عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - المونسنيور نوئيل فرمان السناطي.

صفحات: [1]
1
من قيثارة (أور) مروراً بأوغاريت إلى عصرنا
 بثلاث لغات مقابلة مع الموسيقية السورية سلمى ن. قصاب حسن

أجراها ا. نويل فرمان السناطي
كالكري – كندا

 

توطئة
تم اجراء هذه المقابلة بالعربية، مع الموسيقية السورية سلمى ن. قصاب حسن نشرت في الموقع البطريركي الكلداني، وهذا نصها مع النص الفرنسي والذي ترجمه الى الانكليزية الباحث الامريكي، توماس ل. ويبر، مؤلف كتاب بالانكليزية (آخر امريكي في دمشق)، وأنشرها بثلاث لغات لتعميم الفائدة عن اكتشاف أصل السلم الموسيقي السباعي. . هذا السلم السباعي هو  وليد حضارات منطقة شرقي المتوسط و يعود اختراعه  إلى حوالي ١٢٠٠ عام قبل عالم الرياضيات اليوناني فيثاغورث الذي ينسب له. مع اعتراف العلماء بفضل فيثاغورث الذي عاش في منطقتنا حوالي ثلاثين عاماً بنقل السلم الموسيقي السباعي لليونان وبالتالي للعالم وإجراء أول دراسة أكوستيكية عليه.

التقديم
كانت مفارقة متفردة؛ إذ حصلت في مناسبة عابرة وقلما تتكرر، وهي في توديع شخصية صديقة مشتركة؛ ومنذئذ صارت تعزف لقداديس دورية في رعيتي بكنيسة سانت فاميي -العائلة المقدسة- للكنديين الفرنسيين.   هكذا تعرّفت على سيدة، تبيّن مع التواصل، أنها بهذا العمق المعرفي التاريخي الموسيقى. وهكذا رأيت أن أجري معها هذه المقابلة، وفي النهاية أدرج بعض الروابط عن عدد من أعمالها: موسيقا وكلمات وتوزيع أغنية الحب المعتق عن دمشق عاصمة الثقافة العربية، تأليف وتلحين أغنية (أنت إنسان وأنا إنسان) بأداء مجموعة مكفوفين تأليف “حكايا الموسيقا ” سلسلة تعليمة للأطفال، وغير ذلك.


نص المقابلة:
قبل أن أتناول معها البحث الذي قدمته عن الأصول الموسيقية لبلاد ما بين النهرين، أبدأ بأن أطلب من الباحثة الموسيقية سلمى، أن تقدم نفسها :

سلمى: أنا من مواليد دمشق 1947. سافرت في بعثة إلى براغ (التشيك) لمتابعة دراسة الموسيقا والحصول على شهادة عُليا في العزف على البيانو وتدريسه. عملت منذ عام 1976 وحتى عام 2018 في تدريس عزف البيانو  في المعهد العالي للموسيقا بدمشق، وفي تقديم حفلات ومحاضرات في التذوق الموسيقي، وأسست أوركسترا موسيقا الحجرة وكورال مدرسة البشائر الوطنية. كما ألفت منهاجاً لتدريس الموسيقا وأغنيات ومسرحيات للأطفال واليافعين.  عام 1993 أسست مجلة الحياة الموسيقية التابعة لوزارة الثقافة وترأست تحريرها  لمدة ٩ سنوات .
في بحث سلمى قصاب حسن: السلّم الموسيقي السباعي الدياتوني
من “إشارة” إلى “عجم” إلى “إيوني” إلى “ماجور”
سؤال- ونستأنف بهذا السؤال، إليك أطال الرب في عمرك: ماذا كان الهدف من هذا البحث الموسيقي التاريخي المتفرد [السلّم الموسيقي‪ السباعي الدياتوني من “إشارة” إلى “عجم” إلى “إيوني” إلى “ماجور”] ؟‬‬‬
جواب:  أعتقد أنني من الموسيقيين القلائل في جيلي، ممن لا زالوا يمارسون العمل الموسيقي، وعاصروا في سبعينات القرن العشرين في منطقة شرقي المتوسط اكتشافاتٍ أثرية موسيقية هامة مضى أكثر من أربعين عاماً على توثيق نتائجها. ومع أنَّ إعلان هذه النتائج ترافق مع  فورة إعلامية من ندوات وتجارب غناء استمرت لعدة شهور لأنشودة ما أطلق عليه  “العبادة الأوغاريتية” لكني لم ألحظ فيما بعد انتشاراً  يليق بأهميتها خارج دور البحوث الأثرية وبعض دور البحوث الموسيقية. لذلك قمت بطرح نتائجها في هذا البحث  ليطّلع عليها الجيل الجديد من الموسيقيين ويتابعوا نشرها. وللمهتمين والمختصين فإن البحث كاملا موجود في رابط اللينك الاول المرفق.
وبحثي عملياً يعيد تسليط الإضاءة على نتائج دراسات قام بها مجموعة من علماء الآثار والتاريخ والموسيقا على مجموعة رُقم وآلات موسيقية يعود أقدمها الى (القرن 26 ق.م) عثر عليها في شرقي المتوسط، عرّفتنا هذه الدراسات على” أول سلّمٍ موسيقي  سباعي دياتوني .The First Hepthatonic Diatonic Music Scale مكتشف حتى اليوم، وعلى أول دراسة رياضية في تقسيم أبعاده، وأول آلة موسيقية تعزفه “الهارب – قيثارة Lyre – Kithara” ، وأول طريقة “تدوين Notation” موسيقي لأول “أنشودة عبادة ”مدونة في التاريخ ومرتكزة عليه.
هذه الدراسات تُثبت أسبقية السلّم السباعي الدياتوني المكتشف بشرقي المتوسط بأكثر من ألف عام على نظيره الفيثاغورثي اليوناني الذي يعتقد خطأً أنه أصل الموسيقا العالمية.كما تُحدد أنَّ  سلّمي “إشارة” و “ فيت”  السباعيين الدياتونيين المكتشفين بدوزانهما الطبيعيـن ـ وهما من ضمن مجموعة السلالم السبعة المكتشفة لكننا نركز عليهما بوصفهما أكثر استعمالاً اليوم في العالم-  يتطابقان مع “عجم” ‪و “ نهوند” السريانيين  ومع “إيوني ‪“ و أيولي” اليونانيين، وأخيراً مع “ماجور” و “مينور” العالميين، واستُكمل تعديل دوزانهما في القرن الثامن عشر فأخذا اسمي الماجور والمينور المعدّلي.‬‬‬‬‬‬
س – يلاحظ أن حضرتك تكتبين كلمة موسيقا بالآلف الممدودة بدلا من الألف المقصورة؟
ج – بناء على إرشادات وزيرة الثقافة السورية د. نجاح العطار حين تسلمتُ رئاسة تحرير مجلة الحياة الموسيقية، بأنه قد تم اعتمادها رسميا، بالألف الممدودة…
س- هلا زوّدتـِنا ببعض الشروح عن ماهية السلم الموسيقي عموماً ثم بالتحديد السلم المكتشف الذي تتحدثين عنه، بما في ذلك أن تعرّفي مفردة الـ “الدياتوني” التي وردت في عنوان بحثك.
– هذا فعلاً ضروري وسأعطي تعاريف موجزة عما سبق وما سيلحق الحديث عنه من سلالم موسيقية:
– السلم الموسيقي هو الفَلَك الذي تدور فيه مجموعة من النغمات للمؤلف حرية ترتيبها لتصبح لحناً. يوجد عدة أنواع من السلالم الموسيقية الأهم منها، بعد السلم السباعي المُكتشف، هو “السلم الخماسي  Pentatonic, المؤلف من خمس نغمات فقط وما زال مستعملا إلى اليوم في الشرق الأقصى وبعض دول الخليج وافريقيا وموسيقا الجاز.
– ‪“السلّم السباعي Hepthatonic المؤلف من سبع نغمات أسماؤها العالمية اليوم هي دو، ري، مي، فا، صول، لا، سي، مع تكرار النغمة الأولى بالأخير.‬‬‬
– ‪“السلّم السباعي الدياتوني ‪, ‪Diatonic وهو السلم السباعي الذي تنقسم أبعاده أو المسافات بين نغماته السبعة إلى أبعاد كاملة وإلى أنصاف أبعاد فقط بدون أرباع أبعاد أو ما شابه. وسنتحدث لاحقاً عن الأبعاد الموسيقية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
–  ‪“السلم الموسيقي السباعي الدياتوني المكتشف في منطقتنا هو سلم  ذو سبع نغمات تنقسم إلى خمس أبعاد كاملة + نصفي بعد.  يمكن بناء سلم جديد من أية نغمة من نغماته فنحصل على سبع سلالم مختلفة. والاختلاف بينها يكمن في  تغيير موقعي نصفي البعد.‬‬‬
– “Mode مود” في حالة السلم السباعي الدياتوني المكتشف، يعني مجموعة من سبع نغمات لها تسلسل خاص في أبعادها وأنصاف أبعادها، يمكن تكراره انطلاقاً من أية نغمة. تتم أحياناً ترجمة كلمة Mode إلى مقام لكنها في هذا البحث ترد بأحرفنا: مود. فنقول: هذه المقطوعة مؤلفة من سلم سباعي دياتوني من مود (مقام) دو مثلاً.
– تمَّ في أوروبا خلال مئات السنين غربلة السلالم الموسيقية السباعية الدياتونية الواصلة إليها من شرقي المتوسط وعددها سبعة والاحتفاظ فقط باثنين منها وهما:
أولاً:  إشارة أو إيشابو وقد أخذ مع الأيام اسم  العجم السرياني والإيوني اليوناني والماجور (الكبير) العالمي ويمكن تكراره من كل العلامات الموسيقية. وتقسم أبعاده كالتالي:
– سلّم ‪“ الماجور ‪“Majeur‪, Major بعد، بعد، نصف بعد، بعد، بعد، بعد نصف بعد.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ثانياً:   فيت وقد أخذ مع الأيام  اسم النهوند ثم الأيولي اليوناني والمينور (الصغير) العالمي ويمكن تكراره من كل العلامات الموسيقية. وتقسم أبعاده كالتالي:
-سلّم ‪“ المينور  ‪“Mineur‪, Minor  بعد، نصف بعد، بعد، بعد،  نصف بعد، بعد ونصف بعد، نصف بعد.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
– “النهوند” : من الضروري جداً ذكر أنه قد أخذ اسمه حتماً من مدينة نهوند؛ لأنه ربما كان الأكثر رواجاً فيها (وهذا يتطلب بحثاً خاصاً). لكن العالم فيتالي نجح بمطابقته مع  “فيت” المذكور بالرقيمات المكتشفة في شرقي المتوسط كما سنرى بعد قليل.
– السلم الإنهارموني Enharmonic هو السلم المبني على أبعاد كاملة وأنصاف أبعاد وما يسمى تسمية غير دقيقة أرباع أبعاد.
– ‪“السلّم الطبيعي “La gamme naturelle‪, The natural scale” هو السلّم الذي تتوافق أبعاده بتناغم مع موجات الطبيعة حولنا لكن نِسَبها غير قابلة للقسمة على 2 بدون كسور مما يخلق فروقاً دقيقة الصغر تتوضح بالسمع بعد عدة طبقات صوتية.‬‬‬‬‬‬
– ‪“السلّم المُعدّل  The tempered scale La gamme tempérée‪,  “ هو السلم الذي اعتمد مبدأ تعويد الأذن على دوزان مشدود قليلاً ليتطابق في كل طبقاته الصوتية‬‬
‬‬‬‬
القرار في السلم الموسيقي هو العلامة الأولى فيه وجوابها هو مكررها اي الثامنة. هذه المسافة الصوتية الؤلفة من ثمان علامات تدعى بالأوكتاف.

س- توضيح فعلاً ضروري. وبعودة إلى البحث، ترى ما هي المحاور الأساسية التي قسمت إليها البحث

ج. لقد قسمت البحث إلى جزئين:
الجزء الأول هو توصيف منطقة الإكتشافات وطرح موجز دراسات العلماء للرُقُم والآلات الموسيقية المكتشفة ونتائجها.
والجزء الثاني هو موجز مسار السلّم السباعي الدياتوني من شرقي المتوسط وانتشاره في العالم.
تقع المنطقة التي اخترتُ لها اسم شرقي المتوسط على ملتقى القارات الثلاث من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى إيران وتشمل سفوح جبال طوروس حتى الجزيرة العربية؛ مما جعلها ممراً للتجارة والاجتياح ومركزاً للاحتلال على مدى آلاف السنين. ولقد تزامنت في هذه المنطقة كما تتالت ثقافات وحضارات سكانها ومنها السومرية والأكدية والآشورية والبابلية والكلدانية والإيبلية والحثية والعبرية والحورية والفينيقية والأمورية والآرامية والسريانية والعربية والأزيدية والكردية والأرمنية والشركسية والتركمانية وغيرها. ولقد قُسّمت سياسياً على يد العثمانيين إلى ولايات، ثم قُسّمت على يد الفرنسيين والبريطانيين باتفاقية سايكس بيكو منذ عام 1920 (فقط) إلى سورية ولبنان وفلسطين والأردن والعراق.
وأنا ببساطة أترك للمؤرخين التحديد العلمي للتسمية لأن التسميات كثيرة وتتراوح بين الأساطير والحقائق التاريخية  مثل ما بين النهرين وسورية التاريخية والشرق القديم. هذا بالإضافة لما أطلقه الأوربيون من أسماء من منظور أوروبي: الشرق لأنه يقع إلى الشرق من أوروبا وهو ليفانت ‪“Levante‪” أي مكان شروق الشمس على أوروبا وهو “الشرق الأدنى أو الأوسط ،Near or Middle East‪, Proche ou Moyen Orient‪    لقربه منها. لكني أقترح أن يبقى في أذهاننا أن منطقة شرقي المتوسط  هي ذات نسيجٍ موسيقي شمل وما يزال كل هذه المنطقة منذ آلاف السنين لا يستطيع أي تقسيم سياسي عبر التاريخ تفكيك خيوطه.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
س- ترى ما هي التسمية التي أطلقها علماء الآثار واللغويات على هذه المنطقة؟
ج-  في النصوص الأصلية للمقالات يسمّي العلماء نفس الرقيم باسم المنطقة أو باسم الحضارة المسيطرة عليها حينها أو باسم مكان اكتشاف الرقيم (مثلاً السلّم السومري أو ‪ البابليأو الأكدي أو الآشوري) . نقلت هنا كل التسميات بأمانة.‬‬‬
 س- لننتقل  الآن لو سمحتِ إلى تصنيف وتوصيف أهم تلك المكتشفات.

ج- ابتدأت الاكتشافات الأثرية في المنطقة مع بداية القرن 20 وأولها كان لمجموعة من رُقُم وقطع فخارية لم تُفهم حينها. ثم اكتشف العالم البريطاني ل. ووللي L. Woolley عام 1929 قيثارة أور التي تعود إلى (القرن 26 ق.م). ولقد باءت بالفشل كل المحاولات التي جرت على القيثارة لتخيّل الموسيقا المعزوفة عليها، ثم توضّحت بالتدريج ملامح الموسيقا التي كانت تُعزف عليها عند اكتشاف عدة رُقُم، الأساسية الكاملة منها هي:
الرقيم الأول وفيه أسماء أوتار القيثارة التسعة مرقّمة (2600 ق.م)
والثاني هو رقيم  جدول أناشيد آشورية مبوبة حسب مقاماتها(1500 ق.م).
والثالث عليه معلومات حول دوزان القيثارة (1800 ق.م).
والرابع هو بحث في حسابات رياضية لطبيعة سلّمٍ موسيقي وأبعاده (1500 ق.م).
س- وماذا كانت مفاجأة الاكتشاف؟
ج – أجل فإن الخطوة الأخيرة التي فسَّرت كل ما سبق فأعاد جميع العلماء النظر في دراساتهم وانتهوا تماماً من توثيقها في الثمانينات من القرن العشرين كانت عبر اكتشاف الرقيم الخامس أوغاريت: أول أنشودة عبادة، مبني على السلم المكتشف وبأول تدوين موسيقي في العالم مكتشف حتى اليوم، ويعود إلى (1400 ق.م).
س- ماذا كان رأي العلماء في هذا الاكتشاف الباهر؟
ج –  لقد  قرأت مقالات عديدة عن الاكتشافات، من دون ذكر نتائجها لكن الأهم هو ما كتبه العلماء الذين ساهموا فعلياً فيها من علماء في الآثار واللغات والفيزياء والموسيقا. ومن أهم ما قرأت الملخّص الشامل بالإنكليزية لكل مراحل الدراسات التي قام بها كل العلماء المشاركين، كتبته العالمة البلجيكية مارسيل دوشيسن  Marcelle Duchesne ؛ وهي مختصة بعلوم الموسيقا وبعلم آثار منطقة ما بين النهرين في كتابها “تدوين موسيقي حوري من أوغاريت،  الجزء الثاني: اكتشاف موسيقا ما بين النهرين” 1984.
س- أبرز الآراء، وجدتها إذن لدى البلجيكية دوشيسن، ماذا تعرضين عنها؟
ج –  تذكر دوشيسن أنها قرأت الدراسة التي كتبتها العالمة آ. كيلمير A. Kilmer  عام 1960 على  رقيم  حسابات في الرياضيات لطبيعة سلّمٍ موسيقي وأبعاده، لفتت فيها كليمير أنظار العلماء إلى هذا الرقيم الذي اكتشف في نيبور وبقي ٧٥ عاماً بدون دراسة؛ فتابعت دوشيسن دراسته فلم يتطابق معها مع السلم الخماسي أو “الإنهارموني” بل تطابق فقط مع الدياتوني. دراسات العلماء بالتزامن وبالتوالي حدَّدت مكان نصفي البعد فيه ونجحت في مطابقة هذا السلم المكتشف مع أبعاد سلّم ماجور .
س- وماذا عن آراء الباحثين الآخرين؟
ج – بعدئذ شهد عام 1968 الاضافة الأكثر أهمية على معرفتنا عن النظرية الموسيقية البابلية وهي دراسة قام بها العالم غورني بمشاركة عالِم الموسيقا وولستان Wulstan على رقيم الحسابات الرياضية ورقيم  دوزان القيثارة واسمها “غيش زامي Giš Z.Á.MI” وهي قيثارة الإلهة “إنانا Enana” ( ولقد اتفق الجميع على تسميتها “الهارب – قيثارة Lyre – Kithara”). ولقد كتبَ كلٌ من العالمين بحثاً عن نتائجهما ومما جاء فيهما:
•   الأسماء السبعة في الرقيمين هي أسماء سبعة سلالم دياتونية مختلفة.
•   طريقة الانتقال من سلم إلى آخر تكون بتغيير ارتفاع الوتر التاسع.
•   أسلوب كتابة الرقيم يشير إلى أن هذا النص مكتوب من (1800 عام ق.م).
عرف البابليون – بحسب دوشيسن- منذ هذا الوقت المُبكّر، سبعة سلالم سباعية وكل سلّم منها مؤلف من خمسة أبعاد كاملة + نصفي بُعد.
كما استطاعوا تشكيل ” Mode”  أي تسلسل مُحدّد للنغمات بوصفها أساساً في اللحن. وبالتالي فإنَّ “تغيير المود” كان يتم عبر تغيير موقع نصفي البُعد في الأوكتاف.
وتتابع دوشيسن: وبالنتيجة فإنَّ العلاقة بين العلامات الأساسية تتغير تبعاً للمود المختار. ولقد كان في بابل كما عند اليونان سبعة سلالم ممكن إنطلاقاً من كل سلم فيها تشكيل  سبعة “مودات”. على أن السلّمين المهمين في بحثي هما: الإيوني وهو دو ماجور والأيولي وهو لا مينور.
عام 1970، بعد اطّلاع عالم الآشوريات الألماني ه. م. كومل  H.M. Kümmel على كل ما سبق وخاصة الرقيم  الذي يتناول دوزان القيثارة الذي ينقلنا من سلم إلى آخر، كتب “إنَّ هذه الطريقة التي كانت معروفة من أيّام كتابة الرقيم الموجود في متحف برلين تشير إلى قواعد للدوزان هي:
* أنَّ الدوزان كان يتم عبر رباعية هابطة وخماسية صاعدة.
* أنَّ “الهيبتاكورد Heptachord” هو حد فاصل لا يمكن تجاوزه في عملية التبديل. وبالتالي فإنَّ التبديل يُقطع في الوتر الرابع (وتر الإله إيا) ويفتح المجال لتتالي رباعيتين هابطتيين.
أنَّ الدوزان يبدأ دائماً من مجموعة أوتار يحمل المود اسمها، وصفتها الغالبة هي وجود نصف بُعد بين أعلى علامتين موسيقيتين.
* أنَّ الدوزان ينتهي عند التريتون “الثلاصوت Tritone”، وفي حال التغيير إلى سلّم آخر ينحرف التريتون كي يصل إلى “التوافق Consonance”.
أنَّ هذا الوصف الشامل لعملية الدوزان هو المعروف بالتاريخ  تحت اسم “دوزان فيثاغورث” (495- 570) Pythagoras.
* هناك نتيجة هامة نستخلصها من تعريف ما يسمى دوزان فيثاغورث هي أنَّ الأوكتاف، على عكس الشائع، غير مذكور في عملية التبديل لكنه مذكور فقط في مرحلة تغيير ارتفاع العلامة الأولى إلى الثامنة أو الثانية إلى التاسعة.
* أنَّ سلماً واحداٌ فقط هو المسيطر تماماً في عملية تبديل الدوزان وهو سلّم (دو) [أي دو ماجور] .
س- وهل وافق جميع العلماء على هذا؟
ج- نعم،  ثم في عام 1973 وبناءً على نتائج الرُقُم السابقة استطاع العلماء قراءة رقيم أوغاريت… وهنا يأتي دور راوول فيتالي.
 
س- ممكن تحدّثينا بشيء عن راوول فيتالي؟
ج- هو عالم فيزياء سوري. وهو أحد علماء الفيزياء الذين حللوا رقيم أوغاريت، لكنه لم يشارك في دراسات الرُقُم السابقة ونتائجها لأنَّه لم يسمع بالموضوع إلا حين صدرت نتائج دراسات الرقيم الخامس الخاص بأوغاريت في نهاية السبعينات؛ فكتب دراسة  في الرُقُم السابقة نشرت في عدة مجلات ودوريات10‪)). وفي مقالته بمجلة الحياة الموسيقية العدد 2 3‪))يشرح بعض التعاريف العلمية عن الأبعاد الصوتية وأنواعها في دراسة أكوستيكية – فيزياء الصوت- توضيحية.‬‬‬‬‬‬
س- هذه ربما مناسبة جيدة لتوضيح معنى البعد ونصف البعد اللذين وردا في سياق حديثك.
ج-  أجل يذكر فيتالي : البعد في الموسيقا هو الفرق بين نغمتين. وهو علمياً نسبة التواتر بين النغمتين. فإذا كان القرار 200 اهتزازة بالثانية يكون الجواب 400 اهتزازة. نسمّي المسافة بين القرار والجواب (بعد بالكُل)، وأوضح بالقول:
* البُعد بالكٌل يساوي 2 في جميع الحالات. وهذه النسبة تفرضها الطبيعة. وقد اعتمد الفيزيائيون العدد (301) كوحدة قياسية أساسية للأبعاد الموسيقية وسموها “سافار”. أي أن البعد بالكل يساوي (301) سافار.
يُقسم البعد بالكل إلى 53 بعداً جزئياً منها 41 بعداً يساوي كل واحد منها كوما تماماً (والكوما هي وحدة قياسية تقريبية للأبعاد ومستعملة كثيراً عندنا)؛ بينما يساوي كل من الاثني عشر بعداً الباقية كوما ناقص شيسما (والشيسما هي بعد صغير جداً ممكن تجاوزه).
* البعد بالكل يساوي (6) أصوات معدّلة أو يساوي (5) أصوات طنينية (طبيعية) زائد بقيتين. وبما أن “البقية” أصغر من نصف الصوت المعدّل، والطنيني أكبر من الصوت المعدّل؛ فالفرق بين الطنيني والبقية أكبر من نصف الصوت المعدّل، وهو ما نسميه “المجنب الصغير” وقيمته (114) سينت. و”المجنب الكبير” نسميه “بُعد البقيّتين” ويساوي (180) سينت.  ثم يتابع بعدها فيتالي:
* وبناءً على دراسات العلماء بتنا نعرف منذ السبعينات أنَّ السلّم السباعي الدياتوني كان معروفاً في بلادنا منذ 1200 عام على الأقل قبل فيثاغورث، وأنَّنا إذا رتبنا النغمات السبع الأولى تصاعديّاً نحصل على المتتالية المألوفة: (دو، ري، مي، فا، صول، لا، سي) التي كانت قد حُدِّدت في بلادنا في 1800 ق.م.
* وفي دراستي الأكوستيكية قمتُ بتحديدٍ مفصّلٍ لجميع نغمات السلّم البابلي وهو ما لم يقم به أحدٌ قبلي : المقام إشارة، إيشاتو ومعناه “الأساسي” يتطابق ومقام العجم أي الماجور/ سلم فيت مع سلم نهوند / مقام نيد قبلي يتطابق مع سلم مقام كرد/ مقام نيش جبارة يتشابه مع سلم مقام كردين/ سلم أمبوب قريب من فرحفزا..”
س- لكن أين دراسة رقيم التدوين الموسيقي؟
ج- لقد صادف أنني كنت رئيسة التحرير التي طلبت من العالم راوول فيتالي نشر دراسته عن الموضوع في عددين من مجلة الحياة الموسيقية. واليوم، وبعد قراءة النقاشات الدائرة حول ترجمة رقيم أوغاريت حيث تم عزف المقطوعة الموسيقية بأربعة طرق مختلفة ،اطّلعت عليها في كتاب دوشيسن سالف الذكر، فوجدت أن القراءة والترجمة الموسيقية الأدق له هي قراءة فيتالي لأنه ابن المنطقة ووريث لغوي وموسيقي فيها. ومما قاله فيتالي:  رفضتُ نظرية دوشيسن بأن السلم في رقيم أوغاريت هو سلّم صاعد ورفضت فكرة تعدُّد الأصوات التي سارت عليها كل الترجمات السابقة بسبب ما يسمى (الثلاصوت/ تريتون) الفيثاغوري خفي التنافر.كما لاحظتُ أن ما يكتب خلف الرقيم هو عبارة عن مقاطع مكررة حتى لا يضطر العازف إلى القيام بقلب وجه الرقيم. كما حددت أن مقام نيد قبلي في رقيم أوغاريت – الذي أثبت العلماء أنه مقام الأنشودة ـ يقابل مقام الكرد عندنا، عندما نعتمد السلم النازل من محط (مي) لتفادي الدييز والبيمول فاستقامت فوراً كل المقطوعة الموسيقية بصوتٍ أحادي.  وبالنسبة للإيقاع الذي شكّل في قراءات العلماء الآخرين صعوبة في الأداء؛ اعتمدتُ بالتشاور مع الموسيقي السوري الأستاذ محمود عجّان على إيقاع البروفيسور تيل Professor Thiele بالدراسة العروضية للنص.
ولقد افترضا أنَّ البعد (إشارة) يساوي (10) وأن الكلمتين غير المفهومتين في النص تخُصّا الإيقاع: (لا تُسمع: معناها لا كلام مقدارها 5) ‪. كذلك لاحظتُ أنَّ عدد المقاطع في السطر يساوي في أغلب الأحيان ثلاثة أضعاف مجموع الأعداد في السطر المقابل. فإذا قبلنا بتفسير ترجمة البروفيسور تيل بالدراسة العروضية للنص وضممنا النصف الثاني أي خمس وحدات من إشارة (10) إلى السطر (6) الذي يليه يصبح أيضاً مجموع مقاطع السطر (1) على مجموع أعداد السطر (6) (+ خمس وحدات): 42 / (9+5) = 3/1  وهكذا.. ومن المستحيل أن تكون النسبة (3) الثابتة مجرد صدفة.. وبهذا استقام الإيقاع…)).‬‬‬
 س- ست سلمى، الجزء الثاني من بحثك المستفيض هو  مسار السلم السباعي الدياتوني حتى وصوله للعالمية. هل من خارطة توصيفية لهذا المسار؟
ج- طبعاً، لكن قبل البدء برسمها لا بد من ذكر السبب الهام خلفها. فالموسيقا لا غنى عنها إذ تمدّ الإنسان مثل غيرها من الفنون وربما أكثر بشحنات إيجابية، كما تساعده على تفريغ شحناته السلبية. لا يوجد شعب بلا موسيقا، ولا توجد موسيقا بلا سلم موسيقي. وكل الشعوب التي انتقل إليها السلم المكتشف كان لديها موسيقاها وسلالمها الموسيقية الخماسية. لكن السلم السباعي بدوزانه الطبيعي نجح بالسيادة على الموسيقا العالمية لأنه في رأيي يحتوي أكثر من باقي السلالم على ذبذبات وموجات صوتية طبيعية رخيمة ومتناغمة مع الطبيعة كما سبق وشرحنا.
ولقد تم انتقال السلم السباعي الدياتوني بدوزانه الطبيعي عن طريق الحروب والتجارة؛ فانتشر أولاً عبر حضارات وثقافات شرقي المتوسط لمدة تزيد على الألف عام فأخذ فيها السلّمان موضوع بحثنا  “إشارة” اسم “عجم” ، و”فيت” اسم “نهوند”. ثم حين احتل الإغريق المنطقة في (الألف الأخيرة ق.م) تأثّروا وأثرّوا بموسيقا المنطقة، وتبنّاه الإغريق بتفرّعاته السبعة ومقاماته فاختلط بموسيقاهم ووصل معهم ومع أسراهم ومع التجار الفينيقيين ومع فيثاغورث الذي عاش في مصر وشرقي المتوسط (30 عاماً) إلى ما يدعى اليوم باليونان ؛ فأخذت هذه السلالم السباعية أسماء يونانية وبالتالي أخذ السلّمان موضوع بحثنا  “إشارة عجم” اسم “إيوني” و”فيت نهوند”  اسم  “أيولي” .
س- كيف تصف الموسيقية سلمى قصاب حسن ، علاقة التأثير والتأثر لموسيقا منطقة الشرق الاوسط مع اليونان؟
 ج- سؤال وجيه: هذه العلاقة هي مفصل جذري في البحث. فبالإضافة لما سبق وأثبته علماء الآثار والموسيقا عن أسبقية السلم السباعي الدياتوني لمنطقة شرقي المتوسط على ما دعي بسلّم فيثاغورث اليوناني وبقي إثباتهم حبيس دور البحوث؛  توسعت في دراستي وطرحت مجموعة من المقولات والمراجع لمؤرّخين من أمثال جبران الأسعد، سليم الحلو، تينوس أسعد صوما، فارمر، لايختنتريت، بريفوست وغيرهم مع ملاحظة أنّ معظمها يشير إلى أسبقيته على سلّم فيثاغورث لكن دون ذكر مرجعية الإثبات العلمي الذي أقدمه هنا.
بقي أن نذكر أن الرومان احتلوا منطقة شرقي المتوسط فنشأ مزيج حضاري سوري روماني اسمه الحضارة البيزنطية.  وفي بداية العهد المسيحي حافظ عليه المسيحيون الأوائل من سريان وكلدان وأنطاكيين وبيزنطيين وغيرهم عبر الكنيسة التي اعتمدت بشكلٍ أساسي على أسفار التوراة ومزامير داود باللغة الآرامية، وعلى تصنيف السريان للألحان الثمانية.
س-  لو تتكرمين  بعرض موجز للمراحل التاريخية التي وردت في بحثك لتوثيق الموسيقا الاوربية وتعديل السلم السباعي الدياتوني الطبيعي.
ج-  لقد تناولت أولاً القرون من منتصف الرابع حتى منتصف الخامس عشر تقريباً ككتلة واحدة مشيرةً إلى حفاظ المسيحيين الأوائل على السلالم السبعة المكتشفة، ثم إلى انتقال هذه السلالم السبعة إلى كنائس روما  عبر التراتيل وإلى قبول الإكليروس بها مع التدخل بكل تفاصيلها فأجاز  مثلاً “الهلّليلويا” التي انتقلت إليهم حتى بلفظها الآرامي/ العبري هللوا لله.؛ كما أجاز البابا داماسوس “الزخرفة” وربما يعني بها ابراز مهارة المؤدين بالعرض الصوتي في الغناء والتقاسيم في العزف.
س- فلنتابع المسار، لو سمحت، عن السلالم السبعة التي وصلت إلى المسيحيين الأوائل، ماذا كان دورهم ودور الاكليروس تحديدا؟
ج- شكرا ! وافق الإكليروس على أسلوب تفريدة المؤدي (كما في الموّال) حيث يرتّل الكاهن اللحن فيجاوبه المصلّون أو يرافقونه بنغمة موسيقية طويلة أطلقوا عليها اسم “الباص المستمر Basso Continuo” الذي تطور مع الزمن وأخذ أسماء أخرى. كما استطاب الإكليروس فكرة الصوتين (أي اللحن مع الباص المستمر) فأضاف على مدى قرون صوتاً ثانياً وثالثاً ورابعاً، وفي هذا بذرة أحد أنواع تعدد الأصوات وهو البوليفونية.
س- كمتخصصة في الموسيقا، كيف تعرّفين تعدد الأصوات ومدى تبريرها؟
ج- الموسيقا أحادية الصوت تدعى “مونودي” أي حتى ولو كان عدد المؤدين كبيراً إلا أنهم يغنون جميعاً لحناً واحداً. أما تعدد الأصوات فهو نوعان: أولاً “هارموني” أي لحن أساسي ترافقه بضعة علامات تؤدّى في آنٍ واحد وتُدعى كوردات أو تؤدّى على التتالي وتدعى أربيجات. وثانياً ”بوليفوني” أي عدة ألحان متآلفة تؤدّى معاً. وربما كان سبب اختراع البوليفونية في الترتيل الجماعي بالكنائس نابع من الحاجة لضبط مشكلة اختلاف الطبقات الصوتية لمجموعة المرتلين مختلفي الأجناس والأعمار من ذكور وإناث وأطفال.
ولقد بدأت برأيي الموسيقا الأوروبية  مع “البوليفونية” تفرّدها وكذلك مشاكلها مع السلّم الطبيعي. فلقد اصطدم الإكليروس في العصور الوسطى بوجود ظاهرتي “التآلف والتنافر Consonance & Dissonance” بين نغمات هذا السلّم بسبب دوزانه الطبيعي؛ لهذا بدأت محاولات التركيز على اختيار بعض السلالم فقط. وصيغ في الغناء “النشيد الجريجوري Gregorian Chant” أُحاديّ الصوت  تؤدّيه مجموعة من الذكور وافق عليه البابا جريجور في (القرن 6م).
س-  وكيف كانت تدوّن الموسيقا منذ تدوين أوغاريت عام ١٤٠٠ ق.م؟
ج-  الانجاز  الأكبر في مجال علوم الموسيقا كان في تطوير تدوين أوغاريت الذي يعتمد على سطر وهمي فوق وأسفل سطر النص، وضعت عليه رموز تدل على مدى الصعود أو الهبوط باللحن أو التغيير في الإيقاع. وخلال ٢٨٠٠ عام من تدوين أوغاريت تمت كتابة الموسيقا بالاستعانة بعدة سطور تم اختصارها إلى خمسة وسميت بالمدرج الموسيقي وأخذت العلامات شكلها الحالي.
وعلى هامش هذا أنوّه أنه قد جرت محاولات في منطقتنا لتدوين التقسيم الشرقي أهمها اختراع شمس الدين الصيداوي الدمشقي في القرن الخامس عشر لمُدّرجٍ موسيقي يحتوي على ثمانية أسطر (وفي بعضها تسعة) وهذه المدوّنات من موجودات المكتبة الوطنية بباريس.
س-إذا كان السلم السباعي المكتشف”دياتونياً” أي يحتوي على أبعاد كاملة وأنصاف أبعاد فقط، كما تفضـّلتِ، فمن أين جاء ربع الصوت أو ما تسمينه بالتقسيم الشرقي لموسيقا المنطقة؟
ج- سؤال مهم جداً . لنعد أولاً إلى طروحات المؤرخين:
يذكر سليم الحلو مثلاً  أنَّ الآلات الموسيقية عند الآشوريين تدل على تقسيم السلَّم إلى أجزاء صغيرة هي أرباع وأنصاف أرباع.
كذلك يذكر عالم الموسيقا الألماني لايخترتيت أن الموسيقا اليونانية كانت تحتوي على جزئيات أصغر من نصف البعد، وأنه قد عُثر في فيينا (عام 1892) على مخطوط يوناني قديم تستحيل كتابته بأسلوب تدوين اليوم بسبب كثرة أرباع الصوت فيه.
كذلك ظهر حسب كتب وأبحاث ومؤتمرات الموسيقا السريانية للآباء والبحّاثة السريان في ستة ألحان من أصل ثمانية من الألحان السريانية المُعتمدة على السلّم السباعي “حزم أو مجموعات” تحوي كما ذكر لنا فيتالي كومات يختلف عددها من منطقة إلى أخرى.  تُدعى هذه الحزمة بالتقسيم الشرقي أو المجنب الصغير والكبير أو ربع البُعد أو ربع الصوت أو اللّوينة الصوتية وغيرها (ونعتمد في بحثنا تسمية التقسيم الشرقي) وتُعطي طابعاً صوتياً خاصاً يميزها بين المناطق.
الفكرة الأساسية تكمن في عدم تساوي نصفي البعد بفارق كوما: أي أن الدو دييز لا تتطابق (طبيعياً) مع الري بيمول بفارق كوما في السلم الطبيعي وتمت مطابقتهما (صناعياً أو إلزامياً) كما سنرى فيما بعد بالسلّم المعدّل. أما متى أخذت هذه الفروقات شكل أبعاد ثابتة في سلّم موسيقي معيّن فهذا يتطلب بحثاً منفرداً.
س- من السلالم، ننتقل، السيدة سلمى، إلى العلامات. كيف يا ترى جاءت أسماء العلامات؟ وهل كان للاكليروس دورهم فيها؟
ج- لقد بقيت أسماء العلامات الموسيقية مأخوذة من الأحرف الأبجدية الأوغاريتية – وهي أول أبجدية مخترعة في العالم  وتشكل أساس “الألفباء Alphabetta” العالمية- حتى القرن الحادي عشر حيث أعطاها الراهب الإيطالي جيدو داريتزو Guido d’Arezzo  أسماء: دو، ري، مي، فا، صول الخ. وبهذا  اعتُمدت التسمية الجديدة “الصولفائية ،The Solmization, La Solmisation” في البلاد الناطقة باللغات اللاتينية أما باقي العالم الغربي فما زال يعتمد الألفباء.
س- تحدّثت عن منجزات الاكليروس في الموسيقا. ترى كيف كانت الموسيقا خارج الكنيسة؟
ج- انتشر الموّال في الغناء، والتقاسيم في العزف على آلة “العود Lute” (وهي آلة وترية بدون دساتين تستطيع عزف التقسيم الشرقي) ومشتقاتها في الموسيقا الشعبية . وربما كانت الكادينزا ـ أي المقطع الذي ترتجله الآلة في منتصف المقطوعة ـ وليدة من فكرة التقاسيم التى نعزفها في كل العالم ولا نعرف أصلها.
الذي أود قوله أنه بالإضافة إلى الاثباتات العلمية التي لا تقبل الجدل مثل اكتشاف رقيم أو وثائق تشير إلى تطور الكتابة الموسيقية؛ فنحن في الواقع نستقرىء مسار الموسيقا   . أما بدءاً من عصر النهضة الأوروبية من منتصف القرن الخامس عشر حتى منتصف السابع عشر تقريباً حينما تم اختراع الطباعة فالمعلومات كلها موثّقة ومنتشرة. لكن اختراع الطباعة جلب معه مشاكل التدوين الموسيقي التي اعترضت طريق طباعة المدوّنات الموسيقية مما دفع باتجاه  الخطوة الكبرى  للموسيقا عبر خروجها من تحت سلطة الكنيسة وانقسامها إلى:
أولاً : أكاديمية تدّرس في المعاهد والأكاديميات وتمّ تأليف وطباعة الكثير من الكتب التي تتناول النظريات الموسيقية وخاصةً في علم  الجمال الموسيقي وفي علاج مشاكل الدوزان والتدوين ، كما تمَّ اختراع أو تطوير آلات مثل الفلوت والكمان والتشيلو.
ثانياً: شعبية استمرت على ما يبدو بغناء السلالم ذات التقسيم الشرقي في أبعادها في المناسبات الاجتماعية وما زالت موجودة إلى اليوم خاصةً في السويد وإيطاليا وأيرلندا والبلاد التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية‪. كما أننا لن نستغرب حفاظ الموسيقا الشعبية الأوربية إلى اليوم على التقسيم الشرقي: فلقد  ذكر لي الموسيقي المصري عبد الرحمن الخطيب في مقابلة أجريتها معه، نشرتها في كلمة العدد في مجلة الحياة الموسيقية أنه فوجىء في الثمانينيات من القرن الماضي وفي جبال السويد بغناء مقام السيكاه..‬‬‬
س-  وهكذا نصل إلى القرن الثامن عشر وعصر الباروك؟
‪ج- تماماً كما نصل إلى الحدث المفصلي الثاني في بحثنا الذي جرى في عصر الباروك . فبالإضافة إلى سير التطور الطبيعي للأشكال  والآلات والنظريات الموسيقية  تمّ تثبيت الاسمين الجديدين للسلّمين الأكثر شعبية (إشارة/ عجم/ إيوني صار “الماجور” أي الكبير  بسبب ثلاثيته الأولى الكبيرة، وفيت/ نهوند/ أيولي صار “المينور” أي الصغير بسبب ثلاثيته الأولى الصغيرة).‬‬‬
وبحسب وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحوث الفرنسية/ سلسلة تقنيات الموسيقا والرقص/ وثائق مرافقة للبرنامج/ وثائق عمل18‪)) فلقد  طلب المؤلف الألماني يوهان سيباستيان باخ Johan Sebastian Bach (1685 – 1750) وشاركه بهذا الطلب  المؤلف الفرنسي ج. ف. رامو J.Ph. Rameau (1683-1764)-  من عازف الأورغ الألماني ويركمايستير  Werckmeister (1645 – 1706) حلّ مشكلة الدوزان الطبيعي للآلات ؛ فقام  ويركمايستير باختراع طريقة دوزان جديدة مختلفة عن محاولاتٍ سابقة مثل زارلينو  Zarlino أو محاولة تلميذ باخ كيرنبيرغير Kirnberger وغيرهما من أجل الانتقال من السلّم الطبيعي إلى سلّمٍ “مُعدّل” يتساوى  فيه نصفا البعد صناعياً (إلزامياً) عبر تعديل دوزان الأوتار مفترضاً أن الأذن ستعتاد عليه مع الأيام وهذا ما حصل. وحسب المرجع نفسه أن هذه الطريقة في الدوزان أعجبت باخ فأيّدها ودعم هذا الاختراع بأن ألّف تطبيقاً له “24 بريلود وفوغ” في كتاب لآلة الكيبورد (واليوم تعزف على البيانو) من جزئين أسماهما “لوحة المفاتيح المعدّلة Well Tempered Keyboard / Le Clavier Bien Tempéré”. ولقد طال الدوزان المُعدّل الآلات الوترية ذات الدساتين مثل الجيتار والماندولين، وأوصل إلى اختراع آلة البيانو وأدّى بالتالي إلى الوثبة الأوروبية السريعة في مجال تعدد الأصوات والتدوين الموسيقي وفي مجال مؤلفات البيانو.‬‬‬
اختتم هذه المقابلة إذ أشكر السيدة سلمى نجاة قصاب حسن، الباحثة الموسيقية والعازفة والمؤلفة. شكرا لجهودك المتميزة والدؤوب في  البحث والاستقصاء وصولاً الى ما تمخضت عنه من استكشافات غير مسبوقة. فلقد حصل، كما فهمنا منك الاستاذة سلمى، ما يشبه التعتيم على سلسلة من المعلومات المهمة فلم تصبح معرفة عامّة؛ إذ تمَّ في كل مراكز البحوث التي لها علاقة بالاكتشافات الأثرية بمنطقة شرقي المتوسط منذ أربعين عاماً توثيق نتائج دراسات الرُقُم الموسيقية المكتشفة التي تثبت أنَّ حضارات هذه المنطقة أبدعت سلّمي الماجور والمينور الطبيعيين. لكن لم يتم على حدِّ علمنا نشر هذه النتائج وتداولها أو نشر إسقاطاتها على تاريخ الموسيقا العالمية عموماً بما فيها تصحيح معلومة تاريخية، يوجد إشكالية في تسميتها وهي نسب أصل أول سلم سباعي دياتوني في العالم إلى اليونان وفيثاغورث. أما كيفية تحقيق نشر وتصحيح هذه المعلومات، فنتطلع إلى أن تقدمي بحثا خاصا عن هذا الموضوع، ليشكل إضافة نوعية على هذه المقابلة.
روابط تابعة للمقابلة
الرابط 1: بحث سلمى قصاب حسن: السلّم الموسيقي السباعي الدياتوني
https://drive.google.com/file/d/17gzufbT512v2A8DGEqHL1iXA7qRZxIWI/view
الرابط 2: أغنية ” الحب المُعتّق” قدمت بافتتاح دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008
https://drive.google.com/file/d/17agsaWNYsWgpwpoID1aZTNLNuebm5F_6/view?usp=drivesdk
الرابط 3: متتالية أغنيات سورية، الإخراج والتوزيع الموسيقي سلمى قصاب حسن. قدمت بمدرسة البشائر بقيادة عاصم سكر ومشاركته بالغناء بحفل دعي اليه من كان ما زال حياً من رحال الثورة السورية الكبرى على الفرنسيين.
https://youtu.be/uU5B_MCVz9E
الرابط 4:
 أغنية “أنا إنسان وأنت إنسان” تم تقديمها
أثناء زيارة أطفال مكفوفين لمدرسة البشائر  وكان قد تمّ تأليفها وتلحينها لهم واستمتعوا جداً بتسجيلها بأصواتهم ورافقهم بالغناء والعناية بهم مجموعة من طلاب الثانوي بالمدرسة
https://drive.google.com/file/d/14PROS7WH56yhfCKUVT6bdmNfZ6TNU0pN/view?usp=drivesdk
كتاب حكايا الموسيقا: الجزء الأول PDF فقط
https://drive.google.com/file/d/14bdasF9nGu8ulAlO6P4NnpPhtqVVU0Sk/view?usp=drivesdk

2
الرائدة عفيفة اسكندر ومكانة في تاريخ الوطن

المونسنيور نوئيل فرمان السناطي
______________________

 
الفنانة عفيفة اسكندر المُحبة لبغداد، والتي مرت مؤخرا ذكرى رحيلها، إذ توفيت في بغداد عن عمر 91 بمرض عضال في 22 اكتوبر 2012 وكانت قد تمت مراسيم تشييعها في اليوم التالي في كنيسة الروم الكاثوليك، بترؤس الأب منصور المخلصي، وحضور عدد متواضع من المؤمنين والمحبين، ابرزهم صباح المندلاوي، نقيب الفنانين العراقيين والفنان سامي قفطان والاعلامية سعاد الجزائري. وكانوا آنذاك قد أشاروا إلى مكانتها المرموقة وأن اعمالها ومساهماتها الفنية ستبقيها في ذاكرة الناس، وأن صالونها كان قبلة أنظار الفن والثقافة في بغداد. هذه العاصمة التي تشهد ومنذ مطلع أكتوبر 2019 ثورة شبابية سلمية واعدة، نأمل أن تعيد العراق الى مستقبل افضل. خصوصا وأن التظاهرات السلمية، وقفت بوضوح ضد الطائفية، ليكون كل مواطن متساويا مع غيره بالواجبات كما بالحقوق.
 
تمهيد- نحو نظرة شمولية إلى موزائيك المبدعين
______________________________
فلقد تميّز العراق عموما فيما نذكره من عصره الحديث، بموزائيك جميل من المبدعين والمبدعات على تنوع مشهود من انتماءاتهم العقائدية والاثنية والمذهبية، في المجالات: العلمية، الفنية، الرياضية، الموسيقية، التشكيلية، الأدبية، الإعلامية، الصحافية، الشعرية، الروائية، التلفزيونية والسينمائية، التوثيقية والتاريخية. مع وقوفهم على قدم وساق من الحظوة والمساواة، بصرف الأنظار عن غالبية المنتمين إلى هذا الاتجاه المذهبي، الإثني بل والايديولوجي أو ذاك. وأعتقد من جملة ملاحظات، أن هذا هو خط غبطة بطريركنا الكاردينال لويس ساكو، تجاه مبدعينا لمواقفه المشهودة إلى جانبهم، كعراقيين وحسب، وأنه يشجع أن نخلّد مشاهيرنا أيا كانوا. وقد قام، في عدة مناسبات، بالتفاتات تجاه عدد من الشخصيات الاعلامية على مختلف اتجاهاتهم الايمانية أو الايديولويجية.
 
متميزون للوطن برغم الحقب والعهود
_______________________
ولعلها دعوة، من هذا المنبر، بأن يغور كتابنا بحسب توجهاتهم، بحثا عن الابداعات المذكورة، ليتحفونا، لا شك، بالمزيد في حقل تخليد مشاهيرنا، وبما يتصل بوطنيتهم وما عرفوا ان يستخدموه من امكانية تعبير هادف، متزن وحكيم، بحسب الزمان والمكان ولباقتهم الوطنية في شق طريقهم عبر مختلف عصور العراق، والتي والحق يقال، قلما كانت مفروشة بالورد. مع ان مختلف العهود السياسية، ملكية او جمهورية، منحت مقبولية في المجالات العلمية والفنية. ربما باستثناء الرئيس عبد السلام عارف... الذي في زيارته لمستشفى بالموصل قال: "مستشفى جيد ولكن تنقصه النواقيس..." ولعل الزملاء الكتاب، إذ يحققون عن مختلف الحقول، سيكشفون لنا اسماء لها الحق الوطني علينا في تخليدها قبل أن يلفها النسيان، فينشرون عنها في صحافتنا ومواقعنا.
 
الفنانة الرائدة عفيفة اسكندر اسطيفان
_______________________

رأيت أن أورد هذه المقدمة، للتمهيد الشخصي لهذا الوضوع الذي يتحدث عن الفنانة عفيفة أسكندر اسطيفان،  وهي من كبار وأوئل رواد الفن، على مدى القرن الاخير، وقفت الى جانب قامات معروفة في فن المقام والغناء والموسيقى. فكانت في طليعة الناشطات لإبراز مكانة المرأة العراقية في الفن بنحو نجومي، من أمثال زهور حسين، سليمة مراد، صديقة الملاية، أحلام وهبي، متزاملات مع نجوم المقام العراقي من أمثال يوسف عمر، والقبانجي.
ولا أستطيع هنا، لا من حيث الدراية ولا من حيث الصفة الشخصية، أن أستغرق في تقديم التوصيف المهني لأدائها الغنائي والفني، فهذا شأن المختصين، وشأن دوائر المعلومات عن انسانة احتفت بها ويبكيديا ومحرّك كوكل، لمناسبة الذكرى 98 لميلادها. بصفتها شحرورة العراق، كما أشار إلى ذلك، الزميل الاستاذ سامر ألياس،  وعلى صفحات موقع عنكاوا. فقد قصدت تقديمها كوجه مسيحي، احتفى به العراقيون، برقي ومحبة، على مختلف جذورهم، بل غالبا ما جاء ذلك من لدن غير المسيحيين قبل المسيحيين وأكثر منهم.
 
في موسوعة الدكتور عمر الطالب، بين الموصل وأربيل
___________________________________
لقد ضم اسمَ هذه الفنانة كتابُ (موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين) للدكتور عمر محمد الطالب – صديق علامتنا الراحل الأب يوسف حبي. وجاء فيه أنها ولدت في 10 أيلول 1921 من أب عراقي موصلي أرمني وأم يونانية ضليعة في الموسيقى (ماريكا ديمتري)، وأنها تزوجت في عمر مبكر من عازف كمان مشهور وهو اسكندر اسطيفان، وتبنت اسمه في شهرتها الفنية تحت اسم عفيفة اسكندر. ويذكر الطالب أن عائلتها في سنواتها الأولى كانت تتنقل بين الموصل واربيل، حيث عملت أمها في مجال الموسيقي والغناء.
 
 الانتماء للوطن وليس للقادة
_________________

لم تغنّ عفيفة لأشخاص بالاسم، سواء في العهد الملكي أو بعده، باستثناء غنائها للملك الشاب المغدور فيصل الثاني، في مطلع جلوسه على العرش، فكان ذلك أحد الأسباب أنها أهملت وغيبت لمدة ما. فبقيت تضرب كفا بكف لمفارقات من هذا النوع قائلة: أعجب على الناس قالوا للملك لا نصدق لأن نراك عريساً، وبعد أسبوع واحد من هذا الكلام قتلوه!
وعودة الى الرئيس الاسبق ... عبد السلام عارف، يذكر أنه كان يحاربها ويضيق عليها حسب وصفها لأحد الصحافيين، وتقول انه كان يتهمها بدفن الشيوعيين في حديقة بيتها. على أنها منذ العهد الملكي، كانت المغنية الأولى في البلاد وكان كبار المسؤولين في الدولة من ملوك وقادة ورؤساء ووزراء يودونها ويطربون لصوتها ويحضرون حفلاتها...
 
مكانة عربية وجواز مرور من مصر الفن والثقافة
_______________________________

سافرت عفيفة إلى القاهرة عام 1938. هناك غنت وعملت مع فرقة بديعة مصابني. وعملت مع فرقة تحية كاريوكا. وأبرز مشاركاتها العربية هي التمثيل في فيلم (يوم سعيد) مع الفنان الراحل محمد عبد الوهاب وفاتن حمامة وغنت فيه، ولم يظهر غناؤها عند عرض الفيلم لأحد سببين متضاربين:  من جهة لأن المخرج حذف تلك الفقرة لطول مدة العرض التي تجاوزت الساعتين، ومن جهة أخرى أنها تلقت خبرا عن مرض والدتها فقطعت عملها وعادت إلى بغداد. على أنها مثلت في أفلام على مستوى عربي ومحلي منها القاهرة ـ بغداد إخراج أحمد بدرخان وإنتاج شركة إسماعيل شريف بالتعاون مع شركة اتحاد الفنانين المصريين، ومثل فيه حقي الشبلي وإبراهيم جلال وفخري الزبيدي ومديحة يسري، وكذلك فيلم (ليلى في العراق) إنتاج ستوديو بغداد وإخراج أحمد كامل مرسي ومثـّل فيه الفنانون جعفر السعدي والفنانة نورهان وعرض الفيلم في سينما روكسي سنة 1949. ثم تعرفت إلى الأديب المازني والشاعر إبراهيم ناجي وعندها بدأ مشوارها الأدبي، فعادت به إلى العراق واستقرت في بغداد.
 
محطات تكريم "معشوقة بغداد" في الحياة قبل الممات وتسليط الضوء على شخصيتها
_____________________________________________________

الرئيس الطالباني، النائبة صفية السهيل، جريدة المدى
_________________________________
وضمن العقود الاخيرة، جرى تكريم هذه الفنانة، بعرض فيلم عنها (معشوقة بغداد) في المسرح الوطني وبحضورها، للعلاقة الكبيرة بينها وبين بغداد، والذي أخرجه فريد شهاب ومدته (15) دقيقة، والذي يتحدث عن شخصيتها، تارة عن لسانها وتارة اخرى على لسان معاصريها من الفنانين، ابرزهم عازف الطبلة الفنان سامي عبد الاحد.
وكانت تحرص حين تدعى الى احتفال ما، ان تظهر انيقة مشرقة، تزرع في كل مكان الامل والتفاؤل فيكتظ بالمحبة. وهكذا كان بيت النائبة آنذاك صفية السهيل في يوم العيد .هناك استقبلها الجميع بعاطفة كبيرة فازدان المجلس سرورا، ومع المشهد العام للفرح، فإن حاملة الاثنين والثمانين عاما مع حزمة أوجاع، استعادت فرحها المفقود ونفضت عنها هموم الاهمال والزعل، بعد أن قالت بشيء من الاسى: لم يسأل عني احد، وما وزارني أحد ما عدا مؤسسة المدى والست خيال الجواهري (ابنة الشاعر الجواهري) قالت ذلك بعتب المحبين، كأنها تقول ان بيتها في وسط بغداد ومن غير الممكن ان لا يسأل عنها أحد وهي في هذا العمر!! لم تكن تلك شكوى بقدر كونها كلمات للتذكير، بدليل أنها ابدت سعادتها وهي بين هؤلاء الناس السعداء بحضورها. وسط الحشد المبتهج طابت نفسها، فغنت بصوتها ونبرته الخفيضة التي ظهرت عليها آثار الزمن، ملبية رغبة الحضور فكانت التحيات تنثر عليها من كل الايدي والالسن. هكذا كرّم عراقيونا واحدة من مبدعيهم في حياتها.
  وفي احتفال أقامته جريدة المدى كان قد أعلن أن رئيس الجمهورية الراحل جلال الطالباني خصص لها راتباً تقاعدياً. وقال عنها الكاتب عبد الجبار العتابي، الذي وصف إطلالتها في تلك المناسبة على المسرح العراقي، إذ قال إن المطربة الكبيرة أجهشت بالبكاء عندما سمعت أمر مام جلال. جاء ذلك في مقال نشره العتابي في مجلة ايلاف الالكترونية في 7 أيلول 2009. كما أوردت جريدة المدى عنها فيما بعد، نبذة متجددة عن حياتها، تحت عنوان (ما لا يعرفه الناس عن عفيفة اسكندر) جاء في أحد ملاحق جريدة المدى (27 أيلول 2015) أنها بدأت الغناء بعمر خمس سنوات، سنة 1935. وعندما سُئلت عن الاغنية التي تحبها اكثر من اغانيها الاخرى؟ راحت ترفع صوتها بالاغنية : (هزني الحنين لهلي / والشوق بي ّ زاد / هيا بنا يا ربع / نمشي درب بغداد) وقد تردد اسم بغداد في أغانيها مثل: (دورت بغداد للموصل رحت) واغنية (جينا من بغداد).  وعن بغداد قالت: احب بغداد، امنيتي ان ابقى فيها حتى اموت فيها وادفن ، وما سافرت ولا هاجرت من زمان لأنني احب بغداد.
 
شهرة باللهجة البغدادية، ومنولوج بعدة لغات
____________________________
وعن اكتسابها اللهجة البغدادية وتعاملها المتمرس باللغة الفصحى قالت: "كنت اتحدث باللهجة الموصلية إلاّ أن المطربة سليمة مراد علمتني كيف أنطق اللهجة البغدادية وبذا صرت اغني الاغنية البغدادية مع وجود مطربين آخرين مشهورين.. وقد عشقت الاغنية البغدادية.. والمنولوجات أيضا."
وتحدث فيلم (معشوقة بغداد) على لسان احد الكتاب القدامى كيف ان اسم عفيفة اسكندر لمع بسرعة؛ ويعود الفضل في ذلك الى طلتها المشرقة وموهبتها القيمة ونطقها السليم لكلمات الاغاني وخاصة الأشعار ومنها اغنية البهاء زهير :(يا عاقد الحاجبين). وهكذا ضمها المجمع العربي الموسيقي إلى أعلامه تحت عنوان منولوجست (غنت المونولوج بالتركية والفرنسية والانكليزية والالمانية) مع تنويه المجمع بإجادتها ألوان الغناء والمقامات العراقية، إذ بلغ رصيدها الغنائي أكثر من 1500 أغنية.
ويحلل الاجتماعيون ومؤرخو الفن، أن سبب بروز عدد من نجوم الغناء، رجالا ونساءًا، بعد غنائهم في الكباريهات، النوادي الليلية، يعود إلى أن هذه الأماكن كانت آنذاك افضل من الكثير من النوادي الاجتماعية، وقبل أن ينفتح المجتمع إلى انشاء المسارح الغنائية والتمثيلية ذات البعد الثقافي الجاذب لذائقة المجتمع.
 
رائدة في البعد الثقافي- صالون عفيفة اسكندر
____________________________
وتأكيدا لما حصلت عليه من دور في المجتمع، سرعان مع تكونت للفنانة عفيفة اسكندر تقاليد خاصة في الفن والحياة، حيث كانت تملك صالونا في منزلها الواقع في منطقة المسبح في الكرادة، وضم مجلسها آنذاك ابرز رجالات السياسة والأدب والفن والثقافة.. ومن الرجالات الذين كانوا يحرصون على حضور النقاشات من رجال الدولة في الحكم الملكي.. نوري سعيد رئيس الوزراء السابق وفائق السامرائي عضو حزب الاستقلال وعضو مجلس الأمة، والنائب حطاب الخضيري، وحسين مردان وجعفر الخليلي والمحامي عباس البغدادي والعلامة الدكتور مصطفى جواد الذي كان مولعا بفنها وبشخصيـّتها المحبّبة، فكان مستشارها اللغوي، لتقرأ له الشعر قبل أن تغنيه. فضلا عن الفنانين حقي الشبلي وعبدالله العزاوي ومحمود شوكة وصادق الازدي والمصور آمري سليم وصديقنا المصوّر الراحل حازم باك.. وأسماء كثيرة أخرى..
 الراحة الابدية والخلود لواحدة من رائدات العراق في الغناء والثقافة، الفنانة العراقية عفيفة اسكندر اسطيفان.

3
كتاب انقاذ فكر وبشر، وذكريات ملحمية مع  مؤلفه الاب نجيب ميخائيل
بقلم الاب نويل فرمان

الاحتفاء بمبدعينا محليا وعالميا
مبدعونا وسواهم ممن يحققون انجازات متنوعة في ظروف الأزمات، غالبا ما نحيطهم بهالة من الصمت الحميم، في جو من التعايش الطبيعي، حيث كل يعمل ما في وسعه. وأذا تحدثنا عنهم فبالقدر الذي يستنهض المزيد ويرعى تواضعهم وأعمالهم إذ يتواصلون معها بخفاء تلقائي محبب. لكننا ايضا ننشرح بحبور عندما نرى الأوساط العالمية تحتفي بهم على طريقتها، وتبرز للرأي العام، ما غالبا يكون جليًا لدينا وغير معروف لغيرنا. يعرض المقال، مقتطفات من هذه الاصداءات اضافة الى ملحق فرنسي وانكليزي مع روابط لقاءات تلفزيونية، تمت مع الاب نجيب ميخائيل، لمناسبة صدور كتاب باسمه، وهذه ذكريات لكاتب المقال لدى زيارته للاب نجيب في عنكاوا، والاطلاع على أعماله.
من المعروف أن الإصداء الصحفي لكتاب ما، يتمّ عندما يبادر المؤلف لأرسال نسخة بإهداء موقع للصحفي، مع تشكيلة من الكلمات الودية، تكون بمثابة الدعوة للاطلاع على النتاج والكتابة عنه. لكن في هذا المقال، لا ينطبق الحال مع الأبطال عندما يصدر كتاب منهم أو عنهم. فهم في غنى عن هذه الخطوات الدبلوماسية، إذ يكونون من ثم النجوم التي يستضيء المرء ببريقها ويستظل بقامتها.
كما أن في جعبتي المزيد عن صاحب الكتاب، إذ قرأت عنه ونشاطاته وعن كتابه، بعد ان عرفته عائليا منذ نعومة أظفاره صبيا. كما توفر لي ان أعرفه ضمن الاباء الدومنيكان إذ خدمت بمعيتهم مجلة الفكر المسيحي، وكنت رأيت عن كثب اسلوبه المتفرد في الارشفة، ونهمه في رعاية الكتب والمخطوطات، على مدى 30 سنة خلت، وقبل أن يطرأ اصلا الحديث بأن الطوفان الارهابي مقبل. وما يدفعني أيضا للاصداء من باب أولى للكتاب، هو أني إذ زرت العراق الجريح في اواسط عام 2016، بإجازة تعايش، امضيت جلها في بغداد في رحاب بطريركيتنا الكلدانية العامرة، وبإذن من البطريرك، امضيت بضع أيام في الشمال وهناك التقيت الاب ورافقته بجولة الى زاخو وألقوش (دير السيدة، مقام النبي ناحوم). بعد ان اجتزنا تقاطع طريق يصلنا بمسافة 20 دقيقة بالسيارة، عن مواقع قوى الظلام التي كانت جاثمة على الموصل وسهل نينوى.
أجل كان ذلك عندما قامت القوى النافذة المعنية، بموجب تحليل مراقبين كثيرين، قد انتدبت الطغيان الداعشي لاكتساح الموصل وسهل نينوى، مستفيدة من وضع الحكومات الطائفية والفساد المستشرى في أوساط متنفذة عدة، فاستقبل البعض داعش بالترحاب في مكان وهرب منه الكثيرون في مكان آخر ولا سيما الخصوصيات الاثنية والقومية المسيحية والايزيدية إلى جانب اعداد من المتنورين المسلمين الوطنيين.
وهكذا التقيت لأكثر من يوم مؤلف الكتاب، وجلت معه ميدانيا لأرى وألمس وأشمّ بنفسي، النفائس التي أنقذها، والتي إذ يظهر حجمها في تلك المكتبة العامرة من المخطوطات، في مركز مهم  في عنكاوا - أربيل، تكشف الصور التي التقطناها أن الأمر أكثر مما يوصف ببضع كتب، كما نوه بمحبة، احد الاصدقاء في تعليقه على الانترنيت. وهذا لا يقلل بالطبع من جسامة ما اقترفه تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) وما دمره من معالم آثارية ورموز دينية لمختلف المذاهب، وعناوين معرفية لا تحصى. فكل هذه المكتبة العامرة التي زرتها ، تبقى جزءا مما اضطر الآخرون الى تركه ، وما لم يستطع ان ينقذه احد من نفائس في مختلف المجالات الثقافية والمعرفية.
اليونسكو وحيازة لقب البطولة
وهنا التمس تفهم القارئ الكريم، لاستخدامي مفردة أبطال او صفة (ملحمية) فهي ليست من "عندياتي" ولئن اراها في محلها، بل هي ضمن ما استخدمه خبراء اليونسكو لرعاية الثقافة والتراث، من مفردات الى جانب ما جاء في وصف دار النشر، في تقديم الكتاب. فقد تلقى الاب نجيب، في بحر عام 2016، الدعوة من رئيسة منظمة اليونسكو، ليكون ضمن ثلاثة من الحائزين على صفة أبطال التراث، يمنحونهم الوقت في مؤتمر متخصص لليونسكو، ليتحدثوا عن خبراتهم وقصصهم الشخصية عما ألمّ بثقافتهم وارثهم الحضاري في ظروف الحروب، وما حققوه وكيف كان رد فعلهم ودوافعهم إلى كل ذلك. كما أشارت الدعوة الى ان اليونسكو سيعطي خصيصا المزيد من الوقت للاب نجيب بغية التحدث في وقت إضافي لعرض طروحاته ومناقشتها مع أعلى مستويات الخبراء الاختصاصيين.
صباح ميخائيل السناطي في صفحته للتواصل الاجتماعي: مشاركة الأب نجيب في معرض للمخطوطات في روما
هذه المعلومات والرابط الالكتروني لحلقة تلفزيونية قدمتها الصحافية الامريكية ليسلي سال، أحالها الي مشكورا الاستاذ صباح ميخائيل السناطي؛ والذي في صفحته للتواصل الاجتماعي، كتب أعلاما عن مشاركة شقيقه الاب نجيب، في معرض للمخطوطات أقيم في روما. تصدرت الصفحة عنوان المعرض (شعب مشتت وتراث مُصان) وكتب فيها: 
"تحت هذا الشعار شارك الاب نجيب ميخائيل الدومنيكي بسلسلة من المحاضرات. في روما للمدة 9 إلى 17 حزيران، في معرض تراثي أقيم في روما دارت آفاقه عن اهمية الحفاظ على التراث المكتوب والكنوز المخطوطة التي تعكس الوجود المسيحي الاصيل في وادي الرافدين. انها الجذور الحقيقية لهذا الشعب الاصيل الذي امتدت اغصانه عبر الهجرة والتهجير الى كافة ارجاء العالم ليغنيهم بثماره اللذيذة وقيمه العريقة. وقد حضر العديد من سفراء الدول او ممثليهم في حاضرة الفاتيكان وكذلك الكاردينال ساندري والمدير العام للمكتبة الفاتيكانية المطران بيريز وعدد كبير من الحضور ومن بينهم الاباء الكهنة الاجانب والعراقيين والرهبان و الراهبات. وفي نهاية عرضه كتب السيد صباح معلقا على انجاز شقيقة الذي يصغره ببضع سنوات:  الجذور  الباقية في ارض الاجداد ستعطي براعم يانعة وستصبح اشجارا باسقة.  فإن الثمار الطيبة والمباركة لم ولن تموت ابدا مهما نقلتها الرياح والعواصف الهوجاء بعيدا فانها ستنبت في ارض جديدة خصبة.
بين عبق المخطوطات وأنفاس المهجرين
وعودة إلى جولتي مع الأب نجيب في عنكاوا- أربيل، فقد اشتملت على زيارة لعمارة كبيرة، شبه منجزة قدمتها شركة بابيلون ميديا، بإدارة الخبير الاعلامي الفنان نشوان جميل زيتو السناطي. وجاء توفير هذه البناية كإسهام سخي، من أسرة هذه الشركة، الأسرة المبدعة فنيا وثقافيا وإنسانيا لنصرة المهجرين ورعايتهم رعاية كريمة. وقام الاب نجيب بتوظيف هذه البناية لإيواء أعداد كبيرة من العوائل، ضمن جهود جبارة مشتركة قامت بها مع رئاسة ابرشية اربيل لمساعدة المهجرين على الاستقرار وتلقي مختلف المعونات الغذائية والانسانية، الى جانب تخصيص الأب نجيب مكان في المنى لممارسة الشعائر الايمانية.
أما المركز التوثيقي للمخطوطات، فقد كان بحد ذاته مؤسسة نوعية، من مكتبة وورشة ومختبر وأجهزة متطورة، ومساعدين يعملون كخلية نحل. كل هذا يعود بلا شك الى المنبت الأصيل لهذا االكاهن، كما يعود الى كل ما توفر له في رحاب الرهبانية الدومنيكية من عمق ثقافي وإعلامي، ونهج علمي متطور، ومساحة واسعة مستقلة ومتفردة توفرها الرهبانية للإبداع الشخصي لأعضائها كل حسب مواهبه.
وفيما يأتي، تشكيلة ناطقة من صور جولتي في رحاب المكتبة وفي أروقة مبنى شركة بابلون ميدييا المخصص للمهجرين ومكان تدريب جوقة المهجرين، أخذني إليها الأب نجيب بهدوء وبساطة وتواضع، بصحبة شقيق روحي لي وزميل في الدراسة الكهنوتية الاب صليوا عزيز رسام، الذي تربطني به وبأسرته أواصر عائلية وثيقة تعود الى السبعينيات. وكان استقبلني في المطار، وأخذني إلى ابرشية كركوك مقر كرسي سيادة المطران يوسف توما الدومنيكي، ثم أعادني الى اربيل للقاء الأب نجيب.
مقتطفات من اصداءات الميديا العالمية
وتجدر الإشارة إلى أن صفحات هذا المقال رأت النور بعد أن طالعتني، بعد قداس الاحد الماضي، إحدى أعضاء كنيستي سانت فامي الفرنسية ورئيسة مجلس خورنتها، الناشطة الفرنسية كريستين لاكرامب، وبيدها قصاصة عن مجلة لوبوان الفرنسية، عدد 23 نوفمبر، معلقة بهذه الكلمات: قلت مع نفسي لا بدّ وأنك تعرف هذا الاب الدومنيكي موضوع المقال. في هذا القصاصة كانت بضع مقاطع، تحت عنوان (شهادة) جاء فيها:
إنها قصة راهب دومنيكاني من الموصل متخصص بالمخطوطات، يحب الله وأرضه، (فإذا بها أرض نوح وابراهيم وتوما) ويحب الكتب. فهو منذ أكثر من 30 سنة، يبحث ويرمم ويبعث الحياة في مخطوطات موغلة في القدم. وما هذه المخطوطات سوى شهود سريعي العطب، شهود لتاريخ الناس، أي ناس، يهود، مسيحيين، مسلمين ويزيديين. وبقي هذا الأب يحيط هذه الكتب بأصابع من العناية المركزة، وفي يديه قفازات بيضاء، تذكرنا بكبار القائمين على خدمة ضيوف الشرف المآدب الكبرى.
إنه ذاك الذي دفعته داعش خارج مدينته لمرتين متتاليتين. فأخذ معه، وحياته على كف عفريت، ثلاثة أرباع من المكتبة الموسوعية الشاملة التي في عهدته، والمحتوية على 8000 مجلد، ليغدو من ثم ضمن المهاجرين الرحل. أما الربع الاخير من هذه المكتبة فقد تولت داعش تدميره. عن هذا الواقع، نقلت المجلة عن الاب نجيب قوله: في وسط هذا الخضم، يبدو الاهتمام بالمخطوطات كأمر مثير للابتسامة. ولكن اذ لم يكن لي ما أوقف به النزاع، رأيت في الأقل أن انقذ ما تبقى لتاريخنا من قطع فتات. لكن المجلة عقبت على هذا الكلام بالقول:
في الحقيقة، ان الموضوع اكثر من هذا (أكثر من مجرد قطع فتات) فإن القيام بالمعالجة الرقمية لهذه النفائس التاريخية كان بمثابة منحها الخلود؛ أما الذين بوسعهم اغتيال البشر، تفجير الحجر وحرق امهات الفكر، لكن هيهات لهم أن يطوّعوا الخلود. هذا اللاجئ في كردستان العراق كواحد من الحشود التي اطلق عليها وصف الكفار، هذا الـ (أبونا)    كما يدعونه، لم يتوقف عند مسألة الكتب. فقد سعى إلى أن يوفر السقف والمؤن، لأعداد كبيرة من العوائل التي وضعها مجانين من إسلاميي القرون الوسطى، في عداد الهالكين في جهنم.
واختتمت مارين دي تيلي، عرضها عن الكتاب (180 صفحة) بالقول: لقد أوفى رومان گوبرت، صحافي مجلة لوبوان بكل أمانة في تحقيقه عبر هذا الكتاب عن شهادة الاب نجيب، فجاءت شهادة ترتفع بالقارئ، تعانقه بإشراقة تبثها كل صفحة من صفحات الكتاب. وتحمل صفحة الغلاف، تعليقا للاب نجيب أوردته دار النشر هذا نصه:
"عندما اشرح بأننا نتحّث بالارامية، لغة يسوع، تلتمع العيون. فلغتنا هي كنز وكذلك ارضنا... في بعض المساءات نصعد الى السطوح، لنشاهد العروض -النارية- التي يقدمها القتلة الذين يريدون طردنا من سهل نينوى، ومن أرض ابراهيم ويونان... "
برنامج 60 دقيقة في قناة (CBS)
وفي 25 ديسمبر 2017 المنصرم، قدمت الإعلامية الامريكية ليسلي ستال في برنامجها 60 دقيقة ا(تقدمه منذ 1991  لقناة سي بي اس CBS) حلقة جديدة من برنامجها اشتملت على تحقيق، في اربيل ومار بهنام والموصل ومينوسوتا الامريكية، مع لقاء ميداني موسع استضافت فيه الاب نجيب ميخائيل وبمعيته أخ من رهبانية وجامعة سان جون في كولیجفیل بولاية مینیسوتا الاب كولومبا  الذي سبق وأن عاونه في الموضوع المطروح في الكتاب، أي ما تم من انجازات لانقاذ المخطوطات الاثرية من طوفان مغولي جديد تمثل باجتياح تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام – داعش في الموص وسهل نينوى.
جاءت الحلقة الموسومة بعنوان: منقَذين من الشرير، المأخوذة على ما يبدو من عبارة الصلاة الربية (نجّنا من الشرير) من انتاج تلفزيوني لريشارد بونان وعائشة صديقي، لمناسبة صدور كتاب: انقاذ الكتب والناس، بغلاف يحمل صورة الاب واسمه العائلي (الأب ميخائيل نجيب)، بالاشتراك مع رومان گوبرت، رئيس قسم في مجلة لوبوان الفرنسية، ومن منشورات دار گراسيه الفرنسية. وفي أدناه رابط الحلقة ونصه المفرض بالانكليزية.
وعندما فتحوا لنا باب سيطرة كردستان، فرحنا فرحا عظيما...
وأبرز ما جاء في الحلقة عن الرحيل المأساوي، كان من المفرح المبكي، إذ عندما وصل المهجرون الى السيطرة كانت الأبواب مغلقة في وجوههم  فانتظروا وهم تحت وابل من الرصاص يتطاير فوق رؤوسههم يمينا وشمالا، متبادلا بين قوات كردستان وبين قوات داعش للشر والبهتان، وبعد وقت من الانتظار فتحوا بوابة السيطرة، عن ذلك قال الاب نجيب:
في تلك الأوقات، كان الاحساس رهيبا بأن الموت قريب قريب، فكانت الصلاة الربية على الشفاه (اغفر لنا خطايانا) وبادرت إلى أعطاء حلة الغفران، لمن حوالي، مسيحيين وغير مسيحيين... وعندما فتحوا باب السيطرة فرحنا فرحا عظيما، لأحساسنا بأننا عبرنا الى جانب الأمان، من خطر الموت.
تساؤلات و... تساؤلات
في استذكاري لتلك الذكريات الملحمية، في أروقة بناية المهجرين وبين رفوف المخطوطات، كانت في القلب غصة، وعقدة في اللسان، ما بين عبق المخطوطات، وما بين مأساة مهجرين  كانوا بانتظار نهاية تلك المعاناة، حتى شاء من شاء من مخططي الحروب وسماسرة السلاح (ذوي إيراد معلن لمليار دولار ونيف سنويا عن هذه التجارة) لإنهاء مهمة داعش، وإخراجهم بغطاء دولي ودماء عراقية. وبهذا الصدد شاهدت من سأل مسؤولا في دولة جوار، عمن دعم داعش في العراق والشام، فقال: إسألوا أمريكا ومن والاها، وكأنه بلسان حال ساع بريد، لا يهمه الشأن فيما يحمله من بريد، ما بين المرسل والمرسل إليه... لكن التاريخ لن يصمت. وتساؤل آخر: ترى ماذا سيكون مستقر هذه المخطوطات وكيف سيكون مستقر المهجرين بعد دحر داعش؟ سؤال يبقى مطروحا للزمن القادم.
أجل سيدي القارئ، إن تلك قصاصة مجلة لوبوان التي أحالتها الي الفرنسية كريستين، جاءت لتسهم في تأوين تحقيق طال أمده، وعرض صور بقيت بانتظار نشرها، وفاء لأحد مبدعينا، محبة بمهجرينا، ومواكبة متواضعة لعشرات من المقالات المقابلات المكتوبة والتلفزيونية في الاصداء عن صدور كتاب أحد آبائنا العراقيين.
وأختتم بتساؤل أخير:  هل يستغرب أحد مما قد يلمسه من صمت للقنوات الاخبارية التلفزيونية في بغداد وبلدان الجوار؟ كلا فهذا لعمري، يزيد على احراجهم احراجا، وحسبهم على ما يبدو، أنهم يكتفون بالتطرق الى مختلف النزاعات على انها بين جهات متضاربة المصالح. ولكن القول المأثور يبقى يردد: لن تحجب الشمس بغربال.
ملاحظة: أسهم الاستاذ صباح ميخائيل السناطي مشكورا في تزويدي بعدد من الروابط والصور والمعلومات.

ملحق لنصوص وروابط ألكترونية في الميديا العالمية
نص من المصدر الفرنسي لتقديم الكتاب
Mossoul tombe aux mains de Daech, plusieurs dizaines de milliers de Chrétiens fuient la plaine de Ninive, au nord de l’Irak. En quelques heures, des familles entières abandonnent leurs maisons, leurs églises et leurs cimetières, fuyant un assaut de cruauté. Elles quittent la terre de Noé, d’Abraham et de saint Thomas, la leur depuis deux millénaires.
Au cours d’une incroyable épopée, le père Michaeel Najeeb, sauve des centaines de manuscrits vieux de plusieurs siècles que les djihadistes ont juré de réduire en flamme, comme ils ont détruit Palmyre ou saccagé le tombeau de Jonas. Au péril de sa vie, ce dominicain de Mossoul nettoie, restaure et protège ces textes sacrés.
Au cours d'une incroyable épopée, le père Michaeel Najeeb, sauve des centaines de manuscrits vieux de plusieurs siècles que les djihadistes ont juré de réduire en flamme, comme ils ont détruit Palmyre ou saccagé le tombeau de Jonas.
Au cours de ce long exode, il construit aussi une arche pour sauver des familles de toutes confessions, chrétiens, Yézidis ou musulmans, tous enfants du désastre. Il les nourrit, les loge, les encourage..
Au péril de sa vie, ce dominicain de Mossoul nettoie, restaure et protège ces textes sacrés.Au cours de ce long exode, il construit aussi une arche pour sauver des familles de toutes confessions, chrétiens, Yézidis ou musulmans, tous enfants du désastre. Il les nourrit, les loge, les encourage.Voici un récit à hauteur d’homme, spirituel et pleine d’espoir. Parfois le destin est une grâce
https://www.cbsnews.com/news/the-men-saving-history-from-isis/
مقابلة في فرنسا عن الكتاب: لا يمكن انقاذ شجرة بدون انقاذ جذورها
https://www.babelio.com/livres/Gubert-Sauver-les-livres-et-les-hommes/993969
https://www.youtube.com/watch?v=QHNQ27cYi68
https://www.youtube.com/watch?v=BzREzYj1drQ
https://www.youtube.com/watch?v=JcQxCyh1LRY
النص الانكليزي المفرغ عن مقابلة قناة سي بي إس مع الاب نجيب والاب كولومبا
 We have come across an unlikely band of brothers on the battlefield against terrorism. They are men of the cloth, a pair of padres, who go into harm's way to find and protect ancient religious books and manuscripts.
We joined them in a region of Iraq that was once Mesopotamia where human culture and learning really began. It's believed to be the birthplace of mathematics, writing and agriculture and recently, the scene of some of the fiercest battles in the U.S.-backed war against ISIS.
Father Columba: I think it's the graffiti that's most horrifying to me.
Father Columba, a Benedictine monk from Minnesota and Father Najeeb Michaeel, a Dominican friar from Iraq decided to partner up to rescue what old documents they could from places like this monastery, Mar Behnam, in Northern Iraq that goes back to the 4th century. It was occupied and defaced by ISIS.
Father Najeeb Michaeel: They destroy everything.
Leslie Stahl: They seem to wanna destroy everything Christian.
Father Najeeb Michaeel: Exactly – to delete our history. To say that there are no Christians, nothing before Islam. And even here, the statue of Virgin Mary – they destroyed it.
The monastery, according to historians, was sacred to both Christians and Muslims in medieval times. It had amassed a collection of manuscripts dating back to the 12th century.
Father Najeeb Michaeel: In this kind of container...
As ISIS was closing in, the resident monks hid the texts in these barrels which they entombed behind a fake wall. 
Leslie Stahl: And ISIS never found it?
Father Najeeb Michaeel: No, because--
Leslie Stahl: For two years?
Father Najeeb Michaeel: Exactly, because the monks more intelligent than ISIS.
When this part of Iraq was liberated last year, those intelligent monks returned, drilled through the two walls, found the barrels – and the precious hand-written books.
Father Columba: So it's the one thing that they couldn't replace, 'cause you could rebuild a building. You can put a new cross up. Those could not be replaced, and those were saved.
There were more than 500, now protected in a house in Erbil, the capital of Kurdistan. 
Father Najeeb Michaeel: Very good condition.
Father Columba: Very good condition. Early 5th-century author.
They include Bibles, scientific works and a grammar book filled with random doodles scribbled down centuries ago.
Fathers Columba and Najeeb have been cleaning, restoring and photographing the documents they have rescued from all over Iraq.
In going through them they're unearthing finds like this copy of a 7th-century contract believed to be a mandate by the Prophet Muhammed that says Christians will be protected from their enemies and allowed to practice their religion.
Father Columba: The whole Middle East at one time was characterized by pluralism, different peoples, different languages, different religions coexisting.
Leslie Stahl: You know, it's interesting that there are people who are risking their lives to preserve these documents, they're the very documents that ISIS is risking their lives to destroy. You know, there's a war over these books.
Father Columba: There's a real war.
In that war, ISIS swept across Northern Iraq in 2014, causing Christians and Yazidis to flee in desperate caravans. 
When the city of Qaraqosh was attacked by ISIS, 50,000 Christians were driven out in a matter of days -- many on foot, the ill on makeshift stretchers. Before Father Najeeb left on the final night of the siege, he gathered up as many books as he could from his monastery there.
Father Najeeb Michaeel: We have many, many children. And many families with us. And I ask them to carry something with me. So they help me.
Leslie Stahl: Carry the manuscripts?
Father Najeeb Michaeel: Even the little girls and boys ten to 12 years, they carry the heritage and manuscripts from 13th, 14th century. I don't save it alone.
They raced from Qaraqosh to the safety of Kurdistan as ISIS fighters chased after them.
Father Najeeb Michaeel: I saw many hundreds of ISIS flags and cars. And they are ready to attack us and to cut our, our route. And kill us.
Leslie Stahl: Frightening. Totally frightening.
Father Najeeb Michaeel: I feel at that moment is the end of my life. And the end of the life of everyone.
Then it got worse. When they got to the checkpoint, the Kurdish Army, the Peshmerga, wouldn't let them in. 
Father Najeeb Michaeel: The Peshmerga try to attack ISIS by gun and by fighting like that and we saw the fire became over our head.
Leslie Stahl: You're right in the middle.
Father Najeeb Michaeel: We are in the middle between both of them. I start to pray in my heart, "Our Father who art in Heaven, forgive us our sin." I start to give the absolution to all the population. To everyone, Christian or no Christian. And at that moment, sure, we heard a voice, many voice, the checkpoint is open. We are very happy and very quickly, we start to escape at that moment to be in the safe side in Kurdistan.
He said it was a miracle, that all those lives were saved but he wasn't able to save all his books. ISIS burned the ones left behind, as we saw when he took us back to his old house in Qaraqosh.
Leslie Stahl: Are you okay father?
Father Najeeb Michaeel: No.
Leslie Stahl: You're not okay
Father Najeeb Michaeel: I'm so sad from inside.
He showed us what ISIS did to the 40,000 books that were in his library.
Leslie Stahl: That's books?
Father Najeeb Michaeel: That's books.
Leslie Stahl: Oh, you can see the pages? And they just torched it—
Father Najeeb Michaeel: This part, yes.
The books he did manage to save are here...
 CBS NEWS
Father Najeeb Michaeel: Here's the Holy of Holies.
The Holy of Holies is a room in a secret location in the Kurdish region of Northern Iraq. It's where Father Najeeb is protecting his most treasured possessions.
Father Najeeb Michaeel: It's a Gospel, the New Testament.
Leslie Stahl: Wow, look at that.
Father Najeeb Michaeel: Palm Sunday. This one when Jesus go to Jerusalem and with a donkey.
Leslie Stahl: This is by hand obviously--
Father Najeeb Michaeel: All is handwritten. And this one--
Leslie Stahl: Look at those colors.
Father Najeeb Michaeel: This with eggs -- yellow.
Father Columba: The egg yolk?
Leslie Stahl: The yellow is made from egg yolks?
FR Father Najeeb Michaeel: Exactly.
Leslie Stahl: And what's the red, do you know?
Father Najeeb Michaeel: Pomegranate
Father Columba: Pomegranate.
Leslie Stahl: And it survived!
Father Najeeb Michaeel: Yeah.
It's just one of the 3,500 texts he saved from ISIS.
Books from the 16th and 17th centuries that were used by missionaries dispatched by the church to spread Roman Catholicism in this region.
Father Najeeb Michaeel: St. Thomas Aquinas.
Some show the ravages of time and war, like this fragment of the New Testament written in about the year 500 and --
Father Najeeb Michaeel: So, this is a parchment from ten, 11-century. It's a parchment with a sheepskin.
Leslie Stahl: What lang-- is that Hebrew?
Father Najeeb Michaeel: This is in-- in Aramaic. Old Aramaic.
Leslie Stahl: Aramaic? That's the language of Jesus?
Father Najeeb Michaeel: It's the language of Jesus Christ and our mother tongue.
Father Columba: And the other thing to remember is that these aren't all religious manuscripts. So some of them are purely history so those are ones that tell us about political events, and kings, and battles, and famines and all of these other things. So it's not simply history of religion, it's history of every aspect of life.
Home base for Father Columba is 6,000 miles from Iraq -- at St. John's Abbey and University in Collegeville, Minnesota, where he spends his days with his fellow monks in prayer and contemplation.
Father Colomba in his library
 CBS NEW He's also director of this library, the world's largest repository of ancient texts, more than 50 million pages from both Christian and Islamic works, all photographed and archived in an online database.
The collection includes the sacred and the secular, like a 1771 account by a priest telling of a plague that killed 45,000. Father Columba found it in Turkey. And a tax receipt from the Roman Empire in the year 222 for the purchase of military equipment. 
Leslie Stahl: So how do these texts and these manuscripts – how do they relate to today? What's the best lesson you've read about?
Father Columba: We can learn about places in our past where people could live together reasonably peacefully for certain periods of time. And then very often what made it impossible was an external intervention so the crusaders come and that makes it very difficult for Christians in the Middle East.
He learned that from this 12th-century text that he found in Aleppo, Syria called "World Chronicle" by Michael the Great about how the crusades triggered a backlash against the local Christians.
Until now, scholars tell us, the history of Christianity in the Middle East has largely been told from a Western perspective. These texts provide historical details that cannot be found anywhere else and, when taken together, will rewrite this history from the point of view of those who actually lived it.
Leslie Stahl: A lot of the places you've gone to are under threat by some radical Islamic group.  And you're kinda just following them around.
Father Columba: In a sense where the hotspots are.
On this trip to Iraq – he went hunting for old documents at the University of Mosul, in a section of the city that had been liberated. 
Father Columba: So one of our questions is: Can anything possibly have survived?
The library here -- once among the finest in the Middle East -- was reduced to rubble in the battle to retake the city.
Leslie Stahl: It looks like the apocalypse.
Father Columba: It's unbelievable. It's totally devastated.
Leslie Stahl: So what do you think happened here?
Father Columba: It must've been an airstrike. The U.S.-backed coalition forces, as part of the liberation of Mosul.
Leslie Stahl: A bomb?
Father Columba: That may have been what started the fire. It must've been a bomb. It came through the roof. And then you can see it coming through two floors. And then presumably exploding below.
Leslie Stahl: But not ISIS? It was the U.S.-backed forces?
Father Columba: Absolutely. So ISIS had been here, had done their damage, had burned their books, and this kind of destruction of the building that we're looking at would have happened right at the end. Liberation brings a lot of destruction.
The university library used to hold about a million books and a collection of ancient maps and manuscripts.
Father Columba: It's a horrible loss.
In this age of intolerance, there are very few Christians left in Iraq. Many who fled Qaraqosh with Father Najeeb have left the country. Others are here – in a refugee camp in Erbil where religion remains at the center of their lives.
Even as their presence in Iraq continues to fade, what will always remain – thanks to the work of Fathers Columba and Najeeb – is a written record of their history and heritage.

4
برحيله المفاجئ، د. بهنام قريو السناطي، يعزف مع الخالدين سمفونيته العتيدة (الآخرة)
في زاوية متواضعة من بابا التعازي لموقع عنكاوا الأغر، صدر اعلان لوفاة لشخص ضمن عدد من اعلانات صفحة الوفيات التي لا شك أنها تعود لأشخاص أعزاء على ذويهم وعلى شعبنا.
وقبل أن يمر الموضوع مرور الكرام وعلى نحو عابر فحسب، قد يجدر أن يلفت الانتباه الى أن الأوساط العلمية والتاريخية والاركيولوجية (لعلم الآثار) في فرنسا وأوربا، ومنطقة الهند، فقدت ضمن هؤلاء الراحلين في هذه الأيام، شخصية علمية فذة ونادرة.
وكان الرجل قد اختار في حياته عموما ان يعمل بصمت. ولكن على ما يبدو، استطاع أحد مريديه والمعجبين به، وهو في الحقيقة ليس الا شقيقه، الفنان والنحات عماد نيسان قريو، ان أن يصدي على موقع عنكاوا دوت كوم، لمشروع بدأ به، برعاية احدى المؤسسات العلمية في فرنسا، الا وهو ما شرع به وانطلق فيه الى حد بعيد، مشروع ترجمة الحوذره الى الفرنسية، فنشر له في باب صورة وخبر، تحت عنوان
لأول مرة الحوذرا الكلدانية . تترجم الى اللغة الفرنسية.. كاملة كما أصدى الاخ عماد لكتاب آخر لشقيقه الدكتور بهنام نيسان، وهو بعنوان: تعلم اللغة الآرامية من خلال الرسم والموسيقى. خصوصا وان هذا الحقل هو ضمن توجه موقع عنكاوا.
أجل فقد شهد مطلع هذا الشهر الحالي الرحيل الأبدي لهذا العلم النهريني، إذعانقت الأثير روح بهنام نيسان قريو، عاشق كلكامش والمتطلع الى الخلود، والمسكون بالتاريخ النهريني، فكان جل ما يعتز به، انه عراقي حتى الصميم، ومن ذلك ان يكون منحدرا من اوائل سكان العراق.
وفي تعلقه بالجذور النهرينية وحبه للعراق، يبدو انه طبق مقولة معلمنا العلامة د. يوسف حبي الذي كتب: بدل أن تقول لأحد أنك تحبه، فأحببه. وهكذا أحب بنّي (كما يلقبه محبّوه) بالفعل الملموس الحضارة النهرينية بدل الحديث عن حبه لها فحسب. ولعله اراد أن يكون بمنأى عن هذه المشاحنات بشأن اللغة والقومية، مختارا ان يحب ويعمل بما أملاه عليه هذا الحب، بدون ان يدخل بمماحكات من قبيل: كيف تتم قراءة عنوان الكتاب الموسوعي الليتورجي الذي انطلق لترجمته الى الفرنسية: أيقرأونه الحوذرا كما عند الكلدان، أم يقرأونه الخوضرا كما عند الآشوريين أم الحوذرو لدى السريان.
ولقد وصفه شقيقه عماد، بهذه الكلمات:  شخصية فـذة، رومانسية، مُحِبَّة ومحبوبة...! متعـدد الاختصاصات، خبراته عموديـة وأفقيـة، ويجيد وبجدارة عدة لغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية... فضلاً عن العربية والسريانية... نال الدكتوراه في "علوم تاريخ الأديان" من السوربون 1985. حيث قصد فرنسا منذ 1976، مغادرا بلاد جذوره السناطية في العراق. متخصص بعمق في الألواح المسمارية التي أجاد استنساخها وترجمتها، ثم تلحين النصوص البابلية...! هواياته الأخرى: والخط والنحت السريانيين، واضع للألحان الراقصة (choreographer)، مؤلف مسرحي...الخ. وإذا سألته عن قوميته، أجاب: عراقي، عراقي.. عراقي... أموت وأغرم بالنخيل... وإذا مضيت في السؤال سيجيب: عراقي كلداني.
أما شقيقه الدكتور وليد قريو، فقد عبر عن رحيله بهذه الكلمات: انه عاش الانتماء معك... الى نفس الحضارة والعشق للأرض والتراب السومري، ومن المفارقة، ان بهنام يغادرنا، إلى الأبدية، إلى الآخرة، وهو مزمع ان يقدم في غضون الاسابيع القادمة ما سماه سمفونية الآخرة.
أما الصديق والقريب د. صبحي زورا، فقد عكس لسان حال مودعيه بالقول: ما أحلى الذكرى وما أقساها علينا وعلى ذوي المرحوم وعلينا. كان بهنام شمعة مضيئة في حقول علمية مختلفة ، عبقريا على كافة المستويات.
وعلى صفحته في التواصل الاجتماعي، كتب صديقه، وزميل دراسته الابتدائية، صباح موسى ميخائيل السناطي، مخاطبا إياه بهذه الكلمات:
برحيلك ياعزيزنا بهنام فقد العالم احد رموز الثقافة والتاريخ والفنون بانواعها. يا من كرست حياتك في البحوث التاريخية ونلت فيها اعلى الشهادات من اوربا وبالذات ما يخص حضارة مابين النهرين وإظهارها للعالم باستنساخ وترجمة الالواح المسمارية اضافة الى تراثها الفني والموسيقي، رحلت وانت مزمع لتقديم ارقى سمفونية ارامية في الاسابيع القادمة والتي تعتبر عصارة جهودك من تأليف النصوص والألحان والأداء والعزف مع روحانية الحدث والغوص في اعماقه والتي اطلقت عليها اسم سمفونية (الآخرة).
تلك الطاقة الخلاقة التي خصك الله بها والتي لم تثنيك عن تقديم اعمال لا تقل عنها قيمة ومكانة لخدمة كنيستنا المشرقية وطقوسها من صلوات والحان وتراتيل والتي اديت العديد منها ان كانت بصوتك الرخيم ام بعزفك الذي كنت تجيده باحتراف على تلك الالات الموسيقية هوائية كانت ام وترية والغريبة بتصاميمها ، الى جانب المشروع الفريد والعمل المضني في ترجمة كتاب ( الحذرا ) المعتمد للصلاة الليتورجية الطقسية في كنائسنا الشرقية الى اللغة الفرنسية والذي كان من المؤمل الاحتفال به في اواخر هذا الشهر بحضور سيادة البطريرك لويس ساكو لتوقيع الصفحة الاولى منه ... كنت شعلة وينبوع من العطاء لاينضب .. مهما قلنا وذكرنا وكتبنا عنك وعن كل ما أبدعت فيه خلال مراحل حياتك فلا نوفيك...
 ولأن شخصيتك النموذجية والفذة من الصعب وصفها، فنعترف بأن رحيلك عنا هو خسارة كبيرة لشخصية مرموقة على الصعيدين المحلي والعالمي اذ كنت علما من اعلام العراق ولقريتنا التي احببتها كثيرا وطالما غنينا لها (سناط).
وعودة الى بهنام، فإنه بحس مرهف، عرض على صفحته للتواصل الاجتماعي، صورة مسكنته بعد دنستها وهشمت اوصالها عصابات تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) فخاطب قراءه بالفرنسية بالقول: هذه كنيسة الشهيدة مسكنته الكنيسة العريقة في الموصل وكنيسة معموديتي، فتصوروا، تصوروا باريس بدون نودتردام... 
وبعد فإن بهنام اضافة الى كونه غزير العطاء، فهو غزير الدموع يغتسل بها كالمطر عندما ينهمر ويهدر. فكان دون الكثيرين معطاء الدموع في تشييع معلمه الاب يوسف أومي الدومنيكي في منتصف السبعينيات. وعندما زاره في نيسان 2016 رفيق صباه وزميل تلمذته الاكليركية، الاب نوئيل، وقدس في كنيسة بقرب مزرعته، قداسا كلدانيا حضرته زوجته تانيا: كانت دموع بهنام تختلط بأنغام خدمته الشماسية، وكأنه يروي الترتيل بالبكاء ويشبع البكاء ترتيلا.
وإذا كان من المعروف ان الرجل افتقدته الأوساط العلمية العلمانية، في العالم، فيبقى الأمل أن الأوساط المحلية ذات الصلة بشعبنا، تتوقف عند عطائه المتميز وتعمل على توثيقه والافادة منه: وقد تكون لعمري، أمنية ستجعل الدكتور بهنام نيسان قريو السناطي يرحل عن عالمنا مطمئن البال.
 

 
الدكتور بهنام نيسان السناطي لأول مرة الحوذرا الكلدانية . تترجم الى اللغة الفرنسية.. كاملة

الرابط الاول
الدكتور بهنام نيسان السناطي لأول مرة الحوذرا الكلدانية . تترجم الى اللغة الفرنسية.. كاملة
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=824267.0
الرابط الثاني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,827407.msg7503403.html#msg7503403
تعلم اللغة الآرامية من خلال الرسم والموسيقى

5

مطران كالكري لدى استقباله الاب نويل فرمان: الكنيسة في العراق تعيش الاستشهاد الاخضر كعلامة للرجاء.

استقبل سيادة وليام ماكراتن، المطران الجديد لأبرشية الكاثوليك في كالكري، في مكتبه بالابرشية، الاب نويل فرمان راعي كنيسة سانت فامييّ - العائلة المقدسة - الفرنسية الكاثوليكية في مدينة كالكري وجنوبي مقاطعة البرتا، وكاهن رعايا الكلدان في البرتا. وعبر الاب نويل فرمان السناطي عن فرحه وانشراحه لهذا اللقاء، حيث استقبله المطران وليام ماكراتن، بحدس الاسقف المهتم وفراسة الأب المحب.
وأبدى المطران الكاثوليكي الذي تعيّن في كالكري في مطلع هذا العام، ارتياحه لما تبذله كنيسة العراق بأبرشياتها من جهد في انقاذ ما يمكن إنقاذه لعودة المهجرين الى قرى سهل نينوى بعد تحريرها، بعد 3 سنوات من الاحتلال والدمار. كما أكد المطران ماكراتن عن دعمه لغبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو، وللكنيسة في العراق عموما وفي بغداد خصوصا، كشاهدة للايمان والرجاء. ووصف ما يعيشه ابناء كنيسة العراق، في بغداد والمناطق الساخنة، بما يسمى عند الايرلنديين وجيرانهم بروح الاستشهاد الاخضر، كتعبير عن الرجاء والاستعداد للبذل من اجل غد افضل.
وفي ختام اللقاء أفصح المطران وليم ماكراتن عن نيته، في ضوء هذا اللقاء، بأنه سيؤكد مع كهنة أبرشيته في كالكري، على تفعيل روح الرسالة وانعاش الارساليات إلى المناطق الساخنة كشهود للرجاء وسعاة لإقرار العدالة وإحلال السلام.

6
حوار الاب نويل فرمان مع الاب كمال بيداويد النائب الاسقفي لكلدان استراليا ونيوزيلندا


يوميات من استراليا -3- مع الاب كمال بيداويد: بصمة ليتورجية تاريخية، وخبرة راعوية مع كلدان واشوريين كاثوليك


الاب نويل فرمان السناطي
حاوره في ملبورن، 20 آب 2017

 

على مدى عقود مضت، مرّت بالكنيسة  الكلدانية نسمتان حملتا نفحة خاصة في الاصوات الليتورجية، المطران الراحل أفرام بدي، والاب كمال ورده بيداويد النائب الاسقفي لأبرشية الكلدان في استراليا ونيوزيلندا. المطران مثلث الرحمة مار أفرام بدي، وثق الألحان بالكاسيت من خلال شركة المانية متخصصة؛ والاب كمال، أنجز بدوره توثيقا ليتورجيا من خلال الاجهزة المتطورة في تسجيل الاقراص الليزرية. بحيث تستطيع ان تشنف الاذنين، ان تتعلم وأن تصلي بالاستماع إليهما. وتصدر "السيديات" الاخيرة، من تسجيلات أغادير، والأب كمال بيداويد يطل مع حلول 2018 على يوبيله الكهنوتي الذهبي. والاقراص الليزرية هذه، تتناول الالحان الطقسية على مدار مواسم السنة الطقسي؛ وهي تتوفر في أماكن عدة خصوصا في مكتبة الكنيسة.


أفكار راودتني وأنا اكتب انطباعي عن اللقاء مؤخرا بالأب كمال في مدينة ملبورن الاسترالية. ففي دار الخورنة لرعية مريم العذراء حافظة الزروع ، وعلى مائدة فطور كان يحرص ان يعدّه بيده، مع ما كان يتيسر لي من معاونة مطبخية متواضعة، جرّنا الحديث إلى تناول خبرته الراعوية في خورنة مار توما الرسول للكلدان والآشوريين بمدينة ترلوك في ولاية كاليفورنيا الامريكية.
أخبرته أني التقيت ببعض أبناء تلك خورنته السابقة، من الآشوريين الكاثوليك ومن الكلدان الكاثوليك واني التفتُّ الى هذا الانسجام في ان يعيش المؤمن الآشوري ايمانه الكاثوليكي في الكنيسة الكلدانية كما الكلداني في الخورنة إياها..
وقد لمست ان الاب كمال يعيش الحنين الى هذه الخدمة في ترلوك (1994 الى 2011) بما طبَعته من احساس المؤمن الاشوري بقوميته مع انتمائه الى اي مذهب مسيحي كان، منه الكاثوليكي فيعيش بانسجام في كنيسة ذات تسمية إثنية  كلدانية، إلى جانب اعتزاز الكلداني بكلدانيته.
وكنت اتذكر إنه لدى مشاركته في المؤتمر الكلداني لعام 1994 كيف تعامل أبونا كمال بسلاسة مع العبارة المتداولة في منطقة خدمته بكاليفورنيا، بالانتماء الكلداني الكاثوليكي او الاشوري الكاثوليكي.
وإذ أذعن الاب كمال الى التداول الثنائي الاثني هذا للمنتمين الى الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، من الكلدان والاشوريين فإنه كما بدا لي يتحسس بصراحة من اقتصار التعامل مع التسمية الاثنية الكلدانية الأحادية، في الكنيسة الكلدانية، عندما تضم مؤمنين من مختلف الانحدارات مما جرّني الى استيضاح هذه النقطة مع احد الاعضاء البارزين في الرابطة الكلدانية بملبورن.
فلم يكن تناقض مع هذا المبدأ وذلك من خلال عدم وضع الكنيسة في إطار التعامل السياسي لابنائها سواء الكلدان او الاشوريين بما ينادون به قوميا وسياسيا من تسمية اثنية قومية. ففي مجال الرابطة، اكد الاب كمال بدوره على استقلالية الكنيسة، على وفق ما سبق وأن صرّح به، لمجلة بابلون بقوله بشأن التعاون بين الخورنة والمؤسسات والجمعيات الكلدانية المتواجدة في مدينة ملبورن، وهي أنه يحترم ويقدّر كل عمل يصبّ في مصلحة الكنيسة والمؤمنين. وقال: "ان الكنيسة لها عملها المعروف ، فهي ام ومعلمة وبهذا المفهوم هي الرائدة في مجال اختصاصها، اما المؤسسات والجمعيات المتواجدة على الساحة في مدينة ملبورن فهي تعمل في مجالها وحسب نظامهم ومنهجها واتمنى لها الموفقية والنجاح."
 
كما لم يخف أبونا كمال تأكيده أن النشاط الاثني الكلداني، على مستوى أبناء الكنيسة الكلدانية، هو نسبيا حديث العهد، قياسًا بأشقائهم الاشوريين. وعلى هذا أفصح انه لا يرى حاليا جدوى تذكر من الجهود المستنفذة من جوانب عدّة الى جرّهم إلى الوحدة الاندماجية، وأن الوحدة حسبها ان ترتقي إلى المستوى العقائدي. ويتطلع الى المزيد من الخطوات لتكون الوحدة بين الكنائس الشرقية على المستوى العقائدي وليس الاداري. فيرى ان الكنيسة الاشورية مستكينة لاستقلاليتها عن الهيراركية الكاثوليكية.
وشاركته الانطباع ايضا، ان الكنيسة الاشورية الشقيقة حافظت على الايمان القويم، برغم الغربة والحروب والاضطهادات والمماحكات القومية، وإذا كان انقسام مع الكنيسة الشرقية القديمة، فهو انقسام إداري وليس عقائدي.
وفي مجلة بابلون ايضاً إشارة الى ان العطاء الليتورجي للاب كمال يضعه ضمن "الاشخاص الذين يجيدون الالحان الكنسية الطقسية والعمل قدر المستطاع للحفاظ عليها سليمة كما هي وبدون اضافات او اجتهادات فردية، لانه بهذا التصرف يفقد المقام الاصلي اصالته ويصبح لحنا اخرا لا غير".
 
عطاء الأب كمال على مدى العقود الخمسة الكهنوتية لخدمته، ترافقه غصة عودة الطاعة من الدراسة في روما قبل اكمال اطروحته، وعدم حصوله على الفرصة فيما بعد لاكمالها، وكذلك النزعات التي ترافق الشارع الكلداني، بأن الكاهن الكلداني المتميز، له أن يأخذ دوره في الكرامة الاسقفية، بينما ينسى الشارع الكلداني ان الاسقفية تبقى في نهاية الامر مسألة اختيار للحاجة بين العديد من المتميزين وغيرهم، وبدافع من مختلف الاملاءات.
 
وعليه فإن ما عاشه الأب كمال بيداويد في خبرته المسكونية على المستوى الكلداني والآشوري، وكذلك  في عطائه الليتورجي، بنفحة غير متكررة من صوته وبخدمته المتواصلة لشعب المؤمنين، كل هذه العناصر تجعلنا نعدّها افضل تاج تكريمي.


7
مع المطران بشار ورده
إغاثة المهجرين في إيبارشية أربيل الكلدانية
حوار أجراه الاب نويل فرمان – مالبورن استراليا
المُقدمة
خلال إجازة لزيارة استراليا لأول مرة، توفرت فرصة مؤاتية للقاء المطران بشار وردة، خلال زيارته الى مدينة ملبورن التي فيها أعداد غفيرة من مسيحيي العراق. وإذ نزلنا كلانا في ضيافة كريمة للاب كمال ورده راعي كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع للكلدان في ملبورن، كانت السانحة لاجراء هذه الحوار عن موضوع المهجرين، في هامش محاضرة مستفيضة قدمها سيادته عن الموضوع عينه.  وبدأت بالسؤال:
من أجل عيش كريم للمُهجّر قسراً: سكن ... تعليم ... رعاية صحية
الاب نويل: هل لنا أن نعرف ما هي الجهات التي عملت في موضوع التعامل مع المهجرين اذا سلطنا الضوء على نشاط ابرشية اربيل في العراق؟
المطران بشار: أود أولا التأكيد على أن كثيرين عملوا من أجل التخفيف من صعوبات النازحين: غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل ساكو، وإيبارشياتنا الكلدانيات الموصل وكركوك وألقوش وزاخو والعمادية، كذلك إيبارشيات الموصل للسريان الكاثوليك والأرثدوكس، والرهبانيات وجماعات كثيرة. إجتهدوا جميعا للوقوف إلى جانب النازحين في محنتهم.
س: نود أن نعرف بعض التفاصيل بشأن تعامل الابرشية مع هذا الحدث؟
المطران بشار: نعم ممكن أن أخصص حديثي اليوم عن نشاط إيبارشيّتنا وبرامج الإغاثة التي تقدمها منذ بدء الأزمة كوني مطلّع على تفاصيلها أكثر، شاكرا الجميع على جهودهم.
عندما وصلت قافلة مؤمنينا المهجرون قسراً من سهل نينوى إلى بلدة عنكاوا ليلة السابع من شهر آب 2014، طرقوا أبواب الكنائس لتأويهم، وخلال ساعات قصيرة أكتضّت كاتدرائية مار يوسف الكلدانية في مزار عنكاوا (720 عائلة)، ومزار مارت شموني( 750 عائلة)، ومزار مار إيليا (125 عائلة)، وكنيسة مار كوركيس بالعوائل المُهجرة قسراً، وقمنا، وبمساعدة محافظ اربيل السيّد نوزاد هادي والسيّد فهمي بابكا بفتح مراكز أخرى مثل "نادي الشباب الرياضي (217 عائلة) و11 مدرسة حكومية في بلدة عنكاوا (1200 عائلة)، كما وفتحت منظمات المجتمع المدني والأحزاب المسيحية في عنكاوا مراكزها ومقرّاتها لإستقبال العوائل، إضافة إلى توجيه العوائل للسكن في أبنية غير متكملّة في بلدة عنكاوا، فيما نزحت عوائل أخرى إلى شقلاوة وديانا. وقُمنا بمفاتحة السيّد نزار حنا فخصص لنا بناية في مجمعه التجاري في شيخ الله وسط أربيل لإسكان 250 عائلة ووفّر لها الماء والكهرباء ولغاية اليوم مجاناً، وكما ووجهنا نداءً إلى العوائل المسيحية في عنكاوا لإستقبال النازحين وإستجابت العديد من العوائل لهذا النداء.
س: كيف كان وقع الحدث على الاكليروس والمؤمنين في اربيل؟
المطران بشار: لم نكن مستعدين لمواجهة هذه الأزمة والتي شكلّت صدمة كبيرة للجميع إكليروساً ومؤمنين، وعمل البطاركة والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات لمرافقة المؤمنين والإصغاء إلى معاناتهم، والعمل على التخفيف منها إعتمادا على المساعدات التي كانت تصل الكنائس، غير متناسين الحضور الرعوي والروحي مع المهجرين منذ الساعات الأولى للتهجير. هنا، نوجّه تحية لكل الكهنة والرهبات والراهبات الذين رافقوا مؤمنينا في هذه المحنة وتواجدوا معهم في المخيمات وتقاسموا صعوبات حياة التهجير.
س: هل تحدثنا بشيء عن إستجابة الإيبارشية
المطران بشار: إجتمع بطاركة الكنائس المعنية مع مطارنة الموصل وشُكلّت "لجنة الإغاثة الأسقفية"، ضمّت أساقفة الموصل: سيادة المطران أميل نونا، وسيادة المطران بطرس موشي وسيادة المطران داود شرف وسيادة المطران طيمثاوس الشماني، وأسقف أربيل للكلدان: سيادة المطران بشّار وردة. مهمة هذه اللجنة كانت: متابعة شؤون الإغاثة للنازحين، وتم تكليف سيادة المطران أميل نونا بإدارة شؤون اللجنة، فكانت هناك مشاريع مشتركة لخدمة النازحين، إضافة إلى مبادرات خاصّة بكل كنيسة، فهناك تبرعات تُرسل لخدمة "النازحين" جميعاً، مع إمكانية إرسال تبرعات "لكنيسة محددة".
س: تحت اية مظلة عملت الابرشية؟
المطران بشار: عملنا كإيبارشية تحت مظلّة "لجنة الإغاثة الأسقفية"، وإعتمدنا في الأيام الأولى على التبرعات المالية والعينية التي كانت تصلنا من مؤمنينا في بلدة عنكاوا، ثم بدأت الكنائس وجمعيات الإغاثة الكاثوليكية، إضافة إلى جمعيات ومنظمات حكومية (جمعية الهلال الأحمر الإماراتية)، وغير حكومية والتي بدأت بالتوافد وتقديم المساعدات للمهجرين التي أشرفت على إداراتها في بدء الأزمة جمعية الرحمة الخيرية الكلدانية في الإيبارشية، وخصصنا قاعة مدرسة مار قرداغ الأهلية الدولية مركزاً لها.
س: كيف تبرمج نشاط الابرشية؟
المطران بشار: قامت مجموعة من شبيبة الإيبارشية وبإشراف الأبوين سالم ساكا وريّان عطو بإعداد قاعدة بيانات متكاملة عن جميع العوائل المهجرّة إلى أربيل ضمّت 13200 عائلة  خلال الأسابيع الأولى للتهجير وقدمت هذه البيانات لكل المنظمات مجانا رغبة من الإيبارشية في مساعدة هذه المنظمات لتوفير ما يلزم من احتياجات للمهجرين. وكما حرصت شبيبة الايبارشية على التواجد مع المهجرين وإقامة أنشطة تعليمية وترفيهية لمختلف المراحل العمرية.
أشرفت الأخوات الراهبات على توزيع وهدايا عديد الميلاد لسنة 2014 المُقدمة من جمعية الكنيسة المتألمة، فيما أشرفت الأخوات الراهبات بنات مريم الكلدانيات على توزيع الكسوة الشتوية المٌقدمة من إيبارشية مار توما الكلدانية في ميشغان (كانون الأول 2014)، وهدايا عيد الميلاد لسنة 2015 المُقدمة من فرسان كولمبوس في الويلايات المتحدّة الأمريكية. وأعدّ دير مار يوسف للإبتداء لراهبات بنات مريم كورس تعليمي في صيف 2015 لطلبة مرحلة الابتدائية والمتوسطة بمشاركة من راهبات ميشغان ومعلمي التعليم المسيحي.
غياب الحكومة المركزية
س: وماذا عن موقف الحكومة المركزية وحكومة الاقليم؟
المطران بشار: كل هذا في غياب واضح للحكومة المركزية عن تمويل ودعم أنشطة الإغاثة. ومع أن حكومة أقليم كوردستان قدّمت كل التسهيلات الممكن للنازحين، وفتحت الحدود لهم، وسهلّت إجراءات الإقامة، وواصلت في تقديم العون اللوجستي لهم، إلا أن الأزمة الإقتصادية حالت دون تقديم المعونات المالية لهم.
س: هل كان ثمة مراكز اغاثة متخصصة، كما نسمع عن ذلك في البلدان المنكوبة؟
لمطران بشار: عملت اللجنة مع ممثلي 26 مركز إغاثي في أربيل، فكانت هناك لقاءات شبه يومية في دار مطرانية الكلدان في أربيل مع مسوؤلي المراكز للإصغاء إلى "الحاجات" وتنسيق الفعاليّات، وتوجيهِ المعنيين حولها. وكان ممثلوا المراكز يُقدمون وصولات الصرف إلى سكرتارية اللجنة لتقدقيق الحسابات وصرفها، ويتوجهون يومياً إلى مخزن جمعية الرحمة الخيرية الكلدانية في مدرسة مار قرداخ الدولية لإستلام الحصص الغذائية ومواد التنظيف.
س: وهل بقي الموضوع تحت مظلة الاغاثة الاسقفية؟
المطرن بشار: كلا فقد تم حلّ لجنة الإغاثة الأسقفية في شهر آذار 2015، وعملت كل كنيسة في رعائة مؤمنيها.
س: كان عمل لجنة الاغاثة الاسقفية، حقلا عمليا للتعايش المسكوني، في المستوى المدني، بأي هدف تم حل اللجنة؟
المطران بشار: ارتأى مسؤولو الكنائس، أن العمل بنحو مستقل، سيأتي بفائدة أكثر، فاحترمنا رأيهم، برغم تحفظنا على الاسباب، وبالفعل فإن العمل المستقل لم يأتي بنتائج متميزة.
لكننا، وكإيبارشية أربيل الكلدانية، واصلنا العمل مع جميع الكنائس والمؤسسات الخيرية بما فيها إيبارشيّاتنا الكلدانية في الخارج والتي أرسلت وفي أكثر من مناسبة دعماً مالياً مُخصصاً لعوائلنا الكلدانية أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: إيبارشية مار توما في أستراليا، إيبارشية مار توما في ديترويت- ميشغان، إيبارشية مار بطرس في سانيتياغو.
س: بماذا بدأت أنشطة الاغاثة من لدن إيبارشية اربيل، خصوصا وأن مثل هذا التحول الديمغرافي قد يتسبب قبل كل شيء بأزمة مياه؟
المطران بشار: قبل كل شيء، وللتخفيف من أزمة المياه في بلدة عنكاوا، قامت مديرية الماء والمجاري في بلدة عنكاوا ومن خلال الإيبارشية وبدعم مالي من مجلس أساقفة إيطاليا بحفر أربعة آبار للمياة الجوفية في صيف 2015.
السكن
س: كيف كانت الجهود في مجال الايواء
المطران بشار: مع نهاية الشهر الأول، وقُرب بدء العام الدراسي وإستعداداً لفصل الشتاء كان على اللجنة إخلاء المدراس من ساكنيها للسماح للطلبة بالدراسة ورفع الخيم من الحدائق العامّة ومن حدائق الكنائس، فشرع سيادة المطران أميل نونا بالبحث عن بدائل للسكن، فتم تأجير مجمعّ عيون أربيل في بلدة عنكاوا لسكن العوائل المهجّرة من بلدة كرمليس والتي كانت تسكن في مبنى غير مكتمَل وتم تكليف الأب ثابتّ بولس للإهتمام بشؤون المركز ورعاية شؤون العوائل الكلداينة المهجرة والساكنة في محافظة أربيل، كما وقُمنا بتأجير بيوت سكنية في مجمّع أوزال وفي عنكاوا وفي مجمّع كنجان ومجمّع دروازا، إضافة إلى نصب كرفانات في مجمع نادي الشباب الرياضي (المركز البرازيلي) ومزار مار إيليا ومجمع إشتي 1 وعنكاوا 1.
ومع توفر التخصيصات المالية تم إفراغ  مجمع نادي الشباب الرياضي (المركز البرازيلي) ومزار مار إيليا ومجمع إشتي 1 وعنكاوا 1 من ساكنيها وتحويلهم إلى بيوت نظامية. اليوم لدينا مجمّع سكني (كرفانات) واحد فقط من أصل 26 مركز.
يُشرِف على البرنامج السيّد شوان حنّا مع كادر من شبيبة الإيبارشية، بدعم مالي من: جمعية الكنيسة المتألمة، مجلس أساقفة إيطاليا، فرسان كولمبس وتبرعات متفرقة من أبرشيات وكنائس كلدانية.
يستفيد من البرنامج 2416 عائلة في بيوت مؤجّرة على نفقة الإيبارشية (بدعم الجمعيات الخيرية الكاثوليكية) فيما تستفيد 5033 عائلة ومنذ الأول من شهر كانون الثاني 2016، من دعم مالي يتراوح ما بين 100- 150 $ شهرياً. 75%  من كنيسة السريان الكاثوليك، و15% من كنيسة السريان الأرذدوكس و10% من الكلدان.
التعليم
س: هذا كان عن السكن، وتوالت الاسابيع والاشهر، على العدوان الداعشي، ليتخذ طابع المدى البعيد، كيف تم التعامل في مجال التعليم؟
المطران بشار: قمنا، وبالتعاون المباشر مع السيّد فهمي صليوا بابكا مدير تربية أطراف أربيل بفتح 12 مدارسة للطلبة المهجرين من الموصل وسهل نينوى. قدّمت الإيبارشية 4 أراضي تابعة لأوقاف الإيبارشية لبناء مراكز تعليمية: مدسة البشارة (حي 128 في عنكاوا)، مدرسة مريمانا (حي مار قرداغ في عنكاوا) ومجمّع دراسي لجامعة الحمدانية (حي 147 في عنكاوا) ومجمع دراسي مجاور القرية اللبنانية (حي 147 في عنكاوا).
شُيدّت هذه المدارس بمساهمة متميزة من جمعية الكنيسة المتألمة (7 مدارس في أربيل ودهوك)، ومجلس أساقفة إيطاليا، ولوفرودوريان وأبرشية مار توما الكلدانية في ديترويت- مشيغان، ومن مجلس أساقفة هنغاريا.
السّلة الغذائية
س: ماء وسكن وتعليم لأناس لا مورد لهم، كيف كان التعامل مع أعاشتهم؟
المطران بشار: كلّفت لجنة الإغاثة الأسقفية جميعة الرحمة الرحمة الكلدانية في أربيل بإدارة المخزن الخاص بالغذاء ومواد التنظيف، وفتحت الجمعية المخزن في قاعة مدرسة مار قرداخ في عنكاوا. وتم تمويل المُشتريات من لجنة الإغاثة الأسقفية إضافة وقبول التبرعات العينية من المتبرعين من الأفراد والجمعيات، ومُساهمة جمعية الهلال الأحمر الإماراتية بمتابعة سعادة السيّد راشد المنصوري القنصل الإماراتي العام في أربيل.
كانت مراكز الإغاثة تستلم حصتّها اليومية من الأغذية مواد التنظيف، وقامت جمعية الرحمة الكلدانية بتوثيق تفاصيل الإستلام والتسليم في سجّلات محفوظة في أرشيف الجمعية.
   بدأت الإيبارشية ومنذ حزيران 2015، وبإشراف لجنة من العلمانين بإدارة السيدّ فهمي بابكا بتوزيع سلّة غذائية لكل عائلة مهجّرة بقيمة 57- 58 $ تتضمن نواد غذائية وتنظيف منزلي.
توزع اللجنة 11,800 سلّة غذائية شهرية بدعم من مؤسسة الكنيسة المتألمة وفرسان كولمبوس، ونقوم بمساعدة عوائلنا النازحة في ألقوش وبعض العوائل الإيزيدية أيضاً التي تسكن بجوار عوائلنا النازحة.
الطبابة – عيادة مار يوسف الخيرية
س: بعد ما تم تناوله من خدمات، نود أن تسلط الضوء على جانب حيوي آخر وهو حاجة المهجرين الى  خدمات طبية،
المطران بشار: قامت مجموعة من شبيبتنا بفتح عيادة خيرية في كنيسة مار يوسف لمعالجة المرضى، وسرعان ما تطوّرت من غرفة في مجمع الكاتدرائية إلى عيادة مار يوسف الخيرية، خلف مدرسة مار قرداخ في عنكاوا. تطوّع 12 طبيب أخصائي، و12 طبيب عام، و8 صيدلاني و3طلبة من المجموعة الطبيّة للعمل في العيادة التي تُشرِف عليها راهبات الصليب المُقدس. تستقبل العيادة 120- 150 حالة يومية، وجرى التنسيق مع عيادة مارت شموني الخيري على أن تقُدِم عياة مار يوسف الحيرية الدواء لـ 2700 مريض من ذوي الأمراض المزمنة. ويعتمد المركز على التبرعات المالية والعينية حصراً والتي تُقدر بـ 42,000 $ شهرياً. ويجري حاليا تطوير العيادة لتضم أقسام جديدة تتناسب ومتطلّبات المرحلة.
مركز الاسقفي للإرشاد الراعوي
س: لا بدّ وأنه كانت ثمة حاجة الى الرعاية الانسانية:
المطران بشار: لمتابعة الحالات النفسية الناتجة من جرّاء هذه الأزمة  والذي أسس بجهود الأب دوكلس البازي لمتابعة مثل هذه الحالات الخاصّة وتقديم العون النفسي والإجتماعي، وقد قدّم دورات تدريبية عديدة للكوادر العاملة مع النازحين.
النشاط الإعلامي
س: ضمن الماكنة الاعلامية للتعامل مع الرأي العام العالمي، كيف كان النشاط الاعلامي؟
المطران بشار: من أجل إيصال معاناة النازحين والتحديّات التي يواجهونها، وللحصول على الدعم المالي لرعاية حاجتهم قمنا بزيارات عديدة إلى بلدان العالم للتعريف بحجم المعاناة وقسوتها، وضرورة وقوف المجتمع الدولي لاسيما دول القرار مع النازحين في هذه المرحلة.
لهذه الزيارات أهمية كبيرة، فمع طول أزمة النزوح وحدوث أزمات وكوارث إنسانية في مناطق متعددة في العالم، يتحول إهتمام الجمعيات ومنظمات الإغاثة نحوه، مما يعني نيسان موضوع المهجرين في أربيل، لذلك كان لزما علينا القيام بهذه الزيارات المتعبة من أجل ديمومة إيصال الدعم المالي لبرامج الإغاثة، وتذكير الجميع بأن الأزمة مازالت مستمرة والحاجة إلى الدعم بالغة الأهمية.
كما وإستقبلنا العديد من الوفود الكنيسة والحكومية في دار المطرانية، إضافة إلى العديد من المقابلات في الصحف والإذاعات وشاشات التلفاز المحلية وألأجنبة.
 
الدعم المالي لبرامج الإغاثة
س: بقي أن نعرف شيئا عن عن مصادر التمويل.
المطران بشار: ساهمت العديد من الجمعيات الخيرية الكاثوليكية وكنائس كلدانية ورهبانيات بتخصيصات مالية لدعم برامج الإغاثة أعلاه، بعد تقديم طلبات أصولية تتوافق وحاجات النازحين، وتوثيق الحسابات الخاصّة بكل مشروع وتقديقها لدى مكتب حسابات قانوني.
وصلت قيمة الدعم المالي لبرمج الإغاثة إلى أكثر من 44,872,345.48 $ لغاية شهر حزيران الماضي، وتصدرت جمعية الكنيسة المتألمة القائمة يليها فرسان كولمبس ثم مجلس أساقفة إيطاليا والقائمة تضمن 60 جهة متبرعة. علماً أن بعضاً من هذه الجمعيات قد أرسل مبالغ إلى إيبارشيات وكنائس ورهبانيات محلية لدعم برامج الإغاثة التي تُشرِف عليها.   
س: سيادة مار بشار وردة، كيف تلخص مساعي الكنيسة تجاه نكبة التهجير القسري:
المطران بشار: سعت الكنيسة إذاً منذ بدء عملية التهجير القسري في حزيران – آب 2014 إلى مرافقة العوائل المسيحية المهجرة من الموصل سهل نينوى:
أولا للتخفيف من معاناتها وتوفير سبل الحياة الكريمة لها وفق الإمكانيات المتوفرة لها،
وأيضا من أجل الحفاظ على الوجود المسيحي في العراق، وذلك بتوفير المسكن والمأكل والتعليم والصحة. وشكل توفير كل هذه المستلزمات تحديا كبيرًا تطلّب زيارات وجهودا مضنية من خلال حضور المؤتمرات والتعريف بحجم المعاناة التي يعيشها مسيحيوا العراق، وأثمر ذلك في مواصلة الكنائس والجمعيات الكاثوليكية في دعم برامج الإغاثة بأكثر من 36 مليون دولار، والتي أسهمت في الحفاظ على أكثر من 14000 عائلة (من أصل 20000 عائلة تم تهجيرها من مدينة الموصل وسهل نينوى في حزيران – آب 2017).
ما بعد داعش
س: في نيسان 2016 لدى تواجدي في البطريركية في بغداد، تهيأ لي أن السفير الامريكي في العراق، ستيورات جونز، كان واحدا من اولئك مخططي الحروب، فتحدث خلال لقائه بغبطة البطريرك، للعدّة التي يعدونها لاسقاط داعش. وانتظرنا أشهر عديدة، وكأن مدة تواجد داعش كانت محسوبة الى أجل محددة، وهكذا رتبت القوى العظمى هزيمة داعش بدماء عراقية غزيرة، وبدمار شامل للبنية التحتية، ماذا يا ترى بعد ما سمي بالتحرير؟
المطران بشار: كما يعلم الجميع أن قرانا المسيحية في سهل نينوى حُررت منذ تشرين ثاني 2016، وكانت المفاجئة في حجم الدمار الذي لحق بها. معظم منازلها سرقت وهدم بعضها بسبب العمليات العسكرية، مثلما أحرفت العديد من الكنائس والأديرة. وتراواح حجم الدمار من بين 20% في بعض القرى إلى 80% في فرى أخرى.
ومن أجل الإسراع في عملية إعادة الإعمار، وبمساعدة فنية وإستشارية من قبل جمعية الكنيسة المتألمة، شكلت "لجنة إعمار نينوى" من قبل السادة الأساقفة المعنيين، يعاونهم في الإدارة حلقة من كهنة ومختصين في شؤون الإعمار.
قامت هذه اللجنة بعملية مسح شامل على القرى وفق معايير متفق عليها، وتم إحصاء 14000 ألف منزل في قرى تلسقف وباطنايا وباقوفا وقره قوش وكرمليس وبرطلة وبعشيقة. صنفت الدور إلى ثلاث مستويات نظرا لحجم الدمار الذي لحق بها. وقدرت عملية إعادة تأهيل هذه المنازل ب262 مليون دولار. وستبدأ حملة تضامن على صعيد الكنائس والمنظمات الدولية من أجل الإسراع توفير التخصيصات المالية اللازمة لهذا الغرض.
تحديات العودة:
س: سيادة المطران، ما هي التحدّيات التي تمخضت عنها هذه المرحلة الجديدة؟
المطران بشار: اليوم نواجه تحديات أخرى:
- مع أن العمليات العسكرية إنتهت في معظم مناطق الموصل إلا أن عمليات التمشيط وتصفية جيوب داعش مازالت متواصلة، غير متناسين أن لبعض منها دوافع طائفية، والتي تلقي بضلالها على العملية السياسية برمّتها. هناك مخاوف حقيقية من عمليات إنتقام طائفي وتطهير عرقي لاسيما وأن الموصل تعد حاظنة للكثير من الجماعات المتطرفة. هذا يمنع عوائلنا المسيحية من العودة إلى مدينة الموصل والتي دمّر جانبها الأيمن بشكل تام، ويبقى جانيها الأيسر غير آمن للعودة.
- ما زال الخطاب الطائفي هو الطاغي على المشهد السياسي في العراق، وعلى الرغم من الأحداث الدموية والكارثية التي شهدها العراق والتي كلّفت العراق الكثير منها دمار ثلاث محافظات سنيّة وتشريد الملايين وهدر المليارات، إلا أن الجميع يعرف أننا لم نتعلّم الدرس بعد.
- عدم وضوح الرؤية السياسية لتبعية مناطق سهل نينوى والتي لنا فيها قرى مهمّة. هناك صراع ما بين بغداد وأربيل لضم هذه المناطق تحت سيطرتها، وينقسم المسيحيون حول هذا الموضوع أيضا. ويشكل هذا الأمر تحديا كبيرا أمام عوائلنا التي لم تقرر العودة بعدُ.
س: وماذا عن تحدّيات الوضع الأمني؟
المطران بشار: أجل هناك تواجد العديد من الجماعات المسلحة في بعض من قرانا المسيحية والمتباينة في تبعيتها السياسية، ووصل الأمر إلى المواجهة المسلحة بين الفصائل المسيحية نفسها، وهذا يعطي رسالة غير آمنة لعوائلنا.
كما أن هناك الكثير من الألغام في الحقول وداخل بعض الدور السكنية، وتحتاج هذه إلى فرق متخصصة لإزالتها.
س: من الشائع أن حوافر التخصيصات المالية، تختلف في وقت الحروب وما بعدها، كيف هو الحال في مرحلة ما بعد داعش:
المطران بشار: أجل هناك عدم توفّر التخصيصات المالية الكافية لإعادة إعمار البنية التحتيّة والتي كانت تعاني الكثير قبل 2014، فالطرق والمدارس والمستشفيات في حالة يرثى لها، ناهيك عن وجود حيتان الفساد والذي يمنع الكثير من الدول من المساهمة في الإعمار.
وهناك ايضا عدم توفر التخصيصات المالية الكافية للمساعدة في إعمار المنازل من قبل الحكومة أو المنظمات الدولية. فما زالت الكنيسة هي المساهم المتميز في هذا المجال، وقمنا يجمع 400 ألف دولار لإعمار المنازل في قرية تلسقف والتي سهلّت العودة 700 عائلة، إضافة إلى تبرع جمهورية هنغاريا بمبلغ مليوني يورو لنفس الغرض. علماً أنها قدمت مليوني يورو للسريان الكاثوليك وللسريان الأرثدوكس. وحصلنا مؤخرا على مبلغ مليوني دولار أمريكي لإعادة إعمار كرمليس.
الاب نويل: شكرا سيادة المطران بشّار متّي وردة، رئيس أساقفة إيبارشية أربيل الكلدانية ونأمل أن ما حققته الكنيسة وذوي الارادة الصالحة خلال نكبة العدوان الداعشي، يتحقق ايضا بعون الرب في مرحلة العودة والاستقرار.
مالبورن استراليا 19 آب 2017

8
لقاء مع رئيس أساقفة إيبارشية أربيل الكلدانية، المطران بشّار متّي وردة
نتابع الوضع، ونسعى للمحافظة على الجماعة بقدر المستطاع

التقاه الأب نويل فرمان السناطي في عنكاوا

نظرة استرجاعية


كان ذلك في نهاية التسعينيات، في مكتب الأب الراحل يوسف حبي...في لقاء إعلامي للاعداد لحدث كنسي، وقد حضرته آنذاك الاخت (الأم) فيليب قرما، قادمة من موقع خدمتها في الخليج. وكان بين الجلوس شاب هادئ، يصغي باهتمام وصمت مشوب بخجل محبب، قدّمه الأب حبي على انه التلميذ الاكليريكي بشار، وقدم شابة دارسة في الاعلام، وكانت اخته جاكلين. بعد ذلك قُدّر لي أن احضر رسامته الكهنوتية في الدورة. ثم طلب مني (الأب المخلصي بشار) لمناسبة نذوره المؤبدة لدى المخلصيين، أن أرتل طلبة (نقوم شبير) بعد الانجيل، كان ذلك في كاترائية مار يوسف- خربندة. ثم توالت اللقاءات على مستويات شتى، حتى كانت رسامته الاسقفية. فكان أول لقاء لي معه بعد اسقفيته، لدى زيارة الى ديترويت لحضور رسامة المطران فرنسيس قلابات. فلم تسعني الفرحة بلقائه فذهبت اليه محييا ومتأبطا ذاكرتي المتواضعة.

وكنت لمست ان انتخاء التواضع، لم يكن التفاتة محببة من لدن سيادته تجاهي فحسب بل تجاه من زامله ايضا، في عبرة جميلة بقيت منذئذ تخاطب كهنوتي بشأن عدد لا يحصى من الذين عاشرتهم، لأحييهم من هذا الموقع منحنيا لتواضعهم. أما اذا قورن الاسقف بالكاهن فقد لا يتعدّى الكاهن مسلكيا رتبة (ر.ع.و.) ولكل منهما لبوسه، وحسب النية بصفائها وحسب المرء ان يعمل فيتمجد في أعماله الآب السماوي. واكثر من ذلك، والحق يقال، وبعد الذي لمسناه من انجازات في إيبارشية أربيل، وكثافة في الخدمة، ومثابرة متصلة بسنواتها، والتعامل بكل ممكن مع أوضاع المهجرين، وبعيدا عن التعميم، ربما هناك بعض المسؤولين، إذا كانوا لا يمتلكون غير المجاملة والاستقبالات والزيارات، فقد لا تجد لديهم انجازا يذكر.

هكذا لم نطمع من المطران بشار إلى غير الاستئذان بأن نحلّ ككاهن زائر في رحاب ابرشيته، في نيسان الماضي وقد ساعدنا احد مساعديه الشباب، على تنظيم وقت معه في مقر المطرانية. وكسبا للوقت ايضا، سبقناه الى الموعد، ودخلنا المطرانية على رؤوس الأصابع، مع زميل التلمذة العزيز صليوا رسام، لزيارة معلم الاجيال الأب البير ابونا، فوجدناه والحمد لله، يحظى بمكانة طيبة ورعاية كريمة من لدن الإيبارشية  وراعيها. ولكن ما أن مرّت دقائق على زيارة الأب ألبير، إذا بالمطران بشار يأتينا متسربلا عنفوانه الاسقفي وألوانه الحبرية. وهكذا فإن اللقاء الموعود في غضون وقت لاحق قصير، اندرج بذات الزيارة التي قمنا بها الى الأب البير. ولكن بين زيارة الاب ألبير ثم الأب فرنسيس شير، تيسر لنا ان نلملم 20 دقيقة مسجلة، كحديث مع المطران، إذ تفضل بالاجابة عن عدة أسئلة، ليكون الحوار مادة رأيناها استحقت هذا المقال. خلال اللقاء، لمست أن مار بشار بقي على تلقائية نيته الطيبة، واذا وقفنا على ما يقع على كاهله، وما يمضي في انجازه، عندئذ وبكل موضوعية ورحمة، يمكن أن نطالع أسقفيته بتفهم وتقييم طيبين.

التبنّي في ظل هيمنة الشريعة
جاء مدخل الحوار استئنافا لتداول بالمراسلة كنت طرفا فيه بين كل من المطران بشار والأب دوكلاص البازي، وبين احد الاصدقاء، في مقاطعتنا البرتا، حول استعداد جهات في كندا لتبنى عدد من الايتام، ولما كان موضوع التبني حالة تطورت بنحو متقدم في الدول الغربية، مع مراعاة جملة من القوانين الدقيقة بالالتزام بلائحة حقوق الانسان، فإن الأمر غير ذلك في بلادنا الممتحنة والتي تحكمها قوانين مشرعة ورازحة تحت هيمنة الشريعة الاسلامية، لخلفيات تاريخية معروفة، فاجاب مار بشار:
- التبنّي غير وارد ضمن القانون العراقي غير وارد، بل تكون تربية الطفل ورعايته ضمن أي نطاق لاسرته بمجملهأ. الشيء الثاني هناك مجال للمساعدة في الكلف التشغيلية لبيوت ايواء الايتام، ويمكن الاسهام فيها بالقدر المتوفر. خصوصا إذا قارنا بين مشروع قائم، وفتح مشروع جديد، وما ينتج عنه من كلف مكررة. وأضاف: إن مسيحيينا قلما يرسلون الايتام في اسرهم الى بيوت يديرها علمانيون، بل يفضلون ميتما تحت ادارة رهبان. كما ان الكثيرين ممن لهم ابن اخ او ابن اخت، لهم الاستعداد ان يربوهم لديهم في البيت بدلا ان يرسلوهم الى الميتم، ولدينا أمثلة كثيرة عن ذلك.

* وانتقلنا الى موضوع آخر، حين هنأنا مار بشار على الجامعة الكاثوليكية الجديدة المفتتحة في أربيل، وسألناه عن تطلعاته بشأنها قال:
- لقد حصلنا الان على الاجازة لسبع كليات في هذه الجامعة منها: المحاسبة، الاقتصاد، اللغات، دراسات شرقية، علاقات عامة، وغيرها. علما بأن الجانب الديني في هذه الجامعة تتضمنه الدراسات الشرقية.

* الأب نويل: هل ثمة علاقة لقيام الجامعة مع قدوم المهجرين؟
- رئيس الاساقفة: كلا ليس مباشرة، فقد وضعت حجر الاساس لمشروع الجامعة من سنة 2012، ولكن جاءت الآن الحاجة متطلبة اكثر. خصوصا وان أبناء المهجرين قلما يجدون لهم مكانا في الجامعات العراقية. وقد فتحنا لهم خصيصا دورتين لتعليم اللغة الانكليزية تضمن 60 طالبة.

*وعن كلف الدارسة يقول مار بشار:
-الدراسة في الجامعة هي لمدة 5 سنين وليس اربع، فالسنة الأولى هي للدراسة الاساسية والمسائل المنهجية للدراسة الجامعية، تليها اربع سنوات اكاديمية، هذه الدراسة تكلف 15 ألف دولار للطالب الواحد. وهي عموما على حساب الطالب وذويه، إذ ليس هناك قرض في هذا المجال، لكننا بدأنا بمحاولة الحصول على زمالات دراسية من الجهات الداعمة لتغطية نفقات دراسة المهجرين.
البلاد عموما تفتقد الى صاحب القرار السياسي الصائب

*عن استقرائه للوضع العام في البلاد قال المطران بشار:
-الانطباع غير مفرح. لا يوجد في البلاد، من هو حقيقة صاحب القرار السياسي، الفوضى تعم في كل مكان، وترى ذلك في ما يحصل في بغداد. وحتى المتحالفين في الحكومة هم في اختلاف غريب، منهم تراهم مع المعتصمين، بين المتوقع منهم ان يكونوا خارجا عنهم،  فكيف يكون ذلك، وكيف يكون البحث عن الحل، إذا كان من هو جزء من المشكلة، مع المعتصمين. نحن نتابع الوضع، ونسعى للمحافظة على الجماعة بقدر المستطاع.

*سؤال: تقومون بذلك في منطقة كردستان، ومنها ايضا يتوجه الكثيرون الى الخارج.
-مار بشار: نعم الهجرة مستمرة، وبشكل أقوى اذا فتحت الدول ابوابها مثل كندا واستراليا

*سؤال: كيف يحدث هذا من منطقة كردستان ويعرف عنها انها منطقة مستقرة. هل لديهم هواجس من المستقبل؟
-مار بشار: عندما تكون في المنطقة مساحة مشتركة مع داعش تمتد الى ما مجموعه 1070 كم، فهذه منطقة غير مستقرة... وضع السنة والشيعة، تأثيرات وتركيا والسعودية، حوالي العراق، هذه كلها تطرح علامات استفهام.. وتبقى المشكلة ايضا، عدم وضوح الصورة لمستقبل العراق، هل سينقسم إلى فيديراليات.. أقاليم.. مما يجعل الرؤية غير واضحة.

*سؤال يطرح نفسه: في الواقع الذي تعيشه المنطقة، ما هو الذي تنتظرونه من الغرب، من المناطق التي تعيش فيها الجاليات الكلدانية؟ الى اي نوع من التعاون تتطلعون مع الكنائس هناك؟
-مار بشار: في مقدمة كل شيء، نحتاج الى استنهاض روح اليقظة والانتباه، تجاه الواقع الذي نعيشه، وازاء عدد من العناصر: المعانياة والتحديات ما زالت موجودة، الحاجات المادية لم تزل قائمة: أجل نحن نسعى لنغطى مسألة الغذاء، نسعى لتأمينه لحوالي عشرة الاف عائلة. كما نغطي ايجارات لأكثر من عشرة آلاف عائلة، سواء بالايجار الكامل او بنسبة من الايجار، بنينا 12 مدرسة، من حيث المبدأ ليس لنا طالب، خارج المدارس. ما يخص العيادات، حاليا عندنا عيادتان. وأضاف:
-مثلا تقولون ان نريد ان نخصص صندون للمساعدة في مجال العيادات، فكل ذوي الامراض المزمنة هم على عاتقنا: لدينا 2800 مريض مزمن ياخذ حصته من الدواء من عندنا مجانا، ونأمل ان يخرج هذا للاعلام، كما بالامكان ان نتراسل بشأن المستجدات وما لديكم من اسئلة... مع احالة ذلك للقسم الاعلام لدينا لكيما يزودونكم بما تحتاجونه اعلاميا. يوجد لدينا لجان تقوم بهذه الفعاليات
فيما يخص الجامعة، المقترح الذي يمكن ان نطرحه، او يرسل لنا احد المحسنين فيقول: أنا أريد أن اتبنى دراسة طالب واحد، أعطوني اسمه، ضعوني على صلة وجدانية معه.
كما يوجد امكانية استقبال مدرسين يقضون لدينا مدتهم التطبيقية. وهنا يمكن  ان نتدخل لجعلهم بتواصل مع رئيس الجامعة، من خلال مكتب العلاقات الدولية في الجامعة، الشؤون العامة. يعمل في هذا المجال استاذ امريكي فتحنا بواسطته مكتبا لجامعة اربيل الكاثوليكية في واشنطن، له حساب وبحسب ضوابط الضرائب.
س: ما هي طبيعة تعاملكم مع أخوية فرسان كولومبس، حيث ذكروا لنا ذلك في تقاريرهم الاخبارية؟ مار بشار: نعم تواصلنا معهم، وجاءوا مرتين، بناء على دعوتنا، من منطلق عبارة الانجيل: تعال وانظر. قلنا لهم: تعالوا ونحن نوفر لكم الجانب اللوجستي، ومجالات التعرف والزيارات الميداينة، ثم أنتم قرروا،  فجاءوا وراوا الحاجات، ووصلوا الى قناعات جعلتهم يقولون: نعم نحن مستدون لمساعدة العوائل على البقاء.
خلاصة القول، نحن بحاجة الى التحركات الاعلامية، كمفتاح لبوابتا الى العالم الخارجي، أما التواصل على هذا المستوى، فيكون بالتنسيق لكل حالة ما تحتاجه وبحسب الظروف، مرة اذهب انا، واخرى ارسل شخصا آخر.

*في ابرشية عنكاوا، وعن المراكز الدينية في الكنيسة، اعطى فكرة تعكس حجم التوسع الذي شهدته مدينة عنكاوا، استفسرنا من المطران بشار، لعكس فكرة عن حجم التواجد الكنسية المتسع، عن توقيتات القداديس في اليوم الاحد التالي، قال:
-في كنيسة مار يوسف، هنا، لدينا اول قداس في الساعة السادسة صباحا، يليه قداس في الساعة الثامنة الا ربع، وفي مركز مار ايليا، قداس في الساعة الثامنة، وآخر في موقع 108 لدى راهبات الكلدان. وكذلك في المساء، قداس في كنيسة مار ايليا وأخر في كنيسة مار كوركيس، وآخر في كنيسة أم المعونية.

*وعن الانجازات العمرانية في الإيبارشية  تحدث مار بشار:
-لدينا بناية المعهد الكهنوتي (السمنير) ارض حصلنا علينا في 2007، وفي حينها، أبدى الاخوة الاساقفة عدم تشجيعهم للفكرة، خشية ان تؤثر على مكانة المعهد الكهنوتي في بغداد. فقدمت لهم المشروع ان يكون حاليا مقرا صيفيا، للتلاميذ، وكان اذاك 32 من التلاميذ يعيشون في الكرافانات. الان يحتوى المبنى على 36 غرفة مع مقر صيفي للبطريركية ودار ضيافة  وعندما جاء الاساقفة سنة 2009 فرحوا في نهاية الامر بما شاهدوا وهو ذخر للكنيسة. وأردف بالقول:
-لقد اعتمدت في فكرة هذه المباني، ما استقيته من خبرة سابقة في الخارج، حيث كنت ارى ظروف بيع الكنائس، او اعادة توظيفها لما يدعم اقتصاد الكنيسة ايضا. فكانت فكرة السويت أو الشقق، ما يتضمن صالة استقبال ومكتب وغرفة نوم. كل هذا جاء ضمن مبدأ أن المبنى إذا لم تحتجه الكنيسة لهذا الوظيفة، يمكن بيعه او استثماره على شكل غرف فندقية وشقق سياحية. إلى جانب ما يمكن ان يتضمنه المبنى من امكانات اخرى كمسبح وغيرها، لمساحة معتبرة تمتد الى عشرين الف متر مربع. وضمن هذه التوجه، نخطط لأن يقوم خلف هذه المباني المنجزة، بناء لدار رعاية الرواد والمسنين. ولأن المكان هو مستمر في مجال الدراسات الزراعية للمدينة فهو سيحافظ على وظيفته بأن يكون واحدة للهدوء والسكينة.

*ختاما شكرنا مار بشار متي ورده، على هذه الإجابات الوافية، مع تمنياتنا للإيبارشية ورئيس أساقفتها كل الازدهار والنعمة.

تم اللقاء في 16 نيسان 2016

ملاحظة: مع الموضوع صور للقاء سيادة المطران بشار وزيارة كل من الاب البير أبونا والأب فرنسيس شير، وفي باحة المطرانية، مع الأب صليوا عزيز وابن اخته لوران فيليب كوسا الذي يعمل في المطرانية، وصورتان من الارشيف

9
تباركنا بزيارة أسقف كنيسة المشرق الاشورية المطران عمانوئيل يوسف لكالكري

بقلم الأب نويل فرمان السناطي

في ثاني زيارة نوعية له خلال 8 سنوات ونيف، آخرها كانت في كانون الاول 2007، حل في كالكري سيادة المطران د. عمانوئيل يوسف راعي ابرشية كنيسة المشرق الاشورية في كندا، وذلك للمدة 11-14 مارس آذار 2016. وكان في استقباله بمطار كالكري، مجموعة من الأفراد والعوائل من أبناء كنيسة المشرق الاشورية في كالكري، يتوسطهم الاب نويل فرمان السناطي، راعي الكنيسة الكلدانية في كالكري. وكان سيادته ضيفا كريما لدى جميع أبناء الرعية الاشورية مثلما حلّ بضيافة طيبة من لدن الاخ البرت متي جولاغ.
قام المطران عمانوئيل يوسف خلال هذه الايام، بزيارات راعوية تفقدية، لأبناء الكنيسة المشرق الاشورية، واجتمع باللجان المنبثقة عنهم، وأجاب عن اسئلتهم، مع تطمينهم للاستجابة الى تطلعاتهم واحتياجاتهم الروحية. وفي هذه المناسبة قدم الشاب مارتن زومايا، كلمة ترحيبية طيبة، عبر فيها عن فرح الابناء باللقاء بالأب راعي الأبرشية، ونورد صورة الكلمة باللغة الأم، مدرجة بين الصور.
وفي يوم الاحد بعد الظهر، أقام الحبر الزائر، قداسا احتفاليا، شارك فيه ثلاثة شمامسة انجيليون: الشماس سمير باكوس المرافق لسيادته من أونتاريو، ومن أدمنتون الشماس يوخنا ريحانه، ومن كالكري شارك معهم الشماس ألن وليم، من الكنيسة الشرقية القديمة. وحضر القداس الاب نويل فرمان السناطي، الى جانب مجموعة طيبة من عوائل كنيسة المشرق الاشورية، وعدد من الكلدان. ورتلت في القداس، مجموعة من جوقة من أبناء وبنات كنيسة المشرق الاشورية، بأصوات جميلة وأداء رخيم.
وفي كلمته رحب المطران الزائر بحضور القداس من قبل الاب نويل فرمان السناطي، وعبر عن ارتياحه بما وصلت اليه الجالية في كالكري. وتحدث سيادته عن مضامين الصوم وتمنى للجميع الاستعداد الطيب لاستقبال اسبوع الالام، وأعياد الفصح والقيامة المجيدة.
وكان الحبر الزائر، في عصر السبت، قد قام بزيارة الى الاب نويل فرمان في داره الخورنية، لكنيسة سانت فاميل – العائلة المقدس الفرنسية، ملتقيا به مع عائلته. وقد  صحبه في الزيارة اعضاء من الفريق المنظم للزيارة والمرافق لسيادته. وخلال الزيارة الكريمة، عبر سيادته عن تقييمه للخدمة الراعوية التي يقوم بها الاب نويل فرمان للجماعة المسيحية في المدينة، من مختلف الكنائس، وبضمنهم أبناء كنيسة المشرق الاشورية، وعبر الكاهن الكلداني عن ارتياحه أنه مع السنوات، تكونت منهم جماعة معتبرة في العدة والعدد، وملتفة نحو بعضها؛ وأكد للمطران الزائر، أنه بقي ضمن هذا السياق، يشجع أبناء كنيسة المشرق الآشورية الشقيقة بهذا الاتجاه، سواء مع ناشطيها او مع شمامستها، وابداء كل ما يمكن من عون، لتكون لدى الجالية شبكة معلومات، واحداثيات موثقة لتسلمهم الاسرار الكنسية ضمن السياقات الكنسية الرسولية القانونية. وعبر الاب نويل عن محبته لهذه الجماعة، وتقديره لاحتفاظها بأصالتها، اضافة الى تعايشها المسكوني الطيب، مع سائر الاشقاء المسيحيين المشرقين في المنطقة.
وقدم الاب نويل للحبر الزائر التهنئة بحصوله على شهادة الدكتوراه، في الموضوع التاريخي عن كتاب مختصر لأحاديث التاريخ ليوخنان بر نبكايي، اشتملت الدراسة ن مقدمة للكتاب ودراسة لأنواعه الأدبية.
THE BOOK OF RESH MELLE BY YOHANNAN BAR PENKAYE: AN INTRODUCTION TO THE TEXT AND A STUDY OF ITS LITERARY GENRES
وعبر الاب نويل عن اعتزازه ان تكون الاطروحة، تحت اشراف البروفسور والشماس الانجيلي د. أمير حراق، الذي زامله لسنوات في اكليريكية مار يوحنا الحبيب.
وكانت ثمة اهتمامات بحثية بين الاسقف والكاهن، ابرزها ما عرضه عليه الاب نويل من حيازته مؤخرا، على كتاب موسوم بعنوان الرسالة الاولى لاقليميس الى القورنثيين، حققها لجامعة كامبريج، روبرت لبوك بيىنسلي المتوفى في نيسان 1983 وراجعها ونشرها بعد وفاته أحد تلاميذه، روبرت اج كينيت، في تموز 1899.
جدير بالذكر ان الكتاب موضوع التحقيق، جاء باللغة الارامية لغة الشعب النهريني، وهو مكتوب بالخط الاسطرنجيلي؛ ويذكر أيضا أن تسمية الخط الاسطرنجيلي، هي التسمية المشتركة لهذا الخط لدى الشعب النهريني، برغم الانقسامات الكنسية في صفوف هذا الشعب الواحد الى عدة مذاهب.
وهكذا كانت فرصة ثمينة الوقوف على الاهتمامات البحثية والتاريخية، لأسقف كنيسة المشرق. وهي لعمري اهتمامات تنعش الحياة المكرسة للكاهن أو الأسقف، مما يمنح عطاءه الراعوي بعدا علميا وانسانيا.
وفي نهاية زيارته، ودع الاسقف الجليل، مطران كنيسة المشرق الاشورية في كندا، بمثل استقبل به من حفاوة، بانتظار زيارة تمناها الجميع قريبة بعون الرب.
 


10
خطوة متواضعة في فهرسة القراءات الكتابية للقداس الكلداني

بقلم الأب نويل فرمان السناطي

جاء إعداد هذا الفهرس  المشتمل على 31 صفحة من الحجم الكبير، وذلك نتيجةً لحاجةِ الاستخدامِ . وهي حاجةُ تنامت لدى الكاهن المؤمنين مع توافر الإمكانات الطباعية الفنية وتطوّرها في توفير نسخٍ من الكتاب المقدس متقدّمة طباعيا، قريبة المنال وتوفر السهولة في البحث والمراجعة، وبما يسهّل التعامل مع قرءاتنا الطقسية.

المتوفر حاليا في مجال مراجع القراءات الطقسية
نعتقد أن الفهرس المتوفر لحدّ الآن، في القراءات الكتابية لطقس الكنيسة الكلدانية، هو صفحات المحتويات في آخر كتب القراءات، بحسب الزمن الطقسي والأعياد والتذكارات، مثل الميلاد أو الصوم أو موسم البشارةِ. وفي الصفحات الأخيرة من المحتويات تؤشر النصوص الخاصة بالمناسبات كالزواج  والوفيات والرسامات وما إلى ذلكَ .
وقد ظهرت نصوص بالانكليزية للقراءات في القداس الكلداني، ترد فيها الاشارة الى أصول النصوص، ومكانها من حيث رقم الاصحاح والايات.
وعلى مستوى التقويم الطقسي الكلداني، أصبحنا نعرف المرجع ومكان النص فيها فنعود إليه، سواء لشرحِ الآية  او لمقارنتها. وقد ظهرت في عام 1999 إضافة متميزة في هذا المضمار، مع كتاب الأب (البطريرك) لويس ساكو لمجمل القراءات الطقسية، مع إختيار نصّ رئيسي من الكتاب الطقسي الأصلي للقراءات الكتابية، لطولها وتعدد مواضيعها.

ما يقدمه الفهرست الحالي

ضمن ما نراه تطورًا في هذا التوجه، جاء هذا الفهرست ، ويشمل عدة جوانب :
الاشارة إلى المواسم الكنسية بحسب السنة الطقسية كاملة ، بدءاً بالبشارة وانتهاءً بموسم تقديس البيعة.
الاشارة الى مرجع النص ومضمونه، في أيام الأحد لكل سابوع طقسي (أي سابوع زمن البشارة أو الصوم والقيامة، وغيرها) ، سواء كان معجزة أو في مجال التعليم او أحد الأحداث في حياة الرب يسوع المسيح .

المراحل الجديدة التي توفرت في هذا المرجع
- وضع فهرس مستقل لكل المواضيع : المعجزات، الامثال، وكذلك تقديم فهرس بالعناوين الرئيسة لحياة الرب يسوع وتعاليمه في أسفار العهد الجديد : الطفولة ، التعليم في عدد من المواضيع البارزة مثل : الصوم، إدانة القريب ، الشريعة الخ ... الحياة العلنية ، الألآم، قيامة يسوع وظهوراته وغيرها.
- فهرس آخر، لمعرفة سائر المحتويات للفصول المقروءة في السنة الطقسية ، من أعمال الرسل ، الرسائل وسفر الرؤيا.
- فهرس بأهم المواضيع الواردة في العهد الجديد، بحسب التسلسل الابجدي مثل: محبة ، فقر، قداسةٌ ، كبرياء ، كهنة ، كنيسة ، نور، نبوءة ، نبي إلخ ... هذه الفقرات عند البحث عنها أبجديا، عندئذ، يمكن العثور على ما نشر منها في النصوص الطقسية، وقراءتها بحسب المناسبة وبموجب الغرض المطلوب، لسهولة قراءتها مطبوعة بمختلف اللغات المطلوبة.
ملاحظة أخيرة ، بالمقارنة ما بين سنتنا الطقسية المنفردة والزمن الطقسي للكنيسة اللاتينية الممتد الى ثلاث سنوات : سنة )أي ( سنة (بي ) سنة (سي) يمكننا ان نلاحظ بأن قراءاتنا في القداديس تتضمن في القراءة الواحدة عدة مواضيع، مما يضطر الكاهن احياناً إلى تقسيمها او الاكتفاء بمحور رئيسي واحد. هذا ما عالجه كتاب غبطة البطريرك مار لويس؛  بينما في الكنيسة اللاتينية ، تتمحور عمومًا كل قراءة على موضوع رئيسي بارز، وحتى في هذه المواضيع، يحددون القراءة الاعتيادية، أو القراءة القصيرة لأسباب مختلفة.


تطلع مستقبلي
- لما يخص إشارتنا الى واقع قراءاتنا الكتابية الطقسية، الملفتة للنظر بطولها وتعدد موضوعاتها، للقداس الواحد، مع التزام قراءة النص بلغتين (العربية والكلدانية) الى جانب اللغة المحلية للجيل المترعرع خارج أجوائنا اللغوية، فلعل هذا هو من الأمور التي هي بحاجة الى تجديد، وذلك باتجاهين مقترحين:
- إختصار نصوص قراءات الآحاد، وجعل المتبقي منها يمتدّ إلى اكثر من سنة ليتورجية، بما في ذلك إضافة نصوص، غابت لسبب ما، عن الكتاب التقليدي، منها على سبيل المثال لا الحصر: جئت لألقي على الأرض نارًا وما أشدّ رغبتي أن تكون قد اشتعلت (لوقا 12: 49).
- العمل على إصدار كتاب يضمّ القراءات للقداديس اليومية، وبما يراعي الزمن الليتورجي الكلداني، مع الافادة من طبعة الكنائس اللاتينية للنصوص اليومية، بحدود ما تشترك معنا من ازمن طقسية.
- وربما في مرحلة أخرى يصار الى تمديد نصوص السنة الطقسية، لأكثر من سنة، كأن تكون على غرار الكنيسة الجامعة: سنة أ، ب، ج. مما سيوفر توسعا متنوعا ومفيدا، يجنّب التكرار السنوي، لنص طويل، يضطر المحتفل الى بتره، لأسباب عملية.

إشادة بالمعدّ والمنضّدة
وفي هذه المناسبة أودّ الاشادة بعمل المعدّ السيد سمير يوسف سفوا الباغديدي، لجهوده المشكورة في إعداد هذا الفهرس، على وفق ما أبديته له من حاجاتنا العملية وبحسب المؤشرات التي سبق ذكرها؛ وأشكر أيضا الآنسة مريم يوسف يعقوب للتنضيد الطباعي والاخراج الالكتروني الجميل. وقد قامت بذلك على مرحلتين بحسب الاحتياجات المستجدة لدى المراجعة. والمجد للربّ أولا وآخرًا، على نعمة عملنا المسكوني المشترك: فالمعدّ من الكنيسة السريانية الكاثوليكية الشقيقة، والمنضّدة من الكنيسة السريانية الارثوذكسية الشقيقة، وقد أسهما في مساعدة كاهن رعية مريم العذراء في كالكري، لما يسهّل التعامل مع قراءات القدّاس الكلداني!

وبعدُ، يسعدنا أن نقدم هذا الجهد المتواضع من المدينة الكندية النائية، كالكري، إلى البطريركية الموقرة، وفي حالة استلهام أحد الإخوة للمزيد من الملاحظات والتصويبات والمقترحات، فسوف نتلقاها برحابة صدر وامتنان.
ومن الرب التوفيق للجميع.

(من المقدمة لمرجع القراءات الكتابية)
                           
http://uploads.ankawa.com/uploads/1448293906621.pdf

11
المهندس روني رياض توما، ينال شهادة الماجستير بدرجة امتياز في الهندسة الحراراية

نال المهندس روني رياض توما شهادة الماجستير في الهندسة الحرارية من الجامعة التقنية الوسطى، الكلية التقنية في بغداد. وكانت مشروعه البحثي حول تصنيع ثلاجة تعمل بالطاقة الشمسية، بدون بطارية، ومن أجل هذا المشروع حصل على بعثة الى استراليا لعدة اشهر، حيث قام بتطوير بحثه واضافة أفكار جديدة على العمل المقترح. المشرفان على المشروع: د. عبد الهادي نعمة ود. أحمد عبد. وكانت لجنة المناقشة مؤلفة من: د. ماجد حميد مجيد، د. قصي جهاد و د. جهين جودت.
وهو ايضا يسهم كرسام وكاريكاتيرست في مجلة الفكر المسيحي.
التهنئة الى والديه رياض توما جودو، ونهلة فرمان السناطي واسرتيهما، وعمه المطران يوسف توما الدومنيكي، ويشكر الرب على هذه المناسبة، خاله الاب نويل فرمان السناطي.

12
جهد ثمين وغير مسبوق للمونسنيور صبري عزيز قجبو
ترجمة أسفار العهد الجديد من اللغة الكلدانية الى اللهجة الكلدانية الدارجة

بقلم الأب نويل فرمان السناطي

في زيارة عائلية قصيرة إلى بلدة الكاهون بمدينة سان دييغو، مؤخرًا، وذلك للاطمئنان على صحة والدي، لم تفتني الفرصة لمراجعة مكتبة كنيسة مار ميخا، والتحية الى مونسنيور صبري، راعي الخورنة، فحظيت بوجوده بدون موعد مسبق، فكان لقاءا أخويا وديا.
وكنت قد اخترت مجموعة من الكتب لرعيتي الكلدانية في كالكري ولاستخدامي الشخصي؛ فسألناه عن كتاب من الكتب، لم تكن السكرتيرة تعرف سعره. قال أبونا صبري: هذا الكتاب طبعناه بكمية محدودة، وأقدمه لك مجانا.
مع التقييم العالي لهدية "أبونا صبري"، أمنّي النفس بأن ينتشر هذا السفر المقدس المهم، على نطاق واسع، والذي من وحيه كانت هذه الصفحة.

مواصفات الكتاب
يشتمل الكتاب على 385 صفحة من قياس 8 ونصف انج طول و11 انج عرض بالخط المتوسط. النصوص مطبوعة بالحبر الاسود، والعناوين الفرعية والرئيسة هي بالحبر الاحمر.
تقسيم الأسفار على شكل فصول، بالشكل المعتاد. أما العنصر الخاص بالكتاب، وبسبب محتمل عن محدودية التناوب الطباعي بين الحرف الارامي الكلداني، والحرف اللاتيني الانكليزي، فقد وضع تسلسل الآيات بشكل شمولي لكل مقطع أو قصة رئيسة.

بين اللغة الام القديمة واللغة الحديثة بلهجتها الشعبية:
من الواضح ايضا ان اللهجة المستخدمة في الكتاب، المطبوع عام 2012، هي ثمرة الخبرة المتراكمة للحياة الكهنوتية للمترجم، بممارسة القراءة الانجيلية والكرازة والتفاعل مع الصيغة المألوفة لأذن المؤمنين الكلدان. فهي لهجة بليغة من السهل الممتنع، لدى عموم القراء الكلدان، سعت على ما يبدو إلى الموازنة بين الأصالة، وبين اللغة المحكية كل يوم. وقد استخدمت في هذا المقال عبارة اللهجة الكلدانية الدارجة، لسبب بسيط، أن لغة كنيسة المشرق الكلدانية، حصلت على تراكم نوعي خاص بشعبها سواء الذين في القرى الجبلية أو من أبناء سهل نينوى المغتصب من قبل دولة الاسلام الإرهابية (داعش). وهكذا يمكن تخصيصها كلهجة كلدانية دارجة، اكثر من كونها مجرد سورث، فمفردة السورث تحمل صفة عمومية، تطلق على لغة كل من ابناء كنيسة المشرق الاشورية، أو الكنيسة الكلدانية بشعبها الكلداني، أو لدى أبناء كنيسة انطاكيا للسريان. وقد سماها المترجم الفاضل بالمصطلح المألوف طباعيا: سوادايا، أي ما يخص الحديث لدى سواد الشعب.
علاوة على ذلك فالحرف المألوف في الكتب الطقسية لمؤمني الكنيسة الكلدانية، يعرف باسم الحرف الكلداني، إذا قورن بالكتب الطقسية لكنيسة انطاكيا السريانية او المارونية، ويسمى بالحرف السرياني، مع اختلافات طفيفة في


القواعد اللغوية واللفظية.
أما مؤمني كنيسة المشرق الاشورية، فطالما كانوا من أبناء كنيسة المشرق الاشورية، فإنهم من جهتهم يسمون الحرف المستخدم في الكتب الطقسية المشتركة عموما مع كنيسة المشرق الكلدانية، يسمونه بالحرف الاشوري، وفيه استخدامات صوتية وموسيقية تتفرد عن الاستخدامات الصوتية والموسيقى اللفظية في الكنيسة الكلدانية، نتيجة للتراكم النوعي في استخدام اي منهما، بصرف النظر عن قواعدهما المشتركة. وهكذا تتنوع التسمية بين المؤمنين الآشوريين في كنيسة المشرق الاشورية، بتسمية لغتهم الطقسية باللغة آشورية، وبين أبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية من ابناء الشعب الكلداني المؤمن، فهي كلدانية. وقد شكل كل هذا تراثا لغويا ثرّا ومتنوعا، تستسيغه الاذن أينما سمعته وكيفما سمعته وحيثما استخدم في بلاد ما بين النهرين، أو اخرجها، في بلدان الانتشار.
 وقد أخذت لغة كتبنا الطقسية خصوصيتها المتميزة، لتحمل الكنيسة الكلدانية وشعبها المؤمن، بطبيعة الحال وبجدارة، اسم اللغة الكلدانية. إنها لعمري لغة معمدة باللغة الطقسية الأصيلة وتداولها المألوف لدى الشعب، مما حافظ على أصالتها بحيث يمكننا أن نسميها لغة إيمانية للمسيحيين الذين من الطبيعي أنهم يفتخرون بحملها امتدادًا للغة الرب يسوع المسيح.
أكتب هذا وتحضرني ذكرى من سنوات الصبا اليافع، عندما كنا في زيارة عائلية الى بيت أقاربنا بالنسابة، بيت العم الراحل الشماس كوركيس من كنيسة تلكيف الكلدانية، وهو من قرية إشي، وأبو الشماس عبد الاحد - دومنيك. وكانت زوجته المرحومة الخالة رفقة عائدة لتوها من صلاة الوردية والرمش، فاستقبلتنا بترحابها الحميم المألوف، وآنذاك لفتت أذني الطفولية لغتها الخاصة المعجونة بما أعدّه الان لغتنا الطقسية، وكنت أقول مع نفسي الطفولية، كأنها تتكلم مثل كاهن في كرازة القداس.

نسخة مرشحة لمديات أوسع
نفهم ايضا مسألة الكمية المحدودة للنسخ المطبوعة، لا بد وأن ذلك يعود الى الامكانية المادية المطلوب توظيفها لمثل هذا الجهد. ولما كنا بدأنا بالتمني أن ينشر الكتاب على نطاق أوسع. فالتمني أن يجد هذا الجهد الجبار، المتبرع المحسن الذي يسهم في هذا المشروع الذي يخدم الكنيسة الكلدانية وسائر الكنائس الأخرى. وأن يتوفر للاقتناء من خلال البيع بالانترنيت، فيفيد منه جماهير شمامستنا في مختلف بلدان الانتشار، ومن خلالهم يتوفر الى قاعدة اوسع من القراء المؤمنين..
إلا أن الفكرة الأخرى، التي يمكن ان يسعى نحوها المعنيون من القرّاء الكرام، هي اقتراح الطباعة على نفقة جمعية الكتاب المقدس، على نطاق عالمي. إذ أصدرت هذه الجمعية طبعات للكتاب المقدس، من الطبعات المتكاملة التي أجمعت على الموافقة على صيغتها، مختلف الكنائس من العائلات المذهبية الكاثوليكية والارثوذكسية، أو الجماعات الكنسية المتناسلة من حركة الاصلاح. ونشير بهذا الصدد أيضًا الى خبرة هذه الجميعة في الكتاب المقدس المصور، والمسجل صوتيا، بأصوات مهنية مخضرمة. وعسى ان تتوفر، من الآن وميدانيـًا طريقة لتسجيله صوتيا، فتكون منه اقراص تتصدر مكتباتنا الطقسية الصوتية.

تطلعات ومقترحات مستقبلية عملية
في حالة تبني المشروع على المدى المستقبلي البعيد، هذه جملة من التطلعات والمقترحات:         
الابقاء على حجم الصفحات، مع اسثمار لإمكانية تقليص التباعد بين الاسطر، بدل ان يكون بقياس سنتمتر واحد انفرادي كما هو الحال؛ أن يكون بقياس تسعة الى ثمانية ونصف ملمتر، مع استخدام ورق رقيق مخصص لطبعات الكتاب المقدس. والعنصران المذكوران من شأنهما تكبير الحرف، إلى الاحجام المألوفة في قراءة الكتب الطقسية.

أمنية أخيرة
ونحن نتمنى العمر المديد للمونسنيور صبري قجبو وهو لمـّا يزل في عنفوان العطاء، نرجو أن تتاح لأحد الشمامسة الاعزة، في أبرشية مار بطرس الموقرة في كاليفورنيا، لكيما يخرجوا لنا بتحقيق مفصل عن مجمل نتاجات الأب صبري، كتكريم معاصر لجهوده، مما سيلهم ايضا ان يكون ثمة تحقيق او كراس من الطراز إياه لمطبوعات الأبرشية، ومركزها الاعلامي، وفي مقدمتها النتاجات الابداعية، لراعيها الدكتور مار سرهد يوسب جمو الموقر.

13
أساقفة شباب، وماذا بعد؟
الأب نويل فرمان السناطي
 
"لا يستهن أحد بحداثة سنك بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام والسلوك والمحبة والإيمان والطهارة " (1طيمثاوس 4: 12)

أكتب هذا المقال، بمعزل عن مجريات المجمع المقدس لأساقفتنا الكلدان، الذيانعقد مؤخرا وننتظر بيانه الختامي. لكنها أمنيات تراود المرء، عما نترقبه من أساقفتنا الأعزاء، وبضمنهم الذين تم انتخابهم ونحن في وقت كتابة هذا المقال أو خلال قراءته منشورًا. الامنية الأساسية تتفاعل مع توصية بولس الرسول إلى تلميذه الأسقف طيمثاوس بما يقرنه مع حداثة سنّه من صفات وفضائل... ومعها أمنيات وتطلعات أخرى لا ترتبط حصريا، في اختيار الاسقف، بالحد الأدنى من السن أو الحدّ العمري المقبول. فأذكر أني في مقال سابق بعنوان "سابقة السوابق" كنت أشرت بعبارة "البطريرك الشاب" إلى بطريركنا الكلداني الجديد، مار لويس روفائيل الأول ساكو، مع أنه تعدّى الستين من العمر. ذلك أن السنوات تبقى، إلى حدّ ما، من غير قياس اذا كان القلب شابًا، ولا حاجة، في هذا الصدد، إلى أن نشير الى عمر البابا الحالي، مار فرنسيس الأول، المذهل بمفاجآته وبشبابيته.

هذا ما يدفع المرء إلى ان يتطلع بأن يكون الأسقف بمواصفات الروح الشبابية، ولئن تعدّى الخمسين أو الستين، عندما يتمتع بتاريخ من الأداء الكهنوتي  المقبول والمُرضي مع حدّ مناسب من الكفاءة العلمية، إذ يكون، عندما يتعدّى الخمسين، قد تبلور لديه اكثر فأكثر النضوج الإنساني والعاطفي والروحي..
الأسقف، مواصفات ومواصفات
وهنا أود الإشارة المتواضعة إلى بعض النقاط، التي نثق أنها حاضرة بنوع وآخر في التميّز الحكيم لآبائنا الاساقفة، لما يتوخّونه من تأثير للأسقف في أبنائه الكهنة والمؤمنين على المديين القريب والبعيد.
فٌأقول، بشيء لا يخلو من البديهية والبساطة، أنه لو ارتبط مقياس الأسقفية، بمن أكمل الحدّ الأدنى من سن الخامسة والثلاثين وبضع خمس سنوات من الخدمة الكهنوتية المقبولة والمرضية، بلا تفرّد معين عن أقرانه في نوع من كاريزما التواضع والروحانية والقداسة، فإن الطبيعة البشرية ومجتمعاتنا الشرقية، وما يحيطها من ميل جماهيري لتبرز انموذج الزعامة المدنية قبل الروحية، وقبل الخدمة وتمثيل ملوكية المسيح... كل هذا قد يصيب الزعيم المدني - الروحي، بظاهرة الانتفاخ، مما قد يؤدي الى الترهـّل أو الانفجار. وقد ينجرّ أحيانًا، وبمعزل عن مواهب الروح القدس وكاريزما الروحانية، إلى أن يقتصر على ممارسة الزعامة بنوع فني وبموجب ما وصفه خبير الانثروبولوجيا البريطاني ديسموند موريس، فيبث الزعيم في ظهوره العلني إحدى الاشارتين الجسديتين الهادفتين الى النقطة عينها وهما:

الاطلالة المعبّرة - سويتش أون
وقد شبّهها ديسموند موريس بطريقة معاصره آنذاك الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، الذي كان يمتاز بالضحكة الفاقعة والحركات الاستعراضية التي توحي بتطمين المشاهدين إلى أن الأمور لديه ماشية على ما يرام .
الإطلالة الحيادية – سويتش اوف
فهي التي لا تعبّر عن حالة داخلية، وشبّهها ديسموند بأسلوب ظهور الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، فما كان يبتسم ولا كان يعبّس، بل كان يوحي للجماهير أنه سيد الأمر ولا عليهم بالاهتمام بكيفية تدبّره للأمور وأن لا شيء يؤثر فيه أو يزعزعه في تمشيته لشؤون مسؤوليته .
أما أن يكون الشخص عبوسًا، مع أناس ومكشرا عن ضحكة عريضة مع آخرين، فهذا يعني ان ثمة مشكلة تحتاج إلى تسوية بينه وبين الذين يتجهّم أمامهم، دون غيرهم، على أن كل هذا وذاك يجعلنا أمام شخصية قيادية مهنيا، مما لا علاقة له بالروح الانجيلية المشرقة.
واذا اقتصر الامر على هذا الجانب بدون عمق روحي يُذكر، ولا قرار في التغيير أو التجدد، فيحتمل عندئذ أن يبقى الاسقف الشاب من هذا النوع، وطوال خدمته الحبرية، جاثما على مقادير ابرشيته، ومجمعه الاسقفي والكنيسة الرسولية الجامعة. وعندئذ قد تبقى المشاكل بلا حلّ،  وعلى حد تعليم البطريرك الراحل الكردينال مار عمانوئيل الثالث دلي، كما نقل لي عنه صديق من تلامذته في الدير الكهنوتي، إذ قال أن هناك "مشاكل لا تجد حلا إلا بعد موت اصحابها" وبعد عمر طويل.
بين الزعامة المهنية وكاريزما الريادة الروحية
وعليه، فإن ارتباط المقياس بأن يكون الأسقف الجديد في هذه الكنيسة أو تلك قد أكمل الخامسة والثلاثين من العمر، يجعلنا لا نعتقد أن الأداء الكهنوتي المرضي والحدّ المناسب من الكفاءة العلمية يكفيان، بل أن يقترن ذلك بشهادة القداسة التي يجمع عليها كثيرون، مما يجعله فعلا قدوة للمؤمنين في الكلام والتصرف والمحبة والروح والايمان والطهارة. مع التنويه إلى أن الطهارة تبقى مسألة ترتبط بتوصية القديس بولس إلى الاسقف الشاب وحديث العهد، من خلال تلميذه طيمثاوس، ليعيش على وفقها بينه وبين ربّه، فهذه الفضيلة أبعد أن تكون مجرد حالة عذرية أو ماركة مسجلة، بل تبقى بالأحرى مسار حياة روحية يعيشها المرء بمحبة للرب والرعية وبتواضع وتوبة متجددة وعطاء لا حدود له.
توصية البطريرك عن المقالات والمواعظ
وما دمنا في توصيات بولس رسول الأمم، أود أن أختتم بإشارة طريفة وبريئة، إلى أن إحدى المواصفات في عهد مار بولس وبعده ببضع أجيال، كانت ان يكون من اشتهى الاسقفية، متزوجا من امرأة واحدة. مع العلم أن الامور قد تغيرت فيما بعد، مع قيام الرهبانيات، لتكون مصدرًا رئيسا لاختيار الاساقفة. لكني كنت تلقيت معلومة، من الأخ العزيز القس جليل منصور (كاهن متزوج) راعي كنيسة مار نرساي الكلدانية في بغديدا، لا أعرف أين وجدها في مصادر الكنيسة الشرقية، يـُسمح بموجبها برسامة الكاهن المتزوج، اسقفًا إداريا. على أنه يجدر بالأحرى الاستشهاد برأي الكاهن المتزوج الراحل القس متي ربان الراعي السابق في قرية سناط، الذي بحسبه، يكفي الكاهن خورنته وزوجته والأولاد من نعمة وبركة واهتمام.
 لكن مثل هذا الموضوع، بين قربان الكاهن الاعزب، وكاهل الكاهن المتزوج، هو موضوع آخر، لعله يكون يومًا مادة لمقال أكثر تعمقا. فلا بد من عدم الاطالة، وطرح كل موضوع في مقال مستقل، إذ أوصانا غبطة أبينا البطريرك، خلال زيارته الميمونة إلى كندا، بأن نتوخى في الكتابة، المقالات القصيرة، وفي الكرازة، المواعظ الاقصر.

كالكري – كندا
26 حزيران 2014


14
قراءة واقعية في شهادة الرحالة الكندي الشاب ريشار غودرو عن رحلته الى شمالي العراق


الاب نويل فرمان  السناطي - كندا
المقدمة:
اكتب هذا المقال في موقع عام، لشعبنا السورايا، وليس في موقع كنسي او خورني. وأكتبه كمقال فكري يعبر عن حرية ابداء الرأي وتقديم وجهة نظري، ككاتب في مجال بحث مهما كان متواضعا عن شؤون سبق وتناولتها بخصوص شعبنا السورايا. وأكتب بصفتي مواطنًا كنديًا، يعتز، في الوقت عينه، بحمله ايضا جنسية اجداده النهرينين في العراق، وينهل في هذا البلد من المعرفة في تاريخه عن السكان الاصليين وعن مبادئ التعايش والمواطنة، والشراكة في بناء الوطن الواحد، ليس كقومية على حساب قومية أخرى. هذا ما رفدته خبرة تعييني كراع لخورنة فرنسية مكونة من عدة اثنيات تحت خيمة الفرانكوفونية، تحت مظلة خورنة كالكري لللاتين، الى جانب خدمتي ككاهن كلداني في ابرشية كندا الكلدانية، لرعية ملتصقة بجذورها، ومتواصلة وتراث وتقاليد الاجداد، مع تراكم سنوات الاستقرار خارج ارض الاجداد. كل هذا كما أظن، يرفد امكانية التعبير عن رؤى من زوايا اكثر حرية واستقلالا في التعبير، خارجًا عن الضغوط، مع الاستعداد لتقبل الرأي الاخر.
فرصة الحصول شخصيا على شهادة الشاب الكندي، بنصين انكليزي وفرنسي
-   كان ريشار  كودرو (Richard Gaudreau) في مكتب خونتينا بكالكري: سانت فاميي الفرنسية وسانت ميري الكلدانية، وقد جاء لخدمة طلبتها منه أمه الموظفة في المكتب  نيكول كودرو – لوباج (Nicole Gaudreau- Lepage). وكان آنذاك قد عاد لتوه من إحدى رحلاته السنوية، وكانت الاخيرة إلى شمالي العراق قبل بضعة أشهر. وأذكر أنها كانت رحلة حبست أنفاس أمه...
ذلك ان العائلة اعتادت ان ترتب مع ابنها، بأن يحمل  حيثما يسافر جهاز (Personal Location tracker ) وهو الجهاز "الشخصي لمتابعة مكان التواجد" . عندما يضعظ على زر فيه، يعرفون بالضبط على الخارطة أين وصل به المطاف. فيتواصلون معه حيثما وجد بثًا الكترونيا، بالصورة والصوت، عن طريق السكايب (Skype). ففي يوم من الايام، سألت بذهول: أب نويل، هل عندك فكرة عن منطقة اسمها سلوبي في تركيا؟ قلت نعم إنها مكان تواجد مهاجرين العراقيين في مسار رحيلهم الى خارج العراق، وكان مثلث الرحمة مطراني السابق، عندما كاهنا في ابرشيته بزاخو، يزورهم دوريا، على مسافة حوالي الساعتين لاقامة القداس. وسألتها: ولكن من اين لك هذا الاسم؟ أجابت: ان ريشاري (My Richard)  وصل الى هناك. وفي اليوم التالي، قالت: يسأل ريشار هل هناك أناس تعرفونهم في دهوك؟ فقلت لها: لنا فيها أهل ورعايا كلدان.
في المكتب، حكى لي ريشار ذكريات جميلة عن رحلته ونوه بنقاط مشجعة عن مشاهداته، فقلت له: ماذا تقول يا ريشار لو تكتب هذا كشهادة حية من قبلك، معززة بالصور. فقبل المهمة، وبعد مدة من ذلك، زودني بالنصين الفرنسي والانكليزي للمقال، مع الصور التي اخذها صديقه في الرحلة واسمه فيكتور والمكون اسمه العائلي بالانكليزية من 11 حرفا (Skbzypczynsky) ويلفظ على ثلاث مقاطع: سكيبي جين سكي. وكان فيكتور قد التقط بعدسته المتطورة صورا رائعة عكست المناظر الخلابة للارض الجميلة التي فيها ولدنا وترعرعنا بجوار اخوتنا الاكراد. كما اعطت كلمات ريشار الانطباع الطيب على مظاهر العيش في هذه المنطقة الشمالية من بلادنا النهرينية، العراق، والتي كما يؤكده كلامه تطورت بالإدارة الكردية للمنطقة، بعد حصولها منذ  التسعينيات، في عهد النظام  الشمولي السابق، على حماية دولية بموجب قوانين الامم المتحدة، في أعقاب عدم ممارستهم لحقوقهم الثقافية والاثنية. كما يعكس المقال الامان الذي يعيشه اهلنا في المنطقة الشمالية من العراق.
في مقالته بالانكليزية والفرنسية، بدأ ريشار بتقديم نفسه، والشرح لهوايته في السفر والترحال، وضروف دخوله من تركيا الى المنطقة الشمالية في العراق، وما تعلم ان يسميها كردستان، مع نباهة ربطه بالوطن العراق، قال:
مرحبا ! اسمي ريشار غودرو وأنا طالب في جامعة فيكتوريا، بكندا، وانا من محبي السفر، وابن نيكول لوباج غودرو ، سكرتيرة رعية سانت فاميي (العائلة المقدسة) الفرنسية في كالكري . هذا العام ، أتيحت لي الفرصة للسفر لمدة أربعة أشهر في بعض أجزاء من أوروبا ، شمال أفريقيا والشرق الأوسط .
هذا المقال هو لوصف واقع تجربتي ، وكذلك وصف الوقت الذي امضيته في كردستان، وذلك استجابة لطلب كاهن الرعية الفرنسية الاب نويل فرمان، فهذه المنطقة هي مسقط رأسه في وطنه العراق.
 اتخذت قراري للسفر الى العراق، لمجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك المغامرة ، بحثا عن خبرات السفر الفريدة و فرصة لقاء هذا الشعب غير المعروف .
حوار جانبي مع ريشار، واستذكار لوزير كردي عن العملية السياسية في العراق وشماله
-   لم يخف الشاب ريشار، في شهادته، ما كان لديه من فكرة مسبقة عن العراق، بعد سقوط النظام الشمولي، والاحتلال الامريكي له لعدة سنوات، قبل الانسحاب منه وتقديمه بنحو غير مباشر إلى الوصاية الايرانية، وبعد ان زرعوا فيه الحكم الطائفي وهيأوه على نار هادئة. فكان ريشار قد سمع بالاضطرابات الامنية في العراق، ولم يكن يعرف ان منطقة الشمال التي تقطنها غالبية من الاكراد، الذين كانوا منذ سنوات عديدة يطالبون بالحكم الذاتي، وقد حظوا بنوع الاستقلال الاداري، ثم تطور هذا الاستقلال، بعد الضعف الذي شهدته البلاد المتناحرة مذهبيا وطائفيا والخاضعة للتوجهات الايرانية، ليصل الى مرحلة من الادارة الذاتية اقليميا.
وتبين له، في شهادته وفي حوارنا الجانبي، أن الاخوة الاكراد، وبحكمة، نأوا بأنفسهم عن التوجه الطائفي، بدون ان يجدوا انفسهم معنيين بمناهضة الطائفية في البلاد، لا بل استخدموا الحنكة السياسية للتعامل الذكي مع الواقع المرير.
وقد لمست من جانبي هذه الحنكة السياسية، في تصريحات وزير عراقي كردي، دافع عن عدم تدخل ايران في الانتخابات التي أدت الى  المحاصصات الطائفية، بقوله: (هذا الحجي –الحكي- من اين تجيبوه؟).
وبهذا الصدد تهيأ لي أن أكلم ريشار، عن الخلفية السياسية في المنطقة، أذ أخبرته: مع ان المنطقة الشمالية، تعيش استقرارا سياسيا بفضل الاتجاه العلماني القائم والمستقل عن الاحزاب الدينية، الا ان الادارة في المنطقة الكردية ابقت احزابا ذات طابع ديني، بنحو ديمقراطي شطرنجي، مع الحرص على الا يؤثر ذلك على اي نوع من أنواع الـ  كش ملك.
وهنا أذكر أن الوزير الكردي في تصريحاته، دافع في هذا المجال، أن يكون في سائر اجزاء العراق، أحزاب ذات منحى طائفي ديني، بدليل انه يوجد أيضا في مملكة مثل السويد ما سماه بالحزب الديمقراطي المسيحي، مع الخلط الواضح بين العمل السياسي على اساس مسيحي ضمن القوانين والقيم السائدة، وبدون القتل على الهوية، وبين العمل السياسي على الاساس التسقيطي المذهبي والطائفي.
من ناحية أخرى، تناقشنا، كيف انفتح إخوتنا الاكراد في المنطقة الشمالية من العراق، بثقة وثقافة الى العقلية الغربية، والى التعامل المحسوب مع مختلف بلدان المنطقة، من بلدان عربية إلى جانب بلدان غير عربية، كانت تقليديا بلادا يحسب لها العرب الحساب تلو الحساب، بما عزز نجاحهم في إدارة البلاد. مما جعل منطقتنا الشمالية، ومسقط  رأس القسم الكبير من مسيحيينا، منطقة آمنة، على غير ما توجس به، صديقنا الشاب ريشار وزميل رحلته فيكتور، فشرح انبهاره أمام الامان والاستقبال الحميم، بهذه الكلمات قائلا:
 يجب أن أقر أن رفيقي وأنا كنا قلقين عندما اشرفنا على الوصول الى العراق . ولكن منذ الحدود الكردية وأمام هذا الترحيب الودي، والحيوية المذهلة لدى الناس، سرعان ما أعادنا كل هذا بارتياح  واطمئنان إلى مزاجنا الطبيعي. الجميع كانوا لطفاء معنا، بما فيهم سائق سيارة أجرة. فقد ساعدونا لاستكمال أوراقنا على الحدود فيما أخذ جنود البشمركة الكردية يعلمونا بعض الجمل البسيطة بالكردية . كما ان موظفي دائرة الحدود، أصروا بأن نتناول الشاي معهم، وبذلك كانوا يكشفون أمامنا بوضوح، ومنذ تلك البداية، الظاهرة المدهشة لـ ( لضيافة الكردية).
طيبة كانت هذه الالتفاتات، خصوصا عندما يعبرون عنها مع الأجانب مثلنا حيث اننا متعودون على نمط محموم من الحياة في كندا. ولكن ما شرحناه ما هو إلا شيء بسيط، مقابل الآتي من الايام اللاحقة.
فعلى سبيل المثال، ولدى وصولنا الى دهوك أصبح من الواضح أن الأكراد كادوا يظهرون اهتماما بنا، أكثر مما كنا مهتمين باتجاههم. بهذا الانطباع التقينا صديقنا الأول ، محمد . وكان قد سجن من قبل صدام حسين في عام 2000 ، الا انه تمكن من الذهاب الى المنفى في سويسرا ، بعد ان عانى من الإصابات الخطيرة ومن تأثيرات الصدمة .
-   وقد بين لي ريشار خلال اللقاء، أن الناس هناك، أوحوا له بأن ضيافتهم له ولصديقه، والترحاب بهما، كان نوعًا من التعبير عن العرفان والامتنان، لمبادرتنا في الذهاب الى هذا المكان، ليبددوا عنا وعن غيرنا الانطباع المغلوط ان المنطقة غير مرحبة بالاجانب. في اشارة إلى انه يستطيع الان ان يفرق بين هذه المنطقة الشمالية التي يعيش فيها ويديرها الاكراد، وبين المناطق العراقية الاخرى، التي يسمع انها تضم عصابات ارهابية تعصبية من الناحية الدينية.
وسرعان ما أخذ صاحبنا يتعامل بالمفردة الغالبة في المنطقة الشمالية من العراق، والتي من  الواضح تتوخى التميز الجغرافي والسياسي والاستقلالي عن سائر العراق، وهي مفردة كردستان التي اخذت تنحو منحى التسمية الاستقلالية اكثر من كونها تؤشر حالة خصوصية قومية اقليمية متعاملة بانسجام مع الجهات المركزية في العراق، إذ قال بشأن الصديق الكردي الذي تعرفوا عليه:
لدى العودة إلى دياره في عام 2010 ، أصبح محمد فخورًا بكونه المالك لعدة شركات صغيرة كما توصلنا مع الوقت الى الادراك بأن محمدا كان كرديا فخورًا بأن يجعلنا نعيش أوقات ممتعة جدا سواء في دهوك أو سائر أنحاء كردستان .
ومنذ اليوم الأول لرحلتنا، أصر محمد ليرينا جميع أعماله ونشاطاته التجارية، ولنلتقي بأشقائه السبعة، كما دعانا الى احتساء البيرة في الجزء المسيحي من دهوك. و أخيرا ، وكما لو أن كل هذا لم يكن مثيرًا بما فيه الكفاية، فقد أخذنا إلى المتنزه الترفيهي " هابى لاند ".
وبينما كان دولاب الهواء يرتفع بي عاليا عاليا، تبين لي بكل وضوح أن وقتي في العراق، لن يكون على الارجح، كما كنت اتصوره بتوجس قبل الوصول اليه.
-   ومع اشارة ريشار الى المنطقة بوجود مسيحي، أحس به في اماكن بيع البيرة، عرّفته بأن في المنطقة مساحة واسعة من القرى المسيحية العريقة. وأن العمادية التي زارها، هي مقر كرسي ابرشي تاريخي، يضمها حاليا في ابرشية واحدة، تحت اسم ابرشية زاخو والعمادية الكلدانية. وأن هؤلاء يتطلعون الى الشراكة على مستوى المواطنة العراقية سواء في المنطقة أو في المركز. واترك له الحديث وهو يشير الى زيارته الى العمادية، وما تمخض عنها من الصور البانورامية الرائعة التي التقطوها للمنطقة من فوق الجبال، قال:
في اليوم التالي التقينا محمد على مائدة الغذاء، و قلنا له أننا مهتمون ايضا بتسلق الجبال في البلدة الجبلية العمادية (Amadya)  . واذا به، ودون ان يرفّ له جفن، يخبرنا بصوت عال بأنه عازم على أن يتخذ نهار اجازة له، لكيما يقودنا الى هناك، وبالفعل أخذنا الى العمادية، ليدعونا الى آخر عشاء معه، قبل ان يتركنا لمغامراتنا في تسلق الجبال.
أمام كل هذا اسقط في ايدينا، ونحن لا يسعنا بكل بساطة ان نصف محمد اكثر من كونه شخصا لطيفا، ولطيفا الى ابعد الحدود. وهكذا عرفنا بلمس اليد، أن عموم الاكراد أناس مضيافون بنحو عجيب للغاية.
الى جانب مغامرات عديدة اخرى، قمنا بتسلق  الجبال، وكذلك جمعتنا روابط صداقة مع العديد من الشبان العراقيين، في المسبح، وتهيأ لنا أن نتبادل اطراف الحديث في عدد من المطاعم والبارات واماكن النركيلة.
وهكذا عرفنا ان الشعب الكردي عندما يتناول الطعام، ليس هذا عنده مجرد عملية غذائية عادية، بل هو بالأحرى نشاط اجتماعي ثقافي واحتفالي. والحال إن عدد الناس الذين دعونا الى الطعام هو عدد يثير العجب، وما يثير العجب ايضا هو كمية الطعام الذي يقدمونه  بتنوع هائل في الاطباق. فقد فاق ذلك كل توقع، وما كان امتع من ذلك لاناس يمتلكون شراهتنا في الطعام. بل انه اكثر من مرة، عندما ضاقت المائدة بأطباق الطعام، كانت الاطباق توضع الواحدة فوق الاخرى، لتشكل طابقين من مواعين الطعام والمقبلات، وتعال بعد كل هذا لتحزر من هو الطباخ الذي اعدها!
-   وفي خضم هذه الضيافة، والاوقات الطيبة، تلقى ريشار وزميل رحلته، خيطا من خيوط معاناة العراق عموما، من الناحية المذهبية والطائفية، وما يعتلج تطلعات اناس كثيرين بشأن الحياة العلمانية. على ان الرجل، والعافية درجات، لم يكن منه الا أن وضع كلا من الاكراد في خانة والسنة في خانة والشيعة في خانة أخرى، كما ذكر ايضا المسيحيين  الكلدان... أقول قولي هذا وأترككم بأمان الله تعالى، مع بقية الحديث للرحالة الشاب ريشار غودرو:
بالنسبة لي وزميل السفر، هذه التجربة فتحت أعيننا على واقع انه إذا كان العراق ما زال ضحية للعنف الطائفي، والمتركز أساسا في مذهبين في الاسلام: السنة والشيعة، فإنه لا زال هناك بعض الجماعات التي تبقى ويا للعجب، منفتحة وعلمانية  جدا ومرحبة بنا كأجانب بشكل مذهل.
وعلى الرغم من أنني لا أريد ان اقدم صورة يغلب عليها التفاؤل المفرط، فبموجب ما سمعته، وما شهدته بنفسي، يوجد هناك الكثير من الجماعات من الاكراد ومن السنة ومن الشيعة وكذلك من المسيحيين الكلدان، هؤلاء يعيشون مع بعضهم البعض بانسجام وسلام.
لقد كان بالنسبة لي، قضاء اسبوع في العراق ، وان اكون الشاهد على الانسجام بين هذه الجماعات، هو الزبدة الطيبة التي استخلصتها من كل رحلتي.

النص الانكليزي لخبرة الرحالة الكندي الشاب ريشار كودرو في زيارته لشمال العراق
Mes expériences au Kurdistan, une région du pays natal de l’abbé Noël, l’Irak
Salut! Mon nom est Richard Gaudreau et je suis un étudiant à l'Université de Victoria, un fanatique de voyages, et le fils de Nicole Lepage, secrétaire de la Paroisse Sainte Famille. Cette année, j'ai eu l'occasion de voyager pendant quatre mois dans certaines parties de l'Europe, l'Afrique du Nord et au Moyen-Orient. Cet article est une réponse à une demande de l'abbé Noël  Farman pour décrire une de mes expériences, à savoir, mon temps passé au Kurdistan, une région de son pays natal, l’Irak.
Ma décision d'aller en Irak a été prise pour une variété de raisons, parmi lesquelles l’aventure, la chasse aux expériences de voyage uniques et la possibilité de rencontrer ce peuple méconnu. Je dois avouer que mes compagnons et moi étions anxieux lors de notre arrivée en Irak.  Néanmoins, à partir de la frontière kurde, la convivialité et la vitalité étonnante des gens, nous a mis à l'aise instantanément. Tout le monde était gentil incluant le chauffeur de taxi qui nous a aidés à compléter nos papiers à la frontière et les soldats de l'armée peshmergas kurdes qui nous ont appris quelques phrases simples en kurdes.  Aussi les membres du service frontalier voulaient à tout prix qu’on prenne le thé avec eux mettaient en évidence le phénomène étonnant de «l'hospitalité kurde».
Ces actes simples de bonté, mais surtout étrangers au mode de vie trépidant du Canada étaient vraiment rien comparé à ce qui était à venir dans la semaine à suivre. En arrivant à Dohuk par exemple, il est devenu clair que les Kurdes étaient presque plus intéressés par nous que nous étions par eux. C'est ainsi que nous avons rencontré notre premier ami, Mohammed.  Mohammed avait été emprisonné par Saddam Hussein en 2000, cependant, il avait réussi à s’exiler en Suisse, mais non sans de graves blessures et traumatismes. De retour à la maison en 2010, il est devenu l'heureux propriétaire de plusieurs petites entreprises; et nous sommes venus à comprendre que Mohammed était un Kurde fier de pouvoir nous faire vivre de très bons moments amusants à Dohuk, et dans tout le Kurdistan.
Ceci étant notre premier jour, Mohamed a insisté de nous montrer l'ensemble de ses entreprises, de rencontrer ses sept frères, de prendre une bière dans la partie chrétienne de Dohuk et enfin, comme si notre premier jour n’avait pas été assez excitant, Mohammed nous a amené au parc d'attractions ‘Happy Land.’ Comme je volais dans les airs sur un des manèges, il m’est devenu évident que mon temps en Irak n’allait probablement pas être ce que je m’étais imaginé avant d’y arriver.
Le lendemain, nous avons rencontré Mohamed pour le déjeuner et nous lui avons dit que nous étions intéressés à faire de l’escalade à proximité de la ville de montagne d’Amadya.  Sans broncher, il s'écria qu'il aimerait prendre une journée de congé, nous y conduire et avoir un dernier repas avant de nous laisser à nos aventures.  Nous avons été stupéfaits, cet homme était tout simplement trop gentil!  Comme nous l’avons appris, l'ensemble des Kurdes sont tout simplement incroyablement accueillants!
Parmi d'autres aventures, nous avons fait de l’escalade dans les montagnes, nous nous sommes liés d'amitié avec de nombreux jeunes irakiens à la piscine locale, pour ensuite parler et discuter avec d’autres gens dans les nombreux restaurants et bars locaux, les ‘Nargila’.  C'est ainsi que nous avons appris que lorsque le peuple Kurde s'assoit pour manger, c’est plus qu’une simple action.  C’est véritablement une activité de communauté culturelle et une fête.  Le nombre de personnes qui nous ont invités à manger est étonnant, mais aussi étonnante est la quantité et la variété de nourritures qu'ils nous ont servis.  C’était tout simplement inespéré, mais vraiment amusant pour nous les gourmands!  Plus d'une fois, par manque de place sur la table, les plats étaient en pillé un par-dessus l'autre!  Et pour tout finir, nous devions deviner qui était le cuisinier.
Pour moi et mes amis de voyage, cette expérience nous a ouvert les yeux sur la réalité que si l'Irak est encore victime de violence sectaire, surtout concentrée entre deux dénominations d'Islam, les Sunnites et les Shiites, il existe toujours quelques communautés qui restent étonnamment ouvert, très laïque et étonnamment accueillants.  Le courage et la compassion face à tant de violence et de traumatismes des individus que nous avons rencontrés sont certainement des qualités que nous pourrions tous apprendre. Bien que je ne veuille pas brosser un tableau trop optimiste, comme je l'ai appris et j'ai été témoin, de nombreuses communautés de Kurdes, de Sunnites, de Shiites et de Chrétiens Chaldéens vivent ensemble en harmonie et en paix.  Pour moi, la semaine en Iraq et être témoin de l’harmonie de ces communautés a été un point culminant de mon voyage.
النص الفرنسي لمقال ريشار كودرا
Abbé Noel’s native country of Kurdistan or Northern Iraq
Hi.  My name is Richard Gaudreau and I am a student at the University of Victoria, a fanatic of travelling, and the son of Nicole Lepage, one the receptionist at the Sainte Famille Parish.  This year I had the opportunity to travel for four months through parts of Europe, northern Africa, and the Middle East.  This article is a response to a request from L’abbe Noel to describe one of my experiences, namely, my time spent in his native country of Kurdistan, or northern Iraq. 
   My decision to go to Iraq was taken for a variety of reasons, among which included adventure, the hunt for unique travelling experiences and an opportunity to meet a people who for the most part are aliens for me.   When entering Iraq, my companions and I were a bit anxious.  Nevertheless, beginning at the border the Kurds amazing friendliness and vitality put us at ease instantly.  Everyone from the taxi driver who helped us complete our border papers, the Peshmerga-Kurdish army who taught us some simple Kurdish phrases and the border services who had us stop for tea began to highlight the amazing phenomena of “Kurdish hospitality”. 
These simple acts of kindness albeit mostly foreign in Canada’s fast paced lifestyle were really nothing compared to what was to come in the week that followed.  Upon arriving in Dohuk for example, it became clear that the Kurds were almost more interested by us than we were by them.  This is how we meet our first friend, Mohammed.  Mohammed had been imprisoned by Saddam Hussein in 2000 however, he had managed to escape to Switzerland but not without serious injury and trauma.  Having returned home in 2010 he was now a proud owner of several small business and as we came to understand a proud Kurd keen on having us have a great time in Dohuk, and all of Kurdistan. 
This being our first day, Mohamed insisted we needed to see all of his business, meet his seven brothers, grab a beer in the Christian part of Dohuk and finally as if our first day was not exciting enough, we finished at the amusement park “HAPPY LAND”.  As I was flying through the air, it became clear that my time in Iraq was probably not going to be what I had thought it would be. The following day, we met Mohamed for lunch and we told him we were interested in going climbing near to the mountain town of Amadya.  Without flinching, he exclaimed that he would love to take the day off, drive us there and have one last meal before leaving us to our adventures.  We were stunned, this man was simply too nice!  As we came to learn the whole of Kurdistan is quite simply amazingly hospitable!
Among other adventures we ended up climbing in the beautiful mountains, befriending many young Iraqi’s at a local pool, and talking in the many local restaurants and “Nargila” bars. This is also t how we learnt that when the Kurdish people sit down to eat it is more than a simply action but truly a cultural and community activity.  The amount of individuals who invited us to eat was striking, however the amount and variety of food they served us is quite simply baffling.  More than once, for lack of space, dishes were being pilled one on top of the other and we were made test subjects to decide who the cook of the night was. 
This experience opened all our eyes to the reality that while Iraq might still be experiencing sectarian violence, especially concentrated between two denominations of Islam, the Sunnis and Shias, pockets of communities remain amazingly open, quite secular and astonishingly hospitable.  These individuals’ courage and compassion in the face of so much violence and trauma is surely something we can all learn from.  While I don’t want to paint a picture that is too optimistic, as I learnt and witnessed, many communities with Kurdish, Sunni, Shia and even Chaldean Christians live together in harmony and peace and looking back upon it, seeing these communities was a highlight of my trip. 
   








15
مشاطرة متواضعة مع مواقف كنيستنا البطريركية

الاب نويل فرمان السناطي
سنة سعيدة لقرائنا الاعزاء، وليكن هذا العام الجديد عام نعمة وخير وسلام. وأستهلها بالكتابة في موقع عنكاوا، بعد بعض انقطاع، لجملة اسباب، منها الانشغال المتراكم، وغيرها التعويل على ما يصدر عن مواقعنا الكنسية، بتأوين متميز، وما يصدى له في المواقع. ولكن جاءتني رسالة مرموقة اعتز بها، تشير الى ان هناك ما يمكن ان اكتبه من افكار، سيكون له الصدى الاوسع في موقع عنكاوا، ولا اخفي ارتياحي أمام التنويه بهذا الموقع الاغر بالاسم، مما يعبر عن مكانته في اوساطنا المتنوعة كما في اوساطنا الدينية. وكان يراودني تساؤل عن صدى الكتابة في المواقع الالكترونية، فكانت الرسالة، كخط ابوي اخضر.

بواعث المشاطرة
تصدر بين المدة والاخرى، تصريحات من بطريركيتنا، بطريركية بابل على الكلدان في العراق والعالم، يكون لها اصداء متباينة هنا وهناك، ولا تألو البطريركية جهدا في وضع النقاط على الحروف، اذا ما اقتضى الامر، وتصدر التوضيحات، ثم توضح من جديد، اذا استجد طارئ على التوضيح السابق. لنجد أنفسنا، منذ قرابة العام، وبين ليلة وضحاها، مع موقع بطريركي يتعامل مع نبض شعبنا السورايا، بدل أن تترك الامور على عواهنها، ثم تصدر فرقعة إعلامية طارئة تحت تأثير بلوغ السيل الزبى. هذا قد يوحي، عند سكوتنا، وكأننا نترك البطريركية لوحدها، ومع انها تمشى اعلاميا بخطاها الواثقة مستوحية الرسالة الايمانية الملقاة على عاتقها.

مع الجهد البطريركي
 وللمفاكهة أقول، أني في الواقع ولشدة ابتعادي عن استخدام فعل لا يألو جهدا، اخذتني الريبة في هذا الفعل فغوغلتُ عنه (بحثت في غوغل) لأتبين املاء هذا الفعل الشجاع، إن كان بالواو، فهو بالتأكيد لا يحتاج الى ألف مع واو الجماعة... ومضى الشك الى جهد آخر لأتساءل ان كان هذا الفعل يكتب بدون واو أي بالضمة على اللام، فأصاب ظني أن البطريركية بالفعل لا تألو جهدا لما يقتضى التدخل، بحيث بت اتحرج عليها من الطارئين، والمقنطرين على المواقع الالكترونية، وهم معدودون ومعروفون وقلما يستدعي الامر ان تبرز أدبياتهم الحوارية ومجاذباتهم الضيقة. وهذا جعل الكثيرين منا يتحاشون الكتابة هنا وهناك، معتمدين على مواقعهم الالكترونية الكنسية. إنما أجد أنه آن الاون لأقلامنا، ممن بتنا في خانة الاقلية الصامتة، بأن نرفد بأقلامنا المواقع الالكترونية لشعبنا السورايا، بل وايضا وحسب التخصص، موقعنا الكنسية وصفحات خورناتنا على الفيسبوك بالاراء، متوخين الفرادة والابداع والاضافة، كل من زاويته، لكيما يرتفع البنيان الايجابي الذي تتوخاه على ما اتعشم رئاساتنا الكنسية، ويتوخاه على ما معروف عنه، غبطة بطريرك الكلدان مار لويس ساكو.

كنيستنا لا تتدخل في  السياسة إنما...
لفترة خلت، وقبل ان تستفحل التجزئة الاثنية في جسد السورايي من شعبنا المسيحي في بلاد بين النهرين وتخومها، على الارض وفي الاغتراب، كنت اعتقد ان العلمانية هي الحل، لكيما يلم الجسد الواحد المتناثر طائفيا ومذهبيا. ولكن وجدت، مع الوقت، طروحات لزملاء في المهجر، وطروحات لكتاب عريقين ورواد في مجلة الفكر المسيحي، لا اريد ان اقوّلهم بالتحديد، اذ ليست لدي التفاصيل الدقيقة لمراجع مقالاتهم او محاضراتهم في جمعية آشور بانيبال وسواها. وذهبت تلك الطروحات الى غير ما كنت اعتقد. وها اني اتحاشى كلمة مرجعية التي من فوضويتها وضبابيتها وحربائها، يصيب ذكرها المعدة بـ (الجالي)، على اقل تقدير. هذه الطروحات لا تتفق بوضوح مع ما ذهبت اليه، ان العلمانية ستجمع شعبنا، اذ يرون في ذلك مضرة ترك الحبل على الغارب، وذلك لجملة أسباب منها:
-مع التأكيد على ضرورة الحذر من أن تحل جهاتنا الكنسية محل الاحزاب، لكن يقتضي ان يكون لها صوتها المتميز أمام فرقعات ما يمسى بالمرجعيات الدينية المتعاملة مع السلطة، كجزء منها، او كمعارض لها، وعرفت ببياناتها المتضاربة، وبما يشوش على التوجه السياسي. فقد يعد سكوت جهاتنا الكنسية، في مواقف متطلبة، سكوتا غير مسؤول.
- هناك شعور، ولعله شعور غير دقيق، بعيدا عن الميدان، وهو عدم مبدئية وعدم ديمقراطية عناويننا السياسية، بما أدى الى المزيد من التشظـّي لجسدنا السورايا الواحد. ناهيك عن انهم، وكما يلاحظ بدقة ويصدى له ميدانيا، اتخذوا الحزب بمثابة طابو وملك صرف، ولئن كره الكارهون. وقد لا نستغرب عندئذ لو صادف وحققت الأجندة العالمية، شيئا للشعب السورايا كحكم ذاتي، وعلى غرار ما خططوا للأقاليم، هنا أو هناك، فإن الزعامة ستكون مكرسة لنفس رؤساء الاحزاب واسرهم وذرياتهم، مع مقاسمات سياسية على شكل القسام الشرعي للعقارات، مما سيبقى مثيرا للتساؤل.
وهنا يستجد رأي شخصي، في التوضيح البطريركي لمرة أخرى، الصادر مؤخرا، عمن يمثل المسيحيين كمسيحيين، روحيا، وعمن يمثلهم سياسيا. فإذا كان فهم منه الاشارة الضمنية والكيّسة، الى واحد من الشيوخ ، فإنه لم يبرئ ولا يبرر، كما آمل وأعتقد، مكوث عدد من القادة السياسيين لشعبنا السورايا، على صدور كياناتهم واحزابهم، وذلك بما يعتقد من تعامل رشيق لهم ومتنفذ ومسنود مع فن المهارة في اللعبة الديمقراطية، فكانوا كتحصيل حاصل بمثابة الشيخ والنصف.
وهذا يدفع الى التأكيد بأن يكون للكنيسة كلمتها أمام المحفل السياسي، لما يخص حقا دينيا أو طقوسيا او فكريا او شعائريا، للشعب المسيحي، ومن باب أولى استهدافه من باب الاضطهاد والتكفير. واذا كانت الكنيسة تمثل نسبة واسعة من سورايي البلد ومن مسيحييهم، فمن الطبيعي ان المطالبة تنسحب لصالح مجمل المسيحيين.

بين موقف الكنيسة والتحركات السياسية، نعيش جدلية متفردة تتمثل بالاتي:
لنضرب مثل الكنيسة الارمنية عندما كانت تحت الحكم الالحادي، في الاتحاد السوفيتي السابق، وقبل سقوطه، فإنها في تلك المرحلة، ابدت اصطفافها بطريقة او بأخرى مع مكونات حزبية تحمل الاسم الارمني ذاته، والتوجه الى الهدف عينه بالتحرر والاستقلال، وبعدئذ انسحبت الكنيسة كمرجعية روحية في اجميازدين ارمينيا، وترك للسياسيين شأنهم الرئيس في شؤون البلاد. فلو قورن حال كنيستنا بهذه الخصوصية لهان الامر، ولسهل الاصطفاف.
ولكن في شعبنا باسم تسميته الكنسية وسائر مسمياته المذهبية والطائفية، احزاب يضاعف عددها، عدد اصابع اليدين. ومن هؤلاء رافعي راية تمثيل مسيحيينا، من في مناسبة دينية لا ينحني أمام الصليب والخاتم البطريركي، بينما وزير فيدرالي في كندا، ينحني في الكنيسة أمام  كاهن متجلبب بثياب القداس. وندرج هذا لمجرد المقارنة والتحليل، والا فان عدم الانحناء لا يقلل من ايمان المشرئب بعنقه لدى المصافحة، ولا يزيد منه لدى المنحني، لكن الشيء بالشيء يذكر. فمع كم قائد منحن او متطاول تصطف كنيستنا وقد اصبحوا بضع عشرات لأحزاب ومكونات سياسية؟ لذلك كان بودي ان اقترح، على الموقع الالكتروني للبطريركية الكلدانية، وغيرها من مواقع ذات صلة، وهو تحاشي نشر اخبار مثل هذه الاستقبالات، واعتبارها مقابلات عمل في الدوام الرسمي، والاكتفاء بما يصديه عنها المعنيون في المقابلة، والتدخل في حالة تسخير المقابلة الى اجندتهم الخاصة، واحيانا على حساب الشعب السورايا.
فإن الدوام الرسمي للبطريركية، على ما اعتقد، ولمجرد الافتراض الشخصي تأسيسا على مواقف البطريركية الحيادية، هذا الدوام،  في جانبه الاداري و"التعاملي"، اشبه بعمل سفارة الفاتيكان في سوريا أو السودان، بصرف النظر عن توجه حكامهما ومعتركاتهما السياسية. بحيث يفهم من ذلك، أنه لما يستقبل البطريرك، هذا او ذاك من السياسيين، ستكون عندئذ فرصة لغبطته ان يعبر عن رايه ويطالب ويناشد، وبما لا يؤثر على حيادية العمل الدبلوماسي للبطريركية، حتى وان كان العمل يتصادف في تواجده على الارض، مثلا (مجرد مثلا) مع حكومة فاسدة، ساقطة عميلة مرتشية، مستحوذة، منشطرة التبعية الى الجيران.
وبهذا الصدد، نحتاج الى المزيد من البحث، للتعرف على ظروف عمل كنائس شجاعة في امريكا اللاتينية، في عهد المطران الشهيد اوسكار روميرو، في ظل الفاشيست في السلفادور، وكذلك ظروف عمل الكنيسة في فرنسا تحت الاحتلال النازي، هذا البحث قد يساعدنا للاستزادة في الخبرة بهذا المضمار الحساس. وأذعن أني لم اقع على مصادر ناجعة في هذا الشأن.

ماذا يمثل سياسيونا؟

سؤال أقر شخصيا بعدم الاحاطة بجوانب اجابته، فأمام هذا يحتاج المرء، الى كاتب متخصص غير منحاز، ليعرض ما يمكن لقادتنا السياسيين ان يمثلوا فيه شعبنا السورايا، لأن هذا حقل بات غامضا على شخص بعيد عن الميدان. ربما من تلك الامور، كما اعرض بتواضع، يتعلق بتعليم اللغة حتى الدراسة الجامعية، او نشر الثقافة التراثية، وتعزيز الخدمات في اماكن تواجد الكثافة السكانية من السورايي، ومد الجسور مع المغتربين من ابناء الشعب السورايا. المهم قوله، ان دماء شعبنا المسيحي عندما تسفك لا يفرقون في سفكها بين الاسم الاثني او القومي، ولا بين مذهب او طائفة، مما يقتضي ان تصب جهود سياسيينا في باتجاه الهدف المشترك الواحد لشعبنا السورايا، لحين حصوله على الحد الادنى من حقوقه، وعندئذ يتفرغون للتجاذبات السياسية لمن يحصى على الحظوة الاكبر في قلب الجماهير.

عن الاصطفاف والتقية
وما دمت تحدثت عن عدم الاصطفاف المبدئي للكنيسة مع خط سياسي محدد، ونحن أمام فسيفساء في من الاسماء، فقد علمت ان هذه مفردة الاصطفاف هذه عندما تكون مركبة مع اسم آخر تعطي معنى سياسيا وتوجها حزبيا، قريبًا من المعنى، الذي يقرن ببعض المرجعيات الدينية، والذي تعلمته حديثا ايضا عن التقية.
التقية كما سيرد شرحها، لا نعتقد انها اسلوب العناوين الدينية المعروفة والتي نلمس محبتها والتصاقها الوطني بمعزل عن الدين والطائفة، وما تبرزه التناقضات السياسية للأحزاب الدينية بشأنها، قد يظلمها كثيرا. فالتقية كما جاء في كتاب الحاوي، وكما نقل عن ابن عباس، هي أن يتكلم المرء بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يقتل ولا يأتي مأثمًا. وعرّف بعضهم التقيّة بأنها المحافظة على النفس والمال من شرّ الأعداء فيتقيهم الإنسان بإظهار الموالاة من غير اعتقادٍ لها. وقال الجصاص عنها: بجواز اظهار الكفر عند التقية، كل هذا على خلفية طريقة التعامل لدى الاختلاط بمن يسمونهم المشركين والكفار. هذا ما يجعلنا نتساءل ببراءة الى أي حد يمكن ان يختلط التوجه المذهبي والطائفي في التوجه السياسي لحكومات ما بعد 2003. مما يدعونا ان نرفع الاذرع ابتهالا، ليأتي اليوم الذي فيه تخلص البلاد من كل حكم طائفي او مذهبي، وعندئذ تكون الجهات الدينية على قدم المساواة في المطالبة بالحقوق والواجبات، لما يخص شعائرها الدينية وما يتصل بشؤون مؤمنيها.
اما عن الاصطفاف، فقد حدثني صديق، انه تناقش مع احد اقربائه، وكان له، من قبل ضمن قطيعه الحزبي، باع في التوجه الحزبي غير الديني، واذا به يتكلم في هذه الايام عن الامور الدينية والروحية والكنسية، فاراد صديقي ان يتأكد من قريبه، ان كان حقا على نفس قناعاته الحزبية غير الدينية في السابق؟ قال له: بلى ولكن لدينا ضمن الأدبيات الحزبية، ما يقر التعامل ضمن مبدأ تتضمنه عبارة الاصطفاف المناطقي، لحين تأتي الرياح مع توجهات الحزب.
وهنا ايضا يكمن التساؤل: الى أي حد، وفي أي اتجاه سوف يطالب سياسيونا بحقوق شعبنا المسيحي السورايا في البلاد، وكل منهم مختلف ومتنوع في اصطفافاته المناطقية. هذه الريبة، تعزز من القناعة بأن تتمسك البطريركية بأن تكون مسيحيا وروحيا هي الجهة التي تتكلم باسم مسيحيينا.
وبعد، اود ان اقترح بمودة على إخوتي الكتاب، كهنة وعلمانيين، اننا في خضم انشغالنا بالمواقع الخورنية وصفحات كنائسنا على الفيسبوك، حبذا ان نفرد شيئا من وقتنا وكتاباتنا للمواقع القريبة من قلبنا والمتصلة بكنائسنا، وحسب العائدية، في مجال الفكر والاغناء، مع الاعتبار بأن المواقع الكنسية عموما، تريد ان يخصص موقعها الالكتروني للمقالات الفكرية والروحية ذات الصلة بدون ان يكون منبرا للمماحكات او الطروحات المتبادلة كما كنت فهمت من احد التوضيحات السابقة، فلسنا بصدد منتديات، فهذه قد اكتسحت الميادين الالكترونية بغوائية متفردة.




16
بحضور المطران فردريك هنري، الانطلاق الرسمي للرابطة الارامية في كالغري

كالغري، كندا: الاب نويل فرمان السناطي

على بركة الرب، وبرعاية الرئاسة الكنسية المحلية، وبحضور رعاة الكنائس الرسولية الشرق اوسطية، ولاول مرة في كالغري وكندا وامريكا الشمالية جرى الانطلاق الرسمي للرابطة الارامية في كالغري. وكانت تلك المناسبة التي فيها يلتقي ولأول مرة رعاة الكنائس الرسولية من الشرق الاوسط، المارونية الكاثوليكية، القبطية الارثوذكسية، الانطاكية الأرثوذكسية والكلدانية الكاثوليكية، على مائدة واحدة مع مطران كالغري للكاثوليك، المطران فريدريك هنري، في 29/6/2012 .
ولأول مرة في تاريخ كالغري، اجتمع في لقاء واحد، منظم مسبقا، عدد كبير من مسيحيي الدول العربية، الاردن، فلسطين، مصر، سوريا، لبنان والعراق، لينضووا تحت منبر اعلامي وثقافي وتراثي مشترك، تجمعهم تسمية واحدة. وقد التقوا على هذه التسمية المشتركة، لكونها غير طائفية وغير محددة الانتماء الكنسي. إنه بكل بساطة الاعتزاز المشترك بلغة يسوع المسيح، التي نشأت وانتشرت في منطقة هذه البلدان، والتي تورد عبارات أصلية منها، صفحات الانجيل، وتعد عمقا ثقافيا ثرا لمسيحي هذه البلدان، كما تجمعهم على ارضية تراثية تحمل العديد من القواسم المشتركة، وتقارب معظمهم سواء بالانحدار او المصاهرة ، في هوية مسيحية تحمل سمات اثنية واحدة او متقاربة.
ومن الطبيعي والحال هذا، ان يأتي يوم يرتفع فيه صرح هذه الرابطة، ليحتضن في فعالياته الروحية والثقافية والفنية والفولكلورية، المسيحيين القادمين من الشرق الاوسط والحريصين على الحفاظ، إلى جانب اللغات المتداولة في بلدانهم وفي المهجر، الحفاظ على هذه اللغة البيبلية (الكتابية) ليكون صرحا موازيا للصروح الثقافية القائمة محليا، كالبولوني والاوكراني والكرواتي والقوقازي وسواها.
وبقي الاعتزاز الذي سعى اليه أعضاء الرابطة، يتعلق بما هو مشترك مع حاملي الاسم المسيحي، الذين يحملون وسام اللغة العريقة التي تباركت على شفتي الكلمة المتجسد، مؤمنين جميعا بالرب يسوع المسيح. إن الاعتزاز بهذا الارث المشترك ودعم الخطوات نحو الوحدة المسكونية المسيحية، تزامن مع السعي لتجاوز أي نزعة بدعوية تبشيرية، تستهدف لأن تكون الرابطة منبرا لتلك النزعة، مع احترام الخيار الايماني بأصالته، بحريته وبشموليته كخيار شخصي لكل واحد، مع ترك الابواب مفتوحة رحبة لكل من يقصد الرابطة وينتمي اليها متمسكا بثوابتها.
على نار هادئة، تم الاعداد لهذا اليوم، في اللقاءات الدؤوبة، والاتصالات الحميمة لخلية من الغيارى، واجتماعات منتظمة، ضمت أبناء هذه الدول مع عدد من الكنديين المتعاطفين. فانطلقت الرابطة الارامية في كالغري، في مسارها الثابت والواعد، ضمن سيل هادر من الطموحات الانسانية والتطلعات الوحدوية والارهاصات الثقافية، تاركة للخلف هواجس التشرذم وأمراض الطائفية ، ومتحررة من عقدة العشائرية وكل ما هو مسكون بالقبلية والسلطة الذكورية أو الأحادية الفردية.
توجهت هذه الرابطة لتكون منارا للمتطلعين على التأقلم في كل ما يجمع مهاجري بلدان الشرق بكل بخصوصيته بنور الايمان المسيحي، لتمني النفس بأن تكون سندا للقادمين الجدد، ممن اجبرتهم الظروف الى ترك الوطن الام، فلا تكون عاملا مؤثرا في نزيف الهجرة وتفريغ المنطقة الاصلية من مسيحييها، بل تأمل في تكون لهم عونا، وجسرًا للتواصل، وتكون لابنائهم في الغربة، سندا يحفظ الاصالة والقيم المشرقة التي تربوا عليها، وتكون لهم مشجعا للابداع والتأقلم البناء في مجتمعهم الجديد. تحترم انتماءاتهم الكنسية، بدون ان تكون منافسا او بديلا او داعية لهذه الكنيسة أو تلك. هذا كان في صلب الكلمات التوصيفية التي سبق وقدمها تباعا كل من الاستاذ الدكتور انطوان ساسين رئيس الرابطة، والمهندس الدكتور جورج جرجس.
وتعود الخطوات الاولى نحو هذه الجمعية، عندما وجد مسيحيو المدينة أنفسهم في غربة ثانية، عن بعضهم وعن محيطهم في أحوال تلم بأهاليهم في هذا البلد أو ذلك، بدون أن يكون ثمة منبر يتناداهم ويلمهم، خصوصا بعد أحداث كنيسة سيدة النجاة، واحداث العدوان على المصلين داخل الكنيسة في مصر. وجاءت تلك الخطوات، في حينها، بمبادرة الدكتور جورج جرجس في تنظيم لقاء مع وزير الهجرة، ضم الاب نويل فرمان. وكان من تطلعات الوزير جيسون كيني، عبر حديثه، البحث عما يجمع مسيحيين من العراق، مع آخرين من مصر وسوريا ولبنان والاردن وسوريا ممن اشتركوا كل على ارضه بمحنة تحمل ذات البصمات وذات التوقيع.
فكان أول الاتفاق مع جماعات من مختلف الجاليات، القبول بتسمية مشتركة، تبعته لقاءات مكوكية لفريق عمل كخلية نحل، بتوجه غير سياسي ولا طائفي، في النظام الداخلي والموقع الالكتروني ، منفتحا على مختلف الاراء والنصائح، وفي كل خطوة كان الفريق، يعرض ما توصل اليه الى رعاة كنائس المنطقة. مع التأكيد على ان المسيرة تحتاج الى مباركتهم، وأنهم في الرابطة الارامية، مستعدين الى أي تقويم  أو توجيه تمليه عليهم الاخوة المشتركة لرعاة هذه الكنائس المشرقية.
ولا غرو ان هذه الرابطة، وقد بنت اسسها على الثوابت القانونية ذات الصلة في الدولة الكندية، بأنها سرعان ما حصلت على الموافقات الحكومية الاصولية، ومباركة مطرانية كالغري، والتسجيل الرسمي لدى الجهات الكندية كجمعية ثقافية اثنية تراثية غير ربحية.
سبقت العشاء صلاة للاب نويل فرمان التي تضمنت ترتيل الصلاة الربية بالسريانية رافقه بها الحضور من مختلف البلدان، وذلك بنغمة الصلاة الطقسية الاوخارستية في طقس كنيسة المشرق الكلدانية – الاشورية لأيام الاحاد والاعياد.
وكانت المحاضرة التي القاها المطران هنري، تتمحور حول الشباب والاصالة، وما لهم ان يتميزوا بها في حضارة اليوم بين الغث والسمين. وان المجتمعات المعاصرة تعانق النجاح كلما التم نسيجها في اطار الجماعي المنسجم. كما دعا لأن تنهل في قيمها من معين التطويبات، التي عرض لاثنتين منها: طوبى للعطاش والجياع الى البر، طوبى لصانعي السلام.
وفيما يلي مقتطفات بالانكليزية من موقع الرابطة، بشأن أهدافها ورؤاها ومختلف جوانبها الاجتماعية والثقافية.
We invite you to join us and share your talents for God’s glory.
The Association allows us to unite our efforts and become a collective voice in promoting our mission and objectives.
The Association enables us to support and strengthen our local churches and communities
التسمية
The ‘Aramaic’ name helps the AAC’s Canadian founders and its Christian members at large to connect with Christ’s spoken language and with His teachings.
الجانب الاجتماعي والثقافي
• Build a Canadian Christian cultural center, plan and coordinate social and fund-raising events
• Organize cultural, religious and social events
• Support the congregational goals of our local spiritual leader
Christians most numerous victims of religious freedom violations
 
Christians suffer the greatest number of violations of religious freedom,in recent months Christian communities in some Asian and Middle Eastern countries have been attacked, leaving many injured and others killed. Their churches and homes were also burned down. “Such actions were committed by extremists in response to accusations against individuals, perceived –according to anti-blasphemy laws– as being in some way disrespectful of the beliefs of others
باب حقوق الانسان
Attacks on Middle Eastern Christians underscore urgent
need for reforms in U.S. resettlement program

رسالتنا
he Aramaic Association of Calgary (AAC) The AAC is a non-profit, humanitarian, and multi - denominational Christian Association founded to serve Christians from the Middle East and other Eastern areas. The ‘Aramaic’ name helps the AAC’s Canadian founders and its Christian members at large to connect with Christ’s spoken language and with His teachings. The AAC has no boundaries for membership based on country of origin, denomination or culture. Membership includes spiritual leaders and laity from Evangelical, Missionary, Orthodox, Coptic and Catholic denominations working together
رؤى الرابطة

Encourage AAC members and their families to be active in Canadian society on cultural, educational, political, religious, and social levels
الاهداف
Build and develop relationships with one another based on acceptance, respect and love








17
مع زيارة الاب مهند الدومنيكي لكالغري: تطلعات رسولية في ظل كنيستنا الجامعة

الاب نويل فرمان - كالغري
كانت الزيارة الأخوية للراهب الدومنيكي الاب مهند الطويل الى كالغري، زيارة قصيرة ولكنها حلوة وقد أمضينا معظمها في الخدمة المشتركة للكنيسة الفرنسية والرعية الكلدانية.   الرابط:

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,598897.0.html
برنامج زيارة الاب مهند الطويل الدومنيكي الى مدينة كالغري

في هذه الزيارة القصيرة، وخلال الفترات الفاصلة بين موعد وآخر وعلى مائدة أو جلسة جانبية، اتاحت لنا قدرا طيبا من التداول واستمزاج الآراء في شؤون متنوعة. كما توفرت الفرصة لنقدم للجماعتين الكنسيتين اللتين التقاهما، وجها مشرقا للدعوة المسيحية المعاصرة التي يستجيب لها شباب اليوم.
قواسم مشتركة: الخدمة الكهنوتية الرسولية المنفتحة على آفاق الكنيسة الجامعة الأم
لقد كان عاملا مشتركا، في الخدمة المقدمة بالجهد المتوفر، كل واحد في ظرفه ومكانه، سواء أخي في الكهنوت الاب مهند، أو كاتب السطور، مما تجلى خلال الخدمة المشتركة: فقد استطاع بتلقائية وتمكن ان يخدم في نهاية اسبوع 14-15 تموز في الخورنة الفرنسية، وكأنها خورنة يعرفها من قبل، بما يتوفر لمثل هذه الخورنات الكاثوليكية بمختلف لغاتها، من أدوات التأوين والتحديث والقراءات اليومية والاسبوعية مع الصلوات اليومية المتغيرة، بحسب السنوات الطقسية الثلاثة (أ. ب). ومن جهة أخرى، احتفل الاب مهند بالقداس للرعية الكلدانية، ضمن ما هو مألوف من ليتورجية يضمها كتيب وكراس خدمة قداس، يحمله الكاهن، اينما ذهب، مع الاخذ بنظر الاعتبار المتغيرات في القراءات الكتابية العملاقة المتوزعة على مدى سنة واحدة. على أن الاب مهند قدم ايضا شيئا جديدا، وهو الشهادة لدعوة من الدعوات الكهنوتية التي بقيت تثري كنائسنا والتي نمت في تربة اسر مسيحية أصيلة في إيمانها ولغتها اليومية هي اللغة العربية، سواء كانوا من عوائل البصرة او بغداد أو الموصل، مع تفرد آخر، هو انه لم يتخرج في اكليريكية عراقية، تعلم اللغة الليتورجية الارامية، سريانية أو كلدانية. فنراه الآن يقدس بما يتوفر لديه في قراءة الصلوات الكلدانية، مع السيطرة على المعنى الذي يقرأه لدى اقامته القداس، الى الجالية الكلدانية المقيمة في محيط فرنسي، ضمن خيارات التناوب اللغوي بحسب الحضور والحاجة بين الكلدانية والعربية والفرنسية.
ولقد طالما انفتحت كنيستنا الكلدانية، في مثل هذا الاسلوب في الخدمة، على خدمات كهنة لم تكن السورث لغتهم الام، بل الفلامنكية للاباء المخلصيين البلجيكيين والفرنسية للاباء الكرمليين والدومنيكيين وهكذا. فشجعتهم كنائسنا على التعمق في الطقس الكنسي والليتورجيا المشرقية. وضمن هذه المقارنة، يؤدي الأب مهند هذه الخدمة بخلفية لغوية عربية وفرنسية وإلمام متزايد بالسورث، وجهد في تعميق المقارنة المعنوية للنصوص الكلدانية التي يتلوها ويصليها في طقوس الاسرار المشرقية، وهو يقدم هذه الخدمة أيضا من خلفية كونه من الرهبانية الدومنيكية في فرنسا، وله معها وفي الكنائس الكاثوليكية الفرنسية مشتركات ليتورجية، ليكون بالتالي الكاهن المنسب لرعية مار افرام الكلدانية في مدينة ليون الفرنسية بتعيين ورعاية الاسقف المحلي مع متابعة ميدانية راعوية من النائب البطريركي على الكلدان في أوربا ومصر، المونسنيور فيليب نجم. والشي بالشيء يذكر، نقوم في كالغري بخدمة تجدر بالمقارنة، خدمة الجماعة الفرنسية الكندية الكاثوليكية المحلية، من منطلق خدمتنا الكلدانية الكاثوليكية في ألبرتا، وتحت رعاية الاسقف المحلي والمتابعة الراعوية، عن الكلدان، من لدن صاحب السيادة مار يوحنا زورا، مطران ابرشية مار أدي الكلدانية في كندا، وأول راع للكلدان الكنديين طرًا.
ذكريات وطرائف من المنبع المشترك
مع مشاهدة الاب مهند، كأول مشاهدة ميدانية كاهنًا، هناك حالة من الفرح في استذكار أول مسيرته في الدعوة الكهنوتية، من خلال منبع واحد، شرب كلانا منه بطريقة أو بأخرى وفي زمنين متباينين، وهو مدرسة الاباء الدومنيكان. فقد التقينا، في منتصف التسعينيات في مطلع خطواته نحو الدعوة الدومنيكية، عندما كنا كلانا، قبل الكهنوت، نخدم كنيسة الرب، كل في مجاله، وفي ظل حاضرة الاباء الدومنيكان ببغداد، الاب مهند في مرحلة التنشئة الرهبانية، وكاتب السطور في مجلة الفكر المسيحي لدى انتقال إصدارها إلى الاباء في بغداد. على اننا، فيما يخص المدرسة الدومنيكية، ننتمي ولا حرج، الى جيلين لا ينقصهما التفاوت العمري والمرحلي. فكم أسعدني ان وجدت لديه إلماما ببعض الخيوط من الاجيال الدومنيكية، فيما احتفظت بخيوط سبقت مرحلة دعوته ولها عنده بعض الاصداء احيانا. واقصد بذلك اجيال الاباء الذين عرفتهم، والذين واكبهم الاب مهند، في العتبة الاخيرة من عمرهم الثالث، منهم الاب منصور لوكونت، الذي عرفناه يقدس بالكلدانية في كنيسة مار يوسف التي كان يقصدها على متن دراجة هوائية، وكان يعرف بتمايله المنشرح في الحديث وفي استقبال الناس. وكذلك الاب جاك امودري، الذي عرف بدماثته وروح النكتة لديه، ليتحفني الاب الضيف بآخر قفشاته:
كان أبونا أمودري يقدس في دير للراهبات بفرنسا. ويبدو أن الراهبات فهمت بنحو ما ان الرجل يميل الى جبنة البقرة الضاحكة (لافاش كي ري) فكانت ضمن فطوره المألوف لديهن. وفي احد الايام جاءته الراهبة المضيفة، لتخبره معتذرة بأنهم جلبوا نوعا آخر من الجبنة إذ تعذر لهم الحصول على جبن البقرة التي تضحك: وبسرعة بديهة اجاب ابونا امودري الراهبة فقال: تكفيني يا ماسير ابتسامتك...
وسألته عن الاب دوبارل، عالم الكتاب المقدس المعروف بسماعته ولاقطته التي كان يوجهها الى فم مخاطبه. وكانت اللاقطة السمعية لذلك الزمان لعلاج صممه. ولكنها كانت ايضا صمام أمانه، في الجدالات التي إذا رآها احتدمت مع لاهوتي آخر، حول هذه المسألة الكتابية او تلك، فرأى لدى مخاطبه تصاعد حدة الجدال، بدون تسوية تذكر، فكان عندئذ يغلق السماعة، ويضعها بنشوة المنتصر في جيبه كفارس يعيد السيف الى غمده!!
أما الاجيال الاخرى، التي سألته عنها، فكانت بعيدة عن عمر الدومنيكي الشاب، مثل الاباء جوميير، كورتاباريا، توما كاملو وسواهم. وبقي حضور الدومنيكان، المؤسسين متواصلا، ولئن غادر العراق جيل من الاباء الرواد، بسبب اغلاق المعهد الكهنوتي، فان الحبة اعطت ثمارها، من خلال أجيال دومنيكية طيبة العطاء، وفي مجالات أخرى بحجم خصوصية الكاريسما والحاجة المعاصرة.
معايشة مع تواضع مؤسس لاهوت التحرير
لقد كان لنا لقاء جانبي مع كاهن من البرازيل حيث اللغة برتغالية في كالغري، فيرعى خورنة عذراء فاتيما البرتغالية، وهو الاب كلاوبر دي ليما، وله مراسلة مع واحد من ابرز لاهوتيي التحرير، ليوناردو بوف. فتحدث الاب مهند عن ذكرياته المؤثرة في مرحلة الابتداء مع مؤسس لاهوت التحرير، الاب غوستافو غوتييريز، الذي انتمى الى الرهبانية في عمر متقدم، بعد ان كان كاهنا لسنوات عديدة في البرازيل. فذكره كزميل له في الابتداء، وذكر اعجابه الشديد بتواضعه كراهب مبتدئ يستمع الى معلمي الابتداء، علمانيين ورهبان، بدون أن يبدي، على الرغم من خبرته، أي ملاحظة على هذا التعليم أو ذاك.
حبة الحنطة التي اعطت ثمارها في كنائس العراق
ارسل الرب ويرسل الى كنيسته في العراق، وفي أماكن أخرى الكثير من الرسل وشهود الايمان، في مختلف الدعوات والخصوصيات الحياتيه، وفي مراحل مخاض متعاقبة. وكانت تلك الشهادات مسالك نيرة للشعب المسيحي. وكانت شهادات الدم بذارا متواصلا لمسيحيتنا المدعوة الى الوفاء لها. من هذا المنطلق وضمن مناقشاتنا في هذا الشأن كان الموضوع الذي طالما يضع المرء في الحيرة، هو الحاجة، في عراقنا، على غرار لبنان وبلدان مسيحية أخرى، الى إبراز أو تحريك تكريم او تطويب نماذج من الراحلين طبعوا مسيرة كنائسنا ومسيحيينا عبر التاريخ الحديث، كما طبعته أمثلة قداسة في تاريخه الأبعد، مثل اسماء احتفظت بها الذاكرة الجمعية لمناطقنا، وتكرمها وتقتدي بفضائلها، بدون أن يكون لنا منها سيرة مستفيضة تذكر، ولا إرث فكري محدد او ايقونات، بل كانت أحيانا جدران المزارات وحدها تصدي لمآثرها الروحية، منها على سبيل المثال لا الحصر: سلطانت مادوخت، مار سهدونا، مار اثقن ما سبريشوع ومار أداي وسواهم.
أما نجوم ايماننا في العصر الحديث، فبقيت تركن جانبا، ليمر عليها الوقت، وقد يلفها النسيان. ولكن ذكر لي الاب مهند، عوامل مبشرة، وهي أن وجود كهنة دارسين في روما، هو عامل تحريك، في ما يخص الاهتمام بإبراز سيرة كاهننا الشهيد الشاب الاب غدير، واطروحات عن شهدائنا في كنيسة سيدة النجاة، وما قد يتبع ذلك من مبادرات من هذا النوع.
ومن المعروف أن تاريخ مسيحيتنا النهرينية، مرصع بأسماء لا تحصى من شهود الايمان: من أدي شير، الأنبا جبرائيل دبنو الشهيدات الدومنيكيات في مطلع القرن العشرين، القس حنا قاشا، القس يوحنا شير، الى شيخ الشهداء مار فرج رحو، والشهداء رفاق الاب رغيد وغيرهم مما لا يتسع المجال لذكره، وآباء معلمين كبار عرفتهم مدارسنا الاكليريكية البطريركية والدومنيكية وغيرها، وليس الوحيد فيهم الاب يوسف أومي مدير معهد مار يوحنا الحبيب. وفي هذا المجال اشار الاب مهند الى سياق دومنيكي، نأمل ان تحذو كنائسنا المحلية حذوه، في الطرق المتوفرة، إن لم يكن ذلك حاصلا فعلا. فإن الرهبانية الدومنيكية، توثق (تؤرشف) فيما توثق رسائل ومواعظ (كرازات) الاباء، حالما يتوفون، لكيما تكون الوثائق جاهزة عنهم حالما يستجد جديد بشأن تقديم سيرهم كنماذج للمؤمنين.
إنها حبة الحنطة التي يزرعها الرب من خلال عمال حقله، وتأتي ثمارها بحسب تدبير العناية الربانية، سواء عن طريق كهنة كنائسنا او الرهبانيات المتنوعة التي على مختلف منعطفات حياتها، توصف بأنها  كالرئتين تخدمان الكنيسة فكرا وروحا.
هذه كانت باقة صغيرة حصيلة التداولات الاخوية في زيارة الاب مهند ومعها بعض الصور للذكرى  من ضمنها اللقاء سوية مع المشار اليه في المقال الاب البرازيلي كلاوبر دي ليما.




18



في شهادتي الايمانية أمام ديانات ابراهيمية:
لا يستغنى عن المؤمنين وغيرهم لمجتمع سلام وعدل
بقلم أ. نويل فرمان السناطي
التقديم
* خيمة ابراهيم في كالغري، هي لجنة لحوار الاديان سبق وأن انتدبتني اليها، قبل سنة ونيف، ابرشية كالغري الكاثوليكية؛ وكانت في البدء تحمل تسمية لجنة الحوار الاسلامي المسيحي، وبعد انضمام رجل دين (رابي) ممثلا عن الديانة اليهودية، تم البحث عن تسمية تشمل الديانات الثلاثة، فاقترحنا ان تضم التسمية الجديدة للجنة اسم ابراهيم باعتبار أن هذه الشخصية البيبلية (الكتابية) تشكل رمزا ايمانيا معروفا باسم أبي المؤمنين. فتم الاتفاق على تسمية لجنة خيمة ابراهيم.  وفي سياق عمل لجنة الحوار هذه، يتداول الاعضاء الدور بأن يقدم كل واحد عرضا لسيرته الايمانية، امام ممثلي المذاهب والمعتقدات المنضوية تحت خيمة ابراهيم. وكان دوري يوم 24 نيسان لعرض شهادتي الايمانية. هذه بعض أضواء على الموضوع  ترجمة وإعدادًا.
تصميم رسم توضيحي للديانات والمذاهب من حيث تداخلها مع بعضها.
في البداية توزع على الحضور مخطط توضيحي تم تصميمه وتنفيذه لأغراض العرض، يتضمن الكرة الارضية، فيها عدة كيانات بيضوية، في اعلاها اليهودية محددة بالخط الابيض ومنها تنبثق متداخلتين الكتلتان البارزتان في المسيحية الرسولية: الارثوذكسية والكاثوليكية مرسومتان بالخط الاخضر ؛ وقد انفتح من شرخ الكاثوليكية غربا، المذهب المسيحي البروتستانتي محددا باللون الازرق المائي تربطه بالكاثوليكية بوابة صغيرة، مع تداخل بارز في اليهودية. وبجانب الارثوذكسية شرقا، يظهر الاسلام محددا باللون البني لينضم بدوره من جانبه الثاني الى اليهودية.
رمزية ألوان المخطط:
الابيض، صفاء المنبع، الاخضر ينشد السلام.
الازرق المائي، منسوبا الى خاصية المياه في تمييع المواد من مركزة الى مخففة بحسب كمية الماء المضاف.
البني، يحتوي في مكوناته على لون الاحمر القاني وما حول الاحمر القاني الى بني، من خط متنور متصوف مسالم ينزع الى عبادة الله والرحمة الانسانية.
العرض مع تعليقات تمهيدية
* تضمن العرض ابتداء، تقديمي لذاتي كوني من الجماعات المسيحية الآرامية في بلاد بين النهرين، وما اضفاه هذا الانتماء النهريني الى مسيرتي الايمانية، الى جانب خبرة العيش في وطني العراق النهريني، حيث قامت مذاهب مختلفة متباينة، من الديانات التي يحال انحدار أتباعها الى بانتماء بنوي إلى الشخصية البيبلية ابراهيم إلى جانب انواع من المعتقدات التوحيدية غير الكتابية وصولا الى اليزيدية.  وفيما يلي طرح تعليقي على العرض المقدم مترجما بتصرف عن الأصل الانكليزي:
رحلة مستمرة
ان مسيرتي الايمانية، ليست قصة من الماضي، بل هي حدث مسكون بالمسارات والخبرات عبر حياتي. انها ليست الوصف لما أدى بي الى ان اعمل ما اعمله في ديانتي او في كنيستي. إنها بالأحرى وصف للتفكير الذي قادني عبر رحلتي الحياتية الى الايمان بالله. انها تتعلق بالقدر الذي اقيم فيه واهتم بإيمان الاخرين. هذا ما وددت مشاركتكم فيه من رحلة ايمانية، مستفيدا مما سبق وان تقاسمناه في لقاءاتنا تحت خيمة ابراهيم. عبر هذه المسيرة انتهجت سبيلا سعيت من خلاله أن  نفسي مفهوما بما في أعماقي من مبادئ شكلت حياتي، كما سعيت خلال حياتي إلى تفهم مؤمنين آخرين من حولي، وسواهم من اولئك المعروفين على الساحة وفي الميديا، بكونهم غير مؤمنين، أو بلا ايمان محدد.
بصمات من الميثولوجيا
* ثم عرج المتكلم عن بصمات للميثولوجيا في التقاليد المغلفة بالمسيحية، منها احتفال القرى بمناسبات شبه وطنية لكل منها، او لمجموعات منها مع بعضها، ويتطلب الاحتفال لدى الكثير منهم بالنسبة الى الشفيع أو الشفيعة، بذبح الذبائح، ويخاف الكثيرون من سطوة الشفيع أن لم تذبح ما هو مألوف من ذبائح. وآخرون يسعون إلى ما يسمونه فجران دم في أعجاب محنة أو حادثة جسيمة، أو عند شراء سيارة، حتى مل البعض منها، فلجأ بدل فجران الدم إلى فجران صفار البيض، بأن يقذف ببيضة على دعامة سيارة.  وهناك هواجس من الحسد يؤذي طفل مرموق، فيصفون على صدره التعاويذ، وآخرون ينغزون عريسا أمام مذبح الرب بإبرة أو دبوس، ليحمونه من رؤوس الأهلة أو ضربات الشمس، وما إلى ذلك من مراسيم طريفة تفوح بشيء من رائحة الشعوذة، فجاء في العرض:
انني من ميزوبوتيميا بلاد بين النهرين. وان اجدادي هم ممن عبدوا، قبل المسيحية، القوى العظمى في الطبيعة. ومن خلال ما تكشف لي أنه قد يكون نوعا من السنكريتية (المعتقدات الميثولوجية المحتجبة وراء الديانات القائمة)، وذلك بملاحظة تقاليدهم التي ما زالت تنبعث من لا وعيهم، تظهر في اشارات مختلفة، كأن تتضمنها بعض الصلوات الطقسية من النزوع إلى معالجة الاحساس او الخوف تجاهها،. مزيج مع آثار ومخلفات المعتقدات القديمة الميثولوجية. تبين لي شيء من ذلك، على سبيل المثال، عندما بادرني يوما، شخص مسن في اسرتي بسؤال طرحه عليّ كرجل دين، وهو يبحث عن تفسير لحالة تقوية ما زالوا، منذ عهود الاجداد مستمرين عليها، بين اكتمال بدر وبزوغ هلال، وهم يرسمون علامة الصليب مصلين: أيها القمر، بجاه قواتك وصلواتك ( يا صيهرا خيلوخ وصلاواثوخ). مما بين لي كيف ان تقاليد معتقداتنا ضاربة في عمق القدم، ومتجذرة في ذاكرة اجيالنا.
الله صاحب المبادرة الاولى
إني اؤمن بأن الاكتشاف البشري للإيمان والعبادة هو قادم من الله وذلك بطريقته الخلقية في الكشف عن ذاته، كأول خالق على مر العصور، وذلك من خلال معاينتنا لخلائقه وتتبعنا لنمو الحياة البشرية. قد يكمن في هذا منحى اختلافي في الرؤى بين ما أعيشه من إيمان، وبين ثقافة أخي الانسان غير المؤمن بإيماني، او اللا ديني، على اننا كلينا يمكننا ان نتقاسم قيم مشتركة، إذ هو من جانبه لا بد أنه يؤمن، بطريقته، بقيم انسانية سامية، أو يخشى قوانين وضعية أو انسانية.
واذ ان مسيرتي الايمانية، مستمرة في النمو، فإن ذلك يرتبط بتعميق معرفتي، وتفهمي لتقاليد وتواريخ المعتقدات الأخرى. وثمة مبدأ أجده بوضوح، هو ان المبادرة الاولى جاءت من الخالق ليحكي عن نفسه، وذلك من خلال خليقته، واخص بالذكر منها الكائن البشري، كقطعة فنية متفردة في خلقه، ومن خلال ما لهذا الكائن البشري من سبل لينفتح بها عبر التاريخ، إلى ما يعتقد، في أعماقه الذاتية، انه الهام من الله اليه. وكذلك بكيفية مشاركته ذلك مع الاخرين، وما يجعله يسلم بمعتقده إلى الاجيال، سواء شفهيا، أو من خلال الشعائر، وبالكيفية التي من خلالها، كل جماعة دينية ترى ما هو مسطر في كتبها، وما تسلمته عبر الاجيال من تقاليدها. في كل هذا، لدي اهتمام خاص، واولي عناية موضوعية الى المكتشفات الاثارية والتاريخية المعاصرة، واضع نفسي دائما منفتحا الى مختلف المنجزات.
كانسان مؤمن، وبدل الحديث عن مجرد المصادفة، اقول انها العناية الربانية التي شاءت ان اكون ولدت في ميزوبوتيميا، حيث نشأ مهد الحضارات. وأرى انه ضمن المناخ الروحي لهذه الحضارة النهرينية الى جانب الحضارة الفرعونية، وجدت، من خلال الاطلاع على أبحاث المفسرين الكتابيين واللاهوتيين، ان أجزاء عديدة من الكتاب المقدس كتبت او تأثرت بنحو بارز، بتلك الحضارات.
ذاكرة الطوفان في مهد الحضارات
إن نشأتي النهرينية، لها ارتباط  شبه مباشر بأسطورة عن الطوفان. وأنا اقول هذا، اجد من المفارقة ان القرية التي ولدت فيها تحمل اسم اسناخ/  إس-نوخ، وما فسره الأولون كجملة اسمية تعني: حيث رست سفينة نوح. كنت منفتحا الى الاكتشافات الاثرية التي استجلت عن حقيقة ان ثمة نصا سابقا، عن قصة طوفان نوح، يقاربه بنحو شبه حرفي، وقد كتب قبل تحرير نص الكتاب المقدس بنحو 2000 سنة، إنها رواية من العهود السومرية، عن ملحمة كلكامش. هذه الحقيقة توحي ان النص الكتابي لقصة نوح، لم يكن ليرتبط بحدث تاريخي لشخصية اسمها نوح، بل ان المحرر البيبلي، هو الذي اعطى البعد الروحي لهذا الحدث طبقا لما كان لديه من إلهام متشرب بايمانه بالله الأحد.
ولنا ان نستذكر قصة كلكامش وجده اتونابشتم الذي اخبره بسر نجاته من الطوفان الذي، وفق الاسطورة، قررته الالهة بسبب طيش البشر عن خدمتهم. هذا السر حصل عليه اتونابشتم، بتعاون من صديق حميم له بين الآلهة، هو الاله آيا الذي كشف له سر اجتماع الالهة بهذا الشأن، فلجأ اتونابشتم الى صنع سفينة انجته من الطوفان الذي دام بحسب الملحمة 7 أيام، بعدها ارسل اتونابشتم، طيورا على ثلاث مراحل عاد الاولان، ولم يعد الثالث، في اشارة الى انه وجد له مكانا آمنا.


البعد التصوفي الذي عالج اسطورة شجرة المعرفة
وهناك اشارات الى ان الرواية البيبلية – الكتابية عن الخلق، مستوحاة هي الاخرى من قصة شجرة المعرفة في الميثولوجيا النهرينية. ليأت النص البيبلي الكتابي فيضفي على القصة بعدًا تصوفيا، مشيرا الى الخالق الواحد الاحد للإنسان الاول الذي جاء ذكره تحت اسم رمزي: آدم. ومن خلال القصة الميثولوجية لشجرة المعرفة، يمكننا ان نستشف ان ليس ثمة بالضرورة شخصية تاريخية باسم آدم، أكثر مما تكون ثمة قراءة روحية ومفهوم توحيدي للخلق.
إني اومن بتعليم الكتاب المقدس، وبنفس الوقت انا منفتح الى العلوم والاكتشافات التي من شأنها ان تقوي الايمان. وبالاستناد على نشأتي، وما جاء عن تاريخ هذه النشأة وموطنها، فليس بغريب على مسيرتي الايمانية، أن اعد ان ما كتب عن آدم ونوح ويونان وعدد آخر من النصوص البيبلية، فإنها تأتي في سياق الامثال الكتابية وما يتحدث عن شخصيات واحداث رمزية.
* وفي اشارة الى ابراهيم نستذكر ان البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني، عندما عبر عن رغبته في زيارة العراق، اشار الى رغبته في زيارة موقع الكلدانيين، مكان ابراهيم كما جاء في الكتاب المقدس، بدون انت يشير الى حدث تاريخي اكثر من الاشارة الى حدث كتابي، وفي هذا السياق جاء في العرض:
وبوحي من المحيط الثقافي الذي نشأت عليه في البلاد النهرينية، فإني أفهم أن ثمة رواية متفردة عن حياة ابراهيم. ان الشخصية البيبلية، ابراهيم، كان مسكونا بوحي وجود الله، وكان في الوقت عينه، محتفظا بعقليته النهرينية. ان الكاتب البيبلي عن ابراهيم كان متأثرا بهذه الثقافة المحيطة بعقلية ابراهيم أبي المؤمنين، والطريقة التي كان ابراهيم متأثرا فيها بتقاليد الضحايا والذبائح. إن المؤمن العظيم ابراهيم استوعب في اعماق قلبه، كم كان يود ان يتعبد لله، مفضلا الله على أي شخص آخر مهما كان محبوبا لديه، مثل ابنه الوحيد، وهكذا فعنده كانت اسمى طريقة للتعبد لله وان يثبت ولاءه لله، هي بأن يقدم ابنه الوحيد. هذه كانت القراءة الروحية لقصص الذبائح التي كانت تقدم لآلهة بلاد ما بين النهرين. الاختلاف البيبلي هو ان الاله الواحد الاحد لم يكن ليقبل بأن رجل ايمان مثل ابراهيم يضحي بابنه ابراهيم قربانا له تعالى. مع ان ابراهيم اوحي إليه بأن الله طلب منه ذلك.
ولدينا في ميثولوجيا بين النهرين اسطورة قريبة من هذه القصة، باسم جسر دلالي، في البلدة التي تشتمل على قرية مسقط رأسي، ونستشف من هذه. وان تفكير ابراهيم يلتقي مع تفكير اجداده وما اوحي اليهم تجاه الهة الميثولوجيا. فتقول الاسطورة ان باني جسر دليلي الواقع في زاخو (كلمة آرامية متصلة بالانتصار)، ضحى بابنته الحبيبة دلالي تحت الجسر، عندما اكتمل بناء الجسر بنجاح في اعقاب عدة اخفاقات، بحسب الاسطورة.
* ومن الاشارة الى إبراهيم، والعجب من عالم منذ ألفيتين ومع تقدم العلم، خلا من أسطورة تذكر، يعرج المتحدث إلى ما يخص أبناء إبراهيم. مستذكرا وصف الطوباوي البابا الكبير يوحنا بولس الثاني، لليهود بكونهم اخوتنا البكر بالايمان، تحدث المتكلم قائلا:
إرث مشترك مع الشعب اليهودي – إخوتنا البكر في الإيمان
لدي شعور التعلق بالشعب اليهودي الذي كتب النصوص الاولى من أسفار ايماني، فكتب جزءا بارزا من كتابي المقدس المسيحي. اني اعد ذاتي معهم، كجزء من عائلة واحدة ضمن المسيرة الانسانية الايمانية. وكشخص مسيحي اجدني متصلا بهم، واننا نتقاسم كلانا النصوص الكتابية اياها. واحترم الواقع الذي يخصهم، بأنه لم تأت أي اضافة على كتابهم المقدس مثل 2000 سنة.
أما بصفتي مؤمنا مسيحيا، فان الكتاب المقدس الذي اتقاسمه مع الشعب اليهودي، فهو معاش ومفسر بنحو متفرد من قبل سيدي يسوع المسيح الذي أكد لي في بشرى انجيله، أني مدعو مثله كي اكون ابن الله. كما اني مدعو ان اتحد مع الله، بما يقارب المنحى التصوفي الرائع للشهيد المسلم الحلاج، الذي تحدث في تصوفه عن مفهوم الوحدة مع الله. هذه العلاقة مع الله هي علاقة حب. وان المرأة الفاضلة رابعة العدوية، هي الاخرى، وصفت ذلك بطريقتها الصوفية الخاصة بها.
مسيحية مرتبطة بالرسل
هكذا اجدني منتميا إلى المسيحية. هذه المسيحية متكونة أساسا من المعتقدين الأرثوذكسي والكاثوليكي، وكلاهما متجذر في كرازة الرسل وبشارتهم. الى جانب هذين المعتقدين الارثوذكسي والكاثوليكي في المسيحية، فإن الكثلكة، وفي مرحلة دراماتيكية من تاريخها، وفي ظروف من الضعف، شهدت ظهور مسيحيي الاصلاح، وما يسمى بالبروتستانت. هذا الاصلاح اتصل بطرق متفردة في الجدال عن الموضوعات المسيحية. وبالإبقاء على سبل منفلتة ومستقلة في النقاش، بشأن المسائل الايمانية، بدون ايلاء اهمية محددة الى التقليد والهيراركية، كل هذا أدى الى عدد لا يحصى من الجماعات المسيحية عبر العالم: من 22 ألف جماعة مسيحية في التسعينيات من القرن الماضي، الى حوالي 33 ألف مسميات وجماعات مسيحية وأخرى بلا مسميات الى حد يومنا هذا.
الاسرة الايمانية باتجاهاتها المختلفة: ظلال من الغرب والشرق
هذا من الجانب الكاثوليكي. أما من الجانب الارثوذكسي، وفي زمن من الركود، ما جعل الارثوذكسية تجد نفسها محاطة ببعض البدع مثل الابيونية ونوع بدعة نصرانية وما إلى ذلك. في هذا المحيط، ظهر الاسلام وهو يقاسم عددا مشتركا من عناصر الكتب المقدسة المسيحية واليهودية. في خلال رحلتي الايمانية، انظر بنحو ايجابي، الى ما يجعل الاسلام يتصل بكلتا الجماعتين اليهودية والمسيحية، وذلك من خلال زوايا مختلفة واتجاهات متعددة، ولا بد ان نقول انه يشكل معهما عائلة من المؤمنين، إخوة وأخوات متجذرين في الاصول الايمانية المشتركة.
ما سبق الاشارة اليه من جماعات إيمانية، والتي اخذتها بنظر الاعتبار في مسيرتي الايمانية، مثل اليهودية، المسيحية (الارثوذكسية، الكاثوليكية وجماعات الاصلاح) والاسلام، اجدها مرتبطة مع بعضها من خلال المسيرة الايمانية لكل منها عبر التاريخ. كتبها المقدسة تشترك بعناصر بارزة. هذه الجماعات الايمانية، لا مناص انها متصلة مع بعضها بقواسم مشتركة، من حيث التاريخ وظروف نشأتها، مما يجعلها، كما أسلفت، تشكل عائلة من المؤمنين بالله.
مزامير، صلاة ربية وقصص بيبلية
وبالمقارنة يمكننا ان نجد بأن الجماعات الايمانية اليهودية والمسيحية تشترك مع بعضها بصلوات المزامير. الجماعات المسيحية تلتقي مع بعضها فيما تلتقي بالصلاة الربية. وكل هذه الجماعات وكلها تقتسم مع الاسلام نصوصا كتابية محددة متقاربة نسبيا، مجتمعة على كونها تعد من أبناء ابراهيم ابي المؤمنين، ولدي الرجاء الحميم بأن الذي تؤمن به جميعا هو الله.
مساعدة مطلوبة من غير المؤمنين
على المستوى الانساني، لدي التقييم لعائلة أخرى من المؤمنين، من الديانات غير الكتابية الابراهيمة ولكنها ديانات توحيدية، الى جانب جماعات أخرى ممن ليس لهم ايمان توحيدي، ولكنها تشترك مع الغير بالقيم الانسانية في العدل والسلام.
* ويعرج المتحدث في الاشارة إلى غير المؤمنين الذين ليس لديهم وعاظ سلاطين، ولا نذيري الشؤم والغضف والبخت الاسود (بالارامية كدا كوما) وليس في جماعاتهم أو أهاليهم وعاظ حاقدين، ممن يحرضون بنحو لا انساني بشكل إجرامي، على الحقد على الاخر المختلف، سواء كانوا وعاظ يهود أو مسيح أو إسلام، فاختتم المتحدث بالقول:
على ان في كل هذا لدى استغراب من مفارقة محددة. إن غير المؤمنين لا يكنون الحقد على الاخرين بسبب من معتقداتهم الايمانية، على مختلف ثقافاتهم وما يشكل لديهم من اعتقاد معين.  مثل هؤلاء يمكن ان يعملوا من اجل قيم عالية متطلعة الى رسالة السلام، سواء أعملوا كأي موظف بسيط، وحتى احتمال انتخابهم كأمين عام للأمم المتحدة. هؤلاء، عندما يتحدثون معنا، غالبا ما يطرحون السؤال  عينه: ما هو السر، يا ترى، في ان الذين يؤمنون بالإله الواحد نرى فيهم من يستعدي ويحقد على الاخر بسبب من اختلاف معتقده، او يضطهدون ويقتلون الواحد الاخر باسم الاله الواحد نفسه؟
تلك القدحة الروحانية الحميمة والشعلة الوجدانية...
فخلص المتحدث إلى اعتقاده، على خطى أحد مرشديه الروحيين الراحلين، الأب روبير الكرملي، بأن ثمة في الآخرة، انبهار سينعم به غير المؤمنين من ذوي الارادة الصالحة، انبهار أمام الحقيقة الباهرة النيرة، لامس جانبا او قبسا منها، المؤمنون على الارض، خفتت لدى البعض منهم دهشة الانبهار... قال وهو يلملم أوراقه:
برغم الحالة المؤسفة المشار إليها، التي يعاب عليها المؤمنون، وإلى جانب السعي المتفاوت لديهم، الى الوفاق والاحترام المتبادل، فإن المؤمن له، على الأرض الامتياز الذي، على ما أظن، يفتقده غير المؤمن، المحدد بنظرته البشرية المادية، إنه يفتقد إلى تلك القدحة الروحانية في ما يلهمه التطلع نحو المطلق، وفي تلك العلاقة الحميمة مع الله. إن إخوتي وأخواتي المسيحيين مع إخوتي وأخواتي اليهود والمسلمين، على الرغم من اختلاف اتجاهاتهم الايمانية، فإنهم بعد كل شيء، مرشحين الى أن يلتقوا بالله في أعماق قلوبهم.
هذه هو الكنز الثمين للإيمان والقيم الذي اتطلع الى المشاركة به مع سائر المؤمنين، لنشهد له، نحن ممن نجتمع مع بعضنا في الجذور، كعائلة واحدة شاملة، تفرق أولادها، في حقب تاريخية، الى اتجاهات ايمانية متباينة، ولكنهم يبقون في اصولهم ابناء العائلة الواحدة، مدعوين إلى ان يحبوا بعضهم بعضا، يركزون على ما يجمعهم من مشترك ايماني وقيم قابلة للاستثمار طرًا، اكثر من عوامل التفرقة التي ما أن سقيت وانميت، فبالإمكان أن تستفحل، ليس بين القبائل والمجتمعات، بل في خلية البيت الواحد.
وبعد، إن مسيرتي الإيمانية، هي رحلة من شأنها ان تزدهر على مدى استمرار رحلة العمر عبر خبرات مضافة مع الزمن المتقدم، وعبر ملتقيات إثراء متبادل مع عناصر إيمان وبناة قيم.

19
اسوة حسنة بالاوكرانيين الكاثوليك
لتكن صيحة عيدية وحدوية مدوية مع اخوتنا الارثوذكس
المقال مقروء من عنوانه... وللقارئ الكريم الذي اختار ان يتصفح هذا المقال، اقول: إنها مجرد مفارقة دعتني الى كتابة هذه الصفحات، في هذه الايام التي يحتفل خلالها، اشقاؤنا الارثوذكس، بأسبوع الآلام بحسب التقويم اليولياني الشرقي، العائد الى عهد فصح العهد القديم، فصح المسيح بحسب تقويم الكتاب المقدس.
لقد كنت والحق يقال بطيئا في الانتباه إلى المفارقة، والانتفاض بحبور لصالحها. ويعود الامر، الى اننا في رعية البرتا الكندية نحتفل بالاوخارستيا في مدينة ادمنتون مرة بالشهر، في كنيسة للاوكرانيين الكاثوليك. ففي مطلع هذا العام، سبق وأن أخبرني الاب انطون تراسنكو، راعي كنيسة سان جورج الاوكرانية الكاثوليكية المضيفة لاحتفالنا، بأنهم في جمعة تواجدنا لقداس 6 كانون الثاني، سوف يحتاجون إلى الكنيسة، مباشرة بعد انتهاء قداسنا، لأنهم سيحتفلون بسهرة عيد الدنح. فحسبت ببساطة شديدة انهم في هذا التوقيت يحتفلون بأبهة متميزة، بعيد الدنح كما نفعل عموما في عيد الدنح اضافة الى احتفالنا بعيد ميلاد الرب يسوع، وكان قبل  العهد المسيحي عيد النور في العهود الوثنية، وتم تعميذه رمزيا كعيد لميلاد يسوع، عندما انتشرت المسيحية بمستوى امبراطورية واسعة النطاق.
وعندما حل شهر نيسان الجاري، وكانت جمعة الالام بحسب التقويم الغريغوري الغربي، يوم 6 نيسان ، كنا قد قمنا بتأجيل القداس الى ما بعد تلك الجمعة اي إلى يوم 13 نيسان، واكتفيت بأن اعلم راعي الخورنة الاوكرانية الكاثوليكية بذلك، في حالة أن يكون لديهم اي منهاج يختلط مع هذا التوقيت. ففاجأني الأب انطون إذ كتب لي: بأنهم كما احتفلوا، كعادتهم، بعيد الدنح، متزامنا مع توقيت الكنيسة الاوكرانية الارثوذكسية، فإن عيد القيامة أيضا يحتفلون به مع الارثوذكس بحسب التقويم اليولياني اي التقويم الشرقي اليهودي الأصيل.
وكما هو معروف فان عيد القيامة والاعياد المرتبطة به اعياد متغيرة التواريخ حيث يرتبط موعد عيد القيامة بموعد عيد الفصح اليهودي، وحيث أن الأشهر العبرية هي أشهر قمرية فهي متحركة بالنسبة للتقويم الغريغوري المعمول به فيتحرك عيد القيامة بين يومي 22 آذار- مارس و25 نيسان- ابريل لدى الكنائس الغربية التي تعتمد التقويم الغريغوري، بينما يتحرك التاريخ بين 4 نيسان-أبريل و8 ايار- مايو لدى الكنائس الشرقية التي تعتمد التقويم اليولياني.
ومما سبق ذكره يتبين ان الفصح الشرقي، هو الفصح اليهودي الذي اعتمده ربنا يسوع المسيح، وتعتمده الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة، بحسب التقويم الشرقي اليولياني. ويتبين ان كنائسنا التي عادت الى احضان الشركة الكنسية مع كرسي بطرس هامة الرسل، اختارت ان تحتفل مع روما بالفصح الغربي الغريغوري. مما جعلها على الارض الواحدة وازاء ابناء عمومة واشقاء في الوطن الواحد تحتفل بتوقيت متباين بالفصح والصلب والقيامة. ولقد خيل لنا ولوقت طويل، ان كل هذا موضوع عقائدي لا يمكن المساس به، مهما كانت التضحيات منها تلقي السخرية من الجيران غير المسيحيين والتشرذم العائلي والاسري.
على أن التقيد بهذا الموضوع، على مستوى الشرق الأوسط، لم يكن مطلقا تماما، فنذكر ان حكومة صاحب الجلالة في الاردن، جعلت العيد مشتركا لدى المسيحيين في الاردن، بحسب التقويم الشرقي، ونظنه كذلك حتى الآن.
وها يتضح لنا الآن وبضوء المصادفة المشار إليها، بأن كنائس شرقية كاثوليكية أخرى، على مستوى الدولة الاوكرانية، تحتفل بعيد فصح مشترك، بحسب التقويم اليولياني. لعلها اتبعت هذا النهج، لاعتبارات اقتصادية او سياسية او لضغوط شعبية اخرى، ولكن يتبين أنها لم تكن بذلك تخرق أي عهد للشركة الكنسية مع خليفة مار بطرس الرسول.
من هنا فإن المعاناة المسيحية في كنائسنا الشرقية، بقي يشار اليها، لحد الآن، بأسلوب التوسل والاقناع مع ذوي القرار في توقيت العيد. لكنه مع الوقت، وخصوصا وأننا نعيش بين اوساط رسمية غير مسيحية ومنها اصولية، متعصبة وتضطهد غيرها، لا بد إذن من النظر بشكل أكثر جدية وأشد إلحاحا، إلى هذه المعاناة، وبما يشابه الصرخة الوحدوية الضاغطة، بطرق مختلفة، مع ذوي العلاقة، وصولا إلى تدابير وحلول منشودة جماهيريا ومسكونيا وسياسيا وقوميا، تؤدي الى الفصح الشرقي الموحد، وبما يضع الحد الفاصل لهذه المعاناة.
وبملاحظات بسيطة نرى، ان المعنيين في هذه الكنيسة أو تلك، قاموا بإجراءات تضاهي بجسامتها ان لم تتفوق عليها، في أمور أخرى غير موضوع البت في توحيد الاحتفال الفصحي، منها، على سبيل المثال لا الحصر، موضوع التعامل مع الاسم القومي.
فكنيستنا العريقة كنيسة المشرق، حملت اسم المشرق بمدلولاته الثقافية والجهوية ولأجيال عديدة. وعندما اتحد جانبنا الكاثوليكي بإعادة اللحمة مع كرسي بطرس هامة الرسل، حمل جانبنا الكاثوليكي في كنيسة المشرق، اسم الكنيسة الكلدانية، اسما قوميا عريقا، لا غبار عليه تاريخيا أو آثاريا، لكنه يبقى اسما ثقافيا تراثيا ولا يقف بالضد مع التوجه العقائدي للكنيسة الرسولية الجامعة الكاثوليكية. وفي منحى آخر فإن القسم الاخر من كنيسة المشرق غير الكاثوليكية، حمل اسما تاريخيا آثاريا أصيلا هو الآخر، وهو اسم كنيسة المشرق الاشورية. وهكذا، وبفعل الرئاسات الكنسية تم توزع الاسمين القوميين الكبيرين بين كل من أبناء الكنيستين الشقيقتين، من اشقاء وابناء عمومة وقبيلة. ولعلماء الدراسات (السريانية) التاريخية القومية للشعب السورايا، ان يتخذوا الشجاعة الادبية بأن ينفضوا أي غبار عن أي اسم أصيل لأبناء كنيسة المشرق سواء الكاثوليك أو غير الكاثوليك، الكلدان والاشوريين او يستمروا بالتصفيق لكليهما.
وهكذا فإنه من العجب العجاب ان أولي الامر في هاتين الكنيستين، استطاعوا ان يحمـّلوا أبناء الكنيستين الشقيقتين من كنيسة المشرق إياها، تسميتين قوميتين مختلفتين، كل منهما تسمية أصيلة. فكيف بهم إذا أوغلوا في القطيعة المسيحية الوحدوية بأن تكون احتفالات هذه الكنيسة او تلك، أو كلتاهما معا، في توقيت مختلف مع توقيت الكنائس الارثوذكسية؟
إن الظروف التي تزداد تأزما في المنطقة، من شأنها أن تحث الجانب الكاثوليكي في كنائسنا الشرق أوسطية عموما، والعراقية خصوصا، الى ان يذعن للاحتفال بالأعياد الفصحية، مع الإخوة الأرثوذكس، ليس مجاملة لهم، بل وقوفا حرا مع الخيار الأكثر اصالة، وهو التقويم اليولياني الشرقي المأخوذ من اليهود، اخوتنا البكر في الايمان (حسب تعبير البابا الطوباوي الكبير مار يوحنا بولس الثاني)، وهو فصح يرتقي الاحتفال به الى عهد فصح المسيح. وبسعيهم الى هذا الخيار الوحدوي يمنحون الاعتبار إلى الاشقاء الارثوذكس ويلملمون الجراح معهم لتعزية ابناء مختلف هذه الكنائس الشرقية، فيحتفل الابناء من ابوين كاثوليكي وارثوذكسي، بعيد الفصح عينه، فلا يقول أحدهما لابنه، هذا يا ابني ليس عيدنا، هذا عيد جماعة الاخر...
معاناة العيدين هذه، بفارق اسبوع او اسبوعين او اكثر، كم عشناها، وكم عانينا منها، وكأنها كانت وصية منزلة من السماء، وكأن ثمة لغز لا يحله حلال، وطلسم لا يفك رموزه فوّال. وبقى ذوو الامر يراوحون، بمجاملات صفراء، ولسان حالهم، من حيث يدرون او يتجاهلون، يستخف بمشاعر الناس وبسخريات الاخرين، مما عشناه ميدانيا، في الوحدة العسكرية وفي البطرية، في المدرسة او القيصرية. ولكنهم في الوقت عينه، تراهم لم يعترضوا على ان صاحب الجلالة في الاردن حدد العيد بجرة قلم، فكان عيدا مسيحيا فصحيا واحدا. وبقوا في سوى الاردن من اقطار، يأبون الا ان يلعبوا لعبة الكراسي، فتراهم يتزاورون ويتعانقون، يهنئ كل واحد الاخر في عيده، وأبناء أي جهة منهم يلعقون في الشارع جراح المهانة. وهكذا عودونا ان نعتقد باننا كمسيحيين من طوائف مختلفة ومن مذاهب متباينة، من الطبيعي ان كل واحد يعيّد في يوم، ويصلب ذكرى المسيح في يوم ويقيمه في يوم، وكأن توحيد العيد، مستقل عن الكراسي، وكأن توحيد العيد، لا يحدث الا بمعجزة من السماء وليس منهم.
ومن الغريب ان أولي الامر اياهم، تراهم تتقاذفهم التيارات القومية، يمنة ويسرة، وفي الغالب بعيدا بعض البعد عن جوهر الرسالة المسيحية الشاملة. وتحرّضهم حاشيتهم بكل ما يدغدغ إلى التصريح ذات اليمين، ثم التصريح ذات الشمال، مع التأكيد أن النية في كل ذلك هي المحبة المسيحية. عجبا ان هذه التيارات السياسية او الثقافية او القبلية او من اي نفوذ كانت، لا يحن قلبها، بجاه شعبها الممزق، بين كيان وآخر، بين حماة وكنة، بين خال وعمة، عجبا ان تلك التيارات لم تفكر في أن تمارس لمثل هذا الخير العميم نفوذها، على ذوي الشأن، فتقول لهم بالعربية البليغة الفصحى:
لقد بلغ السيل الزبى
وتهيب بهم، أن وحدوا، يا سادة، العيد، حبا بالمسيح والمسيحيين، وحياءًا من نظرائنا السياسيين، في محيطنا الطائفي المذهبي الذي يذبح أبناءنا، بدون ان يفرق بين دمائهم أكانت دماء الفصح الشرقي أم دماء الفصح الغربي.
التمني كل التمني، أن تفلح تلك دوائر النفوذ في تحسيس أكبر لذوي الشأن، الى ما هو خير عميم لأبناء هذه الكنائس، كما استطاعت ان تستميلهم الى مسائل أخرى، بالطريقة اياها، أكان الأمر لمصالح سياسية أم قومية أم قبلية، فكم بالأحرى ان يكون الأمر بهدف توحيد عيد الفصح، الذي من فرط تكراره سنويا في الشهر الواحد بين كل كنيسة وأخرى، بات كابوسا جاثما على صدور مؤمنينا الابرياء.
من الواضح إذن أنه ليس لكنيستنا الأم، الكنيسة الرومانية المقدسة يدًا في هذا التقسيم الخرافي، ما دمنا لم نجد ان الكرسي الرسولي قد اعترض على صاحب الجلالة في الاردن، عندما احدث المعجزة فوحد العيدين، وما دمنا نشهد أن الكنيسة الاوكرانية الكاثوليكية، ذات الشركة التامة مع روما تعيش الفصح الموحد مع الكنيسة الاوكرانية الارثوذكسية الشقيقة. وتبقى المسيحية كما وصفها البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني، تتنفس بالرئتين الكاثوليكية والارثوذكسية.
وما لم يحدث، من الان وحتى اعياد فصح أخرى، أي اجراء جدي ونهائي بهذه الطريقة او تلك لتوحيد توقيت الاعياد الفصحية للكنائس الشرقية الكاثوليكية بما ينسجم مع التوقيت الأصيل لفصح الكنائس الارثوذكسية، فان المعاناة بحق شعبنا ستبقى مستمرة حتى بعد موت اصحابها أو نياحة صانعيها والى يوم... يبعثون.
 إن أبناء كنائسنا الكاثوليكية الشرقية العائدة الى فرحة الشركة مع كرسي هامة الرسل، بحاجة إلى ان يتعاملوا مع كنائسهم، بمحبة بنوية ضاغطة، وبالطريقة المناسبة لكل كنيسة، سواء بطريقة التأثير السياسي الذي اثبت التاريخ انها تميل اليه، او بالضغط الشعبي المتواصل والمحب، مع وضع سيادة السفير البابوي في الصورة والذي تحسب له كنائسنا الشرقية الكاثوليكية كل حساب. وإن هناك ضغوطا عديدة ومتنوعة يمكن ممارستها، تتمثل بمبادرات هنا وهناك لا سبيل الى استعراضها، ويمليها على المعنيين ضميرهم المسكوني الوحدوي.

الأب نويل فرمان السناطي
رعية مريم العذراء الكاثوليكية للكلدان والاشوريين في البرتا - كالغري


20
وزير الهجرة الكندي زائرا راعي خورنة الكلدان في كالغري
جهل اللغة الكنسية ليس مبررا للانسلاخ عن الجذور


في خطوة هي واحدة من الخطوات السابقة المماثلة في مدن ولاية اونتاريو وفي مدينة فانكوفر بولاية بريتيش كولومبيا، يستمر الوزير جايسون كيني باتجاه الاستفسار عن اوضاع المهاجرين من الشعب السورايا ومدى استقرارهم في كندا. في هذا الاطار، وبعيدا عن ملفات الهجرة وما يضبطها من سياقات مبدئية وثابتة، بحسب طلب المكتب الوزاري الذي اعد للزيارة، استقبل كاهن الخورنة الكلدانية في كالغاري الاب نويل فرمان السيد جايسون كيني وزير المواطنة والهجرة والتعددية الثقافية يوم الثلاثاء 13 تموز 2010، وذلك في دار الخورنة لكنيسة العائلة المقدسة للفرنسيين الكنديين التي يقوم برعايتها الى جانب خدمته للرعية الكلدانية. ورافق الوزير كيني في الزيارة أمين سره الخاص ومديرة مكتبه. وتحدث جايسون كيني احيانا بالفرنسية وأخرى بالانكليزية لأمين سره، مبديا اهتمامه بأوضاع العائلات القادمة.

وكان من موضوعات الحديث، المعضلة المزمنة التي يعاني منها أبناء الشعب السورايا، من حيث انقسامه نحو الاتجاهات المذهبية والاخرى السياسية، وذلك من خلال سؤال طرحه وزير الهجرة الكندي للاستيضاح بشأن الغموض الذي تشكله التسميات التي يحملها مسيحيو العراق من الشعب السورايا. فبين له الاب نويل أنهم يتكلمون لغة واحدة هي السورث بمختلف مسمياتها والمنحدرة من الارامية ، وانهم ينتمون الى شعب واحد يحمل عدة مسميات مرتبطة بعوامل جغرافية تاريخية ودينية، مقارنا ذلك بتعدد اسماء شعوب أخرى، مثل الانكليز والبريطانيين، والاراضي المنخفضة والهولنديين وما شابه. ووعد الاب أن يرسل أن يرسل للوزير توضيحات هذه التمسيات ببرنامج الباور بوينت، منوها ما يتخلل ذلك من تميز انتمائهم الى كنائس شقيقة مثل الكلدانية الكاثوليكية، وكنيستي المشرق الاشورية والشرقية القديمة من جهة، ومن جهة أخرى انتماء السريان من الشعب السورايا الى كنيستي انطاكيا السريانية الكاثوليكية والارثوذكسية، إلى جانب انخراط جماعات من كل من هذه المسميات الى عدد من الكنائس البروتستانتية.

كما سأل الوزير كيني عن أحوال مسيحيي العراق، والاوضاع السائدة، فأجابه الاب انهم يلقون عموما استقبالا طيبا من ابناء شعبهم ومن الكنديين من مكاتب الاستقبال، وان معاملاتهم ووصولهم حصل بجهود وتضحيات جبارة من قبل اقربائهم وأنسبائهم، سواء في مرحلة التحضير او في مرحل الاستقبال والاستقرار، وأنهم يلقون تعاونا قدر الامكان وما يتيحه الوقت في الايام الاولى لاستقرارهم، أفضل من اقران لهم في دول استقبال أخرى، ممن يترجم لهم ذوو القربى وفق ساعات مدفوعة الاجور.

وصب حديث آخر في ما يعاني منه الشعب الآخر من قهر واستلاب بسبب التسلط الطائفي لزمرة من المراهقين المعممين، مما أفقد الديقراطية توجهها الحضاري، وجعلها لعبة غير نظيفة بأيدي مقامرين سياسيين من الاحزاب الدينية متاجرين بمعاناة العراقيين ودمائهم. ففي مجال مسببات الهجرة للشعب العراقي، استمع جايسون كيني، الى شرح عن وجهة النظر القائلة، بأن أوضاع العراق مرتبطة بالمصالح الاستراتيجية للقوى العظمى، والعداء الذي تسببه النظام السابق، مع دول الجوار، وان هذا أدى الى وجود أحزاب متصارعة ذات خلفية دينية مدفوعة من عدة أقطاب اقليمية. وأمام تساؤل الاب عن كيفية القبول بقيام أحزاب دينية، قارن الوزير كيني ذلك بقيام أحزاب كاثوليكية واخرى بروتساتنية في بعض بلدان اوربا. على ان الاب نويل أشار الى ان الاحزاب الدينية المذكورة، ليست مرتبطة بأجندتها بما تمليه عليها الرئاسات الكنسية لانتماءاتها، وشدد على الجانب المؤثر في المنطقة، بوجود احزاب طائفية متصارعة، بقيادة معلنة من رجال الدين لكل من مذاهب تلك الاحزاب الطائفية المتصارعة، ويسقط ما بينهما المسيحيون العزل من مقاومة او عشيرة كما هو الحال مع الاخرين، وان استهدافهم كان ورقة رائجة لمختلف الجوانب من جهة تجارة الاختطاف، الى جهة ابراز تخلخل الاوضاع في البلاد. كما أشار الاب للوزير بشأن حساسية التدخل المذهبي الديني الطائفي في السياسة، الى الحالة الاحترازية الكبيرة التي قامت بها الجزائر، في بحر التسعينيات وبما قدمته من تضحيات، لئلا تسيطر الاحزاب الدينية على البلاد في الاتجاه عينه، مع التنويه بالتجربة الديمقراطية التركية، حيث يقوم الجيش بحماية الدستور العلماني الديمقراطي بشكل حضاري.



وبادر الاب بالاشارة الى حالة الغبن التي يعاني منها التكنوقراط من الشعب السورايا، الذين لم يتعاملوا مع الوثقائق المزورة، لاخفاء عملهم السابق في الجيش العراقي في مجالات مهنية علمية بحتة كالطب والهندسة، شرحها الوزير بكونها تتصل بالحصانة الامنية باتجاه من عملوا في الجيش العراقي، فعلق الاب بهذا الشأن تعليقا أيده الوزير كيني مفاده ان الحصانة يمكن التعامل معها بأن يؤخذ بنظر الاعتبار، عامل الزمن المتراكم منذ تقاعد المعني وبعد حل الجيش، وأن هذا العامل تعتمده مختلف الدول بخصوص حالات متنوعة.

وعن الاستفسار بشأن نوع الانتماء السياسي لمسيحيي العراق، اوضح الاب نويل فرمان أنهم يسعون وفق الامكان باتجاه عدم  تسييس الدين، وتشجيع الاحزاب ذات الطابع الوطني العلماني، سواء داخل احزاب الشعب السورايا بمختلف تسمياتهم النضالية المأخوذة من انتماءاتهم المذهبية او خارجها.
وعن مكان الكرسي الرئاسي للكلدان العراقيين الذين علم الوزير بأنهم يشكلون قسما كبيرا من الشعب السورايا، أجابه الاب نويل انه من دواعي الفخر ان كرسي بطريركية الكلدان، باقٍ في العراق، برغم الظروف الصعبة. فأيد جايسون كيني، بأن هذا عامل مشجع لبقاء الشعب في العراق، الى جانب مبدأ أن التشجيع على البقاء في البلاد لا يعني منع الذين لهم ظروف ضاغطة بمغادرتها.

وسأل الوزير وهو من مواليد 1968 واستوزر منذ اوكتوبر سنة 2008 ، عن عدد العائلات التي وصلت كالغاري، ومجالات العمل لديهم. فأوضح له ما يتوفر من احصائية بشأن  الذين يتكلمون السورث، ويحضرون الطقوس الليتورجية بالسورث، وان عددا ممن لا يتكلمون السورث، لكنهم يأتون لما يتخلل الطقوس من بعض الشرح العربي، الا ان عدد آخر لا بأس بهم ايضا، يفضلون الذهاب الى الكنائس اللبنانية والسورية والمصرية، التي تقام فيها الطقوس بالعربية لكونهم يفهمونها جيدا إذ انهم  لا يفهمون الطقوس التي تقام باللغة السورث، والتي تقام في احدى الكنائس الكندية الكاثوليكية بما بحسب الوقت المتاح لقداس كلداني واحد في الاسبوع. لكن استغرب الوزير من هذا التسرب في الانتماء، موضحا بأمثلة أن هنا سلافيون من لغات سلافية مختلفة مقيمون في كندا، ولم يعودوا يجيدون لغة انتماءائهم الطقسية، لكنهم يذهبون الى طقوس بلادهم مع انهم لا يفهمونها تماما، وذلك للتعمق بتلك اللغة بمساعدة ما يتوفر من وسائل ترجمة. وكذلك عدد من الكنديين الذي يذهبون الى القداس اللاتيني بدون ان تكن اللاتينية لغتهم اليومية.

وغادر الوزير جايسون كيني دار الخورنة، مع الوعد بأن يقوم بزيارة لابناء الرعية الكلدانية، خلال احد القداديس التي تقام لهم مساء كل يوم أحد الساعة 5 والنصف في كنيسة سان جيمس.

تصوير ميلاد نويل السناطي

21
مع 15 ألف شخص في حضرة الدالاي لاما



 
بقلم الاب نويل فرمان
 
الدالاي لاما الرابع عشر (تنزن غياتزو) والزحف الاعلامي على لقب صاحب القداسة
 مع كل التقدير لشخصية سلام عالمية، مثل الدالاي لاما، الا اني استغربت لملاحظة تداول وسائل الاعلام بشأنه لقب صاحب القداسة، وذلك خلال زيارته لمدينة كالغاري، قادما من فانكوفر، يوم 1 اوكتوبر 2009، وتوفرت المناسبة لوجودي خلال لقائه الجماهيري ضمن 15 ألف من الحضور في ستاد ساتلدوم للمناسبات الرياضية والجماهيرية الكبرى في المدينة. فمن المعروف أن هذه التسمية مرتبطة أساسا في الكنيسة الكاثوليكية الجامعة بلقب الحبر الاعظم قداسة البابا، كخليفة للقديس بطرس، لكنها باتت تزحف الى غير معناها الاصلي، لتلصق على غير واحد من الزعماء الدينيين وهنا نجدها في ديانة غير توحيدية او ابراهيمية.  إن ما ورد في هذا التقديم لا ينتقص من الزعماء الروحيين الذين نجدهم يحملون لقب صاحب القداسة وهنا لا ننتقص من فضيلة الدالاي لاما في خدمة السلام العالمي واللاعنف.
 
تقهقر الرابطة بين الاديان الابراهيمية
من ناحية أخرى، لربما لاحظ البعض تقهقرا نسبيا للرابطة التقليدية التي درج العرف على نسبتها الى الديانات "السماوية" الثلاث، المسيحية، اليهودية والاسلام. هذا التقهقر يعود الى ما جعل هذه الديانات كتحصيل حاصل وبفعل التراكمات المتنوعة، على مفترقات طرق متباينة بشأن الرابطة المشتركة بينها اجتماعيا وسياسيا روحيا. فنشهد على سبيل المثال لا الحصر، التقوقع المتقولب والمنغلق الذي شهدته الديانة اليهودية وتسويقها للاغراض السياسية على حساب الخصوصية المذهبية، وعلى حساب التعايش السلمي بين الدولة العبرية والقوميات والمذاهب المحلية. من جهة ثانية لا يخفى للعيان، التحدي الارهابي الذي تشكله الجماعات الاصولية في الاسلام، أمام صمت محير ان لم يكن صمت تواطؤ من قبل الزعامات الاخرى في العالم الاسلامي، برغم قيام خط  خجول داخل الاسلام المعاصر، كخط ثوري علماني.

لقاء الالف الثالث بين المسيحية والمسيحية

 لكن المراقبين أخذوا في الوقت عينه، يشيرون بالبنان الى انفتاح متميز لمسيحية ما بعد الفاتيكاني الثاني، وعهد البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الكبير. فمع ابقاء الابواب مفتوحة لكل تفاعل ايجابي تجاه الديانات التي يصح ربطها في الاقل بتسمية الديانات الابراهيمة لانحدارها من أبي المؤمنين ابراهيم الخليل. فما تبلور في لقاءات اسيزي لحوار الاديان المنطلقة في ايطاليا في بحر التسعينيات، والتي جمعت تحت سمائها مختلف المذاهب والاديان والطوائف، نجد ان مسيحية الالف الثالث، نهجت انفتاحا ذا مديات واسعة وغير مسبوقة، لتنفتح بشكل خاص  الى ما يجمع البشر من مشارب ومذاهب متنوعة في العالم، تشترك على ارضية  تجعلنا نجد فيها صفة إحدى التطويبات (ذوي الارادة الصالحة) مما تم تشخيصه في اللقاءات التي جمعت (الدالاي لاما) مع البابا الراحل يوحنا بولس الثاني لثماني مرات. وكان يوم13  اوكتوبر من العام الماضي آخر لقاء جمع (الدالاي لاما) والاب الاقدس البابا بندكتوس. كما نجد ان هذا الزعيم التيبيي الروحي، برز نجمه كشخصية ايجابية استقطبت التعاطف على مستوى عالمي كبير، ولئن يمكن ان يشم من هذا الاستقطاب، حالة من حالات صنع النجم الثوري المعارض ضد نظام سياسي، في علاقة (الدالاي لاما) كمنفي من قبل الصين.
ولكن بصرف النظر عن كل هذا، لا ينكر ان الرجل لا يحمل تقوقعا مذهبيا وتعرف جماعته بعدم الانغلاق على الذات، وهو ايضا لا يثير التحفظ من النزعات المذهبية التوسعية القائمة على القهر، كما ان خطه المسالم ودعمه لحقوق الانسان أبعد جماعته واتباعه عن اي توجه يجعل من الارهاب طريقا للمحافظة على الكيان الذاتي او التوسع القسري على حساب المذاهب الاخرى. بل يعرف المذهب البوذي باحترام اختيار الاخرين، وتقدير    ما لديهم من قيم سامية وانسانية.
 وهكذا لا بد انه بسبب هذا الانفتاح، اضافة الى الحضور الواسع الذي تشكله الجماعات البوذية في اوربا وشمالي امريكا، نشاهد الاستقبال الطيب الذي يمنحه العالم الغربي لشخصية الدالاي لاما، اضافة الى انتشار فكره الذي يخاطب الذات البشرية في اعماقها مما راج في العديد من مؤلفاته الكثيرة والتي نختار منها هذه العناوين: قدرة الروح: أحاديث مع علماء، كل الكون في ذرة، التحول في روحنا، فن السعادة، دروس في الحكمة، رؤية الذات كما هي، 108 درة من الحكمة، الطريق الى السلام، الدالاي لاما يتكلم عن يسوع.
 
زيارة (الدالاي لاما) الى غربي كندا
وهكذا كانت مدينة كالغاري في الاول من اوكتوبر، على موعد مع هذه الشخصية الحائزة على جازة نوبل للسلام،    الدالاي لاما الذي يمكننا ان نصنفه مسيحيا وإيمانيا من ذوي الارادة الصالحة. فقد تم الترحيب به على اعلى المستويات، وحظي باستقبال جماهيري كبير: أسراب بمد البصر من السيارات، طوابير لا تحدها العين من جموع المقبلين إلى الستاد الدولي. محلقين بيضويا على نواحي  منصة مسرح تتوسط القاعة الكبرى، والفضاء مجهز بشاشة عملاقة مع شاشتين جانبيتين.
وتوالت تعليقات المعجبين بهذه الشخصية المسالمة. ومن خلال تلون الحضور، كان يمكن للمرء ان يشاهد هذا الكم الهائل من الازياء والانتماءات الدينية والاثنية الظاهرة ممن شكلوا قاعدة واسعة من المعجبين والمريدين.
 بدأ الاحتفال بعزف فرقة الاوركسترا، تلتها لوحة فولكلورية استعراضية، وومضات عن مشاعر الناس بشأن الضيف التيبيتي المنفي الذي اطلق عليه فيما اطلق، ببطل حقوق الانسان مرسل المحبة والرأفة (compassion).
وعندما شارف وقت اطلالته، رفعت بلحظات الخمسون كرسيا، لتحل محلها منصة هذا الراهب البوذي الكبير، فيما افترشت المساحة المتبقية من المسرح الوسطي عشرات من الشباب والصبية.
 
لقاء تحت شعار: رسالة الرأفة والعدل
الرأفة كانت الفضيلة التي تمحور حواليها حديث (الدالاي لاما) واجاباته عن الاسئلة المطروحة، فلفت الانظار بعبارته: نحن ما نفكر، السعادة لن تنقص اذا تقاسمناها، تزداد فرص تقدم السلام امام الاصرار على اللاعنف متأسسا على احترام الاخرين وعمق الثقة بالذات.
 
واضاف صاحب الارادة الصالحة: إن السلام هو فعل رأفة، فلنا ان نبحث عن السلام من خلال الرأفة، منطلقين الى ذلك من السلام الداخلي. كما حذر من مغبة المراءاة بالقول: النية السيئة تحت مظاهر مزوقة هو نوع من العنف. واشار الى ان السكينة الداخلية تتربى في الانسان منذ الطفولة عندما يتم  تثبيتها في أعماق الطفل  بمحبة وحزم بآن واحد.
 
العراق وافغانستان في حديث الدالاي لاما
في بلد مثل كندا مجاور للولايات المتحدة الامريكية، كان يبدو على (الدالاي لاما) حالة من الترفع والثقة بالذات، بحيث كان يتكلم عن الرئيس الامريكي السابق، وكأنه يتحدث عن تلميذ مدرسة، خاضع للتقويم، قال: إن بوش كإنسان هو شخص لطيف (نايس)، ولكننا لا يمكن ان نتفق مع طريقته، في التعامل مع العراق وافغانستان تحت ذريعة جلب الديمقراطية. واضاف في هذا الصدد: لا يمكن احلال السلام بطريقة سيئة، لا يصلح احلال السلام بتدمير الاخر، ان تدمير الاخر هو نوع من تدمير الذات. فاستخدام القوة الغاشمة والتعامل عن طريق العنف، هو استهداف لجزء مهم في ذاتنا. في حين ان البعد عن اتخاذ  القرار بتأثير الغضب او الغيرة والحسد، من شأنه ان يخلق المناخ الايجابي للوئام. كما ان الشفاء الذاتي ينطلق من عمق التفكير الايجابي ويخلق في الانسان راحة البال بعيد عن الهواجس العدوانية. ومن ثم لا يمكننا ان نطور السلام اذا كان فكرنا تحت التأثير العدواني، ذلك ان القيم الكامنة عند الانسان من المفترض ان تعكس كل ما هو ايجابي، وعندئذ يكون العقل وسيلة للبناء.
 
المناداة بالقيم العلمانية ليست ضد الدين ولا علاقة لها بالالحاد
 
وتعملق الدالاي لاما، وكأنه يتحدث الى الاحزاب السياسية المذهبية الطائفية التي خطط لها ان تسعى الى الحكم في الدول الدينية، لادامة الاحتراب المذهبي والطائفي وتموين الحروب الاهلية واضعاف الدور عن طريق تقسيمها، قال: يجب ان نحذر بألا نتحرك سياسيا التحرك الذي يعكس الطابع الديني البحت، بينما ينبغي نهج الاخلاقية العلمانية مما يعد بحد ذاته توجها سلميا سليما لا بد ان تقره الاديان.  ووضح كلامه بالقول:
ان هذا ليس ضد الديانة، كما يتوهم الكثيرون بان العلمانية هي حالة ضد الدين، فإن الاخلاقية العلمانية ما دامت تقدس اللاعنف، فإنها لا يمكنها ان تكون بالتالي ضد الدين بل تغدو العلمانية بحد ذاتها خطا يعزز التوجه السلمي لكل من العقائد الدينية بين اتباعها، وتكون العلمانية المذهب الايجابي المشترك الذي يمكن ان يجمع مختلف العقائد الدينية من التعامل السلمي والايجابي مع بعضها.
 
نحو تكنيك للسلام الداخلي
 إن السلام الداخلي يولد الرأفة، ومعه تأتي حالة رعاية الاخر، وحب الخير له، مما يأخذ مسارا داخليا اقوى فأقوى، ويتجه المسار عندئذ بالضد من الغضب والعدوانية. ويتأسس هذا النهج عند الدالاي لاما، بكوننا متساوين جميعا من حيث حيازتنا على العقل والجسم والعاطفة، وأننا بشر من الدرجة المشتركة الواحدة وليس من درجات مختلفة، بصرف النظر عن اي اختلاف في الجنس او اللون او الدين، فليس ثمة درجة عالية ولا درجة واطئة في المقارنة بين القيم الانسانية، ولا يتفاوت الفرق بتفاوت الثقافة أو الغني، نحن كلنا بشر، مما يدعونا الى ان نبذل الجهد المشترك من اجل عالم افضل.
وخلص صاحب الارادة الصالحة الى القول: إن عمق المبدأ الانساني في داخل كل منا، يعطي المزيد من الثقة والامان، في الذات ونحو الاخر، ولكن ذلك يتطلب عدم التخاذل وفقدان الحماس، إذا كانت مصلحة البشرية أمام أنظارنا، وعندئذ سنقبل التحدي ونثبت فيه بتفاؤل وأمل.
هذا الحكيم الذي يبلغ الخامسة والسبعين، يصف نفسه بمجرد راهب، ولا يمتلك كما يدعي البعض، على حد قوله اي قدرات فائقة، أكثر مما يوفره التأمل لساعات  طوال من سكينة وقوة تحفز الانسان من الداخل.

وهذه في الختام باقة أخرى من كلماته:
- كل ما نريده نحن جميعا هو ان نكون سعداء، انا اريد حياة سعيدة، انت تريد حياة سعيدة، نستطيع اذن ان نتحاور ونمشي سوية، ونعمل جهدا مشتركا في سبيل عالم افضل.
- القيم الاخلاقية في عالم اليوم، لها ان تستند على العلاقات الودية الطيبة المتأسسة على الاحترام المتبادل.
- كل فرد، كل بلد، مترابط مع غيره، هذا هو الواقع المعاصر، العرف القائل بـ (نحن) و (هم) فقد صلاحيته.
- لكيما يسير عالمنا جيدا، علينا ان ننظر الى العالم بأسره ككيان واحد. ان تدمير الاخر هو تدمير لذاتك ايضا، ان مفهوم الحرب عاف عليه الزمن.
- نحن مجرد زوار على هذا الكوكب. لعلنا هنا لمدة 90 أو لنقل لمدة 100 سنة. خلال هذه المدة، علينا ان نعمل من حياتنا شيئا جميلا وشيئا مفيدا، واننا بإسهامنا بنحو ما في اسعاد الاخرين، نتذوق المعنى الحقيقي لحياتنا.


22
مع زيا ورومي: عبق حضارة بين النهرين يتضوع في بيت (آشوري–كندي)


بقلم أ. نويل فرمان

كانت ستكون مجرد زيارة ودية لمناسبة عائلية، والاستجابة لضيافة زيا ابراهيم وزوجته رومي  تيتل، لو لم نجد في ارجاء الدار ما لم يكن في الحسبان، فكان هذا الربورتاج.

السيدة رومي، جالت بنا في زوايا المنزل الريفي الذي تقطنه مع زوجها زيا منذ سنوات وبجانبه المكتب الفني للاعمال الحاسوبية للشركة التي يديرانها.

النجاح في الاعمال تم ترجمته لديهما الى بعد متميز في بلورة دارهما، ليس مجرد مكان للراحة، بل يتضمن ايضا تطلع التواصل مع الماضي العريق والتفاعل مع الحاضر الحديث. بهذه الكلمات وصفت رومي انطباعها عن تصميم دارها الذي اسهمت فيه بدور كبير، فاعتنقت الاصالة التاريخية العميقة والعريقة التي يحملها في دمه زوجها الاشوري، ووظفت لها الحداثة والعصرنة وكل ما هو جديد مما يميز خلفيتها الثقافية والاجتماعية.
ومضت رومي تدور بنا وتشرح لتقول:

هذه بوابة عشتار، تم تصميمها من امهات اللوحات المعروفة عنها، وعهدناها بعد التصميم الى مهني يعمل في الخراطة وصب الحديد.
هذه البوابة تطالعنا على شكل شباك كبير، وتظهر معالم البوابة من خلال ثنايا النقوش المعدنية، تكشف وراءها بركة مياه يفصلها عن الطبيعة، قاطع زجاجي، وتزين صالة البركة لوحة آشورية كبيرة، تم تنفيذها على السراميك، وبما يقارن الاصل الاشوري، الذي اطلع عليه الزوجان، في بحوثهما في هذا المضمار.

ونخرج الى المساحات الفسيحة حوالي الدار، فإذا العربة الاشورية مخروطة على الحديد وتعلو احدى قمم المبنى، وتناظرها في قمة أخرى من الدار لوحة الاسد البابلي يعلو على المبنى الذي بدوره يستشرف هضاب البرتا. هذه الهضاب بدورها تفترش واحدة من أعلى الاراضي من مستوى سطح البحر. ويطالعنا الاسد منحوتا على طراز احدى اللقيات الاشورية، وكأنه يسمع هديره على مر التاريخ.

وسعيت الى التقاط صور أخرى، اضافة الى الصور التي زودني بها زيا. واثناء ذلك، فتحت سهوا حضيرة للخيل، فنفر أحد الحصن خارج السياج، وانا من داخل السياج اعاينه ببساطة، واذا بالحصان الاخر يصول ويجول بهيجان كبير بحثا عن صاحبه، فجاء زيا ليخرجني حرصا على سلامتي، واستنفر بعض العاملين في المكتب، ليهرعوا فيقنعوا الحصان الهارب ليعود الى الحضيرة ثم أغلقوها.

بعد الجولة جلسنا أمام قدح قهوة نتبادل الحيث، مع الثنائي الاشوري- الالماني الاصل (زيا ورومي). فكان السؤال عن بداية الاهتمام في هذا المضمار؟ لتجيب رومي:

بدأت بالاهتمام في الخلفية التاريخية التي يتملكها زيا من خلال اهتمامي به كحبيب وقرين. من ناحيتي انحدر من اصول جرمانية المانية، واعتبر الجيل الكندي الاول هنا بعد استقرار أهلي في كندا، هذا البلد الذي تعد اجياله الحديثة على اصابع اليد. فكان من دواعي الانبهار لدي ان يجتمع عند كلينا الجديد بالعريق.


وسألت: اين تقع تصميمات دارهما من تطلعاتهما الانسانية والحضارية. ليجيب زيا:

ان تنفيذ الدار كان فرصة لنا للاعلام المحلي بشأن الحضارة الارامية الكبرى، ببعدها الاشوري، وباللغة الارامية التي انتشرت في حينها وبقيت لغة عالمية معتمدة في دراسة الكتاب المقدس ويتكلم بها شعبنا الاشوري الذي يحمل خصوصيته اللغوية الثقافية التاريخية وهو واحد من اعرق الشعوب الارامية.

وتضيف رومي:
لقد توفرت لنا فرصة تقديم لقاءات بهذا الشأن، كما نعنى بواقع هذا الشعب الذي يعد من السكان الاصليين في بلاد بين النهريين والذي يتعرض لحملة اضطهاد واستئصال عرقي منظم. هناك اذا هاجسان: هاجس ما يعانيه هذا الشعب في الداخل، والتطلع الى ان يوضع حد لهذه المعاناة، الى جانب هاجس الاغتراب وتحدي المحافظة على الجذور والشعب الاشوري جدير بهذا التحدي.

كما بادرت روما فقدمت النص الاصلي، بالانكليزية، للنبذة التي تتداولها مع الاعلام بشأن التصميم الفني والمعماري الذي يميزه الحس الاشوري في بيتهما. وفيما يلي النبذة.




To begin with, our home has a name, “Harvest Moon Habitat”. The name was conceived when we took possession of our property October of 1996. The first evening we went there was a full harvest moon rising to the east as if centered over our lot. The word habitat relates to the philosophy that we were striving for in the overall design of the house, and that was to create an environment that would nurture and grow us as human beings.
 
Our first task was to hire an architect. We were very lucky to include Gerald Forseth on our list of candidates, as he was the man for the job. Our discussions with Gerry included a list of rooms and spaces required by us with basic square footage, but the main thrust of our design criteria was based on our philosophical attitude.
 
The main philosophy of this home was to combine a house with a spiritual center, recreational opportunities and work space. As we have our own software company, we have found that vacation time is practically non-existent, therefore we have to be able to come home and vacation. We also have to expect to take work home with us. Originally our business started from home and from this experience we know the workspace has to have a real physical separation from the home space. With the inherent stresses and strains working in the late 20th century and beyond, a spiritual recuperation space was essential. Somewhere to come and rebuild ones damaged and worn soul.
 


The main design element of our home is to combine east and west. Zaia (my husband) is Assyrian (a minority Christian group) originally from Iraq, and I’m born and raised in Calgary. We were both very set on styling the architecture to be that of a Calgary setting. Therefore the east elevation of the house reflects elements of a grain elevator and the west elevation reflects a western style of a mountain chalet. We were not interested in modeling our home on a style that is imported. The roofline suggests a “Prairie Schooner” with schooner taken literally as a ship with a bow and an aft.
 
The building itself would be centered around a Middle Eastern courtyard or “Oasis” area, with the rest of the house being contemporary in design. This oasis would be inspired and decorated in the style of the ancient Assyrians. (East being interpreted as “old” and west being the “new”.) The pool is designed more for lounging in than in doing laps. The sense of calm that being suspended in water gives one is quite soothing. This area will be filled with plants to offset our long winters and give us the sense that we are actually somewhere warm and humid. The main feature of this space is the glass block floor system above the pool, allowing natural light to enter from the skylight above on the second floor roof. I would like to think that on one special day, the sun shines directly above this space, lighting some symbolic spot on the floor. With Gerry’s background in archeology, this thought seemed to fit the design of the space. The entry gate of the oasis is based on one half of the Gates of Ishtar, done in wrought iron by Ian Chalmers of IJC Coppersmiths. A feature glass mosaic is located on the south wall, based on a mural of ancient Assyria, done by myself. Another feature of the first floor area is that the floor is all concrete with under-floor heating.
 
Around this oasis, the bedrooms are located. Our master suite is to the left and the guest bedrooms are to the right. Our bedroom has a glass wall between it and the oasis to give the room the feeling that it is actually one. The idea that the bedrooms would be located on the first floor rather than the second, as is typically found in houses, was based on the feeling that the views enjoyed from our western elevation, would be better enjoyed by the living areas, rather than bedrooms. The bedrooms would also enjoy a cooler location in summer for sleeping comport.
 
The grand maple staircase leading one to the upstairs is capped with a “character” log that helps to reinforce the western design of the house. The living room features a fireplace and full length windows along the west elevation. The dining room is open to both the kitchen and living room, with a glass table seating 12. The kitchen features a freestanding island with a dramatic hood vent over the gas cooktop. The kitchen/dining area also has built-in china/display cabinets to match the cabinetry, which are maple as is the floor. There are no upper cabinets in the kitchen, as the pantry houses all the food staples, leaving plenty of cupboard space for cooking equipment. A music room is walled off to allow for the sounds of music to be played without interfering with the other spaces. A small library is located over what was to be the back staircase. (Some things are bound to go wrong!) The whole second floor is wrapped with an ample deck on three sides, allowing for plenty of entertaining space in the great outdoors. Away from pests and vermin, this second floor deck allows one to fully enjoy being outdoors. The ample use of windows was also specifically incorporated to offset our long winters with so little daylight.
 
The main house is connected with our version of a “+15” system. A corridor links the greenhouse, office/garage and stables/art studio. The idea that one did not have to leave the house to tend to the horses and plants is very appealing. A greenhouse was needed to extend the short growing season in the Springbank area, as well as keeping the crop from being damaged by the usual summer hailstorm. The office area allows for a conference area as well as open space to be used as gallery space for showing my work (eventually). The garage has room for three cars as well as a dedicated workshop space. The underground tunnel links the garage to the horse stables with the art studio above. This building was inspired by the rural setting, my version of a “Butler” silo. Of course the exterior color had to be red.
 
The exterior color of the house is sage green stucco with forest green accent and silver accent. The siding is metal as well as the roof. Maintenance free of course.
 
The design created by Gerald Forseth is simply awesome. That he was able to take our words and turn them into a house is simply miraculous. The purity of the design has remained remarkably unchanged since the first sketch, a tribute to Gerry having hit the spot.
 
The other half of the equation in building a custom home is to find the right builder. We chose Clark Builders Carlson Contractors Ltd. because of the extensive use of commercial materials. Our site Superintendent is Doug Dayman who has been instrumental in taking Gerry’s drawings and turning them into a real building. His expertise has allowed Gerry’s architecture to come to life. I consider Gerald and Doug to be equally important in this house becoming our home.
 
Romy Tittel



23
ملامح من الرياضة الروحية لكهنة كالغاري  - كندا
الارهاب، العراق، افغانستان والاسلام، العلمنة واللادينية



الاب نويل فرمان


انتظم وجبة أولى من كهنة كالغاري في الرياضة الروحية السنوية (35 كاهنا)  للمدة 11 الى 15 مايس 2009 في مركز سانكتوم للرياضات الروحية في وسط الغابات والطبيعة والعذراء، بقرب بلدة كاورلاين 170 كم شمالي كالغاري، وفيما يلى خلاصة بمحاور الرياضة لتعميم الفائدة والمشاركة الروحية ذات الصلة.

قدم مرشد الرياضة الروحية الاب جيرارلد  كاهن أربع خورنات في نوفا سكوتشيا، عرضا بعدد من التحديات التي تدعو الى التفكير والتعامل:
1-   تعامل عالمنا الديني مع مختلف الظواهر الدينية، منها الاسلام، وما يظهر عليه في الوقت الحالي. ما هو الجواب المسيحي للطروحات والمظاهر التي يشكلها ما سماه بالانكليزية بديانة محمد في العالم المعاصر، في اشارة الى الاسلام، وما هو دور المسيحية في اسلوب العيش مع عالم ديني متعدد ان صح التعبير، وهل هناك سبيل حوار حول التعايش بين مختلف الديانات في  المجتمع الحالي. ومع ان المسيحية تعد امتدادا وتكليلا لليهودية وما يشتركان به من أسفار ضمن الكتاب المقدس، وظهور الاسلام في وقت لاحق بخصوصية وظروف مختلفة، الا ان المحاضر، وضع اليهودية والمسيحية والاسلام في خانات ثلاثة بصفة ديانات حاضرة جنبا الى جنب، وتتصل كل منها باسلوبها بالخليل ابراهيم، في إشارة إلى سبل الحوار بين هذه الديانات.
2-   عالمنا الحالي في مواجهة الارهاب بمختلف صوره، وما يتمخض عنه في وضع العراق وافغانستان، مع طرح السؤال الاتي: كيف السبيل الى مواجهة الشر بدون الاندراج في محوره او التلوث بعدوانيته في طريقة المواجهة. وما هو الجواب المسيحي في هذا الاتجاه، مشيرا الى كلمة بولس الرسول ان المسيحية تقدم جواب الصليب كجهالة.
3-   تحدي العلوم المعاصرة، وما تخلقه من مواقع ومساحات اهتمامات جديدة، مستشهدا بكلمة البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته البابوية عن العلم، حيث قال: للعلم دور هام في تنقية الديانة من الخطأ والوساوس والشعوذة (error and superstition)   منوها بمهمة الديانة بدورها بأن تنقي العلم من التوجه الوثني واللاديني.
4-   الاخلاقية في الابحاث العلمية (medical ethic) وما يتصل بالتعامل القيمي في مجال الموت والحياة، والتدخل في شؤون الجينات واستخراج انماط حياتية اخرى...
5-   التعامل مع البيئة وما يتهددها من تلوث واحتباس حراري، ودور المؤمنين في المسيحية في التتلمذ لخدمة الطبيعة وصيانته بكونها هبة الله.
6-   النزعة العصروية وما يكتنفها من فردية واستهلاك وما يتمخص عن ذلك من:
نرجسية جامحة (unrestrained narcissism) وجملة تحديات في مقدمتها انحسار المفهوم الايماني وخصوصا لدى الشباب. وارود الاب جيرارلد في هذا المجال: بعض النسب المأخوذة من آخر احصاء تم في كندا، بموجبه كانت نسبة 43 بالمائة من الاجابات هي كشف الانتماء الديني كرومان كاثوليك، ونسبة 16 % من طرف الذين لم يعلنوا عن انتماء ديني محدد، وان النسب المقارنة بولاية البرتا جاءت: 26 بالمائة المعلنين ككاثوليك، و23 بالمائة لا دينيين، مع اشارة الى ان  النسبة السنوية في الازدياد لهذين المضمارين كانت:
39 % ازدياد اعلان الانتماء اللاديني مقابل:
18 بالمائة ازدياد نسبة الذين يعلنون انفسهم كاثوليك
وطرح المرشد التساؤل الذي كان موضوع نقاش الكهنة: لماذا حضارتنا الحالية هي مدمنة على اللهو  ومهددة لفقدان الايمان.

وفيما يخص الحياة الكهنوتية، المرشد أدرج سلم الاولويات الذي حظي بنسب قبول الكهنة، لاسلوب حياتهم الكهنوتية بما يرضي تطلعاتهم ورغباتهم في الكهنوت، فكان كالاتي:

فرح الخدمة الليتورجية
خصوصة الدعوة الى الكرازة
الانتعاش الانساني في العمل مع الجماعة
سعادة الانتماء الى جماعة
امكانية صقل وتطوير القابليات الذهنية.
وفي مجال الموعظة واهميتها في حياة الكاهن: استشهد بما قاله الاب الدومنيكي الكردينال الراحل ايف كونغار، اذ قال:
لو قورن بين جماعة تحضر طقس القداس لمدة 30 سنة، وجماعة تتلقى الموعظة بدون قداس لمدة 30 سنة ، فان الجماعة الاخيرة تكون اقوى في ايمانها.

كما شخص خطوات في الموعظة بثلاث مراحل:
Behind the word (1)
Within the word (2)
  In front of the word(3)

الخطوة الاولى: خلفية الكلمة - الظروف المحيطة بكلمة الكتابة المقدس عند كتابتها
الخطوة الثانية: ما تتضمنه الكلمة -  كل ما هي حبلى به من معاني وابعاد ومغزى
الخطوة الثانية: أمام الكلمة - ما يتصل fالواقع الذي يعتملنا في ظرفنا الحالي تجاه الكلمة

العبرة في الموعظة: ليس البحث عن الطرح السفسطائي، ولا التأملات اللاهوتية المحلقة في الفضاء العالي، بل تعتمد مبدأ، اعطاء الايمان، والتشجيع على الايمان.

إضاءات على شخص المسيح: من هو المسيح: المسيح التاريخي، في مكان وزمان، في البيئة الاجتماعية السياسية التي عاش فيها. كيف كان يسوع بحد ذاته قبل ان يصبح المسيح القائم الممجد.
وقدم العرض لكتاب عن المسيح لمؤلفه جون ماير من حقبة الثمانينيات الذي صدرت له موسوعة كبيرة بأربعة اجزاء، كان عنوانها الرئيسي: هامشي يهودي. وعرض الملامح التي يقدمها ماير عن هامشية يسوع:

الناصرة كبيئة هامشية تجاه اورشليم، محكوم عليه بالموت كهامشي، لا ينطلق من التاريخ بين همش نفسه في المجتمع بروح بداوة وعطالة عن العمل، نادى بمفاهيم غير مألوفه في المجتمع اليهودي، قدم تعاليم اجمع اليهود على رفضها، كان يصنف من بساطة الريف وليس من حضارة المدينة.

وقارن المحاضر كاهن اليوم في الزمن المعاصر، وما تعد فيها من حياة غير مألوفة.
كما استشهد لغير مرة بالأب طيموثي رادكليف وقدمه بصفة الرئيس العام للاباء الدومنيكان في العالم، فعرض خصوصا لمحاضرة له في أميركا، قال فيها: إن من يتأثرون بالاكليروسانية هم أكثر ما يكونون مستقين لسلولكهم من العهد القديم بدون التشبع من روح الانجيل.

وعلى ضوء توصية القديس بولس الى طيمثاوس ان يديم في ذاته شعلة الايمان، عرض الاب جيرار جملة من التوجهات والمقاصد في هذا الشأن:

المصاحبة المستمرة مع المسيح.
توفير المساحة الواسعة للحياة الكهنوتية
جدلية قول بطرس ليسوع: ابتعد عن يا رب ودعوة يسوع له، برغم طلبه الابتعاد منه: كفاح من اجل الامانة.
التأمل في المسيح المجد مع استذكار قول الملاكين عن ذكره عن ذاته قبل الاحداث. وفي الاستذكار: اعملوا هذا لذكري.
الكاهن مدعو لأن يكون حاملا لمضامين ذات معنى. أن نأخذ الوقت الكافي لنعكس حقا ما هو لدى المؤمنين مفهوم الموت والحياة.
الصلاة من الاعلى، برمزية الجبل، حيث يستشرف صورة لا تكتمل امنا من سفح الجبل.
الصلاة الى الرب كالاعمى: رابي اجعلني ارى من جديد
السعى لبناء مجتمع الكرة الارضية.
العيش باسلوب عدم الخلط بين العيشة المرفهة والعيشة الآمنة.

وأورد بعض حكم مفادها:
تحفظ مما تقرأ
كن في القراءة فضوليا بقدر ما تكون شكوكا
اعلم ان هناك من يشارك حلمك
اعمل من اجل التغيير.

استغرقت الرياضة من الاثنين مساء حتى الجمعة صباحا، وتضمنت يوميا محاضرة في التاسعة صباحا واخرى في السابعة مساء، مع صلوات الصبح والرمش، وساعة سجود وقداس، وقد حضر مطران ابرشية كالغاري فريدريك هنري الى مكان الرياضة في رابع يوم للرياضة لترؤس قداس وموعظة وتقاسم طعام.
وتوفر للكهنة اوقات تأمل في الطبيعة وفي محطات متميزة لدرب الصليب تحلزن ضمن غابة الشجار المركز وعلى شائطه.



 
 
 

24

الأب كمال بيداويد، 40 عاما من التغريد الكهنوتي بين السربين

بقلم الاب نويل فرمان السناطي   

قبل مدة، وفي بحر هذا العام، طوى الاب كمال وردة بيداويد، العقد الرابع من عمره الكهنوتي المديد. عمر مهم مضى منذ تلك الحقبة، ومذ عرفته، إذ كان تلميذ المعهد البطريركي الكلداني للكبار، وكنت في الصف السادس الابتدائي، مقبلا على دخول المعهد الكهنوتي الكلدو سرياني، معهد مار يوحنا الحبيب، للاباء الدومنيكان الفرنسيين. لكن علاقاتنا منحدرين من المعهدين الغريمين، بقيت متآخية، كما هو الحال عموما على مستوى القاعدة، بمعزل عن صانعي القرار.  فرأيت اليوم أن أقف من الأب الفاضل، في هذه المناسبة وعلى هذه الصفحة، موقف المحبة والتقدير مقرونا بالاعجاب بصوته الرخيم الذي بقي يرافقه حيثما حل. يحمله هذا الصوت المغرد الى اعلى، وفي الوقت عينه تخاله ينوء بحنجرته الرقيقة إذا ما توعك يوما حالها، فيرعاها بمسؤولية كأنها لغيره.

خصوصية التسامي الفني لكل كنيسة

تتميز كل من كبريات الكنائس البطريركية بما يطبع تساميها الروحاني. فنرى العمارة الغوطية في الكنيسة اللاتينية، والايقونات   اللاهوتية العميقة في كنيسة اوربا الشرقي، والرقص الفولكلوري التلقائي بعد التناول في افريقيا المسيحية، وسمفونية الاصوات المنفردة في الكنائس الانطاكية والمارونية. أما كنيسة المشرق فقد تعملقت بالجمع بين التسامي الليتورجي في الاداء الجماعي، يستعرض خلاله عدد من الاصوات التي تشنف الاذان مجتمعة، يتقدم فيها هذا الصوت على ذلك بنسب متفاوتة، كل يؤدي في دوره. وفي كهنة كنائسنا مهما تفاوتت نوعية اصواتهم، يبقى الانغماس في الحس الليتورجي يعطيها الاثر المحبب، بفضل المراس المتواصل والتشبع بالعشق الليتورجي. ولشد ما يشنف استماع المؤمنين الاداء الطيب لعموم كهنتنا حتى تساءل كثيرون، هل يفترض ان يكون الكهنة طيبي الصوت ليصبحوا كهنة! كما ان ما يكنه المؤمنون من محبة واعجاب واحتضان لكاهنهم المخلص، حتى وان كان صوته من صفيح، اذا ما وجدوه اجتهد في الاداء سرعاء ما يثنون عليه بمودة. والحال إنها الليتورجية الكنسية الرائعة في مختلف طقوسنا، التي تعطي هذا الانطباع، فيبدع الكاهن، بما يخضع له صوته من تهذيب ليس على يد ملحن معين، بل بفضل ارثنا الليتورجي الثر.

تميز المواهب لدى الكهنة

والحال ايضا ان روحانية الكاهن تضفي على ما يرتله الوقع السحري في النفوس. هذا ما يلفت الانتباه، عند كهنة لم يكونوا بالاساس ذوي خامة صوتية متميزة، لكن أمانتهم الكهنوتية وروحانيتهم المعجونة بحب تمجيد الرب تجعل المستمع يطرب لصوتهم. اذكر على سبيل المثال لا الحصر، المطران الراحل الشهيد مار فرج رحو، كيف كان يشد المؤمنين في القداديس المارانية، ولا تحصى القائمة من الاخوة الكهنة الذين إذ يرتلون فرادا أو مجتمعين تخال نفسك أمام جوق سماوي يشد الالباب.

ولكن الى جانب ما ذكر، قد يبرز كاهن بشهادة، وآخر بقضية علمية أو إنسانية، وآخر برسالة ما. وهناك ايضا بين جيل وجيل من يبرز بصوت تخلده الاذان، فيغدو عنده الصوت رسالة. فكيف الحال إذا كانت الخامة من طراز صوتي يظهر كل نصف قرن، مثل صوت الاب كمال، وبقيت أعجب كيف لم يستوقف الرجل وقفة عميقة بحقه. فلا بد ان نقول في مناسبة الاربعين عام من كهنوته المبارك، إنه لا ينكر أحد ان الرجل يشكل صوتا مغردًا متفردا في الاجيال الكهنوتية المعاصرة، قياسا بالاجيال الكهنوتية التي عاصرت مثلث الرحمة مار افرام بدي الذي تعطرت حنجرته الذهبية أساسا، ببخور قباب ألقوش وأروقة الربان هرمزد.

تميز الاب كمال بالحنجرة التي تصدح برخامة، فاقترن ترتيله بدقة الأداء والعذوبة معا، فلا يحتاج كي "يتسلطن" في الأداء إلى أن يرتفع بالنغمة الى اعلى القرار، ولا أن يركن إلى مقام محدد ينسجم مع أوتاره الصوتية. فيبدع مع الراست، كما يبهر مع البيات أو العجم، ويترقرق مع الصبا، وهكذا يتعامل بإجادة مع أكثر من مقام، وذلك على ما أذكر بشهادة موسيقيين من الاذاعة العراقيين كان يستمعون إليه، وهم ينتظرون دورهم للتسجيل الموسيقى والغنائي في استوديو الاخوين بحي الغدير في أواخر التسعينيات. فلا غرابة ان عمنا طيب الذكر الاب جميل نيسان ما كان يتورع في تشبيه زميله امام المؤمنين، بمطرب كردي بارز في القرن العشرين. ذلك ان الاب كمال، لا يحتاج الى كثرة اجتهاد لشد المستمع، فكأنه لمجرد دندنته بنغمة بسيطة، يستطيع أن يترك الوقع الطيب لدى السامع. فكم بالأحرى إذا تكرست هذه الحنجرة في محراب الليتورجية الرائعة لكنيسة المشرق الاشورية الكلدانية بحذف الواو.

ولأن الصوت عنده مسؤولية ورسالة فقد طبع صاحبه بنحو إيجابي، إذ حمل الاب كمال خصوصية شخصية في حياته، تميزت بالوداعة والطيبة والتوازن، والتعامل بانفتاح وهدوء وصراحة مع مختلف معادلات زمانه الكهنوتي. فلاقى القبول، باسلوب حياته المتوازن، قليل الثورية، بطابعه المرح الممزوج ببساطة السهل الممتنع، بحيث وجد هذا الاسلوب طبيعيا لدى الاب بيداويد. ولم يتغير عنده الحال، لا من باب الزهو ولا من باب التودد، عندما اشترك بهذا الاسم العريق لأبناء قرية بلون، مع الراحل الكبير، مثلث الرحمة البطريرك مار روفائيل الاول بيداويد.

وبقي الرجل محط محبة لمختلف العهود البطريركية. فعندما وضعته ظروف المد الطائفي في العهد السابق، في موقف خطير على حياته، حملته البطريركية على اكف الرعاية إلى ما يدرأ عنه أي سوء تعصبي أعمى.

وبقي أيضا متواضعا لا يتجاذب هذه الاضواء الفئوية أو تلك، مما يفسر للأسف، ما قد يغمر من نسيان حياة كهنوتية منتظمة مسالمة هادئة، إلى جانب تسربلها بصوت قد يغذي ورع المؤمنين، أكثر أحيانا مما تغذيه خطبة عصماء، بدون ان ينتقص لديه، برغم طابعه الخجول، ما يخص الشد كواعظ.



وأحد الأمثلة البسيطة والطريفة بآن، في شأن ابتعاده عن المواجهات السفسطائية، أذكر انه في مشاركته قادما من اميركا، بالمؤتمر الكلداني العام، المنعقد في منتصف التسعينيات، لم أعد اذكر تاريخه وسنته، وما الحاجة من استذكار ذلك... فعندما احتدمت في احدى الجلسات، المماحكات والمجادلات والخطابات البيزنطية، لم يجد أبونا كمال افضل تعبير عن موقفه، من ان يتناول مقرضته التي على ما يبدو يحملها في جيبه، فيقلم بها اظافره! في لقطة كانت قد استرقتها يومذاك عدستي الفضولية...

مع مسك الختام ، نتمنى للاب كمال في قمة عقده الكهنوتي الاربعيني، كل الخير والنعمة لما يواجهه من مستقبل كهنوتي في خدمة كنيسة الرب. ونبقى نعتقد على هامش وقفة المحبة هذه في مناسبة عزيزة، أن الرجل لم يجد نفسه، لا على مستوى الضغط ولا على مستوى التحريض، في وضع ان يطالب بالاصطفاف، في الظل او الشمس، مع هذا اللون أو ذاك، مما كان يشكل عنده حالة طيبة من التفاف المؤمنين، وجعله عنصرا مقبولا من الناحية الجهوية، كما بقي أخا محبوبا لدى مختلف الرهبانيات المعروفة بنظراتها التقييمية الصائبة والمؤثرة، وكان المرحب به لدى مختلف الخصوصيات الفئوية الثقافية القومية لشعبنا المسيحي. لكن مثل هذه الصورة بمجملها مع ما تحمله من موازنة جميلة، وجدت في مختلف المراحل،  تتسم بشيء من ضعف الرصيد النخبوي الانتقائي الذي بقي في مختلف الظروف يعول عليه في نسبة الاغداق او الحظوة على هذا الكاهن او ذاك. لكن هذه النقطة عينها، لدى كل لبيب، تشكل قوة عند الاب كمال بيداويد كإنسان ومسيحي وكاهن ، طالما ابتعد عن عوامل المزايدة، او في الاقل، إذا صح وصف مثل هذا الرصيد بالضعف، فما هو، كما نعتقده في رأي المنصفين، المتطلعين الى العناصر التي تزين مواقعنا الابرشية والخورنية، الا ضعف التطويبات ونعم التطويبات

25
مقاومة الغاء الكوتا مطلب وطني شريف

نويل السناطي

من سخرية المفارقة أن زحف المعاني لمفردات تقولبت سياسيًا، مثل: المقاومة او القاعدة... على سبيل المثال لا الحصر، جعلنا نعالج هذه المفردات بالمزيد من التوضيح، لئلا تأتي بالوقع المضاد. فإذا تكلمنا في الحقل اللغوي عن القاعدة، لا بد أن نشير بأن الأمر لا يتعلق بقاعدة بن لادن سيئة الصيت. وهكذا أيضا باتت للاسف كلمة: مقاومة، تعني الارهاب الذي تمارسه التنظيمات الدينية الاصولية والصفراء، وباتت السلطات القائمة في عراق اليوم، باعلامها المركز، تقرع على هذه الوتيرة حتى اصبح في حكم المشاع، أن المقاومة مرادف للارهاب. فلم يعد يستطع المرء ان يتبين في الافق أيا هي الجهة التي يمكنها أن تمثل المقاومة العراقية الوطنية الشريفة، وضد من....

لنأخذ فرنسا مثلا. بعد عقود من الاحتلال الالماني لفرنسا، ما زال المشهد حيا في الذاكرة الفرنسية، وما زال الموضوع يلهم الاقلام، آخرها كتاب فرنسي بعنوان: الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا تحت الاحتلال، للباحثة نتالي بتيتو (وتكتب بدون ألف بعد الواو، حسب القاعدة..) وقد وضعت الباحثة في هذا الكتاب الكثير من النقاط على الحروف، ولم يعد ثمة ما يخفى على أحد، في عصر بات يتسم الى حد كبير بحرية التعبير، ويتحجم فيه بشكل نسبي ما تضعه من خطوط حمراء في كل مكان الجهات السياسية والاقتصادية المتنفذة. وعلى كل حال، فإن مثل هذا الكتاب والموضوع، يصلح ان يكون محلا وافيا لتسليط الضوء من جوانب عدة.

وفي العراق، بعد سقوط النظام السابق بأشهر اتضحت نوايا الاحتلال، مما يجعل المرء لا يستطيع البقاء مع الشكل الرمادي، فإما اللون الاسود أو الأبيض، مهما حاول المسايرة، وادعاء عدم التدخل في السياسة، قدر ما يتعلق الامر برجال الدين المسيحي، أصبح مثار تساؤل.
ومن المستغرب، حقا في عراق اليوم، ان نجد هناك خطين متوازيين، منتاغمين، أحدهما يمضى في اتجاه من الديمقراطية والاستقرار، والاخر ينحدر نحو التمزق والشلل وكلاهما متآلفان:

الحالة الممزقة في مركز العراق، في ظل حكومة طائفية، نجدها لا تعرف في أدبياتها، الا تشويه ما لا يمشي في خطها، من جهة. ومن جهة أخرى، ضمن حالة الاستقرار الذي يشهده الاقليم الشمالي في العراق، لأسباب وظروف معروفة، نجد سلطات الاقليم، في قنواتها المرئية والمطبوعة وسواها، تضع خطوطا حمراء في الحديث عن اي احتلال، بطريقة موازية لتوجهات "الحكومة المركزية" ويا ليتها حقا مركزية. بحيث أصبح ذوو الدوريات العراقية التي تطبع في المنطقة الشمالية، يمارسون الرقابة الذاتية، بحيث لا يصدر منها ما يزعج الجهة المضيفة.

كما ان ذوي النفوذ في الاقليم، يدافعون عن قيام حكومة طائفية في بغداد، على أساس ان اوربا ايضا شهدت احزابا مسيحية. وهذا موضوع تطول الاستفاضة بشأنه، في ما يخص المقارنة بين الواقعين، وفي ما يخص كون هذه الاحزاب سيئة الصيت في أوربا هي في الاقل وهذا اضعف الايمان، احزاب دينية وليست طائفية متصارعة طائفيا في الديانة الواحدة، كما هو الحال في حي الشعلة و"راس التبليط". كما ان القائمين على تلك الاحزاب، ليسوا في الأقل، ممن يجلسون القرفصاء، بعنواينهم الرسمية، أمام هذه المرجعية أو تلك.

ويدافع الوزراء الاقليميون، كما طرق سمعي مباشرة أمام ذهولي والمحيطين بي، عن التوجه السياسي الطائفي في بغداد، تحت ذريعة ان "هذه الحالة مؤقتة" وكأني بهم يشيرون من حيث لا يدرون او يدرون، إلى أنها مؤقتة، حتى يتسنى ان ينهش من جسد العراق الجريح، ما لا يستطاع أن ينهش في حالة استعادته عافيته حضاريا.

ويبقى استشهاد المطران البطل مار بولس فرج رحو، علامة مضيئة في تاريخ كنيستنا في العراق المحتل، فقد
قال بسكوته كما بكلامه (لا)، لمخططات لا يقتنع بها بمستوى متشابه كل الوطنيين العراقيين، ونادى بالعراق الموحد المتآخي المتساوي حقوقا وواجبات، حتى آخر قطرة من دمه. وباتت مسألة متابعة قاتليه وطريقة القبض على أحدهم والحكم عليه، بدون ان تكشف خيوط الجريمة ويعلن عنها، كما حدث مع قاتلي الاعلاميين، تبقى هذه المسألة تطرح اكثر من سؤال وريبة.

ويوجد غير المطران الشهيد في كنيسة العراق، ممن نحفظ اسماءهم في القلب، لهم مواقفهم غير المجاملة، لهم صمتهم واعتكافهم، لهم نفوذهم في المجالس الاسقفية المحلية، وباعهم في صياغة بياناتها. هؤلاء وغيرهم سيحفظ لهم التاريخ سجلا ذهبيا، وفيهم الامل، مع العراق المعافى، كما هم الامل مع العراق الجريح.

ان من استطاعوا ان يجاملوا النظام السابق، بنفس الطريقة التي يجاملون بها النظام الحالي، لا بد أن يجدوا مع الوقت ان دبلوماسية المجاملة في الامس، تتطلب اليوم الصراحة. لأن ما كان يسود في الامس من دبلوماسية سلكها الكثيرون، برشاقة الخروج كالشعرة من العجين، يقابلها اليوم حد من امكانية الصراحة الديمقراطية، تكون المجاملة الدبلوماسية في ظلها، أمرا نشازا، وبما يحتم على من يستطيع ان يكتب، أو من يدلي بتصريح، ألا يسكت، أمام تمادي الحكومة الطائفية في أن تكون أداة للاحتلال، ليس الامريكي فحسب، بل الايراني تحت غطاء أمريكي، في التوجه الفردي، التعصبي، بنفس طريقة الحكم الايرانية. فلا ريبة ان تكون الخصوصيات القومية الرازحة تحت ثقل الغالبية الطائفية او القومية، تفقد ابسط حقوقها، وكذا الخصوصيات القومية ذات الديانة المسيحية. وكانت الفضيحة الأخيرة، وليست أولى الفضائح ولئن كانت أشدها وطأة، في اجماع من اجمع في البرلمان العراقي المنتخب، على الغاء نظام الكوتا، لتمثيل الاقليات في المحافظات، فنسفوا الديمقراطية التمثيلية نسفا، وجعلوا، باسم الديمقراطية زورا وبهتانا، الحكم الشمولي للغالبية "الساحقة".

من هنا لا بد من ان ينفرز خط وطني شريف من المقاومة، داخل العراق وخارجه، بحيث لا يبقى اسم المقاومة مفردة تدعو الى التطير، لما اختلط فيها من تشويه اصولي ارهابي قمىء. إذ لا يعقل ان كل المقاومة تدعو الى قيام نظام شمولي كالسابق. ولا يعقل أن يكون كل المقاومين من أذناب (القاعدة) الشاذة دينيا وانسانيا.

أجل، لا بد ان يظهر الخط الابيض من الاسود، ويكون خط، طالما يتفق أنه ليس اصوليا تخريبيا، ولا يكون شموليا هلاميا، مما نستطيع ان نصفه بوضوح بالمقاومة العراقية الوطنية الشريفة.
 


26
احتفال شيرا ما أدي الرسول في كندا

لمناسبة تذكار أدي رسول المشرق، بادر أهالي يردا وألانش بإقامة شيرا مشترك لشفيعي قريتيهما مار أدي ومار يوحنا، وذلك في كنيسة سان جيمس، خورنة مريم العذراء للكلدان، يوم الاحد 20 نيسان. وحضر القداس الذي أقامه الاب نويل السناطي، مجموعة من المسيحيين المشرقيين في كالغاري، وبعض الكنديين. وابتهل الحضور من أجل مواطنيهم، في الوطن وفي الغربة، في سبيل ان يعم الامن والسلام البلاد والمنطقة.  وبهذه المناسبة يرفع أهالي القريتين التوأمين، من ألانش ويردا، المقيمين في كالغاري، أحر التهاني لشعبنا المسيحي، بهذه المناسبة المباركة، والى الاحبة اليرداويين والآنشيين، في الوطن وفي ارجاء المعمورة، ودامت اعيادكم وتذكاراتكم بالحب والسلام.

عن أهالي القرية
زرا مرقس
بطرس مرقس يوانس
بهنام كريم دوشا
عامر نمرود طلو
مازن يوسف مرقس
سامية كريم دوشا
ساهرة ايشو


27
الدكتور نشأت يوسف جبرائيل توسا
جائزة افضل عيادة خاصة للابحاث السرطانية في شمالي امريكا



حقق احد ابناء شعبنا، تفوقا متميزا يبعث الى الفخر والحبور، فقد قام مركز (hope) الرجاء، للابحاث الطبية المتخصصة في شمالي أميركا، بمنح الدكتور نشأت يوسف جبرائيل توسا شهادة افضل عيادة خاصة مضطلعة ببحوث ومعالجة الامراض السرطانية. وقدم مركز هوب، أعمال وبحوث الدكتور نشأت كإنموذج متميز لافضل ممارسة متخصصة على مستوى العيادات الخاصة في شمالي اميركا.
وكان قد حصل الدكتور نشأت في عام 1999 على الاعتراف بمركزه المتخصص كواحد من ارفع وافضل 400 مركز متخصص من نوعه في العالم.

ويدير الدكتور العراقي، المركز الرئيس لهذه الابحاث في منطقة اوهايو، الواقع ضمن بنايته التي اعتزازا بجذوره الاشورية، ضمن الشعب الكلداني السرياني الاشوري، اطلق عليها اسم بناية آشور، كما يدير ايضا الى جانب ذلك عيادة فرعية اخرى في بلدة دوفر في اوهايو.
الدكتور نشأت من مواليد 1952 في محافظة نينوى. انهى الاعدادية في بلدته الام القوش، والدراسة الجامعية في كلية طب الموصل سنة 1976. التحق بجامعة ادنبره سنة 1981 وسرعان ما حصل على شهادة الاختصاص في الباطنية سنة 1982، كما حصل على شهادة الاختصاص بامراض الدم سنة 1984.
بعد دراسته التخصصية استقر في امريكا سنة 1985 حيث حصل على البورد الامريكي، كما أمضى مرحلة ممارسة في جامعة ميسوري، واخذ بالتدريس بعدئذ في جامعة سانت لويس.

وفي مطلع التسعينيات من القرن العشرين فتح عيادته الخاصة التي تطورت وشهدت نجاحات طيبة استحقت اكثر من تكريم.
وتتوفر المزيد من المعلومات في الرابط ادناه

http://www.honionline.com/honi/images/stories/Magazine/February/2008/HOPE-S_HONI0208.pdf
 
Nash Gabrail MD
GABRAIL CANCER CENTER
4875 Higbee Avenue NW
Canton OH 44718
وفي موقع (Gabrail Cancer Center)

مبروك للدكتور نشأت جبرائيل واسرته وابناء قرابته وبلدته هذا التكريم، ومبروك لأبناء شعبنا السورايا هذا الابداع.



الاب نويل فرمان
رعية مريم العذراء الكاثوليكية للكلدان والاشوريين، كالغاري.








www.ankawa.com/malka1/z55z/5.pdf

28
إلى أنظار السلطات العراقية

مسؤولية مباشرة لحكومات المحاصصة الطائفية إزاء الفلتان الامني وجرائم الارهاب


أ. نويل فرمان السناطي

تأتي هذه السطور اليوم، في ظروف اختطاف، رئيس أساقفة الموصل، المطران بولس فرج رحو، الذي حتى لدى عودته سالما بإذن الرب، لا يني المرء من مقارنته بالحبر التاريخي لكنيسة المشرق الرسولية قبيل الانشقاق، البطريرك الشهيد مار شمعون برصباعي. وإن كان المطران رحو، لم يزل يرزح تحت تصنيف المختطف، فإنه، اضافة الى هذا، شهد اغتيال ثلاثية جديدة من العراقيين، لينضموا الى ثلاثية الأب الشهيد رغيد كني وسائر اسراب شهدائنا الابرار.
هذه مؤشرات وتساؤلات، نسوقها، بما أمكن من صراحة، متوجهين بالحديث الى السلطات العراقية المحلية وعنها.

رفقا بدماء شهدائنا

- يؤلم المتتبع الاحساس بأن اختطاف حبرنا، كاد يغطي على المذبحة الثلاثية التي شاء الرب أن يشهدها المطران بأم عينيه. ويبرز هذا أمام طريقة مناشدة الجزارين بإخلاء سبيله، وأعادته معافى، وهو المصاب بحالة صحية حرجة. فهو إزاء ما لقيه من أهوال، وما شهده من استشهاد شبانه الثلاثة، في ظروف استفحل فيها قانون قاعدة الارهاب الديني المتطرف الاصولي. فعلى أمل أن يعود إلينا سالما، سيبقى هذا الاسقف يحمل كرامة الشهيد الحي. كل هذا يحدث أمام ذهول وعجز للحكومة العراقية، إزاء ما يشهده الشارع العراقي من عنف وتفجير ضد المدنيين الآمنين، بحيث باتوا يشكلوا درعا بشريا للسلطات المحلية، إلى جانب ما يحميها من عساكر محلية وأجنبية.

صمت مريب وعزة بالأثم

- الصمت المريب، وشلل الحركة، للسلطات الرسمية في عراق اليوم، تجاه مثل هذه الاحداث، وليس تجاه هذا الحدث  أو ذاك بعينه، يظهر كصمت مشوب بالشعور بعقدة الذنب وعدم المقدرة على تحريك ساكن أو الإقرار بالحقيقة العارية المرة، كما يوحي باتجاه تفكيرهم، أن الهول لم يطل بعد، نسبيا، عناوين السطلة في عراق اليوم.
- أما الشعور بالذنب، فهو من النمط الذي يقول، إما أنا بطائفتي الدينية أو خصوصيتي الاثنية، أو الطوفان في العراق، ويفوتهم إن كانوا يغفلون أنهم في خضم الطوفان، ومهما كانوا يحسون به من أمان أو احتماء، لا يجعلهم سوى مسبيين عزل على مركبة تتقاذفها الامواج من كل حدب صوب، وسيبقون كذلك مهما أخذتهم العزة بالأثم، إلا إذا اختاروا الاذعان الى حال العراق التاريخي الموحد بخصوصية نسيجه الاجتماعي والاثني والطائفي.

تصريحات رئيس جمهورية العراق

خرجت عن فم رئيس العراق تصريحات في اكثر من مقابلة صحافية، آخرها مع (العراقية) فضائية الحكومة العراقية الحالية، تناول موضوع العراقيين بمفردات الشيعة والسنة... وليس كعرب أو اكراد وخصوصايات قومية أخرى، بل خلط في الحديث، وهو يتكلم من خلال موقعه الرسمي، خلط في التصنيف، الالوان الطائفية، مع أنه لم ينكر في الوقت عينه، أن هذه الالوان تمتزج مع مختلف القوميات. وأشار الرئيس العراقي إلى أن الطائفة ذات الانتشار الاكبر، قد اصابها الحيف من النظام السابق، مما يسوغ له الاستخلاص، انه يمكنها ان تحكم العراق، على أساس خصوصيتها الطائفية، وكأن القوميات أو الطوائف الاخرى على مختلف الخصوصيات والتكوينات، أعربا كانوا اوغيرهم، وبصرف النظر عن خصوصياتهم المذهبية أو الطائفية، لم يطلهم شيئ من مواقف النظام السابق. بل وكأن ما حدث في ظل النظام السابق، هو أقل بكثير مما يحدث في لهيب النظام الحالي.

التحالفات المريبة لمصالح ضيقة على حساب العراق

لا أحد ينكر أن قيام منطقة الحكم الذاتي في شمال العراق، جاء على اساس الخصوصية القومية والارث الثقافي لأبناء هذه المنطقة، ولكن يستغرب المراقب، ان سلطات الحكم الذاتي، قامت بتحالفات مع الطائفيين بصرف النظر عن قيم المجتمع المدني المعاصر، ليس فقط بذريعة الحصول على مكسب اقليمي محصور، بل وهذا ما نخشاه، في نية مبطنة ان يسهم التحالف الى تفتيت العراق الى اجزاء، ثم تتحكم فيها المنطقة الاكثر قوة وحنكة.

الزعامات المسيحية العراقية والقيادات السياسية للعراقيين الكلدان - السريان – الاشوريين:
المطران فرج رحو انموذجا مشرفا للوطنية

إزاء هذا، انفرزت عن تفاصيل المشهد العراقي، حالة عراقيين من الدين المسيحي  ومن خصوصية قومية مستقلة. عن هذه الحالة، تمخضت مواقف للزعامات الدينية توخت الابتعاد عن السياسة، لكن هذا الابتعاد ما كان له أن يجعلها في حل من الموقف الواضح تجاه قيام حكومة محاصصة طائفية في ظل عسكرتاريا الاحتلال. ومواقف الاكليروس من الاحتلال النازي في فرنسا، على سبيل المثال لا الحصر، كانت في الغالب مواقف وطنية. وبقيت مقياس تقييم تاريخي على مر العقود اللاحقة.
وهنا وليس ثمة أكثر اشراقا من المواقف الوطنية سيادة المطران فرج رحو، ضد الاحتلال، واستقلاله عن التكتلات الاقليمية والطائفية، مما يدعو من باب أولى إلى مناصرته وطنيا، وليس فقط انسانيا واعتبارا لموقفه الديني السامي.
كما ترشحت عن حالة المسيحيين العراقيين قيادات سياسية على اساس الخصوصية القومية الاثنية لمسيحيي العراق او على اساس انتمائهم الجغرافي لمناطق كثافتهم السكانية.
ضعفت هذه القيادات مع تعدد مسمياتها ومشاريعها السياسية، وهي تسعى الى نيل حقوق ما اصطلح على تسميته بالشعب السورايا، نسبة الى لغته السورث المنحدرة من السريانية الارامية، والذي مجاملة لخصوصياته المذهبية، خلعت عليه التسمية المركبة، الشعب السرياني الآشوري الكلداني.
هذه الزعامات والقيادات، وتأثرا بمحيط تحركها، ظهرت على الكثير منها، تحالفات من الصمت والمداهنة، تجاه قيادة السلطة في الشمال، والتي مع التقدير للحق في الحكم الذاتي للقومية الكردية، لم تقف موقفا مبدئيا حاسما ضد تقسيم العراق طائفيا، بل مضى المعنيون فيها يشجعون مخطط المحاصصة الدينية المذهبية الطائفية، مع ارتياح بادي، أن لا بأس من ذلك، طالما لم تندرج هذه المحاصصة الدينية والطائفية ضمن الجزء المحصن من الاقليم الفيدرالي.
طبيعة الرؤية هذه الى المصالح الاقليمية الستراتيجية، قد تفسر التهميش المنظم الذي استهدف مشاريع سياسية آشورية، كان لها دورها في النضال في حركة التحرير في شمالي العراق. إزاء هذاالتهميش، احتوت سلطات الاقليم من جانب آخر، وبطرق مختلفة، كل الذين هم غير منضوين تحت لواء تنظيمي للخط الاشوري. أقول هذا وانا اقر بعدم احاطتي بمختلف الأخطاء التي ربما وقعت فيها هذه التنظيمات ذات الكفاح القومي المعروف، بحيث لم تستطع أن تتبوأ دورها الطليعي التبعوي للشعب السورايا، الكلداني السرياني الاشوري، وهكذا فضلت الكثير من الاحزاب الاخرى للشعب السورايا، الانضواء تحت لواء السلطة الاقليمية في الشمال. قد يكون لهذا الانضواء ما يبرره، إلا أنه للأسف حمل مسحة الرضوخ للتحالف الكردي الشيعي، بما في هذا التحالف، من مساومة للقبول بقيام حكومة طائفية.
وهنا يثار تساؤل المقارنة بالقول: شتان ما بين الرعاية الكردية المادية والحضور الكردي السياسي في كرمليس وتلكيف وتلسقف وسائر قرى وقصبات سهل نينوى مما يندرج جغرافيا ضمن ابرشية الموصل للكلدان، وبين عدم التعبئة الجدية للكشف والتعامل مع الجهة التي اختطفت رئيس اساقفة ابرشية الموصل، في حين تمكنوا في وقت مضى، من الكشف عن مختبى طه ياسين رمضان. أما كان مطران ابرشية الموصل جديرا بالاستنفار العارم سعيا لتحريره. 
 
لمن يدفع المسيحيون العراقيون الثمن

قد يقال انهم مستهدفون مثل سائر العراقيين، لكن المقارنة لا تصح، اذا اعتبرنا ان نسبة استهدافهم قياسا بسكان العراق تشكل بالنتيجة ابادة وتشتيتا منهجيا، على أيدي التنظيمات الاصولية الارهابية المستورد معضمها الى العراقز وكان للميليشيات المسلحة التابعة للحكومة الطائفية، دورها في الابتزاز والاختطاف، وكذلك وعناصر وزارة الداخلية السابقة قبل أن يصبح وزيرها وزير المالية، مما كشفه مختطفون مسيحيون سابقون. كل هذا أثر في ضعاف النفوس، ترغيبا أو ترهيبا، فانجرفوا وراء هذه التجارة الرائجة، تحت مختلف المسميات. وفي المحصلة النهائية، أدى هذا الى تشويه اي مفهوم عن مقاومة الاحتلال، أو عن الافصاح عن الموقف المبدئي الحاسم ضد قيام حكومة طائفية. كما ان واقع المسيحيين وطبيعة قيمهم وحجم حضورهم المتميز برغم نسبتهم السكانية المحدودة، جعل منهم شريحة ضعيفة سهلة المنال، تكون بمثابة رهينة الاقتتال الطائفي، وذريعة للرهان لترسيخ الفلتان الامني، في وجه الاحتلال والحكومة الطائفية.

بعض النقاط على الحروف والبقية تأتي...

إزاء ما اشرنا إليه من مفردات، عن الاحتلال، حكومة محاصصة طائفية، تحالفات مشبوهة اختلطت فيها قيم التحرر القومي الثقافي بالقبول بقيام احزاب على اسس مذهبية طائفية، نطرح بعض التساؤلات، قد تكون بمثابة وضع النقاط على الحروف، والبقية تأتي لاحقا، خصوصا بعد الوقوف على مصير رئيس الاساقفة المختطف.
- يوجد ضمن ابناء طائفة حكومة المحاصصة التي يتدهور وضع العراق في ظلها، من يناهضون العمل السياسي على الاساس الطائفي، وينادون بقيم المجتمع المدني، ويرون أن ما عانت منه هذه الطائفة، في ظل النظام السابق، لا يقتضي بعد زوال النظام السابق، أكثر من أن تنال حقها، في ممارسة شعائرها الدينية في مختلف المواسم، كما ينسحب هذا الحق على غيرها من الطوائف والمذاهب. ولا حاجة إلى أن نسوق مسميات محددة من السياسيين او حتى الزعامات الدينية، ذات توجهات المجتمع المدني، فلسنا بصدد تعبئة انتخابية.
-ان ما يمنع في كردستان من تسيد احزاب على اساس ديني عنصري، هو نفسه الذي يمنع في اوربا وامريكا والنظم التي تتوخى الديمقراطية. حيث ان قيام الانشطة السياسية على اساس طائفي، يؤدي الى الاحتراب والتعصب والعنصرية، والحرب الاهلية بين ابناء الشعب الواحد، المتباين انتماؤهم الديني سواء في مناطقهم الجغرافية او خصوصيتهم القومية أو الدينية.
-إذا كانت خصوصية العراقيين المسيحيين الكلدان السريان الاشوريين، ليست بالحالة التي تشكل ثقلا في رفض هذه حالة الاحتلال، وقيام حكومة طائفية، فإن اصوات ومنابر مسيحية كثيرة ارتفعت عاليا للمطالبة بقيم المجتمع المدني.
- برغم ما يلحظ من نوع مساومة قومية/ طائفية، أي كردية/ شيعية، إلا انها لا تشكل سوى تحالفا استراتيجيا ضيق المدى، يجدر تشخيصه ولا تستحيل معالجته، خصوصا أمام متغيرات استراتيجية أخرى، إذ ان التوجه العام في اقليم كردستان، يكاد يغلب عليه طابع من  الديمقراطية المعاصرة، واشاعة قيم المجتمع المدني، الى جانب احترام الخصوصيات والشعائر الدينية، وحرية الضمير، على قدم وساق من محاربة مستميتة للتعصب والارهاب الديني، وعدم السماح باستقواء احزاب اسلامية.
- ما سبق الاشارة إليه من مكونات الطيف العراقي ذات توجه المجتمع المدني، يرشحها ان تتحالف تحالفا مبدئيا قيميا، مع شريحة من العرب، من غير الطائفة الحاكمة، التي لها ما يكفيها من النسبة، لكنها ترفض بحسم واصرار، وهذا التضامن من شأنه ان يجلي الغبار عن وجه المقاومة العراقية الشريفة المبدئية، التي تحترم القيم المدنية، وتشخص العدو الحقيقي للأمن في العراق، خارجا عن محيط المواطنين المدنيين الامنين ولا ترتهن العزل الابرياء منهم. هذا التوجه، يدفع بهذه الشرائح ان تحالفت، أن تتكاتف في مواقفها ضد الاحتلال وحكومته، في إطار معارضة شرعية، بحيث تكون في حل من أن توصم بالارهاب، وتعلن الموقف الواضح من العصابات التجارية والاصولية، وعندئذ سيتضح الى اي حد تقف هذه العصابات مع المحتل بالتخطيط او بالهدف او بالنتيجة.

التساؤل الأخير، هو إلى أي حد سوف تستطيع فيه عناوين في الحكومة المحلية، من المسكونة في أعماقها بقدر من الوطنية، أن تذعن مع الذات وضمن اطرها التنظيمية، الى الانفتاح الى العمل السياسي، باتجاه قيم المجتمع المدني، وسيادة القانون، والإقرار بأن استمرار حكومة محاصصات طائفية، هو نذير بمزيد من التقهقر للحالة العراقية من  درك الى درك، وأن ذلك ما هو سوى خدمة واضحة للمحتل، ويشكل اتهاما مباشرا للحكومة الطائفية بحجم مسؤوليتها عن الفلتان الامني وعن جرائم الارهاب.

29
لسفير العراقي هاوار زياد لدى استقباله الاب نويل فرمان:
نريد السفارة بيتا للعراقيين

مع هطول غزير للثلوج على العاصمة أوتاو، في 14 كانون الثاني 2008، استقبل الاستاذ هاوار زياد السفير العراقي في كندا، في مكتبه بسفارة جمهورية العراق في اوتاوا الاب نويل فرمان، كاهن كنيسة الكلدان في كالغاري وساسكاتون، لدى مروره بالعاصمة الكندية لمعاملة قنصلية. وعبر الاب نويل عن ارتياحه لحرص السفير على اللقاء به، وما بذلته السيدة منى مديرة مكتبه منذ وصوله لتحقيق هذا اللقاء. كما بين سروره عن الانفاس الجديدة التي وجدها تشيع في السفارة والتي يتعشم ان تكون كذلك في سائر سفاراتنا.
وقدم الاب نويل نبذة عن ابناء الجماعة العراقية الكلدو آشورية التي يخدمهما في مقاطعتي ألبرتا وساسكاتشوين، وما يقيمونه من ممارسات كنسية الى جانب أنشطة اجتماعية ورياضية، كما اشار إلى الشوط الطيب الذي قطعه شبابهم ، في المجال الرياضي، سواء على المستوى الوطني للمقاطعتين البرتا وساسكاتشوين او على صعيد المنافسات الاخوية الودية بين الفريقين.
كما نوه بالتنامي السكاني للجاليتين في غربي كندا، وخصوصا الخدمات الواسعة التي يقدمونها في المجال الاقتصادي والسياحي، مما أتاح  تواصلهم وتكافلهم مع الاهل في الوطن والشتات.
 وأكد سعادة سفير العراق في كندا، على رغبته بأن تكون السفارة فعلا بيتا للعراقيين، مع الاشارة الى مدى العزلة عن الوطن التي كان يعيشها مع سائر العراقيين المقيمين في الخارج، خصوصا المنتمين الى مختلف صفوف المعارضة.

  وعبر السيد هاوار زياد عن سروره بما تحققه الجالية من حضور في هذه المنطقة من غربي كندا، وعن أمله في أن تتوفر فرصة اللقاء بهم، خصوصا لدى حضوره مؤتمرات البرلمانيين أو اجتماعات رسمية في المنطقة ولا سيما في كالغاري.
وفي جانب المشهد العراقي الحالي، عبر الاب نويل عن الامل في أن الحضور الكردي المتميز في الحالة العراقية، يقدم الدعم لظهور عراق ديمقراطي فيدرالي مزدهر، لما يشكله اقليم كردستان العراق من خصوصية بجوانب ثقافية وانسانية وحضارية عدة. كما أيد السفير ما ذهب اليه الاب نويل بأن الدول المتقدمة الكبرى، لا توجد فيها أحزاب ولا انشطة سياسية على مستوى الاديان والمذاهب مما يظهر من المريب وجودها حاليا على المستوى الطائفي المذهبي في العراق. وبين السيد هاوار زياد أسفه بأن المسيحيين العراقيين، وضمن خصوصية تركيبتهم الاجتماعية وحجمهم السكاني، باتوا لقمة سائغة للارهاب في خضم الصراعات الطائفية.
وخلص الطرفان الى ان المرفأ الحقيقي الذي يجدر ان يتوجه نحوه العراق، هو دولة القانون وسيادته لحماية الديمقراطية الحقيقية وازدهار الفيدرالية المعاصرة.
وفي ختام اللقاء، بلغ الاستاذ هاوار زياد تحياته وتمنياته الى الجالية العراقية في كالغاري وساسكاتون على امل اللقاء بهم مع سنوح الفرصة، وعبر الاب نويل عن ارتياحه لما لقيه من تعامل طيب من لدن المسؤولين في القنصلية والسفارة وشكر لسعادة السفير وطاقم مكتبه حسن الاستقبال وكرم الضيافة.








30

عاجل جدا، أبرشية آشورية كاثوليكية رسولية: تحليل اخباري

بقلم الاب نويل فرمان

...وكأني بالمذيع يقطع أخبار (شعبنا) الاعتيادية اليومية، من قبيل: تقديم شوربة عدس لمهاجرين في منطقة القوس قاعة ابراهيم الخليل، استقبال ضيوف من باخلوجة، فتح ساحة كراج للسيارات في الزنجيلي، تدشين قاعة للتعازي والتسالي في منطقة السادة وبعويزة، المشاركة في المهرجان العالمي للتسميات القومية الجبلية والسهولية، المتجذرة في تاريخ (شعبنا) من قبيل: كلدايا آشورايا سوريايا، مقورتيايا، شينايا، عيتانيايا طخسايا توديثانايا، وتطول قائمة المسميات، والانشطة اليومية...

لا لذوبان الدماء الاشورية ونعم لصيانة تقاليدنا الكنسية الرسولية

... وكأني بالمذيع يقطع نشرة الاخبار الحصيفية تلك، بما درج على تسميته، بـ (بريكينغ نيوز) فيعلن:
مع اجتياح عاصفة ثلجية، في غربي كندا وامريكا الشمالية، منذ ليلة الاحد الاثنين 27 كانون الثاني 2008، طالعتنا الأنباء بخبر عاصف، من الدرجات العالية، الا وهو ظهور ابرشية آشورية كاثوليكية رسولية. وتفيد التقارير من فانكوفر وسدني ان الخبر تلقفته جموع المؤمنين بارتياح ، فوجد فيه غير مراقب، تكليلا لمسيرة وحدوية حكيمة متزنة، وازنت الامور من كل جوانبها، وحافظت على الدماء الاشورية من الذوبان، كما ركزت على ما وصف بصيانة خصوصية تقاليدنا الكنسية الرسولية.
عود على بدء
ومن الجدير بالذكر ان سيادة راعي الابرشية كان قد بين في تصريح سابق، أنه وأتباعه في الحركة التي طاب لمحللين تسميتها بالانتفاضة الوحدية، أنه يدرس الانضمام الى الكنيسة الشرقية القديمة، او الكنيسة الكلدانية، مما أسال الكثير من الحبر الورقي والليزري والالكتروني.
فبين من تحفظ بكل صراحة من الانضمام الى الكنيسة الكاثوليكية تحت الجناح الكلداني، الكنيسة الكلدانية، التي عبرت عن الصمت البليغ كرد فعل صارخ ازاء هذا التصريح. وبين من اقترح الانضمام الى الكنيسة الشرقية القديمة حفاظا على الخصوصية الاشورية وصيانة لروح الوحدة، على قدر ما تبديه الكنيسة الشرقية القديمة من تعاطف مع المسيرة المسكونية الوحدوية. بيد أن همهمات سرت بين الشفاه والاذان، لم يتم الوقوف على مدى دقتها لغاية كتابة هذا التحليل، تشير الى ان الكنيسة الشرقية القديمة، لم تبد الاعتراض على هذا الانضمام، تحت شرط بسيط وواضح وهو عدم التحدث عن أي خطوة مع روما ولا هم يحزنون على حد ما تضمنته الهمهمات.
واذا صدقت الهمسات تلك او الهمهمات، فتكون قد اعطت الدعم بنحو غير مباشر، لتميز معالم المسار نحو طريق الوحدة المسكونية الكاثوليكية.

خطوة موازية لوحدة شعبنا علمانيا
فقد رأى كتاب ومحللون في الشأن القومي لـ (شعبنا) أن ظهور الابرشية الاشورية الكاثوليكية، هو خطوة في المسار الصحيح، من وجهات نظرهم، متوازية مع المسار العلماني لتوحيد (شعبنا) الذي بقي حتى ساعة اعداد هذا التقرير ونشوء هذه الابرشية، حائرا خائرا، بشأن جذوره، متارجحا بين خصوصياته الطقسية والمذهبية والدينية، الكاثوليكية الارثوذكسية البروتستانتية المشيخية (بريسبيترايي) الانجيلية السبتية، الكلدانية السريانية وأخيرا وليس آخرا الاشورية.
وأضاف المصدر الذي لم يكشف عن اسمه، تحاشيا للقيل والقال، قائلا: فمثلما وجد (شعبنا) نفسه ممزقا اربا اربا، تحت وطأة الخلافات المذهبية والطقسية واحتدام لعبة الكراسي، الفى (شعبنا) ذاته في الوقت عينه، تتقاذفه شذر مذر، أمواج النزاعات للعشرات من التوجهات السياسية والمصلحية غير المسؤولة، وتحت مختلف التسميات، الوطنية والحركية، ديمقراطية كانت أو فنطازية.

بين الهيراركية والتمويل التعبوية
وفي مجال حجب الشمس بغربال، لوحظ التمويه والتسويف في معالجة وحدة (شعبنا)، سواء بالتراكم التوفيقي للتسميات الرسمية لـ (شعبنا)، وبتسلسات مزاجية، او بتركيب الاسم المزدوج لبعض الابرشيات، من قبيل ابرشية مار... أو مارت... للكلدان والاشوريين. وكانت قد ظهرت، قبل سنوات من افتضاح العصبية المزدوجة الاشورية والكلدانية، اصوات خجولة لاعلان الانتماء الاشوري الكاثوليكي، سواء في ولايات امريكية، او ايرانية، في ظل الكنيسة الكلدانية، لكن اسم (الكلدانية) بقي في كل ذلك يشكل للبعض عقدة يصعب ايجاد "حلالها"، فكتمت تلك الاصوات الخجولة بغياب هيراركية ذات صلة، ورجاحة كفة التمويل التعبوي.

بين الانفراج والتسوية
أما ظهور ابرشية باسم صريح تعانق فيه الخصوصية الاشورية بالمذهبية الكاثوليكية الرسولية، فقد شكل للكثيرين انفراجا واعدا، وتسوية جاءت على غير كل التوقعات كضربة معلم، مما يفسره آخرون بنفحة مسكونية من الروح القدس.
وجاء تعليل هذا الانفراج، بأن العديدين من المؤمنين سوف تتضح الروية لديهم، ممن هم من عموم شعب الله، او من الشمامسة والرهبان والكهنة ان لم يكن ثمة من الاحبار، من الذين يعرفون أنفسهم بأنهم، من سابع ظهر فما فوق، منحدرين من أشيتا، بناي ماثا، قصراني، كليا دصبنا، اورميا، باجُـوّا وسواها، أكان الانحدار عن طريق العمام او الخوال، وهم في حضن الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية، ثم زحفت التسمية الكلدانية لتكون تسمية قومية لا تتناسب وجلبابهم.
ويستطرد اولئك المنحدرون من جذور آشورية واضحة، أنه لا يضرهم بشيء أبدا، ان ثمة منظرون أو منظرين، يرون ان يكون لدى اشقاء لهم الانتماء الى الكلدانية قوميا حالة يجدونها متجذرة ولا شائبة فيها، ضمن تاريخ (شعبنا) سواء ارتقت الى عام 1552 او رجعت الى عدة آلاف أعوام من اليوم.
ويقارن المنحدورن الاشوريون في الكنيسة الكلدانية، حالهم بذات الانتماء في الخصوصية القومية مع تباين الانتماء الطقسي المذهبي، مثل الارمن الارثوذكس والارمن الكاثوليك، وسواهم مثل الاقباط والاحباش وقس على ذلك. ويرون أنه أخيرا، مع ظهور ابرشية آشورية كاثوليكية، سيتاح لهم أن يحزموا امتعتهم وكتبهم الطقسية ويدخلوا براحة بال ضمن بوابة الابرشية الاشورية الكاثوليكية الرسولية، مع كل ما يكنونه من ود، لذوي القربى الباقين في الخورنات الكلدانية، ومع كل ما لديهم من تقييم واحترام للاشقاء الملتصقين بما يرونه من جذور قومية كلدانية.

في أجواء البيان الايديولوجي لعام 1994
وشارك في الحديث منحدر أشوري آخر، رفض الافصاح عن اسمه، حفظا على حقيبته الدبلوماسية، قائلا: مع أن الحركة بين مؤمني كنيسة المشرق الاشورية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، كان مفترض ان يكون شبه انسيابي، في اعقاب البيان الايديولوجي الموقع في نهاية عام 1994، بين الحبرين قداسة مار دنخا الرابع، والبابا الراحل مار يوحنا بولس الثاني الكبير، الا ان التردد في الانسيابية، بقي، بسبب ما سمي بعدم اكتمال الشركة الاوخارستية بين الكنيستين. على ان هذا التردد دحضه بيان اللجنة الوحدوية بين الكنيستين، بامكان المؤمنين من أي من الكنيستين، مزاولة طقوسهم في الكنيسة الاخرى، حيثما لا تتواجد جغرافيا، خورنة للكنيسة الاصلية لهذا الجانب او ذاك.

في اجواء الرسالة الانجيلية الشاملة
ولن يستبعد استفتاء مع المؤمنين الملبار في الهند واشقائهم المنحدرين من كنيسة المشرق في الصين الشعبية، لن يستبعد الاستخلاص الى ان ازدهار ابرشية اشورية كاثوليكية، كفيل بأن يحرر الكثيرين من القابعين في الكنائس الرسولية القومية غير الكاثوليكية، بأن يجدوا المرفأ الذي ينشدونه ضمن الكنيسة الجامعة، بحمل بشرى الانجيل الى كل الشعوب، مع الاحترام لخصوصيتهم القومية آشورية كانت أو جيورجية أو سواها.
وقال خبير في شؤون الاواني المستطرقة، ان الواقع ينطبق على ما قام به شخصيا من تجارب مختبرية، حيث ان الحركة الانسيابية، مثلما ستكون طبيعة من الخورنات الكلدانية الى الابرشية الاشورية الكاثوليكية، فهذه الحركة لن تكون أقل طبيعية ضمن أواني كنيسة المشرق الاشورية او الكنيسة الشرقية القديمة، الى ابرشيتنا الاشورية الكاثوليكية (على حد تعبيره).

 دعم للدعوات الكهنوتية والرهبانية والمواهبية
وأضاف باحث في شوؤن الدعوات الرهبانية والحركات النبوية الكاريسماتية المواهبية، ان ظهور هذه الابرشية، من شأنه ان يحرر المزيد من المجال لحركة الروح القدس والاستجابة الى مختلف هذه الدعوات، بحيث يصبح الانتماء الى اي من تلك الحركات او الرهبانيات، عن طريق أبرشيتنا (على حد تعبيره) لا يعيقه عائق، ولا يقتضي كتابة تصريح بأن المتقدم يترك كنيسته الاصلية  لينتمي الى الكنيسة الكاثوليكية التي درج الكثيرون على تسميتها باللاتينية. واشار الباحث: وفي الوقت عينه، سوف يحرر الواقع الجديد عددا لا بأس به من المؤمنين بالارتماء بطمأنينة قلبا وقالبا في احضان البطريركية الكلدانية الكاثوليكية، مثلما سيحرر، من باب أوسع، الكثيرين من اختلاط الرؤيا، بين قناعتهم في الانتماء الى الكنيسة الكاثوليكية بدون ان يضطرهم الامر الى الانسلاخ عن جلدهم الاشوري على حساب جلد كلداني.

وفي الختام،
يستخلص مما سبق ذكره، أن ظهور ابرشية أشورية كاثوليكية براعيها مار باوي سورو، يعطي الامل أنه، عاجلا او آجلا، وعلى مدى اتساع هذه او تلك من الاواني المستطرقة، سيعرف (شعبنا) على اختلاف انتماءاته المذهبية، كاثوليكية او ارثوذكسية، او هويته الطقسية، سريانية كانت أو كلدانية أو غير ذلك، سيعرف (شعبنا) أي شعب هو وأي اسم هو اسمه.

31
كلدان ساسكاتون وكلدان كالغاري، فريقان عراقيان واعدان.

تحت اسم كالديان اوف كالغاري وكالديان اوف ساسكاتون، انطلقت انشطة رياضية كروية لفريقي كرة القدم في الجماعتين التوأمين، لخورنة القلب الاقدس في ساسكاتون (ولاية ساسكاتشوين) وخورنة مريم العذراء في كالغاري من اعمال ولاية البرتا غربي كندا وتبعد المدينتان عن بعضهما بمسافة 650 كم.
فقد تم مؤخرا في مدينة كالغاري تشكيل فريق من الشباب العراقي تحت اسم كلديان اوف كالغاري، باشراف حارس المرمى السابق بهنام بهنام مرقس توما. فيما يرجع تشكيل فريق ساسكاتون الى حقبة زمنية اقدم.
وتحت شعار بالحب وبالحب لعبنا جرت مباراة ودية بين الفريقين في كل من المدينتين.
فقد زار فريق كالغاري فريق ساسكاتون، وبعد مباراة جميلة تخللها الكثير من المهارات التي يمتلكها الشباب العراقي بالفطرة المراس والتدريب، وبعد العاب هجومية متبادلة، طوال شوطين ساخنين، اعلنت صفارة الحكم نهايه المباراة بفوز فريق المضيف ساسكاتون. وبعد المباراة كانت هناك جلسة جميلة وعشاء طيب كطيبة اهلنا في ساسكاتون، وقام الشباب بواجب الضيافة والأخوّة بكرم حاتمي جميل.
وفي مبارياة الاياب، زار الأحبة من فريق ساسكاتون مدينة كالغاري في مطلع ديسمبر الماضي، وخاض مباراة صعبه امام فريق كلدان كالغاري، انتهت بفوز فريق كالغاري بواقع خمسة اهداف مقابل اربعة.
وقد حضر جانب من المباراة الاب نويل فرمان السناطي راعي الخورنتين الكلدانيتين في كالغاري وساسكاتون، وجمع غفير من عوائل الفريقين واقاربهم في كالغاري، مما جعلهم يتنافسون في التشجيع لهذا الفريق او ذاك بحسب اللعب النظيف. كما حضر المباراة عدد طيب من الاصدقاء العراقيين، المنحدرين من مختلف مدن عراقنا العظيم من شماله الى جنوبه.
وبعد ان انتهت المباراة، كان بانتظار الفريقين قاعة مهيأة لاستقبالهم ومأدبة طعام عامرة.
ومن المعروف ان احد لاعبي فريق ساكاتون حاز على لقب هداف المقاطعة، وهو اللاعب مروان، كما اصدى لذلك خبر رئيسي في موقع عنكاوا الاغر.

كما يجدر بالذكر ان فريق كلدان كالغاري، يشارك في دوري لكرة القدم على مستوى كندا، يشرف عليه الأتحاد الكندي (اندور) ويتنافس الشباب العراقيين في مجموعتهم مع  7 فرق من كندا وهناك فرق أخرى من افريقيا.
ومن دواعي الفخر الاشارة الى ان فريق كالديان اوف كالغاري يتصدر مجموعته، مع نهاية المرحلة الاولى، وذلك  برصيد 21 نقطة بعد فوزه بجميع مبارياته السبعة، تاركا المركز الثاني لفريق ريد شيرتز برصيد 16 نقطة.
هذا وسوف تبدأ المرحلة الثانية من التصفيات، في التاسع من كانون الثاني لمطلع العام الجديد 2008.
ويتميز هذا الفريق في كالغاري بكونه يضم دماء عراقية ودماء كلدو آشورية من القطرين الشقيقين العراق وسوريا، بتنوع منسجم جميل من فسيفساء الاثنيات والانحدارات الدينية والكنسية، متجذرة جميعها على في ارض الاباء والاجداد العظام. فيضم فريق كالغاري، اللاعبين  عبدلله ومزهر من جنوب عراقنا العزيز. ومن المفارقة الطيبة ان اللاعبين الاشوريين الشقيقين عبود (من ساسكاتون) وافرام (كالغاري) يتنافسان كل ضمن فريق مدينته، وهما قادمان من الشام الحبيب.
وغدت هذه الانشطة الرياضية مجال تعارف ومودة بين ابناء وادي الرافدين خصوصا وبينهم وبين ابناء اقطار الشرق الاوسط عموما.













32
حفل تسليم جائزة مجلة الفكر المسيحي من لدن
الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة في مؤتمر شيربروك - كندا

الاب نويل فرمان السناطي – ولاية كيبيك الكندية

عقد الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة أمس مؤتمره العام تحت عنوان " وسائل الإعلام والدين: خطر أم إيجابية "، في مدينة شربروك قي مقاطعة كيبيك الكندية  في حضور رئيس أساقفة شربروك الكاردينال أندريه غومون ، ورئيس اللجنة الحبرية لوسائل الإعلام في الفاتيكان الكاردينال جون فوليه، ورئيس الاتحاد العالمي إيزمار دي سواريس ومشاركة حوالي 250 صحافيًا كاثوليكيًا من أكثر من 85 دولة، وحضر من الشرق الاوسط مشاركون من بينهم المطران جرجس القس موسى والاب بيوس عفاص، كما حضر وفد من لبنان يضم الأب طوني خضره رئيس فرع لبنان والأمين العام للاتحاد الدكتور أنيس مسلم ومسؤولة فرع المرئي والمسموع ماغي مخلوف.

وقد صادف المؤتمر الذكرى الثمانين لتأسيس الاتحاد ومركزه الرئيسي جنيف، فتليت في المناسبة رسالة من قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر حيا فيها الاتحاد وتوجه الى الصحافة الكاثوليكية مطالبا إياها بالتشديد على القيم الإنسانية من أجل الحفاظ على كرامة الإنسان.   

وقد عرض محاضرو اليوم الأول لاسيما الكاردينال غومون واقع التدين في كندا فأشار الى تراجع الانتماء الديني لصالح العلمنة، مشيرًا إلى أن الكاثوليكية تعرف ابتعادا عن ممارسة الشعائر، وتناقص عدد الرعايا، فضلاً عن أن التعليم الديني في المدارس سيتم التخلي عنه لصالح تعليم ثقافي يتناول كل الأديان. وتساءل عن إيجابيات هذا الأمر منتظرًا رؤيتها.

وتناول غومون دور وسائل الإعلام التي ابتعدت عن الدين لتصبح شركات أعمال ضخمة تتناول ميادين عدة إلى جانب الإعلام، مشيرًا إلى أن ذلك يتضمن مخاطر.

وتابع المؤتمر أعماله حتى العاشر من حزيران في المحاضرات والنقاشات حول موضوع المؤتمر.

وقد تم يوم الجمعة 8 حزيران في حفل كبير، توزيع الجوائز العالمية التي ينظمها الاتحاد كل ثلاث سنوات. ومن بين الفائزين مجلة الفكر المسيحي العراقية وقد فازت بالمدالية الذهبية التي تسلمها المطران جرجس القس موسى، صاحب امتياز المجلة، الذي شكر الاتحاد على هذا التكريم، ثم اعطى الكلمة بهذه المناسبة الى الاب زهير (بيوس) عفاص رئيس التحرير السابق للجلة، فعرض في كلمته نبذة عن المجلة ومسيرتها، كما أشار الى دور الاباء الدومنيكان في الاستمرار باصدارها منذ عام 1995. ومثل الاباء الدومنيكان، في حفل توزيع الجائزة الاب إيفون بروميريو، الرئيس الاقليمي للاباء الدومنيكان في كندا، والراهب الدومنيكي العراقي الاخ ماجد مقدس، طالب الماجستير في اللاهوت الراعوي بمونتريال. كما حضر الحفل الاب نويل فرمان السناطي، أحد العاملين السابقين في المجلة. وطاف المطران جرجس وبصحبته الاخ ماجد مقدسي الدومنيكي، محيين الحضور الذين رحبوا بالوفد العراقي ترحيبا حارا، في هذه المناسبة الكبيرة.
وكان المطران جرجس قد أشار بصدد الجائزة، الى ان ملف المجلة سبق وان تم تقديمه منذ عدة سنوات وتحديدا منذ مؤتمر بانكوك، قبل 3 سنوات، وان المجلة نافست في هذا الملف دوريات اخرى، حتى حظيت بموافقة لجنة التحكيم في روما، على منحها هذه الميدالية الذهبية.
مبروك للعراق، ولمسيحيي العراق هذه الجائزة، فوز مجلة الفكر المسيحي، ومبروك لكل من عمل فيها ومعها، ومبروك للاباء الدومنيكان الامناء على حمل الراية، وحاملي تعب النهار وحره، في خضم كل المخاطر، في الاستمرار باصدار هذا المطبوع الكبير.
وسوف نصدي، فيما بعد لمجمل انشطة المؤتمر وانتخاب رئيسه الجديد.








33
ذكريات عطرة عن المجلة الذهبية الفكر المسيحي

الاب نويل فرمان السناطي

تأتي مناسبات مختلفة، تكون بمثابة الريح التي تزيل الغبار عن الذاكرة، فيستطيب المرء الاستذكار، ولا اطيب من استحظار المحطات الحميمة والجميلة، فهي تذري في الهواء ما قد يعتمر العمر، من احتكاكات تندثر كالعشب اليابس.

واذا كنت في مقالي السابق، قد استبشرت الفرح والخير في تكريم المجلة، فهذه مناسبة لتتعفر النفس بطيب الذكريات،  لعمر من السنين قضيته في رحاب الفكر المسيحي. واذا تحدثت في ذلك مقال (مبروك التكريم) عن مسيرة المجلة، من تأسيسها على يد الرواد كهنة يسوع الملك حتى تواصلها، على يد من وصفتهم في المقال، بالاباء الدومنيكان الصامدين، فلا بد من القول، أن الرواد خصوصا في شخص المطران جرجس صاحب الامتياز، والمتواصلين حاملي الراية من الاباء الدومنيكان، وتحديدا رئيس التحرير الاب يوسف توما، فهم الباقون وما أنا إلا من الراحلين، أكان للراحلين محاسن، ام كانت مساوئهم أكثر، ويبقى اختلاف وجهات النظر، في زمن الديمقراطية الحقيقية لا يفسد للود قضية، فكيف بالود بين الزملاء والاشقاء. هذا الود لا يزعزعه تأويل ولا تحويل، في مقال أو إشارة او نكتة.
أما عن الذكريات، فقد بقيت منذ خرجت من المجلة، الى الكهنوت، ثم سرعان ما جعلتني الظروف أولي الأدبار، إلى أبعد الديار من أراضي الله الواسعة، بقيت خلال  المدة المنصرمة، اجتر الكثير من الذكريات الجميلة، وأنا أسطر مع الذات، سلسة من تلك المحطات في الذاكرة، أبدأ بحديثها صعودا الى عتيقها.

عشرة العمرين مع شقيقي الاب د. يوسف توما

لا تفوتني مناسبة، إلا واستذكر شيئا من هذا الأب، من كلماته، من تشبيهاته وقصصه، آخرها، في كرازة تأبين سيدة شابة، حضرتني مقارنته للزواج في كونه بداية الامتحان بهدف الاحتفال، بعدها في مناسبات أو يوبيل لاحق، يعلن الاحتفال بالنجاح وتواصله.

وفي كرازة الصوم، الذي اخذنا فيه محور الغفران، ترددت على لساني كلمته التي ألصقها يوما على جدار الدورة اللاهوتية:
ان أردت ان تكون سعيدا للحظة فاثأر، وان أردت أن تكون سعيدا للابد فاغفر.

لكني والحق يقال، بقيت أفتقد في تلك العشرة، أكثر ما أفتقد، طرواة تبادل النكات اللاذعة، تصحبها كركرات تجلجل لها صالة التحرير، كانت تجمعنا على مائدة عامرة تمدها مسؤولة إدارة المجلة، الاخت زاهدة، من شاي وبرازق وجبن وتمر وزيتون. وكانت المائدة تستقطب بحسب المناسبات والظروف، الاباء يوسف عتيشا نجيب ميخائيل جودت القزي، الى جانب د. قيس شعاوي، وعالية وظافر وفراس وغيرهم وعددهم أكثر من العدد الذي ذكرت.

روح النكتة لدى الاب يوسف توما، أعادتني إليها مؤخرا، اشارة إلى طخم اسنان زوجتي، في اطار الاشارة الى ما كنت احظى به واسرتي من رعاية صحية، فوصلت الاشارة بخصوصيتها بمثابة المفاكهة الطرية، اذ لا تحمل زوجتي طخم اسنان، بل كان جسرا ذات اليمين وجسرا ذات الشمال، ولانه من البورسلين، فهذا يبقى دليلا للكرم الدومنيكي، في تلك الرعاية الصحية، تجاهي وتجاه عائلتي ومنهم زوجتي المحتفظة بعد، بقدر من الشباب.

وإن أنسى لا أنس، في ليلة ليلاء من الحرب الامريكية الغازية، عندما قصفت منطقة موقع المجلة حيث كنا نسكن، فسمعنا القرع شديد على باب الدار، بعد منتصف الليل، وإذا به الاب يوسف توما والاخ رامي، اللذين اجتازوا بصعوبة حاجز السيطرة العسكرية التي كان اقامها النظام السابق بسبب موقع عسكري، جاء يطمئن علينا بصراخ ملهوف، فقلت لهما نحن بخير والحمد لله.

وفي مفارقة أخرى، أتذكر الضربة التي ارتطمت بها سيارة الاب يوسف عند مستشفى الراهبات، ونحن نفتش عن بيت الدكتور فائز عزيز أسعد لنكسبه للمجلة كاتبا، فكسبناها ونعم الكاتب.

ولان الفكر المسيحي، مجلة اعلامية، تتوخى الموقف الجرئ الهادف المحدد بوضوح، دون أن يقصد في المقال أن ينسحب على أحد، ففي مقال عن مخاض الوحدة مع الكنيسة الروسية، جاءتنا اشارة زعل من رئيس احدى الكنائس في العراق، مما جعلنا نكتب في رسالة المحرر ما معناه: إن ما نكتبه، لا نشخص فيه أحدا، فإن وجد شخص أن في ما نكتبه يوجد فيه ما يحتاج مراجعة الذات بنحو ايجابي، فليراجع، وليوضح وليكتب، والا فالصمت ابلغ الاجابة. وكانت الهيئة تسعى ان تقرن الموقف الجرئ بالمحبة وادامة العلاقات الطيبة، بما في ذلك نشر ما يردنا من انتقاد، لا بل كنا نقترح على المختلف معنا في الرأي، أن يرد لننشر، بقدر ما لا يجعل الموضوع يتحول الى مساجالات متبادلة.

وأجمل مبدأ أعجبني، وهيهات استطيع التفاعل الحقيقي معه، هو حرص الأب يوسف  على ما يسمى بشعرة معاوية، أي أنه سعى في تعاملاته أن يعطي لحسن الظن في شخص أو شيء أو حادث، الأولية من النصيب، حتى إن كان حسن الظن بنسبة 1 بالمائة، لئلا يصاب الرجل بغبن تجاه احتمال الواحد بالمائة.

واذا كنت في العنوان تحدثت عن عشرة عمرين مع الاب يوسف توما، فلأني أصفه بالشقيق وليس فقط الاخ، فهو الشقيق لأعوام في رحم معهد ابائنا الدومنيكان، والشقيق، لعقد من السنين في أحشاء مجلة الفكر المسيحي، وهما عمران طويلان من الزمن، إضافة إلى كونه الشقيق في البنوة التي توخينا فيها كلانا الخصوصية، لقلب الام العذراء.

والسنوات الثلاث التي تفصلنا، بفارق السن لصالحه، بقيت لديه هامشا من الحكمة والنصيحة وتقويم الفكرة والرأي، حظيت بها من الاب يوسف وما زلت، وكم يعوزني عندما أكتب مقالا ساخنا، أن يكون الى جانبي، ليقلم من هنا ويشذب من هناك، ويبقى المهماز لدى القارئ، أي قارئ، ما يكنه من تقييم للكاتب، فيكون الشعور وفق مبدأ: أحب واحكي وابغض واحكي.

التلمذة للاستاذين الأب ألبير أبونا والأب (المطران) جرجس القس موسى

وصعودا الى اعتق الذكريات، مع أشخاص لهم دور في الفكر المسيحي، أشير بحبور إلى التلمذة للأب (المطران) جرجس القس موسى، الذي درسنا العربية، لمدة في معهد مار يوحنا الحبيب للاباء الدومنيكان، والذي قرأ يوما على زملائي الطلاب مستحسنا ومشجعا موضوعا كنت كتبته كواجب بيتي عن الأديب المطران جرمانوس.

واذا كنت أشير إلى دور لأساتذة في حياتي، ممن هم كتاب في الفكر المسيحي، فأستذكر الاب البير أبونا. هذا الاسم أورده، بنحو معتاد، ضمن كلمات السر أو الاسئلة التأكدية، التي تقدمها لي بعض المواقع الالكترونية، للتـأكد من الانتماء إليها، وهي من قبيل سؤالِ: من هو زميل دراستك الابتدائية، والسؤال الآخر من هو مدرسك المفضل؟ فيكون جوابي قبل أن أستطيع الدخول الى الموقع الالكتروني: استاذي المفضل الاب ألبير أبونا، هذا الأب، راجع لي أول مقال مترجم نشرته الفكر المسيحي سنة 1971 بعنوان الانسان ذلك الكائن العجيب.

وبعد، وعلى ضوء محاور الود التي تجمعني مع اسرة الفكر المسيحي، سوف أسعى لألم من الذاكرة ومن الأوراق، ما يحضر من زنابق وورود من الذكريات العطرة، عبقها الفكر المسيحي، ونسيمها الاخوة الحميمة الدائمة.


34
مبروك تكريم الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة
مجلة الفكر المسيحي ومسيرة الميدالية الذهبية

 
بقلم الاب نويل فرمان السناطي
عضو الاتحاد الكاثوليكي للصحافة
نائب رئيس التحرير السابق، لمجلة الفكر المسيحي

منح الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة الكاثوليكية، مجلة الفكر المسيحي، الميدالية الذهبية، التي يخصصها الاتحاد كل ثلاثة اعوام الى وسيلة اعلامية متميزة. وكانت ذهبية المؤتمر الاخير المنعقد قبل ثلاث سنوات في بانكوك من حصة المجلة الروسية الكاثوليكة.

أقدم منبر حر مستمر على الصدور
وجاء في حيثيات منح الميدالية: ان هذه المجلة قاومت من أجل  البقاء، في خضم أحلك الظروف التاريخية التي مر بها العراق، وحصلت على مكانة يشار إليها بالبنان، من لدن مختلف شرائح الشعب، من مسلمين ومسيحيين والديانات الاخرى ومختلف التنوعات الاثنية، وعلى صعيد مختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية. هذا المطبوع المسيحي المتميز، بالرغم ان المسيحيين يشكلون اقل من 3 بالمائة من سكان العراق، يعد منبرا انموذجيا للتعبير الحر، وصوتا ينادي بالسلام والانسجام بين الشعوب وازدهار القيم الانسانية.
وأشار بيان الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة: إن مجلة الفكر المسيحي التي تأسست عام 1964 هي اقدم مطبوع عراقي متواصل الصدور حتى الان. وقد ظهرت بهدف الاسهام في ازدهار وسائل الاعلام في العراق، واخذت موقعها في حرية ابداء الرأي، وباتخاذ مواقف من السياسة والحياة المدنية والكنسية، بما ينسجم مع حرية الرأي العام. وقد سعت المجلة لتحقيق اهدافها، بالصدور المنتظم، فضمت صفحاتها، مقالات ضمن مختلف الابواب، من مادة تحليلية وأخرى بحثية وافتتاحية  وصفحات اخبارية وتحقيقات عالمية، وطروحات على تنوع مناحي الحياة اليومية. وبالرغم من أعتى صعوبات الحرب، في 1991 ومنذ 2003 استمرت هذه المجلة باتخاذ الاراء والمواقف المثالية.
واختتم البيان بالقول أن الميدالية الذهبية، تمنح كل 3 أعوام لاشخاص وجماعات أو مؤسسات، ممن كان لهم اسلوب متميز مثالي، بالعمل أو الريادة، على مستوى حرية الرأي، بكل معنى الكلمة المطبوعة.

حضور متواصل للمؤسسين كأقدم أعضاء في الاتحاد

بقيت مجلة الفكر المسيحي عضوا فاعلا في الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة، من خلال مؤسسيها، كهنة يسوع الملك، الاب زهير عفاص (الملقب تحببا في الاتحاد باسم زوزو) رئيس التحرير، الأب (المطران) جرجس القس موسى نائب رئيس التحرير، الاب الراحل نعمان وريده. وشاركوا في المحافل الصحافية الدولية للاتحاد، بشكل منتظم، برغم صعوبة التنقل وتكاليف العضوية، على حسابهم الخاص، خلوا من جهة مالية تدعمهم. واستمروا على ذلك حتى بعد تسليمهم المجلة الى جهة رهبانية تضمن ديمومتها بشخصيتها المعنوية. وكان من شأن ذلك الحضور، انتشار اسم المجلة في بحر 30 سنة من عمرها حتى عام 1994. بما في ذلك المقابلات التي كان يجريها معهم الزملاء في الاتحاد.

تواصل المسيرة

وعند انتقال المجلة للصدور عند الاباء الدومنيكان، حضر رئيس التحرير الجديد للمجلة الاب يوسف توما الدومنيكي، المؤتمر العالمي  قبل الأخير للاتحاد المنعقد في سويسرا سنة 2000. وكان (الأب) المطران لويس ساكو في نهاية التسعيننيات، قد بادر الى اشراك نائب تحرير المجلة بعد انتقالها الى الادارة الدومنيكية، (الشماس الانجيلي) الأب نويل فرمان السناطي، في الورشة الاعلامية في بكفيا، فكانت فرصة لقائه وعضويته مع أوسيب لبنان، وانخراطه في الاتحاد، واشتراكه في تأسيس اقليم الشرق الاوسط للاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة.
في تلك الغضون، فإن نويل فرمان الذي كان شغل لمدة عشر سنوات، حتى رسامته الكهنوتية في أواخر 2004، انتخب كنائب لرئيس اقليم الشرق الاوسط في دورته التأسيسية سنة 2003، وشاركت معه في أول مؤتمر للاقليم، في بيروت، مديرة المجلة الاخت زاهدة سعيد الدومنيكية، وحظي أعضاء الاقليم بلقاء الرئيس اللبناني أميل لحود.
وشارك في آخر مؤتمر عالمي عقده الاتحاد في بانكوك (تايلند) سنة 2004، بدعم سخي من أوسيب لبنان، ليترأس وفد الاقليم الى تايلند، الذي شارك فيه امين عام الاقليم طوني خضره وعدد من اعضاء الشرق الاوسط واوسيب لبنان. وحضر ايضا صاحب امتياز المجلة، المطران جرجس القس موسى، كواحد من ابرز المحاضرين في المؤتمر.
وفي أعقاب المؤتمر، تم اختطاف المطران قس موسى، مما جعل الاتحاد الكاثوليكي للصحافة يجند طاقاته لتعبئة الصحف في العالم بشأن تلك الجريمة النكراء، فأفرج عنه في غضون 24 ساعة.
 كما اضطلع الأب نويل السناطي (الكاهن منذ أواخر 2004) في تمثيل الصحافة المسيحية في الشرق الاوسط، في التجمع الصحافي العالمي المنعقد في غانا في حزيران 2006، بدعم طيب من لدن الاستاذ سركيس أغاجان من خلال مركز هيزل للثقافة في زاخو. وكان من نصيبه، آنذاك، ان يكون على متن طائرة افريقية أثيوبية، حلقت في سماء اديس ابابا،  ومرت خلال دقائق معدودة، بعاصفة جوية، حبست انفاس الركاب، معلقين بين الموت والحياة بين الارض والسماء، ولم تبطل كلمة (يسوع - جيزوس) بأحرفها الموسيقية الرنانة عن السن الركاب، حتى هبوط الطائرة بسلام على ارض العاصمة الاثيوبية، في طريقها الى العاصمة الغانية (أكرا).

تحية للجنود المجهولين في مسيرة المجلة مع أوسيب

واذا كانت المجلة، خلال الحقبة الاخيرة لادارتها الدومنيكية، بسبب ظروف عراقية واخرى فردانية وموضوعية  وسواها، اذا كانت منشغلة عن التجاوب ومواكبة انشطة الاتحاد والتجاوب مع عضويته، من ذلك تعذر الاصداء للمشاركة التي قام بها نائب رئيس تحريرها السابق، إلى أفريقيا، والاعتذار عن المشاركة في مجمل المعارض الاعلامية السنوية للاتحاد في لبنان، الا ان اتحاد (أوسيب) التزم الموضوعية في تقرير استحقاق مجلة الفكر المسيحي، الميدالية الذهبية، بجدارة تثلج صدورنا كلنا،  لنشترك جميعا  ضمن اسرة المجلة، بفرحة هي بمثابة البلسم لكل جراح، والتعزية والتشجيع في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها عراقنا الممتحن. وان مسيرة الفرسان الاوائل في رفع اسم مجلة الفكر المسيحي، في محافل اوسيب الدولية، لا تقلل، من جهود القائمين حالية على ادارة المجلة وإصدارها، في ظروف، والحق يقال باتت الاحلك في تاريخ العراق.
فتحية بهذه المناسبة، الى مجلة الفكر المسيحي، إلى إدارتها الدومنيكية الصامدة، والى شقيقاتها في الاعلام المسيحي، في مقدمتها مجلة نجم المشرق الكلدانية وسواها مثل مجلة بين النهرين التاريخية، قيثارة الروح عن كنيسة المشرق الاثورية، الافق عن الكنيسة الشرقية القديمة والزنبقة عن السريان الكاثوليك، وسائر المطبوعات المسيحية الدورية التي تشكل باقة ورد عطرة في اعلامنا العراقي. وتحية الى الاتحاد الكاثوليكي للصحافة، لمناسبة هذا العرس الصحفي. وهنيئا لجنود المجلة المجهولين في مسيرة اسم الفكر المسيحي نحو الميدالية الذهبية، من الفرسان المؤسسين، كهنة يسوع الملك، وعلى رأسهم صاحب الامتياز، المطران جرجس القس موسى، الذي من حسن الطالع، أنه بعد انتقال ادارة المجلة من لدن كهنة يسوع الملك، سرعان ما حل كصاحب امتياز الفكر المسيحي خلفا لسلفه  الراحل مار عمانوئيل بني، وبذلك تواصلت، من خلال حضوره غير المنقطع في لقاءات (أوسيب)، مسيرة الفكر المسيحي نحو ذهبية الاتحاد الكاثوليكي للصحافة (أوسيب). فوقفة وفاء تجاه الرواد، ولفتة محبة نحو الصامدين متسلمي الراية ومواصلي الدرب،  فلتتظافر الجهود، بالمزيد من الغيرية والنزاهة، لمواصلة مسيرة الاعلام المسيحي في العراق وازدهاره.

الصور

المطران جرجس محاضرا في المؤتمر العالمي الاخير.
المطران جرجس والاب زهير عفاص، والاب طوني خضره أمين عام اوسيب الشرق الأوسط
مشاركة الاب في التجمع الصحافي في افريقيا ولقاء رئيس اساقفة اكرا، ومع رئيس غانا، جون كيوفور، بحضور رئيس الاتحاد وأمينه العام.
حضور مجلة الفكر المسيحي، في المعارض الاعلامية لاقليم الشرق الاوسط  للصحافة الكاثوليكي في لبنان


















35
شهادات حول رسالة الصوفانية في دمشق

تحقيق وحوار
الأب نويل فرمان -  دمشق


سمعت من قبل عن "عذراء الصوفانية" عن طريق الأحاديث، والكراريس، وايقونة الزيت واسعة الانتشار عن هذا المزار الذي قصدته عدة مرات، فلفت انتباهي الخشوع الذي يشيعه المكان، والقداس الذي يقام فيه اسبوعيا، بأجواء روحية متفردة، تستقطب المؤمنين، غالبيتهم من العراقيين، منذ غدوا، في السنوات الأخيرة، في حالة ترحال وهجرة وتهجير، وبالتالي يوحي حضورهم، بما لا يوحيه لو كانوا في حالة استقرار. هذا إلى جانب سعيي في مجال الكتابة، أن البس ثوب الصحافي الموضوعي، الذي ينوي الاصداء بحيادية مستقلة عما يمكن أن يحمله في داخله من قناعات شخصية إيمانية ومشاعر تجاه السيدة مريم العذراء، لا سيما أن مواقف من بعض الصحف المسيحية، اتخذت بحق الصوفانية، مغلفة بالمبدئية والمواقف الكنسية، بقيت تواجه من قبل ناشطي المزار، بالصبر والمثابرة والحب، فتحولت تلك المواقف المتحفظة لدى الكثيرين، إلى شهادة حياة قدموها بعد أن أصبحوا، بنعمة مجانية. وأحسب أني كذلك، بعد تبدد في هذا الخصوص، وبعد أن لمست ما يحظى به المزار من احترام من لدن أبرشيتنا الكلدانية، كهنة ومؤمنين.



نسأل الكنيسة أولا
حوار صريح مع الاب ألياس زحلاوي

أول احتكاك توخيته مع الصوفانية، ليصب بالتالي في هذا التحقيق، كان بالتعرف على الكاهن الذي يتعامل مع البيت المزار، ويقيم فيه الصلوات. فكان هذا لقاء المصارحة مع الاب ألياس زحلاوي. فعلمت أنه كاهن عريق ومعروف، ولحظت خلال قداس السبت عصرا، مدى تأثيره في المصلين، من خلال مواعظه الهادئة العميقة التي تغور في خبرة السنوات التي عاشها في مجال الماريولوجي، او ما يتصل بلاهوت مريم، ومكانتها في الكنيسة، وبقي الرجل السبعيني، مع تقدم السنين، وضعف العينين، يزداد نجومية، ويزداد معه المعجبون والعشاق. كاهن وقور، يتنفس الهدوء ويشيع في مظهره وإطلالته طبيعة محببة من العصرنة، يتلقى حب الناس له، بذات السكينة والتلقائية، وفي كل مقام، لا يلحظه المرء إلا وهو يتكلم همسا. عندما سحبت له بعض الصور، حضرت ابنة السيدة ميرنا (رائية الصوفانية) وابنها. فقال لهما أتعرفان هذه أول مرة نتصور سوية، وكان الاختيار أن يتم التصوير أمام الأيقونة العجائبية، ولم يلتفت أحد في خضم الانشغال بالتصوير أن نار الشمعة طالت ذيل جاكيته الانيق، انتبه له بحاسة شم بادية... وعندما عرض الأب ألياس الأضرار على ميرنا، التي كانت عائدة للتو الى بيتها- المزار، هالها الأمر للبدء، ولكنها ما لبثت أن تنفست الصعداء، وشكرت العدرا (العذراء) إذ رأت ان النار أتت على ما يمكن إصلاحه...! إزاء هذا، بقيت من جانبي أهتم بضرورة الفطنة المهنية في التعامل مع التحقيق، حتى وان كنت قد أبدو لوحدي "الغريب عن أورشليم... فكانت الأسئلة المباشرة، وكانت الاجابات، والحق يقال، بالمختصر المفيد. في بداية اللقاء أن أخبرته، للمفاكهة، أن اسم "زحلاوي" انتشر عندنا، ليس في مجال الخدمة الكهنوتية، بل بالأحرى من باب خدمة الموائد والمشارب (!)، ثم بادرت "أبونا زحلاوي" بالقول:
*لنبدأ الحديث، بشيء عن الرائية ميرنا، ما هي معرفتك بها قبل "الرؤيا"؟
- لم أكن أعرفها. ويوم عرفتها في 28/11/1982 قالت لي: إنها إنسانة عادية، عاشت ككل صبية في دمشق بين أهلها ومدرستها. تزوجت وهي في الثامنة عشرة، وكان نقولا زوجها حبها الأول و... الأخير! وعلى صعيد الإيمان، عاشت في بيت مسيحي متواضع، إلا أنها ما كانت تعرف من الصلوات أكثر من "أبانا" و"السلام عليك يا مريم".



*وكيف وجدتها بعد أن عرفتها في أعقاب الظهورات الصوفانية؟
- تغيّر كل شيء في حياتها وحياة زوجها. أصبح الله الأول والأخير في حياتهما. بالطبع تدخّل الناس، بحق وبغير حق، في حياتها وحياة زوجها، وكان تدخلاً ضاغطاً ومزعجاً وخالياً من أساس الإيمان. فهناك من رشقها باتهامات مغرضة بشعة. وهناك من شاء لها أن تترك زوجها وتختلي في أحد الأديرة. وكان من تأثير هذا التدخل أن ميرنا ونقولا امتنعا عن أي علاقة جسدية طوال سنة، ظناً منهما بأن مثل هذا الأمر، أو مجرد التفكير فيه... خطيئة.
مباركة العلاقة الجسدية في سر الزواج المقدس
وبعد سنة تقريباً من بدء الظاهرة، رأت ميرنا العذراء في أحد الانخطافات وقالت لها: "لم آت لأفرّق. حياتك الزوجية ستبقى كما هي". وقد حصل ذلك، مع أن الأب يوسف معلولي وأنا (كلاهما كان قريبان من ميرنا في مجال الارشاد وخدمة الصوفانية- المحرر) بيّنا لهما أن الزواج سرّ مقدس، وهو بالتالي لا يتنافى مع تدخّل الرب الجديد في حياتهما.



* خلال السنوات الطويلة الماضية، كيف لاحظت "الحالة" في الصوفانية، في تصاعد أم تنازل؟
- من يعرف الظاهرة يدرك أن الرب ممسك بها منذ اللحظة الأولى، بقوة وتصميم... ومن يعرف ما آلت إليه الأمور، يستطيع أن يحكم: استمرار الصلاة طوال اثنتين وعشرين سنة، المجانية المطلقة، استمرار الإشارات الحسية وتنوعها: من زيت وظهورات وانخطافات وجراح، من حيث استمرار الرسائل المعطاة لميرنا، تنامي الروح الرسولية لدى ميرنا ونقولا وولديهما، انتشار الرسالة في مختلف أقطار العالم، إن من حيث تقبّل الناس لها على اختلاف مستوياتهم: الاجتماعية والثقافية والعمرية والروحية والعلمية، وإن من حيث استقبال المسؤولين الكنسيين، على اختلاف مسؤولياتهم: من بطاركة، كصاحبَي الغبطة: شنودة وزكا عيواص الأول، وسفراء بابويين (أربع سفراء حتى الآن، ثانيهم، المونسنيور لويجي أكولي الذي بنى في روما مقراً للحوار المسيحي باسم سيدة الصوفانية في أحد أهم شوارع روما، وهو شارع أوريليا، وقد دشّنه في احتفال رسمي حضره العديد من الكرادلة والأساقفة والكهنة، يوم 15/10/1999 وكانت ميرنا حاضرة وقد انسكب الزيت من يديها)، وأساقفة يدعونها في سورية ولبنان والأردن ومصر والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وأوربا (فرنسا – ألمانيا – سويسرا – بلجيكا – البرتغال – هولندا)، ورؤساء أديار في فرنسا والبرتغال – أديار للرهبان والراهبات: مثل الرهبان البندكيتين والترابست- السكوتيين في فرنسا، الراهبات البندكتيات في فرنساً، والراهبات الكرمليات في حلب، وغيرهن في البرتغال... وإن من حيث ما كُتب من مقالات وكتب وكراسات في العديد من اللغات، وإن من حيث ما صُوّر من أفلام فيديو أو أفلام تلفزيونية رسمية في فرنسا وكندا والدانمارك ولبنان... وإن من حيث ما وُزّع من صور بالملايين ومجاناً، وبعضها يحمل صلاة يسوع كما لقّنها لميرنا يوم خميس الصعود 31/5/1984. وإن من حيث حجم موقع الانترنيت. وإن من حيث البساطة والتواضع اللذين يميّزان نقولا وميرنا على الرغم من هذا الاستقطاب العالمي الذي تحظى به الصوفانية...  كل ذلك عمل تصاعدي يعود فيه الفضل الأول والأخير للرب وللعذراء مريم!



*وبرغم كل شيء مما ذكرت، يا حضرة الأب، لا بد من الاحتكام الى الموقف الرسمي للكنيسة...
– لا أتوقف عند البدايات... فكل البدايات، في مثل هذه الحالة، معروفة: تردّد... خوف الخ... وفي الكتاب الأزرق ما يكفي... بتاريخ 31/12/1982: أصدرت بطريركية الروم الأرثوذكس، بياناً رسمياً، تجد نصه كاملاً في الكتاب الأزرق. نُقلت "الأيقونة المقدسة" (كما وصفها البيان، وذلك خلافاً للاهوت الشرقي...) إلى كنيسة الصليب المقدس الأرثوذكسية بتاريخ 9/1/1983 بموكب رسمي وشعبي رائع! ظلت الأيقونة في الكنيسة حتى 21/2/1983، حيث أعيدت بأمر من البطريرك هزيم، في سرّية تامة، على يد كاهنين أرثوذكسيين. في الكنيسة، لم تنضح الأيقونة زيتاً، وبعد إعادتها بساعات نضحت زيتاً في البيت... منذ ذلك الحين كانت البطريركية الأرثوذكسية تقاطع الصوفانية علماً بأن الشعب يأتي بكثرة، وعلماً بأن عدداً من الكهنة وبعض الأساقفة يحملون صورة سيدة الصوفانية في محفظتهم، وبعضهم يزور ميرنا سرّاً... أما سائر الكنائس والسفارة البابوية، فقد رويتُ في الكتاب الأزرق العديد من المواقف بشأنهم، ومعظمها إيجابي جداً.
ومنذ عام 1990، تاريخ طباعة الكتاب إلى اليوم، تبدلت المواقف الرسمية كثيراً... بعضها وارد في الكتاب الأزرق، لا سيما موقف صاحب القداسة البطريرك زكا عيواص الأول، بطريرك السريان الأرثوذكس.
وفي الإجابة عن السؤال السابق، رويتُ العديد من الدعوات الموجهة إلى ميرنا لزيارة هذا البلد أو ذاك. ونحن لا نقبل أن تقوم بأي زيارة دون الحصول على الموافقة الخطية مسبقاً من قبل أحد الأساقفة المعنيين أو اثنين أو ثلاثة منهم، كما حصل لنا في رحلتنا إلى فرنسا، من 20 حزيران إلى 3 تموز عام 2003، ورحلتنا الأخيرة إلى فرنسا من 1 إلى 13 آب 2004.



بماذا يمكن أن تلخص خصوصية رسالة الصوفانية؟
- بثلاث كلمات: الاهتداء... الشفاء... الرجاء، هذا الرجاء المتفاعل مع الإيمان المتجدد: كل ذلك، ونقاط أخرى، لا سيما وحدة الكنيسة في وحدة القلوب... على كل حال، أترك لك أن تقرأ رسائل العذراء والرب يسوع فتكتشف بنفسك أبعاد دعوة الصوفانية وخصوصيتها.



*هذه الخصوصية، لا بد وأنها ترتبط بطبيعة الحضور، ما هي الشريحة العمرية والاجتماعية للحضور؟
- بصورة عامة جميع فئات المجتمع أمّت وتأمّ البيت. المسيحيون من جميع الطوائف ومن جميع الأعمار، والمسلمون أيضاًً، لا سيما في الأشهر الأولى، إلا أن حضورهم لم ينقطع... الملفت للنظر غياب طبقة الأثرياء والأثرياء الحديثين، وقد يكونون هم أكثر من يرفض وينتقد ويشهّر حتى اليوم... ثمة حضور عظيم لبعض المثقفين المسيحيين: أخصّ بالذكر منهم أنطون مقدسي (المتوفى في مطلع عام 2005) وأديب مصلح. أما على نطاق العالم: فللاهوتيين حضور جيد ومتواصل مثل الأب لورنتان من فرنسا، والأب عادل تيودور خوري من ألمانيا، والأب روبرت فوكس من الولايات المتحدة الخ... وكذلك الأمر للعديد من الأطباء، بحضور فعلي أو فكري، مثل الدكتور فيليب لورون من فرنسا، والدكتور أنطوان منصور من الولايات المتحدة، وأطباء كثيرين من مختلف الاختصاصات – لا سيما في مجال علم النفس أو التحليل النفسي – من ألمانيا وكندا وفرنسا وسورية ولبنان...
نقولا، زوج ميرنا: بيتنا الذي باركه لا أقايضه بقصور الدنيا".



*بعد كل هذه العقود، ما هو التطور الحاصل المكان ومدى محدودية موقعه في الاتساع؟
- البيت هو "بيت العذراء" كما أسميناه. وهو، حتى اليوم، يتسع لأعداد هائلة من الناس، حتى في أيام الاحتفالات الكبرى، مثل أسبوع الآلام والفصح المشترك... والبيت هو عائلة: عائلة نقولا وميرنا... فكّر البعض في إمكانية توسيع البيت، بل اقترح بعض المسؤولين في الدولة على نقولا اختيار بيت آخر، على أن يحوّل "بيت العذراء" إلى مزار... فكان جواب نقولا: "ما باركه الله لا أقايضه بقصور الدنيا".
كما وأن العذراء استدركت خطورة التفكير بتوسيع المكان مما سيرغم المعنيين بالبحث عن مصادر مالية قد تغرق الصوفانية فيها وبسببها... استدركت ذلك وطلبت فقط وضع صورتها مع ابنها على مكان حجر في إطار الباب الخارجي، على أن تُكتب عبارة شكر لابنها الإلهي، وهذا ما كان. فلا داعي للمضي بالتفكير أبعد مما يطلب الله من المكان... علماً بأنه قال لنا في رسالة تشرين الثاني عام 1986: "ما أجمل هذا المكان! فيه سأنشئ ملكي وسلامي".



فإن كان هو، الرب والزائر الإلهي، راضياً به... أفلا نرضى نحن به شاكرين؟!
* يستجد السؤال حول مدى امتداد الرسالة باتجاه بلدان المنقطة عموما، في قلب دمشق للمؤمنين بالله...
- أن تحدث الظاهرة في دمشق، أمر يستدعي التأمل الطويل... أن يُختار البيت على بعد مئتي متر من الكنيسة التي عمّد فيها القديس بولس، وفق التقليد، أمر آخر يستدعي التأمل... أن تتكلم العذراء مريم، ومن بعدها الرب يسوع، اللغة العربية لأول مرة في التاريخ، أمر آخر يستدعي التأمل العميق... وأن تحدث جميع هذه الأمور في ظروف استثنائية تتضافر فيها ضغوط وممارسات من الخارج على العالم العربي عامة، وسورية خاصة، مع الضغوط الداخلية الناجمة عن مختلف أنواع الضيق الذي يعاني منه الشعب في سورية، أمر آخر يستدعي التأمل الطويل...
وأن تتصرف الحكومة السورية بمنتهى الحكمة والاحترام منذ التحقيق الذي قام به أربعة ضباط من المخابرات بصحبة طبيب، يوم الأحد 28/11/1982، حتى اليوم... أمر آخر يستحق التفكير.
وأن تقول العذراء ما قالت وأن يقول الرب يسوع ما قال في لغة عربية، فصحى وعامية، وكأنهما اثنان من أبناء الوطن العربي، في زمان فقد فيه جميع العرب دون استثناء احترام العالم... أمر آخر يستدعي التأمل الطويل.
وأن يكون أول شفاء عجائبي سُجّل في بيت العذراء، شفاء امرأة مسلمة، أمر ذو دلالة عظيمة يستدعي هو أيضاً، وما أعقبه من شفاءات لمرضى مسلمين، التأمل الطويل أيضاً.
وأن يكون كل ذلك حدث إبان اضطرابات خطيرة عرفتها سورية منذ أواخر السبعينات، وترافق باحترام جميع المسؤولين في الدولة، وبحضور كثيف ومؤمن للمسلمين من سورية والأردن ولبنان والمغرب وإيران... كل ذلك لا يستدعي التأمل وحسب، ولا الشكر للرب وحسب، بل يستدعي حضوراً مسيحياً محبّاً قوياً متفائلاً ومضحّياً في قلب العالم العربي...
واختتم الأب الياس المقابلة بالقول: كل ذلك يعيدني إلى قول الرب في الإنجيل المقدس: "حسب التلميذ أن يكون كمعلمه..."

السيدة ميرنا: رسالة الصوفانية هي رسالة للعائلة المسيحية

وتوفرت فرصة اللقاء عن كثب مع عائلة الصوفانية: زوجان مواكبان للعصر، في الطلة والمظهر، الابن والبنت يعيشان انتعاشا انسانيا طيبا، وفي رعايتهم الجدة المسنة أم نقولا. تبتعد عن اجواء البيت مظاهر الدروشة والتزمت. مما يثلج الصدر، ويعكس صورة محببة شبابية عن التقوى والالتزام الايماني في عالم اليوم. وكانت الفكرة الاولى التي طرحت لدينا، خلال احتفال خورنتنا، خورنة القديسة تريزيا الطفل يسوع، بأن تحضر مدام ميرنا، وبعد الموعظة تقدم شهادة حياتها، لجمهور المؤمنين والمدعوين في هذه المناسبة. فجاءت كلمتها بهذه المناسبة، استجابة لتطلع شخصي لديّ، بأن أسمع شهادة حياة منها تلقيها أمام المؤمنين، لأني تحاشيت عمل مقابلة مباشرة معها، حفاظا على الطابع الذي توخيته للتحقيق.
أقيم الاحتفال يوم الجمعة 7/10/2005، لمناسبة عيدها السنوي المصادف في 1/10/2005 ، وأثناء القداس الذي أقامه الأب طوني الغزي النائب الاسقفي لابرشية الكلدان في سوريا، وشاركته، في القداس، بصفتي الكاهن المكلف بخدمة هذه الخورنة، خلال مدة إقامتي في سوريا. وكان السياق السنوي، حضور راعي الابرشية، لكن سيادته كان في هذه السنة، في شمال العراق، لتقديم مواعظ الرياضة السنوية لكهنة المنطقة..
بدأت السيدة ميرنا بالتعبير عن مشاعرها في هذه المناسبة قالت:
أود أن أعبر عن شكري للدعوة التي تلقيتها من الأب طوني، وأقدم تهنئتي لمناسبة عيد القديسة تريزيا وهي تعرف كم أحبها لحد الغيرة.. إن العذراء في الصوفانية، من جهة، والقديسة تريزيا في باب توما، وغيرهما من الكنائس والمزارات المماثلة، كلها علامات لحضور الله فيما بيننا- معنا. ويبقى ما هو أكبر: القيامة، قيامة يسوع الرب الذي يستعمل هذه العلامات ليوصل الكلمة.
ومع الكلمات الأولى، يلتفت المرء إلى أن لدى هذه السيدة شيئا عميقا تقوله، في حديث انسيابي هادئ، كان الجمهور خلاله مشدودا للاصغاء إليها، وكان على رأسهم الطير. فتناولت من تحت ملابس القداس، قلما ودفترًا صغيرا أحمله في الجيب، وتاركا حرج الجلوس بقرب المذبح، سجلت من حديثها عددا من الومضات:
عن الافخارستيا، قالت ميرنا: إن المعجزة الكبرى المتجددة في حياتنا هي حضور الله في الافخارستيا. إزاء هذا الحضور ينبغي الحذر والانتباه مما يبعدنا عنه، ألا وهو خطر المال، خطر السلطة، وخطر الأنانية. والوحدة الكنسية هي ملكوت السماوات على الأرض. فمن يقسم الكنيسة بعيدًا عن الوحدة ليس فيه محبة. ثم رددت النداء الذي سمعته، كما تورد ذلك وثائق الصوفانية، على لسان مريم العذراء: "لا تدعوا قلبي ينقسم، أسسوا كنيسة لم أقل ابنوا كنيسة".



وعن جمال عائلة الوحدة والمحبة، بينت أن الرب في الصوفانية إختار عائلة من عائلات الكنيسة، فالعائلة كنيسة مصغرة مبنية على الوحدة، ومثلها عائلة الكنيسة الكبيرة، وأطيب أمنيتها لها هي أن تكون مبنية على الوحدة.. بقبول الآخر. الوحدة ليست وحدة طوائف، فتعدد الطوائف هو غنى. الرب يريد وحدة كنيسة. كنيسة واحدة ليسوع واحد، أساس الوحدة هو الإيمان، المشكلة هي افتقاد المحبة فتتأثر الوحدة.
وتشير الى اعتماد هذه الوحدة على محبة يسوع التي يريدها محبة عطاء ومشاركة مع الآخر.. فالمحبة سلام لا حروب ولا نزاعات المحبة هي تأتي بالصلاة، بالثقة بالله، صلاة: لتكن مشيئتك، فللإنسان القدرة على العظائم إذا أحب.. تريزيا في نظر الكثيرين لم تعمل شيئًا، لكن عند الرب كانت عظيمة لأنها عرفت أن تحب.. الدعوات أحبتها، كانت لها الغيرة على الكهنة.
وتمضي المرأة الشابة، لتبين خصوصية رسالة الصوفانية في المنطقة بترديد الكلام الذي سمعته، عن الظهورات، واصبح في وثائق الصوفانية مثل الشعار الايماني يعرفه المصلون في المزار: "حافظوا على شرقيتكم، حافظوا على ايمانكم بهذا الشرق". وتتساءل ميرنا: إن الشرق ممزق، لماذا؟ إذا كان يخلو من المحبة، فلا يوجد قبول للآخر، فالمحبة لا تلغي الآخر. فالمطلوب ليس إلغاء الطائفة، بل قبول الآخر. نبدأ بقبول الآخر.. في البيت. للمحافظة على وحدة مسيحيي الشرق الأوسط هناك حاجة إلى نهضة روحية مشتركة.. وهناك ضرورة للتوجه بالاهتمام الى العوائل المفككة، الشباب الغارق في المادة.
واختتمت كلمتها تلك بالتأكيد على الفرح المسيحي، ذلك النداء الذي تقول انها في الظهورات: "اذكروني في سروركم.." وتضيف: لقد وجدت تريزيا دعوتها في محبة يسوع المصلوب، أكثر من القائم. من جانب آخر أيضًا يمكننا أن نتأمل كم الحياة حلوة، جمال الحياة من الله. الصعوبة ليست من الله، ليس لنا أن ننسب هذه الأشياء إلى الله. فننسب الفرح لنا والألم لله. كل فعل محبة وأمانة من ثمار الروح القدس نعم الصليب موجود ولكن الرب يحمل معنا الصليب، فيكون فرحنا دائمًا بيسوع القائم.


وحدة الكنيسة ووحدة العائلة

بالإضافة إلى فرصة الاستماع الى ميرنا، خلال القداس الاحتفالي بعيد شفيعة الخورنة، القديسة تريزيا الطفل يسوع. كان ضمن منهاج أخوية الكتاب المقدس للشباب في الخورنة والذي وضع بمباركة سيادة مار أنطوان أودو، مطران الكلدان في سوريا، أن نستضيف في أحد لقاءاتها الأخوية، السيدة ميرنا. في هذا اللقاء، الذي جرى يوم 19 تشرين أول الماضي. كان القليلون ممن سبق لهم الاستماع الى ميرنا في المناسبة السابقة، والكثيرون ممن لم يكونوا حاضرين، وكانوا موعودين بلقائها، لأسابيع خلت. ليجدوا فيها نقطة إشعاع في الغيرة المسكونية لوحدة الكنيسة، وفي الشهادة لرسالة العائلة، وعيش الانجيل في الحياة اليومية.
عندما حضرت ميرنا إلى خورنتنا في كنيسة القديسة تريزيا، كان من دواعي اهتمامي أن أبرز الحالة المشرقة المتمثلة في رسالة العائلة المسيحية. عند ذاك، استذكرت الأسلوب الحميم الذي استقبل به، في كاتدرائية القديس يوسف للاتين في قبل بضع سنوات، سيادة مار بولس دحدح، المطران السابق لللاتين في بغداد، الأخ جان فانييه مؤسس جماعة الفلك المعنية في رعاية المجروحين في ذكائهم، ولمست في ترحيبه الفرح التي تبديه الكنيسة في الاستماع الى شهادة المؤمنين "العلمانيين" بقدر أن جان فانييه لا يحمل أي رتبة كهنوتية تجعله ينتمي الى سلك الاكليروس.
هكذا في كلمات التقديم، عبرت ككاهن ، عن روح التلمذة للرب التي بها يسعدنا أن نستمع إلى شهادة حياة إنسانة علمانية مثل السيدة ميرنا، كواحدة من أصحاب الخبرات الروحية المتفردة في شرقنا. ولم يكن إصغاء الحضور بأقل من إصغائي. والى جانب ما ذكرته عن الغيرة للوحدة المسكونية، في كلمتها، أشرت عددا من المحاور، كغيض من فيض، منها:
أول تلك المحاور، أن رسالة أمنا العذارء، توجهت الى عائلة ميرنا في شخص ميرنا كواحدة من أفراد أسرة، كشابة متزوجة، موعودة بنعمة الانجاب. فلم تكن ظاهرة الصوفانية، في الزيت والجروح، كعلامات فاعلة، أو مجرد علامات باهرة، لولا التراكم الزمني الذي من خلاله عاشت هذه العائلة الرسالة اليومية للعائلة المسيحية، في تربية الاولاد وفي الاضطلاع بالشؤون البيتيه، كحياة أسرة الناصرة، مهما حوصرت تلك العائلة بالحضور الجماهيري، وأحيانا الفضولي للزوار الى جانب ما دأبت هذه العائلة على تقديمه من شهادة في المجانية والتأمل والصمت والصلاة، لجمهور المؤمنين. ذلك أن واحدة من نقاط الضوء المؤثرة، كانت عندما قالت ميرنا أن التغيير الذي شهدته في زوجها نيقولا، الى الحياة الإيمانية بعد ان كان في الماضي بعيدا عنها، هذا هو البركة الكبيرة والنعمة المعجزة، للام العذراء. إن الحياة اليومية في العائلة الواحدة بمماحكاتها وصعوباتها وفرحاتها وضعفاتها، كانت الشهادة أننا أمام عائلة تعيش حياتها الإيمانية اليومية كاهتداء متجدد بالتوبة والمصالحة مع الرب والآخر. الى جانب رسالة الصوفانية بشأن العائلة، تركز ميرنا، في أحاديثها عن عيش الايمان بفرح، وتذكر الرب في الفرح، رسالة تجعلنا نقرن الايمان بالفرح، ونبحث عن الفرح في الإيمان. فقد لا نبقى نتذكر الرب الا عند الشدة والالم.
وأخيرًا، في ختام هذه التحقيق واللقاءت، لا بد من القول، ان رسالة الصوفانية، بما جابهته من جفاء الى جانب ما لقيته من وفاء، تبقى تضع المؤمنين أمام حالة، أن مسيرة الإيمان بما لا نرى، لا غرو أنها قد تكون محفوفة بالشوك والشك والإحباط وضبابية الرؤية، لكنهم يبقون مدعوين، برغم كل ذلك، إلى أن يستحقوا الطوبى التي أطلقها المسيح على مسامع شفيع كنيستنا، كنيسة المشرق، القديس توما الرسول، رسول المشرق: طوبى لمن لم يروا وآمنوا.

نيسان 2006   [/b]

36
أزماتنا في ميزان العلاقات العاطفية والوجدانية
أ‌.   نويل فرمان السناطي
 


 في البحث عما تكون عليه العلاقات الوجدانية والعاطفية، عندما تكون في أفضل أحوالها، تتسلط الأضواء، في الجهة المقابلة، على الكثير من أسباب الأزمات العائلية والاجتماعية وحتى السياسية، التي نشهدها. ويتبين ما إذا كان هناك مجال لمعالجة ما يمكن معالجته من هذه الأزمة أو تلك.
مواقف من الانفتاح المبكر على العلاقات الوجدانية
1- هناك موقف من العلاقة لدى الشباب اليافع، عندما يتفتح إلى الحياة ويتطلع أن يجد موقعه في المجتمع ويتوخى المواكبة لمجتمع المتقدمين عليه في النضج والبلوغ. هذا الموقف، يتمثل عند نمط من الشباب أنه غير مستعد للعلاقة العاطفية، مفكرا في ما يجده من استلاب لدى الآخرين، عندما يلاحظهم في حالة قلق وتذبذب وانفعال، وانتظارات لا تنتهي بين هاتف وموعد واستعجال نهاية درس. فيتجنب في سنه الدراسي المتوسط أو الاعدادي، ربط حياته بمسؤولية ليس مستعدا لها، أو  بشخص يهيمن بنحو كبير على مسيرته في هذه المرحلة.
2- وثمة موقف آخر، بحسب نوع التنشئة لدى البعض الآخر والقيم التي تربوا عليها، يقوم على التهافت للارتباط بعلاقة خاصة حال بلوغ سن السادسة عشر (!)  غير مكترث بالمؤشرات المذكورة.
مجتمع محافظ وآخر غير محافظ
في نظرة المجتمع الى العلاقات العاطفية لليافعين، يوجد تفاوت في الرؤية، بين المجتمعين الغربي والشرقي، باتجاه خصوصية التعمق في مسؤولية العلاقة الشخصية الحميمة الخاصة. فالمجتمع الغربي يعتقد إن العلاقات المبكرة هي تدرب على العيش المشترك في سن النضوج عند البالغين.
هذه الرؤية تختلف لدى المحافظين في المجتمع الغربي، وهي قريبة بنحو أو بآخر من المجتمع الشرقي المعروف بالمحافظة، سواء في الظاهر، أو في الحقيقة والواقع، وبحسب تنشئة كل شخص.
تتميز هذه الرؤية  القيمية، بأن العلاقة الوجدانية تنطلق بين الرجل والمرآة في زواج تم باختيار الطرفين وبقبول متبادل وعهد مشترك.
العلاقة والموازنة مع الوسط الاجتماعي المحيط
يستجد التمييز في أن العلاقة ليست أمرًا هينًا، وان ابن الجيل اليافع هو في مرحلة اكتشاف الذات وتكوين هوية له، كما أن التوفيق بين المدرسة والحياة الأسرية والاجتماعية وعموم الأصدقاء، كل هذا يحتاج إلى موازنة، فكيف الحال إذا أضيفت إليها العلاقة الشخصية الحميمية.
ولا غرابة ، ان نجد حتى في المجتمع الغربي، عددًا من أبناء الجيل اليافع يفضلون الدخول في علاقة عند سن أكبر وبعد السيطرة النسبية على الأعباء الدراسية والحياتية. عندها سيكونون في مستويات أفضل للتوفيق بين حضورهم الأسري والاجتماعي، ولا ينجرفون الى تعويض العلاقة والارتباط الوجداني بشخص ما، كبديل مطلق عن الأهل وعموم الأصدقاء. بحيث يحفظون مكانة للناس المهمين في حياتهم العائلية وعلاقاتهم الاجتماعية. على أن العلاقة ترتبط، بحسب المطلعين، على جملة مقاييس اقترحتها الخبيرة التربوية الكندية، جنيفر روزاينس روي، في النقاط الأتية.
مقاييس لعلاقة المتوازنة
- ان تكون (أو تكوني) مع شخص يحترم حقك، امام هذا الأمر أو ذاك، في قول كلمة (لا) بكل تلقائية.
- يتعامل معك بأدب وذوق.
- يوحي لك، بل يجعلك تحس بالامان والاطمئنان.
- يوافق على احتمال ان تكونا غير متفقين على رأي ما.
- يكسب ثقتك ويعول بثقة على صدقك.
- ينتظر بأريحية، حصول استعدادك لهذه الخطوة أو تلك، ولا يزاحمك أو يتضايق قبل وصولك الى هذا الاستعداد (وهذا غالبا ما يكون شأن الشاب، في مجال الاعداد لموعد زواج، او تنفيذ مشروع مشترك).
- أن تجد في الآخر طرفًا مساعدًا في إحساسك بالارتياح لدى اللقاء به.
وقد وصفت جنيفر روي العلاقة الصحية من خلال عدة مؤشرات.
من مؤشرات العلاقة الصحية
- أن لا تحس ، بالتوجس أو الخوف من الطرف الآخر، ويكون لديكما اطمئنان متبادل في الثقة والتعاون.
- الاحساس بالفرح والارتياح في الوقت الذي يجمع الطرفين، ويقبل كل طرف، تلقائيا، بأن يكون للطرف الآخر مجاله من الوقت لشؤونه ولاستقلاليته.
- التعامل، بحسن نية وصدق وبالامكانات المتوفرة، مع صعوبات الاخر واحتياجاته، وذلك بإيجابية وغيرية وما
أمكن من تفهم وتعاون.
- الاقتناع بأن ما يقدمه طرف امام معاناة الآخر واحتياجه، هو ما يتوفر له تقديمه ضمن ظروفه وخصوصيته، وما يحسن تقديمه بالحدود المتوفرة، بنية صادقة، بعيدة عن إيحاء أي انطباع لدى الآخر أنه مثار ضجر، عندما لا يستطيع شريكه اكثر من ذلك. ولا يحس المحبوب بالاحباط عندما يستجد ما يدعو المحب الى الانصراف الى شأن ضروري أو عمل مطلوب.
- عندما يستجد اي خلاف في الرأي يتناقشان ويتفاوضان بحيث يرضى كل واحد بحصته..
إن التأكد من صدق النية، لدى كل من الطرفين، يبعد عن احدهما الشعور بالذنب، وعن الاخر حالة الاحباط، أي يترك الطرفين في حالة من الطمأنينة والتفهم والقناعة ، بعيدا عن الاحساس بالغبن أو الشك في أنانية الآخر أو الظن في تهربه.
بعد مدة من الزمن: ناقوس القلب يدق له
كنتيجة لهذه المؤشرات مجتمعة، يأتي إحساس مرهف بالسعادة والفرح، في حضرة الآخر، وتعقب اللقاء مشاعر من الرضا والانتعاش مقرونة بالافتقاد المحبب. ومما سبق ذكره، يتبين إن علاقة الصداقة الحقيقية والحميمة، تحل بعد وقت من الاختبار.
في مرحلة الاختبار هذه، تكون قد سقطت التحفظات والتقيدات لدى الطرفين، ويظهر كل منهما، بكل بساطة، على حقيقته ، بعد ان يكون قد ظهر حتى في جوانبه الصعبة او المتواضعة، إن لم نقل السلبية.
عندها تحجم الهالة التي ترافق اللقاءات الأولى ويرى كل واحد الآخر بوضوح أكثر.
وعندها، يتأكد الطرفان أنهما مجتمعان بسعادة على الحلوة والمرة.
وبعد زمن الاختبار هذا، يستقر قرار الطرفين، أنهما لبعضهما، برغم ما يطرأ من صعوبات مما لا تخلو منه الحياة اليومية، في مماحكة، أو ردة فعل، ويكونا قد تعودا على طريقة مواجهة الصعاب، وتعرفا على نواقص كل من الطرفين. فيقبل كل واحد الآخر، كما هو، على كل حقيقته.
وفي أجواء القبول هذه، يكون الاحساس بالحميمية، كل يوم، على نحو أعمق، مما يتضمن:
الالتزام الطوعي، المشاعر الراسخة، الرغبة في المواصلة، مواقف متفاعلة مع الحميمية والشوق والارادة الطيبة. كل هذا كفيل بالسعي المشترك الى علاقة مستديمة متواصلة، يكللها حب الآخر، حينها، على حد ما تغنى به عبد الوهاب: ناقوس القلب يدق له، وحنايا الأضلع معبده.
بين العلاقات الناضجة وغيرها
هذا ما يميز علاقة انضجها الزمن، عن علاقة سريعة بين يافعين، ممن يصعب عليهم إدامة علاقة لأمد طويل، فتجدهم يتقافزون بين علاقة صاعقة، الى علاقة أخرى، بدون أن يتركوا الزمن ينضج أيا من تلك العلاقات، بل يبقون مراهقين حتى سن متقدم من العمر، على حساب استلاب مرّ يتحمله الطرف الضحية في العلاقة، مما يؤشر افتقادهم الى فضائل انسانية عميقة، وتنقصهم قيم من الفروسية تقرها الاعراف الاجتماعية وتميز الانسان عن الحيوان.
هؤلاء لا صبر لهم، منقادون بالغريزة لا بالعقل. لا يبدون اي استعداد للسعي عبر المراحل التي من شأنها أن تقودهم الى حميمية ناضجة، طويلة الأمد.
ذلك أن النضوج الصحيح يتطلب أشهر بل سنوات,  وبالتالي،  فإن غير الناضجين، إذا كانوا يعرفون الوقوع في حميمية العلاقة، لكنهم لا يعرفون سبل المكوث فيها.
لهذه الاسباب، قلما يحدث التواصل الطيب في علاقة عاطفية تقوم في مرحلة من الدراسة المتوسطة او الاعدادية. وقلما تدوم في هذه السن، علاقة عاطفية مهما كانت جدية. لأن اليافع في هذه السن، يختلف عن الناضج، مع أنه لا يقر بهذا الاختلاف. لكنه كلما كبر تعلم أكثر، عما حوله وعما في داخله، عندئذ يتغير في ذاته، ويتغير تجاه شريكه الذي ارتبط به في علاقة مبكرة، تمت في مرحلة قريبة من المراهقة، لأن تلك المرحلة بكل بساطة، ليست عالما حقيقيا ودائميا. إذ بعد هذه المرحلة، سواء إذا أكمل الشاب الاعدادية وتحول الى الكلية، أو دخل عالم الاعمال، تتغير الامور بشكل شبه جذري، بتطور الخبرة والمهارة، مع ما يطرأ من محاذير والتزامات، والتعرف على انماط بشرية متنوعة. وهكذا، إذا كان ثمة تجاذب بين شاب وشابة يافعين، بمشاعر مهما بدت لهم جميلة، فهذا لا يعني أنهم صالحين لبعضهما البعض لمدى الحياة.
ختاما: وما خفي أعظم
إذا كان ما عرض في هذا المقال، قد يكشف بعض الثغرات في جسم العلاقات العائلية المتأزمة في مجتمعنا، فإن العنصر البشري في نواحي اخرى، يبقى عرضة لجملة من التفاعلات والتأثيرات، التي تحيلنا الى التساؤل عن جذور الازمة التي نشهدها في بعض علاقات القائمين على الكتل السياسية والقومية، وما بينهم وبين اتباعهم، وما يطرأ على السطح بأشكال مفضوحة بنسب متفاوتة، في علاقات الاكليروس فيما بينهم، وما بينهم وبين رعاياهم، قد نجد في جوانب منها، النقيض لأسس قيام العلاقات المتوازنة والصحية، عندما توضع في ميزان المقارنة مع العلاقات البشرية العاطفية والوجدانية، في الصداقة والحب. مما قد يظهر الكثير من العناصر الكاشفة، يمكننا ان نتوسمها، اذ نظرنا كيف تقوم هذه العلاقات، ومقاييسها وجوانبها الصحية. وتوصلنا المقارنة، الى ملاحظة تفاوت المستويات لدى الذين يتم اختيارهم لهذا المنصب أو ذاك، وعندما يزجون في المسؤولية الراعوية أو السياسية، عناصر مريضة، أو عناصر غير ناضجة من حيث العمر والتجربة، أكان الأمر في أقحام شباب منحرف أو قليل الخبرة، في المسؤولية القيادية في عهد النظام السابق، أو مع أشباههم في العهد اللاحق. إنها مجرد دعوة لتفحص ما يفرزه الميزان من مقارنة، مع حفظ ما ينبغي حفظه في خانة العلاقات الوجدانية والغرامية، سيما اذا وضعنا في الميزان، معادن الكثير من قادة الأحزاب القومية المتناحرة بشكل أو بآخر، والمتهربة من مواجهة الحقائق، في ظروف وخصوصية مناطقنا الجريحة. ألن نجد أن منهم من بقي يعيش مرحلة مراهقة على مختلف الصعد، مهما كان من العمر، فجرّوا على رعاياهم وأتباعهم الوبال والويلات، وما خفي أعظم.
 

صفحات: [1]