المشهد الصحفي والاعلامي في سهل نينوى
بعد العودة
بمناسبة يوم الصحافة السريانية الذي يصادف في الاول من تشرين الثاني من كل عام
هذه دراسة قدمتها عن المشهد الصحفي والاعلامي في سهل نينوى بعد العودة في يوم الصحافة السريانية في 2019
*المقدمة
للتعرف على المشهد الصحفي والاعلامي في سهل نينوى في الفترة ما بعد العودة، وضعت مجموعة من الاسئلة، سأحاول الاجابة عليها في مداخلتي او بحثي القصير هذا.
*الصحافة في سهل نينوى لماذا برزت في فترة وانتهت الان ؟
*ما هي الاسباب ؟
*ماذا كان البديل؟
*هل سهل نينوى بحاجة الى صحافة وما المطلوب لذلك؟
اذا كنا نريد ان نتحدث عن الصحافة في اي منطقة. يجب ان نتحدث عن صحف لها عناوين ثابتة، تصدر بشكل منتظم، لها اهداف محددة، مصدر تمويل ثابت، تقف خلفها ادارة وكادر عمل مهني يعمل على تنفيذ سياسة الصحيفة او المجلة، مراسلين ينتشرون في جميع مناطق تواجد شعبنا مثلا، بالاضافة الى منافذ توزيع لايصال الصحيفة او المجلة الى الجمهور الذي تخاطبه.
هل هذا الشيء موجود الان في سهل نينوى، حتى ولو بأدنى مستوياته؟ الجواب كلا.
في سهل كانت تصدر فيه العشرات من الصحف والمجلات وصلت الى (12) مجلة وصحيفة، في الفترة ما بين ٢٠٠٣ وحتى دخول تنظيم داعش واحتلاله المنطقة وتهجير اهلها في ٦ اب ٢٠١٤ ، يضاف اليها ايضا وسائل الاعلام المرئية والمسموعة التي كانت تعمل في تلك الفترة.
هذا السهل اصبح الان بلا صحافة. ما خلا من صحيفة واحدة هي صحيفة الحياة الجديدة.
تلك الفترة التي يمكن تسميتها بالذهبية (بالنسبة للصحافة السريانية والثقافة السريانية بصورة عامة).
نشطت الحركة الثقافية بجميع اشكالها ، وقامت مؤسسات ثقافية ومجتمعية اخذت على عاتقها ادارة هذه الحركة الثقافية. وانتظم المثقفون في هذه المؤسسات، وجذبت الشباب منهم، الذين وجدوا ضالتهم في الكشف عن مواهبهم وامكاناتهم الثقافية من خلالها.
توسع عمل هذه المؤسسات وقامت باصدار مطبوعات (صحف ومجلات) تستطيع ان تعتبرها انها كانت لسان حال هذه المؤسسات، بغض النظر ما اذا كانت تلك الصحف والمجلات تعتمد المعايير الصحفية في عملها، الا انها استطاعت ان تقدم الكثير من المواد الدسمة التي أثارت انتباه القاريء. أضف الى ذلك الصحف التي كانت تصدر عن الاحزاب السياسية العاملة في المنطقة.
كان السبب الرئيسي في كل نشاط تلك الحركة الثقافية عامة والصحافة خاصة هو توفر مصدر التمويل، الذي يعتبر اساس قيام كل عمل صحفي، بالاضافة الى وجود وفرة من العاملين في المجال الصحفي، من محررين واداريين وصحفيين وغيرهم من الذين يتطلبهم العمل الصحفي.
جاء داعش وانهى كل شيء. وأقتلع ذلك الشعب باكمله من ارضه ليعيش مهجرا داخل الوطن وخارجه. الحدث الذي كان كالصدمة، التي اوقفت جميع انشطة الحياة، من بينها النشاط الثقافي، وبالتالي انهاء عمل تلك المؤسسات الثقافية، وتوقف جميع الانشطة الصحفية. ما خلا من بعض الانشطة الثقافية التي اقيمت خلال فترة التهجير التي يمكن اعتبارها كمن كان ينحت في الصخر.
هاجر الكثير من المثقفين من بينهم العاملين في المجال الصحفي والاعلامي، في موجة الهجرة التي أصابت هذا الشعب بعد داعش، أسوة بباقي ابناء هذا الشعب الذي نستطيع ان نقول انه خسر اكثر من ثلثه بسبب هذه الهجرة.
ويدخل الاقليم (اقليم كوردستان) مصدر التمويل لكل تلك المؤسسات في نفس تلك الفترة بازمة مالية لا زالت تلقي بظلالها على المنطقة الى الان، ويتوقف عمل اغلب المؤسسات الثقافية ليس في سهل نينوى فقط بل في الاقليم باجمعه.
تحرر السهل وعاد سكانه الى مناطقهم، بعد ثلاث سنوات من التهجير. واحتاج القائمون على المشهد الثقافي في سهل نينوى والنشطاء في المجال الصحفي والاعلامي الى سنة اخرى بعد التحرير والعودة لاعادة تنظيم انفسهم اولا (اعادة اعمار وتأهيل دورهم، مصادر رزقهم)، واعادة تأهيل انفسهم نفسيا لتقبل كل ما حصل لهم والعودة لبناء حياتهم من جديد.
بعد ان تم لهم ذلك. وجد العاملون في المجال الصحفي ان المؤسسات التي كانت تضمهم قبل داعش قد أغلَقت ابوابها، لاسباب عدة.
1ـ اما لتعرضها للهدم والتخريب كما حصل للاملاك الخاصة والعامة الاخرى.
2ـ او هجرة القائمين عليها. احيانا تجد مجلس ادارة مؤسسة قد هاجر بالكامل.
3ـ توقف التمويل من مصادره السابقة . هذا ما جعل العمل مشلولا.
ربما قد يقول احدكم. لماذا لم يتم اعمار هذه المؤسسات؟
هذه المؤسسات لم يتم وضعها ضمن خطة الاعمار التي قامت في المنطقة. ما عدا المؤسسات التابعة للكنيسة.
لذا وجد العاملون في المجال الصحفي ليس من مؤسسة تضمهم. وان وجدت فهي عاجزة عن القيام باي نشاط صحفي بسبب عدم وجود التمويل المادي وهو الاساس في قيام اي مجلة او صحيفة.
*ماذا كان البديل؟
*مواقع التواصل الاجتماعي:
لذلك التجأت هذه الشريحة الى شبكة الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك، لممارسة عملها الصحفي.
حيث تعتبر هذه المواقع اسهل وابسط طريقة لايصال الرسائل الصحفية. فهي لا تحتاج الى تمويل مالي كبير . (مجرد الى خط انترنيت وجهاز ادخال المعلومات مثل الحاسوب او الموبايل) . ويمكن لشخص واحد ادارة اي صفحة. بالاضافة الى مساحة من الحرية في طرح وجهات النظر بعيدا عن مقص الرقيب . وهذا ما لا يتوفر في الصحافة الورقية، التي يدخل فيها المقال او الموضوع عبر بوابات مختلفة حتى يجد طريقه للنشر .
وبرزت مجموعة من الاشخاص الذين يديرون هذه الصفحات الشخصية . مثل
نمرود قاشا، صفاء الجميل، جميل الجميل، جورج عرب وصلاح سركيس في بغديدا.
متي ال مجي، صباح ميرو، وبهنام شمني في برطلي.
يوسف قطا في كرمليس.
ولكن هذه الصفحات لم ترتق الى المستوى المهني للعمل الصحفي اذا ما استثنينا من ذلك ما ينشره كل من متي ال مجي وجميل الجميل وبهنام شمني ونمرود قاشا الذين يستخدمون المعايير الصحفية في نشر الاخبار.
ومع ذلك فهي تنقل الاخبار وتعكس نبض الشارع وهموم الناس ومشاكلهم وطرحها امام المسؤولين والرأي العام.
ولا ننسى دور بعض المدونين في تناول احداث الساعة بتناولها على صفحاتهم الشخصية وبيان وجهات نظر المتابعين لهذه الصفحات من خلال طرح اراءهم تجاهها. ومن هؤلاء بطرس شوني والفنان ثابت ميخائيل في بغديدا. وروني السبتي في برطلي الذي يستخدم الاسلوب الفكاهي في الطرح.
وتبقى هذه جميعها محصورة ضمن نطاق محدود لا يتعدى حدود ابناء شعبنا والمنطقة. اي لا تصل الى الرأي العام العراقي مثلا لمحدودية متابعيها.
*المواقع الالكترونية:
اما المواقع الالكتروتية التي كانت تعتبر نافذة اخرى لهذه المنطقة الى العالم قبل داعش. توقفت اغلبها، أو انحسر نشاطها. بسبب اعتمادها على العمل التطوعي الذي تقل جذوته عند اية مشكلة او بانشغال العاملين في الموقع بامورهم الحياتية او بالالتفات الى اعمالهم. اذا ما استثنينا من ذلك موقع عشتار وموقع عنكاوا التي تدار من خارج سهل نينوى.
والسبب الاخر هو تقني. حيث ان عملية النشر في هذه المواقع فيها نوع من التعقيد قياسا بالبساطة والسهولة في عملية النشر والمتابعة في وسائل التواصل الاجتماعي.
*قنوات اليوتيوب:
هناك نوع اخر من الاعلام ظهر في هذه الفترة بعد داعش والذي يمكن ان ندخله ضمن الاعلام المرئي. بتصوير ريبورتاجات او افلام قصيرة وبثها عبر اليوتيوب. هذه الافلام هي عبارة عن تقارير صحفية قصيرة عن الانشطة التي تقام في بلدات سهل نينوى (الجنوبي) كما تنتج ريبورتاجات تنقل واقع بلدات شعبنا ومشاكل وهموم الناس. وتأسست قنوات خاصة بذلك مثل. بغديدا لايف .و أو لايف.
*وسائل الاعلام المرئية والمسموعة
اذا توسعنا قليلا وتحدثنا عن وسائل الاعلام المرئية والمسموعة. نجد ان هذه وبالرغم من حاجتها الى اموال ومصادر تمويل قوية الا ان الاذاعات التي كانت موجودة قد عادت الى العمل. مثل اذاعة صوت السلام في بغديدا، واذاعة اشور والتي تبث من بغديدا ايضا. والسبب انها تقف خلفها مؤسسات متمكنة مثل الكنيسة في اذاعة صوت السلام. والحركة الديمقراطية الاشورية في اذاعة اشور.
اذاعة صوت السلام نستطيع ان نصنفها بانها اذاعة دينية ثقافية. ولها نشاط متميز في تغطية جميع الانشطة التي تقام في سهل نينوى الجنوبي.
اذاعة اشور اذاعة سياسية باعتبارها لسان حال الحركة الديمقراطية الاشورية.
اما الاعلام المرئي (التلفزيون) فلا زالت القناتين الفضائيتين (عشتار وسورويو تي في) تقومان بواجبهما الاعلامي عبر مكتبيهما في سهل نينوى كما كان قبل داعش.
ظهرت في فترة من الزمن فضائية ANBsat التي تبث من اميركا ولكنها اختفت الان.
*هل سهل نينوى بحاجة الى صحافة؟
بالتإكيد نعم .
بالرغم من ان ازمة الصحافة الورقية هي ازمة عالمية، ليس في سهل نينوى فقط. والسبب يعود الى تكلفتها قياسا بوسائل النشر الالكترونية. ولكن مهما تعددت اساليب النشر، تبقى الصحيفة الورقية لها لذتها عند الامساك بها والقراءة.
نحتاجها
1ـ لانشاء جيل جديد من الصحفيين والكتاب المتمرسين بعد هجرة من كان يعمل في هذا المجال في السابق.
2ـ يجب ان يكون لنا صحيفة سياستها تعكس وجهة نظر الشارع المسيحي تجاه الاحداث المحلية، وحتى الاقليمية والعالمية. وفي نفس الوقت تنقل وجهة نظرنا تجاه تلك الاحداث.
3ـ نشر الوعي السياسي وخلق طبقة سياسية مثقفة تستطيع ان تحلل، وكيفية التعامل مع الاحداث ووضع الستراتيجيات التي تفيد شعبنا الكلداني السرياني الاشوري.
4ـ لمواجهة الاخبار السلبية التي تبث في المنطقة. (الامن غير موجود، المسيحيون في زوال، الهجرة المستمرة).
حيث تزداد أهمية وسائل الإعلام ويقع على عاتقها دور كبير وقت الأزمات، لما لها من قدرات هائلة على التأثير في سلوكيات الجمهور٬ ولما لها من مسئولية مجتمعية في توعية الجمهور وإرشاده.
5ـ نشر الوعي القومي واللغوي (اللغة السريانية) من خلال ما ينشره الادباء والكتاب على صفحات هذه الصحف والمجلات.
*ما هو المطلوب لتحقيق ذلك؟
ان يعقد مؤتمر يحضره جميع العاملين في الصحافة والمهتمين بها لتشكيل هيئة تأخذ على عاتقها مهمة مفاتحة جهات كأن تكون منظمات أو مؤسسات مهتمة بالجانب الاعلامي تأخذ على عاتقها تمويل اصدار صحيفة او مجلة. ورقية كانت او الكترونية.
او البحث عن جهة ممولة من داخل بيتنا السرياني داخلية او خارجية تحمل نفس تطلعات شعبنا الذي في الداخل وفي الخارج ربما قد تساهم هذه في توحيد الخطاب السياسي ايضا.
بهنام شابا شمَنّي
1 تشرين الثاني 2019
عيد الصحافة السريانية
ارجو اعتماد الصورة الشخصية المرفقة مع المقال