أما الشابّ فذهب إلى السوق وأشترى عتلة ونبوتاً، وقرّر أن يشتغل في صنعة أبيه، بعد منتصف الليل سار لوحده يحمل أدواته المذكورة حتى وصل إلى قرية مجاورة، وكان الظلام حالكاً والليلة غير مُقمرة مما يُسهِّل مثل هذه الأعمال، وتوجّه إلى أول بيتٍ صادفه في طرف البلدة، وبالعتلة الحديدية فتح الباب الخشبي بخفة ورشاقة دون أن يُحدث صوتاً أو ضجّة، ونظر داخل الغرفة وإذا برجل وامرأة نائمان فوق سريرهما، فأغلق الباب وقال: أعوذ بالله من أعمال الشيطان، وأخذ يلوم نفسه ويقول: من أعطاني الحقّ في فتح بيوت الناس وكشف أسرارهم وعوراتهم، ثم ترك الغرفة وذهب للبيت المجاور، وبخفة ورشاقة فعل به كما فعل بالبيت الأول، وإذا بفتاة وحيدة تنام فوق سريرها، فتعوّذ بالله من الشيطان مرة أخرى وأغلق الباب، وقال لنفسه: إنّ هذه الأعمال التي أقوم به هي أعمال لا يرضاها الله، فترك هذا البيت وسار نحو البيت الذي يجاوره، وفتح بابه بعتلته كما فتح سابِقَيه ونظر داخله وإذا به يرى بضعة جِرَار، فقال الآن أصبح الوضع أحسن مما كان عليه في الأوّل، ثم دخل وفتح جرّةً من هذه الجرار وإذا مليئة بالقطع الذهبية والنقديّة، وفتح بقية الجرار، ونظر داخلها مثل الجرّة الأولى، فقال لنفسه: إن هذا المال له أصحاب ادَّخروه ووفّروه وتعبوا من أجله، فمن أعطاني الحقّ في سرقته، والله لن أسرقه ولكنني سآخذ منه الزكاة، سأقسمه وآخذ منه العُشْر، فأشعل سراجاً كان هناك وأفرغ واحدة من هذه الجرار، وبدأ يعدّ ويخرج تسعة قطع ويضعها في ناحية، ويضع قطعة واحدة في ناحية أخرى، وهكذا وهو على هذه الحالة يعدّ تسعة هنا وواحدة هناك أذَّنَ مؤذّن البلدة لصلاة الفجر، فترك العدّ وفَرَشَ عباءته وأخذ يصلّي الفجر، ومرّ الناس إلى المسجد فرأوا البيت مفتوحاً والسراج مضيئاً فتنافروا وأتوا بهراواتهم وعصيهم، وتحلّقوا حول الرجل، ولكن عندما رأوه يصلّي تركوه حتى يكمل صلاته، وبعد أن فرغ من الصلاة أحاطوا به وقالوا له: ما الذي تعمله هنا؟ وكيف تفتح بيوت الناس وتأخذ أموالهم؟ وما الذي تعمله في هذا المال حتى جعلته قسمان: فقال لهم: أتركوني وسأخبركم بالحقيقة، ثم سرد عليهم قصته بكاملها، فقال أحدهم وكان أكثر الناس لغطاً: أما البيت الأوّل الذي فتحته ورأيت به الرجل والمرأة وسترتهم وأغلقت عليهم الباب، فهذا بيتي والرجل الذي رأيته هو أنا والمرأة زوجتي، أما البيت الثاني الذي فتحته ورأيت به الفتاة وسترتها وأغلقت عليها الباب فهذا بيتي أيضاً والفتاة هي ابنتي الوحيدة، أما البيت الثالث الذي به المال وهو هذا البيت، والذي لم ترضَ أن تسرق منه المال بل اكتفيت منه بالزكاة فهو بيتي أيضاً وهذا مالي، ولأنك شابّ مؤمن وتقيّ فقد زوجتك ابنتي الوحيدة التي رأيتها وقاسمتك في مالي هذا الذي بين يديك، وأعطيتك بيتاً من هذه البيوت تعيش فيه مع زوجتك، فخرَّ الشابُّ راكعاً لله يشكره ويحمد فضله، على أن هداه وأبعد عنه إغواء الشيطان، ثم ذهب إلى بلده وأتى بأمه وإخوانه ليعيشوا معه في هذا العزّ الذي لم يكن يحلم به
وهكذا نرى مدى تأثير الإيمان على النفوس، وعلى الأخلاق السامية النبيلة، وكيف تقود الإنسان إلى عمل الخير ونبذ الشر والفساد.
 

53
من حكايات جدتي ... التاسعة والأربعين
الفلاح و الفأر
بدري نوئيل يوسف
في احدى الامسيات سئلنا جدتي إذا كانت تعرف قصة ليلى والذئب قالت: نعم اعرفها، طلبنا منها ان تحكي لنا الحكاية، قصة ليلى والذئب تعدّ من القصص الخرافيّة من تأليف الكاتب الفرنسي شارل بيرو، ونالت هذه القصّة شهرةً كبيرةً، حيث إنها تتحدّث عن فتاة تُدعى ليلى (ذات القبعة الحمراء)التقت مع ذئب في غابة.
بدأت جدتي تحكي الحكاية، قالت:ليلى فتاة صغيرة جميلة ونشيطة، تطيع أمها في كل ما تطلبه منها، لذلك فأمها تحبها كثيراً، وكل الناس تحبها أيضاً، لأنها ذكية جداً وطيبة، في أحد الأيام حضرت أم ليلى الكعك، وطلبت من ليلى أن تذهب به إلى جدتها العجوز المقيمة في منزلها الواقع في الغابة، فقالت ليلى: سمعاً وطاعة يا أمي، وأخذت الكعك من أمها، وذهبت إلى الغابة، وكانت ليلى فرحة ومسرورة، لأنها ستزور جدتها التي لم تراها منذ فترة طويلة، وكانت ترقص وتغني وهي في الطريق، وبينما هي في منتصف الطريق سمع الذئب صوتاً في الغابة، فذهب لاستكشاف الصوت، فوجد ليلى، سألها الذئب: أين تذهبين؟أجابت ليلى: أنا ذاهبة إلى بيت جدتي الذي في آخر الغابة، سألها الذئب: ولماذا تذهبين إلى هناك؟ أجابت ليلى: لأعطيها الكعك الذي حضرته أمي لها، ففكر الذئب بسرعة، وقرر أن يسبق ليلى إلى بيت جدتها، فسلك طريقاً مختصراً، ووصل إلى بيت جدة ليلى قبل أن تصل ليلى، طرق الباب، فجاء صوت الجدة الضعيف من الداخل: من يطرق الباب؟ فقام الذئب بتنعيم صوته، وقال: أنا ليلى يا جدتي، أحضرت لكِ الكعك، قالت: أنا لا أستطيع النهوض من السرير، يا ابنتي اسحبي الحبل الذي بجوار الباب، وبذلك تستطيعين فتح الباب، فتح الذئب الباب، ودخل إلى البيت، وقام بتقييد الجدة وحبسها ولبس ملابسها ثمّ نام في فراشها، وعندما وصلت ليلى إلى بيت جدتها قامت بطرق الباب، فقام الذئب بتقليد صوت جدتها، وقال لها: من يطرق الباب؟ أجابت ليلى: أنا ليلى يا جدتي، أحضرت لك بعض الكعك، الذي صنعته أمي لك، أجاب الذئب (مقلداً صوت الجدة): أنا لا أستطيع النهوض، اسحبي الحبل الذي بجوار الباب، فسحبت ليلى الحبل، وفتحت الباب ودخلت، وعندما اتجهت نحو سرير جدتها، استغربت من شكلها، سألت ليلى: لماذا عينيك كبيرة يا جدتي؟ أجاب الذئب: حتى أراك جيداً يا ليلى، سألتها: ولما أذنيك كبيرتين يا جدتي، أجاب الذئب: حتى أسمعك جيداً، سألت ليلى: ولماذا أنفك كبير؟، أجاب الذئب: حتى أشمك جيداً يا ليلى، سألتها للمرة الرابعة ولماذا فمك كبير يا جدتي؟ فعندها صرخ الذئب عالياً، وقال: حتى أكلك به يا ليلى، ونهض من السرير، وهجم على ليلى يريد أكلها، فصرخت ليلى وهربت، وأخذت تجري، والذئب يجري خلفها يريد التهامها، وبالصدفة رأى هذا المشهد صياد بجوار الغابة، يحمل بندقيته، أطلق النار على الذئب فقتله، سرت ليلى بهذا كثيراً، وشكرت الصياد على فعلته، وقالت للذئب: أنت تستحق هذا لأنك شرير.
أما حكايتنا لهذه الليلة تقول جدتي، كان يا ما كان في قديم الزمان،كان هناك فلاح يعيش مع زوجته وكان لديهم مزرعة، وكان لديهم دجاجة واحدة وخروف واحد وبقرة واحدة، وكان يوجد فأراً يعيش مع الفلاح وزوجته في نفس الكوخ، وفي احدى الايام نظر الفأر من خلال شق فى الحائط ليراقب الفلاح وزوجته وهما يصنعان لفافة، أصبح الفأر يفكر بينه وبين نفسه  ترى ما نوع الطعام التى تحتويه هذه اللفة؟ ولكنه تعجب مرتعباً عندما اكتشف أنها عبارة عن مصيدة للفئران، فانسحب بسرعة إلى فناء مزرعة الفلاح، وراح يعلن تحذيره بصوت عالي، قد صارت هناك مصيدة فئران فى منزل الفلاح! راحت الدجاجة تنبش الأرض وتنقنق بصوتها (يعرف صوت الدجاجة بالنقنقة)، ثم رفعت رأسها وقالت (يا سيد فأر)، أستطيع ان أقول أن هذا الخبر يحمل الموت لك أنت، ولكن هذا لا يؤثر علىَّ في شيء، وأنا لا أنزعج منه على الإطلاق ترك الفأر الدجاجة، وذهب للخروف وقال له: هناك مصيدة فئران داخل منزل الفلاح، مرددا بنغمة أن هناك مصيدة فئران داخل منزل الفلاح، تعاطف الخروف مع الفأر ولكنه قال: (يا سيد فأر)، أنا ليس أمامي شيئاً أقدر أن أفعله لك، ولكننى سأذكرك فى صلواتى.
ذهب الفأر إلى البقرة وقال منغماً ومردداً: هناك مصيدة فئران داخل منزل الفلاح، هناك مصيدة فئران داخل منزل الفلاح، فقالت البقرة واو (يا سيد فأر)، أننى آسفة من أجلك، و لكن هذا لن يحرك ساكنا فوق أنفي، وهكذا عاد الفأر إلى المنزل، وجلس مكتئباً، كى يواجه خطر مصيدة الفلاح منفرداً.
فى نفس هذه الليلة سمع  الفار صوت داخل المنزل، و قد كان صوت انقباض مصيدة الفئران على ضحيتها، فاندفعت زوجة الفلاح لترى الصيد، ولكنها فى الظلام لم تر الصيد، وقد كان عبارة عن حية سامة اطبقت المصيدة على ذيلها، لدغت الحية السامة زوجة الفلاح، صرخت طالبة النجدة، فأسرع بها زوجها الى المستشفى، وعندما عادت الى المنزل كانت قد اصيبت بحمى شديدة احتاجت فيها إلى الراحة التامة والغذاء، لذا قد قام زوجها بذبح الدجاجة لتكون طعاماً لها في مرضها، ولكن مرض زوجة الفلاح استمر لفترة، وهكذا توافد الأصدقاء والجيران للسؤال عنها، وليساندوا الفلاح طوال تلك الأيام، ولكى يطعمهم الفلاح ضيوفه ذبح الخروف، ولكن للأسف لم تتماثل زوجة الفلاح للشفاء، وفى النهاية توفت، وهكذا حضر كثير من الناس والأقارب إلى جنازتها، واضطر الفلاح هذه المرة إلى ذبح البقرة ليجد لحماً يكفى كل هؤلاء الناس، وكان الفأر يراقب كل هذه الاحداث بحزن من داخل جحره.
هذه الحكاية يا اولادي نتعلم منها ﻛﻢ مرة ﻋﺮﻓﻨﺎ ﺃن ﺷﺨﺼﺎ ﻣﺎ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﻣﺸﺎﻛﻞ، فلم نهتم بمساعدته وفضلنا الصمت والتجاهل ﻣﺎ ﺃﺣﻠﻰ المساندة والتكاتف ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺑﺤﻠﻮ الكلام. وتصبحون على خير .


54
من حكايات جدتي .... الثامنة والأربعين
سوسن والخاتم السحري
بدري نوئيل يوسف
في احدى الليالي اتفقنا أن نمتحن جدتي ونسألها عن جحا، الذي كان له حكايات في كتاب المطالعة والنصوص ايام زمان، وجحا شخصية كوميدية في الأدب العربي. هو أبو الغصن دُجين الفزاري الذي عاش نصف حياته في القرن الأول الهجري ونصفها الآخر في القرن الثاني الهجري، فعاصر الدولة الأموية وبقي حياً حتى حكم الخليفة المهدي، وقضى أكثر سنوات حياته التي تزيد على التسعين عاماً في الكوفة. سألت جدتي هل تعرفين شيئا عن جحا: ابتسمت وأجابت، اعرف الكثير عن نوادر وطرائف حجا، واشتهرت حكاياته الظريفة على كل لسان، اسمعوا هذه الحكاية. ذات يوم كان جحا يتسوق، فجاء رجل من الخلف وضربه كفا على خده، فالتفت إليه جحا وأراد أن يتعارك معه، ولكن الرجل اعتذر بشدة قائلا: إني آسف يا سيدي فقد ظننتك فلانا.
فلم يقبل جحا هذا العذر وأصر على محاكمته، ولما علا الصياح بينهما، اقترح الناس المتجمعين حولهما، أن يذهبا إلى القاضي ليحكم بينهما، فذهبا إلى القاضي، وصادف أن ذلك القاضي يكون قريبا للجاني، ولما سمع القاضي القصة غمز لقريبه بعينه (يعني لا تقلق فسأخلصك من هذه الورطة).ثم أصدر القاضي حكمه بأن يدفع الرجل لجحا مبلغ عشرون دينارا عقوبة ضربه. قال الرجل: ولكن يا سيدي القاضي ليس معي شيئا الآن. قال القاضي وهو يغمز له: أذهب واحضرها حالا وسينتظرك جحا عندي حتى تحضر المبلغ، ذهب الرجل وجلس جحا في مجلس القاضي ينتظر غريمه يحضر المال، ولكن طال الانتظار، ومرت الساعات ولم يحضر الرجل، ففهم جحا الخدعة، خصوصا أنه كان يبحث عن تفسيرا لإحدى الغمزات التي وجهها القاضي لغريمه، فماذا فعل جحا ؟ قام وتوجه إلى القاضي وصفعه على خده صفعة طارت منه عمامته، وقال له: إذا أحضر غريمي العشرين دينارا فخذها لك حلالا طيبا، وانصرف جحا!
نعود لحكايتنا اليومية كان يا ما كان، يحكى أنه في قديم الزمان كان هناك فتاة جميلة تدعى سوسن، كانت سوسن تعيش وحيدة مع أباها وأمها ترعاهما وتسهر على راحتهما، مرت أيام طويلة ولم يأت أي أحد لخطبة سوسن،التي بدأت تكبر في السن شيئاً فشيئاً، بدأت سوسن تشعر بالحزن وتفكر كل ليلة في عيش حياة سعيدة مليئة بالحب والأطفال الصغار
حزن والدها كثيراً لموت زوجته وأصبح مشغولاً بابنته الوحيدة ولا يكف عن التفكير ليل نهار في مستقبلها، ولمن سيتركها إن لحق بزوجته هو الآخر، وقد أصابه المرض وأصبح عاجزا عن الحركة وأيامه أصبحت معدودة. وفي يوم تذكر الأب الطيب أن له خاتماً من الذهب تركه عند صديق له يدعى سلمان، فعندما حس أن ساعته قد إقتربت، دعا سوسن وأخبرها أن تتصل بهذا الصديق لتأخذ الخاتم الذهبي منه وتستعمله في وقت الشدة، فهذا الخاتم سحري !
بكت سوسن عندما فهمت ما يفكر فيه الاب وقالت له: ولكن بقاءك بجانبي يا أبي أفضل من ألف خاتم ذهبي،
وفي يوم من الأيام ماتت والدتها فجأة، فأصاب سوسن حزناً شديداً لفراقها وأخذت تبكي كل ليلة وحيدة في غرفتها،
بعد فترة أخذت سوسن تبحث عن صديق والدها لتنفذ وصيته ولكنها لم تعثر عليه، حتى ملت من البحث عنه ويئست أن تجده، وبينما هي تتنزه يوماً في الغابة وحيدة سمعت صهيل حصان، أخذت تلتفت حولها حتى وجدت شابا وسيما يركب على حصان أبيض جميل جداً، تقدمت سوسن نحوه وسألته: من أنت يا سيدي ؟ فرد الشاب : أنا ابن سلمان، ماذا تفعلين وحدك في الغابة وعمن تبحثين، قالت له سوسن: أبحث عن صديق والدي الذى يدعى سلمان، هل تساعدني ؟ رحب الشاب بمساعدة سوسن المسكينة وأخذها إلى منزل والده سلمان.

حكت سوسن إلى سلمان قصة والدها وأخبرته أنها تريد الخاتم الذهبي، قال سلمان: بالفعل إن الخاتم السحري موجود لدي الآن، ولكني لا أستطيع تسليمك إياه في الوقت الحالي، ولكي تستعيديه عليك أن تأتي إلي بورقة مخطوطة بماء الذهب، وستجدي هذه الصورة في صندوق من ثلاثة صناديق متشابهة تماماً، تعجبت سوسن من كلام الرجل وقالت له أنها لا تعلم أي شيء عن قصة الصناديق الثلاثة، قال لها الرجل أن والدها لم يستطع أن يخبرها بها وإلا يبطل مفعول الخاتم السحري، عليك الآن أن تذهبين إلى منزلك وتبدئين البحث عن الصناديق الثلاثة، تساءلت سوسن : ولكن كيف سأعرف الصندوق الذي بداخله المخطوطة وهم جميعاً متشابهين، قال سلمان: عليك أن تعتمدين على ذكائك للتعرف عليه، فصندوق واحد هو الذي يحتوي على المخطوطة والصندوق الثاني يحوي على عقرب في داخله والثالث يحوي أفعى سامة ،احذري فعليك ألا تخطئين أبداً في فتح الصناديق وإلا ستعرضين نفسك للموت!
أعطاها سلمان مفتاحا لتفتح الصندوق، عادت سوسن إلى منزلها خائفة تفكر في أمرها ولا تدري ماذا تفعل، أخذت تفتش في المنزل حتى وجدت الصناديق الثلاثة تحت سرير والدها، أخذت تتأملهم بحذر شديد ولا تتجرأ على الاقتراب منهم أو لمسهم، وفجأة خطرت لها فكرة، إقتربت بحذر من الصناديق وأخذت تنصب بأذنيها لعلها تسمع أي أصوات تأتي من داخل الصندوق لتعلم مكان الأفعى والعقرب، وفعلاً وجدت صندوق واحد لا يصدر منه أي خربشة أو أصوات غريبة، فقررت فتحه وأدخلت المفتاح، وإذا بشعاع ذهبي قوي جداً يضئ أرجاء المنزل، أخرجت سوسن من الصندوق مخطوطة الذهب وهي تشعر بالسعادة والحماس.
ذهبت مسرعة إلى منزل سلمان وأعطته الورقة، فأحضر لها سلمان الخاتم السحري على الفور قائلا: هذا الخاتم ملك لك الآن ضعيه في إصبعك وامسحي علية مرتين، ثم اطلبي كل ما تتمنين وسيتحقق بإذن الله. 
وضع سوسن الخاتم  في اصبعها ومسحت عليه وقالت: يا خاتمي الذهبي أريد زوجاً مثالياً وبيتاً صغيراً هادئاً وذرية صالحة أربيها في طاعة الله عز وجل، وفعلاً تحققت أمنيتها وعاشت سوسن مع زوجها في سعادة هناء وظل الخاتم السحري في إصبعها لا يفارقها أبداً، وكانت دوماً تحمد الله الذي أعطاها ما تمنت .

55
من حكايات جدتي ...السابعة والأربعين
الشاطر حسن
بدري نوئيل يوسف
تقول جدتي: أن جارنا ابو البنات تخاصم مع زوجته ووصل الخصام بينهما الى التطاول بكلام جارح وخشن، تدخلت جدتي لحل المشكلة والتصالح بين الزوج والزوجة، لكن عناد أم البنات وكلامها الغير منضبط، جعلها تستلم من أبو البنات كفين اعادها الى رشدها. بعدما هدأت الفوضى حكت جدتي هذه الحكاية عن سلامة الإنسان في حلاوة اللسان، تقول: كان رجلا يعيش في بيت قديم البنيان مع زوجته وولده، وكان في البيت حيّة تعيش داخل جحر في أحد حيطان البيت منذ أمد بعيد، وكان الرجل يكره أن تعيش الحيّة في بيته، ويخشى منها على ولده، وفي ذات يوم رأى الرجل الحيّة تهمّ بدخول جحرها، فأسرع إليها ليقتلها، ولكنها استطاعت أن تفلت منه، وأن تدخل جحرها فتنجو بحياتها، ومنذ ذلك اليوم أضمرت الحيّة للرجل وأهل بيته شرا، وفي صباح ذات يوم، رأت الحيّة ربة البيت تعدّ الفطور لزوجها وولدها، فتضع اللبن في أواني، ثم تصفّ تلك الأواني على منضدة الطعام، فرأت الفرصة مواتية للانتقام من الرجل وأهل بيته فجاءت إلى اللبن وذرفت فيه من السم الزعاف ما يكفي لقتل أناس كثيرين، ثم عادت إلى جحرها فدخلت فيه. وبعد مدة وجيزة استيقظ الرجل من نومه، فسمعت الحيّة زوجته تلومه على كراهيته للحيّة ومحاولة قتله لها، وقالت له ( أنتَ هوايه غلطان، هاذي الحيّة ساكنة ويانا من سنين، وصارت واحدة من أهل البيت ، وأني أحبها مثل ما أحب ولدي) فأجابها: (والله يا زوجتي أني متندم على محاولة قتلي للحية، ومن الآن فصاعدا راح أعامل الحيّة مثل ما تعامليها أنتِ، وأحبها مثل ما تحبيها)، وفي هذا الاثناء كانت الحيّة تنصت لما قاله الرجل وزوجته، فلقي ذلك القول منها قبولا حسنا، وندمت على ما فعلت من ذرف السم في أواني الحليب، فأسرعت خارجة من جحرها، وذهبت إلى حيث يوجد بعض الرماد، فتمرغت فيه، ثم راحت إلى أواني الحليب فجعلت تغطس في الأواني آنية بعد آنية حتى لوّثت الحليب كله بالرماد، فصار غير قابل للشرب، وأنقذت تلك العائلة من موت محتّم، ثم علمت الزوجة بأمر الحية مع الحليب، وخروجها من جحرها  لتلوّثه، كما علمت أن الحيّة إنما فعلت ذلك بعد استماعها لكلامها وكلام زوجها، فقالت في ذلك(السان الحلو يطلع الحيه من الزاغور). وهكذا الشخص الذي ينال بحلو لسانه ما لا يناله بقوة .
نعود لحكايتنا اليومية، كان يا مكان في قديم الزمان، كان شاب وسيم الطلعة اسمه الشاطر حسن، كثير الحركة، يعيش على الشطارة والحيلة وخفة الدم، يحبه الناس جميعاً لحسن أخلاقه، وكانت أمه امرأة عجوز صاحبة دين لا تترك وقتاً من الصلاة، تحب ابنها وتدعو له دوماً بالرضى، وكانت تطلب من ابنها أن يتزوج بنت حلال، وصاحبة أصل تساعدهما في اعمال البيت، وتنجب لهما الأولاد من الصبيان والبنات وتفرح به مادامت على قيد الحياة، فكان يضحك ويقول: لا أتزوج حتى أجد بنت أحلى من القمر، وطبخها أطيب من طبخك، فكانت أمه تدعو له أن ينال مراده.
في يوم من الأيام وهو يتجول بين الحقول والبساتين، لمح صبية مثل البدر التمام، تضع نقاباً على وجهها وتحمل صينية على رأسها، فاعترضها وسلّم عليها وسألها: ماذا تحملين على رأسك ؟ فأجابته: أحمل الغداء إلى والدي في الحقل، فطلب منها أن يذوق طعامها، فوضعت الصينية أمامه، فأكل لقيمات فوجده شهي الطعم لم يذق مثله في حياته، فسألها عن بيتها، فدلّته عليه ومضت في حال سبيلها.
عاد حسن إلى أمه ملهوفاً، وقال لها: البشارة عندك، لقد وجدت أحلى عروس في البلد، وطعامها أطيب طعام ذقته في حياتي، وطلب منها أن تذهب بسرعة و تخطبها له.
حاولت أمه أن تؤخّره أياماً حتى تسأل عن أصلها وفصلها قبل أن تخطبها، لكنه أصرّ على رأيه.
ذهبت الأم وخطبت الفتاة، وبعد أيام أقام العرس وتزوجها فسرّ بها، وقضى معها أجمل الأوقات وطبخت له أشهى المأكولات، وبعد فترة من الزمن بدأت الفتاة تسيء معاملة أمه، وتشكو عليها كلّ يوم، وهو يحاول أن يرضيها ويطيّب خاطرها دون جدوى.
في يوم عاد من الصيد ومعه إوزّة كبيرة، وطلب من أمه وزوجته أن يطبخوها بالرز والصنوبر، وخرج إلى عمله، أمرت العجوز كنتها أن تنقّي الرز ولا تضيع منه حبة واحدة، فأخذته وصارت تنقيه فسقطت منها حبة وجاء الديك وأكلها، فأمسكت به وذبحته وأخرجت الحبة منه، فغضبت العجوز منها وبهدلتها وضربتها، فانزعجت الكنّة ودخلت غرفتها وأغلقت عليها الباب.
عاد حسن إلى البيت فوضعت له أمه الطعام، أكل منه فلم يعجبه، سأل أمه: من طبخ الإوزة ؟. فحكت له القصة، فدخل على زوجته فوجدها زعلانة وحزينة، حاول إرضاءها فلم ترضى، قالت له لقد طفح الكيل ولم أعد أتحمّل أكثر من ذلك، إما أنا وإما أمك في البيت.
فكّر حسن قليلاً فلم يجد حلاً سوى أن يأخذ أمه إلى مغارة في سفح الجبل يضعها هناك، ويجلب لها الطعام كل يوم، وبما أنها أصبحت عجوزاً يمكن أن تقضي بقية حياتها هناك وتريح وترتاح.
في الصباح حمل أمه فوق الحمار مع بعض الزاد والماء، وأوصلها إلى المغارة وعاد، وعاشت العجوز في المغارة حزينة وحيدة تصلي وتصوم، وتدعو الله أن يهدي ابنها ويحفظه ويسعده ، وكان حسن يحضر لأمه الطعام والماء كل أسبوع، ويتفقّد أحوالها وحاجاتها ويعود.
في أحد الأيام أتى إلى المغارة شابان جميلان يشعّ النور من عينيهما، فسلّما على العجوز فردّت عليهما أحلى السلام، ودعتهما ليرتاحا ويتناولا الطعام معها، ويسلّيانها فشكراها على كرمها وأخلاقها، وسألها الأول: ما رأيك في الصيف ؟ فأجابت: الصيف جميل، ليله مقمر، ونهاره دافئ، وخيره كثير من الفواكه والثمار والخضار الله يبارك فيه.
سألها الثاني: ما رأيك في الشتاء ؟ فقالت: الشتاء كله خير، تنزل فيه الأمطار ويزرع فيه الناس ويسهرون حول النار، ولولا الشتاء ما جاء الصيف، ولولا الصيف ما جاء الشتاء.
أعجبهما جواب العجوز، فدعا لها الأول أن يخرج من فمها جوهرة كلما نطقت بكلمة، وأشار الثاني إلى الأرض فتفجّر نبعاً ماؤه كالزلال، ونمت حوله الأشجار وحملت من كل أنواع الثمار، ثم ودّعاها وغابا عن الأنظار، فرحت العجوز وأخذت تشرب من الماء وتتوضأ لكل صلاة، وتأكل من الفواكه اللذيذة، وتحمد الله على هذه النعمة العظيمة.
عندما جاء ابنها يتفقدها شاهد الأرض غير الأرض، والخير كثير والماء وفير، وأمه تعيش في جنة، فتعجّب وسألها عن القصة فحكت له حكاية الشابين، وكلما كانت تنطق بكلمة يخرج من فمها جوهرة، فزاد عجبه وفرحه، واعتذر من أمه، وطلب منها السماح فرضيت عليه، وحملها فوق الحمار وعادا إلى البيت، فاستقبلها الناس والجيران وفرحوا بالجواهر التي تخرج من فمها، وصاروا يجمعونها ويأخذونها إلى بيوتهم.
لما رأت زوجته ذلك ذهب غضبها وانزعاجها ورحبت بحماتها وصارت تجمع الجواهر منها، ثم اختلت بزوجها وطلبت منه أن يأخذ أمها إلى المغارة التي وضع أمه فيها، فوعدها بذلك.
في الصباح حمل أم زوجته (حماته) ووضعها في المغارة وعاد، وبعد أيام حضر الشابان إلى العجوز الثانية (حماته) فسلما عليها، فلم ترد عليهم السلام وقالت لهما بلهجة منزعجة: ماذا تريدان، ولماذا أتيتما ؟ فسألاها عن بعض الطعام والشراب، فقالت بغضب: ليس عندي لا طعام ولا شراب، فسألها الأول: ما رأيك في الصيف؟. فقالت: كله حرّ  وجفاف وتعب وغبار الله لا يعيده علينا، وسألها الثاني: ما رأيك في الشتاء؟. فأجابت: أرذل من الصيف ليس فيه سوى البرد، والثلج والوحل الله يبعدنا عنه.
غضب الشابان من كلامها وأشار الأول إلى الأرض، فجفّ النبع ويبست الأشجار، واختفت الخضرة وأصبحت الأرض قاحلة جرداء، ودعا لها الثاني أنها كلما قالت كلمة تخرج من فمها حصاة، فشتمتهم وسبّتهم، فتركوها ومضوا في حال سبيلهم.
بعد أسبوع أتى الشاطر حسن ليعيد أم زوجته، بينما جمعت زوجته الناس لاستقبالها بالزينة والطبول والأفراح، ولما وصل حسن إلى حماته العجوز، وجد الأرض قاحلة ليس فيها عرق أخضر ولا نقطة ماء، ورأى حماته تكاد تموت من العطش، والجوع فسألها عن حكايتها؟ فأخذت تسبّه وتلعن الساعة التي تعرّفت بها عليه، وكلما نطقت بكلمة خرجت من فمها حصاة تصيب وجهه، فتعوذ بالله من الشيطان ولعن الطمع وسوء الأخلاق، وحملها فوق الحمار وعاد إلى البيت. وفي القرية استقبلها الناس لكي يرحبون بعودتها، وينتظرون الجواهر منها، فأخذت تسبّهم وتلعنهم ويخرج من فمها الحصى، يضرب وجوه الناس، فهربوا من أمامها وتركوها وحدها.
لما رأت ابنتها هذا الحال أخذت تبكي وتنتحب على أمها، فوضعها الشاطر حسن زوجته وراء أمها فوق الحمار وطردهما من البيت، وعاد إلى أمه وقبل يدها وطلب منها الرضى والغفران، فدعت له بالتوفيق والسعادة والهناء، وخطبت له بنت الجيران، وعاشوا في هناء ونبات وخلفوا الصبيان والبنات.



56
من حكايات جدتي ... السادسة والأربعين
جميل وجميلة

بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي أن جارنا ابو البنات مشهور بالبخل، وفي احد الايام تقول جدتي: أنها حكت له هذه الحكاية ربما يتعلم منها ويأخذها درسا له، تقول:كان رجلا مشهور ومعروف بالبخل، وفي احد الايام دعا صديقا له لتناول الغذاء معه في المنزل حضر الضيف ووضع امامه طبقا من البرغل مع بعض قطع البصل، قال البخيل: تفضل عمي بسم الله، بدأ الاثنان بتناول البرغل مع البصل وبعد دقيقة دخل عليهما الابن الكبير للبخيل يسأل ابوه : (بابا بابا...اجيب الدجاجة).! اجابه الاب: لا يا ابني، لا الضيف خلص نص الماعون. وبعد دقائق دخل الابن مرة ثانية: بابا بابا...اجيب الدجاجة، أجابه الاب: لا بابا لا.... بعد وكت (وقت). تعجب الضيف، المهم الضيف خلص الاكل وشبع من البرغل .
دخل الابن للمرة الثالثة يسال والده : باب بابا اجيب الدجاجة؟ أجاب الاب بثقة وغرور: اي بابا جيبها، فما كان من الابن الا يصيح : (كش كش ودخلت الدجاجة حية تاكل البرغل اللي وگع على الگاع).
 نعود لحكايتنا اليومية:يُحكى أنّ فتاةً اسمها جميلة، كانت تعيش مع جدّيها بعد وفاة والديها. وكانت جدّتها تحبّها كثيرًا ولا تسمح لها باللّعب مع الفتيات حتى لا يصيبها مكروه، جميلة فتاة باهرة الجمال كأنها القمر المكتمل في السماء وعيناها خضراوان بلون أعشاب البحر، وشعرها أصفر كأنه خيوط الذهب، وعندما كبرت خطبها ابن عمها جميل، كان في القرية التي تعيش فيها جميلة ستّ فتيات، غير جميلات مثلها، ويكرهنها، كانت الغيرة تأكل قلوبهن، وكُن يحسدنها لأنّها على وشك الزواج، ولم يتقدّم أحد لخطبتهن. في احد الايام ذهبت الفتيات الحسودات إلى جدّة جميلة ورجونها أن تسمح لها بالخروج معهنّ لجمع الحطب، فسمحت لها وخرجن للغابة وجمعن الحطب.
في طريق العودة توقّفن عند نخلةٍ تحمل بلحًا، بعضه أحمر وبعضه أخضر، لا يصلح للأكل، وتمنّت الفتيات الحسودات أن يجمعن شيئًا منه لكنّهن لم يستطعن، فتسلقت جميلة النخلة وألقت بالبلح والرَّطَب إلى صديقاتها، فملأن سلالهن من التّمر الجيد وعندما نزلت جميلة من اعلى الشجرة وجدت فقط البلح الأخضر الذي لا يُؤكَل تركته الحسودات لها انزعجت كثيرا فلم تقدر ان ترد عليهم وعليه ملأت سلّتها منه.
في الطريق وصلن الى بئر قالت أحدهن إنّ رميَ الحُلي في هذه البئر يجلب الحظ الحَسن، وتظاهرن الحسودات بإلقاء حليهن داخل البئر، ورمين أحجارًا بدل الحلي. أمّا جميلة فألقت عقدها وقرطها وخلخالها.
في الطريق العودة أكلن بعض التّمر، أمّا جميلة فلم تأكل لأنّ بلحها لا يؤكل. ثم أخرجن حليهن وتـزينّ بها. فعرفت جميلة أنّهن خدعنها، فطلبن منها العودة إلى البئر لإخراج حليها منها، وكان الوقت مساء، وهُنّ يعرفن أن غولاً شريرًا يذهب إلى البئر في اللّيل ولا يرحم من يجده عند البئر.
جاء الغول فوجد جميلة قرب البئر تحاول اخراج الحلي، فرجته ألا يأكلها، وأخبرته أنّها تريد حليّها، فوعدها بإعادتها إليها إذا وافقت على الذهاب معه في رحلةٍ على حصانه الأسود. وبدأ الغول شرب ماء البئر وأخرج الحلي وسلّمها لها، وأعطاها جريدة نخل لتضعها على باب بيتها ليعرفها.
في اليوم التالي، حضر الغول وخرجت جميلة معه فوق حصانه، وكان الغول على شكل أمير بملابسه الانيقة ، وفي الوقت نفسه كان جدّاها نائمان. بعد عدة ساعات جاء خطيبها جميل ليبدأ بتحضير عرسهما، وسأل عن جميلة فلم يجدها في المنزل، وبدأ يبحث في كل مكان داخل القرية، وأمضى سنةً يبحث عنها، وأخيرًا أخبرته سيدةٌ عجوز أنّها رأت مع الغول فتاةً ذو وجه جميل، فعرف جميل أنّها جميلة، ورجا العجوز أن تساعده لينقذها.
اخبرته العجوز أنّ الغول يستيقظ شهرًا وينام شهرًا، وموعد نومه بعد ثلاثة أيّامٍ. وقالت إنّ جميلة الآن نائمة نومًا مسحورًا، وقد طال شعرها وأظفارها، فعليه أن يقصّ شعرها ويقلّم أظفارها، وعندها يزول عنها السّحر. كما أخبرته أنّ للغول كلبًا عليه أن يقتله، فالغول إذا نام لا يستيقظ ولكن كلبه قد يطارده، وقالت: ولكن لأنّك تحبّ جميلة، وجميلة طيّبة القلب، فسأعطيك ثلاثة أشياء: قطعةً صغيرةً من الحجر ووعاءً صغيرًا فيه ماء وقطعة من الخشب. فإذا تبعك الغول فاقذف قطعة الخشب بينك وبينه، ثم قطعة الحجر، ثم آنية الماء، واهرب منه بأسرع ما تستطيع. فشكرها جميل.
بعد ثلاثة أيامٍ ركب جميل حصانه قاصدًا بيت الغول، فوجده نائمًا، وكذلك جميلة، فقصّ شعرها وقلّم أظفارها، وفتحت عينيها، وقالت: جميل، أخيرًا جئت لتنقذني. ونَسِيَ جميل أن يقتل الكلب، فلمّا أركب جميلة فوق حصانه شعر بهما الكلب، هز ذراع الغول وأيقظه من نومه، وتبعهما الغول والكلب.
رأت جميلة من بعيد شيئًا أسود ولكنّه يقترب بسرعةٍ، وعرفت أنّه الغول وكلبه يجري بجواره، فرمت قطعة الخشب فتحوّلت إلى غابةٍ كثيفةٍ. وتقدّم الغول وصار يقطع الأشجار بسيفه ويلقيها على الجانبين حتّى شق لنفسه طريقًا بين الأشجار.
اقترب الغول والكلب بسرعة السّهم، فرمى جميل قطعة الحجر الصغيرة، فتحولت في الحال إلى سورٍ ضخمٍ ارتفع بينهما وبين الغول. لم يستطع الغول أن يقفز فوق السور، فأخذ ينـزع أحجار السور حجرًا حجرًا ، إلى أن أحدث ثغرةً استطاع أن ينفذ منها ويواصل مطاردته لجميل وجميلة.
وفي المرّة الثالثة، صاحت جميلة: أرى الغول وكلبه يسرع بجواره وسرعتهما تـزداد وكأنّهما الريح.
عندئذٍ ألقى جميل خلفه بإناء الماء، وفي الحال ظهر بحر عظيم بينهما وبين الغول، توقف الغول عند الشاطئ وقال: إذا كنتُ لا أستطيع عبور هذا البحر فإنّني أستطيع أن أشربه، وبدأ هو وكلبه يشربان ماء البحر.
أخذا يشربان الماء وانتفخ بطن الغول وظلّ ينتفخ، وانتفخت بطن الكلب وظلّ ينتفخ، وفجأةً دوّى صوت انفجار عظيم. لقد انفجرت بطن الكلب، ثم انفجرت بطن الغول أيضًا.
عاد جميل وجميلة إلى قريتهما سالمين، وعرف الناس جميعًا ما فعلته الفتيات الشّريرات لجميلة، فلم يتقدّم أحد لخطبتهن، وأخيرًا تركن القرية ليعشن في قريةٍ أخرى…
أمّا جميلة فقد تزوّجت جميلاً، وظلّت تزداد جمالاً على جمالها..

57
من حكايات جدتي ... الخامسة والأربعين
صانع المعروف
بدري نوئيل يوسف
تقول جدتي أن في احد الايام خرج جارنا أبو البنات الى البرية يمشي بين البساتين والأدغال، وكان سعيد جدا حيث الطبيعة الجميلة والخلابة التي تحيطها الاشجار العالية، وكان جارنا يسير مستمتعا بمنظر الاغصان وهي تحجب عنه اشعة الشمس من شدة كثافتها، ويستمع الى زقزقة العصافير ، ويستنشق عبير الزهور التي تفوح منها ازكى وأطيب الروائح الطيبة، بينما هو يمشي مستمتعا بكل تلك الطبيعة الرائعة سمع صوت عدو سريع وكان الصوت يقرب منه ، فالتفت جارنا الى الخلف، يرى اسدا ضخما ينطلق بسرعة خيالية نحوه، ومن شدة جوع الاسد كان خصره ضامرا بشكل واضح وجلي، فاخذ جارنا يجري مسرعا حتى رأى بئرا قديمة قفز بداخلها قفزة قوية، فإذا هو في داخل البئر ممسكا الحبل الذي يسحب به دلو الماء، بدأ يتأرجح داخل البئر حتى هدأ الوضع وسكن زئير الأسد، انتبه وهو يسمع صوت قادم من اسفل البئر، عرف أنه فحيح افعى، نظر لأسفل البئر يشاهد افعى ضخم الرأس وطويل جدا يرقد بجوف البئر، وبينما هو يفكر بطريقة يتخلص من الاسد والثعبان اذا بفأرين يصعدان الى اعلى الحبل المتعلق به وبدءا يقرضان الحبل بسرعة عجيبة، فهلع جارنا وخاف خوفا شديدا من انقطاع الحبل وسقوطه في فم الافعى الضخم، فاخذ يهز الحبل بيديه بهدف ان يخاف الفأرين ويذهبا بعيدا، و من شدة الاهتزاز اصبح جارنا يتأرجح يمينا ويسارا في البئر حتى ارتطم جسده بشيء رطب ولزج ضرب بمرفقه فإذا هو عسل نحل، والنحل تبني خلاياها في الجبال وعلى الاشجار وكذلك بالكهوف والآبار، فقام جارنا بالتذوق منه وكرر ذلك، ومن شدة حلاوة العسل نسي جارنا الموقف الذي هو فيه تماما وفجأة استيقظ جارنا من النوم فقد كان حلما مزعجا ! وفي اليوم التالي قرر جارنا ان يذهب الى احد شيوخ تفسير الاحلام، حتى يفسر له حلمه، وبالفعل ذهب جارنا الى شيخ فاهم ذو خبرة بالتفسير الصحيح، وعندما اخبره بالحلم ضحك الشيخ كثيرا سأله: ألم تعرف تفسيره؟ أجاب جارنا: لا والله لم اعرف. قال له الشيخ : انما الاسد الذي يجري ورائك فهو ملك الموت، والبئر الذي به الثعبان هو قبرك، والحبل الذي تتعلق به هو عمرك، والفأرين الاسود والابيض الذين يقرضان الحبل هما الليل والنهار ينقصان من عمرك. قال جارنا: والعسل يا شيخ؟  قال الشيخ : هو الدنيا من حلاوتها انستك ان أمامك موت وحساب .
نعود لحكايتنا اليومية تقول جدتي:كان يا ما كان في قديم الزمان، رجلا يدعى معروف فلاح يعيش على شاطئ أحدى البحيرات في مزرعته الصغيرة، كان عمله الذي أخذه عن والده الاعتناء بالأرض من حرث الأرض وزراعتها وريها.
يعتبر هذا العمل خدمة لعائلته التي اعطته الكثير ولا يبخل عليها بأي شيء.
كان معروف بجلوسه مقابل البحيرة يتسلى بمظهر البحيرة التي تعيش فيها مجموعة مختلفة من طيور الاوز والبط، وكانت أشكالها رائعة جميلة وبالأخص عند سباحتها في البحيرة ، مما تعود أن يراها يوميا حيث كانت هذه هي تسليته الوحيدةمعروف لا يعرف الكسل، فهو بعد الفجر مباشرة يستيقظ نشطا متفائلا، ولما كان عمله بدنيا فقد ازدادت صحته قوة وصلابة، وأصبح يضاعف العمل في مزرعته، فعرف أن زيادة الانتاج دائما تأتي بالعزيمة والايمان.
ذات يوم وهو في مزرعته أثناء قيامه بحرث الأرض وزراعتها، إذا بصوت خافت يأتي من خلفه ، فاستدار ليرى ما سبب هذا الصوت، فإذا هو ثعبان ضخم البنية، فتخوف معروف وأراد الهرب، لكن الثعبان قال له :
قف أيها الفلاح وأسمع حديثي لعلك تشفق عليّ، وإن لم تقتنع ، أتركني ومصيري فصعد الفلاح على ربوة وبسرعة حتى جعل مسافة بينه وبين الثعبان من بعيد، قال الثعبان :
إنني لم أضر أحدا في هذه القرية وقد عشت فيها فترة طويلة، وانظر حيث ستجد أبنائي خلف الشجرة ينتظرون قدومي بفارغ الصبر وانظر الى ذلك الراعي يريد أن يقضي عليّ بفأسه فخبئني حتى يذهب، وسوف لا تندم على عملك، فنزل معروف وخبأه في مكان لا يراه ذلك الراعي الذي ظل يبحث عنه هنا وهناك ولم يجده، بعدما غاب الراعي عن الأنظار ولم يجد فائدة من البحث عن الثعبان، ولما أحس الثعبان بالأمان والاطمئنان، أخذ يلتف على معروف الذي أمنه على نفسه، وجد معروف نفسه في ورطة كبيرة، فالثعبان السام يلتف حول عنقه، وحتى الصراخ لو فكر فيه لن يفيده فالمكان لا يوجد فيه أحد وخاصة أن خيوط الليل بدأت تظهر في السماء، وأهالي القرية بعيدون عن كوخه ومزرعته تعودوا أن يناموا مبكرين، ومن يغيثه من هذا الثعبان الذي يضغط على رقبته ويقضي عليه ؟ وهل ممكن لشخص ما أن يقترب ؟ المنظر رهيب جدا وهل يصدق أحد أن أنسانا ما يسمع كلام الثعبان مثل معروف ويؤمنه ويقربه اليه ؟ وهنا قال معروف للثعبان :
أمهلني حتى أصلي ثم اعود اليك، وافق الثعبان وتركه حتى يصلي، توضأ معروف وصلى ركعتين وطلب من الله سبحانه وتعالى أن يخلصه من هذا الثعبان المخيف الرهيب بضخامته وسمومه القاتلة، وبينما هو يدعو إذا بشجرة نبتت وارتفعت أغصانها وصارت لها فروع، فتدلى غصن، تحبب الثعابين أكله، فاقترب الغصن الى فم الثعبان، فأخذ الثعبان يلتهم الغصن وبعد دقائق حتى انهار الثعبان وفقد قوته، وكانت تلك الشجرة عبارة عن سم، فقتل ذلك الثعبان الذي لم يوف بعهده مع من حماه ، وفجأة اختفت الشجرة المسمومة وعلم معروف أن الله قريب من الانسان، وانه لابد أن يعمل المعروف مع كل الناس، ومع من يطلب منه ذلك.
المصدر التراث الشعبي

58
من حكايات جدتي ... الرابعة والأربعين
قصه القاضي والأخوة الثلاثة
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي عن صديقتها أم فلاح عندما سافرت الى لندن لزيارة ابنها، وقبل الحديث عن قصتها مع ابنها، مدحت جدتي ام فلاح لفراستها وهدوءها فهي تعرف أخلاق وطبائع الناس من النظر إلى أحوالهم الظاهرة كالألوان والأشكال.
وصلت ام فلاح لندن، واستقبلها ابنها بالمطار واتجها نحو شقته، وكانت مفاجئة لها عندما عرفها على زميلته (جيجي) في الدراسة تسكن معه في الشقة، ولاحظت الام أن جيجي تشاركه في كل شيء وهي جميلة وجذابة وفاتنة، توقعت وعرفت أم فلاح ان العلاقة بين ابنها فلاح وجيجي اكثر من زمالة . قرأ فلاح حركات شفاه امه وانفعالاتها، وتصرف بسرعة قائلا لها: انا اعرف انت تفكرين بموضوع البنت التي معي بالشقة، اطمئني واحلف براس المرحوم بابا، نحن مجرد زمالة ومتشاركين بالشقة لان الايجار غالي، ولا يوجد بيننا زائد ناقص، بعد اسبوعان عادت أم فلاح الى الوطن حزينة مقهورة على تصرف ابنها، في احد الايام سألت جيجي فلاح: من يوم سفر أمك وأنا فاقدة كوب الشاي الذي تعودت الشرب به، تعتقد امك أخذته معها ؟
أجاب فلاح:أشك ، ربما اعجبها وأخذته معها لكن سأتصل معها وأتأكد.
اتصل فلاح مع امه وبعد السلام والسؤال عن صحتها سألها: أمي الحبيبه،أنا ما أقول إنك(أخذتي)كوب الشاي
ولا أقول إنك(ما اخذتيه) لكن الحقيقة إن كوب الشاي الذي تشرب به جيحي ضاع من أول يوم رجعتِ للوطن .
أجابت بهدوء :عزيزي فلاح، أنا ما أقول إنك(تنام)مع جيجي ولا أقول إنك(ما تنام) معها، لكن الحقيقة تقول
لو إن جيجي تنام بفراشها الخاص كان وجدت كوب شاي تحت مخدتها .
تلعثم فلاح بالكلام وقال لها: الله على أم فلاح، ام عراقية.
نعود لحكايتنا اليومية : كان يا ما كان ، كان فى قبيلة من العرب رجل حكيم وعنده ثلاثة أولاد، الأول اسمه عبد الله والثانى عبد الله، والثالث عبد الله، وفى يوم من الايام مرض الاب الحكيم وقبل موته اعطى وصيه لابنه عبد الله الأكبر سننا وبعد وفاته فتح الاخوة الثلاثة الوصيه فوجدوا: عبد الله يورث عبد الله لا يورث عبد الله يورث
فاحتاروا الاخوة فى هذا الامر فمن فيهم الذى يورث ومن فيهم الذى لا يورث.
اخبروا أهل القرية بشأنهم مع الوصيه فقالوا لهم، يوجد قاضي يتميز بالذكاء وبالحكمة فى قرية بجوارهم، اتفق الأخوة الذهاب الى القاضي، وهم فى طريقهم الى القاضي قابلهم اعرابي فقال لهم: ألم تشاهدوا جمل مر عليكم؟
فقال الاول هل هذا الجمل اعور(أى يرى بعين واحده) ؟ قال نعم انه اعور، وقال الثاني :هل الجمل اعرج(اى يمشى على ثلاثة ارجل فقط والأخرى يجرها) ؟ قال :نعم انه كذلك، وقال الثالث هل الجمل أقطب(اى بدون ذيل)؟ قال: نعم أنه كذلك ،سأل الاعرابي أنتم رأيتموه ، أجابوا : لا والله لم نراه.
اتهمهم وقال أنتم لصوص ولن تغادروا البلده حتى تقولوا اين ذهبتم به، وألان أخذكم الى القاضي لكى يحكم بيني وبينكم ، فقالوا ونحن موافقون ، فنحن ذاهبون الى القاضي لمشكله ما.
عندما دخلوا الى القاضي الاخوة الثلاثة والاعرابي ، قال القاضي استريحوا حتى نأتى لكم بالغداء، فجلسوا فى غرفه الاستراحة ،وأمر القاضي واحد من الخدم بالذهاب الى السوق حتى يأتى لهم بالطعام، وأمر خادم ثاني أيضا بالتجسس على الاخوة لثلاثة حتى يعرف ما قصتهم.
بعد ما انتهى الاخوة من الغداء ، قال الاول :هل تعلموا أن من قام بأعداد الخبز امرأة حامل؟  وقال الثاني: هل تعلموا أن اللحم الذى اكلتموه لحم كلب؟ وقال الثالث :هل تعلموا أن القاضي أبن حرام (أى أمه زانية فى حمله)؟.
تنصت عليهم الخادم وعرف ماذا يقولون، وتوجه على الفور الى القاضي ليخبره ما جرى، عندما ذهب الى القاضي قال له سيدي الاول يقول ان من قام بإعداد الخبز امرأة حامل، والثانى يقول ان اللحم لحم كلب، ثم سكت الخادم وهو متوترا ، قال القاضي :وماذا قال الثالث ؟ قال لا شيء سيدى، قال له سأقوم بسجنك اذا لم تتحدث ،قال سيدي أنه يقول انك ابن حرام.
قال ادخلوهم الى الديوان مع الاعرابي ، سأل القاضي ما قصتكم مع جمل الاعرابي ، حكى الاخ الكبير كيف التقوا مع الاعرابي؟ و كيف عرفوا مواصفات الجمل؟ واتهمهم الاعرابي بسرقته وهم ابراء من سرقة الجمل.
سأل القاضي الأول كيف عرفت ان الجمل اعور؟ أجاب سيدى القاضي رأيت المكان الذى كان يأكل فيه الجمل فوجدت ان الجمل اكل طعامه من جهة ولا اخرى لا فاستنتجت انه كان اعور، سأل القاضي الثاني كيف عرفت انه اعرج؟ أجاب سيدي: رأيت مكان ارجل الجمل فلم ارى غير ثلاثة ارجل على الارض فاستنتجت انه كان اعرج.
سأل القاضي الثالث : كيف عرفت انه اقطب ؟ أجاب سيدي الجمل الحيوان الوحيد الذي عندما يتبرز يهز ذيله فيكون برازه فى كل مكان حوله ولكن هذا الجمل كان يتبرز فى مكان واحد، فعرفت انه أقطب .قال القاضي وأنا أصدقكم، أذهب يا اعرابي ابحث عن الجمل بعيدا عن هنا، ثم قال القاضي الان اريد ان اعرف منكم قصه الطعام
سأل الاول ما ادراك ان من قام بإعداد الخبز امرأة حامل ،قال سيدى الخبز يكون مستوي من الجنب ولكن هذا الخبز سميك من جهة ونحيف من جهة اذا كان يوجد عائق للخباز حتى لا يستطيع الوصول للطرف البعيد عنه فهو اكيد بطن امرأة حامل، قال القاضي نعم معك حق ،سأل الثاني ما أدراك ان اللحم لحم كلب أجاب سيدي لحم المواشي الابقار والأغنام والماعز والجاموس يكون ترتيب اللحم كالتالي، عظام فوقها لحوم فوقها دهون ولكن هذا اللحم الذى أكلناه كان كالتالي عظام فوقها دهون فوقها لحوم وهذا ترتيب لحم الكلب ، قال نعم عندك حق، سأل القاضي الثالث وأنتَ ما أدراك انى ابن حرام ،قال: لأنك قمت بإرسال جاسوس علينا، ونحن فى بيتك ولا يرسل جاسوس على ضيوفه غير ابن الحرام.
قال القاضي هل تعلم ان لا يعرف أبن الحرام غير ابن الحرام مثله، قال نعم هذه مقوله عندنا
قال القاضي فأنت عرفتني انى ابن حرام فأنت ابن حرام (اذا انت عبد الله الذى لا يورث) .
وكنا عندكم وجئنا.

59
من حكايات جدتي ... الثالثة والأربعين
ست الحسن وعلاء الدين
اعداد : بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي نقلا عن جارنا ابو شاكر الذي تزوج مرتان، انه يبيت في منزل اخيه ولا يفضل الرجوع للمنزل بعد ما اشتد الخلاف بين الزوجتان وانه ينطبق المثل القائل عليه (ام حسين جنًتي بوحًدًه صرٍتي بآثنين). سئلنا جدتي عن قصة المثل قالت: في احد الايام صادف احد الرجال الفقراء المتعففين وهو في طريق عودته الى المنزل، طفل ملفوف بقطعة قماش موضوع على حافة الطريق، والطفل يصرخ ويبكي، تحنن قلبه وحمله وأخذه الى زوجته، كانت هذه الزوجة المسيطرة في البيت وزوجها يخاف منها وبيدها الحل والربط، وعندما اعلمها بأنه عثر على طفل لقيط في الشارع، جن جنونها وصرخت وطلبت منه أن يعيد الطفل الى مكانه وإلا ستترك المنزل وتهجره، توكل الرجل على الله وحمل الطفل وخرج من منزله لكي يعيده الى مكانه، وفي الطريق مر الرجل من امام حمام نسوان، فكر قليلا وتوقف ينظر الى بناية الحمام، جاءته فكرة، طرق باب الحمام عدة مرات حتى خرجت صاحبة الحمام ، قال لها: خذي هذا الطفل وأعطيه الى امه لان وقت رضاعته، وأنا سوف انتظر عند الباب، اخذت صاحبة الحمام الطفل منه، وسألته ما اسم ام الطفل؟ قال لها: اسمها أم حسين، دخلت صاحبة الحمام للداخل، وسألت النساء من هي أم حسين؟  أجابت احدى النساء وهي في العقد السادس: أنا أم حسين ، قالت لها صاحبة الحمام: خذي ابنك رضيعيه وأبوه ينتظره خارج أمام باب الحمام، أجابت أم حسين بعصبية وانفعال، زوجي مات من عشر سنوات، وعمري ستون سنة، ولا اعرف هذا الطفل، ولا عندي طفل، خرجت صاحبة الحمام وأم حسين يبحثون على الرجل، لم يجدا الرجل لأنه هرب . اخذت ام حسين الطفل وهي محتارة أين ستأخذه؟ وماذا تقول للذين يعرفونها، وأخيرا قررت الذهاب الى احد المساجد وتركه عند الباب وتهرب، ربما يجده احد المصلين ويأخذه . في ساعة متأخرة من الليل خرجت أم حسين متوجهة نحو المسجد القريب لمنزلها، وصلت بناية المسجد، وعند وضعها الطفل فوق عتبة الباب، بدأ الطفل يبكي ويصرخ، سمعها خادم المسجد الذي كان قريب من الباب، بدأ يصرخ وامسك ام حسين وقال لها ألا تخجلين يا امرأة كل يوم تتركين طفل عند باب المسجد، نادى على ابنه وقال له :( امشي بسرعة جيب الطفل اللكيناه البارحه)، دخل مسرعا وجلب الطفل الثاني وأعطاه لام حسين، وهددوها وطردوها من باب المسجد، رجعت ام حسين محتارة مهمومة وهي تردد:ام حسين جنتي بواحد صرتي بثنين.
نعود لحكايتنا اليومية، كان يا مكان في قديم الزمان،كان فلاح مع زوجته يعيشان سعيدان بدون أولاد أي (لا صبيان ولا بنات)، وفي يوم من الأيام سمعت زوجة الفلاّح منادي ينادي: ( تفاح الجبل للحبل، تفاح الجبل للحبل). طار عقلها من الفرحة وحنّت للأولاد، خرجت مسرعة من منزلها، ونادت على المنادي واشترت من البائع تفاحة جميلة خد أحمر وخد أصفر، ودفعت ثمنها من ما جمعته في حياتها من المال، وضعت التفاحة في الشباك حتى يعود زوجها من البستان، لتأكل التفاحة معه مساءً قبل أن ينام.
جاء الزوج تعباً وجائعاً فوضع عدّة الفلاحة في الإسطبل ودخل إلى البيت، رأى التفاحة فأعجبته واشتهاها وظن أن زوجته احتفظت له بها، فأكلها بلقمتين ووجد طعمها لذيذًا لم يذق مثله في حياته وجلس يحمد الله، في المساء بحثت المرأة عن التفاحة فلم تجدها، فسألت زوجها عنها فأخبرها أنه أكلها وشكرها عليها، فصاحت وناحت وقالت له: إنها تفاحة الجبل للحبل، وقد أكلتها لوحدك يا ويلي ماذا سيحدث معك، فضحك على عقلها وقال: عقلك صغير حتى تصدقي هذه الأمور.
مضت الأيام والشهور وقد نسيا موضوع التفاحة، لكن الرجل بدأ يشعر أن رجله تكبر، وأخذت تؤلمه فذهب إلى الطبيب، فتعجب من أمره وقال له: الغريب أن رجلك حامل وفيها ولد وهذا لم يحدث من قبل. خاف الرجل وفزع من هذا الأمر، واستحى أن يقول لزوجته الحقيقة، فلمّ أغراضه بحجّة أنه مسافر سفرة بعيدة، وذهب وسكن في الغابة وحده حتى جاءه المخاض تحت شجرة كبيرة، وكان على الشجرة طاووس وقاق (طائر أسود الرأس والجناحين) ، فساعداه حتى خرجت من رجله بنت حلوة مثل القمر، لفّها في بعض الملابس ووضعها على غصن شجرة، وعاد إلى بيته، وكأن شيئًا لم يحدث.
تقاتل الطاووس والقاق على الطفلة حتى تغلّبت القاق عليه، وأخذت الطفلة إلى عشها فأطعمتها، ورعتها، وسمتها ست الحسن حتى كبرت الصبية، وصارت سبحان الذي خلقها، وكانت تلعب مع الغزلان في البرية وتأكل من ثمار الغابة. في يوم من الأيام خرج الامير علاء الدين للصيد والقنص، فرأى الصبية سارحة مع الغزلان، فقال لرفاقه كل الصيد لكم إلا هذا الصيد لي، ولاحق الصبية حتى صادها بالشبكة، فتعجب من حسنها وجمالها كأنها البدر التمام، فأخذها إلى البيت وألبسها أحسن لباس وفرش لها أحسن غرفة في القصر، وأوصى أمه وبنت خاله التي تسكن معهم في القصر الاعتناء بها، لكنهما كانا بغياب علاء الدين يعاملاها معاملة الخادمة ويقسوان عليها.
أما علاء الدين فقد عشق الصبية ولم يعد يصبر عليها، فقال لأمه أنه يريد أن يتزوجها، فحاولت أمه منعه من الزواج منها، ولكنه أصرّ علي الزواج منها وعمل فرحاً كبيرًا وتزوجها، فوجدها مليحة وبنت ناس وصاحبة نخوة وناموس، وصارت ترعى البيت وتنظفه وتكنسه، وتطبخ الطعام وعاشا حياة سعيدة وفي أحسن حال.
بعد فترة من الزمن أراد علاء الدين أن يسافر في رحلة تجارة بعيدة، فأوصى أمه وبنت خاله أن يعتنيا بزوجته في غيابه، لكنهما بعد أن سافر علاء جعلتا الصبية تخلع ملابسها، وألبستاها ثياباً عتيقة وسخة، وضربتاها حتى ورم جسمها، وأعطياها كسرة خبز يابسة وطرداها من البيت، وهدّداها إن عادت سيقتلانها.
بعد رحيل الصبية ألبست الأم ثياب ست الحسن لبنت اخيها، وزينتها حتى صارت مثل زوجة علاء الدين، وعملت قبراً على أنه قبر بنت خاله، ولما عاد أخبرته أن بنت خالك ماتت، فحزن عليها حزنًا شديدًا، ورأى بنت خاله التي تنكرت على أنها زوجته حالتها متغيّرة، فسأل أمه عن هذا الأمر فقالت له: حالها تغيّر من الحزن على بنت خالك ومن غيابك عنها.
أما الصبية ست الحسن فقد مشت في البرية، حتى وصلت إلى شجرة كبيرة جلست تحتها تستريح من التعب والمشي، نعست ست الحسن ونامت ، مرّت القاق ورأتها على هذه الحال تذكرها فأخذتها إلى البيت، واعتنت بها وعرفت قصتها فطيّبت خاطرها وقالت لها: اصبري سيأتيك الفرج إن شاء الله، وتأخذين بثأرك من أعدائك.
في الصباح شيد القاق قصراً أحسن من قصر علاء الدين، وفيه حديقة وبستان فيها من كل الفواكه والثمار وما لذّ وطاب، وعيّنت لها حراساً وحاشية وخدّاماً فعاشت في القصر كالأميرات .
في يوم من الأيام مرّت بنت خال علاء الدين المتنكرة زوجته المزيفة من قرب سور القصر، فشاهدت العنب في البستان، فعادت إلى علاء الدين، وطلبت منه أن يجلب لها عنقوداً من العنب لأنها تتوحم، أرسل الخادم إلى القصر، وطرق الباب فأطلّت عليه صاحبة القصر ست الحسن من الشرفة وسألته ماذا يريد ؟ فقال لها: يا ستي أريد عنقود عنب لزوجة الامير علاء الدين لأنها تتوحم، فردت عليه: ( أمي اشتهت التفاحة وأبي  أكلها وحبل فيّ، والطاووس والقاق تقاتلوا عليّ، حملت بنت خال الامير و وحامها عليّ، روح يا مقص قص لسانه حتى لا يفسد عليّ). فقصّ المقص لسانه، وعاد الخادم ( يلغلغ) في الكلام فلم يفهم عليه سيّده شيئاً، وتعجّب علاء الدين مما حصل للخادم، فأرسل الثاني فعاد يلغلغ مثل الأول، فغضب علاء الدين وصمّم أن يعرف حقيقة الأمر، فذهب إلى القصر ودقّ الباب، فعرفته ست الحسن، أرسلت له الخادم ليسأله ما يريد، فقال للخادم: لقد أرسلت خادمي ليطلبا عنقوداً من العنب، فعادا ولسانهما مقطوع، فقصّ عليه الخادم القصة وكيف طلبا، وماذا ردّت عليهما ست الحسن، وكيف أن المقص قطع لسانهما، ولما سمع علاء الدين القصة شكّ بالأمر وأن سراً خطيراً وراءه، فطلب مقابلة صاحبة القصر، فأمرت الخادم أن يدخله فرآها مثل الأميرات جالسة على عرش من الذهب سبحان الذي خلقها، فعرفها وعرفته وسألها عن قصتها، فحكت له ما جرى معها منذ أن تركها وسافر وحتى الآن وما فعلت بها أمه وبنت خاله ، غضب من أمه وبنت خاله لأنهما خدعتاه ، وصمم أن ينتقم منهما، فطلبت منه ست الحسن أن يحضرهما إلى القصر، فذهب الخادم ودعاهما إلى القصر، ولما دخلا إلى الحديقة هفّت نفسهما على الفواكه الشهية، فأكلا منها بنهم، وأمرت سيدة القصر الخادم أن يطلق الكلاب الجائعة عليهما، فهجمت عليهما ونهشت لحمهما ولم يبق منهما إلاّ العظام، وأمر علاء الدين الخدم أن يجمعوا العظام ويدفنوها، وبينما كانت ست الحسن تمشي في الحديقة داست على عظمة منها، فصدر عن العظمة صوتاً ( زيق ) فقالت: ست الحسن زيق زقّك، حزن دقّك، أنتِ متّي وأنا استوفيت.
وعاشا في لذّة ونعيم وطيب وكنا عندكم وجئنا.
المصدر :التراث الشعبي .

60
من حكايات جدتي ... الثانية والأربعين
الغولة والبنات
بدري نوئيل يوسف
منذ صباح الباكر  نهضت جدتي من نومها مرتبكة وتكلم نفسها لأنها لا تجد من يساعدها في هذا اليوم، فقد اعتادت على تحضير البسطرمة كل عام، إنه بداية فصل الشتاء وأواخر فصل الخريف، تنتظر الحمال قادما من عند القصاب فقد اتفقت معه قبل يوم أن يرسل لها كمية من لحم العجل الطازج الذي يفرمه جيداً باليد أو بماكنة فرم اللحم، وقد حضرت جدتي كمية من الملح وخليط من البهارات الخاصة للبسطرمة (كزبرة ،كمون، فلفل أسود، كبابة، جوزة الطيب، مسمار اسود) مع كمية من الثوم الذي هرسته بالهاون.
 وصل الحمال وانزل اللحم في المطبخ وضع جدتي اللحم في الطشت وعجنه مع الثوم والبهارات، وبدأت تحشي اللحم بمصارين العجل أو البقر المتوفرة في سوق العطارين بعد غسلها جيدا بالماء الحار ، وتدعى بـ (الشردانة)، ومرات تحشى اللحم بأكياس نايلون شفافة في حالة عدم توفر المصارين ، يكون عرضها بحدود 5 سم وطولها بحدود  30 سم ،بعد ما تنتهي من تعبئتها تقوم إغلاقها، وربطها جيداً بالخيط،لمنع تسرب الهواء إليها، خشية أن تفسد، ثم تعلقها على الحبل، وتعرض في الهواء الطلق لمدة بضعة أيام حتى تجف، وعندئذ تصبح جاهزة للأكل.
ولجدتي طقس خاص لتحضير (البسطرمة)، فهي تقدمها في الصباح الباكر مقلية بالطاوة مع البيض (بسطرمة وبيض) وتقدم معها خبز التنور. ومرات في المساء تحضرها مقلية مع الطماطم، كخليط من (البسطرمة) والطماطم، وتصبح لذيذة جداً.
أما حكايتا لهذه الليلة حدتنا جدتي:كان في قديم الزمان، رجل حطّاب فقير الحال، مرضت زوجته وماتت وتركت له ثلاث بنات، بقى يعيلهن ويرعاهن، حتى كبرن وكبر هو أيضاً وشاخ وأصبح عاجزاً عن العمل، ولتأمين لقمة الطعام لبناته، قرّر أن يبيع البنت الكبرى بخمسمائة دينار، تقدم واشترتها غولة كانت تسكن في الجوار، فدفعت له ثمنها ألف دينار ففرح، وقبض المبلغ وبقي يصرف منه حتى انتهى، فعرض بيع البنت الوسطى فجاءت الغولة واشترتها ، ودفعت له ثمنها ألف وخمسمائة دينار، فطار عقله فرحا وأعطاها البنت، واستمر يصرف منه حتى انتهى، وجاء دور الصغيرة فباعها للغولة بألفي دينار، فأخذتها الغولة إلى بيتها، ولم تر أخواتها فسألتها عنهم فلم تجبها الغولة، ونامت عندها إلى الصباح فأيقظتها باكراً، وطلبت منها أن تنظف البيت وتشطفه وترتبه وتنتظرها حتى تعود، ففعلت البنت بكل جد ونشاط، وجلست تنتظر الغولة في المساء عادت الغولة ومعها اقسام الباجة (المعدة الكرشة والأمعاء الدقيقة) ، وسلّمتها إلى البنت وقالت لها: خذي هذه الباجة ونظفيها وأنت تضحكين وحشيها وأنت تضحكين، واطبخيها وأنت تضحكين، وأكليها وأنت تضحكين، إن نجحت بذلك سلّمتك مفاتيح القصر وأصبحت سيدة القصر، وإن فشلت سأعلقكِ في الغرفة السرية بجانب أخواتك، ففعلت البنت كما أمرتها الغولة إلى أن حان وقت الطعام، فتذكّرت أباها وأخواتها، تماسكت نفسها وصبرت حتى تفوز وتنقذ أخواتها. فرحت الغولة منها وسلّمتها مفاتيح غرف القصر جميعهم، وقالت لها:الآن أنتِ سيدة القصر وكل ما فيه تحت تصرفك، وبإمكانك أن تفعلين ما تريدين، وتحصلي على ما تريدين، ولكن أحذرك من أن تفتحي هذه الغرفة فتخربين سعادتك بنفسك.
كانت الغولة تخرج كل يوم من الصباح وتعود وقت المساء، بينما البنت الصغيرة كانت تفتح غرف القصر واحدة بعد أخرى، فترى فيها أشياء غريبة وعجيبة لم تحلم بها في حياتها من أجمل الثياب، وأنفس المفروشات، وأندر الجواهر واللؤلؤ والحلي والألماس وأدوات الزينة، وأشهى المأكولات مما لذّ وطاب فتمتعت ولبست وأكلت وتزينت وعاشت أسعد الأوقات، وبقيت على هذه الحال أياماً طويلة .
في أحد الأيام تذكرت والدها وأختاها، فحزنت وشعرت بالانقباض والاكتئاب، وتذكّرت أمر الغرفة التي منعتها الغولة من فتحها، فقامت في الحال وفتحتها، فذهلت عندما رأت أختاها معلّقتان في سقف الغرفة، وقد هدّهما الجوع والعطش، ونحل جسمهما وشحب لونهما، فأنزلتهما وأطعمتهما وسقتهما وعالجتهما، حتى صحّتا قليلاً، وحكت الاخت الكبرى لها كيف أتت بهما الغولة، وقدمت لهما الباجة واشترطت عليهما مثلما اشترطت عليها، ولكن عندما جلستا لتأكلا تذكرتا والدهما فبكتا، ففعلت بهن الغولة ما رأت. وعدتهما الصغيرة بأنها ستجد وسيلة لإنقاذهما، وقبل أن يحين وقت عودة الغولة أعادتهما كما كانتا، وجلست تفكر بطريقة للتخلص من الغولة.
جلست تراقب الغولة فرأتها تحمل صينية طعام إلى برج القصر، وتدخل وتغلق الباب لساعة من الزمن، وتعود إلى غرفتها وتنام، أثارت فضول الفتاة لمعرفة ما تفعل الغولة في البرج، فانتظرت بعد أن نام الجميع، أشعلت شمعة وتسللت إلى البرج، فرأت صالة كبيرة مفروشة بأحسن الأثاث، وفي إحدى الزوايا رأت شاباً جميل الطلعة وسيم الملامح، مقيداً من يديه ورجليه، ومعلقاً على الجدار وكان نائماً وقد أنهكه التعب، فاستغربت الأمر وأيقظته، وسألته عن قصته فأخبرها أنه ابن ملك أحبته الغولة وخطفته، وأرادت الزواج منه لكنه رفض فقيدته وعذبته، وهي تدخل عليه كل يوم بالطعام وتراوده عن نفسه وتطلب الزواج منه فيرفض، فتعذبه وتضربه حتى يغمى عليه، وسألها الشاب عن سبب وجودها في قصر الغولة، فأخبرته بحكايتها وحكاية أخواتها، واتفقا على التعاون والخلاص من الغولة، فأخبرها أن روح الغولة موجودة في عصفور، وضعته في قفص في غرفة نومها، وعليها أن تتسلّل إلى غرفتها في غيابها، وتجلب العصفور المطلوب، وتبدله بعصفور آخر وتترك له الباقي، ثم عادت الفتاة بهدوء ونامت في غرفتها.
في اليوم التالي خرجت الغولة إلى عملها، فأمسكت الفتاة بعصفور، ودخلت غرفة الغولة فأخذت العصفور من القفص، ووضعت الآخر مكانه، وحملته إلى الأمير ففرح به، وفكّت قيوده وجلسا معا يتسامران إلى أن اقترب موعد عودة الغولة، عاد الأمير مكانه ولفّ الحبل حول يديه ورجليه، وأخفى العصفور بيده، وعادت الفتاة إلى غرفتها وكأن شيئا لم يحدث .
بعد الغداء حملت الغولة صينية الطعام إلى البرج ودخلت على الأمير، فأطعمته وسألته أن يتزوجها فرفض، فغضبت منه وقالت له: إنها صبرت عليه كثيراً وأن صبرها نفد، فإن لم يوافق فستقتله وتتخلص منه، ورفعت قضيباً لتضربه وتعذبه، ففك قيوده وضربها ضربة قوية أوقعتها على الأرض، وأمسك العصفور بيده، وضغط عليه فتألمت الغولة وأحست بالاختناق، ورجته أن يبقي على حياتها، وله كل ما يطلب ويريد، وكانت الفتاة تراقب ما يحدث فدخلت وصرخت بالأمير أن يتخلص منها ولا يصدق وعودها، فضغط بقوة على العصفور فخرجت روح الغولة وماتت في الحال.فرح الجميع بخلاصهم، وحررت الفتاة أخواتها وهنأتهما بالسلامة، وحمل الجميع ما غلا ثمنه وخفّ حمله من القصر، وعادوا إلى ديارهم، وأقاموا الاحتفالات والأعراس وتزوج الأمير من الفتاة، وكان للأمير أخوان تزوج كل منهما فتاة، وعاشوا جميعاً بالهناء وسلام مع والدهن.
المصدر : من التراث الشعبي


61
من حكايات جدتي ...الحادية والأربعين
حكاية الغولة والأخوة
بدري نوئيل يوسف
حكت لنا جدتي حادثة لرجل موصلي، كان هذا الرجل يملك ديك، ومن كثرة صياحه ازعج المحلة وبالأخص عندما يقف فوق الجدار المشترك مع منزل جاره، والديك يصيح عدة مرات في اليوم وخاصة في الليل ينهض الجار من النوم منزعجا من صياحه. في احد الايام ذهب الجار الى صاحب الديك وطلب من ان يبعده او يبعه، لأنه ديك مزعج ولا يستطيع النوم من صياحه، اعتذر الرجل صاحب الديك من جاره وقال له :حق الجار على جاره ، غدا أنتَ مدعو عندي على غداء وسيكون الديك على رأس المائدة .
في اليوم التالي ذهب الجار الى منزل صاحب الديك وتناول طعام الغداء معه حتى امتلأت معدته، وشرب الشاي وأكل الحلويات، وعاد الى منزله ليأخذ قيلولة بعد هذا الغداء الدسم، ولم تمضي لحظات من وضع رأسه فوق المخدة حتى سمع صياح الديك، وهذه المرة اصوات متعددة خرج مسرعا ليعرف ما سبب الصياح ولكنه شاهد فوق سياج المنزل عدد كبير من الديوك، طرق باب الرجل صاحب الديك بقوة، وخرج الرجل مسرعا ليعرف ماذا جرى؟ تفاجأ عند رأى جاره وسأله هل عندك مشكلة، قال الجار: ارى على السياج واقف سبعون ديك ، أجابه صاحب الديك جاري العزيز : ذاك الديك الذي اكلته اليوم كان يشعل ابو ابوهم هذوله السبعين ديك ومسكتهم كلهم.
نعود الى حكايتنا اليومية :كان في قديم الزمان عائلة ذات ثمانية أفراد، تتكون هذه العائلة من سبعة أولاد ذكور و والدتهم الوالدة حامل في الشهر الأخير اشترط عليها أولادها أن تنجب لهم ولدا، و إلا فإنهم سيرحلون بعيدا إن كان المولود بنتا، انجبت الأم بنتا، فرحل عنها أولادها بقيت الام وحيدة مع ابنتها لان زوجها توفي قبل ثلاثة اشهر من حملها ،مرت الايام و كبرت البنت ،وهي لا تعلم ان لديها سبعة إخوة، علمت بذلك عندما كانت مع صديقاتها في الحي حيث تشاجرت مع إحداهن فسمعت منها كلاما جارحا: اذهبي وابحثي عن إخوتك السبعة الذين رحلوا بسببك، سمعت الفتاة هذا الكلام وذهبت إلى البيت مسرعة تنادي أمها: أمي أمي ، هل ما سمعته الآن صحيح؟ سألت الام : وماذا سمعتي؟
أجابت البنت: تقول صديقتي بأن لدي سبعة إخوة رحلوا بسببي. بدأت الأم بالإنكار ولكن البنت أصرت على معرفة الحقيقة فاعترفت الأم بأن اخونها تركوا المدينة لأنها ولدت بنت.
قررت الفتاة أن تبحث عن إخوتها، لكن أمها لم تدعها لصغر سنها، و لما كبرت البنت و أصبحت فتاة قوية
قررت البحث عن إخوتها السبعة استعدت الفتاة للرحيل، هيأت حصانا وكلبا ليحرسها وحضرت طعاما يكفيها لمسيرة سبعة أيام وانطلقت، كانت تسأل عن إخوتها في كل مكان، إلى أن وصلت إلى قرية سألت سكانها عنهم فأخبروها بوجود سبعة إخوة يعيشون هنا منذ سنين، فدلوها عليهم.
وصلت الفتاة إليهم وتعرفت على اخوتها وقصت عليهم قصتها وأخبرتهم بأنها تبحث عنهم ففرحوا بها لما رأوها، تعاطفوا معها ولانت قلوبهم تجاهها وفرحوا بها وعاشت معهم،كانت هذه الفتاة تتلقى معاملة جيدة من طرف إخوتها، أكرموها واهتموا بها كما يجب، وأصبحت هي السيدة التي تأمر وتجد كل ما تشتهيه وتريده أمامها، ابلغها الاخوة أختهم بأن تتنزه في أي مكان شاءت، وحذروها إلا أن تذهب للجبل فإن هناك غولة خطيرة.
وكان لهم خادمة سوداء هذه الخادمة غيورة وماكرة شعرت ذات يوم بأنها مهانة، وأنهم وجب عليهم أن يقدروا تعبها، فكرت هذه الخادمة في حيلة تعيد لها كرامتها، كان في تلك القرية عين ماء لا تصلح للشرب لأنها تتسبب في تحول لون البشرة إلى الأسود، ذهبت هذه الخادمة إلى العين وملأت منها الماء وأحضرته إلى البيت، و لما طلبت منها الاخت بعض الماء لكي تشرب أحضرت لها منه فشربت الاخت وتحولت إلى امرأة سوداء مثل خادمتها.
أما الخادمة الماكرة فبحثت عن عين ماء تسمى بالعين الحرة، التي تجعل الأسود أبيضا فشربت منها وأصبحت بيضاء، فذهبت إلى البيت، ارتدت ملابس سيدتها وانتظرت قدوم الإخوة السبعة من عملهم وتظاهرت بأنها أختهم، أما هم فلم يلاحظوا شيئا مما حصل، وأرسلوا أختهم معتقدين أنها الخادمة إلى البئر لتملأ الماء كالعادة ، لكن الأخت لم تستطع أن تقول الحقيقة خوفا من أن لا يصدقوها فاستسلمت لما حدث لها، وأخذت مكان الخادمة السوداء حيث كانت تعمل في البيت وتملأ الماء من البئر وترعى الإبل وكانت كلما خرجت للرعي تبدأ بالغناء وتقول: ارتفع يا حجر عاليا، الخادمة جعلوها سيدة وأنا جعلوني راعية للإبل، وكانت تردد هذا الكلام كل يوم إلى أن انتبه إليها أحد المقيمين بتلك القرية فاستغرب من كلامها وذهب إلى إخوتها وأخبرهم بما سمعه من خادمتهم، وفي اليوم التالي ذهب الإخوة إلى مكان الرعي وانتظروا مجيئها وبدؤوا بمراقبتها والاستماع إلى ما تقوله، بدأت الفتاة تردد كلماتها التي اعتادت قولها فسمعها إخوتها فعرفوها بأنها ليس الخادمة وأنها أختهم فأعادوها إلى البيت، وسألوا كل من يعرف طريقة التخلص من هذا السواد الذي في بشرتها فدلوهم على عين ماء تشرب منها فيخلصها من السواد، جلبوا لها ماء العين شربت منه وعادت إلى ما كانت عليه سابقا ، أما الخادمة فقد أسروها ، وقدموها إلى أختهم وطلبوا منها أن تفعل بها ما تشاء طلبت الفتاة من إخوتها ذبح الخادمة والتخلص من جسدها، إلا رأسها فقد جعلته مع الحجر الذي يوضع في حفرة النار التي يوقدون عليها النار لتحضير الطعام، بقي هذا الرأس في هذا المكان وكان يذوب شيئا فشيئا من تأثير النار عليه إلى أن أصبح صغيرا جدا فأخذه القط ليلعب به.
ذات يوم أثار هذا القط إزعاج الاخت بلعبه بالرأس فانتزعته منه فهددها القط قائلا: أعطيني إياه وإلا تبولت داخل حفرة النار فأطفئها لك، وكانت تخاف من أن يفعلها وترده إليه ساخطة من فعله هذا وذات يوم انتزعته منه وهددها كعادته، ولكنها هذه المرة اشتد غضبها منه فقالت له :افعلها إذن، ففعلها القط وتبول داخل حفرة النار وأطفأها. احتاجت الفتاة إلى النار لتحضر الطعام لإخوتها فلم تجد وسيلة لإشعالها، خرجت ورأت ضوء النار في الجبل قررت الذهاب لتأتي ببعض منه ناسية تحذير إخوتها لها، اتجهت الفتاة نحو الجبل. ها هي الغولة تراها من بعيد ، تتميز الغولة بذكائها الخارق وعرفت انها قادمة نحوها، بدأت الغولة بتثبيت مسامير أمام بيتها موجهة القسم المدبب من المسامير إلى الأعلى، ولما وصلت الفتاة إلى بيت الغولة ، طرقت الباب ونادت: جدتي، أريد بعض النار، كانت الغولة تتعمد عدم سماعها جيدا كي تتمكن من الانتهاء مما تفعله ، سألتها: ماذا ؟ أتريدين غربالا ؟
أجابت الفتاة: لا ، أنا أريد بعض النار وهكذا إلى أن فتحت لها الباب بعد انتهاءها من تثبيت كل المسامير ، فدخلت الفتاة فوجدت نفسها تمشي على مسامير و كانت تتألم والدماء تنزف من رجليها،رحبت الغولة بها ولما عرفت مقصد الفتاة إليها أعطتها ما تحتاجه من جمر وضعتها في طبق وعادت الفتاة إلى البيت ولم تنتبه لما وقعت فيه فقد جعلت خلفها طريقا من الدم يدل الغولة على مكانها هي و إخوتها،عرف إخوتها بذهابها هناك أنبوها و قالوا لها: ألم نحذرك من الذهاب إلى هناك ؟ الآن ستبحث عنك و تأتي و تآكلنا جميعا ،قرر الإخوة أن يتخلصوا من الغولة إذا ما جاءت إليهم حيث صبوا كمية من البنزين في غرفة الجلوس، و حفروا حفرة من الخلف أسفل الجدار ، جاءت الغولة و هي تستدل بآثار الدم عن مكانهم وصلت وهي متظاهرة بالبراءة وحسن النية وتقول: أين أولاد أختي؟ أنا خالتكم ،
رحب بها الإخوة وأدخلوها لغرفة الجلوس وأغلقوا الباب واتجهوا خلف الغرفة إلى تلك الحفرة وأشعلوا النار فارتفع لهيبها إلى السماء وماتت الغولة حرقا وتخلص منها أهل القرية، بعد مرور أيام من هذه الحادثة، بدأت تظهر نباتات برية في مكان الحريق، نباتات يانعة خضراء تجذب كل من ينظر إليها، ولكن الإخوة حذروا أختهم من أن تقطف منها لتحضير الطعام لأنها قد تكون سامة، لكن الفتاة أبهرها منظرها وقالت في نفسها: كيف لهذه النباتات اليانعة أن تكون سامة، إنها نفسها التي كانت تحضر لي منها والدتي، فأصرت على قطفها وحضرت بها طعاما لإخوتها
لما جاء الإخوة مساءا من عملهم، تناولوا العشاء بدؤوا يتحولون إلى طيور الواحد تلو الآخر، والفتاة تنظر إليهم مندهشة و دون وعي، إلى أن أدركت أخاها الأصغر فمنعته من الأكل، احتارت ماذا تفعل و كيف تسترجع إخوتها ولم تكن تجيد إلا البكاء ، لكن أخاها الأصغر ذهب بحثا عن حل لإخوته إلى أن توصل إلى عين ماء تجعلهم يرجعون إلى طبيعتهم فأخذهم إليها و شربوا منها وعادوا بشرا كما كانوا ،وعادوا إلى أمهم وعاش الجميع بسلام.
المصدر : من التراث الشعبي.



62
من حكايات جدتي ... الأربعون
الرجل الفقير والعجوز والقطع الذهبية

بدري نوئيل يوسف
عادت جدتي منزعجة من منزل جارنا ابو البنات وعندما سألتاها عن السبب قالت: نقلا عن زوجته أم البنات أن زوجها اراد ان يدق مسمار على الحائط وطلب من ابنته ان تذهب الى منزل جارهم أبو تغريد، وتطلب منهم جاكوج
(مطرقة) ، عادت البنت وأعلمته ان أبو تغريد لا يعرف إن وضعه ، طلب من ابنته للمرة الثانية ان تذهب الى جارتهم أم مشتاق وعندما عادت اعلمته بنته أن أبو مشتاق اخذه معه، وطلب للمرة الثالثة من ابنته ان تذهب الى أبو فريال جارهم الثالث، عادت البنت وأعلمته ان جاكوجهم مكسور، هز رأسه أبو البنات منزعجا وغضب غضبا شديدا، وشتم وسب جيرانه لأنهم لم يقدموا له أي مساعدة واتهمهم بالبخل والغيرة وأنهم يحسدونه ، وقال لابنته بعصبية : (بنتي جاكوجنا بالصندوق جيبه).   
بعدها حدثتنا جدتي حكايتها اليومية قائلة: كان هناك رجلاً فقيراً تزوج من امرأة وأنجبا طفلاً، فقرر الرجل السفر لطلب العيش، فاتفق مع امرأته على عشرين عاماً من السفر، وإذا زادت يوماً واحداً فإن المرأة حرة طليقة تفعل ما تشاء، وعدته زوجته بذلك فسافر وتركها وولده الذي لم يبلغ شهراً واحداً، سافر الرجل إلى إحدى البلدان حيث عمل في طاحونة قمح لدى رجل طيب وسر منه صاحب الطاحونة لنشاطه.
بعد عشرين عاماً قال لصاحب الطاحونة: لقد قررت العودة إلى البيت لأن امرأتي وعدتني بأن تنتظرني عشرين عاماً وأريد أن أرى ما الذي يجري هناك.
قال له صاحب الطاحونة: اشتغل عندي عاماً آخر أرجوك فقد تعودت عليك كما يتعود الأب على ابنه، لكن الرجل قال: لا أستطيع لقد طلبت الدار أهلها وحان الوقت كي أعود فقد مضى على غيابي عشرون سنة، وإذا لم أعد إلى البيت هذا العام ستتركه زوجتي، أعطاه صاحب الطاحونة ثلاث قطع ذهبية وقال له: هذا كل ما أملك من الذهب، خذها فهي ليست بكثيرة عليك، أخذ الرجل القطع الذهبية الثلاث واتجه نحو قريته، وفي طريقه إلى القرية التقى به ثلاثة من المارة كان اثنان من الشباب والثالث رجل عجوز.
تعارفوا وبدؤوا بالحديث بينما الرجل العجوز لم يتكلم ولا كلمة، بل كان ينظر إلى العصافير ويضحك فسأل الرجل: من هذا الرجل العجوز؟ أجاب الشابان: إنه والدنا، قال الرجل: لماذا يضحك هكذا؟ أجاب الشابان: إنه يعرف لغة الطيور وينصت إلى نقاشها المسلي والمرح، فسأل الرجل: لماذا لا يتكلم أبداً ؟ أجاب الشابان: لأن كل كلمة من كلامه لها قيمة ثمينة وحكمة،  قال الرجل: وكم يأخذ؟ أجاب الشابان: يأخذ قطعة ذهبية مقابل كل جملة.
تساءل الرجل في نفسه: إنني إنسان فقير هل سأصبح أشد فقراً؟ إذا ما أعطيت هذا العجوز قطعة ذهبية واحدة كفاني اسمع ما يقول، فأخرج من جيبه قطعة ذهبية ومدها إلى العجوز، فقال العجوز: لا تدخل في النهر العاصف وصمت وتابعوا مسيرتهم.
قال الرجل في نفسه: عجوز فظيع يعرف لغة الطيور ومقابل كلمتين أو ثلاثة يأخذ قطعة ذهبية ، ترى ماذا سيقول لي لو أعطيته القطعة الثانية؟
مرة أخرى تسللت يده إلى جيبه وأخرج القطعة الذهبية الثانية وأعطاها للعجوز، قال العجوز عندها: في الوقت الذي ترى فيه نسوراً تحوم اذهب واعرف ما الذي يجري، وصمت وتابعوا مسيرتهم.
قال الرجل في نفسه: اتعجب بماذا يقول، كم من مرة رأيت نسوراً تحوم ولم أتوقف ولو لمرة واحدة  لأعرف ما المشكلة! سأعطي لهذا العجوز القطعة الثالثة، بهذه القطعة ومن دونها لن تتغير الأحوال.
للمرة الثالثة تسللت يده إلى جيبه وأمسك بالقطعة الأخيرة وأعطاها للعجوز، أخذ العجوز القطعة الذهبية وقال: قبل أن تقدم على فعل أي شيء عد في عقلك حتى خمسة وعشرون، وصمت، وتابع الجميع المسير ثم ودعوا بعضهم وافترقوا، اتجهى الرجل إلى قريته، وفي الطريق وصل إلى حافة نهر وكان النهر يعصف ويجر في تياره الأغصان والأشجار تذكر الرجل أول نصيحة أعطاها العجوز له لا تحاول دخول النهر، جلس على ضفة النهر وأخرج من حقيبته خبزاً وبدأ يأكل، في هذه اللحظات سمع صوتاً وإذ به يرى فارساً وحصاناً أبيضاً، سأله الفارس: لماذا لا تعبر النهر؟ أجاب الرجل: لا أستطيع أن أعبر هذا النهر الهائج، فرد عليه الفارس: انظر إلي كيف أعبر هذا النهر البسيط، وما إن دخل الحصان النهر حتى جرفه التيار مع فارسه، كانت الدوامات تدور بهم وغرق الفارس، أما الحصان فقد تابع السباحة من حيث نزل وعاد الى جهة الرجل، أمسك الرجل الحصان وركبه وبدأ البحث عن جسر للعبور، ولما وجده عبر إلى الضفة المقابلة ثم اتجه نحو قريته، في طريقه يمر بالقرب من شجيرات كثيفة رأى ثلاثة نسور كبيرة تحوم.
كلمَ الرجل نفسه: سأرى ماذا هناك، ترجل عن الحصان واختفى بين الأشجار وهناك رأى ثلاث جثث هامدة وبالقرب منها حقيبة من الجلد، تقرب من الجثث واخذ الحقيبة ولما فتحها وجدها مليئة بالقطع الذهبية، كانت الجثث لقطاع طرق سرقوا في أثناء الليل أحد المارة ثم جاؤوا إلى هنا ليتقاسموا الغنيمة فيما بينهم، ولكنهم اختلفوا في الأمر وقتلوا بعضهم بعضاً بالمسدسات، أخذ الرجل النقود ووضع على جنبه مسدس وتابع سيره، وفي المساء وصل إلى بيته وفتح الباب الخارجي ووصل إلى ساحة الدار وقال في نفسه: سأنظر من النافذة لأرى ماذا تفعل زوجتي.
كانت النافذة مفتوحة والغرفة مضاءة، نظر من الشباك فرأى طاولة وسط الغرفة وقد غطتها المأكولات وجلس إليها اثنان الزوجة ورجل لم يعرفه كان ظهره للشباك، فارتعد من هول المفاجأة وقال في نفسه: أيتها الخائنة لقد أقسمت لي بأن لا تتزوجين غيري وتنتظريني حتى أعود، والآن تعيشين في بيتي وتخونيني مع رجل آخر!
أمسك على قبضة مسدسه وصوب لداخل البيت ولكنه تذكر نصيحة العجوز الثالثة أن يعد حتى الخمسة والعشرين،
قال الرجل في نفسه: سأعد حتى الخمسة والعشرين وبعد ذلك سأطلق النار، وبدأ بالعد، في هذه الأثناء كان الفتى يتحدث مع الزوجة ويقول: يا والدتي سأذهب غداً في هذا العالم الواسع لأبحث عن والدي، يصعب أن أعيش بدونه يا أمي.ثم سأل: كم سنة مرت على ذهابه؟ أجابت الأم: عشرون سنة يا ولدي، عندما سافر أبوك كان عمرك شهراً واحداً فقط.ندم الرجل وقال في نفسه: لو لم أعد لارتكبت مصيبة وتعذبت عليها أبد الدهر، وصاح من النافذة: يا ولدي، يا زوجتي، اخرجوا واستقبلوا الضيف الذي طالما انتظرتموه.
وختمت جدتي حديثها قائلة: ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ القصة ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ أو ﻣﻦ ﻣﺤﺾ الخيال ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻔﻜﺮ ﻗﺒﻞ ﻋﻤﻞ أي شيء نريده ﻟﻜﻰ ﻻ نندم ﻓﻰ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ.
المصدر : من التراث الشعبي العراقي

63
من حكايات جدتي ... التاسعة والثلاثين
حكاية القطاه والغزالة والحمار
بدري نوئيل يوسف
في هذا اليوم كانت جدتي مشغولة بتحضير طاسه الحنة (الحناء)، فخلطت الحنة والوسمة ( نص بنص) وعجنتها بماء الشاي الخدران حتى يكون اللون غامقا وثابتا وهذه الخلطة للمتقدمات بالعمر، وتنتظر جدتي جارتنا التي ستقوم بصبغ شعرها بهذه الخلطة، والعادة تجلس جدتي امام جارتنا التي تقوم بوضع الحنة على شعرها وتلبس دشداشة قديمة لا يهمها صبغها او تلوثها بالحناء، فتبدأ الجارة بوضع الحناء على شعر جدتي (خصلة .. خصلة) وبعد الانتهاء من صبغ الشعر كله،تعصبه بقطعة قماش من الملابس القديمة التي احتفظت بها جدتي لمثل هذه المناسبة ، وكلما ظلت الحنة على الشعر مدة اطول تعطي لون اجمل، ومرات تبات جدتي والحنة على شعرها، وفي صباح اليوم التالي تذهب الى الحمام. والغاية من صبغ شعرها في هذا اليوم لأنها سترافق جارتنا للذهاب لخطوبة صبية لابنها ولكي تكسب شعرها اللون الاحمر المرغوب عندها، ومرات تستعمل الحنة لتقوية شعرها حيث تخلط الحناء بقشور الرمان او الدباغ أو تخلط الحناء بصفار البيض مع مسحوق الكزبرة وورق التفاح اليابس، أما جارتنا لها وصفة خاصة تخلط الكركم مع الحناء حتى يميل لون شعرها الى الاصفرار لإشباع رغبتها في اختيار اللون الذي تميل اليه، ومرات إذا ارادت ان يكون شعرها (بني طوخ) خلطت الحناء بالقهوة المطحونة او عجنها بماء الشاي (الخدران).
في المساء تجمعنا حول جدتي وحدثتنا :
كان ما كان وعلى الله التكلان كل من عنده ذنب يقول التوبة واستغفر الله، يحكى ان قطايه (قطا) وغزالة وحمارا قد اجتمعوا في البرية وبعد ان تم التعارف بينهم، واخذ كل واحد منهم يشكو ظلم ابن الإنسان وقوته على الحيوانات خصوصا عليهم الثلاثة . فقالت القطاية: كلما رآني صادني وذبحني وأكلني من دون ان يرحم أطفالي .
وقالت الغزالة: أما انا فلا يكتفي بأكل لحمي بل بسلخ جلدي ويستعمله بسطا .
وقال الحمار: أما انا يشغلني من الصبح الى المساء حتى إذا أنهكت قواي شدني ووضع أمامي قبضة من الحشيش والتبن لاتسمن ولا تغني من جوع ، أكل منه الضرب الموجع ويخزني أحيانا بالعصى فيخرج الدم مني، وأنا صابر على هذا الجور ، فأي حياة هذه التي نحياها مع الانسان ؟.
وبعد اخذ ورد وشرح وبكاء وتوجع قرروا أن لا عيشة لهم مع بني البشر بعد الآن، وان عليهم ان يجدوا محلا بعيدا لا تصلهم يده ليعيشوا، حتى يأتيهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وقرروا ان يختاروا محلا بعيدا يزرعون فيه ويفلحون ويأكلون على ما يشتهون، فتطير القطاية الى القرى تلتقط الحب من بيدرها حنطة أم شعيرا وتأتي بها الى أرضهم لتنثرها .
أما الغزالة فتولى مهمة بذر الحبوب لسرعتها وكثرة جريها، أما الحمار فيقوم بحرث الارض وهي مهنته بالأصل ، وبعد ان تم العهد والميثاق على ذلك ذهبوا الى المحل الموعود، واختاروا لهم بقعة خالية بعيدة عن العمران بمسافة شهر، فقام الأخير وهو الحمار يحرث الارض وعزقها، وطارت القطاية الى القرى والبلدان والحقول لجلب البذور ، وقامت الغزالة بالبذر، وانتهت أعمالهم خلال شهرين من الزمان وسقطت الأمطار الغزيرة على مزرعتهم وطلع الزرع وكبرت السنابل، وكانوا يجتمعون كل يوم في المزرعة للسمر والحديث حتى إذا تأخر الوقت بهم قام الكل، فأوت القطاية الى عشها والغزالة الى كنها والحمار الى أخوره .
وفي احد الايام تمارض الحمار واستلقى ووضع جنبه بالأرض ويتلوى ويتألم متحايلا، وبعد ان غادرت القطاية والغزالة الحقل انتصب على رجليه ودخل الحقل واخذ يلتهم الزرع، دخل فيه من راس وخرج من راس ولم يبق شيئا وعاد الى محله الاول، كما هي عادته غط في نوم عميق ويصدر عَنْهُ صَوْتٌ فِي نَوْمِهِ مِنْ حَلْقِهِ وَأَنْفِهِ، حتى اقبل الصباح جاءت الغزالة والقطاه الى الحقل كعادتهما فوجدتا لم يبق من الزرع شيء وقد خلا من كل السنابل ، فأخذهما العجب وقصدا الحمار وايقضاه واخبراه بالموضوع كله فقال :
إني مريض ولم أقم من مكاني، ولم اعرف ماذا جرى ؟ منذ تركتماني البارحة.
وبعد جدال وعراك اخذ الواحد منهم يتهم الآخر، وأخيرا اتفقوا فيما بينهم ان يحلفوا يمينا على عدم أكله الزرع أمام بئر، فتوجهوا إليه يحثون الخطى، وكان أول من تقدم الى البئر لأداء القسم القطاية فبعد ان استغفرت الله على ما تقدم من ذنوبها وما تأخر، قالت بصوت رقيق: قط… قط… انا القطيط ،  قط…قط… أكلي اللقيط،  قط… قط… يا بير ، قط… قط… إن كان أكلت، اطمس ما اطلع . قالت هذا وقفزت الى البئر من جانب وطلعت من الجانب الثاني ، وبعدها تقدمت الغزالة من البئر واستغفرت الله على ما تقدم من ذنوبها وما تأخر ثم قال بصوت رخيم : غز… غز… انا الغزيل ، غز غز… أكلي الزرير ، غز… غز… يا بير ، غز… غز… إن كان أكلت ، اطمس ما اطلع .
ثم قفزت من جهة من البئر وغطست وخرجت من الجهة الثانية ، ثم تقدم الحمار الى البئر وصلى واستغفر على ما تقدم من ذنوبه وما تأخر ، ثم قال بصوت غليظ : حم … حم انا الحمير، حم… حم أكلي الشعير ، حم… حم… يا بير ، حم… حم، إن كان أكلت ،حم… حم… اطمس ما اطلع. قال هذا وقفز الى البئر قفزة عظيمة فسقط في الأسفل ومات .
( كنا عدكم وجينا لو كان عندي حمل زبيب لوزعته على المستمعين)
المصدر : من التراث الشعبي العراقي

64
من حكايات جدتي ... الثامنة والثلاثين
أربع رغبات
بدري نوئيل يوسف
في هذا اليوم كانت جدتي مرتبكة ومستعجلة في تحضير بقجتها هي قطعة قماش مربعة الشكل منها المطرز والمبطن وتوضع بداخلها مستلزماتها من المناشف والصابون والكيس والمعدسي والحكاكي والطاسة والمقعد والقبقاب وراس گيل التي ستأخذها الى الحمام، وتنتظر "نقالة البقج" وهي المرأة التي تنقل من الدور السكنية الى الحمام البقج لقاء مبالغ مالية محددة، وكانت المناسبة مشاركتها نسوة المحلة في الاحتفال داخل الحمام بجارتنا أم البنات بعد سبعة ايام من ولادتها البنت الثامنة وتسمى المرأة عندئذ بـ (الامفيس)، والمناسبة يطلق عليها (حمام السبعة).  وداخل الحمام عادات وطقوس لابد من مراعاتها وكثيرا ما توزع المأكولات في الحمام ويشرب الجميع الشاي والدارسين ثم ترجع النسوة الى بيوتهم بعد صلاة العصر.
في المساء تجمعنا حول جدتي بعدما حدثتنا عن الحمام وطقوسها بدأت تحكي حكايتها اليومية.
كان يا ما كان وعلى التكلان، عاش في قديم الزمان فلاح عجوز وكان عنده أربعة ابناء، ذات مرة استدعى ابناءه وقال لهم:سمعت أن في الكون عجائب كثيرة، اذهبوا واعرفوا هل صحيح ما يقوله الناس وارجعوا الى البيت بعد ثلاث سنوات، ودع الإخوة الأربعة والدهم باحترام وتفرقوا في جهات مختلفة الاول الى الشمال، الثاني الى الجنوب ، الثالث الى الشرق، أما الرابع فذهب الى الغرب، عند انقضاء المدة المحددة رجع الأبناء واحداً بعد الاخر الى البيت، وراح والدهم يسألهم عما رأوه وتعلموه قال الولد الاول: في الشمال يوجد أناس مدهشون يرون ما هو مخفي عن عين الإنسان، يستطيعون الحصول على كل شي يريدونه، عشت ثلاث سنوات بين هؤلاء الناس وتعلمت كل شيء يعرفونه.
اقترب الولد الثاني من والده وقال:في الجنوب يعيش بشر مدهشون على بعد بضعة كيلومترات يستطيعون تمييز حبة الرمل. وأنا الان ايضا استطيع ان ارى كل ما اريده.
 ضحك الابن الثالث ضحكة ساخرة انحنى امام ابيه وحياه قائلا: في الشرق علموني فن الرماية بدون خطأ، اما العجائب فلم أر منها شيئاً، وأنا ايضا لم ار عجائب، قال الابن الاصغر: في الغرب علموني خياطة كل شيء بشكل ماهر بحيث لا تستطيع عين الانسان ان ترى غرزات الخياطة وبهذه المعرفة رجعت الى البيت.
أصغى الأب لأبنائه وقرر أن يجري اختباراً لهم .
على مسافة مائة من هنا تنتصب صخرة نبتت عليها شجرة، ماذا يختبئ بين أغصان هذه الشجرة  نظر الابن الثاني في البعد وقال :هناك بين الأغصان عش رمادي اللون وفي العش ثلاث بيضات، قال الاب للابن الاكبر: أحضر لي تلك البيضات. مد الابن الاكبر يده وفي لحظة صارت البيضات الثلاث في يده .
ابتسم الاب ونظر الى ابنه الثالث: الان دورك يا ولدي . خذ سلاحك وصوب باتجاه البيضات بحيث تقسم كل واحدة الى نصفين متساويين تناول الاخ الثالث القوس ، وصوب وبسهم واحد اخترق البيضات الثلاث فانقسمت كل واحدة الى قسمين متساويين، اما الابن الاصغر فكان يقف جاهزاً حاملاً الابرة والخيط كي يخيط البيضات بلحظة خاط الاخ الاصغر القشرة،  اخذ الاب البيضات وقلبها بين يديه فلم يرى اي اثر للخياطة فابتسم وقال:حسناً عرفتم وتعلمتم الكثير الان لا اخاف من الموت لن تضيعوا في هذه الحياة.
انحنى الابناء لوالدهم ،وخرجوا من البيت ليشاهدوا الناس وأثناء تجوالهم في القرية شاهدوا أعلاناً كبيراً ملصقاً على حائط مكتوب عليه : (فقد الملك كنوزاً لا تعد ولا تحصى هي عزة الوطن من يجد هذه الكنوز له ما يطلب ويتمنى كل رغبة له سيحققها الملك العظيم ).
قرأ الأخوان الاعلان ثم عادوا الى البيت وقصوا على والدهم كل شيء اصغى لهم حتى النهاية وقال: ابحثوا عن الكنز يا أبنائي واحضروها فهي ليست للملك بل لبلادنا ولشعبنا، صار الاخ الثاني ينظر في كل الاتجاهات نظر الى الشمال والغرب اما في الجنوب وفي جزيرة تبعد حوالي بضعة كيلومترات، رأى كنوزاً لا تعد ولا تحصى مخبأة في صخرة عالية يحرسها تنين هائل قال العجوز لابنه الاكبر :يا بني احضر هذه الكنوز ، هز الابن رأسه وقال :لا استطيع لوحدي ان ارفع هذه الكنوز انها ثقيلة جداً يظهر ان علينا جميعاً ان نبحر من اجلها صنع الاخوة قارباً كبيراً وانطلقوا الى الجزيرة النائية، وأثناء ذلك كان الاخ الثاني ينظر ويراقب التنين وتصرفاته وعندما وصلوا الى الجزيرة قال لإخوته: لا تسرعوا في تخليص الكنوز لان التنين يبقى اياما كاملة يحرس الثروة، لا يشرب ولا يأكل إلا مرة واحدة كل عشر ايام، يغيب قليلاً ليسبح في البحر ويأكل ،غداً موعده وعندها ننطلق لنستعيد الكنوز.
في اليوم الثاني نزل التنين العملاق الى البحر اما الاخوة فتسللوا الى الصخرة واخرجوا الكنوز الضخمة وحملوها على القارب وبدؤوا طريق العودة وعندما رجع التنين الى الصخرة اكتشف ضياع الكنوز نظر نحو البحر فلاحظ في المدى قارباً فأطلق صوتاً رهيباً وهب للحاق بهم.
رأى الاخوة التنين يلحق بهم فقالوا: لأخيهم الثالث انقذنا، تناول الاخ الثالث القوس شد الوتر وأطلق السهم مباشرة في قلب التنين، زأر التنين المخيف ضرب بذنبه الضخم، وغاص في قاع البحر وفي تلك الدقيقة أرعدت السماء فجأة وهبت في البحر أمواج عاتية، وضربت موجة كبيرة القارب فكسرت لوحاً خشبياً، وبدأ القارب يغوص أما الاخ الاصغر فصاح لا تخافوا يا إخوتي، ساعدوني في اصلاح قاربنا أمسك احدهم باللوح الخشبي وادخل الاخر الخيط في الابرة وأصلح الاخ الاصغر القارب بمهارة فائقة لدرجة ان لا احداً يصدق ان الخشبة كانت مكسورة .
 وصل الاخوة الى الوطن سلموا الكنوز الى الملك فقال لهم:لأنكم انقذتم الكنوز التى لا تعد ولا تحصى سأحقق لكم الرغبات التي تطلبونها تقدم الاخ الاكبر من الملك وقال:ليست لي من رغبة سوى ان تعطي الارض الفلاحين انحنى الاخ الثاني بعده وقال :ليست لي من رغبة سوى ان تقدم لكل فلاح ثوباً جديداً.
خرج الى الامام الاخ الثالث وطلب من الملك اطلاق حرية الفلاحين المسجونين بسبب الديون أما الرابع فطلب من الملك تعيين قضاة عادلين، ولم يكن امام الملك إلا ان يحقق رغبات الاخوة الشجعان فرح الفلاحون وصاروا يشكرون الفتيان، أما هم فكانوا يجيبون:يجب إلا تشكروننا نحن بل اشكروا والدنا الذي علمنا والى الاعمال الصالحة ارشدنا.

65
من حكايات جدتي .. السابعة والثلاثين
اربع حكايات لبهاء الدين قراقوش
بدري نوئيل يوسف
كانت جدتي مشغولة بتحضير طعام الغداء، سمعت صوت جراخ السكاكين ينادي بصوته العالي (چراخ سكاكين چراخ)، يعلن قدومه للزقاق، حملت معها سكاكين وساطور المطبخ وخرجت مسرعة تنادي عليه، وطلبت منه أن يحدها أي يجعلها قاطعة.چراخ السكاكين رجل يحمل على ظهره دولابا من الخشب، ركب عليه قرص من حجر المسن وهو مصنوع من مادة تسمى الكوربراندم، يدور بواسطة قايش من الجلد خلال حركة الدولاب الكبير الخشبي، عندما يضغط الچراخ على خشبة صغيرة بأحدى قدميه يضع السكين على القرص الحجري من الجهة القاطعة فيتطاير الشرر نتيجة احتكاك السكين بالقرص الحجري الدوار وبذلك تصبح السكين بتارة. ودفعت له عشرون فلسا.
في المساء اجتمعنا حولها حدثتنا جدتي عن طرائف الأمير بهاء الدين قراقوش (وهو أحد قواد صلاح الدين الأيوبي، نال ثقته فولاه حكم مصر، فأنشأ فيها القلعة وهو الذي أنشأ سور القاهرة).
تقول الحكاية الاولى: في احد الايام جاء فلاح إلى قراقوش يشكو لصا سرق من داره دجاجة، وقدَّم شاهدا، وعند استجواب اللص واعترافه، أعلن قراقوش الحكم التالي: يغرم اللص دينارا، وصاحب الدجاجة يغرم دينارا، والشاهد يغرم دينار أيضا، وعندما سُئل عن حيثيات هذا الحكم البهلواني قال:حكمت على اللص لأنه معتد على مال غيره، وعلى صاحب الدجاجة لأنه قصَّرَ في حفظها، ولما سئل ما ذنب الشاهد يا مولانا؟!
أجاب قراقوش: لأنه تدخَّلَ فيما لا يعنيه.
أما الحكاية الثانية تقول :في ليلة مظلمة خرج حرامي من بيته ليسرق من عباد الله النائمين، فقفز لشباك بيت التاجر فانكسر الشباك وسقط الحرامي، وانكسرت رجله فغضب الحرامي من التاجر، وذهب برجله المكسورة لعند قراقوش يبكي ويشتكي فسأله قراقوش: ماذا بك ؟ من كسر لك رجلك ؟
فأصبح الحرامي يبكي ويحكي القصة قائلا: انا قفزت لبيت التاجر لأسرقه ولكن الشبك انكسر ووقعت وانكسرت رجلي، وأريد أن تأخذ حقي من التاجر، ففكر قراقوش وقال للحرامي:لا تخاف يا ابني حقك راح تأخذه بعون الله، نادى قراقوش على مساعده وأمره بأخذ الرجال والذهاب لإحضار التاجر .
أتى التاجر وهو واثق من نفسه أنه لم يفعل شيئاً يغضب قراقوش، فأراه رجل الحرامي وعاتبه أنه السبب في كسرها، لأنه قفز لشباك البيت وانكسر الشباك، ووقع فانكسرت رجله وحكم قراقوش بالإعدام على التاجر .
استغرب التاجر على هذه القصة والحكم بالإعدام فكر بهدوء قائلا: لست انا السبب يا قراقوش بل النجار الذي صنع الشباك ولم يركبه جيداً .
فكر قراقوش وقال: معك حق وأمر رجاله أن يأتوا له بالنجار حالاً، أتى النجار وهو يتظلم ويحلف بأنه لم يعمل شيء
فأخرسه قراقوش وهدده بأنه سيعدمه حالاً، لأنه لو كان أجاد عمل الشباك لم سقط الحرامي المسكين وانكسرت رجله، فدافع النجار عن نفسه بأنه ليس له ذنب بل الذنب ذنب بنت تلبس فستاناً أحمر، مرت أمامه وهو يُرَكبْ الشباك فلم يضبطه جيداً، وترجى قراقوش بقوله ان السبب البنت ذات الفستان الأحمر .
فكر قراقوش ثم أمر رجاله بإحضار البنت ذات الفستان الأحمر، فأحضروها له ودافعت عن نفسها بعد تهديد قراقوش لها بالإعدام، وقالت: ان السبب هو الصباغ الذي صبغ الفستان باللون الأحمر، فأمر قراقوش رجاله بإحضار الصباغ، الذي لم يعرف كيف يدافع عن نفسه حين قص عليه قراقوش القصة، وواجهه بالتهمة فسلم الصباغ أمره لله ولم يعرف ما يقول فحكم عليه قراقوش بالإعدام .
ولكن الصباغ كان طويلاً ولم يستطيعوا إعدامه، حيث أنه أطول من اعمدة الإعدام وليس عندهم اعمدة بطوله لتناسب إعدامه فأخبروا قراقوش، فأمرهم بإحضار أي صباغ قصير، فكلهم سواسية بالصبغ وتنفيذ الإعدام به بدلاً من الصباغ الطويل فأتوا بصباغ قصير وأعدموه وهكذا طبقوا عدالة قراقوش.
أما الحكاية الثالثة : أنه كان بمصر تاجر غني بخيل، و كان له ولد يقترض بأسمه، و استمر الاقتراض حتى زاد عليه الدين ولم يمت أبوه، فاتفق مع الدائنين على أن يدفن والده بالحياة لكي يستطيع من الورث تعويض ديونهم، و انقضوا عليه بالفعل ذات يوم فغسلوه و كفنوه ووضعوه في النعش و هو يصيح و لا يُغاث، فلما وصلوا إلى المسجد للصلاة عليه، صادف أن قراقوش كان مارا فنزل وصلى عليه مع المصلين و سمع الميت المزعوم ذلك، فصاح مستغيثا وهو يقول: يا مولاي أنقذني من ولدي فهو يريد دفني وأنا حي. فقال قراقوش للولد: كيف تفعل ذلك بوالدك؟ فقال: هو كاذب يا مولاي، فإني لم أغسله و لم أحمله في التابوت إلا و هو ميت، و هؤلاء الحاضرون يشهدون بذلك، فقال قراقوش للحاصرين، أتشهدون بصحة ما قال؟ فقالوا: بلى نشهد. فالتفت قراقوش للميت و قال: كيف أصدقك وحدك وأكذب هؤلاء الحاضرين؟ روح اندفن لئلا تطمع فينا الموتى، و لا يبقى أحد يدفن بعد هذا اليوم. فحُمل الرجل و دفن وهو حي.
أما الحكاية الرابعة :قيل إن امرأة أتت بولدها إلى قراقوش فقالت: يا سيدي بهاء الدين إن ولدي يشتمني.‏ فأمر بحبسه سنة فلم تذق أمه تلك الليلة طعم النوم، فلما أصبحت راحت إلى السجانين وقالت: ما الحيلة في خلاص ولدي من هذا الحبس؟‏ فقالوا لها: اعطيني حلاوتنا ونعرفك ماذا تفعلين وتقولين للأمير بهاء الدين قراقوش.‏
فدفعت اليهم النقود وقالوا لها: اذهبي الان إلى الأمير وقولي له: يا سيدي أنا امرأة حبست لي ولدي سنة كاملة وقد انقضت السنة، فأخرج لي ولدي من الحبس.‏فأتت المرأة إلى الأمير قراقوش وقالت له ذلك، فقال لها: اذهبي الآن فلا جدال في أنه قد بقي له من السنة سبعة أيام سوى أمس وغد.‏ فمضت المرأة وأعلمت السجانين فقالوا لها: هذه نعمة.‏
فإذا كان الغد اذهبي إليه وقولي له: قد انقضت سبعة أيام.‏ فأصبحت المرأة وجاءت إلى قراقوش فلما نظر إليها قال: يا امرأة حتى تغرب الشمس! ثم نادى خادمه قائلا :يا غلام: إذا غربت الشمس فأطلق لها ولدها من الحبس، ثم قال للمرأة ولا ترجعن أو تجيبيه ، سوف يحبسونه سنتين.‏

66
من حكايات جدتي ... السادسة والثلاثين
فراسة فتاة
بدري نوئيل يوسف
كانت جدتي تحتفظ بماعون من الخزف عليه صورة للملك فيصل الاول، وشاء القدر أن ينكسر الماعون الى نصفين . يبدو على جدتي الضجر والقهر فهي تعتز بهذا الماعون، ولكنها كانت تترقب خياط الفرفوري أو فخفوري قدومه الى المحلة وهو ينادي (خياط فرفوري). بالإضافة الى الماعون فقد احتفظت جدتي ببعض المواعين والكاسات الخزفية المكسورة ، يتم تصلحيها فهي من مظاهر الاعتزاز بالشيء والاقتصاد بالنفقات البيتيه.
خياط فرفوري: مهنة قديمة عفى عنها الزمن فاندثرت منذ زمن بعيد، حيث كان يتم اصلاح قطع الخزف الصيني عندما تكسر. يقوم خياط الفرفوري بمثقب خاص لديه بعمل ثقوب في قطع الخزف المكسورة ويربطها بسلك معدني ويلحمها بمادة النورة المخلوطة بصفار البيض ويتركها إلى أن تجف  القطعة وتكون صالحة للاستخدام مرة أخرى.
في هذا اليوم جاء الى زقاقنا خياط الفرفوري وهو ينادي وخرجت جدتي تنادي عليه وبعد ان اتفقا على سعر التصليح جلس فوق عتبة باب الدار ليصلح القطع الخزفية ويعيدها صالحة للاستعمال لقاء اجر ضئيل .
نعود لحكايتنا الاسبوعية حدثتني جدتي: يُحكى أن شيخاً طاعناً في السنّ راودته فكرة الزواج بعد وفاة زوجته، فطلب من أبنائه أن يبحثوا له عن فتاة علَّهم يجدوا مَنْ توافق على الزواج منه، واستغرب الأبناء لهذا الطلب الذي جاء في غير أوانه، خاصة وأن أباهم رجل شيخ وفي مثل هذه العمر المتقدمة، غير أن إصرار أبيهم، وعدم رغبتهم في إغضابه جعلهم ينزلون عند طلبه، ويحاولون تلبية رغبته.بعد فترة قصيرة من البحث وجدوا فتاة في مقتبل العمر توافق على الزواج من أبيهم الشيخ خطبوها إليه، وبعد عدة أيام زفُّوها إليه، ودخل الشيخ على عروسه الشابّة وقضى ليلته عندها، ولكنه في صبيحة اليوم التالي لم يخرج، وعندما استبطأه ذهبوا أبناؤه إلى خيمته الصغيرة، التي تزوّج فيها فوجدوه على فراشه وقد فارق الحياة. شعروا الأبناء والدهم هذه قسمته ، فجهزوه ودفنوه، وعادت العروس بعد ذلك إلى بيت أهلها بعد هذا الزواج القصير الذي استغرق عدة ساعات.
أما العروس جاءها من أقاربها يخطبها فزوّجوها إليه أهلها قبل انقضاء العدّة الشرعية، وبعد فترة الحمل أنجبت لزوجها الجديد ابناً ذكراً، ثم أنجبت له بعد ذلك أولاداً آخرين .
كان الابن الأكبر يساعد أباه في أعماله ويعينه في شؤونه، غير أن الأب كان لا يمنحه أي شعور بالمحبة، ولا يجعله يشعر بأي شيءٍ من حنان الأبوة، بعكس إخوانه الآخرين، الذين كان يعاملهم بكلّ رفق، ولا يضنّ عليهم بشيء، بل إن الأب كان يضرب ذلك الابن دائماً، ويعامله بكل فظاظة وقسوة، ولا يجد له رحمة في قلبه .
كبر الصبي مع إخوانه وعاش ظروفاً قاسية، كان دائماً عوناً لأبيه في أعماله، برغم كلّ هذه المعاملة القاسية التي يعامله والده بها، وفي أحد الأيام ذهب الوالد ليعمل في حرث الأرض ومعه الصبي هذا، ولأسباب تافهة ثارت أعصاب الأب وقام بضربه ضرباً مبرحاً آلمه كثيراً مما جعله يهرب من بين يديه، ويهيم على وجهه وظلَّ الصبيّ يعدو حتى وصل إلى خيمة، يقيم بها بعض الأخوة وحولهم أغنامهم ومواشيهم، فاستجار بهم من ظلم أبيه وقال لهم: أنقذوني من أبي فقد ضربني حتى كاد يقتلني، فَهَدَّأَ أصحاب البيت من روعه وأعطوه ماءً ليشرب ويهدأ قليلاً، وبعد أن استراح بعض الشيء حدثهم عن معاملة أبيه القاسية له بعكس إخوانه الذين يعاملهم معاملة طيبة رقيقة، أما هو فمحروم من كل شيء، وهو يشغله معه في الحراثة ورعي الأغنام ونَشْل الماء لهم من البئر، وغير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يطلبها من أبنائه الآخرين، شعر صاحب البيت بميلٍ شديد نحو الصبي فسأله: ومن هو أبوك ؟ فقال : أنا ابن فلان ، وسأله أيضاً: ومن هي أمك ؟ فقال: أمي فلانة بنت فلان . فقال صاحب البيت : أنت لست ابناً لهذا الرجل، بل أنت أخي ، فقال له الصبي: وكيف أصبحت أخاً لك وأنا لم أشاهدك في حياتي قبل هذه المرة ، فقال الرجل: لا تستعجل فسأخبرك بذلك في حينه، وبعد ساعة من الزمن جاء أبو الصبي يريد أخذ ابنه من عندهم لأنه كان يتبعه وهو يهرب منه، ولكن الأخ الأكبر قال له: هذا ليس ابنك أيها الرجل، بل هو أخي. فقال الرجل: كيف أصبح أخوك خلال هذه الساعة، إنه ابني ولكن يبدو أنه جرى لعقلك شيء، أو تكون قد جننت حقاً !.
فقال الأخ الأكبر: لن أتركه لك إلا بعد أن نتقاضى ونحتكم عند أحد الشيوخ، فإن كان ابنك فخذه، وإن كان أخي سآخذه أنا، وقال له سنلتقي غداً في بيت الشيخ فلان، فهل ترضى به حَكَمَاً بيننا، فقال الرجل:ونعم الشيخ، واتفقا أن يجتمعا عنده في اليوم التالي ليفصل بينهما في هذه القضية المعقدة ، وفي اليوم التالي ذهب الأخوة ومعهم الصبي إلى بيت الشيخ المذكور، ثم جاء غريمهم أبو الصبي، وكان بيت الشيخ بعيداً فما وصلوه إلا في ساعات العصر، فرحب بهم الشيخ واستقبلهم استقبالاً حسناً، وبعد أن استراحوا، شرح كل واحد منهم حجته لذلك الشيخ، فقال لهم: لن أحكم بينكم قبل أن أقدّم لكم واجب الضيافة ولكنني أريد من هذا الصبي أن يساعدني في بعض الأمور، ودعا الشيخ الصبي ليفهمه ما يريد منه فخرج معه إلى جانب البيت، فقال له الشيخ: أنت ترى يا ابني إنكم ضيوف عندي، ولا بد من عمل ما يُقَدَّمَ إِلى الضَّيْف لكم، وأغنامي بعيدة، وأريد منك أن تذهب إليها فهي ترعى قرب الوادي الفلاني ومعها ابنتي، فغافِل ابنتي واسرق منها خروفاً واحمله وأحضره إليّ لكي أعمله عشاءً لكم ولا تدع الفتاة تراك أو تحسّ بك.
فذهب الصبي وغافل الفتاة ثم حمل خروفاً كبيراً وسار يعدو به حتى أحضره إلى الشيخ الذي ذبحه وأعدّ منه عشاءً لهم . وفي ساعات المساء وبعد أن تناول المختصمون عشاءهم عند ذلك الشيخ عادت الفتاة ومعها أغنامها إلى البيت فجاءت إلى أبيها وعلى وجهها ملامح الحزن وقالت لأبيها وعلى مسمع من الضيوف : لقد ضاع مني اليوم خروف يا أبي ، سألها : وكيف ضاع منك ؟ هل أكله الذئب ؟ أجابت: لا بل سُرِق .
سألها والدها: وهل رأيت الذي سرقه أجابت: لا ولكنني عرفته. استغرب الوالد وسألها: كيف عرفتِه ولم تبصره عيناكِ ؟ قالت: وجدت أثر أقدامه فعرفته من أثره ، فهو صبي أمّه شابّة وأبوه شيخ هَرِم . قال لها أبوها: وكيف تثبتي لي ذلك ؟ قالت: إن أثره صغير كأَثَرِ صبي لم يبلغ بعد. قال أبوها: حسناً ولكن كيف عرفت أنه ابن شيخ هرم ؟
قالت: عرفته من أثره أيضاً، فوجدت خطواته مرة تكون طويلة ومتباعدة ومرةً تكون قصيرة ومتقاربة، فعرفت إنه عندما كان يأتيه العزم والقوة من ناحية أمه ، فكان يعدو فتبعد خطواته عن بعضها البعض، وعندما تأتيه القوة من عند أبيه فكان يتعب فتقصر خطواته، فعرفت أن أمه شابّة وان أباه شيخ هرم. فقال لها الشيخ: اذهبي الآن يا ابنتي وسنبحث عن الخروف فيما بعد. ثم نظر إلى ضيوفه وقال لهم: هل سمعتم ما قالته الفتاة ؟ قالوا: نعم سمعنا .
قال الشيخ: وبذلك تكون قد حُلّت القضية، فأما أنت أيها الرجل فالصبي ليس ابناً لك، وأما أنت أيها الصبي فالحق بإخوانك وعد إلى أهلك. وبهذا أكون قد حكمت بينكم .بذلك تكون فراسة الفتاة البدوية حكماً فطرياً أنقذ الصبي من ظلم أبيه المزعوم، وأعاده إلى حضن إخوانه الذين فرحوا كثيراً بعودته إليهم.
المصدر : التراث الشعبي

67
من حكايات جدتي ... الخامسة والثلاثين
كثرة اللقم تطرد النقم
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي في احدى الليالي الباردة ونحن نجلس بالقرب من مدفئة نفطية، بأن هذه القصة حقيقية حدثت في مديرية الالبان العامة في سبعينيات القرن الماضي وقد سمعتها من احد الاقرباء.  قررت الحكومة انشاء مديرية عامه لبيع الالبان، فتم شراء الابقار من الذين يرغبون لبيعها الى الحكومة وبأثمان مجزية، ولغرض توسيع وازدياد عدد الابقار في المديرية، قرروا استئجار ثور يقوم بمهمته التناسليه من امرأة تمتلك هذا الثور .
فقام الثور بمهمته على احسن ما يكون لقاء مبلغ يدفع لصاحبة الثور في كل مرة، ويرجعون الثور الى صاحبته وتمت هذه الموافقة بينهما ولا توجد اي مشكله، في يوم من الايام فكر السيد مدير عام ( مديرية الالبان العامه ) بشراء ذلك الثور من تلك المرأة لقاء مبلغ مغري لا تستطيع ان ترفضه، فأجتمع مجلس ادارة المديرية باجتماع فوق العادة وقرروا بالإجماع شراء ذلك الثور .
وتم تأليف وفد من ثلاثة موظفين للذهاب الى مقابلة هذه المرأة وإقناعها ببيع ثورها اليهم، والمدير العام لازال في انتظارهم على احر من الجمر (متلهف)، فوافقت المرأة على ذلك ودفعوا المبلغ السخي لها وجاءوا به فرحين ،وتم الاحتفاء به وذلك بتقديم عشاءا له ومن اطيب الاكل لكي يقوم بواجبه على اتم وجه وبذلك سوف يوفر مبالغ طائلة للمديرية وانتظوا، وانتظروا يوما بعد يوم وهم في فارغ الصبر ولكن لا يوجد اي (عمل) وهذا الثور لا يحرك ساكنا . وبعد أن ملوا وضجروا، قرروا عقد اجتماع عاجل( فوق العادة ) واضطراري، لتدارس الموقف وإرسال وفد لمقابلة تلك المرأة والاستفسار منها، لماذا الثور لا يقوم بعمله ؟ عقد الاجتماع ودرسوا كل المعطيات والظروف المحيطة بالثور وعلاقته مع الابقار ونوع العلف والراحة النفسية للثور وتوصلوا الى تشكيل وفد ، توجهوا لمنزل المرأة وشرحوا لها الموقف والكسل الذي اصاب الثور ، وسألوها ما نوع الاكل الذي يأكله عندما كان معها ؟فأجابتهم بأنها كان توكله ما تبقى من طعامها وما تقع يدها عليه من حشائش الارض! فردوا عليها بأنهم يعطوه احسن الطعام وكل ما يشتهيه ولكن لا يقوم بعمله الموكل اليه !!فردت عليهم :( تدرون ليش هذا الثور ما يشتغل ؟ ).
قالوا: لا ! فردت عليهم: هذا الثور صار موظف حكومي... بعد ما يشتغل !
نعود لحكايتنا الاسبوعية يا احبائي :كان يا ما كان في قديم الزمان، يحكى أن امرأةً رأت في الرؤيا أثناء نومها أنَّ رجلاً من أقاربها قد لدغته أفعى سامة فقتلته ومات على الفور، وقد أفزعتها هذه الرؤيا وأخافتها جداً، وفي صبيحة اليوم التالي توجهت إلى بيت ذلك الرجل وقصّت عليه رؤياها وعَبَّرَت له عن مخاوفها ، وطلبت منه أن ينتبه لما يدور حوله ، ويأخذ لنفسه الحيطة والحذر .
فنذر الرجلُ على نفسه أن يذبح كبشين كبيرين من الضأن نذراً لوجه الله تعالى، عسى أن ينقذه ويكتب له السلامة من هذه الرؤيا المفزعة. وهكذا فعل، ففي مساء ذلك اليوم ذبح رأسين كبيرين من الضأن، ودعا أقاربه والناس المجاورين له، وقدم لهم عشاءً دسماً، ووزَّعَ باقي اللحم حتى لم يبقَ منه إلا ساقاً واحدة.
وكان صاحب البيت لم يذق طعم الأكل ولا اللحم، بسبب القلق الذي يساوره ويملأ نفسه، والهموم التي تنغّص عليه
عيشه وتقضّ مضجعه، فهو وإن كان يبتسم ويبشّ في وجوه الحاضرين، إلا أنه كان يعيش في دوامة من القلق والخوف من المجهول .
لَفَّ الرجلُ الساقَ في رغيفٍ من الخبز ورفعها نحو فمه ليأكل منها، ولكنه تذكّر عجوزاً من جيرانه لا تستطيع القدوم
بسبب ضعفها وهرمها، فلام نفسه قائلاً: لقد نسيت تلك العجوز وستكون الساق من نصيبها، فذهب إليها بنفسه وقدّم لها تلك الساق واعتذر لها لأنه لم يبقَ عنده شيء من اللحم غير هذه القطعة.
سُرَّت المرأةُ العجوز بذلك وأكلت اللحم ورمت عظمة الساق، وفي ساعات الليل جاءت حيّة تدبّ على رائحة اللحم والزَّفَر ، وأخذت تمص العظم و ما تبقى من الدهنيات وبقايا اللحم عن تلك العظمة وتصدر صوتها عند كسرها، فدخلت الجهة المعقوفة منه عظم الساق في حلقها ولم تستطع الحيّة التخلّص منه، فأخذت ترفع رأسها وتخبط العظمة على الأرض وتجرّ نفسها إلى الوراء وتزحف محاولة تخليص نفسها، ولكنها عبثاً حاولت ذلـك، فلم تُجْدِ محاولاتها شيئاً ولم تستطع تخليص نفسها .
وفي ساعات الصباح الباكر سمع أبناء الرجل المذكور حركة وخَبْطاً وراء بيتهم فأخبروا أباهم بذلك، وعندما خرج لمعرفة حقيقة الأمر وجد الحيّة على تلك الحال، وقد التصقت عظمة الساق في فكِّها وأوصلها زحفها إلى بيته، فقتلها وحمد الله على خلاصه ونجاته منها، وأخبر أهله بالحادثة فتحدث الناس بالقصة زمناً، وانتشر خبرها في كلّ مكان، وهم يرددون المثل القائل:" كثرة اللُّقَم تطرد النِّقَم .




68
وضع حجر الاساس لبناء كنيسة مريم العذراء في سودرتاليا
بدري نوئيل يوسف
من هنا كانت البداية، معظم الحكايات تبدأ بتلك العبارة الأسطورية والمتداولة التي حفظناها عن ظهر قلب من الجدّة، كان يا مكان في قديم الزمان، أو ما يشبه هذه العبارة تكون في بداية الحكاية، تبدأ حكايتنا ما دام في قلوبنا أمل سنحقق الحلم سَنمضي إلى الأمام ولن تقف في دروبنا الصِعاب، وهذا يعني أنّ الحكاية ليست من زمن بعيد، في بداية الشهر التاسع  من عام 2004 وافق المجلس الرعوي لكنيسة مار يوحنا في سودرتاليا برئاسة الاب ماهر ملكو على مقترح حول المباشرة بجمع التبرعات بحساب خاص لغرض انشاء كنيسة كلدانية في سودرتاليا .
حكاية تجمع بين الواقع والخيال ليكون الزمن تقديريًّا والمكان خياليًّا إنها مجرد فكرة من أفكار الإنسان الطموح، محاولة تفاؤل، محاولة لإعادة حضارتنا وثقافتنا في بلد الغربة،فكرة طرحت في الاجتماع.
تبدأ الأحداث بشكل متسلسل فنبدأ الحكاية ، شكلت لجنة وكان شعارها لندخل في سباق الحياة ونحقق الفوز بعزمنا فاليأس والاستسلام ليست من شيمنا، والتفاؤل تلك النافذة الصغيرة، التي مهما صغر حجمها، إلّا أنها تفتح آفاقاً وبدأت اللجنة اول خطواتها بمراجعة البلدية للحصول على قطعة الارض، كان اعضاء اللجنة متفائلون بسبب العزيمة التي كانت معهم، يشد على ايدهم ويشاركهم الاب ماهر ملكو ويحثهم على متابعة الحصول على قطعة ارض، عشرات الاجتماعات واللقاءات مع المسئولين، وطرقت اللجنة ابواب المطرانية الكاثوليكية في السويد، وعرضت عليهم الفكرة التي لاقت المباركة من سيادة المطران وكل الدعم من الإداريين، ولكن أين تكمن المشكلة ، أين المبلغ الذي يكفي للبناء؟ شدا الرحال سيادة المطران اندش والأب ماهر الى امريكا طالبين الدعم والمعونة من الجالية هناك، ولن يمدوا لهم يد المساعدة، وبدءوا يجمعون أي مبلغ فائض عن مصاريف الكنيسة ويدخل في حساب البناء ، ولكن "أبواب الجحيم لن تقوى عليها"، لقد أسس يسوع كنيسته على الصخرة، لن يستطيع أحد مهما كانت الظروف أن يقوى عليها ، تقدمت الكنسية الكاثوليكية المانية بملغ كمساعدة اولى، اعطى للجنة قوة وإصرار على المواصلة، عرضت البلدية على اللجنة عدة مواقع منتخبة وبدأت زياراتها للمواقع الى ان وقع الاختيار على هذه الارض التي ستقام فوقها الكنيسة ، وكلف المهندس بإعداد التصاميم اللازمة. واصل الاب سمير مهامه كاهن الرعية الكلدانية في سودرتاليا وتابع اعمال اللجنة بكل جهد وفكر وحماس ، ثم استلم الاب پول الذي كانت اول المهام الملقاة على عاتقه بناء الكنيسة شد العزم مع اعضاء اللجنة وتحقق الحلم . اليوم المطرانية الكاثوليكية تبني الكنيسة بعد ان وفرت المبالغ اللازمة مضافا لها المبلغ الذي جمعته اللجنة ومازالت تطلب الدعم والمساعدة.
ثلاثة عشرة عام والرعية في دوامة بين متشائم ومتفائل، المتفائلون هم النور الذي يضيء طريق اللجنة في الظلمة، ويجعلهم اقوياء لتحقيق الحلم والامل، وان ينظروا للحياة بعيون حالمة بعيدة كل البعد عن اليأس والتشاؤم.
والمتشائمون اشتدّت فيهم الحيرة وعصف بنفسهم قلق هائل جعلهم فريسة لأفكار شتّى تنازعهم وتتقاذفهم ذات اليمين وذات الشّمال وتتلاعب فيهم كالرّيشة في مهبّ الرّيح ، وتلقيهم في خضمّ من التّساؤلات الحائرة ، ومنهم من تراهن على قطع ذراعه إذا وضع حجرا فوق حجر، ما أصعب و أمرّ أن يقع الإنسان في قبضة المراهنة الخاسرة فيدهوره و يحطّم معنوياته ، عقدت المفاجأة المذهلة لسانهم و شلّت أطرافهم وجعلتهم يحملقون و هم مشدوهين غير مصدّقين لما رأت عيناهم عندما اصبح الحلم حقيقة ، أجل، أبواب الجحيم لن تقوى عليك يا كنيسة المسيح، لأنها بُنيت على صخرة الإيمان، إنها الصخرة التي لا تعرف الهزيمة، فما بني على الصخر لا يتزعزع أبداً ، إنها القلب الذي يجمع أبناء الله الذي ينبض بمحبة وسلام المسيح، أفرحي واقرعي أجراسك في سودرتاليا بل في جميع أنحاء المسكونة، ولا تقلقي، إن الله معك منذ الأزل، وحتى نهاية العالم.
السابع عشر من كانون الأول 2016  في جو بارد تغطي الثلوج الارض وتحت خيمة اجتمع الاحبة والأصدقاء 
لوضع حجر الاساس لبناء المركز الثقافي المسيحي (كنيسة مريم العذراء) كان على رأس المجتمعين سيادة المطران اندش اربوليوس مطران الكنيسة الكاثوليكية في السويد، شاركه الزائر الرسولي للكلدان في اوربا المطران سعد سيروب بحضور الاباء الكهنة الكلدان العاملين في ستوكهولم وجمع من الكهنة من بقية الطوائف وعدد من المسئولين في البلدية ممثلة برئيسة البلدية وجمع من أبناء الرعية، على امل ان ينجز العمل نهاية العام 2017.
تحيّة مقرونة بأسمى معاني الاحترام والإجلال لمن بدأ ومن رافقه طيلة السنوات الماضية، والى من تابع المهمة فقد كانا الابوين سمير وپول خير خلف لخير سلف حتى وصلت الى وضع اللبنة الاولى ( أنت الصخرة سأبني كنيستي)


69
من حكايات جدتي ... الرابعة والثلاثين حكاية حديدان والسعلوة

بدري نوئيل يوسف
اليوم كانت جدتي سعيدة جدا، فقد جاء مبيض القدور لمحلتنا، وهو رجل يتجول في الازقة والطرقات وينادي بصوت عالي(بيّاض المويعين مْبَيضْ)، (جمع ماعون باللهجة الموصلية)، والقصد ادوات الطبخ من القدور وأواني صغيرة والمصافي والطاوات (جمع طاوة) أي المقلاة والصينية والطشت)، وأخذ مواعيننا النحاسية  لكي يبضها وجدتي تثق بهذا الرجل كل الثقة، وبعد ان يعيدها مطلية نظيفة يستلم منها اجوره، هذا الرجل يقوم بجلي وتبييض الأواني النحاسية بواسطة مسحوق (النشادر) ومادة القلاي(القصدير)، هذه العملية تجدد الأواني المنزلية وتغطيها بطبقة برّاقة عازلة تمنع تفاعل النحاس مع الحوامض التي تؤدي إلى التسمم، علما أن جميع ادوات المطبخ المستعملة في المنزل بل في المنازل العراقية سابقا كلها كانت مصنوعة من الصفر (النحاس).
حدثتنا جدتي أن هذه الحكاية سمعتها من جدها يعني عمر الحكاية اكثر من خمسة وتسعون عاما.
قالت:كان يا ما كان على الله التكلان،كل من عنده ذنب يقول التوبة واستغفر الله، في قديم الزمان كان هنالك ثلاثة اخوة، الكبير اسمه (حديدان)، والأخ الوسط أسمه (كعيبان)، والصغير اسمه (نخيلان) .
كان بيت حديدان من حديد، وبيت كعيبان مبني من كعيب  ، و بيت نخيلان مبني من نخالة، وهذه البيوت كانت مبنية في الصحراء، بعيدة عن المدينة لا يوجد حارس عليها، ولهذا كان اصحابها يغلقون الابواب من قدوم الليل حتى الصباح. في يوم من ايام  الشتاء طلعت السعلوة ( الداميي) بالليل تتجول، وتبحث عن اكل لها ولأولادها، شاهدت بيت نخيلان وطرقت الباب أجاب نخيلان: من الطارق وماذا تريد؟
أجابت: انا السعلوة افتح الباب جئت حتى اكلك.
أجاب نخيلان: اذهبي وابتعدي عني ما عندي أكل وليس لك عندي شيء.
تعصبت السعلوة وغضبت كثيرا ونفخت على بيت نخيلان نفخة واحدة طار البيت، وأصبح  غير موجود، لأنه كان مبني من النخالة الخفيفة ومسكت نخيلان وقطعته قطع صغيرة واكلته وأخذت جزء منه لأولادها.
وفي الليلة التالية جاءت السعلوة لبيت كعيبان وطرقت الباب أجاب كعيبان من أنتِ وماذا تريدين ؟
أجابت السعلوة بصوتها الغليظ الذي يخافه الجميع: انا السعلوة افتح الباب جئت لأكلك .
أجاب كعيبان: اذهبي وابتعدي عني ما عندي اكل وليس لك عندي شيء.
غضبت وتعصبت السعلوة وركلت باب المنزل بقوة تهدم المنزل لأنه كان مبني من كعيب خفيفة  وأمسكت كعيبان وقطعته قطع صغيرة وأكلته وأخذت جزء منه لأولادها.
 وفي احدى الليالي جاءت الى بيت حديدان وطرقت الباب لم يرد عليها، صرخت بصوت عالي:حديدان، حديدان افتح الباب جئت لأكلك ، لم يرد حديدان، تعصبت وغضبت السعلوة، وبدأت بالتهديد والوعيد لكي يخاف، وأنها جاءت لتأكله وتصرخ: افتح الباب وإلا سأهدم المنزل على رأسك.
رد عليها حديدان: أنتِ يا سعلوة انا بيتي من حديد ولا تقدرين تحركيه من مكانه .
حاولت السعلوة كسر الباب لم تقدر، وحاولت، وحاولت فتح الباب حتى جرحت يداها، وجرى الدم منها فلم تقدر.
 تركت منزل حديدان وذهبت الى الاسكافي حتى يخيط الجروح في يداها، ثم رجعت لبيتها تعبانة، وظلت تراقب حديدان وتتربص له وتنتظر الفرصة السانحة لها حتى تأكله.
في احد الايام ذهب حديدان لحافة النهر مكان فيه اشجار، حتى يرفه على نفسه لأنه كان مقهور وحزين، عرفت السعلوة أنه خرج من بيته فتبعته ولحقت اثار قدميه، عرف حديدان أنها تتبعه فخاف كثيرا وبدأ يفتش عن مكان يختفي فيه، عثر عند حافة النهر على بطيخة كبيرة، حفرها ودخل بداخلها، لكن اذنتاه بقيت خارج البطيخة،
شاهدت السعلوة حديدان وهو يدخل داخل البطيخة، فرحت كثيرا وتقربت منه، وأمسكت اذنتاه وبدأت تغني:
(شردان ... بردان.. كنا اذان حديدان)، بعدها كسرت البطيخة وأخرجت حديدان وأمسكته وشدته بالحبل وحملته على ظهرها، وذهبت الى منزلها فرحانة سعيدة بصيدها حديدان، دخلت المنزل وقالت لأبنتها (شرنته): بنتي احرقي التنور وحضريه حتى نشوي حديدان، وأنا سأذهب الى الحداد لكي يحد اسناني حتى اكل و اتهنا بحديدان.
خرجت السعلوة من المنزل وبدأ حديدان بالغناء حتى يستطيع ان يخدع ( شرنته)، وكان صوته عذب، سمعت شرنته صوت حديدان وتعجب منه وأعجبها صوته كثيرا، قال له: صوتك جميل جدا غني لي اكثر.
فجاوبها حديدان: تعالي فكي الحبل وسوف تشاهدين كيف اغني احلى من هذا الغناء وارقص؟
صدقت شرنته بكلامه، فكت الحبل عن حديدان، وبدأ يغني وشرنته تضع الاخشاب بالتنور وتشعله، أصبح التنور  حار، غافل حديدان شرنته وحملها ورماها داخل التنور، وبدأت تحترق وتركها وهرب قبل عودة امها السعلوة .
وصل حديدان منزله وصعد فوق السطح، رجعت السعلوة لمنزلها اشتمت رائحة لحم مشوي، توقعت ان بنتها شوت حديدان بالتنور فبدأت تأكل من لحم أبنتها حتى شبعت، تذكرت السعلوة أبنتها، وبدأت تناديها:شرنته، شرنته، لا جواب ولا من يرد عليها، فتشت منزلها لم تجد أي احد في غرف المنزل، لكنها عثرت على ملابس ابنتها قرب التنور محروقة، عرفت ان هي اكلت لحم بنتها، مزقت ملابسها من الغضب وصرخت وضربت نفسها ونتفت شعر رأسها، واتجهت مسرعة الى بيت حديدان، شاهدته واقف فوق السطح يغني: شرنته، برنته اكالي لحم بنتا، على رغيف الحنطة. وظل يضحك ويستهزئ عليها، حتى انفجرت وماتت من الحزن .
كنا عدكم وجينا، لو كان البيت قريب كان جبنا لكم قصب زبيب .
حكاية من تراث الموصل الشعبي


70
من حكايات جدتي ... الثالثة والثلاثين ... الحطاب والملك
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي: أنه كان هناك عجوز يعيش مع أبنه وزوجة وحفيده، أصبح العجوز متقدماً جداً في السن، لم يعد يقوى على الأكل بشكل طبيعي حيث أصبحت يداه ترتجفان، مما يؤدي إلى إسقاط الطعام من يده أحياناً، وذات يوم سقط طبق الطعام من يدي العجوز وانكسر، عندها غضبت زوجة ابنه من ذلك الموقف، وطلبت من زوجها أن يجد حلاً لوالده، فكر الابن في الأمر وخطر له أن يصنع لوالده طبقاً من الخشب حتى إذا وقع لا ينكسر، وتجنباً لسكب الطعام على المائدة، تم إجبار والده العجوز على تناول طعامه وحده بعيداً عن العائلة، كان العجوز يشعر بالحزن لإحساسه بأنه بات منبوذاً من ابنه وزوجته في أيامه الأخيرة، حين أجبر على الأكل وحده بينما يستمتع بقية أفراد الأسرة بتناول الطعام على المائدة مجتمعين.
مع مرور الأيام، أصبحت المزيد من ظروف العزل تفرض على العجوز المسكين، من قبل ابنه وزوجته اللذان لم يطيقاه وأساءا معاملته، وبعد مرور عدة أشهر على هذا الحال توفي العجوز، وأقيمت مراسم التشييع والدفن .
وبعد الانتهاء من تلك المراسم أراد الابن وزوجته التخلص من متعلقات وأغراض العجوز، بإعطائها للفقراء أو إتلافها،  جاء حفيد العجوز الراحل راكضا وأخذ الطبق الخشبي، فسأله أباه: لماذا أخذت هذا الطبق وماذا تريد أن تصنع به ؟ عندها أجابه الطفل الصغير قائلاً: أريد أن أحتفظ به كي أطعمك أنت أو أمي به عندما تكبران مثل جدي. أنها حكمة بليغة تناقلها الناس قديما، فالجزاء من جنس العمل، والحصاد من جنس البذرة، واعمل ما شئت فكما تدين تدان، تعلموا كيف تحترمون الاباء والأمهات، فقد اوصى الله بهما.
نعود لحكايتنا الاسبوعية يا اولادي: كان في احد الأزمان رجل يعمل حطاب، متزوج يخرج الى عمله كل صباح حاملا الشبكة والفأس، وذات يوم صاد طيرا ريشه مطعم بالذهب، ففرح به وعزم على تقديمه هدية للسلطان لينال هدية منه، وقبل ان يدخل على الملك شاهده الوزير فطلب الطير منه، لكن الحطاب لم يعطه الطير وقال له: انه هدية للملك، فامتعض الوزير لذلك ، وحينما دخل الحطاب على الملك فرح الملك بالهدية، وأمر وزيره بتقديم هدية للحطاب كيسا من فضة وكيسا من ذهب، لكن الوزير أبدل كيس الذهب بكيس مملوء بالحنطة، وكيس الفضة بكيس مملوء بالشعير، ومع هذا فان الحطاب فرح كثيرا لهذه الهدية، أعجب ابن السلطان بالطير كثيرا فقال الوزير للملك: ان الطير وحيدا وربما سيموت من حسرته، لهذا لنطلب من الحطاب ان يجلب أنثاه، فوافق الملك على ذلك وكلف الوزير أن يتصل مع الحطاب ويطلب منه جلب انثى الطير خلال يومين، فتألم الحطاب لذلك وهام على وجهه في الصحراء، وصدفة شاهد شبكة منصوبة وتأتي انثى الطير وتقع في الفخ، فامسك بالعصفورة وعاد مسرعا لكن الوزير حاول ان يقتل الحطاب بتهمة عدم تلبية أوامر الملك، سمع الملك صرخات الحطاب، وعرف ان الحطاب جاء بأنثى الطير فأطلق سراحه وفرح الملك لذلك، وأمر وزيره بان يعطي الحطاب عشرة اكياس ذهب وعشرة اكياس فضة، لكن الوزير همس في آذان الملك وقال له: ان من له طيور نادرة لابد ان يحصل على أقفاصها، أمر الملك الحطاب من جديد بان يجلب قفص الطير خلال ثلاثة ايام، فظل الحطاب يبكي مع زوجته فترة طويلة حتى انشق الحائط شقين، وخرج منه عبد اسود الذي رق لحال الحطاب، وجلب القفص الى الحطاب وأعطاه ثلاث شعرات، يقدح واحدة كلما شعر بحاجة أو خطر، قدم الحطاب القفص للملك لكن الوزير استطاع ان يقنع الملك، بأن يطلب من الحطاب ان يجلب له (حصان الهواء)، فلم يجد الحطاب أمامه ألا ان يقدح شعرة فيأتيه العبد الاسود وهو يقول (لبيك لبيك ،أنا عبد بين يديك اطلب وتمنى) فيخبره الحطاب بطلبه، طلب العبد من الحطاب ان يشتري سرج ومقود، ذهب الحطاب للسوق واشترى ما طلبه العبد، بعدها قدح الشعرة الثانية جاء العبد وأخذ الحطاب الى غابة كثيفة حيث استطاع أن يمسك الحصان ويعود به الى المدينة، وقدمه للملك وحصل على رضاه وحاشيته أما الوزير فما زال يحقد عليه . وحينما اراد الملك ان يزوج ابنه استشار وزيره عن المرأة التي تكون مناسبة لابنه، قال الوزير له: انها (سعاد) ابنة ملك الجان، سأل الملك: ولكن كيف الوصول الى ابنة ملك الجان ؟ أجاب الوزير: بان الحطاب هو الذي يقدر ، بلغ الوزير الحطاب ما يريد الملك فما عليه الى ان يقدح الشعرة الثالثة وحضر العبد وطلب الحطاب منه ابنة الجان (سعاد) ،غاب العبد وبعد بطولات كثيرة مع العمالقة السبعة الذين هم حراس قصر ملك الجن يعود العبد الاسود بابنة ملك الجان(سعاد)، ثم اخذها الحطاب للملك. 
تتزوج ابن الملك سعاد ابنة ملك الجن، وعرف الملك ان الوزير حاك ضده كثيرا من المكائد وأراد الايقاع بالحطاب ، فأمر عملاقه المصارع ان يضعه في مقلاعة ويقذفه نحو الجبل، فتحطمت أضلاعه ومات، نصب الملك الحطاب كبيرا لوزرائه وسكن في قصر الوزير الخائن.

71
من حكايات جدتي ... الثانية والثلاثين
الملك والوزراء الثلاثة
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي أن جارنا أبو البنات، اشترى بطاقة يانصيب الرافدين الذي يقدم ريعه للمكفوفين بمبلغ مائتان خمسون فلسا، وكانت هذه محاولته الاولى، أبدت أم البنات انزعاجها وغضبها من تبذير سعر البطاقة، ونشب خلاف بينهما وعلى اثرها استلمت أم البنات كفين على رأسها هدأت من صراخها، اما أبو البنات فأحتار أين يخفي البطاقة وأخيرا توصل الى قناعة أن يلصقها تحت صندوق راديو كبير موديل كروندك عاطل ويحتاج مبلغ لإصلاحه. مرت الايام ونسى ابو البنات بطاقته.
كان في الموصل بعض الباعة الجوالين يتجولون في الازقة وهم ينادون (أللي عنده عتيق يبدله باستكان ناري،كلاص ماي، ماعون فرفوري)،قامت ام البنات بمناداة البائع وبدلت الراديو بـ (ماعونان فرفوري وكلاص ماي عدد أثنان) ولا علم لها بالبطاقة.عندما عاد ابو البنات الى المنزل بشرته بتبديل الراديو بالزجاجيات، ولن يعير اهتماما بالموضوع لكن بعد ساعتين تذكر الرجل ان بطاقته مع ملصقة اسفل الراديو، ولكنه لايعرف نتيجة السحبة، لأنه مضى اكثر من شهرين على اجراء القرعة . 
خطر بباله أنه قد كتب رقم البطاقة على احد جداران غرفة نومه، في اليوم التالي اخذ الرقم وذهبت لباعة البطاقات وعلم ان الرقم الذي معه هو البطاقة الفائزة بسبعة آلاف دينار، عاد مسرعا للمنزل، والله هو الذي خلص زوجته من يده، وبدأ البحث عن بائع العتيق عدة أيام، وأخيرا عثر على البائع في احدى الازقة، وأرشده من اشترى الراديو وهو صاحب مقهى في سوق السراي، ذهب ابو البنات للمقهى وجلس مقابل الراديو الذي وضعه المشتري على الرف كزينة في المقهى. سأل ابو البنات صاحب المقهى لماذا لا يعمل الراديو، أخبره انه عاطل وقد اشتراه لزينة المقهى، قدم ابو البنات نفسه أنه مصلح للراديو ويمكن اصلاحه وأقنعه ان يستطيع اصلاحه وافق الرجل وأعطاه الراديو ضمان هويته. اخذه ومازالت البطاقة ملصقة تحت الصندوق واتجه به الى اللجنة واخذ مبلغ الجائزة، وأول ما عمله اشترى له بدله سوداء لا يلبسها الى الملوك واشترى لام البنات قطع ذهبية حتى يرضيها، وأعاد الراديو الى المقهى بعدما اصلحه عند مصلح مختص لقاء مبلغ ، وأصابه من الخير ما جعله يعتقد ان الدنيا قد اصبحت ملكا له وان جاهه يطغى على كل جاه وثرائه يفوق كل ثراء وعليه تذكرت قصة هذا المثل.
ان جرذا كان يعيش فى مخزن احد القصور الكبيرة، وكان ينعم بما فى ذلك المخزن من اطايب الطعام المخزونه فيه، ويرتع بأكل ما يشاء من اصنافها، ولم ينغص عليه عيشه الهني إلا احد القطط، فقد كان فى ذلك القصر قط كبير وكان كثيرا ما يتجول فى ذلك المخزن، والجرذ ي يخشى ان يصيده ذلك القط يوما فيأكله، فكان شديد الحذر فى خروجه من جحره متأنيا فى سيره، كثير التلفت عظيم الانتباه لما يجرى حوله، وفى ذات يوم جئ ببرميل كبير مملوء بالشراب المعتق، ووضع في زاوية ذلك المخزن، وخرج الجرذ فى اليوم التالي من جحره كعادته كل يوم، فرأى ذلك البرميل الكبير فلم يدري ما هو ولا ما يحتوى عليه بداخله، فخرج عن حذره لأول مره وأسرع فى سيره نحو البرميل فرأى الهر امامه فأصابه الخوف وتملكه الذعر والفزع، فقفز قفزة عظيمه من شدة خوفه فصار فى اعلى البرميل، وكان غطاء البرميل متحركا فسقط الجرذ فى البرميل، وأوشك على الغرق، وكان اثناء سبحه يشرب من النبيذ جرعه بعد جرعه حتى ارتوى وامتلأ، فشعر بقوه فى نفسه لم يعاهدها من قبل، فقفز من البرميل قفزه عظيمه وسار وهو سكران يترنح ذات اليمين وذات الشمال، متجها نحو بيته فوجد القط نائما هناك وشاربه ممتد على الارض، تسد عليه الطريق الى بيته فلم يلق بالاً بذلك، ولم يهتم بالخطر المحدق به فوطأ شارب القط النائم فى طريقه من غير خوف او وجل فقيل فى ذلك ( الجريدى لو سكر يمشى على شوارب البزون ) وذهب ذلك القول مثلا، هكذا كان أبو البنات حتى صرفت مبلغ الجائزة وعاد الى وضعه الطبيعي .
نعود يا اولادي لحكايتنا الاسبوعية .
في يوم من الأيام أستدعى الملك وزراءه الثلاثة وطلب منهم أمر غريب، طلب من كل وزير أن يأخذ كيس ويذهب إلى بستان القصر، وأن يملئ الكيس من مختلف طيبات الثمار والزر وع، كما طلب الملك منهم أن لا يستعينوا بأحد في هذه المهمة، استغرب الوزراء من طلب الملك و أخذ كل واحد منهم كيسه، وأنطلق إلى البستان، فأما الوزير الأول فقد حرص على أن يرضي الملك فجمع من كل الثمرات من أفضل وأجود المحصول، وكان يتخير الطيب والجيد من الثمار حتى ملئ الكيس، أما الوزير الثاني فقد كان مقتنع بأن الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه، وأنه لن يتفحص الثمار فقام بجمع الثمار بكسل و إهمال، فلم يتحرى الطيب من الفاسد حتى ملئ الكيس بالثمار كيف ما اتفق. أما الوزير الثالث فلم يعتقد أن الملك يسوف يهتم بمحتوى الكيس أصلا، فملئ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار وبعض الثمار الساقطة، وفي اليوم التالي أمر الملك أن يؤتى بالوزراء الثلاثة مع الأكياس التي جمعوها، فلما أجتمع الوزراء بالملك أمر الجنود بأن يأخذوا الوزراء الثلاثة ويسجنوهم على حده، وكل واحد منهم مع الكيس الذي معه لمدة شهر، في سجن بعيد لا يصل أليهم فيه أحد كان، وأن يمنع عنهم الأكل والشرب، فأما الوزير الأول فضل يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى أنقضى الشهر، وأما الوزير الثاني فقد عاش الشهر في ضيق وقلة حيلة معتمدا على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها، أما الوزير الثالث فقد مات جوع قبل أن ينقضي الشهر.
وهكذا يا اولادي أسألوا نفسكم من أي نوع أنتم، فأنت الآن في بستان الدنيا لك حرية الاختيار، أن تجمعوا من الأعمال الطيبة وتحبوا اصدقائكم بالمدرسة، أو تجمعوا الأعمال الخبيثة، ولكن عندما يدين الله البشر كل واحد ، يحاسب على اعماله، وتنفعكم اعمالكم الطيبة التي جمعتموها في حياتكم .

72
من حكايات جدتي ... الحادية والثلاثين
سلمان والأخت والسعلوة
بدري نوئيل يوسف
حدثتني جدتي: كان يا ما كان وعلى الله التكلان، كان أيام زمان رجل وامرأة، رزقا بعشرة اولاد ولديهم قطيع من الاغنام ويخرج الصبيان لرعي الاغنام يكسبون معيشتهم من حليب وجبن وصوف، وكانت المرأة تتمنى أن ترزق ببنت لكي  تساعدها في اعمال المنزل، وكانت تقول اتمنى أن ارزق ببنت حتى لو كانت سعلوة1.
مرت الايام وحملت المرأة وولدت بنت لكنها كانت بيد واحدة ولها أنياب، تحملت الام والعائلة هذه المصيبة واعتنت بالبنت وكبرتها اصبحت شابة.
في يوم من الأيام وأثناء عودة الاولاد من رعي الاغنام وقبل  إدخالهم الحظيرة يعدون الاغنام، شعر الاولاد أن الاغنام ناقصة، بعدما أخبروا والدهم طلب منهم أن يحرسوا القطيع ليكتشفوا سر النقص، في اليوم الاول قام الاخ الكبير بالحراسة لكنه لن يقاوم النعاس فنام، وفي الصباح عدوا القطيع وجدوه ناقصا، وهذا الحال قام الاخوة الى رقم تسعة بالتناوب لحراسة القطيع، لكن النوم يغلبهم وتنقص الاغنام ولن يعرفوا سبب النقص.   
جاء دور الصغير وأسمه (سلمان) وعرف ان اخوانهم ينامون أخذ دلو مملوء بالماء وعلقه على شجرة وجلس تحته وجعل الدلو ينقط قطرة قطرة على رأسه لكي يبقى صاحي، وبعد منتصف الليل شعر بحركة بين القطيع انتبه على مصدر الصوت، وإذا بأخته تأخذ الخروف وتكسر عنقه وتبدأ بأكله، ركض سلمان وأخبر والده أن شاهد أخته المعوقة تأكل الخروف وهي التي سببت بنقص القطيع، لكن الاب والأم لن يصدقوا كلامه .
 وهكذا مرت الايام والقطيع يفقد كل ليلة خروف الى أن قضت على القطيع كله، وباشرت الاخت بأكل إخوانها الواحد تلو الاخر واختفى الجميع عدا سلمان الذي كان ينبه امه وأبيه ولن يسمعوا ما يقول، ولم يكن بيده حيلة    حتى ركب حصانه وهرب قبل مجيء دوره .
في الطريق مر على كوخ قديم يعيش فيه شيخ عجوز وعنده ثلاثة كلاب سوداء قوية تحرس الكوخ، استقبل العجوز سلمان ورحب به وضيفه في كوخه وبدأ ينظف ويطبخ للعجوز وحكى قصته مع اخته.   
فرح الشيخ بوجود سلمان معه وطلب منه ان يبقى فترة من الزمن، مرت الايام وتذكر سلمان أمه وأبوه، وماذا حل بهم وما هي اخبار أخته، نصحه العجوز أن لا يذهب، لكنه اصر على الذهاب، وعليه اعطى العجوز شعرة وقال له: متى وقت بضيق احرق هذه الشعرة.
امتطى سلمان حصانه وسافر نحو قريته وديار اهله فلما وصل تفاجئ بأن منزلهم اصبح خرابه، ووجد اخته السعلوة جالسة داخل غرفة وسخة وشعرها طويل، وأصبحت ضخمة تخوف، شاهدت اخوها رحبت به وجلس بجانبها يسألها عن أمه وأبوه، هزت رأسها أنها ما تعرف عنهم أي شيء، بعد فترة من الزمن تركت سلمان وتوجهت نحو الاسطبل حيث يوجد حصان سلمان، اكلت احدى ارجله وعادات الى الغرفة التي فيها سلمان وسألته: حصانك بأربع ارجل أم بثلاثة؟ فهم سؤالها وعرف ما قصدت وقال لها: حصاني بثلاثة ارجل، بعد مضي بعض الوقت خرجت الى الاسطبل وأكلت الرجل الثانية للحصان وعادت سألته حصانك بثلاثة ارجل ام اثنتان ، فقال لها: لا حصاني باثنتين، وهكذا اكلت الثالثة والرابعة وكل مرة تسأله، بعدها قالت له: حصانك بدون ارجل، عرف سلمان أن اخته اكلت ارجل الحصان، ثم اكلت رقبته وسألته: حصانك برقبة ام بدون. وأخيرا عادت من الاسطبل وسألته: أنت جئت مشي ام راكب حصان؟ وفهم أن اخته جوعانة وأكلت الحصان بالكامل وجاء دوره وندم لأنه لم يسمع كلام الشيخ العجوز.
وقع سلمان في مأزق كبير وكيف يهرب فكر قليلا ثم اخذ بريق ماء وقال لها، سأصعد للسطح أتوضئ واصلي
صعد للسطح وجعل الابريق ينقط قطرات نحو الداخل وقفز للشارع وهرب باتجاه البساتين .
شهرت الاخت ان اخاها تأخر وبدأت تنادني (يا أخي ما اكثر بولك) لم يرد عليها صعدت للسطح لم تجده عرفت أنه هرب شمرت عن سيقانها ولحقت خلفه.
وصل سلمان الى البستان وكان داخلها ثلاثة شجرات تين كان يلعب بالقرب منها، ويأكل التين عندما كان صغيرا، صعد فوق الشجرة واخفى نفسه بين اوراق الشجرة، وصلت أخته السعلوة الى البستان تبحث عنه وصارت تنشر الاشجار الواحدة تلو الاخرى حتى نشرت الشجرة التي فوقها ثم انتقل الى الشجرة الثانية والثالثة ونشرتهم وقبل أن يسقط على الارض تذكر شعرة الشيخ العجوز، اخرج الشعرة وحرقها وخلال لحظات حضرت الكلاب الجارحة التي كانت تحمي الكوخ وهجمت على السعلوة وافترساها وتركوها عظاما مرمية في البراري، رجع سلمان الى الكوخ يقدم شكره للشيخ العجوز وعاش معه بالفرح والسعادة . وكنا عندكم وجئنا.
 1ـ (تعني كلمة سعلوة أو سعلاة، شخصية شيطانية أنثوية، السعلوة شكلها غريب ومخيف، فجسمها مليء بالشعر كأنها قرد، لكن لديها قدرة على التحول في شكل امرأة جميلة حسنة الشكل طويلة القد، ومرتبة الهندام، تغري الرجال ثم تفتك بهم وتقتلهم، ويقال أيضا أنها إذا اعجبت برجل ما تخطفه تحت النهر وتتزوجه وتنجب منه اطفال وتعيده بعد سنين.)   

73
من حكايات جدتي ... الثلاثون
اللص العنيد
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي بعدما عادت من زيارة أبو البنات الراقد في المستشفى، وكان سبب رقاده أنه تخاصم مع صديقه بسبب خلاف وقع بينهما، حول سؤال، هل الحدث في الرابع عشر من تموز 1958 كان ثورة أم انقلاب عسكري؟ وأصر أبو البنات أن الحدث كان انقلاب عسكري وليس ثورة، وعلى اثرها تخاصما وضُربه صديقه على رأسه بواسطة عصا فقد الوعي لعدة ساعات بالإضافة للجرح الكبير الذي خلفته ضربة العصا.
قالت جدتي: تذكرت هذه الحادثة في عام 1958 أي بعد مجيء عبد الكريم قاسم للحكم، خرجت تظاهرة في شارع الرشيد تهتف بحياة الزعيم، وأصوات الهتافات تتعالى تحي الثورة والأخوة العربية الكردية، والتظاهرة قادمة من ساحة الميدان نحو شارع الرشيد باتجاه الباب الشرقي، انتبه بعض الشباب أن رجلا يلبس الزي الكردي واقف مع صديقة عند حافة الرصيف يتفرج ويشاهد المسيرة الضخمة التي تمر أمامه، وبدون مقدمات حمل بعض الشباب الرجل الكردي على اكتافهم طالبين منه ان يهتف، وأثناء حمله خُلعَ كلاشه من رجله وسقط بين المتظاهرين، وكم حاول النزول من اكتاف الشباب لم يفلح، التفت نحو صديقة يناديه بصوت عالي قائلا: بين ساحة الامين وحافظ القاضي، كلاشكم، ( قصده أن بين هذه المنطقتين سقطت كلاشه " الحذاء") ، رد عليه المتظاهرين كلاشكم، ويصرخ الرجل بصوت عالي: ها، ها بين ساحة الامين وحافظ القاضي، كلاشكم، رد عليه المتظاهرين كلاشكم، ولا من يسمع أو يجيب له وضاع الكلاش. وبقى الرجل حافي القدمين .     
(الكلاش: حذاء من الفلكلور الكردي يعود تاريخه إلى زرادشت توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد طوال حقب التاريخ).
بعد حادثة ابو البنات والتظاهرة قالت جدتي: تذكرت قصة السلطان والجارية التي اجابت على اسئلته وأن البلد الامين الذي لا يحكمه الجهله .
قالت: سمع أحد السلاطين بأن في السوق جارية سعرها يتجاوز سعر مائة جارية! فأرسل السلطان يستقدمها ليرى ما يميزها عن سواها؟ فوقفت أمامه وشموخها لم يعهده من الجواري الاخريات، فسألها لماذا سعرك غالي يا فتاة ؟
اجابت لأني اتميز بالذكاء! أثار كلامها فضوله وقال سأسألك لو أجبتِ أعتقتكِ ولو لم تجيبين قتلتك! قالت له: موافقه.
سألها: ما هو أجمل ثوب وأطيب ريح وأشهى طعام وأنعم فراش وأجمل بلد؟ التفتت الجارية إلى الموجودين وقالت حضروا لي متاع وفرس فإني مغادرةٌ هذا القصر وأنا حُرة! أما أجمل ثوب فهو قميص الفقير الوحيد الذي لا يملك غيره فأنه يراه مناسباً للشتاء والصيف، أما أطيب ريح هي رائحة الأم حتى لو كانت نافخة النار في حمام السوق، ما أشهى طعام ما كان على جوع فالجائع يرى الخبز اليابس لذيذ، أما أنعم فراش ما نمت عليه وبالك مرتاح فلو كنت ظالم لرأيت فراش الذهب شوك من تحتك، سارت نحو الباب فناداها السلطان لم تجيبين سؤالي الاخير؟
ألتفتت وقالت: أجمل بلد هو الوطن الحر الذي لا يحكمه الجهلة، قال لها: أجادت الجواب فنالت حريتها.
نعم صدقتِ أجمل بلد الوطن الذي لا يحكمه الجهلة.
نعود يا اولادي لحكايتنا الاسبوعية .
كان يا ما كان، يحكى أن لصّاً غضب من كلب كان يحرس أحد البيوت التي كان يحاول سرقتها، في احدى الليالي رأى اللصُّ أحد البيوت هادئاً ساكناً، ويعرف صاحبه غني، اقترب منه محاولاً تسلُّقَ سياجه، غير أن كلباً ضخماً شرساً انطلق من فناء البيت وهجم عليه، ولم يتخلص إلا بعد أن رمى بنفسه رَمْيَاً من فوق السياج، ولحق به أذى كثير بعد اصطدامه بالأرض، في الليلة الثانية تسوّر اللصُّ البيتَ من مكان آخر، لكنّ الكلب هجم عليه أيضاً، بالقوة والشراسة نفسها، في الليلة الثالثة، وكان الكلب الشرس له بالمرصاد، مثل الليلتين السابقتين، اغتاظ اللصُّ من هذا الكلب، وأقسم أن يعاقبه عقاباً يجعل جميع الكلاب تتوب توبةً نهائيةً من التصدّي للّصوص العنيدين مثله.
فكّر اللصُّ كثيراً في وسيلة ينتقم بها من هذا الكلب، يفرِّغ بها كلَّ الغضب والغيظ، وكلَّ الحقد الذي امتلأ به قلبه الشرير، ففكّر أن يضربه بعصا في رأسها، وفكّر أن يطعنه بخنجر في بطنه، وفكّر أن يقدّم له طعاماً مسموماً.
ثم قال مع نفسه: سأجعله يتعذّب طويلاً ويتألم كثيراً، قبل أن يموت، فجلب قطعة لحمٍ شهيّة وضع فيها إبرةً طويلةً حادّة ورماها من وراء السياج، وصادف أن صاحب البيت كان مارّاً في المكان وراء سياج بيته في تلك اللحظة، ورأى قطعة اللحم والإبرة فيها، نظر باحتراس، فرأى اللصَّ، وعرف غايته، فترك قطعة اللحم، والإبرة بها في مكانها، وحبس كلبه في بيته في ركن الحديقة، لما رأى اللص العنيد الهدوء يشمل البيت، رمى حجرة ثانية وثالثة، فلم يسمع صوتا أو نُباحاً، فعرف أن الكلب اختنق بالإبرة التي ظنَّ أنها اخترقتْ بلعومه، وهكذا أسرع يتسلق سياج البيت، ويلقي بنفسه إلى الأرض بقوة، سقط اللص فوق الابرة الموجودة في قطعة اللحم واخترقت باطن قدمه، وشعر بشلل ساقه كلّها، وبعاصفة من الألم، ونَزَف كثيراً من الدم، وأخذ يصيح مستنجداً، وهنا أسرع صاحب البيت إليه يضحك ساخراً ويقول:أردت أن تؤبّر كلبي الشجاع الأمين فأبّرت قدمك يا شرير، لقد أخذت جزاءك، ونلتَ ما تستحق، لكي تتوب ولا تفكّر في ايذاء اي إنسان أو حيوان يدافع عن نفسه وحقّه.


74
من حكايات جدتي ... التاسعة والعشرين
أبو البنات السبع وأبو الاولاد السبعة

بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي قائلة:كان في احدى القرى أخوين رُزق الكبير بسبع بنات، والصغير بسبع أولاد، وكان الصغير يعيّر
ويتفاخر أن الذكور أعلى مقاماً، وذات يوم عاد أبو البنات السبع الى بيته مهموماً، ولاحظت ذلك أبنته الصغرى فسألته: عمّا به، تنهد الأب وراح يشكو همه قائلا: إن عمك يا ابنتيّ لا يفّوت فرصة ويتباهى أمام الناس أن الله تعالى أكرمه وأنعم عليه بسبعة أولاد بينما ابتلاني بسبع بنات، ودفع أهل البلدة إلى السخرية مني، ولم أرغب في مبادلته الأذى فعدت إلى البيت، قامت الابنة الصغرى، وقبلت رأس والدها قائلة:سوف نثبت لعمنا ولأهل البلدة كافة أن البنت صنو الولد، وأن بعض البنات أرجح عقلاً وأرفع قدراً من بعض البنين، وإنني أتحدى أبناء عمي السبعة أن يجاروني في ركوب البحر واقتحام المخاطر، فلنبدأ من الغد صنع مركبين: واحداً يستقلونه هم، وواحداً أبحر به بمفردي، وسنرى من سيكون الفائز.
بنى الأولاد السبعة سفينة استقلوها واصطحبوا معهم الخدم، وصنعت البنت زورقاً أبحرت به وحدها، ووصل الجميع بعد رحلة طويلة إلى سواحل منطقة يحكمها سلطان شاب عرف بالبطش ولا ينتسب إلى أبيه بل إلى أمه، ويدعى علي بن بدرا، عندما رست السفينتان على الشاطئ نزل الإخوة السبعة والبنت إلى البر بعد أن تنكرت بزي الرجال، دعاهم السلطان علي بن بدرا ليحلوا جميعاً ضيوفاً عليه لمدة سبعة أيام.
وقبل أن يأوي الاولاد والبنت إلى مضاجعهم في تلك الليلة تحدث علي بن بدرا مع والدته بشأن الضيوف، وأعرب لها عن شكوكه في أن بينهم أنثى متنكرة بلباس رجل قائلاً: لاحظ من اختلاف مشيتها وشدة وسامتها، فأشارت عليه والدته بحيلة للتأكد من الأمر، وطلبت منه أن يضع إبريق ماء وصرة طعام عند وسادة كل واحد من الضيوف، والذي لا يتغير مذاق طعامه أو شكله أثناء الليل يكون هو البنت، فعل ذلك غير أن البنت أفشلت خطته بأن قامت أثناء الليل وأبدلت بريقها وصرتها دون أن تمس ما فيها، بما كان لدى واحد من أبناء عمها، فاحتار ابن بدرا وذهب يشكو همه إلى أمه.
نصحت بدرا أبنها على أن يجرب حيلة جديدة بأن يقدم لضيوفه طعاماً حاراً لا تستطيع النساء أن يتحملن لذعته. ففعل إلا أنه فوجئ بأن أحد ضيوفه يتناول طعامه في غاية اليسر والاستمتاع بينما توقف الآخرون عن الطعام وسحبوا أيديهم من الزاد بعد اللقمة الأولى .
ظل علي بد بدرا يحاول الحيلة تلو الأخرى، بمشورة من أمه، لكشف شخصية الفتاة ، ولكن بدون جدوى، وكانت آخر حيلة أن دعا جميع الضيوف إلى السباحة في حوض القصر، لعله يستطيع التعرف عليهم من عري أجسادهم، غير أن البنت كانت قد أعدت العدة لإحباط خطته، فما أن دخلوا الحوض حتى سحبت بأطرافها عدداً من الحبال التي ربطت بأطرافها مجموعة من الخيول، ففزعت الخيل وأخذت تتقافز حول الحوض، تحولت إليها الأنظار ولم يستطع علي بن بدرا أن يدقق النظر في الفتاة.
اغتنمت الفتاة فرصة الانشغال بالخيل الهائجة وخرجت من الحوض إلى المكان الذي كانوا يستعملونه للنوم، وكتبت على وسادتها " طلعت عذراء،  ودخلت عذراء، على رغمك ورغم أمك يا علي بن بدرا ! "  .
صعق بن بدرا عندما اكتشف الأمر، وأقسم أن يلحق بالبنت ويثأر لنفسه منها بأن يتزوجها ويذبحها في ليلة زفافها . أما هي فعرّجت في طريقها على السوق، ودخلت عدداً من الحوانيت ونقلت منها إلى مركبها ما خف حمله وغلا ثمنه من العطور والحليّ والثياب، ثم صعدت السفينة، ورفعت أشرعتها وأقلعت عائدةً إلى بلادها، وتبعها أولاد عمها السبعة في سفينتهم دون أن يحققوا أي مغنم .
جنّ جنون بن بدرا عندما علم بهرب الفتاة ، ولكنه قرر النيل منها، كانت البنت قد وصلت إلى بلدتها فاستقبلها والدها وجمع غفير من الناس بالتهليل والترحاب، بينما كان استقبال أبناء عمها السبعة فاتراً وعاديّاً، وبعد بضعة أيام وصل بن بدرا وتوجه فور نزوله من سفينته في موكب عظيم إلى منزل والد البنات السبع، وطلب يد ابنته الصغرى، فوافق الأب بعد أن استشار الفتاة في الأمر، فرحبت بالزواج وهي تعلم أن بن بدرا إنما يريد الانتقام منها لا الاقتران بها، هيأت البنت الحجرة التي ستزف فيها إلى عريسها، ووضعت قربة من العسل على مخدعها ونشرت فوقها الملاءات بحيث تبدو وكأنها هي النائمة في السرير، ودخل بن بدرا خدر العروس بعد انتهاء مراسم الزفاف، وتوهم أن عروسه بانتظاره في السرير، فاستل خنجره في القربة فتدفق منها العسل، فغمس فيه أصابعه وتذوقه متلذذاً وهو يقول:إذا كان دمك شهيّا إلى هذا الحد، فكيف يكون لحمك ؟
وفيما كان بن بدرا يتلمظ على طعم العسل، خرجت إليه الفتاة من مخبأها تحت السرير في أبهى حلّة وأجمل زينة، وهي تقول: يا علي بن بدرا، فإنما فعلت ما فعلت لا كراهيةً لك ولا نكاية بك، وإنما لأظهر لعمي وأبناء عمومتي أن البنت ليست دون الولد قدراً وذكاء ومقدرة .
نظر بن بدرا إلى الفتاة حائراً متسائلاً عما تعنيه، فقصت عليه حكاية عمها مع أبيها وتفاخره عليه بأبنائه السبعة، وما كان من سفرها معهم في مغامرتهم البحرية.
وما أن سمع بن بدرا القصة حتى أنقلب حقده على الفتاة إعجاباً بها وحباً لها، فاتخذها زوجة له، وأكرم أباها وأخواتها ، وعاش الجميع في طمأنينة وهناء وسلام.


75
من حكايات جدتي ... الثامنة والعشرين
ثلاث حكايات من دهاء النساء
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي حكاية عن دهاء النساء قالت: كان تاجر متزوج من امرأة جميلة، وكان يكثر من الترحال للتجارة وبدأ شك في سلوك زوجته أثناء غيابه، فأحضر ببغاء مدرب يستطيع النطق ليخبره عن كل ما يجرى في البيت، وضعه في قفص ولم تعرف زوجته أن زوجها جلب الببغاء لمراقبتها، كانت الزوجة على علاقة بشاب يترد عليها عند ترحال التاجر، وعندما عاد الزوج من سفره أخبره الببغاء بما رأى.
قالت المرأة لزوجها اتق الله ولا تصدق كلام ببغاء مجرد طائر صغير، لا يدرى شيئا ولا يعقل ولا تظلم نفسا لا ذنب لها، وبعد حوار طلبت المرأة من زوجها أن يبيت الليلة عند أصدقائه، ثم يأتى صباح الغد فيستمع الى الببغاء والمرأة ويقتل الكاذب منهما، وافق الزوج وبات الليلة عند صديقه.
 أخذت المرأة قطعة جلدا باليه ووضعتها فوق القفص، ثم اضاءت مصابيح قوية وسلطتها على القفص، وجعلت تصب الماء على الجلد، وتدق بطبل قرب القفص حتى طلع الفجر، فلما عاد الزوج في الصباح، سأل الببغاء: أجابه أنه لم يرى شيئا لأن المطر كان يهطل طوال الليل بغزارة  مصحوبا برعد وبرق يأخذ بالأبصار .
قال الزوج وهو غضبان: لقد علمت بأنك كاذب لان الدنيا لم تمطر البارحة ولم يكن هنا رعد ولا برق، وأخذ الزوج الببغاء المسكين وذبحه قربانا لخطيئة زوجته، اما المرأة فقد صنعت من لحمه اشهى مرق تذوقته وتذوقه زوجها وتذوقه العشيق.
حكايتنا الاسبوعية تحكي دهاء النساء .
قالت جدتي: كان يا ما كان وعلى التكلان:كان هناك رجل يعمل طوال حياته، وقد وَفر كل ما لديه من أموال، ولكنه كان بخيلا وقبل وفاته، قال لزوجته: وصيتي عندما أموت اريد منك أن تأخذين كل أموالي وتضعيها في النعش معي. لأني أريد أن أخذ أموالي إلى الآخرة معي، وحصل على وعد من زوجته بحضور بعض الاصدقاء بذلك عندما يتوفى، فإنها ستضع كل الأموال في النعش معه.
مرت الايام وجاءت المنية ورحل الرجل وهو ملقى في النعش، كانت زوجته تجلس بالقرب من النعش مع جميع وصديقتها إلى جوارها.
وقبل الاستعداد لإغلاق النعش، قالت الزوجة: انتظروا لحظة، أخذت علبة معدنية صغيرة كانت معها ووضعتها في النعش، ثم  طلبت غلق النعش ورحل النعش بعيدا،  قالت صديقتها : أنا أعلم أنكِ لست مغفلة لوضع المال مع جثمان زوجك، ردت الزوجة المخلصة،  اسمعي، أنا متدينة ولذا لا يمكن أن أعود في كلمتي.
وعدته أن أضع هذه الأموال في النعش معه، فسألتها صديقتها باستغراب: هل تقصدين أنك وضعت ِ الأموال كلها في النعش معه؟ أنا متأكدة أنك لم تفعلين.
قالت الزوجة: حصلت على كل المال ووضعته في حسابي، وكتبت له شيك وضعته في العلبة التي وضعتها في النعش، وإذا كان يستطيع صرفة، يمكن أن ينفقه.
ابتسمنا كثيراً وقلت لجدتي ماذا عندك من دهاء النساء.
قالت جدتي: هذه الحكاية من أغرب الحكايات التي حدثت لأحد رجال الباديه، حينما تزوّج للمرّه الثانيه من امرأة وكان لديه قبلها زوجة وأولاد، وبعد فتره من زواجه شكّ بأن زوجته الجديده لا تحبّه وكان ذلك مجرّد وهم طرأ عليه، فقد كانت المرأة لا تكلّمه إلا نادراً، ولم يراها تضحك أو تبتسم أمامه مطلقاً، لذلك أعتَقد بأنها تحب غيره، أتعبته الظنون الى أن لجأ الى امرأة عجوز معروفة بالحكمة، فأخبرها بأمر زوجته طالباً منها طريقه يتأكد بها من مشاعر زوجته، فقالت له العجوز: عليك أن تصطاد أفعى وتخيط فمها وتضعها فوق صدرك أثناء نومك، وعندما تحاول زوجتك إيقاظك اصطنع الموت، وفعل مثلما أمرت به العجوز، وحينما جاءت زوجته لتوقظه من النوم لم ينهض أو حتى يتحرك، وعندما رفعت الغطاء ورأت الأفعى ظنّت بأنها لدغته ومات، فأخذت تصرخ وتبكي وبعد أن راى الزوج حال زوجته هذه وفيه حياءاً لا أكثر، نهض من فراشه فرحاً ليبشّرها بأنه لم يموت، لكن الزوجه توارت حياءاً لأنها كشفت عن مشاعرها، وعندما علمت بأن الأمر ليس سوى خدعه من الزوج ليختبر حبّها، غضبت وأقسمت لا تعود اليه إلا بشرط( أن يكلّم الحجر الحجر، وأن يكلم العود العود ) وهي بذلك تقصد استحالة ان تعود اليه مرة أخرى، فأصبح في حيرة أكبر كما قال المثل(راد يكحّلها عماها) ! فذهب بعد أن أعيته الحيرة الى العجوز مرة أخرى لتجد له حلاً، فقالت له العجوز أحضر الرحى فهي عندما تدور تصدر صوتاً وكأنما يكلّم نصفها نصفها الآخر، أما العود فأحضر ربابة فإذا كان لزوجتك رغبة بك فستعود اليك، وفعلاً عادت له زوجته بهذه الطريقه.



   


76
يا مرور .... رفقا بأطفالنا !

بدري نوئيل يوسف
نقرأ ونسمع كثيرا عن الحوادث المرورية والمآسي، التي يتعرض لها الأطفال الراكبين في المركبات أثناء سيرها، نتيجة إهمال سائق المركبة ومعه الأطفال، غالبا ما تنتج هذه الحوادث وتكمن المشكلة في عدم تطبيق أنظمة المرور، وعدم ضمانة وحرص السائق على سلامة الأطفال، وبالإضافة للعقوبات والجزاء الغير رادعة التي لا تجبر السائق على تطبيق النظام والقوانين المرورية.عندما يقف مراقب فوق رصيف أي شارع في محافظة السليمانية، يرصد ويراقب حركة المركبات خاصة الخصوصي منها، يلاحظ الأطفال الراكبين مع اقربائهم، يشاهد العجب وتقشعر الأبدان، يجد الاطفال في حركة دائمة لا تهدأ ولا تستقر، منهم من يتنقل بين كرسي وآخر من الأمام للخلف أو العكس، ومنهم من يطل برأسه ونصف جسمه للخارج من النافذة الجانبية، ومنهم من يفتح سقف المركبة ونصف جسم الطفل للخارج يلوح بيده كأنه عائد من معركة منتصراً، والغريب والعجيب يشاهد بعض السواق من يضع طفلا صغير في حضنه وهو يقود المركبة.
كذلك مركبات الحمل (البيكاب) نشاهد عدد من الاطفال يجلسون داخل حوض المركبة الخلفي ومنهم واقفين أو جالسين على حافة الحوض والمركبة تسير، هؤلاء الاطفال لا تتجاوز اعمارهم بين عام واثنا عشر عام، ولا يدرون أنهم معرضين لوقوع حادثة، أما الطفل الأقل من عام تجده في حضن امه أو المربية الاسيوية، والأغرب هذه الخاتون تجلس في المقعد الامامي، والمركبة تحوي على نظام البالون  airbag،الذي يسمح ركوب الاطفال في المقعد الخلفي فقط،وكذلك لا تربط حولها حزام الامان وتلاعب الطفل كأنها في حديقة المنزل.
أما عند إشارة المرور تشاهد بعض الاطفال من يفتح أقرب باب إليه من أبواب المركبة ثم يغلقه، سواء كانت المركبة في حالة سير أو توقف، مازحا مع الراكبين داخل المركبة وهم غارقين في الضحك والمرح.
أما الاطفال المتسولين أو البائعين عند الاشارات المرورية، منهم من يحمل قنينة فيها ماء يعمل ماسحاً ومنظفاً لزجاج السيارات، ومنهم يبيع اللبان(العلكة)، أو قناني المياه الصحيّة، أو علب المناديل الورقية، وهم يمتهنون التسول بطريقة غير مباشرة، يشاركهم فتيات صغيرات اعمارهم متقاربة لعمر الصبيان يتسولن أو يشاركن الصبيان ببيع الحاجات، هؤلاء الاطفال يمضون اكثر من عشرة ساعات عند اشارات المرور، وتزداد اعداد الفتيات الصغار المتسولات يوما بعد يوم، ذلك وضع خطير لما يمكن ان تتعرض له الفتاة الصغيرة من اخطار الشارع والاستغلال لبراءتها، في ظل انعدام ردود الأفعال من الجهات المعنية تجاه ظاهرة اطفال الاشارات المرورية، وأكثر ما يزعج سائقي المركبات هم الأطفال الذين امتهنوا مهنة المسح، بعد رش الماء على الزجاج الامامي للسيارة وعدم امكانية تنظيفه لان لون الاشارة تغير للأخضر، وكذلك الناقرين زجاج السيارة متوسلين أن يقبل السائق ببضائعهم ولو لم يكن محتاجا إليها، فيما تشير الظروف المحيطة بهؤلاء الأطفال إلى حرمانهم التعليم والصحة الوقائية.
كما يشاهد السائق وحرمه (زوجته) جالسين في المقعد الأمامي،  يدخن سيجارته وقد ملئ السيارة بدخان سيجارته ونسى اطفاله يستنشقون الدخان، تجده منصرفاً إلى مكالمات الجوال أو الاستماع إلى الأغاني التي يصدح بها مسجل سيارته بصوت عالي، ويهز رأسه طربا على انغام الموسيقى ويتمتم كلمات الاغنية ولا يفهم منها شيئا، المبكي والمحزن أن يكون السائق هو القريب لهؤلاء الأطفال، إما يكون الوالد أو الوالدة ومرات يكون الاخ الكبير أو الاخت الكبيرة، كل هذه الفوضى تحدث داخل المركبة والسائق لا يهتم بمن يتضرر نتيجة إهماله، وغير مهتم بما يجري حوله من عبث الأطفال وتصرفاتهم الصبيانية، بالإضافة الى عدم احترامه انظمة المرور، وإن وجد شيء في النظام  يمنع عبث الاطفال فإنه لا يطبقه.
أما اثناء الاحتفالات القومية أو الاعياد يلاحظ مئات المركبات ملئ بالأطفال وأجسامهم خارجة المركبة، يحملن الاعلام و الشعارات يلوحون بها، بالإضافة لقيام الشباب داخل الحافلات بالرقص والغناء وسائق المركبة يهز كتفه طربا على انعام الموسيقى، ومن يضمن سلامة هؤلاء الشباب.
ترك الاطفال يعبثون داخل السيارة وعدم استخدام المقاعد الخاصة بهم وشد حزام الأمان، جزء من الأسباب الرئيسية لارتفاع نسبة حوادث المرور ويعرض الأطفال لخطورة أكبر، والمهم وجود رقابة صارمة في قوانين المرور وضبط السرعة ومنع قيادة المركبة تحت تأثير شرب الخمور.
أولياء أمورهم مسئولين مباشرة عن حماية هؤلاء الأطفال وهم أمانة في أعناقهم، ولأي سبب من الأسباب لا يجوز التفريط فيهم، وفي حوادث المرور يُعدُّ فقدان الطفل لحياته أو إصابته مأساة لأسرته، فهذه مأساة عظيمة إذا كان احد الوالدين أو الأخوة المتسبب في الحادث بسبب الإهمال أو التقصير،  ومسئولية الدولة من خلال أنظمتها وقوانينها المختلفة مسئولة عن حماية الأطفال، لأنهم أمانة وعليها مراقبة تطبيق قوانينها، وعدم التسامح مع مَن لا يلتزم بأنظمة المرور، فهي مسؤولية الجميع دون استثناء، فدوائر المرور مسئولة عن حماية الأطفال من الناحية المرورية، والأسرة أيضا مسئولة عن حماية هؤلاء الأطفال من جميع النواحي سواء في المنزل أو المدرسة أو في أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المختلفة، لكي يعطى للطفل الحماية الكافية حتى سن الثانية عشر من عمره، توصي الدراسات الى ضرورة استعمال المقعد المناسب وضرورة ركوب الأطفال فى المقاعد الخلفية هذه لحماية أكبر، وبحسب عمر ووزن الطفل تصنع مقاعد الأطفال الخاصة .
يا مرور ... ويا أولياء الامور ... رفقا بأطفالنا.








77
بسم الأب و الابن والروح القدس الإله الواحد , امين

لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه (يوحنا 15 :13)
برعاية آباء الكنيسة الكلدانية في السويد اقيم  يوم السبت الخامس عشر من شهر تشرين الاول فعاليات "المهرجان السنوي العاشر للجوقات والأخويات في السويد و ذلك على مسرح Tumba.
القى الاب بول ربان كلمة رحب بالحضور قدمت الاخويات المشاركه باقة جميلة من خلال تراتيل جميلة من طقوس كنيستنا باللهجتين العربية والكلدانية للجوقات المشاركة،وقد تتميز العرض بالانفراديات الغنائية الجميلة، بالإضافة لإقامة مشاهد صغيرة من مسرحيات كوميدية ترفيهية وأخرى ودينية وغيرها.
يهدف هذا المهرجان إلى خلق روح المحبة و المشاركة بالعمل الجماعي باسم الرب يسوع المسيح لهُ كل المجد.
يشارك في المهرجان فرق جوقات لكل من الكنيسة الكلدانية في ارسالية مار نرساي ستوكهولم، رعية يوتوبوري ، رعية سكلستونا، رعية فستروس ، رعية لنشوبيك ، كورال مارتوما التابع لكنيسة مار يوحنا في سودرتاليا ، كورال حبّا التابع لكنيسة مار ميخائيل في شارهولمن .


78
رعية السليمانية تقيم مخيم للتعليم المسيحي
اقامت لجنة التعليم المسيحي لكنيسة السليمانية المتمثلة بالقس ايمن عزيز وراهبات بنات مريم الكلدانيات وبدعم مباشر من راعي الابرشية المطران يوسف توما جزيل الاحترام ، مخيم لشبيبة تلاميذ المسيح للأعمار دون 20 سنة تحت عنوان الايجابية  في الايمان المسيحي..تخلل المخيم محاضرات وصلوات وفقرات ترفيهية وتعارف وسفرة الى جبال السليمانية حيث هناك كهف هزار ميرد المشهور والذي هو اثر قديم من اثار مدينة السليمانية..وقد شارك في المخيم 33 شاب وشابة من الفترة  6-7 /10/2016..رغم قلة عدد المسيحيين في السليمانية إلا انهم لا زالوا يشكلون نور وملح لهذه المدينة العزيزة بنشاطهم وعطاءهم ومحبتهم.
الاب ايمن عزيز

كهف هزار ميرد: أي كهف الألف رجل، يقع على بعد 13 كم من شرق السليمانية. يعتبر هذا الكهف تاريخيا ثاني أقدم كهف في كوردستان. ونظرا إلى الظلام الحالك داخله أطلق عليه أيضا تسمية كهف الظلام. عثر  داخله على العديد من الأدوات و الآلات القديمة و التي يعود تاريخها الى قــرابة 50 ألف سنة قبل الميلاد.

79
من حكايات جدتي ... السابعة والعشرين
فنجان صار عدنان
 
حدثتنا جدتي: أن جارنا أبو البنات كان يتردد لدكان حلاق لقص شعره (حلقه)، ويدفع له أربعون فلسا لكل مرة طيلة عشرين عاما، ولا يغيره لأنه تعود على هذا الحلاق، في احد الايام ذهب أبو البنات لقص شعره ولكنه لن يجد حلاقه الخاص، بل وجد رجل اخر يحلق الزبائن، سأل عن حلاقه وأعلمه أنه مريض يرقد في المستشفى نتيجة تسمم لأكله جبن قديم، جاء دوره وجلس تحت يد الحلاق الجديد وبدأ يشرح له طريقة قص شعره ،ولكنه جرح رأسه عدة جروح، وبعد انتهاء القص طلب منه أن يدفع مبلغ خمسون فلسا، امتنع أبو البنات دفع المبلغ وأصر أن يدفع الاربعين فلسا وتحول الحوار بينهم الى صياح والتطاول بالكلمات ،وأخيرا تدخل بعض الرجال وانتهت الخصام بدفع خمسة وأربعين فلسا عملا بمبدأ خير الامور اوسطها، وسبب الخصام هذا يدل على بخل ابو البنات .
تقول جدتي: هذه الحادثة ذكرتني يا اولادي الاعزاء حكاية هذا الحلاق وزبائنه.     
كان هناك حلاق في احدى المدن جاءه في أحد الايام فلاح ليحلق عنده، وبعد ما قص شعره قال له الفلاح كم حسابك؟ فرد عليه الحلاق: والله لن أخذ منك ولا فلس، وسأله الفلاح لماذا ؟ رد الحلاق:انا احلق للناس لكي انفع المجتمع بشيء مفيد . ابتسم الفلاح وقال له: بصراحة أخجلتنى، وفى اليوم التاليى لمّا جاء الحلاق ليفتح محله وجد عند باب المحل ثلاث وردات بألوان مختلفة وكان مكتوب عليه (تحياتي لك)، عرف ان الورد مرسل من قبل الفلاح .
وبعد عدة أيام جاء صائغ لمحل الحلاق وطلب منه انه يقص شعره ، وبعد ما انتهى قال للحلاق كم حسابك ؟
رد عليه الحلاق: والله لن أخذ منك ولا فلس! وسأله الصائغ لماذا ؟ رد الحلاق: انا احلق للناس لكي انفع المجتمع بشيء مفيد، ابتسم الصائغ وقال له بصراحة: أخجلتنى. وفى اليوم التالي جاء الحلاق ليفتح محله وجد عند باب المحل خاتم ذهب وكان مكتوب عليه (تحياتي لك) ، عرف ان الخاتم مرسل من الصائغ!
ذات يوم جاء لمحل الحلاق ابو داوود رجل بخيل رزيل وطلب من الحلاق انه يقص شعره  وبعد ما انتهى قال للحلاق: كم حسابك؟فرد عليه الحلاق: والله لن أخذ منك ولا فلس! سأله الرجل البخيل لماذا ؟ رد الحلاق: انا احلق للناس لكي انفع المجتمع ويستنفع منّي، ابتسم ابو داود البخيل وقال له: (بصراحة أخجلنني، تحياتي أنا أبو داود لاتنسى)!
وفى اليوم التالى ولمّا جاء الحلاق ليفتح محله وجد عند باب المحل مجموعة من الشباب واقفين ينتظرون الحلاق
قالوا له: (احنا من طرف ابو داوود اللي زين عندك البارحة يسلم عليك) ؟
نعود لحكايتنا الاسبوعية .
كان يا ما كان وعلى الله التكلان، كان في احدى القرى شاب اسمه فنجان أصغر أخوته بسيط أبله، ملابسه رثة تظهر عليه الوساخة في كل الأوقات، يقوم بخدمة افراد عائلته، وينفّذ الأوامر ويعتبر خادم للصغير والكبير، ويسمونه راعي البقر، اما أخوته فكانوا كسولين لا عمل لهم ولا وشغل، همهم التمتع باللباس والطعام والراحة، وجدوا لفنجان فتاة بسيطة مثله، طيبة، اسمها سلمى رضيت به وتزوجته، وتحمّلت معه بعض الأعمال، فكان فنجان يرعى البقر ويخدم والديه وأخوته وزوجاتهم، وسلمى تنظّف الإسطبل وتصنع من روث الحيوانات قطع تجفف بواسطة الشمس لاستخدامها في وقود التنور والموقد.
طال هذا الحال على سلمى سنوات، وهي تعمل بجد واجتهاد دون تذمّر ولا شكوى، حتى كدّها التعب فلم تعد تتحمّل،
فقالت لفنجان: أنا سأذهب عند أهلي وعندما سيأتي أهلك ليراضوني سأطلب منهم بعض الطلبات، وما عليك سوى أن تؤيدني، وتتمسك بي مهما كلّف الأمر إن كنت تريدني ؟ وافق فنجان على هذه الفكرة .
نفذت سلمى ما خطّطت له وذهبت إلى أهلها زعلانة، وبعد أيام ذهب أهل فنجان لمراضاتها وإعادتها إلى البيت فاشترطت عليهم أن تسكن وحدها، وأن يعطوهما بقرة ويعيشون مستقلّين عن العائلة، رفض الأهل وأصرّت هي، فطلبوا من فنجان أن يطلّقها، فأبى وأصرّ على التمسك بزوجته شتموه وعنّفوه وتركوه عند أهل زوجته .
احتضنته زوجته وباعت أساورها واشترت له بقرتين، وقالت له: قم ارع بقرك بدلاً من أن ترعى بقر أهلك، فعمل هو وزوجته بكل جدٍّ ونشاط، وبعد عدّة أعوام أصبح عنده قطيعاً من البقر يدرّ عليه كمية كبيرة من الحليب، فتصنع الزوجة منه الجبن والزبد وتبيعه في السوق، وجمعت كمية من الأموال فاشترت له ملابس ودشداشة وألبسته عباءة و عقال فلبسها وأصبح يشبه الأمير، وشيدت له مضيف كبير فرشتها بالمساند والسجّاد ووضعت له منقل فحم ودله كبيراً وركوة وقهوة مرّة وجلس فنجان في المضيف كأنه شيخ عرب، ارسل طلب لوالديه لزيارته ويعيشا معه ويخدمهما بنفسه، بعد أن ساءت أحوالهم  وعرف أن أخوته باعوا ابقارهم، وصرفوا اثمانها للمعيشة، عاش والديه عنده معززين مكرمين يخدمهم فنجان وزوجته ولم يتركهما يحتاجان شيئاً وصارا يدعوان له بالتوفيق والنجاح .
وبعد مدة جاء أخوته يهنئونه ويباركون له واجتمعوا حوله يستجدونه بعض الطعام والمال، بعد ما عانوا من الفقر والجوع، فعرض عليهم أن يعملوا عنده ويرعوا البقر، ويخدمونه مقابل إعالتهم فرضوا بذلك .
عاش عيشة كريمة لم يحسد الشيوخ عليها، وذلك بفضل زوجته الحكيمة والكريمة وتدبيرها الحسن، فصار أفضل من إخوته وأحبه الناس واحترموه، وأصبح له قيمة كبيرة بين الناس، ومن وقتها تغير اسم فنجان وأصبح اسمه الشيخ عدنان.


80
من حكايات جدتي .. السادسة والعشرين
أم أصبع وأخواتها
بدري نوئيل يوسف
عادت جدتي من زيارتها اليومية لجارتنا أم البنات، وقد تعرفت على ضيفه من اقارب جارتنا وانزعجت منها ووصفتها بالمنافقة، عندما سألتاها عن السبب قالت:كانت امرأة ذو وجهين، يعني من قدامك يا هلا ومرحبا ومن ورآك تسبك وتذمك، فكانت هذه المرأة تصف حماة جارتنا بالكلام الجميل المعسول أمام كنتها وعندما خرجت من الغرفة لجلب القهوة سمعتني كلام يشوه سمعتها، وتذكرت قصة لقلق الكنيسة الذي سماها العراقيين القلق المنافق.
يروى في قديم الزمان وسالف العصر والآوان، عن وجود طائر طويل الساقين نحيف البنية كان اسمه اللقلق، وكان يأتي الى العراق في ايام الشتاء فيبني اعشاشه فوق اماكن مرتفعة مثل مأذنة جامع او برج كنيسة، او ربما فوق بعض المباني الخربة المرتفعة، ويروى إنه احد الطيور المحبة للعزلة والتفرد، اختار برج كنيسة ليبني عشه فوقه، مما سبب ازعاجاً مستديماً لشماس الكنيسة فأشتكى امره للقس، إذ إنه كلما قرع ناقوس الكنيسة تساقط عليه القش والذراق المتيبس، فأوصاه القس بأن يأخذ قطعة من كبد جمل ويملحها بصورة حسنة (ولحم الجمل يسبب العطش ويستحرم اليهود اكله) ، ويضع بجوارها كاس خمر معتقة، فعندما يأكل اللقلق كبد الجمل يعطش، فيضطر لشرب الخمر فيسكر ويصبح ثقيل الحركة وغير قادر على الطيران، فيصعد اليه الشماس يمسكه ويذبحه. اتبع الشماس التعليمات بحذافيرها حتى سكر اللقلق، فصعد اليه الشماس وامسكه من رقبته، سحب السكين وسأله: فهمني انت من يا ملة ؟ إذا يهودي أشلون تاكل لحم جمل ؟ أو نصراني أشلون اتذررك على الناقوس ؟ ، أو مسلم أشلون تشرب عرك؟
هذه القصة اشتهرت ايام زمان بين الناس بأسم ( لكلك الكنيسة)، وهي تقال لكل المتلونين ومن لا يشبه قوله فعله
هذه هي اوجه المنافق يعطيكم من طرف اللسان حلاوة ولكنه مخادع.
نعود لحكايتنا الاسبوعية : 
كان في قديم الزمان ثلاث شقيقات كبيرات في السن وقبيحات الشكل والمنظر، يعشن وحدهن في الدار وقد أصبحن عانسات، وكانت الصغرى قد تعودت أن تمصّ إصبعها الصغيرة منذ طفولتها، حتى صارت إصبعها رقيقة وطويلة، ومن يراها يظنها إصبع فتاة صغيرة وجميلة.
في أحد الأيام تراهنت أم إصبع مع أخواتها على أنها ستجعل الأمير يحبها، ويعطيها منديله، فوافقوا على المراهنة، انتظرت حتى مر الأمير من تحت نافذة غرفتها، رشّته بماء الورد المعطر، فتعجب الأمير من ذلك، ونظر إلى النافذة فلم يرى سوى إصبعاً جميلة رقيقة، فقال في نفسه: إذا كانت الإصبع بهذا الجمال، فكيف تكون صاحبة الإصبع، لا بد أنها فتاة رائعة الحسن والجمال، فصاح عليها: من رشّ الماء ؟ ردّت عليه بصوت رفيع ناعم: أنا يا سيدي الأمير لقد رميت الماء الذي غسلت به وجهي، ولم أعرف أنك تمر من تحت النافذة في هذا الوقت، فلا تؤاخذني على فعلتي.
فكّر الأمير قليلاً وأراد أن يتعرف عليها، فدعاها إلى الحفلة التي سيقيمها في القصر فأجابت دعوته وقد طار عقلها من الفرح. في المساء لبست أحسن الثياب، وتعطرت بماء الورد ووضعت قناعاً على وجهها، وباروكة شعر مستعار على رأسها، ولبست كفوفاً في يديها بحيث لا يظهر منهما سوى إصبعها الجميلة، فبدت كالأميرات الشقراوات الجميلات، وفي الحفل رحب بها الأمير ورقص معها طوال السهرة، ومشيا معاً يتسامران في الحديقة، فأرادت أن تقطف زهره فجرحت إصبعها، فأعطاها الأمير منديله فربطت به إصبعها، وعادت آخر السهرة إلى البيت، وهناك أظهرت المنديل لأخواتها، فعرفن مقدار مكرها وشطارتها، وسلّمن لها بأنها كسبت الرهان.
في اليوم التالي حضر الأمير إلى بيت الأخوات، فطلب يد الفتاة الصغيرة، فوافقت الأختان لكن اشترطوا عليه ألا يرى وجهها، وأن لا يكشف القناع عنها إلا في ليلة الزفاف، فوافق على ذلك وأقام حفلة كبيرة ورفع الزينة في المدينة، وقدم الطعام ثلاثة أيام لجميع الناس، وفي ليلة الدخلة رأى عروسه تنتظره في غرفة النوم، وقد اندست تحت اللحاف وتغطّت به، فجاء إليها وكشف عنها الغطاء، فوجدها في ملابسها وعلى وجهها قناع، فاستغرب من ذلك وخلع عنها القناع، فوجدها فتاة قبيحة المنظر شمطاء، فانصدم بها وغضب منها وحاولت أن تعتذر وتطلب منه الصفح والغفران، وأخبرته بحقيقة الأمر وأنها تراهنت مع أخواتها على ذلك، فزاد غضبه كثيراً وضربها بالسوط حتى أدمى جسدها، وعلّقها من شعرها على باب القصر، وأحضر أخواتها وعلقهن بجانبها وجعلهن عبرة لباقي الناس.
المصدر: مصطفى محمد الصوفي، الراوي: عبد الرحيم العمر.

81
من حكايات جدتي .. الخامسة والعشرين
ابتسامة
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي: أنه في احد الايام تلقت جارتنا أم أبو البنات، دعوة من أبنتها لزيارتها وعليها أن تسافر الى بغداد، لأنها مقيمة هناك مع زوجها، الذي يعمل في احدى دوائر الدولة، أوصلها ابنها أبو البنات الى كراج النقليات الواقع في باب الطوب(الموصل) وفي وقته كانت الباصات خشبية، وصلت الأم الى الكراج وتركها أبنها متجها الى عمله، سألت واستفسرت أي سيارة تتجه من الموصل الى بغداد، وبعد جهد وجدت ضالتها وتعرفت على السائق وقالت له: ابني سيارتك تمر من مدينة بيجي. أجابها السائق: نعم تفضلي اصعدي ولكن أنا اخذ اجرة الطريق الى بغداد، معتقدا انها ستنزل في مدينة بيجي، وافقت الأم على كامل الاجرة وصعدت للباص وجلست فوق كرسي خلف السائق، انطلق الباص وبعد دقائق سالت الأم السائق: أبني لا تنسى من نوصل بيجي أرجوك ذكرني ، وبقت على هذه الحالة كل عشرة دقائق تقريبا تسأل السائق أو أحد الركاب الجالسين بقربها، بحيث انزع الركاب والسائق من تصرفها الغريب والمزعج بعد مضي اكثر من ساعة ونصف غفت الأم ودخلت في نوم عميق، عبر الباص مدينة بيجي ولن يتوقف ونسى السائق والركاب طلب الأم العجوز، قبل الوصول الى مدينة تكريت نهضت الأم من النوم مرعوبة تصرخ: وصلنا بيجي! سكت السائق وجميع الركاب وفهمت أنهم عبروا مدينتها المطلوبة، وبدأت بالبكاء والعويل والتوسل،خجل السائق وهو ينظر الى الركاب نظرة حزن وتحنن الجميع عليها، اخذ السائق قرار بالعودة الى بيجي لكي تسكت وتهدأ، مع العلم أن الركاب انزعجوا وضجروا وهم يتمتمون مع انفسهم على هذا الخطأ الذي وقع به السائق.
استدار السائق وعاد الى مدينة بيجي ووصل الى مدخل المدينة وقال لها: يوم وصلنا بيجي تفضّلي وتردين تنزلين.
قالت له: مَن اللي قال لك أنا أريد انزل! أنا بنتي سعاد قالت لي يوم من توصلين بيجي خذي حباية الضغط لا تنسين. وبلعت الأم حباية ضغط الدم، وصعد ضغط دم السائق والركاب، وكان الله في عون الجميع.
ابتسمنا جمعيا وقلت لها ماذا لديك من ابتسامات اخرى؟
قالت: رويَ أن أحد ظرفاء اغوات الموصل فيما مضى من الزمان، كان لديه عربة يجرها حصانان، يتنقل بواسطتها داخل مدينة الموصل، وفي يوم من الايام جاءت له فكرة، وهي أن يستبدل الحصانين برجلين يجرانها، ويمثلان دور الحصانين، وبعد البحث وجد أثنين (وكانا من الظرفاء)، وافقا أن يحلان محل الحصانين مقابل اجر معلوم، فكانا في كل يوم يخرجان بالعربة ويسحبانها كأنهما حصانين والأغا تعلوه الفرحة، وفي أحد الايام مر الرجلان بالقرب من مجرى المياه القذرة لإحدى الحمامات الموصلية الكبيرة في ذلك الزمان، وفي غفلة من الاغا دفعوا بالعربة إلى الخلف فسقط الاغا في وسط مجرى الحمام الممتلئ بالماء الآسن والأوساخ، فعلته القذارة من أعلاه إلى أسفله وبدأ يسب ويشتم الرجلين بكل ما يعرفه من ألفاظ بَذِيءٍ ، فما كان من الرجلين إلا أن التفتا نحوه وبكل برود قائلين: (خيل وعنفصت تخلي عقلك مع الخيل) .
علت الابتسامة والقهقهة للحاضرين وطلبنا من جدتي أن تستمر بسرد طرائفها الممتعة.
قالت: كان يا ماكان وعلى الله التكلان كان هناك رجل وزوجته يعيشان في سعادة وتحسدهم الناس لكونكما من افضل الزوجين وقضيا معا ما خمسة وثلاثون عاما، في احدى الايام ذهبا الى إحدى الساحرات لمعرفة حظهم .
قالت لهم الساحرة: سأهب لكل واحد منكما أمنية وأنا على استعداد لأحققها له.
قالت الزوجة: أنا أتمنى أن أسافر حول العالم مع زوجي العزيز دون أن نفترق.
حركت الساحرة عصاها بشكل دائري مرددة:أبرا كدابرا أبرا كدابرا, أبرا كدابرا .
فظهرت تذكرتين للسفر حول العالم وضعتها في يد الزوجة.
جاء دور الزوج الذي جلس يفكر ثم قال: هذه لحظة مهمة في حياتي، لكن الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر
آسف حبيبتي لكن أمنيتي أن أتزوج امرأة تصغرني بثلاثين عاما.
شعرت الزوجة بغصّة في حلقها وبطعنة سيف في قلبها وبدت خيبة الأمل على وجهها (لكن الأمنية أمنية) .
حركت الساحرة عصاها بشكل دائري مرددة : أبرا كدابرا أبرا كدابرا, أبرا كدابرا .
فجأة أصبح عمر الزوج تسعون عاما !
قد يعتقد بعض الرجال أنهم أذكياء، ولكنهم ينسون أن الساحرات في النهاية هنّ نساء.
(والله أعجبتني هذه الساحره جابتها صح ؟).
اجل هي تتمنى تسافر معه وهو يرغب بالزواج، لا تنسون الرجال مالهم أمان.


82
من حكايات جدتي ...الرابعة والعشرين
صالح وزوجتاه
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي:كان في قديم الزمان رجل يدعى أبو صالح، اعطاه الله الحكمه والمال، هذا الرجل مشهور في قريته، وذاع صيته بكرمه وحسن اخلاقه وحكمته في الحياة، كبر أبنه صالح وصار شاباً وله اصدقاء صادقوه لأجل ماله وجاهه. وكان والده ينزعج من اصدقائه وينصحه: يا بني احذر اصدقاء السوء! وابحث عن فتاة تحفظك في السراء والضراء، وان يكون أهلها أهل خير ، مرت الايام وصالح يبحث عن شريكة حياته، فوجدها في احدى القرى المجاورة وهي فتاة جميلة رائعة المنظر .
التقى صالح مع شقيق الفتاة وعرفه بنفسه انه ابن فلان متفاخراَ بما يملك من مال وجاه، طلب يد اخته أن تكون زوجة له، بعد ايام رد الاخ موافقة العائلة قائلا له: أهلا سهلا بكم. 
اخبر  صالح والده أنه اختار زوجه صالحه بنت اصل وكرم، وافق الوالد على الفتاة وتزوج صالح وسكن في منزل والده وأعطاه جرة مملوءة ذهب، لكي ينفق على نفسه ويتاجر بها ، ونفس الوقت اعطى جزء من امواله لتاجر ليتاجر بها فسرقها وهرب، زوجة صالح تجسست وعلمت المكان الذي يخفي أبو صالح كنوزه. بعد فترة جاء أجل أبو صالح ووافته المنيه، وصالح لا يعلم مكان ثروة والده المخزونة، وما زال صالح مصاحبا اصدقائه خارج قريته، وينفق أمواله عليهم. وهكذا اصبح صالح بلا أموال وتخلى عنه اصدقائه .
عاد الى قريته وزوجته التي اختارها لتكون شريك حياته، اعلمها أنه خسر امواله التي اعطاه له والده ولا يملك شيء، فقالت له: اذهب واعمل أي شيء لكي تكسب المال، وخرج باحثاً عن عمل.
أما زوجته ذهبت الى شقيقها تقول له: ان لديها اموال اعطاه اياها صالح فخذ بعض المال واشتري اغنام، وقل لأهل القرية انك تتاجر بالأغنام، وافق الاخ واشترى اغنام وسلمها بيد راعي، ثم اعطته اموالا اخرى ليشتري منزل ففعل. وكان في نية الزوجه وشقيقها، أن يتخلصوا من صالح كونه اصبح فقيراً وخسر امواله ، في الوقت نفسه كان صالح يجوب القرى والبلدات باحثاً عن عمل، وعن طريق الصدفة التقى برجل كبير بالسن، فجلس بقربه وقال له اعطني شربة ماء فأعطاه الرجل وقال له: ماذا بك يا ابني خبرني حكايتك، حكى ما حدث معه وقال له: اذهب الى اعز صديق لوالدك واخبره بما حصل معك فهو سينقذك مما انت فيه .
ذهب صالح الى صديق والده واخبره بما حصل معه، فقال له صديق والده: إن والدك كان يملك من الاموال ما لا تعلمه انت، ولا يمكن ان يكون ما اعطاك اياه والدك، هو كامل المبلغ الذي يملكه أنه امر غريب، ابقى عندي هذه الليلة، وغداً ان شاء الله سأخبرك ماذا تفعل؟ كان لصديق والده فتاه رائعة وهي بنت الاصل والنسب والكرم فقال والدها لها يا ابنتي هذا ابن صديقي ما رأيك ان تتزوجيه، صمت وهزت رأسها، وفي اليوم التالي قال له: يا صالح عندي ابنة وأنا سأزوجها لك: قال صالح: يا عماه أنا فقير الحال ولا استطيع ان انفق عليها فقال له: إن الله سبحانه وتعالى هو من يرزق البشر وليس البشر، وافق صالح وكتب كتابه .
اتفق صديق والده مع صالح  أن يأخذ زوجته الجديدة الى زوجته الاولى، ويقول لها أنه شاهد هذه الفتاة وهي خرساء لا تتكلم ولا تسمع وهي ستكشف لك الامر، وبالفعل ذهب الى زوجته الاولى واخبرها انه بحث عن عمل فلم يجد عملاً وهو في طريق العوده التقى بهذه الفتاه وشفق عليها واحضرها لكِ لكي تكون خادمتكِ.
 بدأت زوجته الثانية تخدم الزوجة الاولى، وعند خروج صالح من البيت يحضر شقيق زوجته الاولى الى المنزل يتحدثان عن الاموال التي خبأتها عن صالح، ولا يعلم مكان المال الذي خبأه والد صالح وكذلك عن ربحهم بتجارة الاغنام.أخبرته زوجته صالح الثانية بما حصل وأشارت عليه بما يفعل، وقالت له: قول لزوجتك الاولى : انك لم تجد عملاً وانك لا تريد ان تجبرها على شيء فلها الخيار بأن تطلقان من بعضكما او تبقيا معاً، لان زوجتك لا تريدك أن تبقى في حياتها لكي تأخذ كل الاموال . فقال لها: نعم وماذا افعل بعد ذلك، قالت له: اذا اجابت انها تريد الطلاق اخبرها انك تريد بيع المنزل بمبلغ كبير، وهي لا ترغب أن تخسر المنزل، لان ثروة والدك مخزونة بداخله وسوف تطلب من اخاها بيع الاغنام والبيت، الذي اشتراه لكي يشتري المنزل، وبعدها تأخذ كامل حقك منهما ثم تأخذ اموالك وتطلقها.اخبر صالح الى زوجته الاولى بما اتفق مع الزوجة الثانية، طلبت منه الطلاق والتريث لان اخاه سيشتري المنزل،  وطلبت من أخاها ان يحضر الاموال لكي يتخلصوا من صالح، ويصبح المنزل بما فيه من ثروة كبيرة لهم بعد خروج صالح من المنزل، وبالفعل باع اخوها الاغنام والبيت واتفقا على سعر لشراء المنزل، دفع شقيقها المبلغ لصالح ثمن المنزل بالكامل، ورمى صالح يمين الطلاق على زوجته الاولى، على شرط انه يسلم المنزل لهما في اليوم التالي .
ارشدته الزوجة الثانية مكان الاموال والذهب وأخرجوها من الصندوق،  ووضعوا بداخل الصندوق حجارة وخشب وأعادوه الى ما كان عليه، وفي اليوم التالي حضرت طليقته وشقيقها الى المنزل واخذوا بإخراج الاغراض لكي يأخذوا كنزهم الكبير فلم يجدوا سوى الحجارة والأخشاب وعرفا انه اكتشف امرهم وانتهت بعودة طليقته وشقيقها لوضعهما الطبيعي وهو الفقر وعودة صالح الى وضعه الغني .
فالحكمة تقول من هذه الحكاية (أفضل سلاح ضد المرأة هو امرأة اخرى)، (المرأة الصالحة مثل التاج المرصع بالذهب).



83
من حكايات جدتي...الثالثة والعشرين
الصبية والبزاز

بدري نوئيل يوسف

عادت جدتي من زيارتها اليومية لمنزل جارتنا ام البنات وحدثتنا: ان لصا دخل لمنزل جارتنا، وشعرت أم البنات بوجود اللص داخل المنزل، وقف اللص أمامها قائلا: سآخذ هذا الغربال الخشن لوالدتي، فهي تحتاجه ولا عندي مبلغ لشرائه لها، وهرب متجها باتجاه سطح المنزل، ومن السطح يستطيع ان يقفز الى سطوح المنازل المجاورة أو للزقاق، وهذا الغربال الخشن يستعمل لتنقية الحبوب أثناء موسم تحضير المؤن الشتوية (عادة أهل الموصل يخزنون الحبوب والبرغل وبقية انواع البقوليات قبل موسم الشتاء) ابتسمت جدتي وقالت: اسمعوا هذه الحادثة تذكرت حادثة اللص والعجوز.
تقول جدتي: في أحد الأيام دخل لصٌ الى منزل لسرقته، ولاحظ أن امرأة عجوز مازالت صاحية تغزل الصوف.
ارتبك اللص وتقرب منها وسألها: لماذا أنتِ صاحية لحد الان.
عرفت المرأة العجوز أنه لص ويمكن أن يؤذيها أو يعتدي عليها، فكرت قليلا وقالت له:أبني نهضت من النوم مفزوعة خائفة من حلم، ويبدو عليك أنك أبن أصول ومن عائلة محترمة وكريمة، لكن يمكن الظروف جعلتك تسرق، وأنا صاحبة ثراء ومال، خذ أبني هذه الحلي الذهبية وتصرف بيها، وأدعو الله ان يوفقك وتكون صاحب ثروة ومال، لكن قبل ما تذهب أريدك تفسر لي الحلم الذي افزعني.
أخذ اللص الحلي الذهبية وجلس بجانبيها فكر قليلا ثم قال مع نفسه: هذه امرأة عجوز خرفانه وعلى نياتها، اسمع منها الحلم ثم أهرب، ورث سيجارته وأخذ نفسا عميقاً وقال لها: تفضلي احكي لي الحلم ربما اقدر اساعدكِ.   
قالت العجوز: في الحلم كنت ماشية على حافة النهر وفجأة تعثرت رجلي وسقطتُ بالماء، وبدأت أغرق وأنا احاول الصعود فوق الماء وأصرخ بأعلى صوتي عبود، عبود، وعلى اثرها نهضت من النوم، أبني ما تفسيرك للحلم؟
سألها اللص: من هو عبود؟
قالت العجوز وترفع صوتها: أبني عبود، عبود، الخاطر الله الحقني.   
قال لها اللص: اعتقد انكِ ستتزوجين، واحد من اصدقاء أبنك عبود.
صرخت العجوز بصوت عالي: عبود، عبود، أمك راح تتزوج عبود.
لم تمضي لحظات وإلا ابن العجوز عبود ينزل من الطابق الثاني، وبيده عصا غليظة ويمسك اللص ويشبعه ضربا.
خافت العجوز أن اللص يصيبه مكروه، نتيجة الضرب المبرح الذي تعرض له من قبل أبنها، وتعاطفت مع اللص
 قالت لأبنها: ابني الله يرضى عليك اتركه سيموت من الضرب الذي تلقاه.
صرخ اللص: أضرب عبود أضرب أنا استأهل الضرب، أني جئت للسرقة أم أفسّر أحلام.
عرفتم الفرق بين ذكاء وفراسة ام عبود وأم البنات. نعود لحكايتنا الاسبوعية .
يحكى انه كان في مدينة بغداد رجل بزَّاز (يبيع الثياب) له ثروة، في احد الايام وهو في حانوته أقبلت إليه صبية فالتمست منه شيئًا تشتريه، فبينا هي تحادثه كشفت له وجهها، فتحيَّر من جمالها وعيونها الواسعة السوداء، وقال لها: والله تحيرت مما فعلت، وكان عيباً كبيراً يعدّ في ذاك الزمان إذا كشفت المرأة وجهها، فقالت: ما جئت لأشتري شيئًا، إنما لي أيام أتردد إلى السوق ليقع بقلبي رجل أتزوجه، وقد وقعت أنت بقلبي، ولي مالٌ، هل ترغب بالزواج بي؟ فقال لها: لي ابنة عم وهي زوجتي، وقد عاهدتها ألا أُغيرها، ولي منها ولدٌ. فقالت: قد رضيت أن تجيء إليَّ في الأسبوع مرتين
فرضين وقام معها فعقد العقد، ومضى إلى منزلها وتزوجها، وأراد المبيت ليلته الاولى معها فقال لزوجته الاولى: إنَّ بعض أصدقائي قد سألوني أن أكون الليلة عندهم، ومضى فبات عندها، وكان يمضي كل يوم بعد الظهر إليها، ومضى على هذا الحال ثمانية أشهر. شكت ابنة عمه أحواله فقالت لجارية لها: إذا خرج فانظري أين يمضي؟
فتبعته الجارية فجاء إلى الدكان، فلمَّا جاء الظُّهر خرج من دكانه وتبعته الجارية وهو لا يدري، إلى أن دخل بيت تلك المرأة، فجاءت الجارية إلى الجيران فسألتهم: لمن هذه الدار؟ فقالوا: لصبيَّة قد تزوجت برجلٍ تاجر بزَّاز.
فعادت إلى سيِّدتها، فأخبرتها، فقالت لها: إياك أن يعلم بهذا أحدٌ ولم تُظهِر لزوجها شيئًا.
فأقام الرجل تمام السنة، ثم مرض ومات، وخلف ثمانية آلاف دينار، فعمدت المرأة التي هي ابنة عمه إلى ما يستحقه الولد من التركة وهو سبعة آلاف دينار، فأفردتها وقسمت الألف الباقية نصفين، وتركت النصف في كيس وقالت للجارية: خذي هذا الكيس واذهبي إلى بيت الصبية وأعلميها، أنَّ الرجل مات وقد خلف ثمانية آلاف دينار، وقد أخذ الابن سبعة آلاف بحقِّه، وبقيت ألف فقسمتها بيني وبينها وهذا حقُّك وسلِّميه إليها، مضت الجارية فطرقت عليها الباب ودخلت وأخبرتها خبر الرجل، وحدثتها بموته وأعلمتها الحال فبكت، ثم فتحت صندوقها وأخرجت منه رقعة، وقالت للجارية: عودي إلى سيدتك وسلِّمي عليها عنِّي، وأعلميها أن الرجل طلقني، وكتب لي براءة ورِّدي عليها هذا المال فإنِّي ما أستحق في تركته شيئًا.
مصدر القصة : صفة الصفوة ، ابن الجوزي ، 300 / 1


84
من حكايات جدتي ... الثانية والعشرين
مكر النساء
بدري نوئيل يوسف
كنا على موعد مع جدتي لتحكي لنا حكايتها اليومية، وإذا باب منزلنا يطرق بقوة كأن شخصا يحتاج الى مساعدة نهضت جدتي مسرعة لفتح الباب فكان الطارق جارتنا أم البنات، لا اعلم ماذا طلبت من جدتي، لكن دخلت الجدة الى داخل المنزل، وأخذت قنينة دواء صغيرة وأعطتها الى أم البنات .
أخذنا الفضول وسئلنا الجدة ماذا كانت تريد ام البنات؟ قالت: طلب (ماء غريب) لأنه نفذ عندها.
في الحقيقة استغربتُ وسألتها: ما هو ماء غريب؟ ابتسمت وقالت: لو تعرف كم قنينة ماء غريب شربت.
قلت لها: لا اتذكر انني شربت ماء غريب، قالت: لا يقل عن خمسون قنينة ماء غريب شربت وأكيد لا تتذكر لأنك كنت طفل رضيع، ماء غريب اسم متعارف عليه من المنتجات التجارية التي تخص الأطفال، أول من انتجه شركة بريطانية وهو فعال في علاج مظاهر عدم الارتياح لدى الطفل الرضيع بسبب الغازات، وهو مستحضر لحماية الطفل من الإزعاج المصاحب للمغص والانتفاخ من الرياح، وتعطيه راحة سريعة، وماء غريب دواء معروف ومنتشر في الصيدليات، ماء غريب يمكن الحصول عليه بدون وصفة طبية، وطريقة الاستعمال مطبوع على زجاجة المنتج  من عمر شهر إلى ستة أشهر ملعقة صغيرة واحدة، ومن عمر ستة أشهر إلى سنة ملقتين صغيرتين، يمكن إعطاء هذه الجرعات خلال أو بعد كل رضعه حتى ست مرات يومياً.
سعدنا بهذه المعلومة التي لا نعرفها واستمرت جدتي بالحديث قائلة: قبل وصول الماء غريب الى الاسواق هناك دواء وجده العطارون عبارة عن خليط من أعشاب معينة ومن المواد المطيبة والمسكنة والمهدئة له أثر دوائي، فقد صنعوا (السفوف) كدواء طارد للريح وكعلاج لأوجاع ألأطفال الرضع ومساعدتهم على النوم المريح، والسفوف مجموعة مواد عطارية تتكون من  نسب يعرفها العطار (الانسون،حبة البركة ، كزبره، سعد، هيل، مع مواد اخرى)، يطحن ويوزع على اوراق صغيرة توضع ملعقة شاي فوق الورقة ويلف وعند الاستعمال تذاب الكمية بقدح ماء مغلي ويقدم للطفل ملعقة شاي وقت الحاجة .
نكمل حكايتنا الاسبوعية .
تدور هذه الحادثة حول مديرة مدرسة عانس في الخامسة والأربعين من العمر غابت عن المدرسة يومين وحين عادت لمدرستها قابلتها المدرّسات بالسؤال والسلامات أين كنت يا مديرة ؟
قالت لهم: باركوا لي تزوجت.
قالت احدى المدرّسات : ألف مبروك، نقدر نعرف من هو سعيد الحظ ؟
قالت المديرة لهم: بصراحة زوجي هو زوج وحدة منكن !
ارتبكت المدرسات وبدأن يتناقشن بينهن مخمنين من يكون الزوجن، وأصبحن اضحوكة زميلاتهن العوانس و العازبات . سألت احدى المدرّسات باستغراب وتعجب: تقدرين تؤشرين وتقولين أي وحدة منا ؟
قالت المديرة: لا اقول. ألحوا عليها وطلبوا منها أن تعترف أي زوج تزوجها، قالت: لا اتكلم، ومن يريد معرفة ذلك،  على كل مدرسة عند مجيئها صباح الغد تضع خمسمائة دينار فوق المنضدة أمامي، وأنا سوف اخذ مبلغ المُدرسة التي لم اتزوجت رجلها، وافقت المدرّسات على هذه الطريقة، وفي اليوم التالي جاءت المدرسات وكل واحدة منهن تحمل المبلغ ويضعن المبلغ فوق الطاولة أمام المديرة، وهكذا اخذت المديرة كل المبالغ التي وضعت من قبل المُدرسات العشرة، وجاء دور المُدرسة رقم احدى عشر دخلت تتأفف وتشك بزوجها أنه تزوج المديرة، المهم وضعت المُدرسة المبلغ فوق الطاولة، شعرت المديرة أن المُدرسة منزعجة ومضطربة، أرادت المديرة تلعب بأعصابها قالت لها: إذا كنت منزعجة وغير مقتنعة خذي المبلغ، امتلأت عيناها بالدموع وقالت وغصة في حنجرتها: سيدي اعطيك عشرة اضعاف المبلغ أن لا يكون زوجي من المقصود، قالت المديرة: لا تشكين بزوجكِ فليس هو المقصود، أخذت المديرة المبلغ وخرجت المُدرسة من غرفة المديرة تدعي لها بالخير والبنين والبنات، وهكذا دخل جميع المدرّسات لغرفة المديرة وهي تلعب بأعصاب كل وحدة، وفي النهاية تأخذ الخمسمائة دينار. اجتمعت المدرسات في غرفتهن وهن يفكرون من تكون المدرسة التي تزوج زوجها المديرة، تذكرت احدى المدرسات أن احدى زميلاتهن مجازة، وعلى الفور اتصلوا معها وابلغوها ما جرى معهم. وخلال دقائق جاءت المُدرسة المجازة الى المدرسة ووضعت المبلغ فوق طاولة المديرة وخرجت سعيدة فرحانة، اخبرت زميلاتها أن المديرة أخذت المبلغ وأن زوجها لم يكن المقصود.
وقعوا في حيرة من امرهم من يكون زوج المديرة! وكلهن سعيدات والابتسامة لا تفارق شفاههن.
اصبح المبلغ عند المديرة اثنا عشر الف دينار، دخلت المديرة الى غرفة المدرسات وهي تحمل المبلغ وضعته امامهن وأضافت فوقه خمسمائة دينار قائلة: اقول لكن أنا والله لا تزوجت ولا فكرت بالزواج، وخلال أجازتي اليومين الماضيين كنت مريضة، اذكركم أنني طلبت من كل وحدة منكن قبل شهر مبلغ مائة دينار لتصليح النواقص في المدرسة، رفضتم جمعيا على دفع المبلغ، لكن هذه الحيلة البسيطة استطعتُ أن اخدعن واجمع المبلغ خمسة اضعاف .
قالت احدى المدرسات: بالعافية فداك كل الدنانير وإذا تحتاجين أكثر نحن على استعداد ندفع، المهم رجالنا ما تزوجوا علينا.



85
من حكايات جدتي ... الحادية والعشرين
أبو البنات وأبو الاولاد
بدري نوئيل يوسف

حدثتنا جدتي أن أم البنات تخاصمت مع زوجها، وتركت المنزل وذهبت الى منزل والدتها تشكو حالها، بعد ولادتها سبعة بنات وأن زوجها لا يحترمها ويناديها (مرتي)، وترفض هذه الكلمة وتحب أن يناديها باسمها او باسم أم ابنتها البكر، طلب زوجها من جدتي أن تتدخل وتزورها في منزل والدتها، وتقنعها بالعودة لأنه لا يستطيع تربية البنات السبعة ولا يقدر أن يحضر لهن الطعام وغسل ملابسهن، وافقت جدتي وذهبت الى منزل والدة أم البنات وبعد السلام والكلام قالت لها جدتي: تعرفين ماذا تعني كلمة (مرتي)؟ هذه الكلمة التي تركت المنزل بسببها؟
قالت أم البنات: كلمة (مرتي) يستخدمها الرجل العراقي للتعريف عن زوجته، وكثير من النساء تعتبرها كلمة شعبية او (سوقية)، يعني كلمة دون المستوى وفيها انتقاص من احترام المرأة، وأنا واحدة منهم لا أحب اسمع هذه الكلمة، وقد نبهت زوجي من أول يوم زواجنا أن لا يستعملها ولكنه أبى وأصر على الاستمرار بمناداتي (مرتي)، وهذه السنة التاسعة من زواجنا وهو ينادي بكلمة (مرتي)، مع العلم كان يعرف انني انزعج منها.
ابتسمت جدتي وقالت لها: يا أم البنات للأسف أن أكثر النساء لا يعرفون حقيقة هذه الكلمة، (مرتي) كلمة ارامية الاصل وغير موجودة بقواميس اللغة العربية، وتقسم الى قسمين (مار ... ويعني سيد ) و (تي ضمير الاشارة القريب للمؤنث باللغة الارامية) فتصبح كلمة مرَتي تساوي سيدتي، ولهذا كنت افرح عندما يناديني المرحوم زوجي مرتي .
اقتنعت ام البنات وعادت مع جدتي الى منزلها واعتذرت لزوجها وهي سعيدة عندما يناديها مرتي.
اما حكايتنا لهذه الليلة فهي (أبو البنات وأبو الاولاد) حكاية واقعية حدثت في احدى المدن.
كان يا مكان وعلى الله التكلان، كان في احدى المدن صديقان أحدهما اسمه عزيز والآخر اسمه سعيد، تزوج الصديقان في ليلة واحدة من امرأتين فاضلتين وبعد فترة رزق كل منهما بمولود في الأيام نفسها، رزق سعيد بولد فذهب إلى صديقه عزيز يسأله: ماذا ولدت لك زوجتك؟ قال عزيز: الحمد لله فإن زوجتي وضعت لي بنت جميلة وبصحة جيدة أسميناها نور.
قال له سعيد وبكل شماتة ضاحكا بصوت عالي: أما أنا فإن زوجتي وضعت لي ولد وأسميته فادي والناس تسميني الآن أبو فادي وليس أبو نور.
مضت الأيام حملت زوجة عزيز وحملت زوجة سعيد ووضعت الزوجتان في الوقت نفسه تقريبا، رزق سعيد بولد آخر فذهب إلى صديقه عزيز يسأله: ماذا ولدت لك زوجتك هذه المرة؟ قال عزيز: الحمد لله فإن زوجتي وضعت لي بنت جميلة ثانية وهي وأمها ولله الحمد بصحة جيدة.
ضحك سعيد وهو يقول بكل شماتة: أما أنا فإن زوجتي قد وضعت لي ولد آخر، هل تعرف ماذا يعني هذا؟
قال عزيز: لا، لا أعرف ماذا يعني.
قال سعيد: يقول الأولون بأن من تلد له زوجته ولدين متتالين فإنها تكون قد حللت مهرها، يعني زوجتي (طالعة عليّ بلاش).
مضت الأيام أيضا وحملت زوجة عزيز وحملت زوجة سعيد ووضعت الزوجتان في الوقت نفسه تقريبا، رزق سعيد بولد ثالث، فذهب إلى صديقه عزيز يسأله: ماذا ولدت لك زوجتك في هذه المرة؟
قال عزيز: الحمد لله فإن زوجتي وضعت لي بنت جميلة ثالثة وهي ولله الحمد وأمها بصحة جيدة.
قهقه سعيد بصوت عال ويقول بشماتة: أما أنا فإن زوجتي قد وضعت لي ولد ثالث، هل تعرف ماذا يعني هذا؟
قال عزيز: لا ،لا أعرف أخبرني أنت.
قال سعيد: من يكون عنده ثلاثة أولاد فإنهم يكونون له مثل ركائز الموقد يضع عليهم قدر الأكل، أنا يجلس قدري، أما أنت يا أبو البنات فلا يمكن أن يجلس قدرك.
قال عزيز: الحمد لله على عطاياه إنا له لشاكرون.
مرت السنين والأعوام وكبر عزيز وكبر سعيد وكبر الاولاد وتزوجوا وأسسوا بيوتا لهم، وكبرت البنات وتزوجن وانتقلن إلى بيوت أزواجهن، وكبرت زوجة عزيز وأصبحت لا تقوى على عمل المنزل، وكبرت زوجة سعيد وكذلك هي أصبحت لا تقوى على عمل المنزل.
وفي أحد الأيام مر عزيز على صديقه سعيد فوجده جالس في الظل خارج المنزل وهو في حالة مزرية، جسمه منهك وضعيف جدا وملابسه رثة ومهملة.
فسأله: ماذا أصابك يا صاحبي؟ ولماذا جسمك هزيل وثيابك متسخة إلى هذا الحد؟
أجابه سعيد: أنا الآن كبير في السن ولا أعمل، وأولادي الثلاثة قد تزوجوا وكل واحد بنى له منزل خاص وانتقلوا إليه، وزوجتي أصبحت امرأة كبيرة في السن لا تقوى على عمل المنزل من طبخ وغسيل، ولا يوجد لدينا من يخدمنا أو يطعمنا غير أهل البر والإحسان، ولكن أراك يا عزيز جسمك سمين ونظيف، وملابسك نظيفة ومكوية، وأنت مثلي بناتك تزوجوا وتعيش في البيت مع زوجتك التي لا تقوى على عمل المنزل.
قال له عزيز: يا صديقي ابنتي البكر تحضر إلى منزلنا في الصباح، وفي يدها فطورنا تطعمنا وتغسل ملابسنا ثم تعود لمنزلها، وابنتي الوسطى تحضر لنا في الظهر تجلب لنا الغداء وتكوي ملابسنا ثم تعود لمنزلها، وابنتي الصغرى تحضر إلى منزلنا في الليل وفي يدها عشاءنا تعشينا وتحممنا وتنومنا وتغطينا، هل تعرف ماذا يعني هذا؟
قال سعيد: لا لا أعرف ماذا يعني.
أجابه عزيز: هذا يعني بأن أبو البنات ينام وهو تعشى وأبو الاولاد ينام على جوع .
كثيرا ما لا نرضى بأخيار الله لنا، وبعد مرور سنوات يتبين لنا أن الله قد اختار الافضل .
المصدر: التراث الشعبي

86
من حكايات جدتي ... العشرون.
الطير الأخضر
بدري نوئيل يوسف

تقول جدتي كان في مدينتا كاهن كبير في السن ذو لحية كثة، وله صديق إمام احد الجوامع كذلك لحيته معتدلة مشربة بسواد، يسكنان متجاوران، تلقاهما وقت الفراغ معا يتسامران ويتشاركان الطعام محبوبان من ابناء المدينة يساعدان الفقير، ولا تشعر في أي يوم انها من دينّان مختلفان يحبان المزح والضحك . في احد الامسيات طلب الإمام من الكاهن ان يعد له عدد اعياد المسيحيين، لكن الكاهن عرض عليه فكرة ان يتراهنان على شرط مقابل كل عيد يسحب شعرة من لحية الاخر عند ذكر اسم العيد، اتفقا وبدا الإمام يعد اعياد المسلمين الواحد تلو الاخر ويسحب شعرة من لحية الكاهن مقابل كل عيد وهكذا وصل العدد الى عشرين او اكثر وتوقف، وجاء دور الكاهن وبدأ يعد اعياد القديسين الذين يعدون بالمئات ويسحب شعرة من لحية الامام مقابل كل عيد ، وأخيرا مسك الكاهن لحية الامام بالكامل بكفه وسحبها قائلا له هذا عيد جميع القديسين، هكذا كانت ايام الزمن الجميل في مدينتنا.
تحدثنا جدتي قالت: كنت عند جارتنا أم أبو البنات والتي مقتنعة بموروث شعبي عراقي حيث نرى العجائز يقمن بهذا العمل وهو أبره وگاغد ( الچكچك). فهي مازالت تشعر ان ابنها مسحور أو محسود ولهذا خلفَتَه كلها بنات ، فقد احضرت گاغد (ورقة) وأبره وكتبت أسم أبنها وأسمها على الگاغد وتقوم الام بمليء الگاغد بالثقوب حتى تصل الى مائة وواحد ثقب ومع كل ثقب تقرأ أو تذكر أسم ما أو دعاء معين وبعد الانتهاء حرقت الگاغد وهي تعتقد بدفع السحر أو الحسد أو الضرر عن ابنها المتضرر وتبتعد عنه العين الحاسده وترجع له الصحة والعافية والسعادة لأنه مصاب بعين خبيثة حاسده ويقدر أن يخلف ولدان، وتسمى هذه العملية (ابره وكاغد التچكچك).
بعد هذه الحكايات القصيرة طلبنا من جدتي ان تحكي لنا حكاية اليوم، ابتسمت وقالت :
كان في قديم الزمان رجل عنده زوجة وولد وبنت، وعندهم بقرة صغيرة صفراء اللون كان الولدان يرعيانها ويحبانها وتحبهما وهما متعلقان بها كثيراً، ماتت زوجة الرجل فتزوج امرأة أخرى لكنها بدت شريرة لا تحب الأولاد، وتكره الولد والبقرة خاصة، فأخذت تكيد لهما وتفكر في طريقة للتخلّص منهما ومن البقرة.
في يوم من الأيام جعلت نفسها مريضة، وأرسلت بطلب أحد الأطباء من أصحابها ليعالجها، فطلبت منه أن يوصف لها لحم البقرة الصفراء، وأنها لا تشفى حتى تأكل من لحمها، وتدهن جسمها بدمها، وكان ذلك فبعد أن فحصها الطبيب وصف لها أمام الجميع لحم البقرة ودهن جسمها بدمها، وبين لهم أنه لا دواء لها غيره، ورغم معارضة الأولاد وحزنهم الشديد على البقرة وافقوا مضطرين عليه، فذبح الرجل البقرة وأكلت المرأة من لحمها ودهنت من دمها، وبعد قليل ادّعت أنّها شفيت من المرض، وقامت مثل الغزالة ففرح الأب بشفائها.
بقي همها الوحيد الولد (حطّت برأسها يا هو يا هي بالبيت )، لكن الأب تمسك بولده الوحيد، ولم يضحّي به من أجل زوجته، فذهبت المرأة إلى عند ساحرة شريرة، فصنعت لها سحراً وكتبت للأب والولد، فصار الرجل يكره ابنه ولم يعد يطيق رؤيته.
وفي يوم عملت نفسها مريضة أيضاً وأخذت تتدلل على رجلها، وتتغنّج عليه ومنعته أن يقرب منها، فصار يراضيها ويسألها عن طلباتها وينفذها لها لترضى عليه، وعندما تمكنت منه طلبت منه أن يذبح ابنه ويطعمها من لحمه، فقام الرجل وذبح ولده فطبخته وأكلت من لحمة، وتركت عظامه ورمتها في الحديقة، رأتها أخته فصارت تبكي، ولمّت عظامه وهي حزينة عليه، وضعتهم داخل كيس وحفرت حفرة في الحديقة ودفنتها، وأصبحت كل يوم تسقي العظام وتبكي على أخيها، مضت سبعة أيام على هذا الحال، وإذ يخرج من الحفرة طير أخضر صغير، أحلى من كل الطيور، دار بالحديقة من شجرة لشجرة، وصار يزقزق ويناغي بألحان حزينة، وحط أخيراً على شباك غرفة أخته وصار يغني:
" كوكو ...كوكو أنا الطير الأخضر والذي مزين المحضر ، أبوي ذبحني وخالتي أكلت لحمي، أختي الحنونة لملمت عظامي وحطتهم بكيس خامي، بعد سبعة أيام صرت طير أطير بالبلداني."
سمعته أخته وعرفت أنه أخوها فقربت منه ، وصارت تلمّس ريشه، ودموعها تنزل غزيرة من عيونها مثل المطر من حزنها عليه، طار بعيد عنها ورجع ومعه قلادة من ذهب ورماها على أخته، أخذتها ولبستها وصارت مثل العروس . رأت خالتها بعينيها ما حدث للبنت، فانزعجت وحسدتها وطمعت بقلادة مثلها .
في اليوم التالي وقف الطير على الشباك وصار يغني أغنيته، أتت خالته وصارت تلمّس ريشه، فطار بعيداً ورجع ومعه إبرة مسمومة، ورماها عليها فجاءت برقبتها وماتت في الحال، وبقي الطير كل يوم يقف على الشباك ويغني أغنية لأخته، ويرمي إليها الهدايا من الحلي والجواهر، وهي فرحانة وسعيدة به.
نلتقي في حكاية جديدة  من حكايات جدتي .

87
من حكايات جدتي ... العشرون.
الطير الأخضر
بدري نوئيل يوسف

تقول جدتي كان في مدينتا كاهن كبير في السن ذو لحية كثة، وله صديق إمام احد الجوامع كذلك لحيته معتدلة مشربة بسواد، يسكنان متجاوران، تلقاهما وقت الفراغ معا يتسامران ويتشاركان الطعام محبوبان من ابناء المدينة يساعدان الفقير، ولا تشعر في أي يوم انها من دينّان مختلفان يحبان المزح والضحك . في احد الامسيات طلب الإمام من الكاهن ان يعد له عدد اعياد المسيحيين، لكن الكاهن عرض عليه فكرة ان يتراهنان على شرط مقابل كل عيد يسحب شعرة من لحية الاخر عند ذكر اسم العيد، اتفقا وبدا الإمام يعد اعياد المسلمين الواحد تلو الاخر ويسحب شعرة من لحية الكاهن مقابل كل عيد وهكذا وصل العدد الى عشرين او اكثر وتوقف، وجاء دور الكاهن وبدأ يعد اعياد القديسين الذين يعدون بالمئات ويسحب شعرة من لحية الامام مقابل كل عيد ، وأخيرا مسك الكاهن لحية الامام بالكامل بكفه وسحبها قائلا له هذا عيد جميع القديسين، هكذا كانت ايام الزمن الجميل في مدينتنا.
تحدثنا جدتي قالت: كنت عند جارتنا أم أبو البنات والتي مقتنعة بموروث شعبي عراقي حيث نرى العجائز يقمن بهذا العمل وهو أبره وگاغد ( الچكچك). فهي مازالت تشعر ان ابنها مسحور أو محسود ولهذا خلفَتَه كلها بنات ، فقد احضرت گاغد (ورقة) وأبره وكتبت أسم أبنها وأسمها على الگاغد وتقوم الام بمليء الگاغد بالثقوب حتى تصل الى مائة وواحد ثقب ومع كل ثقب تقرأ أو تذكر أسم ما أو دعاء معين وبعد الانتهاء حرقت الگاغد وهي تعتقد بدفع السحر أو الحسد أو الضرر عن ابنها المتضرر وتبتعد عنه العين الحاسده وترجع له الصحة والعافية والسعادة لأنه مصاب بعين خبيثة حاسده ويقدر أن يخلف ولدان، وتسمى هذه العملية (ابره وكاغد التچكچك).
بعد هذه الحكايات القصيرة طلبنا من جدتي ان تحكي لنا حكاية اليوم، ابتسمت وقالت :
كان في قديم الزمان رجل عنده زوجة وولد وبنت، وعندهم بقرة صغيرة صفراء اللون كان الولدان يرعيانها ويحبانها وتحبهما وهما متعلقان بها كثيراً، ماتت زوجة الرجل فتزوج امرأة أخرى لكنها بدت شريرة لا تحب الأولاد، وتكره الولد والبقرة خاصة، فأخذت تكيد لهما وتفكر في طريقة للتخلّص منهما ومن البقرة.
في يوم من الأيام جعلت نفسها مريضة، وأرسلت بطلب أحد الأطباء من أصحابها ليعالجها، فطلبت منه أن يوصف لها لحم البقرة الصفراء، وأنها لا تشفى حتى تأكل من لحمها، وتدهن جسمها بدمها، وكان ذلك فبعد أن فحصها الطبيب وصف لها أمام الجميع لحم البقرة ودهن جسمها بدمها، وبين لهم أنه لا دواء لها غيره، ورغم معارضة الأولاد وحزنهم الشديد على البقرة وافقوا مضطرين عليه، فذبح الرجل البقرة وأكلت المرأة من لحمها ودهنت من دمها، وبعد قليل ادّعت أنّها شفيت من المرض، وقامت مثل الغزالة ففرح الأب بشفائها.
بقي همها الوحيد الولد (حطّت برأسها يا هو يا هي بالبيت )، لكن الأب تمسك بولده الوحيد، ولم يضحّي به من أجل زوجته، فذهبت المرأة إلى عند ساحرة شريرة، فصنعت لها سحراً وكتبت للأب والولد، فصار الرجل يكره ابنه ولم يعد يطيق رؤيته.
وفي يوم عملت نفسها مريضة أيضاً وأخذت تتدلل على رجلها، وتتغنّج عليه ومنعته أن يقرب منها، فصار يراضيها ويسألها عن طلباتها وينفذها لها لترضى عليه، وعندما تمكنت منه طلبت منه أن يذبح ابنه ويطعمها من لحمه، فقام الرجل وذبح ولده فطبخته وأكلت من لحمة، وتركت عظامه ورمتها في الحديقة، رأتها أخته فصارت تبكي، ولمّت عظامه وهي حزينة عليه، وضعتهم داخل كيس وحفرت حفرة في الحديقة ودفنتها، وأصبحت كل يوم تسقي العظام وتبكي على أخيها، مضت سبعة أيام على هذا الحال، وإذ يخرج من الحفرة طير أخضر صغير، أحلى من كل الطيور، دار بالحديقة من شجرة لشجرة، وصار يزقزق ويناغي بألحان حزينة، وحط أخيراً على شباك غرفة أخته وصار يغني:
" كوكو ...كوكو أنا الطير الأخضر والذي مزين المحضر ، أبوي ذبحني وخالتي أكلت لحمي، أختي الحنونة لملمت عظامي وحطتهم بكيس خامي، بعد سبعة أيام صرت طير أطير بالبلداني."
سمعته أخته وعرفت أنه أخوها فقربت منه ، وصارت تلمّس ريشه، ودموعها تنزل غزيرة من عيونها مثل المطر من حزنها عليه، طار بعيد عنها ورجع ومعه قلادة من ذهب ورماها على أخته، أخذتها ولبستها وصارت مثل العروس . رأت خالتها بعينيها ما حدث للبنت، فانزعجت وحسدتها وطمعت بقلادة مثلها .
في اليوم التالي وقف الطير على الشباك وصار يغني أغنيته، أتت خالته وصارت تلمّس ريشه، فطار بعيداً ورجع ومعه إبرة مسمومة، ورماها عليها فجاءت برقبتها وماتت في الحال، وبقي الطير كل يوم يقف على الشباك ويغني أغنية لأخته، ويرمي إليها الهدايا من الحلي والجواهر، وهي فرحانة وسعيدة به.
نلتقي في حكاية جديدة  من حكايات جدتي .

88
من حكايات جدتي ... الحكاية التاسعة عشر
العجوز وصحن الدبس
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي: ان جارتنا أم البنات كانت باهرة الجمال كأنها القمر المكتمل في السماء، وجهها مستدير وردي اللون وعيناها سوداء الليل الكاحل السواد، وشعرها أصفر كأنه خيوط الذهب، تغار منها نساء المحلة ولكن مصيبتها أنها تحب شراء الحلي الذهبية وتتزين بها، وكانت تكلف اثمانها دخل العائلة المالي. أما زوجها فقد ضاقت به السبل لمنعها من شراء الحلي وطلب من جدتي أن تنصحه وترشده الى حيلة لتكف زوجته عن هذه العادة الثقيلة .
تقول جدتي: أنها حكت هذه الحكاية للزوج وأن يتعلم منها درسا، (الحكاية) قرر احد الملوك منع النساء لبس الذهب والحلي والزينة، فكانت ردة فعل النساء كبيرة حيث امتنعن عن الطاعة، وبدأ التذمر والسخط والاحتجاج، وبالغت النساء في لبس الزينة والذهب والحلي، اضطرب الملك واحتار، فأمر بعمل اجتماع لمستشاريه وبدأ النقاش واقترح أحدهم التراجع عن القرار للمصلحة العامة، وقال آخر:لا، لان التراجع مؤشر ضعف وخوف ويجب أن نظهر قوتنا، وانقسم المستشارين لمؤيدين ومعارضين .
طلب الملك احضار حكيم المدينة بعدما حضر وطرحت عليه المشكلة قال الحكيم للملك: لن يطيعك النساء إذا كنت تفكر فيما تريد أنت لا فيما يريدون هن فقال له: الملك وما العمل؟ أتراجع إذن ؟ قال الحكيم لا ولكن اصدر قرار بمنع لبس الذهب والحلي والزينة للجميلات لعدم حاجتهنّ للتجمل، واستثناءً القبيحات وكبيرات السن بلبس الزينة والذهب لحاجتهن ستر قبحهن ودمامة وجوههن.
صدر القرار وما هي إلا سويعات حتى خلعت النساء الزينة، وأخذت كل واحدة منهنّ تنظر لنفسها على أنها جميلة، لا تحتاج للزينة والحلي، عندها قال الحكيم: للملك النساء طائعين عندما فكرت بعقولهن وأدركت اهتماماتهن من نوافذ شعورهن.
سمع أبو البنات الحكاية وطار من الفرح وأوصته جدتي أنه يتعلم صياغة الكلمات مع زوجته لا شيء يخترق القلوب كلطف العبارة وبذل الابتسامة ولين الخطاب، امتثلت زوجته لكلامه أول يوم وفي اليوم الثاني عادت حلميه الى عادتها القديمة، وبدأت بالتزين بالحلي والمجوهرات، وعندما سألها زوجها لماذا عادت لبس الحلي قالت له: توقف عن شرب عرق القجغ (المهجوم) وأنا سأمتثل لطلبك، ولم تمضي دقائق حتى ارتفع الصياح بينهما وتدخلت جدتي لفك النزاع
نعود يا اطفالنا المحبوبين الى حكاية اليوم :
كان يا ما كان في غابر الأزمان، امرأة أرملة فقيرة الحال، وعندها ثلاث بنات صغار، تعمل تتعب وتشقى لإطعامهن ورعايتهن، في يوم من الأيام اقترحت البنت الصغيرة على أمها أن يساعدوها في العمل وتأمين حاجات البيت، فطلبوا من أمهم أن تأتي لهم بالصوف ليغزلوه، ويصنعوا منه ملابس تبيعها في السوق، وتشتري لهم بثمنه طعاماً، وهذا ما حصل وتعاون البنات الثلاث على حياكة الصوف حتى صنعوا منه ملابس جميلة أخذتها الأم إلى السوق، فباعتها ببعض الدراهم واشترت لأولادها بعض الحاجيات وصحناً من الدبس، وعادت به إلى البيت.
استمرت على هذا الحال عدّة أيام، وفي أحد الايام بينما كانت عائدة الام بصحن الدبس، واجهت عجوزاً نحيفاً، مقعداً، جالسا على قارعة الطريق، ذقنه طويلة، مهلهل الثياب.
قال لها العجوز: " ذبي دبسكِ واحمليني ولبيتك وديني ".
فقالت له الأم: هذا تعب بناتي الصغار فكيف أرميه وأحملك بدلاً منه ؟ وماذا سأفعل بك.
فقال لها العجوز: "ذبي دبسك واحمليني ولبيتك وديني، ومثل ما أقول لك اعملي لي أنا رزقك ما راح تندمي معي" .
أخيراً وافقت الأم ورمت صحن الدبس، وحملته على ظهرها وقالت: أمري إلى الله.
أنزلته في البيت فاستغرب بناتها قصة العجوز، واستنكروا على أمهم أن تتخلى عن صحن الدبس من أجل هذا العجوز الهفتان، وسألوا أمهم ماذا سيفعلون به ؟
فقال العجوز للمرأة: " افرشي لي فرشة ، وبالّلحاف غطيني ".
فرشت له الفراش وغطّته باللحاف، فقال لها: " الآن جيبي عصي ودقّيني ".
فرفضت المرأة في البداية لكنه ألحّ عليها، ورجاها أن تفعل ما يريد، فأتت ببعض العصي، وأخذت تدقّه مع بناتها حتى أصبح كالعجينة، فرفعوا عنه الغطاء وإذ بالعجوز تحوّل إلى كومة من الذهب. فرحت البنات والمرأة بهذه الرزق العظيم، وطلبت المرأة من ابنتها الكبيرة أن تذهب وتستعير من جارتهم الغنية (كيلة) التي يكيلون فيها الحبوب، فاستغربت جارتهم هذا الطلب، وأرادت أن تعرف ماذا سيكيلون فيها فوضعت في أسفلها قطعة علك، وعندما أعادوها لها وجدت فيها قطعة من الذهب ملتصقة بالعلك، فطار عقلها وذهبت إلى جارتها، وسألتها عن مصدر الذهب فلم تجبها، فألحّت عليها حتى اعترفت لها الجارة بكل ما حدث، فغرّها الطمع وحملت في اليوم التالي صحناً من الدبس، وجابت الشوارع حتى قابلت عجوزاً فقيراً مريضاً، فطلبت منه أن يأمرها برمي صحن الدبس وحمله إلى البيت، فحاول التملّص منها لكنها أرغمته على قول ذلك، فقال لها ما تريد فحملته إلى البيت، وقالت له أن يطلب منها أن تمدّ له الفراش وتغطّيه باللحاف، ثم أمرته أن يقول لها أن تضربه بالعصا، فأخذ يبكي ويرجوها أن ترحمه وتتركه في حال سبيله، لكنها لم ترد عليه وسحبت العصي هي وأولادها، وصاروا يضربونه وهو يصيح ويستغيث من الألم حتى همدت حركته، فرفعوا الغطاء عنه وإذا هو جثة هامدة، وكومة من اللحم المفعوس، والفراش بركة من الدم.
حضرت الشرطة فقبضت عليهم، ووضعوهم في السجن بتهمة قتل الرجل العجوز ولقوا جزاء طمعهم وحسدهم لجيرانهم.
نلتقي في حكاية جديدة .


89
من حكايات جدتي ... الثامنة عشر
القاضي وبائع الدجاج
 
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي عن المثل (طلع منها مثل الشعره من العجين ) قالت :
تخاصم جارنا أبو البنات مع جارنا المطيرجي الذي لا يرتاح لمجاورته لأنه يقضي اكثر اوقاته فوق السطح العالي مما يمنع أم البنات من الصعود لتعليق الملابس المغسولة على الحبال، لكن كان سبب الخصام أن ام البنات وضعت صواني عصير الطماطة لتجف وتوسخ المعجون بريش الطيور بالإضافة لوقوفها فوق ستارة السطح وتوسخت بفضلاتها، مما ادى بهما الذهاب الى مركز الشرطة ، وكان مأمور المركز بدرجة مفوض يحب المزح والفكاهة، ولا يأخذ بشهادة (المطيرچي) لأنه دائمُ النظر إلى السماء لمراقبة الطيور وهذا يعني أنه لا يهتم بالأحداث التي تجري على الأرض ولأنه يحلف أو يقسم بالله وكتبه ورسله على أتفه الأشياء، و يكثر من الايمان التي يحلفها كاذبا في سبيل تحقيق ملكية طير يدعي انه صاحبه وهو لسواه، والشهادة تقتضي تعظيم اليمين والالتزام به.
وعند عرض القضية للمفوض اودعهم التوقيف ولا يرد على أي منها، وبعد اكثر من ساعة استدعاهما وفتح تحقيق معهم وقدم لهما عرضا بدل ما يحيل دعواهم الى حاكم التحقيق وطلب من المطرجي ان يضع صواني عصير طماطة فوق السطح وطلب من أبو البنات شراء طيور ويربيها ويكشها حتى توسخ ستارة منزل المطيرجي وصواني عصير الطماطة ويتعادلان، احتار الاثنان بهذا العرض ثم تشاور أبو البنات والمطرجي بينهما وهكذا تنازل ابو البنات عن دعواه وتصالحا وأغلقت الدعوة .
استمرت جدتي بالحديث وقالت: ما فعله المفوض ينطبق على حكاية القاضي وبائع الدجاج .
كان يا ما كان في قديم الزمان، رجل اشترى الدجاجة الاخيرة التي كانت لدى بائع الدجاج ودفع ثمنها وطلب منه ان يذبحها، ذبح البائع الدجاجة ثم قال للبائع: نظف الدجاجة وقطعها حتى أكمل مشاوري لشراء بعض الحاجيات من السوق، وأعود لأخذ الدجاجة المقطعة، وافق البائع وقال له: ربع ساعة وتعال تلقاها جاهزة.
لم تمضي بضع دقائق مر القاضى على البائع وقال له :أعطني دجاجة ، رد البائع: لقد بعت الدجاج جمعيا ،وما عندي إلا هذه الدجاجة المذبوحة وهى لرجل وسيعود خلال دقائق لأخذها، قال القاضي: أعطنى اياها وإذا جاء صاحبها قول له الدجاجة طارت، تعجب البائع وقال: كيف تطير الدجاجة ؟ وهو تركها مذبوحة حتى انظفها. ابتسم القاضي وقال: اقول لك: قول له الدجاجة طارت واتركه يشتكى ولا يهمك، وافق البائع على طلب القاضي واخذ الدجاجة ورحل بعد دفع ثمنها مرة ثانية للبائع.
عاد الرجل صاحب الدجاجة طالبا دجاجته المذبوحة والمقطعة، فقال له البائع: دجاجتك طارت ،صرخ الرجل بصوت عالي:كيف تطير وأنتَ ذبحتها امامي، صار بينهما شد فى الكلام وصراخ وتشابكا بالأيادي، وتدخلت الشرطة وأخذتهما للقاضي ليحكم بينهما، في الطريق شاهدا اثنان يتشاجران واحد مسلم والثاني مسيحي تدخل البائع ليفك بينهما (يعنى يفرق بينهما) ولكن اصبع بائع الدجاج دخلت في عين المسيحي وفقعها، تجمع الناس ومسكوا البائع واتهموه بفقع عين المسيحي ولكنه هرب فركضت الشرطة والناس خلفه ليمسكوه دخل احد المساجد وهم وراءه وصعد فوق المنارة وصعدت الشرطة خلفه ومن خوفه منهم قفز من فوق المنارة نحو الارض، وبالصدفة سقط فوق رجل عجوز جالس تحت المنارة  فمات العجوز من اثر سقوط البائع عليه، وكانوا اولاد العجوز قريبين منه وشاهدوا ابوهم قد مات والتحقوا مع بقية الناس والشرطة لكي يمسكوا البائع ويأخذوه للقاضي، وأخيرا استطاعت الشرطة امساكه وأخذه الى المحكمة.
فلما شاهد القاضى البائع والناس معه ضحك عرفه لأنه يعرف قصة الدجاجة ولا يدري ان البائع علية ثلاث قضايا: سرقة الدجاجة وفقع عين المسيحي، وقتل الرجل العجوز.
عرضت القضايا على القاضي وبدأ يفكر ثم قال: نأخذ القضايا وحده بوحدة وطلب من الحاجب ينادي على  صاحب الدجاجة، فقال القاضى للمدعى الاول صاحب الدجاجه: ما هي شكواك او دعواك على بائع الدجاج.
فقال صاحب الدجاجة: يا قاضى تركت دجاجتي مذبوحة عنده من اجل ان ينظفها ويقطعها وذهبت للسوق لشراء بعض الحاجيات وعند عودتي يقول دجاجتك طارت. سأله القاضي: هل تؤمن بالله، أجاب صاحب الدجاجة: نعم اؤمن بالله .قال القاضي:(ألا تعلم بأن الله يحيي العظام وهى رميم) هيا اخرج وليس لك على البائع اي حرج او ذنب
ثم نادى الحاجب على المدعي الثاني . دخل المسيحي ووقف أمام القاضي وقال: له هذا يا قاضي البائع فقع عيني .
بدا القاضى يفكر للحظات وقال القاضى للمسيحي: دية المسلم لغير المسيحي النصف يعنى نفقع عينك الثانية حتى تفقع عين وحدة للمسلم (البائع) فقال المسيحي: انا اتنازل عن دعواي ولا اريد منه شيئا.
فقال القاضى : ادخلوا اصحاب القضية الثالثه . دخل اولاد الرجل العجوز الذي توفى وعرضوا قضيتهم وشرحوا للقاضي كيف قفز البائع فوق ابوهم من اعلى المنارة وقتله. فكر القاضى وقال: خذوا البائع وأجلسه تحت المنارة وواحد منكم يقفز فوق البائع فقال احد الاولاد للقاضي: وإذا تحرك يمين او يسار يمكن القافز يسقط على الارض ويموت. فقال القاضى: والله هذه ليست مشكلتي فأبوك لماذا لم يتحرك يمين ويسار .
فطلع البائع من القضايا الثلاث (مثل الشعرة من العجين) .
نلتقي في حكاية جديدة

90
من حكايات جدتي.... السابعة عشر
ملا حسن والمعلم

بدري نوئيل يوسف
عادت جدتي الى المنزل بعد زيارته لعائلة جارنا أبو البنات بمناسبة ولادة البنت السابعة وهي تتمتم مع نفسها ولا نفهم ما تقول ويبدو عليها الانزعاج، سألتاها عن سبب انزعاجها قالت بحسرة وألم: كم رزيلة زوجة أبو البنات فقد دعت عدد كبير من نساء المحلة وقدمت لهم عزيمة الحصيني واللگلگ، سألتها ماذا تقصدين، قالت: وهو من الامثلة التي تُضرب على ألسنة الحيوانات والحصيني هو: الثعلب .
أن أحد الايام دعا الثعلب صديقه اللقلقَ الى الغذاء في بيته، وهو ينوي العبث بهِ والسخرية منهُ، فحضر اللقلق في الموعد المتفق عليه وأحضر الثعلب له مَاء لحَم في أناء ضحلٍ كبيرٍ، ووضعه  أمامهُ، وراح هوَ يلغُ في الاناءِ بلسانهِ، ولم يستطع اللقلق، أن يأكلَ شيئا فقالَ للثعلب: " يامعود، هَاي شلون سَالفه منك ؟ شلون راح آكل آني " .
فقال الثعلبُ : " انتَ حُر تريد تاكل، تريد مَاتاكل، كيفك " .
وفي اليوم التالي، أراد َ اللقلق أن ينتقم لنفسهِ، فدعا الثعلب الى الغذاء عندهُ، ووضع (مرگه) في قُمقم ذي عنُق رفيع طويل، ووضعهُ أمام الثعلب، وراحَ اللقلق يمد منقاره الطويل ويشرب المرگه فقال الثعلب: " يَامعود شلون راح آكل آني ". فقالَ اللقلق: " أنت َ حُر تريد تاكُل  أكل، تريد مَا تاكل، كيفك .
فضُرب المثل ُ بهذه العزيمه ، فقيلَ: مِثل عزيمَة الحصيني واللگلگ ضحكنا كثيرا، سألتها: ماذا قدمت أم البنات، لكم من طعام قالت جدتي: قدمت لنا قدر من الدولمة تركته فوق النار حتى احترق نصفه (أي نسته)، وبعد ان افرعته في صينية قالت: تفضلوا حبائب الاكل جاهز، من يعجبه يأكل يتفضل ؟
قلت لها: ما حكاية اليوم.
قالت :كان يا ما كان وعلى الله التكلان ،يروى والعهدة على من روى أنه في قديم الزمان وفي قرية نائية في جنوب العراق يعيش أهلها البسطاء على الفلاحة والصيد، وكلهم أميين لا يحسنوا القراءة والكتابة، ويعيش في القرية معهم رجل يدعى ملا حسن أخذ من الدين غطاءا لجهله وأميته، وصور نفسه للقرويين بأنه يقرأ ويكتب ويفهم في أصول الدين والفقه، وصدقوا القرويين بادعائه، وتكفلوا بمسكنه ومأكله ومشربه وبقية أحتياجاته.
وهكذا عاش ملا حسن سنوات سعيدة، يعني (نايم برأس الجماعة) وفجأة طرق سمع ملا حسن خبرا يفيد بأن الحكومة في بغداد عازمة على ايفاد معلم لغة عربية إلى تلك القرية لتعليم الأطفال، وثارت ثائرة ملا حسن وجن جنونه وشعر بأن وصول المعلم الى القرية يعني نهاية لدجله وخداعه لأهل القرية، وضربة قوية لمصالحه ولدخله من أهل القرية، وأخذ يضرب أخماس بأسداس ويفكر ويتربص ويحيك المؤامرات حتى وصل لفكرة وحيلة خبيثة يتخلص بها من المعلم القادم من المدينة، وهكذا أستعد لملاقاة المعلم وأنتظر على أحر من الجمر يوم وصوله الى القرية، ووصل المعلم واستقبلته القرية وذهب مباشرة لمضيف شيخ القرية وفرح به كبار القوم واستقبلوه استقبالا لائقا، وكان من ضمن المستقبلين ملا حسن، لكنه كان مستاء جدا ويبدو الحزن عليه وخائفا من فشل فكرته، وبعد أن سلّم المعلم على رجال القرية وتعرف على أسمائهم وأخذ يحدثهم أحاديث للمجاملة وعن التعليم والقراءة والكتابة، تشجع ملا حسن وأستجمع قواه وبادر المعلم بسؤال استفزازي لم يدر في خلد الأستاذ أن في يوم ما سيوجه له هكذا السؤال، سأل ملا حسن: أستاذ لا أعتقد بل آنا على يقين بأنك لا تجيد القراءة والكتابة! وأتحداك أن تكتب كلمة واحدة؟ فأستغرب المعلم ودهش من هكذا تحدي وأجاب قائلا: يا ملا حسن كيف تتحداني بهذا الشكل وآنا خريج معهد المعلمين في بغداد قسم اللغة العربية، لابد وأنك يا ملا حسن فقدت قواك العقلية لتتحداني بهذا الشكل الأستفزازي؟ فأجاب ملا حسن: يا أستاذ أنك تريد أن تستغل أمية رجال القرية لتسيطر عليهم من خلال ادعاءك بإجادة القراءة والكتابة، وأتحداك أن تكتب كلمة واحدة؟ بل أطلب منك أن تكتب كلمة حية وآنا أكتب كلمة حية (افعى) ونعرضها على القوم وهم سيقررون من منا يجيد القراءة والكتابة؟
ذهل المعلم من طلب ملا حسن، بل أستهزئ من طريقة كتابة حية وأعتبر أن الأمر سينتهي لصالحه ! ووافق على طلب ملا حسن، وأحضروا لهم ورقتين وقلمين لكليهما، وبدء المعلم يكتب حية، وكذلك قام ملا حسن بكتابة حية! وبعد الانتهاء من الكتابة قدم الاثنان ورقتيهما الى رجال القرية، وأخذ القوم يتدارسوا ويتباحثوا عن من كتب كلمة حية بشكل الصحيح، وبعد فترة قرر أهل القرية بأن حية ملا حسن كتبت بالشكل الصحيح،وأن حية المعلم لا تمت الى فصيلة الأفاعي بصلة .
فهجموا على المعلم وأشبعوه رفسا وركلا (وبهدلوه) وطاردوه حافيا خارج القرية، وشكروا ملا حسن على انقاذهم من شر المعلم، وزادوا عطائه وأكرموه أكثر من قبل، فماذا فعل ملا حسن لكي تحضا حيته بإعجاب القرية وتفوز فوزا ماحقا على حية المعلم؟ هذا ما حصل: المعلم وبحسن نية كتب حية كتابة أما ملا حسن فرسم خط متمايل على شكل حية ! وبما أن أهل القرية كلهم أميون لم يفهموا كلمة حية المكتوبة بيد المعلم ، بل حية ملا حسن كانت أقرب لعقليتهم باعتبارها رسم يشبه الحية، وهكذا نجا ملا حسن وحافظ على موقعه في القرية واستمرّ في خداع السذّج
نلتقي في حكاية جديدة من حكايات جدتي

91
ماذا بعد حادثة الكرادة ؟

نحن لا نسكن في وطن لكن الوطن يسكن فينا ،  أين أنت يا وطن بين الأمس واليوم ؟ وكيف أمسى حالك يا وطن وأنت تئن من شدة آلامك وتنزف منذ عقود دماً من عروقك ، أبنائك الذين شربوا من مياهك وأكلوا زادك ووضعوا بين أيديك مصيرهم ومنحتهم ثقتك يقتلون ويحقرون ، أما سمعتَم أن الزمان يأخذ الحبيب ، في ليلة من الليالي ، حل الظلام معلنا عن ظلامه ، اختفى نور القمر بالغيوم السوداء القادمة ، خيّم على المكان إعصار الحزن والأسى .
رد العالم عليهم وقال لهم : نشجب وندين ونستنكر ونتظاهر ونصرخ ونراقب ، نعقد الاجتماعات ، ونصدر البيانات ، حادثة حدثت في الماضي القريب و في الأيام التي نعيشها ، أين المشكلة وأين الحل ؟ أهي البداية ؟ أم النهاية ؟ البدايات من أصعب المشكلات في كل شيء . على كلًّ حال ، سأدع البدايات جانبا ، وسندخل مباشرةً في صلب الموضوع .
أين ضوابط السلامة والوقاية من حوادث الحريق أثناء البناء في بلديات العاصمة والعراق جمعيا .
بعد حادثة التفجير والحريق المؤسفة الأخيرة في العاصمة هناك فرصة للبحث عن السلامة من الحرائق في الأبنية الحديثة الذي شهدتها بغداد وبقية المحافظات من حملة أعمار ، وكذلك الابنية القديمة ووضع قواعد للوقاية من الحرائق بأنظمة مكافحة الحريق أثناء البناء أو اضافته الى الابنية القديمة .
بتاريخ 16 /6/2010 وقع حريق في محافظة السليمانية في فندق سوما الذي راح ضحيته 27 شخصا بينهم 14 أجنبي وعشرات الجرحى، والمتابعين يلقون باللوم على عدم الالتزام بالمقاييس العالمية لسلامة الابنية والفنادق من جهة، وعدم توفر الأجهزة والمعدات الضرورية لقوات الدفاع المدني وقوات الاطفاء.
لقد تغيرت اليوم وتيرة البناء وأصبح من غير الممكن ترك الأمور للصدفة أو الابتكار أو التخمين وإلا تعرض البناء لمخاطر كبيرة، ولمعالجة مشكلة العيوب والسلامة العامة في الأبنية والمنشآت هناك عنصران أساسيان ثابتان هما:
1.   القانون الذي يحدد المسؤولية وعلى الدولة أن تضع نصوصا قانونية وتنظيمية لمعالجة موضوع السلامة العامة ويمكن الاستفادة من تجارب بقية الدول، ولتلافي الأخطاء في التطبيق واعتماد ما ثبت نجاحه لتأمين سلامة الأشخاص في الأبنية والمنشآت.
2.   الآلية المتبعة للتدقيق الفني على الأبنية ودور الاستشاري ويعتبر تدقيق البناء إلزاميا في كل مشاريع البناء والهندسة المدنية ،وتقوم بذلك البلديات قسم منح الإجازات ، ولتسهيل الأمور تفويض التدقيق إلى مهندس تدقيق لديه مؤهلات خاصة وهو مهندس استشاري إما متخصص في التصميم أو أكاديمي. ويقتضي تكليف مهندس تدقيق لكل مشروع وهذا المهندس لا علاقة له بأعمال التصميم أو التنفيذ. وهو يتحمل المسؤولية وقد حددت واجباته ومؤهلاته اللازمة بدقة في القانون، كما انه مسئول أيضا عن التأكد ليس فقط من متانة الهيكل ومطابقته لأنظمة البناء بل أيضا من قابليته للاستعمال وديمومته ومقاومته للحريق وعزله الصوتي والحراري وعليه أن يتأكد من أن البناء مطابق للخرائط.
كما يجب الأخذ في الاعتبار أن يكون الهيكل الإنشائي والمبنى مصمم ومنسق ومعد ومشغل ومصان، لتفادي الخطورة على حياة مستخدمي المبنى من الحريق والدخان والأبخرة والذعر في حالات الطوارئ، وإمكانية إخلاء مستخدمي المبنى في حالات الطوارئ بشكل كامل للنجاة من الحريق، ويجوز أن يكون بالمبنى منطقة إخلاء أفقية محمية من الدخان أو تسرب الغازات من الأدوار أو الأجزاء الأخرى بالمبنى، وتسمح هذه الأماكن المحمية بأمان نسبي حتى زوال حالة الطوارئ ويجب أن تفصل الطوابق والأقسام داخل المبنى لمنع انتشار الحريق عن بعضها، بعناصر إنشاء حواجز مانعة لانتشار الحريق منشأة من مادة غير قابلة للاحتراق وذات مقاومة للحريق وذلك بوضع الحواجز المانعة لانتشار اللهب أو أبواب مقاومة للحريق تغلق آليا أثناء حدوث الطوارئ تفصل الطوابق وأقسام المبنى عن بعضها.

على هذا الأساس علينا مراعاة المتطلبات العامة الأساسية التي يتوقع تطبيقها على معظم المباني قبل المباشرة بإنشاء أي مبنى. 
1.   الأسس التي بنيت عليها تراخيص البناء ومنح إجازة البناء والاستخدام، كما يحدد التصنيف الإنشائي للمباني قدرة كل نوع على مقاومة الحريق، ويحدد كيفية السيطرة على انتشار الحريق و كيفية التعامل في التصميم مع العناصر الإنشائية المختلفة وتحديد المتطلبات لها.
2.   تجهيز المباني والمنشآت بأنظمة الإنذار والمكافحة والوقاية بغرض حماية المباني و شاغليها من أخطار الحريق، وذلك بتوفير إنذار مبكر حتى يمكن إخلاء المبنى، ومكافحة الحريق بصورة أولية من قبل الأفراد المدربين أو بواسطة المعدات التلقائية، ثم استدعاء فرق الدفاع المدني للمكافحة الفعلية والإنقاذ إذا لزم الأمر مع وضع أنظمة مكافحة الحريق المتنقلة والثابتة اليدوية والتلقائية وأنظمة الإنذار من الحريق وطرق تصنيفها واستخداماتها وكيفية اختيار المناسب منها وكيفية توزيعها على الأماكن الواجب حمايتها كطفايات الحريق اليدوية وأنواعها وكيفية اختيار المناسب منها وأسس توزيعها في المبنى، أو كنظم مكافحة الحريق الثابتة مثل الخراطيم المطاطية ذات البكرات، والأنابيب الرأسية الجافة والرطبة وشبكات دفع الرغوة، ومأخذ المياه الخارجية، أو كأنظمة المرشات التلقائية وأنظمة الغازات الخاملة ووضع أنظمة الاستشعار والإنذار من الحريق اليدوية منها والتلقائية.
3.   سبل الهروب (مخارج للطوارئ) هي (مسلك) طريق أو أكثر سالك وآمن ليتمكن الأشخاص المتواجدون في المبنى من الهرب بالانطلاق من أية نقطة في المبنى والوصول إلى خارج المبنى مباشرة أو إلى ساحة أو مكان آمن من الحريق، يؤدي بدوره إلى خارج المبنى، حيث الأمان من خطر الحريق، واخذ بنظر الاعتبار مبادئ تصميميها وعدد شاغلي المبنى وزمن الإخلاء وتصميم مسافات الانتقال وكيفية تحديد اتساع الممرات وعدد المخارج وكيفية توزيعها والأبواب والدرج والتهوية الطبيعية أو الميكانيكية ومواد البناء والإنارة والعلامات الإرشادية وكل كبيرة وصغيرة لتصميم سبل الهروب.
4.   المتطلبات الهندسية كمتطلبات الوقاية من الحريق في التمديدات الكهربائية وأماكن جمع القمامة وتصريفها، ومراجل المياه الساخنة، والسلالم الكهربائية المتحركة والمصاعد الكهربائية، وخزانات الوقود السائل والغازي، ومداخن تصريف أبخرة الطبخ أو التدفئة، ومتطلبات الحماية من الحريق للنظام المركزي
لغاز الوقود السائل.
5.   المتطلبات الخاصة للحماية من الحريق في مجموعات المباني، مباني التجمعات، مباني التعليم، مباني الرعاية الصحية والاجتماعية، المباني السكنية الجماعية والخاصة، المباني التجارية والأسواق العامة، المباني الصناعية المخصصة لأغراض الصناعة ومباني المهن الصناعية، ثم مباني المستودعات ومواقف السيارات وهنا تختلف حماية وطرق المبنى الواحد عن الأخر.
6.   المتطلبات الخاصة لتطبيق أنظمة ووصول سيارات ورجال مكافحة الحرائق ورجال الإنقاذ، ويشترط في تصميم البناء أن يكون مزودًا بالوسائل والإمكانيات التي تمكن رجال الدفاع المدني من الدخول إليه بسهولة ويسر للقيام بأعمال المكافحة والإنقاذ ولا يجوز تثبيت الحواجز والعوائق على نوافذ الواجهات الخارجية الموجودة فوق الطابق الأرضي للبناء ما لم تكن سهلة الفتح وبموجب موافقة خاصة من الدفاع المدني.

دعوة إلى إعادة النظر في الأبنية المشيدة والتي ربما تحتاج إلى متطلبات السلامة من سلالم خارجية وأبواب عازلة للحرائق وتحديد وسائل الإنذار المبكر واختيار أنظمة إطفاء الحريق وإنشاء العوازل لمنع انتشار الحريق بفصل أجزاء المبنى إنشائيا.
كما أدعو البلديات ونقابة المهندسين بإقامة الدورات التدريبية الخاصة بالتفتيش على سلامة المباني وأساليب الحماية من الحريق على المباني القائمة والجديدة طبقا لكود البناء العراقي وكود البناء الأمريكي وكما أشير إلى معهد سلامة وتقنية البناء   Institute for Building Technology and Safety  الذي يقدم مجموعة متكاملة من الدورات التدريبية و بالتعاون مع National Fire Protection Association  ويتم تقديم هذه الدورات حسب احتياجات البلديات والنقابات الهندسية والإفراد ويقوم بتقديم هذه الدورات مجموعة من الخبراء العاملين في NFPA وIBTS  ويتم إصدار شهادات معتمدة في نهاية الدورات.
المهندس المدني الاستشاري
  بدري نوئيل يوسف


92
من حكايات حدتي ...السادسة عشر
تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي قالت:يحكى ان نجارا كان يقوم بصناعة الاثاث الخشبية، وقد اشتهر بزخرفتها والتفنن بإضافة بعض الالوان الجميلة لها، وكانت زوجته واسمها تيتي هي الاخرى قد اشتهرت بجلب قشور الاشجار وصناعة مواد التجميل للنساء منها الاحمر شفاه والكحل، وأقلام رسم الحاجب وتبيض الاسنان، والحناء، وكانت ترتبط بعلاقات ودية مع النساء وخاصة نساء المسئولين، لأنهن يكثرن من شراء تلك المواد. تيتي كانت تصاحب زوجها بالذهاب الى الغابه لقطع جذوع الاشجار الكبيرة وأغصانها، تيتي شاهدت جذعا لشجرة كبيرة جدا فأشارت لزوجها على قطعه وعمله كرسياً، وإهدائه للملك لعلهما يحصلان على مبلغا كبيرا من المال، يؤسسان به معملا للنجارة والأصباغ في المدينة. وافق الزوج فقام بقطع ذلك الجذع واستعان ببعض الاشخاص لنقله الى منزله واستمر العمل به لمدة عام كامل بطريقة النحت وكان شكله مستوحى من راس الاسد وخلفيته راس صقر، بحيث ولم يضع فيه مسمارا واحدا اصبح ذلك الكرسي اعجوبة الزمان.
 ابلغ النجار البلاط الملكي أنه يريد أن يهدي كرسي جميل للملك بمناسبة عيد ميلاده، نقل الكرسي بواسطة عربة ملكية ووضع في صالة الاستقبال والنجار يقف بجانبه وكذلك الوزراء والحاشية واقفون كلٌ في المكان المخصص لهم  يترقبون الباب الذي سيطل منه الملك. دخل الملك وتعالى التصفيق ابتهاجا بطلته وهو يرتدي حلة العيد واخذ ينظر بأعجوبة الى هذه التحفة التي افنى النجار من اجل صناعتها هو وزوجته تيتي التي كانت تتفنن بعمل مزج الالوان (الخبطات) للكرسي.
جلس الملك على الكرسي واخذ ينظر يمينا وشمالا، فبدت علامة الارتياح تظهر على وجه جلالته اما الحضور فكلهم مبتسمون. وقف الملك فتقدم رئيس الوزراء وصافح الملك مباركاً له عيد ميلاده وهنئه بهذا الكرسي ثم جاء من بعده الوزراء وهم يقبلون كتفي الملك، وبعد الانتهاء من استقبال المهنئين التفت الملك الى النجار ووضع يده على كتفه وقال (عفيه) (وتقال مكافئة وتكريما لمن احسن في عمله أو يراد منه عمل شيء) .
غادر الملك المكان وأنصرف الجميع ثم جاء احد الحراس وسحب النجار من يده وأمره بالخروج، حاول النجار التكلم مع الحرس إلا انه نهره وأمره بالسكوت. عاد النجار الى البيت وهو يجر اذيال الخيبة والخذلان وكانت زوجته تيتي التي ارهقها الانتظار وهي تتأمل بمكافئة ماليه كبيرة من جلالة الملك المفدى، فقالت له (ها بشر شنطاك الملك ؟) ، فرد عليها قائلاً: ( تيتي تيتي مثل مارحتي جيتي)، فردت عليه صارخةً: (عزا العزاك شنو ما نطاك شي!) أجاب الزوج بحركة يديه ضاربا الراح بالراح وشفتيه متوقفتان عن الحركه، ثم قال لها: أنطاني عفية انزعجت الزوجه ودخلت الى الدار ولفت عباءتها على جسمها وقالت: (امشي وراي وشوف شراح أسوي اليوم)، ركبت مع زوجها العربة وقالت له اسرع نحو السوق قبل فترة الظهيرة، وقبل ان يصل الخبر الى التجار بان الملك لم يكافئ النجار بشيء. استقبل التجار ما ان رؤوا النجار وزوجته تيتي وهي معروفه من خلال ترددها على السوق، بحفاوه واخذوا يعرضون عليهما ما يحتاجانه من البضائع فقامت الزوجه باختيار الاجود من ما موجود من اقمشة وملابس ومواد منزليه ومواد غذائيه تكفيهما لعام وأكثر، واستأجرت عربتين اضافيتين حتى امتلأت العربات الثلاثة، فطلبت من سواق العربات بانطلاق الى دار النجار وأبلغتهم بتفريغ المواد داخل المخزن الكبير الذي تخزن به الاثاث، وبعد ان ايقنت بوصول المواد الى البيت استدعت التجار لكي تعطيهم مستحقاتهم الماليه. وقفت تيتي وبجانبها زوجها وتجمع حولها التجار وأصحاب المحلات وهم فرحين بهذا اليوم الذي صرَّفوا بضائعهم فيه وبأسعار مرتفعة، تيتي التي يبدوا على وجهها الفرح والارتياح وزوجها متحير بالذي يجري وهو يخشى على نفسه ان يسألها عن الذي تقوم به، قالت مخاطبة التجار من منكم لا يحب جلالة الملك المعظم ويفرح بهذا اليوم العظيم؟ فتعالت الاصوات ارواحنا وأموالنا فداءً لجلالة الملك وقال احدهم ها خوتي ها .... فردد الحضور ها، بالروح بالدم نفديك يا ملك. تيتي اشارت عليهم بالسكوت فسكتوا وقالت لهم (عفية)، وأمرتهم بالانصراف وانصرفت هي وزوجها فلحق بهما التجار، وتعالت الاصوات والصراخ، وهي توبخهم (عيب عليكم استحوا هذا ملكنا وأرواحنا تفداه)، فصرخ احد اصحاب المحلات واسمه صابر بأعلى صوته (راحت فلوسك يا صابر).   
اخبر جلالة الملك بوجود شغب في المجمع التجاري، فأسرعت القوات الامنية وأغلقت الطرقات، والسيطرة على الوضع وجلب المشاغبين بهذا اليوم المبارك لمعاقبتهم، وبعد ان سيطر الحرس على الوضع اقتيد الجميع الى قصر الملك وقابلهم الملك واستفسر عن السبب. تقدمت تيتي زوجة النجار وقالت يا جلالة الملك أنت قلت لزوجي بعد ان اهداك الكرسي (عفية) ؟ قال الملك نعم انا قلت ذلك. قالت الزوجه: يا جلالة الملك انا وزوجي ذهبنا الى السوق وتبضعنا بما قيمته ثلاثة ألاف دينار ودفعنا للتجار عفية بدل النقود، إلا ان التجار لم يصرفوا العفية ولم يعترفوا به . تعجب الملك لما سمع كلامها ضحك الملك كثيرا حتى اضطر للجلوس على الكرسي الذي صنعه النجار وهو مستمر بالضحك ثم استدعي مسئول الماليه وأمره بإحضار المال ودفع مستحقات التجار وأعطى مبلغا من المال لزوجة النجار وغادر الجميع وهم فرحين ويضحكون، زوجة الملك التي كانت تسمع وترى هي الاخرى قد تعجبت لكلام تيتي وهي التي تعرفها بصناعة بعض الحاجيات النسائيه استدعتها الى محرم النساء ودار حديث مطول معها وهن يضحكن لما يسمعن من كلام لطيف. زوجة الملك امرت بإحضار هديه من قطع الذهب تعادل ما اعطاه الملك للتجار والنجار وألبستها لتيتي وخرجت تيتي محملة بالمال والذهب والحاجات النفيسة من قبل بعض النسوة اللواتي قد حضرن لتهنئة الملكة بعيد ميلاد الملك قالت جدتي:شوفوا يا اولادي كيد النسوان لولا تيتي جان النجار اتبهدل حاله، وهكذا قالوا تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي .
نلتقي في الحكاية السابعة عشر   

93
من حكايات جدتي... الخامسة عشر
حكاية السلطان الكذَّاب
بدري نوئيل يوسف
بدأ الحر يخف وأصبح الجو مائلا للاعتدال، ونشاهد بعض الغيوم في السماء، وستكون اخر ليلة ننام في السطح . كانت جدتي سعيدة فرحة لأنها تحب النوم في غرفتها ومنامها الخاص، وضعت بطانية على كتفها تحمي نفسها من الهواء البارد الذي يهب بين فترة وأخرى، قالت :اليوم سأقص عليكم حكاية السلطان الكذاب .   
كان يا ما كان على الله والتكلان،كان في قديم الزّمان سلطان يحبّ الكذب حبَّاً جمَّاً، وكان الكذب يسري في عروقه بحيث لا ينطق بأية كلمة إلاَّ إذا تأكد من كذبها حتّى إنّه كان لا ينطق بحرف الصاد كي لا يذكّره بكلمة صدْق ،‏أحسّ أن أكاذيبه أصبحت مكرّرة، لذا أعلن عن مسابقة للكذب، وجعل جائزة أكبر كذبة صندوقاً كبيراً مطعّماً بالصدف غير أنه لم يكشف عن محتوياته، وحان موعد المسابقة وتجمهر النّاس لمشاهدة الكذابين وأشار السّلطان للمتسابق الأوّل بالكلام فقال:‏كنّا يا سلطان الزّمان ثلاثة، هاجَمَنَا المَحْلُ صرنا ستة (أَيِ انْقَطَعَ عَنْهمُ الْمَطَرُ فَيَبِسَتْ الأَرْضُ) عاش من عاش ومات من مات، أصبحنا اثني عشر، ذات يوم ذهبنا إلى حمَّام السوق فانزلقنا في سواقيها، رجعنا ثلاثة، الأول أطرش والثاني أعور والثالث أعرج، قال الأطرش: أنا أسمع صوت بعوضة في أعلى سمائه ، أجاب الأعور: صحيح فعيني تراها، ورد الأعرج: هيَّا لنركض وراءها، ركضنا فوجدنا برغوثاً يسلخ جملاً، وقفنا عنده، قلنا: ألا تعطينا فخذاً؟ قال: حصّلوها وخذوها، المهم حصّلنا الفخذ، وقصدنا عجوزاً مشطها في جيبها زيّن الله شيبها، قلنا لها: ألا تطهين لنا هذه الفخذ؟ قالت عندي طنجرة (شرقه مرقه) تأكل اللحم وتترك المرق، أعطيناها الفخذ، جئنا بالخبز، فتتناه في صينيّة كبيرة، دلقنا فوقه المرق، ورحنا نأكل بالمغارف، حتّى إننا لم نترك فيها لقمة واحدة.‏
ضحك السلطان فور انتهاء المتسابق من سرد كذبته، قال: أين الكذب؟ إنّك لم تذكر حتى كذبة ضئيلة بحجم رأس الدبّوس، هيا اذهب وأفسح المجال للمتسابق الثاني.‏ تقدم رجل أحمر الشّعر، يرتدي ثياباً ريفيّة، يحيّي السّلطان ويقول:‏
يا سلطان السلاطين، ذهبتُ البارحة إلى البيدر، فرأيت الفلاَّحين يحصدون البيض، يكوّمونه ويدرسونه قلت لحالي: لماذا لا آتي بالجحش وأملأ خرجه بالبيض؟ ركضتُ مثل الريح، جئت بالجحش وملأت عِدْلَي الخرج بالبيض، ولحسن الحظ كان عِدْلاً الخرج مثقوبين، والبيض يقع على الأرض، ينكسر يتحول إلى دجاج ويركض ورائي، حتّى إنني عندما وصلت إلى البيت وجدت خلفي دجاجاً كثيراً، فتحت له الباب (ادخل بيت، بيت) دخل الدّجاج، نظرت إلى الخرج، وإذا ببيضة كبيرة، مددت يدي لأمسكها، وقعت وفقست جملاً، أنخت الجمل وضعت عليه حملاً ثقيلاً فانعقر سنامه، أخذته إلى البيطار، قال: ضع له قشرة جوز مكان العقر، وضعت له القشرة، وإذا بشجرة جوز كبيرة تنبت فوق سنامه، فجأة أزهرت الشجرة وأثمرت، قطفتها فجمعت قنطاراً، لكن بقيت حبة جوز في رأسها، أمسكت طينة وضربتها، وإذا بالطينة تتحوّل فور ملامستها حبّة الجوز إلى أرض حمراء نفرا ما فيها ولا حشيشة خضرا قلت: سأحرث الأرض. أحضرت مقلاعاً، وضعت فيه الثور ورميته، وضعت عُدّة الحراثة ورميتها، ثمّ وضعت نفسي ورميتها.‏
حرثت الأرض وزرعتها بالسمسم، مرّ أحدهم، قال: أخطأت، المفترض أن تزرعها بالبطّيخ. قلت: بسيطة: سأزرعها بطيخاً، ناديت أولاد الجيران ورحنا نلمّ السمسم المبذور، وفور انتهائنا وجدته ناقصاً حبة، بحثنا عنها هنا وهناك، أخيراً وجدناها في فم نملة، أمسكنا الحبّة، شدّت شددنا، انعفست الحبّة فغرق أولاد الجيران كلّهم في بحر السّيرج، تركتهم وجئت إلى هنا.‏
قطّب السّلطان جبينه، نظر إلى الرجل بقسوة، قال:‏يا لك من رجل أحمق، الظّاهر أنّك لا تفهم الكلام، أنا أقول لك أريد سماع كذبة كبيرة، وأنت تسرد عليّ حكايات لا تحوي حرفاً كاذباً، هيا استدر واغرب عن وجهي.‏
استدار الرّجل مكسور الخاطر، ومَثَلَ أمامه رجل لمّاع العينين قائلا :أيُّها السّلطان المبجّل، عندي كذبة مُتَبّلة.‏
نظر السلطان إليه، قال: هاتِ أسمعني.‏ قال: احم، احم، منذ ثلاثين سنة استدان والدكم السلطان الأعظم جرة مليئة بالذهب الخالص من والدي،‏ فتح السلطان فمه دهشاً، قال:‏ماذا تقول يا مجنون؟ والدي أنا يستدين من والدك جرّة مليئة بالذهب! قال مولاي: إن كنت كاذباً، فقد فزت وأصبح الصندوق من حقّي، وإن كنت صادقاً، ردّ لي مال أبي، حكّ السلطان جبينه، قال لنفسه: فِعلاً إنه لكذَّاب محترف، لكنه أبداً لن يكون أكذب من السلطان.‏
ثم صاح:‏ أنت لقد فزتَ بالمسابقة، واستحققت لقب أكبر كذَّاب في البلاد، هيا، تقدم وخذ الجائزة.‏
نظر الرّجل إلى الصندوق بعين حالمة، تراءت أمام عينيه صور اللؤلؤ والمرجان والفيروز والذهب والفضة، ركض نحوه فرحاً نزع القفل وفتح الغطاء وشهق مذعوراً.‏
هرع الناس إليه مستفسرين، نظروا داخل الصّندوق وقعت عيونهم على الحجارة والحصى، فشهقوا واجمين.‏
أمَّا السلطان، فكان الوحيد الذي يضحك حتى دمعت عيناه وأصبحت معدته تؤلمه من كثرة الضحك، وكأن أحداً يدغدغ خاصرتيه وهو يقول متفاخراً: لن يكون هناك من هو أكذب مني.
وفي ختام الحكاية تقول جدتي :وكنا عندكم وجئنا، لو بيتنا قريب لجلبت لكم حملاً زبيب .
نلتقي من حكايات جدتي... السادسة عشر

94
من حكايات جدتي ... الرابعة عشر
جمل تعجيزية ‎
بدري نوئيل يوسف
في ليلة من ليالي الصيف المقمرة صعدنا للسطح ننعم بسكون الليل ورقة النسيم، ننتظر جدتي تصعد لتحكي لنا حكايتها اليومية فهي موسوعة من التراث والتقاليد والعادات التي ورثتها عن اجدادها. لم تمضي دقائق وإذا جارنا أبو البنات يصرخ بصوت عالي ويشتم ولا نعرف السبب، صعدت زوجته مسرعة وأمه التي كانت تسكن معه ، يسألونه عن سبب صراخه ومن كثرة عصبيته لا زوجته ولا امه فهمتا ماذا يريد، وأخيرا علمنا أنه حشرة قرصته في رقبته، وأثناء فركها عثرت يده بقدح العرق الذي كان يشربه كل ليلة، جالسا على كرسي خيزران عتيق وأمامه طاولة صغيرة اكل الدهر منها، وسكب العرق وانكسر القدح والسبب أن زوجته لن تنصب الناموسية التي يجلس تحتها (أي نسيج رقيق من القماش يحيط بالفراش ويعلوه ليمنع دخول البعوض والحشرات الطائرة).
 كان هذا أخر قدح ما يملكه من المهجوم (أي العرق هكذا كانت تسميه جدتي لأنه يخرب البيوت) ومن العرق المحلي (قجغ) ،كان جارنا يشتريه من رجل من اهالي بعشيقة التي اشتهرت بصناعة العرق غير المطابق للمواصفات ودون رقابة حكومية، كذلك شاع بين الفقراء من الناس باسم ( أبو الكلبجة)، وهو من أرخص وأحقر أنواع العرق، حيث كان يَسطل شاربه من أول قدح، وغالباً ما كان ينتهي شاربه السكران في موقف الشرطة، لذا سُمي بعرق أبوالكلبجة، وكان جارنا هذا المسكين تصيبه حالة غريبة بعد الشرب حالة نفسية عدائية ويكفهر ويصرخ، بعكس بعض الشاربين الذين تصيبهم حالة من الابتهاج والفرفشة والضحك، وهناك اخر من الشاربين يَبكي ويذكر موتاه ومشاكله وحبه الأول أو الفتاة التي لم يستطع أن يحصل عليها، والبعض يلجأ إلى المبالغة وإدعاء ما ليس فيه أو لهُ، وغالباً ما يُمثل ذلك أحلامه التي أخفق في نيلها، وآخرون يرقصون بخفة ويقبلون ويحتضنون من في المكان وكل عابر سبيل، والبعض يعود إلى بيته ليضرب أولاده ويُطلق زوجته عدة مرات قبل طلوع الفجر، وعرق القجغ معروف بسرعة وقوة مفعوله وتأثيره على شاربه لان صانعي يُقطرون العرق سراً ، ولكي يُعجلوا في اختمار العرق يُضيفون له مادة (الزنجارة) وهي كبريتات النحاس، إذا صُبَ عليه الماء يتحول إلى اللون الأزرق، وكان لشدة مفعوله يُعادل مفعول قدح واحد، قوة ومفعول عدة أقداح من عرق الحكومة، ويبيعونه بثمن أقل من ثمن العرق المُقطر بإشراف الحكومة، ويقال والعهدة على القائل أن لو الله هدى وزير داخلية وشرب قدحا واحدا من العرق وبالذات من عرق( أبو الكلبجة)، لأنقلب فورا من وزير داخلية إلى وزير خارجية وطار في سماء الدنيا الفسيح .
على كل حال صعدت جدتي للسطح تعلق على جارنا وتنتقده لأنه يعتدي على زوجته كل ما شرب قدحا من المهجوم .
في هذه الليلة اختارت جدتي موضوعا مختلفا عن الحكاية فهناك هناك عبارات ملتوية تعجيزية يرددها ابناء المحلة بسرعة لاختبار بعضهم بعضا في سرعة النطق وصحة الاداء ولا ريب ان العجلة في الاداء تؤدي الى التورط في الخطأ وعندئذ يصبح المتورط اضحكوه اقرانه ومثار سخريتهم ولا يستطيع ترديد الجملة عدة مرات متتالية، ويبدو ان المؤلف المجهول قد برع في حشد الالفاظ المتجانسة التي تلزم المتبارين بنطق كلمات معينة بسرعة ثلاث مرات او اكثر ولابد في هذه الحالة ان يتورط الناطق بلفظة خاطئة تجلب الضحك وتبعث المرح.
قالت جدتي سأقول جملة وعليكم ترديها خلفي دون خطأ في اللفظ وكل واحد يرددها ثلاث مرات .
هالطماطايه طماطاية من؟
كلنا وقعنا في الخطأ ولن نستطيع ترديد الجملة صحيحة، ضحكنا كثيرا ثم قالت جدتي: لنجرب جمل أخرى وهكذا استمر الحال بنا نقع في الخطأ بعد كل جملة ترددها جدتي على شرط أن تردد اكثر من ثلاث مرات.
 سدينه صدر شط السيد، والسيد ما سد صدر شطنه.
 نبگ نبگتنه احسن لو نبگ نبگتكم،ضوگونه من نبگ نبگتكم وانضوگم من نبگ نبگتنه .
 سبع بيضات من بيضات الشظاشظ، طبخناهن وحمسناهن وگلنه شظن ياشظاشظ .
 شص ابطن شص .
 شمس الشته خوش شمس .
 لوري وره لوري .
 خميس خمش خشم حبش وحبش خمش خشم خميس.
 حسين حش هزة حشيش .
 ابعانه تتن دچ الچيس دچ،  اتلث انگيرات بالخله وحده دبس وحده دهن وحده خله، اطفر دهن وألطع دبس واطلع خله.
 جمل ماشي على ماشي جيت اضمه خطف شاسي .
 سبع سعفات اتدك السگف سعفن سگفنه .
 لگيت الدب ايكسر لب كتلت الدب واكلت اللب .
 عشر طشوت، تسع طشوت، ثمن طشوت، سبع طشوت .
 بنا بنى ببابنا بناتنا تناوله الحجارة .
عند المعيدي زبد وعند امي چسب (تمر زهدي) يمه شيلي چسبچ عن زبد المعيدي ، او يا معيدي شيل زبدك عن چسب امي .
 فستبش بنشت بنت بنيبش نبشت بشعرها الطولاني .
 ناكه الخكعه وفرخ الخعفك .
 حوش خجه خوش حوش .
 خيط حرير فوگ حيط خليل .
 شمس صيف وشمس شته .
 لوري نوري وره لوري رشيد
 ياشمسه شسم شمسه؟
 كعب العكبنكب بيض الحدرنج .
 هاي الچمچه چمچة من؟
 بيدي سمچه وفوگايه سگف اضرب السمچه بالسگف واضرب السگف بالسمچه.
ونلتقي في الحلقة المقبلة من حكايات جدتي .

95
من حكايات جدتي .. الحكاية الثالثة عشر
الحزورات ( الالغاز) الجزء الثالث
بدري نوئيل يوسف
في هذه اللليلة جلست جدتي خلف صينية مملوءة بالفاكهة، ومنها عنب يسمى (ديس العنز )الذي لونه اخضر او اصفر وهو يأتي بشكل يشبه الثدي ( شكل الكمثرى)عنب طعمه حلو، وقليل من عنب (بيض الحمام) الذي يشبه الكره تتلقف حبة من العنب وتنظر اليها بتعجب ثم ترميها في حلقها. سألت جدتي عن جارنا أبو البنات لماذا كل اطفاله بنات قالت: هذه ارادة الله، ولكن امه انسانة طيبة جدا فهي ممن يشعلون الشمع ويحرقون البخور يومياً في البيت ولكنها من المؤمنين بالحجاب، والعين والحسد، والأرواح، وصب الرصاص، وتعتقد ان ابنها مضروب عين ومحسود أو مسحور ولهذا كل خلفته بنات، وقبل يومان اخذته والدته الى رجل يدعى رجب يصب الرصاص على رأسه، استغربنا جمعيا لأننا لا نعرف ماذا تقصد، لكنها اكملت حديثها وقالت: هذه الظاهرة توارثتاها عن اجدادنا وحتى الان مازالت منتشرة بين بعض العوائل احيانا، وخاصة اذا مر انسان بمأزق يقولون صبوا رصاص على الرأس لإبطال السحر و الحسد والعين أو مرض .
كان يوم السبت ذهب جارنا مع والدته لمنزل رجب، لاعتقادها بأن هذا اليوم خاص لإبطال السحر ويوم الخميس للحسد والعين.ثم اكملت حدثها: يأتي رجب برصاص نقي ويوضع في مقلاة أو وعاء ثم يذوبه على النار حتى الانصهار، ويؤتى أيضا بطشت مملوء ماء يوضع على رأس المحسود أو المعيون أو المسحور، ويسكب الرصاص المنصهر في الماء الذي بالطشت فيخرج صوت ازيز او وشيش نتيجة تبرّد الرصاص في الماء، وعندها يعتقد المصاب انه قد شفي وأزيلت ضربة العبن والحسد منه، وقبل هذه العملية يبدأ رجب بسرد بعض القصص عن ام فلان وأبو فلان وكيف تحسنت حالتهم بعد عمليه سكب الرصاص،كل هذا الكلام يلعب دورا بارزا في التحسن المؤقت لنفسية المريض .
بعد ان يبرد الرصاص يخرجونه من الماء فيكون قد اخذ شكلاً غريباً مثل: دائرة بيضاوية ترمز للعين، أو امتداد طولي للرصاص أو مبسط يرمز للسان، او شكل انبوبي يرمز للساعد او القدم ...الخ فالأمر كله متروك لخيال ساكب الرصاص وبقية النسوة اصحاب الخبرة والخيال الخصب .
يثقب الرصاص المتشكل كالعين بآلة حادة، مع ترديد بعض العبارات مثل: عين الحسود فيها عود او عين الحسود الذي يحسدك تفقع وتعمه. وإذا كان شكله كاللسان أو اليد فانه يقص بالمقص او السكين، مع ترديد بعض العبارات مثل فليقص كل لسان يتكلم عليك وتقطع كل يد أو رجل...الخ
وهكذا جارنا يسمع كلام والدته ولا يؤمن أن خلفتها مشيئة الله، ورزق لحد الان سبعة بنات متتاليات وما زال الحبل على الجرار. نعود يا اطفالنا العقلاء لموضوع حديثا ولا واحد منكم قدر أن يحل لغز واحد سأسألكم اليوم حزورات (الالغاز) ليس صعبة مثل السابقات. وما زالت العانة تنتظر من يعرف الحل وغدا سيشتري بها شعر البنات .
ما هو الشيء الذي كلما كثر لدينا غلا وكلما قل رخص ؟
ما هو الشيء الذي يمشي و يقف وليس له أرجل ؟
ما هو الشيء الذي تأكل منه مع إنه لا يؤكل ؟
ما الشيء الذي له جلد وليس حيوانا، وله ورق وليس نباتا، وله لسان وليس انسانا ؟
متى تستطيع وضع الماء في الغربال ؟
امك و مرات ابوك واخت خالك وام اخوك كم اذن لهم. 
لونه أسود ولا ينتفع به إلا إذا كان لونه أحمر ؟
ما هو الشيء الذي يكون داخل الغرفة وخارجها في نفس الوقت ؟
ما هو الشيء الذي لا يؤكل في الليل أبدا ؟
 أمشي بدون قدمين وأطير بلا جناحين وأبكي بدون عينين فمن أنا ؟
 ضرب المزارع طبق البيض في الجدار ولم ينكسر لماذا ؟
يتسع لمئات الألوف ولا يتسع للطير المنتوف.
ما هي المدينه التي لا يطحن فيها الطحين ولا يموت فيها ميت ؟
من هو الشخص الذي لا يغضب اذا اخرجت له لسانك؟
ما هو الشيء الذي صانعه يبيعه وشاريه لا يستعمله ومستعمله لا يراه ؟
سمعنا صوت مذاع جارنا أبو البنات يسمع اغنية رباعيات الخيام لام كلثوم ويرد مع كلمات الاغنية بصوت نشاز ، توقفت جدتي طرح الاسئلة وتمتمت مع نفسها قائلة: جار لا يحترم جاره لكنه معذور لأنه يمكن شارب(اي تقصد أنه يشرب العرق) ، بدأنا نضرب اخماس بأسداس وأين نحن من حل الالغاز . وضاعت علينا العانة وشعر البنات .
هذه الالغاز واحدًا من أهم الوسائط التعليمة لما تحققه من تدعيم للمعلومات ، بالإضافة إلى الجانب الترفيهي الهادف الذي يساعد على إمتاع الطفل من جهة،  وتمثله لثقافة بيئته وقيمها وأعرافها من جهة أخرى حتى يتكيف مع مجتمعه، وتساعد على النمو النفسي للطفل، وخلق توازن نفسي، وإشباع بعض من احتياجاته المعرفية.
سنلتقي بحكاية جديدة وتصبحون على خير .
الجواب :
العقل، الساعة، الطبق، الكتاب، عندما يجمد،اثنان لان الجميع شخص واحد، الفحم، باب الغرفة، الفطور، الغيوم، لأنه فارغ، بيت النمل، لان الميت لا يموت فهو ميت اساساً والطحين لا يطحن فهو مطحون اساساً، الطبيب، الكفن.


96
من حكايات جدتي ... الثانية عشر
حزورات (الألغاز) الجزء الثاني
بدرت نوئيل يوسف
قضينا النهار كله نترقب موعد الصعود للسطح وتبدأ جدتي بسرد حزوراتها (الألغاز) وكلنا امل بالفوز بالعانة لشراء شعر البنات، حيث عُرفَت منذ الأزل الألغاز الشعبية من الثقافات الشعبية القديمة، وتتكون من كلمات ومعان متناقضة أو مركبة بأسلوب يثير الدهشة، سهلة وبسيطة في معانيها وألفاظها، وقد تحمل الألغاز صفة الاستفزاز والتناقض والوضوح في آن واحد، متعددة متنوعة فنجد الألغاز الحسابية والشعرية والروحانية والطبيعية، ويحفظها الناس كما تحفظ القصائد أو الأشعار، وفي كثير من الأحيان تتداول على الألسن، فالألغاز من حيث كونها أسئلة فهي تتناول مواضيع مختلفة يحيطها الغموض، وتنمي القدرات العقلية و المهارات الفكرية، وأحسن الألغاز هي التي لها حلا واحدا وليست عدة حلول متشابه.
حل العصر وكالعادة صعدنا لرش السطح بالماء وفرشت الدواشك لكي تبرد، وننتظر المغيب حتى تصعد جدتي بصينية الرگي ونلتف حولها لنسمع حكاياتها، وبعد ما تنتهي جدتي من سرد حكايتها نخلد للنوم، وكان يزعجنا ولن نحصل على نومه هادئة لسعات الحشرات الطائرة وخاصة البعوض ليلا والذباب الذي يهبط فوق الانف صباحا، وصياح الديكة ونباح الكلاب، وكان لنا جار يملك راديو صغير يعمل بالبطارية يأخذه للسطح معه يسمع حفلات وأغاني ام كلثوم في ساعة متأخرة ويتمتم مع الصوت خارجا عن القافية (نشاز) ، وكلما توقف الراديو عن الصوت كفخه بيده ويبدأ الجهاز يلقط موجات الاثير، ومرات ينام جارنا والراديو مازال شغال، وتتوقف الاذاعة ونسمع صوت الطنين قادم من الراديو، وكانت زوجته تخاف اطفائه، جارنا هذا رزقه الله بستة بنات الواحدة تلو الاخرى ويحلم أن يكون المولود السابع صبي ، لكنه رزق بنت اسماها ختام، وهكذا دواليك كل سنة كان عندهم مولود، ثم جاءت البنت الثامنة واسماها نهاية، ثم رزق بالتاسعة واسماها منتهى، وجاءت العاشرة اسماها كفاية، والحادية عشرة سميت انتهاء والأخيرة سميت انتهى، وهكذا كان له درزن من البنات والستة الاخيرة  سميت باسم الانتهاء، ومازال جارنا مصرا أن يرزق بصبي، ثم رزق بصبي اسماه عيسى اطال الله بعمر الجميع، وكان يطير النوم من عيني بسبب  بكاء وصراخ بنات جارنا الصغيرات وصوت جارنا وهو يرغي ويزبد مع زوجته طالبا منها محاولة اسكات الصغيرات .
أما جارنا الاخر مربي الطيور مع شروق الشمس نسمع خفق اجنحة الحمام وهو  يقف في السطح ماسكا قصبة طويلة يلوح بها في الهواء يطير حمامه وهو ينادي وبصوت عالي (كش ،عاع ،عاع...).
على كل حال نرجع لحديثنا، صعدت جدتي الى السطح وجلست محلها وألتم حولها الاطفال وقال: اليوم ستكون بعض الالغاز موصلية، صرخنا بفرح كلنا: ما أكو مانع المهم نربح العانة بعد حل لغز واحد .
سألت جدتي: ما هو الشيء (اسود اسيود في أذنه مريود يدور في المحلة، اسمه عبد الله) .؟ لا جواب لنا صحيح، مع العلم كل واحد من عندنا يعطي اكثر من عشرة اسماء، واستمرت جدتي بطرح الالغاز علينا الواحد تلو الاخر .
(طاسي طماسي، بالبحر رقاصي جواها لولو، وبراها عاصي) .
(هَل طولاتهْ وهل ترللي) (مع الاشارة الى شيء صغير وأخر طويل يقوم بها السائل).
(هوّ ابگد الفندكه و إله ميت عين امبحلقه) .
(مريم بنت عمران ما أسم ابيها) .
(إزار أزرق مملوء بالأزرار) .
(دار فوق دار معلقة بالأوتار ما بناها بناء ولا نجرها نجار) .
(صعدت على العلية وخلفي كومة حرامية) .
(خرقة حمراء في النقب) .
(أبيض جسمه، خيار اسمه، قل لقلبك ما اسمهُ).
(قبة خضراء، مفتاحها حديد، غلقها الله، وفتحها العبيد) .
(هُو مالك والناس تستعملهْ أكثر منك) .
(وين متْروح هُو وراك).
(صْفط أبطن صُفط ليلوُ ومْصفّطْ).
(اسود اسود مثل الگير يگمز گمزات الخنزير).
(جاي من البصره، خفيف ابيض، وعُراه من ليف).
(طير طار ،شگ ابحار،لاله ريش، ولامنگار).
(اذا اكلت نُصهْ اتموت واذا أكلتهْ كُلّه متموت).
(بنت الملك لابسه ألف تنوره).
غلب النعاس هذه الليلة جدتي وبدأت تتثاءب وتركتنا وذهبت للنوم، ونحن نسأل الواحد للآخر متى نجد حل لهذه الجمل الصعبة ؟ استلقيت محل نومي أتقلب على جمر النار لابد أن اربح العانة لكن كيف ومن يساعدني، هذه الالغاز من أول وهلة تشكل للسامع نوع من الغموض فيتوه في تحليل عباراته الى عدة خيارات، واللفظ في اللغز قد يفسر بطريقة مختلفة بحيث لا يدل ذلك على معناه .... نلتقي في الجزء الثالث عشر من حكايات جدتي.
الجواب :
ويقصد الصاج (سطح معدني مقوس يخبز الخبز فوقه)، يقصد بها فاكهة الرمان، جواها يعني في باطنها (اللب الاحمر) وبراها يعني خارجها ( الغلاف اللحائي)،ابره وخيط، كشتبان، عمران، يقصد بها السماء والنجوم، يقصد الفلك، يقصد بها الضفائر، يقصد اللسان، الخيار، ويقصد بها فاكهة البطيخ (الرگي)، الاسم، الظل، الرمان، برغوث، زنبيل دخان، سمسم، اللهانه.



97
من حكايات جدتي...الحادية عشر
حزورات (الألغاز)

بدري نوئيل يوسف
من الثقافات الشعبية القديمة الألغاز الشعبية والتي عرفت منذ الأزل، متعددة في جميع المجالات الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية والثقافية وتحتوي على موضوعات ومعلومات مهمة، وقد حبب القدماء الألغاز و مارسوها في أوقات الفراغ، لتباري في القدرات العقلية والمهارات الفكرية ونوعية الثقافة التي توجد عندهم، فهي فن السؤال المحير و الجواب اللازم المحدد، فهي سهلة وبسيطة في معانيها وألفاظها، وقد تحمل الألغاز صفة الاستفزاز والتناقض والوضوح في آن واحد، تتكون من كلمات ومعان متناقضة أو مركبة بأسلوب يثير الدهشة .
اتذكر سطح منزلنا والآسرة (الچربايات) المخصصة للنوم، وذكريات لا تخلو من لذة وطعم تلك الأيام، جزء من تقاليد العائلة العراقية في سهرة فوق السطح من ليالي الصيف، فيما مضى من الزمن واشتداد تعلق الناس بتلك الممارسة اليومية، بعد حلول العصر نصعد نرش السطح بالماء حتى يبرد، وقبل المغيب ونبدأ بفرش الدواشك حتى تبرد ، هذه الامسيات لا تخلو من السوالف والقصص الخيالية القديمة، ومن العادة تأخذ العائلة معها اثناء الصعود الى السطح (صينية الرگي وماعون فواكه وكرزات وقوري الچاي)، ما احلاها النوم على التكيف الرباني، في هذه الامسية الصيفية سالت جدتي لماذا ننام بالسطح ولماذا لا ننام في الغرف، أجابت بهدوء وابتسامة قائلة: يمه هذا ما وجدنا من ابائنا وأجدادنا ننام على هوى الله وبأمان الله، وكان قصدها في تلك الفترة الجيران في المحلة كعائلة واحدة والقلوب متصافية لا يخيم عليها سوى البساطة والهدوء والأمان، تفرح لفرح الآخر وتحزن إذا أصاب أحدهم مكروه.
ثم سألتها: لماذا يهجم علينا الذباب صباحاً، جابت: الذباب يهجم عليك أنتَ، ولا ننسى الشمس من الشروق كأنها متواعدة مع النائمين وعندها واجب لازم تهجج الناس من السطوح،كلها تنزل الى الغرف لتكمل نومها.
جلسنا حول صينية الرگي وبدأت جدتي بالحديث قائلة: اليوم اسألكم حزورات (الغاز) والذي يعرف الاجابة أعطية عانة (اربعة فلوس) يصرفها غدا عندما يمر بائع (شعر البنات)، (وهي حلوى تصنع من خليط من الماء والسكر يباع بين البيوت في الشوارع والأزقة الشعبية من قبل بعض الباعة حيث تجمع المادة القطنية للسكر المنفوش على عيدان رفيعة)، الكل يتحمس ينتظر الحزورة (اللغز) ويبدأ الهدوء على الجميع منتظرين ماذا تنطق جدتي 
قالت: (طمبر طقش طمبر طقش، بلا حناء ولانقش، اجانا صوت من بعيد، چنه جناجل العيد)، الكل ينظر نحو جدتي باستغراب ولا جواب من اي طفل، ثم قالت هذه الحزورة الثانية (ابيض بياضاني بسوكْ لاكاني آني تفاح العجم حطوني بالصواني آني اي آني لع آني أمبيض الخلع كلمن اجه حل جيسهْ واشتراني)، بحلق الجميع بوجه جدتي ولا نعرف الاجابة ابتسمت وقالت: اين شطارتكم ؟ سأقول الحزورات وكل واحد يعرف يعطني الجواب .
(بيضه بُضبُضه، تلمع لميع الفُضه، لاصاغها صايغ، ولالبستها حُره).
(سفينة عمي عباس، امحمله كلها اجراص).
(گبتنا حناحين، بيهه مطر بيهه طين، بيهه اثنعش شنداخه، كل شنداخه بتلاثين) .
(جانه خُطار،من ديرة مابيها أغبار، گاعد على سكمليين، ما ناجرهن نجار، وشرب من حوضين مامحميات بنار).
(أذبه من المنارة للگاع مينكس ، أذبه بالمي ينكسر) .
(اثنين واتلاثين عروسه بيضه وابنصهن عريس احمر).
(عشره وعشرتين، وبگدها مرتين وخمسة وقلااثه وثنين) .
(هِرف هرف للشط أووكف).
(حازگ لازگ أبكل شئ لازگ).
(راسه جرص، ذيله مگص، ظهره فحم، بطنه شحم) .
(أسود سويداني،بالسوگ لاگاني، اعمامته خضره، والخلقه رباني).
(اذا گصيت رأسه طار).
(لابس أسود مو حزين، بيده سبحه مو خيّر، يضرب أبره مو طبيب).
(أربعة.. چرخ مرخ.. واثنين عنطزلري.. و واحد ايكش الذبان).
(طلع من الگبر ..وكصايبه خُضُر).
(يطلع من بطن امه ويحك ظهر ابوه).
(ياكُل مينكال).
(بطنه بيضه وظهره اسود).
غلب النعاس الجميع ولن يربح اي طفل العانة وقد وعدتنا جدتي انها ستكمل الحزورات (الألغاز) في مساء اليوم التالي، نلتقي في العدد القادم من حزورات وهي مادة اللهو اثناء السمر في الليالي العراقية القديمة حيث كانت تنعدم وسائل الترفيه الحالية ، وتمتاز بلهجتها الشعبية والبساطة ومستنبطة من الحياة التي يعيشها واضع اللغز، كما تمتاز بطغيان السجع على تركيبها. 
الاجوبة:الهاون ، الصابون، القمر، الدف ، السنه ،المولود حديثا ،الورقه ،الاسنان واللسان ، المائة ،الحذاء ، الاسم ، طائر السنونو المهاجر او طير السند وهند،الجواب الباذنجان ، قطار ، عقرب ، الحمار ، بصل اخضر ، الشخاطه(علبة الكبرت) ، النار، القدر،


98
من حكايات جدتي .. الحكاية العاشرة (دم البقرة الصفراء)
بدري نوئيل يوسف
الحكاية الشعبية المستمدة من التراث الشعبي تعتبر أكثر الحكايات مناسبة للطفل، لقدرتها على إثارة خيال الطفل
وتعالج القضايا الرئيسيّة في حياة الفرد من قبيل الحب والكره والطمع، وسعة الرزق بعض الضيق، وتبقى الحكايات الشعبية غنيّة بالتجارب في مواجهة تحديات الزمن الصعب، والأيام القاسية والاستفادة من الحكاية الشعبية في تقديم دراما تربوية وتعليمية وترفيهية للطفل، من أجل خلق عالم واحد يحقق فيه الطفل ما يعجز عن تحقيقه في عالمه الواقعي، وتحويل الحكايات الشعبية بأنماطها المتعددة الى دراما مسرح الطفل، لما تتسم به من خلق عالم سحري وخيالي مثير، يعيش معه الطفل ويستمتع به، ويلعب مسرح الطفل من خلال عملية التعلم الاجتماعي، وتلقينه قيم المجتمع دورًا هامًا في تنشئة الطفل، و يسهم المسرح مساهمة فعالة في نقد التصرفات الخاطئة غير المرغوب فيها، أو تأييد التصرفات الايجابية والمرغوب فيها، وذلك من خلال مشاركة الطفل في تنفيذ العرض المسرحي بالقيام بأداء دور بعض الشخصيات او من خلال الاخراج المسرحي ويقدم الطفل اثناء التدريب النصح إلى الشخصيات المسرحية أو إلقاء اللوم على بعض تصرفاتها.
هذه الحكاية مشابهة لسابقتها بالمعنى والمغزى لكنها تختلف بالمضمون حكاية الصراع بين الثنائيات المتناقضة كالخير والشر، وحب الذات وإنكار الذات، والطمع والأمانة وتهدف إلى إعلاء قيم الخير والسمو لدى الأطفال.
تقول حكاية جدتي:كان يا ما كان وعلى الله التوكل،كان في قديم الزمان في احدى المدن اخوان يعيشان معا، لكن ابواب الرزق انسدت في وجهيهما فقررا السفر الى مدينة اخرى، حمل كل واحد منهما زاده ورحلا، وفي الطريق قال الصغير للكبير: لنأكل من زاد احدانا حتى ينتهي، ثم نأكل من زاد الثاني،اتفق الاخوين على هذه الفكرة، وهما في الطريق أكلا زاد الاخ الكبير أولا، وعندما انتهى زاده وماؤه وهما يسيران شعر الاخ الكبير بالعطش، فطلب من اخيه الصغير ان يعطيه قليلا من الماء لكن الصغير قال: الماء معي يكفيني وحدي وترك اخاه الكبير وانصرف وحده، سار الكبير وحده وهو يعاني الجوع والعطش الشديدين فضعفت قواه، فذهب الى حفرة واضطجع ليستريح فيها وفي هذه الاثناء مر جنيان وجلسا يستريحان قرب الحفرة، قال الجني الاول: كيف تقضي وقت فراغك يا صديقي؟ اجاب الجني الثاني في مكان كذا توجد خزائن كثيرة، اذا (ضجت) انظر اليها وتنشرح نفسي وأنت كيف تقضي وقت فراغك ؟ اجاب الجني الاول: اما انا فإذا ضجت ادخل راس اي فتاة جميلة فتصير مجنونة سأل الثاني: (وما علاجها ؟) اجاب الاول: (يرش على وجهها دم بقرة صفراء، فتصبح عاقلة).
كان الاخ الكبير يسمع حديثهما، وهما لا يعلمان بوجوده في الحفرة وبعد ان استراح الجنيان انصرفا وخرج الاخ الكبير من الحفرة، فأبصر قافلة متجهة الى احدى المدن، فأشار اليها بيده ورآه بعض رجالها  فحملوه معهم، ولما دخل المدينة وجد الناس في حالة هرج ومرج فسألهم: ما بكم ياناس ؟
فقالوا له: انت غريب ولا تعرف شيئا، ان بنت السلطان مجنونة، ولا يستطيع احد ان يشفيها، ذهب الاخ الكبير الى السلطان وقال له: (انا اقدر ان اشفي ابنتك) فقال السلطان: (انها محبوسة في غرفتها، والكل يخاف الدخول عليها، اننا نعطيها طعامها وشرابها من الشباك، هل تعلم انه اذا لم يفد علاجك معها قطعت رأسك ؟
ادخله الى غرفة مملوءة بالرؤوس المقطوعة للأطباء الذين لم يستطيعوا علاجها، فطلب الاخ الكبير من السلطان
خمسمائة ربيه وان يمهله فترة فأعطاه السلطان ما طلب، اشترى الاخ الكبير ملابس جديدة واستأجر سكنا، ثم سأل عن سوق الحيوانات واخذ يفتش عن بقره صفراء، ولكن لم يجدها وكان كل يوم يذهب الى سوق الحيوانات من الصباح الى المساء ثم يرجع الى داره مرهقا حزينا، الى ان جاء يوم وهو يبحث في السوق فأبصر فلاحا يجر بقره صفراء ليبيعها فاشتراها منه، وذبحها ووضع دمها في طشت ثم ذهب الى قصر السلطان، وطلب من الخدم ان يفتحوا باب غرفة بنت السلطان ففتحوها له وهربوا بعيدا، اقترب الشاب من بنت السلطان ورش على وجهها دم البقرة فسقطت مغشيا عليها، وبعد ان افاقت من غيبوبتها اخذت تبكي فأسكتتها الخادمات وادخلنها الحمام وحممنها وذهبت الى ابيها وقبلت يده ، ففرح كثيرا جدا .
شكر السلطان الاخ الكبير، وقال له: (لقد شفيت ابنتي، وسأزوجك بها ) فرح وتزوج بنت السلطان ثم ذهب الى محل الخزائن وجمع الذهب والمجوهرات ونقلها الى منزله .
وفي يوم من الايام خرج السلطان في مهمة، فأوكل السلطنة الى الاخ الكبير، وبينما كان الشاب جالسا، والناس يدخلون عليه رأى اخاه الصغير يرتدي ثيابا ممزقة فطلب من الحراس ان يعتنوا به وادخلوه عليه، فعرفه اخوه الصغير وراح يبكي وشكا اليه سوء حاله، وحكى الاخ الكبير ما حدث له، وطلب منه البقاء معه ليشاركه في الحكم لكن الاخ الصغير قال: (انت وصلت الى هذه الحال حين نمت في الحفرة، انا لا أعرف سر الحفرة جيدا، سأذهب الى هناك واسكن احسن هناك ولا اريد منتك).
حاول الاخ الكبير منع اخيه الصغير من الذهاب لكن طمعه جعله يصر على الذهاب، فذهب الى الحفرة وجلس فيها وعندما جاء الجنيان، قال الاول (كيف تقضي وقت فراغك ياصديقي ؟) فأجاب الثاني: لم يعد لدي شيء اتسلى به فقد اختفت الخزائن، فتنهد الثاني وقال: (انا ايضا عرف سري) فقال الاول: ربما يكون ابن ادم قد اطلع على سرنا، احس الجنيان بان في الحفرة شيئا فنظرا فيها ووجدا الاخ الصغير، فانقضا عليه وقتلاه وهذه هي نهاية الطمع.
وكنا عندكم وجئنا ونلتقي في حكاية جديدة 

99
من حكايات جدتي .. الحكاية التاسعة (ابو نية وأبو نيتين)
بدري نوئيل يوسف
هذا النوع من الحكايات يعالج تحديات اجتماعية، ولكل مجتمع معاييره الاجتماعية والثقافية الخاصة، لا تخلو هذه الحكاية من معتقدات خرافية، لكن الحدث في أغلب الأحيان يكون حدثا واقعيا، و يسعى لتلقين الفرد المعايير والقيم الايجابية التي يسعى المجتمع إلى بثها في نفوس أطفاله، حتى يتكيفوا مع مجتمعهم، كما يحرم المجتمع ضروبًا أخرى من القيم السالبة التي ينبذها، ويسعى إلى التنفير منها كالعدوان والإهمال والأنانية والطمع والاغتراب والتخريب، ويتحول الفرد من مجرد كائن عضوي إلى شخص اجتماعي، فتنشئة الطفل اجتماعيًا تعني إكسابه المفاهيم والعادات والاتجاهات والقيم السائدة في مجتمعه، بالإضافة إلى القيم التربوية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
تقول جدتي: كان ما كان في قديم الزمان رجل يسعى كل صباح باحثا عن عمل يعيش منه لكنه لا يجده، قرر ان يهجر مدينته ويذهب الى مدينه اخرى، كي يجرب حظه فيها عسى ان يحصل على عمل يعيش منه، اعد طعام المسير ووضع قربة الماء على كتفه وسار في طريقه صادفه رجل، سأله عن اسمه ووجهته أجابه: أن اسمه (ابو نية ) ووجهته البحث عن عمل يعيش منه في أي بلدة، قال الرجل له: أنا ايضا أبحث عن عمل، ثم طلب مرافقته قائلا له: ان كنت أنتَ (ابو نية) فأنا(ابو نيتين). في اثناء المسير قال (ابو نيتين) لِ (ابو نية ): لنتفق اذا جعنا نأكل من طعامك ونشرب من مائك، وعندما ننتهي نرجع الى طعامي ومائي، قال(ابو نية) اتفقنا نحن اخوان وطعامي طعامك، بعد يومين نفذ طعام (ابو نية) وهما يسيران في طريق البحث عن العمل، جاع (ابو نية) وحسب الاتفاق طلب من رفيقه طعاماً وماءً ولكن (ابو نيتين) رفض اعطاءه ما طلب إلا بشرط، هذا الشرط هو ان يفقأ إحدى عيني (ابو نية).
ظل (ابو نية) في حيرة من امر الرجل ومن الشرط العجيب الذي قدمه، لكن ازاء الجوع وافق على شرط (ابو نيتين)، ففقأ (ابو نيتين) احدى عيني (ابو نية) وأعطاه قليلا من الطعام اكل الطعام واحتاج الى الماء الذي طلبهُ من (ابو نيتين) لكنه رفض اعطاءه الماء إلا مقابل فقء عينه الاخرى، وإزاء عطشه وافق (أبو نية) على شرط (ابو نيتين)الثاني ففقأ (أبو نيتين) عين (ابو نية) الثانية وأعطاه قليلا من الماء وتركهُ وغادر المكان مواصلا رحلته وحده . بقى (ابو نية) يعاني من الالام المبرحة ولم يستطع مواصلة السير جلس تحت شجرة ليستريح، وفي هذه الاثناء سمع صوت سبع وذئب يتحدثان معا قال الذئب: الله ما اعظم هذه الشجرة. اجابه السبع: ما وجه العظمة فيها ؟ قال الذئب: كم اعمى فتحت عينه، وكم اخرس نطق وكم مريض شفيا، وكل ورقة من اوراقها تشفي مرضا. رد عليه السبع: اذا انت عرفت سر اوراق هذه الشجرة ، فانا اخبرك بسر لا يعرفهُ احد غيري هذه الشجرة مدفون تحتها كنز من الذهب لا يعرف احد عنهُ شيئاً،  سمع (ابو نية) كلامهما وما ان غادرا حتى قام الى الشجرة واخذ ورقة من اوراقها ووضعها على احدى عينيه فشفيت في الحال وفتحت ثم فعل بالعين الاخرى ما فعله بالأولى وشفيت هي الاخرى ، فرح فرحا عظيما واخذ مجموعة من أوراق هذه الشجرة، ووضعها في جيبه وواصل مسيرته الى ان وصل الى مدينة، دخلها فوجد الناس مجتمعين امام باب بيت الملك وهم في حالة هرج ومرج، سألهم عن سبب اجتماعهم ، فأجابوه: بان بنت السلطان اصيبت بالخرس وأي شخص يخلصها من هذه العلة تصبح زوجا له، وإذا لم يستطع شفاءها تضرب عنقه.
قال: انا استطيع ان أكلمها لكن الناس حذروه على إن لا يورط نفسه مع ابنة السلطان، لان الكثيرين قتلوا بسبب
عدم قدرتهم على شفائها .دخل (ابو نية) على بنت السلطان واخرج ورقة من اوراق الشجرة العظيمة العجيبة ووضعها على فمها فتكلمت في الحال، فرح الجميع وأمر السلطان بزواجها منه لكن (ابو نية ) طلب تأجيل الزواج لمدة من الزمن. اخذ ابو نية مجموعة من الرجال وذهب الى الشجرة حفر تحتها واخرج كنز الذهب ورجع الى مدينة السلطان وبنى قصرا فخما اجمل من قصر السلطان وتزوج ابنته، واخذ يساعد المحتاجين والفقراء وأحبه الناس جميعا، وعينه السلطان مسئولا عن بيت المال فوافق على ذلك .
مرت الايام توفى السلطان وقام (ابو نية) مقامه، في احد الايام جاء (ابو نيتين) الى المدينة، بعد ان سمع بكرم (ابو نية) ومساعدته للفقراء والمحتاجين، قرر زيارته وبعد لقائه سأله عن حاله فأجابه: بأنهُ لم يستفيد من رحلته ولم يحصل على عمل، غفر (ابو نية) للرجل على ما فعله به، وعينه في قصره بعد ان بين للناس بأنه اخوه.
لم يستفيد (ابو نيتين) من هذه الفرصة، وأكلت قلبه الغيرة والحسد، واخذ ينافق على (ابو نية)مدعيا انه سارق، ويسرق بيت المال وعمل قصرا له وصرف الباقي على الفقراء بحجة انه يصرف من ماله الخاص لكن الناس لم يصدقوه ، وهم يعرفون (ابو نية)قبل ان يصبح مسئولا عن بيت المال .
وفي يوم من الايام جمع (ابو نية) الناس في قصره بحضور (ابو نيتين) وسرد عليهم القصة من البداية وأفعال (ابو نيتين) ضده وعمله القبيح معه وحكى لهم قصة الشجرة والكنز، احتج اهل المدينة على (ابو نيتين) وطالبوا بإعدامه كي يتخلصوا من شره وحسده، لكن (ابو نية) لم يوافق على طلبهم قائلا: بأنه يعطيه فرصة اخرى اخيرة وطلب منه ان يذهب الى الشجرة العظيمة ويجرب حظه عندها، ذهب (ابو نيتين) الى الشجرة وجلس تحتها في هذه الاثناء جاء الذئب والسبع واخذ يتحدثان قال الذئب الى السبع: هذه الشجرة لها مميزات كثيرة ،قال السبع: انا اعرف عنها اشياء كثيرة مفيدة لكن لنفتش حول هذه الشجرة احتمال ان نجد تحتها احدا يسمع حديثنا ويكتشف السر، سارا معا حول الشجرة، فشاهدا (ابو نيتين) متخفيا تحتها، هجما عليه وأكلاه وبذلك تخلص(ابو نية) والناس من شره .
المصدر : التراث الشعبي

100
من حكايات جدتي .. الثامنة
من عادات اهلنا
بدري نوئيل يوسف
في تلك الامسية استمرت جدتي بسرد لنا ما حفظته من عادات وتقاليد قالت:
عند العامة في العراق عظم العزيزة يدل على إثارة الفتنة هي قطعة عظم مصدرها الغنم أو البقر، ولا يهم أي جزء من العظام، وإنما المهم أن يكون له شكل بيضاوي تقريباً، بحيث تشبه جزء من جسم الإنسان له رأس وجسد فقط دون أطراف، حيث يتم رسم وجه على الجزء الشبيه بالرأس، ومن ثم يلبس أو يلف في قطعة قماش ويتم تبخيره ومن ثم يتم إلقائه في بيت أو بين جماعة فيسبب لهم الفتنة، وغالباً ما يستخدم عظم المفصل أحياناً يكون موجود من ضمن وجبة الغذاء، فإذا حدث شجار بين أفراد الأسرة على مائدة الغذاء يتم البحث عن عظمة العزيزة في قدر المرق أو بين العظام الموجودة على المائدة، فإذا عثر عليها تلقى خارج المنزل، وأحياناً تلعب الصدفة دوراً فيتزامن حدوث الشجار مع وجود العزيزة على مائدة الغذاء، وبذلك يتم تعزيز المعتقد القائل بقوة عظم العزيزة ثارت الفتنة في العائلة، كما ان القصاب عند اخراجه العزيزة من اللحم يضربها بالسكين حتى يبطل مفعولها الخبيث .
واستمرت جدتي تحكي لنا وكأنها جربت كل العادات قالت : 
من العادات المنتشرة بشكل واسع عند العامة هي وضع سكين تحت رأس الطفل حديث الولادة .
والصحن المكسور (الماعون) يجب ان يرمى خارج البيت، ويمنع منعا باتا طلب الابرة والملح عند وقت المغرب، لأنها تجلب الفقر، ولذلك يجب ان لا تعطي لمن يطلبها في هذا الوقت .
يتفاءلون اصحاب البيت بنحر الذبائح عند الشروع ببناء الدار الجديدة، (عند دك الاساس وعند وضع التكم تمهيدا للتسقيف وعند تثبيت باب الحوش)، وعند اكمال البناء والانتقال الى سكناه يتفاءلون بدفن قطع نقود فضية تحت عتبة الباب عند نصبها وذلك طمعا في الخير والرزق، ويتفاءلون بوضع حدوه حصان قديمة او فردة حذاء قديم او قرني كبش، او رأس غزال او لعابه من القماش محشوة بالحرمل وعليها ام سبع عيون فوق مدخل الدار من الخارج لطرد عين الحسود.
وإذا اعتزم احدهم القيام بعمل ما (وعطس)احد بقربه عطسة واحدة يتريث في عمله قائلا (صبر)اى عليه ان يصبر ويؤجل تنفيذ ما قرر ، وإذا عطس عطستين متتاليتين فانه يقول (راشدة)وينفذ ما عزم عليه
النعال أعزكم الله لا يجوز أن يبقى مقلوب حيث يعتقد بأنه يدعو على اهل البيت بالشر، او على من رآه ولم يقلبه وهي تقال لحد يومنا هذا حتى يقوم الشخص ويعدله .
تمنع النساء الحوامل من روية البومة، وترفض ان يأتي أي شخص بطائر البوم اليها، لكي لا يصبح وليدها شبيه البوم .
 اذا عانى شخص من الم في البلعوم فالأفضل ان تعلق صدفة محارات حول رقبته .
البنت الشابه ... لا يجوز  للبنت الشابة ان تقطع (تمشي) في منطقة متروكة وغير مسكونة وقت الغروب .
ان طائر الططوة ورؤيته يعتبر نذير شؤم، ولكن لتجنب الشر يرد عليه بالقول: ( سجين وملح )، وايضا عواء الكلب يستحسن عند سماع العواء القول: ( عوية بدار صاحبك ) ، اما الارنب فإذا صادفت او اعترضت شخص ما في الطريق وكان في سيارة، فالأفضل ان يرمي نقدا على الطريق وحسب الاعتقاد ان في ذلك تفاديا للشر .
لا يجوز كنس فناء الدار وقت الغروب لكي لا تزول النعمة .
 عند حدوث زواج في القرى نجد عزاب تلك القرية يأتون الى مخدع العروس ويبدأ العروسان بحك ارجل هؤلاء العزاب وذلك اعتقادا من ان هؤلاء العزاب (الشباب والشابات) بان حك ارجلهم عند العروسين سوف يسهل ويسرع في زواجهم ويقولون المثل الاتي (ان انمطرت كاع تتبشر اخوتها).
عندما تضع المرأة الطحين في الصحن المعد للعجين وتبدأ بعملية العجن، يتطاير بعض العجين الى الارض من بين يديها فتعتقد بأنه لابد ان يأتيهم في هذا اليوم ضيف (خطار) ،وبذلك تخبر اهلها معلنة لهم بأنه سوف يأتي اليهم في هذا اليوم ضيف، وذلك لان عجينها يتطاير من الصحن وهو من نصيبهم حسب ما تعتقد.
تحتفظ الام بملابس ولدها البكر لتلبسها لأولادها اللاحقين او اولاد اولادها.
اذا خرج ابو البيت للعمل تلقي زوجته او والدته خلفه الماء اعتقادا بان ذلك يفيد بالرزق والعودة بسلام .
وماذا وجد احدهم قطعة خبز على الارض فانه لا يطأها بقدمه بل يلتقطها ويقبلها ثم يضعها في (فتحة الجدار) او بالقرب منه .
يحذر من قطع شجرة النبق فان قتلت أو تأذت فسيموت احد أفراد المنزل، أو يصاب بأذى شديد ، ويفضل عند قطعها تكليف شخص آخر يفعل ذلك نيابة عن احد افراد العائلة  بشرط أن يضحى و ويجري دما على جذعها أو ساقها.
ومن عادات اهلنا اذا سافر احدهم فان زوجته لا تتصنع ولا تضع الماكياج  (اى لا تتجمل ولا تستعمل اية مادة من مواد التجميل) حتى يعود زوجها.
وإذا سكنت عائلة بجوار عائلة اخرى فمن واجب الجيران تكريم الجار الجديد بإرسال (خبر)فحواه ان غذاء يوم الغد سيكون من بيت فلان ، هذه من العادات اللطيفة التي تتيح الفرصة للعائلة الجديدة في ترتيب البيت وفرشه وتنظيفه فضلا عن ان ام البيت لا وقت لها تصرفه في طبخ الغذاء (لصاحب البيت والجهال). وهي كذلك عادة توطيد اسباب التعارف بين  الجيران وهكذا تبقى العائلة الجديدة مدة اسبوع او اكثر والجيران يتناوبون في ارسال صواني الغداء الحافلة بكل ما لذ وطاب .
من موروثا شعبنا لا بأس من الاطلاع عليها من باب العُلم بالشيء ، مع العْلم ان فيها صفات حميدة جدا وتبقى ذكريات من زمن جميل ، ونتابع حكايات جدتي في العدد القادم
المصدر: بغداديات عزيز الحجية

101
من حكايات جدتي .. السابعة
من عادات اهلنا
بدري نوئيل يوسف
منذ الزمن السحيق كان للعراقيين عادات وتقاليد لا يتقبلها البعض، والآخر قد يؤيدها، أصبحت جزءاً من واقع الحال بمرور الزمن على الرغم أن فيها شيئاً من عدم المنطق، تقاليد متوارثة لها تأثيرا شديدا على المجتمع ومما لاشك به إن بعضها يمارسها لحد الان، ولهذه العادات جذور عميقة ممتدة ومتوارثة عبر الأجيال ومأخوذة من خلفيات قديمة قد لا يكون لها أساس علمي أو شرعي، إذ يعتقد بعض الناس انها تبعدهم وتنجيهم من حدوث المشاكل بين الأهل والجيران والأقارب، وتبعد عنهم اليأس والتشاؤم في النفوس أو تقدم لهم الفرح والسعادة.
في احدى امسيات أيام الشتاء ونحن ملتفين حول المدفئة و فوقها قوري الشاي، وبجانبها صينية فيها فناجين الشاي (الاستكانات )، ننتظر جدتي تبدأ بقص حكايتها بعد صب الشاي لإفراد العائلة لاحظت انها تحاول وضع اتجاه فتحة صب الشاي من القوري ( البلبول) باتجاه بعيد عن الاطفال الجالسين حولها سألتها: لماذا تُغَيرين اتجاه الفتحة كلما تحرك احد الاطفال قالت: هذه عادات اهلنا يجب ان لا تكون الفتحة متجها لوجه احدكم لان ذلك يجلب الهم والغم، سألها احد الاطفال وهل هناك عادات اخرى.
قالت: كثيرة العادات والتقاليد فمثلا إذا وضعت ملعقتان في صحن الشاي الواحد يعني أن الشارب سيتزوج امرأتان، وغالباً ما ترى الشارب يبتسم وهو يعتقد أن ذلك سيتحقق، وإذا وجد ملعقة في داخل الفنجان عند تقديمه لرجل في المقهى أو عندما يكون ضيفاً له دلاله غير جيده وغالباً ما تحصل مشاكل وفصل عشائري نتيجة هذه الحركة، وإذا قدم الشاي والكمية في الفنجان ناقصة فإنها تعني أن الشارب ناقص، بالإضافة تقع عليه مشاكل بين الطرفين، أما إذا ظهرت فقاعات الهواء في فنجان الشاي أثناء صبه فهذا يعني أن شاربه رزقه واسع،  وإذا لم يقدم الشاي للضيف فمعناها أنه مضيفه لا يحترمه، ووجوده غير مرغوب به وربما ينزعج ويستاء ويزعل الضيف .
سألت جدتي: هل هناك عادات وتقاليد اخرى؟
قالت: ما اكثرها اذا تعاركت العصافير في فناء المنزل فهذا نذير على قدوم ضيف ما .
ومن العادات ايضا عند (فرك) احدى العينين يجب ان يكون ذلك متبوعا ب (فرك) الاخرى، والسبب يمنع الحزن. وكما أن رفه العين اليمنى محل بشارة وسعادة ستحل على صاحبها، وخلال أيام يرى أمرا سعيدا لم يخطر له على البال، وفي المقابل تكون رفه العين اليسرى نذير شؤم، وتنبه الشخص لفراق حبيب أو مرضه .
وينطبق الشيء نفسه على طنين الأذن، فطنين اليمنى يعني أن هناك شخصا ما يذكره بالخير في مجلس عامر بالرجال، أو حتى في خلوة فيشعر صاحبها بنداء الحبيب له وأنه على باله دائما، على العكس طنين الاذن اليسرى التي تنبئ بغيبة الشخص من قبل من يكرهه .
اذا حكة اليد اليمنى ... تعني ان صاحبها سيحصل على مال أو هنالك رزق قادم في الطريق، اما اذا حكة اليد اليسرى معنى هذا ان صاحبها سيهدي لأحدهم مالا او يخسر مالا ، وطريقة التعامل مع هذه الامور عند العامة تزيد عجبا ، فمثلا عندما تحك اليد اليمنى يجب ان لا يجازف صاحبها بحكها بإصبعه او بيده اليسرى بل يبادر لحكها فورا بالأرض ويقول ( حكيتج بالكاع ورزقج يجي بساع ).
حكة الرجل اليمنى تشير الى ان احدهم ذكر صاحبها قدحا أو هنالك شخص يتناوله بسوء .
وحكة الخد تدل على مجيء ضيف عزيز تبادل معه القبل على الخدود، وان حكة (الانف) تبشر بأكلة سمك، وان رجفة الكتف تدل على لباس جديد، ووجود شعرة فوق اللسان ينبئ بوصول هدية.
عندما يتقدم الشخص للأكل وبعد ان يأكل لقمة او لقمتين لا تدخل احداهما في البلعوم أي بسهولة و يلاقي صعوبة في بلعها فيعتقد بان احد ابنائه ان كان متزوجا او احد المقربين له اذا لم يكن متزوجا جائع، ولذلك لا تدخل اللقمة بسهولة وتحدث عادة مثل هذه الحالة عندما يكون ذلك الشخص مغتربا اي بعيدا عن اهله.
وكثير من العامة لا يكنسون الدار ليلاً كي لا تطير البركة ويكنس الخير . وإذا كنس الاطفال للأرض يعني سيقوم  ضيوف بزيارة العائلة .
عندما يسقط (الحالوب) وهو عبارة عن كرات ثلج صغيرة عند نزوله من السماء أثناء هبوب رياح مع هطول المطر تقوم النساء بوضعه على الاماكن الحساسة في الاطفال (كالعانة والإبط) وحسب اعتقادهن ان ذلك يمنع خروج الشعر، وإذا خرج (الطنطل وهو نوع من الجن) فيجب ان يردد هذه العبارة حتى يبتعد عن الشخص (ابرة ومخياط) .
عند (طقطقة) الاصابع يجب ان يكون ذلك مقرونا بقول (تف تف عليهم) .
ونصيحة لكم يا اطفال لا تلفظون كلمة (حية) ليلا لأننا نعتقد ان مجرد ذكرها يسبب دخولها في البيت وتعرض
العائلة  الى أذاها .
وربات البيت والخياطات لا يفصلون القماش الاسود ليلا دفعا للحزن، وللسبب نفسه لا يستعيرون القدور في الليل ولا يتركون المقص مفتوحا (كي لا تنفك حلوك الدنيا عليهم) .
جميعا نتشاءم من صوت البوم وإذا سمعناه نقول (سجين وملح) لاعتقادنا بأن السكين والملح يبعدان البومة، ونتشاءم من نعيق الغراب وإذا سمعناه نقول (خير، خير) ونتشاءم من اللون الاسود ولكننا نلبس الملابس السوداء شعارا للحزن .
وهناك من البنات من تتناول لفة خبز وبصل قبل النوم في ليلة السبت وتقول (ياسبت ياسبوت راويني بختي كبل ما موت)، فترى حلما في تلك الليلة تقصه صباح اليوم التالي على امها التي تصغي الى وقائع الحلم وهي تردد كلمة (خير، خير) ثم تفسره اذا كان في صالح ابنتها حسب اعتقادها وإذا كان رديئا لا يبشر بخير فأنها تقول: لابنتها (روحي احجيه بالطهارة) حتى يفسد ذلك الحلم .
في العدد القادم تكملة من عادات اهلنا .
المصدر: بغداديات عزيز الحجية

102
من حكايات جدتي .الحكاية السادسة
من دهاء النساء
بدري نوئيل يوسف
يحكى أن رجلا اضاع مفاتيح خزنته الحديدة التي يضع بداخلها نقوده، وكل ما يحتاجه من مستمسكات وأوراق قانونية، ففتش عليها بجد فلم يجدها، واخذ يعالج في فتحها ثلاثة أيام فلا يقدر، تعب كثير وفكر بهدوء، وأخيرا اتصل مع احد اصحابه وصديق العائلة ومقرب عند زوجته، وطلب منه ان يقول لزوجته أن زوجك يعشق غيرك وله عشيقة وفي كل ليلة ترسل له رسالة ويضعها داخل الخزانة. فذهب صديقة وأخبر الزوجة كما طلب منه الزوج، ولم يمضى ساعات حتى وجد الخزينة مفتوحة فقال الرجل ليس بعجب أن تأتي المرأة أفانين الغرائب .
بعد هذه المقدمة في واقع الامر لم نصف المرأة بالدهاء حكاياتنا الشعبية جزء من مخزوننا الثقافي الذي فرض علينا أن نتهم المرأة بالدهاء وتعممت على كل النساء فهي حيلة طبختها امرأة واحدة وحملتها بقية النساء.
تحكي جدتي من أروع وأعجب الحكايات، تقول: يحكي أن رجلاً حلف ألا يتزوج حتى يكتب حيل النساء ومكرهن، فاستعد للسفر، وأخذ ما يحتاج إليه، وسار يطلب البلاد حتى يكتب حيل النساء، فكتب في ذلك مجلدات كثيرة، وانصرف راجعاً إلى بلده وأهله، فبينما هو سائِر وفرحان ببلوغ أُمنيته، وقضاء حاجته، وصل قرية من قُرى المنطقة، وفيها صديق له وهو أمير القرية، وكان الرجل بينه وبين الأمير مُصادقه، فسلم عليه الأمير، واستفسر عن غيبته فأخبره بما قصده، وحصل عليه.! فتعجب الأمير من ذلك، وحلف عليه أن يبيت عنده، وقا : هذه الليلة أنت ضيفي، وأنت الليلة بائتُ عندي كي تُحدثني عن هذه الكتب التي نسختها .
فنزل الرجل عنده، ودخل به الأمير على زوجته، وأمرها بضيافته، وإكرامه. سألته له زوجة الامير: ما هذه الكُتب التي معك ؟فأخبرها وقال: كُتب فيها حيل النساء. فقالت له: وهل كتبت حيل النساء كلها ؟
فقال لها: نعم . فتبسمت عجباً، ثُم ضحِكت طرباً، فلما رآها هكذا، احتوت على قلبه، فقالت له: أنتُم يا أهل المُدن كملتم في كُل فضل وفضيلة بإمكان وإتقان، إلا أنكم مالكم على السِر كُتمان. فقال لها بعد أن اعجب بها: ما معنى كلامكِ ؟ فقالت له: إني مُبينه إليك بسر، فلا أسمعهُ من أحداً غيرُك . فقال لها: وما هو ؟
فقالت : أعلم أني شابه، وأن زوجي هذا رجُل شيخ، فهل لك أن تأتي ليلاً .؟
فقال لها: وقد طار عقله فرحاً وشوقاً: يا أميرة قد شوقت الخواطر، وأتعبت النواظر، فلما كان المساء وجاءها في غرفتها . قالت له: يا أخ، هكذا تدخل بيوت الأمراء، أتُريد الآن أن أصرخ الساعة صرخة تدخُل عليك الحراس، ويجعلون أكبر قطعه فيك قدر شحمة أُذنيك ؟ . فلما سمع كلامها، وعاين فعلها، جف ريقه، وأيقن بالموت .
فقال : يا اميرة ، الجيرة أرجوك . فقالت له: لا أجارك الله، أتزعم أنك كتبت حِيل النساء ومكرهُن ؟ والله لو عشت عُمر نوح، وكان معك مال قارون، وصبرت صبر أيوب، ما حصرت عُشر معشار ما للنساء من المكر والدهاء، ألا يا جاهل تمنى كيف تموت، فما قدر أن ينطُق، وتحقق بالموت، فتضرع إليها وبكى، وقال: يا سيدتي أنا تائب إلى الله
تعالى على يدك، فأطلقيني واجعليني من بعض عُتقائك، فقالت له: لابُد من تلف روحك.
ثُم صرخت صرخة، فأنفتح الباب، فمات الرجل في جلده، وأُغمي عليه وعند ذلك قامت أسرع من البرق ورفسته برجلها فوقع على وجهه بإزاء الطعام مغشياً عليه، فدخل زوجها، وقال لها: ما هذه الصرخة ؟ ما حال ضيفي ؟ فقالت على الفور أتى بالطعام فأكله فغص بلُقمه، فخفت عليه أن يموت، فصرخت ثُم رفسته فوقعت اللقمة، ثُم زالت الغصة وهذه قصتي معه، ثُم رشت الماء على وجهه، ففتح عينه، فاستحى من صاحب المنزل. فأقبلت المرأة على الرجل وهو لا يصدق بالحياة. وقالت له: هل كتبت مثل هذه في كُتبك يا رجل ؟ فقال لها: لا والله إني تائب على يديك، ما بقيت أكتُب شيئاً عن حيل النساء، ثُم قام ورمى جميع الكُتب في البحر وذهب إلى حال سبيله .
اعذريني أيتها المرأة الحسناء أن امنحك وسام الخيانة يا صاحبة الغدر والمكر، وأقول لك تحسنين التمثيل يا حورية البحر، وصديقي الرجل أسمح لي أن اقدم لك تعزيتي فقلبك الطيب جعلك ضحية لدهاء امرأة فقدت الاحاسيس والمشاعر ولم تستوعب الدرس، يا صديقي الرجل اتمنى أن تتعلم من المرأة المكر لكن قلبك لا يسمح  أن تخون ،
هل نضحك على دهاء ومكر المرأة ونبكي على الرجل، انها حكاية شعبية قديمة بقيت من تراث الاجداد لو كان في ذاك الزمان هذه الاجهزة الحديثة وبرامج التواصل الاجتماعي لم نسمع أو نقرأ هذه الحكايات .






103
من حكايات جدتي ....الحكاية الخامسة
الحيلة والمكر عند النساء
بدري نوئيل يوسف
من طرائف الاساطير الهندية القديمة هذه الاسطورة تقول خلق الله مخلوقا قويا سماه الرجل وسأله هل انت راضي ، فأجاب الرجل: كلا . قال الرب: وماذا تريد؟ فأجاب الرجل: اريد مرآة انظر فيها مجدي، وعلبة اضع فيها حلاي، ووسادة اتكئ عليها، وقناعا أختبئ وراءه وأنا تعس، وألعوبة أفرح بها، وتمثالا أملأ عيني بجماله، وفكرة تستفزني، ومنارة أهتدي بها، فخلق الله المرأة .
لم تخلو الحكاية الشعبية عن أهم حيل الرجال مع المرأة وبالعكس رغم انها وسادة يتكئ عليها ومنارة يهتدي بها، وكأنهما يلعبان لعبة القط والفأر، فمرة تخدعه بحيلة وتارة يكذب الرجال على النساء، ومن ثم يقعون من خلال زلة لسان في الجلسة ذاتها، والمعروف بأن المرأة تكره أن يكذب عليها الرجل في الأمور العاطفية، لأن ذلك يجرحها كثيراً، ويتصور بعض الرجال أن المرأة مخلوقة ضعيفة، ولكن الحقيقة أن المرأة تستطيع من خلال نظرة واحدة، اكتشاف ما إذا كان الرجل يحاول ان يخدعها، وهذه الحكاية تحكي دهاء ومكر وحيلة المرأة .
تقول جدتي: في احد الايام اراد رجل يراهن زوجته وهما من سكان البادية الرعاة الرحل الذين يسكنون الخيام ويعيشون على رعي الإبل والماشية ويتنقلون طول السنه من مكان لآخر طلبا للماء والكلأ، قال الرجل لزوجته: ان الحيله للرجال وان المكر للنساء، ازعجت هذه الجمله الزوجه وحملت في صدرها وقالت مع نفسها بسيطة يا زوجي اصبر عليّ  وستعرف من هي المرأة، وكانت تنتظر الفرصة لتثبت لزوجها ذكائها وحيلتها ومكرها، مرت أيام واقترب قافلة البدو من قرب النهر وهم في طريقهم نحو الصحراء حيث قلة الماء، نصبوا الخيام واستراحوا عدة أيام قبل الرحيل، ملئ البدو جرارهم والقِرْب وهو (وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ الماعز يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ) لسد حاجتهم من الماء مدة الاقامة في الصحراء، عند ملئ الزوجه قُرَب الماء ووضعت في داخل احدهم سمكه صغيرة، وبدأت تضع لها الطعام كل يوم، بعد عدة اسابيع  وهم في البادية اخرجت الزوجة السمكة من القربة وقد كبرت ووضعتها في سلة من خوص النخيل الذي يستعملها عرب البادية والسمكة تتقلب داخل السلة ونادت على زوجها وقالت له: زوجي العزيز سأطبخ هذه السمكة اليوم على الغداء، فرح الزوج كثيرا بالسمكة ولم يسأل من اين جاءت السمكة وهما في الصحراء ولا يوجد نهر او واحة ماء، ومن فرحه نسى كل شيء وقالت له زوجته: اذهب وأدعو صديقك المقرب عليك بالخيمة المجاورة لخيمتنا يتناول طعام الغداء معنا فالسمكة كبيرة تكفي وسأطبخ معها طعام اخر، فرح الرجل بفكرة زوجته وأسرع يعزم صديقه ولم يذكر له نوع الاكل لان المتعارف عندهم لا يقال نوع الطعام المطبوخ .
خرج الزوج وأخذ ماشية للرعي مع صديقه الذي دعاه لتناول الغداء معه، قامت الزوجة شوي السمكة وحضرت
طعام أخر مكمل للوجبة وأخفته في مكان في بيت الشعر(الخيمة)، وفي العصر عاد الزوج من الرعي وادخل ماشية في محلها وغسل وجهه ويداه وانتظر صديقة عند باب الخيمة، استقبله بفرح وسرور وجلسا ينتظران الزوجة تقدم لهما الطعام ، مضى مدة والزوجة لم تحضر ولم تقدم شيء يؤكل .
 استأذن الزوج من صديقة ونهض متوجها الى خارج الخيمة يسأل زوجته أين السمكة التي طلبتي مني أن ادعو صديقي لتناول طعام الغداء معنا، صرخت الزوجة بصوت عالي وانفعال حتى يسمع الضيف، قائلة له: عن أي سمكة تتكلم يا زوجي المسكين لقد مضى علينا اكثر من شهر في الصحراء، تعصب الرجل وبدأ يصرخ بعصبية وهستريا قائلا: اين السمكة التي كانت في السلة، أنا رايتها تتحرك وأنتِ طلبتي مني أن ادعو صديقي، واشتدت بينهم المشاجرة والرجل ينفعل ويزداد غصبا وصراخاً كلما كذبته ورفع يده لكي يضربها، تدخل الضيف وفك المشاجرة بينهم سائلا عن السبب، فأجابت الزوجة: وقصت له الحكاية أن زوجها رأى سمكة في السلة تتحرك و يطلب مني أن اقدمها للغداء، ضحك الضيف علية واستهزئ به كيف شاهد سمكة في السلة وهم في الصحراء، وكان الزوج على حق ومقتنع ان شاهد السمكة انفعل الزوج وزاد غضبه بحيث بدأ يصرخ كالمجنون مما التم حوله بعض رجال الخيام القريبة، ولما شاهدوا يهدد زوجته بالضرب ويطلب منها اظهار السمكة وأين اخفتها اقتنع الرجال انه اصابه مس الجنون وهم في الصحراء ومن أين وصلت السمكة الى زوجته، طلبت الزوجة من الرجال ربطه بعمود الخيمة لأنه فقد عقله وهي تخاف منه ان يضربها، قام الرجال بربطه بالعمود وخرجوا من الخيمة يضحكون قائلين مسكين جارنا فقد عقله، ولا يعقل ان يتهم زوجته بأنها قالت له اليوم سيكون الغداء سمك وهم في الصحراء.
بعد ان وصلت الزوجه لغايتها تقربت لزوجها وهمست في اذنه وقالت له: كيف الصحة ابن عمي تريد الرجال كلهم يقولون انت مجنون وتبقى مربوط بعمود الخيمة لو تعترف انتم الرجال غير محتالين، وإذا تعترف سوف اطلب من صديقك الضيف والرجال فك رباطك وترجع الامور على ما هو عليه، وإذا تصر على انكم محتالين تبقى مجنون ومربوط، اقتنع الرجل المسكين واستسلم قائلا لها: انتم معشر النساء لكم الحيله والمكر وللرجال لاشيء .
خرجت الزوجة من الخيمة ونادت على الرجال وطلبت منهم فك رباط زوجها وقصت لهم الحكاية وكيف تراهنت معه وكان يعاندها ان الرجال محتالين اكثر من النساء، وبهذا العمل ارادت تثبت ان الرجال لا يعرفوا فنون المكر والحيلة . ضحك الجميع وقدمت لهم طعام الغداء والسمكة المشوية، بعدها شربوا الشاي وهم فرحانين سعيدين.
نلتقي الاسبوع القادم وحكاية جديدة


104
من حكايات جدتي ..الحكاية الرابعة
ولاية بطيخ :
بدري نوئيل يوسف
كثير من الباحثين يعتقدون ان الحكايات الشعبية محاولة لاستبدال فشل الانسان في تلبية حاجات معينة لم يقدر على تحقيقها، لكن الحكايات الشعبية واضحة في سياقها وتستهدف في طياتها معان في ظل منهج فلسفي تبرز بعبر وفضائل الأخلاق والسلوك الإنساني، وتنقل الاتِّعاظُ والاعتبارُ بما مضَى عبر الزمن للأجيال القادمة، تحمل في ثناياها  افكار ووسائل الرقي بالعقل الانساني، وتعالج قضايا واقعية حقيقية بأسلوب سردي قصصي ممتع بمختلف انواع الحكايات الشعبية منها دينية أو فلسفية أو سياسية أو اجتماعية أو حتى اقتصادية تتخذ اساليب كأسلوب التهكم والسخرية والفكاهة الهادفة لا لمجرد إضحاك المستمع أو القراء أو تدعو للمحبة والسلام بين شعوب الأرض الواحدة وطهارة القلوب بين البشر .
 لا تخلو أية ثقافة من قصص ضرب الامثال لأنها تعبير شعبي، وتتسم الأمثال بسرعة انتشارها وتداولها من جيل إلى جيل، وتعكس مشاعر الشعوب على اختلاف طبقاتها وانتماءاتها، ونجدها تعكس وتصور افكار وعادات وتقاليد ومعتقدات من حياة الشعوب، في دلالة إنسانية شاملة وفي صورة حية تنقل من لغة إلى أخرى عبر الأزمنة والأمكنة، فهي بذلك عصارة حكمة الشعوب وذاكرتها بالإضافة إلى إيجاز نصها وجمال لفظها وكثافة معانيها لأنها من أبرز عناصر الثقافة الشعبية، فهي مرآة لطبيعة الناس ومعتقداتهم، وتعكس المواقف المختلفة، بل تتجاوز ذلك أحياناً لتقدم لهم انموذجاً يُقتدى به في مواقف عديد لتغلغلها في معظم جوانب حياتهم اليوميه.
ونشأت الأمثال الشعبية ليست وليدة الساعة، بل لكل مثل شعبي حكاية تشكل أنموذج عيش، وتماثل مع التجربة التي احاطت بمن ضرب به المثل ،الذي يتداول بشكل واسع من دون معرفة أصوله أو معانيه عن طريق إسناده إلى موقف من المواقف التي قد تتشابه مع معنى هذا المثل و لكن ما هي قصة هذا المثل و ما السر وراء تداوله إلى حد هذا اليوم.
حكاية جدتي هذه الليلة قصة مثل شعبي عراقي، مع التحفظ على مضمون حكاية المثل فالناس تداوله في عهود من الحكم مرت على البلاد (ولاية البطيخ) عبارة تعني الانفلات بأنواعه سياسي، مالي، ثقافي، وظهور شخصيات لم يكن لها رصيد وطني أو شعبي جلست على الكراسي وتعطي التبريرات والقوة للصوص وقطاعي الطرق وتؤسس ثقافة الرشوة ( الخاوة) في نسق خطير، وظاهرة الفساد الاداري متداولة بين لصوص السلطة وتشير الى مستوى اخلاقي متدن في صفوف السلطة أيام زمان .
مثل ولاية البطيخ لهُ حكاية شعبية وهي ان بطيخ اسم لرجل كان شيخ قبيلة في منطقة العزيزية لواء الكوت (واسط حاليا)، كان في أيام العثمانيين يأخذ خاوة (اتاوة) (الرشوة) اي الضربه او الرسوم من كل من يجتاز تلك المناطق التي تعتبر مناطق نفوذه من المارة ولا يحاسبه احد من الدرك العثماني وهذه المنطقة  سماها الناس بعد ذلك بولاية بطيخ، ومشى هذا المثل في أنه دلالة على الفوضى وعدم وجود قانون يحكم البلاد والعباد .
والبطيخ فاكهة لذيذة وهي من الفواكه المحببة والتسمية بطيخ هي قادمة او متعلقة (بالرگي) وليس البطيخ كما نسميه نحن العراقيون اي البطيخ هنا بالمثل يقصد بها (الرگي) .
حكاية المثل الشعبي المعروف ولاية البطيخ ،كان يا ما كان وعلى الله التكلان ، يحكى ان في أيام زمان، أن رجل فقير معدم قصد بلدة للعمل وعندما وصل طرف البلدة وجد مزرعة للبطيخ فرغب أن يبتاع بطيخة سأل صاحب المزرعة عن القيمة فقال له: إن الحمل الواحد بدرهم واحد فقال له: لكني لستُ بحاجة لحمل لأنه يزيد عن حاجتي كثيرا بل أريد بطيخة واحدة آكلها أعطاه بطيخة واحدة ولم يأخذ ثمنها لأنه وجده رجل غريب وفقير معدم وأراد ان يكرمه كعادة الفلاحين بعدما أكل البطيخة شكر الفلاحَ لصنيعه وسار في طريقه الى البلدة .
في اليوم الثاني من وصوله البلدة أراد أن يشتري بطيخة فقصد أحد البقالين ليشتري منه بطيخة وسأله عن سعر البطيخة الواحدة أجابه البائع: إن سعر البطيخة الواحدة درهم واحد تعجب الرجل ودهش من سعر البقال وظنه يمزح معه لأنه فقير ورث الثياب، قصد بقالا ثانيا فتأكد أن سعر البطيخة درهم وسأل الجميع وكان الجواب درهم واحد أخذ يفكر كيف ان الحمل بدرهم وفي البلد البطيخة الواحدة بدرهم ؟ اشتغل مدة أسبوع وأدخر بعض الدراهم وذهب للمزرعة وأشترى حملا من البطيخ ليجلبه للبلدة كي يبيعه بهذا السعر الباهظ ويربح هذا الربح الذي لم يحلم به من قبل ودفعه الطمع ليشتري حملا ثانيا ولم يبق معه سوى أجرة حمار كان قد استأجره وتوجه الى البلدة وهو يحلم بالأرباح والآمال الجسام، ابتعد الفقير عن المزرعة مسافة قصيرة إلا وأعترضه قطاع الطرق الذين لا يرحمون ولم يخلوا سبيله إلا بعد أن اخذوا منه حملا وتركوا له الآخر ولما واصل سيره مسافة قليلة أوقفه جباة الاستهلاك ولما لم يكن يملك مالا ليخلوا سبيله أضطر أن يذعن لإنصاف هؤلاء غير المنصفين فأخذوا منه نصف الحمل الثاني وقبل أن يدخل البلدة لاقى في طريقه جباة الحكومة فأخذوا منه باقي البطيخ ولم يتركوا له غير بطيخة واحدة فتأكد أن بقال البلدة كان منصفا حين طلب منه درهم واحد عن قيمة البطيخة الواحدة .
اضطرب الفقير البائس وفقد رشده وصوابه بعد أن تيقن أن لا رحمة ولا شفقة في هذه المدينة وأن معاملاتها مبنية على الفوضى وأن القوي فيها يأكل الضعيف، حيث لا رادع ولا زاجر ولا قانون فقرر من ساعته أن يكون أجسر منهم فذهب الى المقبرة وأستل الخنجر وجلس في باب المقبرة لا يسمح لأحد ان يدفن موتاه إلا بعد ان يدفع الخاوة وعندما علمت به السلطات وشاع خبره في المدينة ألقت الشرطة القبض عليه وساقته للمحكمة فقص قصته أمام الحاكم من أولها لآخرها فعفا عنه الحاكم وأصبح الناس يتداولون عبارة (ولاية بطيخ)
واليوم الناس يتداولون عبارة (ولاية بطيخ) لأنه يعكس فكرة الواقع الذي نجده صورة جلية مشابه للقصة الشعبية ونرى حكاياتنا التراثية تحاول أن تكون بديلًا يعوض الفساد والتشرد والجوع ووقوف الناس ساكنين بلا حراك أمام ملمات الزمان.
نلتقي الاسبوع القادم في حكاية جديدة




105
من حكايات جدي ...الحكاية الثالثة
بدري نوئيل يوسف
في الشتاء يجتمع الرجال في المضيف أو ديوان شيخ القبيلة، أو في حجرة واسعة طويلة في بيت احد الموسرين تسمى الديوانية، أما في الصيف يجتمعون في الحوش(الفناء) الخارجي لأحد البيوت بعد الاتفاق بين رجال المحلة، ويختارون البيت المناسب حتى يلتفوا حول الحكواتي ليستمعوا للحكاية، وتفرش البسط والسجاد ويضع في الوسط منقلة الفحم وفوقها دالات القهوة، وفي بعش الاحيان يجتمع الرجال في احدى الحارات بعد أن تنظف وترش بالماء كي تبرد، ويجلس الرجال متقابلين ، أما في المدن الكبيرة هناك مقاهِ خاصة لسماع القصص التراثية أو الشعبية، التي يرويها الحكواتي أو الراوي الذي يجلس فوق كرسي اعلى من بقية الكراسي، وإذا جلس الرجال فوق البسط فيكون له مقعد خاص بارتفاع مناسب، والحكواتي شخص امتهن سرد القصص في المنازل والمحال والمقاهي والطرقات، ويحتشد حوله الناس ولا يكتفي بسرد أحداث القصة، ولكنه يتفاعل مع احداث القصة ويشد جمهوره حوله، وما يزيد في الحماسة والتشويق أن الحكواتي كان يقوم بتجسيد شخصيات روايته وكلامهم بتحريك يديه وتغير نبرة صوته أو تضخيمه، في الغالب يصطحب الحكواتي معه كتاب مستعيناً به بشكل دائم مدون فيه الحكايات، غالباً ما يكون سرد الرواية أو الحكاية عن شخصية تاريخية، وفي نهاية كل حكاية لا بد أن ينتصر الخير وتدور جميع الحكايات عن البطولة والشجاعة والشرف والمروءة ونصرة المظلوم الذي يمثله بطل الرواية. 
اذا طالت الحكاية لليالي وأيام، فالحكواتي كان يحرص على أن تنتهي أحداث القصة كل ليلة بموقف متأزم، والبطل في مأزق حتى يحمّس المستمعون ويجعلهم متشوقين لسماع بقية الأحداث، يقال أنه وصل الأمر مرة إلى درجة أن أحد المستمعين لم يستطع أن يصبر إلى اليوم التالي فلحق بالحكواتي إلى بيته ليعرف بقية القصة، والمفارقة في الأمر أن بعض المستمعين كانوا يرفضون الذهاب إلى بيوتهم قبل أن يستمعوا إلى بقية القصة ويطمئنوا إلى أن بطل الحكاية اجتاز محنته، وكيف سيخلص البطل نفسه من المأزق، وأسلوب الحكواتي وطريقة حكايتها يجعل جمهوره في تشوق دائم لمعرفة وقائع القصة أولاً بأول.
 أما أجرة الحكواتي فكان يتقاضاها من صاحب المقهى الذي يتولى تحديد بدل الدخول إلى مقهاه بما في ذلك المشروبات ، فكان الزبون يدفع عشر بارات أي ربع قرش مقابل الاستماع إلى الحكواتي وثمن المشروبات، أو يدفع خمس بارات مقابل أي منهما، ويتواصل عمله على مدار السنة، وأكثر الحكايات كانت قصة عنترة والسيرة الهلالية وألف ليلة وليلة، اما الحكايات الشعبية فكان لها أسلوب اجتماعي هدفه الإصلاح والتقويم والتوجيه في مجال الحياة العامة، نجد في الحكاية النقد اللاذع والسخرية المرة والنادرة، كما نجد فيها العبرة الرادعة والإقناع بحقيقة الواقع الأليم، انتهت مهنة أو حرفة الحكواتي بانتفاء الحاجة إليها  كانت وسيلة تسلية جماعية وفي الوقت نفسه وسيلة تثقيف وترسيخ للقيم والأخلاق التي يتحلى بها أبطال القصص والروايات التي كان يسردها الحكواتي، ونسبة عالية من الحكايات والقصص غير واقعية .
الحكاية ادناه تشمل جوانب البيئة المختلفة في اسلوب التواصل والتعامل بين الآباء والأبناء، وما له علاقة بالنصيحة والتربية وحياة الافراد الواضحة والمستورة، بهذا التفاعل بين الحكاية الشعبية والبيئة أصبحت الحكاية الشعبية وعاء لكثير من احداث التاريخ، وتصويراً شعبياً لهذا التاريخ على صدر الإحساس الشعبي العميق لهذه الوقائع.
الحكاية تقول: حكاية يرددها الكبار امام الصغار وبخاصة الشباب، ليمنعوهم عن الرذائل وفي مقدمتها القمار والزناة وشرب الخمر، فكانوا يرددون حكاية رجل نصح ابنه قبل أن يفارق هذا العالم بقوله: يا ابني وإذا اردت ان تزور بنات الهوى فلا تزورهن إلا في الصباح الباكر، وإذا احببت مقامرة الصهباء فلا تعاقرها وهي ام الكبائر، إلا اذا ترى شيخ السكرين بأم عينك، وإذا اردت لعب القمار فلا تلعب إلا بعد ان ترى رئيس المقامرين، توفى الوالد وحمل الى مثواه الاخير وبعد زمن هز الشوق العارم أبنه احدى بنات الهوى من الغانيات، فتذكر نصيحة والده وذهب اليها في الصباح الباكر، وكان معجبا بها وبجمالها فرآها قبيحة تشمئز النفس منها، لان زينتها وحسنها المجلوبان بالأصباغ يزولان في ذلك الحين، وفعل ذلك مع غيرها وغيرها فلقى نفس النتيجة ذاتها، فعافت نفسه منهن وابتعد عنهن الى الابد، وبعد أيام حن الى القمار فتذكر نصيحة والده، فذهب يفتش عن رئيس المقامرين فدلوه  عليه، فإذا به يقيم في كرخان، فدخل عليه فوجده في حاله يرثى لها، إذ وجده مصفر قد امتصه الجوع ولم يترك فيه ألا جلدا تتقزز منه رؤيته العين، يضم عظامه النخرة كما وجده لا يرتدي إلا ثيابا بالية ممزقة، لو اعترضه في الطريق شخص يبتعد عنه لئلا يلمسه فتتسخ يداه أو ثيابه منه، فارتد اليه عقله وندم على محاولته وترك التفكير في لعب القمار، ثم بعد حين عاوده الشوق الى ابنة العنقود إذ خيل اليه أنها ستنقله الى عالم مجنح بالأحلام الزاهية، فيحيا ساعات في سعادة ومرح وينفض عنه هموم الدنيا، فقصد شيخ السكرين كما نصحه والده، فوجده في حاله يرثى لها من الضعف وانهيار القوى، يسير في الطريق والأطفال يتبعونه بالصراخ ويرمونه بالحجارة، وهو كالأبله لا يعي ولا يفقه شيئا، فلما رأى ما رأى انثنى الى داره وحمد لوالده نصائحه وعاش مستقيما في حياته فأصابه النجاح والفلاح . 
هذه الحكاية الشعبية تعدّ جزءاً لتفاعلات الناس مع ظروف الحياة التي يعيشها الإنسان وإحدى الدعائم المهمة في صقل شخصية الشاب، وتهدف إلى قيمة اخلاقية يتم غرسها في نفوس الأبناء، حتى يعدوا منهم رجالا قادرون على تحمل المسؤولية ومجابهة ظروف الحياة المتغيرة، يعتمد عليهم في بناء الأسرة المستقبلية، ضمن التحديات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
 نلتقي في الاسبوع القادم وحكاية جديدة .


106
من حكاية جدتي .... الحكاية الثانية
بدري نوئيل يوسف
نحن في الزمن الذي أضاع الحكاية الشعبية وتوارى وراء التطور التقني الهائل وظهور الوسائل الإعلامية الحديثة و انتشار الاجهزة  الذكية ولم تعد عبارة (كان يا ما كان) تغري أطفال ولن يتذكروا جداتهم ولحكاياتهن وصوتهن وتجاربهن ومعاناتهن ذلك البريق والسحر، وأصبحت الجدة الحكواتيه مجرد ذكرى ولم يبقى للجدات اطال الله اعمارهن أكثر من عمل بسيط في منزل ابنها أو ابنتها يتمثل عملها في تقشير الباذنجان والكوسة وتنقية حبات العدس او الرز من الشوائب واستبعاد كل دخيل  منه فتهيئه قبل الطبخ لتقدمه إلى أفراد عائلتها نقيا من كل ما يمكن أن يكدر عليهم وجبتهم.
لقد كان للجدة في محيط الأسرة دور هام وحيوي في ذلك الزمن القديم، لم تكن امرأة مسنة مجرد تعد السنوات الباقية من عمرها ولن تكن كما الآن عاجزة مرمية في دور العجزة او تبحث عن ابنها المفقود أو المرمي في السجون
بل كانت ذات تجربة معلمة ومربية ومؤسسة تربوية من خلال الحكايات والأمثال والحكم والأغاني والأهازيج الشعبية التي تقدمها محملة بجمالية السرد وأسلوبها الساحر والمشوق مفعمة بالمخيلة الخصبة وتغرس القيم والأخلاق النبيلة في قلوب الاطفال ومخزونها من تراث الأمة وتاريخها وحضارتها لا يكاد ينضب من المخيلة الجماعية عن اعتقادات  المجتمع وأعرافه وثقافته.
اتذكر تلك الحكاية الساذجة التي سمعتها من جدتي حكاية الخنفساء التي لا تتعدى ظاهرياً خيالات اطفال واذكر ما تعلق بخاطرتي منها لتكون صورة صادقة لمجتمعنا في ذلك الحين .
تقول جدتي: كان يا ما كان على الله التكلان كل من عليه ذنب يقول التوبة واستغفر الله .
كان في الزمن القديم خنفساء عندها بيت صغير، وفي يوم من الايام كانت تكنس وتنظف حوش البيت عثرت على بارة (عملة نقدية قديمة) ولما كنست غرفة النوم عثرت على بارة أخرى وهكذا اصبح لها خمسه بارات من تنظيف جميع مرافق المنزل، ذهبت الخنفساء الى العطار واشترت لها الحمرة وقلم كحل وعادت الى بيتها، بعدما وضعت الخنفساء المساحيق والأصباغ على وجهها وكحلت عيناها وارتدت اجمل ثيابها قعدت على عتبة باب منزلها تعرض نفسها للشباب لعل احدهم يتقدم لخطبتها، وكانت هذه الخنفساء محظوظة فقد تقدم كثير من الشباب لخطبتها، كان أولهم النجار والحداد فالخياط فالبناء ثم التاجر وكلهم حببُ اليها نفسه ومهنته ومناها بأعظم الاماني، فعرض عليها النجار أن يصنع لها الاثاث الجميلة، والحداد أن يصنع لها المصنوعات الحديدية الجميلة، والخياط ان يخيط لها نوادر الحلل والملابس والبناء يبني لها داراً فخمة والصائغ يصوغ لها اجمل الحلى الذهبية الجميلة، والتاجر يجلب لها البضائع النادرة من اقصى البلدان ولكنها رفضتهم جمعيا، ولكنها رفضتهم جمعيا بغضب وتعالِ وكانت تقول لكل واحد منهم (أنا بيضاء ونقية ويزين وجهي لون وردي ساحر فمن أنتَ حتى اتزوجك) وأتذكر اللفظ العامي لهذه العبارة ((وي خنفس خنفس امك والبغلة ترفس امك أنا بيضاء نقية وخدودي قرمزية أنت اشنك دا آخذك)).
وهكذا استمر الحال فمر عليها بياع المعسل ورفضته، ومر القاضي راكب حماره، ورفضته وأخيرا تقدم اليها الجرذ فردته اولا ثم سألته ماذا تعمل فقال لها: أنا كل يوم اقدر ادخل بيت السلطان واسرق الدهن والعسل والجوز والبندق والفستق وأقدم لك كل ساعة ما لذ وطاب من الطعام والشراب، ويظهر أنها كانت شرهة نهمة للأكل، أو يمر البلد بمجاعة في ذلك الحين بهدد كل حي، فوافقت على الزواج منه ولم تمضي مدة طويلة على زواجها دخل الجرذ منزل السلطان و قفز في دن من الدهن فصار وسطه وابتلعه ومات، وفي اليوم التالي دخلت الخادمة لتجلب الدهن ورأت الجرذ غارقا في الدهن فأخذت تصرخ وتنادي سيدة المنزل زوجة السلطان وتجمع الخدم حولها واخذوا دن الدهن ورموه في الشارع، انتظرت الخنفساء عودة الجرذ حتى المساء وأخيرا خرجت تبحث عنه فوجده مرمي في الشارع بالقرب من منزل السلطان، وأخذت تبكي وتلطم على حالها وتردد كيف رفضت الكثيرين وتعلقت بالجرذ، وفي الختام تقول:(جدتي كنا عدكم وجينا لو كان بيتكم قريب كان جبنا لكم حمل زبيب وتقسموه حفنه لكل طفل وتذكر اسماء الاطفال المتلفين حولها) .
اعتقد ترمز هذه الحكاية الى امور كثيرة وفيها دروس وعبر، فهي تبين كيف أن البسطاء يغرهم الدجالون فيوقعوهم في حبائلهم، وكيف أن كثيرين من التافهين اذا وجدوا لهم مظهرا يغطيهم ليجبروا ويكبروا كما فعلت الخنفساء، ولكن غرورها اوقعها في الفخ ،كما تشير هذه الحكاية الى ناحية مهمة وهي ان الطعام اول من يطلبه الانسان والحيوان لان سبيله الوحيد البقاء ولهذا فضلت عرض الجرذ .
كما وأن الخنفساء تمثل الأنوثة التي لها مطالب غريزية في الحكاية، تمثلت في الرغبة الجامحة للزواج والاستقرار مع يقدم لها عرض مثالي تقتنع به وتجسد دور الفتاة التي تتخذ أي قرار دون الرجوع إلى موافقة ومباركة الاهل، ورسالة واضحة للفتيات بعدم القدوم على أي قرارات خاصة، وفي نفس الوقت تعطي نوع من حرية اختيار من تحب و تعشق فيكون اختيار الزوج لا يصاحبه التوفيق، وجاءت لتعكس خلاصة تجارب، وتعطي صورة نابضة حية عن واقع الأمة عبر مراحل تاريخها الطويل، تتجلى فيها حكمة الشعب وعصارة تجاربه وتفاعله في المراحل التاريخية التي عاشها، وتعطي وصفاً لبعض الجوانب من الحياة الإنسانية فتعيد لذاكرة الأبناء صورة من تاريخهم وتراثهم العريق.
نلتقي الاسبوع المقبل والحكاية الثالثة بعون الله.


107
من حكايات جدتي ....الحكاية الاولى
بدري نوئيل يوسف
في الذاكرة تبقى للحكايات الشعبية ذكريات لا تمحى، اتخذت لنفسها موقع الصدارة لأنها مستقرة في الأعماق، تبوأته منذ نعومة أظفارنا حيث يصعب إزاحتها عن المكان الذي اخذته الذاكرة، تلك الحكايات جعلتنا ندخل شيئاً فشيئاً في عالم الخيال، فمنذ أن بدأنا في نطق أولى الكلمات، أو فهم أولى العبارات من الذين يتولون تربيتنا وإعدادنا للحياة المقبلة، أو من المقربين منا فكنا نسقط الخيال على الواقع وعلى البيئة التي فتحنا أعيننا عليها.
الحكاية الشعبية لها راوي بدءاً من الأم أو الجدة أو اي شخص اخر يتطلب منه حنكة ودراية بفن السرد والتشويق بحركات اليدين أو تعابير الوجه، وتارة بتغير نغمة بالصوت، ولا يتوقف الامر على سرد الحكاية فهناك مقدمات وعبارات تمهيدية تقدمها الجدة او الراوي بتقليد اصوات الحيوانات أو الظواهر الطبيعية يستخدم ما نطلق عليه الآن في المسرح والفنون الأخرى اسم المؤثرات الصوتية .
هذه الحكاية حكتها جدتي كحادثة خرافية زمنها الماضي غير المحدد (في قديم الزمان) مكانها من نسج الخيال وشخصياتها بشرية خرافية ويسمح للحيوان والأشياء الاخرى بأن تظهر وتعمل وتشارك الإنسان في الأعمال والنوايا.
وتحمل هذه الحكاية في ثناياها، وعظاً، وتوجيهاً، ومغزى أخلاقيا ترمز الى أن الناس والمخلوقات الاخرى متعلقة بعضها بالبعض الاخر حتى ينتهي المطاف الى الله الخالق.
  كنا نجلس حول منقل الفحم ونسمع ما تروي لنا جدتي (رحمه الله عليها) أو حول مدفئة نفطية (صوبة علاء الدين) ، ولا تشبه ايامنا هذه وكل فرد من أفراد العائلة يعيش بعالم منعزل يمارس فيه حياته كما يشاء ويعيش داخل عالمه الخاص، الابناء منشغلون بأجهزة الهاتف الذكية أو متابعة المباريات الرياضية، والأطفال الصغار بألعاب اجهزة اي باد، والبنت منشغلة بالحديث مع صديقاتها، والأب يتابع صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما يراجع اعماله، والأم تتابع المسلسلات او منهمكة في مناقشات حول قضايا تربية الأبناء على مدونتها أو صفحتها الفيسبوك.
ولكن أيام زمان عندما كانت العائلة خالية البال لا يَشْغلها شاغل، مطمئنة القلب لا يوجد تلفزيون ولا فضائيات ولا اجهزة ذكية، كنا نسمع الحكاية ونناقش مغزاها ولماذا حكيت، ترد في خاطري قصة ذلك الرجل المجنون وكيف أنه بدل شيئا بشيء حتى انتهى الامر به  اخيرا الى الهلاك .
تقول جدتي : كان يا ما كان وعلى الله التكلان (أي الاتكال)، هذا ما كانت تقوله جدتي عند البدء بحكايتها ونحن ملتفين حولها ونسمعها بشغف تحكي حكايتها الرائعة ثم تضيف وتقول كل من عنده ذنب يقول التوبة واستغفر الله، في احد الايام اشترى رجل مجنون ديكا وسار به متبخترا فطار الديك وتبعه فإذا به يدخل في حزمة شوك ويختنق ويموت فوقف امام صاحب الشوك قائلا: اما الديك أو الشوك فخاف منه الرجل وأعطاه الشوك فسار الرجل يحمل الشوك قرب تنور خباز فطارت شرارة من التنور احرقت حزمة الشوك فتقدم الرجل المجنون من صاحب التنور وهو يقول له: أما التنور أو حزمة الشوك ففزع الرجل من غضب المجنون وأعطاه التنور لكي يخلص من شره، حمل الرجل التنور ومشى مسافة وبعد مدة من الزمن تعب الرجل وضع التنور على الارض وصادف مرور قطيع من الابقار
فهاجت احدى البقرات وجرت مسرعة باتجاه التنور واخذ نطحى قوية بقرونها وانكسر التنور فصرخ في وجه الراعي الذي اخذ يرتجف من خوفه رعبا من تصرفه وقال له: اما التنور أو البقرة فأعطاه البقرة وهو يرعد من الخوف ومن تصرف الرجل المجنون وقاد قطيع البقر بعيدا عن المجنون مسرعا لئلا يطلب منه اكثر أو يصيبه بأذى .
أخذ المجنون البقرة وسار حتى شارف ضواحي احدى القرى، وإذا بحفلة عرس فخمة اتقرب من المدعوين واندس بينهم مع بقرته ورافق دخول شخصان احدهما  يضرب على الطبل والثاني على المزمار صاحبهما تصفيق وصياح عالي فأصاب البقرة فزع شديد وأخذت تجري مسرعة على غير هدى، وصادف اثناء جريها حفرة بعيدة الغور سقطت فيها وتكسرت عظامها وأخذت تلفظ انفاسها الاخيرة، عاد المجنون الى العروس وجرها من يدها وهو يصرخ اما البقرة أو العروس ولم يجازف احد التعرض له خوفا منه وسار أمامه وهي تتبعه خائفة حتى داهمهما الظلام، فرأى من بعيد كوخ فقصده وطلب من اهله المبيت فيه فأحسنوا ضيافته ورقد المجنون مع العروس وكانت فوقهما شمعة كبيرة تنير الغرفة وفي اثناء نومها تحرك احدهما ودفع الشمعة فسقطت على العروس فاحترقت وماتت، وهنا صاح المجنون اما العروس او الشمعة، فأعطاه المضيف الشمعة كما أراد فأخذها وانصرف حاملا إياها والليل لا يزال ضاربا اطنابه وبينما هو يسير في الطريق مر ببئر فظهر ظله والشمعة بيده فظن ذلك رجلا جاء يتحداه ويتعرض له فهجم عليه وسقط في البئر وغرق فيه هو وشمعته معه ونجا الناس من شره .
هذه الحكاية الخرافية تقدم التسلية والإفادة للأطفال ويؤثر الخيال الشعبي تأثيراً كبيراً في صياغتها، و تميزت من بأن أبطالها هم من البشر والحيوانات والجماد واعتمدت على رسم قوي لشخصية الرجل المجنون والوضوح والاكتفاء بالضروري من الكلام وحرصت على كسب ثقة المستمع لان احداث الحكاية لن تخرج على حدود اللامعقول والمستحيل .
نلتقي الاسبوع المقبل والحكاية الثانية بعون الله



108
المنبر الحر / قصة الباذنجان
« في: 20:52 02/03/2016  »
قصة الباذنجان
بدري نوئيل يوسف
للباذنجان فوائد ومنافع ومصائب وهو نديم السلطان ولكنه في مرات منافق ، تغزل العراقيون بمُعَلقة الباذنجان ايام الحصار الاقتصادي ، وكتب امير الشعراء أحمد شوقي قصيدة نديم الباذنجان، ورؤية الباذنجان في المنام يدل على علامة السعادة، ويعرف الباذنجان أنه نبات عشبي حولى من الفصيلة الباذنجانية ، نوع من أنواع الخضروات الموسمية الشائعة يستخدم في الكثير من الطبخات الطيبّة ، وله طعم لذيذ وطيب. اطلق الاوروبيون على الباذنجان عدة اسماء غريبة عندما تعرفوا عليه في القرن الثامن للميلاد، مثل (التفاحة المجنونة) و ( نبتة البيضة)، و استخدموا اسمه اللاتيني الذي يعني (البيضة الفاسدة) لسنوات طويلة . أطلق الاميركيون وسكان المستعمرات في نيوزيلندا واستراليا في القرن الثامن عشر على الباذنجان اسم (ايك بلانت) أي (بيضة الارض) لأنه يشبه البيض شكلا وحجما، استلهم الانجليز اسم (وبرجين) واستخدمه الفرنسيون ايضا و يعود اصل الاسم الى الاسبانية ، وفي سريلانكا والهند اسمه (برينجال) الاسم المستخدم حاليا ويطلق عليها الناس ايضا اسم (مالونجين) في جزيرة الكاريبي، واسمه باللغة السنسكريتية (فاتين جانا)، وبعد انتقاله الى ايران اصبح (بادنجان)، وبعد ان استوحاه العرب اصبح (الباذنجان).
والبَاذِنْجَان هي التسمية الأكثر شيوعا للنبات ، بحسب أدي شير فإن الاسم أصله سرياني وكذلك يسمى (الأسود العجمي)، أما موطن نبات الباذنجان الاصلي فهو من الهند ثم أنتشر إلى أمريكا وثم إلى دول أوروبا ثم إلى أسيا وأفريقيا ، يتميز الباذنجان عن غيره من الخضروات بأشكاله وأحجامه وألوانه وكذلك استخداماته المتنوعة، ولا يؤكل نبات الباذنجان نيئ بل بعد الطهي لان طعمه مر قبل الطبخ، وأنواع الباذنجان حول العالم منها، الباذنجان الهندي يتميز بمذاق حلو وثمرته صغيرة الحجم ومستديرة ناعمة الملمس ولونه أحمر ولا يحتاج إلى تقشير وهو يشبه ثمار الباذنجان الرومي في مصر، والباذنجان الصيني لونه من البنفسجي إلى الأرجواني وطعمه أفضل وجلده لين لذلك فهو نادرا ما يتم تقشيره و الباذنجان الأمريكي يتميز بكبر حجم ثمرته ولونه بنفسجي داكن وله شكل كمثري والباذنجان الإيطالي وهو مشابه للأمريكي وإن كان أصغر حجما منه والباذنجان الياباني يمتاز بشكل أسطواني وتتنوع ألونه بين الفاتح والداكن إلى الأسود وجلده رقيق وطعمه لذيذ والتايلاندي يتميز في لونه الأخضر وهو أكثر مرارة أيضا من الأنواع الأخرى لذلك يجب إزالة البذور قبل تناوله ويتميز بشكل مستدير والباذنجان الأبيض يتميز هذا بلونه الابيض وثماره صغيرة الحجم رفيعة وينتشر في مصر .
كتب الكاتب السورى «فاروق مردم بك» بكتابه مطبخ زرياب عن الباذنجان (كثيراً ما أهان عظماءُ هذا العالم الباذنجان بسخريتهم اللاذعة ويبدو لى أنّ السبب الأول فى تحاملهم عليه هو شعورهم الطبقي لأن هذه الثمرة السوداء لطالما كان لها شعبية بين الفقراء).
فالرازى فى كتاب (منافع الأغذية ودفع مضارها) يزعم أن الباذنجان (رديء للعين والرأس ويولد دماً أسود) والإكثار منه يسبب التهاب العينين والبواسير، إلا أنه أشار إلى بعض منافعه ومنها أنه يناسب أصحاب المعدة الضعيفة.
وبعض العلماء اتهموا الباذنجان بالتسبب بالجنون. وهكذا أصبح الباذنجان فى نظر أدعياء العلم أكثر الثمار ضرراً،
وبعضهم ذهب إلى القول إن أصل كلمة باذنجان « باض الجان » وقد رافقت هذه السمعة السيئة الباذنجان فى رحلته
إلى أوروبا ومنعته إنجلترا فى القرن السادس عشر.
وسوء الطالع لاحق الباذنجان قديما فى تركيا عندما تحمل الباذنجان مسؤولية الحرائق الخمسمائة التى شبت فى إسطنبول فى العصر العثماني والسبب أن جميع سكان المدينة فى فصل الباذنجان كانوا يشعلون النار أمام منازلهم لشوي الباذنجان دون الاكتراث للريح القوية التي تعرف حتى يومنا هذا باسم ريح الباذنجان، ففي ذلك الزمان لم يكن لاسطنبول فرقة للإطفاء، بل كان كل ما لديها أفراد يحملون على ظهورهم مضخات الماء، ويهرعون عدْواً الى موقع الحريق، وكل منهم يجاهد ليصل الى موقع الحريق قبل غيره .
وقديماً كان المصريون القدامى يعتقدون الباذنجان من النباتات التي تسبب الصرع والجنون ، وعرفه الفرنسيون في عام 1760 ميلادي ولم يأكلوه إلا في عام 1795 ، بل كانوا يستخدمونه للزينّة.
في العراق اشتهر الباذنجان اثناء فترة الحصار الاقتصادي ، وسمّي الباذنجان بوحش الطاوه (اي المقلاة) لأنه كان رخيص الثمن ويحتوي على مواد غذائية مفيدة فكثر استعماله كوجبة غذائية في تلك الفترة الاقتصادية الصعبة والقصيدة تعتبر على سبيل المزاح أحدى المعلقات الشهيرة (قصيدة عراقية لعشاق الباذنجان) .
أسود سواد الليل والزلف أخضر ...جسمك جلد روغان والريحه عنبر
بالمحشي والتركيب بالمرگه شفناك ... تموت كل الناس من بعد فرقاك
يروح السمك والبيض واللحم فدوه ... لعيونك يابو الشدات بس إنت قدوه
بالدهن لوحطوك نشفته كله ... صعد الدهن ياناس ربالي عله
أسود بعين الناس وبعيني بني... واحد من أهل البيت حسبتك إبني
هم طرشي هم تگلاه هم شيخ محشي... مثل الذهب ياناس بالعلوه يمشي
لو غبت ساعه ياناس المعده قالت ... جيبولي بيذنجان الفرگه طالت
غلطان أنا ظنيت بالشتاء أنساك ... أسمك نبت بالعين والطاوه وياك
لو صعد الدولار هم أنت أجود ... حسبالك الباذنجان الذهب الأسود
شگد حاول العدوان يفرض حصاره ... مايدري وحش الليل سواله جاره
يالدزك الرحمن للناس رحمه ... أتخيلك باليل بالطاوه لحمه
كافي بعد ياناس ماأگدر أحجي ...  لو شفت الباذنجان الليله أبجي
تغمرنني سعادة لا توصف وفرحة عارمة عندما يكون شراء الباذنجان مطلبا عائليا لتحضير صينية الباذنجان بالفرن، وتربطني معه علاقة ودية من باب الشفقة بالباذنجان وأكون اول المدافعين عن الخرافات المتهم بها، التي تقول انه يسبب ارتفاع درجات الحرارة والصرع وإطلاق مواصفات شيطانية سيئة عليه لتخويف الناس من استخدامه، وأعداء الباذنجان لو عرفوا ان له وصفات عديدة وفوائده كثيرة فأنهم سيؤسسون احزابا للدفاع عنه كما تقول الدكتورة المصرية امال رخا خبيرة علم الاغذية: فالباذنجان يزيد الشهوة الجنسية لدى الرجال والنساء وتناوله بصفة مستمرة في الوجبات الرئيسية يقضي على البرود والضعف الجنسي، ونظرا لفوائده العظيمة في هذا الشأن أطلق عليه اسم (فاكهة الحب)، وأن الألياف الموجودة في هذا النبات تعمل على تحفيز مراكز الإثارة في المخ وبالتالى يتهيأ
الرجل أو المرأة لممارسة العلاقة الزوجية، وحتى تتحقق الفائدة كاملة يرى العلماء تناوله مسلوقا أو متبلا، ولا يفضل
قليه في الزيت لأنه يفقد الكثير من فوائده المؤججة للعواطف، ولتحقيق أقصى استفادة أكله مسلوقا ومضافا إليه الملح والليمون).
مكانة الباذنجان كانت عالية جداً عند العرب ويكفي معرفة أنه يستخدم من المحيط إلى الخليج، ففي بلاد الشام يقال للباذنجان أنه يقيم في (بيت أبيه) وأول ما يخطر في البال المكدوس، والبابا غنوج، والإمام بايلدي، والمصقعة، والمقلوبة وفي المغرب يعد طاجن المغرب الأقصى من اطيب الاكلات، وينصح المتذوق بتذوق مربى الباذنجان الذي يطهى على مرحلتين أولاً في الماء المغلي، وثانياً في قطر السكر بعد أن يغرس في كل باذنجانة مسمار من القرنفل.
يستخدم الباذنجان من اليابان الى اسبانيا بكثرة ك(يخنة) أي يطبخ ببطء على نار هادئة ويلجأ الكثير من الآسيويين الى شواء الباذنجان للتخلص من قشرته لتحضير طبق (البابا غنوج) (متبل الباذنجان) اللبناني، حيث يخلط الباذنجان مع الليمون والطحينة ليشكل اشهر الاطباق.
وأكلة المقلوبة مشهورة في دول عربية كثيرة منذ زمن بعيد، حيث أنها كانت تسمى (الباذنجانية) نسبة إلى الباذنجان ، وهو المكون الأساسي فيها ، إلى أن جاء يوم فتح مدينة القدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي ودخوله وجنوده المدينة المقدسة، واحتفالاً بهذا النصر والفتح قام أهل مدينة القدس بتقديم الطعام إلى صلاح الدين وجنوده كعادة المسلمين في هذه المناسبات، وعندما أكل صلاح الدين من أكلة (الباذنجانية) أعجبته كثيراً فسأل عن اسم هذه الأكلة واصفاً إياها ب(الأكلة المقلوبة)، حيث كان من العادة أن تقلب في أواني التقديم (الصواني) أمام الضيف، فقيل له أنها تسمى الباذنجانية، ومن هنا جاء تسميتها (المقلوبة) كما أطلقه عليها القائد صلاح الدين الأيوبي.
كتب حسين علي الجبوري  موضوع طريف عن (ايام الباذنجان) ، قال فيه انه (خير عند عامة الناس وشر عند بعضهم) ويوضح (اما انها خير فلأن ثمرته في فصل كثرتها ترخص فيأكلها الفقراء والمتجملون والضعفاء بطرقهم البسيطة قليا او سلقا او شيا في التنور ولا يزيدون عليه شيئا سوى الملح والثوم والزيت وتسمى مرقتهم هذه (المسقعة)وقد يضيفون اليه اللبن الرائب ان وجد فتسمى حينئذ (البورانية)، اما انه شر على بعض الناس فلأن هذا البعض كانت تصيبه (السوداء) عند اكله، والسوداء مرض شبيه بالجنون يطلق عليه اسم (المالنخوليا) وكان الاطباء العرب يرون ان اكل الباذنجان والإكثار منه يورث مرض السوداء .
في قصيدة أمير الشعراء كان الباذنجان دليل النفاق،  عندما جاع الامير فقدم له طباخه كثير من الباذنجان فأكل منه كثيرا، وأعلن إعجابه فسارع طباخه بمدحه ، وفى اليوم التالى قدم للأمير الباذنجان فلم يعجبه، وسارع  طباخه بذم الباذنجان وهجائه . والعبرة أنه في أيامنا تجد أكثرية الناس يتبعون مبدأ المصلحة الخاصة وليس العامة، وتراهم بين ليلة وضحاها ينقلبون في مبادئهم وأرائهم تبعاً لمصالحهم الخاصة.
 يحكى أنّ الأمير بشير الشهابي كان لديه طبّاخ ماهر ذكيّ وخفيف الظلّ اسمه سرور، وكان الأمير يحبّ حديث سرور، كما كان يتلذّذ بطعم مأكله، في أحد الأيّام قدّم له الطبّاخ وجبة من الباذنجان، فاستدعاه الأمير وقال له: ما ألذّ طعم الباذنجان ! فقال الطبّاخ سرور:سيّدي، الباذنجان من أشهى المآكل: إن أكلته مقليّا بقي طعمه على لسانك طول النهار وإن أكلته محشيّا كان شيخ المحاشي، وإن أكلته مكبوسا فهو أشهى الكبيس.
انفتحت شهيّة الأمير، فبالغ في التهام الباذنجان حتّى أصابه انتفاخاً، فاستدعى طبّاخه وقال له: ما هذا الباذنجان المنحوس؟ لقد سبّب لي انتفاخا في بطني !
فأجابه الطبّاخ سرور: الباذنجان طعام رديء، إن أكلته مقليّا سبّب لك تضخّما في المصران، وإن أكلته محشيّا سبّب لك أحلاما مزعجة، وإن أكلته مكبوسا سبّب لك الغثيان، وإن أكليه متبّلا سبّب لك انتفاخا في البطن.
فصاح به الأمير: ويحك ! قبل قليل كان الباذنجان ألذّ وأفضل المآكل، والآن تذمّه وتجعل فيه كلّ العلل
فأجابه الطبّاخ: العفو سيّدي. أنا خادم سعادتكم وليس خادم الباذنجان.
وأظرف أشعار أمير الشعراء احمد شوقي قصيدة جميلة عنوانها « نديم الباذنجان» قيل عنها أن الشاعر قالها يصور شخص حقيقي في قصور الملك .
كان لسلطان نديم واف يعيد ما قال بلا اختلاف .... وقد يزيد في الثنا عليه إذا رأى شيئاً حلا لديه
وكان مولاه يرى، ويعلم ويسمع التمليق، لكن يكتم ....  فجلسا يوماً على الخوان وجيء في الأكل بباذنجان
فأكل السلطان منه ما أكل وقال: هذا في المذاق كالعسل .... قال النديم: صدق السلطان لا يستوي شهد وباذنجان
هذا الذي غنى به الرئيس وقال فيه الشعر جالينوس ....  يذهب ألف علة وعله ويبرد الصدر، ويشفي الغله
قال: ولكن عنده مراره وما حمدت مرة آثاره ....  قال: نعم، مر، وهذا عيبه مذ كنت يا مولاي لا أحبه
هذا الذي مات به بقراط وسم في الكأس به سقراط ....  فالتفت السلطان فيما حوله وقال: كيف تجدون قوله؟
قال النديم: يا مليك الناس عذراً فما في فعلتي من باس .... جعلت كي أنادم السلطانا ولم أنادم قط باذنجانا
الى الجزء الثالث من قصة الباذنجان والوليمة وأصناف الاطباق منه التي اوحت الى الشاعر حافظ جميل ينظم قصيدته الرائعة الباذنجان.
من طرائف ونوادر العرب قصص كثيرة تزيد النفس انبساطا وتشرح القلب وتزيل الكآبة وهي لا تخلو من حكمة رصينة أطرح بين أيدي القراء الكرام بعضا منها، جحا وحكايته مع الباذنجان .
كان جحا يحب الباذنجان فاشترى منه فأراد البائع أن يضحك من جحا فبعث أخيه ليسرق منه الباذنجان فلما عاد جحا الى بيته وضع الباذنجان في مخزن مظلم .
سألت زوجته:اين الباذنجان يا جحا ؟ قال جحا: وضعته في مخزن البيت .
قالت الزوجة:إن المخزن مظلم فأذهب أنتَ وآتِ لي ببعض منه.
دخل جحا المخزن وتصادف في ذلك الوقت وجود اللص مختبئ بداخله، وأقبلَ ليتناول الباذنجان مسكت يده اللص، فأمسك به وجره للخارج وسأله:من انت ؟
قال اللص: انا الباذنجان فتعجب جحا وذهب الى زوجته وقال لها:انظري الى غش البائعين .
قالت الزوجة في دهشة:ماذا تقصد يا جحا ؟
قال جحا:لا أعرف كيف وزن البائع هذا الرجل مقابل الباذنجان.
سألت زوجته:وكيف أتيت به الى هنا ؟
قال جحا: كنت أقول في الطريق:يا ترى ما الشيء الثقيل في خرج الحمار ؟ لابد ان اعيد الى بائعه .
أخد جحا اللص وذهب به الى بائع الباذنجان وقال له:ألا تخشى الله ؟ كيف تبيع لي هذا الرجل على أنه باذنجان؟
قال البائع وهو يسحب أخاه نحوه في صوت خافت: ماذا يجري؟ قال أخيه اللص:لقد اكتشف جحا مكاني فقلت له أنا الباذنجان، ثم صاح البائع بصوت عال قائلا لأخيه:ألم اقول لك اجلس مع اللفت ثم اعتذر البائع لجحا وأعطى له باذنجانة بدلا من اللص، صرخ جحا في وجه البائع مطالبا ان يزن الرجل ويأخذ وزنه باذنجان هكذا يكون الحق فتجمع المارة حوله ليروا ما يحدث، أجبر البائع بوزن أخيه اللص وهو يخفي غيظه ثم أعطى جحا وزنه باذنجان فأخذها جحا في سرور .
وهذه الطرفة وقعت بين صديقين.
رجل يسأل صديقه اللبناني: اش تسوي زوجتك بالباذنجان ؟
قال اللباني: تئبرني حبيبة ألبي، مره بتعمل متبل، ومره محشي، ومره بابا غنوج، ومره مسأعه أو فتوش، وأنتَ مرتك شو بتعملك فيه ؟
قال الرجل: هالبقره كرهتني الباذنجان لأنها تبطحه فوق الرز كنه كنادر.
أما أصحاب الكرود المحيطة ببغداد والذين اطلق عليهم  كناية أبو بيتنجانه (باذنجانه)وهم من زارعي البقول والخضر . وتطلق هذه الكناية على روح الاستهانة بزارعي المخضرات والبقول، وهي نتيجة رواسب عميقة في نفوس البغداديين، ترجع إلى الأيام التي كان فيها أجدادهم من البدو الرحل الذين يرون انهم أعلى مقاما ممن يحترف الزراعة والتجارة ولما تحضر قسم من هؤلاء البدو امتهنوا زرع الحبوب من الحنطة والشعير، ولكنهم ظلوا ينظرون بعين الاستهانة إلى زارعي الخضر والبقول، يسخرون منهم بأنهم من زارعي الطماطة .
وبمناسبة اصدار الاستاذ خالد الدرة مجلته (الوادي) التي كسبت شهرة فائقة في الاوساط الادبية والصحفية، اقام احد اصدقائه وليمة فاخرة حفلت بأصناف الاكلات البغدادية كان الباذنجان في مقدمتها، وقد تجلى ذوق صاحب الدعوة مبالغة منه في تكريم الاستاذ الدرة ان يقدم عدة انواع من طبخات الباذنجان لمعرفته بان الاستاذ الدرة مولع بهذه الاصناف من اكلات الباذنجان، وقد دعي الى هذه الوليمة الباذنجانية عدد من الادباء والشعراء وأرباب القلم يتقدم الحضور الشاعر حافظ جميل الذي اعجب كثيرا بهذه الوليمة وبذوق صاحب الدعوة وأوحت الوليمة وأصناف الاطباق من الباذنجان الى الشاعر حافظ جميل ينظم قصيدته الرائعة الباذنجان المنشورة في ديوانه (نبض الوجدان) الصادر ببغداد عام 1957 ضمنها اوصافه للباذنجان وأنواع الاكلات التي تعمل منه ، وفي احد ابياتها انذار الى خالد الدرة من عاقبة ولعه بأكل الباذنجان.
حدق كأحسن ما ترى العينان  ... من قال انك غير باذنجان
احدى سليل اقنة لم يالفوا ... إلا حياة الورد والبستان
واستقبلوا حر الصيف وشمسه ... بحرار كل مظلل فينان
حتى اذا اشتد الحرور وخانهم ... برد الظلال ونسمة العذران
هجروا مراجعهم وعبر رصيفهم ... شهر وعبر كهامهم شهران
عقدوا الذوائب في الجياد وترجوا ... هاماتهم بغدائر الريحان
سود غزوا صيفا بخضر عمائم ... وترى الرماح ركزن في التيجان
ما شأنهم لون السواد وياسهم ... يزري بيأس كواسر العقبان
دسور بذور الشرطي ضلوعهم ... وتسربلوا بمدارع الرميان
من مثل عنترة الملاحم بفارس ... او مثل طارق قاهر الاسبان
او مثل كافور اذا لاحيته ... ونبشت منه كوامن الاضغان
يا خاذل العقلاء في افهامهم ... لاباء عقلي منك بخذلان
لو لم تكن للعقل اول مذهب ... مارشح الفضلي للأعيان
اني لأخشى يا ابن درة ان ترى بعد الوقار نزيل مارستان .
جرت عادة البغداديين انهم اذا ارادوا التعريض بشخص مهووس اذا تكلم بكلام غير معقول او يقوم بتصريفات شاذة خارجة عن المألوف فأنهم يشيرون الى هذا الشخص بعبارة (اتركوه هذا وقت بيتنجان) كناية على انه يتعرض لمقدمات الجنون بسبب موسم (وقت) الباذنجان وهو فصل الصيف الحار الملتهب الذي يؤثر على الاعصاب والانفعالات عند ما يأكل الباذنجان بكثرة.
للعلم أن الحدق والكهكم اسم لنوع من الباذنجان برى ، وثمره يكون أخضر ثم أصفر ، وتدره على قدر الجوز ، وشكله شكل الباذنجان ، وسماه بعضهم شوك العقرب
المصدر : ملاحق جريدة المدى اليومية » الأخبار » الملاحق » ذاكرة عراقية خالد الدرة  / سالم الالوسي .


109
رفقاً بنا أيتها الفضائيات
بدري نوئيل يوسف
تزايد عدد القنوات الفضائية في العراق، فمنها مملوكة ‏للقطاع الخاص والأخرى لجهات حزبية او مملوكة للدولة ، ولتوفير غطاء ‏قوي للبث الحي والمباشر لجميع المدن والقرى يتطلب تعدد الأقمار الفضائية ومحطات ارضية وإيجار اقمار وتكاليفها عالية جدا.
اصبح العراق وسط ثورة إعلامية ‏هائلة ، من خلال انتشار تكنولوجيا الإعلام ‏الفضائي الحديث ، بالإضافة للانتشار السريع المتمثل من شبكة الإنترنت وتطور وسائل ‏الاتصالات التي حولت العالم إلى قرية كونية صغيرة مرتبطة بالأقمار ‏الصناعية عبر شبكة اتصالات واحدة ، كل هذا له تأثير في التواصل بين شعوب دول ‏العالم، فقد ازادت المنافسة بين القنوات الفضائية العراقية على ‏استقطاب المشاهدين بمختلف اعمارهم ، ونمت قوة الاعلام الفضائي من خلال ما تبثه من برامج علمية واجتماعية وترفيهية ‏وأيديولوجيات متعددة موجهة إلى المجتمع .
ليس على الصعيد الاعلامي أصبحت القنوات الفضائية ذو أهميه بالغة الأثر وإنما في مفاصل كثيرة فمنها السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية ‏، وتحولت إلى أداة للتأثير مستهدفه جميع شرائح المجتمع وأطيافه دون استثناء،
فهي تعمل بطريقه أو ‏بأخرى في التأثير بشرائح المجتمع وتغيير شخصياتهم ‏وسلوكهم الاجتماعي وحتى مظهرهم الخارجي ومستواهم الدراسي ‏للدارسين في كل مراحل التعليم وتوافقهم الأسري الاجتماعي وخاصة على جيل الشباب سلبا أو إيجابا.
كما يوجد نسبة عالية من شرائح المجتمع يتابعون ويشاهدون القنوات ‏الفضائية بشكل منتظم ببث الأفلام الواقعية والوثائقية ‏والبرامج التي تحاكي حياة المجتمعات بكافة طبقاته وشرائحه فقد كان ثمرتها في تقبل المجتمعات لما يبث ويعرض، فعدد الساعات التي يقضيها المشاهد في ‏متابعة القنوات الفضائية طويلة جدا، دون إجازة أو راحة واستراحة مع حالة نفسية جيدة للمتلقي مع رغبة ممتعة ‏للمشاهدة فضلا عن الاستعداد لتقبل ما يعرض ويبث من البرامج والتمثيليات وحوارات التي بلغت الذروة في الإخراج والتقديم ، واستخدام ‏التقنية مع التشويق والإغراء ، وحسن العرض مما يجعل المشاهد أسيرا لها بسبب قوة ‏تأثيرها ، فضلا عن طول مدة البث يوميا، واستمراره جميع ‏أيام الأسبوع دون عطلة ، وهذه البيئة الممتعة لا تتوفر على سبيل المثال في المدرسة والجامعة ، ومهما كانت حالة الطالب من الارتياح لأستاذه ومواد دروسه التعليمية ، فأنها لا ‏تصل إلى حالة مشاهدة فيلما مثيرا، أو حلقة من حلقات المصارعة، أو مباراة من مباريات ‏كرة القدم وبالأخص تفاعلهم مع الحوارات الغير منضبطة اي التي تكون لقاءات مع شخصيات سياسية ، أو شخصيات عشوائية تنتخب من الجماهير لإدلاء برأي ، فالآثار التي تصنعها القنوات على سلوك نسبة عالية من المجتمع تستمد جزء من خبرات وثقافة المتحدثين ، والمشكلة الكبرى أن هذه الشريحة المشاهدة والمستمعة بسبب ‏خبرتهم الواقعية المحدودة تتقبل ما يعرض ، فكلما قلت الخبرة فهم يعتقدون أن ما تعرضه القنوات الفضائية حقيقة ‏واقعة ويصعب على المشاهد الفصل بين ‏الواقع الحقيقي والخيال .
من يتابع القنوات الفضائية ويسمع ويشاهد بعض المغردين او المصرحين في لقاءاتهم الحوارية كأنهم نسوا أو يتناسون لأسباب تعود لهم ولا يتذكرون عندما تكون المواطنة الانتماء الى موقع جغرافي واجتماعي بأهداف وثقافة مشتركة ونظام سياسي واحد والتي ابعادها الوعي بالقيم الاصيلة للمجتمع العراقي وبتاريخ العراق وبجغرافية المنطقة وخصائصها، والمعرفة بالمؤسسات والشخصيات الوطنية الفاعلة في الدولة .أو محاور إساءة استخدام السلطة العامة لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب له ، ويقدم نفسه حمل وديع لطيف وحنون على المجتمع ويتحدث عن اخطاء الاخرين . 
هذه اللقاءات الجماهيرية الاعتباطية الغير منضبطة بالحوار على سبيل المثال والتي يطلب المراسل تقديم رأي
لحدث ما فيبدأ المتحدثون الكلام بحماس وجرأة يصرحون ويحللون ويتهمون ويستفسرون ويسألون اسئلة ثم يجيبون عليها كما يشاءون ، لا علم لهم بخلفية السؤال الذي سأله المراسل وما يحيط به من الأمور السياسية ، هذه التصريحات زوبعة في سياسة العراق فهي الوسيلة الأقوى في التأثير على المجتمعات ‏الإنسانية لما تملكه الصورة من الإثارة وبفضل قوة تأثيرها وقدرتها على التواصل والحوار والإقناع المباشر ‏وغير المباشر غيرت هذه القنوات في الأفكار والسلوك ‏والقيم الاجتماعية ، فمن هذه اللقاءات والحوارات من يطعن وينتقد سياسي قضى عمره في النضال ويطلب اقصائه أو ينهي مهمته السياسية ، والأخر ينتقد الصحة والأطباء والصيادلة ويتهمهم بالسارق ولكنه لا يتذكر ان سعر نفر كباب بكذا مبلغ ، ومتحدث اخر يدلي بدلوه بأن هناك تجار داخل الاسواق تبيع البضائع دون علم الرقابة وهو واحد من يبيع على عربته المواد الفاسدة ، ومنهم من يريد مكاشفة حسابات تصدير النفط ويتهم المسئولين بالسرقة وكأنه المفتش العام ، وشاب أخر مراهق ينتقد سيرة حزب سياسي له اهداف وطنية وله انصار بمئات الالاف ، وهكذا دواليك . وهنا دور القنوات الفضائية التي عليها أن تضع حقوق وواجبات المواطنة ، ومسؤولية الإنسان تجاه نفسه وتجاه الجماعة التي ينتمي إليها ، هذه الحقوق والواجبات لا تمارس إلا في مجتمع عادل وديمقراطي يحرص على المساواة وتكافؤ الفرص وتحمّل أعباء التضحية من أجل ترسيخ هذه المبادئ وحمايتها وفتح آفاق تحسين ممارستها برؤية تتطلع إلى المستقبل وبحماس لا تطغى فيه العاطفة على العقل والحكمة ، حتى ولو كان حرية التعبير  مسموح بها في العراق والتي يمكن تعريفها بحرية التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فني بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط أن لا يمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية وفي بعض الدول يعتبر الإساءة إلى الدين ورئيس الدولة جريمة يعاقب عليها القانون .
تحتوي هذه الحوارات على مضامين ربما أدت إلى تفكك المجتمع وتشجيع الانفرادية والخروج على سلطة الدولة  والاستهزاء بالسياسيين والأحزاب السياسية لانعدام فرص الرقابة والمنع وتعذر على الجهات ‏الرسمية فرص الانتقاء والحذف كما تقدم القنوات الفضائية الجريمة والعنف بأنهما واقعا اجتماعيا ‏وأحداث عادية مألوفة كل يوم .
رفقاً بنا أيتها الفضائيات بما يمر العراق من ازمة مالية وسياسية وأمنية !


110
الاخ سيزار المحترم
تحية وسلام
شكرا جزيلا لك على هذا الاطراء .
نعم انها القصة الحقيقة التي سمعتها في حينه ، اما التوضيح الصادر من البطريركية كتب رسالة الى غبطة البطريرك بعد اتصال الاب بول معي .
للعلم أن الكتاب الذين اتهموا الجهات الكنسية جزافا ، لم تكن العائلة مقصودة أو كونها مسيحية وقع الاعتداء عليها أبدا ، حظها العاثر وقعت ضحية شباب طائش نتيجة الانفلات الامني وكانت الصدفة لها الدور الاساسي لتخطف ويعتدى عليها ، اما الرائد فكان معجب بجمال الضحية ولكون العائلة محترمة ولم تجد من يسندها استغل الضعف وحصل على المبلغ الذي طلبه . ثم تركت الضحية وأختها بغداد .
بعدها تابعت الموضوع مع الضحية ولكنها تركت السويد لتأخير حصولها على الاقامة .
أما سبب متابعتي الحادثة لتحويلها لعمل درامي مشترك مع بقية الحوادث وكتبت سيناريو مسلسل بعنوان (موسم الهجرة) ، اما سبب نشرها في الوقت الحاضر انه هناك مئات الحوادث وقعت ولم توثق نتيجة الفوضى التي يمر بها البلد تضاف الى حوادث تهجير سهل نينوى والاستيلاء على المنازل والخ . للإطلاع الرأي العام عليها .
دعائي ان السيدة قرأت قصتها وتقدم شكوى للجهات المسئولة في البلد المقيمة فيه .
تقبل مني كل التقدير

111
من كان يصدق أن يحدث هذا ؟ الجزء الثالث الأخير   

بدري نوئيل يوسف ـ السويد
وصل الى مقر الرائد (طاء) الخال والدكتور (سين) استقبلهم المفوض مرحبا بهما ،  وكتب لهما طلب (عريضة ) يطلبان مقابلة الرائد وفرك اصابعه يعني ادفعوا ، فهما ماذا يقصد ، سلماه مبلغ الف دولار وضعه داخل ظرف بريدي ، اخذ الظرف وأرفقه مع الطلب وادخله الى الرائد ، لم تمضي لحظات وإذا الرائد يخرج من غرفته يستقبلهم بابتسامة وكأنه انسان اخر يلاعب ويبرم شواربه بأصابعه ، طلب الرائد من المفوض اخراج الدكتورة من غرفة التوقيف على شرط ان ترجع الى مركز الشرطة بعد دفن والدتها لإكمال التحقيق معها ، تعهد الخال بذلك واخذ المفوض معلوماته وعنوانه الدائم وأحتفظ بهويته لحين عودة الدكتورة ، ولا يعرفان ماذا يريد منها ، المهم عندهم دفن جثمان والدتها.
نقل جثمان والدة الدكتورة الى الكنيسة وباشر الكاهن بالصلاة وحضر مراسيم الصلاة عدد من الاقرباء ، وعند نقل الجثمان الى المقبرة الواقعة في منطقة خان بني سعد طلب سائق سيارة نقل الجاثمين عدم مجيء أي من المشيعين لان المنطقة غير امنة ، وعليه ذهب مع سائق السيارة والجثمان رجلان يعملان في حفر القبور .
في غرفة العناية المركزة فتح والد الدكتورة عيناه وكانت احدى الممرضات واقفة بالقرب منه تراقبه ، سألها عن ابنته الدكتورة حكت له ما جرى لهما وأيضا وابنته الصغرى ترقد في المستشفى وزوجته توفت والدكتورة مع خطيبها الدكتور (سين) يشيعان جثمانها ، صرخ الوالد صرخة وصل صداها غرفة الطبيب المجاورة للصالة وأغمض عيناه ، هرولت الممرضة تطلب المساعدة من الاطباء ، دخل الى صالة العناية الطبيب المقيم وحاول انعاشه حتى بالرجات الكهربائية لكن الرجل راح فيها واعترفت الممرضة انها تحدثت معه وعلى اثرها جرى ما جرى .
اتصل الطبيب المقيم مع الدكتور (سين) وبلغه بوفاة والد الدكتورة ومازال متواجد في الكنيسة مع الخال والدكتورة يستقبلون المعزين الذين سمعوا الخبر متأخر ، بلغ الكاهن بخبر وفاة الوالد لكن الكاهن طلب دفنه صباح اليوم التالي لان الوقت متأخر ولا يمكن حفر قبر ونقله الى المقبرة .
عادت الدكتورة الى المستشفى منكسرة تجر خطواتها بصعوبة وقد تملكها حزن شديد ، دخلت غرفة اختها المستلقية على السرير عانقتها وهي تجهش بالبكاء أسفا على فقدان والديها ، وأمست حياتهما خواء لا بهجة فيها ولا رواء ، أرسلت الاخت الصغرى دموعا في صمت على خديها لا تعرف ما جرى لوالدها . ومازال الشرطي واقف عند باب الغرفة للحراسة.
مساءاً كان الرائد يترقب عودة الدكتورة الى مركز الشرطة لكنها لن ترجع ، وعليه ارسل الرائد سيارة شرطة الى منزل الخال يطلب حضوره والمثول امامه لأنه كفيل الدكتورة فلن يجداه في المنزل وبناء على طلب الرائد توجهت الشرطة الى المستشفى لإحضار الاخت الصغرى تفاجئوا بوجود الدكتورة هناك القى القبض عليها وسحبوها الى المركز وأودعوها الزنزانة لان الرائد كان خارجا بمهمة .
أما الخال والدكتور (سين) فقد ذهبا للبحث عن وساطة لدى احد المسئولين الكبار حتى يتصل مع الرائد ويكف عن مضايقة الدكتورة ، وبعد جهد وصلوا الى الرجل المسئول وحكيا له الحادثة هز رأسه ووعدهم خيرا بأن يتصل مع الرائد ويوبخه على تصرفه الغير لائق .
بعد عودتهم الى المستشفى علما بأن الشرطة اخذت الدكتورة فاتجها الى مركز الشرطة ، لكن الرائد غير موجود فبقى
الخال والدكتور (سين) واقفان في الشارع أمام المركز حتى الصباح ينتظران من يسأل أو يسمح لهم بالجلوس داخل المركز ، مع بداية الدوام وصل الرائد الى مقر عمله وأثناء دخوله للمقر شاهدهما واقفان في الشارع نادى عليهما متظاهرا بوطنيته واحترامه لواجبه ، ولكنه اصر على احالة الدكتورة الى المحاكم للتطبيق القانون ورفض خروجها للمشاركة في دفن جثمان والدها . وبعد الحاح من الخال والتوسل اتفقا على مبلغ يدفع للرائد ويطلق سراحها ، ويبدو للخال ان المسئول الوسيط الذي قدموا له كيلوان من البقلاوة وباقة الزهور ووعدهم خيرا لم يتصل مع الرائد .
المبلغ غير متوفر لديهما ، طلب الخال الحديث مع الدكتورة وبعد لقائها طلبت منه بيع منزل والدها ودفع المبلغ .
والبيع يحتاج الى دلال ، وأين المشتري الذي سيدفع خلال ساعات ؟ ولم تفلح مع الرائد أي محاولة وكان مصرا ومتمسكا برأيه ، سلموا المبلغ تستلمون الدكتورة او الى المحاكم ويتكلم بكل وضوح وجرأة دون خوف .
اقاموا مراسيم الدفن للوالد بدون حضور الاختان وكالعادة لم يذهبا الى المقبرة لان المنطقة غير امنة .   
بقيت الدكتورة في التوقيف ثلاثة ايام كان الرائد يستدعيها لغرفته ويطلب منها الحديث عن الشباب الذين تناوبوا عليها محاولا استدراجها وأخذ يسمعها كلمات شوق وهيام ويراوغها وخداعها أن يطلق سراحها لقاء المبيت معه ليلة واحدة إلا انها صدته بكل جرأة ، مما ضربها في غرفته عدة مرات بحجة عدم ادلاء بالمعلومات .
اتصل الخال مع احد الدلالين لبيع المنزل وعند معرفة السبب ، اعطى الدلال لهما المبلغ دينا حتى يباع المنزل ، دفع المبلغ الى الرائد وأطلق سراح الدكتورة .
عادت الى منزلها جمعت ما تحتاج من ملابس وذكريات وكذلك جمعت ما تحتاجه اختها وطلبت من خالها بيع المنزل بما فيه من اثاث وانتقلت الى منزل خالها ، اما الصغرى فقد تحسنت صحتها لكنها لا تتكلم ولا تنبس بكلمة غير دموع تسيل من عيناها . وأجريت لهما فحوصات خاصة لتأكد من سلامتهما من الامراض أو الحمل .
أدخلت  الاخت الصغيرة للعلاج النفسي لأنها فقدت النطق وعلمت ان والداها قد وارى التراب ، فصلت الدكتورة من الوظيفة لأنها تركت الدوام ولا تقدر ان تعود للعمل والجميع ينظرون اليها بعطف ورحمة ، بعد شهران خرجت الصغيرة من المستشفى نقلت الى منزل الخال للإقامة عنده لان المنزل اشتراه الدلال ودفع لهم باقي الثمن.
بعد اسبوع تقريبا دعت الدكتور (سين ) لزيارتها في منزل خالها ، نزعت خاتم الخطوبة وأخبرته ان لا تصلح أن تكون زوجة له رغم الحاحه وتأكيده انه نسى ما جرى لها ، لكنها قررت الدكتورة الخروج من بغداد ومغادرة العراق
بعد ايام ودعهما الخال في مطار بغداد وكانت وجهتم اسطنبول لتبدأ حياة جديدة تبحث عن بلد يحمي الابرياء من الوحوش. وتردد دائما يا رب اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يعملون .


112
مَنْ كان يصدق أن يحدث هذا ؟ الجزء الثاني 
بدري نوئيل يوسف ـ السويد
من منزل الجارة (تاء) اتصلت الدكتورة (ميم) مع خالها وأخبرته انها تنتظره في مستشفى الطوارئ ولم تقل له السبب رغم إلحاحه ، بعد غلق هاتف منزل الجارة طلبت (ميم) من جارتهم ( تاء) ايصالهما بسيارتها الى المستشفى لان اختها فقد دما كثيرا .
في الطريق نحو المستشفى حكت لهما الجارة ما جرى ليلا ،أن الجيران خرجوا للشارع بعد طرق الابواب المجاورة لمنزلهما بقوة من قبل والدهما وصراخه طالبا المساعدة والنجدة وعند خروجها مع زوجها وبعض الجيران شاهدوا والدتهما مطروحة ارضا تنزف ورأسها في حضن والدهما وقد فارقت الحياة ووالدهما يبكي ويصرخ بهستريا ، حاول الجيران ابعاده عن الجثة لم يفلحوا وخلال هذه الحالة الهسترية فقد الوعي حاول شباب المحلة اسعافه ونقله بإحدى سيارات الجيران لكنهم تريثوا خوفا من اتهامهم بالجريمة ، وتتوقع الجارة ان والدهما اصابته نوبة قلبية .
حضرت الاسعاف والشرطة بعد نصف ساعة تقريبا من اتصال احد الجيران ، وتم نقلهما الى مستشفى الطوارئ .
عند مدخل المستشفى اوقفت الجارة سيارتها ، ترجلتا الاختان (ميم) و(حاء) ودخلتا الى داخل المستشفى وأثناء دخولهما صادفتهما احدى الممرضات التي تعمل مع الدكتورة (ميم) ، استغربت الممرضة من حاله الدكتورة وأختها  نادت على بقية المضمدين ، جلبوا نقالة مرضى حملوا البنت الصغرى ووضعوها فوق النقالة وبطلب من الدكتورة أخذوها نحو صالة العمليات ، والدكتورة (ميم ) تهرول خلفهم سقطت في ممر المستشفى ساعدتها الممرضة ، وتوجهت معهما الى صالة العلميات واستدعيت الطبيبة النسائية المناوبة  .
الدكتور (سين) الذي كان خفرا في تلك الليلة ويشرف على علاج والد الدكتورة في غرفة العناية المركزة  من ضمن مرضاه في حيرة من امره لان الدكتورة (ميم) خطيبته لم يجدها مع والدها وحاول الاتصال عدة مرات معها لا جواب وليس لديه علم بوفاة والدة الدكتورة لأنها اخذت الى الطب العدلي من قبل المسعفين مباشرة ، اتصلت معه الممرضة وأخبرته ان الدكتورة (ميم) في صالة العمليات ، خرج سين من غرفته تاركا مرضاه و اتجها مسرعة نحو صالة العلميات استقبلته الدكتورة ميم حاول ضمها الى حضنه لكنها ابتعدت عنه ، بحلق بوجهها وتفقد جسمها المصاب بكدمات وآثار الضرب وخدوش على الوجه وهي ناتجة عن مقاومة الدكتورة للجناة ، فهم الدكتور (سين) ما جرى لها ولأختها المستلقية على طاولة العمليات والكادر الطبي يستعد لإجراء العملية والدكتورة النسائية تطلب تجهيز قناني دم . بدأ الارتباك على الجميع في صالة العمليات لعدم توفر فصيلة دم (أي ) وبدأ البحث عن قناني الدم  ، واستطاع الدكتور سين ان يحضر ثلاث قناني من اشخاص لقاء مبلغ وتبرع احد العاملين بقنينة اخرى وأجريت عملية للبنت الصغيرة  ، ومن جهة اخرى عولجت (ميم) من الجروح والكدمات التي تعرضت لها . اخذها الدكتور (سين) الى العناية المركزة وتفقدت والدها، لكنها لا تستطيع التكلم معه لأنه نائم ويتلقى العلاج ، والدكتورة (ميم) تتمالك اعصابها تتظاهر بالهدوء .
وصل خالهما الى المستشفى ومنع من الدخول وبقى واقف عند الباب الخارجي يتوسل بالحرس لكنهم لم يردوا عليه  وأثناء خروج الدكتور (سين) مع الدكتورة (ميم) متجهان نحو الى بناية الطب العدلي لتحقق من جثمان والدتها ، التقت مع خالها ، التحق معهما نحو الطب العدلي وحكت ما جرى لههما بعد خروجهم من منزله مساء الامس . اتجها الثلاثة نحو بناية الطب العدلي وشاهدا جثة الوالده وعلى اثرها سقطت الدكتورة (ميم) على الارض مغشي عليها قدموا لها المساعدة فاقت من الاغماء واتصلوا مع كاهن الكنيسة لتحضير مراسيم الدفن وأعطاهم موعد الساعة الحادية عشر صباحا ، عادوا الى المستشفى لمتابعة الاخت الصغرى .
اتصل الدكتور ( سين ) مع الشرطة وسجل دعوة ضد مجهول واخبرهم بحادثة الدكتورة وأختها ووالديهما وسوء حظها كان المجيب من قبل الشرطة الرائد (طاء) الذي ابلغه انه تفقد مكان الحادثة وهو قادم لاستجواب المجني عليهما ،
رقدت الدكتورة (ميم) في غرفة لكي ترتاح ، وبدأ الدوام ومجيء الموظفين وانتشر خبر الحادثة كالبرق وامتلأت الغرفة من الاطباء والعاملين ليطمئنوا على صحتها وسلامتها ، وإذا الرائد (طاء) قادم يرافقه مفوض وثلاثة افراد من شرطة دخل الغرفة متهما الدكتورة (ميم) بعلاقتها السرية مع الشباب وبعد معرفة والدتها بعلاقتها المشبوه اعتدى الشباب عليها ، وكانت السبب بمقتل والدتها ، ثارت حفيظة الخال والدكتور (سين) والبقية المتواجدين في الغرفة وبدأ نقاش حاد بينهم رغم استغراب الجميع المتواجدين ، طلب الرائد من الشرطة المرافقه معه اخذها الى التوقيف لان معه امر بإلقاء القبض عليها لحين اكمال التحقيق معها وتعرض اوراقها على الحاكم ، طلب الخال تأجيل توقيفها لحين المشاركة بدفن جثمان والدتها لكنه رفض .
اتجها الرائد نحو غرفة الاخت الصغرى التي مازالت تحت المراقبة بعد العملية ويعطى لها الدم  ، واستطاع  كادر العمليات منعه من التقرب لغرف العناية ولن يسمحوا له بالدخول للغرفة ، وعليه اوقف الرائد (طاء) احد افراد الشرطة امام باب الغرفة للحراسة حتى يعود بعد عدة ساعات والبنت قد فاقت من تأثير المخدر لكي يحقق معها لان البنت الصغرى عليها امر القاء القبض وشريكة اختها بالجريمة . 
سحب الشرطيان الاخران المرافقان للرائد الدكتورة (ميم) من غرفتها  الى ممرات المستشفى متوجهون  نحو الخارج بحضور وتحت انظار عدد كبير من الكادر الطبي بالإضافة لخالها والدكتور (سين) وعدد من المرضى الذين خرجوا من غرفهم لمشاهدة مشهد اعتقال طبيبة وتؤكد انهم كانوا متعمدين بتوجيه الاهانة ولا ينفع معهم التوسل او الحوار مع الرائد من قبل كل المتواجدين . لحق الخال والدكتور (سين) الشرطة وعند باب المستشفى توقف المفوض المرافق وقال للخال يمكنك مراجعة الرائد في مركز الشرطة وقدموا له هدية . 
 امام انظار الجميع دفعوا الدكتورة داخل سيارة الشرطة كأنها احدى المجرمات وركب الجميع سيارتهم وانطلقوا .
رن تلفون الدكتور (سين) وكان المتصل الكاهن واعلمه ان حضر مراسيم الدفن وطلب من حفار القبور حفر قبر وعليهم ارسال الجثمان قبل العاشرة صباحا . لا يعرفان ماذا يعملان الخال والدكتور (سين) ، الام جثة في الثلاجة والأب في الانعاش والأخت الكبرى في التوقيف والأخت الصغرى مازالت تحت المراقبة وتحتاج الى الدم ، وأخيرا اتفقا الذهاب الى مركز الشرطة ولقاء الرائد (طاء) .
نكمل مَنْ كان يصدق أن يحدث هذا في الجزء الثالث .       


113
مَنْ كان يصدق أن يحدث هذا ؟ الجزء الاول !
بدري نوئيل يوسف ـ السويد
حادثة أنقلها لكم ليست من نسج الخيال بل حقيقه حكتها لي الدكتورة (ميم) .
يكاد المرء لا يصدق وهو يسمع  ما حدث لهاتىن الاختان ، هل ستبقى أحلاماً لهما في القادم من أيامهما ؟ أم ستكونان إنسانا ليس بإنسان ؟ ويدق قلبهما للعيش بدون إحساس ومشاعر ، لا يرى العالم ولا يسمع منها شيء ، تمضي الأيام ولم تشعرا بمرورها ، تلومان الدنيا للحادثة التي اصابتهما ، وتُؤمن الاخت الكبيرة بقضاء الله وقدره ، وتردد دائما ربي اختر لي ما تراه خيرا لي ، واغفر لهما لأنهم لا يعرفون ماذا يعملون ، من احب الله رأى كل شيء جميلا. لن يستطيع لسانهما عن الحديث ولا تقدر عيونهما على البكاء ، ولا تستطيعان أن تصلح ما تهدم يوما في حياتهما ، والأخت الكبرى تحكي قصتهما وما جرى لهما قالت : أخذنا من الرّعب ما لا يوصف ، في بلد ضاعت فيه القيم فماذا يتوقع المرء من انتشار الفساد والانحراف والرذيلة والإرهاب .
صباح احد الايام وقع انفجار في احدى مناطق بغداد العتيقة ، أمام مقهى كان مكتظا بالعمال لا يوجد فيه مكان شاغر ، ملئ رجالا جلسوا على مقاعد يحتسون الشاي ينتظرون من يطلبهم ويأخذهم للعمل اليومي ، وبعد دقائق  معدودة بدأت سيارة الاسعاف تنقل الجرحى والشهداء من العمال الفقراء المعتمدين على اجرتهم اليومية الى احدى المستشفيات القريبة من موقع الحادث .
كانت الدكتورة (ميم) في الخامسة والعشرين من العمر فتاة رائعة الحسن بجمالها عيناها زرقاوان وشعرها بني ، تتوقّد في عينيها عزيمة الشّباب وترتسم على وجهها المحبة ، محبوبة لدى كلّ النّاس تتحلّى بأخلاق حميدة ، تعمل ضمن فريق الاطباء الجراحين الذين يعالجون الجرحى بجد ونشاط في صالة العمليات في احدى المستشفيات ، استمر الحال بإجراء العمليات حتى الساعة السابعة مساء ، بعد انتهاء الفريق الجراحي من عمله اعدت الدكتورة (ميم) التقرير وسلمته الى مدير المستشفى ، في الوقت نفسه كان الرائد (طاء) ينتظر التقرير النهائي لعدد الجرحى والشهداء في غرفة مدير المستشفى ليقدمه للصحفيين المتجمعين في اروقة المستشفى ، بحضور الدكتورة (ميم) اعطى المدير نسخة من التقرير الى الرائد (طاء) الذي اعترض على عدد الجرحى والشهداء ودار نقاش بينه وبين الدكتورة  (ميم) وأعلمته ان الارقام مطابقة لواقع الحادثة ، وحاول اطالة الحديث معها فقد ابدى اعجابه بجمالها .
 في هذا الاثناء رن هاتفها الجوال كان المتصل والدها واعلمها انه مع والدتها وأختها الصغيرة (حاء) البالغة من العمر خمسة عشرة سنة في منزل خالها حيث زوجته تشكو من الم في الكلية ، وعليها قبل رجوعها للمنزل تزور زوجة خالها وتسلم عليهما وتطمئن على صحة المريضة ثم يعودون معها للمنزل .
بعد زيارتها لمنزل خالها اخذت والدها وأمها وأختها (حاء) بسيارتها عائدين الى منزلهم ، وقبل وصولهم بمائة متر تقريبا انفجر اطار السيارة الامامي اوقفت (ميم) سيارتها لتغير الإطار ، كانت انارة الشارع مقطوعة والمنازل مظلمة وبصيص النور بداخلها ربما من شمعة تحترق او لمبة نفطية ، والظلام بدأ يغطي المدينة ، طلب والد الدكتورة (ميم) ان تأخذ امها وأختها (حاء) ويتجهون نحو المنزل لان المسافة قريبة ولا يوجد مبرر وقوفهم في الشارع وتحضر الشاي له ، وسيقوم بتغير اطار السيارة ويلحقهم ، لحظ العائلة المشئوم واقفا واتجهوا الثلاثة نحو المنزل .
قبل وصولها المنزل بعدة خطوات صادفتهم سيارة فيها ثلاث شباب احدهم يقود السيارة بسرعة ورعونة وتهور ، توقفت السيارة بالقرب منهم ونزلوا الشباب الملثمين وحاولوا امساك البنتان لكنهما ركضتا نحو المنزل لفتح الباب وحاولت الام ابعادهم لكنها تلقت ضربة بأخمص المسدس على رأسها من احد الشباب سقطت ارضا وضرب رأسها بدكه الشارع ، رجعت (ميم) لمساعدة امها وقعت بقبضة الشباب مزقوا ثيابها وأشبعوها ضربا ورفسا وحملوها الى داخل سيارتهم وسحبوا البنت الصغيرة من شعرها الى داخل السيارة وانطلقوا بسيارتهم مسرعين يهللون من الفرح على الصيد الثمين . بعد دقائق وصل الوالد الى المنزل بعد تغيره الاطار ولاحظ باب المنزل مغلق وزوجته ملطخة بدمائها مستلقية فوق الرصيف بالقرب من مدخل باب المنزل ، بدء يصرخ على بناته فلا مجيب طرق ابواب الجيران وخرج بعضهم مستغربين من صراخه وتفاجئوا مما اصاب زوجته في هذا الاثناء شعر الوالد بالتعب وسقط على الارض قبل مجيء سيارة الاسعاف التي استغرق وصولها اكثر من نصف ساعة مع الشرطة بعد اتصال جارهم عين بالطوارئ ، نقل الوالد والوالدة الى المستشفى وصل الى موقع الحادثة الرائد  (طاء) وبدء يحقق مع الجيران بعد ما عرف ان الحادثة وقعت مع الدكتورة (ميم) التي كانت معه في غرفة مدير المستشفى قبل ساعة تقريبا . 
اتجهى الشبان بسيارتهم الى منزل واقع على اطراف المدينة وتناوبوا الثلاثة على اغتصاب البنتان مع الضرب والتعذيب ولا ينفع مع الشبان التوسل والبكاء او دفع مبلغ لقاء عدم التعرض لشرفهما واستمر الحال حتى مطلع الفجر والشباب فرحين يرقصون على انغام الموسيقى متلذذين بعذاب الدكتورة وأختها . 
مع شروق الشمس وضع الشباب البنتان في السيارة ونقلوهما الى احد الشوارع عند مدخل المدينة ورموهم من السيارة وتركوهم عراة ملطختان بالدماء وهما بين الحياة والموت ، وبعد فترة زمنية مرت سيارة اجرة توقف السائق وتعجب مما رأى نزل من سيارته ونزع قميصه وستر جسم الدكتورة وكان في سيارته قطعة قماش لفها حول جسم البنت الصغيرة ونقلهم الى منزلهم.
وصلت البنتان الى باب منزلهم ترجلتا وتركهم سائق سيارة الاجرة ومضى في طريقه ، البنتان وجدتا باب المنزل مغلق لا يوجد من يفتح الباب لهما ، حقيبة الدكتورة اليدوية بما فيها من نقود ومفتاح المنزل والهاتف اخذها الشباب ، الساعة تقارب الخامسة صباحا ، اشتدّت الحيرة وعصفت بنفسهما قلق هائل ، أفكار شتّى تنازعهما وتتقاذف ذات اليمين و ذات الشّمال وتتلاعب بأفكارهما كالرّيشة في مهبّ الرّيح ، وتلتقي في خضمّ من التّساؤلات الحائرة أين والدهما وماذا جرى ، انتبهما نوبة من البكاء ، توجهت الدكتورة (ميم ) نحو منزل الجيران وقرعت الباب لحظات وخرجت جارتهم (تاء) وأدخلتهم لمنزلها مرتبكة خائفة البستهم ملابس بناتها وأعطتهم احذية  ، فهمت الجارة ما جرى للبنتان أجهشت جارتهم في البكاء في مرارة وحزن ، في الوقت نفسه البنت الصغرى اصبحت شاحبة الوجه في صفرة الأموات غائرة العينين مستلقية في تراخ وذبول وإعياء على الكرسي فهي تشكو من نزف حاد نتيجة الاغتصاب .
نكمل مَنْ كان يصدق أن يحدث هذا في الجزء الثاني.





114
الدكتور حنا بهنام خياط
 أول وزير صحة عراقي من مسيحيو العراق.
اعداد : بدري نوئيل يوسف .
كثيرة الشخصيات التي ساهمت لبناء العراق الحديث وأدت أدوارها بكل كفاءة واقتدار ، ففي المجال الصحي مثلاً يبرز لنا الدكتور حنا خياط ، كان طبيبا ووزيرا وباحثا وصحفيا وكاتبا ومؤلفا ، وللأهمية نتعرف بأدواره في المجال الطبي والمهني وسعيه لنشره الثقافة الصحية والوعي الصحي في العراق .
ولد حنا بهنام يوسف عبد الأحد خياط الموصلي في الموصل 1884 ، درس على يد الآباء الدومنيكان وأكمل الابتدائية والمتوسطة في الموصل وبعد تلقيه العلوم المدرسية تطلع نحو تحصيل العلوم في الخارج وأكمل الثانوية العامة في بيروت  ، ثم حصل على درجة البكالوريوس في العلوم والآداب من الجامعة الفرنسية في بيروت سنة  1903 ، ثم حصل على شهادة التخصص في الطب العدلي في جامعة باريس واسطنبول 1908 ، عاد الى الوطن عام 1910 لمدينة الموصل وعمل طبيبا في المدينة ، وانتخب اثناء الحرب العالمية الاولى نائب رئيس جمعية الهلال الاحمر في المدينة ، وانتمى الى النادي العلمي ، وشارك بنشاطات فعالة وبخاصة بمحاضراته التي القاها على الاعضاء .
 شغل منصب رئيس المستشفيات الملكية خلال الفترة  1914 - 1919 وتقلد عدة وظائف طبية من سنة 1911-1920 ، اثناء الحكم العثماني والانتداب البريطاني منها :
طبابة بلدية وسجون الموصل .
 رئاسة المستشفى المركزي ومدير مستشفى الهلال الاحمر في الموصل .
منح الوسام العثماني من الدرجة الثالثة عام 1913 .
تقلد ميدالية الحربة البيضاء تركيا 1916.
الدكتور الخياط من قدامى اطباء العراق ذو ثقافة فرنسية وقد عمل زهاء عشرين سنة في الحكومة العثمانية قبل التحاقه بركب الامير فيصل بن الحسين في حكومته المؤقتة في دمشق وكان لكليهما لحية كثة تغطي خديهما فقصا شعرها في ساعة واحدة لدى حلاق واحد قبل ان يخرج الفرنسيون فيصلا بالقوة من سوريا وصحب الدكتور الخياط الامير فيصلا الى العراق حين استدعي ليتوج ملكا عليه. 
عندما تشكلت الوزارة العراقية الاولى في العهد الملكي برئاسة السيد عبد الرحمن النقيب الاولى في 25  تشرين الاول 1920 لم تكن هناك وزارة خاصة بالصحة وإنما كانت هناك ( وزارة للمعارف والصحة) وفي 12 ايلول 1921  تشكلت الوزارة النقيبية الثانية وعين الدكتور حنا بهنام خياط الموصلي وزير للصحة في العراق ويعد اول وزير.
ولكن ألغيت الوزارة واستبدلت بمديرية الصحة العامة وألحقت بوزارة الداخلية وبقي مديراً عاماً لها حتى 1931
أستاذ للطب العدلي النظري في كلية الطب والحقوق .
مدير عام للشؤون الاجتماعية .
عيّن مستشاراً للملك فيصل الأول عام 1925  .
شارك في تأسيس الكلية الطبية في بغداد في 29/10/1927   
عين عميدا للكلية الطبية ومدير للمستشفى الملكي .
شارك في تأسيس مدرسة التمريض سنة 1933
عضو الهيئة المؤسسة  لجميعه بيروت الام التي تأسست في 11 اب 1935 .
عضو فخري في المعهد الملكي البريطاني سنة 1942.
 عضو مؤسس في جمعية مكافحة السل في 1944
منح وسام الرافدين من الدرجة الرابعة والثانية.
منح وسام الامتياز من ألمانيا .
منح الوسام البابوي .
منح وسام التاج الايطالي .
تقلد ميدالية الاستحقاق اللبناني الفخرية من رئيس الجمهورية اميل ادي .
انتخب عضواً في الجمعية الطبية والجراحية في بروكسل .
 كان من رواد مجالس الأب أنستانس الكرملي للأدب واللغة العربية ويتكلم اللغة الفرنسية والتركية بطلاقة .
مؤلفاته :
لمحى في الحمى التيفوئيدية ( مطبعة الاباء الدومنيكان الموصل) .
كتاب تناقص النفوس في العراق اسبابة وطرق علاجه 1923 .
كتاب الطب العدلي طبع في المطبعة الحديثة بغداد 1925 .
رسالة في الهواء الأصفر .
الدكتور حنا طبيب ماهر ، وكاتب له اثار طبية وكتابات في علم الاجتماع ، و مؤرخ باحث ، وله معرفة واسعة في اللغات الاجنبية ، وواحداً من المثقفين المستنيرين الذين امتلكوا فكراً اصلاحياً للحياة والمجتمع ، وقد كان لتخصصه في الطب وثقافته الواسعة في احوال المجتمع الدور البالغ في تطور الامور الطبية بمدينة الموصل اثناء توليه منصب رئاسة المستشفيات الملكية ، ويتضح ذلك فيما اعده من خطط اصلاحية لرفع كفاءة الجهاز الطبي فيها .
في تقرير عن الاحوال الصحية داخل مدينة الموصل منذ الاحتلال البريطاني لها حتى شهر ايلول  1919 م ، كتب  الدكتور حنا خياط عن الاهمال في مرافق المدينة اثناء فترة السيطرة العثمانية ، وعزا اسباب التخلف الصحي الى اهمال السلطة ، في الوقت الذي كانت السلطة تضع التقصير في هذا الشأن على الاهالي ناكرين عليهم استعدادهم للترقي الصحي ، وتعود الاسباب كلها للرجال الذين كانت بيدهم الادارة ، وقد رجحوا منفعتهم على مصلحة الرعية .
هذا التقصير الذي كان يقع من دائرة الصحة والبلدية بشأن تنظيف المدينة  ، كان يتخذ وسيلة لقضاء منافع شخصية ويصرف المبلغ المخصص للتنظيف وقدره (600) روبية لكل شهر لجهات مجهولة ، وبغية الاطلاع ميدانياً على الاوضاع الصحية في المدينة وإصلاحها قام الدكتور حنا بالذهاب مع المسئولين الى دائرة البلدية وساهم في عملية التعجيل بتنظيف المدينة خلال مدة قصيرة ، نجح في دفع البلدية للقيام بالتنظيف بمساعدة المختارين ووضعت مزابل صغيرة في كل زقاق ، ومن الاجراءات المتخذة قيام الادارة الصحية مباشرة بشؤون التنظيف وإنشاء المزابل وسد الخرابات وتعيين اماكن في احياء المدينة ، بالإضافة الى مراقبة اعمال بعض الحرفين وتقديم المساعدة للحرفة التي تطلب السلامة المهنية ، ثم طلب من المسئولين اصلاح مسلخ المدينة  ( المكان المخصص لذبح الحيوانات ) ونقل اللحوم الى الاسواق بطريقة سليمة ، وتنظيم كنس الشوارع يومياً ورفع الاوساخ الى خارج المدينة ، وقدم دراسة للأوضاع الاجتماعية للأهالي محاولاً الوقوف على اسباب التقهقر الاقتصادي والاضمحلال الاجتماعي ، إذ قدم عرضا وتوضيح وسائل ترقية الامم ، وقدم تشخيص اسباب الانحلال في العراق وعزاها الى سببين اثنين :الاول (اجتماعي ) بسبب ندرة المدارس المنتظمة التي عملت على اندثار الهوية والعنصر واللسان فان هذا الخلل كجرثومة الوباء غرسها الحكم العثماني كيداً وعمداً فلم ينج منها سوى من كان معمماً  ، مع فقدان المحافل الادبية التي تحتاجها الشبيبة وإبعادهم عن مجتمعات اللهو  ، اما السبب الثاني :فهو (سياسي) اذ اشار حنا خياط الى ان العراق منذ حدوثه لم
يكن له كما كان لسائر البلدان ، حكومة خاصة به قائمة بذاتها ، ودعا حنا خياط الى شحن همم الرجال الذين تعول
اليهم في المعضلات ومنهم تستنجد الاراء السليمة ازاء هذا البحر السياسي المتموج .
 اما الاحوال المرضية العارضة كالجروح المتنوعة والتسمم والقتل فيشير الى انه سنة 1915 م بلغ (الالف) شخص في حين انخفض هذا العدد كثيراً سنة  1919 م  حيث بلغ عدد المقتولين (9) والجرحى (60) ولم يذكر أي حالة تسمم ، ودأب حنا خياط على نشر المقالات الارشادية في المواضيع الصحية التي تتناول طرق الوقاية من بعض الامراض السارية والتنبيه الى كيفية معالجتها ومكافحتها ، ففي تناوله لموضوع مرض الحمى التيفوئيدية ، تطرق الى كيفية الاصابة بها وطرق علاجها ، وفي موضوع بثرة العراق ومصير تداويها اوضح حنا ، ان بثرة العراق هي آفة اهلية معروفة عند العامة (بالأخت) وأشار الى ان هذه الافة تظهر على سطح الجلد وعلى القسم المكشوف منه وهي ذات طبيعة التهابية بطيئة السير مع الميل لإجراء تخريب كلي او جزئي عميق ومساحة في الانسجة الجلدية المستوية عليها ، ويعزو حنا سبب البثرة الى عدم الاعتناء في النظافة الجلدية .
عندما تسلم حنا وزارة الصحة اجتمع مع اطباء العاصمة وتباحث معهم في السبل الاصلاحية الكفيلة بتحقيق النهوض الصحي العام في العراق ، وأكد بان اساس العمران والدليل القاطع على المدنية الحقيقية هو المحافظة على الصحة والقضاء على الشوائب والأعراض المرضية ،  وكان منهاج وزارته كل ما يؤول الى تحسين الصحة العمومية وإكثار النفوس واستئصال الامراض السارية والاجتماعية فالبناء نعرفه وهو ترميم صحة العراقي ومحافظة الجنس في القوم العراقي ذلك القوم العريق في العنصر والشريف في المبادئ والقريب في التطور فعلينا ان نصلح ما فسد ونستنفذ الوسع في اصلاح سوء تركيبه ونحاول تخفيف وطأة الامراض الاجتماعية وضرورة مشاركة الحكومة في الجهود الصحية المبذولة لتأسيس المستشفيات والمستوصفات والمخافر الصحية في سائر انحاء البلاد ، والحث الى استمالة الاهالي للتطبيق عن طريق المحاضرات ، فضلاً عن مساهماته في حملات التوعية الصحية بما نشره في الصحف من مقالات صحفية رصينة تهدف الى النهوض بالواقع الصحي للعراق .
بعد احالته على التقاعد عين انتخب نائباً عن الموصل في مجلس الاعيان في دورته العاشرة (تشرين الأول  1943 - تشرين الثاني 1946). وقدم حنا خياط مشروعه الطبي للملك فيصل الثاني حين التقى به لأول مرة ويعتمد هذا المشروع على الأسس التالية:
ربط مختلف الصالح والدوائر الصحية والطبية بتشريع طبي خاص موحد .
تأسيس تشكيلات صحية عصرية ثابتة تتماشى مع الادارة العامة ومقتضيات العمر.
تزويد دوائر الصحة بملاك ثابت من الاطباء الاختصاصيين والعاملين الماهرين في الصحة قدر الامكان .
تخصيص منشآت صحية بأبنية ملائمة كالمستشفيات والمستوصفات والمعاهد.
تأسيس كلية طبية ملكية عراقية مع ملحقاتها كالمدارس الصحية والمعاهد والصيدلة والقبالة ودور التمريض لتخريج الكوادر الصحية المتخصصة لتحل محل الكوادر الاجنبية.
العمل على ايفاد الكوادر الوطنية الى الخارج وفق تدابير خاصة للتخصص في حقول الطب المختلفة بإرسالهم الى
المعاهد الاجنبية مع استخدام كوادر اجنبية للإفادة من كفأتهم .
 اتخاذ التدابير للوقاية من الامراض المعدية والمزمنة عن طريق انشاء مستشفيات العزل في بغداد والبصرة والموصل.
تأمين الاشراف الصحي والإسعاف الفوري في المراكز الحيوية كدوائر سكك الحديد وميناء البصرة والمواني الجوية ومراكز الشرطة والسجون والمعارف وغيرها .
اتخاذ التدابير اللازمة لرفع الوعي الصحي في الريف ونشر المستوصفات والمراكز الصحية في القرى والأرياف .
زيادة الوعي الاجتماعي والصحي في قضايا السكن وتصفية المياه والنظافة ونقل الجنائز ورعاية الامومة والطفولة ومكافحة البغاء والتنبيه الى مساوئ الامراض المعدية. وأعقب هذا المشروع الصحي مشاريع اصلاحية صحية بين عامي 1933-1939.
قدم دراسة لتناقص النفوس في العراق 1923 وشرح اسباب كثرة للوفيات بين الاطفال وانتشار امراض التدرن والحشرات في الدور والأزقة وقلة نمو السكان نتيجة لسوء الادارة وعدم الاصلاحات الطبية وزيادة الامراض التناسلية بعد الحرب.
كما انتخب نائباً عن الموصل للمرّة الثانية من حزيران 1950 إلى تشرين الأول 1952  .
من اراءه حنا خياط بالقول : ان اهل الرقي كما يعلم في اجتماع الكلمة والسعي وراء الضرورة قبل الكمال واجتماع الكلمة قائم في (نخبة الامة) ونخبة الامة في من ضحى غايته لوطنه ، وأما العدل فلا يقوم إلا اذا اهتدى المرء بكمال حريته صراطاً مستقيماً فعرف نفسه وعرف حق اخيه وصاغ السمع لواجبه الوطني واعترف بحق دولته ، وهمية الانسان في الوجود وان البقاء من لوازم الوجود فالإنسان من حيث انه موجود ترشده البداهة الى معرفة نواميس الطبيعة الضامنة لحفظه فتحفظ كيانه ومن حيث انه كائن مدني مكلف بحفظ نوعه تهديه القوة العاقلة الى الاحكام الادبية الكاملة فتحفظ نوعه .
 أدركت الوفاة الطبيب حنا الخياط في بغداد ، في 30 نيسان  1959، وضع مذكرات عن حياته وعصره لم يقدّر لها الطبع ووضع لها عنوان "الأيام تتكلم ".
وقد كتبت المس كروترود بل في رسالة لها الى أبيها مؤرخة في 11 أيلول تقول : (لقد ألفت أول وزارة في عهد الملك فيصل وقد أضيفت اليها اضافة طبية في شخص طبيب مسيحي نشيط وحسن التدريب من الموصل اصبح وزيراً للصحة ، وهو منصب جديد. يجب أن أقول لك سراً إنه من تعييني، فقد قدمته الى السر برسي كوكسن واقترحت خلق وزارة صحة. سر الجميع بذلك ، (لكنهم لا يعلمون من عمل العمل).
وذكره السر هاري سندرسن الطبيب الإنكليزي الذي خدم في العراق 28 سنة (1018-1946) وعمل معه في إدارة الصحة والكلية الطبية ، في كتابه (عشرة آلاف ليلة وليلة) فأثنى عليه ووصفه بأنه أقدر رجال الإدارة الطبية في العراق ، ولم يبلغ مرتبته أي من خلفائه في إدارة الصحة العامة.
المصادر :
اعلام الطب العراقي الحديث الدكتور اديب الفكيكي
من اعلام السياسة العراقي ، مير بصري
معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002 - ج 2
وكالة نون الخبرية
دور المسيحيين في بناء العراق ، الأطباء انموذجاً ، د.  عمر الكبيسي



115
المنبر الحر / وداعا عام الاحزان
« في: 22:56 29/12/2015  »
وداعا عام الاحزان

بدري نوئيل يوسف ـ السويد
مرت الايام والشهور والعالم يحصي الايام المتبقية من عام 2015 ونطوي سنة ، مرت وانقضت بكل ما فيها من ذكريات الماضي التي تلاحقنا كسراب ، تختلف المشاعر والأحاسيس بين البشر لما قدموه خلال العام ، فمن هو راض ومقتنع عما قدم  ، ومن هو لا يعير اهتمام ولا يترك أي اثر في نفسه ، ومن لا ينسى الذكريات المؤلمة التي مرت عليه ، ومن يذكر الايام الجميلة من افراح ومناسبات سعيدة  شارك فيها ، ومن يتذكر اتراح مر بها وفقد قريبا أو صديقا ، مضى به قطار الحياة وطوى الزمان صفحته ، أو حُضنٌ فقده ، وصوت لا ينساه فودعه ورحل ، ترك له بقايا الماضي ولم يبقي له إلّا الذكريات ، فيدعوا له بالرحمة والمغفرة .
 احداث صارت ذكريات تثير الشجون ، يزداد مع ذكراها خفقان القلب ولهيب في الصدر ، منازل خالية من الاحباب مليئة بالذكريات ، دموع اصحابها لا تجف ، وشوق لا يبرد ، وألم لا ينتهي ، فتلك الغيمة السوداء جاء بها الزمان وشبح مخيف يحمل اسم الرحيل والهجرة والنزوح لينزع الاحباء من موطنهم ويرميهم على سواحل المحيط جثث هامدة ، لبس الكون السواد وترك للأحبة ذكرى دامعة . وآخرون شدوا الرحال الى ديار الغربة لتحميهم وتعطيهم الامن والأمان ، فهم بين الاشتياق لضحكات الطفولة البريئة التي هي جزء من كيانهم ،  وذكرى المكان الذي ولدوا فيه وترعرعوا وارتووا من مائه ، والنسيان الذي لا تبقى في مخيلتهم غير اطلال الوطن .
سنة نودعها ولا تستأذن بالرحيل ، رحلت بدقائقها وساعاتها وأيامها وشهورها رحلت  مع مرها وحلوها بسوادها وبياضها ، حفرت في قلب الكثير من الذكريات وأخذت من الكثيرين ، سنة مرت من عمرنا لا تعود ولا قابلة للتكرار ولا ينفع الندم والحزن ، لن يتوقف العمر في محطة السعادة ولكنه يمضي ويجري كأنه حلم يأخذ معه الأشياء الجميلة التي تركت في حياتنا بصمتها الجميلة .
علقنا على جدار غرفتنا التقويم الجديد الذي يحمل معه الايام القادمة المجهولة ورمينا التقويم القديم الذي يحمل
معه ملامح من ذاكرتنا ، تذكرنا الكثير من الاصدقاء الذين رحلوا من هذه الدنيا دون وداع ، تذكرنا أصدقاء كانوا
اوفياء وآخرين فجأة تحولوا وأصبحوا اعداء ، تذكرنا الذين مازالوا اوفياء اصدقاء كالزهور .
من هذا الزمان تعلمنا أن هناك اشخاص لا يستحقون الامان بعد ما اعطيناهم ثقتنا خدعونا ، ومن اعطيناهم حياتنا قتلونا ولغيرنا يعيشون نحن نعيش لأجلهم ، فمن يملك قلب حنون يحتار العيش بين بشر تخون .
على صعيد العلاقات الانسانية والشخصية  فقد تراجعت أكثر من أي وقت مضى ، وأصبحت العلاقة والصداقة بين الناس تبنى على أساس الماديات والمصالح وتدهورت الى أدنى مستوياتها ، وأصبحت الصداقة الحقيقية عملة نادرة تغيرت نفوس الناس وفقد الانسان احترامه للآخر ، وامتلئ المجتمع  بمجموعة آفات وعلل عاصية على الاستئصال والعلاج ، وانتشرت البسمة الكاذبة والخبث والفتن ونشر الاخبار الكاذبة وإثارة الشائعات وفقدت العلاقة الانسانية التي مضمونها المتمثل بالمحبة وباتت قائمة على الخداع والمظاهر الفارغة .
نودع عام شهدت بداية محن جديدة باستمرار الضائقة المالية والاقتصادية ، وغلاء اسعار المواد الضرورية للمعيشة وهبوط اسعار النفط ، وانقطاع الكهرباء وازدياد حوادث القتل والنهب والسلب والسرقات والاغتيالات وكثيرة هي الشرور وما زالت الطامة الكبرى الحرب مع المسلحين المتواجدين في بعض المدن والنازحين المقيمين في الخيام وتحت والهياكل المسقفة  ، وانتشار الامراض والبضاعة الفاسدة في الاسواق . وهيمنة الشراكة الوطنية على مفاصل السياسة وقسمت الغنائم والمنافع بين الاقطاب السياسية وفق نظام المحاصصه التي قسمت الكل الى مكوناته حسب الاستحقاق الكمي للأطراف المشاركة فيه.
عام شهد فيه وطننا الكثير من مختلف انواع  التوترات والأحداث وكثير من المماحكة السياسية ونقاش قائم على جدل ورائحة البارود وصوت الرصاص في مناطق مختلفة خلفت الكثير من خسائر بشرية ومادية ، وتفجيرات متنوعة من مفخخات وعبوات تضررت منها البلاد والعباد ، ويسقط بعد كل حادثة العديد من الشهداء من ابناء الشعب بمختلف الاعمار تهدمت عشرات المنازل ومحلات تجارية وتحطمت واحترقت الالاف من المركبات  .
ايام قليلة ويستعد الملايين في هذا العالم لاستقبال العام الجديد مع التمنيات بأن يكون عام خير ورفاه للجميع .
سنة جديدة لا تستأذن بالدخول في حياتنا ، أمنياتنا لعام 2016 أن تتفق القلوب وتتشابك الايادي تنظر لصالح الشعب يستقر الامن في ربوع الوطن فهو محتاج للجميع ، يعود النازحون لمدنهم وقراهم يعيشوا حياتهم في امن واستقرار بعيدا عن الصراعات ، تسودهم المحبة والإخاء والسلام ، وكفى من انشقاقات وولاءات وانتماءات حزبية التي لا تخدم ،  وداعا عام البارود وأهلا بعام المحبة نتمنى امنيات كثيرة منها أن تزال مولدات الكهرباء نهائيا من الشوارع وأن لا ينقطع الكهرباء ، أن يعاد صوت فيروز الى الاذاعة صباح كل يوم بدل من الاناشيد الثورية ، أن لا ينقطع الماء الصالح للشرب وأن لا تغرق شوارع المدن بمياه المطر وتكون مجاري الصرف الصحي صالحة ، نتمنى ان لا يبقى سلاح بيد المواطنين وينحصر بالجيش والشرطة ، نتمنى أن يستوردوا التجار العاب ثقافية وبرامج وكتب للأطفال بدل هذه الالعاب البلاستيكية القبيحة من مسدسات ورشاشات ، وأن يقف العنف في البلد ضد المرأة ، نتمنى أن يرمى الفاسدين خارج العملية السياسية ، وأن يعود النازحين الى مدنهم ،  وتتربع على عرش الامنيات والدعوات والأحلام امنية شعب بأكمله السلام ، أن تسود المودة ومشاعر الحب والألفة بين جميع ابناء الوطن ، ولا تبقى وتنتهي تغريديات بعض المغردين خارج السرب من محاولات كريهة ومنبوذة ، هؤلاء المغردين على وتر الطائفية والقبيلة والعشيرة فهم يعزفون معزوفات المشاحنة والحقد والفصل والأصل ويكون الانجاز  مربوط بالعمل والحب
امنياتي كثيرة لا تعد ولا تحصى ولكن للعام الجديد لا تتعدى امنيتان ، الأولى أن يعم الامن والأمان والسلام لعراقنا الجريح حتى يعود المهجرين والنازحين ، والثانية أن يحظى الجميع من أبناء العراق بنعمتَيْ القناعة والصحة .
ونقول المجد لله في العلى وعلى الارض السلام والرجاء الصالح لبني البشر .

116
الدكتور حكمت جميل رؤوف جميل
 من اعلام الطب العراقي الحديث
 
بدري نوئيل        
كلداني المذهب عراقي الجنسية ولد في بغداد عام  1935 وانهى الابتدائية في مدرسة القديس يوسف عام 1949  والمتوسطة من مدرسة الرصافة عام 1953 وتخرج من الاعدادية عام 1955 وتخرج من كلية الطب جامعة بغداد عام 1962 . فلسفته في الحياة أن يكون الانسان متواضعا في عمله واقعيا في ممارسة عمله ، وان يعمل بالمتوفر والموجود لكي يمهد الطريق الى الافضل ، بدأً بمعالجة الامور البسيطة في مجال اختصاصه الذي لم يكن له وجود ، وعمل كباحث علمي في المؤسسات التعليمة التي تعني بالتعليم  الطبي الذي بدأ ينشر  معرفته وكان هدفه هو نشر علم الصحة والسلامة لعموم المجتمع .
في عام 1964 بدء عمله طبيب مقيم في اربيل ثم انتقل الى السليمانية ومارس في مستشفياتها الجراحة لمدة اربع سنوات ثم انتقل الى قضاء جوارتا ، استقال من الوظيفية الحكومية وفتح له عيادة في مركز محافظة السليمانية داوم فيها صباحا ومساء لفترة قصيرة ، بناء على طلب المحافظ اعيد للوظيفة وعين مديرا للعيادة الطبية المركزية لمدة ستة سنوات ، في نفس الفترة كان طبيبا زائرا لمعمل السجائر في السلمانية .
في شباط عام 1972 تعرض لحالة مرضية في عينه على اثرها سافر الى انكلترا وهناك كسب الشفاء وبناء على رغبته قرر البقاء وأكمل دراسته على نفقته الخاصة . في انكلترا مارس مهنة الجراحة لمدة شهرين وخلال هذه الفترة زاره احد اصدقائه العراقيين قادما من العراق وكان اثناء الواجب في العيادة الخارجية ، وبسبب تركه الواجب والسلام على صديقه اعترضت عليه الممرضة الانكليزية على اثرها استقال من العمل وقرر الدراسة فقط ، ولكنه تفاجئ بعدها انه لا يستطيع دراسة الجراحة دون العمل ، لذا قرر تغير اختصاصه والبحث عن اختصاص لا يشترط العمل فالتحق في دراسة الامراض التناسلية (DVD  ( وحصل عام 1974 على الدبلوم . ثم حصل على وثيقة ممارسة بتنظيم الاسرة من لندن عام 1974 . خلال هذه الفترة زار لندن وزير الصحة العراقي وقابل الاطباء العراقيين ومن ضمنهم الدكتور حكمت ولكن الوزير رفض تعينه في بغداد لأنه يحمل شهادة الدبلوم ولذا قرر البقاء والبحث عن اختصاص نادر في العراق ، وعليه التحق بجامعة لندن ودرس الطب المهني وحصل على شهادة الدبلوم (DTH) والماجستير (MSe) عام 1975 وطلب منه وزير الصحة العراقي اثناء زيارته للندن للمرة الثانية اكمال دراسته للدكتوراه وفعلا التحق بجامعة مانجستر وحصل على الشهادة (PhD) بفترة اقل من المقرر للدراسة عام 1978 .
عاد الى العراق في نهاية العام 1978 وصدر قرار من ديوان رئاسة الجمهورية بتعينه كمدرس في كلية الطب جامعة بغداد واستثنى من العمل في المحافظات والتحق بكلية الطب في 19 /10/1978 كأول عراقي في اختصاص الطب المهني في وزارة التعليم والبحث العلمي .
في 19 / 10/ 1982 حصل على لقب استاذ مساعد وفي عام 1984 أوفدته جامعة بغداد الى ايرلندة ومنح لقب زميل كلية الطب المهني ـ الكلية الملكية لأطباء ايرلندا (FFOM) لنشاطه المتميز في اختصاصه .
في عام 1985 منح لقب عضو مشارك كلية الطب المهني الكلية الملكية لأطباء لندن ـ شهادة فخرية ، وفي عام 1988
منح لقب عضو كلية الطب المهني الكلية الملكية لأطباء لندن (MFOM)شهادة فخرية . وفي 12 /2 /  1989 حصل على مرتبة الاستاذية .
                     
الدكتور حكمت جميل عضو في عشرة جمعيات طبيبة ,وهي ( الجمعية البريطانية للطب المهني ، الجمعية العالمية للصحة المهنية ، الجمعية الوبائية العالمية ، جمعية حماية وتحسين البيئة العراقية ، جمعية طب المجتمع المهني ، الجمعية العراقية للصحة والسلامة المهنية ، الجمعية الطبية العراقية ، جمعية تنظيم الاسرة العراقية ، الجمعية البريطانية للأمراض التناسلية .)
المراكز العلمية والإدارية داخل جامعة بغداد من عام (1997 ـ 1992 )
1.اشرف على رسالة دكتوراه بالتنسيق مع جامعة نيو كاسل البريطانية عام 1982 وعشرة رسائل ماجستير الاولى عام 1980 والأخيرة عام 1991 وعشرة رسائل دبلوم الاولى عام 1980 والأخيرة عام 1991 وسبعة وأربعين بحثا أنجزه اطباء الدورة المكثفة في الطب المهني خلال فترة 1982 ـ 1991 .
2.أول مسئول للتعليم المستمر في الكلية (1984 ـ 1989)ثم اعيد للمسئولية عام 1991 .
3.أول مسئول لشعبة الاعلام للكلية الطبية .
4.عضو هيئة تحرير مجلة كلية الطب 1984 ثم سكرتير للتحرير عام 1985 .
5.مقرر الدراسات العليا في فرع طب المجتمع ومقرر اللجنة العلمية في طب المجتمع .
6.سكرتير عام المؤتمر العلمي الاول 1984 والرابع 1988 والخامس 1989 والسادس 1992 لكلية الطب
7.مقرر 51 دورة في التعليم المستمر والى سبع ندوات وحلقتان دراسيتان للفترة بين 1984 ـ 1992.
8.عضو في 23 لجنة شكلت في الكلية بين  1979 ـ 1992 .
المراكز العلمية والإدارية خارج جامعة بغداد 1979 ـ 1992
1.استشاري الصحة والسلامة المهنية للاتحاد العام لنقابات العمل (1980 ـ 1987 ) ثم عام 1992 .
2.رئيس تحرير مجلة نداء السلامة 1981 ـ 1986 ، ثم نائب رئيس التحرير عام 1987  .
3.عضو اللحنة الوطنية للسلامة المهنية 1986 ـ 1987 ثم عام 1990 .
4.رئيس لجنة الوقاية من حوادث الطرق التابع للجمعية العراقية للسيارات والسياحة والوقاية من الطرق 1981 ـ 1986 ثم نائب للرئيس اللجنة عام 1987 .
5.مدير تحرير مجلة طب المجتمع 1988 .
6.أول رئيس للجمعية العراقية للصحة والسلامة المهنية عام 1992 .
7.عضو الهيئة الادارية للجمعية العراقية للسيارات والسياحة والوقاية من حوادث الطرق عام 1992 .
8.ممتحن لشهادة المجلس الطبي الاردني (البورد الاردني ) الاختصاص الطب المهني للسنوات 1984 ـ 1991 .
9.نائب رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية العراقية 1981 ـ 1986 .
10.عضو لجنة صحة البيئة لمحافظة بغداد 1983 ـ 1987 .
11.عضو اللجنة الاستشارية في وزارة الثقافة والإعلام 1984 ـ 1986 .
12.نائب رئيس مكتب الشباب والبيئة العراقي وزارة الشباب ثم ارتبط المكتب بالاتحاد الوطني لطلبة وشباب العراق 1984 ـ 1981 .
13.عضو الهيئة الادارية للجمعية الطبية العراقية 1985  ـ 1989  .
14.عضو اللجنة الاستشارية لمجلة دراسات العمل 1980 ـ 1989 التابعة لمنظمة العمل العربية.
15.عضو اللجنة الفنية للجنة المرور المركزية في العراق 1982 ـ 1989 .
16.امين سر جمعية طب المجتمع العراقية 1982 ـ 1989 ثم نائب رئيس لجنة طب المجتمع التابعة لنقابة الاطباء 1989 .
17.عضو اللجنة الوطنية لبرنامج الانسان والمحيط الحيوي 1983 ـ 1990 .
18.عضو اللحنة الاستشارية للبرامج العلمية للإذاعات العراقية 1985 ـ 1989 .
19.عضو في احدى عشر لجنة لوزارات مختلفة منها لجنة استحداث استمارة اصابات العمل 1979 ، لجنة وضع نظام احتياجات العمل 1979 ـ 1981 ، لجنة استيراد معدات الوقاية الشخصية  1979 ـ 1980  ، لجنة استحداث المختبر الكيماوي المهني 1980 ، لجنة استحداث دبلوم سلامة مهنية  1984 ، لجنة استحداث دبلوم مهني تقني بيئة 1986 ، لجنة معهد السلامة المهنية عام 1981.
     
النشاط العلمي ( نشر ، مؤتمر ، محاضرات ) .
1.صدر له ثمانية عشر كتاب في حقل اختصاصه كان الاول بعنوان الضوضاء وأثرها على صحة العاملين عام 1980 وأخر كتاب بعنوان الصحة المهنية وهو كتاب منهجي لفرع السلامة المهنية من معهد التكنولوجيا بغداد عام 1991
2.نشر 67 بحثا ميدانيا في مجلات علمية معتمدة داخل وخارج العراق وان اول بحث ميداني كان بدراسة وبائية عن حوادث الطرق لمدينة بغداد نشر في مجلة كلية الطب جامعة بغداد عام 1981 مجلد 23 وأخر بحث نشر في مجلة كلية الطب عام 1992 مجلد 24 بعنوان اطباء الاسنان في مدينة بغداد وأمراض المهنة .
3.نشر 19 بحثا نظريا في مجلات علمية عربية وعراقية وكان اول بحث بعنوان " الطبيب والإجازات المرضية " حيث نشر في مجلة دراسات عمالية منظمة العمل العربية 1979 م مجلد 7 وأخر بحث بعنوان "صناعة البطاريات وسلامة العاملين " حيث نشر في مجلة الصناعة عام 1985 العدد 3 .
4.نشر 205 مقالة علمية في مجلات وصحف عراقية وعربية منها 130 مقالة في مجلة وعي العمال ، 33 مقالة في طب وعلوم / جريدة الجمهورية ، 11 مقالة في مجلة نداء السلامة ، 6 مقالات في مجلة صوت الفلاح ، 3 مقالات في مجلة المرأة ، 3 مقالات في مجلة العمل ، 11 مقالى في مجلات مختلفة .
5.اعد اكثر من 780 حلقة اذاعية (سلامتك في العمل ) خلال 1983 ـ 1988 مدة الحلقة خمس دقائق ثم اعد وقرأ 52 حلقة اذاعية ( سلامتك الصحية ) خلال عام 1991 مدة الحلقة عشرة دقائق  ، ثم ادار 60 ندوة صحية خلال 1991 ـ 1992 في الاذاعة البرنامج الثاني مدة الندوة نصف ساعة ، اضافة لمشاركته بعدد من ندوات السلامة المرورية في التلفزيون .
6.القى بحثا في 14 مؤتمر وندوة خارج العراق وذلك في كل من نيويورك 1978 ، دمشق 1979  ، موسكو 1981 ، هلسنكي 1981 ،  ليبيا 1982 ، سنغافورة 1983 ، عمان 1984 ، دبلن 1984 ، اليابان 1986 ، الكويت 1986 ،عمان 1987 ، الهند (بومباي) 1988 ، الهند (احمد آباد) 1988 ، تونس 1989 ، عمان 1992  .
7.وجهت له دعوة لإلقاء محاضرات في دورات في كل من اليمن 1982 ، السودان 1982 ، اربد ـ عمان 1985 ، القاهرة 1985 ، احمد آباد 1988 ، عمان 1992 .
8.القى بحثا في 42 مؤتمر او ندوة او حلقة دراسية داخل العراق 1979 ـ 1992 .
9.كان محاضرا في اختصاصه اضافة لكلية الطب جامعة بغداد في الدراسات الاولية ودبلوم الطب المهني ودبلوم طب لمجتمع وماجستير طب المجتمع والبورد العراقي في طب المجتمع لكل من كلية التمريض ( 1979 ـ 1981   ) ، كلية الصيدلة (1980 ـ 1981 ) ، المعهد العالي لذوي المهن الصحية ( 1979 ـ 1982 ) ، معهد الادارة قسم التأمين (1982 ـ 1983  ) ، معهد التكنولوجيا فرع السلامة المهنية (1988 ـ 1990 ) ، الجامعة التكنولوجيا قسم الادارة الصناعية (1989 ـ 1991 ) .
اما انجازاته التي تحققت من خلال مساهمته الفعالة في حقل اختصاصه فكانت :
1.توحيد معهد السلامة المهنية / وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مع مديرية الصحة المهنية وزارة الصحة عام 1981 بمركز اطلق عليه المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية .
2.استحداث دورة مكثفة ثلاثة اشهر بالطب المهني في كلية الطب جامعة بغداد كل عام من 1982 يحصل الخريج بعد اجتيازه الدورة بنجاح على ممارسة الطب المهني .
3.استحداث دبلوم الطب المهني في كلية الطب جامعة بغداد عام 1986 .
4.استحداث دبلوم سلامة مهنية في معهد التكنولوجيا بغداد عام 1987 .
5.استحداث دبلوم تقني بيئة في معهد التكنولوجيا بغداد عام 1988 .
6.وضع اسس لدراسة الماجستير في البيئة بجامعة بغداد 1982 .
7.وضع اسس لدراسة الماجستير في الطب المهني في كلية الطب جامعة بغداد 1991 .
8.تأسيس الجمعية العراقية للصحة والسلامة المهنية عام 1992
تكريم
1.كُرم الدكتور حكمت جميل من قبل رئيس الجمهورية عام 1980 لنشاطه في مجال اختصاصه.
2.كُرم من جامعة بغداد لنشاطه في تنفيذ 75 دورة تعليم مستمر في مختلف كليات الجامعة عام 1987.
3.حصل على ثلاث شهادات علمية فخرية في حقل اختصاصه من ايرلندا 1984 ، لندن 1985 و 1987 .
4.كرُم اربع مرات من عمادة كلية الطب في احتفالات يوم العلم وذلك لنشاطه في التعليم المستمر .
5.حصل على 33 شهادة تقديرية في مجال المشاركة المتميزة في المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية من داخل وخارج قطر .
6.حصل على 52 كتاب شكر وتقدير من دوائر تابعة لوزارات مختلفة منها 26 كتاب من عمادة كلية الطب جامعة بغداد.
7.قلد درع نقابة الاطباء الاردنية عام 1992 لمساهمته المتميزة في اليوم العلمي للنقابة .

 اخر اخبار الدكتور حكمت جميل
1.الدكتور حكمت جميل رئيس الجمعية الدولية للعلماء العراقيين .
2.بتاريخ 25 / اب / 2015 وقع عقد تعين في جامعة ولاية ميشيغن ، كأستاذ في قسم طب الاسرة / شعبة البحوث وذلك بناء على عرض قدم له لما يملكه من خبرة ومعرفة في مجال البحث العلمي الميداني ، بعد ان تقدم بطلب احالته على التقاعد من جامعة وين ستيت (بعد خدمة 17 سنة) واعتباره أستاذ متمرس.

نصيحته لأبنائه الاطباء ولعموم النشء الجديد (احبوا عملكم لان حب المهنة والعمل يفجر طاقة تعادل عشرة اضعاف الطاقة الاعتيادية التي يعطيها الانسان اثناء ممارسته المهنة والعمل ، وذلك ان احبها كحبه لأعز الناس اليه ، وأن يجدول عمله ويوثق ذلك في مفكرته التي يجب ان يحملها باستمرار وهذا ما مؤمن به وسائر في ظل ايمانه بالمقولة التي تبقى رائدة لحياته العلمية إلا وهي " ما يزال المرء عالما ما طلب العلم فان ظن انه قد علم فقد جهل "
المصدر : تاريخ اعلام الطب العراقي الحديث .الدكتور اديب توفيق الفكيكي .

117
من عادات مملكة السويد ـ احتفال منتصف الصيف
بدري نوئيل يوسف ـ السويد
المقدمة :

في كل دولة من دول العالم تقاليد وعادات خاصة مع اختلاف الاديان والقوميات بين سكانها ولكل مجتمع أو قبيلة مورثوها الفلكلوري وتقاليدها الشعبية منقولة من الاجداد للأحفاد ، ويعتبرونها دستورا لا يتجاوزون عليها ، ترتبط مع سلوكيات الافراد والدين والأعراف والبيئة والمجتمعات المحيطة بهم ، منها طقوس العبادة والاحتفال في الاعياد الدينية والمناسبات الوطنية . فكثير من العادات والتقاليد الغريبة تدهش سامعيها لأنها ثقافة شعوب وأنماط الحياة التي يتبعونها وتتأثر العديد من هذه العادات والتقاليد بالعوامل المناخية وتمثل حياة  المجتمع مسرحًا ولدت في ثنايا مناسباته .
تسمية الاحتفال :
الأكثر نشاطاً لدى السويديون هو الاحتفال بالتقليد الذي تعود جذوره إلى العصور الوثنية ويسمى احتفال منتصف الصيف الذي يكون النهار الأطول في العام ويصادف الاحتفال بالانقلاب الصيفي ، وسبب الاحتفال بسيط إلا أن التقليد الذي يجد صعوبة في إدراكه وفهمه من قبل الثقافات الاخرى .
السويديون يمضون شتاءا باردا مثلجا درجات الحرارة دون الصفر ، ساعات النهار قصيرة في بعض المدن الشمالية لا تتجاوز الثلاث ساعات فهم يترقبون تبديل الطقس بشمس مشرقة ودافئة ويتحول الظلام الى ضياء والبرودة لدفء ويصبح ضياء النهار يقارب العشرين ساعة .
متى احتفلت السويد بعيد بمنتصف الصيف .
يُعتقد أن السويد احتفلت بعيد منتصف الصيف قبل انتشار المسيحية فيها ، ولم يتم العثور على أي دليل علمي في المنطقة الاسكندينافية للاحتفال بهذا العيد كما يحتفلون السويديون اليوم .
وفي اللغة السويدية الدارجة تشير كلمة (midsummer)  التي تعني منتصف الصيف أي بدء الربع الثالث من العام 
يتزامن مع الاحتفال المسيحي بعيد يوحنا المعمدان في 24 حزيران ، ومنذ القرن الثالث وحتى قبل العام 1925 كان يدعى يوم منتصف الصيف بيوم يوحنا المعمدان فقط ولذا يرجح ان يكون منتصف الصيف يعود إلى فترة ما قبل المسيحية .
عادات وأحلام ليلة منتصف الصيف :
تعتبر ليلة منتصف الصيف بالنسبة للمجتمع الفلاحي السويدي ليلة مهمة من العام على انها اكثر الليالي سحرا والطبيعة مليئة بالقوى الخارقة ، ويعتقد في هذا اليوم ان يكون الحد الفاصل بين القوى الخارقة والبشر هو الاكثر رفعا ، ومن التقاليد في ليلة منتصف الصيف تُجمع النباتات والأعشاب الطبية  ، ويعتقد أنها تكون قوية جداً بمركباتها الطبية ، ويتم تجفيفها للحفاظ على قوتها ، وتستخدم للحفاظ على الصحة خلال فصل الشتاء ، وبعض هذه النباتات تستعمل كدواء للحيوانات المريضة .
تسود في المجتمع الفلاحي اعتقاد انه في هذه الليلة يمكن التنبؤ بالمستقبل فهناك كائنات خارقة ونبوءات ومعرفة
كيف سيكون حالة المحصول الزراعي للعام القادم ، وكما يتمنى الناس سنة حصاد جيدة خلال العام الجاري ،  ومن سيموت أو سيتزوج . في هذه الليلة تقليد كبير من الوثنية يمارس لحد الان ان يقطف من يرغب الزواج سبع أو تسع زهرات في لحظة صمت وهدوء ويفضل من عند مفترق طرق وتسلق أكثر من تسعة الأسوار وتوضع الزهرات تحت الوسادة ثم يغفو دون أن ينبس ببنت شفة حتى يحلم ويرى من ينبغي أن يتزوجها في المستقبل . كما يخرج الرجال والنساء والأطفال إلى المروج لقطف الزهور البرّية وربطها في الأكاليل لتتويج رؤوسهم ومازالت لحد الان هذه الزهرات توضع على الرأس في هذه المناسبة .
كما يعتبرون لحظة الصمت تجلب الأفكار السحرية في مجتمع الفلاحين ، بالإضافة إلى الأرقام الفردية ، لأنه ينظر إلى الأرقام الزوجية على أنها اعتيادية ومتجانسة ولحظات الصمت ينظر اليها على أنها مناسِبة للباحثين عن الكنوز ، حيث تكون مرئية للباحث عنها في صمت ، وفي حال كسر الصمت فإن الكنز يختفي نهائياً وإلى الأبد .
اللباس الشعبي :
يلبس السويديون الألبسة الشعبية أو الملابس التي تعود إلى أزمنة سابقة عند حلول منتصف الصيف ، مع العلم ان هذه الملابس تُلبس في كثير من الاحتفالات والمناسبات والأعياد المختلفة طوال العام ، إلا ان في ليلة منتصف الصيف تقليد بإخراج البدلات الشعبية القديمة من الدولاب ولبسها ،وتختلف الملابس حسب المناطق إذ تلبس النساء في العادة تنوره صوف وقميص ومئزر ، وشال ووشاح رأس ، أما الرجال فيلبسون سروال حتى الركبة من الصوف أو الجلد وقميص وصدريّة وقبّعة.
الاحتفال بليلة منتصف الصيف :
في الريف يتم الاحتفال في بيت صيفي عائلي او عند الاقرباء والأصدقاء الذين يعيشون في المدن الهادئة بعيدين عن 
المدن المليئة بالنشاط والحيوية ويتماشى مع تقليد منتصف الصيف حيث يحاول كل فرد تقريباً أن يغادر المدينة الى الريف .وفي بدء الاحتفال يرفع الأفراد نصب منتصف الصيف ، وهو خشبتان على شكل صليب كبير ذات جذع طويل ملفوف بأوراق الاشجار الخضراء مع الازهار على طرفيه دائرتان ملفوفتان بأوراق وأغصان الاشجار ايضا ، ويتدلّى من نهاياته الأفقية أكاليل من الزهور ، وتقوم بنصبه مجموعة من العوائل يُرفَع النصب في ساحة مفتوحة حيث يمكن للكثير من العوائل التجمع والمشاركة في الاحتفالات . وهو يرمز إلى الخصوبة وخضرة الموسم .
بعد ما يتجمع عدد كبير من المشاركين حول النصب القائم تبدأ رقص الحلقة التقليدية وتكون أغلب الرقصات سهلة تسمح لأي شخص الاشتراك ، تبدأ بتشابك الأيادي مع بعض وتشكل حلقة حول النصب ويتحرك الجميع بخفة إلى الأمام ويستمر الجميع بالرقص وهم يغنون أغنية محددة تدعى (الضفادع الصغيرة) (Små Grodorna)
التي تجعل الراقصين يقلدون الضفادع وهم يقفزون للأعلى وللأسفل وتصدر منهم اصوات وحتى كلمات تشبه أصوات الضفادع وتبقى هذه الرقصة بذاكرة كل من يشارك بها ولا ينساها .
لا تنتهي الاحتفالات بانتهاء الرقص حول النصب فعادة يتبع ذلك العشاء والمزيد من الرقص بين افراد العائلة
وحول المنطقة المحيطة بنصب ليلة منتصف الصيف تقدم نشاطات للعوائل من مختلف الأعمار منها ركوب عربة تجرها الخيول ، أو شراء بطاقة اليانصيب من الكشك الخاص ، أو شراء حلوى غزل البنات .
الطعام
مع اقتراب منتصف الصيف تكتمل الاستعدادات  لدى العوائل ويحضرون الطعام ويتوجب أن يكون غداء منتصف الصيف بسيطاً في تحضيراته ويقدم خارج المنازل متحدين زخات مطر منتصف الصيف والغاية من الطعام البسيط العودة إلى العصور القديمة حيث كانت الوسائل الحياتية أكثر بساطة ، فنجد على المائدة البطاطس الطازجة والشبت والسمك المخلل مع ثمار الفراولة للتحلية بالإضافة الى المشروب الكحولي بنكهة الشبت ويعود في أصوله إلى الجذور الإسكندنافية من القرن الخامس العشر.
ويتضمن مائدة العشاء الرنجة والبطاطس والفراولة والبيرة والمشروبات الكحولية مع بدائل غير الكحولية مثل المشروبات الغازية وعصائر خالية من الكحول والمفضل عصير التفاح .
يعتبر عيد منتصف الصيف عطلة رسمية للجميع ويصادف السبت الاخير من شهر حزيران والاحتفال يكون مساء الجمعة .


118
مملكة الحضر... والمرأة الحضرية .. بين زمنين ... !
بدري نوئيل يوسف  ـ السويد
كنت مع صديقي الشيخ في المقهى الشعبي الصغير نشرب الشاي ونتبادل اطراف الحديث ، انتبهى الشيخ على خبر عاجل ظهر على شاشة تلفزيون المقهى يشير الى تدمير اثار الحضر ، ارتسمت علامات الحيرة على محياه ، وشعرت انه يحس كأن المكان لم يعد يسعه ، طلبَ مني النظر الى التلفزيون وأقرا الخبر ، التفتُ نحو التلفزيون بعدما قرأت الخبر وضعت يدي على فمي لأكتم الصرخة التي أحسست أنها ستنطلق ، ذهلت مما قرأت تمالكت اعصابي ، سألته ماذا تقول عن هذا الحدث .
امتلأت عيناه بالدموع ، ضرب كفا في كف وقال بنبرة هادئة حزينة : التعدي على الإرث الحضاري يدل عدم فهم التاريخ ، وتدمير هذه الآثار التي لا تقدر بثمن خسارة فادحة ومأساة ثقافية حقيقية ، والمباني الأثرية التاريخية تحمل قيماً فنية وجمالية وتاريخية ، والجهات المختصة كانت تقوم بالترميم من أجل حماية المبنى الأثري من الانهيار أو التلف وبالإضافة إلى إصلاح ما تلف من المقتنيات الفنية والتماثيل .
سأروي لك كيف كانت تقام صيانة وترميم هذه الاثار ، لقد عُرف الحرفيون الموصليون بالإبداع بجميع اعمالهم وفي كافة المجالات وخاصة معماريها الماهرين ، ففي ستينات العقد الماضي وكل خمسة عشرة يوم ،كان عدد من النقارين والبناءين الموصليين ينهون اجازة لمدة ثلاثة ايام ويجتمعون عصرا في ساحة الساعة لكي تقلهم سيارة تابعة لدائرة الآثار والتراث الى مدينة الحضر للقيام بإعمال صيانة وترميم الأبنية والمرافق المكتشفة ، واستمر الحال لسنوات عدة ، وكان اشهر النقارين من مسيحيو الموصل ، وقد برع في هذه المهنة عدد منهم اتذكر من النقارين والبناءين (نوئيل يوسف وخضر ونعمان وغانم اولاد عبادة ، وعبد الاحد ساعور ، والأخوة فرج و كامل صوفيا ، وخضر الاكزير، وأيوب رحيمو ، وتوفيق الدهين ، وآخرين لم اتذكر بقية الاسماء ) يمتلكون مهارة يدوية وخبرة فنية .
قلت له :  لقد نقشوا بعرقهم وتعبهم كل حجر اعادوها لمكانها ، وهم الذين اعادوا صيانة اثار الحضر وسور نينوى .
قال بجدية وثقة :كانوا حرفيون يعرفون كل حجر وكل زاوية من مدينة الحضر ، وخبراء في اعادة البناء وتصليح التماثيل المكسورة التي كانت من اختصاص النقار او النحات خضر عبادة ، فكان يقوم بإصلاح التمثال او ينحت مشابه للمكسور ، حيث قضوا سنوات بعدين عن عوائلهم لإعادة الصيانة والأعمار لمملكة الحضر ، يقيمون في غرف بسيطة يخدمون انفسهم متحملين هبوب الرياح الشديدة الحارة المحملة بالرمال ، وارض ساخنة ملتهبة كأنها جوف فرن متقد ، لا ينبت من جوفها زرع ولا يتفجر من آبارها ماء و يحلق في سمائها طائر واحد هو الصقر ، تنقل لهم المياه بسيارات حوضية ، كانت نسمات السّعادة تهتزّ في قلوبهم كل صباح وهم يبدؤون عملهم ، عندما يجدون قطعة اثرية او حجرا تعاد لمحلها ، او عند تصليح قوس من اقواس المعابد وإعادة بناءه وتكلل جهودهم بالنجاح ترتسم علامات الفرح على محياهم وتغمرهم سعادة عارمة ، ويمتلئ كيانهم فرحا فريدا لم يعرفونه من قبل ، وفيض من السعادة لا يوصف .
قلت له : وماذا تتذكر .
قال بفرح وسرور : يا لها من مفاجأة سارة للآثار يين والمشرفين على صيانة التراث ، عندما وقفوا اجلالا واحتراما وتقديرا لذلك النقار والبناء الموصلي نوئيل يوسف عند اعادة نصب تمثال الاميرة (دوشفري ) بنت الملك (سنطرق الثاني) كانت قاعدة التمثال من حجر الحلان تزينها نقوش فنية بديعة ، تلك الاميرة التي خُلدت بتمثال رائع ، هذه الاميرة بملابسها التي تدل على الترف والبذخ والتباهي ، مزينة بأحجار كريمة وأقراط وقلائد و فوق رأسها تاج يدل على مقامها السامي ، وهذا يدل على اهمية مركز المرأة باعتبارها مكون رئيسي في المجتمع وعلى مستوى عالي من الثقافة والمعرفة ، وسنت تشريعات لصالح المرأة ، و اعطيت لها حريتها وقرارها ، وكان للمرأة منزلة كبيرة فهي تشارك زوجها في العمل وفي الحقل ومربية لأطفالها ،  وكذلك شملت حقوق المرأة كل جوانب الحياة المتعلقة بها ، ومساواتها مع الرجل في التعليم وحرية الرأي واتخاذ القرار .
قلت : تقصد ان المرأة الحضرية لم تكن جارية  .
قال : ابداً لم تكن جارية  ،كان في الحضر تقليد سائد بوضع تماثيل او الواح تمثل سيدات المجتمع الحضري بصحبة ازواجهن في المعابد الخاصة بآلهة معينة دليل على المساواة ، وكانت مفخرة الحضر تماثيل لسيدات ذات المهابة والرفعة ، والتفتح الذهني والفكري للمجتمع في الديانة الحضرية ، و الرجل الحضري يضع زوجته على قدم المساواة معه امام الناس والآلهة ، ويعتبر زوجته لا مثيل لها ، ويفتخر بها مما يدل على سعة تفكيره واحترامه العميق الذي يكنه الرجل للمرأة ، وكانت المرأة عازفة ومرتله في المعبد اذ نجد تماثيل لها في ابهى حليها ممسكة بالآلة الموسيقية التي تعزف عليها مما يدل على ان للمرأة الحق والحرية في ان تعزف على الة موسيقية وتغني ، و كن يعزفن ويرتلن في المعابد التى كانت مختلطة وتعج بالمصلين من الجنسين ، وفي الحضر لم يسمح للكاهنات بالزواج ويجوز للمرأة ان تصبح كاهنة بعد ترملها.
قلت له مستفسرا : ممكن ان تصف لي مدينة الحضر .
قال : على الرحب والسعة ، الحضر مدينة صحراوية تتلألأ تحت أشعة شمس كأنها لا تغيب أبدا ، تلتف الرمال حولها ، مدينة تستنشق عبير الصحراء فبدت كثبانها أكثر تباعدا وأشد روعة وجمالا ، ما أروع مشهد المدينة بمعابدها الشامخة وهي تتوسد ضلع الصحراء ، تطل بوجهها المشرق البهي على بادية الجزيرة الغربية ، إطلالها لبست ثوب الحياة الأبدية ، شيدت المدينة في بداية القرن الثاني قبل الميلاد ، ورد اسمها في عدد من الكتابات الارامية المكتشفة في الحضر فهي مدينة الملك سنطرق وسميت مدينة الشمس ، ابراجها ترصد العدو قبل وصوله اليها مشيدة فوق سور يحيطها ، تبرز فيه دقة الاتقان في فن البناء والهندسة وتجد في المدينة نقوش منحوتة وفسيفساء وعملات معدنية وتماثيل ، وشعار المدينة الصقر ، يحكمها سلالة من الملوك ، و( شمش) الإله الأول في مدينة الحضر وكبير آلهتهم ، وقد شُيد له أكبر المعابد .
قلت له مستفسرا : وماذا تقول عن ما يحدث للمرأة وكيف تقارنها في زمن مملكة الحضر واليوم .
تنهد واخذ نفسا عميقا من سيجارته وقال بحسرة وألم : انت تعرف ما يجري اليوم للمرأة ولا يوجد مقارنة ، عندما ايقظ العالم على العادات المنادية باعتبار النساء غنائم حرب ، صُعق الضمير العراقي والعالمي بعد اختطاف النساء بالجملة وبالمفرد من بيوتهن ، واقتيدت النساء بالمئات الى سوق الجواري لغرض بيعهن كالعبيد ، جعلوا المرأة تخضع  لقيود على حقوقها وحرياتها. بعض هذه القيود تأسست على المعتقدات الموروثة ، و العديد من هذه القيود ترجع إلى الثقافة التي تنبع من التقاليد والعادات وتقف عقبة لتحقيق حقوق وحريات المرأة ، ولكن المرأة في زمن الحضر هي  أحلى هدية أعطيت للرجل ، فهي زهرة الربيع وفتاة الدنيا وروح الحياة ، فإذا ذبل عقلها ومات ذبل عقل الأمة بكاملها وماتت.
سألته : وماذا تقول عن آثار مدينة الحضر .
قال بجدية وانفعال : أين أنت يا مدينة الشمس (الحضر) بين الأمس واليوم ؟ عندما كان البناءون يحتضنون الاحجار على صدورهم ويصعدون السلالم الخشبية لإعادة كل حجرة محلها ، وكيف أمسى حالك اليوم  يا مملكة الحضر وأنت تئنين من شدة آلامك وتنزفين دماً من عروقك ، اين انتم يا نقارين الحجر عندما استطعتم نقر كل حجر مفقودة لتعيدون تراث المدينة وصيانتها ، وتقولون  للعالم ان في العراق تراث وإبداع وفن وثقافة وحضارة عمرها آلاف السنين.
ولكن بعد ما سمعوا الكبار ما جرى في الحضر وآثار الموصل الاخرى ، اجتمعوا صعق الجميع ووقفوا مذهولين من هول الفاجعة ، انقلب المكان إلى مناحة تمزق نياط القلوب ، لقد كان الحدث مؤثرا حزينا يثير ألوانا من اللوعة والحسرة ، فهؤلاء قد اصفرت وجوههم واختلجت نفوسهم ، وعقدت الدهشة ألسنتهم فسالت دموعهم غزيرة تعبر عما في نفوسهم من لوعة وحسرة ، يتصبّب العرق من جبينهم من فرط الخجل ، كثر التّساؤل وعمّ الأسى ، تقبّلوا الصّدمة بشجاعة ، و تجرّعوا الغصّة بصبر ، و فكّروا في الأمر طويلا ، وانتهى اجتماعهم وصرح المحدث باسمهم قائلا : ايها الاخوة والأخوات ، اثارنا ، الحضر ، ونمرود ، والمتحف ، و ...و ، اننا نشجب وندين ونستنكر ونتظاهر ونصرخ ونراقب ، نعقد الاجتماعات ، ونصدر البيانات . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .









119
العشق في زمن الحرب  .. رسالة مقاتلة إيزيدية لوالدها

بدري نوئيل يوسف ـ السويد
عاد إلى المستشفى وقد تملكه حزن شديد وتترقرق الدمعة في عينيه المهمومتان حدثني قائلا : استأجرت سيارة اجرة تقلني الى مخيم اللاجئين وبعد ثلاث ساعات وصلت مقصدي حاملا رسالة من مقاتلة ايزيدية وباقة زهور حيث يقيم النازحون واللاجئين بين أحضان الخيام ارى الأطفال وهم يلعبون ويقفزون ويركضون بين الاوحال والأطيان والصخور وشوارع المخيم مليئة ببرك المياه ، سألت احد النازحين عن رجل في العقد السادس أرشدني الى خيمته ، استقبلني الرجل عند باب الخيمة ، بعد السلام قدمت له باقة الزهور ، ضمها الى صدره واشتم رائحتها ، جلست بجانبه فوق فرشة صغيرة مفروشة على ارضية الخيمة ، يظهر عليه الحزن ولا يفارق قلبه ، اعطيته الرسالة التي احملها وبدأ يقرؤها بهدوء شعرت ان الدموع انهارت على وجنتيه وأحستُ كأنها حمم تحرق وجهه ، قال لي بنبرة حزينة باكية :خذ اقرأ الرسالة التي حملتها لي . اخذت الرسالة منه وبدأت اقرأ بصوت خافت .
ابي العزيز حامل هذه الرسالة ستعرفه بعد قراءة رسالتي .
والدي أهدي إليك تحيّة من صميم القلب وشوقا يجلّ عن الوصف ، ولوالدتي أهدي إليها سلاما مقرونا بالودّ ، مفعما بالحبّ . بعد معركة حربية قتالية شرسة دامت ايام دخلنا المدينة العتيقة سنجار  ، مدينتنا ذات القلب العريق بنمطه الخاص ، التي اصبحت أطلالا  ، بيوتها محترقة ورائحة الموت والبارود في كل شارع وآثار الدمار والخراب في كل زاوية ، انتابني الذعر والخوف لمنظر المدينة كأنها شهدت اعصارا ،كانت هادئة اسمع حفيف الاشجار واشعر بريح الشمال محملة بالبرودة واندفاعي بسرعة نحو منزلنا وبيت ذكرياتي وأحلامي السعيدة ، شعرت انني اصبحت بعيدة عن اخواني المقاتلين وأخواتي المقاتلات ، ولا مجال امامي للتراجع لاني سأقع في كمين او يصيبني احد القناصة المختفين في احد البيوت المهجورة ، توقفت وحضنت بندقيتي وأسندت ظهري بسياج منزل متهدم ، كتمت فرحتي وأنا ادخل المدينة بعد تحريرها ، ما أصعب أن يقع الإنسان في قبضة الخوف ، شعرت برجفة الخوف اعاتب نفسي على استعجالي والابتعاد عن المقاتلين ، ارى من بعيد المقاتلات يلوحن لي ان احمي نفسي او اتراجع للمنطقة الامنة ، جالت بخاطري عدة أسئلة ، لا حل أمامي سوى ان اجد مخبأ لحين اصل الى بر الامان ، اسمع بين الحين والآخر صوت تراشق الرصاص قادم من مجهول ، تشجعت وأتمتم مع نفسي : سَنرجعُ يوماً إلى حيِّنا ، ونغرقُ في دافئاتِ المُنى ، سنرجعُ مهما يمرُّ الزمان .
بعد دقائق تقدمت في خطى مترددة وأنا أتحسس الشارع المقفر بهدوء وحذر نحو المكان الذي تقف فيه المقاتلات او حتى اجد مخبأ احتمي فيه ، وأنا اواجه ريحا عاتية تصفع وجهي وتلسع ساقي وتتسرب تحت ملابسي فيقشعر جلدي ويرتعش جسمي وتصطك أسناني من الخوف والبرد ،  فانطلقت اهرول بهدوء حانية ظهري دافنة رأسي بين كتفي وأصبعي على زناد بندقتي ، ومن حين لآخر أمسح وجهي من العرق ، وقد استحال نبعا لا يجف ماؤه رغم برودة الجو ، توقفت عند منزل مهجور متهدم لكي اخذه مخبأ لي ، سمعت صوت انين المتوجع من الالم يئنّ أنينا خافتا ،  اشتدّ فزعي و اشتدّ بي الخوف وانهمرت الدّموع من مقلتي ارتعدت مفاصلي ، وانهارت أعصابي بعد أن اصبحت وحيدة في الشارع  ، ارى من بعيد اخواني وأخواتي يترقبون لحظة الوصول لموقعي أو اصل اليهم ، كانت لحظات قاسية ومريرة ، وأنا اقول يا الهي انقذني من هذا الموقف العسير ، تكرر سماعي للصوت ولكن هذه المرة سمعت صوت خفيفا هادئا ينادي عليه قائلا : انت يا حسناء سنجار . أخذ قلبي يخفق بشدّة من الخوف وجفّ ريقي ، و تراجعت إلى الوراء كالمصعوق ، و انحبس صوتي في حلقي و لم أعد قادرة على النّطق من شدّة الفزع و الاضطراب وأسندت ظهري على سياج احد المنازل ارصد المدينة ارى قباب ومنارات مهدمة وأبواب منازل محطمة وأزقة مملئة بالأنقاض تهب ريح تحمل معها غبار الشارع  ، قلت مع نفسي : لن اخاف الشهادة لكن اخاف ان اقع ضحية وفريسة نتيجة استعجالي والابتعاد عن صديقاتي المقاتلات .
سمعت الصوت مرة اخرى ينادني يا حسناء سنجار ، شعرت بخفقان شديد في قلبي وارتعاش قويّ في أطرافي و قشعريرة تعمّ كامل جسدي وقلت في نفسي : هذا الصوت ليس وهم انه صوت انسان يتألم ، قريب من مكان وقوفي في الشارع .
سمعت الصوت مرة اخرى يقول بهدوء :تعرفين يا حسناء في ليلة من الليالي ، حل الظلام معلنا عن ظلامه ، اختفى نور القمر بالغيوم السوداء القادمة على المدينة ، خيّم على المكان إعصار الحزن والأسى ، اصبح اليوم سكان مدينتنا الجميلة مهجرون متشائمون منتشرون تائهون ضائعون في السهول والوديان والجبال وعلى قارعات الطرق وأرصفة الشوارع .
بادره قائلة بهدوء ولا اعلم مع من اتكلم : منهم والديّ فهم يقيمان في مخيم بعيدان عن ارضهم يحتميان خلف جدران وحصير وخيام ، هكذا ما فعلوه بالأمس مع أجدادهم عندما اخرجوهم من المدن ، بل يظنون انهم يقدموا خدمة لله.
تشجعت والتفت نحو الخلف اتصنت مصدر الصوت انتهت الحيرة و انقشع الحزن ومات القلق ، رأيت شابا ملتحي الوجه شاحب الوجه جميل الطلعة جريحاً يظهر الألم على وجهه  مطروحا على الارض خلف سياج المنزل .
رفعت رشاشتي بوجه و سألته باندهاش: من أنتَ .
قال لي بنبرة حزينة وصوت خافت : أنا أحد أبناء هذه المدينة الذين شربوا من مياهها وأكلوا زادها ووضعوا بين أيديها مصيره ومنحتي ثقتها ، أنا لست من طَعنها بخنجر مسموم في ظهرها ، ولست من اعدائها الذين ثملوا فرحاً ورقصوا طرباً على جراحها .
تقربت بهدوء نحوه ووضعت بندقتي خلف ظهري وقلت له باستغراب لم افهم قصدك وماذا تقول : من أنتَ.
قال بهدوء :يا حسناء سنجار ، أما سمعتَ أن الزمان يأخذ الحبيب ، أنا ابن هذه المدينة التي اصبحت كنائسها ومساجدها مهجورة محروقة ومعابدها مهدمة ، مآذنها باكية ، قبابها دمرت ...من أنتِ .
قلت له : أنا بنت هذا المدينة التي احببتها حبا لا يوصف ، ومن تربعت في قلبي وجعلت حبها وساما على صدري ، ومنها تغار الشمس والقمر وكل البشر ، وطني يا اغلى من عمري ، لأجلك اطرح العالم جانبا فقلبي لن يضم إلا حبك وصدري لن يضم إلا شوقك وحنانك .
تقربت منه اكثر وشعرت انه يستغيث كي اسقيه الماء ورفعت رأسه وبللت شفتيه بعض قطرات الماء التي معي وقلت له : تعال معي لأخذك الى اقرب مستشفى .
قال لي : يا حسناء لقد مضى عليه ثلاثة ايام وأنا جريح .. ولا اقدر ان امشي .
قلت له : انا سأحملك على ظهري وأوصلك الى اصدقائي المقاتلين .
قال : سيقتلوننا القناصة او نقع في كمين .
قلت له : لا تخاف ، المسافة بينا وأصدقائي قريبة لا تزيد عن خمسمائة متر.
كنت احمل معي بعض الضمادات وضعتها على جرحه وقلت له  مستفسرة : أين اصدقائك المقاتلين ؟ قال بصوت خافت : كنا مجموعة من المقاتلين نصد هجوم مضاد وبالمقابل كانوا اكثر منا عدد وأسلحة متطورة ، على اثر هذا الهجوم جرحتُ ولم اخبر اصدقائي المقاتلين خوفا عليهم من ان يصابوا عند اخلائي من المعركة ، زحفت بهدوء واختفيت هنا خلف هذا السياج  ، ثم اردف قائلا تراجع اصدقائي للخلف وكنت على ثقة سيأتون لإنقاذي ، وكان معي بعض الضمادات عالجت الجروح .
قلت له مندهشة : لكن اصابتك  في قدميك.
قال : اصابتي من شظايا لغم انفجر بالقرب مني ، الحمد الله لم تكن قاتله .
قلت له مستفسرة : ولكنك تحتاج الى علاج قبل ان يزداد الالم وتصاب بمضاعفات لا تحمد عقباها .
قال لي بنبرة حزينة : ولكني لا استطيع المشي والنهوض . فقد أصبحت ساقاي غير قادرتين على حملي .
قلت له : سأحملك على ظهري ، لا تهتم ، انا قادرة على ذلك المهم ان نصل الى الاخوة المقاتلين  .
غمرته سعادة لا توصف وظهرت على شفتيه ابتسامة هادئة ، شجّعته بأطيب الكلام داعية لنا بالتّوفيق والوصول الى اقرب مساعدة  ، حملته على ظهري كطفل صغير وعلقت بندقتيه على ظهره وبيدي احمل بندقتي وخرجت نحو الشارع متجه نحو اخواني وأخواتي ، كانت لحظات قاسية ومريرة ، وأنا اسير منحية الظهر ، ولكن العناية الإلهية كانت سببا في انقاذنا من هذا الموقف العسير ، كاد قلبي يقفز من بين أضلعي فرحا وسرورا عندما شاهدت اصدقائي المقاتلين اقتربوا  منا حملوه وأخذوه الى الوحدة الطبية .
بقيت في الجبهة مع المقاتلات نقوم بواجباتنا وحماية المدينة من الغرباء ، وتوالت الأيام متثاقلة متباطئة ارتسمت علامات الحيرة على محياي يا للمصيبة وأحسست بندم لقد نسيت أن أساله ما اسمه ، وأين اجده ،كنت أتحرق شوقا ان اعرف ما جرى له . لقد كان شاب تتوقّد في عينيه عزيمة الابطال وعلى شفتيه ابتسامة هادئة رغم اصابته.
يا لها من مفاجأة سارة خلفت في نفسي البهجة والسرور  والفرح عندما اتصل معي قائد كتيبتنا ويعلمني ان الجريح بخير ويرقد في المستشفى لتلقي العلاج ، طلبت منه اجازة لزيارة الجريح ووافق القائد على ذلك .
في اليوم التالي تركت سنجار متجهة نحو المستشفى ، على كل حال وصلت الى الغرفة التي يقيم فيها داخل المستشفى وجدته يقف امام النافذة ينظر للخارج كأنه متوقع مجيء ، وقفت عند باب الغرفة مترددة خائفة من الدخول عندما رأيته مبتور احد الساقين ،  التفت نحوي مبتسما كان منشرح الصدر تعلو وجهه علامات الغبطة .
قال بفرح وسرور : كنت اتوقع مجيئك للمستشفى وكنت انتظرك ، يا حسناء لو كنت اقدر أن أهديك قلبي لنزعته من صدري وقدمته إليك وأسجل أيام عمري باسمك ، وأقول لك إذا لم تجمعنا الايام جمعتنا الذكريات ، انت هدية لي من السماء عندما وصلتِ الى المنزل المهجور ، انت انقذت ساقي الواقف عليه . 
قلت له : لماذا ناديتني حسناء .
تقرب مني يمشي على ساق واحدة وعكازان وقال مبتسما  : ماذا تحبين ان اقول لشابة لها عينان زرقاوان جميلتان ، يا أطهر وجه في الدنيا ، في عينيك الواسعتان رأيتُ فيهما الأمل ، تحمل بندقية الى جانب رفاقها الرجال لتحرير وحماية مدينتها ووطننا ، أنتِ وصديقاتك المقاتلات اشتركم بهذه المعركة لتعيدوا للمرأة حقوقها التي سلبوها ، لا اريد ان اطيل الحديث اقول لك اهديك قلبي وحبي وعمري لقد اصبحتِ كل شي في حياتي . أنت المنتظرة  .
قلت له : لا أملك أي رد ، لان الكلمات التي اسمعها منك صادقة ، عندي قلب وعندك دقاته ، لم أستطع التّعبير عن بهجتي وغبطتي بالكلام ، سأكتب لوالدي رسالة خذها وسلمها له فهو يقيم في مخيم للاجئين والنازحين  . وخذ الجواب منه ، لم ينبس بأي كلمة لكنه هز رأسه موافقا مبتسما بهدوء وفرح .
يا والدي العزيز  اكتب لك هذه الرسالة و ما جرى معي وحاملها هو الشاب الجريح الذي انقذت حياته ، سيطلب منك يدي فأنت ولي امري والرأي الاخير لك ، أسأل الله القدير أن يوفّقني لرضاك ،  و أن لا يحرمني من عطفك .
التوقيع ـ ابنتك المقاتلة 
طويت ورقة الرسالة وأعطيتها لوالد الحسناء ، قلت له : كانت مقاتلة شجاعة .
قال لي والد الحسناء مستفسرا : متى رأيت الحسناء أخر مرة .
قلت له : رأيتها عندما زارتني في المستشفى و جلست الحسناء في غرفة الانتظار كتبت الرسالة ووضعتها في ظرف وسلمتها لي ثم ودعتني قائلة : لم افكر يوما في حمل السلاح لكنني ادركت ان الامة كم تحتاجني وللمرأة حقوق ولهذا اخترت هذا الطريق ، و إنّي لأدعو لك بالصّحّة الكاملة وأن نلتقي في اقرب وقت ، خذ مع الرسالة باقة زهور الى والدي فهو يحب الطبيعة والحرية ، ثم قبلتني على جبيني وخرجت من الغرفة بعد ان امتلأت عيناها بالدموع عائدة الى جبهة القتال على امل ان نلتقي بعد ان استلم موافقتك لزواجي منها .
مرت الايام و أنا أعدّ السّاعات ، و أنتظر بشوق خروجي من المستشفى لان الطبيب المشرف على علاجي منعي من الخروج حتى تلتئم الجروح وبعد تسعة عشر يوما وفي صبيحة يوم طقسه جميل جاءني الطبيب وقال لي : تستطيع الخروج فأنا مطمئن على صحتك ، غيرت ملابسي وعلى الفور وخرجت من المستشفى احمل معي أحلامي السعيدة والوصول الى دنياي الجديدة .
قال لي بنبرة حزينة : ابني لقد جئت متأخرا حسناءك التي تبحث عنها ليست في جبهة القتال ، انها تقيم منذ عشرة أيام في مقبرة الشهداء ، سَقت بدمائها ارض الوطن ، خذ هذه الزهور وضعها على قبرها ، عانقني والدها وهو يجهش بالبكاء أسفا وحزنا على فقدان الحسناء . ودعته حاملا باقة الزهور متجها نحو مقبرة الشهداء .


120
المنبر الحر / سوق الهرج
« في: 23:44 22/03/2015  »
سوق الهرج

بدري نوئيل يوسف ـ السويد
في يوم من الايام اثناء زيارتي لمدينة السليمانية ،كُسر احدى ذراعي اطار نظاراتي الطبية التي استعملها عند الجلوس امام الكومبيوتر ، على اثرها ذهبت للسوق لتصليح الإطار وبحثت في عدد من محلات بيع الإطارات والعدسات وكل بائع اقترح لي فكرة مختصرها انه لا يوجد في السوق إطار مشابه للمكسور في المدينة ، وعلية لابد من تغير الإطار مما يتطلب تغير العدسات وربما يحتاج الى فحص جديد للبصر ، وهذا سيكلفني مبلغا .. !  نصحني احد الباعة ان اذهب الى سوق الهرج وابحث عن الإطار . في البداية خطر في بالي ان البائع يستهزئ او يمزح معي ، حلف يمينا انه يقول الحقيقة وسأجد الإطار المشابه للمكسور مائة بالمائة لكنه مستعمل ، فرحت وابتهلت لله اجد مبتغاي في سوق الهرج .
اتجهت نحو سوق الهرج الواقع في وسط المدينة ، وكان الله في عون من يدخل السوق من فوضى البيع والشراء ، وهرج وهتافات الباعة وجدالهم مع المشترين وجدال المزادات ، وسط أكوام القمامة والتحف والأثاث القديمة والحديثة ، وهو ما يكسب السوق نكهة شرقية شعبية ، التي تعد من المظاهر المميزة ، يفرش الباعة الارض عارضين بضاعتهم امام المحلات ، ومن الملاحظ ان التكنولوجيا دخلت الى سوق الهرج حيث تسمع صوت المنادي على البضاعة قادم من مكبرات الصوت ، فوضعت المسجلات التي بداخلها قرص مسجل علية اسم المادة وسعرها كأنها متوالية تنادي على البضاعة وسعرها بدون توقف .
سألت احد الباعة اين اجد اطارات للنظارات اشار بيده ورأسه الى محل صغير يبعد عنه بضعة امتار ، توجهت نحوه وسألت صاحبه هل لديك اطارات للنظارات الطبية هز رأسه وابتسم قائلا : انتظر دقيقة .
دخل البائع الى داخل المحل وخرج يحمل صندوق من الكارتون ملئ بالإطارات وضعه امامي وقال : هذه الإطارات مستعملة اختار الاطار الذي تريده .
بدأت البحث عن الإطار المشابه للمكسور بين ما يقارب من ثلاثمائة اطار داخل الصندوق منها تحوي على عدسات وبعضها مكسورة وتجد اطارات تعود لخمسين سنة مضت . وللعلم لم أقًل للبائع انني ابحث عن مشابه للإطار المكسور , لم تمضي على بحثي بضع دقائق واجد في باطن الصندوق الإطار المطلوب ، خفق قلبي فرحا سألته عن سعر الاطار طلب مني الف دينار دفعت له واتجهت مسرعا لمحل بائع النظارات الذي بدوه قام بنقل عدسات المكسور الى اطار سوق الهرج . 
عدت الى المنزل اشكر الله بعد أن عادت نظارتي سليمة وفكري مشغول بسوق الهرج ، أسال نفسي ما هذا السوق الذي تجد كل ما هو نادر وغريب من قديم وحديث وما لا يخطر ببال أحد وما لا تجده في أي سوق أخرى ، وكيف وصل الإطار الى سوق الهرج علما ان باعة الإطارات اكدوا انهم لم يستوردوا من هذه الانواع .
في اليوم الثاني كنت على موعد مع صديقي شيخنا الجليل ، وكالعادة ذهبت الى المقهى الصغير الشعبي القابع في شارع صابون كران الذي نلتقي عادة هناك وبعد الترحيب والسلام طلب لي الشاي وبدأت اقص علية قصة الإطار الذي وجدت له مشابه في سوق الهرج .
 ابتسم بهدوء وقال :الكثير من الناس يقصدون سوق الهرج وخاصة يوم الجمعة ، لغرض البيع والشراء ، ومنهم للتجول والاستمتاع بالفعاليات المميزة والخاصة بهذه السوق ، حيث يزداد نشاطه في هذا اليوم هو الموعد الأمثل لمرتاديه من باعة ومشترين وزائرين ودلالين ، والتي يندر ان تجدها في الأسواق الاعتيادية .
سألته  : ماذا تعرف عن السوق ومتى تأسس .
قال : سوق الهرج معروف في وسط مدينة السليمانية يعود تاريخ تأسيسية الى عام 1900 للميلاد لبيع الأدوات المستعملة والأغراض القديمة جداً والتي تكون ذات قيمة تاريخية أثرية ، وقد تجد هناك فيه كل نادر وغريب وما لا تجده في غيره من الأسواق ، وفيهِ الكثير من التحف الفنية الراقية ويرتاده الناس لانخفاض أسعار بضائعه ، ويعتبر من معالم المدينة ، ويجذب السوق يوميا اكبر عدد من الزبائن الذين تفضل غالبيتهم العظمى لتبضع البضائع بأسعار زهيدة . وتنامي حركة استيراد الاجهزة الحديثة .
قلت : ومن اين جاءت التسمية .
قال : كلمة هرج تعني باللهجة العراقية الدارجة الصخب وسمي بسوق الهرج نتيجة للأصوات العالية للباعة والمنادين على البضائع ، وينادي الدلال بصوت عالي للترويج على البضاعة وبعد أن ترسو على شخص معين يصرخ الدلال بكلمة هرج . ومعنى الهرج في معجم اللغة هرج في كلامه أي خلط ، وهرج و مرج تجدها في القاموس الفارسي بمعنى فوضوي ،أو قد تكون كلمة هرج تعني الرخيص أو (التنزيلات ) كما يحلو لنا نحن العراقيين .
سألته : ما نوع البضاعة التي تباع  في السوق .
قال : عندما تنتبه للبضاعة المعروضة في سوق الهرج تعكس لك صورة من المراحل الزمنية التي مرت بها المدينة او بالأحرى العراق فالسوق لا يخلو من السلع الثمينة والنادرة تجد تاريخ صناعتها يعود لعشرات السنين مضت ، وربما تجد في البضائع المعروضة الكثير مما يعد ثمينًا لقيمته الفنية او التاريخية أو الفلكلورية ، فمن التحف القديمة الى المواد المنزلية والثريات والساعات التي تعلق على الجدران ، والموبيليات القديمة والمسابح المصنوعة خرزاتها من العقيق والفيروز  والكهرمان اي اقصد مصنوعة من مختلف الانواع الثمينة للأحجار الكريمة ، والعدد اليدوية القديمة لأصحاب المهن كالمنجل والسكاكين والمطارق ،  إضافة إلى الصور واللوحات التاريخية  ، والملابس من مختلف المراحل الزمنية ، تختلط في السوق السلعة الثمينة بالبضاعة البخسة فهذا السوق يحفل بالعجيب والغريب . السوق ملئ بالبضاعة المستعلمة فالتجوال بين كل ما هو مستعمل من أجهزة التلفزيون وراديو  وكرامافون واسطوانات  موسيقية وخاصة جقماقجي وأجهزة تسجيل صوتية ذات البكرات والشريط ، وكاميرات وعارضات أفلام سينمائية قديمة ، وقطع أثاث ونحاسيات وفضيات تحولت إلى أنتيك ولوحات فنية ومنحوتات بالإضافة لمكائن الخياطة على سبيل المثال تجد ماكينة سنجر يدوية او عمودية تعود لمائة عام مضت .
سألته مستفسرا :قبل ما نستمر بالحديث عن سوق الهرج ماذا تعرف عن جقماقجي و سنجر .
قال مبتسما : آل جقماقجي عائلة موصلية معروفة ، لها بصمات واضحة في ترسيخ التراث الموسيقي والغنائي العراقي والعربي ، أسس فتحي جقماقجي شركته "شركة جقماقجي" عام 1918 م في الموصل ثم فتح له فرعا في بغداد ، وبعدها بدأت الشركة بتسجيل اغاني المطربين والمطربات لتسجيل اغنياتهم في استوديوهات مؤجرة ثم ترسل الى الخارج لطبعها على اسطوانات وتكون الحقوق محفوظة لشركة جقماقجي، وتعتبر (اول شركة تسجيل في العراق) . اما سنجر هي شركة مختصة في تصنيع آلات الخياطة ، وتعتبر من الشركات الجيدة في هذه الصناعة
 قلت له : شكرا على التوضيح ونعود الى موضوعنا ،كيف تصل البضاعة القديمة الى سوق الهرج .
قال مبتسما : هناك عدد من الدلالين او من يعمل لحساب باعة السوق يتجولون في المحلات والطرقات  والحارات والأزقة منهم بسيارة أو عربات نقل صغيرة وهم ينادون من له بضاعة قديمة من خلال الهتافات والمناداة بالصوت العالي بالكلام الموزون او بواسطة مكبر الصوت احياناً بعبارات تلفت انتباه ربات البيوت وتحثهم على البيع ، ويعتبر المنادي ناجحاً ومميزاً بقدر ما تجود قريحته بعبارات من فلكلور شعبي جميل له جذوره التاريخية وبلاغة في العبارات المرتجلة ، ونداءات موزونة يحبها الناس ويحفظونها وتدخل الى قلوبهم ومسامعهم ، فتكون دافعاً وحافزاً لهم لبيع البضاعة او مبادلاتها ، ومنذ عشرات السنين والدلالين ينادون عتيق (عتيك) للبيع ، وهؤلاء يشترون كل شيء مستعمل وبأسعار زهيدة ، فكثير من العوائل تبيع الحاجيات القديمة من اثاث او اجهزة كهربائية وكل ما تشعر ربة البيت قد اصبح قديما للتخلص منها ، ولا تعرف ان البضاعة المباعة قد اصبحت لها قيمة ثمينة ، وهناك بعض الدلالين المتجولين يبادلون القطع القديمة بقطع من الملابس او بعض الزجاجيات بعد تثمينها .     
سألته مستفسرا : هل يوجد اسواق مشابهة في المحافظات العراقية .
ابتسم شيخنا الجليل وقال بهدوء : في كل محافظات العراق يوجد سوق ، في بغداد يؤكد المؤرخين أن تاريخ سوق الهرج يعود إلى نهايات العصر العباسي ، لقريبة من القصر العباسي ومن قصر إحدى زوجات هارون الرشيد ، وسميت السوق باسم سوق الميدان وهي التسمية العربية القديمة له ، وأقدم من التسمية التركية (سوق هرج) ورغم أن البعض يرجع تأريخ بناء هذه السوق إلى عهد الدولة العثمانية عندما شق الوالي العثماني ناظم باشا شارع سمي باسم شارع (خليل باشا جاده سي) على اسم خليل باشا حاكم بغداد عام 1910 م ، ثم سمي باسم شارع الرشيد .
كذلك في محافظة البصرة يوجد سوق هرج يقع في مركز المدينة في سوق العشار ، ويعود تاريخه الى أواخر العهد العثماني . وسوق هرج محافظة الناصرية يقع بالقرب من جسر نبي الله ابراهيم . و سوق الهرج في محافظة الديوانية يقع في مركز المدينة ، ومازالت الجنابر والبسطات تحتل المساحة الأكبر منه ويقصده الناس من مختلف الطبقات . وفي محافظة كركوك فان سوق الهرج من الاسواق التراثية في كركوك يقابل الجانب الغربي لمقبرة (علي باشا مقبرة شهداء التركمان) والجانب الشمالي يطل على شارع أطلس والقسم الاخر يطل على شارع الجمهورية ، فعلى جانبي السوق تمتلئ الأرصفة بالبضائع الجديدة والقديمة ، مازال يتفرد ببيع البضائع المتنوعة التي تسمى (خردة فروش) ، أي ببيع (الخردة والسكراب) من شتى الأصناف التى تشمل الأدوات  والعدد اليدوية والمنزلية ويوجد سوق ثاني في صوب القورية و يتضمن السوق دكاكين لتصليح الأجهزة الكهربائية والساعات ، في الموصل يوجد  سوق شعبي يقع بالقرب من سوق باب الطوب يقع بين الصوافة وبين منطقة الجوبة وفيه تباع كافة الحاجات والألبسة المستعملة والمواد الكهربائية والساعات والمسابح اليدوية والدراجات البخارية والمسجلات . وكذلك في بقية المحافظات والأقضية  يوجد سوق الهرج .
قلت له : هل ما زال سوق الهرج في بغداد يحتفظ بذكريات .
قال : يحتفظ السوق بذكرياته مع الوزراء والمسئولين في العهد الملكي ، حيث كان نوري السعيد رئيس الوزراء حينذاك يتجول احيانا في هذا السوق ، وفي عام 1932 غنت ام كلثوم في ملهى الهلال الواقع في سوق الهرج عندما زارت بغداد ولم يستوعب الملهى جموع الرواد الذين جاءوا لمشاهدة ام كلثوم والاستماع بصوتها الشجي فافترش الناس ساحة الميدان ليستمعوا الى الحفلة عبر مكبرات الصوت ، وتخليدا لهذه الحادثة أقيم بالقرب من السوق مقهى (كوكب الشرق أم كلثوم) و يستمع رواده للأغاني النادرة لهذه الفنانة الكبيرة الراحلة. ، يتذكر أصحاب المحلات وهم يتداولون قصصا عن زيارة ام كلثوم لبغداد سمعوها من آبائهم أو أجدادهم ، وكانت مقهى البلدية اشهر جيران لسوق الهرج حيث يرتادها البغداديون والساسة والمثقفون ، ويعتبر المقهى علامة من علامات السوق التاريخية ومن مقاهي بغداد التراثية ، وكانت تجاوره سينما رويال وكذلك دائرة انحصار التبغ وخان المدلل . أما اشهر شخصيات سوق الهرج  فهي الدلالة ( حسنة ملص ) التي كانت ترتدي ملابس الرجال وسميت باسم ملص لأنها لم تنجب اولاد ، و(عباس بيزة ) الذي كان يكشف قفاه ورقبته ليضربه الناس مقابل منحه بيزة واحدة والتي كانت تساوي 4 فلوس. وكان هناك القزم( خليلو ) الذي كان يتحدث السياسة دائما ولا يعرف شيء عن السياسة .
سألته : لماذا يتسوق رواد السوق الاجهزة القديمة .
ابتسم وورث سيجارته وقال :  كما تعلم أن غالبية العوائل تريد التخلص من الاجهزة القديمة ، والدلالين الجوالين وباعة السوق يشترونها ، غالبية هذه الأجهزة تصل للسوق وهي غير صالحة للعمل لكونها قديمة وعدم الاهتمام بصيانتها من قبل العوائل ، فمثلا  أجهزة راديو قديمة يعود تاريخ صناعتها إلى نهاية الثلاثينات أو الأربعينات من القرن الماضي تحمل علامات تجارية كانت مشهورة حينذاك أو ما زالت شائعة على سبيل المثال علامة (باي) أو (فيلبس) ، في السوق ترسل كل حاجة لأصحاب الاختصاص أي هناك في السوق فنيين ماهرين لهم خبرة بإصلاحها وصيانتها ، وإذا صعب تصلحيها لعدم توفر قطع الغيار يقوم بعض الزبائن بشراء الحاجة ولا يهتمون كونها  غير صالحة للعمل لأنهم  يستخدمونها كقطعة ديكور ، وتلاحظ الإقبال الكبير على أجهزة الغرامافون والأسطوانات السوداء القديمة ،تلك الأجهزة التي تعمل باليد وليس بالطاقة الكهربائية وتجد في السوق أمهر صلحي الساعات الذين توارثوا هذه المهنة عن والديهم وهم مختصون ببيع و شراء وتصليح ساعات الجيب ، قبل انتشار الساعات اليدوية ، وهذه الساعات القديمة تحمل تواقيع من صنعها أو صممها وهناك من يجمع ساعات قديمة التي تعد من التحف النادرة ويشتريها بأسعار غالية ، وكذلك من يبحث عن هذه مكائن سنجر القديمة سواء لاستخدامها أو للاحتفاظ بها . فكثير من الرواد يشتري الحاجة ثم يبيعها بعد فترة للذين يجمعون الحاجات القديمة بسعر اعلى او يستعملها كديكور ، أو يرسلونها للخارج لتباع بأسواق المزادات للبضاعة القديمة. 
سألته : وماذا عن بقية الحاجات في السوق .
قال : تجد في السوق الأثاث القديم ، على سبيل المثال خزانات الملابس ومناضد ومكاتب والأرائك والكراسي وتبدو تحف فنية مصنوعة من خشب الأبنوس أو البلوط والصاج البورمي ، يتم إعادة ترميمها وصيانتها ، وأسعارها ترتفع باستمرار لأنها بالفعل تحولت إلى قطع أنتيك ، يحتوي السوق على سلع وصور وتحف تمثل ذاكرة العراق في جميع مراحل تاريخ العراق ، وتحكي عادات وتقاليد الناس في ذلك الوقت ، كما تجد صور الملوك والزعماء الذين حكموا العراق ، وهناك قطع معدنية وصور و مسكوكات وميداليات تعود الى عشرينيات القرن الماضي.
قلت : لقد سمعت ان الكثير من الباعة غير أمينين بعملهم ، ولا يخلو السوق من الفساد .
قال :عدد من الباعة متفقين مع بعض الفنيين المهرة من يصنع قطعًا من الحديد والنحاس وألواح خشبية  ، أو اللوحات الزيتية موحيًا بأنها للمشتري أنها قديمة عبر إضافة مميزات توحي بذلك من اصباغ  ونثر التراب ، في محاولة لخداع المشترين الذين ينطلي عليهم الخداع ، وفي بعض الأحيان لا تخلو بضاعة سوق الهرج من الغش ،كما شهد السوق بيع الكثير من القطع ذات القيمة التاريخية المسروقة من مواقع الاثار ، كما استغله البعض في القيام بأعمال منافية للقانون ، و هناك سماسرة لبيع المواد الممنوعة مثل الآثار ، وتداول العملة المزورة ، ولا يخلو السوق من عمليات النشل والسرقات التي وصلت درجة عالية من الحذق والمهارة ، نتيجة الازدحام والفوضى التي تعم السوق ، ويكثر في السوق قصاصي الجيوب وهي قص جيوب الزبون بالموس او الشفرة الحادة في الازدحام بالجمهور ثم استخراج محفظة النقود او وثائق رسمية من جيب الزبون ، وهذه العملية تحتاج الى تدريب مستمر وخبرة عالية ، وعبارة قصوا جيبي جاءت بعدما يعود الرجل لبيته فيجد جيب سترته مشقوقا ولا يجد محفظته او اوراقه الرسمية ، فيقول لزوجته او احد افراد عائلته :  "اولاد الكلب قصوا جيبي" .
استمر بالحديث وقال : سأقص عليك هذه الحادثة قرأتها في المواقع الالكترونية .
في احد الايام اراد مختار محلة الميدان يتحدى عصابة النشالين وبالأخص كبيرهم  ، وهم مشهورون كما قلت بقصاصي الجيوب وينطبق عليهم المثل القائل (يبوگ الكحل من العين) . قال المختار لكبير عصابة النشالين  إن العيب عيب رواد السوق المغفلين الذين لم يراقبوا جيوبهم بحرص وانتباه لما استطاع النشالين من اصحابك الوصول الى جيوبهم و سرقتهم . وليثبت المختار لكبير النشالين وضع كمية من النقود في جيبه عدد من البيزات و البارات العثمانية الساقطة ، ودخل سوق الهرج يتمشى فيه لساعتين من الزمن ليرى ان كانوا سيستطيعون سرقتها منه ، تجول المختار بين الباعة والدلالين ورواد السوق ، ثم خرج وفتش جيوبه فوجد كامل نقوده كما هي بالضبط ، ذهب المختار الى كبير عصابة النشالين في مقهى الميدان وقال له : أنظر ، ها هي نقودي كاملة لم يستطع أي احد من جماعتك سرقتها ، ضحك كبير النشالين ورد عليه قائلا : يا مغفل لقد اخذوها من جيبك خمس مرات ووجدوها بارات ساقطة فأعادوها الى جيبك .
قلت له مبتسما : الى هذه الدرجة من المهارة في نشل رواد السوق هولاء نصابين يأخذون من الحافى نعله.
قال : اسمع هذه الحادثة الطريفة وقعت في زمن سيطرة الدولة العثمانية على بغداد بين عريف من الجندرمة ونشال ، يحكى انه بعد ما انتشرت سمعة النشالين والنجاح المذهل بنشل رواد السوق الذي يتمتعون به ، وصلت اخبارهم للمسئولين عن الأمن والنظام في سرايا الباشا ،ارسل الى السوق عريف من الجندرمة لمراقبة النشالين وحماية رواد السوق ، لكن العريف الموكل بحماية سوق الهرج كان يقاسم النشالين فيما يحصلون عليه ، حدث في احد الايام توفق نشال بنشل محفظة احد رواد السوق ، وبدأ صاحب المحفظة يصرخ ويستغيث : يا ناس ، امسكوه ، حرامي ! نشل محفظتي وفيها عشر ليرات ، يا اولاد الحلال! من شاف محفظة فيها عشر ليرات . في تلك الاثناء وصاحب المحفظة يصرخ كان النشال قد اختلى في زاوية من السوق وفتح المحفظة فلم يجد فيها غير ثلاث ليرات ، بحث  النشال عن الزبون صاحب المحفظة  ولما وجده سلمه اياها قائلا : يا رجل عيب عليك ، حرام تكذب ! هذا أثم راح يحاسبك الله عليه ، تقول عشر ليرات وبداخل المحفظة ثلاث ليرات . انصرف النشال لاستئناف عمله في نشل زبائن آخرين ، ولكن عريف من الجندرمة الموكل لحماية سوق الهرج ، لاحظ ما جرى ، فاقترب من النشال وقال له :اسمع ! انت مجنون! لماذا رجعت المحفظة لصاحبها. اجابه النشال قائلا : يا حضرة العريف هذا الرجل يقول عشر ليرات والمحفظة فيها ثلاثة ليرات فقط ، في آخر النهار انت راح تحاسبني على عشرة وأنا ما قابض غير ثلاثة . اكون خسران بهذه النشلة ، تريد مني حصتك بالنص خمس ليرات والمحفظة ما كان فيها غير ثلاثة ، ارجعها لصاحبه واخلص نفسي احسن من الخسارة .
سألته : ماذا تريد ان تضيف عن السوق .
قال : السوق يحوي على ثروة وطنية كبيرة من الثقافة والفلكلور والآثار اطلب الإشراف على السوق من قبل مراقبين مختصين وشراء القطع ذات القيمة التاريخية والفولكلورية من مقتنيها ، وجمعها في متحف خاص يؤسس لإعادة كتابة تأريخ المدينة .
قلت له :شكرا على هذه المعلومات ،  سأذهب الى السوق وأسال بائع الإطار كيف وصل له الإطار الذي اشتريته
قال : كما تشاء ونلتقي غدا للحديث عن موضوع جديد .ئ
ودعت شيخنا الجليل واتجهت نحو سوق الهرج .... وأنا في الطريق اراقب البسطات المنتشرة على ارصفة الشوارع والتي تبيع البضاعة المكشوفة ، دخلت سوق الهرج وأنا حذر من النشالين او قصاصي الجيوب ، وأملي ان اعرف كيف وصل الإطار الى البائع . ولكن لم اجد البائع لان محله كان مغلق .


121
الدولمة .. بين الامس واليوم  .. !


بدري نوئيل يوسف ـ السويد

اشتريت كتاب من بائع مكتبة الرصيف مقابل بناية سراي السليمانية ، واتجهت نحو المقهى الصغير القابع في شارع صابون كران حيث يجلس شيخنا الجليل كعادته ، نلتقي كل يوم لأسمع ما يروي لي وتعود به ذكريات السنين التي قضاها في المدينة ، لقد تعلق قلبه بالماضي وما يحويه من ذكريات رائعة ،  يتذكر الايام ما فيها من ذكريات حلوها ومرها ، دخلت المقهى وكانت مفاجئة لي ، لم اجد الشيخ في محله وهذه اول مرة اصل قبله للمقهى ، طَلبتُ الشاي وجلست انتظر مجيئه وأقرا في الكتاب ، مرت اكثر من نصف ساعة انتابني القلق ، اتصلت معه تلفونيا وأعلمني انه سيأتي بعد ساعة من الزمن .. !
بدأت اقرأ بالكتاب مرة ثانية حتى يصل الشيخ للمقهى ، لم تمضي على انتظاري نصف ساعة حتى وصل الشيخ يحمل حقيبة صغيرة بيده ، جلس مقابلي اراه تعب شاحب الوجه صامتا كنت أرى نظرات الحزن في عينيه ، يلتقط انفاسه بصعوبة ، متمالك الاعصاب وقد دفن حزنه في اعماق صدره .
قلت له : سأطلب الشاي لك .
هز رأسه موافقا وناديت على النادل ان يقدم الشاي للشيخ ، وكنت ارى ملامح وجهه تدل على التفكير والرزانة والهدوء أكثر من الابتسامة ، وترددت أن أساله لماذا تأخرت أو اين كُنت ، أخذتني الحيرة ، توقف تفكيري ، وهرب الكلام من بين شفتيّ .
جاء النادل وقدم الشاي للشيخ .
قال بهدوء ونبرة حزينة : اعرف ما يدور في فكرك وتريد ان تعرف اين كنتُ ولماذا تأخرت .
قلت له : كنت قلق عليك عندما تأخرت وازداد قلقي اكثر عندما رايتك بهذه الحالة السيئة .
قال بهدوء : كنت اليوم مراجعا لإحدى دوائر المحافظة ، سأقص لك ما جرى معي وكيف حال المواطن عندما يراجع هذه الدائرة ولن تشمل بقية الدوائر .
وصلت الى دائرة (...) الساعة الثامنة صباحا وقفت مع عدد من المواطنين المراجعين الواحد خلف الاخر وبدأ الشرطي بتفتيش الواقفين عند الباب وشملني التفتيش مع حقيبتي الصغيرة المملوءة بالوثائق والمستمسكات والصور الشخصية ، بعد التفتيش سُمح لي بالدخول الى داخل البناية ، وهذا واجب يقدر ويثمن .
صعدت درجا كان الله بعون المعوق او المصاب بعاهة عند صعوده ، ودخلت الى قاعة كبيرة مملوءة بمناضد مكتبية وعلى كل منضدة تجلس موظفتان او أكثر ، وقفت أمام موظفة ممشوقة القامة تقترب إلى الطّول ، ولكنّها ممتلئة ليست بدينة ، خطت على وجهها حواجب كسيوف رسمتها باعتناء ، تضع على وجهها مساحيق التجميل ، شفاه لم يفارقها الأحمر وكحل سميك حول عيناها ، وبدون ان اتكلم معها اي كلمة قالت لي بانفعال : انتظر..!
مدت يدها الى بعض الاوراق أو ملفات من فوق المنضدة  التي امامها وقالت لي : عندي شغل كل هذه المعاملات امامي ، تعال غدا
قلت لها بهدوء : بنتي اريد أسال اين اخذ هذه المعاملة ، اريد اعرف أي موظف سيكون مسئول عليها لتمشية طلبي.
قالت بعصبية : انا لست مسئولة الاستعلامات ، راجع المدير .... !
وقفت في طرف من القاعة المكتظة بالموظفين من كلا الجنسين ارصدهم ، وارى المواطنين المراجعين لمعاملاتهم يتنقلون من منضدة الى اخرى وكأنهم قطع لعبة الداما ، يتحركون بإيعاز من موظف الى اخر ، قلت مع نفسي انهم ذو خبرة ومعرفة بأمور هذه الدائرة  ، تجرأت و سألت الفراش الجالس عند باب احدى الغرف والتي تحمل رقم فقط  ، وهو احد الفراشين المتواجدين في القاعة والجالس كل واحد منهم عند باب كل غرفة : أين مسئول الاستعلامات .  نهض من محله ومد عنقه باتجاه مدخل البناية وقال ببراءة وثقة : الاستعلامات مغلقة ،  انتظر سيأتي المسئول بعد قليل لأنه يتناول فطوره في المقهى القريب من الدائرة .
 انتابني ضجر وصمت عميق ، مضت بضع دقائق وأنا بذهول غريب ، قلت مع نفسي : هذا خطأ في ظني ان الموظفة التي سألتها اولا مهملة ، ولو كان اسلوبها معي غير لائق ، ومن حقها ترد عليه بهذا الاسلوب ربما ظروف العائلة او زخم العمل ، فأنا اعلم ان كل طلب جديد لأي دائرة يحتاج لهامش المدير . وقد قالت لي بعصبيتها راجع المدير .
تقدمت مني موظفة رقيقة القدّ ، وسيمة الوجه ، تنطق عيناها بالصّفا والطّيبة ، سألتني باحترام : يا عم ، هل تحتاج الى مساعدة . قلت لها :نعم عندي هذه الطلب واعتقد يحتاج لهامش المدير ، أخذت الورقة مني وقرأتها وقالت بهدوء : نعم خذه للمدير كي يحوله للموظف المختص ، وتركني وعادت الى منضدتها المكتبية .
سمعت الجواب من هذه الجميلة الانيقة فانطلقتُ مبتهج الفؤاد منشرح الصّدر نحو غرفة المدير واستقبلني عند باب الغرفة الفراش الذي استمد سيطرته من سيده الجالس في الغرفة ووثب من كرسيه ، قائلا : اعطيني الطلب ، اعطيته طلبي ودخل الى الغرفة ولم تمضي لحظات وخرج ، سلمني الطلب وقال خذه غرفة (....) ، شكرته واتجهت نحو الغرفة المرقمة .
دخلت الغرفة وسلمت الطلب الى شاب بدين مستدير الوجه قصير القامة ، تصفح الطلب وكتب جملة من ثلاث كلمات ورسم ثلاث خطوط اعتقد توقيعه وأعطاني الطلب قائلا : خذه للموظفة اول منضدة في القاعة.
وقفت امام باب الغرفة وشعرت بحيرة ويأس وامتلأت نفسي بالحزن والهمّ ، قلت مع نفسي . يعني الطلب أخذه الى الموظفة ذات الحواجب الشبيهه بالسيوف .
توكلت على الله واتجهت نحو الموظفة وقدمت لها الطلب باحترام ، اخذته مني ووضعته على الطاولة وهي منهمكة بالحديث مع صديقتها الجالسة بقربها ، والحديث كان يدور حول وصفة شعبية لإزالة السواد من تحت العيون محاولتان اخفاء الحديث عن السامع ، استمر حديثها عدة دقائق ثم اخذت الموظفة الطلب وقرأته وقالت : انتظر . ابتعدت عن المنضدة عدة خطوات وأنا اراقبها متى ستنهي حديثها وتكتب شيئا على طلبي او تنادي مستفسرة  ، مر الوقت سريعا وأصبحت توقيت الساعة المعلقة على جدار القاعة يشير الى التاسعة ، يعني مضى ساعة وأنا في دوامة ،  تشجعت واتجهت نحوها وقلت لها : اكملتِ طلبي . قالت بانفعال : اعطيني الوثائق ، قدمت لها هوية الاحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقية وصور وكل ما طلبت ، اخذتهم وقلبت الوثائق وقرأتها من الحرف الاول للأخير وتتكلم مع صديقتها المنشغلة بتلفونها الجوال ، رن تلفون الموظفة الجوال اخرجته من حقيبتها وبفرح وسرور فتحت الخط وضعت الوثائق على المنضدة ، وخرجت من مكانها واتجهت نحو خارج البناية .
يبدو لي ان الموظفة التي بجانبها والمشغلة بتلفونها عطفت على شيخوختي وأخذت الطلب والوثائق ونظمت لي الطلب وحررت مسودة رسالة وأعطتني كل الاوراق وقالت خذه للطبع في غرفة الكومبيوتر ، وأشرت بيدها للغرفة ... !
غرفة الكومبيوتر بابها مغلق ونافذتها المطلة على القاعة اسدلت ستائرها ، ومن النافذة يوجد نصف فردة مفتوحة  تكون المراجعة منها ، توحي لك كأن من بداخل الغرفة يعمل في برنامج معقد سري مرتبط بأمن الدولة وليس بطبع الرسائل ، يجلس بالقرب من النافذة المفتوحة شاب في مقتبل العمر يستلم الاوراق ويضعها على المنضدة  ،  صدقني صديقي العزيز كان يلعب العاب الكومبيوتر ، لان زجاج النافذة المفتوحة تعكس ضوء الشاشة ، لحظات وأخذ جميع الاوراق التي معي وقال : انتظر حتى اطبع الرسالة شكرت الله انني سأنهي الطلب واصل قبلك الى المقهى.
يوجد بالقرب من نافذة غرفة الكومبيوتر ثلاث كراسي وأريكة ، اعتقد من بقايا الدولة العثمانية ، جلستُ انتظر اكمال الطبع ، وعيني على ساعة الجدار والتوقيت يقترب من العاشرة صباحا .
بدأت حركة غريبة بين الموظفين وكأن شيء سيحدث سألت رجلا يجلس بجانبي هل هناك شيء حدث في الدائرة .
قال : لا ، الساعة العاشرة موعد استراحة الموظفين نصف ساعة .
على كل حال أزداد فضولي لمعرفة ما يحدث وأنا اراقب الموظفين من يحمل كوب القهوة والآخر قدح للشاي ولفة طعام يتنقلون بين الغرف يستعدون لوليمة او دعوة لاحتفال ، والموظفات فتحن حقائبهن وأخرجن اكياس الحلويات و المعجنات ، والغريب ان سخانات الماء الكهربائي مخفية بدولاب الموظفين بدأ تعمل وسخن الماء وصب الشاي في الاقداح .
في زاوية من القاعة تجمع ما يقارب عشرين مواطن مراجع وأنا من ضمنهم ، قلت مع نفسي : فعلا انه امر غريب ما يحدث لان لم يمضي على بدء الدوام غير ساعتان ولم ينجز اي طلب ، أين الرقابة وأين المدير ...!  ومتى جاع الموظفين وكيفوا تعبوا لأخذ هذه الاستراحة .
في هذا الاثناء دخل الى القاعة رجلا بالعقد السادس يحمل قدر متوسط الحجم تفوح منه رائحة البهارات السبعة ويتصاعد البخار منه ،  تلحقه الموظفة ذات الحواجب الشبيهة بالسيوف تحمل صينية من الفافون وكيس نايلون ، واتجها نحو احدى الغرفة ودخلا ، لم تمضي لحظات والتف حول الطاولة عدد من الموظفين وافرغ قدر الدولمة فوق الصينية وفرش الخبز الرقيق والخضروات وبدأ المدعوون بتناول الدولة ، تذكرت بالأمس عندما كنا نقوم بسفرة (سيران) الى منطقة سياحية تدعونا إلى التّمتّع بمناظرها السّاحرة و جمالها الخلاّب ، ونبسط غطاء رصصننا عليه الأطعمة وتكون الدولمة من بين اطباق الطعام التي ترص ، لا تكاد تنافسها أي أكلة أخرى ، وحضورها مهم على كل مائدة ، وعلى رأس لائحة متطلبات الضيافة واليوم وأصبحت فوق المناضد المكتبية  ، هنيئا لهم وبالعافية .
سألته باستغراب واندهاش : لماذا تقول لهم هنيئا .
قال بنبرة حزينة : لان هم سلاطين بامتياز  ، و محصنين ومحميين من اسيادهم المدراء لان طبق من الدولمة ادخلته الموظفة ذات حواجب السيوف الى غرفة المدير او من يقوم بمقامه .
قلت له : ربما هناك مناسبة او احتفال .
قال بعصبية : هذا يسمى فلاتان وتسيب العمل ، في الدوائر الرسمية يوجد ضوابط وأصول ، وإذا كان هناك استراحة فعلى الدائرة تخصص غرفة خاصة يستريح في داخلها الموظف وليس الجميع الموظفين في وقت واحد يوقفون العمل ، المفروض جزء يعمل والآخر يستريح ، ولا يوجد في كل دوائر العالم قدر دولمة يفرغ في صينية ويؤكل من الموظفين امام المراجعين ، وهل هناك موظفة تترك عملها بصحبة فراش لتجلب القدر الى الدائرة في الوقت المعين ، وعلى اعصاب كل المراجعين الواقفين في القاعة الذي يتمتمون مع انفسهم بجمل وعبارات لا تليق بمكانة الدائرة . 
قلت له : وهل اكمل طبع الرسالة .
قال : لان الكهرباء قطعت والمولدة عاطلة ، ثم استمر بحديثه قائلا : هذه الحالة يجب ان تحل من قبل المسئولين وهذا النمط من المعاملات الحكومية للبقاء على البيروقراطية ، تغيرت كل مؤسسات الدول وأصبحت دوائر الكترونية ومازلنا  نحتفظ بكراسي ومناضد مكتبية من بقايا العهد العثماني او زمن الملك غازي .
قلت له : ما رويته لي هو اذلال وإساءة للمواطن وانتهاك حقوقه ، و المواطن المراجع يجب أن يكون صاغرا وطائعا لما يمليه له الموظف مع كل التقدير .
قال بهدوء : لم تكمل معاملتي والتي لا تأخذ اكثر من عشرة دقائق لموظف يحترم قدسية عمله ، عليه غدا سأذهب ثانية وأتابع طلبي ربما ستأخذ عدة ساعات مع العلم اننا في عصر السرعة والتكنولوجيا التي توفر الوقت والجهد والمال لا اعلم لماذا لا يكون دوام الموظف ثمانية ساعات ويحسب على عدد الساعات التي يقدم عمل بها ، والبدء بإصلاح  النظام الاداري ومعالجة الدوائر التي تتصف بالتقصير والفتور في مهام عملها .
سألته باستغراب : لماذا لم تأخذ احد من معارفك الى مدير الدائرة فيكون لك عونا وتنهي طلبك بأسرع وقت .
قال : لا احب ان اكون ثقيلا على اصدقائي ، فهذه الشيخوخة في الدوائر تراكمت عليها ظواهر سلبية ، ولكن ستنتهي عن قريب ، اذا جاء التغير الالكتروني للدوائر وتحويل كل الملفات الى قاعدة بيانات ، والتغير قادم لان الاقليم جاد بتغير النظام الاداري من كلاسيكي قديم الى نظام الكتروني حديث ، وتتحول من نظام اوراق الى شبكة الكترونية ، قلت له :اتمنى ذلك ، وكان الله في عون المراجعين . 


122
الما يعرف تدابيره حنطته تأكل شعيره

بدري نوئيل يوسف ـ السويد
قصة قصيرة أحداثها من نسج الخيال، وأي تشابه ما يحدث في الواقع ليس إلا من باب الصدفة .
يحكى أنه في احد المعامل كان هناك مهندسة ميكانيكية شابة جميلة محبوبة من جميع العاملين ، تصل إلى المعمل مبكرا لتبدأ العمل بهمة ونشاط وعدم إضاعة الوقت دون تلكؤ أو ضجر ، كانت سعيدة جدا لأنها تقوم بواجباتها على أكمل وجه من تلقاء نفسها ودون ضغوط من أحد ، تراقب عمل آلات وتشرف على عدد كبير من العمال ، بحضورها ازداد الانتاج ، يدفعها إلى ذلك حبها للعمل ، ثم العاملين كونهم فريق عمل متناسق متعاون معها وتعتبر المعمل جزء من كيانها وتشعر فيه بالراحة والسعادة . 
كان مدير المعمل المكلف من الشركاء (اصحاب المعمل ) مبهورا مندهشا وهو يراها تعمل بكل هذا النشاط والحيوية دون إشراف أو مراقبة ، بعد تفكير طويل ويسأل نفسه إذا كانت هذه المهندسة تستطيع أن تعمل بكل هذه الحيوية ، وأن تنتج بكل هذا الزخم دون إشراف أو مراقبة ، فمن المؤكد أن إنتاجها سيتضاعف كثيرا فيما لو كان هناك من يراقبها .
بدأ مدير المعمل يبحث عن موظفا يقوم بهذه المهمة ، وعلمت زوجته بما يدور في افكاره وباله ، ولها اخ تخرج حديثا من الاعدادية وبعد ضغوط من الزوجته وإلحاح وبين القال والقيل والخوف من زلة لسانها ان تكشف المستور للشركاء ، وافق على تعين اخيها بدرجة مستشار ذي الخبرة القليلة (كالأطرش في الزَّفَّة ) ، وطلب منه كتابة التقارير اليومية ، وافق المستشار الحديث على القيام بهذه المهمة وكان له ما أراد مدير المعمل وقدم له راتبا مجزيا بالإضافة لمكتب في المعمل وسيارة حديثة تبقى تحت تصرفه .
تسلم المستشار مهام عمله وكان أول قرار اتخذه هو وضع نظام صارم للحضور والانصراف ، ولتطبيق هذا النظام يحتاج  إلى سكرتيرة جميلة دلوعة تساعده في كتابة التقارير وضبط المواعيد وتقوم بتنظيم الأرشيف ومراقبة المكالمات الهاتفية وأعمال أخرى هي من طبيعة عمل السكرتارية ، وقع اختياره على بنت الجيران واخذ موافقة مدير المعمل وتعينت السكرتيرة  (أكل ومرعى وقلة صنعه) فهي ايضا تحتاج لمكتب وأثاث.
كانت سعادة مدير المعمل غامرة بالتقارير التي أخذ يرفعها له المستشار عن سير العمل وينطبق على المدير المثل القائل(إذا كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم) ،بعد عدة أسابيع طلب مدير المعمل من مستشاره أن يُعِدَّ له تحليل لأوضاع السوق ورسوما توضيحية تبين معدلات الإنتاج ، موثقة بالأرقام والرسوم البيانية والإحصائية لاستخدامها في اجتماعات مجلس الإدارة خلال العروض التي عادة ما يقدمها لأعضاء المجلس ، الأمر الذي اضطر المستشار  إلى شراء جهاز كومبيوتر جديد وبرامج خاصة لهذه المهمة وطابعة حديثة ملونة واستحداث قسم خاص للمعلومات والبرامج وتعيين موظفة لإدارة هذا القسم ووقع اختياره على اخت زوجته (تساوت الگرعه وأم زلف ) التي ليس لها خبرة في مجال البرمجيات وأصبحت رئيسة لقسم البرمجيات وعليه تحتاج الى مكتب مؤثث وأجهزة كومبيوتر حديثة  .
لم تستسغ المهندسة لهذه الأعمال الورقية الزائدة عن الحد ، وكرهت الاجتماعات التي كان يعقدها المستشار لها يوميا ، وتستهلك أغلب الوقت وتعطلها عن العمل ، أما مدير المعمل فقد كان سعيدا بما يجري ، لذلك رأى أنه قد حان الوقت لتعيين مدير للإدارة بعد أن تشعب العمل في الاقسام الحديثة وأصبح بحاجة إلى من يضبط إيقاعه تدخلت الزوجة وفرضت رأيها فوقع اختياره على زوج صديقتها وتعين مديرا للإدارة مدعيا انه يحمل شهادات عليا من أعرق الجامعات الغربية في الإدارة الحديثة ، وما أن تسلم مدير الادارة مهام عمله حتى أمر بشراء اثاث تليق بالمكتب الفخم الذي سيدير العمل منه ، ويكون المكتب ذو مواصفات خاصة تناسب ساعات العمل الطويلة التي سيقضيها في المكتب ، وكان طبيعيا أن يحتاج أيضا إلى جهاز كومبيوتر ، وإلى سكرتيره اختارها بعناية كي يعينَها على القيام بأعباء الإدارة الجديدة ، فوقع اختياره على بنت الخال مدعيا انها خريجة جامعة وأوكل إليها مهمات عديدة . وهكذا بدأ مدير الادارة  ومن معه حاميها حراميها بتعين فضائيين من عمال ومستخدمين في المعمل وتنظيم دورات فنية وإفادات للخارج ومصاريف (حچاية مالها نهاية ) ومدير المعمل نائم ورجله في الشمس ومشغول بحاله (حكلي واحكلك) و (شيلني واشيّلك) .
مرت فترة زمنية وجاء موعد اعداد الميزانية للمعمل وعليه طلب مدير المعمل من مدير ادارته الجديد ، وضع ميزانية للخطة الإستراتيجية المتكاملة السنوية . وبعد ايام قدمت الميزانية التي أصبحت ارقام خيالية من العمال والمصروفات (مال عمك ما يهمك)  ، كما لاحظ مدير المعمل أنّ إنتاج المعمل قد انخفض كثيرا ، وأن التكاليف قد زادت بنسبة لا تتوافق مع كمية الإنتاج التي تراجعت بشكل ملفت وهكذا تحول مقر العمل الذي كانت المهندسة ومن معها من العمال يشعرون بالسعادة والألفة فيه إلى مكان كئيب ، واختفت البسمة من على وجوه العاملين .
احتار مدير المعمل كيف يقدم ميزانية المعمل الى الشركاء  ، فقرر أن يجري دراسة على بيئة العمل ليعرف موضع الخلل ، ولأن دراسة من هذا النوع تحتاج إلى مختص ذي خبرة طويلة فقد قرر أن يسند هذه المهمة إلى مفتش ذات مكانة مرموقة وشهرة واسعة في هذا المجال ، وطلب من مدير ادارته ان يختار مفتش وتم اخيار صديقه وأصدر قرارا بتعينه مفتش عام للمعمل براتب خيالي وعمولة مغرية والذي لا خبرة له في هذا المجال ، وكلفه بعملية التدقيق هذه ، وطلب منه اقتراح الحلول المناسبة لمعالجة انخفاض الانتاج . (الجذب المسفّط احسن من الصدك المخربط) . صور المفتش العام مهمته لم يكن عمله سهلا  ، كما هي عادة الخبراء والمستشارين الذين يقضون الكثير من الوقت في البحث والدراسة والتحليل ويضخمون الأمور قبل أن يخرجوا بالحلول التي عادة ما يصورونها لنا صعبة ومعقدة ولا نتوقع أنها حلول سحرية لحل قضية المعمل .
قضى المفتش العام فترة قاربت ستة اشهر ينقّب في دفاتر المعمل ، ويفحص خطوط الإنتاج والمداخل والمخارج قبل أن يخرج بتقرير ضخم يحتاج مدير المعمل إلى ساعات طويلة لقراءته وفهمه ، لكنه توصل في النهاية إلى أن هناك تضخما وظيفيا في الدائرة ، وأن العلاج الوحيد لهذا التضخم هو التخلص من بعض الموظفين الذين يشكلون عبئا على المعمل.
لم يكن أمام مدير المعمل بعد هذه الدراسة ذات الكلفة العالية التي تكبدها المعمل سوى الخضوع للحل الذي اقترحه المفتش العام في تقريره ، ولكن من تراه أول من يقع الفأس بالرأس ويفصله من المعمل .
لقد كانت المهندسة التي قال التقرير إن الحافز للعمل قد انعدم لديها ، وأنها وقفت موقفا سلبيا من التغيرات الحديثة التي حدثت في المعمل ، ولم يتذكر مدير المعمل كيف كان المعمل أكثر إنتاجا وأفضل بيئة قبل أن يطرأ عليه كل هذه الأحداث وحولته إلى بيئة فاسدة لا تشجع على العمل والإنتاج .
فصلت المهندسة من عملها ولملمت حاجتها من المعمل وودعت من قبل العاملين المخلصين وعادت الى المنزل والدموع في مقلتيها تشكي حالها لوالدها الشيخ الوقور جلست بجانبه وقال لها : يا ابنتي اسمعي هذه القصة .
يحكى في قديم الزمان كان هناك رجلا من تجار الحبوب في بغداد كان ذا ولع عظيم بتربية الخيل واقتنائها ، فكان يبذل الغالي والنفيس في شراء ما يعجبه من الخيول ، وكان الرجل يتاجر بالحنطة والشعير ، فيأخذ منها ما يقدر عليه في كل سنة إلى بعض المدن ، فيبيعه فيربح منه الشيء الكثير ، ويعود إلى بغداد في كل مرة سالما غانما ،
وفي إحدى السنين ، أخذ الرجل مقدارا عظيما من الحنطة والشعير على عادته ، وسافر بها إلى مدينة الموصل ، فوجد سوق الحبوب فيها كاسدة في تلك السنة ، فباع الحنطة بثمن بخس ، وأخذ المال وذهب إلى أحد الخانات ليقضي فيه ليلته ، فرأى في الخان رجلا من تجار الخيول ، معه حصان أصيل ، عظيم الشأن ، معروف النسب ، يريد بيعه ، فساومه على الثمن حتى اتفق معه على أن يشتري منه الحصان بمبلغ يعادل ثمن الحنطة التي باعها في صباح ذلك اليوم ، وذلك من شدة اعجابه بذلك الحصان وتعلّقه به .
وبقي الرجل ينتظر بيع الشعير ليعود إلى مدينته ، ولكن سوق الشعير أصابه من الكساد ما أصاب سوق الحنطة ، فانخفض سعره إلى النصف ، أو الثلث عمّا كان يتوقّع أن يبيعه ، فبقي الرجل ينتظر تحسن حالة السوق ، وهو خالي الوفاض من المال . فأضطر أن يقدّم لحصانه بعض الشعير كل يوم ليتقوّت به ، واستمر الحال هكذا أياما طويلة ، حتى قضم الحصان كل ما كان مع الرجل من الشعير ، وكان للرجل مسبحة كهرمان غالية الثمن ، فباعها وقرّر الرجوع إلى بغداد خائبا ، مفلسا ، حيرانا ، أسفا .
هكذا يا ابنتي حال اصحاب المعمل (الشركاء) ينطبق المثل عليه (الما يعرف تدابيره حنطته تأكل شعيره ) . خسروا المعمل والإنتاج والمهندسة معتمدين على مدير المعمل الذي كان حاميها حراميها .

123
المنبر الحر / اسماء غريبة
« في: 23:56 27/02/2015  »
اسماء غريبة

بدري نوئيل يوسف ـ السويد
بعد أن غادرت المنزل متجها للقاء صديق دعاني لتناول طعام الغذاء في مطعم يحمل اسم مدينة اوربية خالدة مليئة بالمعالم والآثار العظيمة فهي مركز لأعظم الحضارات اشتهرت بفنها المعماري وتماثيلها ، وقفت على قارعة الطريق انتظر قدوم سيارة أجرة (تاكسي) ، لا يكاد يخلو شارع من شوارع مدينة السليمانية إلا وقد غص بالكثير الكثير من المحلات والأسواق التي زاحم بعضها بعضا في مظهر اقتصادي يضطرب بالحركة والعنفوان ، ولكن ما إن رفعت رأسي نحو الجهة المقابلة وقع نظري إلى مستوى لوحة احد المحلات فهي حديثة وعلى أحدث وأرقى التصاميم الحاسوبية ، إضاءتها كالشمس في رابعة النهار تحمل اسما لا يتناسب مع نشاط المحل لبيع الاحذية يحمل اسم شاعر كبير معروف بقصائده وأثره الثقافي ، ما يجعل الاسم موحيا لغير ما يقوم به المحل من نشاط ، التفت للخلف اي للجهة التي واقف ، وقع نظري على مطعم شعبي صغير  يتصاعد الدخان من منقلة الفحم فهو يشوي الكباب واللحم وكان الله بعون المحلات التي بجانبه والشقق السكنية فوقه ، علق على واجهه المحل لوحة بعرض لا يقل عن مترين تحمل اسم عالم شهير في الفيزياء .
قلت مع نفسي ما علاقة هذه التسميات التي لا تتناسب مع نشاط المحل . ولماذا اعتمد اصحابه على الاسم التجاري الغريب وما علاقة الحذاء بالشاعر ، او الكباب بالفيزياء او المطعم المدعو اليه باسم روما ، هل من أجل الإيحاء للناظر الى اليافطات بأن السلع الموجودة ذات قيمة وجودة عالية. أو لمعايير سياقية ونفسية واجتماعية. وهل إطلاق المصطلحات والأسماء التجارية مفتوح على مصراعيه لمن يريد أن يسمي كما يشاء؟
عدت الى حافة الرصيف ابحث عن سيارة أجرة وكأني واقف على مدرجات في حلبة سباق السيارات لان سرعة السيارات التي تمر امامي غير مسموح داخل المدن ، لم تمضي لحظات وإذ بسيارة تقف امامي لوح لي سائقها بيده وفهمت منه ان اصعد وبرغم حالة السيارة (التاكسي)المزرية إلا أني ركبت فيها. 
قلت  له اوصلني الى مطعم روما .
ابتسم وقال : بكل سرور ورحب بحفاوة .
حاولت  ان اشد حزام الامان لكنه لا يعمل سحبته عدة مرات وقبل ان أساله عن حالة الحزام سبقني
قائلا لي  : ليس ضروري ان تشد الحزام انتَ ،المهم حزام السائق .
رفعت يدي للسماء طالبا من الرب ان اصل مطعم روما سالما .
تحدثت للسائق بابتسامة مستفسرا:هذا التاكسي آخر مرة نظفته عندما كان الملك فيصل على العرش .
ضحك الرجل بود : لا يا اخي كنت قبل دقائق انقل اغنام من احد المنازل الى محل للذبح .
سألته مستفسرا : تقصد نقلت الاغنام من المنزل الى المجزرة .
ابتسم وهز رأسه نافيا وطقطق بفمه وقال : لا....  نقلت الاغنام الى سقيفة بعيدة عن اعين الرقابة يقوم قصاب بذبح الاغنام ثم تنقل اللحوم للقصابين لبيعها .
لحظات انظر اليه مستغربا على صراحته وشجاعته وهو يبوح لي سر من اسرار المخالفين والخارجين عن الرقابة الصحية وقانونين النقل .
سألته مستغربا : ربما تكون الحيوانات مريضة .. 
ضحك بصوت عالي وقال مستهزأ : اخي انت تأكل اللحم ني لو مطبوخ ، هذه المحلات الصغيرة بل اكبر المطاعم التي تبيع الكباب واللحم المشوي تشتري الاغنام المذبوحة من هذه السقيفة ولم نسمع انه تمرض
 زبون واحد ..
قلت بنبرة حزينة مستفسرا : قصدك الذبح والبيع بعيداً عن أعين الرقابة الصحية والبلدية. يعني (لا من شاف ولا من دري )
خفف سرعة السيارة وتوقف على جانب الشارع الدائري وقال بانفعال : اخي تفضل انزل والله معك تريد تقطع رزقنا بهذه الاسئلة والأجوبة .
قلت له باستياء وضجر : وما علاقتي برزقكم ، ثم انا لم اصل المكان الذي اقصده .
اخرج من جيبه علبة سجائر وورث سيجارته ونفث دخانها وتنهد وقال ببرود : سيارتي تعطلت ولهذا توقفت تفضل انزل مع السلامة .
قلت له :كما تشاء !... كم تريد اجرة  هذه المسافة .
قال لي : الله معك .. خليها على حسابي .
ترجلت من السيارة ووقفت على رصيف الشارع الدائري حائرا العن الساعة التي ركبت مع هذا السائق وبعد تفكير قررت ان اتجه نحو المطعم مشيا على الاقدام .
اصبح الشارع الدائري في مدينة السليمانية شريان حيوي يربط بين أحياء لم يكن لها وجود على خريطة المدينة رأت النور في بحر  العشرين سنة الماضية ،  وعلى احدى جانبي الشارع انتصب عمارات سكنية حديثة تلفت انتباه الزائر الى السليمانية هذه الايام ، محاطة بسياج جميل سميت باسم القرية الالمانية ولا اعلم لماذا اختار  المستثمرون هذا الاسم ولم تسمى باسم شعبي كردي جميل .
بالقرب من هذه القرية المانية هناك ابراج سكنية حديثة على امتداد الشارع سميت باسم اصحابها اي مدينة فلان (سيتي ... ، وقرية فلان .... ومحطة وقود باسم امستردام . وأسواق باسم سيتي سنتر  وسيتي ستار ومدينة العاب كبيرة باسم جافي لاند ...وأسواق الجميزة ..... وأحذية اوكي ... الخ
اصبح الاتجاه إلى تسمية المحلات بمسميات غريبة ظاهرة ملفتة ، وكثير من هذه العناوين أسماء غريبة أو طريفة أو دخيلة الهدف منها لفت الانتباه واجتذاب الزبائن .
واعتقد ان أنّ المرء ، حين يقرأ لوحة إعلانية كُتًبَت بالأجنبية او تحمل اسما اجنبيا ، يتسلَّل إلى الذهن تصوّر ما ترمي إليه ثقافة الأجنبي المنشَأ ، فتغدو رؤية اللوحة الأجنبية حافزاً للربط العلاقة بين الاسم والمسمَّى.

فمعظم المحلات يديرها الشباب ، وهذه المصطلحات الغريبة والطريفة جزء من مفردات الشباب ، ومفردات الحياة اليومية التي يستخدمونها في هذا الاتجاه سيلقى قبولا لدى المستهلك. وهو المنحى التجاري الجذاب الذي يتوافق مع الشباب والفئات العمرية التي ستقبل على البضاعة .
على سبيل المثال هناك في بغداد محلات مشهورة وتحمل اسماء غريبة مثل مرطبات الحاج زبالة وكعك السيد .
واصلت السير باتجاه مطعم روما وأنا التفت يمين ويسار اقرأ اليافطات ولوحات المحالات التي تثير العجب والاستغراب .. على كل حال وصلت الى المطعم الذي كان منزلا حسب ما اعتقد تم تحويله لمطعم فقد وضع صاحبه بعض التماثيل الصغيرة امام المدخل محاولا جذب انتباه الزبائن .
دخلت المطعم واستقبلني صديقي الذي كان بانتظاري وبعد الترحيب جلست الى الطاولة ، لم تمر ثواني وإذا بالنادل يهل علينا حاملا كراس اسماء الاطعمة التي يقدمها المطعم . وقع اختيارنا على نوع من الطعام وابلغنا النادل بطلبنا . وحتى وصول الطعام قصصت لصديقي ما جرى لي مع سائق الاجرة ثم تحدثت عن الاسماء الغريبة التي تحملها المحلات في شوارع السليمانية وبقية المحافظات .
قال باستغراب : هذه اول مرة اسمع سيارة اجرة تنقل اغنام ...
قلت مبتسما: ربما تجنبا من عيون الرقابة او هناك سببا اخر .
قال بنبرة هادئة : صديقي العزيز أصبحت موضة وتقليعة مسميات المحلات الغريبة التي يتطلع إليها أصحابها ، بعض هذه المحلات تضع يافطات عشوائية دون النظر إلى النشاط الذي تقوم به على سبيل المثال فرن ومخابز نالي وما علاقة نالي بالخبز  فهذا الرجل شاعر ، كما تظهر لوحات الإعلانات بأسماء غريبة في كل يوم .فقد قرأت في احدى الصحف العربية انه وضع كلمة  " الذواق " على محل للأحذية ، بدون الانتباه  لمعنى أو مدلول الاسم ، واعتقد اختيار اسم المحل أمر له تأثير كبير على إقبال الناس .
قلت له : كأن التجار في حالة تنافس في اختيار الأسماء الغريبة ، كما أن بعض المحلات يأخذ صفة الأسماء الطريفة والمضحكة ، حتى إن بعض الأسماء يكون غريبا وغير مناسب للمكان ، وأصبحت أسماء المحلات الغريبة ظاهرة لافتة انتباه الجمهور الذي يتجاوب مع أي ظاهرة غريبة أو عنوان غريب لاجتذاب أكبر قدر من الزبائن .
قال لي بنبرة حزينة  : أسماء المحلات أصبحت موضة مثل أي شيء في عصرنا ، فصرنا نتباهى بكل ما هو غريب ، وحسب قناعتي ان واضعي اسماء المحلات ثلاثة فئات ، من يبحث عن الإثارة ، ولا يفكر في البحث اللغوي عن المعاني العربية او الكردية وخاصة هاتان اللغتان دارجتان الاستعمال في المدينة ، والأخر يستخدم اللغة الأجنبية معتمدا على الإثارة التي تخاطب الذين لا يحسون بلغتهم ودلالاتها العميقة ، والآخرون الذين يقلدون أسماء قرؤوها في مجلات سياحية او مواقع التواصل الاجتماعي اخذوها وعلقوها على واجهة محلاتهم . أو جلبوها معهم اثناء زيارتهم لدول اجنبية أو عربية .
قلت : الكثير من اصحاب المحلات يقومون بكتابة الاسم التجاري الاجنبي بحروف عربية فلا تكتب ترجمة الاسم باللغة العربية او الكردية ولا يكتب  بحروف اللغة الأجنبية الاصلية .  وهذا مظهر غير حضاري مما يجعله يبرز بطريقة سيئة . على سبيل المثال هناك محل يحمل اسم (تيك فاست فود ). 
قال : هذه طريقة التجار في التعامل مع السلع والمحلات ، ويعتبر ما يحدث على واجهات المحلات وعناوينها تقليداً أعمى يهدف إلى لفت الانتباه ، وأضحت موضة عصرية ذات دلالة على العصر الحديث .
قلت : اعتقد ان بعض التجار او اصحاب المحلات لديهم أهداف منها البحث عن كل ما هو غريب وجديد ، واستغلال تشابه بعض الأسماء أو تغيير بعض الحروف في بعض المسميات حتى يضع عنوانا مشابها لماركة عالمية ، أو شركة معروفة ليستفيد من شهرة محله وعلى سبيل المثال تجد في السليمانية اسم ماكدونالدز اصبح مادونالدز بحذف حرف والبقاء على نفس تصميم الشعار .
قال : لم يعد مستغربا في الكثير الشوارع تصادف محلاً تجارياً او مكتب عقاري او مطعم باسم أحد ابطال مسلسل تلفزيوني او تسمية غريبة جاءت ضمن حوار الممثلين في المسلسلات التلفزيونية المدبلجة التي تابعها المشاهد وغيرها من أسماء لها صدى. وهذا الاسم قد يكون احد اهم الاسباب التي تجلب النظر وتثير الانتباه مما يقود الزبون حتى ابواب المحل .
قلت : أن مسميات المحلات والمراكز التجارية تخضع لرقابة المحافظة او البلدية وهذا واجب المراقبين ذو الاختصاص عندما يجدوا مسميات غريبة تخدش الحياء ،  واعتقد من صلاحية المراقبين عدم منح تصريح رخصة العمل إلا إذا تم التعريف باسم المحل وجمالية الاسم ، والتأكد من وسائل الأمن والسلامة ،  حيث اللغة العربية والكردية فيها العديد من المسميات والألفاظ الجميلة التي يمكن استخدامها ، ولا حاجة لغيرها من اللغات.
قال : أن العديد من الشباب خريجي الكليات لم يجدوا عملا في مؤسسات الدولة فيفضلون فتح محلا تجارية ذات الأسماء الأجنبية ، ومن الملاحظ على اليافطات المعلقة على الواجهات لها جمالية واللون الذهبي والفضي والأسود تبقى من الألوان الجاذبة عند كتابته يافطة المحل .
قلت : فقد انتشرت هذه المسميات الغريبة ليس على المحلات فقط ، وإنما على ملابس الأطفال وعلى الحقائب المدرسية أيضا وكثير من المسميات لها معاني قبيحة .
قال : هذا الموضوع مهم جدا .. ويحتاج الى مراقبة فقد انتشرت صور وكلمات وربما جمل على الملابس  منها لرموز لفئات لهم طقوس غريبة بالعالم لا يُفهم معناها مثل علامة الجمجمة وبعض العظام ونلاحظها مطبوعة على الإكسسوارات والملابس .
قلت : لك أن تتخيل رجلاً محترماً (ملء ثيابه) ، وكثير من الشباب الملابس التي يلبسونها ، تحمل بعض الكلمات بخط عريض بارز تعكس دلالات فكرية وأخلاقية  غريبة ، وكثير هذه الألفاظ ذات البعد الرخيص ، مكتوبة على الملابس الملونة الرخيصة والغالية .
جاء النادل يحمل اطباق الطعام يساعده شاب اجنبي من جنوب شرق اسيا بحمل بعضها . فرشت الاطباق على الطاولة .. وبدءنا بتناول الطعام .
قلت بهدوء : انه غزو فكري
قال :  نعم إنه غزو فكري يؤثر علينا ، نعلم أن اللباس حرية شخصية خاصة لكل إنسان ، والمصيبة أن
يجد الكثير من الشباب من كلا الجنسين أن مفهوم التطور والثقافة هو بتقليد الغرب فبدءوا يلجئون إلى الملابس الغريبة ليبدوا وكأنهم غريبو الأطوار باتوا كثرين في الأماكن العامة ، ونراهم في كل مكان ، وبعضهم يثير الاستهجان ، اخذوا سلبيات الغرب التي ستؤثر علينا وعلى وعاداتنا وتقاليدنا الحميدة ، والأدهى من ذلك انتشار الأشخاص المقلدين للبس النساء ، وللأسف اصبح الكثيرين من الشباب الذين حافظوا على العادات والتقاليد الأصيلة والعريقة أصبحوا يقلدون هؤلاء ويكتسبون منهم ما هو سيئ ،  وباتوا مرصودين من الشباب المحافظين الذين لا يميلوا لهذا التغيير والفهم السلبي للتطور .
قلت مستفسرا:ريما انحرافات سلوكية وقع فيها البعض .
قال : انها بعض الانحرافات السلوكية التي تتخذ مظاهر مختلفة تتصل بالملبس المطبوع عليه عبارات غير مفهومة ، بالإضافة لطريقة الحركة والكلام وإطالة الأظافر ، فضلاً عن ارتداء سلاسل وخواتم غريبة ، وبنطلونات ضيقة  ممزقة ، قد تكون ناشئة بتأثير من مجتمعات أخرى غربية .
قلت له : اذا هذه الملابس التي تحمل اسماء غريبة مسايرة للموضة .
قال :يعتقد بعض الشباب لا يوجد أي مضار في ارتداء أي شخص للملابس التي يراه مناسبا ولائقا عليه و تكون مناسبة  لأنهم  جزء من هذا العالم ، وما الذي يمنعهم من ارتداء ملابس حديثة تحمل كلمات قبيحة . هذه حرية شخصية ، لأنها لا تؤثر على أحد ومهما طبع عليها من اسماء غريبة ، ولكن اي اين دور العائلة والإعلام.
قلت : نعم انها مسئولية العائلة لحث الشباب على الالتزام بالقيم الاجتماعية .
قال : ومسئولية الرقابة والإعلام التي يجب ان تحث التجار على ايجاد مسميات لمحلاتهم تليق بالمجتمع الحضاري وتضع حدا لاستيراد الملابس التي تحمل كلمات لا يعرف معناها التاجر . 

124
شخصية من مدينة السليمانية
وليم يوحنا ( 1934 ـ 2005 ) ..( الفنان والإنسان) .



بدري نوئيل يوسف ـ السويد
المقدمة
ليس بالغريب من يجمع بين الموسيقى والعظمة وليس بالأمر الخارج عن المألوف عندما تجد من أعطى الموسيقى قيمتها الحقيقية ، إن لم يكن ذا ذوق موسيقي رفيع لا تأتي العظمة لأحدهم هكذا تقول الاسطورة ، والموسيقى فن الألحان وهي صناعة يبحث فيها عن تنظيم الأنغام والعلاقات فيما بينها وعن الإيقاعات وأوزانها ، يتمايل الانسان لها طربا ومرات يتنهد بأشجان الآسى ، انها أصوات تناجيه بلغة خفية وهو واقف معقود اللسان حائراً . فقد كانت الموسيقى الكردية في مدينة السليمانية في اطارها العفوي تستند على الطابع الشعبي قبل تأسيس الفرق الموسيقية ، وخطت الموسيقى الكردية خطوة نوعية في منتصف القرن الماضي ، وكان للفنان الراحل الأستاذ وليم يوحنا دور مهم حيث بدأت بمرحلة جديدة وهامة في بناء الأسس العلمية الصحيحة لصرح الموسيقى الكردية المعاصرة  .
كان محترما ومحبوبا من كل من عرفه أو ألتقى به في حياته وخاصة طلابه ، وقورا مهيبا فى تصرفاته وحديثه ومظهره بالإضافة الى ذكائه ، كان عفيف اللسان لا يتكبر على احد شديد التواضع لطلابه وصحبه ، صاحب القلب المليء بالحب والعطف ، لم يحمل يوما من الايام إلا المحبة والمسامحة حتى لمن آذاه امينا متواضعا ، وضع في الحانه عصارة خبرته اللحنية وجمع فيها كل حنكته الموسيقية يعجز اللسان والقلم عن الكلام عنه.
افتقدته الفرق الموسيقية في السليمانية وترك في قلوبهم محبة كبيرة وغصة لفراقه وفراغا ، اطال الله في اعمار طلابه ، هم خير خلف لخير سلف . وليس سهلا أن يطلق اسم وليم يوحنا على قاعة للفنون ، وليس سهلا ان تقام المهرجانات او الدورات التعليمة باسم وليم يوحنا ، انه الفنان الذي قد غرس في طلابه روح التسامح وتعلموا منه الهدوء والصبر المتأثرون بفنه ، لقد تتلمذ على يديه مئات الطلاب في التذوق الموسيقي وكان هو سببا في تنمية قبلياتهم الفنية.
البداية من عام 1914 ... !
لنبدأ الحكاية من البداية ،كان يا ما كان قبل مائة عام ، شاب يدعى يوحنا عازف للناي يسكن مدينة أورمية ، التي تقع إلى الغرب من بحيرة أورمية ، وتعتبر عاشر أكبر مدينة في إيران ، لأورمية تاريخ عريق يمتدُّ إلى حوالي ثلاثة آلاف عام ، ممَّا يجعلها أقدم مدينة في منطقة شمال غرب إيران ، غالبية سكانها من الأتراك الأذريين كما يتواجد الأكراد والأشوريين ، وكلمة أورمية تعني "أُر مية"   أي "مهد المياه"، باللغة الاشورية وذلك لأن المدينة محاطة ببحيرة وببعض الأنهار ، وفي عهد الرومان كانت تسمى بـ "رومية".  وسميت أورمية بالأذرية اورومو / Urmiya و بالسريانية: ܐܘܪܡܝܐ أو رضائية كما هو اسمها سابقاً حتى عام 1979.
يوحنا يمتلك موهبة اكثر من رائعة في العزف على الناي وأخيه بنيامين عازف للقانون يملك قدرة مدهشة في العزف المنفرد والعزف الارتجالي وتخرج من أوتار قانونه ألحاناً رائعة ، يسكنان مع والدتهم بأمان في أورمية ويتنقلان الى كرماشان   لكسب قوت رزقهم بالعزف في الاحتفالات والأفراح .
بالرغم من كون منطقة أورميا تحت حكم القاجاريين  إلا أن وقوعها في منطقة النفوذ الروسي وقربها من الحدود العثمانية جعلها من أهم الأهداف التي حاول العثمانيون الاستحواذ عليها خلال شتاء  1914 اثناء بداية الحرب العالمية الاولى ، في البداية فشل هذا الاستحواذ ، لكن هجوما ثانيا في رأس السنة حقق نتائج غير متوقعة فتمكن العثمانيون من التغلغل بشمال إيران وسيطروا على أرومية وتبريز .
من خلال سلسلة من العمليات الحربية التي شنتها قوات نظامية تابعة للدولة العثمانية بمساعدة مجموعات مسلحة شبه نظامية استهدفت مدنيين آشوريين  /سريان  /كلدان  / ارمن أثناء الحرب أدت هذه العمليات إلى مقتل مئات الالاف منهم كما انتشرت الأوبئة كالتيفوئيد والحصبة والملاريا ، وسقط الآلاف منهم على قارعة الطرق بعد أن انهكهم التعب والجوع ، في حين أبيد من فضل البقاء في أورميا على اثر ذلك بدأت هجرة السكان الأصليين من شمال غرب إيران جنوبا باتجاه مناطق سيطرة البريطانيين عليها ومنهم يوحنا مع اخيه بنيامين ووالدتهما من اورميا باتجاه كرماشان . تم إجلاء أعداد كبيرة من المهاجرين وعائلاتهم عبر الأراضي الإيرانية ليستقر بهم المقام في معسكر للاجئين أعده البريطانيون ، يقع على الضفة اليمنى من نهر ديالى ، وعلى بعد ثلاثة أميال من مدينة بعقوبة ، بدأ عدد من اللاجئين بالتوجه إلى المناطق الشمالية من العراق ، وبرعاية البريطانيين ، الذين اتخذوا قراراً بأن تكون مناطق زاخو والعمادية  هي مناطق السكن الجديدة للمهاجرين في العراق.
جلس يوحنا في خيمته القديمة الممزقة داخل معسكر اللاجئين في بعقوبة يعزف على الناي لحنا حزينا يعبر عن همه وغمه وأخيه بنيامين يراقبه ، يتوقف يوحنا عن العزف ويسرح مرات في افكاره ، عرف يوحنا ان الهجرة قديمة قدم التاريخ الإنساني وليست وليدة الأمس واليوم سأله بنيامين بماذا تفكر يا يوحنا .
رد عليه بهدوء وبنبرة حزينة قائلا : البعد عن الوطن الاصلي اعتبره أقسى ما يعانيه المهاجر لأننا شجرة بلا اغصان وبدون اوراق وبلا جذور ، سأبحث عن مكان آمن تحت الشمس ، سأنتقل الى مدينة الموصل ، حيث الحياة الافضل والمستوى المعيشي الاحسن .
هز الاخ رأسه وافق على اقتراح يوحنا وبعد أيام شدوا الرحيل باتجاه مدينة ام الربعين الموصل .
انتقلت العائلة الى الموصل واستقرت في المدينة ، وفي عام 1932 تعرف يوحنا على شابة فاضلة من عائلة موصلية عريقة من بيت الوكيل تدعى نجيبة اتفقا على الزواج وبعد زواجهما بفترة قصيرة قررا الهجرة الى مدينة السليمانية وحطا في محلة گويژه بالقرب من حي المسيحيين ( كاوران) وهي أقدم أحياء السليمانية.

في منزل متواضع تسكنه العائلة عام 1934 احتفلت بالمولود البكر وأسمياه وليم ، وكانت تربيته مسؤولية مشتركة بين الأم والأب على حدّ سواء وتطلبت حكمة ومرونة ومزيداً من الوعي والنضج في نمو الطفل وتكيّفه مع محيطه وتحقيق ذاته ولعب الجو العائلي دوراً هاماً في تنمية البذور الخيّرة فيه ، وفي رفد مهاراته وقدراته الذاتية في الوقت ذاته كان والده يعزف على آلة الناي هو طفلا يجلس بجواره يستمتع بعزفه وظهرت عنده منذ نعومة أظفاره مواهب ورثها عن والده وعمه حبه للموسيقى ، وليم يوحنا كما نعرفه هادئا متميزا شفافا ، مستمعا أكثر منه متحدثا ، في صوته بحة خفيفة ولكنته اشورية جميلة تسمعها عربية وتحسها كردية .
انهى وليم يوحنا الدراسة الابتدائية والإعدادية في السليمانية وفي عام 1951 التحق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد لدراسة الموسيقى ، في عام 1954 تخرج بتفوق عازفا على العود والكمان والجلو موسيقاه موهبة نادرة ذات طابع سيمفوني تتداخل فيها الآلات وكلها مستوحاة من أجواء الوطن وحياة الكُرد والجبال مطعمة بتراث الاجداد ومفعمة بروح الأمل وكأنه يُحَلق مع الشعب الكردي وقوميته في موسيقاه بأجواء حالمة يأخذ المستمع نحو السعادة المنتظرة ، عاد الى السليمانية مدرسا للموسيقى والنشيد وتعين في مدرسة الفيصلية وهذه المدرسة التي أنشئت في العام 1893 وبقيت شاخصة حتى العام 1957 قبل ان يستوطن ارضها السوق العصري الذي يرتاده اليوم الالاف من السياح .
يعد وليم يوحنا واحداً من ابرز رواد الموسيقى في المدينة وهو احد مؤسسي فرقة مولوي الموسيقية وتعتبر أول فرقة مجازة في السليمانية شاركت في جميع المناسبات والنشاطات الفنية في كثير من الأقضية والنواحي التابعة للسليمانية وغيرها واستمرت هذه الفرقة الى بداية ستينيات القرن الماضي ، يشار  بالذكر فقد بدأت الموسيقى بمرحلة جديدة وهامة في بناء الأسس العلمية الصحيحة لصرح الموسيقى الكردية المعاصرة و خطت الموسيقى الكردية خطوة نوعية بسبب الانفتاح الثقافي والفني في مدينة السليمانية .
اصبحت فرقة موسيقى مولوي متدهورة ومنعزلة وفي ضياع ولم تكن موجودة بعد سفر احد اعضائها لغرض اكمال دراسته الموسيقية وهو ( قادر ديلان)  الذي كان من الأعضاء البارزين بالفرقة فقد كان فناناً قديراً والسبب الثاني يرجع الى الأحداث السياسية في تلك الفترة الزمنية .
هذه الاسباب أدى لظهور بادرة أخرى لتأسيس فرق فنية وجاءت فكرة تأسيس فرقة موسيقى سليمانية ، نشير بالذكر قبل تأسيسها كان بعض الأصدقاء العازفين على الالات الموسيقية في دار المعلمين في السليمانية يشكلون مجموعة باسم (البهجة والسرور) وضمت كلا من انور قرداغي  وخالد سركار  وفرانسيس داوود   وآخرين يجتمعون في الامسيات يعزفون ويغنون ثم تغير اسمها الى مجموعة (هيوا) التي غدت فيما بعد فرقة موسيقية جيدة لكنها لم تستمر لقلة تجربتهم .
 وفي عام 1967 جاءت فرقة الفنون الشعبية من بغداد الى السليمانية وطلب اعضاؤها من هذه الفرقة الصغيرة  مشاركهم ببعض الأعمال  الفنية ،عندها تغير الاسم وسميت بفرقة موسيقى السليمانية حتى تشارك بأعمال مع فرقة الفنون الشعبية وفي عام  1969 اتحدت الفرقة مع فرقة السليمانية للتمثيل وشكلت فرقة باسم فرقة السليمانية للموسيقى والتمثيل لكن الاعمال والمهمات تشابكت عليه قرر الموسيقيون الانفصال بعد عام وشكلت فرقة السليمانية للموسيقى وأصبح للمرأة الكردية دورها في احياء فن الموسيقى ، واستمر وليم يوحنا مع هذه الفرقة طيلة حياته وقدم عشرات الالحان لمغنين اكراد بالإضافة الى مئات المقطوعات الموسيقية.
وجدير بالذكر انه في عام 1956 كان احد اعضاء مؤسسي جمعية الفنون الجميلة.
من ذكريات الاستاذ فرنسيس داود عندما كان طالب يدرس الموسيقى وأستاذ وليم مدرسه ذكريات كثيرة معه حتى احالته على التقاعد ، وبعدها عندما كان عازف للكمان معه في الاحتفالات والمهرجانات على مستوى المحافظة اولا والعراق ثانيا ، وأثناء عمله في الفرق الموسيقية .

يقول : تعرفت على الاستاذ وليم لأول مرة عام 1963 عندما كان مدرس للموسيقى في السليمانية . وفي عام 1964 اشتريت مع صديقي خالد سركار آلة كمان وبدأنا نتعلم الموسيقى على يده و صناعة الموسيقى رحلة لا تنتهي ، كغيرها من الأمور الصعبة التي تستحق الجهد ، كان استاذنا متحمسا اكثر منا يشجعنا وينصحنا ، وفي بعض المرات وأثناء التدريب كنا نتهرب لقضاء وقت الراحة أو اجراء بعض التمارين الرياضية لكن كان استاذ وليم حريصا على عدم اضاعة الوقت ويطلب مني مع صديقي خالد بعد انتهاء فترة التدريب اعادة التمرين الموسيقي مرة ثانية مع اضافة تمارين جديدة ،كان امينا مخلصا لعلمه لتدريب طلابه على الموسيقى ، وقليل من المدرسين من يتأخر بعد الدوام لتدريب طلابه بالإضافة الى الموسيقى كان يعلم طلابه التربية والعلاقة الجيدة بين الاصدقاء.
من اكثر النصائح التي كان يقدمها لنا ان الموسيقى لا تتحول الى تجارة وتبقى رغبة وموهبة عند الانسان ، ولا تعزف الموسيقى في مكان لا يليق بها حتى لا تقل قيمتها ، وتبقى الموسيقى غذاء الروح والموسيقى هي لغة النفوس.
يقول السيد فرنسيس في عام 1969 وضعت لحنا لقطعة موسيقية لفرقة السليمانية باسم (ئه زمر)  وعرضتها على السيد وليم وطلبت منه ان يقيمها ، قدم له كل الدعم وتشجيع كبير جعلني أثق بنفسي وبموهبتي ، وأن أتقدم أكثر في هذا المجال ، فمن المعروف بأن التشجيع في هذا النوع من النشاطات تفسح المجال أمام المواهب الشابة للتعبير عن مهاراتها و تبث روح الثقة بالنفس .
وفي كثير من المرات كنت اكتب لحنا على السلم الموسيقى واعرضه عليه كان يتناقش معي كيفية تقديم اللحن ونوع الموسيقى أي نوع الآله التي يحتاجها والتوزيع الموسيقي واللحن ، وفي مرات اخرى كنت انا وصديقي خالد سركار نجلس مع استاذ وليم لوضع خطط وبرامج  للفرقة الموسيقية التي ستشارك في الاحتفالات والمهرجانات على مستوى العراق ،وكنا نطلب منه ان يختار اي أوبريت  سيقدم في المهرجان ويكتب لحنه لتقديمه في المهرجان كان يطلب منا ان نضع نحن الموسيقى ويطلب منا ان نترك له كتابة الالحان الموسيقية للأناشيد الحماسية الوطنية وكان يضع الحانا تثير حماس المستمعين ويعرف أسرع وأسهل الطرق للوصول إلى قلب المستمع وذهنه ، ولا شك أن ذلك يتطلب براعة خاصة وموهبة فى هذه القدرة التى مكنته من الوصول للناس بتلقائية  ، وقد أجاد في استخدام الجو العام للحن من ناحية إيقاعه وتركيب نغماته فى التعبير عن المعنى العام للكلمات واستخدام جمل موسيقية بحيث كنا نحصل على المرتبة الاولى في جميع المهرجانات التي شاركنا بها.
كان استاذ وليم ملتزم بدوامه اليومي بانتظام في معهد الموسيقى ملتزما بالسلوك الحضاري والقيم الانسانية الرفيعة مما انعكس على المحيط الاكاديمي والاجتماعي بصورة ايجابية لأنه استلهم ثقافته وقيمه وسلوكه من فنه وإنسانيته ، ويحضر صباحا قبل كل المنتسبين والطلاب ويغادر المعهد بعد الانتهاء من كل التمارين التي يشرف عليها ، وكذلك ايام مشاركة الفرق الموسيقية المهرجانات يبقى الى ساعات متأخرة للإشراف على التدريب والتمارين ، ويذكر يوم احالته على التقاعد انه استمر بالدوام حتى نهاية الدوام الرسمي .
الاعمال الفنية التي قدمها الاستاذ وليم :
تقسم الاعمال الفنية الى ثلاث اقسام ، القسم الاول مع فرقة موسيقى مولوي من عام 1955 بعد تشكيل الفرقة عمل الاستاذ وليم بكل جد وتفاني حتى استغل منزله الصغير للتدريب على البروفات وقدمت الفرقة اعمالا جميلة وعذبة وقدم لحنا للمغني قادر كابان  بعنوان (فريشته).
والقسم الثاني مع فرقة السليمانية الذي قدم العديد من الالحان ،
•   قطعة موسيقية بعنوان ريزان قدمت على قاعة الخلد في بغداد عام 1969 .
•   قطعة موسيقية بعنوان نوروز بمناسبة عيد الحادي عشر من اذار قدمت ايضا على قاعة الخلد عام 1970 ، كما قام قادر ديلان بتوزيع اغنية فريشته التي لحنها الى قادر كابان توزيعا حديثا عندما كان يدرس الموسيقى في جيكوسلفاكيا وغناها قادر ديلان بصوته عام 1977 .
•   استمر استاذ وليم فترة طويلة كرئيس قسم الموسيقى في المعهد ومدرسا لها ومن اعماله الاخرى وضع لحن أوبريت  ( گه ژاوى ميژوو ) مشاركة مع فرنسيس داود وخالد سركار وقدم الاوبريت في بغداد  عام 1977 وحصل على المرتبة الاولى على مستوى العراق.
•   وضع لحن أوبريت (دارستان) اي (الغابة) 1986  مشاركة مع فرنسيس داود وخالد سركار وقدم في كركوك .
•   وضع لحن أوبريت (پردى ده لال) ( جسر الدلال ) مشاركة مع فرنسيس داود وخالد عام 1990 وقدم في دهوك .
•   وضع لحن أوبريت ( به يتى ئاگر) (صنم النار) كتابة الشاعر شيركو بيكس ولحن استاذ وليم مشاركة مع فرنسيس داود وخالد سركار قدم في السليمانية في نيسان 1993.
•   شارك الاستاذ وليم يوحنا مهرجان الشباب لعالمي للموسيقى الذي اقيم في فينا عاصمة النمسا عام 1955 ـ 1956 .
•   اقامت عدة دورات لتعليم الموسيقى للطلاب المدارس الابتدائية ووضع عدد من الالحان لعدد من الاناشيد الوطنية  لمدارس المحافظة ورياض الاطفال ولحد الان الاطفال والمدارس تدرس هذه الاناشيد  وتنشد في المناسبات ووضع الحانا تربوية للمدارس.
•   اقامت عدة دورات موسيقية للشباب والمعلمين وأكثرهم الان مدرسون للموسيقى في المدارس او اصبحوا مغنين او مشاركين في الفرق الموسيقية .
•   اول من وضع اللحن الهرموني في الاغاني الكردية واستعملت اول مرة في اغنية (باران بارانه) (المطر).
•   وضع الحانا للمسرحيات والتمثيليات التي قدمت على المسرح او في التلفزيون .
•   لأستاذ وليم دور مهم في اقامة جوقة الكنيسة وفرقة الكنيسة ولأول مرة يضع الحانا لتراتيل دينية باللغة الكردية ومنها هذه الترتيله باسم (مه سيح زيندووه) اي المسيح حي التي جذب كثير من سمع هذا اللحن .
والقسم الثالث الاعمال الفنية وجامعة السليمانية . كان لأستاذ وليم دور كبير وحيوي لموسيقى الجامعة وخاصة مع الفرق الشرقية والفرق الغربية ووضع عدد من الالحان لهذه الفرق لفرقة موسيقى (زيرين ) وفرقة موسيقى (زيوين) . وجدير بالذكر ان استاذ وليم يملك قابلية العزف على الكمان Violin ، العود ، الأكورديون Accordion ،البيانوPiano  ، جيتار Guitar ، الترمبيت  Trumpet ، الساكسفون Saxophone ، القانون  ، الجلو . وعليه وأثناء التدريب او العزف في الفرق ويحتاجون الى عازف او ربما يكون غائبا يحل محله استاذ وليم لأنه لا يوجد عازف يستطيع العزف على هذا العدد من الالات  .
كثير من الفنانين والموسيقيين مدينون لِ وليم يوحنا له بما قدمه ومازال يقدمه لنا من خلال القطع الموسيقية التي مازالت والألحان النادرة و القيمة  لعدد من المغنين ومتأثرين بمدرسته وفنه الفريد وبأدائه المتميز والذى نقل إلينا هذه الثقافة الساحرة فعلا هو كنز ثمين و مواقفه النبيلة الانسانية لا يمكن نسيانها .
الخاتمة
هناك كثير من الشخصيات المسيحية لعبوا دوراَ كبيراَ في خدمة ثقافة شعبهم وشعوب اخرى ،  ولكنهم بقوا بعيدين عن الأضواء دون الاهتمام  ، خدم الفقيد الموسيقية الكردية خدمات لا ينكرها احد ، في النهاية اود ان اقول لم يعلم احد عن فلسفته أو شعاره بالحياة بصورة كلامية او خطية بل نستطيع ان نقول ان اعماله وحياته هي انعكاس لنظريته في الحياة ، رحم الله الفقيد وليم يوحنا
ملاحظة مهمة : شكرا الى استاذ فرنسيس داود لتقديم هذه المعلومات القيمة عن حياة الفقيد الراحل الفنان والإنسان وليم يوحنا .




125
مائة عام على رسالة البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني .
المقدمة :
اثناء بحثي ودراسة المخطوطات القديمة التي تخص تجارة التجار الكلدان بين عام 1820 ـ 1920 والبالغة عددها الف وستون مخطوطة باللغتين العربية والكلدانية والمحفوظة في مؤسسة ژين الثقافية ( بنكي ژين ) في مدينة السليمانية والمنشور عدد قليل منها بدون شرح تفاصيل المخطوطات في كتاب شارى سليماني
 ( ململاني گروپه كومه لايه تييه كان) ( 1820 ـ 1920 ) للمؤلف ماموستا جعفر ، من ضمن هذه المخطوطات بعض رسائل تخص الاباء الكهنة الكلدان مكتوبة بخط أيدهم في تلك الفترة الزمنية ، وسأنشرها تباعا منها هذه الرسالة المكتوبة بيد مثلث الرحمات البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني بطريرك بابل (1900 ـ 1947) .
الرسالة أو المخطوطة : 
حيث في الرابع عشر من اذار  1914 ارسل ابناء رعية كنيسة الكلدان في السليمانية رسالة الى غبطة البطريرك يوسف عمانوئيل طالبين تبديل الكاهن الذي يخدم في كنيسة الكلدان (مريم العذراء حاليا) .
في الثامن والعشرين من اذار 1914 ارسل البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني رسالة الى رعية مدينة السليمانية ردا على رسالتهم (مكتوبهم) . والمرفقة صورة من المخطوطة (الرسالة) .
نص الرسالة
بطريركية بابل الكلدانية
عدد
يوسف عمانوئيل الثاني
بطريرك بابل
حضرة ابنائنا الاعزاء الخواجات عبد الكريم علكة ورفقه المحترمين .
اخذنا مكتبوكم المرقم 14 الجاري وكل ما حررتم صار معلوما وعليه نقول : اننا بوقته سنعمل اللازم بخصوص ما كتبتم أما اصراركم على تبديل الكاهن الان فهذا ما نقبله منكم أيها الابناء الاعزاء ولا تنسى ان ابائكم وأجدادكم السعيدي الذكر ما كان لهم هذه المداخلات في امور الرؤساء ولهذا السبب كان الله يبارك في كدهم وشغلهم . اقتدوا بهم ان كنتم تريدون بان الله يبارك في اموركم ، وأنا انصحكم بهذه النصيحة حبا بخيركم وتقدمكم ونجاحكم نفسا وجسدا من الله نطلب لكم الموفقية في جميع اموركم ، وعند الختام نبارككم ونبارك عائلاتكم المكرمة حرسكم الله .
الموصل 28 اذار 1914

يبدو من دراسة الرسالة أن البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني قدم وعداً لرعية السليمانية بتغير الكاهن ، فقد اعطى لهم مفهوم دور الرعاة والرعية ،ونجد العلاقة بين البطريرك ورعيته ليست علاقةً شخصيّةً تتحكم بها مصالح مطعمة بمصالحه الخاصة التي نهايته مهددة بالفشل ، بل تتضمّن العلاقة الّتي يجب أن تربط الرّاعي برعيّته والتي تصبو الى تحقيق حياة الرعية فالراعي هنا هو بمثابة القائد الذي يعلم ٬ يوجه وينظم ، وليس عمله شخصيًّا يبغي مجدًا ذاتيًّا ، بل عمل الرّاعي هو عملٌ كنسيٌّ ورعويٌّ بامتياز . والمدبِّرٌ المنتخب من اعضاء السينودس  و مُقامٌ من قِبَل السّلطة الكنسيّة العليا لرعاية شؤون الكنيسة واحتياجاتها ، هو من يتحمّل المسؤوليّة الكاملةً أمام الله والرّعيّة وضميره بعد أخذ الآراء المتعدّدة ولكنّ القرار الأخير يكون له .
وفي نفس الوقت قدم لهم تحذير وتوبيخ لتدخلهم بأمور كنسية ونبههم وذكرهم بان اجدادهم ما كان لهم من هذه المداخلات ، تلك العلاقة الكنيسة التي تحكم الراعي والرعية على حد سواء وليس كباقي العلاقات الاجتماعيّة أو العائليّة . والراعي والرعية يعرفا مفهوم الكرامة الشخصية وكيف يحبوا ويغفروا ، كيف ومتى يتنازلون عند الحاجة كيف تكون المصلحة العامة افضل من المصلحة الشخصية .
 ثم دعائهم لكي يقتدوا بأجدادهم وهنا لكي يوفر الأرضية الصالحة لتحقيق غاية وجود الكنيسة. والرعية هنا جموع المؤمنين ٬ وهي أساس مادة الكنيسة وروحها ٬ وغاية وجودها وهدفها ، والرعية تعيش وستعيش عصرها وبعدها باركهم ، ولبى الجميع طلب البطريرك  .




126
كنيسة مريم العذراء في السليمانية .
رسالة الى من يهمه الامر ... !
بدري نوئيل يوسف ـ السويد
كنت مع صديقي جمشيد نتناول فنجان قهوة في احدى المقاهي الحديثة ونتذكر ايام السنين التي قضيناها في المدينة نعمل معا وأثناء الحديث .
قال بهدوء مستفسرا : هل زرت الكنيسة القديمة والتي تحولت الى دير ، اقصد كنيسة مريم العذراء  الواقعة في محلة كويژة .
قلت له باستغراب : لا ...
قال مستفسرا : هل تحب أن نذهب لزيارة الكنيسة .
قلت : لا مانع لدي ...
قال : اذن لنذهب معا لزيارة الكنيسة ، سوف تشاهد العجب والغرائب .
سرحت في افكاري للحظات انظر الى جمشيد بتعجب واستغراب وأقول مع نفسي:
 ما علاقة جمشيد بالكنيسة  او الدير .. ؟ ولماذا يريد أن يأخذنني للكنيسة  ..؟
خرجنا من المقهى وركبنا سيارته وانطلق نحو الكنيسة .
قال بنبرة حزينة وهو يقود السيارة : تعرف يا صديقي كلّما بدأنا بسرد قصة تعّودنا أن نقول كان يا ما كان وفي سالف العصر والأوان ، حتى ولو كانت أحداث القصة تجري في الحاضر أو الماضي القريب ؟ 
قلت مبتسما : اعرف ذلك لان حكايات جدتي تبدأ بهذه العبارة .
قال بانفعال وجدية : نحن لا نسكن في وطن لكن الوطن يسكن فينا ،  أين أنت يا وطن بين الأمس واليوم ؟ وكيف أمسى حالك يا وطن وأنت تئن من شدة آلامك وتنزف منذ عقود دماً من عروقك ، أبنائك الذين شربوا من مياهك وأكلوا زادك ووضعوا بين أيديك مصيرهم ومنحتهم ثقتك ، طُعنوا بخنجر مسموم في ظهرهم ، وحينما سقطتْ  . اعدائك ثملوا فرحاً ورقصوا طرباً على جراحك . 
 أما سمعتَ أن الزمان يأخذ الحبيب ، في ليلة من الليالي ، حل الظلام معلنا عن ظلامه ، اختفى نور القمر بالغيوم السوداء القادمة ، خيّم على المكان إعصار الحزن والأسى ، كانوا في الموصل وسهل نينوى والقرى القريبة منها ،كُتِبَ الحرف على جدران منازلهم ، اختصروهم يا وطن في حرف ، استباحوا شقاء عمرهم  ، لقد حان وقت الرحيل ، يترنح الجميع على الطريق مثل سكير اسرف في الشراب ، مدينة كنائسها ومساجدها مهجورة محروقة ومعابدها مهدمة ، مآذنها باكية ، قبابها دمرت ، طفل يصرخ يبكي ، يتشبث بثياب أمه ،كالغريق دموعه تتساقط صوته يعلو يشتكي الجوع والخوف ، عجوز أنهكه التعب ، شابة تمشي خلف والدها تحتمي بأخيها لم تعي بنفسها من كثرة الغضب . نفذ الدواء وقل الماء وفقد الامان . قنبلة لها دوي ودبابة تعوي وصاروخ يهوي لن يرحم طفلا ولا شيخا .
سأل العالم ما الخبر ، قالوا نحن النازحين تشردنا من بيوتنا و تركنا كل ما نملك .
 رد العالم عليهم وقال لهم :  نشجب وندين ونستنكر ونتظاهر ونصرخ ونراقب ، نعقد الاجتماعات ، ونصدر البيانات .
 هكذا هم النازحون المهجرون اليوم متشائمون منتشرون تائهون ضائعون في السهول والوديان والجبال وعلى قارعات الطرق وأرصفة الشوارع يحتمون خلف جدران وحصير وخيام. هكذا ما فعلوه بالأمس مع أجدادهم. اخرجوهم من المجامع ، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلهم انه يقدم خدمة لله ، انها حدثت في الماضي القريب و في الأيام التي نعيشها ، أين المشكلة وأين الحل ؟ أهي البداية ؟ أم النهاية ؟ البدايات من أصعب المشكلات في كل شيء . على كلًّ حال ، سأدع البدايات جانبا ، وسندخل مباشرةً في صلب الموضوع .
هذا حال كنيسة مريم العذراء في السليمانية تحولت المذابح لغرف نوم والكنيسة اصبحت شقق سكنية تحوي على عدد من العوائل النازحة من سهل نينوى بالإضافة الى صف لتدريس الاطفال ، وكذلك قاعة الكنيسة قسمت الى شقق . اما الدار المجاور للكنيسة فهو بناء قديم من الطين تسكنه ثلاث عوائل ونصبت خيمة في فناء الدار وأصبحت مدرسة لتعليم ابناء النازحين .
توقفت السيارة امام باب الكنيسة وترجلنا متجهان نحو الباب اعترضنا الحرس مستفسرا ماذا نريد قلت له نريد زيارة الكنيسة . وعند المدخل يقف عدد من الرجال والشباب وهم من النازحون تقرب احدهم نحونا
وقال مبتسما : عمي اعملوا حل لهذه العوائل . والله حرام عليكم (متصورا اننا جئنا لنجدتهم ) .
دخلنا الى الداخل ووقفنا عند المدخل نلاحظ عشرات الاطفال يلهون في الساحة وبعض الصبايا تغسل الثياب وأخرى تطبخ وبعضهن تجلسن تحت اشعة الشمس . نساء كبار في السن بيدهم مسبحة الوردية يتمتمون بصوت واطئ صلوات لأمنا العذراء ، وعدد من الرجال واقفون قرب باب القاعة يتناقشون بموضوع الهجرة تتعالى اصواتهم وكأنهم ذو خبرة في قوانين الهجرة والمهجرين وحقوق الانسان و مفوضية شؤون اللاجئين ولا تفهم منهم كلمة واحدة لأنهم يتكلمون كلهم في وقت واحد انتبهى احدهم و تقدم نحونا .
وقال والدمعة ملأت عينتاه :أعتب عليك أيها الوطن لم اجدكِ بجانبيي عندما احتجتكَ ، لم أجد غير شقائي عندما بحثت عن سعادتي ، يا وطن هل تعلم أن غيابك اقل اياما من حضورك ، وهل تعلم أن وجودك في حياتي مهم لاني لم اتجاهل وجودك يوما ، في قلبي حرقة وغصة في حلقي  ، وبح صوتي من المنجاة ولكن الصمت زاد وجعي ، اكفكف الدمع وابتسم لأطفالي ! حتى ظنوا بأني اصحبت معتوه ، خفقان قلبي يزيد ، اشعر بكابوس يكتم أنفاسي اصيح بصوت عالي يا أخوتي ما هذا الذي داهمني ، اسمع صدى ندائي يتردد لا مجيب . وا حسرتاه  يا وطن انا بداخلك وأخاف الغربة ، اصرخ ربِّ أناجيك وأنت قريب مجيب ،فعندما اعتب عليك فقلبي وعقلي يحبك .
اقتربت منا أمرآة في العقد الرابع بدأ الشيب يغطي رأسها ، واخفى الحزن جمالها وفقدت ابتسامتها والدمعة تسيل على خدها ويذوب العاشق في سحر عينيها وتحمل الكثير من الألم والكثير من خيبة الأمل .
قالت يا وطن ... اعتب عليك لأنك لم تقف معي في معاناتي وتضحياتي فلا تلومني على عتابك لأنك لم تصغي إليَّ ولا تشاركني في همومي وتكون لي صديق .
سلمنا على الراهب الذي يخدم في الدير ويعمل بكل تفاني وفرح ان يقدم خدمة لهذه العوائل .
قال الراهب لنا : العوائل المقيمة في هذا الدير عددها عشرين عائلة  لها نفس الامتيازات من المساعدات التي تقدم للعوائل النازحة المقيمة في كنيسة مار يوسف ولكن ارغب ان احصل على مساعدة حتى استطيع ان اسكن هذه العوائل في شقق او سكن يحميهم من برد الشتاء. ونحونا كرهبان في الدير نحتاج المكان والكنيسة والنفقات التي تصرف على الطلاب والمرضى لا تكفي .اتمنى ان يسمعنا الخيرون .
ودعنا الراهب والعوائل وركبنا السيارة .
قلت لصديقي جمشيد : اسالك لماذا طلبت مني ان ازور هذا الدير .
قال :  اشكرك لقبولك الزيارة والتقاط الصور . اكتب يا اخي ما شاهدت لعل من له عينان يستطيع القراءة .او من يسمع يقدم المساعدة .
قلت له . سأكتب ما شاهدت .
اترك لكم الصور تتكلم


127
المنبر الحر / المختار :
« في: 13:12 22/11/2014  »
المختار :

بدري نوئيل يوسف ـ السويد
في كل مرة كنت اجلس مع شيخنا الجليل في المقهى الصغير القابع في شارع صابون كران في السليمانية ، ويبدأ شيخنا بالحديث والوقت يمر سريعا ، والأيام الخوالي حاضرة في ذهنه وكأنها حدثت في الماضي القريب . لكن هذا اليوم كان موعدنا عند مدخل شارع مولوي للذهاب الى حديقة الشعب (باخي كشتي) ، سمي الشارع باسم الشاعر مولوي  الذي كان لسان حال الفقراء والمساكين وصديقا لهم ، في الأفراح والأتراح يقرأ شعره ، وعلى لسان المحبين والعاشقين ، طَرَق مولوي كل ابواب الشعر وأجاده حتى صار امير لشعراء كردستان في عصره . لم تمضي لحظات على انتظاري شيخنا ، حتى اراه من بعيد قادم نحوي اقترب وسلم عليّ ثم عبرنا الشارع باتجاه حديقة الشعب .
توجهنا انا وشيخنا نحو الحديقة وهي أقدم متنزه في المدينة  ،عند المدخل استقبلتنا نافورات محاطة بأكاليل من الزهور ، دخلنا الحديقة فهي ساحات واسعة مفروشة بالثيل الطبيعي ومضللة بالأشجار الباسقة ، ومصاطب خشبية موزعة على جوانب ممرات الحديقة ، نرى اصناف بديعة ونادرة من النباتات والأشجار والأزهار  منتشرة حول الساحات ، والمهم في الحديقة نصب لتماثيل الشعراء الكُرد مرصوفة على قواعد بتنسيق جميل . جلسنا أنا وشيخنا فوق مصطبة تحت ظل شجرة وسط جو الحديقة الساحر .
ورث شيخنا سيجارته قال بهدوء : اليوم الطقس معتدل .
قلت : اشكرك على فكرتك الرائعة حول لقاءنا في هذه الحديقة الجميلة .
باندهاش وتعجب قال : انظر الى انواع الزهور الجميلة المزروعة في الحديقة ، ينتابك شعور بالسعادة وأنت تنظر اليها او تشتم رائحة عطرها .
قلت بنبرة هادئة : حديقة ممراتها مسقفة بعناق الاشجار تتيح للناس التمتع  بجماليتها وهندستها الرائعة وتنوع كافة أشكال ورودها وأزهارها. 
قال مبتسما : لا اريد ان يتحول موضوع حديثنا عن المختار للحديث عن حديقة الشعب  (باخي كشتي) فالحديث عنها يطول لان لهذا ذكريات عند المثقفين و مسرح رومانسي للعاشقين .
قلت بهدوء : شكرا لك .. أنا مستعد ان اسمع منك فتفضل  .
تنهد وأخذ نفسا عميقا من سيجارته وقال : الحديث عن الماضى الجميل وذكرياته يحتاج لوقت أطول ، يا صديقي حضورك معي هذه الايام جعلني اسرح في بحر الذكريات وأتذكر تلك الأيام الخوالي الجميلة  يجذبني الحنين اليها بقـوة فقد كانت تسودها راحة البال وصفاء النفوس متمثلة في بساطة العيش يحيطها الهدوء والمودة والصداقة رحم الله أيام زمان عندما كان المختار ذاكرة الزمان بمواصفاتها الأخلاقية والإنسانية ، ومركز معلومات بشري ، وحلقة وصل بين أبناء محلته أو قريته ودوائر الدولة ، كان يتفقد احوالهم ويؤدي مجموعة من الواجبات والمهام القيمة .
سألته مستفسرا : من هو المختار .
قال مبتسما بعدما نفث دخان سيجارته : هو ذلك الشخص بملابسه الشعبية ربما يكون كبيرا في السن وان ضحك كشف عن نابين بارزين فقط من اسنانه والباقي عفى عليهم الدهر ، او طقم اسنان صناعي يطقطق في فمه عند الكلام ، وعلى عينية نظارة ملفوف في وسطها قطعة قماش ترتكز على انفه ، أو ربما سماعة صغيرة معلقة على صوان اذنه ، وكلما سمع كلمات التبجيل والترحيب يبدأ المختار باللعب بشواربه الغليظة ويقوم بلفه شاربه بين اصبعيه عند نهايتها ، او حتى لم تكن شاربه غليظة يمسحها من كل جهة ، وله بعض شعر أسفل أنفه ، ونصف كرش ،  ومنهم من يحمل عكاز بيده تلك العصا التي لا تفارقه وكلما خاطبه احدا او سأله عن حاجة ، ضرب عكازه على الارض وردا بحزم وجزم في البت في الاسئلة ، تصاحبه نحنحة قويه في كثير من  الاحيان . يضع سبيله (غليونه ) القصبي في حزامه  ، و معطفه على كتفيه ، والابتسامة على شفتيه اينما حل ، ولكن مهمته تقتصر في توثيق بعض الاوراق التي يحتاجها الشخص تجاه الحكومة ( اقصد الوالي والسراي والقشلة )  او اي جهة رسميه اخرى في وقتنا الحالي .
قلت له : هذا تعريف المختار لكن ما هو دوره في حياة سكان مدينة .
اسند يده على حافة المصطبة وقال بنبرة هادئة تميل للتوضيح : لابد ان نعرف الى متى تعود ظاهرة استحداث منصب المختار ، أو رئيس الحيّ أو مختار القرية ، أو العُمْدة هكذا يسمُّونه في بعض البلاد العربية . ويعود وجود المختار إلى عام 1835 م  ، والمختار أصغر مسئول أداري في الولاية والأخير من الموظفين التي تتألف منهم إدارة الولاية .
اكثر التغيرات إثارة تلك التي ارتبطت بإدخال النظام الاقليمي العثماني الجديد وكان مدحت باشا  احد مهندسي قانون الولاية العثماني لعام 1864 بموجب هذا القانون قسمت الولايات الى لواء يدار من متصرف يعين من الباب العالي . كل لواء يقسم الى اقضية يترأس القضاء قائم مقام. والقضاء قسم إلى نواحي (جمع ناحية) وتدار من قبل مدير الناحية. وتضم الناحية عدة قرى ، ويتم اختيار احد سكان القرية ويعرف باسم
 المختار الذي يدير شؤونها وينوب عن مدير الناحية .
المختار شخصية معروفة في المحلة أو القرية محترماً من جميع ابناء العشيرة أو القرية ويعرف ابنائها ومواقع بيوتهم بيتاً بيتاً ، اما اختيار مختار لكل قرية فيطلب من سكان القرية ترشيح رجال بالغين وأكملوا الخامسة والعشرين من العمر ، ضمن شروط من أهمها أن يكون المختار عراقياً ومن أصحاب الأملاك ، ومن عشيرة كبيرة أو عائلة ، وان يتصف بالذكاء والحكمة والفطنة وغير مصاب بمرض عقلي ، ويجيد تدبير الأمور الادارية والاجتماعية للقرية ويحسن القراءة والكتابة ، ويلقى قبولا حسناً لدى سكان القرية. و يدفع الضريبة للحكومة او البلدية ،ولا تقل عن مائة قرش  سنويا وغير محكوم بجناية او جنحة مخلة بالشرف. وغير موظف في دوائر الحكومة ، وان لا يكون دلالاً في الطابو ، ولم يغير محل سكناه مدة لا تقل عن خمس سنوات .
 و العشائر تتنافس بشدة للحصول على منصب المختار ، فقد كانت العشيرة تعتقد بان المختار المنتخب منها سينحاز لها ويقدم خدمة لمصالح عشيرته اكثر من غيره لأنه اعرف الناس بشؤون عشيرته التي يعيش فيها وفي الكثير من الحالات كان منصب المختار وراثيا للابن او الأخ او اقرب الأقربين .   
أما في المدينة فلكل محلة من محلات المدينة مختارا معتمداً من قبل المسئول العثماني أو الوالي لإيصاله مشاكل السكان وتنفيذ اوامر الوالي ، ومن الشروط الضرورية لاختيار المختار ، أن يكون من القاطنين في المحلة ومن يتبوأ هذا المنصب يكون كبير السن ويتسم بحسن السيرة والسمعة ، يتم اختيار المختار من بين أكثر الأشخاص قبولاً واحتراما بين الناس في العهد العثماني ، فهو شخصية لها منزلة محترمة في نفوس أبناء المحلة ، ووجها اجتماعيا معروفا ، بالإضافة لأهمية البالغة من الوجهة الاجتماعية والسياسية ، تبرز أهميته دور المختار في فض النزاعات داخل المحلة الواحدة من خلال ثقتهم وقناعتهم بعدالته وسلامة نواياه ورجاحة عقله وبصيرته ويتركون الكلمة الأخيرة للمختار وإعادة الوئام والصفاء في حالة وقوع أية خلافات بين شخصين أو عائلتين وما يسفر عنها أحاناً من مواجهات حادة لا تحمد عقباها.
وفي عام 1930 كان لليهود في مدينة السليمانية مختار خاص بهم واسمه "دانياو شلمو"  ثم اعقبه "موشين" حتى ترك اليهود المدينة وذلك لاستيطانهم في محلة خاصة بهم يتطلب وجود مختار فيها ، ولحد الان تسمى محلة اليهود ( جووله كان) . ولم يعين مختار للمسيحيين في المدينة .
سألته مستفسرا: لماذا لم ينتخب مختار للمسيحيين في زمن النفوذ العثماني وبعده تأسيس الدولة العراقية .

هز رأسه نافيا ثم قال : لا اعلم ولكن حسب قناعتي كانت عدد العوائل المسيحية قليلة ، او ربما لم يجدوا شخصية متفرغة تتبوءا المنصب ، او هناك سبب اخر لا اعلم .
سألته : ماذا تقول عن ختم المختار .
قال مبتسما : المختار الجيد الذي يحمل في جيبه مهره الخاص (ختم ) والذي يسمى (طمغة) المصنوع من النحاس محفور عليه اسمه كاملاً واسم محلته ويحمل في جيبه (اصطنبه) لتحبير مهره بهذا الختم . في كثير من الاوقات يكون المختار قصير النظر ، وعند ختمه للطلب يكون الختم بالمقلوب اذا نسى يضع علامة يستدل بها لاتجاه الختم ، ومنهم مَن يضع قطعة معدنية صغيره في راس الختم أو قطرة صبغ ترشده على اتجاه الختم الصحيح  ، اما الاصطنبة  فغالبا ما يكون حبرها قد انتهى أو جَفَّ  ، فيبادر الى وضع الختم قريبا من فمه فيزفر بالهواء من داخله حتى يرطب حبر الختم ليظهر على الورقه . يؤيد فيها المختار كل معاملة ، والشيء الذي لم يغيره الزمن هو ختم المختار بقي تراثا وحاجة رسمية لا تستغنى عنها المعاملات والختم كما يبدو شيئا لابد منه ولا يستغني عنها المتعاملون بطلبات وعرائض الناس .حتى في وقتنا الحالي .
سألته مستفسرا : سمعت ان للمختار سجل لأبناء محلته أو القرية يدون فيه اسماء الذكور فقط ولا يسجل اسماء الاناث .
هز رأسه مؤيداً وقال : صحيح له سجل خاص مسجل فيه ارقام كل بيت مع اسماء سكان محلته (رب العائلة وأبنائه من الذكور فقط) . اثناء سفر برلك (النفير العام) اثناء الحرب العالمية الاولى ، كان للمختار دور كبير بتبليغ الشباب المشمولين بالخدمة والتحاقهم بالجيش العثماني . وبعد تأسيس الدولة العراقية ،كان الجيش العراقي يعتمد على الخدمة الإلزامية اي المشاركة الفاعلة لجمع البالغين من العمر الثامنة عشرة لأداء خدمة الجيش ، والمختار يحتفظ بأسماء الذكور في سجله يعد قوائم بأسماء جميع المشمولين بالخدمة الإلزامية وإبلاغهم بتاريخ سوقهم للخدمة ، كما كانت دوائر التجنيد تزود المختار بقوائم الشباب لإبلاغهم بمواعيد الالتحاق بخدمة الاحتياط بعد أخذ تواقيعهم لتأكيد صحة التبليغ  ولأهمية السجل يسلم الى المختار الجديد بعد وفاته من قبل ذويه والبلدية تراقب عمل المختار .
سألته مستفسرا : وماذا عن دور المختار تجاه الاناث.
قال بجدية وثقة : يعتبر بيت المختار دار أمان تلجأ إليها الهاربات من المشاكل العائلية في حالة إصرار ولي أمر الفتاة على أتمام الزواج من شخص لا ترغب الارتباط به ،  فبعض الفتيات  تهرب من ذويهن لرفضهن الزواج  وتحتمي في دار المختار ، وكذلك في حالة هروب الزوجة وتركت بيت الزوجية من بطش زوجها والتي تخشى العودة إلى ذويها وخوفاً منهم مع العلم معرفتهم الكاملة بقسوة الزوج وعدم احترامه لها و بأحوالها وظروفها السيئة . ومن رغب بزواج من فتاة ذهب مع والده أو احد اقاربه الى مختار ذلك الحي وسأله عن أهل الفتاة وعن أقاربها ، ويؤخذ رأي المختار فإذا امتدحها وامتدح عائلتها يقتنع الاهل بكلام المختار ويرشدهم من يمكن أن يؤثر على عائلتها ويكون المختار الوسيط في الخطبة ويشارك بنفسه في خطبة الفتاة حتى يتزوج .
سألته مستفسرا: ماذا عن دور المختار الاجتماعي.
تعتبر شخصية المختار جزءاً من النسيج الاجتماعي الكردي ، وله خاصية في القرى التي تجسد واقع المجتمع الذي تعيش فيه القرية تجتمع فيها الكثير من الصفات الحميدة وهناك قرى فيها مختاران حسب عدد نفوس القرية ، يتم اختيار الاعمار الكبيرة . ويعتبر المختار وجه اجتماعي معروف من الناحية العشائرية من ابرز وجهاء القرية او المحلة ، وظيفة المختار نوعا من الوجاهة والمكانة الاجتماعية ،كان  للمختار وظائف اهمها حلّ النازعات بين سكان القرية ، حتى يتمكن من خدمة قريته وسكانها . وعليه بناء علاقات متينة وصلات قوية مع كَثير من المسئولين حتى يقدر تمثيل القرية او المحلة أمام الجهات العليا في الدولة ، وهو حلقة الوصل بين سكان القرية والجهات الحكومية الرسمية ، والعين الساهرة على مصالح قريته .
سألته باحترام : وماذا عن الدور الاداري للمختار.
ابتسم وقال بهدوء : هذا هو بيت القصيد في بدايات القرن الماضي كانت السلطات التركية تحتاج من يقوم بإعداد قوائم عن الأشخاص الذين تشملهم الخدمة العسكرية الإجبارية فكانت تكلّف المختارون ويسلمونها للجهات المختصّة ، حيث يعرف المختار الأشخاص الذين بلغوا سن الخدمة العسكرية الإلزامية ، لأنه كان يحتفظ بسجلات للسكان . ويلاحق الشباب الفارين من الخدمة وخاصة في زمن سفر برلك (النفير العام) .
كما حدد نظام قانون الولايات للدولة العثمانية مهام المختار في تصريف شؤون القرية اهمها جباية الضرائب
منها ضريبة الويركو فمهمته تحصيلها وجبايتها ، وتناط بمختار القرية أو المحلة إذ طلبت الدولة تحصيلها من الأهالي بعد تقسيطها بالنظر إلى قدرة كل شخص. والويركو  كلمة تركية بمعنى ضربة او خراج فرضت هذه الضريبة على أملاك الأفراد من أراض زراعيّة أو بور أو أبنية وإذا شعر الحاكم الإداري بأن الأهالي رفضوا الدفع فأنه كان يخرج لهم بقوة عسكرية لإجبارهم على الدفع . كان المختار يقوم بالتحري عن القابلات المأذونات (الداية) أو تسمى (الحكيمة) من الطائفتين المسلمة والمسيحية من تمارس وتمتهن هذه المهنة بدون إجازة رسمية بموجب الإرادة العليا ويبلغ الجهات المعنية عن أسمها وشهرتها والبيت التي هي مقيمة فيه لإيقافها عن العمل .
قاطعته مستفسرا : وهل هناك ضرائب اخرى فرضت على الاهالي ايام النفوذ العثماني .
ابتسم وقال لي : نعم هناك العديد من الضرائب التي كانت فرضتها الدولة التركية ، فضريبة العُشر التي مقدارها عشرة بالمائة من محصول الأراضي التي تسقى بماء المطر أو نصف العشر من الأراضي التي تروى بالسقي ، و ضرائب الرسوم على الحيوانات وللمختار له سجل يقيد فيه حيوانات الركوب والمركبات والحمل التي تحسب على الرأس الواحد وتنطبق تلك الإجراءات في حصر الممتلكات الحيوانية على سكان المحلة أو القرية من
الديانة المسيحية أيضاً ، وعند تحصيل المبلغ يتم تذكير المالك بعدد الرؤوس التي يملكها وقيمة الرسوم المطلوبة بموجب دفتر تعداد الحيوانات الموجود لدى المختار وتسمى (الكودة) والتي تقدر بتسعة قروش عن الرأس الواحد ، خفضتها السلطات البريطانية إلى ثمانية قروش ، بالإضافة الى ضريبة المجزرة التي تؤخذ عن كل راس ماشية يذبح  ، وضريبة البائع التي تؤخذ عند مرور السلع من منطقة الى اخرى وضريبة الدمغة  التي تؤخذ على البضائع المباعة بالأسواق وضريبة الكمرك التي تفرض على كل ما يصدر ويستورد  ،و ضريبة المهنة التي يدفعا ذوي المهن الحرة أو ضريبة الدخل وتؤخذ على مدخولات الافراد السنوية بموجب نظام معين. وهناك ضربة كانت تشمل الجميع تسمى رسوم السخرة  التي تفرض على كل شخص عمره بين( 20 ـ 60 ) سنة أو يدفع 16 قرش أو عليه العمل ثلاثة أيام بالأسبوع في تعبيد الطرق ، وهي جلب الفلاحين وبمساعدة الشيوخ قسرا أو بمختلف انواع الحيل واستغلال جهدهم بشكل لا إنساني . وكانت هناك ضرائب أخرى على بيع الأخشاب والفحم كما أسست دائرة خاصة لاستحصال الضرائب على محصول التبغ وسميت لاحقا بدائرة بانحصار التبغ .
بالإضافة للضريبة التي تؤخذ من المشمولين الذين لا يرغبون في الالتحاق في الخدمة العسكرية ومقدارها مجيدي واحد عن كل شخص ، وضريبة رسوم الطابو تؤخذ نسبة عن قيمة تخمين الأرض بالإضافة إلى ثلاثة قروش ثمن سند الطابو .ضريبة التمور وتقدر على ما مقدار ما تحمله النخلة من التمر.
وكان للمختار دورا إداريا في مجال المرهونات قيد البيع في العهد العثماني ، ويكون المختار مشرفا تنفيذيا على تقيد المعاملات بصفته الوظيفية كونه مختارا رسميا من قبل الدولة العثمانية ، ويقوم المختار بمتابعة إيداع الرهن في الصندوق ، وتسديد المدين المبالغ المستحقة عليه .
سألته وماذا تقول عن الضرائب اثناء النفوذ البريطاني على العراق .
أبقت السلطات البريطانية بعد احتلال العراق هذه الضرائب على حالها وان أجرت عليها بعض الإصلاحات ، فرفعت بعضها وقللت البعض الآخر  ولم تلغي منها شيئاً ، وحققت لها الضرائب فوائد مالية . وعليه فتعدت
وتعددت الضرائب وتنوعت على الفلاحين ، فظهرت ضريبة صيد السمك والطيور ، وضرائب على الحاجات الاستهلاكية ، وضريبة على الزواج  .
وكان للمذياع ضريبة و كانت تفرض على كل من يمتلك راديو وتدفع سنويا الى البريد وصدر نظام جديد للاذعة اللاسلكية العراقية حيث ابدل اسم (محطة الاذاعة) بـ (دار الاذاعة) وسن قانون الضريبة على كل مذياع قدره 500 فلس وذلك لتمويل مصروفات الاذاعة .  وضريبة المعارف ودفع أجور المعلمين وللمساعدة في إنشاء المدارس وصيانتها.
ومن المضحك فقد كانت ضريبة تشمل الناس الذين يعبرون مشيا على الاقدام فوق الجسور الموجودة على نهر دجلة و تشمل حيواناتهم وسياراتهم  وتسمى ضريبة العبور على الجسور ، وكانت هناك مزايدة لتأجير الجسر الى اناس يقومون بدفع مبالغ للحكومة مقابل استحصال الضرائب من الناس .  وضريبة المسقفات وتقدر بنسبة 5 بالألف على بيوت السكن التي لا تتجاوز قيمتها عن ألف قرش أما إذا زادت تصبح الضريبة 8 بالألف
سألته : وهل للمختار دور اخر في حياة المجتمع .
قال بهدوء : كان المختار المصدر المعتمد لدى وزارة التموين في سنوات الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945)  في أعداد سجلات خاصة بأسماء أبناء المحلة عندما كانت الدولة العراقية توزع المواد الغذائية الرئيسية وفق (الدفتر التمويني) وكبار السن يستذكرون كيف كانت الوزارة تجهيز الوكلاء بالحصص المقررة بموجب السجلات المعدة من قبل المختار و يتضمن عدد أفراد الأسرة والحصة المقررة لكل فرد ..
يقوم المختار بإخبار الجهات المسئولة عما يقع في القرى او المحلة من مواليد ووفيات ومكان الإقامة وتنظيم الوثائق الخاصة بالأحوال المدنية وتنظيم حجج الميراث وعقود الزواج والطلاق ، ومساعدة الدولة في تسليم المجرمين . وما يقع في منطقة عمله من مشاكل .
والمضحك ان للمختار دور مهم في تحديد حسن السلوك للشخص اذا احتاجه احد ابناء القرية او المحلة فهو الذي يؤيد ويصدر وثيقة حسن سلوك الشخص من اراد الزواج او الدخول للخدمة العسكرية او الجامعة وغيرها من معاملات الأحوال الشخصية ، وشهادته لها أهمية خاصة معتمدة في المحاكم والجهات الحكومية وتصبح وثيقة المختار من الوثائق الرسمية ، وتعتمد أي وثيقة يصدق عليها المختار وتحمل ختمه.
في ما يخص شؤون القرية على المختار مرافقة موظفي الدولة ،على سبيل المثال مرافقة  المُخمِّن الذي يُقَدِّر إنتاج المحاصيل وعدّاد المواشي حتى تفرض عليها الضرائب .
أما الضيوف والوفود الرسمية والشعبية وعابري السبيل يعتبرون بيت المختار مقصداً لهم إذا زاروا القرية لتأدية عمل ما ، وتأمين المبيت لهم إذا اقتضت الضرورة ذلك ، وكان أقاربه ورجاله يعينونه على ذلك .
وكما ان المختار يرافق رجال الشرطة اثناء البحث عن هارب او مشتبه ، وكانت الشرطة لا تدخل بيتاً من بيوت القرية او المحلة إلا والمختار معهم وكلما احتاجت القربة او المحلة الى احتياجات التقى المختار بالحاكم الإداري او متصرف اللواء .
كما كان له دور مهم في تعين الحراس الليليين الذين يحرسون الاسواق والمحلات مقابل ثمن شهري بسيط وهم يتجولون مع الفوانيس لعدم توفر الكهرباء في وقتها ، وكان حريصا على انتخابهم ممن يمتلكون القدرة الجسدية والكفاية الذهنية لتوطيد الأمن في القروى والأرياف والمحلة .
سألته : هل كان للمختار راتب شهري من قبل الدولة .
قال بجدية وتوضيح :المختار لا يتقاضى راتبا من الدولة فمنصبه فخريا ، وهذا يدل على أن من يتولى هذا المنصب هو من الوجهاء المقتدرين ،  وطمغة كل معاملة من المعاملات تختلف اكراميتها عن غيرها وإنما مجرد مشاركة من اصحاب المعاملات في توفير عائد مالي بسيط وليس هناك سعر محدود فهي تتفاوت بين مختار وآخر كذلك يتفاوت امرها بين الاعتدال والجشع يتوقف ذلك على الجهد المبذول من قبل المختار وعلى إمكانية المواطن المادية ، وكذلك يحصل على الهبات والإكراميات فمن زوج ابنه اهدى للمختار هدية مناسبة ومن اشترى داراً كذلك وكان الكثيرون من الاهالي ولضيق ذات اليد يحصلون على الختم المطلوب دون أي مقابل مادي . في قانون المحافظات ثبتت وظيفة المختار والزم القانون بتحديد راتب المختار وكان يتقاضى مبلغاً شهرياً بسيطاً من الجهة المشرفة عليه وهذا المبلغ كان يعادل راتب موظف في الدرجة الوظيفية الخامسة ، ويعطى له حصّة من الضرائب التي تجبيها الدولة من قريته. لمساعدة المختار في تغطية مصاريف الضيافة لموظفي ومسئولي الحكومة وتقديم وجبات الطعام لهم ويسعى لتلبية احتياجاتهم .
قلت له مستفسرا : هل كان هناك فرق بين المختار في زمن النفوذ العثماني والاحتلال البريطاني .
قال : في العهد البريطاني اعتمدت فيها السلطات الرسمية على أكثر من مختار ، فكان لكل عشيرة مختار
و ملاذ لجميع ابناء العشيرة لقضاء الحاجات ، الكل يهرع إليه عندما يتعلق الأمر بطلب إحدى الدوائر الرسمية ، يتوسط لتوظيف بعض الناس في أجهزة الدولة ، فكان يقوم بكتابة رسائل للدوائر الرسمية تزكي الراغبين بالتعيين في وظائف حكومية ، لأنه يعرف سكان الحي وتوصيته مقبولة من المؤسسات الرسمية. ويقوم المختار بالتعريف على أهل القرية عندما يزوره مسئولين من السلطة ، ويطلب منهم تلبية بعض المطالب بما يخدم الصالح العام للبلد ، وكان على المختار أن يبلغ أهالي الحي او القرية بالتعليمات الصادرة عن الحكومة او يرسل المنادي ليطوف بالحارات ويبلغ الناس .
سألته :هل كان للمختار دور سلبي تجاه المحلة أو القرية التي كان يشرف عليها.
قال بنبرة حزينة : مع الاسف بقدر ما كان المختار سعيدا بمركزه الاجتماعي كان يشعر بالحرج والخجل ، فأصبح بعض المختارون في عقدي الثمانينات والتسعينات رجل أمن ، شهد الدور الذي يوصف بأنه الأكبر والأخطر للمختار هو تحوله الى رجل ذو نفوذ اكبر  يتزامن حضوره الإبلاغ عن الهاربين من العسكرية أو المتخلفين عن التجنيد اثناء الحروب التي مرت على العراق وكانت الجهات الامنية تطلب منه تسجيل أسماء الذين لم يلتحقوا بقواطع الجيش الشعبي ، ومرافقته حملات التفتيش والاعتقالات وعمليات الإعدام .  وكان الكثير منهم يشعرون بالحرج من تلك الاوامر واغلبهم يتذرع بمختلف الذرائع للتهرب من هذه المهمات لأنهم يشعرون بالحزن ولا يقدرون الوشاية بأهلهم وأقاربهم ، وكثير منهم يشعر بالخجل وهو يرافقون رجال الأمن عندما يدخلون منازل معارفهم لإلقاء القبض على احد افراد المنزل ، وكانت النساء تتوسل وتطلب من المختار اطلاق سراح المعتقل ، متصورات إن له يدا في اعتقال أزواجهن أو أبنائهن ، لأنه الشخص الوحيد المعروف بالنسبة لهن. والمصيبة عندما يكلف المختار بمهمة إبلاغ عائلته المعدوم لاستلام الجثة .
قلت له : اقدم لك شكري وتقديري على هذه المعلومات القيمة حول المختار. واعدوك لتناول الغداء معي ..
قال : لا مانع لدي ولكن لا احب ان يكون في المطاعم الحديثة ، وأفضل ان يكون المطعم شعبي.
قلت له : نحن على مسافة خمسة دقائق مشيا على الاقدام من مطعم احمد حسن ، المعروف عند زبائنه
( ئه حه ی‌ گوڵەی‌ جگه رچی‌) .
ابتسم وقال  : اطال الله بعمره  عمره يبلغ ثمانون عام فمنذ عام 1940 هو بائع مشوي اللحم والمعلاق في هذه الدكان وعمل في هذه الصنعة منذ كان عمرة ثمانية سنوات .
قلت له : تفضل .
ونحن في طريقنا الى للمطعم قلت له بطلب واحترام هل حدثتني عن اصول تسمية محلات مدينة السليمانية.
قال لي بفرح وسرور : على الرحب والسعة سيكون  موضوع لقائنا القادم  .

المصادر :
1.   دراسات موصلية ، المختار ودوره الاداري والاجتماعي . م . د .عروبة جميل محمود 2013 .
2.   . 200 سال (شاري سليماني) اكرم صالح رشة 2011
3.   التقسيمات الإدارية لسنجق السليمانية خلال العهد العثماني الأخير 1918 م – 1869 م. م بان راوي شلتاغ الحميداوي جامعة القادسية - كلية التربية
4.   كمال مظهر أحمد ، كردستان في سنوات الحرب العلمیة الأولى ، ترجمة محمد الملا عبد الكريم ، ط 2 ، بغداد : 1984

128
سفر برلك 1914  1918
ذكريات من مدينة السليمانية ايام سفر برلك :
بدري نوئيل يوسف  ـ السويد
المقدمة :
أحاديثُ الاجداد للأبناء مهما تكن بسيطة وممتعة وشيقة ، فهي تبقى في الذاكرة ذاك حال أحاديث شيخنا عن الدولة العثمانية اثناء النفير العام ( سفر برلك) في نهايات عهدها ، وكيف اندلعت الحرب العالمية الأولى وما تبعها من أحداث القحط والجوع والفقر في مدينة السليمانية .
كنت على موعد مع شيخنا الجليل ليروي لي ذكريات مثيرة عن مدينة السليمانية ايام سفر برلك ، وأنا في طريقي للقائه في المقهى الشعبي الصغير القابع في شارع صابون كران في مدينة السليمانية ، مررت على مقهى الشعب الذي يقبع في ساحة السراي ، فهو من المقاهي القديمة وملتقى للحركة الثقافية والفنية في المدينة .
بات المقهى بيتاً ثقافياً وملتقى السياسة والفن والفكر له شهرته ، يجمع المثقفين من شعراء وأدباء وفنانين وسياسيين وبقي كذلك حتى اليوم ، له أجواء خاصة والمقهى يحتوي على مكتبة تضم كتبا ثقافية وتاريخية وسياسة هدية من مؤلفيها لقرأتها من قبل رواد للمقهى ، على جدران المقهى يعلق صور الشخصيات الكردية والفنانين الكُرد  ... والغريب ان تلاحظ بعض صور مجانين المدينة معلقة على جدران المقهى ... تبادلت أطراف الحديث واسترجاع الذكريات الجميلة والمواقف الطريفة مع بعض الاصدقاء القدامى . ثم ودعتهم على أمل لقاء آخر .
في المقهى الصغير :
في المقهى الصغير جلس شيخنا الذي تميزت شخصيته الرائعة بعفويته وحبه للبساطة والهدوء يحتسي آخر رشفة من فنجان الشاي وينفذ دخان سيجارته ينتظرني ويلاعب مسبحته الشعبية ، دخلت المقهى الذي احبه شيخنا ووقفت لحظات عند المدخل لكي ارصده واجلس حول طاولته ، لوح لي بيده وابتسم ، بعد الترحيب اعتذرت عن التأخير وقلت له زرت مقهى الشعب وأنا في طريقي الى هنا وتحدثت مع بعض الاصدقاء .
قال مبتسما : لا بأس .. فمقهى الشعب تراث وفلكلور ومحطة تجمع الكتاب والمثقفين ، انه مقهى يشبه كثيراً مقاهي بغداد المهمة كالزهاوي  والشابندر  .
قلت بهدوء واحترام :اشكرك لأنك لن تنزعج من تأخيري ، ثم قلت له : اتفقت معك في لقائي السابق ان تحدثني عن سفر برلك فهل انت مستعد . 
تنهد واخذ نفسا عميقا ثم قال بهدوء :نعم انا هنا لكي احدثك عن حكاية عمرها مائة عام ، سمعت قصصها وآلامها ومآسيها من جدي الذي عاش زمنها ، لأنه استطاع الهروب من ايدي الجنود العثمانيون .
سفر برلك تتكون من كلمتان الاولى "سفر " يعني الرحيل أو تَركْ الديار ، والثانية " بر " يعني الارض او البرية ، و"لك" هي اداة وصل بالتركية تلحق البر وتعني الرحيل عن الديار أو السفرة الطويلة . وقد سميت في العامية العراقية او اللهجة الشعبية (الروحة بلا رجعة) ، استمرت الحرب اربع سنوات ، وثلاثة أشهر وأسبوع واحد .
صمت لحظات واخذ نفسا عميقا من سيجارته ثم تابع حديثه قائلا : الثامن والعشرين من تموز 2014 يصادف مرور مائة عام على اندلاع الحرب البرية الكبرى  او الحرب العظمى وسميت في امريكا الحرب الاوربية باعتبار الحرب واقعة في اوربا ، وفي البلقان سميت حرب الخنادق لأنها كانت حرب دفاعية برية لكثرة الخنادق التي امتدت على جبهات القتال ، وفي مصر سميت حرب ترعة السويس لان اراد العثمانيون الحفاظ على ترعة السويس ( القناة) ويمنعوا الانكليز من دخول السويس ، ولم تسمى الحرب العالمية الاولى في وقتها لان الحرب الثانية لم تكن واقعة اثناء الحرب .
تابع حديثه قائلاً : وقع عدد كبير من الضحايا من كل الاطراف التي اشتركت بالقتال ،يقدر عدد القتلى بعشرين مليون قتيل ، واثنان وعشرين مليون جريح ومعاق ماعدا الهجرات الجماعية او الترحيل الجماعي او التهجير القصري او الإبادات التي تمت مع وقوع الحرب ، ولا يوجد في العراق احصاءات دقيقة او توثيق ميداني عن عدد الضحايا من القتلى والمصابين التي ذهبوا بهذه الحرب من العراقيين .
سألته كيف بدأت الحرب وما هي الاسباب التي ادت الى اندلاعها ومشاركة كل هذه الدول في الحرب.
صمت قليلاً .. ثم تنهد و قال :السبب المباشر لبدأ فتيل الحرب بعد اغتيال وريث العرش النمساوي  سنة 1914 مع زوجته في سراييفو ، بدأت النمسا بهجوم على الصرب وعلى اثرها تحالفت الدول مع بعضها وأصبحت فريقان متخاصمان ، وهناك اسباب اخرى غير مباشرة منها النهضات الفكرية المتطورة اي تتطور وعي الناس والنزعات القومية بين الشعوب ، ومنافسة الدول على المستعمرات ، وزيادة انتاج السلاح لدى الدول بعد الثورة الصناعية ولا تنسى التحالفات العسكرية بين الدول .كما بدأت الشعوب لا تتحمل ادارتها من قبل السلاطين والقياصرة والإمبراطوريات ونقل العرش من الاب الى الابن كما ظهرت نظريات جديدة على سبيل المثال الشيوعية وسيطرة رجال الدين. 
قلت له اشكرك على هذه المقدمة الرائعة لكن اريد اعرف منك ماذا جرى بعد ما دخلت تركيا الحرب .
اسند ظهره الى الكرسي قائلا : بدأت طبول الحرب تقرع مع تقهقر الدولة العثمانية التي سميت بالرجل المريض او الامبراطورية المريضة . هذه الحرب هلكت الحرث والنسل وقلبت النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأنشأت دولا وألغت دولا.   
عندما يسمع الرجال والشباب كلمة سفر برلك ، كأن صاعقة نزلت عليهم وهي كلمتان خبأت بين ثنايا حروفهما الرعب المخيف ودموع الامهات الثكالى ، وعندما يعلموا الاهالي ان الجندي العثماني اذا دخل القربة او المحلة يعني الرحيل قادم . قبل دخول الجنود القرية يطوقونها من جميع منافذها ويمسكون الرجال والشباب جميعا باستثناء رجل الدين لاعتبارات سياسية دينية ، ولذا كانوا الرجال يتحصنون داخل بيوتهم أو يهربوا إلى البساتين والجبال خوفاً من الخطف المباغت من الجنود الأتراك ،  ولم ينج من قبضة الجنود إلا القليل النادر ومنهم جدي حيث هرب الى قضاء حلبجة متخفيا بملابس نسائية .
كانت وسيلة التنقل في تلك الفترة الزمنية المشي للجنود ، والخيول للقادة العسكريين ولجماعة الضباط.
يرسل الرجال والشباب الى ساحة الحرب في أصقاع أوربا الى أتون حرب ضروس لا ناقة لهم فيها ولا جمل .
يقودهم ضابط تركي ويحرسهم عدد من الجنود بعد تكليفهم بالخدمة العسكرية متجهين نحو خارج المدينة في طريقهم الى المعسكرات وهم لا يعرفون طعماً للماء ولا شكلاً للطعام لعدة أيام ، وكان أهلهم يسيرون وراءهم يبكون ويَّولولون وهم يودعونهم ، يلحقونهم الى مشارف المدينة ، ثم تعود الاهالي أدراجها وهم يعلمون أنهم ودعوا اولادهم وداعاً لا رجاء لهم بعودتهم ، ومن يذهب لساحات تلك الحرب نادراً ما يعود ، كانت الامهات تنتظر ابنائها على عتبة باب المنزل تتوقع مجيئه في أي لحظة ، ولا أحد يعرف في أي مدينة أو دولة قد حارب ، ولا أين مات أو دفن .
سألته مبتسما : تستطيع ان تحكي لي كيف استطاع جدك الهرب من المدينة .
ابتسم بهدوء وقال : لم يقبل جدي رحمه الله ان تُحكى قصته لأنه يشعر بالخجل ، لكن سأقصها عليك ... كان لكل محلة مختار وهو أصغر مسئول أداري في المدينة بموجب الوثائق العثمانية ، هناك ثمة واجبات تقع على كاهل المختار و ابرز مهام المختار يقوم بتبليغ الأفراد المكلفين بالخدمة العسكرية .
 في احد الايام جاء المختار  بصحبة اثنان من الجنود العثمانيين ذو الطرابيش الحمر التي كانت في ذلك الوقت دليلا يكفي لإثبات ان من يضعها على رأسه شخص يفهم ومتميز عن غيره  الى منزل جدي وطرق المختار الباب ، خرجت والدة جدي مستفسرة من الطارق ،  وكانت امرأة فطنة شديدة الفراسة ذكية جدا قوية وشجاعة ، عندما رأت المختار ومن معه عرفت انه جاء يستدعي ابنها لأداء الخدمة العسكرية وسوقه للنفير العام .
سألها المختار عن ابنها إذا كان في المنزل فردت عليه بلباقة انه خارج المنزل ويعود مساء بعد انتهائه من عمله .اخبرها المختار ان ابنها بلغ سن الرشد وعليه الالتحاق بالخدمة العسكرية ولم يقل لها انه جاء لتبليغه للالتحاق الى النفير العام ، ابتسمت وزغردت وتظاهرت بالفرح ان ابنها سيلتحق بالجيش العثماني وأصبح رجلا ولو سمحوا لها ان تلتحق بالجيش لفعلت ووعدت المختار ان تسلم ابنها الى الدرك حال عودته من عمله علما ان جدي كان داخل المنزل . ودعها المختار بفرح وسرور قائلا لها : اتمنى ان تكوني نموذجا لبقية الامهات لإرسال ابنائهم الى جبهات القتال . بعد مغادرة المختار المحلة دخلت والدة جدي المنزل وأغلقت الباب خلفها وهي مبتسمة ترقص فرحا لخداعها المختار .
دخلت على جدي وهو مختفي في قفص لتربية الدجاج في فناء المنزل وقد اعتاد الاختفاء عند سماعه طرق الباب ، وأعلمته ان طارق الباب كان المختار الذي جاء يستدعيه الى الخدمة العسكرية واستطاعت ان تصرفه بخدعة ذكية ، طلبت من جدي ان يلبس ملابس أخته الزي الكردي النسائي ، وشدت رأسه بغطاء جميل مزركش بألوان جذابة ، وأحضرت حمارا وضعت عليه جرار الماء وخرجت مع جدي بحجة جلب الماء من احد الكهاريز  ، حيث اعتادت ان تذهب مع ابنتها الى الكهريز كل يوم ، وكان السكان يعتمدون  على جلب الماء من الكهريز إلى البيوت كل صباح ،او يقوم السقا بجلب الماء لهم مقابل أجر زهيد يتقاضاه في آخر كل شهر.  حيث كانت حرفة السقا من المهن التي سادت في الماضي ، ولكن انقرضت تلك المهنة القديمة التي كان كثير من الناس يمتهنونها بعد توفر الوسائل الحديثة لتوصيل المياه إلى المنازل .
خرج جدي بملابسه النسائية مع والدته من المنزل متجهان نحو قرية قركة الواقعه على مقربة من المدينة بعيدا عن اعين الدرك ،غير جدي ملابسه ولبس ملابس الرجال ، ودع امه التي عادت الى منزلها ، واخذ معه الحمار وما حمل من زاد واتجه بمفرده الى قضاء حلبجة . وبقى هناك يعمل بالزراعة عند اقارب له حتى انتهت الحرب عاد الى السليمانية .
بعد أيام عاد المختار مستفسرا عن جدي .اعلمته والدة جدي انه سلم نفسه الى الدرك  مباشرة وقد وزعت الحلويات على الجيران لكون ابنها اصبح رجلا والفرح يغمرها وطلبت منه الانتظار لحظات حتى تدخل وتجلب له الحلوى وتقدمها له . شكرها المختار بعد ما اخذ الحلوى معه وودعها على امل ان يعود ابنها من الحرب بأسرع وقت .
قلت له : سأدونها في مقالتي مثل ما رويت الاخبار لي ، لكن اريد اعرف منك حكايات اخرى لسكان المدينة.
قال بهدوء: سأطلب قدحان من الشاي ثم نستمر بالحديث .
قلت: لا مانع لدي من احتساء قدح الشاي والسماع لحديثك الشيق والممتع .
رفع يده ونادى على النادل وطلب قدحان من الشاي .
قال مبتسما :سمعت من جدي بعض الحوادث الطريفة في تلك الفترة الزمنية وحيال الوضع المأساوي الذي ساد مدينة السليمانية ، كان لوالدة جدي جار وهو رجل هادئ الطبع وغير مُحب للعمل بعكس زوجته التي كانت تعمل منذ الساعات الأولى من الفجر وحتى وقت متأخر من الليل بحياكة ليفة الحمام  ، ولم تكن الزوجة قادرة على إقناع زوجها لتقديم أية مساعدة لها بحجة أنه لا يستطيع الخروج من المنزل ، لأنه مطلوب للخدمة في صفوف العسكر العثماني وهو هارب من الخدمة أي فرار ، وفي احد الايام طلبت زوجته ان يشتري لها الزعرور (ثمار موسمي لنوع من الشجر البري) ، وألحت عليه ان يذهب للسوق لشراء ما اشتهت ، وكان الزوج يعلم ان لا يوجد زعرور في السوق لأن الفصل في غير موسمه . ولكنه لم يعير لها اهتمام ولن يرد عليها ، ولم تَعد زوجته تطيق صبراً ولكثرة غيظها وانزعاجها صعدت إلى سطح المنزل وراحت تصيح بأعلى صوتها ، يا عسكر  يا جندرمة عندي هارب بالبيت ، يا مختار زوجي فرار من الخدمة العسكرية  ، وكررت نداءها فسمعتها والدة جدي وصعدت مسرعة للسطح وطلبت منها السكوت وأقنعتها ان تنزل من السطح وكانت والدة جدي تعرف ان جارتها حامل و توحمت واشتهت اكل الزعرور ،  وعندما عرف الزوج ان زوجته حامل وتتوحم سأل زوجته ببرود وفتور منذ متى وأنت حامل ؟
قلت له مستفسرا :هل هناك حوادث طريفة اخرى او محزنة ؟
قال بهدوء :نعم على سبيل المثال بعض النسوة اللاتي ينزعجنَّ من أزواجهن كنَّ يهددنَّ أزواجهنَّ بإعلام المختار أو الجنود العثمانيون عن وجود أزواجهنَّ الفارين من الخدمة العسكرية والمتخفين عن الأنظار ، إذا ما خالفوا إرادتهنَّ أو تقاعسوا عن مساعدتهنّ يطورنّ التهديد إلى تنفيذ وهذا ( شر البلية ما يُضحك ) .
ثم قال لي اسمع هذا الموقف من احد الازواج بعد هروبه من العسكر العثماني واختفائه في المنزل ،كلفته زوجته بالقيام بواجبات المنزل من غسل الملابس وتنظيف وكنس وطبخ ، اطاعها وينفذ أوامرها بدون نقاش ، بعد عدة اسابيع ضاق ذراعا بزوجته وطلباتها وأوامرها فتمرد عليها ولا يلبي رغباتها ، فهددته بتبليغ العسكر بأنه هارب وفرار ، لكنه كان لبق وذكي جدا بدأ يذكرها بما حدث لبعض شباب المحلة الذين ذهبوا للحرب ولم يعودوا اي الذي ذهبوا الى سفر برلك ولم يرجعوا ، فندمت زوجته وشعرت بخطورة تهديدها ومنذ ذلك الحين كان الزوج لا يأت بأي عمل بل يكتفي بإملاء أوامره على زوجته التي عليها أن تطيع وتنفذ دون معارضة ودون عودة إلى التهديد خوفا من ذهابه بدون رجعة. 
جاء النادل وقدم الشاي لنا ، وورث شيخنا سيجارته وقال :
ترافق سنين الحرب توقف الامطار وعَمَ جفاف الأراضي الزراعية وانتشر القحط والجوع بالإضافة لأزمات اجتماعية من فقر وعوز وبطالة اجتاحت المدن والقرى ، بدأ الجيش العثماني بمصادرة مؤن وأرزاق سكان القرى والفلاحين لإطعام وتجهيز الجيش العثماني ليخوض غمار حربه ، ولتمويل تلك الحملة فرضوا المزيد من الضرائب ، مات الكثيرون من الجوع فحصلت مجاعة رهيبة بلغت ذروتها عام 1916 ولا يزال الناس يسمونها سنين الجوع والقحط تحديداً خلال عام 1917 ، عمت مظاهر المجاعة في السليمانية ، أنتشر الجوع والبطالة بشكل مخيف.ثم اشتدت وطأتها اوائل عام  1918 . 
 أصبح من المناظر الطبيعية أن ترى الجثث في الشوارع والأزقة وداخل البيوت. وتبقى الجثث في تلك الاماكن لا تجد من يتبرع بدفنهم فباتت تهدد حياة  الغالبية العظمى من سكان السليمانية على حد سواء. كانت مأساة بمعنى الكلمة وحوادث فاقت الخيال .
 نفقت معظم الحيوانات ليبدأ الفقراء باصطياد الكلاب والقطط لتصل حد أكل القنافذ والأفاعي والحشرات ، وتحولت الحيوانات التي كانت تقتات اللحوم إلى حيوانات نباتيه ، وتحول لب الأشجار والأعشاب البرية إلى طعام للفقراء. في الوقت الذي أستغل عدد من التجار ( الجشعون ) تلك الحالة برفع أسعار الطحين والحبوب ، وأمسوا يبيعون حقة الطحين التي تساوي 1250 غرام بثلاثة ليرات رشادية  ، وبذلك كونوا ثروات طائلة ولكنهم فقدوا سمعتهم وذويهم في نفس الوقت .
هبَ الخيرون من ابناء المدينة لنجدة اخوتهم الجائعين والمحتاجين وإنقاذ حياة الكثيرين منهم بالمال والطعام والملابس بدءوا بإعداد كميات كبيرة من الطعام يومياً بغية توزيعها على المحتاجين والجائعين  .
يبرز الكلداني عبد الكريم علكة  في هذه الظروف الصعبة الذي ضرب امثلة رائعة في السخاء والعطف ، فقام بشراء كميات كبيرة من الحبوب ( القمح والشعير والرز ) من الاسواق المحلية والمدن المجاورة وخزنها في مخازنه ووضع عليها حراسة مشددة كما انشأ مطحنة للحبوب والتي كانت تعمل ليل نهار لطحن القمح والشعير وتوزيعه على الفقراء كما فتح  مخبز لتزويد فقراء السليمانية بالخبز مجاناً ، و في كل مساء كان يأمر بطبخ كميات كبيرة من الطعام لتوزيعها على مئات الفقراء والمحتاجين ، وكان بإمكان الفقير أن يأكل عند مواقد الطبخ أو يأخذ حصة لأهله أيضاً ، انقذ  آلاف من اهالي المدية والمدن والقرى المجاورة من الموت المحقق ولن يفرق بين أي طائفة دينية فالكل كان متساوين عنده ، في حين كان تجار السوق مستغربين متعجبين مندهشين من تصرفه وكرمه ولا يجدوا غير جواب واحد انه عبد الكريم علكة الشهم والكريم والوفي لأبناء مدينة .
بعدما بلغت الوفيات في بعض الاوقات حداً عجز القائمون على البلدية عن كفن ودفن الموتى ، قدم عبد الكريم علكة المبالغ اللازمة لدفن كافة الموتى وعلى حسابه الخاص بالنسبة للفقراء والمحتاجين والذين لم يتمكنوا من دفع مصاريف الدفن الذين كانوا يتساقطون في أزقة المدينة ، وقدم الكسوة الشتوية للعديد من الطلبة الفقراء و في كل ليلة كان يتفقد احوال الفقراء بنفسه ومساعدة المرضى وشراء الادوية لهم.
ومع ذلك فأن المواقف المشرفة لأبناء السليمانية الخيرين قد أسهمت في تخفيف حده ذلك الوضع المتفاقم وإنقاذ الكثيرين من كان يهددهم الجوع والبرد معاً.
سألته ماذا تعرف عن معاملة الجنود للمساقين للخدمة العسكرية .
قال بهدوء : سمعت هذا الكلام من جدي الذي ينقله عن ناجين من سفر برلك كان الجنود العثمانيون  يحرقون من يسعُل وهو حي لاعتقادهم بأنه مصاب بداء السل خوفاً من تفشي الوباء بين صفوف الجيش . لقد
 عانى الناس الكثير اثناء سفر برلك ، واحد الاسباب حالة التخلف التي كان يعيشها المجتمع على جميع الاصعدة ، لم يكن المجتمع قد بلغ مستوى كافيا من التقدم العلمي .
رن الهاتف الجوال الذي يحمله شيخنا في جيبه ، اخرج الهاتف ورد على المكالمة ، كنت انظر اليه بتعجب واستغراب وهو يهز رأسه بالإيجاب ويسمع حوار المتكلم مبتسما ، رد باختصار شكرا نحن قادمان . غلق هاتفه الجوال وقال لي : بنتي حضرت لنا طعام الغداء وهي تنتظرنا .
قلت له باندهاش . ولكن  ..
قاطعني على الفور قائلا : بدون لكن انهض الكبة كردية (كبة صابون كران )تنتظرنا ...
قلت بهدوء واحترام : وهل انتهى حديثك عن سفر برلك .
قال مبتسما : لا سأقص عليك بقية الحوادث عن سفر برلك في المنزل بعد تناول الغداء .
قلت : لا مانع لدي طالما الكبة الكردية تنتظرنا .. ولي طلب هل تحدثني عن دور المختار الاجتماعي والإداري .
قال : بكل سرور بعد اكمال حديثنا عن سفر برلك .

129
الكهنة الكلدان الذين خدموا في السليمانية  :
بدري نوئيل يوسف ـ السويد
المقدمة :

السليمانية مدينة تأسست حديثاً في عام 1784 ، صغيرة العمر لا يتجاوز عمرها أكثر من مائتي وثلاثون سنة ولم تكن معروفة قبل هذا التاريخ ، كانت منطقة السليمانية والمناطق المحيطة حولها تابعة الى أبرشية بيث كرماي  ،في العام 1820 زارها الرحالة ريج  يقول في كتابه (رحلة ريج الى العراق سنة 1820) ان عدد سكان مدينة السليمانية آنذاك بعشرة آلاف نسمة وعدد بيوتها بـ2144  بيتاً بضمنها 130بيتاً لليهود و9 بيوت للمسيحيين والكلدان و 5 بيوت للأرمن الذين كانوا يمتلكون منزلا صغيرا اعتبروه كنيسة خاصة بهم . اكثر العوائل المسيحية التي تسكن السليمانية حاليا تعتبر مهاجرة قدمت من المدن الاخرى لظروف خاصة بهم منها التجارة أو الاضطهاد  .ولم يبقى من السكان الاصلين غير عدد قليل .
كنائس السليمانية :

1)   كنيسة السليمانية للكلدان: في سنة 1862 م بنيت أول كنيسة رسمية في المدينة تحت اسم كنيسة الكلدان بناها الشماس يلدا من أهالي سنندج الإيرانية وكان على رأس الخيرين حيث كانت آنذاك تابعة لأبرشية  "سنا"  (سنندج) واجتمعت العوائل المسيحية حول الكنيسة . ثم تغير اسمها الى كنيسة مريم العذراء وحاليا اصبحت ديرا يقيم فيه عدد من الرهبان .

2)   كنيسة مار يوسف الجديدة شيد فى محلة الرعاية و هى بناية كبيرة وواسعة مبنية على طراز حديث و على نفقة حكومة اقليم كردستان فى سنة 2003 م. بعد ازدياد عدد العوائل المسيحية في السليمانية فقد وصلت إلى حوالي 400 عائلة في وسط السبعينات وأكثريتهم من الكلدان والأثوريين والأرمن والأرثدوكس يمارسون طقوسهم الدينية بكل حرية .

ادناه الكهنة الذين خدموا في السليمانية من  سنة 1900 حيث لم تتوفر سجلات في الكنيسة قبل هذا العام .

1.   الاب بطرس اوراها : ولد بطرس يوسف ابن القس اوراها في كركوك ، دخل الرهبنة عام 1865 ، قدمه رؤساؤه إلى الدرجة الكهنوتية ونالها عام 1876 في كنيسة الطاهرة بالموصل ، تولى عدة مناصب في الرهبنة منها رئيساً لدير السيدة ومدبراً للرهبنة ، حتى انعقاد المجمع الانتخابي الرهباني العام ، فأُنتخب الأنبا بطرس رئيساً عاماً للرهبانية لمدة ستة أعوام (1894 ـ 1900) ، تعين بعد رئاسته في كنيسة السليمانية من عام 1899 ـ 1902 وأخذ يخدم المؤمنين بكل اخلاص وتفانٍ ، وهناك سلم روحه بيد باريها عام 1902 ودفن في كنيستها مريم العذراء أم الله الحزينة .

2.   القس بطرس بولص : كان  شماسا ماهرا و تقيا و متقنا للطقس الكلداني متزوجا وله ولدان (اسكندر ويوسف ) .رسم كاهنا وخدم الرعية سنتان ما بين عامي 1902-1903 م . دفن فى نفس الكنيسة ، اصله من قرية ارموطة قرب قضاء كويسنجق هاجر إلى السليمانية مع افراد عائلته منتصف القرن الثامن عشر  تقريبا.

3.   الاب هاويل الراهب من دير السيدة  كان له مساعدان هما القس صليوا الشقلاوى والقس فليبس حنا  و هم رهبان من نفس الدير قدموا للخدمة في السليمانية 1903 وعملوا  معا حتى سنة 1907 م. والأب القس فيلبس حنا  الراهب من أهل شرانش نقل كتاب(كتاب تاريخ أورشليم) من الفارسية الى الكلدانية ، وأكمل الترجمة سنة 1907 م ، إذ كان يخدم في كنيسة السليمانية .

4.   الاب الراهب القس هرمز يوسف شمعون الاسحاقي  دخل صليوا  يوسف  دير الربان هرمزد اكمل جميع متطلبات الرهبانية . رسم صليوا راهبا وأدى النذور الرهبانية المؤبدة في 16 / 11 / 1884 فدعى الاخ  باسيليوس . ارتسم كاهنا  في دير السيدة   بتاريخ  26 / 5 / 1889 فدعى اسمه هرمز ارسل الى  ابرشية زاخو  ومكث هناك مدة  وعاد الى الدير ثم ارسل الى  مدينة ( سنة ) ايران وبقي هناك عشرين سنة  وعاد الى شقلاوة  وبعد مده  دعاه  مار  اسطيفان راعي كركوك  عنده  فخدم هناك  ثم عاد الى الدير. انتخب  مديرا للرهبانية مرتين / الاول  في عام 1901 والثانية 1924 .  وأرسل الى  السليمانية وبقي هناك مدة من الزمن . ولكن بعد ان طعن بالسن  عاد الى شقلاوة  ليقضي اواخر ايام عمره في مسقط رأسه توفي في شقلاوة  بتاريخ 15 / 12 / 1944 ودفن في كنيسة شقلاوة خدم كنيسة السليمانية من عام 1907 - 1909 م .


5.   الخور اسقف فيليبس حنا شوريز الراهب كلداني : من سعرت ولد فيها سنة 1982. دخل المعهد الكهنوتي البطريركي بالموصل سنة 1898. رسم كاهناً سنة 1907. علم في مدرسة دير مار يعقوب للآباء الدومنيكان، ثم عين في بغداد وكيلاً بطريركياً ، بعدها خدم في البصرة ، ومنها انتدب سكرتيراً للقصادة الرسولية لبلاد ما بين النهرين بالموصل ، وإلى جانب هذه المهمة علم في معهد مار يوحنا الحبيب بالموصل. سنة 1937 أقامه الكرسي الرسولي مدبراً رسولياً على الجزيرة العليا الكلدانية ، التي توافد إليها الناجون من مذابح السفر برلك . توفي في بيروت سنة 1938.  خدم كنيسة  السليمانية  من عام 1909 الى 1914 .

6.   الاب الراهب القس هرمز يوسف شمعون الاسحاقي  :من اهالى شقلاوة  قدم مرة ثانية  من دير السيدة وخدم في كنيسة السليمانية من عام 1914 الى 1915  م .

7.   الاب متى الراهب : من دير السيدة خدم من عام 1915 الى 1920 م .

8.   الاب الياس شير الراهب : ولد الياس بابكا شير في شقلاوا سنة 1860 ، تعلم المزامير في صباه على يد الأب يعقوب والد المطران أدي شير، عندما بلغ السادسة عشر ، قصد دير الربان هرمزد سنة 1876 وابرز نذوره الدائمة في 15 ايار 1879، وفي عام 1888 أرسل الى مدينة (سنا) الايرانية لتعليم الاطفال ، رسم الياس كاهناً في 16 تشرين الثاني   1895، ارسل الى السليمانية عام 1920 وخدم فيها ثلاث سنوات . وبعدها أرسل الى بيبوز ( العمادية )  لعدة اشهر وفي عام 1927 الى ( سنا ) حيث مكث فيها خمسة اعوام ، ثم في الاهواز عام 1934 حيث بقى مدة ثماني سنوات ، وبعدها الى ارادن عام 1937 التي خدم فيها سنتين . اضافة الى انيشك وتلا وبيرتا وملابروان وعين سفني ، كذلك خدم في أرموتا لأكثر من ثلاث سنوات . وهكذا اثقلت السنون كاهله وعاد الى ديره ، وهناك قضى في 21 آذار 1949 عن يناهز التسعين عاماً .

9.   القس بهنام سياوش : من اهالى عينكاوة خدم الكنيسة للفترة من  1927 الى 1928 م ثم عاد الى مسقط رأسه وتوفى هناك عن عمر يناهز 96 عاما .

10.   الاب الراهب القس هرمز يوسف شمعون الاسحاقي  :  سبق وأن خدم الكنيسة سابقا ثم عاد مرة اخرى ليخدمها و ذلك لحاجة منطقة لخدماته مكث فيها للمدة بين عام 1928 الى عام 1939 م وبعدها عاد الى شقلاوة حيث وافاه الاجل و دفن فيها.

11.   الاب عمانوئيل حداد : ولد في القوش عام  1902 م دخل الرهبنة عام 1918، درس في معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل ، ارتسم كاهناً عام 1930 مع اثنين آخرين من طلاب المعهد المذكور في مصلى مار بطرس زعيم الرسل في الموصل. قام برسالته في مراكز عديدة خارج الرهبنة وداخلها ومنها صار معلماً للمبتدئين بضعة أشهر ، ثم رئيساً لدير الربان هرمزد ، ونقلت خدماته إلى عقره ثم السليمانية. تعين بعدها في دير الزور والقامشلي في سوريا ، ثم لخدمة الكنيسة في كرمنشاه ايران واصبح مدبراً للرهبانية عدة مرات ، وأُنتخب رئيساً عاماً لها لمدة ثلاثة سنوات من عام (1960- 1963)، وخلال رئاسته حضر المجمع الفاتيكاني الثاني في روما ممثلاً عن رهبنته الكلدانية عام 1962، بعد انتهاء مدة رئاسته انتقل لخدمة المؤمنين في بغداد. سافر إلى روما لإدارة دير مار يوسف التابع للرهبانية وهناك توفي ودفن في مقبرة الفاتيكان عام  1987 خدم في كنيسة السليمانية من سنة 1939 حتى سنة 1949.

12.   الأنبا انطونيوس كوركيس : ولد في شقلاوة عام 1888، دخل الرهبنة إذ كان صغيراً وذلك عام  1905 ، أرسل إلى معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل ، ورسم كاهناً في كاتدرائية القديسة مسكنتة عام 1913 مع الأب يوسف داد يشوع ودعي اسمه انطونيوس. بعد رسامته ذهب بصحبة المطران يوحنا نيسان إلى أبرشية سنا (سنندج) في ايران قضى مدة غير قليلة من الزمن هناك وعاد ليقدم خدماته بصفته وكيلاً اسقفياً في زاخو وقراها. ثم عاد واستلم زمام رئاسة دير الربان هرمزد، بعدها رئيساً لدير مار كوركيس، ثم تعين في قرية ديرك التابعة إلى أبرشية سوريا- لبنان حتى انعقاد المجمع الانتخابي الرهباني العام حيث أُنتخب الاب  انطونيوس رئيساً عاماً للرهبانية لمدة ثلاث أعوام (1939- 1942). بعد رئاسته العامة خدم في السليمانية  1946 ـ 1950 ثم عين لكنيسة عين سفني ، وعاد بعدها إلى دير السيدة. توفي عام 1960 وأودع مثواه الأخير في نفس الدير .

13.   الاب بطرس شلى الراهب : من دير السيدة القوش خدم كنيسة من سنة 1951-1954 م حيث انتقل الى دير مار كوركيس و توفى فية و دفن بدير السيدة.

14.   القس جبرائيل مارى:  ولد في عينكاوة بتاريخ 10/9/1930.اكمل دراسته الابتدائية في عينكاوة  ودخل معهد مار يوحنا الحبيب عام 1944.رسم كاهنا في 15/5/1954.وعين  راعيا كنيسة السليمانية من 1954 لغاية 6/1/1963 بعدها تم نقله الى بغداد  وخدم في كنيسة (انتقال مريم العذراء) في المنصور الى يوم وفاته يوم الاحد 6/12/2004.

15.   القس يوسف حنا برى : من اهالى كويسنجق خدم كنيسة بغيرة و نشاط منذ 1962  إلى 1973 سافر الى فرنسا توفى هناك نتيجة مرض عضال نقل جثمانه إلى كنيسة مريم العذراء فى السليمانية ودفن فيها.

16.   الخورى حنا بولص : خدم كنيسة لمدة ستة اشهر من عام 1973 ثم رسم مطرانا لزاخو و توفى و دفن هناك.

17.   الاب عمانوئيل حداد الراهب : اعيد تعينه ثانية و ذلك لمحبته لأهالي  سليمانية 1974 لغاية 1980 . ساعده الراهب مقاريوس هرمز يونان من منكيش من مواليد 1913.دخل الدير سنة 1928. نذر النذور المؤبدة سنة 1930.خدم في دير ماركوركيس وربان هرمزد والسيدة. تعين للخدمة في السليمانية لغاية سنة 1981 انتخب مدبرا رابعا في زمن الاب ابراهيم يوسف الرئيس العام للرهبنة وفي سنة 1982 تعين في دير روما. انتقل إلى الاخدار السماوية فجر يوم الأحد الموافق 22 / ايار / 2011  ودفن في دير السيدة العذراء مريم حافظة الزروع في القوش.

•   مقاريوس هرمز يونان الراهب : ولد في مانكيش سنة 1913، نال العماذ في 27 نيسان 1913 في كنيسة ماركوركيس / مانكيش ثم دخل الرهبانية الأنطونية الهرمزدية الكلدانية واتشح بثوب الابتداء على يد الأنبا يوسف داد يشوع النجار في 24 نيسان 1924، جاهر بالنذور المؤقتة في 24 نيسان 1930، ونذر النذور الدائمة في 30 نيسان 1933، عين مساعداً لمدير الميتم الأب فيلبوس اسحق الراهب لفترة من الزمن ، وعين مساعداً للأب عمانوئيل حداد في كنيسة السليمانية لعدة سنوات ، انتخب مدبراً رابعاً في مجمع الانتخابي العام الذي عقد في دير السيدة في 30/ 5/ 1980، رافق الأب عمانوئيل حداد إلى دير مار يوسف في روما سنة 1982 وبقي في روما إلى عام 1997 ثم رجع إلى دير السيدة في القوش ، توفي فجر الأحد في دير السيدة العذراء مريم في القوش بتاريخ 22/ 5/ 2011.  كرس حياته كلها في التأمل والصلاة والعمل الدءوب ومن غير كلل عاش نذوره الرهبانية بكل بصدق وأمانة ،  حتى غدا مثالاً حياً يحتذى به اخوته الرهبان ، كان يقضي طيلة وقته في صلاة الوردية والفرض الإلهي والمشاركة قي القداس الإلهي وقراءة كتب سيرة القديسين ، وكان له اكرام خاص لمريم العذراء ، ومار انطونيوس ابي الرهبان ، والربان هرمزد مؤسس الرهبانية.امتاز بتواضعه وبساطته وحبه الكبير للرهبانية وللرهبان ، عاش حياته فقيرا ومتجرداً من كل الأمور المادية والدنيوية.

18.   الاب توما شوريز : ولد في 3 شباط 1918 في تللسقف . دخل الرهبنة الكلدانية في 24 كانون الأول 1934. أبرز نذوره الدائمة في 25 كانون الأول 1939. رسم كاهناً في 15 آب 1955. ارسل الى مانكيش في 15 تشرين الأول 1955. عين في الحبانية عام 1960. ثم كرمنشاه -  ايران عام 1968. عاد الى العراق عام 1972 وعين في كنيسة اربيل. انتخب رئيساً لدير الربان هرمزد في 11 نيسان 1975. انتخب مدبراً ثالثاً للرهبنة في 12 كانون الثاني 1976. انتخب مدبراً أول للرهبنة في 11 تشرين الثاني 1970. عين في البصرة في 15 نيسان 1980. انتقل الى السليمانية في 29 أيار  1981 ، ثم عاد الى البصرة في نفس العام. عين في دير السيدة مسئولا على الطلاب في 8 تشرين الثاني 1986. انتخب مدبراً أول للرهبنة في 17  تموز 1990 وعين في كنيسة باقوفا. انتقل الى دير السيدة في 6 شباط 1994. توفي في د ير السيدة في 18 نيسان 1998 ودفن هناك.

19.   الاب بول ربان : خدم الكنيسة لمدة شهرين و من مواليد شقلاوة 1943. أكمل فيها الدراسة الابتدائية وفي عام 1955 دخل معهد مار يوحنا الحبيب في الموصل درس مناهج الثانوية بجانب اللغات والطقس والديانة. ثم تخصص خلال السنين الستة الأخيرة في دراسة الفلسفة واللاهوت والكتاب المقدس وبقية العلوم الدينية الضرورية والمقررة للكهنوت. وفي 12/6/1966 رسم كاهنا والتحق بالخدمة الكهنوتية الفعلية في كركوك حيث تم تعينه منذ أيلول 1966 لان أربيل كانت تشكل أبرشية واحدة مع كركوك والسليمانية إلى عام 1968 . وخدم السليمانية لمدة شهرين. في 4/11/1974 سافر إلى روما لمتابعة الدراسة والتخصص في القانون الكنسي ودافع ونال شهادة الدكتوراه في 14/6/1980 .

20.   المطران عبد الأحد ربان  :ولد عبد الاحد بن يعقوب ربان في شقلاوة عام 1916، تلقى تعليمه الأول في مسقط رأسه. دخل الرهبنة عام 1932. أرسل إلى معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل ، رسم كاهناً مع ثلاثة من طلاب المعهد المذكور في كاتدرائية القديسة مسكنتة عام 1950 ودعي اسمه عبد الاحد. تعين بعدها معلماً للمبتدئين في دير السيدة. أُرسل لخدمة الرسالة في أبرشية عقرة وقراها ، ثم جماعة الاهواز وعبادان في ايران. اصبح مدبراً للرهبانية ورئيساً لدير مار كوركيس . تعين وكيلاً عاماًً للرهبانية وأُنتخب رئيساً عاماً لثلاث فترات متتالية منذ عام 1963 وحتى 1971. ويعود له الفضل في تشييد دير مار انطونيوس للمبتدئين في منطقة الدورة - بغداد. خدم بعد رئاسته كاتدرائية أم الاحزان في بغداد ثم مديراً للمعهد الكهنوتي البطريركي ، وفي عام 1980 رسم اسقفاً لأبرشية عقره والزيبار وأسندت اليه إدارة كنيسة السليمانية منذ سنة 1981-1998 م و ، توفى عام 1998 وأُودع لحدُهُ في كنيسة دير السيدة. ساعده اثناء خدمته .

i)   الاب قرياقوس ميخائيل : ولد قرياقوس بن عبد الاحد بن ميخائيل بن عبد الاحد في عقره عام 1952. دخل الرهبنة عام 1966، تعين في ميتم البطريركية في الدورة. أُرسل إلى معهد شمعون الصفا الكهنوتي في بغداد ، حيث تابع دروسه الفلسفية واللاهوتية ورسم كاهناً في كاتدرائية أم الاحزان عام 1978. تعين مدبراً في المعهد نفسه ثم مسئولا للمدرسة الرسولية في دير مار كوركيس. نقلت خدماته إلى كنيسة السليمانية وأبرشية عقره من 1982  م الى سنة 1991. والتحق بالخدمة الالزامية لمدة عام واحد ، اصبح مدبراً للرهبانية وتجددت رسالته في كنيسة السليمانية ، حتى انتقاله لخدمة المؤمنين في بغداد. تعين رئيساً عاماً للرهبانية من قبل المجمع الشرقي في روما لمدة ستة أعوام من (1994 - 2000)، وفي عهده نقل مقر الرئاسة العامة إلى دير مار انطونيوس في بغداد. وأصدر نشرة ربنوت الناطقة بلسان حال الرهبانية عام  1996 ، تعين معاوناً لرئيس دير مار كوركيس ومسئولا للمدرسة الرسولية عام 2000. خدم في السليمانية من سنة 1982 م الى سنة 1991

ii)   الاب دنحا توما : ولد فى قرية ارموطة التابعة لمدينة كويسنجق فى محافظة اربيل عام 1972. اكمل دراسته الابتدائية و المتوسطة فى القرية ، و بعدها اكمل دراسته الاعدادية فى مدينة كويسنجق.  قبل فى المعهد الفنى اربيل قسم الادارة القانونية و اكمل دراسته فيها عام 1993-1994 . رسم كاهنا  في 2/7/2004 ، كان يواصل الاب دنحا خدماته الكهنوتية في ثلاث خورنات  بكويسنجق  وأرموطة والسليمانية. دخل معهد شمعون الصفا ( الدير الكهنوتى ) فى بغداد عام 1997 بقى فيها مع دراسته فى كلية بابل للفلسفة و اللاهوت خلال سبع سنوات و تخرج منها فى 20/6/2004 خدم كنيسة السليمانية من عام 2001 عندما كان طالب بالدير الى عام 2006 عمل كمساعد للمدبر البطريركي .

iii)   الاب مفيد  توما مرقص: من مواليد  1 كانون الثاني 1966 الراهب خدم عدة اشهر تم انتخاب الانبا مفيد  توما مرقص رئيسا عاما  للاديرة الكلدانية في العراق وفي العالم  وذلك في المجمع الانتخابي العام ال41 المنعقد في دير السيدة في القوش بتاريخ  25-30/10/2004   رئيس دير السيدة للأيتام في  القوش العراق ثم راعي خورنة مريم العذراء في زاخو العباسية / العراق.

iv)   الاب وحيد توما عيسى جرجيس عسكر العينكاوي مواليد : كركوك 10/3/1967 اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة في كركوك ثم دخل معهد مار يوحنا الحبيب في الموصل بتاريخ 10/10/1984 ثم انتقل الى معهد شمعون الصفا الكهنوتي في بغداد بتاريخ 25/9/1985 رسم كاهن بتاريخ 11/1/1991 خدم في عنكاوة من تاريخ 11/1/1991 الى 18/10/1991 ومن19/10/1991 الى 28/2/1992 في الموصل اثناء خدمته العسكرية ثم في كاتدرائية ام الأحزان في بغداد 1/3/1992 الى 1/3/1995 اثناء خدمته العسكرية ايضاً من 1/3/1995 الى 1/11/1995 خدم في كنيسة السليمانية مريم العذراء في صابون كران1/11/1995 الى 1/1/2003 خدم في كنيسة مار يوسف في كويسنجق وكنيسة مريم العذراء في ارموتا1/1/2003 الى 10/5/2005 خدم في كنيسة قلب يسوع في اربيل وهو لحد الآن كاهن في ابرشية اربيل له مؤلفات عديدة منها دراسة مقارنة بين الفيلسوف الألماني الملحد اسبنوزا اليهودي الأصل وبين يوحنا الأنجيلي. وكذلك الف كتاب صلاة عن الوحدة مع الله. خدم فترة قصيرة في السليمانية ثم انتقل إلى قضاء كوسنجق وخدم هناك

21.   الاب صليوا هما الراهب : ولد في 14 آب سنة 1920 في بلدة شقلاوة التي. دخل الرهبانية الكلدانية في 27 كانون الاول 1935. ابرز نذوره الدائمة في 1 كانون الثاني 1941 ، ارسل الى المعهد البطريركي في الموصل لدراسة الفلسفة واللاهوت في 24 تشرين الاول  1958 ، رسم كاهنا في 29 حزيران 1965 في كنيسة مار يوسف في بغداد ، عين في الصليخ لدى الاباء اليسوعيين معاونا في 17 ايلول  1965، عين رئيسا لدي الابتداء في بغداد لسنة واحدة في 14 كانون الاول 1967 ، انتقل الى كنيسة حافظة الزروع في 4 كانون الاول 1968، عين رئيسا للمعهد البطريركي في بغداد في 13 آب 1969، عين معاونا لرئيس مار كوركيس ومسئولا عن المدرسة الرسولية في 12 كانون الاول 1974، انتخب مدبرا للرهبنة في 11 تشرين الثاني 1977، عين رئيسا لدير مار يوسف في ايطاليا في 16 ايلول 1978، عاد الى دير السيدة في 25 شباط 1980 وفي نفس العام انتخب مدبرا للرهبنة للمرة الثانية. عين معاونا في دير مار كوركيس ومسؤولا عن المدرسة الرسولية عام 1981، انتخب مدبرا للمرة الثالثة في 8 تشرين الثاني 1986 وبقي في دير مار كوركيس مع نفس المسئوليات انتخب مدبرا للمرة الرابعة في 17 تموز 1990 وبقي ايضا في دير مار كوركيس معاونا ، انتقل الى دير السيدة وعين معاونا في 6 شباط 1994، ثم عين في السليمانية عام 1998، عاد الى دير السيدة وعين معاونا عام 1999، بالإضافة الى مساعدته للكثير من الخورنات في الابرشيات التي تواجد فيها من خلال اقامة القداديس والوعظ والاعتراف والتعليم المسيحي وغيرها من الخدمات.وقد خدم الاب صليوا بسخاء ومحبة وغيرة وحرص. كان الراحل راهبا تقيا ، مبتسما دوما وطيب المعشر . انتقل الى الاخدار السماوية صباح اليوم الجمعة 8/11/2013 في دير السيّدة بالقوش عن عمر ناهز الثانية والتسعين.

22.   الاب إبراهيم يوسف الياس : ولد في كركوك عام 1930 وأكمل دروسه الأولى في مدارسها ،  دخل الرهبنة عام 1946. حيث واصل دروسه المقررة الفلسفية واللاهوتية بالإضافة إلى دراسة اللغة الكلدانية والدروس الطقسية الكنسية داخل الدير ورسم كاهناً مع سبعة من اخوته الرهبان في كنيسة دير السيدة عام 1955. انطلق حينها إلى الرسالة لخدمة المؤمنين منها في أربيل وكركوك، وكرمنشاه في ايران. اصبح مدبراً للرهبانية وتعين رئيساً لدير مار انطونيوس. وفي عام 1971 أُنتخب رئيساً عاماً للرهبانية ولمدة ثلاثة وعشرين عاماً متواصلة لسبعة مجامع انتخابية متتالية حتى عام 1994. وقام اثناء رئاسته بأعمال كثيرة لفائدة الرهبانية خير قيام ، حيث أسس دير مار يوسف في روما. كما وأسس متحفاً لائقاً بتراث الرهبانية والمناطق المجاورة لها في دير السيدة ، وغير ذلك من الأعمال الاخرى. بعد رئاسته تعين رئيساً لدير السيدة ، ثم مدبراً بطريركياً لكنيسة السليمانية عام من 2000 حتى عام 2006 .

23.   الاب دنحا حنا : ولد في شقلاوة عام 1959 حيث أكمل تعليمه الأول في مدينته ثم دخل الرهبنة عام 1978. أرسله الرؤساء إلى معهد شمعون الصفا الكهنوتي في بغداد واقتبل الدرجة الكهنوتية في كاتدرائية أم الاحزان عام 1988. تعين في المعهد المذكور لعام واحد ثم رئيساً لدير مار انطونيوس. وأصبح معاوناً لمدير المعهد الكهنوتي (قسم الصغار). أنتخب مدبراً للرهبانية وعين مسئولا عن المدرسة الرسولية في دير مار كوركيس ، وأصبح مجدداً رئيساً لدير مار انطونيوس ومعلماً للمبتدئين. عقد المجمع الانتخابي الرهباني العام وأنتخب الاب دنحا رئيساً عاماً للرهبانيّة لمدة خمسة أعوام منذ 2000 والى 2005. شيد مركزاً ثقافياً على اسم جبرائيل دنبو تكريماً له عام 2001 ، وتشرف عليه الرئاسة العامة ومدبريها بمعية لجنتها الثقافية الموقرة.خدم السليمانية من عام 2006 . لغاية 2010

24.   الاب عمانوئيل موسى : الأب عمانوئيل موسى شعيا الراهب ولد في باطنايا بتاريخ 19 آذار 1919، ودعي اسمه موشي. وانظم الى الرهبانية الانطونية الهرمزدية الكلدانية كما واتشح بثوب الابتداء في 4 آذار 1934. وفي 8 آذار من عام 1936 نذر النذور المؤقتة ، وجاهر بالنذور المؤبدة في 12 آذار عام 1939. ارسل الى المعهد الكهنوتي في الموصل عام 1952 دون ان يكمل دراسته ، نال درجة الشماسية الانجيلية في 26 حزيران عام 1955 والرسامة الكهنوتية في 15 أب عام 1955 على يد المطران سليمان الصائغ مع سبعة من اخوته الرهبان ، قدم خدماته كراهباً وكاهناً في السليمانية وقرية خربة صالح التابعة الى عقرة ، والشيخان وقرية مانكيش وفي الأهواز ايران ، وخورنة بعقوبة. ومدبراً في المعهد الكهنوتي البطريركي ومعلماً للغة الكلدانية لطلاب المعهد آنذاك. وخدم في دير الربان هرمزد ودير السيدة في القوش ودير مار انطونيوس في بغداد بين رئيس دير وعضواً فيهم. وخدم ايضا في بعض خورنات بغداد. مكث في سنواته الأخيرةً في دير السيدة – القوش، بسبب مرضه وعدم طاقته للعمل الرعوي الى ان توفي في 20 حزيران 1995 ودفن في مقبرة دير السيدة.

25.   الأب الراهب دنخا رسام الراهب : ولد في شقلاوة بتاريخ 25 تموز 1924 ودخل الرهبانية الانطونية الهرمزدية الكلدانية كما واتشح بثوب الابتداء في 31 كانون الأول 1939. وفي 1 كانون الثاني من عام 1942 نذر النذور المؤقتة ، وجاهر بالنذور المؤبدة في 6 كانون الثاني عام 1945. ارسل الى المعهد الكهنوتي في الموصل في 30 أيلول عام 1945 دون ان يكمل دراسته ، ونال درجة الشماسية الانجيلية في 26 حزيران عام 1955 والرسامة الكهنوتية في 15 أب عام 1955 على يد المطران سليمان الصائغ مع سبعة من اخوته الرهبان. ارسل للخدمة في بداية كهنوته الى بعض القرى لأبرشية العمادية ، ثم سافر الى ايران لمدة سنتين تقريباً 1960- 1962، عاد الى العراق ، وبعد تعين في سوريا لمدة ثلاث سنوات ليقدم الخدمات الجليلة هناك. ومنها يقوم بخدمات متفرقة منها في زاخو وكنيسة بعقوبة ليستقر اخيراً في دير السيدة – القوش، وفي هذا الدير بعد المرض وشيخوخته يسلم روحه الى ربه لينتقل الى الاخدار السماوية في تموز عام 1998 ويتم دفنه في مقبرة دير السيدة.
26.   الاب فيلبس اسحاق الراهب  :من مواليد عام 1917 وخدم في السليمانية عام  2004 خدم فترة قصيرة . أبصر النور في 17 أيار من عام 1917 في قرية الداؤدية التابعة لأبرشية العماديّة في شمال العراق. أنضم في 8 أيار 1931 الى الرهبانية الانطونيّة الهرمزديّة الكلدانيّة . وأبرز فيها نذوره الدائمة في 15 أيار 1936. وعكف على الخدمة والتعليم في الدير. ونزولاً عند رغبة الرؤساء ، رضي بأن يُرسم كاهناً، تلقي دروس الفلسفة واللاهوت في دير السيدة (حافظة الزروع) حتى رسامته في 15 آب 1955 على يد مثلث الرحمة المطران سليمان صائغ مع سبعة كهنة آخرين جميعهم من الرهبان. وفي كهنوته خدم في خورنات عديدة داخل العراق وخارجه ، نذكر منها : قرية كربيش التابعة لأبرشية عقرة لمدة عامين؛ وفي قرى أبرشية العمادية لبضعة أشهر ؛ وفي دهوك لمدة عام واحد. وعيّن في كنيسة مار افرام في الشالجية لأكثر من مرّة ولمدّة ثلاثة عشرة عاماً متفرقة. ولا ننسى ذكر خدماته في مناطق الاهواز وطهران في إيران لمدة تسعة أعوام ، أي منذ عام 1965 حتى عام 1974. كما وقام بمسؤوليات في إدارة الرهبنة التي خدمها بكل إخلاص وتفان ، نذكر منها : خدمته في ميتم دير السيدة في القوش لسبعة أعوام ؛ تعيينه في دير مار كوركيس في الموصل لمدة عامين ؛ كما وترأس دير مار انطونيوس في بغداد لمدة تسعة أعوام متفرقة ؛ وأنتُخب مدبراً في المجامع الانتخابيّة العامّة لأربع مرات متفرقة.وافته المنية في 10 أيار 2004 على اثر جلطة دماغية في بغداد ونقل جثمانه ليدفن في مقبرة دير السيدة - القوش.

27.   الأب صليوا عزيز رسام : مواليد 1949 شقلاوة.  دخل دير مار يوحنا الحبيب في الموصل سنة 1962 وتركه في سنة 1971 لأن كان له رغبة في الانتماء لرهبنة اخوة يسوع الصغار. لكنه بعد أن خدم العسكرية وحاجة عائلته ووالديه له اتجه الى العمل وعاش في كركوك. تزوج سنة 1977 وله ثلاث اولاد. رسم كاهناً بتاريخ 26/10/2001 ليخدم في كنيسة مريم العذراء في كركوك بعد انتخاب المطران يعقوب شير ليكون راعي لأبرشية اربيل. في شهر حزيران سنة 2009 وبعد قرار السينودس الكلداني بالدمج بين رعيتي كركوك والسليمانية لتكون تحت عهدة المطران لويس ساكو رئيس اساقفة كركوك سابقاً ، تم تعيينه كاهن لرعية السليمانية. خدم فيها لمدة سنة وشهرين ثم عاد ليخدم في خورنته في كركوك خورنة مريم العذراء وهو يخدم فيها لحد يومنا هذا.
28.   الاب ايمن هرمز عزيز : بوتاني الأصل مواليد الموصل 1982. يسكن مع عائلته كركوك منذ 30 سنة. دخل الدير الكهنوتي قسم الصغار سنة 1998 وبعد اكمال الدراسة الإعدادية انتقل الى الدير الكهنوتي قسم الكبار سنة 1999 ليبقى فيه الى سنة 2006. حاصل على بكالوريوس في الدراسات الفلسفية واللاهوتية من كلية بابل للفلسفة واللاهوت سنة 2006. تزوج سنة 2009 ورسم كاهناً بتاريخ 16/7/2010 في كاتدرائية قلب يسوع في كركوك. تعين كاهناً لرعية السليمانية بعد شهر من رسامته في شهر اب 2010 ويخدم فيها الى اليوم.

المصادر :
1.   (الاتصال الشخصي مع بعض الكهنة وبالأخص الاب ايمن هرمز ) . الشكر الجزيل لمن قدم لي المعلومات عن سيرة الاباء والكهنة .
2.   تأريخ شقلاوة للمؤلف المرحوم الشماس ميخائيل كوسا
3.   تاريخ السليمانية . ملاحق جريدة المدى .


130
شخصية كلدانية من السليمانية .
ميخائيل عبد الرحيم علكة  1913 ـ 1996.



بدري نوئيل يوسف ـ السويد.
المقدمة :
لنبدأ الحكاية من مدينة السليمانية ، الراوي لهذه الحكاية شيخ جليل يستمد اعتزازه وفخره من عبق التاريخ وذكريات الماضي يحن قلبه لها ، يتذكر الأحداث على مر الايام كأنها وقعت أمس ، كان اليوم شتاء قاسيا على المدينة ، اتجهتُ نحو اقدم شوارع المدينة الى " شارع صابونكران" عند مفرق محلة كويژة حيث يقبع مقهى شعبي صغير ، جلس شيخنا في المقهى خلف طاولة خشبية قديمة و بالقرب من مدفأة نفطية يضع على كتفه معطفه ينتظرني اسمع منه الحكاية.
بعد الترحيب والسلام جلستُ مقابله لأسمع ما يروي لي وتعود به ذكريات السنين التي قضاها في المدينة ، لقد تعلق قلبه بالماضي وما يحويه من ذكريات رائعة ، فلم ينسى الايام ما فيها من ذكريات حلوها ومرها ، رفع يده ونادى على نادل المقهى قائلا له : كاكا يك دشلمة ، ( قصده شاي واحد للضيف)، (والدشلمة  شرب الشاي بوضع قطع السكر في الفم وليس بخلطها مع الشاي نفسه).
سألته عن سنة مواليده هز رأسه نافيا وامتنع عن ذكر عمره ، قائلا بهدوء وثقة : " الاعمار بيد الله ولا تدري أي نفس بأي أرض تموت " ، يدخن ال سبيل (الغليون) يلف سيجارته ويحمل معه كيس تبغه الكردستاني.
 قال مبتسما والسعادة على وجهه : هذا التبغ من منطقة كردجان في سهل بتوين قضاء رانية انه احسن انواع التبوغ ، وبيده سبحة خرزاتها من حبة الخضراء يداعبها ويلفها على اصابعه كأنها مبرمجه لا تحتاج للتفكير ، ولديه لحية خفيفة على ذقنه تزيده وسامة ،  يداعب لحيه البيضاء الانيقة بأطراف اصابعه احيانا قبل أن يتحدث .
قال لي بغبطة وفخر متسائلا: ـ هل تعرف لماذا اخترتُ هذا المقهى لأحكي لك حكايتنا ؟
لحظات صمت ، ودارت الافكار في رأسي ثم قلت له : لا اعلم . ربما المقهى قريب لمنزلك.
 قال بنبرة جدية وهادئة : ـ هذه المقهى يقع عند مدخل محلة لها اصول للمسيحيين من خلال احتفاظ احد ازقتها الضيقة بكنيسة مريم العذراء هي اقدم الكنائس في السليمانية ، وأقدم الأحياء ومنها بدأ بناء بيوت المدينة ومعظم سكان الحي من المسيحيين ، وأزقة الحي مازال البعض منها يحتفظ بوقار التاريخ  ، ومنها البيوت التراثية التي نقلت لنا ابداعات البنائين والمعماريين السابقين ، الرجل الذي تريد سماع حكايته ولد ونشأ وترعرع في هذا الحي ،كان والده الياس أهل مواقف مشرفة وعادات طيبة وقلب رحيم ، ولأخيه عبد الكريم علكة الوزير في حكومة الشيخ محمود الحفيد ، دور كبير عرف بسخائه وكرمه من خلال سنوات القحط التي ألمت بالمدينة إذ كان له الفضل في تجنب الكثيرين من اهل المدينة الموت جوعا انه زمن سفر برلك.  هناك بيوت لشخصيات كردية في نهاية هذا الشارع تجد بيت الشيخ محمود الخال وهو احد كبار علماء السليمانية ، ودار مصطفى باشا رئيس المحكمة العرفية في اسطنبول وكثيرين مجاورة لبيوت المسيحيين ، وفي قلب الحي وقربه من معظم البيوت المسيحية تجد مسجد الحاج الشيخ حسن الذي تتضح معالم قدمه من تآكل بعض جدرانه ، مازال يؤمه المصلون ، ودرس فيه العلوم الاسلامية الامير عبد الرحمن بابان ،  ويقابل المسجد بناية حمام المفتي وهي من الحمامات القديمة ويستخدم من قبل نسوة الحي الان ، وفي بداية الشارع عند ساحة السراي مازالت دكان جرجيس وأخيه متي شامخة ولها كيان وهيبة وتعود جذورهما الى الموصل ، انها العلاقة الاخوية المبنية على محبة الاخرين من واقع العيش المشترك كأرقى نموذج للتعايش.
سألته مستفسرا : هل عاصرت سفر برلك ؟
تنهد واخذ نفس عميقا من سبيله ونفث دخانه قائلا : ـ سفر برلك يعني النفير العام (الترحيل الجماعي) ، حسب تفسيرها من اللغة التركية كلمتان تدب الرعب في قلوب سكان المدينة ، تاريخ أسود ونكبة حلت بأهل السليمانية الآمنون ، انتشر الفقر والبؤس والجهل والقتل . الجنود الاتراك بطرابيشهم الحمراء والبنادق المتدلية من أيديهم تقدموا نحو المدن والقرى يسوقون الرجال والشباب وحتى الصبية عرضه للسوق ،روايات كثيرة ، مؤلمة محزنة ،يجمعون المؤن من التجار والعوائل ولم ينجو من حممها إلا القليل ، كان عمر والدي سنتان وسمعت قصصها من جدي الذي عاش زمنها لأنه استطاع الهروب من ايدي الجنود  .
قلت له بتهذيب ونبرة تميل للطلب : معنى هذا سيكون لنا لقاء اخر للحديث عن سفر برلك .
قال بجدية وثقة : ـ اشكرك على هذا الطلب ، من زمان وأريد شباب جيل المعلومات الرقمية يعرفون ما حل في السليمانية اثناء سفر برلك فقد كانت سنوات عجاف . 
قلت : ـ نعود الى موضوعنا ماذا تعرف عن عبد الرحيم علكة .
قال بهدوء : ـ  سمعت الحكاية من جدي الذي كان يملك دكان صغير في هذا الشارع يبيع فيه الأحذية النسيجية (الكلاش ، الكيوات) والزي الكردي وجلود الحيوانات الثمينة والنادرة التي تستعمل في الملابس الفلكلورية والأقمشة ، وكان عبد الرحيم علكة يتردد على هذه الشارع يشتري قماش ملابسه محتفظا بزيه المسيحي اثناء خياطته ، يلبس الزبون واليلك والشروال تحت الملابس ويضع فوق رأسه الطربوش ، ويتردد على الدكانين الاخرى لشراء العسل الطبيعي والجوز الهورماني  والجبن الكردي بالإضافة للصابون الذي جاءت تسمية الشارع من اشتهار اهل الحي بصناعته وسميه باسم صابون كران وتعني باللغة الكردية حي (الصابونجية) . ويعد الشارع من التراث الذي مازال يعبق برائحة التاريخ وصور الفلكلور الكردي . وأنا حزين جدا فقد انقرضت بعض المعالم التراثية بتوالي الازمنة والحاجة لتوسيع المدينة وخسرنا البيوت ذات الطراز الشرقي التي تزين أغلب واجهاتها النقوش والريازة المعمارية الكردية الجميلة ، فقد هدمت بعض البيوت تحولت الى مواقف للسيارات داخل هذه الازقة وفقدت المدينة تراثها المعماري وضيعنا الخيط والعصفور ،  و لا يوجد من يوقف هدم وتدمير التراث والمعالم التراثية والفلكلورية التي تعكس اخلاقيات ثقافية واجتماعية خلال حقبة زمنية لكنها تكاد تندثر في السليمانية بسبب الاهمال وغياب المتابعة وأدعو ايقاف الهدم العشوائي للدور والأبنية التراثية في المدينة وتحويلها الى ساحات لإيقاف السيارات وإيجاد البدائل لهذا الهدم .
مستفسرا  منه : اعتقد ان منزل عائلة الياس علكة ما زال قائما في هذه الحي .
قال بحزن ومرارة : ـ  نعم لقد كان المنزل تحفة معمارية شارك فيه تصميمه مهندسون معماريون ايرانيون و تنوي محافظة السليمانية استملاك المنزل لصالح الاثار وتحويله الى متحف ، المنزل يحتوي على شبابيك مزخرفة بزخارف تأخذ أشكال هندسية بالرسم على الزجاج الملون ، وله نكهة خاصة صنعتها يد تلك البيئة الكردستانية فيه إحساس مرهف بالجمال فالجمالية تظهر في الزخرفة بأشكالها المختلفة ، ونفاذ أشعة الشمس من خلال الزجاج الملون ، تضيف الاشعة على البيت جمالاً وتلويناً ، ونقوش جميلة على الجدران والمنزل من طابقين ووقوعه في هذا الحي تهيمن عليه روح التقاليد والعادات والتراث ، تجدها متجسدة في سكان المنزل الاصلين ، لكنه فقد الكثير من تراثه واخشى ان يفقد اكثر من قبل المستأجرين سكان المنزل .

جاء النادل ووضع امامي طبق صغير فيه قطع من السكر واستكان الشاي بدون ملعقة . شكرته وابتعد عن مجلسنا .
قال شيخنا الجليل مشيرا الى الطبق الصغير فوق الطاولة :
ـ  هذا السكر اسمه سكر قَنْدُ ( شكر كله ) و (ألقَنْدُ هو عسل سكر القصب) .
سألته باستغراب وتعجب : ـ ما علاقة تاجرنا عبد الرحيم علكة موضوع حكايتنا بسكر ألقَنْدُ ؟
أخذ نفسا عميقا ونفث دخان سبيله واعتدل في جلسته واسند ظهره على الكرسي وقال :
ـ كنا اطفال صغار نسمع حكايات قبل النوم من جدي ، نلتف حوله ونسمعه بشغف وهو يحكي قصصاً رائعة و نقاطعها لنستفسر عن اشياء لا يستوعبها عمرنا الصغير . تبدأ الحكاية أنه كان فيما مضى من قديم الزمان قبل مائة وثلاثين سنة تقريبا ، كان في مدينة السليمانية تاجر جملة كبير (حبوب وصوف وأقمشة .. الخ ) من عائلة كلدانية اسمه الياس علكة وله من الاولاد اربعة صبيان وبنتان ، وعبد الرحيم هو الابن الثالث لعلكة ، اشتهرت تجارة الياس وازدهرت صادرته ووارداته ، واهم ما قام به في تلك الحقبة الزمنية فتح له فروع تجارية في مدن اخرى وخاصة بعد وصول التلغراف  ، أرسل ابنه عبد الرحيم ليستقر في بغداد وكان محق بذلك ، لعدة اسباب اهمها تجنب قطاع الطرق واللصوص والحفاظ على سلامة ابنه الذي كان يتردد بين بغداد والسليمانية مرافقا للقافلة وبدأ الابن يبيع ويشتري البضائع والسلع مع تجار في بغداد وجنوب العراق . كان للتلغراف دور مهم ، على سبيل المثال يرسل عبد الكريم برقيه من مكتب تلغراف السليمانية مدون فيها ما يحتاج من بضائع يستلمها مكتب تلغراف بغداد ثم تسلم الى عبد الرحيم الذي يجهز القافلة ويرسلها بصحبة حراس لها ومع اصحاب الحيوانات ، تخرج القوافل من بغداد متجهه نحو السليمانية من البغال والحمير محملة بأكياس تدلى على جانبي الحيوان بداخلها قوالب مخروطيه مغلفة بورق ازرق انه سكر ألقَنْدُ (شكر الكله ) وهو اول من جلبه للسليمانية بالإضافة لبقية البضائع المستوردة مع الالبسة والأمتعة الاخرى تتوقف القافلة في احد خانات كركوك لمدة يومين او ثلاثة بغية الحصول على مفرزة من الجنود النظامين الاتراك لحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق اثناء مرورها بقضاء جمجمال وبازيان و الجبال التي تقع غربها . تتحرك القافلة من كركوك مع شروق الشمس وفي مقدمتها الجنود يمتطيا جيادهم مهيأين وكل جندي مسلح ببندقية ومسدس وخنجر ويلفان على اكتافهما الخراطيش . عند الظهيرة تحط القافلة في قرية قره هنجير الواقعة في بطن الوادي جنوب الطريق للاستراحة وتناول الغذاء مما يحملون معهم من زاد ، وفي مساء اليوم تصل القافلة قضاء جمجمال وإذا بدأ المطر ينهمر والقافلة في الطريق تلتجئ القافلة الى احد القرى وتستأجر مكانا مسقفا ربما تكون واجهته مكشوفة لمدة يوم او يومين لحين وقوف المطر ثم تتابع القافلة طريقها الى السليمانية . قبل مرور القافلة بمضيق بازيان وعلى جانب الطريق الايمن تمر القافلة على اثار دير يحتضن في كنفه كنيسة تحاكي كنيسة المدائن التي تعتبر من أوائل ما شيد في العراق وتعد كنيسة بازيان  غرب مدينة السليمانية والواقعة في سهل بين جبلين من الكنائس القديمة في العراق والمنطقة ، وهي من الكنائس القديمة في المشرق ويعود عمرها الى ستمائة وخمسين عاما تقريبا مما يدل على تواجد المسيحيين في المنطقة ، وتدل اثارها على أنها كانت كنيسة عامرة ، وخاصة الأعمدة المنتشرة في أطرافها ، ويحيط بهيكل الكنيسة عدة (قلايات)  اي غرف صغيرة لسكنى الرهبان ، وهذه المنطقة و مناطق السليمانية و شهرزور كانت تابعة في السابق لرئاسة اسقفية بيث كرماي ومركزها كركوك . 
لا اعلم سنة انتقال التاجر عبد الرحيم علكة ذو الخبرة التجارية الجيدة الى بغداد لكنه خلال مدة زمنية قليلة وسع الخان الذي استأجره وأصبح من كبار تجار الجملة وبدأ يستورد الاقمشة والبضائع من بومباي ودول اخرى عبر بواخر ترسو في البصرة وتنقل الى بغداد ثم توزع على منطقة كردستان . وسهل له وجود مصرف يستطيع تحويل المبالغ المالية فقد قام العراقي اليهودي خضوري زلخة بفتح مصرف يهودي أهلي عراقي في بغداد عام 1899   ، كما أسس خضوري شبكة مالية في لندن وبيروت ودمشق والقاهرة ،مع العلم إن خضوري قد غادر مع عائلته العراق عام 1941 ، وتم مصادرة أمواله والبنك الذي أسسهُ من قبل الحكومة العراقية في العهد الملكي. كما تأسست غرفة تجارة بغداد عام 1910  فكانت أول غرفة تجارية بالمعنى الصحيح . ونلاحظ بعد سيطرة اليهود على الغرف التجارية العراقية فرضوا هيمنتهم على السوق ، عن طريق منح الوكالات لليهود العراقيين أو فتح فروع للشركات الأجنبية بالعراق ، وتحديد أسعار البضائع المصدرة إلى الخارج ولاسيما الحبوب والتبغ ، إذ شكلوا الأغلبية العظمى في لجان تحديد التسعيرة. وانعكست سلبيا على بقية التجار .
كما كان يرسل علكة الاب الابن الصغير للعائلة فرنسيس الى مدينة التون كوبري لتجارة الصوف والجلود ، حيث كثير من العشائر الكردية كانت حياتهم تعتمد على الترحال بين شمال و جنوب جبال كردستان وسهول الجزيرة بحثاً عن المرعى لماشيتهم طول أيام السنة. ولأن تربية الأغنام باتت المهنة الأساسية التي يزاولونها وفق معايير توارثوها عن أجداهم ،  وابتداء من منتصف نيسان من السنة وكعرف متداول في المنطقة يبدأ جميع مربي الأغنام بجز صوف الأغنام بمقص خاص ويتميز الرعاة بأنهم يعرفون طريقة جز الصوف و أصبحا لهم اسلوباً يتوارثه الابن من الأب ،بعد جز الاغنام يعبأ الصوف في اكياس.
يقوم فرنسيس بشراء الصوف من الرعاة وينقل الى شواطئ نهر الزاب في مدينة التون كوبري وتبدأ مراحل التنظيف وغسله لأنّ تنظيفه يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لا يوفرها غير النهر ، تقوم النسوة  التي يستأجرها فرنسيس بغرق الصوف في الماء حتى يتبلل تماماً ومن ثم يتم وضعه على حجر مسطح الشكل ودقه بواسطة عصا خشبية غليظة خاصّة يسمى الخاطور الذي كان يستعمل لخطر الملابس اي ضربها بهذه الاداة الخشبية قبل ظهور مساحيق الغسيل لغرض تنظيفه ، ويستمر العمل بهذا الشكل حتى يتم الانتهاء من غسل كامل الصوف ، و يتم نشره على حبال متينة مشدودة على اعمدة مثبته على شاطئ الزاب تحت الشمس حتى ينشف تماماً ، بعد مرحلة جفاف الصوف تقوم النساء بتنظيفه من بقايا الأشواك والقش المتعلق به يدوياً ،  يعبأ الصوف بأكياس خاصة ويستغرق هذا العمل عدة اشهر ، وكان فرنسيس يشتري كميات كبيرة من الصوف ، بعدها ينقل الى بغداد بواسطة الكلك وهو من وسائل النقل النهري القديمة التي بقيت إلى منتصف القرن الماضي في المدن العراقية الواقعة على الأنهر ، والوسيلة السهلة للنقل من المدن الواقعة شمال نهر دجله إلى جنوبه ، والكلك عبارة عن مسطَّح من سيقان الأشجار مربوط بشدة ، يحمل الأشخاص والبضاعة فوقه ، ويسير بواسطة تيار النهر ، ومنها ما هو مصنوع من جلود الماعز المنفوخة التي تربط سوية بأعمدة وتُغطى بأحْصِرَة  اي بساط منسوج من الخوص ، تنحدرُ هذه "الأكلاك " إلى بغداد بالمئات تنقل الصوف ، والجلود. يستلمها عبد الرحيم في بغداد وتباع الى معمل نسيج ( العبَّخانه ، وهي من "العباءة خانه" او محل صنع العباءات ) وهو أول مؤسسة بسيطة للصناعة أقامها مدحت باشا 1868-1871 في بغـداد ثم أعقب ذلك ما عُـرف ( بمدرسة الصنايع ) حيث تلقى البغداديون أوائل العلوم عن الصناعة الحديثة ...ثم تحول الى معمل فتاح باشا لصناعة البطانيات .
 سألته بتواضع مستفسرا : ـ هل لديك معلومات عن التجارة في تلك الفترة وكيف كانت ؟
أجاب موضحا : ـ يصنف التجار الى ثلاثة اصناف تجار الجملة وهم يعدون بعد اصابع اليد وأصحاب الدكانين المنتشرون في الاسواق الذين يبيعون الالبسة والأقمشة في دكاكينهم بالإضافة لمواد البقاله والأدوية والتوابل فقد كانت بعض هذه الدكاكين تبيع بالجملة لبائعين يتجولون في القرى حاملين كميات من البضائع على اكتافهم او على البغال والحمير واشتهر بهذه الطريقة اليهود .
ترتبط تجارة الحبوب بتسديد التاجر المبلغ قبل موسم الحصاد حيث يعقد الفلاحين صفقات مباشرة مع تاجر الجملة مقابل تجهيزهم باحتياجاتهم من بضائع خلال فترة الشتاء ولا يحق للفلاح بيع محصوله لغير التاجر.
سألته مستفسرا : هل كان لمسيحيين السليمانية دور في التجارة ؟
أجاب : نعم .. في تلك الفترة الزمنية وأثناء الحكم العثماني ومن ثم تأسيس الدولة العراقية كانت عائلة علكة هي التي امتهنت التجارة ولها ثقلها التجاري في المدينة .ولم يبقى اي فرد من هذه العائلة في السليمانية جميعهم هاجروا ، اما بقية العوائل امتهنوا الاعمال الحرة ومنهم من عمل في مؤسسات الدولة . اما الان فيوجد بعض العوائل تعمل في التجارة .
سألته : ـ  ماذا تعرف عن الحياة الاجتماعية لعبد الرحيم علكة .
قال بثقة وجدية : ـ ان الارث الثقافي الذي حافظ عليه مسيحيو السليمانية يتميز بخصوصيته رغم مشاركتهم المجتمع الكردي في كثير من الاعراف والتقاليد . ويعتبرون الموروث الشعبي جزءاً مهماً من تاريخهم وثقافتيهم بدءاً بلغة السورث فهم يتكلمون فيما بينهم هذه اللغة ويكتبون الحرف الآرامي اللذان يمتد عمرهما الى الحضارات الاولى في وادي الرافدين ، ويعتزون بالموروث الشّعبي الذي يحمل رؤية الشّعوب لأصولهم وتاريخهم  ، حيث أن تراثهم يمثّل قوّة دفع ومصدر ثقة مروراً بطقوس الزواج والميلاد والأعياد والعادات والأزياء التي ورثوها من اجدادهم . فتراثهم باقٍ وخالد ، لأن العادات والتقاليد وكل الممارسات التي اكتسبوها  تنقل من جيل الأجداد الى الآباء ولا تزال يمارسها الابناء . وعبد الرحيم هو احد الابناء الذي تمسك بالتراث .
 في بغداد تزوج عبد الرحيم حسب الطقوس الكنسية والعادات والتقاليد الموروثة من السيدة ريجينا تيسي ورزق منها اربعة صبيان (عزيز درس الهندسة ، ميخائيل دكتوراه في الانواء الجوية ، لطيف طبيب اختصاص امراض نسائية ، فيكتور ضابط طيار سقطت طائرة اثناء التدريب ) ، وثلاثة بنات هن (سيسيل ، ماري ، مادلين ) انتقلن للسكن الى امريكا . وبعد وفاة زوجته الاولى تزوج من السيدة انجيلا بهلوان ورزق منها بنتان (يفيت ، وبرناديت) .
سألته : ماذا تعرف عن ابنه ميخائيل عبد الرحيم علكة ؟
أجاب والابتسامة على وجهه : كنت طالبا في الاعدادية عندما جاء ميخائيل علكة الى السليمانية ليدرس الفيزياء كان ذلك في عام 1944 وجلب انتباهي انه كان مولعا بظواهر الطقس والمناخ مع بداية العام الدراسي الجديد اتذكر حديثه وتوقعاته حول الانواء الجوية ويعرف متى تهب الرياح وتنخفض درجات الحرارة وتهطل الامطار وتسقط الثلوج ، جاء مدرسنا في احد الايام الى الصف وقال كنت اراقب من الفجر ظهور نجمة كلاويژ  ( نجمة سهيل ) ، كلاويژ في الفلك هو ألمع نجم في مجموعة النجوم والتي تظهر مع نهاية شهر اب وبداية شهر ايلول في الفجر ويعني ظهوره بداية التغير الفصلي ،حيث سيبدأ النهار تراجعه ويبدأ الليل يطول ، ويشهد الطقس خلال هذا الشهر انخفاض في درجات الحرارة خصوصا في الليالي و ينكسر قيض الحرّ وتهب نسمات عذبة بعد منتصف الليل قادمة من الشمال ، وتشتد برودة الجو كلما اقتربنا من الصباح دلالة على حلول فصل الخريف ، فهبوب الرياح التي يصحبها تساقط الأوراق أشجار تسمى بالكردية رياح ( خه زان ) ، وكان يتوقع موعد تجمع كتل الغيوم وظهورها في السماء ، وانخفاض درجات الحرارة ويقول لنا نحن اقتربنا من فصل البرودة والثلج و يتوقع موعد سقوط الثلوج وكم ويوما يستمر تساقطها وسمكها . وأتذكر كلامه عن الرياح الشمالية الغربية القادمة من البحر المتوسط المحملة بكتل الغيوم والتي تسبب هطول الأمطار الغزيرة ، وعند اجتياز الرياح لكردستان يتوقف سقوط المطر ، وتهدأ الرياح ، ويصحوا الجو ، واعتقد انه سافر للخارج وأكمل دراسة الانواء الجوية . يا ليت يعود العمر مني للوراء وادرس هذا العلم لأننا نفقده وكم بحاجة اليه .
قلت له . ـ نعم لقد سافر ميخائيل للخارج وأكمل دراسته ، ماذا تعرف عنه اكثر؟
قال بهدوء : ـ لا اعرف اكثر مما قلت عن هذه الشخصية الكلدانية من السليمانية .
سألته مستفسرا : كيف كانت الحياة الاجتماعية لسكان السليمانية خلال فترة تغير المناخ في تلك السنين الماضية  ؟
أجاب بهدوء وتوضيح : فصل الخريف هو فصل كئيب بشكل عام ومن مناظره المألوفة ، هبوب نوع من الرياح التي يصحبها تساقط مستمر لأوراق أشجار الغابات والبساتين والحدائق و أفضل من ظروف فصل الصيف فتشد حرارة الجو وتزداد حالات الملل عند الناس ويكثر البعوض وينشغل الفلاحين بالحصاد وبيع محاصيلهم  ، اما الشتاء في كردستان يمتاز بثلوجه وبروده الجو ويتشاءم الفقراء لتوقف الاعمال ، وعلى الفلاحين الجلوس في بيوتهم حول مواقد النار وشرب الشاي والتدخين والاستمتاع بالأحاديث وانتظار انتهاء فصل الشتاء والمباشرة في الربيع لزراعة الحقول. أما أطفالهم فينشغلون عادة برمي البلوط في مواقد التدفئة ثم تناول لبها المشوي. أما النساء فأنهن ينتهزن حلول الشتاء لمزاولة أعمال الحياكة والنسيج. ويأتي فصل الربيع فتزدان الطبيعة بحلتها الجميلة ، ويعتدل الطقس وتبدأ كتل الثلوج بالذوبان ، وتنمو الحشائش وتتفتح إزهار النرجس والرياحين .
ودعت شيخنا الجليل وشكرته على امل ان نلتقي بعد يومين لكي يحكي لي ذكرياته عن زمن سفر برلك .عدت للسويد بعد انتهاء اجازتي ، وخلال اسبوع حصلت على بقية المعلومات عن الدكتور ميخائيل علكة .

ميخائيل عبد الرحيم علكة :
من مواليد 26 حزيران 1913 في بغداد ، يحترم الآخرين و يحافظ على الإصغاء الجيد ومناقشة الموضوع المطروح وعدم الخروج عنه يعمل بتوجيه الحديث إلى الهدف المنشود ، هادئ و بشوش وتتميز أعصابه بالاسترخاء ، طيب القلب ، ومنذ طفولته نبغ وظهرت عليه سمات الذكاء ، يتكلم العربية والكردية والتركية والكلدانية والفرنسية والانكليزية وقليل من الاسبانية .
 ظهرت سمات حبه للطقس وأسباب تغير المناخ منذ صباه ، عندما يزور مدينة السليمانية مع عائلته كان ذلك ايام الصيف والعطل المدرسية الربيعية ، جلب انتباه ميخائيل هبوب الرياح التي تهب على السليمانية والتي تسمى بـ الرشبة   (الره شه با) أي الرياح السوداء التي تداعب المدينة بقوة وشراهة بين فترة وأخرى والتي تحدث نتيجة تخلل في الضغط الجوي وتغير درجات الحرارة ، حيث السليمانية محاطة بالجبال والرياح تأتي من الوديان . وهذه الرياح قوية وسريعة تكسر الاغصان وتخلع الأشجار ، وتسقط لوحات المحلات وتقلع سقوف البيوت القديمة المبنية بالطين والقصب ، ترافقها أحيانا زوبعة تسمى بالكردية ( كيژة لوكة ) تدور الرياح في مكان واحد كما تجعل الإنسان لا يستطيع السير ضدها ، و (باو بوران) الرياح القوية المصحوبة مع مطر غزير تختلف عن (فرته نيا ) السريعة المطر هذه الرياح تحدث في الربيع والشتاء والخريف ، كان ميخائيل يسأل عنها وكيف تحدث ،كما كان يسأل عن المطر الربيعي الذي يؤدي الى طوفان المدينة نتيجة سقوط الحالوب والمطر السريع الذي يرفع مستوى المياه في الشوارع . ومن الملاحظ انه كان يقف على سطح المنزل يراقب هبوب النسيم العليل وخاصة في الصيف وقت المساء عندما تقوم بنات العائلة بعد المغرب مباشره برش السطح بالماء حتى يبرد فقد كانت جميع بيوت المدينة شعبية مبنية من الطين و الحجر ، هذه العوائل تنام في السطوح لعدم وجود مكيفات انذاك ، يتنبأ بموعد هبوب (الره شه با) على المدينة بالإضافة الى التغير الذي سيحصل بدرجات الحرارة او سقوط الامطار وكان اهله يتعجبون من ما يقول لهم وهو صبي .
التحق في الجامعة الامريكية في بيروت عام 1925 وفي سن مبكرة لاحظ المدرسون نبوغا غير عادي على الصبي واهتماما زائدا منه بالمواد العلمية وانهى الصف الاول والثاني بسنة واحدة ، وسرعان ما أدهش الجميع بذكائه الحاد وقدرته على تذكر جميع المعادلات الرياضية والنظريات العلمية وكانت دهشة مدرسيه بلا حدود وانهى صفي الثالث والرابع بسنة واحدة اي انهى الثانوية بسنتين وانتقل للجامعة سنة 1927 بعمر الخمس عشر سنة وأصبح مدرسا للمدارس الابتدائية في سن السابعة عشر وأدرك المدرسون أن هذا الشاب سيكون له شأن عظيم في المستقبل وازدادوا اهتماما به وتشجيعا له .
 في عام 1938 سافر الى انكلترا وتلقى التدريب على الارصاد الجوي الاولي وعاد للعراق وعمل متنبئ جوي في دائرة الارصاد الجوي .
في عام 1941 حصل على بكالوريوس رياضيات بدرجة شرف من الجامعة الامريكية في بيروت . عاد وعمل متنبي الارصاد الجوية العراقية في عام 1942 استطاع ميخائيل تكمله مشروع اطلس الانواء الجوية  العراقية المتوقف ورسم العدد الاكبر من خرائطه مع تدوين المعلومات المناخية عليها للعراق باسم  (Metrological service Climatogical Atlas for Iraq ) الذي طبع بمطابع المساحة لحساب وزارة الدفاع العراقية . حيث كانت الهيئة العامة للأنواء والرصد الزلزالي احدى تشكيلات وزارة النقل تأسست عام 1923 من قبل القوات البريطانية حينذاك تحت اسم مصلحة الانواء الجوية وأنشأت ثلاث من دوائر الرصد الجوي لخدمة اغراضها العسكرية في كل من الموصل والحبانية والشعيبة . وفي عام 1936 انتقلت ادارتها الى ايدي عراقية تحت ادارة الطيران المدني وضمن تشكيلات وزارة الدفاع .
 في عام 1944 عمل مدرس للفيزياء في السليمانية فقد روى شيخنا جزء منها  ، لكن كان انشغاله ودراسته الرصد الجوي لا تتوقف وخاصة في مجال استخدام التنبؤات الجوية ،كالتحذيرات الجوية لحماية الأرواح والممتلكات من الكوارث الطبيعية ، والمحافظة على البيئة ، وتحسين الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لجميع قطاعات المجتمع في مجالات الأمن الغذائي ، وموارد المياه ، والنقل. واستخدام الأرصاد الجوية في الخدمات العامة في مجال الطقس، والزراعة، والطيران ، والملاحة ، والبيئة ، وقضايا المياه ، والتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية وعلى معرفة تغيرات درجة الحرارة واحتمال هطول الأمطار لصالح المجال الزراعي .
سافر الى امريكا بعد حصوله على زمالة من الحكومة العراقية لمدة سنتين وفي عام 1949 حصل على شهادة الماجستير بعلم الظواهر والأحوال الجوية من جامعة شيكاغو ، بعدها عاد للعراق وأصبح نائب لمدير الارصاد الجوي لغاية ايلول في عام 1950 ثم سافر و تابع دراسته في جامعة شيكاغو وفي عام 1954 تزوج من السيدة لوسيل التي كان قد التقى معها في نفس الجامعة ، أكمل دراسته وحصل على شهادة الدكتوراه .بعدها انتقل في عام 1955 الى جنيف وأصبح المسئول الفني ونائب رئيس قسم التحقيقات في المنظمة العالمية  للأرصاد الجوية (WMO) وهي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة ، عملها يتعلق بحالة وسلوك الغلاف الجوي للأرض ، وتفاعله مع المحيطات ، والمناخ الذي ينتج عنه ، وتوزيع موارد المياه الذي ينجم عن ذلك ،ومنذ إنشائها قامت بدور فريد وقوي في المساهمة في سلامة البشرية ورفاهتها . ولها مساهمة كبيرة في حماية الأرواح والممتلكات من الكوارث الطبيعية ، والمحافظة على البيئة .
عاد الى امريكا في ديسمبر 1960 ،  الى مركز بحوث للأرصاد الجوي في المشروع القومي للبحوث إعصار في ميامي ، فلوريدا حتى عام 1964 وكان له بحوث واسعة في الرصد الجوي ونشرت الصحف دراسته حول الطقس والحمل الحراري بواسطة الرادارات الرقمية لمعرفة حالة الغلاف الجوي .
عام 1967 انتقل الى واشنطن وشارك في اعمال عدة ولجان وطنية ودولية وشملت اعداد خطط وطنية على المستوى الدولي ،كان يعتبر رائدا في بحوث الغلاف الجوي وعضوا في الجمعية الملكيه للرصد الجوي الامريكي.   انتقل في عام 1981 الى كاليفورنيا واستقر هناك مع زوجته حتى وافته المنيه في 7 مارس 1996 عن عمر ناهز الثانية والثمانون وله من الاولاد ثلاث بنات .
له عدد من الكتب والمؤلفات ادرج ادناه مؤلفاته :
1.   Short range thunderstorm forecasting for aviation (FAA-RD report) by Mikhail A Alaka (1975(.
2.   The occurrence of anomalous winds and their significance (National Hurricane Research Project ; Report) by Mikhail A Alaka (1961(.
3.   Climatology of Atlantic tropical storms and hurricanes (ESSA technical report) by Mikhail A Alaka (1968(.
4.   A case study of an easterly jet stream in the tropics by Mikhail A Alaka (1955(.
5.   Aviation aspects of mountain waves (World Meteorological Organization. WMO [publications]) by Mikhail A Alaka (1958).
6.   Problems of tropical meteorology. A survey (World Meteorological Organization. Technical Note. no. 62.) by Mikhail A Alaka (1964).

في الختام
ميخائيل احدى الشخصيات المسيحية التي كان له دوراَ كبيراَ في خدمة ثقافة شعبهم ، الذي كرس نفسه لخدمة أبناء جلدته مدافعاَ عن حقوقهم في بناء العراق المعاصر. ولكنه بقى بعيداَ عن الأضواء . خدم الفقيد العراق خدمات لا ينكرها احد وخاصة الاطلس الجوي ، في النهاية اود اقول ان اعماله وحياته هي انعكاس لنظريته في الحياة ، رحم الله الفقيد الدكتور ميخائيل عبد الرحيم علكة .
المصادر :
1.   معروف جياووك ، هه زار به ندو به ند ، بغداد ، مطبعة النجاح 1980
2.   مهدي خال ، به ندى بيشينان ، ط 2 ، 1971
3.   الاثار الكاملة ..الجزء الاول .. توفيق وهبي بك
4.   الكرد .. توما بوا

131
شخصية كلدانية من مدينة السليمانية :
الدكتور نوري فتوحي :



بدري نوئيل يوسف  ـ السويد
المقدمة :

هذه الحكاية ليست من حكايات أيام زمان ، لنبدأ الحكاية من البداية ،كان يا ما كان ، ليس في سالف العصر والأوان ، بل منذ وقت قريب في نهاية القرن الثامن عشر في مدينة السليمانية الواقعة تحت نفوذ الإمبراطورية العثمانية انذاك ، كان هنالك تاجرا في ريعان شبابه اسمه فتوحي عبد الاحد جرجيس ، كانت تجارته تشمل أهم موارد السليمانية من الصوف والجلود وعرق السوس وشعر الماعز والعفص الكردستاني الذي يكثر في المناطق الجبلية و يستعمل بدباغة الجلود ، بالإضافة للمن والسلوى .
فتوحي عبد الاحد جرجيس اخذ عن والده مهنة التجارة بالإضافة لامتلاكه خان كبيرا يستقبل القوافل القادمة الى السليمانية والخارجة منها . والخان هي كلمة أعجمية تدل على الفندق في عصرنا الحديث ، و الخان يقدّم الخدمات للتّجار والرّحالة والمُسافرين كافةً ، ويوفّر لهم الراحة ويجنّبهم مشقّة ومخاطر السّفر ليلاً. يضمّ الخان مستودعات لحفظ البضائع وإسطبلاتٍ مختلفةً لإيواء العربات وأنواع الحيوانات. حيث تصل البضائع إلى السليمانية من القرى والمدن الكردية الواقعة على مقربة منها ، تباع البضائع بأسعار عالية داخل الخان لتجار محليون ثم تنقل الى بغداد بواسطة القوافل .
كل يوم وعند الفجر مع صياح الديك كان تجار القرى يضعون حمولتهم فوق ظهور الحمير والبغال ويشكلون قافلة صغيرة تسمى كاروان  يتوجهون نحو مدينة السليمانية . وحال وصولهم المدينة يحطون الرحال في خاناتها ومن ضمنهم خان عائلة عبد الاحد جرجيس بعد استراحة التجار وتناول طعام الفطور الذي جلبوه معهم في القافلة ، تبدأ مقايضة حمولتهم بالصوف وشعر الماعز والجلود والعفص وما تحتاجه القرى من سلع مع البضائع التي جلبها التجار من سمن حيواني وزبيب وحبة الخضرة والجوز والأقمشة المحاكة بالجومة  حيث اشتهر سكان القرى المسيحية بغزل أصواف الأغنام وشعر الماعز التي يوفرها لهم الخان.
اعتاد فتوحي توفير ما يحتاجه الحائكون من الغزل والصوف وبعد تسويقهم ما يحتاجون تنقل الى القرى المسيحية وتبدأ عملية حياكة قطع الملابس مثل(شل وشبك) يعني السروال والسترة الذي يعتبر اللباس الشعبي للرجل الكردي بالإضافة لباس لرجال القرى المسيحية المجاورة للمنطقة الكردية وهي الملابس الفلكلورية المسيحية ، كما يحاك من الغزل (الجاروكه)   رداء للنساء المسيحيات حصراً الساكنات في القرى المسيحية ولم تلبسها المرأة الكردية .
فتوحي عبد الاحد جرجيس لا نعرف سنة هجرة عائلته الى السليمانية ومن اي منطقة قدم لكنها تقدر منتصف القرن الثامن عشر ، ويرجح ان اجداده من ضمن العوائل العشرة التي كانت تقطن المدينة عند تأسيسها كما ينتمي الى عائلة تلقب " حَبَكا " (هذا ما علمته من كبار السن في المدينة) . اكتسب فتوحي سمعة حسنة طيبة وثقة التجار على مر السنين يتكلم اللغة العربية والكردية والتركية والكلدانية وتعرف على تجارها وتقرب من عائلة الياس علكة الذي اصبح  ابنه عبد الكريم وزيرا لحكومة الشيخ محمود الحفيد  . 
لا عبث بالحب في السليمانية .
من عادات سكان مدينة السليمانية سواءا يعيش الفرد مع عشيرته او منفصلا عنها ، أو يعمل كراع ِ جوال يبيت تحت خيمته في الجبال أو يمتلك دكانا ، أو يشتغل كفلاح أو حرفيا ، لا يعيش بمفرده في جميع الاحوال بل يصاحب زوجته وأطفاله دائما ، فقلما نجد اعزب في المدينة فالشباب يتزوجون مبكرين حيث لا ينتظرون  سن العشرين ، ويبدأ  الشاب البحث عن فتاة قد اكتملت انوثتها وربة بيت بارعة ممتازة ضليعة بالواجبات الملقاة عليها ، ولكن السعادة العائلية تحتاج الى شريك جيد لأنها مسألة بالغة الاهمية فثمة اعتبارات اخرى ماعدا الجاذبية أو الجمال لا بد من وضعها في الاذهان لأنه يقال ( لا تنظر الى الفتاة  فحسب بل الى أقاربها ) (وأنظر الى الخال وأتِ بالفتاة الى دارك ) .
في الريف يلتقي الشباب عادة عند الينابيع أو اثناء الاشتغال في الحقول وغاية الالتقاء تكون شريفة على الدوام ، فتسود الحشمة والفضيلة ذلك شيء تدركه الفتيات القرويات حينما ينشدن أغاني الحب أثناء حلب النعاج او حياكة السجاد ، أو هن راجعات من عيون المياه يحملن جرار الماء فتفيض أغانيهن شوقا وحنانا بما يشعر الفؤاد من اللوعة والغرام . لكن اين يجد التاجر المسيحي الذي يسكن في مدينة عدد عوائلها المسيحية عشرة عوائل الفتاة التي يخفق قلبه لها الجميلة ، الذكية ، المثقفة ، الغنية ، المتعلمة ، صغيرة السن ذات الدين وذات الحسب والنسب وذات المال .
البحث عن الشريك .
جلس فتوحي يفكر إن أول شيء في رحلة البحث عن الفتاة أن يحدد لنفسه النطاق الذي سيبحث فيه عن شريكة الحياة ومن تكون المرشحة المناسبة لتنال رضائه ، هل هي من العائلة أم من الأصدقاء أم من العمل ، فقد كان يعلم بأن لا يوجد فتاة في عائلته ولا يوجد شابة تعمل في حقل التجارة آنذاك ،  فإذن عليه ان يبحث عند الاصدقاء ، أو عليه الذهاب الى مدن اخرى ككركوك او كويسنجق للبحث عن الفتاة كاملة الاوصاف . يقول ريج  في مذكراته ان عشرة عوائل مسيحية كانت تقطن السليمانية ستة منها كلدان والأربعة من الارمن ، وعدد الفتيات في تلك العوائل كان بعدد اصابع اليد الواحدة ومنهن من فاتهن قطار الزواج  .
وفتوحي يحلم بفتاة تدرك سحر جمالها تبديه بالدلال والغنج تتفاخر بجدائل بشعرها الاسود وبعيونها الجميلة السوداء التي تضاهي عيون المها في حسنها تتهادى في مشيتها بثوبها الفلكلوري وزينته .
بعد صمت وتفكير عميق صرخ فتوحي وجدتها كما صرخ ارخمديس وجدتها ، وجدتها ، فقد وجد ارخمديس حساب الوزن النوعي للمادة لكن فتوحي عندما صرخ وجدتها فقد وجد فتاة احلامه انها الفتاة الفاضلة كريمة الياس علكة التاجر الكبير في مدينة السليمانية اسمها خانم ، ويعلم جيدًا تربيتها وأخلاقها ويعلم يقينًا أصولها، بالإضافة إلى تطابق المكانة الاجتماعية التي توفر مناخًا مناسبًا للاستقرار في حياته الزوجية.
ولكن كيف سيصل الى الفتاة ، جميع العوائل المسيحية محافظون ملتزمون بعادات وتقاليد المدينة ، لا يكون التقائه مع الفتاة سهلا لأنه من أغنياء المدينة والحياء يكبح جماحه من الافصاح بما يخالج قلبه لإبداء الرغبة في تكوين العائلة . فتوحي شاب يلتقي والدها بالعمل وصديق اخوانها وتربطهم مصالح عمل وتجارة وربح وخسارة ، ما العمل ؟ وكيف يفاتح والدها وغير متأكد من موافقتها وفي حالة رفضها ماذا سيكون موقفه من عائلته وعائلتها . 
لكن نسى فتوحي ان المرأة المسيحية تتمتع بالحرية الى حد كبير اكثر من جيرانها وامرأة متواضعة في سلوكها فهن سافرات برغم من تغطية رؤوسهن على الدوام ويتمتعن بإدارة شؤون البيت ويبقى كيس النقود في ايديهن ويتصرفن فيه كما يشأن .ولا يفترض ان تخجل عند التقائها بالرجال الغرباء ، لأنها تمتلك شخصية صقلتها حياتها المسيحية فالنساء يتمتعن بالاحترام الكثير عند الجميع وسائر الطبقات وهن مثقفات متعلمات .
مرت الايام وفتوحي قلق شارد الذهن كلما التقى مع اصدقائه التجار ومع والدها وإخوانها في الخان يسرح ويجول في افكاره كيف يبدأ الحديث معهم لا يعلم ويسأل نفسه ما هي الطريقة الفضلى لمفاتحة ابوها. ولكن هل الصدفة او الحظ ام القسمة والنصيب ، او رب رميه من غير رامي كان لها دور مهم في حياة فتوحي.
في احد المناسبات دعاه الياس والد الفتاة لتناول طعام الغداء في منزل العائلة ، قَبِلَ فتوحي الدعوى بسرور وفرح على أمل ان يرسل اشارة الى الفتاة التي رشحها ، استقبل الياس علكة وأولاد  في منزله فتوحي وجلس الجميع حول طاولة الطعام و فتوحي يجلس بجانب والدها والفتاة واحدة من الجالسين وهو الوحيد بينهم مرتبك لا يرفع نظره نحو الجالسين يتناول طعامه بهدوء كأنه لا يشتهي الطعام ، انتبه والد الفتاة عليه وسأله مستفسرا
ـ فتوحي اراك مهموما فترة من الزمن هل خسرت في التجارة .
هز رأسه نافيا وقال :
 ـ لا بالعكس فالحمد الله ارباحي جيدة جدا .
ابتسم الوالد وقال له مازحا .
ـ فتوحي ، تقول حكمة سمعتها من جدي (لا يستقر الرجل حتى يتزوج ، من يرغب الزواج عليه أن يملك حقيبة من الذهب ،او كيسا معبأ بالأكاذيب).
رفع فتوحي عيناه بهدوء وبنبرة لا تخلو من الاحترام وبفراسة ودهاء قائلا:
ـ تقول حكمة اخرى ( لا يتم الزواج من أميرة بمهر لرعاة البقر) .
قال والد الفتاة :
ـ اذن انت تحب ..و عاشق ... او تبحث عن زوجة .
الابتسامة على وجوه الجميع مترقبون من فتوحي أن ينطق ، ساد الصمت والهدوء الحضور ولن ينبس فتوحي بكلمة ، وضع الوالد الملعقة من يده في الطبق قائلا :
ـ قل لي من هي الفتاة التي تغزو قلبك فانا على استعداد ان اخطب لك من تشاء ولو كلفت ثروتي كلها .
لحظات صمت وترقب من الجميع ، رصد فتوحي بنظره الجالسون حول طاولة الطعام ثم همس في اذن والد الفتاة بصوت خافت قائلا :
ـ التي تجلس عن يمنيك عمي الياس  . 
تفاجئ الياس بجواب فتوحي ولكنه تمالك اعصابه حتى لا يشعر الجالسين قائلا بنبرة هادئة  :
ـ سأطلبها لك من والدها إذا وافقت الفتاة على قبولك زوجا لها.
عمت الفوضى جميع افراد العائلة الجالسين حول المائدة مستفسرين من تكون الفتاة ومن هو والدها .
قال والد الفتاة بنبرة هادئة :
ـ المرأة دعامة البيت وقلعة يحبسُ الرجل فيها ، انتظروني سأقول لكم من هي الفتاة اذا وافقت على الزواج من فتوحي ،  وإذا رفضت فلن اقول لكم .
استمر الجميع بتناول الطعام وبعد الانتهاء بفترة قصيرة ودعهم فتوحي عائدا الى منزله على أمل ان يستلم الرد من والدها بأسرع وقت .
مرت ثلاثة أيام والوالد هادئا في المنزل لن يفاتح ابنته خانم يراقب حركاتها وتصرفاتها فقد شعر انها فهمت ما همس بأذنه فتوحي وكان حدسه صائبا  .
لم تصبر خانم جاءت مساء اليوم الثالث و سألت اباها بهدوء واحترام:
 ـ أبي... من تكون الفتاة التي رشحها فتوحي عروسة له .
ـ فقال لها مبتسما : اذن عرفت من تكون الفتاة التي طلبها فتوحي .
 أجابت بارتباك وخجل وبصوت مبحوح تبلع ريقها :
ـ لا اعلم فقد همس فتوحي في اذنك وليس اذني .                                                                                                                                                                                       
غمرت وجهها براحة يديها تتظاهر بالخجل وهربت من امام والدها ولكن ناداها والدها بهدوء .
ـ خانم تعالي قِفِي امامي :
اقتربت منه وقفت باحترام تحني رأسها و ابتسامه خفيفة على شفتاها قائلا لها :
ـ خانم ..هل توافقين الزواج من فتوحي .
هزت رأسها بالإيجاب بهدوء وهرولت مسرعة نحو غرفتها دخلت وأغلقت الباب خلفها .
ابتسم والدها بهدوء ونادى على زوجته مريم قائلا لها :
ـ مريم .... ابنتكِ خانم وافقت على قبول فتوحي عريسا لها .
قالت الام  بنبرة جدية :
ـ هل تعلم ان الفتاة تستطيع الرفض ولا يجبر الاب ابنته على الزواج مما لا ترغب فيه فلها حرية الاختيار .
ضحك الوالد قائلا :
ـ ومن قال لكِ اني اجبرت بنتي على الزواج اعلم ذلك فلها حرية الاختيار واحترام ارادتها ضمن شروط وقواعد المجتمع والعائلة والمتقدم لها شاب على خلق ومركز مرموق .
في المساء اجتمعت العائلة بكامل افرادها من الاب والأم والأخوة والأخت الكبرى وابلغهم بقرار ابنته وقناعتها على قبول فتوحي ، رحب الجميع بهذه الخطوبة وتمنوا لهما التوفيق . طلب الوالد من عائلته عدم تبليغ فتوحي بالموافقة لحين التأكد من رغبته بالزواج وليس تكون نزوة عبارة اي اندفاع لمشاعره للحصول على مبتغاة وبتالى سوف يقل شيئا فشيئا هذا الاندفاع الى ان ينتهى بدون رجعا.
حافظت عائلة الفتاة على طلب الوالد عدم ابلاغ  موافقتهم قبول فتوحي صهرا لهم ، وكان فتوحي يخجل الحديث مع والدها بهذا الموضوع خوفا من ان يسمع منه الرفض لذا طلب من والدته زيارة منزل عائلة الفتاة والوقوف على طلبه .
زيارة تجربيه وجس النبض :
  بعد اسبوعين ذهبت والدة فتوحي بصحبة خالته بزيارة تجريبية حاملة هدية لمنزل الياس علكة لجس نبض العائلة ، قدمت ام فتوحي الهدية للفتاة ونبذة مختصرة عن السيرة الذاتيه وحسن سلوك ابنها ، ولن تترد ام فتوحي بوصف الفتاة المرشحة لابنها بعبارات من المدح والتبجيل فوصفت جسمها وحسن اخلاقها ومحاسنها ورقتها وأنوثتها ولم تبدِ العائلة اي اعتراض ، فالفتاة تلك لطيفة لكنها خبيثة تهوى الاغاظة فلها كل السحر كي تدير رأس الفتى الذي يهواها ، قبلت الهدية واستلمها لكنها لم تعطي رأيها أمام امه بالموافقة ، وكذلك امتنع اهلها عن بيان رأيهم بدون حضور الوالد الذي كان في الخان مقر عمله ، عادت ام فتوحي لمنزلها بخفي حنين تشكي حالها لأختها التي معها وتخفي حزنها ودمعتها وتندب حظ ابنها على اختياره وتلوم نفسها على هذه الزيارة . 
في مساء اليوم عاد فتوحي من عمله متعبا على امل ان يستلم خبرا مفرحا من والدته ، ابلغته امه انها عادت بخيبة الأمل وخاب سعيها وضاع جهدها وحزينة على حظ ابنها العاثر الذي لا يتحقق اختاره . ثارت ثائرة فتوحي وخرج مسرعا من منزله متوجها نحو منزل الفتاة وطرق الباب بانفعال ، علم والد الفتاة ان الطارق فتوحي لأنه زوجته قصت له ما دار من حوار بينها وأم فتوحي بعد عودته من الخان ، طلب الوالد من ابنته المرشحة للخطوبة فتح الباب للطارق .استجابت لطلب والدها واتجهت لفناء المنزل وفتحت الباب وكانت المفاجئة لها بوجود فتوحي خلف الباب ولن تكن متوقعة قدومه في المساء .
قال لها بانفعال وبدون ان يقدم التحية والسلام .
ـ اريد مقابلة والدكِ حالا.
فهمت ما يريد من مقابلة والدها ، قالت له مبتسمة ساخرة .
ـ هل المقابلة ضرورية تستوجب حضورك بهذا المساء .
أجاب بتلعثم وارتباك .
ـ نعم لقد طلبت منه طلبا ولم يرد عليّ لحد الان رغم مرور اسبوعين  .
ابتسمت وأجابت  بهدوء.
ـ فتوحي ... لقد قبلتً الهدية التي ارسلتها مع والدتك انظر الى قلادتك التي اعلقها صدري.
مرت لحظات على فتوحي يسرح في افكاره ، تمالك نفسه لأنه اراد ان يصرخ و يضمها لصدره ، هدئت اعصابه في لحظة وفهم ما قالته خانم له ، رفع يداه للسماء يشكر الله وقال لها.
ـ شكرا خانم ... غدا سيكون لقائي مع عمي الياس في الخان ، تركها عائدا الى منزله يرقص فرحا وسرورا في ازقة المدينة ويتمتم مع نفسه اغاني الحب . وخانم تراقبه من على عتبة باب المنزل تضحك فرحا وسرورا ملئ شدقيها .
دخلت خانم الى غرفة جلوس العائلة مبتسمة مسرورة تتمايل بمشيتها تلاعب ضفائر شعرها ، سألها والدها بهدوء : خانم من كان الطارق. أجابت باحترام : انه فتوحي .
بابتسامته الهادئة سألها والدها ماذا يريد فتوحي بهذه الساعة المتأخرة ليلا.
باحترام وخجل وحياء قالت :
ـ  قال لي "اقدم احترامي ومحبتي لعمي الياس وسأزوره غدا في الخان لإكمال الاتفاق بينا " ..  ضحك الحاضرون في الغرفة وقال والدها : على بركة الله .
ضحكت ام خانم وقالت :
 لم تنتبه ام فتوحي لهذه الالتفاتة اثناء زيارتها لنا اليوم أن قبول الهدية منها تلك علامة الرضى ودليل على قبول  الخطبة ، وتوقعت ام فتوحي ان تسمع الموافقة من خانم  .
في اليوم التالي ومن الصباح الباكر لبس فتوحي ملابسه الجميلة ووضع طربوشه على رأسه وعلق سلسلة ساعته الذهبية بسترة ووضع الساعة في جيبه الصغير وعطر جسمه بعطر الفول يستعد لقاء عمه الياس للحصول على موعد للخطوبة .
حصل فتوحي على موعد الخطوبة وبعد ذلك بعدة ايام قام والد فتوحي بصحبة الاعمام والأَخْوال والأصدقاء بزيارة منزل الياس علكة وطلب يد خانم رسميا من والدها وقدمت في هذه المناسبة الحلويات من بقلاوة  مصنوعة بالسمن البلدي (الدهن الحر) ولا ننسى الكليجة المحشوة بالجوز والتمر ، وقدم فتوحي للعروس الهدايا من مصوغات ذهبية ومجوهرات ثمينة ملبسة بالأحجار الكريمة .
كل شيء مهيأ الان ، العائلتان تنتظران قدوم الربيع للاحتفال بيوم العرس الذي يحتاج في الواقع الى حفلتين الاولى هي مراسم الزواج المؤلفة من المراسيم الدينية في الكنيسة ، والثانية حفلة العرس التي تكون دنيوية صرفة خالية من المراسيم الدينية . وهي مهمة حيث يغلب عليها طابع المرح والسرور الملأ بالأغاني الشعبية والرقصات البهيجة من التراث الكلداني ممزوجا مع الفلكلور الكردي . ولو كان عدد العوائل المسيحية في المدينة قليلا لكنهم شعب من الشعوب لهم تراث حضاري واجتماعي معين خاص بهم ، ولهم ذخيرة فلكلورية ثرة من عادات وتقاليد وأساليب تفكير تشكل علامة متميزة على أصالة هذا الشعب تختلف عن الاكراد.
جاء اليوم الموعود واختلط الضجيج بالموسيقى وصوت الطبل والمزمار (زرناى ) واسهم الرجال والنساء في الرقص والدبكات الفلكلورية ، الشيء الجميل من عروستنا انها ذرفت بضع قطرات من الدموع و تظاهرت بالحزن في لحظة فراق منزل والدها ،  لكن المرافقات من صاحباتها سرعان ما يبدأن بتطيب خاطرها وتسليتها بالغناء.
وفي اليوم البهيج للعرس اشترك الاصدقاء من الطرفين في ترتيب الزوجين وتجميلهما ذهبت عروستنا مع صديقاتها الى الحمام وصبغت النساء راحة أيديهن ورؤوس اصابعهن مع اقدامهن بالحناء صبغا سخيا وقبل الذهاب الى الكنيسة لبست عروستنا ملابسها البيضاء ووضعت الكحل على عينيها ليزيد بريقها ولبست خمارها الابيض و مجوهرات كثيرة لها وزنها عند العائلتان منها سلسلة ذهبية تربط من اعلى غطاء الراس الى اسفل الحنك وقلادة تتدلى وتنزل على امتداد السترة والعقود المصنوعة من الاحجار الكريمة يعتقد أنها لها القدرة على ابعاد الشر الذي تسببه العيون الحاسدة ولا ننسى الصليب المعلق على الرقبة يتدلى على صدرها بالإضافة الى قرط ذهبي وهدية فتوحي الاولى .
أتجه موكب عروستنا بملابسها البيضاء الى الكنيسة وسلمت من والدها الى عريسنا الذي كان ينتظرها عند باب كنيسة مريم العذراء ، تأبطت ذراعه ودخلا الكنيسة على صوت الزغاريد والتصفيق والغناء من الحاضرين.
وقف فتوحي وخانم امام مذبح الكنيسة المزين بأكاليل الزهور حيث الكاهن مع الشمامسة واقفين بانتظار العريسان ، عند بدأ مراسيم اكليل الزواج يسود الكنيسة الهدوء والسكوت ينتظرون نهاية الصلاة لتبدأ الزغاريد من جديد .   
اكتملت مراسيم الزواج وخرج الجميع من الكنيسة على صوت الزغاريد والغناء ، من امام باب الكنيسة
امتطى كل فارس جواده وركبت عروستنا فرسها وأمامها عربة يجرها حصانان تحمل جهاز عرسها وحاجات مطبخها والمقصود بذلك عرض ثروة العريس ، يصل العريس وأصدقائه الى المنزل قبل وصول موكب عروستنا الى دار عريسنا فتوحي حيث يكون في استقبالها امام باب منزله وتقوم عروستنا من جانبها ايضا بالدلال وتتظاهر بالامتناع عن النزول من على متن الفرس ، لكن الامور تسير في مجراها الطبيعي كما رتب لها .وقبل دخول عروستنا بيتها المستقبلي تصاحبه طقوس تقليدية اذا قبل عبورها عتبة الباب على عروستنا ان تخطو فوق شظايا قطع لإناء فخاري محطم معبأ بالنقود . 
دخلت عروستنا خانم الى فناء المنزل وجلست على منصة في احدى زوايا الفناء هادئة وبجانبها فتوحي لا تنبس ببنت شفة كالوثن تحت خمارها الابيض المسدول وعند اكمال الحشد والغناء والرقص وملء الفؤاد ويرهق الراقصين من الرقص قدم فتوحي هدية ثمينة لعروسته وعند ذلك انبعث أزيز طلقة من مسدس احد اصدقائه اشارة الى انتهاء الحفلة . بدأ الضيوف المغادرة متوجون نحو بيوتهم .
ها هما الزوجان في ريعان شبابها وقد استقرا في بيتهما الجديد ، فقد كانت خانم ملكة متوجة في بيتها وخلق الباري المرأة لكي تخلق بيتاً هذه حكاية كلدانية فتبدأ الحياة بالسير على وتيرتها اليومية وهما في نعيم متواصل والمرأة الفاضلة باهظة الثمن وأنهما محافظان على زواجهما في اتحادهما بأواصر المحبة والإخلاص الى نهاية العمر.  وأي سرور ينتابهما عندما ينثنيان على المهد ويلمحان أول ابتسامة كي يداعبا اطفالهما ويصغي فتوحي الى اغنية المهد التي تتمتم خانم بهدوء لتهدئة طفلها وتسليته .
 رزق فتوحي من خانم اربعة بنات وصبيان هم ( مينا ، صوفيا ،نازلي ، جيران ، نوري ، قسطنطين).

نوري فتوحي :
ولد نوري عام 1907 وظهرت عليه علامات الذكاء وهو طفل صغير امتاز بالهدوء والثقة بالنفس .
ازدهرت تجارة والده وخاله عبد الكريم علكة ووصلت الى بيروت فقد كانا يترددان على العاصمة اللبنانية وعلما بتأسيس كلية الاباء اليسوعيين ، ففي عام 1839 استطاع الآباء اليسوعيين شراء عقار لهم خارج سور مدينة بيروت في مزرعة الصيفي ، وقاموا بإنشاء عدة مدارس ومطبعة ، وعدة مراكز يسوعيّة ومنذ عام   1843م أسس الآباء اليسوعيون مدرسة ثانوية قي منطقة غزير اعتبرت فيما بعد لولادة الجامعة اليسوعيّة في بيروت ، فقد استطاعت هذه الثانوية استقطاب المئات من اللبنانيين والسوريين والعراقيين المسيحيين ، وقد تخرج منها عدد كبير من رجال الدين العلمانيين ، أصبح منهم فيما بعد بطاركة وأساقفة وكهنة ورهبان ورجال سياسة ومدّرسين وأدباء وعلماء.
في عام 1919 ارسل نوري الى بيروت للدراسة في كلية الاباء اليسوعيين حيث اكمل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها وكان من المتفوقين مما حفز اهله ارساله الى جنيف لدراسة الطب في جامعة جنيف عام 1928 ، وأثناء اقامته في جنيف كان على اتصال دائم مع وطنه وأهله وكان يحتل ركنا مهما من اركان الجالية العراقيه في جنيف حيث كان يرافق قسم من الوفود التي تحضر الاجتماعات الدولية وذلك لغرض الترجمة من اللغة الفرنسية الى العربية .
في عام 1935 عاد الى الوطن يحمل شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة وشهادة الدكتوراه في الطب حيث كانت اطروحته عن مرض "ذات الجنب" هو التهاب في النسيج المحيط بالرئتين و الصدر الذي يسمى الجنبة . وقد نظمت الاطروحة على شكل كتيب باللغة الفرنسية التي كان يجيدها اجادة تامة بالإضافة الى الانكليزية والتركية والكردية والعربية .
أول تعينه كان طبيا سيار في الشرقاط وسنجار (اي يتنقل من قرية الى اخرى ) ، حيث  عمل ستة اشهر يتنقل بين العشائر قام بتنظيم حملات ضد الامراض المتفشية في تلك المنطقة ولابد من الاشارة الى ان الامراض التي كانت منتشرة هي الاسهال في الصيف خاصة للأطفال الذين تتراوح اعمارهم بين الشهر الثامن والشهر الثاني عشر او بعده بقليل وكثيرا ما يؤدي المرض بحياة الاطفال ومن الامراض الاكثر انتشارا فهو البول الدموي . والزحار  و الدوسنتري  فهو كذلك من الامراض المتفشية ، بالاضافة الى وباء الكوليرا وكان يسمى ابو زوعة أي ان الانسان يبدأ بالتقيؤ الكثير والإسهال الكثير ثم يموت وبدأ الناس يشعرون بأن التطعيم ضروري فيتهافتون على الدوائر الصحية .
طبيب في السليمانية :
في عام 1936 انتقل الى قضاء حلبجة في محافظة السليمانية وعمل هناك ثم عين بعدها طبيبا في مستشفى السليمانية حيث ادى واجبه بكل دقة وأمانة وإخلاص تجاه اهل البلد بمختلف مستوياتهم . اثناء ذلك ترأس حملات عديدة للقضاء على الامراض المتوطنة في قرى كثيرة ضد امراض الملاريا والتفوئيس بصورة خاصة ، وبقية الاوبئة بصورة عامة وكان يتنقل بين العشائر الكردية لتنظيم حملات ضد الامراض المتفشية في المناطق للعلم يقال آه من الملاريا ذلك المرض الذي كان منتشرا نتيجة البعوض الذي يعيش على البرك المائية المنتشرة في المنطقة يفتك بالصغار والكبار على السواء فلم يسلم منه بيت ولم تسلم منه نفس ، انه المرض اللعين الذي كان يصيب الجميع ، حدثني احد الشيوخ فيقول ترتجف منه اجسامهم وتضعف حياهم لقد كان يصيب طلاب الصفوف الابتدائية يشعرون بالرجفة ويتركون الدرس ويعودوا الى بيوتهم ليقضون فيها ساعة الرجف وفترة الحمى. وكان الطلاب وقت الصباح في المدرسة يسقوهم مادة وردية اللون مرة كالحنظل تسمى القنقينة او "الكينينة " كان يعطي لكل واحد منهم ملأ استكان صباحا ومثله عصرا ، ومعظمهم يتقيأ من شدة مرارته وحينئذ تبدأ الحمى تفارقهم ويشعرون بتحسن صحتهم ، ولم يكن الحال منطبقا على الصغار طلاب المدرسة ، انما كان الحال مع الاهل في البيوت ومع اخوانهم وآبائهم ، ومع هذا فمرض البول الدموي (البلهارزيا) كان كثير ألانتشار والناس لا تهتم به كما تهتم بغيره من الامراض المتوطنة . وعمل مع البروفيسور بيتي بهذا الشأن للقضاء على الامراض المتوطنة في المناطق القروية .
اصبح في عام 1943 رئيس لصحة محافظة السليمانية لغاية عام 1947 وترأس عدة حملات لمكافحة الامراض ،كانت عيادته الطبية الخاصة مزدحمة بالمراجعين و كان يأخذ كلفة فحص المريض خمسون فلس ويفحص المرضى الفقراء يوم الاربعاء والخميس مجانا . يحكى ان في احد الايام دخل عليه الزعيم الكردي المرحوم ملا مصطفى البارزاني ومعه نجله المريض رحمه الله عليهما ففي عام 1935 تم نفي البارزاني مصطفى إلى مدينة السليمانية مع أخيه الشيخ أحمد .ولم يكن الدكتور نوري على معرفة بالبارزاني ولم يسمع عن نفيه او أنه كان يقود حركة كردية . رحب به كأي مراجع للعيادة وفحص الطفل المريض ووصف له الدواء وسلمه الوصفة وودعه وخرج ، شعر نوري ان البارزاني لا يستطيع شراء الدواء ، بعد انتهاء عمله في العيادة توجه نوري الى صيدلية رءوف وهي الصيدلية الوحيدة في المدينة في تلك الفترة واشترى الدواء الذي وصفة لنجل البارزاني وسأل عن داره اين يسكن توجه نحو منزل البارزاني الذي كان يقع في محلة قزازكان وقدم الدواء له ،كان هذا اليوم عربونا لصداقة البارزاني مع الدكتور نوري .
طبيب في بغداد .
في عام 1947 نقل الى بغداد بناء على طلبه وعين طبيبا في مستوصف الاعظمية وقد ساهم مساهمة جدية في تطويره وتحويله الى مستشفى حيث كان من مؤسسي أول مستشفى في الاعظمية وأصبح باسم مستشفى النعمان  ،ولم يحالفه الحظ لكي يكون في المستشفى حيث نقل أول يوم افتتاحه الى عيادة الكرخ مديرا لها وخلال تلك الفترة كان الطبيب الخاص لعدد من الساسة الوطنين مثل حكمت سليمان ورشيد على الكيلاني حيث كانوا من اعز اصدقائه .
ومن  ذكريات اول اذاعي كردي السيد كامل كاكة امين المنشورة في شفق نيوز انه في اوائل 1957. بعد تمديد ساعات البث الصباحي والمسائي للإذاعة الكردية قدم الدكتور نوري فتوحي برنامج صحي في الاذاعة .
تسلم منصب رئيس صحة محافظة بغداد سنة 1958 لغاية حتى سنة  1961 وفي هذه الفترة خدم الصحة بصورة فعالة وجدية وكان له الدور الكبير في ترتيب التنظيمات الادارية وتوزيع الخدمات الصحية في جميع المحافظة .
هيئت الظروف الفرصة أمام البارزاني ورجالهِ للعودة إلى العراق بعد انقلاب ثورة 14 تموز 1958 ،حيث كان يقيم في روسيا وكانت الحكومة العراقية الجديدة بقيادة عبد الكريم قاسم من مصلحتها إقامة العلاقات مع الكرد . في  16/10/1958 وصلَ إلى بغداد ، وطلب البارازاني ان يكون الدكتور نوري طبيبه الخاص ويثق بعلاجه ، وفي اواخر عام 1960 غادر البارزاني بغداد وكانت مغادرته الأخيرة للعاصمة ، فقد أنتقل الى جبال كردستان حيث موطنه الأصلي وبدأ ثورة أيلول الكبرى عام 1961 بقيادته.
في عام 1961 عين الدكتور نوري رئيس لصحة محافظة كركوك ولم يباشر بالعمل حيث احيل الى التقاعد بناء على طلبه وتفرغ للعمل في عيادته الخاصة التي كانت واقعة في شارع الرشيد وكرس باقي حياته لخدمه مرضاه وكان تعاملهم معهم بعيد كل البعد عن المادة  وكانت اكثر معايناه مجانية وحتى النواحي العلاجية حيث كان يقدم لهم الدواء او ثمنه الى المريض المحتاج.
الخاتمة
هناك كثير من الشخصيات المسيحية لعبوا دوراَ كبيراَ في خدمة ثقافة شعبهم ، وتعريفها ببقية القوميات . ولكنهم بقوا بعيدين عن الأضواء دون الاهتمام حتى الذي كرس نفسه لخدمة أبناء جلدته مدافعاَ عن حقوقهم في بناء العراق المعاصر. خدم الفقيد العراق خدمات لا ينكرها احد ، في النهاية اود ان اقول لم يعلم احد عن فلسفته أو شعاره بالحياة  بصورة كلامية او خطية بل نستطيع ان نقول ان اعماله وحياته هي انعكاس لنظريته في الحياة ، رحم الله الفقيد الدكتور نوري فتوحي .

المصادر :
1.   الاثار الكاملة ..توفيق وهبي بك .الجزء الاول
2.   ك.بدرخان : المرأة الكردية ،هاوار ، العدد 19 ، 1938
3.   أف . پارت : مبادئ المنظمات الاجتماعية في كردستان الجنوبية ،اسلو 1953.
4.   الكرد . المستشرق توما بوا ، مركز الدراسات الكردية
5.   تاريخ اعلام الطب العراقي الحديث .الجزء الثاني الدكتور أديب توفيق الفكيكي

132
شخصيات كلدانية
أسرة كريم الياس علكة



بدري نوئيل يوسف : السويد
هو عبد الكريم الياس بولس ابراهيم (1876 م ـ 1948 م). الملقب كريم علكة  هذه الحكاية لم أشهدها ولا عاصرتها، ولكني سجلتها كما يرويها الرواة ، جميع أبناء السليمانية   يروون الحكايات في امسياتهم وكثيرة هي المناسبات التي تدعو الى ترديد حكايات من أيام زمان ، لكن كلما ضاق فقير بحاله او مظلوم  لسوء معاملة ، أو محتاج للقمة خبز أو صبي احب حبيبته ولا من معيل له أشار إلى كريم علكة .
تزامنت وقائع الحكاية خلال النفوذ العثماني وسيطرته على العراق ثم الانتداب البريطاني وتنصيب الأمير فيصل ملكا للعراق وسقوط الدولة العثمانية وبداية الحركات السياسية في كردستان .
عاش المجتمع العراقي بكل  أقلياته وطوائفه أثناء حكم العثمانيين سنوات عجاف وخاصة زمن سفر برلك   والنفير العام وانتشار المجاعة (القحط) بين أبناء الشعب العراقي وسَوقَ شبابه إلى أتون الحرب العالمية الأولى . وظهرت القضية الكردية على مسرح الأحداث عندما نذر الشيخ محمود   نفسه لقلب المعادلة وحاول إيجاد حلول عملية لقضية الشعب الكردي.
وجدير بالذكر أن أحداث حكاية هذه الشخصية  تكشف حياة المجتمع المسيحي الكلداني مع المجتمع الكردي ضمن مجموعة حكايات متداخلة مع بعضها لعوائل عاصرت تلك الفترة ولشخصيات اجتماعية وثقافية ودينية لتحكي سنوات ستظل ذكرى خالدة في تاريخ شعب عظيم له تراثه وعاداته الشعبية وتقاليده الاجتماعية التي ستبقى على مر العصور تنير الطريق للأجيال . 
  البداية في قرية ارموطة سنة 1860 .
كان منزله على امتداد هضبة امتلأت بأشجار الزيتون مشيد من الطين واللبن هذا ماعرفته بلاد مابين النهرين قديماً حضارة أسست بيوتها اعتماداً على الطين المجبول بالمياه فكانت فناً جميلا لقرى سكانها من المسيحيين انتشرت في شمال العراق ، كانت البداية من قرية ارموطة   القرية المسيحية المُلهمة للحب والعشق والشعر والفن ، التي استوطنها الإنسان منذ العصور القديمة نظراً لبيئتها الجميلة وطبيعتها الخلاّبة التي اشتهرت  بكرم سكانها وجمال خُضرتها وعليل هوائها وتمتلك اطلالة رائعة تمتد مابين سفوح سلسلتي جبال هيبت سلطان وباواجي حتى ضفاف الزاب الأسفل الذي ترتوي من مياهه ، قرية مشهورة بزيتونها وزيته والحرف الشعبية لأبنائها . سميت ارموطة تعني الرمان أو  إلى بساتين الرمان المنتشرة في القرية والاحتمال الثاني اسم مركب من كلمتين يعني ارعا دموثا يعني ارض الموت لكثرة ما أصاب القرية من نكبات .
فلا غرابة ان يكون الياس بن بولس احد بناء ارموطة ، وذات مساء جلس مع  مريم زوجته وحبيبته في فناء منزلة على ضوء القمر يحكي لها انه قرر الانتقال إلى مدينة كبيرة بسبب ازدهار تجارته والمسافة التي يقطعها بين قريته الجميلة ومدينة السليمانية ثم إلى مدينة سنندج   ونقل البضائع مسافة طويلة ترهقه وتتعبه ، كانت تنقل البضائع التجارية على ظهور الدواب وقوافل من البغال او ما يسمى کاروان (وهي كلمه کردیة تأتي بمعنی القافلة ، أي قافلة التجار ) ، فكان يستورد القماش وخيوط الحرير من سنندج والمدن الحدودية الايرانية ويصدر لهم الصوف وخيوط الغزل والعفص  الذي يستعمل بدباغة الجلود ،اعلمها انه اتفق مع أصدقائه في السليمانية على تأجير خان له يتخذه محلا تجاريا كبيرا وبيتا للسكن .
في بداية الامر اعترضت مريم ولم توافق الانتقال إلى المدينة وامتلأت عيناها بالدموع على فراق القرية وكنيستها . قَبَلَ يديها برقة وهمس بأذنها أحبك هزت رأسها موافقة مسح دموعها التي سالت على خدودها الخجلة كانت تلك الليلة التي اتخذ قرار الهجرة إلى مدينة السليمانية بموافقة زوجته .
نشط الياس بشراء الاقمشة من جميع حائِكاتٌ و حوائِكُ  القرية وهذه الاقمشة تحاك من الصوف او القطن بواسطة النول الخشبي (الجومة  ) والتي تدخل في اللباس الكردي التقليدي الرجالي والألبسة الفلكلورية الكلدانية . وبدأ يلملم حاجات منزله الثمينة من سجاد تبريزي وكاشاني وبسط مريواني وأواني نحاسية عثمانية ويشدها ويحزمها بغية نقلها بسهولة على ظهور البغال .
بعد عدة  ايام ودعت مريم الجميلة جيرانها وصديقاتها وزارت كنيستها وطلبت من العذراء ام الكل ان يوفق زوجها وحبيبها بعمله في السليمانية ، كما ودع الياس اصدقائه في القرية منهم كاهن الكنيسة والمختار وحلاقه الخاص وحارسه الذي كان يأخذه معه اثناء نقل بضائعه التجارية ، وصاحب المقهى الصغير في القرية الذي كان يرتاده ليلا ويسمع قصص الحكاياتي المسلية . بالإضافة إلى جيرانه وعدد من اصدقائه المقربين له . وسـتأجر عدد من البغال مع دليلها وحارس للقافلة التي ستنقله مع حاجاته إلى مدينته الجديدة  .
وجاء اليوم المقرر للرحيل ومع بزوغ الفجر حمل الياس حاجات منزله على ظهور البغال وركبت مريم على فرس ابيض جميل وامتطى الياس صهوة جواده البني ، و تعلقت ابصار المودعين من ابناء القرية على دليل القافلة الذي أحكم قبضته على بندقيته وهتف من فوق حصانه بما يشبه الصراخ ليصل صوته إلى كل من في القافلة تحركت القافلة وعلى جانبي الطريق الذي تمر منه وقف الاصدقاء يلوحون بأيدهم مع السلامة . والدموع ملأت اعينهم على هجرة صديقهم وابن قريتهم الشهم والشجاع والكريم والسخي الياس . رافقه اصدقائه  المقربون إلى خارج حدود القرية مودعين صديقهم ورفيق طفولتهم داعين له الوصول بالسلامة بحماية العذراء واستمر السير مع قافلته باتجاه السليمانية .
تستغرق المسافة بين ارموطة والسليمانية يومان تقريبا والبغل وحده يبقى سيد هذا الطريق ، فهو الوسيلة الوحيدة القادرة على اجتياز المسالك الجبلية الوعرة والضيقة ، في المساء توقفت القافلة للاستراحة وإطعام البغال والحصن المرافقة ، نصب الياس خيمة صغيرة جلست تحتها مريم زوجته الهادئة تحضر الشاي على نار الحطب وتسخن الطعام الذي كان معهم لتناول العشاء .
بصوت خافت كلمته مريم .. الياس اشعر بألم في ظهري .
رد بهدوء لا تقلقين يا مريم ان هذا الالم من ركوب الحصان مسافة طويلة .
تناولت طعام العشاء واستلقت على فرشة بسيطة ونامت مريم وكان الياس يراقبها يحمل بندقيته يحرس القافلة يساعده الدليل في الحراسة من قطاع الطرق بالإضافة إلى  الذئاب المنتشرة في المنطقة .
السليمانية تجارة وتآخي
انطلقت القافلة من الصباح الباكر متجهة نحو السليمانية , وفي مساء اليوم وعند مدخل المدينة كان بانتظار القافلة المختار وبعض التجار من اللذين يتعامل معهم بالبيع والشراء وصديقه البزاز الذي كان يشتري منه الاقمشة التي يجلبها الياس من سنندج ومن ارموطة مع صاحب الخان وعدد من التجار اللذين أصدقائه في التجارة .استقبل من قبل اصدقائه بالترحيب وتوجهوا معا إلى وسط المدينة لمحلة كويژة ، وافرغ الحاملون حمولة البغال في الخان ونقلت حاجاته إلى منزله الجديد  . ولا ننسى أن الكردي مكرم للضيف ، فيما تتميز المرأة الكردية بمراعاة العادات والتقاليد والوفاء تجاه جارتها الجديدة قدمت الجارات يد العون لجارتهم الجديدة في تنظيف البيت الجديد وترتيب الأغراض التي يدخلونها الشباب إلى باحة البيت ، واعتاد الرجال من الجيران استقبال  صاحب الدار الجديد ويبادرونه بالترحيب والاستئناس به. ويأمرون أهل بيتهم فيعدون طعام غداء او العشاء للأسرة الجديدة ويرسلونها إلى العائلة الوافدة . على مدى اسبوعان والجيران يقدمون الغداء والعشاء لجارهم الجديد الياس ، فيتباهى كل جار بما يقدمه من اكلات تراثية كردية على سبيل المثال الكفتة الكردية واليبراخ أي ورق العنب المحشي والكشك . والجدير بالإشارة انه كان هناك بعض العوائل المسيحية تقطن السليمانية قبل مجيء الياس على سبيل المثال عائلة الصراف والتي كانت سعيدة بوصول الياس إلى المدينة.
ظلت مريم تشكو من الآم ظهرها وأبلغت جارتها زوجة المختار التي بدورها جلبت لها امرأة مختصة بعلاج النساء فعالجتها بالحجامة وبعض العقاقير العشبية وخلال أسبوعان تحسنت صحتها.
جدير بالذكر أن الديانات السماوية الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية منتشرة بين أبناء المدينة وكل طرف يمارس طقوسه الدينية بحريته ، عاشت العوائل المسيحية والتي تعد على عدد الاصابع بين اخوانهم من المسلمين واليهود بمحبة وألفة وكان الجميع يشاركون بعضهم بعض بكل مناسبة .
اصبح  الياس ذو سمعة جيدة فكان يشارك رجل الدين الملا الذي له الدور الكبير في حل كثير من المشاكل  فيصلح بين التجار اذا وقع أي خلافات بينهم وكذلك الحال مع العوائل إذا وقع خلاف بين الازواج .
استقر الياس في الخان وبدأ تزدهر تجارته ويستورد الاقمشة ويصدر القطن والحبوب وفي احد سفارته التجارية إلى سنندج تعرف على الشماس يلدا الذي كان تاجرا في المدينة وبدأت بينهم علاقة  وثيقة حميمة تجارية .
بعد عدة سنوات ولدت مريم ابنتها البكر وأسمتها بربارة ، كان يوم سعيد لالياس ان تلد مريم ويزروهم الشماس يلدا الذي تفاجئ بعدم وجود كنيسة في المدينة ، كانت تقام الصلوات في دار قديم جعلوه كنيسة و مركزا لعبادتهم ، ويرجع تاريخ وجود المسيحيين فى السليمانية إلى منتصف القرن الثامن عشر وسكنوا في محلة  كانت تسمى ( كاوران ) التي هي جزء من محلة كويژة  القديمة .
 شد الهمة الشماس يلدا  وكان على رأس الخيرين فبنوا أول كنيسة رسمية فى تلك المنطقة سنة 1862 ميلادية باسم ) كنيسة الكلدان ) حيث كانت السليمانية تابعة لأبرشية  "سنا"  (سنندج) انذاك و واجتمعت العوائل المسيحية حول الكنيسة .
قَدمَ الياس مساعدات كثيرة للعوائل الكردية والكلدانية وعلى سبيل المثال الحكايات كثيرة اسرد لكم هذه الحكاية كان في سوق التجار تاجر يهودي يبيع الصابون بسعر اقل من جاره التاجر المسلم وكان هذا اليهودي يستفز جاره وفي احد الايام تهجم التاجر المسلم على اليهودي وكسر بضاعته ومحله وعلى اثرها سيق إلى القشلة من قبل الدرك العثماني آنذاك . ورفض اليهودي التنازل عن الدعوة رغم تدخل المختار وشخصيات المدينة وطلب اليهودي التعويض بمبلغ كبير مقابل الاضرار التي لحقت به . ولم يستطيع التاجر المسلم ولا من التجار  الصغار في السوق دفع التعويض في تلك الفترة كانت الياس مسافرا إلى سنندج .
 أودعت قائد الدرك التاجر المسلم السجن بانتظار محاكمته أو دفع تعويض لليهودي. مرت عدة أيام و مريم زوجة الياس تعرف ما جرى للتاجر تترقب عودة الياس من السفر ، بعد عدة ايام وصل الياس إلى السليمانية مساءا قبل أن يستريح في بيته أبلغته مريم ما جرى للتاجر المسلم  ، خرج على الفور متجها إلى منزل التاجر اليهودي ودفع له مبلغ التعويض واصطحبه إلى قائد الدرك وتنازل اليهودي عن الدعوى ضد التاج المسلم وأطلق سراحه.
مرت الايام والسنين ورزق الياس اربعة ابناء وبنتان حسب تسلسل ولادتهم ( بربارة ، عبد الكريم ، رزوقي ، خانم ، عبد الرحيم ، فرنسيس ).
لقب الياس بلقب ( علكة ) جاء من تصغير أسم الياس حين النطق بالكردية .. وكما يقال انه جاء اللقب علكة من نطق الناس عندما يحتاجونه للمساعدة فيقال على الله وعلى الياس وتصغير على الياس أصبح علكة وهكذا أصبح علكة لقب الياس ويحمله  الياس فقط, وانتقل اللقب إلى أولاده المذكورين أعلاه .
 وجدير بالذكر ان كثيرين ينتحلون زورا لقب علكة ولا لهم نصيب بهذا اللقب لان اللقب حمله الياس فقط.
ترعرع اولاد الياس في عائلة غنية تقية مؤمنة وتعلّموا احسن تعليم وتمرس الشباب في التجارة وبالأخص عبد الكريم الذي كان يرافق والده في سفراته إلى سنندج أو خارج السليمانية .
"الياس علكة " تاجرا محترفا أمينا صادقا محبا للخير أوكل إلى ابنه عبد الكريم إكمال مسيرته فكان الابن خير خلف لخير سلف ، مثال الشهامة والكرم والصدق والأمانة عمل عبد الكريم تاجرا بين مدينة السليمانية والمدن المجاورة وتاجرا مع الدول المجاورة للعراق في ظل النفوذ العثماني والاحتلال البريطاني .
 مرت الاعوام وبدأ عبد الكريم يسافر وحيدا إلى سنندج الايرانية (سنا) وفي احدى سفارته تعرف على شابة جميلة كانت من جميلات سنندج غزته بخفة دمها ومفاتنها وكان الحب والعشق سمة الدخول إلى قلبه ،ابرق برقية لوالده انه قرر الزواج من فريدة بنت الشماس يلدا ، حيث ادخلت إلى المنطقة خدمة التلغراف والتي كانت خاضعة لنفوذ الدولة العثمانية .

بعد إجراءات الخطبة ومع اقتراب موعد العرس وصلت فريدة بصحبة اهلها وأقاربها وصديقاتها الى السليمانية ونزلت عائلة الشماس يلدا ضيفا على مختار مدينة السليمانية ، واستقبلهم اهالي المدينة بفرح وسرور .
في الليلة قبل ليلة الزفاف (الحنة) قامت الفتيات القريبات من عائلة  الياس علكة وبعض المدعوات بالتوجه الى بيت المختار حيث تقيم فريدة هناك سيرا على الأقدام وهن يرددن الأغاني الشعبية الكلدانية والكردية ومنها أغاني خاصة (بالحنة) وهن يحملن صينية من الفضة فيها عجينة الحنة وبعد نصف ساعة من وجودهن في بيت المختار قامت إحداهن بوضع قليل من الحنة على إصبع فريدة ثم ربطته بقطعة من القماش ورجعن الى بيت كريم ليتابعن الاحتفال بليلة الحنة لغاية منتصف الليل. قدم كريم لعروسه اجمل واثمن الحلي والمجوهرات العثمانية التي جلبها من اسطنبول ومنها قبعة للرأس مرصعة بالليرات الرشادية ، والتي يرغب المجتمع بها على سبيل المثال لا الحصر (الحزام ، الكردانة ، الدرع، والخلخال ، الأقراط وغيرها) من اجل ارتدائها على ملابسها التقليدية الجميلة .
في اليوم الثاني من الصباح الباكر  بدأ القصاب بنحر الاغنام للاستعداد بتحضير الغداء للمدعوين وبعد تناول الطعام جاء حلاقه الخاص ليقص شعر كريم بوجود أصدقائه الذين كانوا يغنون له الأغاني الخاصة بحلاقة العريس ثم توجهوا الى حمام سورة " . وكالعادة  كان اصدقائه يغنون له الأغاني الخاصة بالحمام ويعودون معا مساء الى منزله ليستعدوا للعرس .
 في ليلة العرس وعلى أنغام الطبل والمزمار تجمهر النساء والرجال امام منزل المختار لاصطحاب فريدة التي تركب فرس والصبايا تؤدي الرقصات امامها واحدهن تحمل مرآة متوجهون نحو كنيسة الكلدان في السليمانية (تسمى الان كنيسة مريم العذراء)  حيث تتم مراسيم الزفاف حسب الطقس الكلداني واعتقد  والعهدة على الراوي تمت مراسيم اكليل زواجه على يد الاب بطرس اوراها الراهب حيث خدم في كنيسة الكلدان ما بين 1899-1902 دفن فيها سنة  1902 م  .أو القس بطرس بولص الذي كان شماسا ماهرا تقيا و متقنا للطقس كلداني و رسم قسيسا خدم الكهنوت ما يقارب سنتين ما بين 1902-1903 م . بعد مراسيم الزواج في الكنيسة انتقلوا الى بيت كريم وأثناء دخولها البيت قام اخيه عبد الرحيم  بكسر جرة مليئة  بالنقود عند قدمي فريدة  واستمر الاحتفال والغناء والرقص حتى منتصف الليل .
توفى الياس وأقيمت  مراسيم العزاء واحتشد آلاف من ابناء السليمانية لتوديع علكة وحضر الشيخ محمود الحفيد لتقديم العزاء لعبد الكريم وعائلة الياس وكانت هذه المرة الأولى يلتقي عبد الكريم علكة مع الشيخ  محمود .

عبد الكريم علكة الابن .
كريم علكة هكذا يسمى في السليمانية كسب خلال فترة قصيرة ثقة دواوين آل بابان والشيوخ البرزنجية  وكبار التجار وتجار السوق . وأصبح من أغنى ألأغنياء . كان متحدثاً جيداً يجيد العربية بطلاقة إضافة الى الكلدانية والكردية والفارسية والتركية والانكليزية ، ذكياً وتقي يخاف الله وأخلاقه عالية جداً له أسلوب في أقناع الطرف الاخر والخصم . بالمقابل كانت نظرة المجتمع اليه نظرة حب وتقدير وإعجاب وأصبح من أشهر الوجوه ألاجتماعية في المدينة .
ارسل كريم علكة اخيه رزوقي الى قضاء التون كوبري حيث بدأ يشتري الصوف بعد جزه من الخراف من قبل الرعاة بالمنطقة وتقوم النساء الكرديات بغسل الصوف على ضفاف نهر الزاب وتجفيفه ثم يرسل الى بغداد بواسطة الكلك  . يستلم الصوف اخيه فرنسيس الذي فتح خان تجاريا في بغداد في الوقت نفسه كان يستورد شكر القند والشخاط ويرسله إلى السليمانية وكريم أول من ادخل  شكر القند السليمانية عبر قوافل تمر عن طريق كفري وقرداغ ثم الى بقية المناطق المجاورة وبقى عبد الرحيم في السليمانية يساعد اخيه كريم بإدارة اعماله التجارية .
رزق عبد الكريم من فريدة شماس يلدا خمسة اطفال هم (شاكر ، ملك ، بهية ، زكية ، نصوري  ) ، تزوجت اخته خانم من فتوحي عبد الاحد وأنجبت ( مينا ، صوفيا ،نازلي ، جيران ، نوري ، قسطنطين) ، وتزوجت بربارة علكة الأخت الكبرى من شماس عيسى صراف وأنجبت منه ( اسحق  ، الله ويردي) . كما رزق عبد الرحيم علكة من زوجته الأولى أنجيلا بنتان هما (ايفيت وبرناديت ) ثم تزوج من ريجينا تيسي بعد ممات زوجته الاولى وأنجبت له ريجينا (مادلين ، ماري ، سيسيل ، فكتور ، لطيف ،  ميخائيل ، عزيز ) . وتزوج فرنسيس من نجمة هندي وأنجبت له (شوكت ، بشير ، نجيبة). وتزوج رزوقي أو (رزق الله) من جورجيت جيرجي وأنجبت له (مجيد ، جميلة ، نعومي ). هذه عائلة الجد الياس علكة .
الحرب العالمية الاولى
بدأت الحرب العالمية الاولى وأعلن النفير العام في الدولة الثمانية وبدأ سوق الشباب إلى الحرب وقيام الجيش العثماني بمصادرة المؤمن والحيوانات وإرسالها إلى جنوده وفي تلك الاعوام توقفت الامطار وعم الجفاف الأراضي الزراعية وانتشر القحط حدث هذا  في سنوات ( القحط ) و 1916 و1917 حيث الحروب والجفاف في آن واحد .. أنتشر الجوع والبطالة بشكل مخيف. مات الكثيرون من الجوع .. أصبح من المناظر الطبيعية أن ترى الجثث في الشوارع والأزقة وداخل البيوت. وتبقى الجثث في تلك الاماكن لا تجد من يتبرع بدفنهم .
تتحول لب الأشجار و الأعشاب البرية إلى طعام للفقراء.نفقت معظم الحيوانات ليبدأ الفقراء بمطاردة الكلاب والقطط لتصل حد أكل القنافذ والأفاعي. وتحولت الحيوانات التي كانت تقتات اللحوم إلى حيوانات نباتيه، كانت مأساة بمعنى الكلمة. في الوقت الذي أستغل العشرات من التجار ( الجشعون ) تلك الحالة برفع أسعار الطحين والحبوب ، وأمسوا يبيعون حقة الطحين التي تساوي 1250 غرام بثلاثة ليرات رشادية  ، وبذلك كونوا ثروات طائلة ولكنهم فقدوا سمعتهم وذويهم في نفس الوقت .

في هذه الظروف الصعبة يبرز ذلك الكلداني كريم علكة ، فقام بشراء كميات كبيرة من تلك المواد الغذائية من الاسواق المحلية وخزنها في مخازنه ووضع عليها حراسة مشددة كما واشترى كميات كبيرة من الحبوب والرز من المدن المجاورة وبأسعار مرتفعة وزع الطحين للفقراء والمحتاجين والأرامل مجاناً وخفض اسعار البيع لحد النصف للميسورين الذين كانوا يستطيعون شراء المواد الغذائية. انشأ مطحنة للحبوب والتي كانت تعمل ليل نهار لطحن القمح والشعير وتوزيعه على الفقراء كما فتح  مخبز لتزويد اهالي السليمانية بالخبز مجاناً وجدير بالذكر انه في كل مساء كان يأمر بطبخ كميات كبيرة من الطعام لتوزيعها على مئات الفقراء والمحتاجين ، وكان بإمكان الفقير أن يأكل عند مواقد الطبخ أو يأخذ حصة لأهله أيضاً .. بذلك انقذ  آلاف من اهالي المدية والقصاب المجاورة من الموت المحقق ولن يفرق بين أي طائفة دينية فالكل كان متساوين عنده .  لقد كان له الفضل الأول والأخير في إنقاذ الجياع ، في حين كان تجار السوق مستغربين متعجبين مندهشين من تصرفه وكرمه ولا يجدوا غير جواب واحد انه كريم علكة الشهم والكريم والوفي لأبناء بلدته .
كان لكريم علكة كهريز (الجمع الكهاريز   ) وهي قناة جوفية (تحت الأرض) بعمق قليل عادة ذات ميلان لنقل الماء من الخزان المائي العالي إلى المناطق المسطحة لغرض الرى والسقى والزراعة وكان يستغله فلاحيه لسقي أراضيه الزراعية سمع ان المياه المستعملة في الجوامع والمساجد القريبة من اراضيه شحيحة لا تكفي لحاجة المصلين . تبرع بذلك الكهريز لخدمة الجوامع ، و أمر بشق السواقي وإيصال المياه الى (جامع شيخ أمين ، تكية روته ، حمزة أغا ، شيخ محمد برزنجي ). بالإضافة إلى الترميمات والتعمير مع اضافات الكثير من المرافق الى جوامع عديدة ،كما أمر بدفن كافة الموتى وعلى حسابه الخاص بالنسبة للفقراء والمحتاجين والذين لم يتمكنوا من دفع مصاريف الدفن .وقدم الكسوة الشتوية للعديد من الطلبة الفقراء .وللعلم في كل ليلة كان يتفقد احوال الفقراء بنفسه ومساعدة المرضى وشراء الادوية لهم .و يصرف مبلغ شهري لبعض الطلاب اللذين يدرسون في جامعات اسطنبول ( اتحفظ عن ذكر اسماء الطلاب لدواعي اجتماعية ). وتخرج منهم الطبيب والمحامي والشاعر .
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى انضم الشيخ البرزنجي إلى الطرف الذي كسب المعركة فأعلن تسليم لواء السليمانية إلى القوات البريطانية في تشرين الثاني عام 1918 ولم يكتف بذلك بل سلم لهم الفوج العثماني نفسه فوقع ضباطه وجنوده أسرى في يد القوات البريطانية ، وقد كافأه الإنجليز على ذلك بتعيينه حاكما (حكمدار) على لواء السليمانية لم يرض البرزنجي بما حصل عليه من بريطانيا واعتبره غير كاف مقابل ما قدمه من خدمات لها فقد كان يتطلع إلى حكم المزيد من المناطق والألوية الكردية ،  فقرر مواجهة بريطانيا بعد أن أعلن أنها تنصلت من وعودها له.
 بعد معركة مع قوات الشيخ والانكليز في منطقة دربندي بازيان على الطريق بين كركوك والسليمانية ألقي القبض على الشيخ  وحكم بالإعدام لكن الحكم تخفف وتم نفيه إلى الهند.   
عبد الكريم رجل مشهود له بالوطنية
قصفت مدينة السليمانية من قبل الطائرات ألبريطانية ، وهاجر عدد كبير من أهالي المدينة وتركوا بيوتهم بما فيها.. لكن كريم علكة أبى أن يترك المدينة بل ظل وعائلته في السليمانية وبقت معه العائلة الكردية الاجتماعية  المعروفة الحاج إبراهيم أغا . دخلت القوات البريطانية المدينة واحتلت لواء السليمانية وبدأ التفتيش عن المؤيدين وأنصار الشيخ محمود ، توجه قائد العسكر الى بيت كريم علكة واندهش واستغرب من وجوده مع عائلته .. سأله :
لماذا لم تتركوا المدينة ؟
رد عليه علكة بابتسامة ساخرة
أنا ابن هذه المدينة ومن العيب أن أتركها أيام الشدة وأبقى ايام الفرح .
تعجب القائد من ووطنية كريم قدم له الشكر والاحترام. وجدير بالذكر عندما دخلت القوات البريطانية المدينة قامت بسلب ونهب أكثرية المنازل .. و منهم منزل الشيخ  محمود الحفيد علم كريم علكة بالسرقة التي حصلت فقام بشراء كل الحاجيات من الجنود البريطانيين واحتفظ بها  ثم أعادها الى أصحابها من دون مقابل بعد عودتهم إلى المدينة .
اصبحت ايران خلال الحرب العالمية الاولى مسرحا للمعارك مع انها كانت محايدة. وكان اهتمام روسيا القيصرية هو الدفاع على مواردها النفطية في باكو و بحر قزوين. لذا كان الروس يخوضون حرب ضارية مع الاتراك في شمال غرب ايران.
وصل قنصل روسيا إلى السليمانية و زار الكنيسة الوحيدة  ولعدم معرفتي التاريخ الصحيح لزيارة القنصل ربما التقى مع الاب متى الراهب من دير السيدة الذي خدم في السليمانية منذ سنة 1915-1920 م .أو الأب  الياس شير الراهب من دير السيدة الذي خدم ما بين سنة 1920-1927 م في السليمانية و هو من أهالي  شقلاوة .
طلب قنصل روسيا القيصرية من الأب أن يلتقي بأكبر شخصية في المدينة .
فقال له الأب : لا يوجد غير كريم علكة .
أرسل القنصل الروسي خادمه مع شخصية مسيحية من اهالي السليمانية ويطلب من كريم المجيء الى الكنيسة ويلتقي بالقنصل .. لكن كريم رفض الذهاب واللقاء به .
علم القنصل برفض كريم زيارة
قال القنصل سأزوره أنا. وأرسل مبعوث اخر إلى كريم ليأخذ منه موعد للقائه
رد كريم بهدوء وابتسامة لا أريد زيارته ، لماذا يريد مقابلتي ، أنا شخص وطني ولي حكومتي ولنا متصرف لواء ، الرجل المتصرف هو الذي يمثل الحكومة و ليس عندي شيئاً أبحثه مع قنصل روسيا  القيصرية ولا مع أي قنصل اخر ، علم المتصرف بعدم لقائه مع القنصل قدموا له  الشكر والاحترام على شجاعته ووطنيته .
أدت الثورات الكردية والاضطرابات الدموية الى اقلاق الانجليز ، فاضطرت الى اعادة الشيخ محمود من منفاه الى السليمانية ، وتنصيبه ملكا على كردستان وتشكيل اول كيان حكومي عين  عبد الكريم وزيراً للمالية في حكومة الشيخ / الملك محمود التي تشكلت في السليمانية بتأريخ 10 / 10 / 1922.
وبدأ الشيخ البرزنجي ينظم قواته ويوسع نفوذه في لواء السليمانية ويتجه صوب كركوك مهددا بضمها إلى حكومته وأمرت بريطانيا في حالة عدم خروج الشيخ  محمود من السليمانية ستقوم بقصف المدينة بواسطة الطائرات لذلك قرر الاهالي من تشكيل وفد لمنع هذه العملية . وكان من الشخصيات التالية (كريم علكة . أحمد بك فتاح بك . حاجي مصطفى باشا . شيخ قادر الحفيد . شيخ عبد الكريم قادر كرم ) توجهوا الى كركوك اولا ومن هناك أبرقوا الى المندوب السامي البريطاني لغرض مقابلته .... التقوا بالمندوب السامي في بغداد وشرحوا مخاطر تلك العملية واستنكار الاهالي لها والنتائج الكارثية ،كان المتكلم باسم الجماعة في بغداد كريم علكة كونه كان يجيد العربية بطلاقة ،بعدها التقى كريم علكة بالملك فيصل الأول وتباحثا كثيراً حول مواضيع عديدة ومنها استنكاره لضم بعض المدن والقصبات الى لواء كركوك بعد أن كانت تابعة الى لواء السليمانية , لكن الشيخ محمود لم يستكن للأمر ، وأخذ يستجمع قواه وينظمها ، واستطاع مهاجمة الجيش المتواجد في مدينة السليمانية وطرده منها في 11 تموز  1923، وبقي الشيخ محمود يحكم السليمانية مدة  تزيد على العام  ، قامت القوات البريطانية بمهاجمة السليمانية  مما أضطر الشيخ  إلى ترك السليمانية  والتجأ إلى قضاء شهربازار  التابع للواء السليمانية على اثرها في عام  1923  هاجر كريم علكة وأسرته الى كركوك .. وهناك أيضاً ساعد الناس بكثرة .. بعدها أستقر مع عائلته في بغداد .
 بتأريخ 25 / كانون الثاني / 1948 ينتقل الوطني الكبير كريم علكة إلى الاقدار السماوية ويدفن في المقبرة الكاثوليكية في بغداد .
أطلقت السلطات المحلية في السليمانية أسم الشارع الذي يمر من امام منزله باسم شارع كريم علكة .كما  سميت المدرسة الواقعة على الشارع باسم مدرسة كريم علكة .تقوم مديرية الاثار في السليمانية خاليا استملاك منزله وتحويله إلى متحف باسم متحف كريم علكة.
ولكل شخصية من عائلة الياس علكة حكاية سأنشرها تباعا .
المصادر :

1.   عبد الرحمن إدريس صالح البياتي ، الشيخ محمود الحفيد البرزنجي ، 2007
2.   رفيق حلمي ، يادداشت (باللغة الكردية ) ، 1957 
3.   دبليو آر.هى ، سنتان في كردستان ، 1973 ، ترجمة فؤاد جميل
4.   احمد خواجة ، جيم دي (باللغة الكردية ) ، 1970
5.   طه احمد صالح  ، فريشة كاني سه رز ه مين (ملائكة على الارض) ( باللغة الكردية) ، 1977 صادر عن دار الثقافة والنشر الكردية.
6.   مقال بعنوان (كريم علكة ) منشور في جريدة الاتحاد العدد 295  الصفحة الرابعة الصادرة بتاريخ 28/11/1998
7.   راجع مقال للكاتب جلال جرمكة بعنوان (كلداني من السليمانية).المنشور في الجريدة الكترونية نوروز - مركز الثقافة والإعلام بتاريخ 8/5/2007
8.   مقال للكاتب نزار ملاخا بعنوان (حاتم طي الكلدان عبد الكريم عَلَكَة) . المنشور على موقع عين كاوة بتاريخ 24-01-2008

133
المسرحية الكوميدية الساخرة بعنوان ( بناتي والجيران )

تأليف وإخراج : بدري نوئيل
انطلاقا من سعيها الحثيث للتواصل مع جميع شرائح المجتمع ، وإكمالا لرسالتها في إقامة نشاطات يكون ريعها لمساعدة الفقراء والمحتاجين وفي نفس الوقت تقديم رسالة هادفة للناس وخصوصا لمجتمعنا المقيم في مملكة السويد .
تقدم أخوة الأب رغيد ورفاقه الشهداء مسرحية كوميدية ساخرة بعنوان ( بناتي والجيران ) يقدم المسرحية من نخبة الشباب الكنسي الواعد والناشط والساعي لتقديم رسالة هادفة لأبناء الجالية في السويد  .
فكرة مسرحية بناتي والجيران
عندما تغلق جميع الطريق أمام الإنسان في هذه الحياة، يبدأ بالبحث عن طرق بديلة تكفل له العيش الكريم ولعائلته، ربما يصل به المطاف إلى أن يغادر وطنه ألأم ولا أعتقد أن أحدا يتخلى عن الوطن إلا إذا ما كان مجبرا على ذلك. نترك الديار ونرحل كالطيور المهاجرة ونكابد من أجل تحقيق بعض الغايات ولكن تسرقنا الغربة وتستنفذ عمرنا سنة بعد سنة دون أن نشعر ونتجرع مرارة الغربة . وهنا نتساءل من سيدفع ثمن هذه الغربة ؟ حيث إيجابيات وسلبيات هذه الغربة.
نخبة من الشبيبة الكنسية في مدينة سودرتاليا يقدمون على مسرح المدينة مسرحية كوميدية اجتماعية ساخرة من مشهدان تحكي قصة عائلتان مهاجرتان الأولى تتكون من أب وأم وثلاث بنات . اندمجت البنات مع المجتمع الغربي وتعلمن اللغة والعادات الغربية وبقى الأب مع زوجته يراوحان محلهما نسى الأب مراقبتهم وتربيتهم لأنه انشغل مع زوجته بأمور تافهة ثانوية و لا يدري انه بصفة أو بأخرى ساعد مساعدة و لو صغيرة في هدم ما تبقى من ثقافة و تراث أو حتى نسى الدين الذي اعتبره شيء ثانوي لا قيمة له وجلب الويل لبناته وهكذا و على طبق من ذهب قدم لهن أكثر مما تمنوا، وبهذه البساطة رفس بأرجله ثقافة أجداده و جعلها وراء ظهره . ولحقت البنات ركب التطور السريع الغير مبرمج، وانزلقت ثقافة العائلة في متاهات الحياة .
والعائلة الثانية تتكون من أب وأم وثلاث شبان متمردون على واقعهم أسسوا لأنفسهم صورة غير الصورة التي يعرفون بها فقد ارتضوا لأنفسهم أقنعة مختلفة زائفة يعيشون بداخلها و هؤلاء مصابون بنوع من الانفصام ربما سيصعب عليهم التخلص منه، همهم أرضاء غرائزهم الذاتية و قد وجدوا في الغربة أكثر مما يتمنون صار الشاب يلهون ويتسلون ويتصورون يستطيعون شراء الفتاة كشراء القميص وتغيرها كما يشاءون ، ابتعد الوالد عن تربيتهم ونصيحتهم لانشغاله بأمور تافهة بعيدا عن المنزل . وانحصرت علاقتهم مع والدتهم التي سيرتهم في طريق مليء بالمفارقات،فقد اتخذت العائلة نمط لحياتها الممتلئة بالفتن والمشاغبات  واللعب على القوانين . همهم جمع المال بأي طريقة كانت حتى ولو كان مخالف للقوانين وأم الشباب تتحدث عن كل شيء و في كل شيء وتعتقد أنها مهمة يمكن ملاحظة رغبتها في التعالي إلا أنها أضعف مما تتوقع تقع في الأخطاء العديدة واسعة الخيال ثرثارة.
منحتهم والدتهم ثقة بعيدة عن الأعراف والتقاليد والعادات التي ورثناها من الأجداد أو التي اكتسبوها من المجتمع الغربي بحجة أنهم يمارسون حريتهم وديمقراطيتهم بالتعامل مع الآخرين حتى ابتعدوا عن الحب والعاطفة فهم مثال المجتمع الذي بدأ السوس ينخر فيه.
تعرض يوم السبت المصادف 13-4-2013 على قاعة مسرح
Estard Teater Stadhuset Södertälje
العنوان : Campusgatan 26
وقت العرض : الساعة الثالثة عصرا
سعر البطاقة : 100 كرون للشخص الواحد
للحجز والمعلومات يرجى الاتصال بالأرقام التالية :
رامز : 0737102855
بهجت : 0737677208
ماسير بسمة : 0735703058
زيد شفو : 0736699588
عبير نهاب : 0705866178
( ممنوع دخول الأطفال تحت سن العاشرة )
( ريع هذه المسرحية سيذهب لمساعدة أخوتنا الفقراء والمحتاجين )
ادعموا هذا العمل بحضوركم ومشاركتكم
 



صفحات: [1]