عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - Habib Mrad

صفحات: [1]
1
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

البطريرك يونان يوجّه رسالة عيد القيامة لعام 2024

وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رسالة عيد القيامة لعام 2024، بعنوان "فِصْحُنا هو المسيح"، تناول فيها الأوضاع العامّة في لبنان والشرق الأوسط والعالم، والحضور المسيحي فيها:

"يحلّ عيد القيامة هذا العام وشرقنا المتوسّط يئنّ تحت مطرقة الحروب والقتل والدمار، وكأنّما قيامة الرب يسوع ممجَّداً، معلناً انتصار الحياة على الموت، لم يُسمَع صداها في الأرض التي أتمّ فيها فداء البشر ناشراً السلام على الأرض. منذ سنوات نصلّي ونسعى لمؤاساة المظلومين، ونناشد الدول والحكومات والشعوب في العالم لبذل الجهود بغية وقف الحروب في كلّ مكان، من لبنان وسوريا والأراضي المقدسة وأوكرانيا، وإطلاق المعتقَلين، وإدخال المساعدات الطبّية والإنسانية، ومنع تهجير الشعوب، والحدّ من التغيير الديمغرافي، على غرار ما حصل مع شعبنا منذ أكثر من مئة عام.
في لبنان الحبيب، نرى الأزمات وقد ازداد ثقلها على كاهل الشعب اللبناني الرازح أصلاً تحت وطأة فساد القيّمين على إدارة شؤون البلد. وكم ندّدنا بتقاعُس مجلس النواب عن أداء مهمّته الأولى، وهي انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية دون إبطاء، هذا الرئيس المسيحي الوحيد في بلاد الشرق الأوسط كافّة. ولعلّ أخطرَ الأزمات أمنياً، إقحامُ لبنان في الصراع الدائر في قطاع غزّة، وتداعيات ذلك إنسانياً واقتصادياً ومعيشياً، فيما تتطوّر الأعمال العسكرية في الجنوب اللبناني لتطال مناطق لبنانية عدّة بتصاعُدٍ متواترٍ، منذرةً بنشوب حربٍ تهدّد البنية التحتية للبلد، بعد أن دمّر السياسيون البنية الإقتصادية والمعيشية للبنانيين بما سُمِّيَ "سرقة العصر"، عبر الاستيلاء على مدَّخراتهم وأموالهم في المصارف دون أيّ حسيب أو رقيب أو رادع. فباتت الهجرة من لبنان الهدف الأول، لا سيّما لفئة الشباب، هرباً من هذا الواقع المرير.
لذا نجدّد الدعوة الملحّة لانتخاب رئيس جديد، فينتظم عمل المؤسّسات السياسية والدستورية، للمباشرة بالإصلاحات الضرورية، كي يرجع لبنان إلى إشعاعه، ويعود إليه أبناؤه الذين اضطُرُّوا إلى هجرته.
وها هي سوريا الغالية التي تعاني منذ أكثر من ثلاث عشرة سنةً من العنف والمآسي والدمار، لا تزال تحتضن أبناءنا الذين أبوا مغادرة أرضهم، بل ظلّوا صامدين بالرغم من أوضاع إقتصادية وأمنية تفاقمت بسبب العقوبات الاقتصادية التي نجدّد مطالبَتَنا برفعها، لأنّها تشكّل تعدّياً جائراً على المواطنين المدنيين في وطنٍ مستقلٍّ ومعترَفٍ به دولياً. وإذ ندعو إلى أن تتضافر جهود الشرفاء داخل سوريا وخارجها، كي يقضوا على الفتنة التي جلبت المعاناة والمآسي وسبّبت نزيف الهجرة المتزايدة، نحثّ الجميع على المساهمة في إعادة إعمار بلدهم، على أسس العدالة والحرّية والسلام.
لا تغيب عن بالنا التحدّيات الكثيرة التي يجابهها أبناؤنا وبناتنا في العراق الغالي، سياسياً واقتصادياً، والتي يسعى المسؤولون للعمل جاهدين في سبيل التخفيف من حدّتها، بغية إحلال الأمن والعدالة والمساواة والاستقرار في بلاد الرافدين. إنّنا ندعو جميع المواطنين كي يعملوا معاً من أجل نهضة بلدهم وإعادة بنائه، بروح الانفتاح والاحترام المتبادَل، مؤكّدين تمسُّك المكوّن المسيحي بوطنه العراق، فهو مكوِّن أصيل ومؤسِّس فيه، وسيبقى متجذّراً في أرضه ووفيّاً لها رغم المعاناة والمِحَن والصعوبات.




لقد فُرِضَت الحرب وساد القتل والدمار منذ أكثر من ستّة أشهر في الأراضي المقدسة عامّةً، ولا سيّما في قطاع غزّة، حيث يدفع السكّان، وخاصّةً الأطفال والعجزة والنساء، ثمنَ مغامرات البعض وعدم تبصُّرهم لنتائج أفعالهم. إنّنا، إذ نؤكّد قربنا الروحي من أبنائنا وبناتنا هناك، كما من جميع السكّان الذين يقاسون الأمَرَّين من شدّة المعاناة، نجدّد مناشدة جميع المعنيين من حكومات وشعوب، للعمل الجادّ على إحلال السلام والأمان في أرض السلام. وهذا يتمّ بإطلاق سراح جميع الرهائن، والوقف الفوري للحرب وأعمال العنف، وتأمين المساعدات والمقوّمات الأساسية لحياة السكّان، من إنسانية وطبّية ومعيشية.
وفي مصر والأردن وبلدان الخليج العربي، نثمّن الدور الذي تؤدّيه السلطات في هذه البلدان لتعزيز الاستقرار والازدهار والرخاء لجميع المواطنين، في جوٍّ من الألفة والمودّة والتسامح.
وفي تركيا، حيث نأمل أن تتكلّل بالنجاح مساعي الغيارى من أبنائنا مع السلطات المعنيّة لاستعادة مقرّ بطريركيتنا في ماردين، نثني على أبنائنا الذين يؤدّون الشهادة الراسخة لإيمانهم في تلك الأراضي التي ارتوت بدماء آبائنا وأجدادنا.
وإلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، نتوجّه بالمحبّة الأبوية والتشجيع على متابعة عيش إيمانهم بالرب يسوع، وأمانتهم لالتزامهم الكنسي وانتمائهم السرياني الأصيل، ومحبّتهم للغتهم السريانية، وتعلُّقهم بتراثهم العريق وتقاليدهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في أرضهم وأوطانهم الأمّ في الشرق. ونحثّهم على المحبّة والاحترام والإخلاص للأوطان الجديدة التي احتضنَتْهم ووفّرَت لهم سُبُل الحياة، بالحرّية والكرامة الإنسانية، مشدّدين على أهمّية التمسُّك بالمبادئ الأصيلة للعائلة وقدسيّتها، وتنشئة أولادهم عليها، كي يكونوا مؤمنين ومواطنين صالحين.
كما نحثّ أبناءنا وبناتنا في بلاد الانتشار على القيام بأعمالٍ ومبادرات محبّةٍ يمليها عليهم حسّهم الأخوي وانتماؤهم العائلي والكنسي، فيساهموا قدر استطاعتهم في دعم الكنيسة والمؤمنين في بلاد الشرق، حيث تكبر المعاناة، وتتفاقم التحدّيات، وتزداد الحاجات المادّية، متذكّرين ما جاء في سفر أعمال الرسل: "فعزمَ التلاميذ أن يُرسِلوا حسبما يتيسّرُ لكلّ واحدٍ منهم، إسعافاً للإخوة المُقيمين في اليهودية" (أع11: 29).
ولا يفوتنا أن نكرّر المطالبة بحلّ كلّ نزاع في العالم بالحوار والتفاوض والتفاهم، وخاصّةً من أجل انتهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وقد طال أمدها وخلّفت الدمار، بشراً وحجراً.
كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.

وفي كلمته الروحية، تحدّث غبطته عن أنّ الرب يسوع المسيح هو الفصح الحقيقي والجديد، وأنّ قيامته من بين الأموات هي أساس إيماننا وعيدنا العظيم، وهي عيد الخليقة الجديدة ومنبع السلام وعنوان الرجاء ومبعث الفرح، فالمسيح قام حقّاً ومنحنا الغلبة.

 

                                                     أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
   

2

رسالة عيد الميلاد المجيد 2023

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل، وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܐܰܠܳܗܳܐ ܡܡܰܠܶܠ ܥܰܡܰܢ ܒܰܒܪܶܗ»
"الله يكلّمنا بابنِهِ"
"إنّ الله كلَّمنا في آخر الأيّام هذه بابنٍ جعلَهُ وارثاً لكلّ شيء، وبه أنشأ العالَمين" (عب 1: 1-2)
1. مقدّمة
يطيب لنا أن نستهلّ رسالتنا الميلادية هذه بتقديم التهاني الحارّة مع الأدعية الأبوية والتمنّيات القلبية، بمناسبة عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح بالجسد وحلول العام الجديد 2024، إلى جميع إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة الأجلاء آباء السينودس المقدس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، وأبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالربّ، في لبنان وسوريا والعراق والخليج العربي والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والأميركتين وأستراليا.
ونرفع تضرّعنا إلى كلمة الله المتأنّس أن يمنح بميلاده العجيب في بيت لحم المسكونةَ السلام والأمان، ويفيض على عالمنا الرازح تحت ثقل الآلام والحروب والنزاعات والأوبئة والكوارث، نِعَمَ التآخي والعدل والتضامن، وأن يغمر قلوبنا بالرجاء الوطيد والفرح الدائم، ويهب بشريتنا جمعاء عاماً جديداً مفعَماً بالخير والبركة، ليحظى جميع الناس بالطمأنينة والاستقرار في بلادهم، وينعموا بالصحّة والعافية نفساً وجسداً وروحاً، وتملك المحبّة والألفة والوئام بروح الأخوّة المعطاءة بتجرُّد والوحدة الحقيقية في العائلات والمجتمعات والأوطان.
2. ذاك الذي هو كلمة الحياة
يُعتبَر عيد ميلاد الربّ يسوع بالجسد أعظم حدث على الإطلاق غيّر سيرَ التاريخ البشري. فابن الله الوحيد تجسّد وحلَّ بيننا. دخل تاريخنا، نحن البشر، محقّقاً بميلاده ما كانت تتوق إليه البشرية منذ أن وُجِدَ الإنسان على الأرض. ففي ليلة الميلاد هذه، "ظَهَرَ حبّ الله لنا: إنّه يسوع. وفي يسوع، صار العليّ صغيراً، كي نحبّه. في يسوع، صارَ الله طفلاً، كي نعانقه" (من موعظة قداسة البابا فرنسيس في قداس ليلة عيد الميلاد، الثلاثاء 24 كانون الأول 2019). إنّ الله صار بشراً مثلنا، وشابَهَنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، هذا ما أكَّدَه القديس يوحنّا الرسول في رسالته الأولى: "ذاك الذي كان منذ البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي أبصرناه، ولمسَتْهُ أيدينا، ذاك الذي هو كلمة الحياة، به نبشّركم" (1يو1: 1-2). فما البشرى إلا بشرى يسوع للناس، وما كلمة الحياة إلا يسوع نفسه، فهو "الكلمة التي كانت منذ البدء، والكلمة التي كانت لدى الله، والكلمة التي هي الله. به كان كلّ شيء، وبدونه ما كانَ شيءٌ ممّا كان" (را. يو1: 1-3).

عيد ميلاد الربّ يسوع يزرع الفرح في النفوس، لأنّه عيد الأمل والابتهاج، على ما قاله الملاك للرعاة، في يوم ميلاده، إذ كانوا يحرسون قطعانهم في هجعات الليل في بيت لحم: "ها إنّي أبشّركم بفرحٍ عظيم يكون فرح الشعب كلّه: لقد وُلِدَ لكم اليوم مخلّص، وهو المسيح الربّ" (لو2: 10-11). هذا الفرح هو يسوع نفسه، المخلِّص، المسيح الربّ، الفادي، الإله المحبّ البشر، الكثير المراحم، والداعي الكلّ إلى الخلاص بموعد الخيرات المنتظَرة.
وها هو القديس مار يعقوب السروجي يتغنّى بالفرح الذي عمّ العالم بميلاد المسيح المخلّص: «ܒܝܰܠܕܶܗ ܕܰܒܪܳܐ ܗܳܐ ܦܨܺܝܚܺܝܢ ܒܶܗ ܟܽܠ ܒܶܪ̈ܝܳܬܳܐ܆ ܫܡܰܝܳܐ ܘܥܺܝܪ̈ܶܝܗ̇܆ ܐܰܪܥܳܐ ܘܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܕܰܠܟܽܠ ܚܰܕܺܝ. ܚܕܺܝܘ ܥܶܠܳܝ̈ܶܐ ܕܰܕܢܰܚ ܣܰܒܪܳܐ ܥܰܠ ܬܰܚܬܳܝ̈ܶܐ܆ ܚܕܺܝܘ ܬܰܚܬܳܝ̈ܶܐ ܕܶܐܬܳܐ ܫܰܝܢܳܐ ܢܚܰܪܰܪ ܐܶܢܽܘܢ. ܚܕܺܝܘ ܛܳܥܰܝ̈ܳܐ ܕܶܐܬܳܐ ܪܳܥܝܳܐ ܢܟܰܢܶܫ ܐܶܢܽܘܢ܆ ܚܕܺܝܘ ܥܰܢܺܝ̈ܕܶܐ ܕܶܐܬܳܐ ܚܰܝܳܐ ܢܢܰܚܶܡ ܐܶܢܽܘܢ. ܒܝܰܠܕܶܗ ܕܰܒܪܳܐ ܗܳܐ ܦܨܺܝܚܺܝܢ ܒܶܗ ܪܰܘܡܳܐ ܘܥܽܘܡܩܳܐ܆ ܕܬܶܗܪܳܐ ܚܰܕ̱ܬܳܐ ܚܙܰܘ ܥܶܠܳܝ̈ܶܐ ܥܰܡ ܬܰܚܬܳܝ̈ܶܐ». وترجمته: "هوذا كلُّ الخلائق فَرِحةٌ بولادة الابن، السماءُ وملائكتُها، والأرضُ وبنوها، فهو قد فرّحَ الكلّ. فرحَ العُلويون إذ أشرق الرجاءُ للسفليين، وفرحَ السفليون إذ جاء الأمنُ ليحرّرهم. فرحَ الضالّون إذ جاء الراعي ليجمعهم، فرحَ الراقدون إذ جاء الحيُّ ليبعثهم. هوذا العُلى والعمقُ فَرِحان بولادة الابن، فالعُلويون والسفليون قد رأوا عجباً جديداً" (من قصيدة عن ميلاد الرب يسوع بالجسد وأسرار الأنبياء المكتوبة بشأنه).
3. في المسيح أعلن الله كلمته وسرّ محبّته
في الميلاد، كلَّمنا الله بابنِهِ الحبيب يسوع المسيح. لقد قال لنا كلمَتَه التي بعدها لم يَعُدْ هناك ما يقوله لنا. في المسيح، الكلمة المتأنّس، أوحى الله لنا حقيقته وتدبيره الخلاصي وأعلن كلمته: "الله بعدما كلَّمَ الآباء قديماً بالأنبياء مرّاتٍ كثيرةً بوجوهٍ كثيرةٍ، كلَّمنا في آخر الأيّام هذه بابنٍ جعلَهُ وارثاً لكلّ شيء، وبه أنشأ العالَمين" (عب1: 1 - 2).
تعود بنا الرسالة إلى العبرانيين في مستهلّها إلى الآباء، ابراهيم وإسحق ويعقوب، وتصل إلى الأنبياء، موسى، إيليّا، إشعيا،... الذين كلّمهم الله، كلّ واحد بطريقة معيّنة. وفي النهاية يصلُ وحيُ الله إلى القمّة، إلى الذروة، إلى يسوع المسيح الذي ليس بنبيٍّ مثل سائر الأنبياء. فالنبي يحمل الكلمة، أمّا يسوع المسيح فهو الكلمة. النبي محطّة في كلام الله، أمّا يسوع المسيح فهو النهاية، "هو الألف والياء، البداية والنهاية" (رؤ21: 6)، وفيه تمَّت الرؤى والإيحاءات والنبوءات والرموز.
لقد كلّم الله ابراهيم طالباً منه أن يترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه، ويأتي إلى المكان الذي يدلّه عليه. وسمع ابراهيم صوت الله، وانطلق. وكذلك كلَّم إسحق ويعقوب، وكلّم موسى، والشعب العبراني المجتمع حول جبل سيناء الشبيه بمذبح كبير يُقيم حوله الشعب المؤمن. كما كلّم إيليّا النبي الذي لم يسمع صوت الله من خلال النار أو العاصفة أو الرعد، بل سمعه من خلال نسيم هادئ، عبر الصمت.
وفي صَمْتِ الليلِ وُلِدَ يسوع في المذود، وعرفَتْهُ البشرية الوديعة المتواضعة. إنّه الطفل الإلهي الصامت، ابن الله الذي أضحى ابن البشر، هو الكاهن الذي يربط السماء بالأرض، وإليه يأتي المحبّون والودعاء كي يحملوا كلمته ورسالةَ حبّه إلى العالم كلّه. وأولّهُم الرعاة البُسطاء الذين يُغْنُون الكثيرين بفقرهم، أسرعوا إليه ورأوه في المذود. رأوا ومضوا يُخبِرون ويُبشّرون، فكانوا صورةً للرسل الذين انطلقوا مبشّرين يوم العنصرة. وأتى المجوس، وهم أيضاً رأوا الإبن وعَرَفوه، فسجدوا له، ومضوا يخبرون عنه.


فما قاله الله لنا سابقاً، على لسان الآباء والأنبياء، كان بمثابة إيحاءات ونبوءات تهيّئ لنا التجسُّد الإلهي في يسوع المسيح، الإبن الوحيد. لقد أعطانا الله كلّ شيء في الإبن الذي إليه وحده تتَّجه أنظارنا، إذ به اكتمل الوحي الإلهي. وكم هو مؤثّرٌ ومعبّرٌ موقف العذراء مريم وهي تناجي ابنها، تتأمّله بصمتٍ في أعماق قلبها. فهو القدير الذي لبسَ الضعف، والغني الذي افتقر، وسيكون الخادم لا السيّد، وهي أصبحت أَمَة الرب التي استسلمت لإرادة الله بكلّيتها كي تعمل فيها.
4. الله يكلّمنا اليوم، فما أسعدَنا!
على الإنسان ألا يفتّش عن شيء آخر جديد خارجاً عن يسوع المسيح الإله الكلمة الذي تجسَّد لأجل خلاصنا. لقد كلّم الله آباءَنا قديماً، وهو يكلّمنا اليوم، فما أسعدنا حين نقبل بشرى ميلاد مخلّصنا، وما أجملَ أن تحمل الكنيسة سرَّ محبّته الفائقة إلى العالم على يد خدّامٍ مُرسَلين يبشّرون في العالم أجمع.
فلنُسْرِع إذاً لملاقاة نور الميلاد الذي أشرق في بيت لحم وبدّدَ ظلامَ الخطيئة والموت. فلنَخْرُج من صحراء غربتنا عن الله، ولنحمِل نور مصابيحنا ونُسرِع إليه لنراه ونسجد له ونرنّم، كما أسرع إليه الرعاة وعاينوه متعجّبين ومندهشين، وكما أتى الملوك - المجوس من الشرق وسجدوا له معترفين، وكما رنَّم الملائكة في السماء هاتفين: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر" (لو2: 14).
يتأمّل مار يعقوب السروجي حدثَ الميلاد العجيب للرب يسوع، مقارناً حلوله في السماء وسط الملائكة والجنود السماويين وسكناه على الأرض بين بني البشر: «ܝܰܘܣܶܦ ܩܰܪܺܝܒ ܘܰܓܢܶܐ ܒܓܶܦ̈ܶܐ ܣܪܳܦܳܐ ܡܶܢܳܟ܆ ܛܥܺܝܢܳܐ ܡܰܪܝܰܡ ܟܰܕ ܒܰܟܪ̈ܽܘܒܶܐ ܡܶܙܕܰܝܰܚ ܐܰܢ̱ܬ. ܠܥܶܠ ܐܶܢ ܚܳܐܰܪ ܗܰܘܢܳܐ ܒܬܶܗܪܳܐ ܗܳܐ ܬܰܡܳܢ ܐܰܢ̱ܬ܆ ܠܬܰܚܬ ܐܶܢ ܩܳܪܒܳܐ ܗܰܝܡܳܢܽܘܬܳܐ ܗܳܐ ܥܰܡܳܗ̇ ܐܰܢ̱ܬ. ܠܥܶܠ ܐܰܢ̱ܬ ܘܰܠܬܰܚܬ ܒܰܬܪܶܝܢ ܓܰܒ̈ܺܝܢ ܘܺܝܚܺܝܕܳܝܰܐ ܐܢ̱ܬ܆ ܘܗܳܐ ܡܰܪܟܰܒܬܳܐ ܘܟܰܪܣܳܐ ܕܡܰܪܝܰܡ ܡܰܠܝܳܐ ܡܶܢܳܟ... ܡܳܐ ܕܰܒܥܰܝܢܳܟ ܐܰܠܳܗܳܐ ܐܰܢ̱ܬ ܥܰܡ ܝܳܠܽܘܕܳܟ܆ ܘܡܳܐ ܕܶܐܫܟܰܚܢܳܟ ܒܰܪܢܳܫܳܐ ܐܰܢ̱ܬ ܥܰܡ ܝܳܠܶܕܬܳܟ». وترجمته: "يوسفُ قريبٌ، والساروفُ مُغطّى بالأجنحة (تهيُّباً) منكَ، مريمُ تحملُكَ، وأنتَ تُزيَّحُ بواسطة الكاروبيم. إن نظرَ العقلُ إلى الأعلى بانذهالٍ، فها أنتَ هناك، وإن اقتربَ الإيمانُ إلى الأسفل، فها أنتَ معه. أنتَ في الأعلى والأسفل، في الجانبَين، (ولكنَّكَ واحدٌ) وحيدٌ، وها المركبةُ (السماء) وبطنُ مريم مليئان منكَ... إذا طلبناكَ، فها أنتَ إلهٌ مع والدكَ، وإذا وجدناكَ، فها أنتَ ابن البشر مع والدتكَ" (من قصيدة عن أنّ ربّنا دُعِيَ اسمه "عجباً").
الله يكلّمنا اليوم وينطق فينا: في تفكيرنا، في كلامنا، في تصرّفاتنا، في سلوكنا، وفي علاقاتنا مع الناس المبنيَّة على المحبّة والاحترام. وهكذا تغدو حياتنا تعبيراً عن كلمة الله، ونصبح شعباً سلامياً يفعِّلُ حياتياً بشرى الميلاد، لأنَّ سلام الله ومحبَّته قد حلاّ فينا، فنحيا "القداسة التي بغيرها لا يرى أحدٌ الرب" (عب 12: 14).
5. سرّ التجسُّد يُنير سرّ الإنسان
سرّ التجسُّد حقيقة إلهية تنير سرّ الإنسان ومعنى حياته التائقة إلى السعادة في الحبّ والسلام، لأنَّ يسوع هو السلام الحقيقي الذي يحثُّنا على اكتشاف دعوتنا إلى المحبّة الصافية والمتجرِّدة، التي علينا أن نعيشها بالأخوّة والتعاون والتعاضد بين الأفراد والعائلات والمجتمعات. إنّها دعوة إلى ممارسة الإخلاص الصادق والمحبّة الفاعلة والحرّية البنّاءة، كأسس للحقوق الإنسانية للجميع، دون فرق في الجنس والعرق واللون والبيئة الجغرافية أو السياسية.

إنَّها المحبَّة التي عليها أن تسود في المجتمع وبين الأمم، فلا يشقى أحد من جراء الأنانية أو اللامبالاة. في المسيح نحن إخوة لجميع الناس. فلنتصالح ولنكسر حواجز الكراهية والعداوة، ولنكن رسل محبَّة وسلام، فتُولَد كلمة الله فينا... ليُولَد المسيح فينا. في طفل بيت لحم، يأتي الله للقائنا كي يجعل منّا أبطال الحياة التي يحنّ إليها جميعُ البشر. يُقدّم ذاته لنا كي نرفعه على أيدينا ونغمره حبّاً وإعجاباً، وبه نرفع ونغمر بحناننا العطشان والنزيل والعريان والمريض والمسجون (را. مت 25: 35-36)... "يدعونا الطفل الإلهي كي نحمل مسؤولية الرجاء، يدعونا كي نكون حرّاساً للكثيرين ممَّن وقعوا تحت ثقل الخيبة واليأس أمام الكثير من الأبواب المُغلَقة. في هذا الطفل، يجعلُ الله منّا أبطالَ ضيافته" (من موعظة قداسة البابا فرنسيس في قداس ليلة عيد الميلاد، الأحد 24 كانون الأول 2017).
كما يؤكّد قداسة البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة اليوم العالمي السابع والخمسين للسلام لعام 2024، بعنوان "الذكاء الاصطناعي والسلام"، أنّ "السلام، في الواقع، هو ثمرة العلاقات التي تعترف بالآخرين وتقبلهم في كرامتهم غير القابلة للمساومة، وهو ثمرة التعاون والالتزام في السعي لتحقيق التنمية المتكاملة لجميع الأشخاص وجميع الشعوب".
6. صدى العيد في عالمنا اليوم
يحتاج عالمنا اليوم، وخاصّةً شرقنا، إلى الرجاء والسلام، أكثر من أيّ وقتٍ مضى. ففيما نحتفل بعيد الميلاد متأمّلين بسرّ التجسّد، ومندهشين بالله يكلّمنا بابنه الوحيد، يسوع - الإله المتأنّس الذي حلّ بيننا، وصار صغيراً، فقيراً وضعيفاً، لا يسعنا ألا أن نفكّر بالمآسي التي يعيشها شعبنا اليوم، لا سيّما سكّان الأراضي المقدَّسة، الذين فُرِضَتْ عليهم حربٌ مدمِّرة في غزّة، وارتدّتْ انعكاساتُها المريرة على المناطق المحيطة بها، وبشكل خاص على المناطق الحدودية في الجنوب اللبناني. إنها مآسٍ غيّبتْ بهجة العيد عن معظم بلدان شرقنا. ولا يمكننا إلا أن نعبّر للإخوة والأخوات هناك، وخصوصاً للأطفال وعائلاتهم، عن قربنا منهم ودعمنا الروحي لهم. إنّهم يدفعون ثمن الحرب الظالمة، مشتركين في معاناة أهل بيت لحم بمقتل أطفالهم. منذُ عشرات السنين لا يزالُ السلام غائباً في الأرض التي منها أشرق ملك السلام! إنّنا نناشد، مع الشرفاء في هذا العالم، جميعَ المعنيين من حكومات وشعوب، كي يعملوا بصدقٍ وجدّيةٍ على الوقف الفوري الكامل والشامل لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبّية الواجبة للسكّان الذين يعانون جراء هذه الحرب.
وفي لبنان، حيث يعيش المواطنون أزمات اقتصادية متتالية منذ اندلاع ثورة 17 تشرين الأول 2019 وما تلاها من أحداث، وتفشّي وباء كورونا، والتفجير الإرهابي لمرفأ بيروت والذي لا تزال التحقيقات القضائية فيه معطَّلة بسبب المنافع السياسية، بالإضافة إلى الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية، حيث تقوم فئة من السياسيين اللبنانيين بتعطيل الانتخابات الرئاسية عبر تمنُّعها دون مبرّر عن حضور الجلسات، ضاربةً عرض الحائط مصالح اللبنانيين وحاجتهم الماسّة للإستقرار السياسي والاقتصادي. وها هي هذه الفئة المتحكّمة بالوطن تحاول جاهدةً إحكام سيطرتها على مفاصل الدولة والاستمرار بالسياق عينه في ضرب كلّ المؤسّسات الدستورية، من رئاسة الجمهورية، إلى حاكميّة مصرف لبنان، وتعطيل عمل القضاء، وصولاً إلى قيادة الجيش وقيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلى أن جَهِدَ المخلصون أخيراً، فحكّموا ضميرهم وتفادوا وقوع الفراغ فيها.


من هنا ندعو كلّ أبنائنا وبناتنا وجميع اللبنانيين المؤمنين بهذا الوطن وبالرسالة التي يحملها، أن يرفضوا الاستسلام. وليكن زمن ميلاد الرب يسوع زمنَ الخلاص للبنان من أزماته، وليحمل العام الجديد 2024 الأمل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، واستكمال السلطة التنفيذية باختيار مَن يحملون هموم الوطن ومصالحه في عقولهم وقلوبهم، ليعملوا على انتشال لبنان من كبوته، وإعادته إلى مصافّ الدول المزدهرة والمتطوّرة.
في سوريا، نصلّي كي تثمر الجهود الدولية والديبلوماسية رفعَ العقوبات المفروضة وإنهاءَ الصراع القائم منذ أكثر من اثني عشر عاماً، وتفضي إلى تسوية تنهي التنافس والنزاع في سوريا كما في المنطقة في مجالاتٍ عدّة. فتنعكس على الشعب السوري الطامح إلى الحرّية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويعود مَن غادر أو تهجّر، ولا سيّما الشباب، ليُسهم، مع الذين تعالوا على النكبة وصمدوا متجذّرين في أرضهم، في خلق الثقة وتعزيز الوحدة والمصالحة بين جميع مكوّنات الوطن، والمشاركة بإعادة بناء ما تهدّم. نسأل الرب يسوع أن ينعم، بجاه ميلاده، على هذا البلد بالأمان، فيؤول الاستقرار الأمني إلى استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، لا سيّما بعد الآثار التي نتجت عن الزلزال المدمّر الذي أصاب أجزاءً من البلد في شباط الماضي.
وفي العراق، لا تغيب عن بالنا الفاجعة المريعة التي راح ضحيّتها 133 شخصاً من أبنائنا وبناتنا الأعزّاء، في قره قوش (بغديده) الحبيبة، فضلاً عن إصابة مئات الآخرين. ولنا الثقة ألا تزعزع هذه النكبة ثباتنا في إيماننا، بل على الآلام المريرة أن تزيدنا رسوخاً في أرض آبائنا وأجدادنا، وتقوّي رجاءنا فوق كلّ رجاء. لذا نجدّد تضامننا الأبوي وقربنا وصلاتنا من أجل راحة نفوس الضحايا وتعزية عائلاتهم وأهلهم وذويهم وبلسمة جراحهم. كما لا ننسى التحدّيات الكثيرة التي يجابهها الشعب العراقي إزاء الأزمات السياسية والاقتصادية التي خلّفَتْها الصراعات، ونضرع إلى الرب يسوع أن يحمل بميلاده الطمأنينة والأمان لجميع المواطنين، فيشاركوا مع المسؤولين الأصلاء في مشروع نهضة العراق الحضارية وبنائه بشراً وحجراً، وصولاً للإستقرار السياسي والأمني والاجتماعي.
وفي مصر، نهنّئ جميع المواطنين بإعادة انتخاب فخامة رئيس الجمهورية، ونصلّي كي تحمل نتائج الانتخابات أملاً بتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب المصري في ظلّ التضخّم الحاصل.
والأردن، وبلدان الخليج العربي، التي نعرب عن ارتياحنا لما تقوم به السلطات في هذه البلدان العزيزة لتأمين الرخاء والازدهار للشعب، في جوٍّ من الألفة والمودّة والتسامح.
وتركيا، حيث نتابع مع أبنائنا الغيارى المساعي لاستعادة مقرّ بطريركيتنا في ماردين، نصلّي كي يستمرّ أبناؤنا في أداء شهادتهم للرب في هذا البلد، بالعيش الكريم والمواطنة الكاملة.
ونتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، ونحثّهم على عيش إيمانهم بالرب يسوع، ومتابعة التزامهم الكنسي، بالأمانة لكنيستهم السريانية وتراثهم السرياني الثمين وتقاليدهم الأصيلة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في أوطانهم الأمّ في الشرق، مع المحبّة والإخلاص لأوطانهم الجديدة التي فتحت لهم آفاق العيش الكريم والحرّ. ونوصيهم أن يحافظوا على قدسيّة العائلة، ويربّوا أولادهم تربيةً مسيحيةً صالحةً، رغم المخاطر والتحدّيات والمغريات.


كما نحثّهم على القيام بأعمالٍ ومبادرات محبّةٍ يمليها عليهم حسّهم الأخوي وانتماؤهم العائلي والكنسي، فيساهموا قدر استطاعتهم في دعم الكنيسة والمؤمنين في بلاد الشرق، حيث تكبر المعاناة، وتتفاقم التحدّيات، وتزداد الحاجات المادّية، متذكّرين ما جاء في سفر أعمال الرسل: "فعزمَ التلاميذ أن يُرسلوا حسبما يتيسّرُ لكلّ واحدٍ منهم، إسعافاً للإخوة المُقيمين في اليهودية" (أعمال 11: 29).
ولا ننسى أن نجدّد صلاتنا إلى الرب يسوع، المولود طفلاً في مذود بيت لحم، من أجل انتهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وحلّ كلّ نزاع في العالم بالحوار والتفاوض والتفاهم، والتوقّف عن سفك الدماء وتدمير البشر والحجر.
كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
7. خاتمة
هلمّوا نهرع إلى بيت لحم، فنتأمّل الرب يسوع طفلاً موضوعاً في المذود، ونعيش حدث الميلاد العجيب، حيث يكلّمنا الله بابنه الوحيد. ولنوقظ في ذواتنا الحنين إلى الصمت والصلاة، وسط حياتنا اليومية التي غالباً ما تكون صاخبة. فلنَصْمُتْ ونتأمّل ونصلِّ خاشعين، ولنذكرْ إخوةً وأخواتٍ حُرِموا بهجة العيد، بسبب ما يقاسونه من هول الحروب والمآسي والاضطهادات. وإلى الآب السماوي نضرع، كي يبارك الكنيسة الجامعة بِنِعَمِ الميلاد، فتتابع مسيرتها السينودسية التي ستقودنا إلى الدورة الثانية من الجمعية العامّة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة الروماني، والتي ستُعقَد في تشرين الأول القادم 2024 بعنوان: "من أجل كنيسةٍ سينودسية: شركة ومشاركة ورسالة". فلنثقْ بأنّ المسيح قريبٌ منّا، تعالوا لنسجد له.
وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين. كلّ عام وأنتم بألف خير.

ܡܫܺܝܚܳܐ ܐܶܬܺܝܠܶܕ... ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ  وُلِدَ المسيح! هللويا!

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت – لبنان
في اليوم الحادي والعشرين من شهر كانون الأوّل سنة 2023،
 وهي السنة الخامسة عشرة لبطريركيتنا



                                                                  اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                                   بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

3
البيان الختامي
للسينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
مقرّ مطرانية الموصل، قره قوش - العراق 10-15/9/2023

مقدّمة
عُقِدَ السينودس السنوي العام لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، في الفترة الممتدّة من 10 حتّى 15 أيلول 2023، في مقرّ مطرانية الموصل، قره قوش – العراق، وذلك برئاسة صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلّي الطوبى، بطريرك السريان الأنطاكي، وبمشاركة آباء السينودس رؤساء الأساقفة والأساقفة القادمين من الأبرشيات والأكسرخوسيات والنيابات البطريركية والرسولية في لبنان وسوريا والعراق والخليج العربي والقدس والأردن ومصر والولايات المتّحدة الأميركية وكندا وفنزويلا، والمعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا، واعتذر عن الحضور الزائر الرسولي في أستراليا، والنائب البطريركي في تركيا.
شارك آباء السينودس برياضة روحية، يومي الإثنين والثلاثاء 11 و12 أيلول، ألقى مواعظها حضرة الأباتي سمعان أبو عبدو، حول "ملامح الأسقف في عالم متغيّر"، متأمّلاً دعوة الأسقف وصفاته في عالم اليوم كسفير للمسيح، وعلاقته مع الله، ومع إخوته في الأسقفية، ومع المؤمنين الموكَلين إلى رعايته.
ومساء يوم الأحد 10 أيلول، احتفل غبطته بالقداس الافتتاحي، يشاركه آباء السينودس، بحضور جماهير المؤمنين في كاتدرائية الطاهرة الكبرى. وفي صباح اليوم التالي، افتُتِح السينودس بكلمة لغبطته، مرحّباً بالأسقفين الجديدين: مار بنديكتوس يونان حنّو، رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ومار يوليان يعقوب مراد، رئيس أساقفة حمص وحماة والنبك، مُذكّراً بمسيرة كنيستنا في العام المنصرم، مقدّماً الخطوط العريضة للسينودس، مشدّداً على رباط المحبّة والأخوّة الذي يجمع الآباء في رعاية المؤمنين، ومؤكّداً على أهمّية انعقاد السينودس في قره قوش، هذه المدينة الشاهدة والشهيدة لإيمانها الراسخ بالرب يسوع.
وقدّم الآباء الشكر الجزيل والامتنان لسيادة المطران مار بنديكتوس يونان حنّو وجميع معاونيه من كهنة وعلمانيين، على الجهود الجبّارة لتهيئة انعقاد السينودس في أبرشية الموصل، في خطوة تاريخية فريدة، للتعبير عن المكانة المتميّزة لهذه الأبرشية عامّةً، ولقره قوش (بغديده) خاصّةً، كلؤلؤة ثمينة في قلب الكنيسة السريانية الكاثوليكية.
ورفع آباء السينودس رسالةً إلى قداسة البابا فرنسيس، ملتمسين منه الصلاة والبركة الرسولية لأجل نجاح أعمال المجمع الذي تضمّن جدول أعماله الشؤون الكنسية والروحية والراعوية والإجتماعية والوطنية التالية:


أولاً: أوضاع الأبرشيات والنيابات والزيارات في الشرق وبلاد الانتشار
عرض الآباء أوضاع الأبرشيات في بلاد الشرق، ودرسوا واقع الحياة والنشاطات، وتوقّفوا عند ما يعانيه أبناؤهم من جراء الأوضاع الصعبة والإضطهادات وأعمال العنف والإرهاب والتهجير والقتل والتدمير، واقتلاع عدد كبير من رعاياهم من أرض الآباء والأجداد. كما لم يغفلوا بحث شؤون الكنيسة في بلاد الانتشار، في أوروبا، والأميركيتين، وأستراليا. وتدارسوا واقع الخدمة الروحية والرعوية وتحدّياتها، لا سيّما في خضمّ موجات العلمنة والإلحاد وما يتهدّد قيم العائلة والمجتمع، إضافةً إلى ضرورة رفد كنيسة الانتشار بكهنة مُرسَلين يؤمّنون حاجات المؤمنين، مؤكّدين على أهمّية محافظة المؤمنين في بلاد الانتشار على إيمانهم وتراثهم السرياني الأصيل، وتعلّقهم بكنيستهم وأبرشياتهم الأمّ في الشرق، ومدّ يد المساعدة لها ولأهلهم فيها.

ثانياً: شؤون كنسية ورعوية
أ- التنشئة الكهنوتية والرهبانية
توقّف الآباء عند وضع إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية في دير الشرفة بلبنان، مقدّمين الشكر لإدارة الإكليريكية على الجهود المبذولة في تنشئة الإكليريكيين، ومنوّهين بضرورة إيلاء الدعوات الكهنوتية والرهبانية في الأبرشيات والرعايا والإرساليات العناية والرعاية، ودعم خدمة الإكليريكية بتكريس يوم خاصّ للدعوات في كلّ كنائسنا في الشرق والغرب. وقد ذكّر الآباء بالقرار الذي اتّخذوه العام الماضي بتخصيص الأحد الثالث بعد القيامة لتقديم القداديس والصلوات على نيّة الدعوات وجمع التبرّعات لدعم التنشئة الإكليريكية.
ب- راعوية الشبيبة
شدّد الآباء على الدور المحوري للشبيبة في حياة الكنيسة، فهم قلبها النابض وأملها الباسم بمستقبل مزهر، وضرورة زرع بذور الإيمان الراسخ في قلوبهم وسط المغريات الكثيرة والتحدّيات التي تجابههم. وقد عُرِضت آخر الزيارات والنشاطات التي قامت بها راعوية الشبيبة في زيارة 13 دولة.
ج- الشؤون الليتورجية
استلم الآباء النسخة النهائية لذبيحة القداس الإلهية، والتي ستصدر في الأشهر القادمة وسيتمّ توزيعها بعد تقديم الأساقفة ملاحظاتهم النهائية، لاعتمادها في جميع الكنائس. كما شكّلوا لجنة موحَّدة لمراجعة كتاب رتب الأعياد والاحتفالات ܡܥܰܕܥܕܳܢܳܐ (المعدعدون)، للتقليدين في طقسنا السرياني.
د- العلاقة بين الكنيسة والسياسة
أكّد الآباء على أنّ واجب الكنيسة أن تدافع عن المبادئ الوطنية العامّة وكرامة الإنسان، وتلتزم حماية المظلومين والمستضعَفين، وتوجِّه المؤمنين إلى المشاركة في الحياة العامّة وخدمة الوطن بنزاهة وحرّية، وتهتمّ بالخدمة الروحية دون التهرّب من مسؤوليتها، لكنّها لا تتبنّى موقف أيّ طرف أو جهة.   

ه- مؤتمر عام للكهنة
عقد مؤتمر عام للكهنة لتعزيز روابط المحبّة والشركة وتبادُل الخبرات، وذلك في ربيع عام 2025.

ثالثاً: سينودس الأساقفة الروماني
درس الآباء التحضيرات الجارية لعقد سينودس الأساقفة الروماني "من أجل كنيسة سينودسية: شركة وشراكة ورسالة"،  الذي سيتمّ على دورتين، الأولى في تشرين الأول القادم 2023، والثانية في تشرين الأول من العام المقبل 2024. وتداولوا مشاركة كنيستنا في المرحلة القارّية التحضيرية لهذا السينودس.

رابعاً: العلاقات الأخوية بين الكنائس
بما أنّ خطاب الكنيسة في السنوات الأخيرة يركّز على موضوع السينودسية، يرى الآباء أنّه من الضرورة بمكان عودة الكنيسة إلى الذات، كي تفهم أنّ مسارها لن يكون بمعزل عن العلاقات الإيجابية والمتينة بين بعضها البعض، من أجل خدمة الإيمان ورفع شأن الكنيسة المقدسة، عملاً بوصية الرب يسوع: "بهذا يعرف العالم أنّكم تلاميذي، إن كان لكم حبُّ بعضاً لبعض" (يوحنّا 13: 35).

خامساً: تضامن الكنيسة مع المؤمنين
نوّه الآباء إلى ما تقوم به البطريركية والأبرشيات والنيابات والرعايا والإرساليات، في الشرق كما في بلاد الاغتراب، للوقوف إلى جانب المؤمنين ومساندتهم قدر الإمكان، كي يتمكّنوا من مجابهة الصعوبات. وعبّروا عن مسؤوليتهم المشتركة والضرورة الملحّة لمتابعة خدمة المؤمنين في الشرق كما في الغرب، روحياً ورعوياً واجتماعياً، رغم الصعوبات والتحدّيات. كما يشكر الآباء كافّة المؤسّسات الخيرية التي ساهمت وحافظت على كرامة الإنسان.

سادساً: الهجرة واقع وتحدٍّ للكنيسة الأمّ في الشرق وكنيسة الإنتشار
بحث الآباء موضوع الهجرة وتداعياته السلبية الخطيرة على واقع حياة الكنيسة في الشرق، متوقّفين بشكل خاصّ عند هجرة العائلات والشباب، وأكّدوا على ضرورة بذل الجهود لبثّ روح الأمل بالمستقبل وتوفير مقوّمات الحياة والصمود قدر الإمكان، غير ناسين ما يترتّب على الهجرة من نموّ مطّرد للكنيسة في بلاد الانتشار ومن خطر الذوبان والضياع في بحر المغريات الكثيرة. 




سابعاً: دعوى تطويب شهداء مجزرة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد
تابع الآباء بفرح واعتزاز ورجاء كبير مسيرة دعوى تطويب شهداء مجزرة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد، وقد وصلت الدعوى إلى مراحل متقدّمة، على أمل أن يتمّ إعلان تطويب الكاهنين الشابّين ورفاقهم الشهداء في أقرب وقت.

ثامناً: شؤون بلدان الشرق الأوسط، واقعها وتحدّياتها
أ‌-   الوضع في لبنان:
لا يزال لبنان يعاني من جراء استمرار الشغور في منصب رئاسة الجمهورية بسبب التمادي في تعطيل جلسات الانتخاب في مجلس النواب، وما يستتبع ذلك من تعميق الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن تأخير أيّ بوادر للحلّ لا يمكن الوصول إليها إلا عبر انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة تبدأ مرحلة النهوض بالبلد عن طريق خطط إنماء للتخفيف من حدّة الانهيار على كلّ الأصعدة. لذا يدعو الآباءُ النوابَ إلى المبادرة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية فوراً ودون إبطاء، مهما كانت الحجج والذرائع، فيحكّموا ضميرهم وحسّهم الوطني، بدل تغليب المصالح الخاصّة الضيّقة على حساب الوطن. كما يحثّون المسؤولين، ولا سيّما المسيحيين منهم، أن يتّحدوا، بالتضامن ورصّ الصفوف، للحفاظ على هذا الوطن – الرسالة، في ظلّ تعاظم الأزمات التي تهدّد وجوده، وفي خضمّ التحدّيات الكبيرة، وما يكابده المواطنون بعد تبخُّر أموال المودعين في المصارف، وسواها من الأزمات التي تنهش جسم الدولة.
ب‌-    في سوريا:
لم تغب عن بال الآباء المعاناة المتمادية لأبناء الشعب السوري عامّةً، وللمؤمنين خاصّةً، في ظلّ استمرار الحصار الجائر على الشعب السوري وتداعيات أعمال العنف والهجمات الإرهابية في مناطق عدّة من الوطن، وهم يطالبون برفع هذا الحصار، ويؤكّدون استمرارهم في رعاية شؤون المؤمنين وخدمتهم رغم التحدّيات الكثيرة، ولا سيّما تردّي الوضع الاقتصادي وما يترتّب عنه من هجرة كثيفة بحثاً عن عيش كريم، فضلاً عن تداعيات الزلزال المدمّر في السادس من شباط الماضي، والذي أصاب أجزاءً من البلد وخلّف الدمار والخراب.
ج- في العراق:
يستذكر الآباء الأحداث الأليمة التي أصابت كنيسة العراق بشكل عام وكنيستنا السريانية الكاثوليكية بشكل خاص، منها مجزرة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد، واقتلاع أبناء شعبنا من الموصل وسهل نينوى، وقد قام آباء السينودس بزيارة كنائس الموصل، وشاهدوا حجم الدمار الذي لحق بالكنائس وبأحياء المدينة. وما انعقاد السينودس في الموصل – قره قوش إلا رسالة رجاء وتشجيع يوصلها الآباء إلى أبنائهم لتعزيز ثباتهم في أرضهم التاريخية. وهم يطلبون من الحكومة العراقية أن تولي اهتمامها بهذا الشعب الأصيل وتلبّي حقوقه الشرعية وفقاً

للدستور العراقي. وقد عبّر الآباء عن فرحهم لترميم كنيسة مار توما الرسول في الموصل، لما لهذا القديس من دور رائد في حمل بشرى الإنجيل ونشرها في العراق وبلاد الشرق. ومن خلال زيارة الآباء إلى أبرشيتي الموصل وحدياب – أربيل، لمسوا فرح المؤمنين، وهي علامة مشجّعة لكنيستنا السريانية.   
د- بحث الآباء أوضاع أبنائهم في مصر التي تنعم بالأمان بسبب حكمة قيادتها ومسؤوليها، والأردن الذي يعمل على تعزيز الاحترام المتبادل والطمأنينة بين جميع أبنائه، والأراضي المقدسة التي تنشد السلام والمسامحة وقبول الآخر، والخليج العربي حيث يعمل عدد من المؤمنين ويعيشون بكرامة وحرّية، وتركيا التي يسعى أبناء الكنيسة جاهدين للمحافظة على حضورهم فيها، متابعين شهادتهم للرب في أرض الآباء والأجداد.
ه- وتناول الآباء شؤون المؤمنين في بلدان الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، حيث يتمتّعون بحقوقهم الإنسانية الوطنية، لكنّهم يجابهون تحدّي المحافظة على إيمانهم وتراث آبائهم وأجدادهم.

خاتمة
في ختام السينودس، رفع الآباءُ آيات الشكر للرب الإله، الآب الذي جمعهم بحنانه، والإبن الذي غمرهم بمحبّته، والروح القدس الذي أفاض عليهم إلهاماته وقادهم بهدي نوره في اجتماعاتهم ومناقشاتهم وقراراتهم،  وباركَ أعمالهم لما فيه خير الكنيسة وخلاص نفوس المؤمنين. وتضرّعوا إليه تعالى من أجل انتهاء الحروب والأوبئة والكوارث والأزمات وإحلال الأمن والسلام في الشرق والعالم. وتوجّهوا إلى أبنائهم وبناتهم المؤمنين في كلّ مكان، حاثّين إيّاهم على التمسّك بالإيمان بالرب يسوع والشهادة لإنجيل المحبّة والفرح والسلام، متشجّعين دوماً بوعد الرب يسوع القائل: "قفوا وارفعوا رؤوسكم لأنّ خلاصكم يقترب" (لوقا 21: 28).



4
الرقم: 41/2023
التاريخ: 9/9/2023
بيان إعلامي
صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

البطريرك يونان يعقد اجتماع السينودس المقدس لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية
للمرّة الأولى في قره قوش – العراق، في الفترة من 10 حتّى 15 أيلول 2023

يعقد صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، اجتماع السينودس المقدس لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية في دورته العادية لهذا العام 2023، في مقرّ مطرانية الموصل وتوابعها، في قره قوش (بغديدا) – العراق، في الفترة الممتدّة من 10 حتّى 15 أيلول 2023.
وتجدر الإشارة إلى أنّها المرّة الأولى في تاريخ الكنيسة السريانية الكاثوليكية التي فيها يُعقَد اجتماع السينودس خارج مقرّ الكرسي البطريركي في لبنان، وذلك إيقاناً من غبطته ومن أصحاب السيادة المطارنة آباء السينودس المقدس لأهمّية أبرشية الموصل في تاريخ الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وتعزيزاً للحضور المسيحي الأصيل والمؤسِّس في الشرق عامّةً، وفي العراق بشكل خاص.
نسأل المؤمنين في كلّ مكان أن يصلّوا كي تتكلّل أعمال هذا السينودس بالنجاح، تحت أنوار الروح القدس، وبشفاعة أمّنا مريم العذراء الطاهرة، سيّدة النجاة، وجميع القديسين والشهداء، لما فيه خير الكنيسة السريانية الكاثوليكية وخلاص نفوس المؤمنين.
سيفتتح غبطته السينودس بقداس حبري احتفالي في تمام الساعة السابعة من مساء يوم الأحد 10 أيلول، في كاتدرائية الطاهرة الكبرى – قره قوش، يعاونه آباء السينودس. ثمّ يستهلّ غبطته أعمال السينودس بجلسة افتتاحية في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الإثنين 11 أيلول، في المقرّ الجديد لمطرانية الموصل في قره قوش، حيث ستستمرّ الاجتماعات في جلسات مغلقة تُختتَم بالصلاة الختامية وتلاوة البيان الختامي للسينودس في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الجمعة 15 أيلول في كاتدرائية الطاهرة الكبرى.


                                        أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

5


الرقم: 31/أس/2023
التاريخ: 4/8/2023

بيان إعلامي
صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

مع حلول الذكرى السنوية الثالثة للتفجير الإرهابي في مرفأ بيروت، أدلى صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي بما يلي:

"تحلّ الذكرى السنوية الثالثة للتفجير الإرهابي في مرفأ بيروت، فيما لا يزال الجرح نازفاً، والعدالة مفقودةً، والمتَّهَمون أحراراً، والبلد رازحاً تحت وطأة الأزمات المتفاقمة على كلّ صعيد.
نرفع الصلاة إلى الرب من أجل راحة نفوس الشهداء، وتعزية القلوب الثكلى على فقدانهم، وشفاء الجرحى، وعضد المنكوبين والمتضرّرين.
نهيب بالمسؤولين فكّ أسر التحقيق للكشف عن ملابسات هذه الجريمة النكراء، ومحاسبة المرتكبين والمتسبّبين والمتستّرين.
نأمل مع قداسة البابا فرنسيس أن تجد أزمة لبنان المعقَّدة حلاً يليق بتاريخ هذا الشعب وقِيَمِه.
يكفي هذا الوطن ما يعانيه من الآلام والمآسي، إنّه يستحقّ الحياة الكريمة والمستقرّة".




                                          أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

6
الرقم: 30/أس/2023
التاريخ: 27/7/2023
بيان إعلامي
صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
إزاء ما يجري في الأيّام الأخيرة في العراق، أدلى صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي بما يلي:
"نتابع بحزن وألم ما يجري في الأيّام الأخيرة في العراق، فيما نقوم بزيارات راعوية إلى مؤمني كنيستنا السريانية الكاثوليكية في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا.
لقد عانت كنيستنا السريانية الكاثوليكية الكثير من جراء الأحداث المأساوية التي عصفت بهذا البلد، ولا سيّما مذبحة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد عام ٢٠١٠، والتهجير القسري والاقتلاع لأبناء شعبنا من الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى عام ٢٠١٤، وسواها. وفي الأيّام الأخيرة تألّمنا كثيراً لما سمعناه وقرأناه عن الموضوع الذي تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيّام عدّة: سحب المرسوم الجمهوري من غبطة أخينا البطريرك الكردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، مِن قِبَل رئيس الجمهورية العراقية، واتّهامات متبادلة بين غبطته وحركة بابليون، واستدعاء غبطتِه إلى المحكمة. لقد أثارتْ هذه الأمور استغرابَ الكثيرين داخل العراق وخارجه، ولكنّ الأمر الذي نأسف له جداً هو مغادرة غبطته كرسيه البطريركي في بغداد إلى إقليم كوردستان! وقد بات معروفاً لدى الكثيرين أنّ عراق اليوم ليس كما في سنوات سابقة عرفَت الإرهاب والفوضى وتجاهلَت مكوّناتِه الصغيرة، وبينها المسيحيون. هناك القانون، وهناك محامون أكفّاء قادرون أن يطالبوا بإحلال العدل.
إنّ واجبنا كرعاة كنسيين اليوم، أن نبتعد عن شؤون سياسية وقضائية لسنا مدركين حيثياتها ولا تفاصيلها الحقيقية، منسجمين مع دعوة قداسة البابا فرنسيس للأساقفة والكهنة إلى الابتعاد عن الشؤون السياسية، والتي كرّرها قداسته مراراً، ومنها على مسامعنا في كلمته لدى لقائه مع الإكليروس في كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد خلال زيارته التاريخية إلى العراق في شهر آذار عام ٢٠٢١.
لذا فإنّنا نشارك إخوتنا البطاركة ورؤساء الكنائس في الإعراب عن محبّتنا وتضامننا الأخويين مع الكنيسة الكلدانية الشقيقة في محنتها هذه، ونرفع الصلاة طالبين الحكمة والمشورة من الروح القدس، ليحقّ العدل ويحلّ الوفاق وتغلب المحبّة، لما فيه أمنُ العراق وخير جميع المواطنين ذوي الإرادة الصالحة. وندعو إلى الاحتكام إلى العقل وعدم الانجراف إلى انفعالات أو تحركّات أو مظاهرات لا تجدي نفعاً، بل تخلق أجواءً مكهرَبةً قد تسبِّب ردوداً عكسية.
وإذ نثمّن الجهود التي يبذلها فخامة رئيس الجمهورية العراقية الدكتور عبداللطيف رشيد لتوطيد دعائم الوئام والاستقرار بين جميع مكوِّنات العراق العزيز، نستذكر بكثير من الشكر والثناء اللقاءين اللذين جمعانا بفخامته مع إخوتنا أصحاب السيادة مطارنة كنيستنا في العراق وسائر أنحاء العالم، في شهر شباط المنصرم، وفيهما لمسْنا محبّة فخامته وحنكته ودرايته وروحه الجامعة بين كلّ أطياف الوطن. ونؤكّد على ثقتنا بفخامته وبجميع المسؤولين العراقيين، الكنسيين والمدنيين، كي يسود الحقّ والوئام في العراق بجميع أهله، حفاظاً على الحضور المميَّز والفاعل للمكوِّن المسيحي في أرض الرافدين، وهو مكوِّن أصيل ومؤسِّس في هذا البلد العزيز، وسيبقى فاعلاً ومشاركاً في حياة الوطن. نسأل الله أن يلهم الجميع المسؤولين إلى ما فيه خير الكنيسة والوطن الحبيب".

                                                            أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

7

الرقم: 29/أس/2023
التاريخ: 22/7/2023
بيان إعلامي
صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

البطريرك يونان يشجب ويدين ويستنكر حرق القرآن الكريم والعلم العراقي

إثر تكرار حرق القرآن الكريم والعلم العراقي، أدلى صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي بما يلي:
"تلقّينا بأسف شديد خبر قيام أحد الأشخاص بتكرار فعله الشنيع بحرق القرآن الكريم والعلم العراقي، في تصرُّف يسيء إلى كرامة كلّ الأديان. وما يؤسفنا بالأكثر كون هذا الشخص محسوباً على الدين المسيحي بالاسم، فيما المسيحية منه براء، لأنّ ربّنا يسوع المسيح علّمنا احترام الآخر والحفاظ على كرامة الجميع أيّاً كانوا وإلى أيّ دين انتموا.
إنّنا نجدّد شجبنا وإدانتنا بأشدّ العبارات لهذه الأفعال الشنيعة، ونناشد جميع المسؤولين المعنيين على كلّ المستويات التحرّك السريع لمنع حصول هذه الأفعال، لِمَا لها من إساءة إلى الجميع.
كما نؤكّد على وجوب العمل الجادّ على نشر ثقافة الوعي والاحترام المتبادل، تعزيزاً لقيم العيش الواحد والوئام والسلام في كلّ مكان".


                                              أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

8

ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܒ̱ܟܓ
رسالة عيد القيامة المجيدة 2023
إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل،
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في بلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܕܚܰܝ ܗ̱ܘ»
      "إنّه حيّ" (لو24: 23)
1.   مقدّمة
في بداية رسالتنا هذه، يطيب لنا أن نتقدّم بالتهاني القلبية والأدعية الحارّة والتمنّيات الخالصة بمناسبة عيد قيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات، إلى جميع إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة الأجلاء آباء السينودس المقدس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، وأبنائنا وبناتنا المؤمنين، في لبنان وسوريا والعراق والخليج العربي والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والأميركتين وأستراليا.
وإلى الرب يسوع فادينا ومخلّصنا القائم من بين الأموات، الحيّ أزلاً وأبداً، نتضرّع كي يفيض على العالم بأسره نِعَمَه وخيراته وبركاته، فيشعّ نوره وسط الظلمات التي تحيط بنا، وتعمّ النعمة ويغلب الخير، ويزول الخوف واليأس، ويبطل الموت والخطيئة، ويغيب البغض وتُدفنَ الكراهية، ويسود فرحُ الحياة والطمأنينة بدل الألم والحزن، وتحلّ المحبّة والرجاء والسلام. فالقيامة هي عربون الحياة الجديدة والغلبة بالرب يسوع، مَعين كلّ صلاحٍ، ومنبع السلام والأمان في المجتمعات والأوطان.   
2.   القيامة عيد الخليقة الجديدة
نفرح، نحن المؤمنين، كلّ عامٍ بنوعٍ خاص في عيد القيامة، لأنّ المسيح لم يبقَ في القبر، بل قام منتصراً في اليوم الثالث، إذ لم يعرف جسده الفساد. ولكن لماذا قام؟ ولماذا نفرح؟ هل فكّرنا بذلك؟
يقول البابا بنديكتوس السادس عشر: "إنّ عيد القيامة هو عيد الخليقة الجديدة. لقد انفتحَ بُعْدٌ جديدٌ للبشرية. أصبحَت الخليقة أعظم وأكبر" (من موعظة ليلة عيد القيامة، 7 نيسان 2012).
"إنّه حيّ!" (لو24: 23). لم يبقَ يسوع داخل القبر، "مثوى الأموات"، بل تجلّى جسدُه في نور الحياة. قام يسوع ولن يموت من بعد، فيسوع ينتمي إلى عالم الأحياء لا إلى عالم الأموات. لقد فتح لنا البابَ لحياةٍ جديدةٍ، فلا نستسلم للمرض والموت. قادَ بنفسه بشريتنا إلى الله، وبقيامته حرَّرها من نير الخطيئة، لنعود إلى بنوّة الآب السماوي. لذلك نفرح، ونفرح أيضاً لأنّنا واثقون بأنّ "المسيح هو هو، بالأمس واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8). فمع يسوع، الكلمة الأخيرة ليست للموت، بل للحياة.

لنسمع مار بولس: "أقول لكم أيّها الإخوة، لا يمكن للجسد والدم أن يَرِثا ملكوتَ الله" (1كور15: 50). ولكنّه يؤكّد لنا مراراً: مع المسيح أصبح كلّ شيءٍ ممكناً، وبقيامته أضحى لحياتنا معنىً آخر في تجديد الروح القدس، لأنّ قيامة الفادي هي عربون لقيامتنا وسعادتنا. وفي هذا السياق، كتب ترتليانوس في القرن الثالث: "اطمَئِنّ، أيّها الجسد والدم، بالمسيح نلتَ مكانكَ في السماء وفي ملكوت الله".
كان المسيح متَّحداً مع الله الآب، فأصبح معه كياناً واحداً. عانق مَن هو الحياة. وحياته لم تكن ملكاً له وحسب، بل دخلت في شركةٍ وجوديةٍ مع الله الآب، ولذلك أشعَّت حبّاً وخلاصاً على المسكونة، فتغلّبَ بقوّة محبّته على الموت. لقد اتَّحَدَ حبّه بحبّ الآب، وهكذا من أعماق الموت استطاع أن يرتقي إلى الحياة، وهو الآن يرفعنا من الموت إلى الحياة الحقّة. عندما نعيش في شركةٍ مع المسيح ونتّحد به، ننال الحياة الأبدية، إذ هو الحقيقة والمحبّة، وهو الله نفسه. 
3.   أحد القيامة سلامنا
في أحد القيامة، تتهلّل كنيستنا السريانية بأناشيد السلام، وهتافات التمجيد المفرحة. كان يوم الجمعة محزناً ومؤلماً: الحكم الإجرامي بالصلب، الآلام والمسامير، الشتائم والإهانات. وإذا بالمعلّم الإلهي ينبعث حيّاً، ويظهر لتلاميذه الحزانى الخائفين، ليبشّرهم بـ "السلام"، ثمرة الفداء المميَّزة. كان التلاميذ في رعبٍ، فلمّا رأوا الرب حيّاً فرحوا، وبقدر ما كانوا في حزنٍ وقلقٍ شديدَين يوم الجمعة، ازداد فرحهم يوم الأحد، وتحقَّق قول الرب يسوع لهم: "ولكنّي سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحدٌ فرحكم منكم" (يو16: 22). فبالقيامة لم يعُد الصليب عاراً وألماً، بل أصبح إكليلاً ومجداً.
لقد أعطتنا القيامة رجاءً في العيش مع المسيح، "في الرجاء نلنا الخلاص" (رو8: 24). فرحة القيامة هي أن نقوم مع المسيح، لنحيا معه، حيث يكون هو.
وها هو مار يعقوب السروجي يتغنّى بعظمة القيامة: «ܫܰܒܩܳܗ̇ ܒܩܰܒܪܳܐ ܠܰܡܚܺܝܠܽܘܬܳܐ ܕܥܶܠܰܬ݀ ܥܰܡܶܗ܆ ܘܓܰܢ̱ܒܳܪܽܘܬܳܐ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܐܰܒܽܘܗ̱ܝ ܐܶܬܥܰܛܰܦ ܗ̱ܘܳܐ». وترجمته: "ترك الضعف في القبر حيث قد دخله معه، وتسربل الجبروت من بيت أبيه" (من باعوث أي طلبة مار يعقوب السروجي، صلاة صباح عيد القيامة في كتاب الفنقيث ܦܢܩܝܬܐ، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الخامس، صفحة 350).
4.   القيامة عنوان الرجاء
الرجاء فضيلةٌ إلهيةٌ يحتاجها كلٌّ منّا، نحن المؤمنين بقيامة يسوع فادينا، فنقبل شروط الحياة في كلّ مراحلها، منذ الصغر وحتّى النفَس الأخير! فهي الفضيلة التي تغذّي إيماننا وتنعشه، كما أنّها تكلّل محبّتنا وتجعلها مثمرة.
يخبرنا متّى الإنجيلي أنّ مريم المجدلية ومريم الأخرى ذهبتا فجر الأحد إلى القبر، فوجدتاه فارغاً (راجع متى 28: 1-10)، وهناك قابلتا ملاك الرب الذي بشّرهما: "لا تخافا... إنّه ليس ههنا" (الآيتان 5-6). ثمّ التقتا بيسوع منبعثاً، فأزال الشكّ من نفسهما، وغلب محدودية أفكارهما البشرية، وأكّد لهما قيامته، لتحملا البشارة إلى التلاميذ المختبئين في العلّية، كي يتعزّوا ويبتهجوا ويحملوا بدورهم رجاء الخلاص إلى العالم.
وفي هذا السياق يجمع أحد الآباء بين مريم المجدلية والكنيسة في مقاربة الفرح بحدث القيامة المذهلة:
«ܡܰܢܽܘ ܚܙܳܐ ܬܰܪܬܶܝܢ ܐܰܚܘ̈ܳܢ ܕܰܠܩܰܒܪܳܐ ܪ̈ܳܗܛܳܢ. ܕܰܢܒܰܟܝ̈ܳܢ ܠܗܰܘ ܕܰܡܒܰܝܰܐ ܟܰܪܝܽܘܬܶܗ ܕܥܳܠܡܳܐ. ܛܥܺܝܢܳܐ ܡܰܪܝܰܡ ܡܶܫܚܳܐ ܪܺܝܫܳܝܳܐ܆ ܛܥܺܝܢܳܐ ܥܺܕ̱ܬܳܐ ܫܽܘܒܚܳܐ ܒܠܶܫܳܢܳܗ̇. ܠܒܺܝܟܳܐ ܠܳܗ̇ ܡܰܪܝܰܡ ܒܺܐܝܕܳܗ̇ ܠܟܰܠܬܳܐ ܫܰܦܺܝܪܬܳܐ. ܘܡܳܪܰܢ ܒܰܕܡܽܘܬ ܓܰܢܳܢܳܐ ܫܠܳܡܳܐ ܦܰܢܺܝ

ܠܗܶܝܢ. ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ ܘܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ». وترجمته: "من رأى أختين مسرعتين إلى القبر، تبكيان ذاك الذي يعزّي حزن العالم. تحمل مريم (المجدلية) الطيبَ الفاخر، وتنشد الكنيسة المجدَ بلسانها. تمسك مريم بيدها العروس البهيّة (أي الكنيسة)، والرب بهيئة بستاني حيّاهما بالسلام، هللويا وهللويا" (من قول بلحن ܩܽܘܩܳܝܳܐ (الفخّاري)، صلاة صباح ثلاثاء القيامة في كتاب الفنقيث ܦܢܩܝܬܐ، الجزء الخامس، صفحة 385-386).
ويذكّرنا قداسة البابا فرنسيس بأنّ رجاء القيامة "هو رجاءٌ حيٌّ جديدٌ، وليس مجرّد تفاؤلٍ، أو تشجيعاً ظرفيّاً، مع ابتسامةٍ عابرة. كلا، إنّه هبةٌ من السماء، لم نكن نستطيع الحصول عليها بمفردنا"، مؤكّداً أنّ "رجاء يسوع مختلفٌ لأنّه يولّد في القلب اليقينَ بأنَّ الله يعرف كيف يحوّل كلّ شيءٍ إلى خيرٍ، لأنَّه يُخرِجُ الحياة حتَّى من القبر" (موعظة ليلة عيد القيامة، 11 نيسان 2020). 
إنّ نور المسيح يدعونا إلى عدم الاستسلام لليأس، وإلى أن نغذّي روح الرجاء فينا، أي الثقة غير المشروطة ولا المحدودة بفادينا. إنَّ الكلمة الفصل لا تعود إلى الظلام والموت، فيسوع فادينا الإلهي أمينٌ وقادرٌ على كلّ شيءٍ، ومعه لا يضيع شيء. هو الذي أزاح الصخرة عن باب القبر، ويستطيع أن يُحطِّم الصخور التي تُغلق أبواب قلوبنا.
5.   يسوع يتقدّمنا إلى "الجليل"
بالعودة إلى نصّ الإنجيلي متّى، يكلّف الملاك، وبعده يسوع، المريمات بالذهاب إلى الرسل وإبلاغهم بأنّ الرب القائم "يتقدَّمكم إلى الجليل" (مت28: 7)، "وهناك يرونني" (مت28: 10). إنّ يسوع يتقدّمنا إلى "الجليل"، هذه الكلمة تحملُ في طيّاتها معنيَيْن: الأول من الناحية الجغرافية، والثاني من الناحية الروحية.
أولاً، بما أنَّ الجليل هو "المدخل إلى العالم"، هو "جليل الأمم" (مت4: 15)، أرسل يسوع إليه تلاميذه، لينطلقوا منه حاملين بشرى القيامة. إنّها دلالةٌ على أنّ نور الإنجيل هو للعالم كلّه، وليس فقط للتلاميذ والشعب اليهودي. وعلى مثال النسوة المبشّرات بقيامة فادينا، واقتداءً بالتلاميذ حاملي هذه البشرى إلى العالم، نعيش الرجاء "فوق كلّ رجاء"، ونحمل هذا الرجاء إلى جميع الناس التائقين إليه، كي يفرحوا بغلبة الحياة على الموت.
ثانياً، لقد وعد يسوع تلاميذه بأن يسبقهم إلى الجليل، وها هو يرافقنا، بل يسبقنا دوماً، وينير "جليلنا اليومي"، ويزور حياتنا اليومية بمراحلها كافّةً. هو أيضاً يدعونا للعودة إلى ذلك المكان حيث التقينا بيسوع للمرّة الأولى، إلى المكان الذي يحمل كلّ ذكرياتنا، حيثُ وُلِدنا ونُولَد مجدَّداً مِن دعوة حبٍّ مجّانية. يريدنا يسوع الحيّ فينا أن نعيش الرجاء وننشره أينما حللنا، فيعمّ الفرح فينا وحولنا.
علينا أن نحمل العزاء، ونتقاسم أعباء الآخرين، ونبشّر بغلبة الحياة على اليأس والحزن والقلق، لتأتي شهادتنا عن قيامة الفادي صادقةً ومُقنِعةً، ونحن نتواكب برفقة الرب يسوع، فنبقى قرب إخوتنا وجميع المحتاجين إلى سندنا الأخوي، خاصّةً في هذه الأيّام الصعبة التي نعيشها. وهذا ما تعمل عليه الكنيسة من خلال ما تطلقه من مبادراتٍ للوقوف إلى جانب المؤمنين في مواجهتهم المحن والأزمات على أنواعها، وفي السير نحو "كنيسة سينودسية: شركة ومشاركة ورسالة".



6.   هلمّوا نفرح!
"إفرحوا دائماً في الرب، وأقول لكم أيضاً: إفرحوا" (فل4: 4). هلمّوا، أيّها الإخوة والأخوات، نلبّي دعوة رسول الأمم إلى الفرح. هلمّوا نفتح قلوبنا لنِعَم القيامة، فنقوم بفعل توبةٍ صادقةٍ، أي نعود بثقةٍ بنويةٍ إلى أبينا السماوي بندامةٍ عميقةٍ، كي ننال المغفرة، فيملأنا الفرح، كما غمرت السعادة قلبَ الإبن الشاطر، إذ ضمّه أبوه إلى حضنه. 
لِنُلقِ عن كاهلنا ثقلَ همومنا البشرية التي تنسينا دعوتنا الحقيقية أن نطلب أولاً ملكوت السماوات وبرّه. لنجدّد ثقتنا كاملةً بيسوع "القيامة والحياة"، فنسير معه على درب آلامه نحو جلجلة الفداء، حيث اكتملَ أعظمُ حبٍّ عرفته البشرية، ونضحي شهوداً أمناء لقيامته.
لِنسعَ، أحبّائي، كي نكون رسلاً لإنجيل الرب الخلاصي، راسخين في الإيمان، وثابتين في الرجاء، ومتفانين في أعمال الرحمة والمحبّة.
7.   صدى العيد في عالمنا اليوم
انتصر ربّنا يسوع المسيح على الخطيئة والموت بقيامته ظافراً بعد أيّامٍ ثلاثة. فحُقَّ لنا أن نحتفل معه بهذا العيد المجيد، إذ يستحقّ شعبنا المضطهَد والمعذَّب منذ فجر المسيحية في هذا الشرق، أن يرى النور المنبعث من القبر الفارغ مُشرقاً عليه، وينعم بحياةٍ كريمةٍ ومستقبلٍ مستقرٍّ وسلامي. فلا يزال أبناؤنا يعانون، ولا تزال أوطاننا ترزح تحت وطأة الخراب والدمار والعذابات، ما ينغّص فرحة العيد.
إنّ لبنان يُعاني ما يعانيه على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية كافّةً، فضلاً عن انهيار العملة الوطنية، واستمرار تعدُّد أسعار صرف الليرة اللبنانية تجاه العملات الأجنبية، وحجز أموال المودعين في المصارف وسرقتها، وكل ذلك دون أن يرفّ جفنٌ لدى من يعنيهم الأمر من الذين ابتُلِيَ بهم الوطن واستلموا مواقع المسؤولية في الدولة. هؤلاء الفاسدون والمُفسدون يُمعِنون في تعطيل عمل المؤسّسات السياسية والدستورية والإدارية، ويهدمون آمال الشباب اللبناني بالبقاء في وطنهم، وبناء مستقبلهم فيه.
إنّنا نشجب التقاعس المتعمَّد من قِبَل المسؤولين عامّةً، والنواب خاصّةً، الذين صمّوا آذانهم عن التجاوب مع ما يمليه عليهم الحسّ والضمير والكرامة الوطنية. عليهم أن يكفوّا عن المماحكات والمناورات، فينتخبوا فوراً رئيساً للجمهورية يكون الأجدر والأنزه، كي يُنقذ ما تبقّى من هذا الوطن الحبيب، وينتشله من كلّ ما يتخبّط به من أزماتٍ وكبواتٍ، ويعمل دون إبطاءٍ على تشكيل حكومةٍ وطنيةٍ تقوم بتنفيذ الإصلاحات الواجبة، ليعود لبنان إلى الخارطة الدولية، وإلى سابق عهده من التطوّر والازدهار. إلا أنّنا نرى أنّ المسؤولين في هذا البلد عازمون على عدم انتخاب رئيسٍ، كيلا تتمّ محاسبة الفاسدين وردعهم عن انتهاك حقوق اللبنانيين، وكي يبقى التفلّت سائداً في كلّ مرافق الدولة وأركانها التي بدأت تتهاوى الواحد تلو الآخر، بانتظار الارتطام الكبير الذي بات وشيكاً، إن لم يعُد المسؤولون ويرتدعوا.
فها هو الدمار الشامل يتربّع على عرش المؤسّسات التربوية والإستشفائية، وكأنّما المسؤولون يسعون بكلّ قدرتهم لتفتيت كلّ معقلٍ وصرحٍ تربوي وطبّي، بينما يقاوم المخلصون ويبذلون الجهود المضنية كي يبقى لبنان منارةً ورسالة.


ولا يسعنا إلا أن نجدّد مطالبتنا الدائمة بإنهاء التعطيل المقصود في تحقيقات تفجير مرفأ بيروت الإجرامي، بغية الوصول إلى كشف الحقيقة في هذا الملفّ، ومحاكمة المتّهَمين ومحاسبتهم عمّا ارتكبوا من جريمة نكراء.
نسأل الرب يسوع القائم أن تحمل هذه الأعياد المباركة الرجاء والقيامة الحقيقية لهذا الوطن، لأنّ الشعب يستحقّ الحياة الكريمة، والشباب الأملَ بغد أفضل لهم في بلدهم.
وسوريا التي تعاني الأزمات والحروب منذ سنواتٍ، كيف لا نشعر ولا نتألّم بسبب الزلزال المروّع والهزّات الإرتدادية الذي أصابتها، لا سيّما في حلب والمناطق الشمالية الغربية! وخلال الزيارة الأبوية التفقّدية التي قمنا بها إلى حلب في شباط الماضي، عاينّا بعض نتائج هذه الكارثة، وما سبّبته من دمارٍ هائلٍ، ومن فقدان الأهل والأحباب، وخلّفته من جروحٍ نفسيةٍ وجسديةٍ، مع الخوف والقلق الشديدين. ومع هذه النكبة الطبيعية وما حملته من آلامٍ ومعاناةٍ، لمسنا صدق التضامن والتعاضد بين جميع المواطنين دون تفرقةٍ أو تمييز.
ومع بارقة الأمل التي تلوح في الأفق مبشّرةً بانفتاح سوريا إقليمياً ودولياً، نسأل الله أن يحميها من الإرهاب والشرور، ويجمع المواطنين بمصالحةٍ صادقةٍ، كي يحقّقوا معاً الإعمار والسلام والاستقرار.
وفي العراق، أرض ما بين النهرين، حيث تشرّفنا في شباط الماضي بزيارة فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس مجلس الوزراء وسعادة رئيس المحكمة العليا، لمسنا لديهم روح الإنفتاح على قضايا الشعب وحاجاتهم المشروعة دون تمييزٍ، وعلى الرغبة في العمل لإعادة جمع مكوّنات الوطن في بوتقةٍ واحدة. وقد عبّروا لنا عن تقديرهم للمكوّن المسيحي واعترافهم به مكوّناً أصيلاً ومؤسِّساً في البلد. وبدورنا أكّدنا لهم تمسُّك المسيحيين بوطنهم الغالي العراق والبقاء أوفياء له، ومحبّتهم له رغم الصعوبات والتحدّيات.
وإذ نعود من زيارتنا الأبوية إلى أبرشية الموصل، حيث فرحنا وتعزّينا بترؤّسنا الاحتفال المهيب ومسيرة الشعانين في شوارع قره قوش (بخديدي)، بمشاركة الآلاف من المؤمنين، نصلّي كي يتابع المسؤولون عملهم لبناء السلام والألفة بين مختلف المكوّنات، فتتضافر الجهود لعودة العراق الغالي إلى استقراره وازدهاره.
وتركيا، التي عانت وتعاني بسبب الزلازل المدمّرة والمتلاحقة التي تعرّضت لها في الأسابيع الماضية، مع كلّ ما سبّبَتْه من دمارٍ وضحايا وآلام. أملُنا أن يستمرّ تعاضُد حكّامها ومسؤوليها ومواطنيها لنجدة المنكوبين والمتضرّرين، وإعادة بناء ما تهدّم، ضارعين إلى الله كي يجنّب هذا البلد والعالم خطر هذه الكوارث ومثيلاتها.
والأراضي المقدسة، حيث عدم الإقرار بحقوق الآخر لا يزال متجذّراً في نفوس البعض، ممّا يسبّب الخلافات والعداوات، نصلّي من أجلها كي تكون أرض سلامٍ ووئامٍ وأخوّةٍ، فتتلاقى القلوب في الله الواحد، وهو المحبّة والسلام.
ومصر والأردن وبلدان الخليج العربي، فإنّنا نثمّن الجهود المبذولة من الحكومات والمسؤولين فيها لتعزيز الازدهار ونشر الوئام والانسجام بين مختلف المكوّنات، ممّا ينشر فيها جوّاً من الألفة والمودّة والتسامح.
إنّنا نجدّد صلاتنا من أجل إحلال السلام والأمان في العالم، وخاصّةً على نيّة إنهاء الحرب المدمِّرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تهدّد السلام والاستقرار العالميين، ومن أجل وضع حدٍّ لكلّ الحروب والأزمات في كلّ مكان.


كما نتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في بلدان الإنتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، ونحثّهم على متابعة الشهادة للرب يسوع والتعلّق بإيمانهم والتزامهم بكنيستهم وتراثهم السرياني ومبادئهم الأصيلة التي تربّوا عليها في بلادهم الأمّ في الشرق، إلى جانب محبّتهم وإخلاصهم للأوطان الجديدة التي احتضنَتْهم، فيبقى حضورنا مشعّاً وسط عالمنا المضطرب.
وإنّنا نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوَزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله كي يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
8.   خاتمة:
نختم رسالتنا بصلاةٍ من وحي عيد القيامة، نستوحيها من القديس مار أفرام السرياني، ملفان الكنيسة الجامعة:
«ܒܗܳܢܳܐ ܥܺܐܕܳܐ ܩܰܕܺܝܫܳܐ ܨܰܒܶܬ ܠܰܢ ܡܳܪܝ̱ ܒܢܰܟܦܽܘܬܳܐ. ܒܗܳܢܳܐ ܥܺܐܕܳܐ ܩܰܕܺܝܫܳܐ܆ ܙܰܡܶܢ ܠܰܢ ܠܰܓܢܽܘܢ ܢܽܘܗܪܳܐ... ܫܰܝܢܳܟ ܢܰܡܠܶܟ ܒܰܝܢܳܬܰܢ܆ ܘܰܨܠܽܝܒܳܟ ܢܢܰܛܰܪ ܠܟܽܠܰܢ. ܫܰܝܢܳܟ ܡܳܪܽܢ ܘܰܫܠܳܡܳܟ ܫܰܟܶܢ ܠܰܢ ܒܝܽܘܡ ܥܰܕܥܺܐܕܳܟ. ܒܰܗܳܢܐ ܝܰܘܡܳܐ ܩܰܕܺܝܫܳܐ ܚܰܕ̱̈ܬܶܐ ܢܗܶܐ ܚܠܳܦ ܥܰܬܺܝ̈ܩܶܐ. ܒܗܳܢ ܢܽܘܗܪܳܐ ܚܰܕ̱ܬܳܐ ܢܶܢܗܰܪ܆ ܕܰܐܢܗܰܪ ܡܳܪܝܳܐ ܠܢܰܦܫ̈ܳܬܰܢ». وترجمته: "في هذا العيد المقدس، زيِّنّا يا ربّ بالعفاف، في هذا العيد المقدس، أُدعُنا إلى خدر النور... فليملك أمانك بيننا، وليحفظنا صليبك جميعاً. امنحنا ربّنا أمنك وسلامك في يوم عيدك. في هذا اليوم المقدس، فلنُضحِ جدداً بدلاً من عتقاء. ولنستنِر بهذا النور الجديد، إذ أنار الرب نفوسنا" (من باعوث أي طلبة مار أفرام، صلاة الساعة التاسعة من صباح أربعاء القيامة في كتاب الفنقيث ܦܢܩܝܬܐ، الجزء الخامس، صفحة 406).
وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم. كلّ عام وأنتم بألف خير.
 
ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ
المسيح قام من بين الأموات... حقّاً قام

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت – لبنان
في اليوم الخامس من شهر نيسان سنة 2023
 وهي السنة الخامسة عشرة لبطريركيتنا




                                               اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                             بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

9

الرقم: 18/أس/2023
التاريخ: 6/4/2023
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

البطريرك يونان يوجّه رسالة عيد القيامة لعام 2023

وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رسالة عيد القيامة لعام 2023، بعنوان "إنّه حيّ"، تناول فيها الأوضاع العامّة في لبنان والشرق الأوسط والعالم، والحضور المسيحي فيها:

"انتصر ربّنا يسوع المسيح على الخطيئة والموت بقيامته ظافراً بعد أيّامٍ ثلاثة. فحُقَّ لنا أن نحتفل معه بهذا العيد المجيد، إذ يستحقّ شعبنا المضطهَد والمعذَّب منذ فجر المسيحية في هذا الشرق، أن يرى النور المنبعث من القبر الفارغ مُشرقاً عليه، وينعم بحياةٍ كريمةٍ ومستقبلٍ مستقرٍّ وسلامي. فلا يزال أبناؤنا يعانون، ولا تزال أوطاننا ترزح تحت وطأة الخراب والدمار والعذابات، ما ينغّص فرحة العيد.
لبنان:
إنّ لبنان يُعاني ما يعانيه على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية كافّةً، فضلاً عن انهيار العملة الوطنية، واستمرار تعدُّد أسعار صرف الليرة اللبنانية تجاه العملات الأجنبية، وحجز أموال المودعين في المصارف وسرقتها، وكل ذلك دون أن يرفّ جفنٌ لدى من يعنيهم الأمر من الذين ابتُلِيَ بهم الوطن واستلموا مواقع المسؤولية في الدولة. هؤلاء الفاسدون والمُفسدون يُمعِنون في تعطيل عمل المؤسّسات السياسية والدستورية والإدارية، ويهدمون آمال الشباب اللبناني بالبقاء في وطنهم، وبناء مستقبلهم فيه.
إنّنا نشجب التقاعس المتعمَّد من قِبَل المسؤولين عامّةً، والنواب خاصّةً، الذين صمّوا آذانهم عن التجاوب مع ما يمليه عليهم الحسّ والضمير والكرامة الوطنية. عليهم أن يكفوّا عن المماحكات والمناورات، فينتخبوا فوراً رئيساً للجمهورية يكون الأجدر والأنزه، كي يُنقذ ما تبقّى من هذا الوطن الحبيب، وينتشله من كلّ ما يتخبّط به من أزماتٍ وكبواتٍ، ويعمل دون إبطاءٍ على تشكيل حكومةٍ وطنيةٍ تقوم بتنفيذ الإصلاحات الواجبة، ليعود لبنان إلى الخارطة الدولية، وإلى سابق عهده من التطوّر والازدهار. إلا أنّنا نرى أنّ المسؤولين في هذا البلد عازمون على عدم انتخاب رئيسٍ، كيلا تتمّ محاسبة الفاسدين وردعهم عن انتهاك حقوق اللبنانيين، وكي يبقى التفلّت سائداً في كلّ مرافق الدولة وأركانها التي بدأت تتهاوى الواحد تلو الآخر، بانتظار الارتطام الكبير الذي بات وشيكاً، إن لم يعُد المسؤولون ويرتدعوا.
فها هو الدمار الشامل يتربّع على عرش المؤسّسات التربوية والإستشفائية، وكأنّما المسؤولون يسعون بكلّ قدرتهم لتفتيت كلّ معقلٍ وصرحٍ تربوي وطبّي، بينما يقاوم المخلصون ويبذلون الجهود المضنية كي يبقى لبنان منارةً ورسالة.
ولا يسعنا إلا أن نجدّد مطالبتنا الدائمة بإنهاء التعطيل المقصود في تحقيقات تفجير مرفأ بيروت الإجرامي، بغية الوصول إلى كشف الحقيقة في هذا الملفّ، ومحاكمة المتّهَمين ومحاسبتهم عمّا ارتكبوا من جريمة نكراء.
نسأل الرب يسوع القائم أن تحمل هذه الأعياد المباركة الرجاء والقيامة الحقيقية لهذا الوطن، لأنّ الشعب يستحقّ الحياة الكريمة، والشباب الأملَ بغد أفضل لهم في بلدهم.
سوريا:
وسوريا التي تعاني الأزمات والحروب منذ سنواتٍ، كيف لا نشعر ولا نتألّم بسبب الزلزال المروّع والهزّات الإرتدادية الذي أصابتها، لا سيّما في حلب والمناطق الشمالية الغربية! وخلال الزيارة الأبوية التفقّدية التي قمنا بها إلى حلب في شباط الماضي، عاينّا بعض نتائج هذه الكارثة، وما سبّبته من دمارٍ هائلٍ، ومن فقدان الأهل والأحباب، وخلّفته من جروحٍ نفسيةٍ وجسديةٍ، مع الخوف والقلق الشديدين. ومع هذه النكبة الطبيعية وما حملته من آلامٍ ومعاناةٍ، لمسنا صدق التضامن والتعاضد بين جميع المواطنين دون تفرقةٍ أو تمييز.

ومع بارقة الأمل التي تلوح في الأفق مبشّرةً بانفتاح سوريا إقليمياً ودولياً، نسأل الله أن يحميها من الإرهاب والشرور، ويجمع المواطنين بمصالحةٍ صادقةٍ، كي يحقّقوا معاً الإعمار والسلام والاستقرار.
العراق:
وفي العراق، أرض ما بين النهرين، حيث تشرّفنا في شباط الماضي بزيارة فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس مجلس الوزراء وسعادة رئيس المحكمة العليا، لمسنا لديهم روح الإنفتاح على قضايا الشعب وحاجاتهم المشروعة دون تمييزٍ، وعلى الرغبة في العمل لإعادة جمع مكوّنات الوطن في بوتقةٍ واحدة. وقد عبّروا لنا عن تقديرهم للمكوّن المسيحي واعترافهم به مكوّناً أصيلاً ومؤسِّساً في البلد. وبدورنا أكّدنا لهم تمسُّك المسيحيين بوطنهم الغالي العراق والبقاء أوفياء له، ومحبّتهم له رغم الصعوبات والتحدّيات.
وإذ نعود من زيارتنا الأبوية إلى أبرشية الموصل، حيث فرحنا وتعزّينا بترؤّسنا الاحتفال المهيب ومسيرة الشعانين في شوارع قره قوش (بخديدي)، بمشاركة الآلاف من المؤمنين، نصلّي كي يتابع المسؤولون عملهم لبناء السلام والألفة بين مختلف المكوّنات، فتتضافر الجهود لعودة العراق الغالي إلى استقراره وازدهاره.
وتركيا، التي عانت وتعاني بسبب الزلازل المدمّرة والمتلاحقة التي تعرّضت لها في الأسابيع الماضية، مع كلّ ما سبّبَتْه من دمارٍ وضحايا وآلام. أملُنا أن يستمرّ تعاضُد حكّامها ومسؤوليها ومواطنيها لنجدة المنكوبين والمتضرّرين، وإعادة بناء ما تهدّم، ضارعين إلى الله كي يجنّب هذا البلد والعالم خطر هذه الكوارث ومثيلاتها.
والأراضي المقدسة، حيث عدم الإقرار بحقوق الآخر لا يزال متجذّراً في نفوس البعض، ممّا يسبّب الخلافات والعداوات، نصلّي من أجلها كي تكون أرض سلامٍ ووئامٍ وأخوّةٍ، فتتلاقى القلوب في الله الواحد، وهو المحبّة والسلام.
ومصر والأردن وبلدان الخليج العربي، فإنّنا نثمّن الجهود المبذولة من الحكومات والمسؤولين فيها لتعزيز الازدهار ونشر الوئام والانسجام بين مختلف المكوّنات، ممّا ينشر فيها جوّاً من الألفة والمودّة والتسامح.
إنّنا نجدّد صلاتنا من أجل إحلال السلام والأمان في العالم، وخاصّةً على نيّة إنهاء الحرب المدمِّرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تهدّد السلام والاستقرار العالميين، ومن أجل وضع حدٍّ لكلّ الحروب والأزمات في كلّ مكان.
كما نتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في بلدان الإنتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، ونحثّهم على متابعة الشهادة للرب يسوع والتعلّق بإيمانهم والتزامهم بكنيستهم وتراثهم السرياني ومبادئهم الأصيلة التي تربّوا عليها في بلادهم الأمّ في الشرق، إلى جانب محبّتهم وإخلاصهم للأوطان الجديدة التي احتضنَتْهم، فيبقى حضورنا مشعّاً وسط عالمنا المضطرب.
وإنّنا نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوَزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله كي يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية".

وفي كلمته الروحية، تحدّث غبطته عن القيامة كعيد الخليقة الجديدة ومنبع السلام وعنوان الرجاء ومبعث الفرح، وعن دعوة المؤمنين لنقل فرح القيامة ونشره في العالم كلّه.

 

                                                     أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية


10
رسالة الصوم الكبير 2023

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالربّ يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܡܶܛܽܠ ܕܰܨܒܺܝܬ ܒܛܰܝܒܽܘܬܳܐ ܘܠܳܐ ܒܕܶܒܚܬܳܐ»
"أريدُ رحمةً لا ذبيحة" (هوشع 6: 6)

1.   مقدّمة
ها هو الصوم الكبير قد دنا، إنّه زمنٌ مقدّسٌ، والكنيسة أمّنا تدعونا في واحدة من وصاياها السبع أن نحافظ على ممارستنا للصوم - كلٌّ بحسب مقدرته - بقلبٍ مفعَم بالحبّ للفادي الإلهي الذي منحَنا الخلاص. الصوم، وإلى جانب كونه "انقطاعاً" عن الطعام لفترة محدَّدة من اليوم، تمتدّ من منتصف الليل حتّى الظهر، ثمّ "قطاعةً" تقوم على الاكتفاء بتناول الأطعمة الخالية من المنتَجات الحيوانية، هو زمن الفرح والرجاء وعيش المحبّة لله وللقريب، ولا سيّما للأكثر حاجة إلى محبّتنا. الصوم الكبير هو بداية طريق جديدة ومسيرة روحية تمتدّ أربعين يوماً قبل أسبوع الآلام الخلاصي، وتقودنا إلى فصح القيامة. في زمن الصوم، نتذكّر صوم الرب يسوع في البرّية وانتصاره على إبليس، وتشكّل قمّةَ الصوم المصالحةُ وترميمُ العلاقة مع الله والذات والإخوة، بإعادة ترتيب سلّم الأولويات في حياة كلّ مؤمن ومؤمنة على ضوء هدي كلمة الرب المحيية. بالصوم والصلاة والتقشّف وسماع كلام الله نهذّب الذات، وبالصلاة والتوبة نجدّد علاقتنا بالله كأبناء، وبأعمال المحبّة والرحمة نقوّي روابط الأخوّة مع القريب.

2.   "قَدِّسوا صوماً"
لنلبّي اليوم، أيّها الأحبّاء، دعوة الله لنا بأن "نقدّسَ صوماً" (يؤ1: 14)، أي أن نخصّص فعلاً فترة الصوم الكبير لله وحده، فنكوِّن في هذا الزمن علاقة عميقة مع الله. فما هذا الزمن إلا زمن الإيمان بالله، وقبوله في حياتنا، والسماح له "بالإقامة" معنا (را. يو14: 23). لتكن هذه الفترة الزمنية فترة مقدَّسة، ننكبّ خلالها على تغذية إيماننا من خلال إصغاءٍ أكثر انتباهاً وتعمّقاً بكلام الله، وعلى الاشتراك في الأسرار المقدّسة، وفي الوقت عينه، على النموّ في المحبّة، محبّة الله ومحبّة القريب، وذلك من خلال الأوّليات الخاصّة بهذا الزمن الروحي، أي بالصوم والصلاة والصدقة. فهذه الأركان الثلاثة، كما قدّمها يسوع في كرازته (را. مت6: 1-18)، هي شروط توبتنا وعلامات لها. فطريق الإماتة (الصوم)، والحوار الأبوي مع الآب (الصلاة)، والمحبّة تجاه أيّ شخص مجروح عبر نظرةٍ أو عمل خير (الصدقة)، كلّها تجعلنا نُظهِرُ إيماناً صادقاً، ورجاءً حيّاً ومحبّةً فاعلة.
كما أنّنا مدعوون أن نبتعد عن كلّ ما يُعيق مسيرتنا نحو الله، ونحرّر حياتنا من كلّ ما يثقلها، بإخلاصٍ تامّ وتوبةٍ صادقة، لكي نفتح أبواب قلوبنا لِمَن "مِلؤُه النعمةُ والحقّ" (يو1: 14): ابن الله المخلّص.

في هذا الزمن المقدّس نجدّد إيماننا، ونستمدّ "ماء الحياة" (را. يو4: 10) من سيّد الحياة، ونقبل بقلبٍ منفتحٍ محبّةَ الله التي تجعل منّا إخوة وأخوات في المسيح. ولنتذكّر أنّ كلّ ما يريده الله منّا هو قلبنا، فهو يقول لنا: "يا ابني أعطني قلبك" (أم23: 26).

3.   الله لا يُريد ذبائحنا بل الرحمة
لقد تجلَّت محبّة الله المجانيّة لنا من خلال إعلان الإنجيل، البشرى السارّة، بشرى تجسُّد ابنه الوحيد بيننا وموته وقيامته. ومع الله، المحبّة الكاملة (را. 1يو4: 16)، نفهم أنّ الحبّ هو مصدر كلّ شيء، أي بطريقة أخرى، كلّ شيء ينطلق من الحبّ ويتوق إلى الحبّ. "فنحن ما أحبَبْنا الله بل هو الذي أحبَّنا" (1يو4: 10). وكجوابٍ منّا على هذا الحبّ، ما علينا إلا أن نتقبّله ونَثبُتَ وننموَ في هذا الحبّ، ونُشرِكَ فيه الآخرين بفرح. وهذا ما تعبّر عنه كلمات المثلَّث الرحمات البابا بنديكتوس السادس عشر: "فإنَّ المحبّة الآن لم تعد مجرّد "وصية" فقط، بل صارت جواباً عن عطيّة المحبّة، والتي بها يأتي الله إلى ملاقاتنا" (الرسالة العامّة الله محبّة DEUS CARITAS EST، 2005، العدد 1).
إنّ الله لا يريد الذبائح التي نقدّمها بطريقة شكلية، فيما يتجاهل قلبنا نداء المحبّة. ولكنّه يريد رحمةً، أي قلباً مملوءاً حبّاً ثابتاً. يريد الله الأعمال الصادرة عن توبة وتغيير حقيقي في القلب، وهذه تتجلّى في تعامُلنا برحمةٍ مع بعضنا البعض.
"أريدُ رحمةً لا ذبيحة": في نصّ متّى الإنجيلي (9: 9-13)، يستشهد يسوع بهذه الآية من النبي هوشع (6: 6)، عندما كان متّكئاً إلى المائدة في بيت متّى، وإذا عشّارون وخطأة جاؤوا واتّكأوا معه. رآه الفرّيسيون، فأخذوا يقولون لتلاميذه: "ما بالُ معلّمكم يأكل مع العشّارين والخطأة؟". سمع يسوع كلامهم، فقال لهم: "إذهبوا وتعلّموا ما معنى: أريد رحمةً لا ذبيحة" (الآية 13)، وكشف لنا بوضوح أنّه ما جاء ليدعو الصالحين بل الخطأة، وبأنّ الأصحّاء لا يحتاجون إلى طبيب، بل المرضى. تعبّر هذه الآية عن أولوية المحبّة وتفوُّقها على كلّ وصيّة أو مفهوم آخر. يقول قداسة البابا فرنسيس: "إنّ المحبّة الرحومة والشفوقة ليست شعوراً مُبهَماً، بل تعني الإعتناء بالآخر بلا ثمن ودون انتظار مكافأة. إنّها الإلتزام من خلال القيام بجميع الخطوات الضرورية للإقتراب من الآخر... لا وجود لعبادةٍ حقيقيةٍ ما لم تتجسّد في خدمة القريب" (المقابلة العامّة، الأربعاء 27 نيسان 2016). هذا هو جوهر إيماننا المسيحي! جاء يسوع ليعلن لنا أنّ ما يريده الله منّا، رجالاً ونساءً، هو أن نُظهِر محبّة الله من خلال محبّة القريب. إنّها إرادة الله، كما سبق ووردت في الكتب المقدّسة، وما قول هوشع إلا تأكيدٌ على ذلك.

4.   لتكن نظرتنا متجاوبةً مع "نظرة" المسيح
الصوم والصدقة، التي تقترحهما الكنيسة مع الصلاة، خصوصاً أثناء زمن الصوم الكبير، تشكّلُ فرصةً مناسبةً لنا كي تُصبحَ نظرتنا متماثلةً مع "نظرة" المسيح. فالمحبّة هي برنامج حياة كلّ مسيحي، والشريعة الأساسية لسلوكه، ومقياس تصرّفاته. محبّة القريب هي القاعدة الصلبة التي يبني عليها المؤمن حياته. إنّ "المسيحي هو شخصٌ اكتسبَه حبُّ المسيح، ومن ثمَّ، يحرّكه ذلك الحبّ، "لأنَّ محبّة المسيح تأخذ بمجامع قلبنا" (2كور5: 14)، وهو منفتحٌ بطريقةٍ ملموسةٍ وعميقةٍ على حبّ القريب" (البابا بنديكتوس السادس عشر، الرسالة العامّة الله محبّة DEUS CARITAS EST، 2005، العدد 33). من هنا، إنّ الذين يتصرّفون طبقاً لمنطق الإنجيل هذا يعيشون الإيمانَ كصداقةٍ مع كلمة الله المتجسّد، ويتحمّلون مثله مسؤولية التجاوب الصادق مع حاجات قريبهم المادّية والروحية، وهم يجسّدون المحبّة كسرٍّ في جوهر الألوهة لا ينضب، ويستحقّ قدراً غير محدود من العناية والانتباه.

وها هو مار أفرام السرياني، ملفان الكنيسة الجامعة، يحلّق في سماء الروح متأمّلاً عظمة الصوم المقبول والمتجاوب مع دعوة الرب: «ܐܰܝܢܳܐ ܕܨܳܐܶܡ ܡܶܢ ܠܰܚܡܳܐ ܘܡܶܢ ܒܺܝܫܬܳܐ ܢܶܛܰܪ ܢܰܦܫܶܗ܆ ܢܶܗܘܶܐ ܢܶܫܪܳܐ ܩܰܠܺܝܠܳܐ ܕܠܳܐ ܡܨܶܐ ܒܺܝܫܳܐ ܨܳܐܶܕ ܠܶܗ. ܐܰܝܢܳܐ ܕܨܳܐܶܡ ܕܰܟ̣ܝܳܐܺܝܬ܆ ܪܶܥܝܳܢܶܗ ܒܪܰܘܡܳܐ ܚܳܐܰܪ܆ ܘܫܳܐܶܛ ܪ̈ܓܺܝܓܳܬܶܗ ܕܥܳܠܡܳܐ܆ ܕܥܰܡ ܐܰܠܳܗܰܐ ܗ̱ܘ ܪܶܥܝܳܢܶܗ. ܐܰܝܢܳܐ ܕܨܳܒܶܐ ܕܰܢܕܰܝܰܪ ܒܗܳܝ ܡܰܠܟܽܘܬܳܐ ܕܰܡܠܺܝܟ̣ܳܐ܆ ܒܬܰܪܥܳܐ ܢܶܥܽܘܠ ܩܰܛܺܝܢܳܐ. ܒܨܰܘܡܳܐ ܡܚܰܝܶܨ ܠܰܪ̈ܦܰܝܳܐ. ܐܰܝܢܳܐ ܕܒܰܨܠܽܘܬܳܐ ܐܰܡܺܝܢ ܘܰܒܨܰܘܡܳܐ ܘܰܒܙܶܕ̈ܩܳܬܳܐ܆ ܢܶܬܡܰܢܰܥ ܠܗܰܘ ܐܰܘܳܢܳܐ ܕܰܡܠܶܐ ܛܽܘ̈ܒܶܐ ܘܓܶܐܘ̈ܳܬܳܐ»، وترجمته: "إنّ الذي يصوم عن الخبز ويحفظ نفسه من السوء، يكون كالنسر السريع الذي لا يستطيع الشرّير أن يصطاده. والذي يصوم بنقاء، يسمو بفكره إلى العلى، ويحتقر شهوات العالم، إذ أنّ فكره مع الله هو. والذي يشاء أن يسكن في ذاك الملكوت الموعود، يدخل من الباب الضيّق. بالصوم يتشدّد الضعفاء. فمَن يكون أميناً في الصلاة والصوم والصدقات، يبلغ ذاك المكان المملوء بالأفراح والمباهج" (من باعوث ܒܳܥܽܘܬܳܐ (أي طلبة) مار أفرام، صلاة القومة الثانية من ليل الثلاثاء من الأسبوع الثاني من الصوم الكبير، في كتاب ܦܢܩܝܬܐ الفنقيث، وهو كتاب صلوات أيّام الآحاد والأعياد، الجزء الرابع، صفحة 244).

5.   يُبدِّد الله ظلمة الخوف
في اتّباعنا مسيرة الصوم، نسير نحو احتفالات الفصح وقيامة الرب يسوع المخلّص، متذكّرين أنّه "وضع نفسه وأطاع حتّى الموت موت الصليب" (في2: 8). يقول البابا بنديكتوس السادس عشر: "الصوم الكبير هو وقتٌ مميّزٌ للمسيرة الداخلية نحو ذاك الذي هو ينبوع الرحمة. هي مسيرةٌ فيها يرافقنا هو نفسه خلال صحراء فقرنا، يسندنا في طريقنا نحو فرح الفصح الأسمى. حتّى في "وادي الموت" الذي يتحدّث عنه كاتب المزمور (مز23: 4)، بينما يدفعنا المجرِّبُ لليأس أو لوضع رجاءٍ عقيمٍ في عمل أيدينا الخاص، هناك يحرسنا الله ويسندنا" (من رسالة زمن الصوم 2006). وما أكثر أوقات الشدّة والموت في عالمنا اليوم، وخاصّةً بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا، وشعر به السكّان في بلدان عدّة، من بينها لبنان والعراق والأردن. ولكن لا ننسى أنّ الرب يسمع تنهُّدَ الناس المتعطّشين إلى الفرح والسلام والطمأنينة والمحبّة، والذين يشعرون بأنّهم مهمَّشون ومتروكون ومنسِيّون. رغم ذلك، حتّى في خراب البؤس والوحدة والمجاعة والكوارث الطبيعية التي تصيب دون تمييز، أطفالاً، بالغين، ومسنّين، يُبدِّد الله ظلمة الخوف. فلا نخافنَّ ولا نرهَب لأنّه "سائرٌ أمامنا، وهو يكون معنا، ولا يُهملنا ولا يتركنا" (را. تث31: 8). إنّه، بفائق حكمته وتدبيره، يُعين الجميع، ويُخرِجُهم من محنتهم، وينتشلهم من ظلام الموت، فيُقيمهم لحياةٍ جديدةٍ معه.
يقول البابا القديس يوحنّا بولس الثاني: "لا تنسَ أنَّ الحبَّ الحقيقي لا يشترط، إنّه لا يحسب ولا يشكو، بل يحبّ ببساطة". لِنَكُن في الصوم الأربعيني هذا أكثر حرصاً على "قول كلمات تشجيعٍ، تقوّي، وتعزّي، وتحفّز"، بدلاً من أن "تذلّ، أو تُحزِن، أو تُغضِب، أو تحتقر". فلكي أمنحَ الرجاء، يكفي في بعض الأحيان أن أكون "شخصاً لطيفاً، يضع جانباً مخاوفه وأموره الملحّة، كي يولي اهتمامه، ويقدّم ابتسامته، ويقول كلمة مشجّعة، حتّى يفسح المجال للإصغاء وسط الكثير من اللامبالاة" (راجع الرسالة العامّة كلّنا إخوة FRATELLI TUTTI للبابا فرنسيس،2020، العددان 223 و224).

6.   "من أجل كنيسة سينودسية: شركة ومشاركة ورسالة"
لقد أنهينا للتوّ اجتماعات الجمعية السينودسية القارّية للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط، والتي انعقدت في دار بيت عنيا، في حريصا – لبنان، من 13 حتّى 17 شباط الجاري 2023، بمشاركة أصحاب الغبطة بطاركة الكنائس الكاثوليكية الشرقية  وأساقفة وكهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين وعلمانيات قَدِموا من جميع الكنائس الكاثوليكية في الشرق. وتشكّل هذه الجمعية المرحلة

القارّية وحلقة في المسيرة السينودسية المستمرّة، استعداداً لسينودس الأساقفة الروماني الذي سيُعقَد في روما برئاسة قداسة البابا فرنسيس، بعنوان "من أجل كنيسة سينودسية: شركة ومشاركة ورسالة"، من 4 حتّى 29 تشرين الأول 2023. وقد تركّزت هذه الجمعية على الصلاة والتأمّل الروحي وتمييز المسيرة والتفكير والعمل معاً، مؤكِّدةً على الثوابت الأساسية للكنيسة.
وها هو قداسة البابا فرنسيس في رسالة الصوم لهذا العام 2023، بعنوان: "زهد الصوم، مسيرة سينودسية"، يجعل من مسيرة الصوم أشبه بمسيرة سينودسية: "يمكننا أن نقول إنّ مسيرة صومنا هي "سينودسية"، لأنّنا نقوم بها معاً على الطريق نفسه، تلاميذاً للمعلّم الواحد. نحن نعلم أنّه هو الطريق، وبالتالي، في المسار الليتورجي وفي مسار السينودس، لا تصنع الكنيسة شيئاً سوى أن تدخل في سرّ المسيح المخلّص بشكلٍ أعمق وأكمل".

7.   خاتمة
أيّها الأحبّاء، إنّ الصوم الكبير هو الزمن المناسب لنتجدّد في لقائنا المسيح الحيّ، في كلمته، في الأسرار، وفي انفتاحنا وتقرُّبنا من القريب. ليدلّنا الرب يسوع مخلّصنا على الدرب الذي ينبغي علينا اتّباعه. وليرشدنا الروح القدس كي نقوم بمسيرة توبة حقيقية، فنكتشف مجدَّداً عطيّة كلمة الله المُحيية، ونتطهّر من الخطيئة التي تعمينا وتُبعدنا عن خِدمة المسيح الحاضر في الإخوة المعوزين. وهكذا نسيرُ معاً، ونحيا ونشهد لفرح الفصح والقيامة.
ومع آبائنا السريان نهتف: «ܗܰܒܠܰܢ ܡܳܪܰܢ ܕܰܒܠܶܒܳܐ ܕܰܟ̣ܝܳܐ܆ ܘܰܒܪ̈ܶܥܝܳܢܶܐ ܕܪܳܡܺܝܢ ܡܶܢ ܥܳܠܡܳܐ܆ ܢܶܨܽܘܡ ܟܽܠܰܢ ܨܰܘܡܳܐ ܩܰܕܺܝܫܳܐ܆ ܕܰܕܟܶܐ ܘܰܡܪܺܝܩ ܡܶܢ ܟܽܠ ܟܽܘܬܡ̈ܳܬܳܐ»، وترجمته: "هبنا يا ربّنا أن نصوم كلّنا صوماً مقدّساً بقلب نقيّ وبأفكار تسمو عن العالم، صوماً نقيّاً من كلّ الشوائب" (من لحن ܗܳܐ ܡܰܠܟܽܘܬܳܐ (هوذا الملكوت)، صلاة القومة الأولى من ليل الإثنين من الأسبوع الأول من الصوم الكبير، في كتاب ܦܢܩܝܬܐ الفنقيث، وهو كتاب صلوات أيّام الآحاد والأعياد، الجزء الرابع، ، صفحة 52).

ختاماً، نسأل الله أن يتقبّل صومكم وصلاتكم وصدقتكم، ويؤهّلنا جميعاً لنحتفل بفرح قيامته من بين الأموات. ونمنحكم، أيّها الإخوة والأبناء والبنات الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم.

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان
في اليوم الثامن عشر من شهر شباط سنة 2023،
وهي السنة الخامسة عشرة لبطريركيتنا



                                                       اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                               بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

11
الرقم: 64/أس/2022
التاريخ: 22/12/2022
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يوجّه رسالة عيد الميلاد لعام 2022

وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رسالة عيد الميلاد لعام 2022، بعنوان "الله الكلمة يتجسّد في عائلة"، تناول فيها الأوضاع العامّة في لبنان وبلاد الشرق الأوسط والعالم:
"بعد مضيّ أكثر من ألفي عام على تواضُع الربّ وتجسُّده في عائلةٍ ليعلّمنا جوهر العائلة وأهمّيتها كي يعيش أفرادها أواصر المحبّة والوداعة والتسامح فيما بينهم، لا تزال عائلاتٌ كثيرةٌ وأوطانٌ عديدةٌ تعاني من التمزّق والتشرّد بسبب الحروب العبثية والصراعات والفساد، حيث كرامة الإنسان وحقوقه المدنية والدينية مغيَّبة، ممّا ساهم في ازدياد هجرة أبنائنا وبناتنا الذين أُرغِموا على ترك أرض آبائهم وأجدادهم في الشرق، فتشتّتت عائلاتنا في أصقاع المعمورة كلّها.
في لبنان، وكأنّما التاريخ يعيد نفسه عند كلّ استحقاقٍ يتعلّق بانتخابات رئاسة الجمهورية، وهي الموقع الأول والوحيد للمسيحيين في العالم العربي برمّته، إذ  يتكرّر تعطيل انتخاب الرئيس تحت حججٍ ومبرّراتٍ واهيةٍ وغير مقنعةٍ، ولا تزال تسبّب مزيداً من الدمار في هيكلية الدولة، وإضعافاً للمؤسّسات، وإحباطاً لثقة المواطنين، لا سيّما فئة الشباب.
كنّا قد شجّعنا أولادنا واللبنانيين عامّةً على المشاركة في الانتخابات النيابية والمساهمة في تغيير الطبقة الحاكمة بغية النهوض بالبلاد، وَنَبَّهْنا من مغبّة عدم انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية في المواعيد الدستورية. غير أنّ الطبقة السياسية ذاتها التي عطّلت الإنتخاب سابقاً تعاود الكرّة اليوم، طمعاً بالتسلُّط وإقصاءً للصوت المسيحي ذي الوطنية الحقّة. هذه الفئة المتسلّطة هي غير آبهةٍ بعذابات المواطنين ومآسيهم، ولا بالأزمة الاقتصادية المخيفة، ولا بالتدهور الجنوني في سعر صرف الليرة اللبنانية، فضلاً عن استمرار حجز أموال المودعين في المصارف، وتعدُّد أسعار صرف الليرة قياساً بالعملات الأجنبية، دون أيّ بوادر حلٍّ يلوح في الأفق لانتهاء هذه الأزمة مع كلّ تداعياتها الاجتماعية والسياسية والتربوية.
فلبنانُ، أمس الحضارة، لبنان المدرسة والجامعة والمستشفى، بات اليومَ لبنانَ الظلام والفقر والهجرة، مهدَّداً بوجوده. وإن لم يرعوِ الذين يتولّون المسؤولية فيه ويتوقّفوا عن تعطيل الحياة السياسية وعن حماية الفاسدين والسارقين، فسيحاسبهم شعبهم بجرم الخيانة العظمى، وسينبذهم التاريخ.
ولا ننسى المطالبةَ المستمرّة بوجوب التوقّف عن تعطيل التحقيقات القضائية النزيهة في تفجير مرفأ بيروت الإجرامي، والمباشرة بمحاكمة المرتكبين ومحاسبتهم، كائناً من كانوا، لأنّهم فجّروا مدينةً وقتلوا شعبها ودمّروا إرثها الحضاري والثقافي.
إنّنا نضرع إلى الرب كي يقيم هذا البلد من كبوته، ونجدّد مطالبتنا بوجوب انتخاب رئيسٍ للجمهورية يتحلّى بالمناقبية، وحسّ
المسؤولية الوطنية، وجرأة اتّخاذ القرار. فيتولّى إدارة شؤون البلاد، وينتشلها من وهدة الفساد الذي يتآكلها، ومن قعر الأزمات التي تتخبّط بها. فتعود الثقة بالدولة والمؤسّسات إلى اللبنانيين وإلى أصدقاء لبنان عربياً ودولياً.
وسوريا التي لا تزال تعاني، جرّاء العنف والفوضى والعقوبات الجائرة على شعبها المنهَك، أوضاعاً مخيفةً من التدهور الإقتصادي الحادّ، وازدياد الهجرة بين صفوف الفئات الشابّة، تحتاج اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، إلى تضامن ذوي الإرادة


الصالحة كي يحلّ الأمن والسلام ويعود الاستقرار إلى ربوعها كافةً. إلى الرب نتضرّع كي يحمي هذا البلد الحبيب، ويعضد جميع المواطنين، فيعملوا سويّاً من أجل النهوض بوطنهم من جديد وإعادة بنائه.
والعراق، الذي تضع حكومته الجديدة في سلّم أولوياتها مكافحة الفساد والمحسوبيات، وإعادة الإعمار، وتلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للموطنين. من أجله نرفع إلى الرب صلاتنا كي تتمكّن هذه الحكومة من القيام بمهامّها، بما يسهم في تقدُّم هذا البلد العزيز الذي عانى من الحروب والنزاعات والدمار خلال العقود الثلاثة المنصرمة، وذلك بتضافُر جهود جميع المواطنين، فيعود بلد الرافدين إلى سابق عهده من التطوّر والازدهار.
وتركيا، التي قمنا مؤخّراً بزيارة حجٍّ فيها، شوقاً إلى أرض آبائنا وأجدادنا، نبارك غيرة أولادنا وجهودهم في ترميم دير مار أفرام في ماردين، ومساعيهم كي نستعيد مقرّ بطريركيتنا هناك، شهادةً على حضورنا السرياني التاريخي في هذه البقعة الغالية من العالم. كما نسأل الله أن يمنّ على جميع المواطنين بنعمة العيش الكريم في حقوق المواطنة الكاملة، كما أكّدها لنا رئيس البلاد لدى لقائنا التاريخي معه في العاصمة أنقرة.
والأراضي المقدسة، حيث لا تزال أعمال العنف تندلع بين الحين والآخر، ندعو إلى إحلال السلام والأمان في هذه الأرض التي تباركت بميلاد الرب يسوع وإعلانه تدبيره الخلاصي فيها.
ومصر، والأردن، وبلدان الخليج العربي، التي نعرب عن ارتياحنا لما تقوم به السلطات في هذه البلدان العزيزة لتأمين الرخاء والازدهار للشعب، في جوٍّ من الألفة والمودّة والتسامح.
ونتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، ونشجّعهم على محبّة أوطانهم الجديدة، والسعي الجادّ إلى تربية أولادهم، والحفاظ على وحدة عائلاتهم، رغم المخاطر والتحدّيات الجمّة. كما نذكّرهم بضرورة المحافظة على الأمانة لبلدانهم الأمّ في الشرق، ثابتين في الإيمان بالرب يسوع، وملتزمين بكنيستهم وبتقاليدهم الأصيلة وبتراثهم السرياني الثمين. فيبقى حضورنا شهادةً مُشعّةً وسط عالمنا المضطرب.
وإنّنا نحثّهم على القيام بما يمكنهم من أعمالٍ ومبادرات محبّةٍ يمليها عليهم حسّهم الأخوي وانتماؤهم العائلي والكنسي، فيساهموا قدر استطاعتهم في دعم الكنيسة والمؤمنين في بلاد الشرق، حيث تكبر المعاناة، وتتفاقم التحدّيات، وتزداد الحاجات المادّية، متذكّرين ما جاء في سفر أعمال الرسل: "فعزمَ التلاميذ أن يُرسلوا حسبما يتيسّرُ لكلّ واحدٍ منهم، إسعافاً للإخوة المُقيمين في اليهودية" (أعمال 11: 29).
كما يهمّنا أن نشيد باعتزازٍ باللقاء التاريخي الذي شاركْنا فيه، في السادس عشر من كانون الأول الجاري، في المقرّ البطريركي للسريان الأرثوذكس في العطشانة – المتن، لبنان، وقد جمع بطاركةَ الكنائس ذات التراث السرياني: السريان الكاثوليك والسريان
الأرثوذكس والموارنة والكلدان والمشرق الآشوريون. لقد كان حقّاً لقاءً غنياً، أكّدنا فيه على أصالة الروحانية السريانية، وأهمّية الحضور السرياني في الشرق الأوسط وبلاد الانتشار، والشراكة في الشهادة، وغنى التراث السرياني المشترك، وضرورة إيلاء عنايةٍ خاصّةٍ بتعليم اللغة السريانية ونشرها والتعمّق بدراستها، وتعزيز التعاون، وإقامة المؤتمرات والندوات التي تُبرِز هذا التراث العريق. واتّفقنا على المضيّ قُدُماً في هذا اللقاء بشكلٍ سنوي. 


وفي هذا الزمن الميلادي، وفيما نجد العالم من حولنا يتخبّط في الحروب والنزاعات، يؤكّد قداسة البابا فرنسيس في رسالته السنوية بمناسبة اليوم العالمي السادس والخمسين للسلام، بعنوان: "لا أحد يمكنه أن يخلص بمفرده، الإنطلاق مجدَّداً من فيروس كورونا لكي نرسم معاً دروب سلام"، على أنّ: "وحده السلام الذي يولَد من الحبّ الأخوي والمتجرّد يمكنه أن يساعدنا في التغلّب على الأزمات الشخصية والاجتماعية والعالمية... أتمنّى أن نتمكّن في العام الجديد من أن نسير معاً ونكتنز ممّا يمكن للتاريخ أن يعلّمنا إيّاه... أتمنّى لجميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الصالحة أن يبنوا يوماً بعد يومٍ، كصانعي سلامٍ، سنةً جديدة".
وبهذه المناسبة، نجدّد صلاتنا بحرارةٍ إلى طفل بيتَ لحمَ الإلهي كي تتوقّف الحرب المستعرة بين أوكرانيا وروسيا، فيحلّ السلام والأمان، وتعود الألفة بين البلدين الجارين، ويسعى الشعبان إلى مصالحةٍ مبنيَّةٍ على الحقّ والمسامحة، إذ يكفي عالمَنا المزيد من الحروب وأعمال العنف والتدمير.
كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
وفي كلمته الروحية، تحدّث غبطته عن مخطَّط الله الخلاصي بالتجسّد والولادة في عائلة، إذ أنّه تأنَّس كي يهبنا الحياة الجديدة، وحلّ في عائلة كي يقدّس العائلة، منوّهاً بالأسس الأولية للعائلة المسيحية، لافتاً إلى أنّ الميلاد هو زمن الرجاء والسلام وعيد الفرح، مشدّداً على أنّ يسوع المسيح هو رجاؤنا الأزلي، ومتوجّهاً بالتهنئة إلى المسيحيين والعالم بعيد الميلاد المجيد وبحلول العام الجديد.






                                                                 أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية



12

رسالة عيد الميلاد المجيد 2022

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل، وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܐܰܠܳܗܳܐ ܡܶܠܬܳܐ ܡܶܬܓܰܫܰܡ ܒܺܝܩܰܪܬܳܐ»
"الله الكلمة يتجسّد في عائلة"
"أسرع الرعاة إلى بيت لحم، فوجدوا مريم ويوسف والطفل يسوع مضجَعاً في مذود" (لو2: 16)
1.   مقدّمة
بقلبٍ ملؤه الشوق والمحبّة، وفي مطلع رسالتنا الميلادية هذه، نتقدّم بأحرّ التهاني القلبية مع الأدعية الأبوية، بمناسبة عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح بالجسد وحلول العام الجديد 2023، إلى جميع إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة الأجلاء آباء السينودس المقدس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، وأبنائنا وبناتنا المؤمنين، في لبنان وسوريا والعراق والخليج العربي والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والأميركتين وأستراليا.
وإلى الطفل الإلهي مولود بيت لحم نبتهل ضارعين كي يفيض علينا وهذا العالم كلّه غنى مواهبه ونِعَمِه وعطاياه، ويمنّ علينا وعلى بلداننا بالأمن والسلام والنجاة من الأوبئة والأمراض والمِحَن والشدائد، ويبثّ في قلوبنا الرجاء الذي أعلنه الملائكة يوم ميلاده العجيب، ويمنح البشرية عاماً جديداً ملؤه الخير والبركة والأمان. فينعم جميع الناس بالطمأنينة والاستقرار، والصحّة والعافية نفساً وجسداً، ويعمّ الفرح الروحي والوحدة والمحبّة والألفة في العائلات والمجتمعات والأوطان.
2.   مخطّط الله الخلاصي
لم يأتِ أحدٌ إلى العالم بطريقةٍ سحريةٍ، كما في القصص والأساطير، بل كلّ فردٍ منّا له قصّته. والعائلة هي القصّة التي أتَيْنا منها (البابا فرنسيس، صلاة التبشير الملائكي، الأحد 26 كانون الأول 2021). هي العطيةُ الكبيرةُ التي أعطاها الرب منذ البدء للعالم، مذ أوكل إلى آدم وحوّاء مهمّة أن يكثرا ويملآ الأرض (را. تك١: ٢٨). والله يعطينا الآباء والأمّهات ليعلّمونا المبادئ والقِيَم الصالحة، حتّى نتمكّن من العيش بحسب هذه التعاليم في هذا العالم المليء بالتناقضات. ويسوع، اللهُ المخلِّص، هو أيضاً ابن عائلة، لها قصّة.
شاء الله، أبو المراحم، أن يخلّصنا من خطايانا ويعيدنا إلى محبّته، فخطّط لابنه الوحيد، كلمته الأزلي، كي يولد في عائلةٍ أيضاً. فحبلت به مريم العذراء المخطوبة ليوسف، دون زرعٍ بشري، إنّما بنعمةٍ من الروح القدس. تجسّد يسوع، في الفقر والتواضع، مُخْلِياً ذاته، ومتّخذاً صورة عبدٍ (فل2: 7)، وهو الإنسان - الإله المسيح المنتظَر، الذي شابهنا في كلّ شيءٍ (عب2: 17) ما عدا الخطيئة (رو8: 3؛ 2كور5: 21). حلَّ في عائلةٍ مكوَّنةٍ من أبٍ مربٍّ ومن أمٍّ بتول احتضناه واهتمّا برعايته وتعليمه، فكان مطيعاً لهما، ينمو بالقامة والحكمة والنعمة أمام الله والناس (لو2: 52). لقد آمنتْ مريم ويوسف خطّيبها بكلام الله، وفَعَلا كلّ ما أمرهما به، وبذلك

أضحت عائلة الناصرة المقدّسة مثالاً لكلّ عائلةٍ مسيحيةٍ تعمل على تحقيق دعوتها المقدّسة التي دعاها إليها الله من خلال سرّ الزواج المقدّس. عندما نصلّي إلى العائلة المقدّسة، يسوع ومريم ويوسف، تتبارك عائلاتنا بكلّ نعمةٍ تحتاج إليها.
ينشد أحد الآباء السريان شاكراً الله الآب ومريم وبيت لحم على إتمام مخطَّط الخلاص الذي شمل البشرية بأسرها: "ܡܶܢ ܐܰܒܳܐ ܡܳܪܳܐ ܕܢܰܚ ܠܰܢ܆ ܘܡܶܢ ܒܰܪ̱ܬ ܕܰܘܺܝܕ ܦܳܪܽܘܩܳܐ܆ ܘܡܶܢ ܒܶܝܬ ܠܚܶܡ ܠܰܚܡܳܐ ܕܚܰܝ̈ܶܐ ܠܥܰܡܡ̈ܶܐ ܕܗܰܝܡܶܢܘ̱ ܒܶܗ. ܣܓܺܝܕ ܐܰܒܳܐ ܕܫܰܕܰܪ ܠܰܒܪܶܗ܆ ܒܪܺܝܟ̣ܳܐ ܗ̱ܝ ܡܰܪܝܰܡ ܕܺܝܠܶܕܬܶܗ܆ ܘܛܽܘܒܳܐ ܠܥܺܕ̱ܬܳܐ ܕܩܰܒܶܠܬܶܗ ܘܗܳܐ ܙܳܡܪܳܐ ܫܽܘܒܚܳܐ". وترجمته: "من الآب أشرق لنا ربٌّ، ومن ابنة داود مخلّصٌ، ومن بيتَ لحمَ خبزُ الحياة للشعوب التي آمنت به. السجود للآب الذي أرسل ابنه، مباركةٌ هي مريم التي ولدَتْه، وطوبى للكنيسة التي قبلَتْه وها هي ترنّم المجد" (من صلاة صباح يوم الإثنين، في كتاب الصلوات اليومية البسيطة – ܫܚܺܝܡܳܐ الإشحيم).
3.   ابن الله يولَد في عائلة
"أسرع الرعاة إلى بيت لحم، فوجدوا مريم ويوسف والطفل يسوع مضجَعاً في مذود" (لو2: 16). لنتأمّل سويّاً هذا المشهد العجيب! كيف أنّ الرعاة، وهم مُسرعون لينظروا ما بشّرهم به ملاك الربّ، يَصِلُون ويَرَون ابنَ الله، الذي "به كان كلّ شيءٍ وبدونه ما كان شيءٌ ممّا كان" (يو1: 3)، موضوعاً في مذود. كانت أمّه قد وضعَتْه هناك بعد أن لفَّتْه بالأقمطة، طفلاً يَنعمُ بحنان عائلته رغم الفقر الذي يحيط بالمكان. لقد كان الرعاة أفقرَ الفقراء، ولكنّ الآب السماوي أنعَمَ عليهم أن يكونوا أول من يرى "خلاص الله". فسبَّحوه ومجَّدوه على هذه العطية (لو2: 20)، وبعدها أصبحوا أول من يحمل بشرى ولادة المخلّص إلى من حولهم (را. لو2: 17-18)، وأول من يتأمّل بجمال عائلة الناصرة المقدّسة.
يتغنّى مار يعقوب السروجي بميلاد الرب يسوع المخلّص في عائلة مريم ويوسف ببيت لحم أفراثه: "ܛܥܶܢܬܶܗ ܛܠܺܝܬܳܐ ܠܡܳܪܶܐ ܡܰܠܟ̈ܶܐ ܒܥܽܘܒܳܗ̇ ܕܰܟܝܳܐ܆ ܘܙܳܚܰܬ݀ ܣܶܠܩܰܬ݀ ܥܰܡܶܗ ܕܝܰܘܣܶܦ ܠܓܰܘ ܐܳܦܰܪܬܳܐ. ܘܟܰܕ ܡܰܢܰܥ ܗ̱ܘܳܐ ܡܰܠܟܳܐ ܠܰܐܬܪܶܗ ܝܺܕܰܥ ܕܺܝܠܶܗ܆ ܘܶܐܬܛܰܝܰܒ ܗ̱ܘܳܐ ܕܢܺܐܬܶܐ ܢܶܥܽܘܠ ܠܓܰܘ ܫܽܘܠܛܳܢܶܗ". وترجمته: "حملت الفتاة (أي مريم) ربّ الملوك في حشاها النقي، وسارت صاعدةً مع يوسف إلى أفراثه (أي بيت لحم). وإذ وصل الملك (أي يسوع وهو جنين) إلى مكانه، عرف موضعه، وتهيّأ كي يأتي ويدخل مقرّ سلطانه (من ܒܳܥܽܘܬܳܐ باعوث أي طلبة مار يعقوب السروجي، في كتاب ܦܢܩܺܝܬܳܐ الفنقيث، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد، مساء يوم أحد الجلَيان أي الوحي ليوسف، ومساء يوم الأحد السابق للميلاد).
ويلفت قداسة البابا فرنسيس إلى أهمّية ولادة يسوع في عائلةٍ، مشيراً إلى هذا الجانب من التجسّد بعمقٍ أكبر: "فيسوعُ قد وُلِدَ في عائلة... لقد كان باستطاعته أن يأتي كشعاعٍ أو كانعكاسٍ، كمُحاربٍ أو كإمبراطور... ولكنّه يأتي كابنٍ في عائلة. وهذا أمرٌ بالغ الأهمّية" (البابا فرنسيس، المقابلة العامَّة، الأربعاء 17 كانون الأول 2014).
4.   الأسس الأوّلية للعائلة
عام 2019، وضمن فعاليات المؤتمر العالمي الثالث عشر للعائلات، والذي عُقِدَ في مدينة فيرونا – إيطاليا، كنّا قد ألقَيْنا محاضرةً بعنوان "العائلة المسيحية تواجه تهديداتٍ وتحدّيات". تحدّثنا فيها عن التهديدات التي تتعرّض لها العائلة، تلك الخليّة الحيويّة الأولى للمجتمع الإنساني والكنيسة البيتيّة، والتحدّيات التي يواجهها الأهل وأولادهم في أيّامنا هذه، وهم يحاولون عيش دعوتهم المسيحية. وسلّطنا الضوء على ما يقلق اليوم بشكلٍ خاصّ، وهو أنّ هناك عدداً بدأ ينمو باطّرادٍ من الشباب الذين يختارون أن يعيشوا المساكنة،
لتجنُّب رباط علاقة الحبّ المشتركة والخلّاقة من خلال سرّ الزواج. كما أنّنا تكلّمنا بوضوح: "إنّ الأولاد ليسوا لعبةً بيد الكبار، بل يحتاجون إلى أبٍ وأمٍّ، كي ينموا ويحقّقوا شخصيتهم الإنسانية".

هنا علينا ألا ننسى أنّ الأسس الأوّلية للعائلة تكمن وتتجلّى في الكتاب المقدّس وتعليم الكنيسة وفي المبادئ القانونية الدولية والقانون الطبيعي، فالعائلة هي الوحدة الإجتماعية التي تقتضي اتّحاداً حرّاً ومتكاملاً بين رجلٍ وامرأة. وعلى العائلة المسيحية أن تكون رائدةً، معلّمةً ومبشّرة. رائدة، تُتَمِّم مسؤوليتها في المشاركة بالحبّ الخلّاق لله. معلّمة، تلتزم بمرافقة الأولاد وتثقيفهم، بالأمانة الحقّة للإنجيل، وبالدفاع عن القِيَم المسيحية والثقافية والحضارية، وبالحفاظ على الحقّ البديهي للأولاد أن ينشأوا في كنف أبٍ وأمّ. ومبشّرة، تشهد للربّ يسوع بالفكر والكلام والعمل، وتنشر بشارته ورسالته السامية بين الناس أجمعين، إذ أنّ مِن حقّ الجميع التعرّف على يسوع كمخلّصٍ شخصي لهم، لأنّه جاء إلى العالم من أجل خلاص الناس أجمعين.
5.   مفهوم التجسّد الإلهي
يقدّم التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية (عدد460) نظرةً ثاقبةً وقيّمةً حول أهمّية التجسّد الإلهي الخلاصي: "صار الكلمة جسداً لكي يجعلنا "شركاء في الطبيعة الإلهية" (2بط1: 4): أي "... لكي يصيرَ الإنسان ابن الله بدخوله في الشركة مع الكلمة (كلمته الأزلي)، وهكذا ينال البنوّة الإلهية". فـ"ابن الله صار إنساناً لكي يصيّرنا آلهة". "ابن الله الوحيد، إذ أراد أن نشاركه في ألوهيته، لبِسَ طبيعتنا، حتّى إذا صار هو بشراً، يصير البشر آلهة".
يترنّم آباؤنا السريان بالفرح العظيم الذي عمّ بتجسّد الرب يسوع مولوداً في مذود بيت لحم: "ܚܶܕܝܰܬ݀ ܡܰܪܝܰܡ ܕܺܝܠܶܕܬܶܗ܆ ܘܚܶܕܝܰܬ݀ ܡܥܰܪܬܳܐ ܕܩܰܒܶܠܬܶܗ܆ ܘܰܚܕܺܝ ܐܽܘܪܝܳܐ ܕܰܫܘܳܐ ܠܺܐܝܩܳܪܶܗ. ܚܕܺܝܘ ܬܰܡܳܢ ܪ̈ܳܥܰܘܳܬܳܐ ܕܰܚܙܰܘ ܫܽܘܒܚܳܐ ܕܡܰܠܰܐܟ̈ܶܐ ܕܰܢܚܶܬܘ̱ ܨܶܝܕܰܘܗ̱ܝ̱ ܡܶܢ ܪܰܘܡܳܐ ܠܥܽܘܡܩܳܐ. ܚܶܕܝܰܬ݀ ܒܶܗ ܫܡܰܝܳܐ ܘܰܐܪܥܳܐ܆ ܒܝܰܠܕܳܐ ܕܫܰܝܶܢ ܒܶܪ̈ܝܳܬܳܐ ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ ܒܪܺܝܟ ܝܰܠܕܶܟ̣ܝ̱ ܡܰܪܝܰܡ". وترجمته: "فرحت مريم التي ولدَتْه، وابتهجت المغارة التي قبلَتْه، وسُرَّ المذود الذي استحقّ أن يكرمه. فرح الرعاة هناك إذ عاينوا تسبيح الملائكة الذين انحدروا إليه (أي نحو الطفل الإلهي) من العلى إلى العمق. أُسْعِدَت السماء والأرض بالمولود الذي سالم البرايا، هللويا مباركٌ ولدكِ يا مريم" (من صلاة الساعة التاسعة من صباح يوم الأربعاء، في كتاب الصلوات اليومية البسيطة – ܫܚܺܝܡܳܐ الإشحيم).
في عيد الميلاد، نحتفل بعائلةٍ وحّدها المولود الإلهي العجيب. لقد أصبح الله إنساناً ليحطّم كلّ انقسامٍ بيننا وبينه. أصبح جزءاً من عائلةٍ، واختبر الحياة الإنسانية بكلّ أبعادها، من فرحٍ وألمٍ وحزنٍ، ومن نجاحٍ وإحباطٍ بين مَن اعترف بفضله ومَن أنكره وخانه، فمنحَنا الفرصة للدخول في شركةٍ معه. لقد أوضح لنا بالقدوة كيف نكون بشراً بالكامل، حتّى نتمكّن من اتّباع مثاله، فنشاركه في طبيعته الإلهية كأعضاءٍ متَّحدين في جسده السرّي.
إذا كان يسوع مثالُنا قد عاش الحياة العائلية على أكمل وجهٍ، فيجب أن تكون عائلاتنا متمثّلةً بعائلته المقدّسة. لذا علينا، في عيد الميلاد، أن نعطي المزيد من الوقت للاهتمام بعائلاتنا، كي تشهد للإيمان والقِيَم الإنجيلية، كون العائلة هي حقّاً "كنيسة بيتيّة".
6.   عائلاتٌ مقدّسةٌ في عالم اليوم
تستطيع كلّ عائلةٍ مسيحيةٍ، إذ تفتح قلبها ويوميّاتها وبيتها للربّ، أن تستقبل يسوعَ وتصغي إليه وتكلّمه، كي يباركها ويحميها من الضلال في طرق الحياة الوعرة، فتنمو معه لتجعل العالمَ أفضل. هكذا فعل أيضاً يوسف ومريم، ولم يكن الأمر سهلاً: كم مِن الصعوبات وجبَ عليهما تخطّيها!. يقول البابا القديس يوحنّا بولس الثاني: "من خلال تصميم الله الخلاصي، قضى ابن الله سنواتٍ طويلةً من الحياة الخفيّة في تلك العائلة. لذلك فهو النموذج الأول والمثال لجميع العائلات المسيحية. مرَّت حياته في صمتٍ في بلدةٍ صغيرةٍ في فلسطين. لقد عاشت هذه العائلة مختلف أنواع المِحَن، مِن فقرٍ واضطهادٍ ونفي، ومجَّدت الله بطريقةٍ ساميةٍ ونقيةٍ لا مثيل

لها. وهي لن تفشل في مساعدة جميع العائلات في العالم على أن يكونوا أمناء لواجباتهم اليومية، وأن يتحمّلوا هموم الحياة ومِحَنَها، وأن يكونوا منفتحين وأسخياء على احتياجات الآخرين، وأن يتمّموا بفرحٍ ما يدبّره الله من أجلهم" (الإرشاد الرسولي: "الرباط العائلي"، في دور العائلة المسيحية في العالم الحديث، 22 تشرين الثاني 1981، عدد 86).
إنَّ عائلة الناصرة تدعونا إلى إعادة اكتشاف دعوة العائلة ورسالتها، وإلى أن نجعل الحبَّ سائداً، لا الحقد، وأن نجعل المساعدةَ المتبادَلَةَ أمراً مألوفاً يرفضُ عدم المبالاة أو العداوة.
لقد جئنا جميعاً إلى هذه الحياة ثمرة حبٍّ جمع بين والدينا، والإنسان الذي نحن عليه اليوم لم يُولَد من الخيرات المادّية التي قُدِّمت لنا، بل ممّا نَعِمْنا به من المحبّة والحنان في حضن عائلاتنا. ربّما لم نولد في عائلةٍ استثنائيةٍ وخاليةٍ من المشاكل، لكنّ هذه هي حياتنا وجذورنا: إذا قطعناها، تجفّ الحياة!.
7.   صدى العيد في عالمنا اليوم
بعد مضيّ أكثر من ألفي عام على تواضُع الربّ وتجسُّده في عائلةٍ ليعلّمنا جوهر العائلة وأهمّيتها كي يعيش أفرادها أواصر المحبّة والوداعة والتسامح فيما بينهم، لا تزال عائلاتٌ كثيرةٌ وأوطانٌ عديدةٌ تعاني من التمزّق والتشرّد بسبب الحروب العبثية والصراعات والفساد، حيث كرامة الإنسان وحقوقه المدنية والدينية مغيَّبة، ممّا ساهم في ازدياد هجرة أبنائنا وبناتنا الذين أُرغِموا على ترك أرض آبائهم وأجدادهم في الشرق، فتشتّتت عائلاتنا في أصقاع المعمورة كلّها.
في لبنان، وكأنّما التاريخ يعيد نفسه عند كلّ استحقاقٍ يتعلّق بانتخابات رئاسة الجمهورية، وهي الموقع الأول والوحيد للمسيحيين في العالم العربي برمّته، إذ  يتكرّر تعطيل انتخاب الرئيس تحت حججٍ ومبرّراتٍ واهيةٍ وغير مقنعةٍ، ولا تزال تسبّب مزيداً من الدمار في هيكلية الدولة، وإضعافاً للمؤسّسات، وإحباطاً لثقة المواطنين، لا سيّما فئة الشباب.
كنّا قد شجّعنا أولادنا واللبنانيين عامّةً على المشاركة في الانتخابات النيابية والمساهمة في تغيير الطبقة الحاكمة بغية النهوض بالبلاد، وَنَبَّهْنا من مغبّة عدم انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية في المواعيد الدستورية. غير أنّ الطبقة السياسية ذاتها التي عطّلت الإنتخاب سابقاً تعاود الكرّة اليوم، طمعاً بالتسلُّط وإقصاءً للصوت المسيحي ذي الوطنية الحقّة. هذه الفئة المتسلّطة هي غير آبهةٍ بعذابات المواطنين ومآسيهم، ولا بالأزمة الاقتصادية المخيفة، ولا بالتدهور الجنوني في سعر صرف الليرة اللبنانية، فضلاً عن استمرار حجز أموال المودعين في المصارف، وتعدُّد أسعار صرف الليرة قياساً بالعملات الأجنبية، دون أيّ بوادر حلٍّ يلوح في الأفق لانتهاء هذه الأزمة مع كلّ تداعياتها الاجتماعية والسياسية والتربوية.
فلبنانُ، أمس الحضارة، لبنان المدرسة والجامعة والمستشفى، بات اليومَ لبنانَ الظلام والفقر والهجرة، مهدَّداً بوجوده. وإن لم يرعوِ الذين يتولّون المسؤولية فيه ويتوقّفوا عن تعطيل الحياة السياسية وعن حماية الفاسدين والسارقين، فسيحاسبهم شعبهم بجرم الخيانة العظمى، وسينبذهم التاريخ.
ولا ننسى المطالبةَ المستمرّة بوجوب التوقّف عن تعطيل التحقيقات القضائية النزيهة في تفجير مرفأ بيروت الإجرامي، والمباشرة بمحاكمة المرتكبين ومحاسبتهم، كائناً من كانوا، لأنّهم فجّروا مدينةً وقتلوا شعبها ودمّروا إرثها الحضاري والثقافي.
إنّنا نضرع إلى الرب كي يقيم هذا البلد من كبوته، ونجدّد مطالبتنا بوجوب انتخاب رئيسٍ للجمهورية يتحلّى بالمناقبية، وحسّ
المسؤولية الوطنية، وجرأة اتّخاذ القرار. فيتولّى إدارة شؤون البلاد، وينتشلها من وهدة الفساد الذي يتآكلها، ومن قعر الأزمات التي

تتخبّط بها. فتعود الثقة بالدولة والمؤسّسات إلى اللبنانيين وإلى أصدقاء لبنان عربياً ودولياً.
وسوريا التي لا تزال تعاني، جرّاء العنف والفوضى والعقوبات الجائرة على شعبها المنهَك، أوضاعاً مخيفةً من التدهور الإقتصادي الحادّ، وازدياد الهجرة بين صفوف الفئات الشابّة، تحتاج اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، إلى تضامن ذوي الإرادة الصالحة كي يحلّ الأمن والسلام ويعود الاستقرار إلى ربوعها كافةً. إلى الرب نتضرّع كي يحمي هذا البلد الحبيب، ويعضد جميع المواطنين، فيعملوا سويّاً من أجل النهوض بوطنهم من جديد وإعادة بنائه.
والعراق، الذي تضع حكومته الجديدة في سلّم أولوياتها مكافحة الفساد والمحسوبيات، وإعادة الإعمار، وتلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للموطنين. من أجله نرفع إلى الرب صلاتنا كي تتمكّن هذه الحكومة من القيام بمهامّها، بما يسهم في تقدُّم هذا البلد العزيز الذي عانى من الحروب والنزاعات والدمار خلال العقود الثلاثة المنصرمة، وذلك بتضافُر جهود جميع المواطنين، فيعود بلد الرافدين إلى سابق عهده من التطوّر والازدهار.
وتركيا، التي قمنا مؤخّراً بزيارة حجٍّ فيها، شوقاً إلى أرض آبائنا وأجدادنا، نبارك غيرة أولادنا وجهودهم في ترميم دير مار أفرام في ماردين، ومساعيهم كي نستعيد مقرّ بطريركيتنا هناك، شهادةً على حضورنا السرياني التاريخي في هذه البقعة الغالية من العالم. كما نسأل الله أن يمنّ على جميع المواطنين بنعمة العيش الكريم في حقوق المواطنة الكاملة، كما أكّدها لنا رئيس البلاد لدى لقائنا التاريخي معه في العاصمة أنقرة.
والأراضي المقدسة، حيث لا تزال أعمال العنف تندلع بين الحين والآخر، ندعو إلى إحلال السلام والأمان في هذه الأرض التي تباركت بميلاد الرب يسوع وإعلانه تدبيره الخلاصي فيها.
ومصر، والأردن، وبلدان الخليج العربي، التي نعرب عن ارتياحنا لما تقوم به السلطات في هذه البلدان العزيزة لتأمين الرخاء والازدهار للشعب، في جوٍّ من الألفة والمودّة والتسامح.
ونتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، ونشجّعهم على محبّة أوطانهم الجديدة، والسعي الجادّ إلى تربية أولادهم، والحفاظ على وحدة عائلاتهم، رغم المخاطر والتحدّيات الجمّة. كما نذكّرهم بضرورة المحافظة على الأمانة لبلدانهم الأمّ في الشرق، ثابتين في الإيمان بالرب يسوع، وملتزمين بكنيستهم وبتقاليدهم الأصيلة وبتراثهم السرياني الثمين. فيبقى حضورنا شهادةً مُشعّةً وسط عالمنا المضطرب.
وإنّنا نحثّهم على القيام بما يمكنهم من أعمالٍ ومبادرات محبّةٍ يمليها عليهم حسّهم الأخوي وانتماؤهم العائلي والكنسي، فيساهموا قدر استطاعتهم في دعم الكنيسة والمؤمنين في بلاد الشرق، حيث تكبر المعاناة، وتتفاقم التحدّيات، وتزداد الحاجات المادّية، متذكّرين ما جاء في سفر أعمال الرسل: "فعزمَ التلاميذ أن يُرسلوا حسبما يتيسّرُ لكلّ واحدٍ منهم، إسعافاً للإخوة المُقيمين في اليهودية" (أعمال 11: 29).
كما يهمّنا أن نشيد باعتزازٍ باللقاء التاريخي الذي شاركْنا فيه، في السادس عشر من كانون الأول الجاري، في المقرّ البطريركي للسريان الأرثوذكس في العطشانة – المتن، لبنان، وقد جمع بطاركةَ الكنائس ذات التراث السرياني: السريان الكاثوليك والسريان
الأرثوذكس والموارنة والكلدان والمشرق الآشوريون. لقد كان حقّاً لقاءً غنياً، أكّدنا فيه على أصالة الروحانية السريانية، وأهمّية الحضور السرياني في الشرق الأوسط وبلاد الانتشار، والشراكة في الشهادة، وغنى التراث السرياني المشترك، وضرورة إيلاء عنايةٍ

خاصّةٍ بتعليم اللغة السريانية ونشرها والتعمّق بدراستها، وتعزيز التعاون، وإقامة المؤتمرات والندوات التي تُبرِز هذا التراث العريق. واتّفقنا على المضيّ قُدُماً في هذا اللقاء بشكلٍ سنوي. 
وفي هذا الزمن الميلادي، وفيما نجد العالم من حولنا يتخبّط في الحروب والنزاعات، يؤكّد قداسة البابا فرنسيس في رسالته السنوية بمناسبة اليوم العالمي السادس والخمسين للسلام، بعنوان: "لا أحد يمكنه أن يخلص بمفرده، الإنطلاق مجدَّداً من فيروس كورونا لكي نرسم معاً دروب سلام"، على أنّ: "وحده السلام الذي يولَد من الحبّ الأخوي والمتجرّد يمكنه أن يساعدنا في التغلّب على الأزمات الشخصية والاجتماعية والعالمية... أتمنّى أن نتمكّن في العام الجديد من أن نسير معاً ونكتنز ممّا يمكن للتاريخ أن يعلّمنا إيّاه... أتمنّى لجميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الصالحة أن يبنوا يوماً بعد يومٍ، كصانعي سلامٍ، سنةً جديدة".
وبهذه المناسبة، نجدّد صلاتنا بحرارةٍ إلى طفل بيتَ لحمَ الإلهي كي تتوقّف الحرب المستعرة بين أوكرانيا وروسيا، فيحلّ السلام والأمان، وتعود الألفة بين البلدين الجارين، ويسعى الشعبان إلى مصالحةٍ مبنيَّةٍ على الحقّ والمسامحة، إذ يكفي عالمَنا المزيد من الحروب وأعمال العنف والتدمير.
كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
8.   خاتمة
هلمّوا نهرع إلى الربّ يسوع، فنشكره ونسأله، بشفاعة والدته مريم العذراء والقديس يوسف مربّيه، أن يقوّينا كي نجدّد عهدنا المطلق لصون العائلة المسيحية، وندافع عنها، لأنّها "الكنيسة البيتيّة"، إذ فيها يتربّى أولادها على المجاهرة بالإيمان بالرب يسوع والشهادة له، بشجاعةٍ وأمانةٍ على الدوام. لتقُد العائلة المقدّسة خطواتنا ثابتةً في السير متّحدين بالمحبّة والخدمة المتبادَلة، فالله لم يخلقنا لنكون مغامرين منفردين، بل لنسير معاً، لا سيّما ونحن نترافق مع الكنيسة الجامعة في هذه المسيرة السينودسية للوصول إلى سينودس الأساقفة الروماني الذي سيُعقد في تشرين الأول القادم 2023 بعنوان: "من أجل كنيسةٍ سينودسية: شركة ومشاركة وشهادة".
وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين. كلّ عام وأنتم بألف خير.

ܡܫܺܝܚܳܐ ܐܶܬܺܝܠܶܕ... ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ  وُلِدَ المسيح! هللويا!

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت – لبنان
في اليوم الحادي والعشرين من شهر كانون الأوّل سنة 2022،
 وهي السنة الرابعة عشرة لبطريركيتنا



                                                                  اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                                   بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

13
غبطة البطريرك يونان يستنكر التفجير الإرهابي في اسطنبول – تركيا
استنكر صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، التفجير الإرهابي الذي وقع بعد ظهر اليوم الأحد ٢٠٢٢/١١/١٣ في شارع الاستقلال بمدينة تقسيم في اسطنبول - تركيا، وأدّى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، فضلاً عن الأضرار المادّية والتخريب.
وإذ أعرب غبطته عن تضامنه الكامل مع المتضرّرين، رفع الصلاة من أجل راحة نفوس الشهداء، وعزاء عائلاتهم وذويهم، وشفاء الجرحى، سائلاً الله أن يبسط أمنه وسلامه في تركيا، وفي منطقة الشرق الأوسط والعالم، لينعم الجميع بالطمأنينة والاستقرار والعيش الكريم.
هذا وقد اتّصل غبطته بسيادة الخوراسقف أورهان شانلي النائب البطريركي في تركيا، مستنكراً ومتضامناً ومؤكّداً على قربه من المؤمنين في النيابة البطريركية إثر هذا التفجير الإرهابي.


14
Official Visit to Turkish President Rajab Tayyib ERDOGAN, Ankara

غبطة البطريرك يونان يقوم بزيارة رسمية إلى فخامة رئيس الجمهورية التركية السيّد رجب طيّب أردوغان، القصر الرئاسي في أنقرة – تركيا

فخامة الرئيس أردوغان لغبطة البطريرك يونان: "إنّ السريان هم جزء من تركيا، ونحن نعمل على استفادتهم من الحقوق كاملةً أسوةً بباقي المواطنين"

غبطة البطريرك يونان لفخامة الرئيس أردوغان: "نشكركم على اهتمامكم بكنيستنا وبكلّ الكنائس والأديان، وبجميع المواطنين على اختلاف معتقداتهم وأديانهم وطوائفهم، لأنّكم ترعون شؤون المواطنين بحكمة وانفتاح"
"نشكركم على ما تقومون به من دور لإحلال الأمان والسلام، ونتمنّى أن تتابعوا بذل الجهود لإحلال السلام والأمان والاستقرار في الشرق الأوسط"

في تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الإثنين ١٧ تشرين الأول ٢٠٢٢، قام غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بزيارة رسمية إلى فخامة رئيس الجمهورية التركية السيّد رجب طيّب أردوغان، وذلك في القصر الرئاسي، في العاصمة التركية أنقرة.
بدايةً، رحّب فخامة الرئيس بغبطته بكلمة قال فيها:
"أهلاً وسهلاً بكم يا صاحب الغبطة في بلدنا تركيا.
أنا سعيدٌ باستضافتكم مع الوفد المرافق لكم في أنقرة، وأتمنّى لكم التوفيق والنجاح في زيارتكم، وأتمنّى أن تكون وسيلة لتعزيز روابط الصداقة والمودّة والمحبّة بيننا.
في تركيا، عزّزنا التعايش السلمي بين الأديان على مرّ العصور، وهذا ما نراه في نطاقنا الجغرافي الكبير.
وكما تعلمون أنّه منذ الأيّام الأولى للحرب في سوريا، فتحنا أبوابنا لاستقبال الجميع دون تفريق، ونحن نبذل الجهود لعدم استفحال الأزمة في لبنان، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وبذلنا جهدنا لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وعملنا لعدم نشر العداء نحو الأديان وفيما بينها.
ومن المعلوم والمؤكّد، إنّ السريان هم جزء من تركيا، ونحن نعمل على استفادتهم من الحقوق كاملةً أسوةً بباقي المواطنين.
لقد عملنا جهدنا لتمكين المواطنين، لأيّ دين انتموا، من ممارسة شعائرهم الدينية بحرّية. فقمنا بتحسين أوضاع الأوقاف العائدة لمختلف الجماعات الدينية، ونستمرّ في هذا الجهد فيما يتعلّق بتحسين الحقوق والملكيات العائدة للأوقاف، وقد حضرتُ مؤخَّراً شخصياً حفل وضع حجر الأساس لكنيسة جديدة في اسطنبول.
أجدّد شكري لكم على زيارتكم ورعايتكم لكنيستكم ودفاعكم عن حقوق شعبكم. حفظَنا الباري جميعاً برعايته وعنايته".
ومن جهته، وجّه غبطة البطريرك يونان إلى فخامة الرئيس الكلمة التالية:
"شكراً من القلب لكم يا فخامة الرئيس، لأنّكم أعطيتمونا هذه الفرصة الجميلة أن نلتقي بكم، مع أصحاب السيادة المطارنة، والنائب البطريركي في تركيا، ورئيسي المجلسين الملّيين في اسطنبول وماردين.
نودّ أن نقدّم لكم التعزية القلبية، باسمنا الشخصي، وباسم كنيستنا السريانية الكاثوليكية، أساقفةً وكهنةً وإكليروساً ومؤمنين، ولا سيّما باسم النيابة البطريركية في تركيا، لما جرى من مأساة في المناجم وخسارة الضحايا، رحمهم الله.
صاحب الفخامة، جئنا لنشكركم على اهتمامكم بجميع المواطنين على اختلاف معتقداتهم وأديانهم وطوائفهم، أقلّيةً كانوا أو أكثريةً، لأنّكم ترعون شؤون المواطنين بحكمة وانفتاح.
نشكركم لاهتمامكم بكنيستنا وبكلّ الكنائس والأديان، وهذا ما سمعناه من نائبنا البطريركي ومن لجاننا في اسطنبول وماردين.
نشكركم على هذه الرعاية لجميع مكوّنات الوطن.
هذه المرّة السادسة التي نزور فيها تركيا كبطريرك، علماً أنّها مسقط رأس أهلنا الذين نزحوا من ماردين إلى سوريا.
نشكركم يا فخامة الرئيس على ما تقومون به من دور لإحلال الأمان والسلام، ونتمنّى أن تتابعوا بذل الجهود لإحلال السلام والأمان والإستقرار في الشرق الأوسط.
كنّا قد قدّمنا لكم طلباً لاستعادة مقرّ بطريركيتنا السريانية الكاثوليكية في ماردين، والتي كانت قد أُخِذت وانتُزِعت منّا منذ عقود. إنّنا نتمنّى أن تعيدوها إلينا لنعقد فيها اجتماع سينودس أساقفة كنيستنا، ولقاءات ومؤتمرات، فنعيد إليها تألُّقها وبهاءها، وهكذا نقوم بتشجيع أبنائنا وبناتنا للثبات في أرض الآباء والأجداد.
ندعو لكم بالتوفيق في قيادة دفّة وطنكم العزيز تركيا، برعاية الباري عزّ وجلّ".
ثمّ جرى تبادُل الهدايا التذكارية، فقدّم فخامة الرئيس إلى غبطته قطعة منسوخة عن الموزاييك الموجود في كنيسة آيا صوفيا في اسطنبول، علامة تقدير وإكرام.
أمّا غبطته، فأهدى إلى فخامته لوحة تذكارية نُقِشَت عليها الصلاة الربّانية والسلام الملائكي باللغة السريانية، عربون محبّة وشكر وتقدير.
وقدّمت النيابة البطريركية في تركيا هدية إلى فخامته.
كما قدّم فخامته إلى كلٍّ من أعضاء الوفد المرافق لغبطته هدية تذكارية.
ثمّ ودّع فخامتُه غبطتَه كما استقبله بالحفاوة والإكرام.
هذا وقد رافق غبطتَه في هذه الزيارة الرسمية أصحابُ السيادة: مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركي لأبرشية الموصل وتوابعها وأمين سرّ السينودس المقدس، والخوراسقف أورهان شانلي النائب البطريركي في تركيا، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والسيّد منير حجّامه رئيس المجلس الملّي في اسطنبول، والسيّد فؤاد مغزل رئيس لجنة ماردين.


15
غبطة البطريرك يونان في الذكرى السنوية الثانية لتفجير مرفأ بيروت

بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لتفجير مرفأ بيروت، رفع غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، الصلاة مستذكراً هذا العمل المريع، فقال غبطته:
"عامٌ ثانٍ ينقضي وبيروت لا تزال تلملم جراحها، ثكلى تبكي شهداء التفجير المريع للمرفأ، بما حصده من شهداء وجرحى ومُصابين ومتضرّرين.
عامٌ ثانٍ ينقضي وضمير المسؤولين لا يزال غارقاً في سُباتٍ عميق، متغافلاً عن إحقاق الحقّ وإعلاء راية العدالة بإظهار الحقيقة وكشف المرتكبين والمتسبّبين أيّاً كانوا ومهما كان انتماؤهم. فلا حصانة لأحد أمام هذا العمل الإرهابي المشين وتجاه الدماء التي أُريقت والدموع التي ذُرِفت والأضرار الفادحة التي نتجت عنه.
نرفع الصلاة من أجل راحة نفوس الشهداء وعزاء عائلاتهم وشفاء الجرحى وجلاء الحقيقة.
كما نجدّد النداء، مع قداسة البابا فرنسيس وجميع أصحاب النيّة الصالحة، من أجل لبنان الحبيب، كي يولَد من جديد، وطن المحبّة والسلام والأخوّة والتعدّدية لجميع مكوّناته".

في 4 آب 2022
البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان


16


الرقم: 42/أس/2022
التاريخ: 30/7/2022
بيان إعلامي
صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

البطريرك يونان يعفي جميع الطلاب السريان من الأقساط للعام الدراسي القادم 2022-2023 
 في مدرسة ليسيه المتحف – بدارو - بيروت، ومدرسة دير الشرفة - درعون - حريصا
وأسعار مدروسة لباقي الطلاب من مختلف الطوائف

بتوجيه من غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلّي الطوبى، بطريرك السريان الأنطاكي، تدعو بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية جميع أبنائنا وبناتنا السريان إلى تسجيل أولادهم في مدرسة ليسيه المتحف - بدارو، بيروت، أو في مدرسة دير الشرفة، درعون - حريصا، للعام الدراسي القادم ٢٠٢٢-٢٠٢٣، وتعلن أنّ غبطة البطريرك يونان، وببادرة أبوية، سيقوم بإعفاء جميع الطلاب السريان من كامل الأقساط المترتّبة عليهم، باستثناء رسم التسجيل والقرطاسية. كما تدعو جميع الإخوة الأعزّاء من مختلف الطوائف إلى تسجيل أولادهم في إحدى هاتين المدرستين، على أن تكون الأسعار مدروسة.
إنّ غايتنا هي إيصال رسالة التربية السامية التي هي إحدى دعائم البشارة، لما فيه خير الوطن ومستقبل جميع المواطنين.
نسأل الرب أن يبارك العام الجديد ويعيد لبنان إلى سابق عهده من التطوّر والازدهار.




                                       أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

17


البيان الختامي
للسينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
الكرسي البطريركي في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان 20-25/6/2022

مقدّمة
عُقد السينودس السنوي العام لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، في الفترة الممتدّة من 20 حتّى 25 حزيران 2022، في الكرسي البطريركي في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان، وذلك برئاسة صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلّي الطوبى، بطريرك السريان الأنطاكي، وبمشاركة آباء السينودس رؤساء الأساقفة والأساقفة القادمين من الأبرشيات والأكسرخوسيات والنيابات البطريركية والرسولية في لبنان وسوريا والعراق والخليج العربي والقدس والأردن ومصر والولايات المتّحدة الأميركية وكندا وفنزويلا، والمعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا، واعتذر عن الحضور الزائر الرسولي في أستراليا والنائب البطريركي في تركيا.
شارك آباء السينودس برياضة روحية، يوم الإثنين 20 حزيران، ألقى مواعظها حضرة الأب أيّوب شهوان، متأمّلاً بمفهوم دعوة الأسقف وتحدّيات خدمته وعلاقاته مع إخوته الأساقفة والكهنة والمؤمنين. وخُتِمتْ بالذبيحة الإلهية التي ترأّسها صاحب الغبطة البطريرك.
وصباح الثلاثاء 21 حزيران، افتُتِح السينودس بكلمة لغبطته، مرحّباً بالأساقفة الثلاثة الجدد، ومُذكّراً بمسيرة كنيستنا في العام المنصرم، وعارضاً الخطوط العريضة للسينودس.
ورفع آباء السينودس رسالةً إلى قداسة البابا فرنسيس، ملتمسين منه الصلاة والبركة الرسولية لأجل نجاح أعمال المجمع الذي تضمّن جدول أعماله الشؤون الكنسية والروحية والراعوية والإجتماعية والوطنية التالية:

أولاً: تقارير عن الأبرشيات والنيابات والزيارات
عرض الآباء أوضاع الأبرشيات في بلاد الشرق، فقدّموا تقاريرهم التي تضمّنت موجزاً عن واقع الحياة ونشاطات الأبرشيات والنيابات البطريركية. وتداولوا بما يعانيه أبناؤهم من جراء الأوضاع الصعبة والإضطهادات وأعمال العنف والإرهاب والتهجير والقتل والتدمير، واقتلاع عدد كبير من رعاياهم من أرض الآباء والأجداد.




ثانياً: شؤون كنسية ورعوية
أ- التنشئة الكهنوتية والرهبانية
استمع الآباء إلى تقرير عن إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية في دير الشرفة، أمل كنيستنا وقلبها النابض. وثمّنوا الجهود التي يبذلها أعضاء الإدارة، وتنادوا لدعم الإكليريكية ورفدها بدعوات كهنوتية لتنال التنشئة اللازمة، إنسانياً وروحياً وراعوياً وثقافياً. وتعهّدوا أن يرسلوا إليها الشبّان الراغبين في التكرّس في سرّ الكهنوت.
كما أصغى الآباء إلى تقرير عن الرهبانية الأفرامية، وعن مشروع انتقال الرهبان إلى دير مار أفرام الرغم في الشبانية – لبنان.
ب- ليتورجية القداس الإلهي
اطّلع الآباء على اختتام أعمال اللجنة الليتورجية، المُكلَّفة بمراجعة ذبيحة القداس الإلهية، والتي سيتمُّ إصدارُها في الأشهر القادمة.
ج- انتخاب أساقفة للكراسي الشاغرة، وقد تمَّ باستلهام الروح القدس وحسب ما يقتضيه القانون الكنسي.

ثالثاً: تدابير إدارية
أ- تكريس الأحد الثالث بعد عيد القيامة، للصلاة من أجل الدعوات الكهنوتية والرهبانية، وتخصيص مداخيل صناديق الكنائس في هذا اليوم، لدعم الإكليريكية والدعوات. وسيقوم صاحب الغبطة بتوجيه رسالة إلى كلّ الأبرشيات والأكسرخوسيات والنيابات يعلمها بهذا القرار.
ب- تشكيل اللجان السينودسية التالية:
1. اللجنة الليتورجية التي ستُعنَى بإعادة النظر في كتاب احتفالات الأعياد ܡܥܰܕܥܕܳܢܳܐ (المعدعدون)، وكتب رتَب الأسرار الكنسية.
2. لجنة كنيسة الانتشار
3. لجنة رعوية الشبيبة

رابعاً: الإعلام
شدّد الآباء على أهمّية دور وسائل الإعلام في نقل البشارة بطرق عصرية وحضارية، ودعوا إلى استخدام هذه الوسائل لخير الكنيسة وخلاص النفوس، لا بروح النقد الهدّام، بل بروح التحاور وقبول الآخر والحرّية والانفتاح ومدّ الجسور، متذكّرين أنّ معلّمنا الإلهي يسوع المسيح هو الإعلامي الأول.


خامساً: سينودس الأساقفة الروماني لعام ٢٠٢٣
تدارس الآباء التقرير الذي أعدَّه المنسّق البطريركي بين الأبرشيات والرعايا عن المسيرة الأولى لسينودس الأساقفة الروماني "من أجل كنيسة سينودسية: شركة وشراكة ورسالة"، والذي سيُعقد سنة ٢٠٢٣. وتداولوا في المواضيع المتعلّقة بالإعداد لهذا السينودس ومشاركة كنيستنا فيه. ووافق آباء السينودس على قائمة مندوبي كنيستنا لتحضير المرحلة الثانية من السينودس.

سادساً: شؤون بلدان الشرق الأوسط، واقعها وتحدّياتها
أ- الوضع في لبنان:
لم تغب عن آباء السينودس معاناة الشعب اللبناني والكارثة التي حلّت بهذا البلد منذ ثلاث سنوات، وما يقاسيه شعبه من أزمات مخيفة، سياسية وأمنية واقتصادية ومالية واجتماعية.
وأعرب الآباء عن ارتياحهم لانتخاب المجلس النيابي الجديد، وتكليف رئيس جديد للحكومة، مناشدين جميع المسؤولين للعمل بالسرعة والجدّية المطلوبة على تشكيل الحكومة الجديدة، كي تعكف على تخفيف آلام المواطنين الذين باتوا بأغلبيتهم يرزحون تحت مستوى خطّ الفقر، وتقوم بالإصلاحات المطلوبة، وتنجز خطّة التعافي الاقتصادي، حتّى تسترجع ثقة صندوق النقد الدولي والجهات المانحة.
وشدّد الآباء على أهمّية الحفاظ على استقلالية القضاء، ووجوب تحلّي المسؤولين بالنزاهة والترفُّع عن المصالح الشخصية والفئوية الضيّقة، صوناً للخير العام والمصلحة الوطنية العليا، فضلاً عن ضرورة تضامُن المواطنين بمختلف انتماءاتهم، كي يعود لبنان إلى تطوّره وازدهاره، وطن الرسالة والحرّيات، مثمّنين الدور الهامّ الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية حفاظاً على السلم والأمن والاستقرار.
وطالب الآباء المسؤولين بالعمل على كشف مصير أموال المودعين في المصارف وإعادتها إلى أصحابها، فضلاً عن ضرورة متابعة التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت ورفع الغطاء والحصانة عن كلّ مرتكب.
كما دعوا إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، تفادياً للشغور الرئاسي والفراغ الدستوري.
ب- تناول الآباء الوضع الاقتصادي المتردّي في سوريا، وازدياد نسبة الفقر والبطالة والمعاناة، آملين أن يتكاتف المسؤولون للنهوض ببلدهم وإعادة إعماره، ومطالبين برفع العقوبات الجائرة عن الشعب السوري.




ج- دعا الآباء إلى توطيد اللحمة الوطنية بين مختلف مكوّنات الشعب في العراق، وضرورة أن يعمل المسؤولون على تشكيل السلطات فيه، سعياً لتأمين خير المواطنين الذين طال أمد محنتهم.
د- بحث الآباء أوضاع أبنائهم في مصر التي تنعم بالأمان بسبب حكمة قيادتها ومسؤوليها، والأردن الذي يعمل على تعزيز الاحترام المتبادل والطمأنينة بين جميع أبنائه، والأراضي المقدسة التي تنشد السلام والمسامحة وقبول الآخر، وتركيا التي يسعى أبناء الكنيسة جاهدين للمحافظة على حضورهم فيها، متابعين شهادتهم للرب في أرض الآباء والأجداد.

سابعاً: الكنيسة في بلاد الإنتشار
بحث الآباء واقع الخدمة الراعوية لأبناء الكنيسة في بلاد الإنتشار، في أوروبا، والأميركيتين، وأستراليا. وتدارسوا تحدّياتها، مؤكّدين على أنّ موضوع كنيسة الإنتشار أضحى أمراً يستدعي اهتمام آباء السينودس ليتصرّفوا بما يمليه عليهم ضمير المسؤولية في خدمة هذه الكنيسة. وبحثوا أيضاً في تهيئة كهنة مُرسَلين يؤمّنون حاجات المؤمنين الروحية والراعوية في بلدان الاغتراب.
وفيما أعرب الآباء عن ارتياحهم لما يحظى به أبناؤهم من حقوق إنسانية ووطنية في بلدان الإنتشار، ناشدوهم للحفاظ على إيمانهم والتراث السرياني الأصيل لآبائهم وأجدادهم، والتعلّق بكنيستهم وأبرشياتهم الأمّ في الشرق، وتقديم المساعدة لها ولأهلهم فيها.

خاتمة
في ختام السينودس، رفع الآباءُ الشكرَ للرب الذي اجتمعوا باسمه وأفاض عليهم إلهامات روحه القدوس، فاهتدوا بنوره، وباركَ أعمالهم لما فيه خير الكنيسة وخلاص نفوس المؤمنين. وتضرّعوا إليه تعالى من أجل انتهاء الحروب والأزمات ورفع الوباء وإحلال الأمن والسلام في الشرق والعالم. وحثّوا المؤمنين على التمسّك بالإيمان رغم الصعوبات والتحدّيات، واثقين بكلام الرب يسوع القائل: "تشجّعوا، أنا هو، لا تخافوا" (متى 14: 27)، فيتابعوا مسيرتهم شاهدين لإنجيل المحبّة والفرح والسلام على الدوام.


18
الكلمة الإفتتاحية
لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بطريرك السريان الأنطاكي

في السينودس السنوي العادي للكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
دير سيّدة النجاة – الشرفة، 20-25 حزيران 2022
----------------------

إخوتي الأجلاء، آباء سينودس كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الاحترام:
ܚܽܘܒܳܐ ܘܰܫܠܳܡܳܐ ܒܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܡܫܺܝܚܳܐ ܠܟܽܘܢ ܡܫܰܟܢܺܝܢܰܢ܆ ܕܒܰܫܡܶܗ ܩܰܕܺܝܫܳܐ ܡܶܬܟܰܢܫܺܝܢܰܢ ܒܗܳܕܶܐ ܣܽܘܢܳܗ̱ܕܽܘܣ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ  ܐܰܡܺܝܢ ܡܳܐ ܛܳܒ ܘܡܳܐ ܫܰܦܺܝܪ܆ ܠܰܐܚ̈ܶܐ ܡܳܐ ܕܥܳܡܪܺܝܢ ܐܰܟ̣ܚܕܳܐ
يسرّني أن أرحّب بكم جميعاً، وأعبّر معكم عن الفرح بتجدُّد اللقاء معاً لنتشارك هموم كنيستنا وشؤونها وشجونها في الشرق كما في بلاد الانتشار.
نفتتح معاً في هذا الصباح، في مقرّنا البطريركي الصيفي، في دير سيّدة النجاة – الشرفة، السينودس الأسقفي السنوي العادي لكنيستنا، والذي كنّا قد دعوناكم للمشاركة فيه، بعد أن رفعنا معاً مساء البارحة ذبيحة القداس، واضعين همومنا وآمالنا بين يدي الرب. قلوبنا تلهج بالشكر لله، أبي الأنوار وينبوع المراحم، لِما أنعم علينا وعلى جماعاتنا الكنسية من بركات وخيرات خلال العام المنصرم. وفي الوقت عينه، لا ننسى الصعوبات والتحدّيات والمعاناة التي واجهَتْنا جميعاً، في بلادنا عامةً، ومع جماعاتنا الكنسية بشكل خاص.
ويسعدني أن أرحّب، باسمكم جميعاً، بإخوتنا أصحاب السيادة الأساقفة الجدد الذين نالوا ملء الكهنوت يوم السبت الماضي بوضع يدنا في احتفال مهيب يتكرّر في كنيستنا لأول مرّة منذ تسعة وخمسين عاماً، وهم: مار يعقوب جوزف شمعي رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، ومار أفرام إيلي وردة مطران أبرشية القاهرة والنائب البطريركي على السودان، ومار اسحق جول بطرس المطران في الدائرة البطريركية. ندعو لهم، في المحبّة والصدق، بخدمة أسقفية مباركة مليئة بالثمار اليانعة، ونرحّب بهم إخوةً أحبّاء في مجمعنا الأسقفي.
ولا يغيب عن بالنا أخوانا الجليلان اللذان لم يتمكّنا من الحضور معنا في هذا السينودس، وهما: مار غريغوريوس الياس طبي رئيس أساقفة دمشق سابقاً، لأسباب صحّية، ومار باسيليوس جرجس القس موسى الزائر الرسولي في أستراليا ونيوزيلندا، والذي تعذّر عليه الحضور بسبب عدم تمكُّنه من مغادرة أستراليا.
مع افتتاح هذا السينودس، لا تغيب عن بالنا الأوضاع المؤلمة التي تشهدها منطقتنا وتعصف ببلداننا المشرقية، والتي ستنال حيّزاً مهماً من البحث والتحليل خلال جلسات سينودسنا، لا سيّما وأنّ كنيستنا قد نُكِبت بها بشراً وحجراً، وقد لا نلمّ بنتائجها الوخيمة إلّا بعد جيلين أو ثلاثة. لكنّنا نبقى شعب الرجاء بالرب يسوع وبكلمته المحيية، ورجاؤنا به لا يخيب. "لا بل نفتخر بشدائدنا نفسها، لعلمنا أنّ الشدّة تلد الثبات، والثبات يلد فضيلة الاختبار، وفضيلة الاختبار تلد الرجاء، والرجاء لا يخيِّب صاحبه، لأنّ محبّة الله أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا..." كما يعلّمنا رسول الأمم (روم 5: 3 ـ 5).
لقد تأمّلنا البارحة مع حضرة الأب الواعظ أيّوب شهوان، الراهب اللبناني الماروني، حول مفهوم دعوتنا الأسقفية، وتحدّيات خدمتنا، وعلاقات الأسقف مع إخوته الأساقفة والكهنة والمؤمنين الموكَلين إلى رعايته. نضرع إلى الرب أن ننهل من هذه الخلوة الروحية القصيرة، زوّادة إيمان ورجاء كي نتابع خدمتنا الأسقفية، بروح الراعي الصالح وحكمة المدبّر الحكيم.
وبالروح المجمعية (السينودسية) المعروفة ب "الشركة الأسقفية" التي تتميّز بها الكنائس الشرقية، نجتمع لكي نتحمّل سويةً أعباء مسؤولياتنا في خدمة كنيستنا السريانية، متضامنين ومتّحدين حسب وصية المعلّم الإلهي، راعينا ومثالنا، فنتبعه بأمانة، ونشهد له بمصداقية الرسل الحقيقيين الذين يرون في الدعوة الأسقفية قبل "الكرامة" واجبَ الخدمة بالتواضع وبذل الذات، وفوق كلّ ذلك بالمحبّة المتبادلة التي جسّدها معلّمنا الإلهي، وتغنّى بها آباؤنا السريان إذ قالوا: « ܐܳܘ ܚܽܘܒܳܐ ܟܡܳܐ ܒܰܣܺܝܡ ܐܰܢ̱ܬ ܒܪܺܝܟ ܐܺܝܠܳܢܳܟ. ܟܽܠ ܐܰܬܪܳܐ ܕܺܐܝܬ ܒܶܗ ܡܶܢܳܟ ܟܽܠܶܗ ܫܰܝܢܳܐ ܡܠܶܐ ». وترجمتها: "ما ألذّكِ أيّتها المحبّة، وما أجمل شجرتكِ. كلّ مكان تحلّين فيه (أيّتها المحبّة) يمتلأ أماناً" (من صلاة رتبة المسامحة ܫܽܘܒܩܳܢܳܐ في بداية الصوم الكبير).
أيّها الإخوة الأعزّاء، يأتي اجتماعنا هذا في ظلّ صعوباتٍ جمّة وأوضاعٍ عصيبة يعيشها العالم عامّةً، ولا سيّما شرقنا الغالي. وتأتي في طليعة هذه الصعوبات، الأزمات الاقتصادية الخانقة، لذا سعينا ولا نزال نسعى للقيام بمسؤولياتنا في النطاق البطريركي، على صعيد الأبرشيات والرعايا والمؤسّسات الكنسية، رغم عجزنا في تلبية كامل الحاجات للآلاف من العائلات التي تعاني من الفاقة، وقد أضحت ضروريةً مرافقةُ الشباب والطلاب الذين يجابهون مستقبلاً غامضاً في بلداننا المشرقية، لا سيّما في لبنان وسوريا والعراق.
وإن كانت الخضّات الأمنية قد انحسرتْ في السنوات الأخيرة، فالتحدّيات المصيرية لا تزال تزداد تعقيداً، فقد دخلنا داخل نفق لم تنقشع ظلمتُه بعد! وأجواء القلق والحيرة إزاء المستقبل تخيّم على الكثيرين، لأنّ الأوضاع المعيشية قد تدهورت، واضطررنا إلى تجميد الكثير من المشاريع الخيّرة. رجاؤنا راسخٌ بأنّ الكنيسة "عروس الختن السماوي"، المتألّمة في مسيرتها الأرضية، ستبقى مهما اشتدّت العواصف، حاملةً مشعل الخلاص وناشرةً نور الحقيقة لجميع الشعوب. وليس لنا سوى أن نكرز بوعد الرب الفادي: "أنا معكم كلّ الأيّام حتّى انقضاء العالم!" (لوقا 21: 28).
ولكي نقوى على نشر الرجاء، فوق كلّ رجاء، بين المؤمنين، وإقناع الأجيال الصاعدة على الثبات في أرض الآباء والأجداد، علينا أن نتذكّر جوهر خدمتنا الأسقفية، فنشهد للوحدة والشراكة فيما بيننا، بالروح السينودسية الحقّة، ونحن نتواكب مع الكنيسة الجامعة لإعداد السينودس الروماني القادم لعام 2023، وموضوعه، كما تعلمون: "كنيسة سينودسية: شركة وشراكة ورسالة".
كما يتوجّب علينا عيش المصداقية وتفعيل الأمانة للرب وللكنيسة، بالشركة الروحية التي تجمعنا رغم تنوّع الإنتماءات الوطنية واختلاف الجغرافيا، كي نقدّم الشهادة الحقيقية للنفوس الموكَلة إلى خدمتنا، بأنّنا كنيسة واحدة في الإيمان والتراث والشهادة. علينا أن نُبدع بالمحبّة الفاعلة، ولا نكتفي بتبادُل التحيّة من باب اللياقة، بل علينا أن نكسر حواجز قد تعيقنا في الانفتاح الأخوي الصادق، واحدنا على الآخر، في هذه المرحلة الخطيرة التي تجتازها كنيستنا. لنشعر مع إخوتنا الأساقفة الذين تحمّلوا الكثير في السنوات الماضية وما زالوا، ونكتشف احتياجات أبرشياتهم ورعاياهم، إكليروساً وشعباً، ونتجاوب معهم بقدر ما أولانا الرب من مواهب وإمكانيات.
وهنا أحثّ الجميع على تقاسُم الهموم والآمال الرعوية بزيارات متبادلة، بعد أن زالت الحواجز بين بلداننا، لا سيّما سوريا والعراق البلدين المنهكَين لسنين طويلة! هلمّوا ننطلق بفيضٍ من الروح القدوس، نحمل أثقال بعضنا بعضاً، ونكرز بكلمة الرب المحيية والمانحة العزاء.
لذا لا يغيب عن بالنا الوضع الاقتصادي المتردّي في سوريا، والذي يزيد من الفقر والمعاناة. ونأمل أن تتضافر جهود المسؤولين للنهوض بسوريا وإعادة بنائها وازدهارها. وقد لمسنا الجهود التي تُبذَل لمساعدة أبنائنا على الصمود خلال زيارتنا الأخيرة إلى دمشق، حيث شاركْنا في مؤتمر للمنظّمات الكنسية المانحة.
أمّا العراق، فإنّنا نتطلّع إلى المزيد من اللحمة الوطنية بين مختلف مكوّناته، كي تتشكّل السلطات فيه، وتستقيم أمور الإدارة، لما فيه خير المواطنين. ونحن نتذكّر بفرح زيارتنا الأبوية الأخيرة إليه، حيث احتفلنا مع أبنائنا في قره قوش (بغديدي) بمسيرة الشعانين، والتي شارك فيها ما يقرب من عشرين ألف شخص. يا له من مصدر عزاء وفخر عظيم لكنيستنا! واحتفلنا بالقداس الإلهي في كنيسة البشارة، وهي الكنيسة الأولى التي أعيد بناؤها في الموصل المدمَّرة، وأحيينا رتبة النهيرة في برطلّة.
لا ننسى أحوال أبنائنا في بلدان الشرق، من مصر التي تنعم بالأمان بسبب حكمة قيادتها ومسؤوليها، والأردن الذي يعمل على تعزيز الاحترام المتبادل والطمأنينة بين جميع أبنائه، والأراضي المقدسة التي تنشد السلام والمسامحة وقبول الآخر، وتركيا التي يعمل فيها أبناؤنا للمحافظة على حضورهم، وهم يجهدون لمتابعة شهادتهم للرب في أرض الآباء.
أمّا لبنان، فلا نستطيع إلّا أن نتكلّم عن الكارثة التي حلّت بهذا البلد، منذ ثلاث سنوات. لبنان الرسالة وموئل الحضارات ومنبت الحرّيات، والذي يئنّ رازحاً تحت وطأة أزمات مخيفة، من سياسية وأمنية واقتصادية ومالية واجتماعية. إنّنا إذ نستبشر خيراً بانتخاب المجلس النيابي الجديد، نناشد جميع المعنيين للعمل السريع والجدّي على تشكيل حكومة جديدة، علّها تخفّف من آلام الشعب ومحنة المواطنين الذين باتوا بأغلبيتهم تحت خط الفقر، وتتمكّن من القيام بالإصلاحات الواجبة، وإنجاز خطّة التعافي الاقتصادي مع المساعدات المتوخّاة من صندوق النقد الدولي وسواه من الهيئات والجهات المانحة. وندعو للبنان بالعودة إلى سابق عهده من التطوّر والازدهار، وذلك بتكاتُف مواطنيه ونزاهة المسؤولين واستقلالية القضاء، فيصلوا إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، رافضين الشغور الرئاسي والفراغ الدستوري وتدخُّل المُغرضين.
كما نطالب المسؤولين بالعمل على كشف مصير أموال المودعين في المصارف وإعادتها إلى أصحابها، وكذلك متابعة التحقيق بجريمة تفجير مرفأ بيروت بمعزل عن أيّ حصانة أو حماية. 
ولا ننسى الدور الهامّ الذي يؤدّيه الجيش اللبناني والقوى الأمنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار، ونحثّ المسؤولين كي يترفّعوا عن المصالح الشخصية والفئوية الضيّقة في سبيل الخير العام وتأمين مصلحة الوطن. 
أمّا في بلدان الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، حيث يعيش أبناؤنا حقوقهم الإنسانية الوطنية، لكنّهم يجابهون تحدّي المحافظة على إيمانهم وتراث آبائهم وأجدادهم، فإنّنا نشعر بمسؤوليتنا المشتركة وبالضرورة الملحّة لمتابعة خدمة المهجَّرين روحياً ورعوياً واجتماعياً. علينا أن نتدارس الحاجة إلى رفدهم بالكهنة المُرسَلين، وإعداد الإكليريكيين للخدمة، في الأبرشيات الخاصّة بنا في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا وفنزويلا، أو حيث ما زالت رعايانا تحت إشراف الأسقف المحلّي في أوروبا.
سنعالج في هذا السينودس المواضيع التي أدرجناها على جدول الأعمال، فضلاً مع ما قد تقترحونه من مواضيع أخرى، ولعلّ أبرزها:
•   تقارير عما استُجِدّ في كلّ أبرشية وأكسرخوسية ونيابة وزيارة بطريركية ورسولية، روحياً ورعوياً واجتماعياً وثقافياً
•   المراجعة النهائية لليتورجية القداس الإلهي قبل تقديمها إلى الكرسي الرسولي 
•   الاستعدادات لسينودس الأساقفة الروماني 2023 
•   الكنيسة في بلاد الانتشار: آفاق الخدمة وتحدّياتها 
•   تقارير عن الإكليريكية البطريركية والرهبانيات 
•   مواضيع عن الخدمة الكهنوتية، والتنشئة الإكليريكية 
واسمحوا لي أن أستعرض بلمحة سريعة أهمّ الأحداث التي عرفَتْها بطريركيتنا السريانية منذ ختام مجمعنا السابق حتّى اليوم: 
1.   رسامة ثلاثة مطارنة جدد: مار يعقوب جوزف شمعي، ومار أفرام إيلي وردة، ومار اسحق جول بطرس
2.   رسامة كاهن جديد لأبرشية الحسكة ونصيبين هو الأب يوسف (عاصي) عاصي
3.   تكريس وتقديس كنيسة الشهداء، في أكالا – استوكهولهم، السويد
4.   تكريس وتقديس كنيسة الطاهرة في ثانوية الطاهرة المختلطة للراهبات الدومينيكيات، بخديدي (قره قوش)، العراق
5.   زيارة راعوية إلى أبرشية دمشق للمشاركة في مؤتمر "الكنيسة بيت للمحبّة – مسيرة سينودسية مشتركة"،  وفي اجتماع مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في سوريا
6.   زيارة راعوية إلى أبرشية الموصل وتوابعها، حيث دشّنّا وباركْنا المقرّ الرسمي الجديد لمطرانية الموصل وتوابعها في بخديدي (قره قوش)، وحضانة العائلة المقدسة للراهبات الأفراميات في قره قوش، وجناحاً جديداً في دير مار بهنام التاريخي في ناحية نمرود، وتفقَّدْنا المؤمنين، واطّلَعْنا على النشاطات، والتقينا الفعاليات
7.   زيارة راعوية إلى أبرشية حدياب – أربيل، حيث افتتحنا ودشّنّا مركز التعليم المسيحي في مقرّ الأبرشية، في باحة كنيسة مارت شموني - عينكاوه
8.   زيارة راعوية إلى القاهرة – مصر، لإقامة قداس وجنّاز السنة راحةً لنفس المثلّث الرحمات مار اقليميس يوسف حنّوش
9.   زيارة راعوية إلى أبرشية الحسكة ونصيبين بعد تسع سنوات على الزيارة السابقة
10.   زيارة راعوية إلى الأكسرخوسية الرسولية في كندا
11.   زيارة الرعايا والإرساليات السريانية في بلجيكا وألمانيا وهولندا 
12.   المشاركة في مؤتمرات مسكونية عدّة 
13.   مشارفة الأعمال على نهايتها في إعادة بناء وتأهيل كاتدرائية مار جرجس في الخندق الغميق في الباشورة بيروت، والتي أعادَتْها البطريركية إلى حلّتها التاريخية، لما لها من رمزية معنوية كبيرة 
14.   انتهاء أعمال الترميم لقسمٍ من دير مار أفرام الرغم، الشبانية - لبنان
15.   المشاركة في الاجتماعات التحضيرية للمجلس الاستشاري الإعدادي للسينودس الروماني 
16.   لقاء قداسة البابا فرنسيس وأمين سرّ الدولة الكردينال بييترو بارولين وعدد من أصحاب القداسة والغبطة البطاركة رؤساء الكنائس الشقيقة
17.   المشاركة في اجتماعات الجمعية العامّة لمجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان
18.   المشاركة في مؤتمر "حوض المتوسّط: حدود سلام" في فلورنسا - إيطاليا 
19.   المشاركة في أعمال الجمعية العامّة الثانية عشرة لمجلس كنائس الشرق الأوسط في وادي النطرون، مصر
20.   زيارة عدد من المسؤولين المدنيين، في مقدّمتهم فخامة الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، وأمير لختنشتاين   
إخوتي الأجلاء، جميعنا مدعوون كي نشرّع قلوبنا لتستقبل أنوار الروح القدوس. من هذا الروح، كمال وحدة الآب والإبن، نستمدّ قوّتنا، ومنه نستقي إلهاماتنا، وبواسطته نتعزّى. هذا الروح الذي به ندعو الله "أبّا"، قادرٌ دون شك أن يجدّد فينا صورة معلّمنا الإلهي "الراعي الصالح"، فينعش خدمتنا الأسقفية بالإلتزام الصادق، وبالأمانة التي لا تشترط، وبالمحبّة التي لا تميّز.
وفي ختام كلمتي، يطيب لي أن أقتبس هذه الكلمات من موعظة قداسة البابا فرنسيس في عيد العنصرة (5/6/2022) عن أهمّية الروح القدس ومفاعيله في حياتنا:
"إنّ الروح القدس يحملنا لكي نحبّ هنا والآن: لا عالماً مثالياً وكنيسة مثالية، إنّما ما هو موجود، في الشفافية والبساطة. ما أكبر الفرق مع الشرير الذي يثير الأشياء التي تُقال من وراء ظهرنا والشائعات والثرثرة! إنّ الروح القدس يريدنا معاً، يؤسّسنا ككنيسة، واليوم يعلّم الكنيسة كيف تسير. لنضعْ أنفسنا في مدرسة الروح القدس، لكي يعلّمنا جميع الأشياء. لنستدعِهِ يومياً، لكي يذكّرنا أن ننطلق على الدوام من نظرة الله لنا، وأن نتحرّك في خياراتنا من خلال الإصغاء إلى صوته، ونسير معاً، ككنيسة، بالطاعة له والإنفتاح على العالم".
نرفع صلاتنا إلى الرب، بشفاعة أمّنا العذراء مريم والدة الله، سيّدة النجاة، أمّ الرحمة، ومعزّية الحزانى، ومعونتنا وحاميتنا جميعاً، طالبين شفاعة جميع القدّيسين والشهداء.
وإلى الثالوث الأقدس، السرّ الإلهي غير المدرَك، نختم ببيت من الإشحيم نُنشده مساء كلّ يوم جمعة:
«ܛܰܝܒܽܘܬܶܗ ܕܰܐܒܳܐ، ܘܰܚܢܳܢܶܗ ܕܰܒܪܳܐ، ܘܪܽܘܚܳܦܶܗ ܕܪܽܘܚܳܐ، ܐ̱ܪܳܙܳܐ ܬܠܺܝܬܳܝܳܐ ܢܕܰܝܰܪ ܒܰܝܢܳܬܰܢ ܥܕܰܡܳܐ ܠܫܽܘܠܳܡܳܐ» وترجمته: "فلتملك بيننا حتّى الإنتهاء، نعمة الآب ورأفة الابن ورفرفة الروح، سرٌّ ثالوثي، آمين". 
شكراً لإصغائكم. 


19
الرقم: 35/أس/2022
التاريخ: 12/5/2022
بيان صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
الخوراسقف جوزف شمعي مطراناً رئيس أساقفة لأبرشية الحسكة ونصيبين
والخوراسقف إيلي وردة مطراناً لأبرشية القاهرة ونائباً بطريركياً على السودان
والأب جول بطرس مطراناً في الدائرة البطريركية

صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية في بيروت ما يلي:
انتخب سينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية في دورته المنعقدة في دير سيّدة النجاة – الشرفة البطريركي في لبنان من 12 حتى 18/9/2021، كلاً من: الخوراسقف جوزف شمعي، المدبّر البطريركي لأبرشية الحسكة ونصيبين – سوريا، مطراناً رئيس أساقفة لأبرشية الحسكة ونصيبين، والخوراسقف إيلي وردة، كاهن رعية مار أفرام السرياني في باريس – فرنسا، مطراناً لأبرشية القاهرة ونائباً بطريركياً على السودان، والأب جول بطرس، مدير إكليريكية سيّدة النجاة – الشرفة البطريركية، مطراناً في الدائرة البطريركية. وثبّت قداسة البابا فرنسيس هذا الانتخاب بتاريخ اليوم 12/5/2021.
سيحتفل صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الأنطاكي، بالسيامة الأسقفية للمطارنة المنتخَبِين في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم السبت 18 حزيران 2022، في الكنيسة الكبرى بدير سيّدة النجاة – الشرفة البطريركي، درعون – حريصا، لبنان.
أحرّ التهاني للمطارنة الجدد، مع الدعاء لهم بخدمة صالحة ورسالة مثمرة لما فيه خير الكنيسة.
هذه نبذة وجيزة عن حياة كلٍّ من المطارنة الثلاثة الجدد:

المطران جوزف شمعي
من مواليد زحلة – لبنان، في 5 تمّوز 1959، والداه عبد الجليل شمعي وجاكلين شمعي، وله شقيقان وشقيقتان. تلقّى دروسه الإبتدائية في مدرسة القلبين الأقدسين في زحلة، ودخل الإكليريكية الصغرى في دير سيّدة النجاة – الشرفة، لبنان (1972) حيث تابع دروسه المتوسّطة، ثمّ الدروس الثانوية في ثانوية زحلة الرسمية الأولى حيث حصل على شهادة البكالوريا اللبنانية – فرع الرياضيات (1979). وتابع الدراسة لعامين دراسيين في كلّية الحقوق في الجامعة اللبنانية – زحلة. ثمّ دخل الإكليريكية الكبرى بدير الشرفة (1982)، ونال الإجازة في الفلسفة واللاهوت من كلّية اللاهوت الحبرية في جامعة الروح القدس – الكسليك (1987)، كما تابع الدراسة في معهد الليتورجية في الجامعة عينها.
سيم شمّاساً إنجيلياً في 15 آذار 1987، بوضع يد المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثاني حايك، في كنيسة دير الشرفة، لبنان. ثمّ سامه غبطته كاهناً في 21 حزيران 1987، في كنيسة الدير نفسه.

عيّنه البطريرك حايك مديراً للإكليريكية الكبرى في دير الشرفة (1987-1992)، ومديراً لمدرسة دير الشرفة (1989-1992)، ثمّ كاهناً لرعية مار أفرام والقديسة تريزيا في زحلة (1992-1999).
عُيِّن مدرّساً للغة السريانية برتبة أستاذ مُعيد في كلّية الفنون والآثار في الجامعة اللبنانية – زحلة (1992-2019)، ومديراً لمدرسة راهبات الأرمن الكاثوليك (1992-1999).
عيّنه المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس موسى الأول داود كاهناً لرعية سيّدة البشارة في بيروت (1999-2012)، كما عيّنه قيّماً على أبرشية بيروت البطريركية، ومحامياً عن العدل ثمّ رئيساً للقلم ومسجّلاً وأميناً للصندوق في المحكمة الكنسية الإبتدائية للسريان الكاثوليك في لبنان (1999-2019)، وجدّد له هذين التعيينَين المثلّثُ الرحمات البطريرك مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد، ثمّ غبطةُ أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان.
سيم خوراسقفاً في 18 حزيران 2017، بوضع يد غبطة أبينا البطريرك يوسف الثالث يونان، في كنيسة مريم العذراء سيّدة فاتيما في جونيه.
عيّنه غبطته كاهناً لرعية مار أنطونيوس الكبير في جونيه (2012-2019)، ثمّ كاهناً لرعية مار بهنام وسارة في الفنار (2019).
بتاريخ 17/10/2019 عيّنه غبطته مدبّراً بطريركياً لأبرشية الحسكة ونصيبين، فتوجّه حالاً إلى الأبرشية في ظلّ الظروف العصيبة التي يعاني منها الشعب بسبب الحروب التي يعيشها، والحالة الإقتصادية الصعبة، وعمل على تفهُّم الجميع ودعمهم وتشجيعهم على الثبات في أرضهم بكلّ إيمان، مخفّفاً آلامهم وصعابهم.
يتقن اللغات السريانية والعربية والفرنسية، ويلمّ بالإنكليزية.

المطران إيلي وردة
من مواليد بيروت، في 28 أيلول 1977، والداه جوزف وردة وكلاديس سلامة، وله أربعة أشقّاء وشقيقة. تلقّى دروسه الإبتدائية والمتوسّطة في مدرسة الحكمة – الجديدة، والدروس الثانوية في مدرسة المتن الشمالي – الجديدة، وحصل على شهادة البكالوريا اللبنانية – فرع العلوم الطبيعية (1997). دخل الإكليريكية الكبرى في دير سيّدة النجاة - الشرفة (1998)، ونال الإجازة في الفلسفة واللاهوت من كلّية اللاهوت الحبرية في جامعة الروح القدس – الكسليك (2003)، ونال الإجازة في الحقّ القانوني الشرقي من المعهد الحبري الشرقي في روما (2007)، وشهادة الدكتوراه في الحق القانوني من المعهد الكاثوليكي في باريس (2015).
سيم شمّاساً إنجيلياً في 8 كانون الأول 2003، بوضع يد سيادة المطران مار ربولا أنطوان بيلوني، في كنيسة دير الشرفة، لبنان. ثمّ سامه سيادته كاهناً في 28 أيّار 2004، في كنيسة الدير نفسه.
تعيَّن كاهناً لرعية مار أفرام السرياني في باريس – فرنسا منذ عام 2007، حيث عمل جاهداً في الخدمة الرعوية وقام بتأسيس الإرساليات السريانية الكاثوليكية في عدّة مناطق في فرنسا، مثل مدينة تور، ومدينة ليل، إلى جانب


الاهتمام الرعوي بالإخوة والأخوات السريان الكاثوليك اللاجئين في فرنسا، والمتواجدين في مختلف المناطق والمدن والقرى الفرنسية، مثل ليون، بوزنسون، بروتان، مارساي، بواتيي، بلفور، لاروشال.
سيم خوراسقفاً في 6 تشرين الأول 2019، بوضع يد غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، في كنيسة مار يعقوب Saint Jacques du Haut-Pas في باريس.
يتقن اللغات السريانية والعربية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية، ويلمّ باللاتينية.

المطران جول بطرس
من مواليد بيروت، في 28 كانون الأول 1982، والداه جورج بطرس ومنى جرجي، وله شقيق واحد. تلقّى دروسه الإبتدائية والمتوسّطة في مدرسة يسوع المخلّص الإنجيلية في بيروت، والدروس الثانوية في ثانوية الأشرفية، وحصل على شهادة البكالوريا اللبنانية – فرع الفلسفة (2000). دخل الإكليريكية الكبرى في دير سيّدة النجاة - الشرفة (2000)، ونال الإجازة في الفلسفة من كلّية اللاهوت الحبرية في جامعة الروح القدس – الكسليك (2002)، والإجازة في اللاهوت من جامعة أوربانيانا الحبرية في روما (2006)، والإجازة في التواصل الإجتماعي من الجامعة نفسها (2006)، ونال شهادة الماجيستير ثمّ شهادة الدكتوراه في اللاهوت الرعوي في اختصاص رعوية الشبيبة في جامعة السالزيان الحبرية في روما (2016). وأنهى دراسة الماجيستير في العلاقات المسيحية – الإسلامية في الجامعة اليسوعية في بيروت.
سيم شمّاساً إنجيلياً في 9 شباط 2007، بوضع يد سيادة المطران مار ربولا أنطوان بيلوني، في كنيسة دير الشرفة، لبنان. ثمّ سيم كاهناً في 9 حزيران 2007، بوضع يد المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد، في كنيسة الدير نفسه.
تعيَّن في أمانة سرّ البطريركية (2007-2008)، ثمّ كاهناً مساعداً في رعية مار بهنام وسارة في الفنار (2008-2012)، ومشرفاً من قِبَل البطريركية في مدرسة ليسيه المتحف (2016-2017)، ومنسّقاً لرعوية الشبيبة في أبرشية بيروت البطريركية، وكاهناً مساعداً لرعية سيّدة البشارة في بيروت (2017-2019).
انتخبه مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان مرشداً عامّاً للعمل الرعوي الجامعي في لبنان (2016-2019). كما يخدم كمرشد في الحركة الرسولية المريمية، أخوّة شارل دي فوكو العلمانية، المؤسّسة الكاثوليكية الألمانية للمِنَح الجامعيةK.A.A.D. ، أخوية الشراكة والتحرّر C.L.، وفِرَق السيّدة E.N.D..
عيّنه غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان مسؤولاً عن التنشئة في إكليريكية سيّدة النجاة – دير الشرفة (2016-2019)، ثمّ مديراً للإكليريكية المذكورة اعتباراً من عام 2019.
يدرّس موادّ اللاهوت الرعوي ولاهوت الرسالة ورعوية الشبيبة والمرافقة الروحية في جامعة الحكمة وفي الجامعة اليسوعية في بيروت، وله مؤلّفات منشورة في هذه المجالات.
يتقن اللغات السريانية والعربية والإيطالية والإنكليزية والفرنسية.                           

                                                      أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

20

ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܒ̱ܟܒ
رسالة عيد القيامة المجيدة 2022

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل،
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في بلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
« ܨܠܺܝܒܳܐ ܐܽܘܪܚܰܐ ܗ̱ܗ ܕܰܩܝܳܡܬܳܐ »
"الصليب درب القيامة"  

1.   مقدّمة
يسرّنا في مستهلّ رسالتنا أن نتقدّم بأحرّ التهاني وأخلص التمنّيات بمناسبة عيد قيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات، إلى جميع إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والمؤمنين، في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة ومصر والأردن والخليج العربي وتركيا وأوروبا والأميركيتين وأستراليا. وإلى الرب يسوع المخلّص الذي افتدانا بآلامه وموته وقيامته، نضرع، كي يمنحكم والعالم أجمع فيض نِعَمِه وخيراته وبركاته، ويعزّي قلوبكم برجاء قيامته الظافرة، التي فيها انتصرت الحياة على الموت، والنعمة على الخطيئة، والمحبّة على الكراهية، والرجاء على اليأس، وعمّ فرح المسيح المنتصر في المجتمعات والأوطان.
قيامة الرب يسوع هي تأكيدٌ ضامنٌ لقيامة القلوب من الخطيئة والشرّ، إذ قد بدّدت الخوف والقلق والاضطراب، وحوّلت المستحيل إلى ممكن. نسأل الرب أن يهبكم ثمار هذا الحدث الخلاصي، فنعبر معاً مع فصح المسيح وقيامته إلى حياةٍ جديدةٍ ملؤها السلام الدائم والمحبّة الحقيقية.
2.   بالصليب صالحَنا الله القائم من الموت
قيامة الرب يسوع في اليوم الثالث إتمامٌ لذبيحته على الصليب من أجل فداء البشرية. لم يكن الصليب فعل تعويضٍ دراميّ قام يسوع بتنفيذه لكي يُهدِّئ غضب الله الثائر على خطيئة الإنسان، إنّما هو حركة تضامن إلهي مع واقع الإنسان، المليء بالتناقضات والظلم والموت وعبودية الشرّ. استعمل الله رمزاً بشرياً ليُظهِرَ من خلاله قوّته الإلهية. من هنا نفهم كلمات بولس الرسول: "فإنَّ كلمة الصليب عند الهالكين جهالةٌ، وأمَّا عندنا نحن المُخَلَّصين فهي قوَّة الله" (1كور1: 18).


فلو أدركْنا هذا الأمر لاستسهلنا كلّ تبعات الصليب واستهنّا بكلّ تداعياته في حياتنا. علينا أن نأخذ الصليب على عاتقنا بفرح ورجاء، لأنّنا ننظر إلى ما نحن مُقبِلون عليه بشغف، ونتخطّى كلّ الصعوبات الآنيّة الآتية علينا، وكلّها عابر. فلا ننسى أبداً أنّ الحياة بحدّ ذاتها تحمل صليباً، ولكن مع يسوع تتبدّد عقبات الحياة وأتعاب سفرنا فيها، لأنّ فرح الربّ قوّتنا، وهو يريحنا من جميع أحمالنا الثقيلة (را. متّى11: 28). "بين الصعوبات العديدة التي نمرّ بها، لا ننسينَّ أبداً أنّنا قد شُفينا بجراح المسيح. في ضوء القائم من بين الأموات تتحوّل آلامنا، فحيث كان هناك موت أصبح الآن هناك حياة، وحيث كان هناك حِداد، أصبح الآن هناك تعزية. أعطانا يسوع، بمعانقته للصليب، معنىً لآلامنا. لنُصلِّ الآن لكي تنتشر ثمارُه المبرّرة والشافية في جميع أنحاء العالم" (من رسالة قداسة البابا فرنسيس إلى مدينة روما والعالم لمناسبة عيد القيامة ٢٠٢١).
فما الصليب إلا خشبةٌ ممدودةٌ مثل إنسانٍ فاتحٍ ذراعيه ليضمَّ إليه العالم. لقد صالحَنا الله بالصليب!، وكلّمنا كلامه الكبير والنهائي بالصليب، إذ كشف من خلاله كلّ حبّه ورحمته للإنسان، محقّقاً به الخلاص والفداء. بالصليب يعبر كلّ إنسان إلى حياةٍ جديدةٍ روحياً وخلقياً واجتماعياً، إذ إنّ آلامه وأوجاعه ومآسيه لن تذهب سدىً، بل تحمل في ذاتها قيمةً مقدّسة. على الصليب تجلّت المحبّة وعظُمَت الرحمة للمؤمنين بسرّ الفداء، إذ بالصليب ينالون الغفران، وبه يصبحون خلقاً جديداً. من منبر الصليب، كلّمَنا الله الآب، وكشف لنا أبوّته المتجلّية منذ البدء.
وها هو مار أفرام السرياني يتألّق في الكلام عن الخلاص الذي منحَنا إيّاه الرب يسوع بآلامه وصلبه كطريقٍ حتميّ يقودنا إلى القيامة: «ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܳܟ ܡܰܠܟܳܐ ܡܫܺܝܚܳܐ ܕܚܰܫܬ ܘܰܦܪܰܩܬܳܢ ܡܶܢ ܛܽܘܥܝܰܝ܆ ܒܪܺܝܟ ܝܳܠܽܘܕܳܟ ܕܰܚܠܳܦܰܝܢ ܠܡܰܘܬܳܐ ܝܰܗܒܳܟ ܕܬܰܚܶܐ ܠܰܢ. ܠܪܽܘܚ ܩܽܘܕܫܳܐ ܦܰܪܩܠܺܝܛܳܐ ܬܰܘܕܺܝܬܳܐ ܠܥܳܠܰܡ ܥܳܠܡܺܝ̈ܢ... ܢܰܘܕܶܐ ܒܰܨܠܺܝܒܳܐ ܚܰܝܳܐ܆ ܕܒܶܗ ܩܳܡܢܰܢ ܡܶܢ ܡܰܦܽܘܠܬܳܐ. ܢܶܥܢܶܐ ܟܽܠܰܢ ܫܰܘܝܳܐܺܝܬ܆ ܒܪܺܝܟܽ ܗ̱ܘ ܕܒܰܨܠܺܝܒܶܗ ܦܰܪܩܰܢ»، وترجمته: "المجد لك أيّها المسيح الملك، يا من تألّمتَ وخلّصتَنا من الضلال. مباركٌ والدك الذي أسلمكَ إلى الموت من أجلنا كي تحيينا، وللروح القدس الشكر إلى أبد الآبدين... نعترف بالصيلب الحيّ، إذ به قمنا من السقوط. فلنهتف كلّنا كافّةً: مباركٌ هو مَن بصليبه خلّصنا" (من باعوث أي طلبة مار أفرام في صلاة الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة العظيمة، وفي صلاة الساعة التاسعة من صباح يوم سبت البشائر أي سبت النور، في كتاب الفنقيث ܦܢܩܝܬܐ، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الخامس، صفحة 269-270-315).
3.   الصليب مَبعث فرح القيامة
قيامة الرب يسوع هي إشراقة الحياة، وهي ينبوعُ فرحنا وعربون سلامنا. لقد قام المسيح وأقامنا معه! قام بعد أن سحقَ قيود الموت، وأقامنا بعد أن كسَرَ قيود ذنوبنا. "نحن نعلم أنّ إنساننا القديم قد صُلِبَ معه ليزول هذا البشر الخاطئ، فلا نظلّ عبيداً للخطيئة... فإذا كنّا قد متنا مع المسيح، فإنّنا نؤمن بأنّنا سنحيا معه" (رو6: 6-8).
من هنا، إنّ صليب المسيح هو طريق الخلاص والدرب المؤدّي إلى نور القيامة. هذه هي رسالة صلب يسوع وموته ودفنه. "من يموت مع المسيح يقوم مع المسيح، فالصليب هو باب القيامة" (من كلمة قداسة البابا فرنسيس، في صلاة التبشير الملائكي، الأحد 12 آذار 2017). الصليب هو سلاح المسيح الجبّار، وعندما نشهد في حياتنا للقيامة، يسيرُ العالم كلّه

نحو الفرح والسلام والرجاء والإيمان. فإن كنّا نقبلُ سرّ الصليب ونتأمّل بعمقٍ في سرّ المحبّة الإلهية، نستطيع أن نعكس نِعَمَه على واقع حياتنا اليومية، فنشترك مع جميع المؤمنين في عيش رجاء القيامة، في "وفرة الحياة" (يو10: 10)، إذ لا يمكن فصل حقيقة الصليب عن سرّ القيامة، وإلا أضحى رجاؤنا بؤساً، وحياتنا موتاً، وما عرفنا أنّ "الله محبّة".
قيامة الربّ لا تُعاش دون تذكُّر صليبه وحملِه في حياتنا. "لا يُخلّصُنا الله من الألم، بل من خلال الألم، ولا يحمينا من الموت بل بواسطة الموت، وهو لا يُحرّرنا من الصليب بل بالصليب" (اللاهوتي ديتريش بونهوفر).
بدون الصليب لا يمكن أن يكون لنا نصيبٌ في مجد المسيح القائم. إنّ سرّ الصليب هو سرّ المسيح، فبالصليب عمّ فرح القيامة في العالم كلّه. حيث الصليب تكون القيامة، وإلا فهي شعرٌ وغناء. إن لم نَعِ الصليب في حياتنا، فممَّ سنقوم؟ إن بقينا مرتاحين إلى ما نحن عليه وإن بقي ظلام الخطيئة مخيّماً علينا، فكيف لنور القيامة أن يشعّ فينا؟ لا يمكننا أن نحتفل بقيامة المسيح ونعيشها ما لم يَطرُدْ نورُ المخلّص القائم من بين الأموات من نفوسنا ظلامَ خطايانا.
4.   قيامة المسيح رجاؤنا
قيامة يسوع أساس الإيمان المسيحي، والإيمان بقيامته هو محور الإيمان به إلهاً ومخلّصاً: "إن كان المسيح لم يَقُم، فتبشيرنا باطلٌ وإيمانكم أيضاً باطل" (1كور15: 14). قيامة يسوع تشهد لقوّة الله العظيمة، لأنّه هو الوحيد القادر على غلبة الموت وقهر القبر. في قيامته من بين الأموات، ذكّرنا الرب يسوع بسلطانه على الحياة والموت، وقيامته شهادةٌ وتأكيدٌ على قيامة البشر، ودعوة رجاءٍ لنا للعيش بإنسانٍ جديدٍ متّشحٍ بالمسيح: "وإذا كان رجاؤنا في المسيح مقصوراً على هذه الحياة، فنحن أشقى الناس أجمعين. إنَّ المسيح قام من بين الأموات وهو بكر الذين ماتوا"
(1كور15: 19-20).
لا يستطيع المؤمن أن يغفل عن الصلبان التي تُحيط به من كلّ الجهات، بل يواجهها بروح القيامة، ويُلبِسها نور الحياة. القيامة تحوّل الصليب أداةَ فرحٍ وسبيلاً للحياة وشاهداً للمحبّة وآيةً للمشاركة والتعاضد.
في اليوم الثالث حدث ما لا يمكن أن يتصوّره عقلٌ بشري. لقد قام المسيح وفيه ومعه نقوم نحن أيضاً، منتقلين من الموت إلى الحياة، ومن عبودية الخطيئة إلى حرّية الحبّ. تؤكّد لنا قيامة يسوع أنّ الكلمة الأخيرة ليست للموت بل للحياة. "إنّ قيامة المسيح رجاؤنا! هذا ما تعلنه الكنيسة اليوم بفرح. تعلن عن الرجاء الذي أصبح الآن ثابتاً ولا يُقهَر، لأنّ الله قد أقام يسوع المسيح من بين الأموات... إنّها تستحضر الأمل الذي يمكن أن يستدعي الشجاعة لفعل الخير، حتّى عندما يكون ذلك مكلفاً. اليوم تغنّي الكنيسة "اليوم الذي صنعه الربّ" وتستدعي الناس للفرح" (من بركة قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر لمدينة روما وللعالم بمناسبة عيد القيامة 2009). إنّ القيامة خلقٌ جديدٌ، إنسانٌ جديدٌ، وشعبٌ جديد. القيامة برهانٌ على قوّة الحياة الجديدة وسيادة النور والحقّ: "إذا كان أحدٌ في المسيح فهو خليقةٌ جديدةٌ، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكلّ قد صار جديداً" (2كور5: 17).


في أبيات الآلام برتبة السجدة للصليب يوم الجمعة العظيمة، يحلّق الآباء في سماء الروح متأمّلين بالرباط الوثيق بين الصليب والقيامة: «ܐܰܚ̈ܰܝ ܢܰܥܺܝܪ ܥܰܝ̈ܢܰܝ ܠܶܒܰܢ܆ ܘܢܶܚܙܶܐ ܠܰܒܪܳܐ ܕܰܬܠܶܐ ܒܩܰܝܣܳܐ. ܢܦܽܘܚ ܒܰܢ ܪܺܝܚܳܐ ܕܰܙܩܺܝܦܽܘܬܶܗ܆ ܘܢܶܫܬܰܘܬܰܦ ܠܰܢ ܒܚܰܫܳܐ ܕܡܰܘܬܶܗ܆ ܘܢܶܚܕܶܐ ܥܰܡܶܗ ܒܝܽܘܡ ܢܽܘܚܳܡܶܗ»، وترجمته: "فلنوقظ يا إخوتي عيون قلوبنا، وننظر الإبن معلَّقاً على خشبة الصليب. فتفوح منّا رائحة صلبه، ونشترك في آلامه وموته، لنفرح معه يوم قيامته" (من أبيات الآلام ܒ̈ܳܬܶܐ ܕܚܰܫܳܐ، في رتبة السجدة للصليب يوم الجمعة العظيمة).
5.   صدى العيد في عالمنا اليوم
كما أنّ الصليب هو الدرب إلى القيامة، نصلّي كي يكون صليب شعبنا وأوطاننا المعذَّبة والمضطهَدة قد شارف على نهايته، وكي نعيش في هذا الشرق فرح القيامة، قيامة بلداننا من كبوتها وحروبها العبثية والفساد المستفحل في إداراتها ومؤسَّساتها، والذي يُفقِد المواطنين، وأبناءنا منهم، الأمل في بناء مستقبلهم في أرضهم الأمّ، فيجدون في الهجرة أملاً لهم بغدٍ أفضل نتمنّاه لهم في بلادهم وبين أهلهم وأحبّائهم.
يحلّ عيد القيامة ولبنان لم يقم من عذاباته، إذ تستمرّ المعاناة والآلام التي سبّبها السياسيون الطائفيون المستأثرون بحكم الوطن، من جرّاء الفساد والإهمال والتنكّر لمسؤولية خدمة الشعب الذي سبق وانتخبهم. نأمل ونصلّي كي تكون الانتخابات النيابية القادمة جسر العبور، بحيث يختار المواطنون اللبنانيون بحرّية ضمير، دون الرضوخ للإغراءات والاستغلال، ممثّليهم في البرلمان من أصحاب الكفاءة، وممّن يُشهَد لهم بالنزاهة والاستقامة. وإنّنا نشجّعهم على مشاركةٍ واعيةٍ وشُجاعةٍ في الإقتراع، لأنّ خلاص الوطن منوطٌ بصوابية خيار اللبنانيين في الانتخابات النيابية التي يجب أن يليها، دون أيّ مماطلةٍ أو تعطيلٍ لأيّ سببٍ أو مبرِّرٍ، تشكيل حكومةٍ إنقاذيةٍ من اختصاصيين، للبدء بمسار التعافي الاقتصادي والاجتماعي، دون أن نتجاهل ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في مواعيدها الدستورية، فلا يقع الوطن في فخاخ الفراغ المعطِّل، لأنّ لبنان لم يعد قادراً على الاستمرار بتحمُّل التعطيل والإكتواء بفراغ دستوري رئاسي.
وعلى كلّ ذلك أن يترافق مع التسريع في الانتهاء من ملفّ التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، ومحاكمة المتَّهَمين والمتورّطين، وتحديد المسؤوليات، ورفع الحصانات عن كلّ من يثبت تورُّطه في جريمة تدمير العاصمة بيروت، والتي لم يُعرَف لها مثيل في العصر الحديث.
كما أنّ تحرير أموال المودعين وتوحيد سعر صرف العملات الأجنبية تجاه الليرة اللبنانية، هي ملفّات طارئة وعاجلة وضرورية لإعادة الثقة بالنظام اللبناني والمؤسَّسات اللبنانية الرسمية منها والخاصّة، والتي وحدها يمكنها وقف نزيف الهجرة وتشجيع المستثمرين على الاستثمار مجدَّداً في هذا البلد الغالي.
ولنا علامة رجاءٍ في زيارة قداسة البابا فرنسيس إلى لبنان، التي نأمل أن تتمّ في شهر حزيران القادم، كي تكون بركةً لهذا البلد المتألّم والمهدَّد بمصيره، فلا بدّ لليل المعاناة والآلام أن يعقبه فجر القيامة والخلاص. وسيذكّر قداسته بقيمة لبنان وتميُّزه بوحدة مواطنيه رغم تعدّديتهم، وبضرورة أن ينهض من وهدة الأزمات التي تعصف به على كلّ

المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، ويعود للعب دوره المميّز في محيطه والعالم، غير ناسين ما قام ولا يزال يقوم به قداسته من أجل لبنان من مبادراتٍ للوقوف إلى جانبه ومساعدته في هذه الظروف العصيبة التي أوصله إليها السياسيون والمتحكّمون به وبمصير أبنائه.
وأنظارُنا تتّجه إلى سوريا التي ترزح تحت وطأة الحرب العبثية رغم المبادرات الجدّية والاتّصالات الجارية لإنهاء الصراع الذي دمّر البلاد وفتّتَها. نسأل الرب يسوع القائم من بين الأموات أن يزرع السلام والأمان في أرجاء هذا البلد العزيز، فيعود الشعب المشرَّد إلى وطنه، ويساهم جميع أبناء سوريا في إعادة إعمار بلدهم، إذ يكفي سوريا والسوريين أن تكون هذه الأرض حلبةً تُتفَّذ عليها مشاريع الدول الكبرى على حساب الشعب السوري الأبيّ الذي لا يريد سوى السلام والاستقرار الدائم في أرضه، لا أن يكون لاجئاً في أصقاع المعمورة. وقد زرنا العاصمة دمشق في آذار الماضي، حيث لمسنا، من خلال مشاركتنا في مؤتمر عن خدمة المحبّة، العملَ الهامَّ الذي تقوم به الأبرشيات والمؤسَّسات الكنسية في سبيل مساندة المؤمنين في هذه الظروف العصيبة، بمؤازرةٍ مشكورةٍ من الهيئات والمنظَّمات الكنسية العالمية.
والعراق، الذي رغم إنجاز الانتخابات النيابية، لا تزال الصراعات الداخلية فيه تمنع تشكيل حكومةٍ منتجةٍ تُنهي حالة الفوضى القائمة، وتثبّت دعائم بناء الدولة الحديثة، لينعم العراقيون بخيرات بلدهم، ويتخلّص وطنهم الغالي من كلّ الجيوب الإرهابية التي تعكّر صفو السلام والأمان الذي يستحقّه هذا الشعب الرافض لكلّ محاولات تقسيمه وتحريض مكوّناته ضدّ بعضها وتأليبها ضدّ مصلحة بلدها. نصلّي كي يتمكّن المكوِّن المسيحي، وهو مكوِّنٌ أصيلٌ في بلاد الرافدين، من متابعة الشهادة لإيمانه في أرضه رغم الصعوبات والتحدّيات الجمّة. وقد سُرِرْنا وابتهج قلبنا بزيارة شمالي العراق في الأيّام القليلة الماضية، حيث شاركْنا بفخرٍ واعتزارٍ في التطواف والمسيرة السنوية التقليدية في شوارع بخديدي - قره قوش يوم عيد الشعانين، وسطَ ما يقربُ من عشرين ألف شخص، في مشهدٍ لا مثيل له، يثلج القلوب وينعِش النفوس بنفحة الرجاء كي يتجذّر أبناؤنا في أرضهم الأمّ.
ولا يسعنا إلا أن نجدّد صلاتنا بحرارةٍ من أجل إحلال السلام والأمان في العالم، وخاصّةً على نيّة إنهاء الحرب المدمِّرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تهدّد السلام والاستقرار العالميين، وتذكّرنا بالحقبة السوداء من تاريخ البشرية، بعد أن اعتقدْنا أنّها ولّت دون عودة، وأنّ المجتمع الدولي تعلّم من تجارب الحروب العالمية وويلاتها ومآسيها، والتي نعيشها للأسف بشكلٍ يومي ومنذ عشرات السنين في بلداننا المشرقية.
كما نضرع إلى مخلّصنا المنبعث من القبر من أجل جميع أبنائنا وبناتنا في بلدان الشرق، في لبنان، وسوريا، والعراق، والأراضي المقدسة، ومصر، والأردن، والخليج العربي، وتركيا، وفي بلدان الإنتشار، في أوروبا والأميركيتين وأستراليا، كي يباركهم ويحفظهم وعائلاتهم، بالأمانة الراسخة ليسوع فاديهم ولتعاليم أمّهم الكنيسة المقدسة، رغم التحدّيات الكثيرة التي يجابهونها.


وإنّنا نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله كي يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
6.   خاتمة
أيّها الرب يسوع القائم منتصراً على موت الصليب، أهّلنا أن نعمل اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، كي نحيا بإيمانٍ ورجاءٍ سرَّ الصليب، لعيش مفاعيل قيامتك في حياتنا، فنُظهِر صورتك التي ألبسْتَنا إيّاها. امنحنا أنّ نعيّد القيامة ونستمدّ منها حياةً مشرقةً، فنغلب الشرّ بالخير، ونعمل على تطهير ذواتنا من الحقد والكراهية، ونخلق جسورَ تواصلٍ وتلاقٍ بين المتباعدين والمتخاصمين. هبنا أن نتمثّل بشجاعتك وأنتَ لم ترهب شيئاً حتّى الموت، بل واجهْتَ الصليب بمحبّةٍ، فقُدْتَنا إلى القيامة. أعطِنا أن نعيش إيماننا بك والتزامنا بكنيستك بأصالةٍ وعمقٍ، فنستحقّ أن نُدعى أبناء القيامة: "فأعرفه وأعرف قوّة قيامته والمشاركة في آلامه، فأتمثّل به في موته، لعلّي أبلغ القيامة من بين الأموات" (فيل3: 10-11).

وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم. كلّ عام وأنتم بألف خير.


ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ
المسيح قام من بين الأموات... حقّاً قام

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت – لبنان
في اليوم الثالث عشر من شهر نيسان سنة 2022
 وهي السنة الرابعة عشرة لبطريركيتنا



                                                   اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                     بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

21
Holy Qourobo of the Feast of St Ephrem The Syriac, Beirut

الإحتفال بعيد مار أفرام السرياني شفيع كنيستنا السريانية وملفان الكنيسة الجامعة، كاتدرائية سيّدة البشارة – بيروت

البطريرك يونان: " نحن في لبنان سنبقى ثابتين في هذا الوطن مهما تخلّف المسؤولون السياسيون فيه عن أداء واجباتهم الوطنية بخدمةٍ نزيهةٍ للشعب الجريح والمتألّم"

في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 5 آذار 2022، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بالقداس الإلهي الحبري الرسمي بمناسبة عيد مار أفرام السرياني شفيع كنيستنا السريانية وملفان الكنيسة الجامعة، وذلك في كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه في القداس أصحابُ السيادة المطارنة: مار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ومار يوحنّا بطرس موشي رئيس الأساقفة السابق لأبرشية الموصل وتوابعها، ومار فولوس أنطوان ناصيف الأكسرخوس الرسولي في كندا، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، ومار يعقوب أفرام سمعان النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والأردن والمدبّر البطريركي لأبرشية القاهرة والنيابة البطريركية في السودان، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، بحضور ومشاركة صاحب السيادة مار غريغوريوس بطرس ملكي، والآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان الأفراميين والراهبات الأفراميات والإكليريكيين طلاب إكليريكية دير سيّدة النجاة – الشرفة، وجموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الرعايا السريانية في أبرشية بيروت البطريركية، ومن إرسالية العائلة المقدسة للنازحين العراقيين والسوريين في لبنان.
حضر القداس صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وصاحب السيادة المطران جوزف سبيتيري السفير البابوي في لبنان، وصاحب السيادة المطران جورج أسادوريان المعاون البطريركي للأرمن الكاثوليك ممثّلاً صاحب الغبطة رافائيل بيدروس الحادي والعشرين ميناسيان كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك.
كما حضر أيضاً صاحب النيافة مار ثيوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس، وأصحاب السيادة: ميشال قصارجي مطران الكلدان في لبنان، وسيزار أسيايان النائب الرسولي للاتين في لبنان، وبيتر كرم المعاون البطريركي للموارنة، والخوارسقف يثرون كوليانا وكيل رئيس الكنيسة الآشورية في لبنان، والأب أندراوس الأنطوني راعي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في لبنان، وعدد من الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات للرهبانيات، والخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات من مختلف الكنائس، وحشد من فعاليات الطائفة وأصدقائها.
بعد الإنجيل المقدس، ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظة بعنوان "اثبتوا في محبّتي... بهذا يتمجّد أبي، أن تأتوا بثمر كثير وتكونوا تلاميذي"، تحدّث فيها غبطته عن القديس مار أفرام، شفيع كنيستنا السريانية وملفان البيعة الجامعة، متوجّهاً "باسمنا، وباسم إخوتنا المطارنة الأحبار الأجلاء الذين يعاونوننا في هذا القداس، بالتهنئة القلبية من جميع أبناء كنيستنا وبناتها في كلّ أنحاء العالم، في الشرق وبلاد الانتشار، ضارعين إلى الرب إلهنا، بشفاعة هذا القديس العظيم، أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته".
وتكلّم غبطته عن القديس مار أفرام كنّارة الروح القدس، وكوكب الكنيسة، والناسك القديس، ومخزن الفضائل والصالحات، والراهب المثال في التكرّس والصوم والصلاة، يتنسّك ويرشد ويعلّم، فيفيض المواهب الإلهية أمام المؤمنين. وكان رائداً، فألّف جوقة تراتيل من الفتيات، واقتدت به الكنيسة شرقاً وغرباً.
وتأمّل غبطته بمار أفرام "الروحاني المتعمّق في الكتاب المقدس، وقد أشبع أسفاره درساً وتفسيراً، حتّى قيل إنّه لو فُقِدت نُسَخُ الكتاب المقدس بالسريانية، لاستطعنا جمعها ثانيةً من مؤلّفات مار أفرام وتفاسيره. إنّه ملفان البيعة الجامعة وعامودها، أغنى الكنيسة بكتاباته، من ميامر (أشعار) ومداريش (أناشيد ونصوص مكتوبة)... وهو الشاعر الملهَم والمُتيَّم بمديح العذراء مريم، والمدافع الصلب عن إيمان الكنيسة وعقائدها، والعاشق للغة السريانية، لغة الرب يسوع ووالدته العذراء مريم ورسله".
ونوّه غبطته إلى أنّه "لأهمّية تعاليم مار أفرام وتأثيرها في حياة الكنيسة والمؤمنين، أعلنه قداسة البابا بنديكتوس الخامس عشر عام 1920 ملفاناً للكنيسة الجامعة. إنّه الشمّاس الخادم المكرَّس الذي يتحسّس بأوضاع المؤمنين... وبعد أن أسّس مدرسة نصيبين، أسّس مدرسةً أخرى في الرها كانت مقراً للعلوم والمعارف. وعندما حلّت المجاعة في هذه المدينة ومات عددٌ كبيرٌ من أهلها، راح مار أفرام يطوف منازل الأغنياء ويحثّهم على عمل الرحمة، جامعاً الصدقات وموزّعاً إيّاها على الفقراء. وإثر الجوع، انتشر وباء الطاعون، فراح مار أفرام يعتني بالمرضى ويشجّعهم، حتّى أصيب بالمرض، واحتمل الآلام صابراً، إلى أن فاضت روحه عابقةً برائحة القداسة. إنّه وبحقّ شمس السريان اللامع الذي يضيء الدرب أمامهم، بل أمام الكنيسة بأسرها في كلّ جيل".
ولفت غبطته إلى أنّ "الرب يسوع يدعونا في إنجيله اليوم إلى الثبات والإتّحاد به، كما تتّحد الأغصان بالكرمة وتزهر ثماراً يانعة. هكذا نحن، إن ثبتنا بالرب، نزهر بالمحبّة والفضيلة، فنشعّ بنور تلاميذ المسيح... فنحن الذين آمنّا به، نتّكل عليه، ولا نستطيع أن نصنع الخير والصلاح من دونه. وبالثبات به، نثمر ثمار الأعمال الصالحة والحياة المسيحية البارّة، فنكون تلاميذ حقيقيين للمعلّم الصالح الذي بذل ذاته من أجلنا. لقد ثبتنا بالرب، إذ بالمعمودية أصبحنا هيكلاً له، فيه يسكن، وبالإفخارستيا، سرّ المحبّة الإلهية، اتّحدنا بفادينا الإلهي اتّحاداً نغذّيه بتسليم ذواتنا له، عاملين بوصاياه، إذ لا نستطيع أن ننفصل عنه أبداً".
وأكّد غبطته على أهمّية "أن نبقى أمناء لكلام الرب يسوع وتعاليمه ونعمته التي حلّت فينا. فنشهد له في حياتنا، في كلامنا، وفي مَثَلِنَا الصالح. لقد كان آباؤنا السريان، ومار أفرام في طليعتهم، روحانيين وواقعيين متبصّرين، أدركوا أنّ المسيحية روح وحياة. فثبتوا بالرب، وكانوا قوّةً تسند الكنيسة رغم كلّ التجارب والضيقات والإضطهادات. ونحن مدعوون اليومَ على غرارهم كي نبقى ثابتين بالرب يسوع رغم كلّ ما نعيشه من المحن والأزمات والتحدّيات والنكبات. نتبع الرب وعيوننا شاخصة إليه، كي ننال لنا وللآخرين نِعَم الخلاص، واثقين بوعده الدائم لنا أنّه في وسط الكنيسة فلن تتزعزع أبداً".
وأشار غبطته على أنّنا "سنبقى ثابتين في كنيستنا، نغرف من كنوزها في مسيرتنا الأرضية. نعيش الشركة الروحية بالمشاركة الفاعلة وروح الإرسالية، لا سيّما ونحن نعيش هذه المسيرة السينودسية مع إخوتنا المؤمنين في الكنيسة على امتداد المعمورة، فنستعدّ للسينودس الروماني الذي سيُعقَد برئاسة قداسة البابا فرنسيس في العالم المقبل".
وشدّد غبطته على أنّنا "نحن في لبنان سنبقى ثابتين في هذا الوطن مهما تخلّف المسؤولون السياسيون فيه عن أداء واجباتهم الوطنية بخدمةٍ نزيهةٍ للشعب الجريح والمتألّم، الذي أضحى عرضةً للخوف واليأس من المستقبل، ولم يجد الكثيرون سوى الهجرة سبيلاً لهم، لا سيّما في صفوف الشباب والطاقات المنتجة".
وتناول غبطته الأوضاع الراهنة في لبنان، مذكّراً "بأهمّية متابعة التحقيق بشفافية في قضية تفجير مرفأ بيروت، وهي جريمة ضدّ الإنسانية، ووجوب قيام الحكومة بالإصلاحات اللازمة للنهوض بالبلاد من قعر الهاوية التي أضحى يتخبّط بها، ومساءلة المسؤولين عن سرقة ودائع الناس في المصارف ومحاسبتهم، والتأكيد على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في مواعيدها الدستورية، والتشديد على مشاركة جميع المواطنين في الاستحقاق الإنتخابي، لإنتاج سلطة جديدة تحكم بالعدل والحقّ، وتعيد البلد إلى سابق عهده من التقدّم والازدهار".
وختم غبطته موعظته سائلاً "الله أن ينير قلوب المسؤولين وعقولهم في بلادنا وفي الشرق والعالم، كي يعملوا على تحقيق خير الأوطان والعيش الكريم للمواطنين. ونضرع إليه تعالى، وهو ملك السلام، أن ينشر سلامه وأمانه في كلّ مكان. فتنتهي الحروب والفتن، وتزول الأحقاد والضغائن، ويحلّ السلام والأمان، وتسود المحبّة والألفة، ولا سيّما من أجل انتهاء الحرب في أوكرانيا، وعودة السلام إلى هذا البلد وجيرانه" (تجدون النص الكامل لموعظة غبطته في خبر خاص على صفحة الأخبار هذه في هذا الموقع الرسمي للبطريركية).
وبعد البركة الختامية، تقبّل غبطة أبينا البطريرك التهاني بالعيد من أصحاب الغبطة والسيادة والإكليروس والمؤمنين.



موعظة قداس عيد مار أفرام السرياني
السبت 5 آذار 2022
كاتدرائية سيّدة البشارة - بيروت

مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بطريرك السريان الأنطاكي

"اثبتوا في محبّتي... بهذا يتمجّد أبي، أن تأتوا بثمر كثير وتكونوا تلاميذي"

صاحب الغبطة والنيافة أخانا الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة
صاحب السيادة المطران جوزف سبيتيري، السفير البابوي في لبنان
أصحاب النيافة والسيادة الأحبار الأجلاء 
الآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
أيّها الإخوة والأخوات المبارَكون بالرب

يدعونا الرب يسوع في إنجيله اليوم إلى الثبات والإتّحاد به، كما تتّحد الأغصان بالكرمة وتزهر ثماراً يانعة. هكذا نحن، إن ثبتنا بالرب، نزهر بالمحبّة والفضيلة، فنشعّ بنور تلاميذ المسيح.

نحتفل اليوم بعيد القديس مار أفرام، شفيع كنيستنا السريانية وملفان البيعة الجامعة، وقد اعتدنا أن نجتمع معاً في مثل هذا اليوم، في السبت الأول من الصوم، لنكرّم هذا القديس العظيم، ونتغنّى بسيرته، متقفين أثره، ومستنيرين بما تركه لنا من تعاليم وقدوة يُحتذى بها. وبهذه المناسبة نتوجّه باسمنا، وباسم إخوتنا المطارنة الأحبار الأجلاء الذين يعاونوننا في هذا القداس، بالتهنئة القلبية من جميع أبناء كنيستنا وبناتها في كلّ أنحاء العالم، في الشرق وبلاد الانتشار، ضارعين إلى الرب إلهنا، بشفاعة هذا القديس العظيم، أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته.
مار أفرام كنّارة الروح القدس، وكوكب الكنيسة، سطع في سمائها منذ القرن الرابع، حيث وُلِد في نصيبين، وتتلمذ على يد أسقفها القديس يعقوب النصيبيني، مقتدياً بزهده ونسكه. فوشّحه بالإسكيم الرهباني، ورسمه شمّاساً، ويقول التقليد إنّه رافقه إلى مجمع نيقية المسكوني الأول. 
إنّه الناسك القديس، ومخزن الفضائل والصالحات، لم تكن الرهبانية لدى مار أفرام نسكاً وصلاةً وعبادةً فقط، بل أيضاً نشراً للبشارة الإنجيلية بالكلام والفكر والعمل. فرأينا مار أفرام الراهب، المثال في التكرّس والصوم والصلاة، يتنسّك ويرشد ويعلّم، فيفيض المواهب الإلهية أمام المؤمنين. وكان رائداً، فألّف جوقة تراتيل من الفتيات، واقتدت به الكنيسة شرقاً وغرباً. 
إنّه الروحاني المتعمّق في الكتاب المقدس، وقد أشبع أسفاره درساً وتفسيراً، حتّى قيل إنّه لو فُقِدت نُسَخُ الكتاب المقدس بالسريانية، لاستطعنا جمعها ثانيةً من مؤلّفات مار أفرام وتفاسيره.
إنّه ملفان البيعة الجامعة وعامودها، أغنى الكنيسة بكتاباته، من ميامر (أشعار) ومداريش (أناشيد ونصوص مكتوبة)، تتغنّى بها الكنائس السريانية وترنّمها في صلواتها صباحاً ومساءً. وهو الشاعر الملهَم والمُتيَّم بمديح العذراء مريم، والمدافع الصلب عن إيمان الكنيسة وعقائدها، والعاشق للغة السريانية، لغة الرب يسوع ووالدته العذراء مريم ورسله.
ولأهمّية تعاليمه وتأثيرها في حياة الكنيسة والمؤمنين، أعلنه قداسة البابا بنديكتوس الخامس عشر عام 1920 ملفاناً للكنيسة الجامعة. 
إنّه الشمّاس الخادم المكرَّس الذي يتحسّس بأوضاع المؤمنين، فعلى أثر الاضطهاد الذي حلّ بنصيبين، هجرَها مرافقاً شعبها إلى الرها حيث تفانى في الخدمة. وبعد أن أسّس مدرسة نصيبين، أسّس مدرسةً أخرى في الرها كانت مقراً للعلوم والمعارف. وعندما حلّت المجاعة في هذه المدينة ومات عددٌ كبيرٌ من أهلها، راح مار أفرام يطوف منازل الأغنياء ويحثّهم على عمل الرحمة، جامعاً الصدقات وموزّعاً إيّاها على الفقراء. وإثر الجوع، انتشر وباء الطاعون، فراح مار أفرام يعتني بالمرضى ويشجّعهم، حتّى أصيب بالمرض، واحتمل الآلام صابراً، إلى أن فاضت روحه عابقةً برائحة القداسة. 
إنّه وبحقّ شمس السريان اللامع الذي يضيء الدرب أمامهم، بل أمام الكنيسة بأسرها في كلّ جيل.

بالعودة إلى إنجيل اليوم، يعلن الرب يسوع بكلامٍ واضح: "أنا الكرمة الحقّ وأنتم الأغصان"، فنحن الذين آمنّا به، نتّكل عليه، ولا نستطيع أن نصنع الخير والصلاح من دونه. وبالثبات به، نثمر ثمار الأعمال الصالحة والحياة المسيحية البارّة، فنكون تلاميذ حقيقيين للمعلّم الصالح الذي بذل ذاته من أجلنا. 
نعم، لقد ثبتنا بالرب، إذ بالمعمودية أصبحنا هيكلاً له، فيه يسكن، وبالإفخارستيا، سرّ المحبّة الإلهية، اتّحدنا بفادينا الإلهي اتّحاداً نغذّيه بتسليم ذواتنا له، عاملين بوصاياه، إذ لا نستطيع أن ننفصل عنه أبداً. 
يدعونا الرب اليوم كي نبقى أمناء لكلامه وتعاليمه ونعمته التي حلّت فينا. فنشهد له في حياتنا، في كلامنا، وفي مَثَلِنَا الصالح.
لقد كان آباؤنا السريان، ومار أفرام في طليعتهم، روحانيين وواقعيين متبصّرين، أدركوا أنّ المسيحية روح وحياة. فثبتوا بالرب، وكانوا قوّةً تسند الكنيسة رغم كلّ التجارب والضيقات والإضطهادات. ونحن مدعوون اليومَ على غرارهم كي نبقى ثابتين بالرب يسوع رغم كلّ ما نعيشه من المحن والأزمات والتحدّيات والنكبات. نتبع الرب وعيوننا شاخصة إليه، كي ننال لنا وللآخرين نِعَم الخلاص، واثقين بوعده الدائم لنا أنّه في وسط الكنيسة فلن تتزعزع أبداً. 
نعم سنبقى ثابتين في كنيستنا، نغرف من كنوزها في مسيرتنا الأرضية. نعيش الشركة الروحية بالمشاركة الفاعلة وروح الإرسالية، لا سيّما ونحن نعيش هذه المسيرة السينودسية مع إخوتنا المؤمنين في الكنيسة على امتداد المعمورة، فنستعدّ للسينودس الروماني الذي سيُعقَد برئاسة قداسة البابا فرنسيس في العالم المقبل.
ونحن في لبنان سنبقى ثابتين في هذا الوطن مهما تخلّف المسؤولون السياسيون فيه عن أداء واجباتهم الوطنية بخدمةٍ نزيهةٍ للشعب الجريح والمتألّم، الذي أضحى عرضةً للخوف واليأس من المستقبل، ولم يجد الكثيرون سوى الهجرة سبيلاً لهم، لا سيّما في صفوف الشباب والطاقات المنتجة. 
ولا بدّ لنا من أن نذكّر بأهمّية متابعة التحقيق بشفافية في قضية تفجير مرفأ بيروت، وهي جريمة ضدّ الإنسانية، ووجوب قيام الحكومة بالإصلاحات اللازمة للنهوض بالبلاد من قعر الهاوية التي أضحى يتخبّط بها، ومساءلة المسؤولين عن سرقة ودائع الناس في المصارف ومحاسبتهم، والتأكيد على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في مواعيدها الدستورية، والتشديد على مشاركة جميع المواطنين في الاستحقاق الإنتخابي، لإنتاج سلطة جديدة تحكم بالعدل والحقّ، وتعيد البلد إلى سابق عهده من التقدّم والازدهار. 
نسأل الله أن ينير قلوب المسؤولين وعقولهم في بلادنا وفي الشرق والعالم، كي يعملوا على تحقيق خير الأوطان والعيش الكريم للمواطنين. ونضرع إليه تعالى، وهو ملك السلام، أن ينشر سلامه وأمانه في كلّ مكان. فتنتهي الحروب والفتن، وتزول الأحقاد والضغائن، ويحلّ السلام والأمان، وتسود المحبّة والألفة، ولا سيّما من أجل انتهاء الحرب في أوكرانيا، وعودة السلام إلى هذا البلد وجيرانه. 
وخير ما ننهي به اقتباسٌ من أحد ميامر مار أفرام عن الصوم: «ܣܰܓܺܝ ܪܚܺܝܡ ܨܰܘܡܳܐ܆ ܩܕܳܡ ܗܰܘ ܒܳܚܰܪ ܟܽܠ܆ ܡܳܐ ܕܰܫܟܺܝܚܺܝܢ ܒܶܗ܆ ܡܰܟܺܝܟ̣ܽܘܬ݂ ܢܰܦܫܳܐ܆ ܘܚܽܘܒܳܐ ܨܶܝܕ ܡܳܪܰܢ܆ ܐܳܦ ܨܶܝܕ ܟܽܠ ܒܰܪܢܳܫ» "كم الصوم محبَّبٌ ومقبولٌ لدى فاحص الكلّ (أي الله)! فيه وداعة النفس والمحبّة للرب ولكلّ إنسان".


22

الرقم: 52/2022
التاريخ: 28/2/2022
رسالة الصوم الكبير 2022

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالربّ يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܡܰܢܽܘ ܩܰܪܺܝܒܝ̱؟!»
"من هو قريبي؟!" (لو10: 29)

1.   مقدّمة
تدعونا أمّنا الكنيسة كي نمارس الصوم مدّة أربعين يوماً قبل أسبوع الآلام الخلاصي الذي يقودنا إلى عيد القيامة المجيدة، مُذكِّرةً إيّانا بصوم الرب يسوع في البرّية وانتصاره على إبليس. في زمن الصوم المقدّس، تتحرّر النفس كي تقبل عطيّة الخلاص المجّانية، فتنطلق في مسيرة الشركة الحبّية مع فاديها الإلهي، إذ تشاركه في "فصحه" بالعبور من العبودية إلى الحرّية، ومن الموت إلى الحياة.
الصوم زمنٌ قرباني نقبل فيه محبّة يسوع، ونتعلّم كيف ننشرها حولنا في كلّ حركة وكلمة: نفتح قلوبنا على جراح الذين يتألّمون في كرامتهم البشرية، ونندفع بمحبّة المسيح إلى محاربة الشرور وأشكال الظلم، من ازدراء المستضعَفين واستغلال المهمَّشين، وإلى التخفيف من مآسي العزلة والإهمال والحاجة للعديد من الأشخاص.

2.   مفهوم الصوم
إنّ الصوم يقرّبنا من الرب روحياً، وهو، إلى جانب كونه "انقطاعاً" عن الطعام لفترة محدَّدة من اليوم، تمتدّ من منتصف الليل حتّى الظهر، ثمّ "قطاعةً" تقوم على الاكتفاء بتناول الأطعمة الخالية من المنتجَات الحيوانية، فالصوم زمن التجدّد والتحوّل الداخلي وتفعيل المحبّة التي يزرعها الله في قلب المؤمن. ويشمل هذا التجدّد والتحوّل علاقةً متلازمةً ومتكاملةً مع الله ومع القريب.
ينوّه قداسة البابا فرنسيس في رسالته لزمن الصوم لهذا العام 2022، إلى أنّ: "زمن الصوم الأربعيني يدعونا إلى التوبة، وتغيير العقلية، فلا تكون حقيقة الحياة وجمالها في الامتلاك الكثير بل في العطاء، وليس

في تكديس المال بل في صنع الخير والمشاركة مع الآخرين... ولا ننظر إلى هذه الدعوة إلى زرع الخير على أنّها عبء، بل هي نعمة يريد بها الخالق أن يشركنا في سخائه الجزيل".
ويتابع قداسته في رسالته مؤكّداً أنّ "الصوم الجسدي الذي يدعونا إليه الزمن الأربعيني يقوّي روحنا، لمحاربة الخطيئة. لنطلب المغفرة في سرّ التوبة والمصالحة ولا نملّ، عالمين أنّ الله لا يملّ أبداً من أن يغفر".

3.   علاقتنا مع الله والقريب
يدعونا الصوم كي نجدّد علاقتنا مع الله الآب السماوي، ينبوع المراحم، فنعود إليه بالتوبة الحقيقية، ونتحرّر من عبودية الجسد والأهواء البشرية. كما أنّنا نسعى لعيش حياة التلمذة للمعلّم الإلهي، من خلال الإصغاء إلى كلامه الحيّ عبر مواعظ الصوم والرياضات الروحية، والحوار معه لاكتشاف إرادته، والتجاوب مع تصميم حبّه الخلاصي باستسلام تامّ لمشيئة الآب، مُتشبّهين بيسوع في صومه وصلاته أربعين يوماً، بعد قبوله المعمودية في نهر الأردن على يد يوحنّا المعمدان، ومحاربته تجارب الشيطان والانتصار عليه.
أمّا العلاقة مع القريب، فهي تتجدّد وتتحوّل بتجسيد المحبّة الفاعلة على تنوّعها: مشاركة المتألّمين والضعفاء والمحتاجين آلامهم، ومساندتهم، وتشديد ضعفهم، وسدّ احتياجاتهم الروحية والمادّية. وكم يحتاج قريبنا اليوم إلى أعمال الرحمة هذه. يقول قداسة البابا فرنسيس: "إنّ صنع الخير متعِب... لكنّ درب القداسة ليست للكسالى!". فالالتفات نحو القريب وتلبية احتياجاته يتطلّب جهداً كبيراً، ولكنّ الله قادرٌ على صنع المستحيل فينا ومن خلالنا نحن رسله في قلب هذا العالم. كما أنّنا نجد معنىً لحياتنا في مساعدة الآخر المتألّم، في فهم قلق الآخرين، وفي التخفيف من معاناتهم".
من هنا، إنّ الصوم لا يؤتي ثماره كاملةً إلا إذا جعلْنا الفقيرَ والمحتاجَ خيارَنا الأساسي في هذا الزمن. فنحن نمتنع عن الطعام ليأكل هو، وكي نشعر مع من ضاقت الحياة في وجهه. هذا كان منطق الصوم في الكنيسة الأولى، إذ "كانوا يجعلون كلّ شيءٍ مشترَكاً بينهم" (أع2: 44). إنّها شركةٌ تؤكّد على أنّنا عائلة روحية واحدة في جسد المسيح السرّي. ولا أحد، ميسوراً كان أم معوزاً، يحقّ له أن يعفي ذاته من فرح العطاء للمحتاجين وإظهار الرحمة لمن هم بأمسّ الحاجة إليها. إنّ رسالة الصوم هي أن ينعتق المؤمنون من عبودية الذات، فينطلقوا نحو الآخر، متحرّرين من أنانيّتهم، ومتمسّكين بمحبّتهم وغيرتهم الرسولية التي لا تعرف التمييز بين لون أو عرق أو دين، وهذا ما سيُظْهِرُه لنا يسوع في تعليمه من خلال مَثَل السامري الصالح (لو10: 25-37).

4.   مَثَل السامري الصالح
يجيب الرب يسوع على سؤال أحد علماء الشريعة: "من هو قريبي؟"(لو10: 29)، فيروي مَثَل السامري الصالح، حيث يخبرنا عن إنسان مسافر هاجمه اللصوص، فجرّدوه من لباسه وضربوه وتركوه بين حيٍّ وميت.

فمرّ كاهنٌ ثمّ لاويٌّ بذات الطريق ورأياه، لكنّ كلاهما تجنّبه. وبعدهما جاء سامريٌّ، فقدّم له المعونة وعالجه، رغم العداوة بين السامريين واليهود.
يرتكزُ هذا المَثَل على أربع شخصيات، هي: "الرجل النازل من أورشليم إلى أريحا"، الذي وقعَ في أيدي اللصوص، فسلبوه كلّ ما يملِكُ، وتركوه بين حيٍّ وميت. "الكاهن"، الذي كان يقوم بخدمة الهيكل، إذ من عادتِهِ تقديم ذبيحة المحرقة اليومية، مرّةً صباحاً ومرّةً مساءً. "اللاويّ"، وهو أقلّ درجة من الكاهن، من واجباته الاهتمام بالصلوات الطقسية (الليتورجيا) داخل الهيكل والحفاظ عليها. "والسامري"، الذي كان تاجراً يقصدُ أريحا، وكان عدوّاً لليهود بسبب قُربِ السامريين من الأمم الأخرى وقت السبي. لذلك لدى سؤال يسوع لمُعلّم الشريعة: "مَن كانَ في رأيكَ، مِن هؤلاء الثلاثة، قريبَ الذي وقع بأيدي اللصوص؟"، لم يقل معلّم الشريعة في النص الإنجيلي: "السامريّ"، بل قال: "الذي عَامَلَهُ بالرحمة" (لو10: 37).

5.   "أريد رحمةً لا ذبيحة" (مت12: 7)
لقد أظهرَ الشخصان المتديّنان (الكاهن واللاويّ) عدم محبّتهما للقريب، ومع أنَّهما متخصِّصان في حُبِّ الله وحُبِّ القريب ورحمته، فلَمْ يساعدا هذا الرجلَ المسكين، ولا نعرف السبب في ذلك!
يقول قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في كتابه "يسوع الناصري": "ليس أكيداً أنَّ الأمر يتعلّق بإنسانَينِ بلا رحمةٍ وقلبٍ، ربّما لأنَّهما كانا يحاولان الوصول إلى المدينة بسرعةٍ لسبب تأخُّرِهما على مواعيد الصلاة، ربّما كانا يجهلان ما ينبغي عملهُ للمساعدة، لا سيّما أنّهُ لم يبقَ في الظاهر ما يُسعفانِه به، إذ ظنّا أنّه كان ميّتاً، فيتعرَّضُ من يلمسه للنجاسة". لقد أعطى الكاهن واللاوي الأولويةَ لقاعدةٍ بشريةٍ مرتبطةٍ بالعبادة، وهي عدم التدنُّس بسبب الدمّ، بدل الوصية العظمى لله، الذي يريد الرحمة أوّلاً: "أريد رحمةً لا ذبيحة" (مت 12: 7). فالله لا يريد ذبائحنا التي نقدّمها بطريقة شكلية، فيما يتجاهل قلبُنا نداءَ المحبّة، ولكنّه يريد رحمةً، أي قلباً مملوءاً حبّاً ثابتاً. يريد الله الأعمال الناشئة عن توبة وتغيير حقيقي في القلب، وهذه تتّضح في تعامُلنا برحمةٍ وتحسُّسنا آلام الآخرين.
في المقابل، نجد السامري، وهو إنسانٌ عادي، لا يهتمّ بالتطبيق الجامد للمعطيات الدينية كي يبرّر تجاهُله نداءَ المحبّة، وهو ليس فقيهاً بالشريعة، بل يتحرّك بسرعةٍ لنجدة الآخر ومساعدته. لم يُبالِ السامري أو يهتمّ بالعداوة الموجودة بينه وبين اليهود، بل دفعَتْهُ الرحمة إلى تجاوُز كلّ الحواجز والموانع، لأنَّه وجد ذاتَهُ أمام إنسانٍ يتعذَّب، إنسانٍ في حاجةٍ ماسّةٍ إلى المساعدة. الإنسان يبقى إنساناً، قبل أن يكون سامرياً أو يهودياً.
عندما عاين السامريُّ الرجلَ المنطرحَ على الطريق وعلمَ أنّه يهوديّ، رأى فيه أخاً له في الإنسانية يحتاج إليه، فتحرّكت الشفقة والرحمة في داخله، وأراد أن ينقذه من العذاب والموت. ومن هنا تأتي كلمة رحمة، من الرحم، أي من الأحشاء، وكان هذا السامري يدرك جيّداً أنّ شريعة الله تنبع من القلب، وليس من الأفكار النظرية

والمظاهر العلنية. "إنّ السامري يتصرّف برحمةٍ حقيقية: ضمّد جراح ذاك الرجل، وذهب به إلى فندق، واعتنى بأمره. المحبّة الرحومة والشفوقة ليست شعوراً مُبهماً، بل تعني الإعتناء بالآخر بلا ثمن ودون انتظار مكافأة. إنّها الإلتزام من خلال القيام بجميع الخطوات الضرورية للإقتراب من الآخر، وصولاً إلى التشبّه به... لا وجود لعبادةٍ حقيقيةٍ ما لم تتجسّد في خدمة القريب" (من كلمة قداسة البابا فرنسيس خلال مقابلته العامّة مع المؤمنين، الأربعاء 27 نيسان 2016).
وها هم آباؤنا السريان يجودون في التأمّل بهذا المَثَل:
«ܠܶܣܛܳܝ̈ܶܐ ܢܦܰܠܘ̱ ܥܰܠ ܓܰܒܪܳܐ ܟܰܕ ܢܳܚܶܬ ܗ̱ܘܳܐ܆ ܡܶܢ ܐܽܘܪܫܠܶܡ ܠܺܐܝܪܺܝܚܘ ܘܰܕܠܳܐ ܚܰܘܣܳܢ ܒܠܰܥ. ܥܒܰܪ ܐܰܒܪܳܗܳܡ ܘܠܳܐ ܝܰܗ̱ܒ ܠܶܗ ܐܺܝܕܳܐ܆ ܘܶܐܬܳܐ ܡܽܘܫܶܐ ܘܠܳܐ ܥܨܰܒ ܡܰܚܘ̈ܳܬܶܗ. ܐܶܬܳܐ ܡܳܪܰܢ ܘܝܰܗ̱ܒ ܠܶܗ ܐܺܝܕܳܐ ܘܦܰܓܪܶܗ ܘܰܕܡܶܗ܆ ܘܰܐܩܺܝܡܶܗ ܘܫܰܪܺܝ ܩܳܥܶܐ: ܠܳܟ ܫܽܘܒܚܳܐ ܡܳܪܝܳܐ. ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ܆ ܕܰܣܥܰܪܬܳܢܝ̱ ܒܪ̈ܰܚܡܰܝܟ»، وترجمته: "إنسانٌ كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا، فوقع بين لصوص، وضربوه بدون شفقة. فمرّ به ابراهيم (الممثَّل بالكاهن) ولم يساعده، وجاء موسى (الممثَّل باللاوي) ولم يضمّد جراحاته. وعندما أتى ربّنا، ساعده وأقامه بواسطة جسده ودمه، فابتدأ يصرخ: المجد لكَ يا ربّ، هللويا لأنّك افتقدْتَني بمراحمك".

6.   كيف نعيش هذا القرب من الآخرين على مثال السامري الصالح؟
يعطينا السامري الصالح درساً بالقدوة والعمل والخدمة والتضحية بالوقت الثمين لإنقاذ الآخرين، وإدخال السعادة والفرح إلى قلوبهم، وصولاً إلى بذل الذات من أجلهم.
يقول قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في الرسالة العامة "الله محبّة DEUS CARITAS EST": "حتّى ذلك الوقت، كان مفهوم "القريب" يدلُّ جوهرياً على الأشخاص المنتمين إلى الشعب عينه، بالإضافة إلى الغرباء الذين استقرّوا في أرض إسرائيل. بكلمةٍ أخرى، كان يدلّ على جماعةٍ متماسكةٍ في بلدٍ أو في شعبٍ معيَّن. تُلغى الآن هذه الحدود: أيّ شخصٍ يحتاجني وبإمكاني مساعدته، هو قريبي. يتّخذ إذاً مفهومُ "القريب" بُعداً شمولياً، ومع ذلك يبقى واقعياً" ("الله محبّة"، فقرة 15).
إنّ "القريب" إذاً ليس فكرةً نظريةً، إنّما هو واقع ملموس. من خلال هذا المَثَل يريد يسوع أن يعلّمنا أنّ الإنسان واحدٌ، أيّاً كان لونه أو جنسه أو عرقه أو معتقده أو دينه. ولا توجد سوى علاقة واحدة تجمعنا على الأرض وهي: "الله والإنسان". وكلمة "قريب" تعود إلى فعل "ܩܰܪܶܒ قرّب قرباناً".
يقول لوقا الإنجيلي: "تركه اللصوص جريحاً بين حيّ وميّت؟" (١٠: ٣٠). أليست هذه أيضاً حالة يسوع وهو على الصليب؟ عرّوه ولطموه وبصقوا عليه وضربوه وتركوه وحيداً؟ هكذا كان مصير يسوع، ومصير التلاميذ.


لقد أعطى السامريُّ صاحبَ الفندق دينارَيْن كي لا يتقاعس عن خدمة الرجل الجريح، ويسوع أعطانا جسده ودمه، وأسّس الكنيسة (صورة الفندق) لترشدنا وتعتني بنا دوماً وتقودنا على طريق سيّدها. "فالكنيسة هي عائلةُ الله في العالم. في هذه العائلة لا يَجِبُ أنْ يعاني أحدٌ من نقصِ ما هو ضروي بسبب الحاجة" ("الله محبة"، فقرة 25 ب).
كما أنّ السامري هو رمزٌ لكلّ شخص يعطي ويبذل كلّ ما لديه من أجل أخيه الإنسان، وليس فقط على الصعيد المادّي، بل أيضاً من الناحية المعنوية والروحية، فيكون مبادراً دائماً ليعتني بأخيه ويهتمّ به. وفي هذا الإطار، يقول قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في كتابه "يسوع الناصريّ": "إنَّ السامري الغريب أصبح هو نفسه قريبي وعلّمني أنّه عليَّ أن أتعلَّم بنفسي، من الداخل، أن أكون "قريب" الجميع. لكن كيف يكون ذلك؟ الجواب موجود عندي أنا. ينبغي عليَّ أن أصبح مُحِبّاً، شخصاً يتأثَّر قلبه بضيق الآخر، عندئذٍ أستطيع أن أجد قريبي، وبالأصحّ، يجدني هو".

7.   السامري الصالح نموذجٌ لشريعة المحبّة التي تغلب الشرور
ذكر الرب يسوع هذا السامري، لا ليكرّم السامريين، ولا ليُهينَ الكهنة واللاويين، لكن ليعلّم أنّ الغريب عن الدين الذي يطيع شريعة المحبّة خيرٌ من خادم الدين الذي يخالفها، وأنّ الدين لا يقوم فقط على حفظ الشريعة والطقوس المذهبية، إذ أنّ الشخصين اللذين أتمّا في الهيكل المقدس حفظَ الشريعة والطقوس، خالفا أساس الدين المتعلّق بمحبّة القريب. ومن يخالف وصيّة محبّة القريب لا يمكن أن يكون محبّاً حقيقياً للّه.
حطَّم يسوع كلّ الحواجز العنصرية، وأعلن أنَّ كلّ إنسانٍ هـو قريب كلّ إنسان. القريب هو المحتاج إلى محبَّتي ورحمتي. إنّ هذه المحبّة، محبّة القريب التي يتكلّم عنها يسوع مجيباً على سؤال معلّم الشريعة، هي أهمّ ما في الوجود، فَمِن خلالها يتعرّف الأخ على أخيهِ، والإنسان على الإنسان، ويحبّه ويحنُّ عليه. سرد يسوع مَثَلَه كي يساعد معلّم الشريعة على استخلاص العبرة بنفسه، فيجاهر بأنَّ الأقرب إلى الجريح كان السامري، حتّى ولو كان عدوّاً لليهود.
في عالمنا اليوم، هناك العديد من الشرور، إلى جانب الحروب والكوارث والأمراض والأوبئة، ولكنَّ أسوأها هو النقص في الحبّ، لأنّ الحبّ هو الحياة، ولأنّ الإنسانَ خُلِقَ لكي يُحبّ ويكون محبوباً. إنَّ محبّةَ القريب هي فضيلة الشعور الصادق بحضور الآخر الذي ينتظر أن أُحبَّه بصدق وتجرّد، بعيداً عن الأنانية والتجاهل والحكم الباطل. وقد يصل هذا الحبّ إلى احتمال الألم وبذل الذات من أجله، كما فعل الرب يسوع، إذ ضحّى بنفسه من أجل خلاص نفوسنا ومغفرة خطايانا، وسفك دمه الثمين على خشبة الصليب، مفتدياً إيّانا والعالم بأسره، كلّ هذا لأنّه أحبّنا وأحبّ جميع الناس حتّى الموت، موت الصليب.


يقع على عاتقنا اليوم أن نساهم في بناء عالمٍ أفضل، ويتحقّق ذلك "فقط عندما نصنع الخير الآن وبشكلٍ شخصي، من كلّ القلب، وحين نجدُ فرصةً مناسِبةً، بعيداً عن الإستراتيجيات والبرامج الفردية والمصالح الفئوية والحزبية. إنَّ برنامج المسيحي هو برنامج السامري الصالح، إنّه برنامج يسوع، هو "قلبٌ ذو بصيرة"، هذا القلب يرى الحاجة إلى المحبّة، ويتصرَّف وفقاً لذلك" ("الله محبّة"، البابا بنديكتوس السادس عشر، فقرة 31 ب).
8.   خاتمة:
وخير ما نختم به طلبة مار يعقوب السروجي في زمن الصوم، سائلين الله "أن يؤهّلنا كي نصوم كلّنا بقداسة، صوماً نقياً ترتضي به أولوهيته": «ܐܰܫܘܳܢ ܡܳܪܰܢ ܕܰܢܨܽܘܡ ܟܽܠܰܢ ܩܰܕܺܝܫܳܐܺܝܬ܆ ܨܰܘܡܳܐ ܕܰܟ̣ܝܳܐ ܕܡܶܬܪܰܥܝܳܐ ܒܶܗ ܐܰܠܳܗܽܘܬܳܟ».


ختاماً، نسأل الله أن يتقبّل صومكم وصلاتكم وصدقتكم، ويؤهّلنا جميعاً لنحتفل بفرح قيامته من بين الأموات. ونمنحكم، أيّها الإخوة والأبناء والبنات الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم.

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان
في اليوم الثامن والعشرين من شهر شباط سنة 2022،
وهو إثنين المسامحة (الشوبقونو) ܫܽܘܒܩܳܢܳܐ وبدء الصوم المقدس
وهي السنة الرابعة عشرة لبطريركيتنا




                                                   اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                   بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

23



رسالة عيد الميلاد المجيد 2021

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل، وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

« ܝܶܫܽܘܥ ܦܳܪܽܘܩܰܢ »
"يسوع مخلّصنا"

"لأنّه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متّى 1: 21)

1.   مقدّمة
في مستهلّ رسالتنا الميلادية، يسرّنا أن نتقدّم بأحرّ التهاني القلبية مع الأدعية الأبوية، بمناسبة عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح بالجسد وحلول العام الجديد 2022، إلى جميع إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة الأجلاء آباء السينودس المقدس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، وأبنائنا وبناتنا المؤمنين، في لبنان وسوريا والعراق والخليج العربي والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والأميركتين وأستراليا.
وإلى يسوع مخلّصنا المولود طفلاً في مذود بيت لحم، نضرع كي يمنحنا والعالم بأسره فيض مواهبه وعطاياه وبركاته، وينجّينا من كلّ الأمراض والأوبئة والأخطار، ويسكب في قلوبنا الرجاء المنبعث من ميلاده العجيب، لتنعم المسكونة كلّها بعامٍ جديدٍ مكلَّلٍ بالسلام والأمان والطمأنينة والاستقرار، ويتمتّع الجميع بالصحّة والعافية نفساً وجسداً، فيعمّ الفرح الروحي والوحدة والمحبّة والألفة في العائلات والمجتمعات والأوطان.
2.   ميلاد يسوع الإله المتجسّد
إنّه ميلاد يسوع المسيح، الإله المتجسّد، ابن الله الوحيد، الذي تجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء، والذي في ليلة ميلاده، زارت السماءُ أهلَ الأرض لتخبرهم عن عطيّة الله العظمى التي أغدقها على البشرية المعذَّبة.
ننشد في صلواتنا صباح الأربعاء بالسريانية:
«ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܶܗ ܠܰܐܒܳܐ ܩܰܕܺܝܫܳܐ ܕܫܰܕܰܪ ܠܰܒܪܶܗ ܩܰܕܺܝܫܳܐ܆ ܘܰܒܥܽܘܒܳܐ ܕܰܟܝܳܐ ܘܩܰܕܺܝܫܳܐ ܢܚܶܬ ܘܰܫܪܳܐ ܩܰܕܺܝܫܳܐܺܝܬ܆ ܗܘܳܐ ܓܶܝܪ ܡܶܢܰܢ ܘܰܐܟܘܳܬܰܢ ܕܰܚܢܰܢ ܢܶܗܘܶܐ ܐܰܟܘܳܬܶܗ܆ ܗܘܳܐ ܒܨܶܒܝܳܢܶܗ ܒܰܪܢܳܫܳܐ ܕܢܶܥܒܶܕ ܠܰܢ ܒܢܰܝ̈ܳܐ ܠܰܐܒܽܘܗ̱ܝ܆ ܘܫܰܘܬܳܦ̈ܶܐ ܠܪܽܘܚܳܐ ܕܩܽܘܕܫܳܐ». وترجمته: "المجد للآب القدوس، الذي أرسل ابنه القدوس، فنزل وحلّ بالقداسة في الحضن الطاهر القدوس، وقد أضحى مِنّا ومثلنا، كي نصبح نحن مثله، أضحى بشراً بإرادته، كي يجعلنا أبناءً لأبيه، وشركاءَ الروح القدس".
أجل، بدّل ميلاد يسوع مخلّصنا مسارَ التاريخ البشري بأسره، وأعطى الإنسانَ هدفاً يسمو إليه، وهو الاتّحاد بالله الخالق والمدبّر.


3.   الخلاص الموعود للبشرية
في جنّة عدن، فَقَدَ الإنسان، أسمى الخلائق، عهد الصداقة مع باريه الذي كوّنه على "صورته ومثاله"، وقال إنّه "حسنٌ جداً" (تكوين 1: 31). فَقدَ آدم سعادته الحقيقية بالكبرياء، وهي أبشع الخطايا، التي جعلَتْه يستحقّ عقابه العادل، لأنّ الخالق هو إلهٌ عادل وقدّوس، "يحتمل الإثم والمعصية والخطيئة، ولكنّه لا يترك شيئاً دون عقاب" (خروج 34: 7). فكان له إمّا أن يَدين الجنس البشري بلا رحمة، أو أن يمنحه الخلاص. ولأنّ إلهنا هو المحبّة، اتّخذ في اكتمال الزمن بادرةً أبويةً تسمو على العقل البشري لاستعادة خليقته الحسنة جداً، فأرسل كلمته الأزلي، ابنه الوحيد متأنّساً، "يسوع الذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متّى 1: 21).
يهتف مار أفرام السرياني ملفان الكنيسة الجامعة ممجّداً يسوع الطفل الإلهي:
«ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܳܟ ܡܳܪܝ ܕܰܒܡܰܘܠܳܕܳܟ ܦܪܰܩܬ ܒܶܪ̈ܝܳܬܳܐ ܡܶܢ ܫܽܘܥܒܳܕܳܐ ܕܰܚܛܺܝܬܳܐ»، وترجمته: "المجد لكَ يا رب، إذ بميلادك خلّصتَ البرايا من عبودية الخطيئة" (من صلاة القومة الثانية في يوم عيد الميلاد، كتاب الفنقيث، الجزء الأول، صفحة 486).
كان هناك وعدٌ بمجيء "المخلّص" حتّى في اللعنة التي لفظَها الله على الحيّة: "وأضعُ عداوةً بينكِ وبين المرأة وبين نسلكِ ونسلها، هو يسحقُ رأسكِ وأنتِ تسحَقينَ عَقِبَهُ" (تكوين 3: 15). وقد تكرّر هذا الوعد مراراً في الأجيال اللاحقة، وظلَّ الناس يتطلّعون برجاء وشوق، مؤمنين وواثقين بمجيء ذلك المخلّص. "أما الإيمان، فهو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى" (عبرانيين 11: 1). بهذا الإيمان، كسب رجال الله قديماً شهادةً حسنةً أمام الله والناس، ومنهم ابراهيم الذي لبّى دعوة الله، فتَرَكَ وطنه وانطلق إلى أرضٍ أخرى وعده الله بها. لم يكن يعلم أين يذهب، إنّما تَبِع ذلك الصوت الذي أشعره بالأمان والسلام والثقة، فآمن وامرأته سارة بأنّ الله، الذي وعدهما بابنٍ في شيخوختهما، لا بدّ أن يحقّق وعده. وهكذا أصبح ابراهيم أباً للمؤمنين، وصارَ له شعب كبير.
4.   الخلاص عطيّة مجّانية   
رافق الله شعبه ولم يتخلَّ عنه يوماً، بل كلّمه بأنبياءٍ كثيرين، بأنواعٍ وطرقٍ شتّى، "ولمّا تمّ ملء الزمان كلَّمَنا في ابنه"، الكلمة الأزلي، وأرسله "مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبنّي" (غلاطية 4: 4-5).
في تلك الليلة المقدّسة، ليلة ميلاد يسوع المخلّص، ظهر نورٌ من السماء ليمحو عتمة الأرض. "أشرق مجد الربّ حولهم" (لوقا 2: 9)، وما هذا النور إلا "نعمة الله" التي هي "ينبوع الخلاص لجميع الناس" (تيطس 2: 11). وُلِدَ يسوع في بيت لحم، وبميلاده تجلّى حبّ الله لنا: الحبّ الإلهي الذي يحرّر من الشرّ، ويغيّر الحياة، ويجدّد التاريخ، وينشر السلام والفرح. إنّه يسوع، الإله المتجسّد الذي صار بشراً وحلَّ فينا.
إنّ تنازُل الله نحو الإنسان في سرّ التجسّد هو "نعمة" مجّانية، نقبلها شاكرين وممجّدين. "نقبل الهبة التي هي يسوع، كي نصبح مثله. وأن نكون هبة يعني أن نعطي معنى لحياتنا. وهي الطريقة الأفضل لنغيّر العالم... فيسوع لم يغيّر التاريخ عبر إرغام الأشخاص أو بقوّة الكلمات، إنّما عبر بَذْلِ حياته. لم ينتظر حتّى نصبح صالحين فنحبّ بعضنا بعضاً، إنّما أعطانا ذاته مجّاناً... نحن أيضاً، لا يجب أن ننتظر أن يصبح الآخر صالحاً كي نصنع معه الخير... وأن يقدّرَنا الآخرون كي نخدمهم، لنأخذْ نحن المبادرة. هذا ما يعنيه قبول هبة النعمة، والقداسة ليست إلا الحفاظ على هذه المجّانية" (من موعظة قداسة البابا فرنسيس في قداس ليلة عيد الميلاد في بازليك القديس بطرس، الفاتيكان، الثلاثاء 24 كانون الأول 2019).



5.   ميلاد يسوع يُحرّرنا
لقد حلّ كلمة الله على أرضنا مولوداً في مذود كي يمنحنا الحياة، و"الحياة بوفرة" (يوحنّا 10: 10). عاشَ بيننا وعرف ضعفَ بشريتنا، ما عدا الخطيئة، لأنّه يحبّنا، ويريد أن نكون في شركة دائمة معه.  لقد "حَمَلَ خطايانا في جسده على الصليب" (1بطرس 2: 24)، محقّقاً لنا المصالحة مع الآب السماوي، داعياً إيّانا كي نتجاوبَ مع بادرتِه الحبّية، فنتوب ونؤمن به، فهو يخلّصنا من خطايانا ويصالحنا مع الله.
في تأنُّس كلمة الله - يسوع، نتحرّر من كبريائنا العاصية، ومن رواسب هذه الكبرياء نقائصُنا وخطايانا. بعطية الميلاد نستطيع التحليق في سماء الحرّية الحقيقية التي بها ننال البنوّة الإلهية. بسرّ التجسّد نفهم حقيقة التواضع والوداعة وبذل الذات، التي تدعونا كي نتغلّب على الأنانية التي نُجرَّب بها بأبشع الطرق، والتي تشوّه صورة الله فينا. ففكرة أنّ الخلاص تحقّق، لا تعني أن نكونَ "عمّالاً بطّالين" (متّى 20: 3). بل علينا أن نتغلّب على أهوائنا التي تُعيق مسيرتنا نحو القداسة بتفعيل نعمة الخلاص التي حملها إلينا مولود بيت لحم.
نحن مدعوون أن نؤمن بأعجوبة الحبّ الإلهي، ونعيش هذا الحبّ بالصدق الذي يحرّرنا من المراءاة التي نلجأ إليها كي نبرّر نقائصنا، ومن الإعتداد بالنفس الذي يبني حاجزاً بيننا وبين الآخرين، ومن التباهي بذواتنا لدى إحرازنا نجاحاً. حرّيتنا كمؤمنين بسرّ التجسّد هي أن نسمح للروح القدس أن يُتِمّ فينا نِعَمَه، فننشر اسمَ يسوع وخلاصه أينما حَلَلْنا. 
6.   اسم يسوع: رجاء الكون وسلام العالم
أُعطِيَ يوسف، نجّار الناصرة، نعمةً فائقة، هي أن يصبح شاهداً لأعجوبة التأنّس الإلهي، ومربّياً وحامياً للطفل ووالدته العذراء مريم. لقد طلب منه الملاك أن يسمّي الطفل "يسوع أي الله يخلّص". وهذا الاسم حسب القديس بولس يعلو على كلّ اسم، لقد "أعطاه اسماً فوق كلّ اسمٍ، لكي تجثو لاسم يسوع كلّ ركبةٍ ممَّنْ في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كلّ لسانٍ أنَّ يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب" (فيلبّي 2: 9-10). فلا خلاص إلا بيسوع، "لأنْ ليس اسمٌ آخر تحت السماء قد أُعطِيَ بين الناس، به ينبغي أن نخلص" (أعمال 4: 12). يسوع الإله الكامل والإنسان الكامل "عمانوئيل أي الله معنا" (متّى 1: 23) هو "العلامة العَجَب" على حضور الله الخلاصي في قلب البشرية.
نفتخر، نحن المؤمنين، باسم يسوع، لأنّه الرجاء الذي به نتعزّى ونتقوّى، وبه وحده ينال العالم السلام الحقيقي، شرط أن يسعى الجميع إلى إحلال السلام. بإسم يسوع لا يخجل المؤمنون، مهما ازداد العالم كفراً، ومهما كَثُرَ التبجّح لدى بعض المتسلّطين بإنجازاتهم العلمية والتقنية، أو بثرواتهم المادّية، أو بقدراتهم على استغلال الشعوب الضعيفة، بأساليب الخداع المتنوّعة.
مع يوسف الرجل البار خطّيب مريم، نفهم أنّ الدعوة لعيش الحياة مع يسوع ليست هروباً من الواقع، بل طاعةً لله في قلب هذا الواقع، حتّى ولو كان صعباً ومليئاً بالعقبات (متّى 2: 13). من يوسف، نتعلّم الإصغاء إلى صوت الله والإقرار بتدبيره الخلاصي. معه ندرك أنّ صوت الله سيرافقنا دوماً ولن نصغي إلا إليه (متّى 2: 19-20). لذا علينا أن نسير على هدي هذا الصوت، ونحمله كلمة مُطمئِنة إلى العالم. إنّ عظمة دعوتنا المسيحية لا تكون بالأعمال الخارقة، إنّما بالإعتراف أمام كلّ من يسأل عن سبب سعادتنا الروحية في داخلنا، بأنّ اسم يسوع هو خلاصنا، فهو الذي يحمل لنا الرجاء الوطيد والسلام الحقيقي. "فالسلام في كلّ عصر هو


عطيّة من العلى وثمرة التزام مشترك"، على حدّ تعبير قداسة البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة يوم السلام العالمي للعام الجديد 2022.
7.   ميلاد يسوع هو عيد الفرح
وُلِدَ يسوع فقيراً متجرّداً، كي يربح الإنسان بغنى حبّه، ويملأ بفرح الخلاص قلوب البشر الذين يقبلونه. هذا هو الفرح الذي غمرَنا به الله، نبع المراحم اللامتناهية، والذي يدعونا إلى مشاركته والاحتفال به، وإلى التبشير به في العالم أجمع.
يقودنا هذا العيد لنرى الله حاضراً في كلّ الأوضاع التي نظنّه فيها غائباً. فهو حاضر أينما ذهبنا وتوجّهنا، ويسير قربنا دوماً، وحاضر لدى من نلتقي بهم، وهو "واقفٌ على أبوابنا يقرع" (رؤ3: 20).
"في طفل بيت لحم، يأتي الله للقائنا كي يجعل منّا أبطال الحياة التي تحيط بنا. يقدّم ذاته كي نحمله ونرفعه بين أيدينا وكي نغمره حبّاً وشكراً. ومن خلاله، نرفع ونغمر العطشان والنزيل والعريان والمريض والمسجون" (را. متّى 25: 35-36) (من موعظة قداسة البابا فرنسيس خلال قدّاس ليلة عيد الميلاد في بازليك القديس بطرس، الفاتيكان، الثلاثاء 24 كانون الأول 2017). فلا نخافنَّ بعد اليوم، بل "افتحوا، وشرِّعوا الأبواب للمسيح" (من موعظة قداس بدء حبرية البابا القديس يوحنّا بولس الثاني، 22 تشرين الأول 1978). فالرب يسوع يدعونا كي نكونَ رُسُلَ فرحٍ ورجاءٍ وحرّاساً لكثيرين ألقَتِ الحياةُ بعبئها على أكتافهم وأنْهكَتْهم.
وها هو مار يعقوب السروجي الملفان، الذي تحيي الكنيسة هذا العام ذكرى 1500 سنة على رقاده، يتهلّل بالفرح الذي يعمّ السماء والأرض بميلاد يسوع مخلّصنا:
«ܢܶܪܥܰܡ ܫܽܘܒܚܳܐ ܕܣܶܕܪ̈ܰܝ ܢܽܘܪܳܐ ܒܝܰܠܕܳܟ ܡܳܪܰܢ܆ ܘܢܰܦܪܶܐ ܟܝܳܢܳܐ ܕܝܰܠܕ̈ܰܘܗ̱ܝ ܕܳܐܕܳܡ ܟܽܠ ܬܰܘܕܺܝܬܳܐ. ܫܡܰܝܳܐ ܘܰܐܪܥܳܐ ܘܝܰܡܳܐ ܘܝܰܒܫܳܐ ܫܽܘܒܚܳܐ ܢܶܩܥܽܘܢ܆ ܒܝܽܘܡ ܡܰܘܠܳܕܳܟ ܕܰܐܦܨܰܚ ܐܶܢܽܘܢ ܠܳܟ ܬܶܫܒܽܘܚܬܳܐ»، وترجمته: "فليعمّ المجد صفوف النورانيين في ميلادك يا ربّ، وليؤدِّ الكيان البشري (بني آدم) كلّ شكرٍ. السماء والأرض والبحر واليابسة تهتف ممجّدةً في يوم ميلادك الذي أبهج الجميع، لكَ التسبيح!" (من باعوث أي طلبة مار يعقوب السروجي في صلاة مساء يوم عيد الميلاد، كتاب الفنقيث، الجزء الأول، صفحة 470).
ميلاد يسوع يحثّنا أن نولد في داخلنا من جديد، وأن نجد فيه القوّة لمواجهة كلّ محنة، لأنّ ميلاده هو من أجلنا جميعاً. "... صبيٌّ وُلِدَ لنا، وابناً أُعطينا، وتكون الرئاسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيسَ السلام" (أشعيا 9: 6). فقد وُلِدَ ليجعلنا أبناءً وبناتٍ لله محبوبين ومبارَكين بالنعمة.
وها نحن اليوم في زمن الإعداد للسينودس العام الذي سيُعقَد في تشرين الأول 2023 في روما، بعنوان "الكنيسة السينودسية: شركة ومشاركة ورسالة". كم نحتاج إلى تجسيد بشارة الميلاد، بعيش الشراكة الروحية الحقيقية، أساقفةً وكهنةً رعاة قطيع الله، مع إخوتهم وأخواتهم المؤمنين، لنكون الشهود الحقيقيين للخلاص والرجاء والسلام والفرح لجميع المعمورة.
8.   صدى العيد في عالمنا اليوم
لا يزال العالم يئنّ تحت وطأة الظروف الصعبة التي نشأت نتيجة تفشّي وباء كورونا، وما ترتّب عليها من أزمات اقتصادية كبرى، وهي تدخل عامها الثالث! وماذا نقول عن الأوضاع العصيبة التي تعانيها بلدان شرقنا المعذَّبة، من أخطار أمنية وسياسية وتحدّيات اجتماعية واقتصادية.



في لبنان، ها هو عيد ميلاد آخر يطلّ علينا، والوطن يُعاني من الأزمات المتلاحقة لسنوات عديدة سبقت ثورة اللبنانيين في تشرين الأول 2019، ولا تزال تتعاظم إلى يومنا هذا. فكلّ يوم يحمل وللأسف تطوّرات وأزمات، ولعلّ أبرزها ما نعيشه على مستوى التدهور الإقتصادي والمالي والإنهيار غير المسبوق لليرة اللبنانية، بحيث لم يعد هنالك من سقف لهذا الإنهيار. فبات راتب المواطن اللبناني لا يكفيه سوى القليل من الأيّام، في ظلّ غياب شبه تامّ لمن يسمّون أنفسهم مسؤولين وقيّمين مفترَضين على شؤون المواطنين. فالكهرباء معطَّلة، والإدارات الرسمية مقفلة بسبب الإضرابات المحقّة للموظَّفين، والتهريب على المعابر الشرعية وغير الشرعية مشرَّعٌ على مصراعيه، والقطاع الطبّي في انحدار مأساوي بدأ بفقدان الأدوية والمعدّات الطبّية، مروراً بعدم توفّر الكهرباء لتشغيل المستشفيات، وصولاً إلى هجرة الأطبّاء والممرّضين، في حين تتصاعد وتيرة تفشّي وباء كورونا، والمرضى يموتون على أبواب المستشفيات، والوضع لم يسبق له مثيل حتّى خلال سنوات المجاعة والحروب. كما نجد تمادي السلطة الحاكمة في تعطيل عمل مجلس الوزراء، والعرقلة المتعمَّدة للتحقيق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت.
ولكن تبقى للبنان بارقة أملٍ من خلال إجراء الإنتخابات النيابية في ربيع العام القادم 2022، علَّ اللبنانيين يغيّرون، بإرادتهم وبالطرق الديمقراطية والسلمية، هذه الطغمة الحاكمة التي أوصلَتْهم إلى حالة الإفلاس والجوع، ويعيدون إنتاج سلطة سياسية جديدة تكون مؤتمَنةً على مصالحهم وسيادة بلدهم، فتخلّصهم من بؤسهم، وتعيد لبنان إلى سابق عهده من الإزدهار والتطوّر.
نصلّي إلى الطفل الإلهي كي يمنح لبنان استقراراً ونهايةً سريعةً لدرب آلامه، ليرجع قبلة البلدان شرقاً وغرباً، فينعم أبناؤنا وبناتنا مع جميع المواطنين بالطمأنينة والعيش الكريم.
وسوريا، لا تزال تعاني آثار الحرب التي شارفت على عامها الثاني عشر، رغم كلّ الجهود التي تبذلها الحكومة وأصدقاؤها من أصحاب النيّات الحسنة، وهي تصارع للخروج من هذا النفق المظلم الذي قسّم البلاد وهجّر الملايين من أبنائها، فباتوا لاجئين في أصقاع العالم، وقد لمسنا هذا التمزّق المؤلم لدى زيارتنا الراعوية الأخيرة إلى أبرشية الحسكة ونصيبين ومنطقة الجزيرة السورية.
فصحيحٌ أنّ أصوات المدافع قد خفتت والحياة عادت إلى طبيعتها في معظم المدن والقرى، والمفاوضات تقدّمت، ولكن للأسف تستمرّ مصالح الدول الكبرى في التحكُّم بمصير وطنٍ بأكمله، وبحياة شعبٍ لا يريد سوى السلام والأمان ليتمكّن من العودة والمساهمة في إعادة إعمار بلده مع من بقي من أهله في الوطن، لأنّ الأوطان لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها. وهذا وحده ما سيخلّص سوريا لتعود إلى التآخي والإستقرار، فتتخلّص من المجموعات الإرهابية والتكفيرية التي تعيث فساداً ودماراً، ليس في سوريا وحدها، بل في الشرق بأكمله.
إلى يسوع المخلّص نضرع كي يمنّ على هذا البلد بالسلام والأمان، ليتابع أبناؤنا وبناتنا وجميع إخوتهم في الوطن حياتهم وشهادتهم لربّهم في أرضهم الأمّ، بالمساواة والكرامة الإنسانية.
والعراق، الذي تبارك بالزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس في آذار الماضي، فجدّدت فيه الرجاء بعيشٍ آمنٍ وأخوّةٍ واحترامٍ متبادَل، نجده وقد شارف على الولادة الجديدة بإرادة مواطنيه، من خلال انتخاباتٍ ديمقراطية أنتجت طبقة سياسية جديدة علّها تُساهم في إخراج العراق من ظلمات الفساد التي تحكّمت طويلاً بمقدّراته وأهدرَتْها. ونحن نؤكّد أنّ المكوّن المسيحي أصيلٌ ومؤسِّسٌ في نسيج بلاد الرافدين، ويجب أن ينال حقّه في المساهمة الفاعلة بإدارة شؤون البلاد أسوةً بسائر المكوّنات الأخرى.


كما نجدّد الدعاء والشكر لنجاة رئيس الوزراء من المحاولة الفاشلة لاغتياله، والتي كان من الممكن أن تُسبّب اضطراباتٍ أمنيةً لا يريدها ولا يتحمّلها الشعب العراقي العزيز. ونؤكّد على أهمّية الوحدة الوطنية للنهوض بالبلاد وازدهارها.
إنّنا نسأل الرب يسوع المولود في مذود بيت لحم، أن يوحّد القلوب ويقوّي العزائم، فينهض العراق بجميع مكوّناته، ويحيا فيه أبناؤنا وبناتنا مع سائر إخوتهم في الوطن بالوحدة والألفة والاستقرار.
ومصر، فإنّنا نعرب عن كامل ارتياحنا لما عاينّاه فيها خلال زيارتنا الراعوية الأخيرة من نهضة وتطوّر، ممّا يجعلها بين مصافّ الدول المتقدّمة. وهذا جليٌّ في الإزدهار العمراني والمدن الحديثة التي تُشيَّد، فضلاً عن الإستقرار الاقتصادي والمعيشي، ما يدفع بنا إلى الثناء على ما تقوم به قيادة هذا البلد من أجل خير أبنائنا وبناتنا وجميع المواطنين.
والأراضي المقدسة، حيث وُلِد ربّنا وعاش وبشّر ومات وقام ليخلّصنا ويمنحنا الحياة، وقد زرناها في تمّوز المنصرم، فإنّنا نجدّد صلاتنا كي تعود أرض سلام ومحبّة لكلّ الشعوب، لا أرض صراعات وحروب لا طائل لها، تشوّه القيمة التاريخية والإنسانية لهذه الأرض المباركة. فيعيش فيها أبناؤنا وبناتنا ويشهدوا لمخلّصهم في الأرض التي باركها بتجسّده فيها.
ونتوجّه بقلبنا وفكرنا إلى البلدان الأخرى التي يتواجد فيها أبناؤنا وبناتنا، في تركيا والأردن والخليج العربي، كما في بلدان الإنتشار في أوروبا والأميركتين وأستراليا، مؤكّدين على ضرورة تمسُّكهم بالإيمان، وتعلّقهم بكنيستهم الأمّ، وتربية أولادهم وفق ما ورثوه من قيم ومبادئ أصيلة، وقد لمسنا محبّتهم والتزامهم الكنسي خلال زياراتنا الراعوية لهم.
كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
9.    خاتمة
يا يسوع إلهنا ومخلّصنا، نأتي إليك خاشعين في عيد ميلادك طفلاً صغيراً في مذود بيتَ لحم، وفي قلوبنا ترنيمة رجاء وشكر وتسبيح، لأنّك وهبتَنا ذاتكَ عطيّة سامية. نشكرك على تجسّدك بيننا، ونصلّي كي تملأ قلوبنا بالفرح والرجاء والحبّ. أمطِرْ سلامك على الأرض بأسرها، وبركاتك على البشرية برمّتها. إغفِر لنا خطايانا، وامنحنا وفرة الحياة بالاتّحاد بك، أنتَ المالك مع أبيك السماوي وروحك القدوس إلى الأبد.
وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين. كلّ عام وأنتم بألف خير.
ܡܫܺܝܚܳܐ ܐܶܬܺܝܠܶܕ... ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ  وُلِدَ المسيح! هللويا!
صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت – لبنان
في اليوم الثالث والعشرين من شهر كانون الأوّل سنة 2021،
 وهي السنة الثالثة عشرة لبطريركيتنا

                                                                  اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                                   بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

24
الرقم: 51/أس/٢٠٢١
التاريخ: 14/10/2021

بيان إعلامي
غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يرفع الصلاة من أجل لبنان

صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان التالي:
فور وصول غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، إلى كنيسة مار يوحنّا الرسول في مدينة أرنهِم - هولندا، حيث سيقوم غبطته بزيارة راعوية لتفقُّد المؤمنين هناك، رفع غبطته الصلاة من أجل لبنان إثر حصول الأحداث الأمنية المؤسفة والمُدانة والتي روّعت المواطنين في العاصمة بيروت، ومن ضمنها في المنطقة المحيطة بمقرّ الكرسي البطريركي وكاتدرائية سيّدة البشارة.
تضرّع غبطته إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه مريم العذراء سيّدة النجاة، سائلاً إيّاه أن يبسط أمنه وسلامه في لبنان، ويعيد الهدوء والاستقرار إلى ربوعه، طالباً الرحمة للضحايا والشفاء للجرحى، وشاكراً الله على سلامة المواطنين.
وناشد غبطته جميع المسؤولين كي يحكّموا ضميرهم وحسّهم الوطني، ويُعلوا خير الوطن والمصلحة العليا فوق كلّ اعتبار آخر، إذ يكفي المواطنين همّ الأزمة المعيشية والاقتصادية والمالية الخانقة، والتي أوصلت البلاد إلى قعر التقهقر والانهيار، ليأتي الهاجس الأمني ويهدّد حياة الناس وسلامتهم، من أطفال وطلاب وشباب ورجال ونساء وعمّال وموظّفين وسكّان آمنين، ارتضوا البقاء والصمود في الوطن رغم الظروف العصيبة الراهنة.
وسأل غبطته الرب القدير أن ينهي هذه الأيّام ويزيل هذه المحنة في أقرب وقت، ويعضد أصحاب الإرادة الصالحة للوصول بالوطن إلى ميناء الخلاص والعودة إلى الحياة الطبيعية.



                                     أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

25


البيان الختامي
 للسينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
الكرسي البطريركي في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون - حريصا، لبنان،
 ١٢- ١٨ أيلول ٢٠٢١
مقدّمة:
بدعوة من صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلي الطوبى، بطريرك السريان الأنطاكي، التأم السينودس السنوي العام لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان، في الفترة الممتدّة من 12 حتّى 18 أيلول ٢٠٢١، بمشاركة أصحاب السيادة أساقفة الأبرشيات والأكسرخوسيات القادمين من لبنان وسوريا والعراق والقدس والأردن ومصر وأوروبا والولايات المتّحدة الأميركية وكندا وفنزويلا والمعتمد البطريركي لدى الكرسي الرسولي. واعتذر عن الحضور رئيس أساقفة  دمشق سابقاً لأسباب صحيّة، والزائر الرسولي في أستراليا والنائب البطريركي في تركيا بسبب التدابير المفروضة إثر تفشّي وباء كورونا.
ابتدأ السينودس بقداس ترأّسه صاحب الغبطة، تلته الجلسة الافتتاحية التي استُهِلّت بكلمة لغبطته، عرض فيها الخطوط العريضة للسينودس.
ورفع آباء السينودس رسالةً إلى قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، ملتمسين منه الصلاة والبركة الرسولية لأجل نجاح أعمال السينودس.
أمضى بعدها الآباء يوماً كاملاً بالتأمّل والصلاة في رياضة روحية ألقى مواعظها سيادة المطران أنطوان نبيل العنداري النائب البطريركي العام على نيابة جونيه المارونية، الذي تأمّل بموضوع الدعوة الأسقفية.

1.   تقارير الأبرشيات والأكسرخوسيات
قدّم الآباء تقارير مفصّلة عن أبرشياتهم المنتشرة في لبنان وسوريا والعراق والخليج العربي والقدس والأردن ومصر وتركيا، وما أصابها من نكبات نتيجةً للحروب والنزاعات المختلفة. ولكن ما عزّى قلوب الآباء النشاطات الراعوية والثقافية والإجتماعية والروحية العديدة التي تدفع أبناء الكنيسة إلى الفرح والرجاء بالمستقبل. وشكر الآباء الجمعيّات الخيرية الإنسانية المسيحية التي تساهم بإعادة إعمار ما دمّرته قوى الظلام. ووضعوا أمام عيونهم التحدّيات الخطيرة التي يواجهها المسيحيون في الشرق، وبشكلٍ خاص الهجرة بسبب الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية. وتوجّهوا إلى رٶساء الدول والحكومات في شرقنا العزيز كي يعملوا من أجل إيقاف الحروب ونبذ منطق الطائفية والعنصرية.


وصلّى الآباء من أجل لبنان وما يعانيه من أزماتٍ اقتصاديةٍ اجتماعيةٍ وصحّيةٍ وتربويةٍ، وتمنّوا للحكومة الجديدة النجاح والتوفيق في مهمّتها. كما عبّروا في الوقت عينه عن خيبة أملهم بسبب التمادي في تهميش حقوق السريان عامّةً والطائفة السريانية الكاثوليكية خاصّةً، وذلك بعدم تمثيلهم في هذه الحكومة، كما هو الحال في الوظائف العليا المدنية والعسكرية والقضائية. ودعوا الحكومة إلى العمل سريعاً على تخفيف معاناة الشعب اللبناني، وعلى كشف حقيقة تفجير مرفأ بيروت. كما وقفوا دقيقة صمتٍ لراحة نفوس الضحايا، داعين للجرحى بالشفاء العاجل. ودعا الآباء المسؤولين للعمل بشكلٍ جدّي على التدقيق الجنائي لمعرفة مصير أموال اللبنانيين وودائعهم في المصارف، والتي نُهِبَت، مشدّدين على وجوب حصول الانتخابات النيابية في موعدها في أيّار القادم، لتشكيل طبقةٍ سياسيةٍ جديدةٍ تنهض بلبنان من كبوته. ولفتوا إلى الانهيار المالي والاقتصادي المتمادي، وضرورة الحدّ من الإذلال الذي يتعرّض له اللبنانيون، أمام محطّات البنزين والمصارف والصيدليات والأفران، فضلاً عن الانقطاع شبه الدائم للتيّار الكهربائي والشحّ في المياه، وعدم توفّر الوقود والأدوية والخبز وسواها من المواد الأساسية والحيوية.
وبحث الآباء أوضاع كنائسنا في الولايات المتّحدة وكندا وأستراليا وأوروبا وفنزويلا، وخصوصاً بعد تزايد عدد أبنائنا اللاجئين قسراً فيها. وشدّدوا على أهمية مرافقتهم في أوطانهم الجديدة، والاهتمام بهم من خلال تأمين كهنةٍ لخدمتهم وتأسيس الكنائس والمراكز الثقافية والروحية والاجتماعية التي تجمعهم. كما دعاهم الآباء إلى الالتزام بجذورهم الإيمانية والثقافية والليتورجية، ومجابهة تحدّي ذوبانهم في البلدان الغربية. وعبّروا عن شكرهم لهم على تبرّعاتهم السخيّة لإخوتهم في الشرق.
2.   العلاقات المسكونية
تداول الآباء موضوع العلاقات الأخوية مع الكنائس الشرقية الشقيقة، مؤكّدين على ضرورة الإنفتاح واحترام الهويّة الخاصّة لكلّ كنيسة.
3.   الليتورجيا
اطّلع الآباء على المشروع  الليتورجي المتعلّق بالقداس الإلهي، على أن يبدوا ملاحظاتهم الختامية خلال الأشهر القادمة، آملين أن يتمّ الانتهاء من الطبع في الربيع المقبل.




4.   الكهنة
يثني الآباء على الجهود التي يبذلها الكهنة في الأبرشيات والرعايا خدمةً لقطيع الرب يسوع الموكَل إليهم، ولا سيّما في زمن وباء كورونا، ويعبّرون عن اعتزازهم وافتخارهم بكهنتهم.

5.   العلمانيون
توجّه الآباء بالشكر إلى كلّ العلمانين العاملين في المجالات الراعوية المختلفة على مساندتهم كهنة الرعايا في مهمّة الرسالة، مذكّرين بدورهم الهامّ في خدمة الكلمة والكنيسة.

6.   الطاقم الطبّي والباحثون
يشكر الآباء الطاقم الطبّي والباحثين وكلّ من يعمل في القطاع الصحّي على جهودهم في تخفيف معاناة المرضى وفي العمل الجادّ للقضاء على وباء كورونا، طالبين الرحمة للضحايا والشفاء العاجل للمصابين.

7.   الإعلام
شددّ الآباء على أهمّية الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي في عصرنا هذا، لما لها من تأثير مباشر وخطير، داعين الإكليروس والعلمانيين إلى استخدامها بشكلٍ مسٶول يخدم رسالة الخلاص.

8.   التنشئة الكهنوتية والرهبانية
استمع الآباء إلى التقارير عن الرهبانية الأفرامية السريانية بشقّيها الرجالي والنسائي، وكذلك إلى تقرير عن إكليريكية سيّدة النجاة - الشرفة. وشدّدوا على ضرورة الإهتمام بالدعوات الرهبانية والتنشئة الكهنوتية.

9.   الأموال الزمنية والمجالس الأبرشية والراعوية
درس الآباء تنظيم الأبرشيات والرعايا ومجالسها المختلفة التي تساعد الأسقف والكاهن في القيام بمهامهما الإدارية والراعوية. وتطرّقوا إلى موضوع أموال الكنيسة الزمنية والأوقاف وطريقة إدارتها حسب القوانين الكنسية المرعية.







10.   انتخابات أسقفية
انتخب آباء السينودس أساقفة لملء الكراسي الشاغرة في الأبرشيات.
وانتخبوا أعضاءً جدداً للسينودس الدائم لمدّة خمس سنوات، والذي أصبح يتألّف من: مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد، ومار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق.
كما عيّن غبطته سيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا، رئيس أساقفة بغداد، مدبّراً بطريركياً لأبرشية الموصل وتوابعها، بعد قبول استقالة سيادة المطران مار يوحنّا بطرس موشي من إدارة الأبرشية لبلوغه السنّ القانوني.

11.   سينودس الأساقفة الروماني لعام ٢٠٢٣
اطّلع الآباء على الوثيقة التحضيرية لسينودس الأساقفة الروماني "من أجل كنيسة سينودسية: شركة وشراكة ورسالة"، والذي سيُعقد سنة ٢٠٢٣. وتداولوا في المواضيع المتعلّقة بالإعداد لهذا السينودس.

12.   اليوبيل الكهنوتي الذهبي والأسقفي الفضي لغبطة البطريرك
شارك آباء السينودس فرحةَ غبطة أبينا البطريرك بمناسبة يوبيله الكهنوتي الذهبي والأسقفي الفضّي، واحتفلوا معه بالذبيحة الإلهية في ختام السينودس، بمشاركة البطاركة ورؤساء الكنائس وجموع المؤمنين، حيث جرى تقديم كتاب تناول مسيرة حياة غبطته بعنوان "أكثر من نصف قرن من الخدمة والعطاء". وتمنّى الآباء لغبطته سنواتٍ مديدةً وخدمة مليئة بالثمار، سائلين الرب يسوع، أن يبارك خدمته ورعايته للكنيسة في هذه الظروف العصيبة.

خاتمة:
في ختام السينودس، رفع الآباء الصلاة إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه مريم سيّدة النجاة، واثقين بأنّه يرعى كنيسته ولا يتركها أبداً رغم الصعوبات والتحدّيات، بل هو سيبقى معها إلى الأبد بحسب وعده الصادق.

26


الرقم: 40/أس/2021
التاريخ: 13/9/2021
بيان إعلامي
غبطة البطريرك يونان يفتتح أعمال السينودس السنوي للكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان الإعلامي التالي:
بدأ أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية أعمال سينودسهم السنوي العادي برئاسة صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، وذلك مساء يوم الأحد 12 أيلول 2021، في الكرسي البطريركي بدير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان.
سيعالج السينودس شؤون الأبرشيات والنيابات البطريركية والأكسرخوسيات والإرساليات وأحوال المؤمنين في لبنان وبلاد الشرق والإنتشار، وشؤوناً كنسية وإدارية وراعوية.
كما سيبحث السينودس الأوضاع العامّة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط والحضور المسيحي فيها.
وفي الكلمة الإفتتاحية التي ألقاها غبطة البطريرك يونان، رحّب غبطته بالآباء الأساقفة، داعياً إيّاهم إلى المشاركة في أعمال السينودس بروح المحبّة والأخوّة والوحدة ورباط الشراكة الأسقفية، "فنتعاضد في تحمُّل أعباء مسؤولياتنا في خدمة كنيستنا السريانية، التي أودعَنا الرب مسؤولية التكرّس لها، واضعين نصب أعيننا، بعد مرضاة الرب، خيرَ المؤمنين الذين يتطلّعون إلينا بشوقٍ، وينتظرون منّا، أن نعمل لما فيه تعزيز شهادتهم لإيمانهم بالرب، والتزامهم بكنيستهم، في خضمّ الصعوبات والتحدّيات الراهنة، مدركين ضعفنا البشري، لكن واثقين في الوقت ذاتِه، أننا متكلون على معلّمنا الإلهي الذي يقوّينا ويشدّدنا"، وعارضاً أبرز المواضيع المدرَجة على جدول الأعمال، متوقّفاً عند الأوضاع العامّة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، فقال غبطته:
"نعقد اجتماعنا هذا في ظلّ أوضاعٍ خطيرةٍ وتحدّياتٍ جمّة، تكاد لا تخلو منها أيّة بقعةٍ في العالم، وبخاصّةٍ منطقة الشرق الأوسط التي منها انتشر الإيمان، والتي يتعرّض فيها المؤمنون إلى نكباتٍ أمنيةٍ وأزماتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ لا تُحصى، وعليهم أن يجابهوا تحدّياتٍ كثيرةٍ لإيمانِهم وهويتهم، وتهدّد وجودهم في أرض آبائهم وأجدادِهم.
لبنان، الوطن الجريح، نهنّئه بتشكيل الحكومة الجديدة، وندعو لها، رئيساً وأعضاءً، بالنجاح، آملين أن تعمل بالسرعة الممكنة لوقف الانهيار الحاصل على كافّة الأصعدة. لكنّنا نعرب في الوقت عينه عن خيبة أملنا بسبب التمادي في تهميش


حقوقنا، كمكّونٍ سرياني عامّةً وكطائفةٍ سريانيةٍ كاثوليكيةٍ خاصّةً، وذلك بعدم تمثيلنا في هذه الحكومة، كما هي الحال وللأسف، في كلّ المناصب والوظائف العليا المدنية والعسكرية والقضائية في البلد.
إنّنا ندعو المسؤولين للعمل بشكلٍ جدّي على التدقيق الجنائي لمعرفة مصير أموال اللبنانيين وودائعهم في المصارف، والتي نُهِبَت. ونشدّد على وجوب حصول الانتخابات النيابية في موعدها في أيّار القادم، لتشكيل طبقةٍ سياسيةٍ جديدةٍ تنهض بلبنان من كبوته.
وفيما يتعلّق بتفجير مرفأ بيروت، نجدّد التأكيد بأنّ كلّ حصانةٍ تسقط أمام هول هذه الجريمة النكراء، فالحقيقة والعدل يعلوان فوق كلّ اعتبار، خاصّةً وأنّ هذا التفجير أدّى إلى تدمير قسمٍ كبيرٍ من العاصمة بيروت، وسقوط أكثر من مئتي ضحيّة، وتشريد آلاف العائلات التي لا يزال العديد منها دون مسكن.
ولا يفوتنا أن نشير إلى الانهيار المالي والاقتصادي المتمادي، وضرورة الحدّ من الإذلال الذي يتعرّض له اللبنانيون، أمام محطّات البنزين والمصارف والصيدليات والأفران، فضلاً عن الانقطاع شبه الدائم للتيّار الكهربائي والشحّ في المياه، وعدم توفّر الوقود والأدوية والخبز وسواها من المواد الأساسية والحيوية، فيما الدولة من رأس الهرم حتّى أصغر مسؤولٍ ترقد في سباتٍ عميقٍ، وتتقاعس عن توفير أدنى مقوّمات الحياة الكريمة للمواطنين.
وما القول عن العام الدراسي القادم المهدَّد هو الآخر كالعامين الدراسيين السابقين، بسبب عدم تلبية احتياجات المدارس التي تمرّ بأزماتٍ كثيرةٍ، بدأت إثر تفشّي وباء كورونا، واستفحلت نتيجة الانهيار الحاصل والذي يهدّد استمراريتها لانقطاع الكهرباء والإنترنت، وعدم قدرة الأهالي على دفع الأقساط.
ولعلّ من أخطر تداعيات الوضع الحالي المتفاقم في لبنان، هجرة اللبنانيين عامّةً، والشباب خاصّةً، بسبب تردّي الأوضاع. ومع أنّ إلهنا هو إله الرجاء، لكنّ الوضع الحالي المتأزّم يجعل من الصعوبة بمكان أن نطلب من أبنائنا الصمود وعدم الهجرة. لذا ندعو الدولة للإسراع بتوفير الحوافز للصمود، كي لا يهاجر من بقي، فيفرغ البلد من طاقاته الحيّة، بعد أن بات الوضع ينذر بالعواقب الوخيمة.
هذا وإنّ كنيستنا تبذل كلّ ما بوسعها، بالتعاون مع المؤسّسات والمنظّمات المحلّية والإقليمية والعالمية، لتأمين المساعدات لأولادها قدر الإمكان، كي ينعموا بالعيش اللائق في ظلّ هذه الظروف العصيبة.
في سوريّا، نلمس عودة اللحمة الوطنية بين مختلف فئات المجتمع، خاصّةً بعد أن أُجرِيت الانتخابات الرئاسية في أيّار المنصرم، وفتحت صفحةً جديدةً يتوسّم فيها المواطنون كلّ خيرٍ، على أمل انتهاء الحرب وعودة الطمأنينة إلى كافّة ربوع الوطن، فتتضافر الجهود لإعادة بنائه وازدهاره.


وفي العراق، حيث تجري الاستعدادات للإنتخابات النيابية التي نرجو أن تُنجَز في موعدها في تشرين الأوّل القادم، وأن تنتج فوز أصحاب الكفاءة والنزاهة والكفّ النظيف والإخلاص للوطن. فيتعاضد الجميع ويتكاتفوا من أجل نهضة العراق، بعدما تبارك بالزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا فرنسيس إليه في آذار الماضي، وقد استقبلناه في كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد، وفي قره قوش – بخديدا، المدينة السريانية العريقة.
ولا تغيب عن بالنا بلدان الشرق، من الأراضي المقدسة التي تباركْنا بزيارتها في شهر تمّوز المنصرم، حيث رفعنا الصلاة من أجل أبنائنا وبناتنا في العالم، ومن أجل تلك الأرض، كي تسود فيها ثقافة قبول الآخر والمسامحة، وتنتهي الصراعات والحروب، وكذلك الأردن الذي يسعى لتعزيز أواصر الارتباط بين مختلف مكوّناته، بالاحترام المتبادَل، ومصر التي يتجلّى التضامن بين أفراد شعبها الذين ينعمون بالحرّية والأمان بسبب حكمة المسؤولين فيها، وتركيا التي يحافظ فيها أبناؤنا على إيمانهم وتراثهم العريق، ثابتين في أرضهم.
أما أولادنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، فإنّنا نؤكّد لهم أنّهم لا يغيبون عن بالنا وتفكيرنا، ونحن نتابع باهتمامٍ بالغٍ أوضاعهم، ونسعى مع إخوتنا الرعاة الكنسيين لتأمين الخدمة الروحية والراعوية لهم. ونحن نحثّهم على متابعة شهادتهم لإيمانهم، والأمانة لتعاليم كنيستهم، مع الحفاظ على الارتباط الوثيق ببلادهم الأمّ في الشرق. ونوصيهم أن يولوا العناية البالغة بتربية أولادهم على هذه المبادئ السامية، مخلصين في الوقت عينه إلى الأوطان الجديدة التي احتضنتهم ووفّرت لهم الأمان والطمأنينة والأمل بمستقبلٍ باهر".

هذا وستستمرّ أعمال السينودس حتى يوم السبت 18 أيلول الجاري، حيث تنتهي ببيان ختامي يُتلى أمام وسائل الإعلام في تمام الساعة العاشرة صباحاً.



                                       أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

27


الرقم: 85/2021
التاريخ: 31/3/2021
ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܒ̱ܟܐ
رسالة عيد القيامة المجيدة 2021
إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار


نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

« ܩܳܡܬܽܘܢ ܥܰܡ ܡܫܺܝܚܳܐ »
« قد قُمتُم مع المسيح »

1.   مقدّمة
يطيب لنا في بداية رسالتنا أن نتقدّم بأحرّ التهاني وأخلص التمنّيات بمناسبة عيد قيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات، إلى جميع إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والمؤمنين في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والأميركيتين وأستراليا. وعلى رجاء القيامة المعزّية، نبتهل إلى الرب يسوع الذي احتمل الآلام والموت ليقوم في اليوم الثالث، كي يفيض عليهم وعلى العالم بأسره نِعَمَهُ وبركاته، لتبقى شعلة الإيمان به متّقدةً، وتستمرّ شهادتُنا لقيامته حيّةً فاعلةً، فينعم الجميع بحياةٍ وافرة الثمار، ويسطع نور القيامة وسط ظلمات عالمنا، ناشراً المحبّة والوحدة والفرح والسلام. كما نضرع إلى الرب فادينا، "القيامة والحياة"، أن يتحنّن علينا، فيبيد وباء كورونا المتفشّي في بلادنا والعالم، ويشفي المصابين به، لتعود الحياة البشرية إلى طبيعتها وانتظامها.
2.   الإيمان علامة حيّة لقيامة المسيح
الإيمان نعمةٌ مجّانيّةٌ من الله، وجواب الإنسان الحرّ على هذه العطيّة هو في اختياره أن يصبح علامةً حيّةً لقيامة المسيح. والقرار باتّباع يسوع، معلّمنا وربّنا الذي أتى لينغمس في عالم الإنسان ويوميّاته، يتطلّب أن نسير خلفه، وأن نصغي إليه باهتمامٍ واجتهادٍ عبر كلمته وعبر نعمة الأسرار الكنسية. نحن نؤمن بربٍّ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، الذي قَبِلَ الموت صلباً كإنسانٍ، ولكنّه قام في اليوم الثالث كإله. ومن الإثباتات على قيامته أنّه جعل من كلّ إنسانٍ دليلاً حيّاً على قيامته، إذ بالمسيح يقوم الجميع.
"فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالسٌ عن يمين الله" (كو 3 : 1). يؤكّد لنا بولس رسول الأمم أنّ قيامة الرب يسوع تأكيدٌ لقيامتنا نحن أيضاً، فقيامة يسوع المسيح من بين الأموات هي جوهر الإنجيل: "إن كان المسيح لم يَقُم،
فتبشيرنا باطلٌ وإيمانكم أيضاً باطل" (1كور15: 14). لولا قيامة الفادي، لَبقيَ الرسل مُحبَطين ومختبئين في دارٍ "أبوابُها مغلَقةٌ خوفاً من اليهود" (يو20: 19)، لا يجرأون أن يكرزوا بإنجيل الخلاص، لا بل كان إيمانُنا باطلاً. ظهر الرب مراراً لتلاميذه الذين كانوا في



حالةٍ من الخوف واليأس التامّ، فطمأنهم ودعاهم أن يلمسوا جروحَ المسامير والحربة، وأكلوا وشربوا معه. وأضحت القيامة محورَ كرازتهم وهدفَهم الأوحد ومعنىً لكلّ ما قالوه وفعلوه (راجع سفر أعمال الرسل الفصول 2-4).
تكمن أهمّية عيد القيامة في الإعتراف بانتصار يسوع المسيح على الموت، وبأنّه ينبوع الحياة الأبدية لكلّ من يُؤمن به. "مباركٌ الله أبو ربِّنا يسوع المسيح، الذي حسب رحمته الكثيرة ولَدَنا ثانيةً لرجاءٍ حيٍّ، بقيامة يسوع المسيح من الأموات" (1بط 1: 3). عيد القيامة تأكيدٌ على كلّ ما علّم يسوع وبشّر به خلال تدبيره الذي استمرّ ثلاث سنوات. لو مات كسائر البشَر، ولم يَقم من بين الأموات، لكان كغيره: مجرّد معلّمٍ أو نبيٍّ آخر. أجل، لولا القيامة لكان رجاؤنا باطلاً، لأنّ نور السرّ الفصحي وحده قادرٌ أن يجلب لنا رجاءً جديداً، "رجاءً جديراً بالثقة"، على حدّ قول البابا بنديكتوس السادس عشر (الرسالة العامّة Spe Salvi "بالرجاء نحن مُخَلَّصون"، الفقرة 2).
3.   الدلالات الملموسة لقيامة المسيح
تكلّم الله على لسان النبي إشعيا بأنّ يسوع سيولد من عذراء (را. إش 7: 14)، فيعيش حياةً بسيطةً في ظروفٍ متواضعةٍ، ومن ثمّ كحمَلٍ يُساق إلى الذبح، فيحتملُ موتاً أليماً، ويقوم ليحرّرنا من خطايانا (را. سفر إش 53). لقد أخبرَ يسوع مراراً وبوضوحٍ لا يقبلُ التأويل، بأنّه سيتألّم ويُسلَّمُ إلى الموت ويقوم بعد ثلاثة أيّام. وقبل الموت، عاش الرب المخلّص ليلةً من المحاكمات والضرب، ما جعله مُنهكاً. ثمّ تعرّض للجلد، وصُلِبَ وطُعِنَ برمحٍ في جنبه، وللوقت تدفَّق منه دمٌ وماءٌ، وأعلَنَ جنديٌّ موتَه. بعدها أُنزِلَ عن الصليب ولُفَّ جسده – بعدما طيَّبوه – بالكتّان، ووُضِعَ في قبرٍ منحوتٍ في الصخر، وقام بعد ثلاثة أيّام (را. مت12: 38-40؛ مر8: 31؛ 9: 31 و10: 33-34؛ يو2: 18-22).
قبرٌ فارغٌ، لفائف مرتَّبةٌ، وحجرٌ مُدَحرَجٌ... ولكنَّ يسوع "ليس ههنا! لقد قام!" هذا ما عاينَتْهُ النسوة ثمّ بطرس ويوحنّا (مت28: 6؛ لو24: 6). كانت هذه العلامات الأوّلية على قيامة "المعلّم" (يو20: 16) من الموت، وتبعَتْها الظهورات. فظهر يسوع بعد قيامته لمريم المجدلية (يو20: 17)، وللرسل (يو20: 19)، "وأظهَرَ لهم نفسه حيّاً بعد آلامه بكثيرٍ من الأدلّة، إذ تراءى لهم مدّة أربعين يوماً، وكلّمهم على ملكوت الله" (أع 1: 3)، حتّى صعوده إلى السماء (أع 1: 9). نعم، "إنّه قُبِرَ وقام في اليوم الثالث كما ورد في الكتب... وتراءى لأكثر من خمسمائة أخٍ معاً" (1كو15: 4-6).
قام المسيح، وهو "باكورة الراقدين" (1كور15: 20)، و"أوَّل القائمين من بين الأموات" (أع 26: 23)، و"ربّ الأموات والأحياء" (رو14: 7-9). وبقيامته نحن واثقون من قيامتنا أيضاً، "فالذي أقام يسوع المسيح من بين الأموات يحيي أيضاً أجسادكم الفانية بروحه الساكن فيكم" (رو 8: 11). بعد الموت تأتي القيامة، وبعد الخوف تحلّ الشجاعة، وبعد اليأس يُطلُّ الرجاء المنبعث من القبر الفارغ، لأنّنا في ظلّ الإله القويّ الذي عنده "مفاتيح الموت ومثوى الأموات" (رؤ1: 18)، وفيه الحياة، وهو مصدر الحياة، ليس على الأرض فقط، بل هو عربون الحياة الأبدية أيضاً.
يتغنّى القديس مار يعقوب السروجي بعظمة قيامة الرب يسوع بعد ذلّ الآلام وقساوة الموت، فيقول: «ܫܠܰܚ ܡܰܚ̈ܘܳܬܳܐ ܘܢܶܓܕ̈ܶܐ ܕܚܰܨܶܗ ܕܰܡܥܰܛܰܦ ܗ̱ܘܳܐ܆ ܘܢܰܚ̈ܬܶܐ ܫܐܺܝ̈ܠܶܐ ܕܝܰܗ̱ܒ ܠܶܗ ܝܰܘܣܶܦ ܟܰܕ ܥܳܐܶܠ ܗ̱ܘܳܐ. ܐܰܢܺܝܚ ܡܶܢܶܗ ܟܺܐܒ̈ܶܐ ܕܰܛܥܶܢ ܥܰܠ ܓܳܓܽܘܠܬܳܐ܆ ܘܰܕܡܶܟ ܘܶܐܬܬܢܺܝܚ ܠܰܐܝܳܐ ܘܩܳܡ ܠܶܗ ܒܓܰܢ̱ܒܳܪܽܘܬܳܐ». وترجمته: "نزع عنه ما كان يتّشح به من الضربات واللطمات التي هشّمت ظَهره، والثياب المستعارة (الأكفان) التي وهبه إياها يوسف (الرامي) في دخوله (إلى القبر). ألقى عنه الأوجاع التي حملها على الجلجلة، ونام المنهَك،



فاستراح وقام ببطولة" (من باعوث أي طلبة مار يعقوب السروجي في صباح عيد القيامة الخلاصية، في كتاب الفنقيث، وهو مجلَّد صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الخامس، صفحة 350).
4.   مفاعيل القيامة في حياة المؤمنين
عيد قيامة المسيح هو عيد قيامتنا، لأنّنا نؤمن بالمسيح وبقدرته على إقامة الأموات، ولأنّ القيامة هي الانتصار والغلبة لكلّ مؤمن. قام يسوع ليحيا ويملك على قلوب المؤمنين، وليعطي معنىً لحياتنا وسط المآسي الكبرى. وقام أيضاً لنحيا معه، وهو يُشرِكُنا دائماً في الحياة الجديدة عن طريق علامات أسرار الكنيسة. "مع أنّنا كنَّا أمواتاً بزلاتنا، أحيانا مع المسيح وأقامنا معه وأجلسنا معه في السموات في المسيح يسوع" (أف 2: 5-6).
لا يكفي إذاً أن نعلن بالقول أنّ المسيح قام، بل علينا أن نعلن هذه القيامة مقرنين القول بالعمل، والمطلوب هنا أن نلبس المسيح، أي أن نحيا بحسب مفاعيل القيامة:
يتمّ ذلك باختيارنا الحياة، فالحياة مُعطاةٌ لكلّ إنسانٍ ليعيشها بملئها، والله يطلب منّا أن ننظر إلى الحياة كما ينظر إليها هو، وملء الحياة مع المسيح لا ينفي حقيقة وجود الصليب. ولكنّ مَن اختار الحياة معه، يُدعى لتخطّي المصاعب التي يواجهها بالتسامي في الحكمة والنعمة. لا يمكن للإنسان أن يختار الحياة بحقّ ويلبسَ الإنسان الجديد، إن لم يسمح لقيامة المسيح أن تعرّيه من الإنسان القديم، تاركاً طريق الموت.
كما يتمّ ذلك بأن نفسح المجال للمسيح كي يكون أساس حياتنا، فيحقّق فينا دلائل قيامته ومواعيدها، لنتذوّق حلاوة الإنتصار على الخطيئة وعلى الموتِ ثمرتِها، ولنسأله نعمة الثبات بمحبّته والاستسلام لمشيئته، فيُنجّينا من التحطّم على حجارة الخطيئة وصخور الشكّ والخوف والفشل. بمعونة المُنبعث من بين الأموات وبنعمته، نطهّر "قبورَ" حياتنا ونفرغها من كلّ ما يقف عائقاً أمام حضوره فينا وتدبيره الخلاصي من أجلنا. إنّ "الله يزيل مدحرجاً أصعب الحجارة، أي: الموت، والخطيئة، والخوف، والروح الدنيوية التي تتحطَّم عليها الآمال والتطلّعات. لا ينتهي تاريخ البشرية أمام حجر القبر، لأنّه يكتشف اليوم "الحجر الحيّ" (را. 1 بط 2: 4): يسوع القائم من بين الأموات" (من موعظة قداسة البابا فرنسيس، ليلة عيد القيامة 20/4/2019).
5.   القيامة إعلان حياة جديدة
ككنيسةٍ حيّةٍ تأسّسْنا على الرب، هذا "الحجر الحيّ"، ولأنّ حضور الربّ في حياتنا حقيقةٌ ثابتةٌ، فهو قادرٌ على تحويل كلّ مستحيلٍ إلى ممكنٍ، وكلّ فوضى إلى نظامٍ وترتيب. إنّ الله يسبقنا على الدوام، وهو يفاجئنا دائماً، وفعلُهُ هذا يكون علناً وساطعاً كنور الشمس. فهو يأتي ويجعل من لفائفنا (أي أمورنا) جديدةً ومرتَّبةً، فيقلب خيبتَنا إلى رجاءٍ وطيد. كما أنّ يسوع يدعونا اليوم لنقدِّم شهادةً صادقةً لقيامته، إذ بعيشنا حياةً مشعّةً بنور القبر الفارغ، وبموتنا عن الخطيئة، نشهد أنّ المسيح غلب الموت وأعطانا الحياة الجديدة. علينا إذن أن نثق به، وكما ظهر للرسل، لنفتَح قلوبَنا له، فتتحقّق بشرى قيامته المعزّية بظهوره وتجلّيه فينا.
القيامة هي أن نعلن أنّ المسيح حيٌّ، وأن نقوم معه لنحيا معه حيث يكون هو، في جدّةِ الحياة. كلٌّ منّا مدعوٌّ كي يكتشف مجدَّداً في المسيح الحيّ ربّاً فادياً يزيل عن قلوبنا حجارة القبر، أي الأنانية والكبرياء والأهواء الرديئة. ومتى بحثنا عنه لا بدَّ أن نلقاه، كي يُمسكَ بيدنا ليُنهِضَنا ويقيمَنا معه. إنّ الربّ يدعونا للنهوض، فلا نستسلم لشروط بشريتنا الضعيفة، بل نرفع نظرنا إليه واثقين بكلمته، لأننا خُلِقْنا للسماء، وليس للأرض، خُلِقْنا من أجل عظمة الحياة، وليس من أجل وضاعة الموت. "خلقتَنا لك يا ربّ، وقلبنا لن يرتاح حتّى يستقرّ فيك" (القديس أوغسطينوس، كتاب الاعترافات). ليس يسوع شخصاً من الماضي، بل هو الحضور المطلَق، لا نلتقي به


في كتب التاريخ، إنّما نلتقي به في الحياة. فهو الذي أكّد قائلاً: "أنا هو الطريق والحقّ والحياة" (يو 14: 6)، فهو ليس إله الأموات، بل إله الأحياء (را. مت 22: 32).
وها هو مار أفرام السرياني، ملفان الكنيسة الجامعة، يعلن فرحَ العالم ونيل الحياة الجديدة بقيامة الرب: «ܓܰܢ̱ܒܳܪܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ ܘܚܰܕܺܝ ܠܰܐܪܥܳܐ ܘܠܰܫܡܰܝܳܐ܆ ܘܰܐܦܨܰܚ ܠܰܐܪܒܰܥܦܶܢܝ̈ܳܬܳܐ ܒܝܰܘܡܳܐ ܪܰܒܳܐ ܕܰܩܝܳܡܬܶܗ… ܒܰܩܝܳܡܬܶܗ ܦܰܪܩܳܗ̇ ܠܥܺܕܬܶܗ܆ ܘܚܰܪܰܪ ܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܡܶܢ ܛܽܘܥܝܰܝ… ܒܗܳܢܳܐ ܝܰܘܡܶܗ ܕܚܰܕ ܒܫܰܒܳܐ ܩܳܡ ܒܽܘܟ̣ܪܳܐ ܡܶܢ ܓܰܘ ܩܰܒܪܳܐ܆ ܘܰܕܪܰܫ ܠܰܢ ܐܽܘܪܚܳܐ ܕܚܰܝ̈ܶܐ ܕܒܳܗ̇ ܢܶܪܕܶܐ ܠܒܶܝܬ ܡܰܠܟܽܘܬܳܐ». وترجمته: "قام الجبّار من القبر وفرّح الأرض والسماء، وأبهج الجهات الأربع في يوم قيامته المجيدة... بقيامته خلّص كنيسته وحرّر أولادها من الضلال... في هذا يوم الأحد قام البكر من القبر، ونهجَ لنا طريق الحياة التي بها نسير نحو الملكوت" (من باعوث أي طلبة مار أفرام في صلاة الساعة الثالثة (التاسعة صباحاً) من يومي إثنين وثلاثاء القيامة، في كتاب الفنقيث، وهو مجلّد صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الخامس، صفحة 372 و389).
6.   صدى العيد في عالم اليوم
نحن، إخوة المسيح وأبناء القيامة، نعيش في هذا الشرق المضطرب منذ فجر المسيحية حاملين صليبنا بفرحٍ لأنّه طريقنا المؤدّية إلى القيامة. شعبنا يُضطهَد، أجدادنا شهدوا ليسوع فادينا واستشهدوا حبّاً به، آباؤنا رسّخوا إيمانهم وتجذّروا في المشرق، ونحن ورغم كلّ الصعاب والمشقّات والآلام والتهجير والتعذيب والتشريد، بقينا وسنبقى شهوداً للقيامة، ليبقى أولادنا في هذه الأرض وينشروا فرح القيامة مُشرقاً في عتمة هذا الزمن.
لا شكَّ أنَّ وباء كورونا قد عمّ البشرية جمعاء وغيّر نمطَ الحياة التي اعتادَها العالم بأسره. ومع كلّ الآلام التي سبّبها للكثيرين بيننا، من فقدان أحبّاء لنا وتفشّي أمراضٍ قد يطول الشفاءُ منها بسبب الفيروس الفتّاك، فنحن أبناء الرجاء، وباحتفالنا بقيامة ربّنا يسوع المسيح منتصراً على الموت، نستخلص درساً للبشرية جمعاء أن نتركَ الإنسان القديم فينا الذي نسي الله وعطاياه له، ونلبسَ الإنسان الجديد الذي ينمو بالنعمة: "إِن كان أحدٌ في الـمسيح فهو خلْقٌ جديد: لقد زال القديم، وصار كلُّ شيءٍ جديداً" (2 كور 5: 17).
فلتكن محنة الوباء هذه نقطة التحوّل للعمل سوياً والعودة إلى جذورنا وتقاليدنا وعائلاتنا، لأنّه بات أكيداً أنّه دون الرجوع إلى الرب المنتصر على الموت، لا يمكننا الانتصار على الآلام الجسدية والنفسية والاجتماعية التي سبّبها هذا الوباء الكوني في الأفراد والمجتمعات.
نسأل الربّ مخلّصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن يتحنّن على العالم بالقضاء على هذا الوباء والحدّ من انتشاره بأسرع وقتٍ ممكنٍ، وأن يُنعِم على المصابين به بالشفاء التامّ، وعلى الراقدين بالراحة الأبدية، وأن يؤازرَ الأطبّاء والممرّضين والممرّضات ومساعديهم، ويُلهِمَ الباحثين والأطبّاء لإيجاد الدواء الشافي.

في لبنان، لقد مضت ثمانية أشهرٍ على انفجار مرفأ بيروت الإجرامي في 4 آب 2020، وبيروت لا تزال متّشحةً بالسواد حزناً على الضحايا بالمئات والجرحى بالآلاف. لقد عرف تاريخها العريق الكوارث والدمار والتمزُّق، ولكنّها كانت تعود إلى الحياة كطائر الفينيق. وعلى مثال ربّنا المنتصر على الموت، تمكّنت، بسواعد أبنائها، من إعادة البناء والعودة إلى الحياة. إنّنا نضمّ صوتنا إلى مطالبة المنكوبين بوجوب كشف المسؤولين عن هذا الانفجار الرهيب، مهما علا شأنهم وعظم نفوذهم، كي تتمّ محاسبتهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم بما يتناسب وإجرامهم.



كما نصلّي كي يتخطّى لبنان الأزمات التي تعصف به، فيتوقّف المسؤولون عن المغامرة بمصير شعبهم، ويكفّوا عن استغلال المواطنين والتذرّع بمصالح جماعاتهم وطوائفهم، لأنّهم يفعلون عكس ذلك وباسم الله. فالطوائف ليست بحاجةٍ لحمايتهم، وليسوا هم من يحافظون على حقوقها، إنّما الدستور اللبناني وحده كفيلٌ بالحفاظ على حقوق جميع أبناء الوطن، لأيّ طائفةٍ أو مذهبٍ انتموا. وبالأكثر، يتجاهل القيّمون على شؤون البلد الدستورَ وكأنّه لم يكن، كما يتجاهلون ويتغاضون عن سماع صوت اللبنانيين المنتفضين في الشارع منذ أكثر من عامٍ ونصف، مطالبين المنظومة الحاكمة بالرحيل، وإعادة تشكيل السلطة عبر انتخاباتٍ نيابيةٍ مبكرةٍ، ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الأموال المنهوبة والمهرَّبة إلى الخارج، والإفراج عن أموال المواطنين المحتجَزة في المصارف جوراً وظلماً، فيما الشعب يئنّ تحت وطأة الجوع والعوز والفاقة. وإنّ الكنيسة تقوم بواجبها بهذا الصدد على قدر إمكانياتها، وتسعى ألا يبقى أحدٌ من أبنائها في ضيقٍ أو حاجةٍ في ظلّ هذه الظروف العصيبة.
إنّ لبنان جديرٌ أن تحكمه نخبة مواطنيه وليس زمرة فاسدة وصوليّة تختبئ خلف طوائفها لتعيث فساداً وسرقةً وعذاباً وتنكيلاً بمواطنيه وشعبه.
فيا أيّها المسؤولون، انظروا إلى لبنان المنازع، وتوقّفوا عن استغلال نظامه في سبيل مصالحكم، كي ينهض شعبه الأبيّ من الوضع المعيشي والاقتصادي والسياسي المنهار، إذ أوصلتموه إلى الحضيض، ويعود للشبّاب الأملُ بوطنهم وقد تزايدت هجرتهم بشكلٍ مخيف. شكِّلوا حكومة اختصاصيين مستقلّين من أصحاب الكفاءة والنزاهة والمناعة تجاه التدخّلات السياسية، ولبنان يزخر بأمثال هؤلاء.

وسوريا الجريحة، عشر سنواتٍ من الحرب والقتل والتدمير، عشر سنواتٍ والصراعات الدولية على أرضها لم تؤدِّ سوى للتنكيل بشعبها وتدمير بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والحضارية. إنها لنكبةٌ مريعةٌ تجاوزت بطشَ أباطرة الزمان والغزاة والمحتلّين.
إنّنا نصلّي كي تثمر الجهود المبذولة في إنهاء الصراعات وإعادة بناء سوريا بهمّة أبنائها وتكاتُفهم ووحدتهم، ليساهموا معاً في إعادة البناء والاستقرار والازدهار إلى وطنهم الأمّ.
كما نجدّد مطالبتنا أصحاب القرار على الساحة الدولية وجميع ذوي الإرادات الحسنة، ببذل الجهود لرفع العقوبات الجائرة المفروضة على الشعب السوري الذي تشتدّ معاناته يوماً بعد يوم. وليس من العدل والمنطق أن يُربَطَ قرار رفع العقوبات، بشرط ما يُسمّى بالحلّ السياسي، بينما عامّة الشعب المغلوب على أمره، تُعاني من الفاقة والمرض والمذلّة.

أمّا العراق الحبيب الذي خصّه قداسة البابا فرنسيس بزيارةٍ وُصِفت بالتاريخية، من الخامس حتّى الثامن من آذار من هذا العام، حيث طالب بتعزيز السلام ومحاربة الفساد ومجابهة استغلال السلطة، فإنّنا لا ننسى وصيّته المعبِّرة، إذ قال: "فلتصمت الأسلحة"، "وليكن الدين في خدمة السلام والأخوّة".
ولقد تشرّفنا باستقبال قداسته في كاتدرائيتِنا "سيّدة النجاة" في بغداد التي تعمّدت بدماء شهدائها الأبرار عام 2010، وتسعى أبرشية بغداد لإتمام ملفّ دعوى تطويبهم في القريب العاجل. ومن داخل هذه الكاتدرائية، شجّع قداسته أبناء العراق والشباب منهم خاصّةً على الاستقرار في وطنهم والإيمان به، بقوله لهم: "شباب هذا البلد هم ثروة المستقبل، وهم جوهر العراق، يجب الاعتناء بهم وتلبية ما يريدونه... أنا أفكّر بشباب العراق".
كما زار قداسة البابا مدينةَ قره قوش حيث أكبر تجمّعٍ مسيحي في العراق، واستقبلَتْه فيها عشراتُ الألوف من أهاليها استقبالاً شعبياً بنوياً عفوياً منقطع النظير، معبّرين عن عمق محبّتهم وشدّة تعلّقهم برأس الكنيسة الجامعة. وقد انضمّ إلى صفوفهم القادمون


من برطلّة وبعشيقة وسائر بلدات سهل نينوى. وفي كنيسة الطاهرة الكبرى في قره قوش، التي لحقها الدمار والحرق على أيدي الإرهابيين، ولكنّها رُمِّمَت واستعادت رونقها البهيّ، استقبلنا ثانيةً قداسته، وأصغينا إلى كلمته المؤثِّرة، وإلى التبشير الملائكي الذي يُتلى في منتصف النهار.
من أرض العراق، صلّى صاحب القداسة من أجل السلام العادل وإنهاء الحروب والنزاعات، ونحن بدورنا نصلّي كي تكون هذه الزيارة التاريخية كحبّة الحنطة التي زُرِعت في الأرض، فتثمر عودة أبنائنا المسيحيين إلى أرض آبائهم وأجدادهم، ليبقى المسيحيون متجذّرين في وطنهم وهم سكّانه الأصليون.

إلى جميع أحبّائنا السريان الذين يقطنون في الأراضي المقدسة، ومصر، والأردن، والخليج العربي، وتركيا، وفي بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركيتين وأستراليا، نعبّر عن خالص تمنّياتنا بعيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات، ضارعين إلى المخلّص الإلهي، كي يحفظ الجميع في الصحّة والعافية، بعيدين عن كلّ مرض ومكروه في هذه الأزمنة المقلقة بل المخيفة للوباء الكوني الذي يهدّد الجميع.

كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
7.   خاتمة
أيّها الآب السماوي، يا من بقيامة ابنك الحبيب يسوع المسيح مخلّصنا من بين الأموات، منحْتَنا الغلبةَ على الخطيئة والموت، والوعد الأبدي بأنّك لن تتركنا ولن تتخلّى عنّا عربوناً للحياة الأبدية. نسجد أمامك بقلوبٍ شاكرةٍ حبّك الكبير لنا، ونضرع اليك كي تسكب روحك القدّوس علينا، نحن المؤمنين المستنيرين بضياء القيامة، وتفتح عيوننا على حضور المسيح فينا وبيننا. فبرؤيتنا إيّاه تتحوّل شكوكنا إلى إيمانٍ، وخوفنا إلى حبٍّ، ويأسنا إلى رجاء. آمين.

وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم. كلّ عام وأنتم بألف خير.

ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ           المسيح قام من بين الأموات... حقّاً قام

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت – لبنان
في اليوم الحادي والثلاثين من شهر آذار سنة 2021
وهي السنة الثالثة عشرة لبطريركيتنا


                                                        اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                       بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

28

الرقم: 17/أس/2021
التاريخ: 1/4/2021
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يوجّه رسالة عيد القيامة لعام 2020

وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رسالة عيد القيامة لعام 2021، بعنوان "قد قُمتُم مع المسيح"، تناول فيها الأوضاع العامّة في لبنان والشرق الأوسط والعالم، وكذلك الأزمة المخيفة بتفشّي وباء كورونا:

"نحن، إخوة المسيح وأبناء القيامة، نعيش في هذا الشرق المضطرب منذ فجر المسيحية حاملين صليبنا بفرحٍ لأنّه طريقنا المؤدّية إلى القيامة. شعبنا يُضطهَد، أجدادنا شهدوا ليسوع فادينا واستشهدوا حبّاً به، آباؤنا رسّخوا إيمانهم وتجذّروا في المشرق، ونحن ورغم كلّ الصعاب والمشقّات والآلام والتهجير والتعذيب والتشريد، بقينا وسنبقى شهوداً للقيامة، ليبقى أولادنا في هذه الأرض وينشروا فرح القيامة مُشرقاً في عتمة هذا الزمن.
لا شكَّ أنَّ وباء كورونا قد عمّ البشرية جمعاء وغيّر نمطَ الحياة التي اعتادَها العالم بأسره. ومع كلّ الآلام التي سبّبها للكثيرين بيننا، من فقدان أحبّاء لنا وتفشّي أمراضٍ قد يطول الشفاءُ منها بسبب الفيروس الفتّاك، فنحن أبناء الرجاء، وباحتفالنا بقيامة ربّنا يسوع المسيح منتصراً على الموت، نستخلص درساً للبشرية جمعاء أن نتركَ الإنسان القديم فينا الذي نسي الله وعطاياه له، ونلبسَ الإنسان الجديد الذي ينمو بالنعمة: "إِن كان أحدٌ في الـمسيح فهو خلْقٌ جديد: لقد زال القديم، وصار كلُّ شيءٍ جديداً" (2 كور 5: 17).
فلتكن محنة الوباء نقطة التحوّل للعمل سوياً والعودة إلى جذورنا وتقاليدنا وعائلاتنا، لأنّه بات أكيداً أنّه دون الرجوع إلى الرب المنتصر على الموت، لا يمكننا الانتصار على الآلام الجسدية والنفسية والاجتماعية التي سبّبها هذا الوباء في الأفراد والمجتمعات.
نسأل الربّ مخلّصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن يتحنّن على العالم بالقضاء على هذا الوباء والحدّ من انتشاره بأسرع وقتٍ ممكنٍ، وأن يُنعِم على المصابين به بالشفاء التامّ، وعلى الراقدين بالراحة الأبدية، وأن يؤازرَ الأطبّاء والممرّضين والممرّضات ومساعديهم، ويُلهِمَ الباحثين والأطبّاء لإيجاد الدواء الشافي.
في لبنان، لقد مضت ثمانية أشهرٍ على انفجار مرفأ بيروت الإجرامي في 4 آب 2020، وبيروت لا تزال متّشحةً بالسواد حزناً على الضحايا بالمئات والجرحى بالآلاف. لقد عرف تاريخها العريق الكوارث والدمار والتمزُّق، ولكنّها كانت تعود إلى الحياة كطائر الفينيق. وعلى مثال ربّنا المنتصر على الموت، تمكّنت، بسواعد أبنائها، من إعادة البناء والعودة إلى الحياة. إنّنا نضمّ صوتنا إلى مطالبة المنكوبين بوجوب كشف المسؤولين عن هذا الانفجار الرهيب، مهما علا شأنهم وعظم نفوذهم، كي تتمّ محاسبتهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم بما يتناسب وإجرامهم.
كما نصلّي كي يتخطّى لبنان الأزمات التي تعصف به، فيتوقّف المسؤولون عن المغامرة بمصير شعبهم، ويكفّوا عن استغلال المواطنين والتذرّع بمصالح جماعاتهم وطوائفهم، لأنّهم يفعلون عكس ذلك وباسم الله. فالطوائف ليست بحاجةٍ لحمايتهم، وليسوا هم من يحافظون على حقوقها، إنّما الدستور اللبناني وحده كفيلٌ بالحفاظ على حقوق جميع أبناء الوطن، لأيّ طائفةٍ أو مذهبٍ انتموا. وبالأكثر، يتجاهل القيّمون على شؤون البلد الدستورَ وكأنّه لم يكن، كما يتجاهلون ويتغاضون عن سماع صوت اللبنانيين المنتفضين في الشارع منذ أكثر من عامٍ ونصف، مطالبين المنظومة الحاكمة بالرحيل، وإعادة تشكيل السلطة عبر انتخاباتٍ نيابيةٍ مبكرةٍ، ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الأموال المنهوبة والمهرَّبة إلى الخارج، والإفراج عن أموال المواطنين المحتجَزة في المصارف جوراً وظلماً، فيما  الشعب يئنّ تحت وطأة الجوع والعوز والفاقة. وإنّ الكنيسة تقوم بواجبها بهذا الصدد على قدر إمكانياتها، وتسعى ألا يبقى أحدٌ من أبنائها


في ضيقٍ أو حاجةٍ في ظلّ هذه الظروف العصيبة. إنّ لبنان جديرٌ أن تحكمه نخبة مواطنيه وليس زمرة فاسدة وصوليّة تختبئ خلف طوائفها لتعيث فساداً وسرقةً وعذاباً وتنكيلاً بمواطنيه وشعبه.
فيا أيّها المسؤولون، انظروا إلى لبنان المنازع، وتوقّفوا عن استغلال نظامه في سبيل مصالحكم، كي ينهض شعبه الأبيّ من الوضع المعيشي والاقتصادي والسياسي المنهار، إذ أوصلتموه إلى الحضيض، ويعود للشبّاب الأملُ بوطنهم وقد تزايدت هجرتهم بشكلٍ مخيف. شكِّلوا حكومة اختصاصيين مستقلّين من أصحاب الكفاءة والنزاهة والمناعة تجاه التدخّلات السياسية، ولبنان يزخر بأمثال هؤلاء.
وسوريا الجريحة، عشر سنواتٍ من الحرب والقتل والتدمير، عشر سنواتٍ والصراعات الدولية على أرضها لم تؤدِّ سوى للتنكيل بشعبها وتدمير بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والحضارية. إنها لنكبةٌ مريعةٌ تجاوزت بطشَ أباطرة الزمان والغزاة والمحتلّين.
إنّنا نصلّي كي تثمر الجهود المبذولة في إنهاء الصراعات وإعادة بناء سوريا بهمّة أبنائها وتكاتُفهم ووحدتهم، ليساهموا معاً في إعادة البناء والاستقرار والازدهار إلى وطنهم الأمّ.
كما نجدّد مطالبتنا أصحاب القرار على الساحة الدولية وجميع ذوي الإرادات الحسنة، ببذل الجهود لرفع العقوبات الجائرة المفروضة على الشعب السوري الذي تشتدّ معاناته يوماً بعد يوم. وليس من العدل والمنطق أن يُربَطَ قرار رفع العقوبات، بشرط ما يُسمّى بالحلّ السياسي، بينما عامّة الشعب المغلوب على أمره، تُعاني من الفاقة والمرض والمذلّة.
أمّا العراق الحبيب الذي خصّه قداسة البابا فرنسيس بزيارةٍ وُصِفت بالتاريخية، من الخامس حتّى الثامن من آذار من هذا العام، حيث طالب بتعزيز السلام ومحاربة الفساد ومجابهة استغلال السلطة، فإنّنا لا ننسى وصيّته المعبِّرة، إذ قال: "فلتصمت الأسلحة"، "وليكن الدين في خدمة السلام والأخوّة". ولقد تشرّفنا باستقبال قداسته في كاتدرائيتِنا "سيّدة النجاة" في بغداد التي تعمّدت بدماء شهدائها الأبرار عام 2010، وتسعى أبرشية بغداد لإتمام ملفّ دعوى تطويبهم في القريب العاجل. ومن داخل هذه الكاتدرائية، شجّع قداسته أبناء العراق والشباب منهم خاصّةً على الاستقرار في وطنهم والإيمان به، بقوله لهم: "شباب هذا البلد هم ثروة المستقبل، وهم جوهر العراق، يجب الاعتناء بهم وتلبية ما يريدونه... أنا أفكّر بشباب العراق".
كما زار قداسة البابا مدينةَ قره قوش حيث أكبر تجمّعٍ مسيحي في العراق، واستقبلَتْه فيها عشراتُ الألوف من أهاليها استقبالاً شعبياً بنوياً عفوياً منقطع النظير، معبّرين عن عمق محبّتهم وشدّة تعلّقهم برأس الكنيسة الجامعة. وقد انضمّ إلى صفوفهم القادمون من برطلّة وبعشيقة وسائر بلدات سهل نينوى. وفي كنيسة الطاهرة الكبرى في قره قوش، التي لحقها الدمار والحرق على أيدي الإرهابيين، ولكنّها رُمِّمَت واستعادت رونقها البهيّ، استقبلنا ثانيةً قداسته، وأصغينا إلى كلمته المؤثِّرة، وإلى التبشير الملائكي الذي يُتلى في منتصف النهار.
من أرض العراق، صلّى صاحب القداسة من أجل السلام العادل وإنهاء الحروب والنزاعات، ونحن بدورنا نصلّي كي تكون هذه الزيارة التاريخية كحبّة الحنطة التي زُرِعت في الأرض، فتثمر عودة أبنائنا المسيحيين إلى أرض آبائهم وأجدادهم، ليبقى المسيحيون متجذّرين في وطنهم وهم سكّانه الأصليون.
وتوجّه غبطته بالفكر والمعايدة إلى أبناء الكنيسة في الأراضي المقدسة، ومصر، والأردن، والخليج العربي، وتركيا، وفي بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركيتين وأستراليا.
وفي كلمته الروحية، تحدّث غبطته عن القيامة كإعلان حياة جديدة، وأهمّية الإيمان كعلامة حيّة لقيامة المسيح، متناولاً الدلالات الملموسة لهذه القيامة ومفاعيل في حياة المؤمنين.

                                                                   أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية


29


الرقم: 86/2021
التاريخ: 1/4/2021

إخوتي الأجلاء أصحاب السيادة رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأبنائي الأحبّاء الخوارنة والكهنة الأفاضل

بعد إهدائكم البركة الرسولية والمحبّة والسلام بالرب يسوع مخلّصنا ومثالنا في الخدمة الكهنوتية:

"ليس لأحدٍ حبٌّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائّه" (يوحنّا 15: 13)

اليوم "خميس الأسرار"، فيه تقيم الكنيسة المقدسة الإحتفال بتأسيس سرّ الكهنوت المقدس الذي وضعه الرب يسوع في عشائه الفصحي الأخير مع تلاميذه في العلّية في مثل هذا اليوم المقدس، حيث منحهم عربون حبّه العميق، سرّ جسده ودمه الأقدسين اللذين سيبذلهما في سبيل فداء العالم، كلّ العالم، إذ "ليس لأحدٍ حبٌّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائّه" (يوحنّا 15: 13).
في هذا اليوم المبارك، ونحن نحيي تذكار هذا العشاء مكمّل الرموز والأسرار، يطيب لي أن أتوجّه إليكم، إخوتي رؤساء الأساقفة والأساقفة الأعزاء، وأبنائي الخوارنة والكهنة الأحبّاء، لأعبّر لكم عن محبّتي واتّحادي بالصلاة معكم، سائلاً الرب يسوع، الراعي الصالح، أن يبارك خدمتنا جميعاً لتأتي بالثمار التي تمجّد اسمه القدوس، بالمحبّة والوحدة التي تجمعنا مع بعضنا البعض، وبالرباط الذي يشدّنا إلى الربّ وكنيسته، ثابتين فيه كما يثبت الغصن في الكرمة (يوحنّا 15: 5)، رغم الظروف الصعبة التي يعانيها العالم مع التفشّي المخيف لوباء كورونا.
وبهذه المناسبة، أدعوكم أحبّائي كي نجدّد معاً ما تعهّدناه أمام الله وأمّنا الكنيسة يوم رسامتنا الكهنوتية، ونحن واضعون يدنا على الإنجيل والصليب، بأن نكون أمناء في خدمتنا الكهنوتية، بروح المحبّة الباذلة والطاعة الغير مشروطة والعطاء غير المحدود، فنحيا بموجب الدعوة التي إليها دعانا الرب، ضارعين إليه أن: "أعطِنا يا ربّ دائماً كهنةً قديسين". ومعكم أستذكر كلمات أحد آباء الكنيسة المفريان غريغوريوس يوحنّا ابن العبري القائل: «ܗܘܺܝ ܠܳܟ ܐܰܡܺܝܢܳܐ ܘܰܥܡܺܝܠܳܐ ܒܗܳܢܳܐ» "كن أميناً ومثابراً في عملك".
أختم بمنحكم جميعاً البركة، داعياً لكم بأسبوع آلام خلاصي يقودنا جميعاً إلى فرح عيد قيامة الرب المجيدة من بين الأموات. المسيح قام، حقّاً قام. والنعمة معكم.
ودمتم للمحبّ.


                                             اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                بطريرك السريان الأنطاكي

30

الرقم: 45/2021
التاريخ: 12/2/2021
رسالة الصوم الكبير 2021

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالربّ يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܨܳܒܶܐ ܐ̱ܢܳܐ ܐܶܬܕܰܟܳܐ»
"أريدُ فاطْهُرْ" (مر 1: 41)
1.   مقدّمة
زمن الصوم هو الوقت المقبول الذي فيه يمنح الله مؤمنيه الفرصة للإستعداد للاحتفال بآلامه وموته وقيامته بفرح، متجدّدين بالروح، لكي يَنْهَلوا من سرّ الفداء ملءَ الحياة الجديدة في المسيح، وينعموا بالخلاص الذي تمّ من خلال سرّ المسيح الفصحي: "لأنَّنا في الرجاء نِلْنا الخلاص" (رو 8: 24).
في زمن الصوم، نمتنع عن تناول بعض الأطعمة، كالإنقطاع عن الطعام واللحوم والبياض وسواها، كما نقرن صومنا برفع الصلوات الحارّة، والمشاركة في الصلوات الطقسية، وممارسة أعمال الرحمة، والاهتمام بالمحتاجين، من خلال التقشّف والتخلّي عن بعض الملذّات لمساعدة من هم أشدّ فقراً وعوزاً. وهكذا يعود زمن الصوم بكنوزه كلّ عام، كي يقدّم لنا فرصةً جديدةً من أجل حياةٍ أفضل ملؤها البركة والخير، والنموّ في الفضائل الروحية، والتحرّر من المادّية المهيمِنة في عالمنا. فالصوم هو زمن الجهاد الروحي بامتياز، إنّه محطّةٌ سنويةٌ للتجدّد بالإيمان، من خلال الممارسات التقوية والعودة إلى الذات في سبيل التوبة.
نحن مدعوّون لنعيش فعلياً كأبناء لله وكأحبّائه. والصوم هو فترة فرحٍ حيث نكتشف بنوّتنا لله التي حصلنا عليها بيسوع المسيح. فالهدف الحقيقي من فترة الصوم هذه، قبل كلّ شيء، هو إعداد الناس للاحتفال بموت المسيح وقيامته. هذا الزمن هو الوقت المناسب لتهذيب الروح وإزالة رواسب الخطيئة من حياتنا، فالصوم هو أفضل وسيلةٍ للاعتراف بسموّ الله، كما أنّه، مع الصلاة والصدقة، إحدى الوسائل التي تُبيِّن أمام الله تواضُعَ الإنسان ورجاءَه وحبَّه. ونحقّق ذلك من خلال خلق الرغبة والعَزمِ على فعلِ مشيئة الله وجعلِ ملكوته يأتي في المقام الأول في قلوبنا. فالصلاة ليست مجرّد ترداد بعض الكلمات والعبارات، والصوم ليس فقط الامتناع عن الأكل، والصدقة
ليست مجرّد عطاءٍ مادّي للآخر، بل الأساس هو أن نفرّغ ذواتنا من كلّ ما يحجبنا عن الله والقريب والذات،

منتظرين مجيء العريس القائم من بين الأموات. لذلك ارتبط الصوم بالقيامة في الكنيسة، فالصوم هو مسيرة تحرُّرٍ وموتٍ عن الذات، لكي نستطيع عيش القيامة.
2.   الصوم مسيرةُ فرحٍ بالتوبة والالتزام
إنّ نداء يسوع في بدء رسالته العلنيّة "لقد اقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر 1: 15) يلخّص مبدأ زمن الصوم الذي هو مسيرة ارتدادٍ وجهادٍ ضدَّ الشر. إنّه زمن توبةٍ أي رجوعٍ للآب، ولكنّه ليس زمن حزن! إنّه التزامٌ فَرِحٌ وصادقٌ لكي نتخلّى عن أنانيَّتنا، وعن الإنسان القديم، ونتجدّد بحسب نعمة معموديتنا. فوحده الله بإمكانه أن يعطينا السعادة الحقيقية، وملكوت الله ما هو إلا تحقيق طموحاتنا، وفي الوقت عينه خلاص الإنسان ومجد الله. من هنا، نحن مدعوّون لنُصْغي إلى نداء يسوع هذا بأن نتوب ونؤمن بالإنجيل. نحن مدعوّون لنبدأ بالتزام المسيرة نحو الفصح، لنَقْبَلَ أكثرَ فأكثر نعمةَ الله الذي يريد أن يحوِّل العالم إلى ملكوت عدالةٍ وسلامٍ وأخوَّة.
وهذا ما نراه عند الأبرص الذي يتحدّث عنه مرقس البشير في بداية إنجيله (راجع مر1: 40-45). لقد حمله إيمانُه وثقتُه بالله على تخطّي شريعةَ عزلِه عن الجماعة، ماثلاً أمام يسوع، وملتمساً بكلّ تواضعٍ وثقة: "إنْ شِئْتَ، فأنتَ قادرٌ أن تطهّرني. فتحنَّنَ يسوع عليه ومدَّ يده، فلمَسَه وقال له: أريدُ فاطهُرْ. وفي الحال زال عنه البرص" (مر1: 40-42). من هنا، فإنَّ زمن الصوم هو زمن لقاء المؤمن برحمة الله.
لم يكن البَرَص مَرَضاً كغيره، فبسبب طابع العدوى و"الهلع" الذي يسبّبه في الجماعة، كانت تحيط به سلسلةٌ من المحرّمات. يصبح الأبرص "محروماً" من العيش مع الآخرين والاتّصال بهم، ومنبوذاً منهم. ولكي يمارَسَ هذا الفصلُ عن المحيط بشدّةٍ، خَتَمَهُ تحريمٌ ذو طابعٍ ديني: فالأبرص يُعلَن "نجساً". هو لا يستطيع أن يشارك الجماعةَ في شعائر العبادة، لذا لا يمكنه أن "يقتربَ من الله" الذي يقيم في الهيكل، لئلا ينجّسه. بل إنَّ كلّ مَنْ يقترب من الأبرص ويلمسه، يتنجّس بدوره. وبما أنَّ البَرَص هو مرضٌ ديني، فالكاهن هو الذي يكشف على المريض في البداية ليتعرَّفَ إلى المرض، وفي النهاية يعلن الشفاء (راجع لاويين 13: 13-17). فالكاهن وحده يستطيع أن يحكم على الطاهر والنجس بحسب الشريعة.
3.   إيمان الأبرص بقدرة يسوع
لقد أضحى البَرَصُ شبيهاً بالخطيئة، فكما أنَّ الكاهنَ هو الذي يُعلِن طهارةَ المريض الجسدية بعدَ الكشف عليه، فالكاهن أيضاً يخلّص الخاطئَ من خطيئته من خلال منحِهِ الطهارة الروحية. وحين يُشفَى الأبرص، عليه أن يقدّم ذبيحةً قبل أن يدخل إلى الجماعة، وهذه الذبيحة هي شبيهةٌ "بالذبيحة من أجل الخطيئة" (لاويين 14:
13). إنَّ البَرَصَ هو للجسد ما هي الخطيئةُ للنفس. بطريقة أخرى، كما أنَّ البَرَصَ ينجّس الإنسان، كذلك تفعل الخطيئة. وهكذا تصبح الخطيئة خطيرةً كالبَرَص، وعدوى تؤثّر على الآخرين.

كَشَفَ يسوع، بقبوله الأبرصَ وشفائه من برَصِهِ، عن وجهٍ جديدٍ لله، وجه الأب الحنون والإله الكلّي الرحمة والحبّ. لقد اقترب الأبرص من يسوع، كانَ شخصاً مستبعَداً، منبوذاً ونجساً. كلّ من يلمسه يصبح نجساً أيضاً! لكنّ ذلك الأبرص كان يتمتَّع بشجاعةٍ كبيرة. لقد تحدّى حظرَ الشريعة ليتمكّن من الاقتراب من يسوع، فجثا على ركبتَيْه متوسّلاً: "إذا أردتَ، يمكنك أن تشفيَني. لا تحتاج لمسي! يكفي أن تريد، وسأُشفَى!".
إنَّ هذه العبارة تبيّن لنا بالدرجة الأولى إيمانَ الأبرصِ العظيمَ بقوَّة يسوع. ولكن في المقابل، تكشف لنا أيضاً نوعين من المَرَض أو "من الشرّ" عانى منهما هذا الشخص: لقد عانى من شرّ المرض أي البَرَص الذي جعله نجساً، وكذلك من شرّ العزلة التي حَكَمَ عليه بها المجتمع والدين، ويسوع شفاه مِنَ الإثنين.
قام يسوع بلمس الأبرص، فشفاه من الوحدة. وكأنّه يقول له: "بالنسبة لي، أنتَ لستَ منبوذاً. فأنا أقبلك كأخ!"، ثمّ شفاه من علّته قائلاً: "أريدُ فاطْهُرْ" (مر 1: 41).
يتأمّل مار يعقوب السروجي بأعجوبة شفاء يسوع للرجل الأبرص، والتي تحييها الكنيسة السريانية في الأحد الثاني من الصوم الكبير، فيقول: «ܥܰܠ ܗ̱ܘܳܐ ܓܰܒܪܳܐ ܕܰܡܠܶܐ ܓܰܪܒܳܐ ܨܶܝܕ ܦܳܪܽܘܩܰܢ܆ ܘܰܓܠܳܐ ܓܰܪܒܶܗ ܠܝܶܫܽܘܥ ܘܰܒܥܳܐ ܡܶܢܶܗ ܕܢܰܐܣܶܝܘܗ̱ܝ̱. ܚܙܳܐ ܚܰܢܳܢܳܐ ܠܕܳܘܝܳܐ ܕܗܰܝܡܶܢ ܘܰܐܣܺܝ ܓܰܪܒܶܗ܆ ܘܰܬܗܰܪܘ̱ ܟܶܢܫ̈ܶܐ ܘܫܰܒܰܚܘ̱ ܠܰܒܪܳܐ ܒܩܳܠܳܐ ܪܰܒܳܐ». وترجمتها: "دنا الرجل المملوء برصاً من مخلّصنا، وكشف بَرَصَهُ ليسوع طالباً منه أن يشفيه. رأى الحنّانُ الشقيَّ الذي آمن فشفى بَرَصَهُ، وبُهِتَت الجموع وسبّحت الإبنَ بصوتٍ عظيم" (من باعوث ܒܳܥܽܘܬܳܐ أي طلبة مار يعقوب السروجي في صلاة مساء الأحد الثاني من الصوم الكبير، وهو أحد شفاء الأبرص، في كتاب الفنقيث ܦܢܩܺܝܬܳܐ، أي المجلّد، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الرابع، صفحة 206).
4.   لمسة يسوع الشافية
لم تنتقل عدوى البَرَص إلى يسوع، بل انتقلت قوّة النعمة الإلهية إلى الأبرص، وطهَّرَتْه من بَرَصِه. فالحبّ الإلهي الذي تجلّى على الصليب هو الذي يُعدي المرضى ويشفيهم ويُطهّرهم، وهو يعطي التغييرَ شكلَ التطهيرِ لجسدِ الأبرصِ من كلّ قروحه.
لم يخالِف الأبرصُ الشريعةَ عندما حضر وسط الجماعة، بل جاء إلى سيّد الشريعة، طالباً أنْسَنَتَها، وتلطيفها بالرحمة، "فإنَّ السبتَ جُعِلَ للإنسان، وما جُعِلَ الإنسانُ للسبت" (مر 2: 27). ويسوع لم يخالِف الشريعة عندما لَمَسَ قروح البَرَص، بل رفعها إلى كمالها. لم يأتِ يسوع ليُبطِل، بل ليُكمّل (راجع مت 5: 17). في الواقع، بعد أن شفى يسوع الأبرص، أمره العمل بموجب شريعة موسى، أي أن يُرِيَ نفسَه للكاهن، لكي يعلن طُهرَه ويُعيدَه إلى الحياة في الجماعة، وأن يُقدّم القربانَ عن طهره (راجع مر 1: 44؛ لاويين 14).
هكذا يُجري يسوعُ التغييرَ في نفس التائب، ويُزيل الخطيئةَ التي تشوّهُه، مصالحاً إيّاه مع الله ومع مجتمعه ومع ذاته، مُعيداً له كرامته ومكانته الإنسانية. إنّ الربّ يسوع يشفي من الخطيئة بكلمة رحمته، عندما يطلبها

التائب بإيمانٍ، وبقلبٍ تائب. من أجل هذه الغاية، أسّس سرَّ التوبة، ومنحَ الكاهنَ سلطانَ الحلِّ وشفاءِ النفسِ بإسم محبَّة الله الآب، ونعمة الإبن الفادي، وحلول الروح القدس ناقلِ الحياة الجديدة.
5.   الصوم مانح المصالحة والخلاص
تدلّ آية شفاء الأبرص على أنَّ الصوم الكبير مسيرة تغييرٍ مثلَّثٍ في العلاقة: مع الذات واالله والناس. فالأبرص طُهِّرَ من بَرَصِهِ مسترجعاً جمالَ طبيعته البشرية، وتَصَالحَ مع الله مقدِّماً قربانَ التكفير، وعاد إلى حياة الشركة مع الجماعة.
الصوم هو زمن الخلاص الشامل، نبلغ إليه بالعبور الفصحي من قديمٍ إلى جديدٍ، بدفق محبَّة الآب، وفعل نعمة الإبن، وحلول الروح القدس، كما جرى للأبرص.
يؤكّد قداسة البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة زمن الصوم الكبير لهذا العام 2021، بعنوان "ها نحن صاعدون إلى أورشليم: الصوم الأربعيني: زمن تجديد الإيمان والرجاء والمحبّة" على أنّ: "الصوم الأربعيني هو زمن الإيمان بالله، أو زمن قبوله في حياتنا والسماح له "بالإقامة" معنا (راجع يو 14: 23). الصوم يعني أن نحرّر حياتنا من كلّ ما يثقلها... لكي نفتح أبواب قلوبنا للذي يأتي إلينا فقيراً في كلّ شيءٍ، ولكن "ملؤه النعمة والحقّ" (يو 1: 14): ابن الله المخلّص".
ويتابع قداسته في رسالته عن مساندة الآخر بعيش المحبّة في هذه الظروف الصعبة: "إنّ عيش الصوم الأربعيني بالمحبّة يعني الاهتمام بالذين يعيشون في حالة معاناةٍ أو تخلٍّ أو ضيقٍ بسبب جائحة فيروس كورونا... فلنقدِّم مع محبّتنا كلمة ثقةٍ، ونجعل الآخر يشعر أنّ الله يحبّه مثل ابنٍ له".
وكم هو معبّرٌ، في هذا السياق، قول مار بولس رسول الأمم: "فليملأكم إلهُ الرجاء بالفرح والسلام بالإيمان، لتزدادوا فيه رجاءً بقوّة الروح القدس" (روم 15: 13).
6.   تحدّيات الوباء في عالمنا اليوم
في هذه الأيّام العصيبة، يجتاح وباء فيروس كورونا العالمَ بأسره، مخلّفاً القلقَ والذُعرَ، وفارضاً التباعدَ الاجتماعي، لا بل العزلةَ والوحدةَ في أحيانٍ كثيرةٍ خوفاً من انتقال العدوى، فضلاً عن الأضرار الجسيمة في الأنظمة الاقتصادية والمعيشية وحياة المجتمعات والشعوب. ما أشبه حالة المصابين بهذا الوباء بذاك الأبرص الذي شفاه يسوع بمشيئته القدّوسة وقدرته على منح الشفاء، فعاد سليماً معافىً، بعد أن كان معزولاً ومهمّشاً يجابه بمفرده الوحدة القاتلة.
ومع تشديدنا على ضرورة الإلتزام بكلّ التدابير الوقائية لتفادي الإصابة بهذا الوباء والحدّ من انتشاره وفَتْكِه بالبشر، إلا أنّ لنا ملء الثقة والإيمان بالربّ يسوع ولمستِهِ الشافية، فهو وحده القادر أن يشفي كلّ مصابٍ، لا بل أن يبيد هذا الوباء ويزيله.

إنّنا نصلّي ضارعين إلى الرب يسوع، الطبيب السماوي، الذي لمس الأبرصَ فشفاهُ، أن يلمس المصابين بهذا الوباء فيشفيهم، ويرحم أولئك الذين غادروا عالمَنا من جرائه، ويُلهِمَ الأطبّاءَ وأصحابَ الاختصاصِ إلى إيجاد العلاج المناسب. ونسأله تعالى، بشفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة، أن يحمي العاملين في القطاع الطبّي، والذين يبذلون ذواتهم في سبيل تأمين الخدمة الملائمة لهؤلاء المرضى، معرِّضين حياتَهم وحياةَ ذويهم للخطر.

7.   خاتمة:
خير ما نختم به صلاة نستوحيها من طلبة القديس أفرام السرياني في زمن الصوم، ونحن نحيي مئوية إعلانه ملفاناً للكنيسة الجامعة، والذي تمّ من قِبَل البابا بنديكتوس الخامس عشر عام 1920:
«ܛܳܒܳܐ ܕܨܳܒܶܐ ܒܬܰܝ̈ܳܒܶܐ ܨܒܺܝ ܒܩܳܠܳܐ ܕܰܬܝܳܒܽܘܬܰܢ܆ ܘܗܰܒܠܰܢ ܪ̈ܰܚܡܶܐ ܘܰܚܢܳܢܳܐ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܓܰܙܳܟ ܥܰܬܺܝܪܳܐ… ܡܳܪܳܐ ܕܨܳܡ ܡܶܛܽܠ ܥܰܒܕ̈ܰܘܗ̱ܝ̱ ܩܰܒܶܠ ܨܰܘܡܰܢ ܠܰܢܝܳܚܳܟ. ܘܬܶܬܪܰܥܶܐ ܐܰܠܳܗܽܘܬܳܟ ܒܬܶܫܡܶܫܬܳܐ ܕܰܐܪ̈ܥܳܢܳܝܶܐ܆ ܘܒܳܥܽܘܬܰܢ ܒܰܪ ܐܰܠܳܗܳܐ ܬܶܬܩܰܒܰܠ ܩܕܳܡ ܪܰܒܽܘܬܳܟ. ܘܚܰܣܳܐ ܚܰܘ̈ܒܶܐ ܕܡܰܪܥܺܝܬܳܟ ܘܰܐܥܒܰܪ ܡܶܢܳܗ̇ ܐܽܘܠܨܳܢ̈ܶܐ… ܘܰܟܠܺܝ ܡܶܢܰܢ ܒܺܝ̈ܫܳܬܳܐ ܘܡܰܚܘ̈ܳܬܳܐ ܘܫܰܒ̈ܛܶܐ ܕܪܽܘܓܙܳܐ… ܘܰܨܠܺܝܒܳܟ ܢܶܗܘܶܐ ܫܽܘܪܳܐ ܘܰܢܢܰܛܰܪ ܠܰܢ ܡܶܢ ܒܺܝܫܳܐ». وترجمتها: "أيّها الصالح الذي يرتضي بالتائبين إقبلْ صوتَ توبتِنا، وامنحْنا المراحمَ والحنانَ من كنزك الثمين... أيّها السيّد الذي صام لأجل عبيده تقبّلْ صومَنا لراحتك. ولْتَرْتَضِ ألوهتُك بخدمة الأرضيين، ولتُقْبَلْ طلبتُنا أمام عظمتك يا ابن الله. اغفرْ ذنوبَ رعيتك وأبعِدْ عنها الضيقات... أَجِزْ عنّا الشرورَ والضرباتِ وقضبانَ الغضب... وليكن صليبُك سوراً يحفظُنا من الشرّير (من باعوث ܒܳܥܽܘܬܳܐ أي طلبة مار أفرام السرياني في صلاة ليل الثلاثاء الأول وظهر الخميس الأول من الصوم الكبير، في كتاب الفنقيث ܦܢܩܺܝܬܳܐ، الجزء الرابع، صفحة 86-87 و146-147).

ختاماً، نسأل الله أن يتقبّل صومكم وصلاتكم وصدقتكم، ويؤهّلنا جميعاً لنحتفل بفرح قيامته من بين الأموات. ونمنحكم، أيّها الإخوة والأبناء والبنات الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم.

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان
في اليوم الثاني عشر من شهر شباط سنة 2021
وهي السنة الثانية عشرة لبطريركيتنا


                                                           اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                      بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

31
الرقم: 27/2021
التاريخ: 19/1/2021

إلى إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة الأجلاء آباء السينودس المقدس
إلى الآباء الخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات الأفاضل
إلى المؤمنين، الأبناء والبنات الروحيين المبارَكين بالرب
اللائذين بكرسينا البطريركي الأنطاكي في بلاد الشرق وعالم الإنتشار

"... فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة..." (روم 12: 12)
أيّها الأحبّاء،
من النصوص المحبَّذة لنا، الفصل الثاني عشر من رسالة مار بولس رسول الأمم إلى كنيسة روما. وقد رأينا أن نستهلّ رسالتنا إليكم بالعبارات الثلاث أعلاه التي وردت فيه، كي نشارككم مرارة الأزمة الصحّية التي يتخبّط بها عالمنا اليوم، والتحدّيات المقلقة التي نواجهها جميعاً أينما كنّا، شرقاً في بلدنا الأمّ، أو غرباً في كنيسة الانتشار. إنّها لكارثةٌ كونيةٌ لم يعرف أحدٌ لها مثيلاً، سوى، اللّهمّ، مَن اختبر في ذاته وبين ذويه وجماعته، في سنوات الإرهاب الأخيرة، معاناة التهديد بالقتل والإقتلاع من أرض الأجداد والتشرّد في بلاد الغربة.
يحثّنا الرب يسوع بفم بولس رسوله، أن نعيش اليوم أكثر من أيّ زمنٍ مضى، الرجاء والصبر والصلاة. نِعَمٌ يفيضها علينا الروح القدس، كي نستمرّ أقوياء ونتابع مسيرتنا الأرضية، متّكلين عليه تعالى، وواثقين برحمته، مهما عصفت الزوابع، واشتدّت الضيقات، وازدادت التحدّيات. مواهبُ روحية، نحن مدعوون ألا نستأثر أو نعتَدَّ بها، بل أن نكرز بها للذين يحتاجون إلى محبّتنا وتشجيعنا ورأفتنا، فنلهمهم شجاعة القلب وطمأنينة النفس والإتّكال المطلق على العناية الإلهية، متذكّرين وإيّاهم وعدَ الرب يسوع لنا: "لا تخافوا، أنا معكم".
لنكن مثالاً لإخوتنا وأخواتنا المؤتمَنين لخدمتنا، في الرجاء "فوق كلّ رجاء"، في الصبر الذي نقتني به خلاص نفوسنا، وفي الصلاة، مناجاة الآب الذي يعرف ضعفنا البشري، ويسرّ بتلعثُمِنا البنوي، ويفتح باب رحمته واسعاً لانتشالنا من وهدة الخطيئة.
ويطيب لنا أن نحثّكم كي ننتهز مناسبة صوم نينوى الذي تبدأ به كنيستنا يوم الإثنين القادم في الخامس والعشرين من كانون الثاني الجاري، فنقدّم صومنا وصلاتنا زمناً مقبولاً وعطراً روحياً مباركاً أمام الرب، ضارعين إليه كي يزيل هذه المحنة، ويبيد هذا الوباء من الأرض، ويشفي المرضى، ويرحم الموتى، ويوجِد العلاج الشافي له، إنّه السميع والمجيب.
"فإنَّ الله شاهدٌ لي كيف أشتاق إلى جميعكم في أحشاء يسوع المسيح" (فيلبي 1: 8). أجل، أحبّاءَنا، كم نحن تائقون إلى مشاهدتكم ولقياكم، وإن كان الأمر يبدو صعباً تحقيقه بسبب الأزمة اليوم، لكن تأكّدوا أنّكم جميعاً في قلبنا، وأدعيتنا ترافقكم، بشفاعة والدة الله مريم العذراء، سيّدة النجاة، مع بركتنا الرسولية، والنعمة معكم.


                                                                      اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                     بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي 

32
 الرقم: 167/2020

    التاريخ: 23/12/2020

معايدة عيد الميلاد المجيد 2020

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام

وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل

وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب

اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

 

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

 

"رجاءُ الكونِ وافانا كطفلٍ بينَنا دنا، فقيرٌ ما له ثوبٌ وبالخيراتِ أغنانا"

    يعلّمنا الكتاب المقدس بأنّ الله افتقد شعبه على مدى العصور، رافقه في مسيرته الأرضية ببرٍّ وحنانٍ، وسنّ معه عهداً بالنبوءات المعبّرة عن توق الإنسانية إلى المسيح المخلّص. هذا ما يذكّرنا به بولس الرسول: "ولمّا تمَّ مِلء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً لإمرأة... لننالَ التبنّي" (غلا 4: 4).

    في عيد الميلاد، نقيم الاحتفال بإتمام وعد الله للبشرية بالحدث الخلاصي الأعجوبي: فالمولود من حشا العذراء الطوباوية مريم بقوّة الروح القدس، هو كلمةُ الله المتأنّس، "الكلمة صار بشراً وحلّ بيننا" (يو 1: 14)، يسوع أي "الله المخلّص". الذي حقّق بتنازله غير المُدرَك، أسمى ما يرجوه الإنسان، أن ينال التبنّي في الألوهية، فتتحقّق البادرة - المعجزة التي تفوق المفاهيم البشرية، سرّاً نقبله بالإيمان، لأنّ لا مستحيل لدى الله، المحبّة!

    ليلَ الميلاد، يضيء الملاك العتمةَ، ويبشّر رعاةَ بيتَ لحم بالحدث الأعجوبي الذي اشتاقت إليه الأجيال: ميلاد المسيح المنتَظَر ومعه بشرى الخلاص. وها نحن المسيحيين نحتفل بفرح العيد، فنسرع كالرعاة إلى المذود، ضارعين إلى مولود بيتَ لحم الإلهي، كي يمنحنا نعمةَ الرجاء "فوق كلّ رجاء"، فيُزيل ظلمةَ ليلنا الطويل، ويفيض علينا وعلى العالم بأسره بنعمه وبركاته، وينقذنا من الأمراض والأوبئة والأخطار. وهكذا ينعم الجميع بعامٍ جديدٍ ملؤه العافية نفساً وجسداً، والسلام والأمان والطمأنينة والاستقرار، ويعيش الأبرار بالفرح الروحي والوحدة والمحبّة والألفة.

    الرجاء هو الفضيلة الإلهية التي نحتاجها اليوم أكثر من أيّ يومٍ مضى، ونحن نتعايش في لبنان مع الأزمة تلوَ الأخرى. لم تكفِنا الصراعات السياسية والإنهيار الاقتصادي والفوضى الأمنية، حتى ابتُلِي البلد بانفجار مرفأ بيروت الإجرامي، والذي راح ضحيّته مئات القتلى وآلاف الجرحى من الأبرياء. بالرجاء نسعى كي نتلمّس حكمته تعالى، ونحن في ظلمة هذه المعاناة المخيفة، وفي خضمّ الوباء الكوني لفيروس "كورونا" الذي يستمرّ منذ قرابة عام، ناشراً الخوف والمرض والموت. ليس هذا الوباء مجرّد أزمةٍ، بل هو كارثةٌ لم نعرفها منذ عقودٍ، شلّت الحياة الإجتماعية والمعيشية التي اعتدنا عليها، وضاعفت من مُشكلات العائلة، وكبّلت العلاقات بين الدول، وبثّت الرعب واليأس في النفوس، لا سيّما المسنّين وذوي الأمراض.

    وليست الأوضاع أفضل في سوريا، حيث شروط الحياة الأساسية غائبة، وذلك بسبب تجدُّد أعمال العنف من قبل العصابات الإرهابية التي لا تزال مدعومةً مالياً وعسكرياً من دولٍ أجنبية. نحن ندين لامبالاة الدول الغربية تجاه معاناة المدنيين الذين عانوا الحصار طويلاً، بحجّة دعم المعارضة في انتفاضتها الدموية ضد حكومة شرعية! إلى المولود الإلهي، ملك السلام، نضرع كي يلهم الشعب السوري نعمة التغلُّب على الأحقاد والمراءاة، والإقرار بالأخطاء التي دمّرت بلدهم، فيتلاقوا بروح الرجاء الحقيقي لنهضةٍ بشريةٍ وعمرانيةٍ سيذكرها الأحفاد عبر التاريخ بافتخار.

    كما يسرّنا ونحن في بهجة الميلاد، أن نشارك إخوتنا وأخواتنا في العراق فرحتهم، وهم يستعدّون لاستقبال قداسة البابا فرنسيس في الزيارة البابوية الأولى لبلدهم الجريح، وسيزور قداسته في مستهلّ زياراته الكنسية، كاتدرائيةَ سيّدة النجاة (أمّ الشهداء) السريانية الكاثوليكية، كما سيتفقّد مسيحيي سهل نينوى في قره قوش، البلدة السريانية العريقة التي تضمّ أكبر تجمُّعٍ مسيحي في العراق. ومع جميع الذين يحبّون العراق الخارج من عتمة النزاعات والإنقسامات طوال عقدين من الزمن، نسأله تعالى أن يلهم المسؤولين فيه كي يعملوا بإخلاصٍ وشجاعةٍ على تخطّي جميع العقبات، لما فيه خير شعبهم، وسلامة العراق وازدهاره.

    في الميلاد الفرح والرجاء متلازمان، كما هو عنوان الوثيقة المجمعية "فرحٌ ورجاء"، للمجمع الفاتيكاني الثاني. الوثيقة التي تكشف لنا المعنى الحقيقي لمسيرتنا الأرضية، التي عليها أن تتطلّع دوماً نحو السماء، مسكننا الأبدي. واحتفالنا بعيد الميلاد هو عيش الرجاء الذي يبثّ في قلوبنا الفرح الدائم، مهما كثرت الآلام، وتعدّدت الضيقات. الرجاء يحتضن آمال البشرية المشروعة، ويسمو بالمؤمنين لتكون عيونهم مشدودةً نحو الملكوت السماوي، حيث لا وجعٌ ولا حزنٌ ولا يأسٌ، بل العزاء والفرح، بلقاء المخلّص الإلهي، ووالدته العذراء مريم وجميع الأبرار والشهداء.

    من الكرسي البطريركي في لبنان، نودّ أن نعبّر عن تمنّياتنا الحارّة وأدعيتنا الأبوية، إليكم يا إخوتنا وأبناءنا وبناتنا المبارَكين بالرب، في لبنان، وسوريا، والعراق، والأراضي المقدسة، والأردن، ومصر، والخليج العربي، وتركيا، كما في بلدان الإنتشار، في أوروبا والأميركيتين وأستراليا.

 

    وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

 

    كلّ عام وأنتم بألف خير. وُلِدَ المسيح! هللويا!

 

    اغناطيوس يوسف الثالث يونان

    بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

33
الرقم: 58/أس/2020
التاريخ: 14/12/2020

بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان احتفل بقداس عيد مار بهنام وسارة في كنيسة الرعية قي الفنار

البطريرك بونان: "إنّ المسؤولين الذين يدّعون الزعامة المسيحية في لبنان لم يكونوا على مستوى هذه المسؤولية التي أولاهم إيّاها الشعب، وعلى عاتقهم يقع جزءٌ كبيرٌ من المسؤولية عمّا وصل إليه لبنان في ظلّ هذا الوضع المعيشي والاجتماعي والسياسي المؤلم والذي لم نكن لنتوقّعه أبداً"

اعتبر صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، أنّ "المسؤولين الذين يدّعون الزعامة المسيحية في لبنان لم يكونوا على مستوى هذه المسؤولية التي أولاهم إيّاها الشعب... وعلى عاتقهم يقع جزءٌ كبيرٌ من المسؤولية عمّا وصل إليه لبنان في ظلّ هذا الوضع المعيشي والاجتماعي والسياسي المؤلم والذي لم نكن لنتوقّعه أبداً".
كلام البطريرك يونان جاء خلال احتفاله بقداس عيد مار بهنام وأخته سارة الشهيدين في كنيسة الرعية في الفنار - المتن، يعاونه صاحب السيادة مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، والآباء الكهنة، بحضور جمع من المؤمنين من أبناء الرعية.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، قال غبطة البطريرك يونان: "جئنا اليوم إلى بيت الله في هذه الكنيسة المباركة رغم التحدّيات التي تجابهنا، سواء هنا وفي لبنان كلّه وفي العالم، تحدّيات هذا الوباء، فيروس كورونا الذي انتشر ويزرع الرعب أينما كان"، معرباً عن فرحه بالاحتفال "بعيد القديسين الشهيدين مار بهنام وأخته سارة، شفيعَي الرعية، اللذين قدّما ذاتهما مع أربعين من رفاقهما، ذبيحةً تشارك الحمل الإلهي، ذبيحة الاستشهاد، في القرن الرابع الميلادي".
وذكّر غبطته "أنّ المسيحيين كان لهم الدور الكبير في تأسيس لبنان، لبنان الكبير، والذي نعلم كيف ضحّى هؤلاء المسيحيين كي يبقى لبنان مشعلاً للحرّية"، متأسّفاً لأنّه "لم تكن لدى المسيحيين الرؤية الحكيمة والشجاعة كي يعرفوا أن يستمرّوا بالحفاظ على لبنان الرسالة، لبنان الحرّية، لبنان الوطن لجميع المواطنين بالمساواة وبدون تمييز".
وتابع غبطته متناولاً الوضع في لبنان: "يحب أن نقرّ ونقرع صدورنا، لأنّ المسؤولين الذين يدّعون الزعامة المسيحية في لبنان لم يكونوا على مستوى هذه المسؤولية التي أولاهم إيّاها الشعب، وجميعنا نتكلّم، سواء سراً فيما بيننا أو علناً، مدركين أنّ على عاتق الزعماء والمسؤولين المسيحيين يقع جزءٌ كبيرٌ من المسؤولية عمّا وصل إليه لبنان في ظلّ هذا الوضع المعيشي والاجتماعي

والسياسي المؤلم والذي لم نكن لنتوقّعه أبداً"، مشدّداً على أنّنا "مع ذلك كلّه، سنبقى شعب الرجاء، وسنبقى تلاميذ الرب يسوع، غير ناسين ما يذكّرنا به مار بولس القائل: إن كان الله معنا فمن يقدر علينا".
ولفت غبطته إلى أنّنا "كنّا ونبقى أمناء للرب يسوع على مدى العصور، لسنا جدداً في الإيمان، بل نحن نحمل في قلوبنا ونفوسنا شعلة الإيمان التي أورثنا إيّاها آباؤنا وأجدادنا في الماضي، ونحن نعتزّ أن نحافظ على الأمانة لهذا التراث الروحي الذي ورثناه من أسلافنا البررة الذين عاشوا حياتهم بشكل يومي مضطهَدين ومظلومين، وحاولوا أن يبقوا دائماً أمناء للرب يسوع ولتعاليم الإنجيل وللوديعة والتراث والكنز الروحي في إيماننا المسيحي".
وتناول غبطته الأوضاع الراهنة في منطقة الشرق الأوسط: "نمرّ اليوم بأزمات كثيرة، مالية واقتصادية واجتماعية وسياسية. إنّنا نتذكّر أنّ المسيحيين، إن كانوا في سوريا أو في العراق، تحمّلوا ولا يزالون يعانون ويتحمّلون الكثير، لأنّهم أقلّيات ومكوّنات صغيرة، ونحن نفتخر أنّهم ظلّوا متجذّرين في أرضهم رغم كلّ الويلات التي حلّت بهم"، منوّهاً إلى أنّ "هذه التجربة التي يتعرّضون لها هي ترك البلاد التي لم تعرف أن تحميهم، لكنّنا نظلّ نذكّرهم ونذكّر الجميع أنّ آباءنا وأجدادنا تعذّبوا كثيراً من أجل التمسّك بإيمانهم بالرب يسوع، ونحن لن نتخلّى أبداً عن بلادنا في الشرق، عن لبنان وسوريا والعراق ومصر والأراضي المقدسة والأردن، بسبب الضغوطات المتنوّعة التي نتعرّض لها من جراء الإرهاب الذي حلّ في السنوات الأخيرة".
وأكّد غبطته أنّنا "نرافق إخوتنا وأخواتنا الذين لم يجدوا حلاً ومنفذاً سوى التهجير، نرافقهم بصلواتنا وأدعيتنا، ونسأل الرب أن يكون دائماً الحامي لهم وسبب سعادتهم في الحياة الدنيا"، لافتاً إلى أنّنا "يجب أن نكون ذوي مصداقية، فالمسيحيون في لبنان، هذا البلد الذي كان يجب أن يكون الملجأ لجميع المظلومين، لم يعرفوا للأسف أن يستقبلوا إخوتهم من البلاد التي تهجّروا منها ويوفّروا لهم الأمان والضمانة كي يعيشوا في لبنان بالحرّية الدينية الحقيقية والكرامة الإنسانية".
وفي نهاية القداس، منح غبطته البركة الختامية بذخيرة القديس بهنام، التي كان قد أحضرها معه من دير مار بهنام الشهير في سهل نينوى بالعراق لدى احتفاله بعيده في العام الماضي.




                                                أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

34

الرقم: 43/أس/2020
التاريخ: 10/9/2020

بيان صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

الأب فراس دردر مطراناً نائباً بطريركياً على البصرة والخليج العربي

صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية في بيروت ما يلي:

انتخب سينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية في دورته المنعقدة في دير سيّدة النجاة – الشرفة البطريركي في لبنان من 17 حتى 22/6/2019، الأب فراس دردر، كاهن رعية عمّان وسائر الأردن، مطراناً نائباً بطريركياً على البصرة والخليج العربي، وثبّت قداسة البابا فرنسيس هذا الانتخاب بتاريخ اليوم 10/9/2020.
سيتمّ تحديد الإحتفال بالسيامة الأسقفية للمطران المنتخَب في موعد يُعلَن عنه لاحقاً.
أحرّ التهاني للمطران الجديد، مع الدعاء له بخدمة صالحة ورسالة مثمرة لما فيه خير الكنيسة.

هذه نبذة وجيزة عن حياة المطران الجديد:

المطران فراس دردر
من مواليد قره قوش – نينوى، العراق، في 3 كانون الثاني 1975، والداه منذر دردر وزكية عتّوزة، وله شقيقة واحدة. تلقّى دروسه الإبتدائية في مدرسة قره قوش الأولى، والمتوسّطة في مدرسة ضرار ابن الأزوَر في بغداد، والثانوية في مدرسة نبوخذ نصّر في بغداد، حيث حصل على شهادة البكالوريا – الفرع الأدبي (1994)، والجامعية في كلّية الفنون الجميلة في جامعة بغداد حيث نال شهادة الإجازة (الليسانس) في الفنون الجميلة (1997).
دخل إكليريكية دير سيّدة النجاة – الشرفة، لبنان (2004)، وتابع دراسته الفلسفية في معهد القديس بولس – حريصا، واللاهوتية في كلّية اللاهوت الحبرية في جامعة الروح القدس – الكسليك حيث نال الإجازة (الليسانس) في الفلسفة واللاهوت (2008)، كما تابع الدراسة لسنتين في اختصاص الإعلام الكنسي في جامعة سانتا كروشيه في روما (2015-2017).
سيم شمّاساً إنجيلياً في 7 شباط 2008، بوضع يد سيادة المطران مار فلابيانوس يوسف ملكي، في كنيسة دير الشرفة، لبنان. ثمّ سيم كاهناً في 30 نيسان 2009، بوضع يد سيادة المطران مار باسيليوس جرجس القس موسى، وذلك بتفويض خاص من غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، في كنيسة الطاهرة الكبرى في قره قوش.



عيّنه غبطة البطريرك يونان أميناً للسرّ في البطريركية (2009-2015)، وكاهناً راعياً لإرسالية العائلة المقدسة للنازحين العراقيين والسوريين في لبنان (2009-2015) والتي ضمّت حينها أكثر من 1250 عائلة. وشملت خدمته جميع الأصعدة الرعوية والروحية والثقافية والاجتماعية، وأسّس مدرسة "ملائكة السلام" لإيواء وتعليم أكثر من 550 طالباً من أعضاء هذه الإرسالية، كما أشرف على إدارة بنايات خُصِّصَت للمهجَّرين مقدَّمة من البطريركية.
خدم أيضاً في الكنيسة الكلدانية في لبنان لمدّة سنتين، بطلب من سيادة المطران ميشال قصارجي مطران الكلدان في لبنان، وبموافقة غبطة البطريرك يونان، وقد عيّنه المطران قصارجي نائباً عامّاً للأبرشية.
بتوكيل من غبطة البطريرك يونان، وبالتعاون مع سيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا، رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي، قام الأب فراس بالاضطلاع وترتيب وتنظيم أوقاف نيابة البصرة والعمارة لمدّة 3 سنوات، هيّأ خلالها الإستثمارات (المساطحات) وعقود الإيجار اللازمة لتطوير هذه الأوقاف.
عيّنه غبطته كاهناً لرعية مار يوحنّا الرسول في هولندا (حزيران 2017 – تشرين الثاني 2018)، فقام بتأسيس عدّة إرساليات في مختلف مدن هولندا، لا سيّما الإرسالية الجديدة في مدينة هيرليين في جنوب هولندا، بالإضافة إلى الأخويات والأنشطة العديدة وتنظيم الأمور الرعوية والإدارية مع المجلس الرعوي.
اعتباراً من كانون الثاني سنة 2019، عيّنه غبطته لخدمة الرعية السريانية الكاثوليكية في عمّان وسائر الأردن، وكذلك رعاية النازحين العراقيين في الأردن، فجدّد ورمّم بيت الرعية الواقع في الأشرفية – عمّان، وقام باستئجار مكتب للعمل الرعوي في مدينة الهاشمي الشمالي، بالإضافة إلى إقامة النشاطات الرعوية المختلفة، وتأسيس نشرة رعوية شهرية باسم "الرجاء"، ولا يزال يخدم هذه الرعية حتّى تاريخه.
يتقن اللغات السريانية والعربية، ويلمّ بالإيطالية والإنكليزية.





                                                  أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

35
الرقم: 28/أس/2020
التاريخ: 5/8/2020

بيان صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

البطريرك يونان يستنكر بأشدّ العبارات الإنفجار المروّع الذي وقع في مرفأ بيروت

البطريرك يونان: "نهيب باللبنانيين، وبمن تبقّى من المسؤولين النزيهين وغير الفاسدين في بلدنا، إن وُجِدوا، للقيام بما تمليه عليهم مسؤولياتهم الوطنية، ومدّ يد المساعدة لإغاثة بيروت المنكوبة وسكّانها"

بعد وقوع الإنفجار الضخم الذي هزّ لبنان عامّةً ومدينة بيروت وضواحيها بشكل خاص، توجّه صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالتصريح التالي:
"بمزيد من الألم وبحزن كبير، نأسف ونستنكر بأشدّ العبارات الإنفجار المروّع الذي وقع مساء البارحة في العنبر 12 في مرفأ بيروت، وهزّ بعنف شديد مدينة بيروت وضواحيها، بل لبنان بأسره، وأدّى إلى استشهاد المئات وجرح الآلاف، وأوقع كمّاً هائلاً جداً من الأضرار والخسائر الجمّة.
إنّنا نتقدّم من جميع اللبنانيين الذين عرفوا النكبات من كلّ نوع في السنوات الأخيرة، ولا سيّما من عائلات الشهداء وذويهم، بالتعزية الحارّة، ونرفع الصلاة والتضرّع من أجل شفاء جميع الجرحى والمصابين، والعثور على المفقودين وإنقاذهم. ونثمّن كلّ عمليات الإغاثة والإسعاف والمساعدة التي قُدِّمت وتُقدَّم للمتضرّرين، وبخاصّة لسكّان بيروت وضواحيها.
كما نهيب باللبنانيين، وبمن تبقّى من المسؤولين النزيهين وغير الفاسدين في بلدنا، إن وُجِدوا، للقيام بما تمليه عليهم مسؤولياتهم الوطنية في معالجة تداعيات هذا الإنفجار المروّع، ومدّ يد المعونة والمساعدة لإغاثة بيروت المنكوبة وسكّانها، مناشدين أبناء الوطن جميعاً أن يلتفّوا في بوتقة واحدة للعمل يداً بيد، بروح التآلف والإخاء، لنجدة لبنان الذي ينهار، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ونتوجّه إلى الأسرتين العربية والدولية وجميع ذوي الإرادة الحسنة، أن يهبّوا لمساعدة المنكوبين، فها هي بيروت تستغيث، فأنجدوها! ونحن نشكر ونثني على كلّ المبادرات التي قدّمها العديد من الدول الشقيقة والصديقة والمنظّمات العالمية.
ومن جهتنا، فقد وجّهنا جميع أولادنا الروحيين من الإكليروس والعلمانيين في الرعايا والكنائس والمؤسّسات الكنسية إلى تقديم المساعدة لكلّ المحتاجين، واضعين إمكانياتنا المتاحة كلّها في تصرّفهم.
إلى الرب يسوع نلتجئ، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة النجاة، راجين للبنان وشعبه الحماية والخلاص، واثقين من وعد الرب القائل: لا تخافوا... ها أنا معكم كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر".

أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

36
الرقم: 27/أس/2020
التاريخ: 3/8/2020
بيان صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

البطريرك يونان يستقبل سفيرة الولايات المتّحدة الأميركية في بيروت دوروثي شيا
صباح الإثنين ٣ آب ٢٠٢٠، استقبل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، سعادة سفيرة الولايات المتّحدة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، في مقرّ الكرسي البطريركي في دير سيّدة النجاة - الشرفة، درعون - حريصا، لبنان.
خلال اللقاء، رحّب غبطته بسعادة السفيرة، معرباً عن تقديره لما تؤدّيه من نشاط في تمثيل بلادها في لبنان في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها، مثمّناً مواقف وأعمال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا سيّما فيما يتعلّق بتعزيز ودعم الحقوق والحرّيات والدفاع عنها، وبخاصّة الدينية، ومثنياً على القرار التنفيذي الذي اتّخذه الرئيس ترامب في هذا الإطار منذ بضعة أسابيع، ومعرباً عن أمله في أن تساعد الإدارة الأميركية في الدفاع عن مسيحيي الشرق، كي يتابعوا الشهادة لإيمانهم بالرب يسوع، ويعيشوا في أرضهم بالحرّية والمساواة مع سائر المواطنين، بالاحترام المتبادل وبقبول بعضهم البعض، لأنّ غياب حضور المسيحيين عن أرضهم الأمّ في الشرق يُخسِر الشرقَ أعرق حضاراته وثقافاته وشعوبه.
وأكّد غبطته على أهمّية قول الحقيقة بالمحبّة، مشدّداً على ضرورة فصل الدين عن الدولة في أنظمة الحكم في بلدان الشرق الأوسط، مركّزاً على أنه سيبقى ينادي بالحقّ، إذ ليس لدينا نحن السريان طموح بمنصب أو سعي لمكسب سياسي، إنّما غايتنا خدمة الوطن وإعلاء شأنه.
وتناول غبطته تاريخ الكنيسة السريانية الكاثوليكية في لبنان وبلاد الشرق والغرب، وكذلك أبرز الأعمال التي تقوم بها البطريركية لمساعدة أبنائها في هذه الظروف العصيبة التي يعانيها لبنان والشرق.
وردّاً على استفسار لسعادة السفيرة حول رأي غبطته بخصوص موضوع الحياد الذي يجري الحديث عنه في لبنان في هذه الأيّام، عبّر غبطته عن تأييده الكامل لطرح الحياد الفاعل والناشط للبنان، مشيراً إلى ضرورة أن يكون ولاء جميع اللبنانيين بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم إلى لبنان كوطن نهائي لهم، بعيداً عن أيّ انحياز لأيّ جهة إقليمية أو دولية أو سواها.
وتمنّى غبطته للولايات المتّحدة كلّ الخير والنجاح، وللبنان العودة إلى سابق عهده من الازدهار والتطوّر، كي يبقى الوطن الرسالة للشرق وللغرب على السواء.
ومن جهتها، شكرت سعادةُ السفيرة غبطتَه على حفاوة الاستقبال، معربةً عن سرورها بالتعرّف عن قرب على الشعب السرياني العريق والمتجذّر في الشرق، منوّهةً إلى أنّ الإدارة الأميركية تكنّ كلّ الاحترام والتقدير للبنان بسائر مكوّناته، وأنّها كممثّلة لبلادها تسعى دائماً إلى نشر الحقيقة وبناء جسور التعاون والألفة مع الجميع، ومعبّرةً عن تفهّمها الكامل وتقديرها لكلام غبطته ومواقفه، ودعم بلادها للحرّيات على أنواعها وللتآلف بين جميع المكوّنات.
وتمنّت سعادتها لغبطته ولأبناء كنيسته الصحّة والعافية وكلّ الخير، رغم الأوضاع العصيبة الناتجة عن تفشّي وباء كورونا، إلى جانب ما يعانيه لبنان وشعبه من أزمات سياسية واقتصادية ومالية ومعيشية خانقة، مع الرجاء أن يعود لبنان إلى استقراره وازدهاره.
                                                         
                                                            أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

37
الرقم: 40/2020
التاريخ: 8/4/2020
ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܒ̱ܟ
رسالة عيد القيامة المجيدة 2020

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار
نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

«ܢܡܽܘܬ ܥܰܡ ܡܫܺܝܚܳܐ ܕܢܺܚܶܐ ܥܰܡܶܗ»
"نموت مع المسيح لنحيا معه" 

1.   مقدّمة
في مستهلّ رسالتنا هذه، يطيب لنا أن نتقدّم بأحرّ التهاني والتمنّيات بمناسبة عيد قيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات، إلى جميع إخوتنا وأبنائنا وبناتنا في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والأميركتين وأستراليا، رافعين الدعاء إلى ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح القائم من الموت، كي يزيل وباء كورونا الذي يهدّد حياة البشر في كلّ مكان، ويفيض عليهم جميعاً نِعَمه غزيرةً، ليتابعوا مسيرتهم بالشهادة لنور قيامته رغم الصعوبات والتحدّيات، فيعيشوا بالوحدة والمحبّة والفرح والسلام.
في أسبوع الآلام نستذكر بحزن وخشوع ورهبة ما عاناه ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح من آلام ليخلّصنا ويصالحنا مع الله الآب بعدما كثرت خطايا البشر، ولم تنفع معهم التنبيهات التي وجّهها الله إليهم على لسان الأنبياء كي لا يهلك الجنس البشري. لذا شاء، بفائق رحمته، أن يتأنّس ابنه الوحيد ويتمّم تدبيره الخلاصي بموته مصلوباً وبقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث، ليفتدينا ويعيد إلينا بنوّتنا وغاية وجودنا.
مع آلام الرب يسوع نعيش تأوين الحدث الخلاصي الذي فيه انتصر فادينا على سلطان الموت وشوكة الخطيئة، فحرّرنا من العبودية ووهبنا الحياة. وما هو أحد القيامة إلاّ "عيد إزالة الحجارة"، كما يسمّيه قداسة البابا فرنسيس، فيقول: "إنّ الله يزيل أصعب حجارة، التي تتحطّم عليها الآمال والتطلّعات: الموت، والخطيئة، والخوف، والدنيوية. فلا ينتهي تاريخ البشرية أمام حجر القبر، لأنّه يكتشف في هذا العيد من هو "الحجر الحيّ" (راجع 1بط 2: 4)، أي يسوع المنبعث من بين الأموات".
2.   قيامة المسيح: البرهان الأصدق لألوهيته
إنّ نصوص العهد الجديد بكلّيتها هي شهادة حيّة لسرّ الفداء: آلام المسيح وموته وقيامته. لذا يعطي مار بولس رسول الأمم أهمّية كبرى لظهورات المسيح القائم، كشرط أساسي للإيمان به، إذ قد انبعث من القبر تاركاً الأكفان واللفائف مرتّبة. من هنا، فالتبشير بالقيامة يرتكز على واقعَيْن أساسيَّيْن: شهود القيامة، والقبر الفارغ. يشهد هذان الواقعان على أنَّ المسيح الذي مات وشاهده التلاميذ مطعوناً، قد قام وغلب الموت.


قيامة المسيح من بين الأموات هي البرهان الأصدق على ألوهيته، فهو القائل: "أنقضوا هذا الهيكل، وأنا أقيمه في ثلاثة أيّام" (يو2: 19). وهي عربون لقيامتنا من بين الأموات: "فإذا كنّا قد متنا مع المسيح، فإنّنا نؤمن بأنّنا سنحيا معه" (رو6: 8).
إنّ طريق حياة المؤمن المسيحي هي طريق قيامة من الموت، بالرغم من ضرورة الموت وحمل الصليب فيها، لأنّ شريكنا في الطريق هو المسيح الذي نموت معه، فيمنحنا حياةً جديدةً، على مثال حبّة الحنطة التي تموت لتعطي ثمراً كثيراً (يو 12: 24).
وفي هذا الصدد، يتأمّل مار أفرام السرياني هاتفاً: «ܐܰܝܟ ܚܶܛܬܳܐ ܒܩܰܒܪܳܐ ܣܳܡܽܘܟ܆ ܘܰܐܝܟ ܢܽܘܪܳܐ ܒܒܺܐܪܳܐ ܛܰܡܪܽܘܟ. ܣܶܠܩܰܬ݀ ܚܶܛܬܳܐ ܒܣܰܓܺܝ̈ܶܐܐ܆ ܘܰܐܣܩܰܬ݀ ܟܰܦܳܐ ܕܬܰܘܕܺܝܬܳܐ. ܨܶܡܚܰܬ݀ ܢܽܘܪܳܟ ܒܓܰܘ ܩܰܒܪܳܐ܆ ܘܰܐܢܗܪܰܬ݀ ܠܟܽܠܗܶܝܢ ܒܶܪ̈ܝܳܬܳܐ» (ܒܳܥܽܘܬܳܐ ܕܡܳܪܝ ܐܰܦܪܶܝܡ܆ ܥܶܕܳܢܳܐ ܕܰܬܪܶܝܢ ܕܠܺܠܝܳܐ ܕܰܬܪܶܝܢ ܒܫܰܒܳܐ ܕܚܶܘܳܪ̈ܶܐ). وترجمتها: "وضعوك في القبر كحبّة الحنطة، ومثل النار في البئر طمروك. نمت الحنطة كثيراً، فرفعت أكفّ الشكران. أشرقت نارك داخل القبر، فأنارت البرايا بأسرها" (من باعوث أي طلبة مار أفرام، في القومة الثانية من ليل إثنين البياض أي إثنين القيامة، كتاب الفنقيث وهو صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الرابع، صفحة 365-366).
3.   قيامة الرب: انعتاقنا من عبودية الخطيئة
ما من شكّ في أنّ الموت كفكرة وكحقيقة لدى عامّة الناس هو لغز الحياة الدنيا الأصعب وواقع ملؤه الخوف والرهبة. فالموت ينهي حياة الإنسان ومشاريعه وأحلامه في الاستمرار وتشبّثه بالبقاء على الأرض. ولكنّ الموت في قناعة المؤمنين هو جسر العبور الذي ينقلهم من هذه الحياة الفانية إلى الأبدية في ملكوت الآب السماوي. "أن نموت مع المسيح" ما هي إلا دعوة لنا بأن نموت عن الخطيئة التي تشوّه صورة الخالق فينا. فالخطيئة تغرينا وتعدنا بالسعادة والنجاح، إلا أنّها لا تترك في داخلنا سوى الوحدة واليأس والموت.
أن نموت عن الخطيئة يعني أن نخلع إنساننا العتيق ونلبس الإنسان الجديد، فنتّخذ قراراً بأن نقاوم الميل إلى الشرّ، ونبتعد عن الخطيئة التي تقف حاجزاً بيننا وبين النعمة، كحجر على مدخل القلب، يمنع دخول النور الإلهي إليه. لأنّنا إن كنّا في المسيح، نصبح خليقةً جديدةً (راجع 2كور 5: 17)، فلا نعيش حرماناً أو خسارةً، بل نمتلك الغلبة بالمسيح المنتصر على الموت.
ولنا خير مثال شهداؤنا عبر القرون والأجيال، إذ ارتضوا أن يحملوا الصليب مقتفين في حياتهم إثر المعلّم الصالح، الرب يسوع. فأدّوا الشهادة للإيمان في أحلك الظروف وأقساها، باذلين حياتهم في سبيل مخلّصهم، حتّى سفك الدم، معتبرين أنّ الموت مع المسيح ومن أجله ربح، والحياة بمعزلٍ عنه خسارة (راجع في 1: 21).
4.   آلامه تحيينا
لقد ذاق المسيح كأس الآلام المرّ ومات على الصليب حبّاً بنا، فاستسلم لمشيئة أبيه السماوي، وهذا الاستسلام الكلّي بين يدَي الآب جعله يتجرّع كأس الموت، ليكون لنا المثال في اقتبال الموت عن الذات والخطيئة، وفي احتمال الصليب في حياتنا، لأنّنا إن كنّا واثقين بأنّنا نشاركه في آلامه، فسنثق بأنّنا سنشاركه في مجده أيضاً (رو 8: 17). وبهذا الصدد، يعتبر قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر أنّ "المسيحيّة ليست دين الرخاء، بل دين الرجاء. فالمسيحي لا ينجو من آلام هذه الحياة، ولكنّه يواجهها بهدي نور رجاء قيامة المسيح، مؤمناً بأنّه إذا متنا معه فسنحيا معه أيضاً".
فبالرغم من الألم والمعاناة والموت، نترجّى القيامة مع المسيح الذي أقام لعازر وابن أرملة نائين وابنة يائيروس، ثمّ قام بذاته من بين الأموات. ونكتفي بنعمته (راجع 2كور 12: 9) التي لا يمكننا أن نتجاهلها أو نبتعد عنها، فبالنعمة نلنا الخلاص والمجد مع الله، إذ أنّ جميع الأشياء تعمل معاً لخير الذين يحبّون الله (راجع رو 8: 28). ونحن نثق أنّ يسوع لا يتركنا وسط


العاصفة، فما علينا سوى انتظار خلاصه بالصبر، لأنّ "مَن يصبر إلى المنتهى يخلص" (مت 24: 13). ومهما اشتدّت التجارب والمحن، نثبت في إيماننا، لأنّ فادينا أمين ولا يسمح أن نُجرَّب فوق طاقتنا، بل يشدّدنا بقوّة روحه القدوس الذي يعيننا على تحمّل التجارب (1كور10: 13). لذا نجدّد رجاءنا "فوق كلّ رجاء" بالرب يسوع القائم الذي وعدنا أن يبقى معنا "كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20)، فلا نخاف لأنّه قد غلب العالم (راجع يو 16: 33).
يتغنّى مار يعقوب السروجي على لسان البشر جميعاً بالحيّ الذي بآلامه وموته منحهم الحياة، فيقول: «ܟܽܠ ܒܶܪ̈ܝܳܬܳܐ ܢܩܰܪ̈ܒܳܢ ܫܽܘܒܚܳܐ ܒܩܳܠܳܐ ܪܳܡܳܐ܆ ܠܚܰܝܳܐ ܩܛܺܝܠܳܐ ܕܰܨܒܳܐ ܕܢܶܗܘܶܐ ܡܺܝܬܳܐ ܒܰܫܝܽܘܠ. ܚܰܝ̈ܶܐ ܘܡܺܝ̈ܬܶܐ ܠܳܟ ܗ̱ܘ ܣܳܓܕܺܝܢ ܕܰܐܚܺܝܬ ܐܶܢܽܘܢ܆ ܘܰܡܒܰܪܟܺܝܢ ܠܶܗ ܠܰܐܒܳܐ ܕܫܰܠܚܳܟ ܘܰܠܪܽܘܚܩܽܘܕܫܳܐ» (ܒܳܥܽܘܬܳܐ ܕܡܳܪܝ ܝܰܥܩܽܘܒ܆ ܥܶܕܳܢܳܐ ܕܰܬܠܳܬܳܐ ܕܠܺܠܝܳܐ ܕܫܰܒܬܳܐ ܕܣܰܒܪ̈ܳܬܳܐ). وترجمتها: "تقدّم البرايا برمّتها المجد بصوتٍ مرتفعٍ، إلى الحيّ المقتول الذي شاء أن يكون ميتاً في الهاوية. يسجد لك الأحياء والأموات لأنَّك أحييتَهم، ويباركون الآب الذي أرسلك والروح القدس" (من باعوث أي طلبة مار يعقوب السروجي، في القومة الثالثة من ليل سبت البشائر أي سبت النور، كتاب الفنقيث وهو صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الرابع، صفحة 301).
5.   مفاعيل القيامة في حياة المؤمن
القيامة تبيّن لنا معنى سرّي التجسّد والفداء، ومن هنا مفاعيلها وأهمّيتها في حياتنا كمؤمنين مدعوّين للمشاركة في عمق وجودنا بسرّ موت المسيح وقيامته. فمن خلال اختبار الألم في حياتنا وتسخيره لمعنىً خلاصي، نستطيع أن نتعمّق في معاني حياتنا وفي الرجاء العظيم الذي يولّده فينا المسيح المصلوب والمنبعث لأجل خلاصنا.
إن مُتنا مع المسيح، فنحن نؤمن أنّنا سنحيا معه أيضاً. فالمسيح الذي مات كفّارةً عن خطايانا، صار هو حمل الله الذي رفع خطيئة العالم (يو 1: 29)، وغلب الموت الذي لم يبقَ له سلطانٌ علينا نحن المؤمنين. يدعونا الربّ للنهوض والإيمان بأنَّنا خُلِقنا للسماء، وليس للأرض، خُلِقنا من أجل عظمة الحياة، وليس من أجل ضِعة الموت.
في فعل الحبّ الأسمى، حقّق يسوع الهدف الذي تسعى نحوه إنسانيتنا، فلبس ضعفنا البشري، وهو ابن الله، وعُلِّق على صليب العار ما بين لصّين ليموت كمجرمٍ، ويقوم بالمجد من بين الأموات، ويمنحنا السلام والحياة الخالدة. هذا هو المعنى الأسمى للحبّ المتجلّي ببذل الذات عن الأحبّاء، هذا الحبّ دُفِعَ ثمنه دمٌ بريءٌ: "لقد أحبّنا نحن الذين في العالم، وأحبّنا للغاية" (راجع يو 13: 1).
6.   صدى العيد هذا العام
أيّها الأحبّاء، إنّ وباء كورونا الذي يجتاح عالمنا اليوم ويفتك بالآلاف من البشر يذكّرنا بالأوبئة التي عصفت بالعالم على مرّ الأزمنة، إلا أنّنا وبقوّة ربّنا يسوع المنتصر على الموت سنتغلّب عليه لا محالة، وستعود دورة الحياة إلى طبيعتها. ويا ليت المتحكّمين بشؤون الناس في هذا العالم يتّعظون، فيترفّعون عن أنانياتهم ومصالحهم الضيّقة، ويدركون أنّ جبروتهم مهما عظم فهو صغيرٌ جداً أمام فيروس لا تراه العين المجرّدة، لكنّه تفشّى في الكرة الأرضية بسرعة مهولة.
نعم، لقد أجبرَنا هذا الوباء المخيف الذي انتشر في العالم أن نكتفي بإقامة الصلوات والقداديس في الكنائس وحدنا مع الإكليروس من دون مشاركةٍ عامّةٍ للمؤمنين، وكنّا نودّ أن نجتاز زمن الصوم الكبير وأسبوع الآلام الخلاصي بشراكة إيمانية وصلوات جماعية معاً، بمسيرة إيمانٍ ورجاءٍ نحو فرح عيد القيامة المجيدة، لكنّ العناية الإلهية سمحت أن نُجرَّب كما غيرنا من الشعوب في مختلف أنحاء العالم، فنبقى محجورين في منازلنا، حفاظاً على سلامتنا وسلامة الآخرين، وتماشياً مع الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي اتّخذتها الحكومات وتجاوبت معها توصيات الرعاة الكنسيين. ولا شكّ أنّ لهذا الحجر المنزلي


نتائج سلبية على معيشة الأفراد والجماعات، إلا أنّنا نستطيع أن نحوّله إلى زمن بركة ونعمة، معزّزين أواصر اللحمة العائلية وعلاقات الأخوّة والصداقة والمحبّة فيما بيننا.
إنّنا نضرع إلى الربّ الإله القدير أن يزيل هذه النكبة المخيفة عن الكنيسة ومجتمعاتنا وبلداننا والعالم، فيشفي المصابين بوباء كورونا، ويرحم الذين رقدوا من جرائه، ويحمي البشرية من تفشّي هذا الوباء الخطير، ويحدّ من انتشاره، ويعضد الأطبّاء والممرّضين والممرّضات ومساعديهم في عملهم البطولي لمجابهته، ويلهم الباحثين والعلماء لإيجاد الدواء الشافي واللقاح الناجع بأسرع وقت. كما نذكّر أعزّاءنا المؤمنين بأهمّية الصلاة الشخصية والعائلية في هذه الظروف العصيبة، فيحيا الجميع إيمانهم ويفعّلونه بالمحبّة المتبادلة والمشاركة الروحية.
وبعد أن تنتصر البشرية بقوّة ربّنا يسوع المسيح القائم من الموت على هذا الفيروس، نضع نصب أعين المسؤولين المدنيين عن شعوبنا مصلحةَ أبنائنا وجميع إخوتهم في مختلف البلدان.
ففي لبنان الغارق بمواجهة فيروس كورونا، ندعو السلطة القائمة المنشغلة بتوزيع ما تبقّى من مغانم سلطوية على أركانها، ومنهم من يهدّد بالاستقالة من مسؤولياته إن لم ينل حصّته من هذه الجبنة المهترئة المسمّاة "التعيينات"، إلى تفعيل عملها لمجابهة هذا الفيروس والتشدّد في الخيارات، حتّى ولو وصل الأمر إلى اتّخاذ القرار بإعلان حالة الطوارئ لوقف انتشاره وتمدّده وعدم التعامل معه باستهتار واستخفاف. وعلى المسؤولين ألّا يغفلوا واجبهم الملحّ بمعالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمصرفية التي تعصف بالوطن. فيكفي الشعب اللبناني ما يتعرّض له من الإذلال والاستجداء على أبواب المصارف للحصول على مدّخراته التي هي حقّه، وهو بأمس الحاجة إليها في ظلّ هذه الأزمة الخانقة.
إنّنا ندعو الشعب اللبناني الحرّ والمنتفض إلى إعلاء صوته كي يصل إلى أسماع الحكّام وضمائرهم، فتستيقظ النخوة والوطنية في نفوسهم، ويكفّوا عن ممارساتهم، ويرضخوا لمطالب الناس، لتتمّ فور الانتصار على هذا الفيروس، الدعوة إلى تشكيل سلطة نزيهة وكفوءة خارج قيد المحاصصات والصفقات، يكون همّها الأول والأخير المواطن اللبناني وحماية مصالحه وتأمين استقراره وعيشه الكريم المستَحَقّ، ومحاربة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الأموال المنهوبة.
وفي سوريا الجريحة، نجدّد نداءنا بوجوب وقف كلّ النزاعات المسلَّحة، وندعو القوى العالمية المتقاتلة فيما بينها إلى الامتناع عن استعمال سوريا ساحةً لصراعات الآخرين على أرضها. كما ندعم كلّ الجهود الرامية لإنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من تسع سنوات وفقاً مصلحة الشعب السوري، عبر المصالحات الصادقة، بهدف صيانة البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها، لتعود سوريا إلى سابق عهدها من الازدهار وتبنّي التعدّدية، ومساحةً للتلاقي بين مختلف مكوّنات الشعب السوري.
أمّا العراق الحبيب، فشعبه يصارع منذ عشرات السنين لاستعادة العيش الحرّ والكريم والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وبعد أن تخلّص من احتلال المجموعات الإرهابية لقسم من أراضيه، لا يزال يطالب بحكمٍ نزيهٍ وحكّامٍ غير فاسدين. إنّنا نصلّي من أجل تشكيل حكومة جديدة تلاقي تطلّعات جميع المواطنين وتلّبي المطالب المشروعة للمنتفضين، وتؤمّن حقوق المواطنة السليمة لجميع مكوّنات الشعب العراقي، على اختلاف انتماءاته السياسية ومعتقداته الدينية.
وتتّجه أنظارنا إلى الأرض المقدسة، وندعو إلى أن تسود فيها ثقافة المسامحة وقبول الآخر، مؤكّدين على أهمّية أن تبقى القدس عاصمةً للدولتين، وأن يتعزّز السلام في الأرض التي قدّسها الرب يسوع بميلاده وكرازته وموته وقيامته.
وفي الأردن، نشكر السلطات على ما تبذله من جهود لتوطيد ثقافة قبول الآخر وقيم المواطنة، ساعيةً إلى تحقيق التضامن والتلاحم بين مختلف مكوّنات الوطن.


وكذلك مصر التي يسعى المسؤولون فيها أن يعزّزوا التضامن بين مكوّنات شعبها، مثنين على جهودهم في تأمين الحرّية والأمان لسائر المواطنين، بالأخوّة والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات.
وفي تركيا، حيث يتابع أبناؤنا الشهادة لإيمانهم والحفاظ على تراثهم العريق في أرض آبائهم وأجدادهم، فإنّنا نسأل الله أن يشدّدهم ويقوّي عزيمتهم كي يبقوا علامة الثبات والتمسّك بالجذور.
ونوجّه أفكارنا واهتمامنا إلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، ونثمّن جهودهم في سبيل الحفاظ على إيمانهم وتقاليد آبائهم وأجدادهم التي حملوها معهم من بلاد المنشأ في الشرق. كما نقدّر التحدّيات الجمّة التي يواجهها القادمون الجدد منهم، مؤكّدين سعينا الدائم لتأمين الرعاية الروحية والاهتمام الراعوي اللازم لهم، ونحثّهم على تربية أولادهم وتنشئة عائلاتهم بما تربّوا عليه من المبادئ السامية.
ولا ننسى أن نذكر بعواطف المحبّة والتضامن أبناءنا وبناتنا الذين يعانون من جراء النزوح والهجرة والإقتلاع من أرض الآباء والأجداد، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات. كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفة وكهنة وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي تعاني بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
7.   خاتمة
وخير ما ننهي به صلاةٌ نوجّهها إلى مخلّصنا الذي فدانا بموته وقيامته، مع مار أفرام السرياني الذي نحيي هذا العام اليوبيل المئوي لإعلانه ملفاناً للكنيسة الجامعة، بالرسالة الحبرية التي وجّهها قداسة البابا بنديكتوس الخامس عشر في 5 تشرين الأول عام 1920: «ܒܚܽܘܒܳܐ ܐܰܫܘܳܢܝ ܕܶܐܙܡܰܪ ܠܳܟ ܒܰܩܝܳܡܬܳܟ ܒܰܪ ܐܰܠܳܗܳܐ܆ ܚܽܘܒܳܟ ܡܳܪܝ ܢܰܓܕܳܟ ܕܬܺܐܬܶܐ ܠܰܙܩܺܝܦܳܐ ܘܚܰܫܳܐ ܘܡܰܘܬܳܐ. ܒܚܽܘܒܳܐ ܢܰܘܕܶܐ ܠܝܳܠܽܘܕܳܟ ܕܰܒܪ̈ܰܚܡܶܐ ܫܰܠܚܳܟ ܨܶܐܕܰܝܢ. ܚܳܕܝܳܐ ܥܺܕܬܳܐ ܥܰܡ ܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܕܰܫܘܳܬ ܕܬܶܚܙܶܐ ܢܽܘܚܳܡܳܟ܆ ܫܰܝܢܳܟ ܢܶܫܪܶܐ ܒܣܳܚܪ̈ܳܬܳܗ̇ ܘܰܫܠܳܡܳܟ ܢܶܗܘܶܐ ܫܽܘܪܳܗ̇. ܘܟܰܢܶܫ ܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܠܓܰܘ ܥܽܘܒܳܗ̇܆ ܘܒܰܛܶܠ ܡܶܢܳܗ̇ ܡܰܟܫܽܘ̈ܠܶܐ» (ܒܳܥܽܘܬܳܐ ܕܡܳܪܝ ܐܰܦܪܶܝܡ܆ ܬܠܳܬܫܳܥܺܝ̈ܢ ܕܚܰܕ ܒܫܰܒܳܐ ܪܰܒܳܐ ܕܰܩܝܳܡܬܳܐ). وترجمتها: "بالحبّ أهّلني أن أرنّم لك في عيد قيامتك يا ابن الله، فحبّك دفعك كي تأتي إلى الصلب والألم والموت. بالحبّ نشكر والدك الذي بمراحمه أرسلك إلينا. تفرح الكنيسة مع أولادها لأنّها استحقّت أن تعاين انبعاثك، فليملك أمنك في حناياها، وليكن سلامك سوراً لها. واجمع أولادها داخلها، وأبعد عنها الشقاقات والخصومات" (من باعوث أي طلبة مار أفرام، في صلاة الساعة الثالثة من أحد عيد القيامة، كتاب الفنقيث وهو صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الرابع، صفحة 353-354).
وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم.    كلّ عام وأنتم بألف خير.
ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ           المسيح قام من بين الأموات... حقّاً قام

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت – لبنان
في اليوم الثامن من شهر نيسان سنة 2020
وهي السنة الثانية عشرة لبطريركيتنا

                                                        اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                   بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

38

الرقم: 36/2020
التاريخ: 1/4/2020
تدابير راعوية وتوصيات عملية
لاحتفالات أحد الشعانين وأسبوع الآلام وعيد القيامة المجيدة 2020

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
نكتب إليكم في هذه الأيّام العصيبة التي يعاني فيها العالم بأسره من التفشّي الخطير لوباء كورونا، ما يستوجب التقيّد بالتعليمات والتوجيهات التي تضعها الحكومات والجهات المسؤولة في كلّ بلد بهدف الحدّ من انتشار هذا الوباء.
إنّنا بدورنا نؤكّد عليكم أن تقوموا في أبرشياتكم ورعاياكم وإرسالياتكم بالتقيّد التامّ بهذه التوجيهات، وخاصّةً ملازمة المنازل، حفاظاً على سلامة الجميع وتجنُّب العدوى.
ويهمّنا أن نذكّركم بالتعليمات الواردة في البيان الذي أصدرناه مع إخوتنا أصحاب القداسة والغبطة البطاركة ورؤساء الكنائس المسيحية في سوريا ولبنان في 21/3/2020، وهي تشمل أيضاً المؤمنين في كلّ البلدان، مع ضرورة الإلتزام بها، وقد تضمّنت: ضرورة التقيّد الكامل بالتعليمات الصحّية الرسمية، وتعليق المشاركة الجماعية في الخدمات والصلوات العامّة بما فيها القداديس في كلّ الكنائس، وإقامة الجنّازات في كنائس المدافن حصراً (إن وُجِدت) بحضور كاهن الرعية وذوي الفقيد دون تقبُّل التعازي، وإيقاف كافّة الاجتماعات والأنشطة من أمسيات ورحلات واحتفالات ومعارض ومسابقات وسواها، والابتعاد عن كلّ أنواع التجمّعات والتزام البقاء في المنازل، وذلك للوقاية من خطر الوباء، مكثّفين الصلوات حفاظاً على سلامتهم وذويهم.
والآن نوجّه إليكم بعض التوصيات والتعليمات المتعلّقة بإقامة الاحتفالات والرتب الكنسية والقداديس في أحد الشعانين وأسبوع الآلام وعيد القيامة المجيدة لهذا العام 2020 في كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، راجين منكم أن تلتزموا بها:
1- ضرورة الإكتفاء بإقامة هذه الصلوات والرتب والقداديس من قِبَل الإكليروس وبعض الشمامسة في كنائسهم دون مشاركة عامّة للمؤمنين، على أن يحافظ أعضاء الإكليروس خلال هذه الاحتفالات على مسافة آمنة بين بعضهم البعض، ولا يتبادلوا السلام باليد، ولا يقوموا بتقبيل الإنجيل المقدس أو الصليب أو الأيقونات، وأن يستعملوا بحذر الأواني والثياب والكتب والأدوات المشتركة، مع إجراء التعقيم اللازم عند الضرورة. أمّا المؤمنون فلا يحضرون، إنما يشاركون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ويهمّنا أن نعلمكم بأنّنا سنقيم في كنيسة الكرسي البطريركي في بيروت كلّ هذه الاحتفالات الكنسية وسواها من قداديس الآحاد والأعياد والأيّام العادية، طيلة هذه الفترة العصيبة، وسيتمّ بثّها مباشرةً عبر الصفحة الرسمية للبطريركية على موقع الفايسبوك، وهي تحت اسم: Syriac Catholic Patriarchate. وسيصدر عن أمانة سرّ البطريركية جدول يتضمّن تفاصيل مواعيد هذه الاحتفالات الليتورجية، فيمكن توجيه المؤمنين للمشاركة عبر حضور هذه المناسبات، خاصّةً في الرعايا حيث تتعذّر إقامة الإحتفالات.
2- أحد الشعانين: إقامة القداس الإلهي ورتبة تبريك الأغصان، من دون الزيّاح داخل الكنيسة أو خارجها، على أن يتمّ تزيين الكنيسة بأغصان الزيتون وسعف النخل حسب العادة والإمكانية، مع توجيه المؤمنين إلى المشاركة روحياً بإضاءة شمعة في منازلهم، رمزاً للإشتراك في استقبال المسيح الملك في دخوله إلى أورشليم.
3- رتبة النهيرة (الوصول إلى الميناء): إقامة الرتبة كاملةً كالمعتاد، ويمكن القيام بقسم منها أمام الباب الخارجي للكنيسة حسب الطقس الكنسي، أو الإكتفاء بإتمامها داخل الكنيسة حسب الوضع المحلّي.
4- صلوات أيّام الإثنين والثلاثاء والأربعاء من أسبوع الآلام: تقام الصلوات المعتادة في كلّ كنيسة بحسب العادة المتَّبعة، من قداديس أو رتبة درب الصليب أو سواها من الصلوات.
5- خميس الأسرار: الاحتفال بقداس خميس الفصح، من دون رتبة غسل الأقدام، إنّما الإكتفاء بانتقاء صلوات مختارة من هذه الرتبة تتمّ تلاوتها خلال القداس. وبعد القداس، يمنح المحتفل البركة بالقربان المقدس. وبطبيعة الحال تُلغى زيارة السبع كنائس المعروفة في تقاليد بعض بلداننا، مع توجيه المؤمنين إلى المشاركة روحياً بالسجود وإضاءة شمعة في منازلهم، رمزاً لحضور المسيح في سرّ القربان وسط العائلة.
6- الجمعة العظيمة: إقامة رتبة السجدة للصليب كاملةً بما فيها من أناشيد وقراءات، ثمّ يتبارك الحاضرون من الإكليروس والشمامسة وخدّام المذبح من نعش المسيح المزيَّن بالورود حسب الإمكان. وبعدئذٍ إتمام رتبة دفن المصلوب تحت المذبح كما جرت العادة في تقليدنا السرياني، إنّما من دون زيّاح داخل الكنيسة أو خارجها، على أن تتّشح الكنيسة بحلّة الحزن، ولا سيّما رفع الصليب على الجلجلة حسب العادة المتَّبعة، مع توجيه المؤمنين إلى المشاركة روحياً بوضع الصليب وأمامه شمعة مضاءة في منازلهم، رمزاً للسجود للرب يسوع المعلَّق على خشبة الصليب.
7- سبت النور: إقامة القداس الإلهي مع رتبة المسامحة.
8- عيد القيامة المجيدة: إلغاء قداس منتصف الليل أو فجر العيد، والإكتفاء بإقامة القداس الإلهي الإحتفالي نهاراً كما في أيّام الآحاد والأعياد. وخلال هذا القداس تقام رتبة السلام، من دون زيّاح داخل الكنيسة أو خارجها، مع توجيه المؤمنين إلى المشاركة روحياً بقراءة نص إنجيل القيامة، وبإضاءة شمعة في منازلهم، رمزاً للمسيح القائم من الموت.
9- إثنين القيامة والأسبوع التالي والأحد الجديد: الإكتفاء بإقامة القداس الإلهي كما في أيّام الآحاد والأعياد.

كما نوصي بإلغاء تبادُل التهاني بعيد القيامة المجيدة، والإكتفاء بتحيّة "المسيح قام، حقاً قام" عبر الإتّصال بالهاتف أو المراسلة أو بطرق التواصل الاجتماعي المتاحة.

ونذكّر أعزّاءنا المؤمنين بأهمّية الصلاة الشخصية والعائلية في هذه الظروف التي نعيشها، بعدما أُرغِموا قسراً على عدم المشاركة الشخصية في الاحتفالات الكنسية، على مثال صلاة الكنيسة الأولى، إذ كان المؤمنون يجتمعون في البيوت حيث "كانوا يواظبون على تعليم الرسل والمشاركة وكسر الخبز والصلوات" (أع 2: 42). وهكذا يحيون إيمانهم ويفعّلونه بالمحبّة المتبادلة والمشاركة الروحية، ليعيشوا جوهر سرّ آلام الربّ يسوع وموته وقيامته لخلاص جنسنا البشري.
نضرع إلى الربّ الإله القدير أن يزيل هذه النكبة المخيفة عن الكنيسة ومجتمعاتنا وبلداننا والعالم، فيشفي المصابين بوباء كورونا، ويرحم الذين رقدوا من جرائه، ويحمي البشرية من تفشّي هذا الوباء الخطير، ويحدّ من انتشاره، ويعضد الأطبّاء والممرّضين والممرّضات ومساعديهم في عملهم لمجابهته، ويلهم الباحثين والعلماء لإيجاد الدواء الشافي واللقاح الناجع.
وإنّنا نجدّد رجاءنا بالرب يسوع القائم من بين الأموات الذي وعدنا بالنصر والغلبة على الشرير، واثقين بأنّنا "إذا شاركناه في آلامه، نشاركه في مجده أيضاً" (رو 8: 17). فلنطرح عنّا كلّ خوف، ولنسلِّم ذواتنا بين يدَي الرب، بروح التقوى والصبر والإحتمال. فنحن "نفتخر أيضاً في الضيقات، عالمين أنّ الضيق ينشئ صبراً، والصبر تزكيةً، والتزكية رجاءً، والرجاء لا يخزي، لأنّ محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (رو 5: 3-5).
ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم.
"المسيح قام، حقاً قام".


                                                           اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                              بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي



39

الرقم: 9/أس/2020
التاريخ: 28/3/2020
بيان صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
الأب أفرام سمعان مطراناً نائباً بطريركياً على القدس والأراضي المقدسة والأردن
والأب رامي قبلان مطراناً معتمَداً بطريركياً لدى الكرسي الرسولي في روما
صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية في بيروت ما يلي:
انتخب سينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية في دورته المنعقدة في دير سيّدة النجاة – الشرفة البطريركي في لبنان من 17 حتى 22/6/2019، الأب أفرام سمعان، كاهن رعية القدس – الأراضي المقدسة، مطراناً نائباً بطريركياً على القدس والأراضي المقدسة والأردن، والأب رامي قبلان، الزائر الرسولي في أوروبا، مطراناً معتمَداً بطريركياً لدى الكرسي الرسولي في روما، وثبّت قداسة البابا فرنسيس هذين الانتخابين بتاريخ اليوم 28/3/2020.
سيتمّ تحديد موعد الإحتفال بالسيامة الأسقفية لكلٍّ من المطرانين المنتخَبين في موعد يُعلَن عنه لاحقاً.
أحرّ التهاني للمطرانين الجديدين، مع الدعاء لهما بخدمة صالحة ورسالة مثمرة لما فيه خير الكنيسة.
هذه نبذة وجيزة عن حياة كلٍّ من المطرانين الجديدين:

المطران أفرام سمعان
من مواليد بيروت – لبنان، في 2 أيّار1980، والداه أنطوان سمعان وناديا أبو كسم، وله ثلاثة أشقّاء. تلقّى دروسه الإبتدائية والمتوسّطة في مدرسة مار بهنام وسارة للسريان الكاثوليك – الفنار، ودخل الإكليريكية الصغرى في دير سيّدة النجاة – الشرفة، لبنان (1997)، وتابع الدروس الثانوية في ثانوية غوسطا، حيث حصل على شهادة البكالوريا اللبنانية – فرع علوم الحياة (2000). ثمّ انتقل إلى الإكليريكية الكبرى في دير الشرفة (2000)، ونال الإجازة في الفلسفة واللاهوت من كلّية اللاهوت الحبرية في جامعة الروح القدس – الكسليك (2005)، والإجازة في العلوم الليتورجية من الجامعة عينها (2006)، ونال الإجازة في القانون الكنسي من جامعة الحكمة – بيروت (2011)، كما تابع الدراسة لسنة واحدة في اختصاص إدارة المدارس في جامعة الروح القدس.
سيم شمّاساً إنجيلياً في 6 أيّار 2006، بوضع يد سيادة المطران مار ربولا أنطوان بيلوني، في كنيسة دير الشرفة، لبنان. ثمّ سيم كاهناً في 24 حزيران 2006، بوضع يد المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد، في كنيسة الدير نفسه.
عيّنه البطريرك عبد الأحد أميناً للسرّ في البطريركية (2006)، وكاهناً مساعداً في رعية مار أنطونيوس – جونيه، ومرشداً لمدرسة الليسيه المتحف، ومرشداً للراهبات الأفراميات في بيت مار اغناطيوس – بيروت.
جدّد غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان تعيينه أميناً للسرّ في البطريركية (2009-2016)، وعيّنه أيضاً عضواً في اللجنة الليتورجية البطريركية، ثمّ قيّماً لدار البطريركية في بيروت وأميناً لصندوق أوقاف البطريركية (2009-2016)، ورئيساً ومديراً لمدرسة دير الشرفة (2014-2016).



من مهامه القضائية: محامٍ عن العدل ثمّ قاضٍ في المحكمة الكنسية الإبتدائية للسريان الكاثوليك في لبنان (2011-2016)، ومحامٍ عن العدل في المحكمتين الإبتدائية والإستئنافية لطائفة اللاتين في لبنان (2012-2016)، وقاضٍ في المحكمة الإستئنافية لطائفة الكلدان في لبنان.
بتاريخ 26/11/2016 منحه غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، إنعامَ لبس الصليب المقدس، ثمّ أوفده بتاريخ 1/12/2016 إلى القدس حيث عيّنه معاوناً لسيادة المطران مار غريغوريوس بطرس ملكي النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والأردن، فسلّمه المطران ملكي مسؤولية الأمور القانونية في النيابة البطريركية، والنشاطات الراعوية في رعية القدس، وتعليم اللغة السريانية، وإدارة بيت مار توما للحجّاج في القدس، وتمثيل سيادته في العديد من المناسبات الروحية والمدنية.
يتقن اللغات السريانية والعِبرية والعربية والفرنسية، ويلمّ بالإنكليزية.

المطران رامي قبلان
من مواليد زيدل – حمص، سوريا، في 17 تمّوز 1979، والداه عيسى قبلان وهدى طعزية، وله شقيقان وشقيقة. تلقّى دروسه الإبتدائية والمتوسّطة في مدرسة الشهيد الياس نعمة للسريان الكاثوليك في زيدل، ثمّ دخل إكليريكية مار أسيا الحكيم الصغرى في حلب، سوريا (1996)، وتابع الدروس الثانوية في مدرسة الحكمة بحلب حيث حصل على شهادة البكالوريا السورية – الفرع الأدبي (1997). انتقل إلى الإكليريكية الكبرى في دير سيّدة النجاة – الشرفة، لبنان (1997)، وتابع دروسه الفلسفية في كلّية اللاهوت الحبرية بجامعة الروح القدس – الكسليك، ثمّ أكمل دروسه اللاهوتية في جامعة اللاتران الحبرية في روما، إيطاليا، حيث نال الإجازة في اللاهوت (2003)، ونال الإجازة في القانون الكنسي من المعهد الحبري الشرقي في روما (2007). كما نال شهادة الدكتوراه في القانون الكنسي من المعهد الحبري الشرقي في روما (2015)، بعدما قدّم أطروحته عن "قوانين الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية في سوريا لعام 2006".
سيم شمّاساً إنجيلياً في 28 تشرين الأول 2004، بوضع يد المثلّث الرحمات البطريرك الكردينال مار اغناطيوس موسى الأول داود، في كنيسة القديسة كيارا في روما. ثمّ سيم كاهناً في 16 تمّوز 2005، بوضع يد المثلّث الرحمات المطران مار ثيوفيلوس جورج كسّاب، في كنيسة سيّدة النجاة في زيدل – حمص. وعيّنه المطران كسّاب كاهناً لرعيتَي النبك ويبرود من أبرشية حمص (2007-2010).
في روما، عيّنه غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان معاوناً لسيادة الخوراسقف جورج مصري المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي منذ عام 2014، ومسؤولاً عن الخدمة الراعوية للنازحين الوافدين إلى روما وإيطاليا من سوريا والعراق، وأسند إليه غبطته مهمّة المحامي في دعوى تطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي. وهو أستاذ محاضر في المعهد الحبري الشرقي في روما. عيّنه قداسة البابا فرنسيس زائراً رسولياً للسريان الكاثوليك في أوروبا منذ حزيران 2017، فزار الرعايا والإرساليات في مختلف بلدان أوروبا، متفقّداً أحوال الكهنة والمؤمنين فيها. 
يتقن اللغات السريانية والعربية والفرنسية والإيطالية ويلمّ بالإنكليزية.

                                                  أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

40

الرقم: 8/أس/2020
التاريخ: 20/3/2020
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يحتفل بقداس عيد مار يوسف على نيّة المصابين بوباء كورونا ومن أجل القضاء عليه

البطريرك يونان: "وباء كورونا الذي عمّ المسكونة هو تحذيرٌ لأولئك الذين تناسوا الله، وخنقوا صوت الضمير، فاستعملوا قوّتهم السياسية والعسكرية لتحقيق مآربهم ومصالحهم الأنانية"

البطريرك يونان: "في لبنان نحتاج إلى العودة التائبة إلى الله، فنتضافر كي نغلب الشرّ بالخير،
وآفة وباء الكورونا بالوعي والتضامن، والنزاهة والمحبّة"

احتفل صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد مار يوسف، ومن أجل القضاء على وباء كورونا وشفاء المصابين به، وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي السرياني، المتحف – بيروت.
بعد الإنحيل المقدس، ألقى غبطته موعظة تحدّث فيها عن "مار يوسف، مربّي الرب يسوع وحامي العائلة المقدسة. وهو أيضاً شفيع الكنيسة الجامعة، وبشفاعته يحمي الكنيسة أينما كانت، لأنّ الكنيسة هي العائلة الروحية لجميع المؤمنين".
وتأمّل غبطته "بقديسنا مار يوسف، فالإنجيل لا يتكلّم عنه كثيراً ولا يذكر لنا أيّة كلمة فاه بها هذا القديس، ولكنّه يقول لنا إنّ يوسف كان "رجلاً بارّاً"، والبارّ في الكتاب المقدس يعني الشخص الذي يريد أن يطبّق كلّ ما يريده منه الله في حياته، ليس في أقواله فقط، ولكن في أعماله وسيرته اليومية، فقد كان مثالاً للأبرار الذين سلّموا حياتهم بين يدي الله"، طالباً "من هذا القديس أن يقوّينا في هذه الأيّام الكالحة التي يتخبّط فيها العالم، ويعطينا الشجاعة كي نتقبّل ما يحدث بإيمان ووعي، ونبذل كلّ جهدنا لنعيش المحبّة التي علّمنا إيّاها الرب يسوع، حتّى نبلغ القداسة التي إليها دُعينا.
وأكّد غبطته أنّ دعوتنا هي أن "نكون قديسين، وأن نتذكّر أنّ حياتنا على الأرض هي مسيرة نحو الملكوت، ومن مار يوسف نتعلّم كيف نقدّم كلّ شيء للرب. علينا إذن أن ننسى ذواتنا من أجل الآخرين، ونحاول أن نكون نزيهين، ونعلّم الحق بضمير صالح، ونسعى أن نحترم الآخرين، ولكن في الوقت عينه، علينا أن نتذكّر ونذكّرهم أننا شعب الله".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "في هذه الأيّام نجد الكثيرين يعطون من ذواتهم، لا سيّما الذين يرافقون المرضى المصابين بوباء كورونا، في المستشفيات وفي المصحّات وفي المنازل، ويبذلون كلّ ما بوسعهم ليخفّفوا عنهم الأوجاع ويساعدوهم كي ينالوا الشفاء"، سائلاً الله "في زمن الصوم هذا، أن يمنحنا المغفرة منه تعالى على ما ارتكبناه من المعاصي والنقائص والخطايا، بسبب الأنانية والتكبّر والاستئثار الفردي والجماعي بمقدّرات الخليقة، متناسين الضعفاء والفقراء والمهمَّشين في مجتمعاتنا".
وتطرّق غبطته إلى ما يقوم به كثيرون من السياسيين الذين "يستغلّون قوّتهم السياسية والعسكرية كي يستبدّوا بالشعوب الضعيفة، هؤلاء السياسيين الذين يجب أن يكونوا خدّاماً لشعبهم بروح مار يوسف، بمعنى البذل والعطاء، ولكنّهم أرادوا أن يبعدوا شعوبهم عن الله"، رافعاً "الصوت باسم جميع الرعاة الروحيين الأمناء على الوديعة الإيمانية، تجاه الظلم والاستكبار، تجاه

الاستحواذ على قوى المال، من قِبَل عظماء هذا العالم"، ومستذكراً مسألة الإلحاد وما يُسمّى موت الله، والتي نتجت "في بلاد كان يجب أن تكون بلاداً مسيحية بالفعل، ولكن للأسف الشديد تركوا الله ونشروا الإلحاد واللامبالاة الدينية".
وأشار غبطته إلى أنّ هؤلاء السياسيين "بمقدورهم أن يكونوا أقوياء بالعلم وبالسلاح والاختراعات، ولكنّنا نجدهم اليوم ضعفاء مثل غيرهم أمام هذا الوباء الذي يتفشّى في العالم بشكل مريع"، مشدّداً على أنّ هذا "الوباء الذي عمّ المسكونة هو تحذيرٌ لأولئك الذين تناسوا الله، وخنقوا صوت الضمير، فاستعملوا قوّتهم السياسية والعسكرية لتحقيق مآربهم ومصالحهم الأنانية".
وتناول غبطته الوضع الراهن في لبنان حيث "نحتاج إلى العودة التائبة إلى الله في هذه الفترة التي نجتازها مع كلّ المواطنين، فنتضافر كي نغلب الشرّ بالخير، وآفة وباء الكورونا بالوعي والتضامن، والنزاهة والمحبّة. ويجب علينا أن نلتزم جميعنا بكلّ ما يوجّهه لنا المسؤولون من إرشادات كي نتلافى العدوى، وأن نشعر بتضامننا الأخوي والإنساني".
ووجّه غبطته النداء مناشداً "المسؤولين في وطننا كي يؤسّسوا صندوقاً تضامنياً في الوقت الذي نجد فيه لبنان يعاني أزمةً خانقةً، وكثيرون يجاهرون أنّ البلد يجتاز وضعاً مخيفاً من الناحية الاقتصادية والمالية. فيا ليت المسؤولين يسعون وينادون بتأسيس صندوق لهذا الغرض، يكون صندوقاً تعاضدياً للموجوعين والمحتاجين والذين يعانون أزمة البطالة وقد حُرِموا من أعمالهم، وذلك بفتح باب التبرّعات أمام جميع المواطنين الأسخياء"، مذكّراً "أولئك السياسيين الذين سرقوا الشعب مستغلّين نقائص النظام الطائفي في لبنان، فسلبوا المال من الفقراء والموجوعين ومن الذين ليس لهم عمل ليعتاشوا منه، بأنّ لدى هؤلاء السياسيين فرصة للمساهمة في هذا الصندوق بأكثر ما يمكن من المال المسروق".


                                                 
                                                  أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية








41
الرقم: 29/2020
التاريخ: 14/3/2020
إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
نكتب إليكم بعاطفة الأب والراعي، لنشارككم المشاعر الروحية في هذا الزمن العصيب الذي يمرّ به العالم بأسره، ونحن نشهد التفشّي المريع لوباء "فيروس كورونا".
إنّنا نتوجّه إلى ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح، ونستمدّ منه الثبات في الإيمان والتقوية في الرجاء والصبر لاحتمال هذه المحنة الشديدة والخطر الكبير، واثقين به "أبو الرأفة وإله كلّ تعزية" (2 كورنثوس 1: 3)، ومستمدّين منه القوّة، وملتجئين إليه، وواضعين تحت أقدام صليبه المقدس، راية النصر والغلبة، كلَّ ما يحيط بنا من شرّ ومكروه وصعوبة، إذ "قدّامه ذهب الوباء وعند رجليه خرجت الحمّة" (حبقوق 3: 5)، فهو القادر أن يزيل هذه الشدّة ويبدّد الخوف والهلع ويبسط الأمان والسلام.
في هذه الأيّام المقدسة، ونحن نعيش زمن الصوم هذا العام بصورة مختلفة عن السنوات السابقة، حيث يتعذّر على الكثيرين من المؤمنين في بلدان عديدة المشاركة في القداس الإلهي والصلوات والرتب الكنسية بسبب الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا، نغتنم الفرصة لنؤكّد لكم اتّحادنا معكم ومع جميع المؤمنين في العالم بالصلاة والصوم ليرفع الرب عنّا هذا الوباء. ونذكركم جميعاً في القداس الإلهي الذي نقيمه صباح كلّ يوم في كنيسة كرسينا البطريركي في بيروت، متّحدين معكم برباط المحبّة والتضامن والتعاضد، فتصعد صلاتنا معاً بخوراً مقبولاً أمام عرش الرب.
كما يهمّنا أن ندعوكم بإلحاح إلى التجاوب مع توجيهات إخوتنا الأساقفة رعاة الأبرشيات وكهنة الرعايا، وفق التعليمات التي تصدرها السلطات المختصّة في كلّ بلد ومنطقة، للحؤول دون تفشّي الفيروس وانتقال العدوى، وذلك بالوقاية واتّباع الإرشادات اللازمة، ممّا يؤول إلى الحفاظ على الأمن الصحّي والسلم العالمي. 
وفيما نضرع إلى االله من أجل القضاء على هذا الوباء، نسأله تعالى أن يمنح الشفاء لجميع المصابين به، ونودِع أنفسنا وبعضنا بعضاً والعالم إلى حماية أمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة: "في ظلّ حمايتك نلتجئ يا والدة الله القديسة"، فيُبعِدَ الرب عنّا بشفاعتها هذه الكأس المرّة، ونفرح معاً ببهجة عيد قيامته المجيدة.
ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم.
 

                                                                اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                     بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي 

42


الرقم: 7/أس/2020
التاريخ: 1/3/2020
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يحتفل بقداس عيد مار أفرام السرياني وافتتاح مئوية إعلانه ملفاناً للكنيسة الجامعة

البطريرك يونان: "على المسؤولين أن يدركوا أنّهم مدعوون لمحاربة الفساد،
وليس للتغطية والتوافق على سرقة موارد البلد"

في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 29 شباط 2020، احتفل صاحب الغبطة أبينا مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي الحبري الرسمي بمناسبة عيد مار أفرام السرياني شفيع الكنيسة السريانية وافتتاح مئوية إعلانه ملفاناً للكنيسة الجامعة، وذلك في كاتدرائية سيّدة البشارة للسريان الكاثوليك، المتحف – بيروت.
حضر القداس صاحب الغبطة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وصاحب القداسة مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وعدد من الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات من مختلف الكنائس، وفعاليات الطائفة، وحشود غفيرة من المؤمنين.
بعد الإنجيل المقدس، ألقى غبطة البطريرك يونان موعظة بعنوان "فحيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضاً" (متى 6: 21)، تحدّث فيها عن أهمّية الابتعاد عن روح هذا العالم، والتجدّد بالرب يسوع، "كي نُضحي جماعةً كنسيةً تعيش المحبّة الصافية بروح الوحدة الحقيقية، وتغتني من المواهب التي أُغدِقت عليها"، مؤكّداً على ضرورة غلبة الروح على الأهواء البشرية، والإحساس بآلام الآخرين والتضامن معهم، وذلك بممارسة أعمال الرحمة والمحبّة، ومتناولاً مفهوم الصوم حيث "غلبة الروح على الأهواء البشرية بالإماتات الخفيّة وبالإتّضاع"، كونه "كنزاً روحياً لا شيءَ يُفسده، ولا أحد يستطيع أن يسرقه منّا".
وتطرّق غبطته إلى الأوضاع الراهنة في منطقة الشرق الأوسط التي تعيش "حالةً مرعبةً من الغليان والفوضى وعدم الاستقرار والنزاعات والصراعات"، متسائلاً "عن الأسباب التي دفعت دولاً عظمى معروفة بنفوذها في شرقنا، إلى تجاهُل شرعة حقوق الإنسان التي سنّتها منظّمة الأمم المتّحدة، سيّما فيما يختصّ بالحرّيات الدينية، فلا نسمع هذه الدول تطالب بحزمٍ ووضوح بفصل الدين عن الدولة، في معرض دفاعها عن حقوق الأكثريات العددية، راضيةً بالتمييز بين الديانات والأعراق في الدساتير التي تُصاغ في بعض بلدان المنطقة".
وتناول غبطته الأوضاع في سوريا "التي لا تزال تمرّ بمحنةٍ مؤلمةٍ وظروفٍ صعبةٍ لم يعرف التاريخ الحديث مثيلاً لها"، معبّراً عن "ألمنا الشديد لما يجري فيها من إراقة دماء، بسبب أعمال عنفٍ طال أمدها وطاولت آثارها الأبرياء والمستضعَفين، ودفعت الكثيرين من الشبّان إلى الهجرة"، وداعياً "أصحاب الضمائر الحيّة إلى أيّة فئةٍ انتموا، أن يحكّموا ضميرهم الوطني ويشبكوا أيديهم ويتلاقوا بالألفة والتعاون والتعاضد، فيعيدوا لوطنهم الأمن والاستقرار، بروح المواطنة الأصيلة".


وصلّى غبطته "من أجل السلام والأمان في العراق، حيث قدّم أبناء شعبنا ذواتهم على مذبح الشهادة"، آملاً أن يتابع "أبناؤنا مسيرتهم بالشراكة مع إخوتهم في الوطن، وهم نسيجٌ أصيلٌ في أساس تكوين هذا البلد الحبيب".
وتناول غبطته الحالة الراهنة في لبنان "مركز الإشعاع ومهد الحضارة، الذي يمرّ منذ أشهرٍ في مشاهد من الحراك الشعبي على اختلاف الإنتماءات الدينية والطائفية والسياسية، فله علينا الحقّ أن نجدّد ولاءنا المطلق له وحده كوطنٍ نهائي للجميع"، مطالباً "المسؤولين فيه، على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والحزبية، أن يسعوا بكلّ ما أوتوا من قوّة وعزم إلى خدمة لبنان بصدق ونزاهة وبروح الشراكة الحقيقية"، مؤكّداً أنّ على هؤلاء المسؤولين "أن يدركوا أنّهم مدعوون لمحاربة الفساد، وليس للتغطية والتوافق على سرقة موارد البلد، إذ أنّ واجبهم الأساسي هو تأمين الحياة الكريمة لشعبهم الذي يتضوّر حرماناً وجوعاً".
وأكّد غبطته على أنّنا "لكوننا قد عانينا الأمرَّين في مناطق أخرى من هذا الشرق، من أجل حرّيتنا الدينية وكرامتنا الإنسانية، سنظلّ نثمّن النظام القائم في لبنان، بالرغم من نقائصه ومحدوديته"، ضارعاً إلى الله "فيما نحيي مئوية "لبنان الكبير"، أن يحفظ هذا البلد الصغير بمساحته، والكبير بحضارته العريقة، كي يُبنى ويزدهر بأبنائه وبناته الأوفياء، وطناً نهائياً للحرّية، الوطن – الرسالة للعالم أجمع".



                                                    أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

43

الرقم:20/2020
التاريخ: 22/2/2020
رسالة الصوم الكبير 2020

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار


نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

«ܒܰܡܫܺܝܚܳܐ ܩܰܒܶܠܢ ܬܰܪܥܽܘܬܳܐ»
"بالمسيح نِلْنا المصالحة" (رو5: 11)

1.   مقدّمة
الصوم الكبير مسيرةٌ روحيةٌ تدوم أربعين يوماً وتقودنا إلى فرح الفصح أي العبور نحو القيامة، غلبة المسيح المخلّص على الموت. وهو الزمن الملائم لنتجدّد من خلال تأمّلٍ أعمق بكلام الله في الأسفار المقدسة، فنلتقي مع الرب ومع القريب بفعل مصالحةٍ صادقةٍ تعلو بنا على شروط إنسانيتنا الضعيفة، بتقرُّبنا من سرّ التوبة وتناوُلنا القربان المقدس. مسيرة الصوم الكبير دعوةٌ فريدةٌ إلى التوبة ܬܝܳܒܽܘܬܳܐ، أي عودة المؤمن بقلبه وعقله إلى الله. وعلى هذه التوبة أن تشمل الإقرار بضعفنا البشري وخطيئتنا، وبتصميمنا على المغفرة والمسامحة والمصالحة. فالتوبة تقتضي أن نغيّر وجهة حياتنا من ماضٍ مُثقَلٍ بالأخطاء نحو تجديدٍ روحي في مسيرة حياتنا، وذلك بالسعي لتغييرٍ كاملٍ لمسيرتنا السابقة، فنجدّد السير نحو الله ومعه.
في الصوم نمتنع عن تناول بعض الأطعمة، كالإنقطاع عن الطعام واللحوم وسواها، إلا أننا فيه نعيش الشبع الروحي ممتلئين من حضور الله ونِعَمِه وتعزياته. وفيه نعود إلى الربّ، فنفحص ضميرنا لنقوّم علاقتنا به وبالقريب وبالذات، ونحيا الإيمان العامل بالمحبّة. الصوم لا يُحصَر معناه بالاكتفاء بالمظاهر الخارجية وإتمام العادات والتقاليد ظاهرياً. فنحن نرى البعض يكتفون بالامتناع عن الطعام والشراب دون أن ينقّوا أنفسهم من الكذب والرياء والتحايل والنميمة والتعدّي على الغير، قريباً كان أو غريباً. وهذا يعني تتميم الناموس أي الشريعة ظاهرياً، دون أن يعيشوا روح الصوم ب "التوبة" الحقيقية، التي تتطلّب ممارسة الفضائل، وأوّلها المحبّة الصادقة والفاعلة. لقد تناسوا وللأسف ما ذكّرنا به المعلّم الإلهي في الإنجيل أنّ "ليس ما يدخل الفم ينجّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجّس الإنسان" (مت 15: 11).

2.   الصوم: "سِر إلى العمق" (لو 5: 4)
في الصوم نسير إلى العمق في علاقتنا مع الرب ونسعى لاكتشاف جوهر دعوتنا للتلمذة له. وهو الزمن المناسب لتكثيف حياة الروح عبر الارشادات والوسائل التقوية المقدّسة التي تقدّمها لنا الكنيسة: الامتناع عن بعض ما يلذّ لنا بروح التجرّد عن المادّيات، الصلوات والابتهالات الحارّة، ممارسة الصدقة بروح متواضعة، والتكثيف من أعمال المحبّة والرحمة التي نقوم بها دون غرور واعتداد بالنفس. هو زمنُ توبةٍ وصلاةٍ ومسامحةٍ وتكفير، كما أنّه عربون غفران ومصالحة مع ذواتنا والقريب والعالم ومع الله. والمصالحة وصيّةٌ تلقّيناها من الربّ يسوع: "فإن تغفروا للناس زلّاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي زلّاتكم" (مت 6: 14).
تفتتح كنيستنا السريانية زمن الصوم الكبير يوم الإثنين الأول منه، وتختتمه يوم سبت النور، برتبة المسامحة (الشوبقونو) ܫܽܘܒܩܳܢܳܐ، حيث يطلب المؤمنون المغفرة من الله، ويتمّمون وصيته بمسامحة بعضهم بعضاً. إنها رتبة مؤثّرة وعميقة بمعناها، إذ يتصالح المؤمنون مع الله ومع بعضهم البعض ليستقبلوا زمن الصوم بالنقاوة والبرارة وطهارة القلب. كما تعدّ المؤمنين لاستقبال عيد قيامة الرب وهم مزيَّنون بالطهر والمصالحة، وبالمحبّة قمّة الفضائل التي علّمنا آباؤنا السريان في رتبة المسامحة أن نضرع إلى الرب كي يملأنا بها:
«ܚܽܘܒܳܐ ܕܰܕܟܶܐ ܡܶܢ ܐܰܟܬܳܐ ܘܡܶܢ ܚܶܪ̈ܝܳܢܶܐ ܡܠܺܝ ܠܠܶܒܰܘ̈ܳܬܰܢ܆ ܡܳܪܝܳܐ ܡܳܪܶܐ ܟܽܠ ܪܰܚܶܡ ܥܠܰܝܢ». وترجمتها: "إملأ قلوبنا بالمحبّة الخالية من الحقد والخصام، أيّها الرب ربّ الكلّ، وارحمنا" (من ترانيم رتبة المسامحة التي تقام يوم إثنين مدخل الصوم الكبير).

3.   شركاء في خدمة المصالحة
كلّ مؤمنٍ مدعوٌّ إلى أن يكون شريكاً في خدمة المصالحة والعمل على إتمامها. إنّ السعي نحو المصالحة ما هو إلا تحقيقٌ لإرادة الرب يسوع. ولأنّ المصالحة بين بعضنا هي من عمل الروح القدس فينا، فالربّ، الذي تغلّب على مكائد الشرّير بصومه أربعين يوماً في البرية، يدلّنا على الطريق التي يجب علينا اتّباعها. ولا يسعنا وقد برَّرَنا الله وصالحَنا مع نفسه، أن نقف متفرّجين ننتظر ما تُحدِثه محاولات المصالحة التي يسعى إليها القريبون منّا ومجتمعاتنا. بل يجب علينا أن ننطلق - والروح القدس مُرشدنا - في مسيرة توبةٍ حقيقيةٍ "مفتخرين بالله، بربّنا يسوع المسيح الذي به نِلْنا المُصالحة" (رو5: 11)، كي نكتشف من جديد نِعَمَ الله السخية في صومنا، ونتطهّر من الخطيئة التي تعمينا، ونخدم المسيح الحاضر في كلّ محتاجٍ إلى محبّتنا، فنساهم، بالعمل قبل الكلام، في مواساة الحزانى والتخفيف من آلامهم الناتجة عن الظلم ومآسي الحروب والفقر.
إنّ العلامة التي تدلُّ على أنَّنا نحبُّ الله هي أن نحبَّ القريب. ونحن، إذا كنّا على خصامٍ بعضنا مع بعض، لا يمكننا أن نكون متصالحين مع الله. وإذا كان في جماعتنا خلافٌ وانقسام، فهذا يعني أنَّنا لم نفهم شيئاً من عمل يسوع الفدائي من أجلنا! من هنا، فالمصالحة هي تجديد عهد المحبّة بين الله والإنسان بعد قطيعةٍ وابتعاد، وهي الإقامة
والسكنى في بيت الآب، والعلامة الساطعة لتلمذتنا للمعلّم الإلهي يسوع مخلّصنا، كما أنّها تدبير الله لحياتنا الشاهدة لمحبّته وخلاصه.

وها هو مار يعقوب السروجي يحلّق في سماء الروح متأمّلاً بأهمّية سرّ المصالحة، فيقول:
«ܙܽܘܥܘ ܕܰܪܓܺܝܙܺܝܢ ܘܰܚܒܽܘܨܘ ܟܽܠܝܽܘܡ ܥܰܠ ܬܰܪܥܽܘܬܳܐ܆ ܕܡܳܪܝܳܐ ܒܚܽܘܒܶܗ ܐܶܬܪܰܥܺܝ ܠܰܢ ܥܰܠ ܕܰܐܪܓܶܙܢܳܝܗ̱ܝ. ܠܳܐ ܐ̱ܢܳܫ ܢܺܐܡܰܪ ܕܰܦܠܳܢ ܐܰܣܟܶܠ ܢܺܐܬܶܐ ܠܰܐܦ̈ܰܝ܆ ܪܰܒ ܐ̱ܢܳܐ ܡܶܢܶܗ ܨܰܥܪܰܐ ܗ̱ܘ ܐܺܙܰܠ ܐܶܬܪܰܥܶܐ ܠܶܗ». وترجمتها: "خافوا أيّها الغاضبون واهرعوا كلّ يوم إلى المصالحة، لأنّ الرب بمحبّته صالحَنا بعد أن أغضبناه. لا يقولنَّ أحدٌ إنّ فلاناً أخطأ تجاهي فليأتِ إليّ، لأنّي أنا أعظم منه ومن المشين أن أبادر لأصالحه".

4.   المصالحة عمل الله في أعماق الإنسان
"الله صالح العالم مع نفسه في المسيح" (2كور5: 19)، وبدَّل حالةَ البشرية بالنسبة إليه، فصارت خليقةً جديدة. وكما قدَّم يسوع ذاته من أجل مصالحتنا مع الله الآب، هو "الوديع والمتواضع القلب" (مت11: 29)، نقدِّم ذواتنا مشاركين صعوباتنا في تقدمته، متنازلين عن أنانيَّتنا وكبريائنا، وعاملين من أجل المحبَّة والمصالحة.
في سرّ القربان المقدَّس، الذي يجدّد ذبيحة الصليب السرّية وعمل الفداء، تبرز أهمّية المصالحة. فعندما نتناول جسد الربّ ودمه نشارك في سرّ المصالحة، ونضحي قريبين من الله بعد أن كنّا بعيدين عنه بسبب خطايانا. يسوع المسيح، بموته وقيامته، هدم جدار العداوة الفاصل بين الله والبشر (راجع أف 2: 14-16).
في سينودس الأساقفة العام حول "المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة" لعام 1983، عبّر الأساقفة في إعلانهم عن المصالحة بالقول: "بقدر ما يقرُّ المسيحيون لله بعطيَّة المصالحة التي قبلوها، يصبحون شهوداً حقيقيين لهذه المصالحة في حياتهم اليومية. والمصالحة مع الله عليها أن تبرز بشكل مصالحةٍ مع الإخوة داخل الجماعة المسيحية أو في المجتمع البشري. هذه المصالحة هي في الوقت ذاته عطيَّةٌ من الله، ومسؤولية المسيحيين الذين يعيشون في هذا العالم".
يشير قداسة البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة زمن الصوم لهذا العام 2020 بعنوان "فنسألكم باسم المسيح: تصالحوا مع الله" (2كور5: 20)، إلى محورية المصالحة في حياة المؤمن وأهمّية زمن الصوم لولوج هذه المصالحة:
"في هذا الزمن المقبول، فلندع ذواتنا ننقاد لكي نتمكّن في النهاية من سماع صوت عريسنا، وندعه يتردّد فينا بعمق أكثر وبجهوزية أكبر. فبقدر ما تُعنى أنفسنا بكلمته، بقدر ذلك يمكننا أن نختبر رحمته المجّانية لنا... لكي نتقبّل الدعوة إلى أن نتصالح مع الله ونركّز أنظار قلوبنا على السرّ الفصحي، ولكي نعود إلى حوار مفتوح وصادق مع الله. هكذا يمكننا أن نصبح ما قاله المسيح عن تلاميذه: ملح الأرض ونور العالم".

5.   الصوم زمن المصالحة في عالمنا اليوم
لا يسعنا إلّا أن نتألّم لما يكتنف عالمنا اليوم من خطايا الكبرياء والتسلّط والاستئثار والتعدّيات العلنية والخفيّة على حقوق الإنسان الضعيف. وإنّنا نتساءل كيف تتمّ المصالحة بين الأفراد والشعوب، وجرائم الأقوياء لا تزال تنشر الظلم والمآسي؟ إنّنا كمسيحيين نشارك جميع ذوي الإرادة الصالحة في المسؤولية من أجل تحقيق مصالحة صادقة حولنا، في مجتمعاتنا وفي أوطاننا.

في خضمّ تأمّلنا بسرّ المصالحة، ونحن ننطلق في زمن الصوم المقدس، تتوجّه أنظارنا وأفكارنا وقلوبنا إلى أبنائنا وبناتنا حيث أرادتهم العناية الإلهية، في بلاد الشرق وعالم الانتشار، وخاصّةً أولئك الذين عانوا ولا يزالون يعانون بسبب الحروب والأزمات والاضطهادات وأعمال العنف والخطف والقتل، والذين قاسوا آلام الهجرة والتهجير القسري عن أرضهم ووطنهم إلى بلاد أخرى. نذكرهم جميعاً في صلواتنا، ونسأل الله أن يخفّف آلامهم ومعاناتهم، وأن يبسط أمنه وسلامه ومصالحته في العالم كلّه، فتنتهي الحروب وتزول الخصومات، ويسود السلام ويعمّ الوئام وتملك المحبّة.
كما نصلّي من أجل أن يجنّب اللهُ العالمَ بأسره أخطار الأمراض والأوبئة، ولا سيّما "فيروس كورونا" الذي تفشّى في هذه الأيّام في أماكن عدّة في العالم، مهدّداً الأمن الصحّي والسلم العالمي، داعين بالشفاء العاجل والتامّ للمصابين به. حمى الله العالم من كلّ خطر ومكروه.

6.   خاتمة:
في مستهلّ زمن الصوم، نرفع إليك صلاتنا يا ربّ، ونسألك أن تؤهّلنا كي نجدّد التزامنا في السّير على دربك، جاعلين سرّك الفصحيّ يحوّلنا، فنتغلّب على الشرّ، ونُميتَ فينا "الإنسان القديم" المرتبط بالخطيئة، ونُحيي "الإنسان الجديد" المتحوِّل بنعمة الله، كما حوّلتَ الماء إلى خمرٍ لذيذٍ وأبهجتَ المدعوين في عرس قانا الجليل.
فلنردّد مع الكنيسة طلبة مار يعقوب السروجي الخاصة بالصوم:
«ܡܳܪܰܢ ܐܶܬܪܰܚܰܡ ܥܠܰܝܢ ܒܪܳܐ ܕܰܒܨܰܘܡܶܗ ܚܰܪܰܪ ܠܰܢ܆ ܡܫܺܝܚܳܐ ܕܨܳܡ ܡܶܛܽܠܳܬܰܢ܆ ܥܒܶܕ ܪ̈ܰܚܡܶܐ ܥܰܠ ܢܰܦܫ̈ܳܬܰܢ»؛
"ربّنا تحنّن علينا، يا ابن الله الذي بصومه حرّرنا، يا مسيحاً صام من أجلنا، أشفِق علينا وارحمنا جميعاً".
ختاماً، نسأل الله أن يتقبّل صومكم وصلاتكم وصدقتكم، ويؤهّلنا جميعاً لنحتفل بفرح قيامته من بين الأموات. ونمنحكم، أيّها الإخوة والأبناء والبنات الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم.

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان
في اليوم الثاني والعشرين من شهر شباط سنة 2020
وهي السنة الثانية عشرة لبطريركيتنا



                                                           اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                      بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

44
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

مواقف هامّة لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بخصوص الأوضاع الراهنة في لبنان

أدلى صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بمواقف هامّة بخصوص الأوضاع الراهنة في لبنان، وذلك خلال ترؤّسه الصلاة الافتتاحية الرسمية لأسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس، بحضور ومشاركة أصحاب القداسة والغبطة الآباء البطاركة رؤساء الكنائس في لبنان والشرق، والأساقفة والكهنة والمؤمنين من مختلف الكنائس، في كاتدرائية سيّدة البشارة للسريان الكاثوليك، المتحف – بيروت:

"في وطننا لبنان "الرسالة" نرى الطوائفَ تتسابق والذراع المدني في التمييز بين أكثرية وأقلية وفي المطالبة بالحصص. ونجد واجباً علينا أن نناشد من هذا المكان المقدس جميع المسؤولين السياسيين الذين ينعتهم الشعب المنتفض بحقّ أنّهم لا يستحقّون شرف هذا العمل النبيل، كي يبادروا على الفور إلى تشكيل حكومةٍ فاعلةٍ مؤلّفةٍ من اختصاصيين مستقلّين وغير ملوَّثين بالفساد أو مشاركين في السرقات وهدر المال العام".
وتابع غبطة البطريرك يونان: "إنّنا نعرب عن تضامننا مع جميع المواطنين وبخاصّة الشباب الذين يتابعون حراكهم المطالب بأبسط حقوق العيش الكريم، وينادون دون كللٍ بدولةٍ نزيهةٍ تحافظ على كيان الوطن وتنتشل الاقتصاد من الوهدة السحيقة التي سقط فيها. ونتمنّى بإلحاح أن يحافظ هذا الحراك الشعبي على سلميّته صوناً لأهدافه النبيلة، بالتعاون البنّاء مع القوى الأمنية والعسكرية المخلصة والساهرة على أمان الوطن وسلامة أراضيه وجميع مواطنيه".



                                      أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

النص الكامل لموعظة غبطة أبينا البطريرك في الصلاة الافتتاحية لأسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس

يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، خلال رتبة الصلاة الافتتاحية التي ترأسها غبطته في كاتدرائية سيّدة البشارة للسريان الكاثوليك، المتحف - بيروت، مساء يوم الاحد 19 كانون الثاني 2020:

موعظة غبطة أبينا البطريرك في الصلاة الافتتاحية لأسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس في لبنان

"مجتهدين في المحافظة على وحدة الروح برباط السلام" (أفسس 4: 3)
إخوتي أصحاب القداسة والغبطة الكلّيي الطوبى
الإخوة أصحاب النيافة والسيادة رؤساء الكنائس في لبنان وممثّليهم
الآباء الخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة والإكليريكيين
أيّها الأبناء والبنات الأحبّاء المبارَكون بالربّ
نجتمع اليوم معاً في هذه الكاتدرائية المُشادة على اسم والدة الإله القديسة مريم العذراء سيّدة البشارة، لنفتتح أسبوع الصلاة من أجل وحدة كنائس المسيح. في هذه الفترة الممتدّة من 18 حتى 25 كانون الثاني، نكثّف الصلاة طالبين المغفرة بسبب الأخطاء والشكوك بل الخطايا التي ارتكبناها على مدى العصور، من أنانيّةٍ وفوقيّةٍ وعناد، تناسياً بل تنكّراً لوصية الرب يسوع في صلاته إلى الآب السماوي عشيّة إقباله على الصلب والموت فداءً لجنسنا البشري: "ليكونوا بأجمعهم واحداً كما نحن واحد" (يوحنّا 17: 22).
يسرّنا أن نرحّب بكم جميعاً أيّها الأحبّاء، باسم كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وباسم اللجنة المسكونية في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، فنتشارك جميعاً صلاة الافتتاح لهذا الأسبوع، على مثال الكنيسة الأولى التي كان أعضاؤها يجتمعون معاً ويصلّون سويّةً بقلبٍ واحدٍ وروحٍ واحدة، "مجتهدين في المحافظة على وحدة الروح برباط السلام"، ومجسّدين المحبّة علامةً مميَّزةً لمشاركتنا في إنجيل الخلاص: لأنّنا جميعاً لدينا "ربٌّ واحدٌ وإيمانٌ واحدٌ ومعموديةٌ واحدة" (أفسس 4: 5).
إنّ الصلاة لأجل الوحدة المسيحية أضحت ضرورةً في العالم، حيث تطالعنا منظّمة الأمم المتّحدة بأنّ المسيحيين هم الجماعة الدينية التي تعاني أنواعاً من الاضطهادات أكثر من أيّ دينٍ آخر. كما تبرز أهمّية الصلاة والسعي لهذه الوحدة في شرقنا الأوسط خاصةً، حيث غنى التعدّد في الإنتماءات الناتجة عن تقاليدٍ وطقوسٍ ولغاتٍ متميّزة، تشكّل في الوقت عينه تحدّياتٍ بل عقباتٍ في طريق الوحدة، ممّا يضعف شهادة المسيحيين في أعين الأكثرية العظمى التي تختلف عنهم. وما القول عن لبناننا الحبيب حيث الحنين إلى وحدة الكنائس يتضاعف ويتعمّق كلّ يومٍ في نفوس المؤمنين، بينما لا تزال كنائسنا عاجزةً عن توحيد الأعياد، لا سيّما الاحتفال بعيد قيامة مخلّصهم، ولا يزال المسيحيون غير مبالين بتحقيق المساواة بين طوائفهم أكثريةً كانت أم أقلّية!
أصغينا إلى قراءة الإنجيل المقدس بحسب القديس يوحنّا، حيث يستودع الرب يسوع تلاميذه وصيةً جديدة، هي قمّة الوصايا وعربون التلمذة الحقيقية له، والأساس الراسخ الذي به ينطلق المؤمن في سعيٍ جادٍّ وحثيثٍ نحو القداسة. هذه الوصية هي المحبّة "أحبّوا بعضكم بعضاً" (يوحنّا 15: 17)، المحبّة التي تُبنى على الإيمان، وتتوطّد بالعمل الصالح، النابع من قلب الإنسان المتمثّل بالله الذي هو المحبّة الكاملة الفائضة بالحبّ على الجميع، الحبّ الذي قاد الآب إلى التضحية بابنه الوحيد، باذلاً ذاته على خشبة الآلام والصلب والموت في سبيل أحبّائه.
"دعوتُكم أحبّائي" (يوحنا 15: 15)، فبفضل الحريّة التي تمنحنا إيّاها المحبّة، نستطيع أن نختار أصدقاءنا وأن يختارنا الآخرون كأصدقاءٍ وأحبّاءٍ لهم. "لم تختاروني أنتم، بل أنا اخترتُكم" (يوحنا 15: 16)، يقول يسوع لكلٍّ منّا. تسمو علاقتنا بيسوع ومحبّتنا له بمقدار سموّ علاقات المحبّة والتعاضد فيما بيننا والتفاعل المخلص مع مجتمعنا، وهي تخبرنا عن محبّة الله العميقة والتي لا تنضب لجميعنا.
أيّها الأحبّاء،
إنّ الوحدة أمرٌ ضروري وأساسي لأداء الشهادة الحقيقية للرب. صحيحٌ أننا لم نبلغ الوحدة المنظورة حتى الآن، إلا أنّنا قطعنا أشواطاً طويلةً من اللقاء والحوار والتقارب الليتورجي والروحي واللاهوتي، مع إقرارنا بأنّ العلمانيين سبقونا في مغامرة الوحدة هذه. ولكن تبقى أمورٌ عديدةٌ بحاجةٍ إلى متابعةٍ بالحوار المشترك، بروح الانفتاح والمحبّة الأخوية. لذا يحثّنا الرب على عيش المحبّة بالصدق مع أنفسنا، والإنفتاح المستمرّ على بعضنا البعض، وذلك بروح الإصغاء المتواضع إلى يسوع معلّمنا ومثالنا، راجين أن يتعرّف علينا الربّ ويعترف بنا تلامذةً له متى جاء.
"هوذا الآن وقت القبول الحسن، هوذا الآن يوم الخلاص" (2 كورنثوس 6: 2)، إنّ الرب يدعونا اليوم على لسان مار بولس رسول الأمم إلى أن نعمل الآن وبدون تراخٍ أو تأخير، فنهيّئ الأطر اللازمة والطرق المؤدّية إلى الوحدة الكاملة، أمنية المسيحيين جميعاً في كلّ أنحاء العالم. هذه الوحدة مطلوبةٌ الآن بإلحاحٍ وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، سيّما في ظلّ ما يعيشه العالم من تقلّباتٍ وتغيّرات، بسبب مرض اللامبالاة الدينية وتفشّي الإلحاد أو التطرّف الديني الخطير، لا بل معاداة بشرى الإنجيل التي تسعى الكنيسة أن تقدّمها لمن يجهلها وهو متعطّشٌ إليها. لذا وجب علينا أن نستلهم نعمةً وحكمةً وتنوُّراً من لدن الله تعالى، كي نتفهّم المتغيّرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في عالمنا اليوم، ونكون رسلاً حقيقيين نشهد لبشرى الخلاص شهادةً حيّةً واحدةً موحّدةً، كي يرى جميع الناس أعمالنا الصالحة ويمجّدوا الآب السماوي.
ولكن، كيف لنا أن نبلغ هذه الوحدة ونحن هنا في لبنان "الرسالة" نرى الطوائف تتسابق والذراع المدني في التمييز بين أكثرية وأقلية وفي المطالبة بالحصص. ونجد واجباً علينا أن نناشد من هذا المكان المقدس جميع المسؤولين السياسيين الذين ينعتهم الشعب المنتفض بحقّ أنّهم لا يستحقّون شرف هذا العمل النبيل، كي يبادروا على الفور إلى تشكيل حكومةٍ فاعلةٍ مؤلّفةٍ من اختصاصيين مستقلّين وغير ملوَّثين بالفساد أو مشاركين في السرقات وهدر المال العام. ونعرب عن تضامننا مع جميع المواطنين وبخاصّة الشباب الذين يتابعون حراكهم المطالب بأبسط حقوق العيش الكريم، وينادون دون كللٍ بدولةٍ نزيهةٍ تحافظ على كيان الوطن وتنتشل الاقتصاد من الوهدة السحيقة التي سقط فيها. ونتمنّى بإلحاح أن يحافظ هذا الحراك الشعبي على سلميّته صوناً لأهدافه النبيلة، بالتعاون البنّاء مع القوى الأمنية والعسكرية المخلصة والساهرة على أمان الوطن وسلامة أراضيه وجميع مواطنيه.
صلاتنا في هذا المساء من أجل الوحدة علامة رجاءٍ حيٍّ للمسيحيين في العالم كلّه، وبشكلٍ خاص لكنائسنا في الشرق الأوسط، سيّما في سوريا الجريحة التي يعاني مواطنوها الصعوبات والآلام نتيجةً للصراعات الهدّامة التي ابتُلِيت بها منذ تسع سنوات، وفي العراق العزيز الذي لا يزال يكابد النزاعات والانقسامات بسبب الصراعات السياسية والطائفية ممّا دفع بالمسيحيين إلى هجرة أرضهم ووطنهم، ومصر والأراضي المقدسة، كما في بلدان الانتشار حيث تشتّت أهلنا.
هذا ما نطلبه من الربّ يسوع في هذا المساء وفي الأيّام القادمة من هذا الأسبوع المبارك المخصّص للصلاة من أجل الوحدة، مقتدين بآبائنا الملافنة السريان الذين ابتهلوا إلى الله في صلواتهم كي يجمع أبناءه المؤمنين إلى واحد، حسبما نصلّي في صلاة الفرض الأسبوعية البسيطة "الشحيمة":"ܡܫܺܝܚܳܐ ܪܰܒ ܪ̈ܳܥܰܘܳܬܳܐ ܟܰܢܶܫ ܥܳܢ̈ܳܟ ܕܰܡܒܰܕܪܳܐ أيّها المسيح ربّ الرعاة، اجمع خرافك المبدَّدة".
ختاماً، إذ يسرّنا أن نتشارك في الصلاة، نضرع إلى الله كي ينشر أمنه وسلامه في العالم بأسره. إنه السميع المجيب، له المجد والشكر والسجود على الدوام، آمين.



45
نص رسالة الميلاد لهذا العام 2019 التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

 
    يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للرسالة التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بمناسبة عيد الميلاد المجيد لعام 2019، باللغة العربية، بعنوان: "هلمّوا إلى بيت لحم"، وقد أصدرتها البطريركية في كرّاس خاص:
    الرقم: 279/2019

    التاريخ: 20/12/2019

رسالة عيد الميلاد المجيد 2019

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام

وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل

وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب

اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

 

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

 

«ܢܶܪܕܶܐ ܥܕܰܡܳܐ ܠܒܶܝܬ ܠܚܶܡ»

"هلمّواإلى بيتَ لحم"

    1. مقدّمة

    في مستهلّ رسالتنا الميلادية، يسرّنا أن نقدّم أجمل التهاني مع أدعيتنا الأبوية الحارّة، بمناسبة عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح وحلول العام الجديد 2020، إلى جميع إخوتنا، رؤساء الأساقفة والأساقفة الأجلاء، وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، وأبنائنا وبناتنا المؤمنين، في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والأميركتين وأستراليا. ومعهم نضرع إلى الطفل الإلهي الذي وُلِد في مذود بيت لحم، أن يهبنا جميعاً فيض النِعَم والبركات والخيرات، ويجعل من العام الجديد عام سلام وأمان وطمأنينة واستقرار في مشرقنا المضطرب وفي العالم بأسره، فنعيش في الوحدة والمحبّة والألفة والفرح.

 

    2. أعجوبة بيت لحم

    يُخبرنا لوقا الإنجيلي في أحد نصوصه الميلادية المتميّزة (لو 2: 8-20)، كيف أنّ ملاك الرب ظهر لرعاةٍ يبيتون في البرّية ويتناوبون السهر في الليل على رعيتهم. فبشّرهم بخبرٍ عظيمٍ يفرح له جميع الشعب، وهذه البشرى السارّة هي ولادة المخلّص، المسيح الرب، في مدينة داود (بيت لحم). وبعد أن أطلعهم الملاك على أنّهم سيجدون طفلاً مقمَّطاً مضجعاً في مذود، ظهر مع الملاك بغتةً جمهورٌ من جند السماء، وأخذوا يسبّحون الله ويمجّدونه. وإذ انصرف الملائكة عنهم إلى السماء، قال الرعاة بعضهم لبعض: "هلمّوا نذهب إلى بيت لحم، فنرى ما حدث، ذاك الذي أخبرَنا به الرب" (لو 2: 15).

    ليس عن عبث أن تكون بيت لحم أي "بيت الخبز"، بحسب أصل الكلمة السريانية الآرامية ܒܶܝܬ ܠܚܶܡ، المكان الذي فيه سيولد مَن نزل مِن السماء ليكون خبز الحياة للناس، هو الذي بدأ حجّه الأرضيّ من مذودٍ في مغارة. في هذا المذود سَنَجِدُ: طفلَ عذراء، مسيحَ إسرائيل، مخلّصَ العالم، وابنَ الله.

    يا لهذا السرّ ويا لهذه الأعجوبة! يعجز العقل عن التفكير عندما يحاول أن يتصوّر كيف يمكن أن يصبح "الأزلي" طفلاً، وكيف يمكن اختزال "اللامتناهي" في أبعاد الزمن، وكيف يمكن أن يصبح "الخالق" واحداً مع خليقته. فالإبن تجسّد حتى يكشف عن الآب السماوي، ويعيدنا اليه، ويمحو خطايانا، فنصبح شركاء في طبيعته الإلهية.

    وها هو مار أفرام السرياني، ملفان الكنيسة الجامعة، يتغنّى بالطفل الإلهي الذي أصبح بشراً: «ܐܶܬܰܝܢ ܕܢܶܚܙܶܝܟ ܐܰܝܟ ܐܰܠܳܗܳܐ ܗܳܐ ܒܰܪܢܳܫܳܐ ܐܰܢ̱ܬ܆ ܐܶܬܰܝܢ ܕܢܶܚܙܶܝܟ ܐܰܝܟ ܕܰܠܐ̱ܢܳܫܳܐ ܨܡܰܚ ܠܶܗ ܢܺܝܫܳܐ ܕܰܐܠܳܗܽܘܬܳܟ»(ܡܳܪܝ̱ ܐܰܦܪܶܝܡ܆ ܡܰܕܪ̈ܳܫܶܐ ܕܒܶܝܬ ܝܰܠܕܳܐ܆ ܝܓ̄: ܛ̄)،وترجمته: "أتينا لنراكَ كإلهٍ، فها أنتَ إنسان. أتينا لنراكَ كإنسانٍ، فها قد شَعَّت علامة ُلاهوتكَ" (مار أفرام السرياني، أناشيد الميلاد،13: 9).

 

    3. الرعاة يستقبلون الخبر السارّ

    أطاع الرعاةُ الملاكَ وسارعوا للتفتيش عن مخلّصهم، وأصبحوا أوائل الناس في لقاء المسيح المخلّص، قادرين على "تمجيد الله وتسبيحه على كلّ ما سمعوا ورأوا كما قيل لهم" (لو 2: 20). آمن الرعاة بالأمور التي سمعوها، لم يقولوا: "هيّا نذهب ونرى ما إذا كان هذا الذي أُخبِرنا به سيحدث فعلاً"، لكنّهم قالوا: "هيّا نذهب ونرى ما حدث". آمنوا بكلمة الرب على لسان الملاك قبل أن يَرَوا فعلاً أنّها تحقّقت. فَـ"طوبى للذين يؤمنون ولم يَرَوا" (لو 20: 19).

    لنتشبّه بالرعاة، فهم امتلكوا الإيمان الحقيقي، بحثوا عن الطفل المضجَع في مذود والتقوا به، نشروا رسالة الإنجيل حيثما ذهبوا، وسبّحوا الله بفرح شاكرين. "إنّ هذا اللقاء بالتحديد بين الله وأبنائه، بواسطة يسوع، هو الذي يعطي الحياة لإيماننا، ويصنع جماله الفريد، الذي يتألّق بطريقةٍ خاصّة في مغارة الميلاد" (البابا فرنسيس، الرسالة البابوية بمناسبة عيد الميلاد 2019 بعنوان "علامة رائعة"، فقرة رقم 5).

    كم كان يوسف ومريم سعيدين عند قدوم الرعاة إليهم. فعلى الرغم من تغاضي الأغنياء عن هذه البشرى السارّة، تمَّ تكريم الطفل الإلهي من قِبَل هؤلاء الرجال الفقراء، وهؤلاء أيضاً لم يحتفظوا بما سمعوه ورأوه لأنفسهم. لقد قال الملاك "ها إنّي أبشّركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كلّه" (لو 2: 10)، لذلك "جعلوا يُخبِرون بما قيلَ لهم في ذلك الطفل" (لو 2: 17). كالرعاة، نحن المؤمنين بالمسيح، سنُخبِرُ عنه أمام الذين لا يعرفونه، بل أمام العالم بأسره.

 

    4. الحجّ إلى بيت لحم

    هلمّوا نذهب إلى بيت لحم، لنعاين الإله – الطفل المقمَّط والمُضجَع في مذود، إذ من أجل فدائنا، وجب أن يكون مخلّصنا إنساناً أيضاً. فإنّ فداء الإنسان الخاطئ، الضعيف والعاجز، كان الهدف الأسمى من ولادة المخلّص.

    هلمّوا إلى بيت لحم، حيث يتحلّق الجميع "حول المغارة المليئة بالفرح، دون وجود أيّ مسافة بين الحدث الذي تمّ والخليقة التي تشارك في الاحتفال بمجيء المسيح. الملائكة مع النجم المتلألئ علامة حسّية على أنّنا مدعوّون نحن أيضاً للانطلاق إلى مغارة بيت لحم والسجود للرب يسوع" (رسالة البابا فرنسيس نفسها: "علامة رائعة"، فقرة رقم 5).

    أدرك الرعاة بتواضعهم وفقرهم كيف يستقبلون حدث التجسّد. وكذلك فعل المجوس الثلاثة وهم الحكماء القادمون من المشرق لملاقاة الملك المولود، فقدّموا له هداياهم ذهباً ولباناً ومرّاً. "لهذه الهدايا معانٍ رمزية: الذهب يرمز إلى ملوكية يسوع، واللبان إلى ألوهته، والمرّ إلى إنسانيته المقدّسة التي عرفت الموت والدفن" (البابا فرنسيس، الرسالة نفسها: "علامة رائعة"، فقرة رقم 9). أصيب المجوس بالإرهاق والملل، فقد سافروا فترةً طويلةً يبحثون عن الملك المولود، تابعين النجم الجديد الذي سطع في السماء معلناً ولادة المخلّص، وقادهم إلى ذاك المكان حيث وجدوا الطفل ووالدته.

 

    5. أمام المذود

    أمام مذود بيت لحم، نرى تلك العائلة المقدّسة التي أدهشت العالم بوداعتها وهي تحتضن الطفل العجيب، كلمة الآب المتأنِّس لخلاصنا! نلتقي بمريم "أمَة الرب" (لو 1: 38)، هذه الأمّ التي تتأمّل وحيدها، تقدّمه لأولئك الذين يأتون لزيارته، نوراً للبشر السالكين في الظلمة ورجاءً للخليقة جمعاء. كما نعجب بيوسف البارّ، الرجل الصامت والأب المربّي، واقفاً بجانب مريم والطفل، يحميهما ويحرسهما.

    وباقترابنا من الطفل الإلهي، نعانق المسيح بإنسانيّته، ونشعر بعظمة تضحية الحبّ الإلهي، ونتعلّم من المسيح معنى الحبّ الكامل، هذا الإله الذي ارتضى أن يتأنّس ويُولَد في مذود حقير من أجل خلاصنا.

    "لقد أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً في حكم الشريعة، ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة، لنصير نحن أبناء الله" (غلا 4: 4-5). وُلِد المسيح في مذود صغير، ولَبِسَ جسدنا البشري ليهب الخلاص للبشرية التي أحبّها حبّاً عظيماً، هذه هي البشرى السارّة، وهذا هو أساس وجودنا وجوهر حياتنا.

    يتأمّل آباؤنا السريان بحدث الميلاد في مذود بمغارة بيت لحم، فيقولون: «ܥܰܠ ܒܶܝܬ ܠܚܶܡ ܕܺܝܗܽܘܕܳܐ ܥܶܒܪܶܬ܆ ܘܩܳܠܳܐ ܕܢܽܘܨܪ̈ܳܬܳܐ ܫܶܡܥܶܬ ܚܰܒܺܝ̈ܒܳܬܳܐ܆ ܘܰܐܚܕܰܢܝ ܕܽܘܡܳܪܳܐ. ܩܳܠܳܐ ܕܡܰܪܝܰܡ ܕܰܡܢܰܨܪܳܐ ܠܰܒܪܳܗ̇܆ ܨܒܰܝܬ ܒܺܝ ܡܳܪܝ ܘܰܗܘܺܝܬ ܐܶܡܳܟ܆ ܘܰܐܒܽܘܟ ܡܰܢܽܘ ܐܶܡܳܟ ܠܳܐ ܪܓܺܝܫܳܐ. ܒܪܺܝܟܽ ܗ̱ܘ ܕܰܫܒܰܩ ܡܰܪܟܰܒܬܳܐ ܒܪܰܘܡܳܐ܆ ܘܒܰܡܥܰܪܬܳܐ ܐܽܘܪܝܳܐ ܓܒܳܐ ܠܶܗ ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܡܽܘܟܳܟܶܗ»، وترجمته: "مررتُ ببيت لحم يهوذا، وسمعتُ صوت مناغياتٍ حبّيةٍ، فتملّكتني الدهشة. صوت مريم تناغي ابنها قائلةً: ارتضيتَ بي سيّدي وأصبحتُ أمّك، ومن هو أبوك لا أعلم. مباركٌ مَن ترك المركبة في العلى، واختار له مذوداً في مغارة هللويا المجد لتواضعه" (من صلوات خدمة عيد ميلاد الرب يسوع بحسب الطقس السرياني الأنطاكي).

 

    6. صدى العيد هذا العام

    إن أغمضنا عيوننا وتأمّلنا للحظات بما تمرّ به أوطاننا من حروبٍ ومآسٍ واضطهادات، لوجدنا أنفسنا نعيش الميلاد الحقيقي لربنا يسوع المسيح الذي تجسّد لأجل خلاصنا، في أجواء الاستقواء على الضعفاء الأبرياء والعنف والقهر والتشرّد.

 

    في لبنان، أكثر من شهرين مرّا والشعب اللبناني بمعظمه منتفض على المستقوين الفاسدين لأول مرّة في تاريخه، مؤسّساً لعامّيّة جديدة تصلح إن نجحت لوضع أسس دولة حديثة تتطلّع إلى المستقبل بأمل واعتزاز. دولة ديمقراطية، مدنية، تحترم مكوّناتها الروحية والشعبية المتنوّعة، دولة تحارب الفساد وتحاسب الفاسدين، دولة تؤمن بالمشاركة التي تدعو إلى الوحدة وليس إلى الانقسام، دولة المؤسّسات التي لا تميّز ولا تضطهد المواطنين ولا تهمّش طاقاتهم تبعاً لمذهبهم أو لأوضاعهم الاجتماعية. إنّنا نناشد القيّمين الأعلين على مراكز المسؤولية، أن يصغوا إلى مطالب الشعب ويؤلّفوا حكومةً قوامها وزراء متخصّصون من غير المرتهَنين للأحزاب والزعامات السياسية والطائفية. أولويات هذه الحكومة: استعادة ثقة المجتمع المحلّي والدولي بقدرات لبنان ومؤسّساته، ودعوة إلى إجراء انتخابات نيابية تتلاقى وتطلّعات الشباب المنتفض في الشارع. حكومة أضحت ضرورةً كي يستعيد المواطنون الثقة فيما بينهم ويولد لبنان من جديد ليضحي "رسالة" في محيطه.

 

    وفي سوريا، سنة جديدة حلّت، نكرّر فيها دعوتنا لجميع مكوّنات الشعب السوري إلى التعاضد والتكاتف لإنهاء الصراعات القائمة، والعمل سويّةً لإعادة بناء سوريا حجراً وبشراً، راجين خيراً بالمساعي التي يبذلها الخيّرون من أبناء الوطن لتقريب وجهات النظر وتذليل العقبات أمامهم، فتنتهي هذه الحرب العبثية، ويعمّ الاستقرار مختلف المحافظات السورية. وإنّنا نجدّد دعوتنا للمجتمع الدولي إلى العمل على رفع العقوبات الجائرة بحق الشعب البريء، وإلى إيقاف تدخّلات خارجية غايتها تنفيذ المخطّطات الجائرة بحقّ الشعب والوطن.

 

    في العراق، نجدّد دعوتنا لمكوّنات الشعب العراقي الحبيب كي يتّحدوا لإنهاء الأزمات القائمة والصراعات التي عصفت بوطنهم طويلاً، وها هي تعود منذ أشهر متّخذةً طابعاً دموياً لا تحمد عاقبته. وندعو السلطة السياسية كي تتفهّم مطالب الشعب المشروعة، وتتعاطف مع همومه وآلامه، وتستمع إلى نداءاته بوقف الفساد لبناء دولة عادلة ديمقراطية تحكم بالمساواة فيما بين مكوّناتها وتحاسب المسؤولين الفاسدين. كما نصلّي من أجل أبنائنا وبناتنا، ونشجّعهم على العودة إلى وطنهم ومدنهم وقراهم، والمساهمة مع باقي مكوّنات الشعب العراقي في الحفاظ على دولتهم وأرضهم.

 

    يؤلمنا أنه بعد مرور أكثر من ألفي عام، لا تزال الأرض التي قدّسها الرب يسوع المخلّص بميلاده وكرازته وموته وقيامته تشهد الصراعات والحروب. إنّنا نكرّر نداءاتنا كي يعترف المجتمع الدولي بدولة فلسطين، ويمنع استمرار الصراعات في الأراضي المقدسة، فتسود ثقافة قبول الآخر والمسامحة، وتبقى القدس عاصمة الدولتين. كما ندعو الأمم المتّحدة كي تتحمّل واجباتها لتطبيق المقرّرات الدولية لعودة اللاجئين إلى أرضهم، فتخمد الأحقاد ويكفّ القتل والدمار في شرقنا الحبيب.

 

    نجدّد شكرنا لسلطات المملكة الأردنية الهاشمية على الدور الذي تقوم به لتوطيد أواصر الإرتباط بين مختلف مكوّنات الشعب الأردني، وتعزيز ثقافة قبول الآخر وقيم المواطنة، بالإضافة إلى محبّة الشعب الأردني وتضامنه مع إخوته اللاجئين من سوريا والعراق، واستضافتهم واحترامهم ودعمهم حتّى توفُّر مناخات العودة إلى أوطانهم.

 

    أمّا مصر التي عقدنا على أرضها المؤتمر السابع والعشرين لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، والتي إليها لجأت العائلة المقدسة، فقد انتصرت اليوم على الإرهاب الذي كان يعصف بها واستطاعت، بحكمة المسؤولين فيها وبتضامن شعبها، أن تؤمّن لسائر المواطنين الحرّية والأمان ليعيشوا بالتآخي، متساوين في الحقوق والواجبات أمام الدولة ومؤسّساتها.

 

    وتركيا، حيث لا يزال أبناؤنا محافظين على إيمانهم وتراثهم العريق، فإنّنا نحثّهم على متابعة الشهادة للرب في أرض الآباء، طالبين منه تعالى أن يقوّي عزيمتهم، وهم يثبتون اعتزازهم بأرضهم وتراثهم، وخير دليل على ذلك ترميمهم وتأهيلهم لدير مار أفرام في ماردين الذي سندشّنه في شهر أيّار القادم بإذن الله.

 

    أمّا أبناؤنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، فإنّنا نتوجّه إليهم بأفكارنا ونحملهم في قلوبنا، ونحن نقدّر أوضاعهم وتحدّيات القادمين الجدد منهم، ونحثّهم على التمسّك بإيمانهم بالرب يسوع والتزامهم الكنسي وتقليد الآباء والأجداد في بلاد المنشأ في الشرق. كما نؤكّد عليهم وجوب تربية أولادهم وتنشئة عائلاتهم على الأمانة لهذه المبادئ السامية.

 

    ولا ننسى أن نذكر بعواطف المحبّة والتضامن أبناءنا وبناتنا الذين يعانون من جراء النزوح والهجرة والإقتلاع من أرض الآباء والأجداد، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات. كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفة وكهنة وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.

 

   ويطيب لنا أن نذكّر أبناءنا وبناتنا في كلّ أنحاء العالم بالمشاركة في الاحتفالات التي ستقيمها كنيستنا السريانية في العام القادم 2020، بمناسبة مئوية الرسالة الحبرية التي وجّهها قداسة البابا بنديكتوس الخامس عشر في 5 تشرين الأول عام 1920، وفيها أعلن قداسته أنّ القديس مار أفرام السرياني هو ملفانٌ للكنيسة الجامعة. وبهذه المناسبة سنضع نصباً لهذا القديس في حدائق كاستل كوندولفو البابوية في روما.

 

    وفيما نسأل الرب أن يعمّ السلام والأمان في العالم كلّه، نستلهم، وككلّ عام، من الرسالة التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للسلام للعام 2020، بعنوان "السلام كمسيرة رجاء:حوار ومصالحة وتوبة بيئيّة"، إذ يقول قداسته: "إنّ عملية السلام هي التزام مستمرّ وعمل صبور من البحث عن الحقيقة والعدالة (فقرة 2). والسلام لا يتحقّق إن كنّا لا نرجوه. فالروح القدس يلهمنا، يوماً بعد يوم، بأعمالنا وأقوالنا كي نصبح صانعي عدالة وسلام" (فقرة 5).

 

    7. خاتمة

    هلمّوا إلى بيت لحم لنسجد أمام الطفل الإلهي، ربّنا وخالقنا، الله الذي أحبّنا محبّةً عظيمةً لا نستطيع أن نسبر غورها. فهو لا يريدنا أن نعيش حياة الشقاء والتعاسة، بل حياة الفرح والسلام. عمانوئيل، الله معنا، جاء "لتكون الحياة للناس وتفيض فيهم" (يو10: 10). يا ربّ، تعالَ واسكن فينا. ألا هيّئ قلوبنا لتصبح مغارةً لائقةً بك، وتعالَ لزيارتنا، فزيارتك هذه تكفينا لنعيش سلامك الحقيقي الذي يفوق كلّ سلام، ونتذوّق حبّك الفريد، فالعالم اليوم بأمسّ الحاجة إليك. آمين! تعالَ أيّها الرب يسوع!

 

    وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

    كلّ عام وأنتم بألف خير.

 

ܡܫܺܝܚܳܐ ܐܶܬܺܝܠܶܕ... ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ  وُلِدَ المسيح! هللويا!

 

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت -لبنان

في اليوم العشرين من شهر كانون الأوّل سنة 2019،

وهو عيد القديس مار اغناطيوس النوراني،

 وهي السنة الحادية عشرة لبطريركيتنا

 

    اغناطيوس يوسف الثالث يونان

    بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

 

46
الرقم: 53/أس/2019
التاريخ: 20/10/2019

بيان صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

البطريرك يونان يطلق موقفاً ونداءً ملحّاً "من أجل لبنان الذي يمرّ بأيّامٍ صعبةٍ وعصيبة"

البطريرك يونان: "نثني على هذا الحراك الشعبي المحقّ والعادل، ونناشد ضمائر المسؤولين،
إن بقي هناك ضميرٌ في دنيا النفاق هذه، أن يكونوا على قدر المسؤولية التي أُوكِلت إليهم"

نظراً للأوضاع الراهنة والأزمة الأخيرة في لبنان، توجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بكلمة أطلق فيها موقفاً ونداءً ملحّاً من أجل لبنان الذي يمرّ بأيّامٍ صعبةٍ وعصيبةٍ، فقال غبطته:
"نصلّي اليوم من أجل لبنان الذي يمرّ بأيّامٍ صعبةٍ وعصيبةٍ، حيث يشهد تظاهراتٍ شعبيةً غير مسبوقةٍ تندّد بالوضع الحالي في البلاد وبما وصل إليه المواطنون من بطالةٍ، وجوعٍ، وعدم توفُّر أدنى مقوّمات العيش الكريم، اقتصادياً واجتماعياً.
إنّنا نؤيّد الشعب اللبناني الأبيّ في مطالبه، ونرفع الصوت معه، بكلّ فئاته وأطيافه، كرعاةٍ كنسيين يهمّهم قبل كلّ شيءٍ خير النفوس والمؤمنين وأبناء الوطن جميعاً، ونتوجّه إلى المسؤولين عن شؤون البلاد كي ينصتوا إلى صوت الشعب، فيقوموا على الفور بالإصلاحات الضرورية والأساسية، من مكافحة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، وإنهاء سرقة المال العام، وإيقاف الهدر في مرافق الدولة، والإمتناع عن فرض أيّ زيادةٍ على الضرائب أو ضرائب جديدة، وتأمين حاجات المواطنين الأساسية ومتطلّبات عيشهم الكريم ومسكنهم اللائق، لتعود إلى المواطنين الثقةُ التي فقدوها بوطنهم وبالمسؤولين فيه.
وفيما نثني على هذا الحراك الشعبي المحقّ والعادل، نناشد ضمائر المسؤولين، إن بقي هناك ضميرٌ في دنيا النفاق هذه، أن يكونوا على قدر المسؤولية التي أُوكِلت إليهم. وندعو إلى أن تكون هذه المظاهرات الشعبية سلميةً وحضاريةً، بعيدةً كلّ البعد عن أيّ شعاراتٍ مسيئةٍ أو تعدّياتٍ على أشخاصٍ مدنيين أو عسكريين أو أملاكٍ عامّةٍ وخاصّة.
نسأل الله أن يلهم المسؤولين سبيل الخروج من هذه الأزمة الراهنة، وتنفيذ مطالب الشعب، ليعود إلى لبنان سلامه وأمانه وازدهاره، وإلى مواطنيه الطمأنينة والاستقرار والعيش الكريم، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة لبنان، وجميع القديسين والشهداء".


أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

47

البيان الختامي
للسينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
الكرسي البطريركي في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان 17-22/6/2019

مقدّمة
عُقد السينودس السنوي العام لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، في الفترة الممتدّة من 17 حتى 22 حزيران 2019، في الكرسي البطريركي في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان، وذلك برئاسة صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، وبمشاركة آباء السينودس الأساقفة القادمين من الأبرشيات والأكسرخوسيات والنيابات البطريركية والرسولية في لبنان وسوريا والعراق والقدس والأردن ومصر والولايات المتّحدة الأميركية وفنزويلا وأستراليا والوكيل البطريركي في روما.
استهلّ الآباء اجتماع السينودس برياضة روحية، يومي 17 و 18 حزيران، ألقى مواعظها الأب مالك أبو طانوس الرئيس العام لجمعية المرسَلين اللبنانيين الموارنة، متأمّلاً بمزايا الأسقف وصفاته وخدمته.
وتضمّن جدول أعمال السينودس الشؤون الكنسية والروحية والراعوية والإجتماعية والوطنية التالية:

أولاً: الشؤون الراعوية
أ‌-   الوضع في لبنان:
أشاد الآباء بالجهود التي بذلتها الحكومة اللبنانية بإقرارها مشروع الموازنة وإحالته إلى المجلس النيابي لإقراره، متمنّين أن يصار إلى اتّخاذ الخطوات والقرارات الجريئة التي تخفّف من الأعباء على المواطنين اللبنانيين، وتساهم بمكافحة الفساد والتهرّب الضريبي والتوظيف العشوائي الذي تشكو منه معظم الإدارات.
وفي هذا الإطار، يكرّر الآباء نداءهم إلى فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الحكومة وكلّ المعنيين لإيجاد الحلّ السريع والفوري لمشكلة الإسكان وما سبّبته من تهجير جديد للشباب اللبناني، فضلاً عن الركود الإقتصادي، مع ما يستتبع ذلك من مخاطر جمّة على مستقبل الوطن والدولة.
وجدّد الآباء مطالبة المسؤولين بتحقيق التمثيل العادل والمُنصف للسريان في لبنان في مختلف الإدارات والمؤسّسات، وطالبوا أن يصار إلى اختيار أحد أبنائهم أو بناتهم لعضوية المجلس الدستوري المزمَع تشكيله، وذلك مساهمةً في خدمة الوطن مع شركائهم من مختلف المكوّنات.


ب‌-   أوضاع الأبرشيات في بلاد الشرق:
قدّم الآباء تقاريرهم عن حياة ونشاطات الأبرشيات والنيابات البطريركية في بلدان الشرق، ولم يغب عنهم استعراض واقع الحال ومعاناة أبنائهم في ظلّ الحروب العبثية التي لا تنتهي، والإضطهادات وأعمال العنف والإرهاب والتهجير والقتل والتدمير، واقتلاع عدد كبير من رعاياهم من أرض الآباء والأجداد، لا سيّما في سوريا والعراق، وتشتُّتهم في أرجاء الدنيا. ولكنّهم تفاءلوا أيضاً شاكرين الله لعودة العديد من المهجَّرين إلى قراهم في هذين البلدين.
وشدّد الآباء على الوحدة والتضامن وإعادة اللحمة والإحترام المتبادل بين أبناء كلٍّ من سوريا والعراق، مؤكّدين على ضرورة تعاضُد جميع المكوّنات لإرساء دعائم المواطنة المتكافئة، فالمسيحيون مكوِّن أصيل ومؤسِّس في هذين البلدين. ودعوا إلى تجاوُز المحنة والتكاتف بين جميع المواطنين لبناء السلام والرجاء والوحدة.
وأثنى آباء السينودس على جهود الحكومة في مصر لتعزيز الوحدة الوطنية والإستقرار الإجتماعي، وأبدوا ارتياحهم البالغ لخطاب الإعتدال الذي ينتهجه الرئيس. كما شدّدوا على حقّ الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وإقامة دولتهم على أرضهم، مؤكّدين أنّ القدس مدينة مقدّسة لأتباع الديانات الثلاث. ورحّبوا بالمساعي المبذولة للإستحصال على الإعتراف الرسمي بكنيستنا السريانية في الأردن. كما ثمّنوا تعلُّق أبنائهم في تركيا بكنيستهم، وسعيهم للمحافظة على ممتلكاتها أو استعادتها في أرض آبائهم وأجدادهم.
وجدّد الآباء مطالبتهم بإيقاف الحروب وحلّ النزاعات بالحوار والطرق السلمية، وإحلال السلام العادل والشامل والدائم، وعودة جميع النازحين والمهجَّرين واللاجئين والمخطوفين إلى أرضهم وأوطانهم.
ج- الكنيسة في بلاد الإنتشار
درس الآباء واقع الخدمة الراعوية لأبناء الكنيسة السريانية في بلاد الإنتشار، في أوروبا، والأميركيتين، وأستراليا. وأولوا اهتماماً خاصاً بتأمين خدمتهم الروحية والراعوية بإرسال كهنة كفوئين وغيورين من الأبرشيات الأمّ لمواكبتهم في بلاد المهجر، بالرغم من التحدّيات التي تسبّبها محنة الهجرة إلى بلاد الإغتراب والتأقلم المؤلم. وتوجّه الآباء بمحبّتهم وثقتهم إلى أبنائهم المغتربين وأهابوا بهم المحافظة على وديعة الإيمان والأمانة


لكنيستهم وتراثهم السرياني ولأوطانهم الأصلية. كما حثّوهم على تقديم المساعدة والعون لأهلهم وأبرشياتهم الأمّ في الشرق على قدر طاقتهم، تعبيراً عن تضامنهم وتعلّقهم بأرضهم.

ثانياً: الشأن الكنسي
أ‌-   الشبيبة والتنشئة الكهنوتية
ناقش الآباء التقارير المقدَّمة عن الرهبانية الأفرامية بفرعيها الرجالي والنسائي، وعن إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية في دير الشرفة، وتناولوا سبل رفدها بالدعوات وتنشئتها التنشئة اللازمة، إنسانياً وروحياً وراعوياً وثقافياً، كون هذه المؤسّسات بمثابة القلب النابض لكنيستنا. وأثنى الآباء على مشاريع غبطة البطريرك المقبلة، ومنها إقامة لقاء الشبيبة السريانية في سوريا في مطلع تمّوز المقبل، والتحضير للقاء العالمي الثاني للشبيبة السريانية في عام 2021. كما أوصى الآباء أن تُعقَد مثل هذه اللقاءات في أبرشيات وبلدان أخرى.
واطّلع الآباء على الإستعدادات الجارية لعقد المؤتمر الرابع لكهنة كنيستنا، وذلك في لبنان، من 20 حتى 24 نيسان 2020.
ب‌-    الإصلاح الليتورجي
اطّلع الآباء على آخر مستجدّات الإصلاح الليتورجي المتعلّق بذبيحة القداس الإلهية، على أن يصدر كتاب القداس في صيغته الجديدة في الأشهر القادمة. 
ج- الشرع الخاص بكنيستنا السريانية
راجع الآباء مشروع قوانين الشرع الخاص بالكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، الذي قدّمته اللجنة القانونية، وأوصوا اللجنة بطباعته كي يُصار إلى الموافقة عليه واعتماده.
د- اليوبيل المئوي لإعلان مار أفرام السرياني ملفاناً للكنيسة الجامعة
قرّر الآباء إحياء ذكرى اليوبيل المئوي لإعلان مار أفرام السرياني ملفاناً للكنيسة الجامعة، وقد تمّ ذلك على يد البابا بنديكتوس الخامس عشر عام 1920، وبمساعي البطريرك أفرام الثاني رحماني. وستقام الإحتفالات في غضون عام 2020 وفق برنامج يُعلن لاحقاً.



ثالثاً: التدابير الإدارية والراعوية
أ‌-   انتخب الآباءُ أعضاءً جدداً للسينودس الدائم لمدّة خمس سنوات، هم أصحاب السيادة: مار اقليميس يوسف حنّوش مطران أبرشية القاهرة والنائب البطريركي على السودان، مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي، ومار ثيوفيلوس  فيليب بركات رئيس أساقفة حمص وحماة والنبك.
ب‌-   انتخب الآباءُ سيادةَ المطران مار يوحنّا جهاد بطّاح النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، رئيساً لأساقفة أبرشية دمشق، خلفاً لسيادة المطران مار غريغوريوس الياس طبي الذي استقال بسبب بلوغه السنّ القانوني.
ج‌-   وافق الآباء على تعيين غبطة البطريرك لسيادة المطران مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، مدبّراً بطريركياً لأبرشية الحسكة ونصيبين.
د‌-   اتّخذ آباء السينودس التدابير الإدارية والإجراءات اللازمة بحسب متطلّبات الخدمة الروحية والراعوية في أماكن عدّة.

خاتمة
في ختام السينودس، شكر الآباءُ الربَّ الذي جمعهم باسمه وأنارهم بإلهامات روحه القدّوس، وكلّل أعمالهم بالنجاح لخير الكنيسة والمؤمنين. وتوجّهوا إليه تعالى كي يحفظ أبناءهم وبناتهم المنتشرين في كلّ مكان شرقاً وغرباً، داعين إيّاهم إلى التمسّك بالإيمان الراسخ والرجاء الوطيد والمحبّة الباذلة، فيكونوا شهوداً لفرح الإنجيل حيثما حلّوا، واثقين بأنّ الرب وعد كنيسته أنه "في وسطها فلن تتزعزع" (مزمور 46: 5)، وهو باقٍ معها "كلّ الأيّام حتى انقضاء الدهر" (متّى 28: 20).



48
الرقم: 32/أس/2019
التاريخ: 17/6/2019
بيان إعلامي
غبطة البطريرك يونان يفتتح أعمال السينودس السنوي للكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان الإعلامي التالي:
بدأ أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية أعمال سينودسهم السنوي العادي برئاسة صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، وذلك يوم الإثنين 17/6/2019، في الكرسي البطريركي بدير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان.
سيعالج السينودس شؤون الأبرشيات والنيابات البطريركية والأكسرخوسيات والإرساليات وأحوال المؤمنين في لبنان وبلاد الشرق والإنتشار، وشؤوناً كنسية وإدارية وراعوية.
كما سيبحث السينودس الأوضاع العامّة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط والحضور المسيحي فيها.
وفي الكلمة الإفتتاحية التي ألقاها غبطة البطريرك يونان، رحّب غبطته بالآباء الأساقفة، داعياً إيّاهم إلى المشاركة في أعمال السينودس بروح المحبّة والأخوّة والوحدة، "مجتهدين في المحافظة على وحدة الروح برباط السلام"، وعارضاً أبرز المواضيع المدرَجة على جدول الأعمال، متوقّفاً عند الأوضاع العامّة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، فقال غبطته:
"لا تغيب عن اجتماعنا اليوم شؤون أبنائنا وشجونهم في بلدان الشرق المعذَّب والذي يئنّ تحت وطأة حروبٍ واضطهاداتٍ وأعمال عنفٍ وإرهابٍ وتهجيرٍ وقتلٍ وتدميرٍ، اقتلعت الكثيرين منهم من أرض الآباء والأجداد، فهاموا على وجوههم تحت كلّ سماء، مع ما يستتبع ذلك من تهديد لوجود كنيستنا في أرض نشأتها في الشرق، وما تقتضيه ضرورات الخدمة الراعوية التي تستوجب تأمين الكهنة للإعتناء بالمؤمنين كي يحافظوا على إيمانهم وتقاليد كنيستهم.
أمّا لبنان، وطننا الحبيب، فلا بدّ لنا من الإشادة بالجهود التي تبذلها الحكومة في إصلاح الإقتصاد ومكافحة الفساد، إلا أننا ندعو جميع المسؤولين إلى تحمّل مسؤولياتهم وتأمين العيش الكريم لجميع المواطنين، والقيام بمهامهم بالنزاهة والشفافية والضمير الحيّ، مقلّلين من الكلام المعسول ومكثرين من العمل الجادّ لما فيه خير الوطن وازدهاره.
ولا يفوتنا أن ننوّه إلى ما تعانيه مدارسنا الخاصة متمنّين على المسؤولين أن يولوا القطاع التربوي العناية اللازمة في ظلّ ما يعيشه المواطنون من غلاء المعيشة.



أضف إلى ذلك استفحال مشاكل القروض الإسكانية التي توقّفت مؤخّراً، وبات مستقبل الآلاف من الشباب اللبناني في بناء عائلات جديدة مهدَّداً بشكل جدّي، وهذا ما سيؤدّي، ما لم تجد الدولة الحلول الناجعة والسريعة، إلى ازدياد حالات الهجرة للطاقات الشبابية في وطننا، الأمر الذي سيحوّل لبنان دولةً عجوز في هرمها السكّاني.
ونعود لنجدّد كما في كلّ مناسبة مطالبة المسؤولين بتحقيق التمثيل العادل والمنصف للسريان في لبنان في المجلس النيابي والحكومة ووظائف الفئة الأولى والأسلاك القضائية والأمنية والعسكرية. فالسريان قدّموا ولا يزالون يقدّمون الغالي والنفيس في خدمة لبنان، وهم ينتظرون من الدولة أن تعطيهم حقّهم في المشاركة في خدمة الوطن.
جميعنا يدرك عمق المعاناة التي يكابدها أبناء كنيستنا في سوريا، حيث الحرب التي حاولت أن تهدم ركائز الوطن وبُناه الأساسية، إلا أنّ وحدة أبنائه وتكاتفهم حمى الوطن من شرّ المتربّصين به.
ولا يمكننا أن نغفل معاناة أبنائنا في العراق الذين قاسوا محنة النزوح والتهجير القسري من أرضهم في الموصل وسهل نينوى، ولكنّنا نشكر الله الذي فرّج عنهم باستعادتهم أرضهم وبيوتهم. ونحن نصلّي كي يتعاضد جميع مكوّنات الوطن فيسهموا في إرساء دعائم أمنه واستقراره، مشدّدين على أنّ المسيحيين مكوّن أصيل ومؤسِّس فيه، بل هم سكّانه الأصليون.   
ويطيب لي أن أجدّد التهنئة والثناء على جهود إخوتي من الرعاة الروحيين في سوريا والعراق الذين ثبتوا راسخين مع أبنائهم وبناتهم في خضمّ المحنة والحرب والمعاناة، داعياً لهم بالصحّة والعافية وبركة الرب كي تتكلّل خدمتهم بالنجاح الدائم.
ونرفع الصلاة من أجل إحلال السلام والأمان في جميع أرجاء الشرق، من سوريا والعراق والأراضي المقدسة ومصر والأردن وتركيا، ونترحّم على أرواح الشهداء، ونصلّي من شفاء الجرحى، وعودة كلّ أسير ومخطوف.
وإلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الإنتشار، في أوروبا وأميركا وأستراليا، نؤكّد أنهم في قلوبنا وفي فكرنا دائماً، ونحن نسعى جاهدين لتأمين الخدمة الروحية والراعوية لهم، ونوصيهم بالمحافظة على وديعة الإيمان بالرب يسوع وأمانة التراث والتقليد السرياني الأصيل الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم في بلاد نشأتهم في الشرق، كي يربّوا أولادهم على نفس الأسس لما فيه خيرهم ومستقبلهم الباهر".

هذا وستستمرّ أعمال السينودس حتى يوم السبت 22 حزيران الجاري، حيث تنتهي ببيان ختامي يُتلى أمام وسائل الإعلام في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً.

                                       أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية


       الكلمة الإفتتاحية
لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

في السينودس السنوي العادي للكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
          دير سيدة النجاة – الشرفة، 17-22 حزيران 2019
----------------------
         إخوتي الأجلاء، آباء سينودس كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام،
     حضرات الخوارنة والآباء الكهنة الأفاضل:
ܚܽܘܒܳܐ ܘܰܫܠܳܡܳܐ ܒܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܡܫܺܝܚܳܐ، ܕܒܰܫܡܶܗ ܡܶܬܟܰܢܫܺܝܢܰܢ ܐܰܟ̣ܚܰܕ ܒܗܳܕܶܐ ܣܽܘܢܳܗ̱ܕܽܘܣ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ

يطيب لي أن أحييكم شاكراً حضوركم وتلبيتكم دعوتنا للمشاركة في اجتماعات السينودس السنوي العادي لكنيستنا السريانية الأنطاكية، وهو المجمع السنوي الحادي عشر الذي نعقده معاً منذ تسلّمنا الخدمة البطريركية، وبعد انقضاء عشر سنوات كاملة ونحن الآن في السنة الحادية عشرة من خدمتنا التي لمسنا خلالها منكم روح التعاون والمحبّة والأخوّة، ممّا ساهم بتحقيق الكثير من الأعمال والإنجازات، رغم صعوبة الظروف التي ألمّت ولا تزال تعصف بكنيستنا وبشرقنا.
نرحّب بشكل خاص بسيادة أخينا الجليل مار نثنائيل نزار سمعان الأسقف المساعد مع حقّ الخلافة لأبرشية الموصل وكركوك وكوردستان، والذي يحضر معنا هذا السينودس للمرّة الأولى بعد أن انتخبناه في المجمع المنصرم، وقمنا بسيامته الأسقفية في السابع من حزيران الجاري في كنيسة الطاهرة الكبرى في قره قوش العزيزة في العراق. إنّنا نهنّئه وندعو له برسالة مثمرة تتكلّل بالنجاح في الخدمة الأسقفية على مثال الرب يسوع "الراعي الصالح"، وبروح المشاركة الحقّة والتناغم مع راعي الأبرشية سيادة أخينا الحبر الجليل مار يوحنّا بطرس موشي الجزيل الإحترام.
وباسمكم جميعاً نرحّب بقدس الأب العام لجمعية المرسَلين اللبنانيين الموارنة مالك أبو طانوس، الذي تلطّف مشكوراً ولبّى دعوتنا ليلقي علينا مواعظ الرياضة الروحية التي بها نستهلّ أعمال سينودسنا، متأمّلين بمزايا الأسقف وصفاته وخدمته، على ضوء كلمات ومواقف لمار بطرس هامة الرسل، داعين له ولجمعيته بدوام النجاح وفيض النعم والبركات.

نلتقي أيّها الأخوة الأعزاء في هذا السينودس، تجمعنا روح الشراكة الأسقفية وفق مقتضيات الدعوة التي إليها دعانا الرب كي نكون وكلاء له ومؤتمَنين على رعاية المؤمنين اللائذين بأرشياتنا ورعايانا وإرسالياتنا، مجتهدين في الحفاظ على روح الوحدة والمحبّة والإحترام المتبادل، وإن تعدّدت الآراء وتشعّبت واختلفت. فنعالج المواضيع بمصداقية وأمانة، بروح النزاهة والتجرّد، محكّمين ضميرنا الرعوي وحسّنا الكنسي، وواضعين نصب أعيننا خير الكنيسة ومنفعة أبنائها وبناتها، مستذكرين أنّ الشرع الكنسي يوجّهنا إلى أن نولي خلاص النفوس الأهمّية القصوى، وهو الخير الأسمى الذي إليه تصبو خدمتنا.
وها هو رسول الأمم مار بولس يوصينا أن نحيا "مجتهدين في المحافظة على وحدة الروح برباط السلام" (أف4: 3)، فهو يدعونا للعمل بكدّ ومثابرة كاملة، ساعين لأن نكون روحاً واحداً وقلباً واحداً، تجمعنا المحبّة المتسلّحة بالحقيقة والمستنيرة بإلهامات الروح الذي يعمل فينا كلّ حين ويهدينا سواء السبيل لخدمة الكنيسة، ولنشر السلام من حولنا، بين بعضنا البعض في سينودس الأساقفة، ومع إخوتنا الخوارنة والكهنة ومع جماعة المؤمنين. وفي كلّ ذلك نعمل بكما يليق بالرعاة الصالحين الذين أودعهم الرب مهمّة التقديس والتدبير والتعليم، كي يعطوا المؤمنين الطعام الروحي في حينه.
في هذا المجمع، سنعالج مواضيع متعدّدة وضعناها على جدول الأعمال الموجود بين أيديكم، والذي سنستعرضه معاً بعد قليل، فنقرّه ونضيف إليه ما يتمّ اقتراحه. وأبرز هذه المواضيع:
-   أوضاع أبرشياتنا في الشرق وبلاد الإنتشار، وأحوال النازحين والمهجَّرين والوافدين الجدد إلى بلاد الغرب، وذلك من خلال تقارير تُقَدَّم عن الأبرشيات والنيابات البطريركية والأكسرخوسيات والزيارات الرسولية والوكالة البطريركية لدى الكرسي الرسولي.
-   الخدمة الكهنوتية في كنائس الإنتشار: الإنجازات، الصعوبات، التحدّيات، وآفاق المستقبل.
-   شؤون الكهنة والتنشئة الإكليريكية والرسامات الكهنوتية، والتحضيرات للمؤتمر الثالث لكهنة كنيستنا السريانية الذي سيُعقَد في السنة القادمة 2020 بإذنه تعالى.
-   الإنتهاء من إقرار الشرع الخاص لكنيستنا السريانية الكاثوليكية تمهيداً للعمل به.
-   آخر مستجدّات الإصلاح الليتورجي المتعلّقة بذبيحة القداس الإلهية.
-   احتفالات كنيستنا بمناسبة اليوبيل المئوي لإعلان ملفنة مار أفرام في الكنيسة الجامعة، والتي ننوي إقامتها في غضون شهر تشرين الأول من العام المقبل 2020.
-   شؤون الشبيبة والتحضيرات لعقد لقاء شباب سوريا السريان الكاثوليك في مطلع شهر تمّوز القادم 2019، والبدء بإعداد اللقاء العالمي القادم للشباب السرياني الكاثوليكي في العام 2021، فضلاً عن الإعداد للقاءات الشبيبة في كلّ بلد.
-   اتّخاذ التدابير الإدارية والإجراءات اللازمة بحسب حاجات الخدمة الروحية والرعوية لأبنائنا في أماكن عدّة.
إخوتي الأحباء:
لا تغيب عن اجتماعنا اليوم شؤون أبنائنا وشجونهم في بلدان الشرق المعذَّب والذي يئنّ تحت وطأة حروبٍ واضطهاداتٍ وأعمال عنفٍ وإرهابٍ وتهجيرٍ وقتلٍ وتدميرٍ، اقتلعت الكثيرين منهم من أرض الآباء والأجداد، فهاموا على وجوههم تحت كلّ سماء، مع ما يستتبع ذلك من تهديد لوجود كنيستنا في أرض نشأتها في الشرق، وما تقتضيه ضرورات الخدمة الراعوية التي تستوجب تأمين الكهنة للإعتناء بالمؤمنين كي يحافظوا على إيمانهم وتقاليد كنيستهم.
جميعنا يدرك عمق المعاناة التي يكابدها أبناء كنيستنا في سوريا، حيث الحرب التي حاولت أن تهدم ركائز الوطن وبُناه الأساسية، إلا أنّ وحدة أبنائه وتكاتفهم حمى الوطن من شرّ المتربّصين به.
ولا يمكننا أن نغفل معاناة أبنائنا في العراق الذين قاسوا محنة النزوح والتهجير القسري من أرضهم في الموصل وسهل نينوى، ولكنّنا نشكر الله الذي فرّج عنهم باستعادتهم أرضهم وبيوتهم. ونحن نصلّي كي يتعاضد جميع مكوّنات الوطن فيسهموا في إرساء دعائم أمنه واستقراره، مشدّدين على أنّ المسيحيين مكوّن أصيل ومؤسِّس فيه، بل هم سكّانه الأصليون.   
ويطيب لي أن أجدّد التهنئة والثناء على جهود إخوتي من الرعاة الروحيين في سوريا والعراق الذين ثبتوا راسخين مع أبنائهم وبناتهم في خضمّ المحنة والحرب والمعاناة، داعياً لهم بالصحّة والعافية وبركة الرب كي تتكلّل خدمتهم بالنجاح الدائم.
ولا يسعنا إلا أن نرفع الصلاة من أجل إحلال السلام والأمان في جميع أرجاء الشرق، من سوريا والعراق والأراضي المقدسة ومصر والأردن وتركيا، ونترحّم على أرواح الشهداء، ونصلّي من شفاء الجرحى، وعودة كلّ أسير ومخطوف.
أمّا لبنان، وطننا الحبيب، فلا بدّ لنا من الإشادة بالجهود التي تبذلها الحكومة في إصلاح الإقتصاد ومكافحة الفساد، إلا أننا ندعو جميع المسؤولين إلى تحمّل مسؤولياتهم وتأمين العيش الكريم لجميع المواطنين، والقيام بمهامهم بالنزاهة والشفافية والضمير الحيّ، مقلّلين من الكلام المعسول ومكثرين من العمل الجادّ لما فيه خير الوطن وازدهاره.
ولا يفوتنا أن ننوّه إلى ما تعانيه مدارسنا الخاصة متمنّين على المسؤولين أن يولوا القطاع التربوي العناية اللازمة في ظلّ ما يعيشه المواطنون من غلاء المعيشة. أضف إلى ذلك استفحال مشاكل القروض الإسكانية التي توقّفت مؤخّراً، وبات مستقبل الآلاف من الشباب اللبناني في بناء عائلات جديدة مهدَّداً بشكل جدّي، وهذا ما سيؤدّي، ما لم تجد الدولة الحلول الناجعة والسريعة، إلى ازدياد حالات الهجرة للطاقات الشبابية في وطننا، الأمر الذي سيحوّل لبنان دولةً عجوز في هرمها السكّاني.
ونعود لنجدّد كما في كلّ مناسبة مطالبة المسؤولين بتحقيق التمثيل العادل والمنصف للسريان في لبنان في المجلس النيابي والحكومة ووظائف الفئة الأولى والأسلاك القضائية والأمنية والعسكرية. فالسريان قدّموا ولا يزالون يقدّمون الغالي والنفيس في خدمة لبنان، وهم ينتظرون من الدولة أن تعطيهم حقّهم في المشاركة في خدمة الوطن.
وإلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الإنتشار، في أوروبا وأميركا وأستراليا، نؤكّد أنهم في قلوبنا وفي فكرنا دائماً، ونحن نسعى جاهدين لتأمين الخدمة الروحية والراعوية لهم، ونوصيهم بالمحافظة على وديعة الإيمان بالرب يسوع وأمانة التراث والتقليد السرياني الأصيل الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم في بلاد نشأتهم في الشرق، كي يربّوا أولادهم على نفس الأسس لما فيه خيرهم ومستقبلهم الباهر.
 واسمحوا لي أن أستعرض في جولة سريعة أهمّ الأحداث التي عرفتها بطريركيتنا السريانية منذ ختام مجمعنا في السنة الماضية:
1-   تكريس وتقديس كنيسة مار أسيا الحكيم في سودرتاليا – السويد، وهي أوّل كنيسة خاصة لبطريركيتنا في هذا البلد.
2-   إعادة تدشين كاتدرائية سيّدة الإنتقال في حلب بعد تعرُّضها للقصف وتدمير أجزاء منها نتيجة الحرب التي دارت في تلك المدينة.
3-   متابعة أعمال بناء كنيسة ومركز مار أفرام السرياني في منطقة ضهر صفرا – طرطوس في سوريا التي تقوم بها البطريركية على قطعة أرض قدّمتها الدولة السورية، وذلك لخدمة أبنائنا الوافدين إلى تلك المنطقة.
4-   متابعة الأعمال في مشروع مار يوسف السكني في الفنار - لبنان، والتي وصلت إلى مراحلها الأخيرة. ونحن بانتظار أن تعاود الدولة اللبنانية تقديم قروض الإسكان لتتمكّن العائلات الشابّة من أبنائنا الذين اشتروا شققاً في هذا المشروع من متابعة المعاملات اللازمة لإستلام شققهم.
5-   رسامة أسقف مساعد مع حقّ الخلافة لأبرشية الموصل وكركوك وكوردستان هو سيادة المطران مار نثنائيل نزار سمعان في 7 حزيران الجاري 2019 في كنيسة الطاهرة الكبرى – قرقوش، العراق.
6-   رسامة كاهنين جديدين للأبرشية البطريركية، هما الأب ديفد ملكي (10 تشرين الثاني 2018)، والأب كريم كلش (1 حزيران 2019).
7-   زيارات راعوية إلى الإرساليات السريانية في أوروبا: في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا والسويد، في آب وأيلول وتشرين الأول 2018، وآذار ونيسان وأيّار وحزيران 2019، للاطّلاع عن كثب على شؤون أبنائنا فيها، وتثبيتهم على الإيمان والتعلّق بالكنيسة الأمّ في الشرق، وكذلك زيارة أساقفة عدد من الأبرشيات الكاثوليكية المحلّية فيها، وأساقفة كنائس أخرى، ورسامة شمامسة في الدرجات الصغرى لتلك الإرساليات.
8-   زيارات راعوية إلى أبرشية الموصل وكركوك وكوردستان، وأبرشية بغداد، حيث باركنا الجلسة الإفتتاحية الأولى لانطلاقة عمل المحكمة الأبرشية الخاصة لمتابعة دعوى تطويب شهداء مذبحة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد، والعمل جارٍ لمتابعة الإجراءات القانونية اللازمة بإشراف سيادة أخينا الحبر الجليل مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد، تمهيداً لرفع ملفّ الدعوى إلى مجمع دعاوى القديسين في روما.
9-   زيارات راعوية إلى أبرشية حمص وحماة والنبك، وأبرشية حلب، والزيارة الراعوية والرسمية الأولى إلى أبرشية دمشق، حيث احتفلنا باليوبيل الذهبي لتقديس وتكريس كنيسة سيّدة فاطيما، وتفقّدنا الرعايا وزرنا الإخوة البطاركة الذين يتّخذون من دمشق مقرّاً لكرسيهم البطريركي.
10-   اللقاء السادس للكهنة الخادمين في أوروبا، والذي عقدناه بالقرب من مزار سيّدة لورد في فرنسا، حيث اجتمعنا مع أحبّائنا الكهنة الذين زاد عددهم بشكلٍ ملحوظ نتيجة الإزدياد المطّرد لأبناء كنيستنا الوافدين إلى أوروبا، واستمعنا إلى تقارير عن واقع خدمتهم الراعوية وأبرز التحدّيات التي يجابهونها، وزوّدناهم بالتوجيهات اللازمة، وأثنينا على تفانيهم في الخدمة.
11-   متابعة أعمال الترميم في دير مار أفرام الرغم في الشبانية – لبنان.
12-   متابعة أعمال إعادة بناء وتأهيل كاتدرائية مار جرجس في الخندق الغميق - الباشورة، بيروت، لِما لها من أهمّية تاريخية لبطريركيتنا وكنيستنا السريانية في لبنان.
13-   المشاركة في أعمال الجمعية العامّة العادية الخامسة عشرة لسينودس الأساقفة من أجل الشبيبة (تشرين الأول 2018)، حيث تمّ في نهايتها انتخابنا عضواً في لجنة الأساقفة المكلَّفة بمتابعة مقرّرات لهذا السينودس، والمشاركة في لقاء حماية القاصرين في الكنيسة – روما (شباط 2019)، وفي اجتماعات مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك الذي عُقِد في بغداد (تشرين الثاني 2018)، ومجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان (تشرين الثاني 2018)، وفي سوريا (آذار 2019).
14-   لقاءت مع عدد من الرؤساء والوزراء والشخصيات السياسية في بلدان عدّة شرقاً وغرباً، لعرض موضوع الأوضاع في الشرق والحضور المسيحي فيه، ومن بينهم الرئيس اللبناني، والرئيس السوري، والرئيس العراقي، والرئيس الجديد لإقليم كوردستان العراق، ورئيس الإتحاد السويسري، ورؤساء مجلس النواب والحكومة في كلٍّ من سوريا والعراق، ونائب رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، ونائب رئيس مجلس الوزراء الإيطالي، وسواهم.

إخوتي الأجلاء،
أدعوكم كي نعمل معاً بقلب واحد وروح واحد في هذا السينودس المقدس، فنفتح قلوبنا لإلهامات الروح كي يقود أعمالنا، مستمدّين منه قوّتنا، فهو منبع رجائنا وتعزيتنا ومصدر وحدتنا. إليه نضرع كي يجدّد فينا صورة معلّمنا الإلهي "الراعي الصالح"، فينعش خدمتنا الأسقفية للنفوس الموكلة إلينا، بالإلتزام الصادق، وبالأمانة التي لا تتردّد، وبالمحبّة التي لا تميّز. ونحن نثق بوعد الرب لكنيسته أنه "في وسطها فلن تتزعزع، وهو باقٍ معها كلّ الأيّام حتّى انقضاء الدهر".
وإلى الثالوث الأقدس، الإله الواحد، السرّ الإلهي غير المُدرَك، نودع أنفسنا وأعمال سينودسنا، تحت حماية أمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة، سائلين بركته علينا وعلى كنيستنا وأبنائها وبناتها في كلّ مكان، بشفاعة قديسينا وشهدائنا.
«ܛܰܝܒܽܘܬܶܗ ܕܰܐܒܳܐ، ܘܰܚܢܳܢܶܗ ܕܰܒܪܳܐ، ܘܪܽܘܚܳܦܶܗ ܕܪܽܘܚܳܐ، ܐܪܳܙܳܐ ܬܠܺܝܬܳܝܳܐ، ܢܕܰܝܰܪ ܒܰܝܢܳܬܰܢ ܥܕܰܡܳܐ ܠܫܽܘܠܳܡܳܐ»
فلتملك بيننا حتى الإنتهاء، نعمة الآب وحنان الابن ورفرفة الروح، السرّ الثالوثي، آمين".

49

الرقم: 10/أس/2019
التاريخ: 9/3/2019
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يحتفل بالقداس الرسمي لعيد مار أفرام السرياني شفيع الكنيسة السريانية الكاثوليكية

وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، التهنئة للحكومة اللبنانية الجديدة، متمنّياً لها "النجاح في تحقيق تمنّيات الشعب اللبناني وتطلّعاته، ومكافحة الفساد، وإجراء الإصلاحات من أجل النهوض الإقتصادي"، داعياً إلى "أن تتعزّز الوحدة ويترسّخ التعاون بين أعضاء الحكومة، فيتعالى الجميع عن الخلافات والاتّهامات المتبادلة، ويعملون لما فيه خير البلاد"، مطالباً "جميع المسؤولين بالعمل الجادّ على تأمين عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، لأنّ لبنان لم يعد يحتمل الضغط الهائل الذي يسبّبه وجودهم على اقتصاده ومعيشة مواطنيه"، ومذكّراً "بوجوب الفصل بين الحلّ السياسي في سوريا وعودة النازحين إليها". وأكّد غبطته أنّ "السريان مكوِّن أصيل ومؤسِّس في لبنان، ولهم الحق بأن يتمثّلوا في مختلف مرافق الدولة ومؤسّساتها المدنية والإدارية والقضائية والعسكرية"، ومنوّهاً "بالدور الريادي البارز الذي لعبه السريان في إغناء ثقافة لبنان وحضارته برفده برجالات علم وثقافة اضطلعوا بمسيرته وصنع هويته".   
كلام البطريرك يونان جاء خلال ترؤسه القداس الإحتفالي الرسمي لطائفة السريان الكاثوليك بمناسبة عيد القديس مار أفرام السرياني، شفيع الطائفة وملفان الكنيسة الجامعة، يعاونه الأساقفة والكهنة والشمامسة، بمشاركة حشد غفير من المصلّين، يتقدّمهم معالي وزير المهجّرين غسّان عطالله ممثّلاً فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وسعادة النائب العميد أنطوان بانو ممثّلاً دولة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، والدكتور داود الصايغ ممثّلاً دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وصاحب الغبطة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وصاحب القداسة مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وصاحب الغبطة يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، وسيادة المطران جوزف سبيتيري السفير البابوي في لبنان، وسيادة المطران ماكار أشكريان ممثّلاً قداسة كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس آرام الأول كيشيشيان، وعدد من الأساقفة والخوارنة والرهبان والراهبات من مختلف الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية، وسعادة النائب عماد واكيم ممثّلاً رئيس حزب القوّات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وسعادة النائب إدي معلوف ممثّلاً وزير الخارجية والمغتربين ورئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل، والنائب سليم عون، وممثّلو رؤساء الأحزاب، والقيادات العسكرية، والأسلاك الديبلوماسية، ومحافظ بيروت زياد شبيب، ورؤساء بلديات، ومخاتير، وأعضاء المجلس الإستشاري البطريركي، وأعضاء الجمعية الخيرية، وحشد من فعاليات الطائفة وأصدقائها.


وفي موعظته، توجّه غبطة البطريرك يونان إلى ممثّل فخامة رئيس الجمهورية بالقول: "إننا نقدّر وجودكم فيما بيننا اليوم وأنتم تمثّلون فخامة رئيس الجمهورية الذي نثمّن جهوده في قيادة دفّة البلاد، ونتمنّى له دوام الصحّة والعافية والنجاح في تحقيق المستقبل الزاهر للبناننا الحبيب".
وتابع غبطته: "ولا يغيب عن بالنا أن نستذكر في هذا المقام تقليداً مباركاً درج عليه العديد من أسلاف فخامته الذين كانوا يحضرون شخصياً للمشاركة في قداس الأحد الجديد وهو الأحد الأول بعد عيد القيامة، في كاتدرائية مار جرجس السريانية الكاثوليكية في الخدق الغميق (الباشورة)، بيروت، التي نقوم حالياً بإعادة ترميمها لِما لها من قيمة تاريخية ووجدانية في حياة كنيستنا وشعبنا السرياني في لبنان. فيا حبّذا لو يتجدّد هذا التقليد، فنعود ونرى فخامة رئيس الجمهورية بيننا كلّ سنة في هذا عيد مار أفرام شفيع كنيستنا".
وتناول غبطته الوضع في لبنان: "أمّا لبنان، وطننا الغالي، فإنّنا نتمنّى للحكومة الجديدة النجاح في تحقيق تمنّيات الشعب اللبناني وتطلّعاته، ومكافحة الفساد، وإجراء الإصلاحات المتوخّاة في البنى والقطاعات، من أجل النهوض الاقتصادي، والذي تؤازرنا به الدول والمنظّمات الصديقة من خلال مؤتمرات الدعم. ونرجو أن تتعزّز الوحدة ويترسّخ التعاون بين أعضاء الحكومة، فيتعالى الجميع عن الخلافات والاتّهامات المتبادلة، ويعملون لما فيه خير البلاد، بروح الدستور والميثاق والقوانين المرعيّة. فأساس الشأن العام والعمل السياسي هو خير المواطنين وتأمين مستلزمات الحياة اللائقة لهم، بغية تثبيتهم في أرضهم، والوقوف في وجه ما يهدّد استمرارية مسيرة حياتهم في وطنهم".
وتطرّق غبطته إلى "أزمة النازحين السوريين في لبنان، مجدّدين مطالبتنا جميع المسؤولين بالعمل الجادّ على تأمين عودتهم إلى ديارهم كي يواصلوا حياتهم بالأمانة لتاريخهم وثقافتهم وحضارتهم، ويحافظوا على حقوقهم، خاصةً وأنّ وطننا لبنان لم يعد يحتمل الضغط الهائل الذي يسبّبه وجودهم على اقتصاده ومعيشة مواطنيه. وإننا نناشد المجتمع الدولي بوجوب الفصل بين الحلّ السياسي في سوريا وعودة النازحين إليها، كيلا تتكرّر مأساة اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يزالون بانتظار الحلّ السياسي منذ أكثر من سبعين سنة".
ونوّه غبطته "بالدور الريادي البارز الذي لعبه السريان في إغناء ثقافة هذا البلد وتاريخه وحضارته برفده برجالات علم وثقافة، اضطلعوا بمسيرته وصنع هويته. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، سلفنا الأسبق المثلّث الرحمات البطريرك الكردينال مار اغناطيوس جبرائيل الأول تبّوني، الذي ساهم مساهمةً فعّالةً في ولادة دولة لبنان الكبير، والفيكونت فيليب دي طرازي مؤسّس المكتبة الوطنية، والمشرّع العلاّمة إدمون ربّاط، أحد واضعي الدستور اللبناني، وغيرهم ممّن قدّموا الغالي والنفيس في شتّى مجالات العلم والمعرفة والإقتصاد، ولا يزال السريان يجهدون في خدمة وطنهم لبنان بكل ما أوتوا من طاقات ومواهب".
وجدّد غبطته "التأكيد على أنَّ السريان مكوّن أصيل ومؤسّس في وطننا لبنان، وقد قدّموا الغالي والنفيس في سبيل تقدّمه وازدهاره، ولهم الحق بأن يتمثّلوا في مختلف مرافق الدولة ومؤسّساتها المدنية والإدارية والقضائية والعسكرية".



وأشار غبطته إلى "أنّنا انتهينا من بناء مشروع مار يوسف السكني في الفنار، المتن، والذي سيوفّر المسكن لـــ 150 من العائلات الشابّة، ونحن بانتظار أن تظهر بوادر حلّ أزمة الإسكان كي نقوم بتسليم الشقق إلى أبنائنا المسجَّلين. ونشير هنا إلى أهمّية هذا المشروع في تثبيت جيل الشباب في أرضه، فيبقى شبابنا متجذّرين وراسخين في الوطن".
وتحدّث غبطته عن معاناة بلدان الشرق وبخاصة ما يعانيه المسيحيون في "مسيرة ممزوجة منذ فجر المسيحية بالشهادة والإستشهاد. لقد قَبِلْنا الصليب وعانقناه وتعهّدنا أن نرفعه عالياً، لا للتحدّي أو للتخويف، بل آيةً للحبّ اللامتناهي وللسلام بين جميع الشعوب. وكم كنّا نأمل ونصلّي أن تتضمّن موعظتنا لهذا العام الشكر لربّنا على خلاص بلدان مشرقنا من معاناتها، إلاّ أنّ مشيئة الرب أن نحمل صليبنا معه في مسيرةٍ طال أمدها وتكاد لا تنتهي! فمن سوريا التي لا تزال تقاسي المعاناة منذ أكثر من ثماني سنوات، والعراق الذي يعاني منذ تسعينيات القرن الماضي، إلى الأراضي المقدسة ومصر، تستمرّ آلام كنيستنا. ولكنّنا نثق معهم بأنّ الرب سيحلّ أمنه وسلامه، فتنجلي الظلمة وينتصر الحق ويعود الإستقرار، كي يبقى أبناؤنا ثابتين في أرضهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وبذلوا التضحيات الجسام في سبيل رفعتها وصون عزّتها".
وحيّا غبطته "بإكبار صمود إخوتنا الرعاة الأجلاء مع أبنائنا وبناتنا في بلاد الشرق"، متوجّهاً "إلى أعزّائنا المؤمنين في الإغتراب، في أوروبا وأميركا وأستراليا، الذين أرغمتهم الظروف القاسية على هجرة أرضهم وديارهم إلى ما وراء البحار. ونحثّهم على التمسّك بإيمانهم وتعليم كنيستهم وتراث آبائهم وبلادهم الأمّ في الشرق، وتربية أولادهم على هذه المبادئ السامية التي نهلوا منها في أوطان نشأتهم".
كما تكلّم غبطته عن سيرة حياة القديس مار أفرام السرياني، "هذا القديس العظيم، المنارة التي شعّت في سماء شرقنا، وفاحت عطر قداسة، وصلاة، وروحانية، وعلم، وأدب، وثقافة. فأغنى الكنيسة بمؤلّفاته اللاهوتية والأدبية ومواعظه السديدة ومثاله في الخدمة المتفانية للجماعة الكنسية الموكلة إليه"، مسهباً في الكلام عن صفات مار أفرام مزاياه، فهو الشمّاس أي الخادم، ومخزن الفضائل والصالحات، وملفان الكنيسة الجامعة وعامودها، وكنّارة الروح القدس، ومثال المؤمنين بالصوم والصلاة والزهد والتفاني البطولي حتّى التسليم الكلّي بين يدي الرب، وهو كنّارة الروح القدس، وشمس السريان.

                                       
                                          أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية


50


الرقم: 55/2019
التاريخ: 27/2/2019
رسالة الصوم الكبير 2019

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

«ܗܘܰܘ ܡܨܰܠܶܝܢ ܕܠܳܐ ܫܰܠܘܳܐ»
"صلّوا بلا انقطاع" (1تس5: 17)

1.   مقدّمة
موسم الصوم الكبير هو زمن تجديد العهد مع الله والذات والقريب، وذلك بالرجوع إلى الآب السماوي عبر الصلاة والإقرار بالخطايا والتوبة عنها وعيش المصالحة. هو الرجوع إلى الذات بالإصغاء إلى كلام الرب يسوع مخلّصنا وإلهامات الروح القدس، استعداداً لقبول استحقاقات الفداء التي تمّمها بآلامه وموته وقيامته. موسمٌ روحي مميّز يحثّنا على تنقية ذواتنا بالصوم والصلاة وممارسة إماتاتٍ روحية وجسدية مع الجماعة الكنسية، فننفتح على القريب، سيّما من يحتاج إلينا، بترميم العلاقة معه من خلال أعمال المحبّة والرحمة. فالصوم هو زمن الجوع والعطش الروحي إلى البرّ والصلاح، فيه يرتفع العقل والفكر والقلب إلى الله، بالصلاة، تسبيحاً وتمجيداً واستغفاراً وتشفّعاً. وهكذا نحيا كلّ غنى السرّ الفصحي في حياتنا الشخصية والعائلية والإجتماعية.

2.   الصوم والصلاة في حياة المؤمن
ممّا لا شكّ فيه أنّ الصوم هو الإمتناع عن تناول بعض الأطعمة، كالإنقطاع عن الطعام واللحوم وسواها، إلا أنه أيضاً الوقت الملائم لعيش الشبع الروحي بالإمتلاء من حضور الله ونِعَمِه وتعزياته. فكما اقتاد الروحُ القدس يسوعَ في البرّية طوال أربعين يوماً وأربعين ليلةً قضاها بالصوم منتصراً على تجارب إبليس، فالروح عينه يقودنا بالصلاة والصوم طوال هذا الزمن، مبتهجين بقوّته، ومعلنين بنوّتنا لله، وشاكرين إيّاه على حضوره الفاعل في الكنيسة وبين المؤمنين.




من هنا أهمّية الصلاة، "فالروح القدس ينبوعها، يجتذبنا على طريقها، وهو معلّمها الداخلي وحامي تقليدها الحيّ، وبالشركة معه تصبح صلاة المؤمن صلاةً في الكنيسة ومعها" (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 2670 و2672).
تظهر مكانة الصلاة عظيمةً في الكتاب المقدس، ففي العهد القديم، نال الأبرار الظفر بالصلاة، إذ دعوا الرب فاستجابهم وعضدهم في الشدائد. فموسى بصلواته وتضرّعاته شقّ البحر، فعبر الشعب وغرق فرعون المتكبّر (خروج15). وبالصلاة أوقف يشوع بن نون الشمس والقمر في السماء جاعلاً من اليومين يوماً واحداً (يشوع بن سيراخ10). وصلّى يونان وهو في جوف الحوت في عمق البحر، فأرضى إله الكون الساكن في الأعالي (يونان2). وسمع الرب صلاة داود وتحنّن عليه، فغفر إثمه وأعاد إليه النبوءة.
وفي العهد الجديد، يحثّنا الفادي أن "صلّوا ولا تملّوا" (لو18: 1)، ويدعونا يعقوب الرسول في رسالته إلى الصلاة، ويعطيها قيمةً مضاعفةً متى اقترنت بالبرارة: "صلاة البارّ تعمل بقوّةٍ عظيمة" (يع5: 16). ويؤكّد لنا بولس الرسول أهمّية الصلاة وضرورة الإجتهاد بها، إذ فيها نلتقي بالله ونتّحد به: "مواظبين على الصلاة" (رو12: 12)، ويتابع في مكانٍ آخر: "صلّوا بلا انقطاع" (1تس5: 17).
 
3.   الصلاة بتواضع لقاءٌ مع الله واتّحادٌ تامٌّ به
الصلاة إذاً لقاءٌ مع الله، وعندما نلتقي مع الله لا يمكننا أن نبقى متكبّرين، بل نعيش التواضع مهما كان علمنا ووضعنا الإجتماعي، لأنّ الصلاة ترتكز على قاعدة التواضع. وهي، قبل أن تكون كلماتٍ وعباراتٍ محدّدةً، إنما هي الوقوف في حضرة الله القدوس، بمحدوديتنا وضعفنا.
يرفض الرب يسوع صلاة الذين يدّعون أنهم أبرار وغيرهم خطأة، فهؤلاء صلاتهم مثل صلاة الفرّيسي في الهيكل، وهم بعملهم هذا يتكبّرون على الله والناس، ويسيئون إلى الآخرين ويحتقرونهم (راجع لو18: 1-12). ويثني يسوع على صلاة العشّار، الذي يقرّ أمام الله القدوس بأنه خاطئ ولا يستحقّ الإقتراب إليه تعالى، أو التماس رحمته وغفرانه (لو18: 13). فيرضى عنه الرب: "إنّ هذا نزل إلى بيته أبرّ من ذاك"، معلناً القاعدة الذهبية للصلاة: "لأنّ كلّ من رفع نفسه يتّضع، وكلّ من وضع نفسه يرتفع" (لو18: 14).
من هنا أهمّية الإعتراف بالخطايا أمام الكاهن الذي يمنح التائب الغفران بسلطان الرب يسوع الذي ينير عقله ويفتح قلبه، فيسير معه بكلّيته. ومن المفيد والمحبَّب جداً أن يتّخذ المؤمن مرشداً روحياً يعينه على المضيّ في مسيرة حياته مع الرب، بروح الصلاة والتقوى. ومثالنا في ذلك القديسون الذين عاشوا حياتهم باتّحادٍ تامٍّ بالله، بالتواضع الفائق، مقرّين بأنهم خطاةٌ، يمارسون التوبة والتقشّف وأعمال الإماتة والرحمة، والسند الأخوي، كلّ ذلك بسخاءٍ وفرحٍ عظيمين. وفي مقدّمة الجميع أمّنا القديسة مريم العذراء التي عاشت حياة الصلاة: "كانت مريم تحفظ جميع هذه الأمور وتتأمّلها في قلبها" (لو2: 19).
يشدّد مار أفرام السرياني على ضرورة المثابرة والمداومة على الصلاة وممارستها بأمانة، إذ يقول في وصيته التي تركها شهادةً لتلاميذه من بعده: «ܗܘܰܘ ܐܰܡܺܝܢܺܝܢ ܒܰܨܠܽܘܬܳܐ ܐܺܝܡܳܡܳܐ ܘܠܺܠܝܳܐ... ܕܰܐܝܢܳܐ ܕܡܰܚܶܒ ܠܳܗ̇ ܣܰܓܺܝ܆ ܡܶܢܳܗ̇ ܡܶܬܥܰܕܰܪ ܒܰܬܪ̈ܰܝܗܽܘܢ ܥܳܠܡ̈ܶܐ». وترجمتها: "واظبوا على الصلاة ليلاً ونهاراً... فهي لمن يحبّها ويهيم بها معينٌ عظيمٌ في العالمَين" (من صلاة الستّار (الحماية) ليوم الأربعاء في كتاب الإشحيم ܫܚܺܝܡܳܐ، وهو كتاب الصلوات اليومية الفرضية البسيطة).




4.   الكنيسة تصلّي اقتداءً بيسوع المصلّي
كما في الصوم كذلك في الصلاة، يبقى يسوع لنا مثالاً فريداً، ينفرد وحده ويختلي مناجياً أباه، متهلّلاً بالروح، شاكراً ومحبّاً. لقد علّمنا أن نبقى دوماّ متّحدين معه قبل كلّ عمل وبعده، في الفرح والألم، في قبول الإساءة والصلب، وفي التسليم الكلّي بين يدَي أبيه السماوي: "لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك" (لو22: 42). هو الذي كشف لنا أنّ الله هو أب ملؤه الحبّ والحنان، فعلّمنا "صلاة الأبانا" التي هي مثالٌ لكلّ صلاة، مؤكّداً لنا أنّ الصلاة، كي تُستجاب، تستوجب الصبر والإلحاح، كما في مَثَل الصديق الذي نال طلبه بلجاجته وإلحاحه (راجع لو11: 1-8)، ومتابعاً: "إسألوا تُعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يُفتَح لكم" (لو11: 9).
حدّدت الكنيسة أوقاتاً للصلاة يتذكّر بها المؤمنون اللهَ وعنايته الدائمة وعظائم أعماله، وفي قمّتها الاحتفال بذبيحة القداس الإلهية، ذروة اللقاء بالله في سرّ الإفخارستيا، سرّ جسد الرب يسوع ودمه. وتحثّنا أمّنا الكنيسة على الصلوات الجماعية، إن مع أفراد العائلة أو الجماعة الكنسية، كصلوات الصباح والمساء، وما قبل الطعام وبعده، وليتورجية الساعات، والأعياد والاحتفالات الكنسية على أنواعها.
وتبقى الصلاة الشخصية الفردية التي تنبع من أعماق القلب، أروع تعبيرٍ عن العلاقة الحميمة التي تجمع المؤمن والمؤمنة مع الآب الخالق، والإبن المخلّص، والروح المقدس المحيي، تمجيداً للثالوث الأقدس، الإله الواحد، وطلباً للقداسة التي نحن جميعاً مدعوون إليها. كما أنّ التضرّع البنوي إلى العذراء مريم والدة الله طلباً لشفاعتها، يقوّي الإيمان في نفوسنا، ويملأ قلوبنا فرحاً وتعزية. وعلى صلاتنا ألا تتحوّل إلى الروتين والتكرار، بترداد كلماتٍ دون حياة، بل عليها أن تنشر فرح الإنجيل في نفوسنا وفي العائلة والمجتمع.
وها هم آباء الكنيسة يسهبون في وصف الصلاة المقبولة لدى الله، فيقولون: «ܡܳܐ ܕܩܳܐܶܡ ܐܰܢ̱ܬ ܒܰܨܠܽܘܬܳܐ܆ ܒܚܰܫܳܐ ܟܰܢܶܫ ܪܶܥܝܳܢܳܟ܆ ܘܰܐܪܡܳܐ ܦܓܽܘܕܬܳܐ ܒܚܽܘܫܳܒ̈ܰܝܟ ܘܰܬܟܽܘܣ ܐܶܢܽܘܢ ܨܶܝܕ ܠܶܒܳܟ. ܠܳܐ ܢܶܗܘܶܐ ܩܳܐܶܡ ܦܰܓܪܳܟ ܘܠܶܒܳܟ ܦܳܗܶܐ ܒܣܽܘܥܪ̈ܳܢܶܐ܆ ܢܶܗܘܶܐ ܠܳܟ ܓܽܘܫܡܳܟ ܥܺܕܬܳܐ ܘܗܰܝܟܠܳܐ ܫܒܺܝܚܳܐ ܪܶܥܝܳܢܳܟ. ܚܠܳܦ ܦܺܝܪܡܳܐ ܢܶܗܘܶܐ ܦܽܘܡܳܟ ܘܥܶܛܪܳܐ ܕܒܶܣܡ̈ܶܐ ܣܶܦܘ̈ܳܬܳܟ܆ ܘܰܡܫܰܡܫܳܢܳܐ ܠܶܫܳܢܳܟ ܕܰܡܪܰܥܶܐ ܠܰܐܠܳܗܽܘܬܳܐ». وترجمتها: "إذا ما قمتَ للصلاة، فاجمع ذهنك بانسحاق، ولَمْلِم أفكارك واحبسْها في أعماقك. لا تكن بالجسم حاضراً وقلبك بالمشاغل تائهٌ، بل ليكن لك جسمك بيعةً، وفكرك هيكلاً مجيداً. ليكن فمك مبخرةً وشفاهك بخوراً طيّباً، ولسانك خادماً يصالح الله ويرضيه" (من صلاة الستّار (الحماية) ليوم الإثنين في كتاب الإشحيم ܫܚܺܝܡܳܐ).

5.   التلاحُم بين الصوم والصلاة وأعمال المحبّة والرحمة
في رسالته لمناسبة زمن الصوم لهذا العام 2019 بعنوان: "الخليقة تنتظر بفارغ الصبر تجلّي أبناء الله" (رو8: 19)، يشدّد قداسة البابا فرنسيس على أهمّية الصلاة المقترنة بالصوم والصدقة: "... الصلاة كي نعرف كيف ننبذ عبادة الأنا والإكتفاء الذاتي، وكي نعترف بأننا بحاجةٍ إلى الرب وإلى رحمته، ... وهكذا نعاود اكتشاف فرح التدبير الذي وضعه الله في الخليقة وفي قلوبنا، ألا وهو أن نحبّه، وأن نحبّ إخوتنا وأخواتنا والعالم كلّه، وأن نجد في هذا الحبّ السعادة الحقيقية".



زمن الصوم، بما فيه من أصوام وصلوات وأعمال محبّة ورحمة، هو "الزمن المقبول" (2كور6: 2)، علامة الإيمان الثابت والأكيد الذي يرجو ويحبّ، والدرب المؤدّي حتماً إلى فرح القيامة لحياةٍ جديدةٍ بقوّة كلمة الله ونعمة الأسرار. فلا ندعنَّ هذا الزمن يمرّ عبثاً!، بل لنكن قريبين من إخوتنا وأخواتنا الذين يعانون صعوباتٍ وآلاماً واضطهاداتٍ وحروباً، فنتشارك معهم خيراتنا الروحية والمادّية، واضعين رجاءنا في المسيح الرب المخلّص، "هذا الرجاء الذي لا يخيب، لأنّ محبّة الله مسكوبةٌ في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (رو5: 5).
في هذا الزمن المقدس، نصلّي بشكلٍ خاص كي يسكب الرب سلامه وأمانه في شرقنا الحبيب، في لبنان وسوريا والعراق والأردن والأراضي المقدسة ومصر وتركيا، وفي بلاد الإغتراب، في أوروبا وأميركا وأستراليا، حيث ينتشر أبناء كنيستنا وبناتها بشكلٍ مطَّرد نتيجة أعمال العنف والإبادة والإقتلاع في أرض الآباء والأجداد، فينعم الجميع بالطمأنينة والإستقرار والإزدهار.
كما نتوجّه بالصلاة بحرارة تجاوباً مع دعوات أمّنا مريم العذراء في ظهوراتها للأطفال في مدينة فاتيما بالبرتغال، وقد تنبّأت عن الشرور التي ستُحدِق بالكنيسة، طالبةً من الأطفال، ومن خلالهم من جميع المؤمنين، أن يواظبوا على الصلاة كي يحمي الربُّ الكنيسةَ والمؤمنين من كلّ شرّ وأذى. وإنّ زمن الصوم هو فرصة سانحة ودعوة خاصة لنا كي نفعّل صلاتنا أمام الرب على هذه النيّة.
6.   خاتمة
أيّها الرب يسوع، إليك نرفع صلاتنا بارّةً في هذا زمن الصوم المقدس، فنستمدّ القوّة في الضعف، والنور في الظلام، والتعزية في الحزن. علِّمنا يا ربّ أن نقتدي بك، فنصلّي من أجل كلّ عمل ومبادرة وموقف نقوم به. أروِ صلاتنا من ينابيع كلمتك وتعاليم كنيستك، فتنبع صلاتنا من الإيمان، وتصمد في الرجاء، وتنتعش في المحبّة.
وخير ما ننهي بهِ تأمّلٌ من طلبة مار يعقوب في صلاة الستّار ليوم الخميس: «ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܰܐܒܳܐ ܕܒܰܒܪܶܗ ܐܰܠܦܰܢ ܠܰܡܨܰܠܳܝܽܘ܆ ܘܣܶܓܕܬܳܐ ܠܰܒܪܳܐ ܕܨܰܠܺܝ ܒܚܰܫܳܐ ܡܶܛܽܠܳܬܰܢ܆ ܬܰܘܕܺܝ ܠܪܽܘܚܳܐ ܕܰܡܩܰܒܠܳܢܰܐ ܗ̱ܘ ܕܰܨܠܰܘ̈ܳܬܳܐ܆ ܘܰܡܦܰܢܝܳܢܳܐ ܕܟܽܠ ܫܶܐܠ̈ܳܬܳܐ ܫܰܦܺܝܪ̈ܳܬܳܐ». وترجمتها: "المجد للآب الذي علّمنا الصلاة بابنه، والسجود للإبن الذي صلّى بألمٍ وتنهُّدٍ من أجلنا، والشكر للروح الذي يقبل الصلوات ويستجيب إلى الطلبات الحسنة" (من صلاة الستّار (الحماية) ليوم الخميس في كتاب الإشحيم ܫܚܺܝܡܳܐ).
ختاماً، نسأل الله أن يتقبّل صومكم وصلاتكم وصدقتكم، ويؤهّلنا جميعاً لنحتفل بفرح قيامته من بين الأموات. ونمنحكم، أيّها الإخوة والأبناء والبنات الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم.
صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان
في اليوم السابع والعشرين من شهر شباط سنة 2019
وهي السنة الحادية عشرة لبطريركيتنا
                                                           اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                    بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

51
الرقم: 80/أس/2018
التاريخ: 19/12/2018
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يوجّه رسالة عيد الميلاد لعام 2018
وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رسالة عيد الميلاد لعام 2018، بعنوان "تواضعَ كي يرفعَنا"، تناول فيها الأوضاع العامّة في لبنان وبلاد الشرق الأوسط.
"إذا كان كلمة الله قد تواضع وتجسّد ليحرّرنا من ربقة الخطيئة، فما بالنا نحن البشر لا ننظر إلى فعل محبّته هذا ونعكسه على تصرّفاتنا وعلاقاتنا ببعضنا البعض، كلٌّ منّا حسب الدعوة التي دُعي إليها، وخاصةً المسؤولين المدنيين عن مصير شعوبنا ودولنا، والذين تولّوا المسؤولية وتبوّأوا مناصبها لخدمة الشعب. فإذا بهم غالباً ينسون الشعب وهمومه ويتلهّون بصغائر الأمور.
فليس من المقبول في لبنان مرور أكثر من ستّة أشهر على إنجاز الإنتخابات النيابية دون أن يتمكّن دولة الرئيس المكلَّف من تشكيل حكومته، رغم اتّفاقه مع فخامة رئيس الجمهورية على العناوين العريضة لهذه الحكومة، فيما الشعب اللبناني يرزح تحت وطأة الأعباء المعيشية اليومية الصعبة التي تهدّد دورة الحياة الإقتصادية في وطننا بالإنهيار التامّ، فضلاً عن التحدّيات والتهديدات الأمنية التي يواجهها لبنان وسط محيط إقليمي يسوده التوتّر الشديد. لذا نرفع الصوت مطالبين جميع المسؤولين أن يتحمّلوا تبعة تقاعسهم وعرقلتهم تشكيل الحكومة وما يترتّب على ذلك من مخاطر جسيمة تطال الوطن برمّته، فيقوموا بإتمام التشكيل في أقرب وقت لتكون الحكومة الجديدة بمثابة هدية عيد الميلاد للوطن وشعبه.
وكما يلاحظ الكثيرون، ها هو عيد ميلاد الرب يسوع يحلّ ثقيلاً على المواطنين الذين، بدل أن يحتفلوا به بالفرح والرجاء الذي لا يخيب، نراهم يعملون ويكدّون للحفاظ على وظائفهم وأعمالهم، كي يؤمّنوا الإحتياجات الأساسية لمنازلهم وعائلاتهم. هذا الوضع يكاد لا يُحتمَل! وتأتي أزمة النزوح لتزيد من معاناة شعبنا، حتّى بتنا أمام صورةٍ قاتمةٍ لا يمكن أن يضيء ظلمتها سوى التمسّك بإيماننا ورجائنا بطفل المذود الإلهي الحامل معه الفرح والطمأـنينة إلى قلوب المؤمنين. وفيما نشكر الدولة اللبنانية بكلّ مكوّناتها على استقبال النازحين من بلادهم في سوريا والعراق رغم المصاعب الإقتصادية التي يعانيها لبنان، نشدّد على ضرورة عودتهم إلى أرضهم ووطنهم من أجل المحافظة على حقوقهم المدنية وعلى حضارتهم وثقافتهم.
وإلى الطفل الإلهي نبتهل كي ينير درب القيّمين على هذا الوطن، فيجعلوا من الإنسان اللبناني أولويّتهم، ومن مصلحة وطنهم، أرضاً وبيئةً واقتصاداً، هدفاً أساسياً لإعادة بناء لبنان وطناً سليماً معافىً، اقتصادياً وبيئياً واجتماعياً.
وما يمرّ على لبنان، لا يختلف كثيراً عمّا تعانيه سوريا منذ أكثر من سبع سنوات، يوم عصفت يد التدمير في الوطن ومؤسّساته، وتشتّت الشعب في أصقاع العالم. ولا يمكننا إلا أن نعبّر عن ارتياحنا للتحسّن الملموس الذي طال معظم المدن والمحافظات السورية، وقد لمسنا الجهود الحثيثة التي تبذلها السلطات الرسمية بالتعاون مع المؤسّسات العامّة والخاصة، من أجل أن يستتبّ الأمان على كامل أرض الوطن، وتتمّ إعادة إعمار ما هدمته يد التطرّف والإرهاب التي عبثت بأمن الوطن وسلامه، فتنهض سوريا من كبوتها، ويرجع إليها من يستطيع من المواطنين الذين اضطرّوا مرغَمين أن يهاجروا. وهكذا تُستَكمَل مسيرة إعادة بناء سوريا، مسيرةٌ انطلقت وملؤها الرجاء لتحقيق ما يستحقّه الشعب السوري الأبيّ.
أما العراق، فقد مرّ عامان على دحر داعش والتكفيريين وتحرير الموصل وسهل نينوى من إرهابهم، وانتخب الشعب مجلساً نيابياً جديداً بدأ بتشكيل الحكومة الجديدة التي يتمّ العمل حالياً على الإنتهاء من تأليفها، وستنتظرها مهامٌ متشعّبةٌ وصعبةٌ، أبرزها توفير الأمان والإستقرار في كامل أنحاء العراق، وخاصةً لشعبنا المسيحي في بغداد والبصرة والموصل وسهل نينوى، حتّى يبقى وجودنا حرّاً وفاعلاً، إذ أنّ دورنا الذي بدأ مع نشأة بلاد الرافدين يجعل منّا نقطة التقاء مختلف مكوّنات الشعب العراقي. وهكذا يعمل الجميع سويةً ويداً بيد لإعادة العراق إلى مصاف الدول الكبيرة الآمنة والمتطوّرة، حيث تتوفّر الحرّية وقبول الآخر واحترامه مهما اختلف بالعرق والدين واللغة، ممّا يساهم بعودة كثيرين ممّن أرغمتهم ظروف المعاناة والإضطهادات وأعمال العنف والإقتلاع على مغادرة أرضهم إلى بلاد أخرى. وإنّنا نناشد المسؤولين في الدولة العراقية، وقد التقيناهم مؤخّراً مع إخوتنا بطاركة الشرق الكاثوليك، أن يسعوا بجدٍّ لتثبيت حقوق شعبنا، فتأتي عودته ثابتة ومستمرّة، ويسهم في ترسيخ دعائم الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
أمّا أبناؤنا وبناتنا في الأردن، فيسرّنا أن نعلمهم أنّنا باشرنا إجراءات الإستحصال على اعتراف المملكة الأردنية الهاشمية بطائفتنا ككيان ديني مستقلّ، ما يفعّل وجود كنيستنا في المملكة ونشاطاتها الروحية والثقافية والإجتماعية. وفي هذا الإطار، نجدّد شكرنا للجهود التي يبذلها المسؤولون في المملكة لخدمة أبناء شعبنا المهجَّرين والنازحين القادمين إليها من سوريا والعراق.
كما نتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في الأراضي المقدسة، ونصلّي معهم ليُحلَّ الطفل الإلهي المولود في بيت لحم أمنه وسلامه في تلك الأرض التي تباركت بتجسُّده في سبيل خلاص البشرية. كما نجدّد رفضنا كلّ الممارسات التي تسبّب الصراعات وتبعد الأمل بإحلال السلام في الأراضي المقدسة، ومنها القرار بإعلان القدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل سفارات بعض الدول الأجنبية إليها، لما في ذلك من تحدٍّ للإرادة الدولية التي تدعو إلى إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، وتفعيل حلّ الدولتين، وتأمين حقّ الديانات الثلاث بأماكنها المقدسة.
ونؤكّد تضامننا الكامل مع إخوتنا وأبنائنا المسيحيين في مصر، والذين يتعرّضون لشتّى أنواع التهديدات وأعمال العنف والإرهاب. ونثمّن مواقف الرئيس والحكومة المصرية في العمل على تخفيف وطأة الخطاب الديني المتطرّف، لما فيه خير مصر وأهلها واستقرار مستقبل شعبها.
ونتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الإنتشار في أوروبا وأميركا وأستراليا، ونحثّهم جميعاً على التمسّك بالإيمان بالرب يسوع، والإفتخار بكنيستهم وأوطانهم والإخلاص لها أينما كانوا، وعلى تربية أولادهم على محبّة الله والكنيسة والوطن، غير ناسين ضرورة الحفاظ على تراث آبائهم وأجدادهم في بلاد نشأتهم في الشرق، ليكونوا جميعاً على الدوام شهوداً لنور الميلاد وسلامه أينما حلّوا.
تصادف هذا العام الذكرى السبعون لتوقيع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كان للبنان دورٌ أساسي في صياغته من خلال مقرِّر لجنة الصياغة شارل مالك، الذي انطبعت أفكاره في هذا الإعلان، والذي انفرد بوضع مقدّمته، حيث شدّد على حقوق البشر المتساوية بالحرّية والعدل والسلام. وقد أكّد هذا الإعلان على أنّ البشر يولَدون أحراراً متساوين في الحقوق والواجبات، وفي طليعتها حرّية الضمير والمعتقَد، والتي يضمنها فصل الدين عن السياسة والحياة العامّة. وكم نحتاج في شرقنا المعذَّب لتطبيق مبادئ هذه الشرعة وأحكامها، بدل التطرُّف ورفض الآخر الذي بات شعارَ مختلف المجتمعات ومعظم التيّارات السياسية والدينية.
وفي كلمته الروحية، تحدّث غبطته عن تجسّد الطفل يسوع المسيح، كلمة الله، وتواضُعِه وحلوله بين البشر ليخلّصهم ويرفعهم إليه، منوّهاً إلى أنّ التواضع هو نهج الطفل الإلهي، وهو السبيل لمعرفة الله وإدراك سرّ حبّه، وعلامة حضوره في حياة المؤمن، متوجّهاً بالتهنئة إلى المسيحيين والعالم بعيد الميلاد المجيد وبحلول العام الجديد.


52


الرقم: 58/أس/2018
التاريخ: 4/11/2018

بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان: عارٌ ما وصل إليه الوضع في لبنان من اهتراء سياسي وتقاعس عن تشكيل الحكومة

ندّد غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، واستنكر "ما وصل إليه الوضع في لبنان"، معتبراً أنه "عارٌ التقاعس عن تشكيل الحكومة والإهتراء السياسي الحاصل، ممّا يضرّ بالشعب الذي يفتّش عن لقمة العيش، ويؤثّر خاصةً على التزام الشباب بالبقاء في بلدهم والمساهمة في نموّه وتطوّره".
كلام غبطته جاء في موعظته خلال احتفاله بالقداس الإلهي صباح اليوم الأحد 4 تشرين الثاني 2018، بمناسبة أحد تقديس الكنيسة وهو الأحد الأوّل من السنة الكنسية، في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف، بيروت.
وأشار غبطته إلى أنّ "المسؤولية عمّا آل إليه الوضع في لبنان تقع على عاتق الذين وعدوا أن يكون هذا العهد عهد النهضة والإزدهار ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين"، منوّهاً إلى أنّ "القول إنّ الحكومة رهنٌ بتدخّلات دولية يجب علينا أن ننفيه ونؤكّد عدم صحّته بالمبادرة بالتشكيل، لأنّ اللبنانيين قادرون أن ينظّموا شؤونهم بمعزل عن كلّ مصلحة طائفية وحزبية وفئوية".
وأكّد غبطته أننا "نحن اليوم في هذه الظروف التي نعيشها في لبنان، يجب أن نصلّي من أجل وطننا حتّى يعرف المسؤولون عنه زمنياً أو سياسياً كيف يقدّمون مثالاً للمنطقة التي نعيش فيها"، مشدّداً على أنّنا "نشعر أنه عارٌ على هذا البلد الذي كان يُعتبَر دوماً قدوةً لبلدان الشرق الأوسط، أن يتقاعس عن تشكيل حكومة تقوم بمهامها ومسؤولياتها تجاوباً مع احتياجات شعبنا اليوم وما أكثرها، وخاصةً ما يتعلّق بالشؤون المعيشية للمواطنين، من الكهرباء والقطاعات الإقتصادية التي تعاني التردّي إلى درك غير مسبوق، فضلاً عن الفساد المستشري في الإدارات والمؤسّسات العامّة".
وسأل غبطتُه الله "يشفق على هذا البلد ويلهم المسؤولين عنه كي يعيشوا دعوتهم لخدمة البلد بنزاهة، حتّى يظلّ شبابنا متشبّثين ومتجذّرين ببلدنا ولا يهاجرون، وحتّى يحيا المواطنون بحرّية وكرامة إنسانية".
واستذكر غبطته المذبحة المروّعة التي وقعت منذ ثماني سنوات في 31/10/2010 في كاتدرائية سيّدة النجاة السريانية الكاثوليكية في بغداد، وأودت بحياة 47 شهيداً من بينهم كاهنان شابّان، وأكثر من 80 جريحاً، مؤكّداً أنه "مهما كانت الآلام والمعاناة سنبقى نجدّد إيماننا بالرب يسوع الذي بنى كنيسته وجعلها واسطة خلاص وخير لجميع بني البشر".


                                                 أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

53
البيان الختامي
للسينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان 23-27/7/2018

برئاسة صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، عُقد السينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، بمشاركة آباء السينودس الأساقفة القادمين من الأبرشيات والنيابات البطريركية والرسولية في لبنان وسوريا والعراق والقدس والأردن ومصر والولايات المتّحدة الأميركية وكندا، والزائرين الرسوليين في أستراليا وأوروبا، والوكيل البطريركي في روما، وذلك في الفترة الممتدّة من 23 حتى 27 تمّوز 2018، في الكرسي البطريركي في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان.
في مستهلّ اجتماعاتهم، استمع الآباء إلى رياضة روحية تأمّلوا فيها بشخصية إيليّا النبي، وبدعوتهم كي يكونوا شهوداً للمحبّة والسلام والمغفرة والوداعة، في بيئة تتخبّط بالعنف، ووسط الجماعة المؤمنة، فيبثّوا فيها روح الرجاء، سائلين الله أن يعطيهم النعمة ليجابهوا كلّ التحدّيات التي تواجههم في الخدمة، بالأمانة والتواضع وبذل الذات.
ودرس الآباء موضوع الخدمة الأسقفية، فتوقّفوا عند علاقة الأسقف بالكهنة والمؤمنين، وممارسته لمهمّته المثلّثة بالتعليم والتقديس والتدبير، بحسب روح الإنجيل وقوانين الكنيسة، ومقتضيات صفات الأسقف الراعي الصالح، الأب الحنون والمدبّر الحكيم، والمدعو للتجاوب بروح الأبوّة والحكمة والمصداقية التي ترضي الضمير، مع تطلّعات الرعية، وذلك بحسب قلب الرب، الذي يذكّر الراعي من خلال ضعفه ومحدوديته ونقائصه أنه "بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً!" (يو 15: 5).
وتابع الآباء دراستهم للشرع الخاص بالكنيسة السريانية الكاثوليكية، تمهيداً لإقراره. واطّلعوا على خلاصة أعمال اللجنة الطقسية في دراستها للقداس الإلهي، على أمل أن تتمّ طباعة الكتاب الجديد الخاص بالقداس قبل السينودس القادم.
وناقش الآباء التقارير التي قُدِّمَت إليهم متناولةً الأوضاع الراهنة في الأبرشيات والنيابات البطريركية والأكسرخوسيات والزيارات الرسولية في الشرق وبلاد الإنتشار، والوكالة البطريركية لدى الكرسي الرسولي. واستمعوا إلى تقرير عن اللقاء العالمي الأول للشباب السرياني الكاثوليكي الذي عُقد بنجاح في لبنان من 17 حتى 22 تمّوز الجاري.



وتناول الآباء موضوع هجرة آلاف العائلات إلى ما وراء البحار، والشعور بالمسؤولية المشتركة والضرورة الملحّة لمتابعة خدمة هؤلاء المهجَّرين روحياً وراعوياً واجتماعياً. ومن ناحية أخرى، تطرّقوا إلى موضوع عودة المهجرَّين إلى قراهم ورعاياهم في أبرشيات سوريا والعراق، وقد نُكِب هذان البلدان بسبب الإضطرابات والحروب العبثية في السنوات الأخيرة.

أمّا أبرز ما جاء في أعمال السينودس:
أولاً: تداول الآباء الأوضاع العامّة في الشرق، وتوقّفوا بشكل خاص عند أحوال أبناء الكنيسة السريانية وبناتها إزاء الخضّات المخيفة التي تحمّلوها، وهم يرفعون الصوت عالياً أمام العالم، مستنكرين النكبات التي حلّت بشكل خاص بالكنيسة السريانية في الأعوام الماضية، والتي أدّت إلى اقتلاع عدد كبير من أبناء شعبها من أرض الآباء والأجداد في سوريا والعراق، فضلاً عمّا يحدث في مصر والأراضي المقدّسة. نكبة تُكرِّر مأساة الإبادة التي حلّت بأجدادهم منذ مئة عام! هذا الإنتهاك الخطير لحقوقهم المدنية قد هزّ كيانهم الإنساني والمجتمعي والحضاري، لا سيّما وقد اختبروا مآسي تشرُّد آلاف العائلات في أنحاء شتّى من العالم.
ثانياً: بحث الآباء الوضع في لبنان، فهنّأوا اللبنانيين على إجراء الإنتخابات النيابية في جوٍّ من الديمقراطية وقبول الآخر، وكرّروا صرختهم إلى فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس المكلَّف تشكيلَ الحكومة ورؤساء الأحزاب المسيحية، بوجوب تمثيل الطائفة السريانية الكاثوليكية في الحكومة الجديدة، ووجّهوا نداءً لمعالجة الأزمات الإقتصادية وغلاء المعيشة ومعضلة توقُّف القروض الإسكانية التي باتت تهدّد مستقبل الشباب اللبناني. هذا بالإضافة إلى المعاناة التي تواجهها المدارس الخاصة في متابعة رسالتها التربوية، ما يلقي على عاتق الدولة مسؤولية إيجاد حلولٍ جذريةٍ تؤمّن حقوق المواطنين من كلّ الفئات، وتوفّر الفرص للشباب ليتجذّروا ويصمدوا في بلدهم لبنان ولا يهاجروا منه.
ثالثاً: ثمّن الآباء الجهود المبذولة في سبيل وقف الحرب وإيجاد حلّ نهائي وجذري للأزمة المستمرّة في سوريا منذ أكثر من سبعة أعوام، مهيبين بجميع الأطراف العمل معاً من أجل عودة الحياة إلى طبيعتها، ومطالبين برجوع النازحين السوريين إلى أرضهم، ومحذّرين من مخطّطات تهدف إلى سلب هوية بيت نهرين (الجزيرة).
رابعاً: شدّد الآباء على ضرورة التعاضد والتكاتف بين جميع مكوّنات الشعب العراقي، كي يجتاز بلدهم هذه المرحلة التي يتخبّط فيها، فيحكّم الجميع العقل ويغلّبوا لغة الحوار وقبول الآخر، باذلين كلّ جهد لإعادة الأمن والسلام والإستقرار إلى أرض الرافدين الغالية، لما فيه خير وطنهم، وخاصةً المكوِّن المسيحي الأصيل والمؤسّس فيه.
خامساً: أعرب الآباء عن ثقتهم بالقيادة الحكيمة للرئيس والحكومة في مصر، ولِما لهذه القيادة من أثر إيجابي يساهم في تعزيز الإستقرار والطمأنينة لدى المواطنين، وخاصةً لدى المسيحيين بعد ما عانوه من أعمال عنف وإرهاب.




سادساً: أكّد الآباء على أنّ القدس هي مدينة لجميع أتباع الديانات الثلاث، مشدّدين على حقّ الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه، والوصول إلى سلام دائم بحلّ الدولتين.
سابعاً: جدّد الآباء مؤازرتهم وتضامنهم مع جميع المعذَّبين والمضطهَدين من أبناء شعبهم السرياني، الذين يكابدون آلام النزوح والهجرة والإقتلاع، مؤكّدين لهم أنّ الكنيسة ستبقى إلى جانبهم، تقدّم لهم كلّ ما تستطيع من مساعدة وخدمة كي يستمرّوا بأداء الشهادة للرب يسوع، إله المحبّة والسلام، في خضمّ المعاناة والآلام، متشدّدين بقوة إلههم القائل: "ثقوا إني قد غلبتُ العالم" (يوحنّا 16: 33).
ثامناً: توجّه الآباء بالفكر والقلب إلى أبنائهم الذين غادروا أرض الآباء والأجداد في الشرق، واستقرّوا في بلاد جديدة تؤمّن لهم السلام والأمان والعيش الكريم، في أوروبا وأميركا وأستراليا، وهم يهيبون بهم الإستمرار بعيش الأمانة لكنيستهم الأمّ وبلدان نشأتهم ولعاداتهم وتقاليدهم وتراثهم الأصيل في الشرق، وفي الوقت عينه يحثّونهم على محبّة أوطانهم الجديدة والإخلاص لها والإبداع في مختلف المجالات، مؤكّدين لهم سعيهم الدائم في سبيل تأمين الخدمة الروحية لهم رغم التحدّيات والصعوبات.     

وصدرت عن السينودس القرارات التالية:
أولاً: عقد المؤتمر الثاني للكهنة السريان الكاثوليك في العالم، وذلك في لبنان خلال العام 2020، وستُشكَّل لجنة للإعداد للمؤتمر.
ثانياً: إقرار الشرع الخاص بكنيستنا السريانية الكاثوليكية، على أن يصار إلى إصداره بحسب الأصول المرعية.
ثالثاً: إتمام طباعة الكتاب الجديد الخاص بالقداس الإلهي قبل انعقاد السينودس القادم، بعد أن أنهت اللجنة الطقسية دراستها بشأنه.
رابعاً: الموافقة على عقد اللقاء العالمي للشباب السرياني الكاثوليكي مرّة كلّ ثلاث سنوات، وسيكون اللقاء الثاني في صيف العام 2021.
خامساً: اتّخاذ قرارات إدارية.

وفي ختام السينودس، رفع الآباء شكرهم للرب الإله الواحد، الثالوث الأقدس، الذي جمعهم باسمه القدوس، بروح الشركة الأسقفية والمحبّة الأخوية، واثقين بمعونة الرب ومؤازرته للكنيسة، "عروس الختن السماوي"، المتألّمة في مسيرتها الأرضية، إنّما الثابتة أبداً مهما اشتدّت العواصف، حاملةً مشعل الخلاص وناشرةً نور الحقيقة لجميع الشعوب، يشدّدهم الرجاء، "فوق كلّ رجاء"، بوعد الرب الفادي القائل: "ارفعوا رؤوسكم فإنّ خلاصكم قد دنا..!" (لوقا 21: 28).

54


الرقم: 33/أس/2018
الرقم: 23/7/2018

بيان إعلامي

صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان الإعلامي التالي:
بدأ أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية أعمال سينودسهم السنوي العادي برئاسة صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، وذلك يوم الإثنين 23/7/2018، في الكرسي البطريركي بدير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان.
سيعالج السينودس شؤون الأبرشيات والنيابات البطريركية والأكسرخوسيات والإرساليات وأحوال المؤمنين في لبنان وبلاد الشرق والإنتشار، وشؤوناً كنسية وإدارية وراعوية.
كما سيبحث السينودس الأوضاع العامّة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط والحضور المسيحي فيها.
هذا وستستمرّ أعمال السينودس حتى يوم الجمعة 27 تمّوز الجاري، حيث تنتهي ببيان ختامي يُتلى أمام وسائل الإعلام في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً.



                                   أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية


55
بيان صادر عن الهيئة التأسيسية لرابطة السريان الكاثوليك
نطالب بعدم تهميش وإقصاء طائفة السريان الكاثوليك، بل وجوب تسمية أحد أبنائها وزيراً في الحكومة الجديدة

عقدت الهيئة التأسيسية لرابطة السريان الكاثوليك اجتماعاً استثنائياً لها، في مقرّها في الأشرفية - بيروت، بتاريخ اليوم الثلاثاء ٢٩ أيّار ٢٠١٨، وأصدرت في نهايته البيان التالي:

إنّ رابطة السريان الكاثوليك تهنّئ الشعب اللبناني بحصول الإنتخابات النيابية بعد تسع سنوات من الإنقطاع، في جوّ ساده الهدوء وتقبّل الرأي الآخر.
كما تتقدّم الرابطة بالتهاني من جميع النواب المنتخَبين، متمنّيةً عليهم تأدية دورهم التشريعي خلال ولايتهم بالسهر على مصالح الشعب الذي اختارهم ومنحهم ثقته. وتهنّئ بشكل خاص النائب المنتخَب ابن المكوّن السرياني العميد أنطوان بانو، عن مقعد ما يُسمّى بالأقلّيات في بيروت، واثقةً أنه سيقوم بتمثيل المكوّن السرياني وفقاً لتطلّعاته وآماله.
وتهنّئ الرابطة دولة الرئيس نبيه برّي لإعادة انتخابه رئيساً لمجلس النواب اللبناني، كما تهنّئ دولة الرئيس سعد الحريري لإعادة تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة.

وفي هذه المناسبة، تعود الرابطة وتذكّر بأنّ طائفة السريان الكاثوليك ليست مكوّناً ذمّياً، فلسنا مواطنين من درجة دونية، بل نحن لبنانيين كاملي الأهلية والإنتماء الوطني الأصيل. لكنّنا لا نزال نتعرّض للتهميش والغبن منذ تأسيس الكيان اللبناني الذي كان لرجالات طائفتنا السريانية الكاثوليكية دورٌ بارزٌ فيه، من خلال مشاركة المثّلث الرحمات البطريرك الكردينال مار اغناطيوس جبرائيل الأول تبّوني في المؤتمرات الدولية إلى جانب المثلّث الرحمات البطريرك الياس الحويك، للمطالبة بإنشاء دولة لبنان الكبير. فضلاً عن كلّ التضحيات التي بذلها السريان في لبنان منذ قيام هذا الوطن ولغاية تاريخه دون أيّ حساب أو مطالبة أو منّة لأحد، غير أنّ وقت الحصاد قد حان، والسريان الكاثوليك يطالبون اليوم بالتوقّف عن تهميشهم واختيار أحد منهم لتولّي المناصب الوزارية والرفيعة في الإدارة اللبنانية، سيّما وأنّ الطائفة تزخر بالرجالات الذين لطالما أغنوا لبنان بعلمهم وثقافتهم وعطاءاتهم وتضحياتهم ودماء شهدائهم.

ولهذا، فإنّ الهيئة التأسيسية لرابطة السريان الكاثوليك تعلي الصوت وتوجّه نداءً عاجلاً وملحّاً إلى فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، وهو المؤتمَن على الدستور اللبناني، ودولة الرئيس المكلَّف تشكيل الحكومة اللبنانية، وإلى رؤساء الكتل والأحزاب المسيحية، للمطالبة بوجوب تسمية وزير من أبناء الطائفة السريانية الكاثوليكية في الحكومة العتيدة، مهما كانت طبيعة تشكيلها أو عدد الوزراء فيها، كي لا يبقى السريان مهمَّشين ومقصيين عن الحياة العامة اللبنانية.
وتعلن رابطة السريان الكاثوليك عن رفضها المطلق اعتبار السريان الكاثوليك مجرّد أقلّيات لا حقوق لها، في زمنٍ بات المسيحيون بأجمعهم أقلّيةً في هذا المشرق المضطهَد بمسيحييه. فلا قيام للدولة الديمقراطية غير الفاسدة القوية والجامعة إلا بتطبيق الدستور بالتساوي على جميع المكوّنات دون استئثار من فئة أو تهميش لفئة أخرى.

                                                                 الهيئة التأسيسية لرابطة السريان الكاثوليك

57


الرقم: 52/2018
التاريخ: 28/3/2018

رسالة عيد القيامة المجيدة 2018

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܡܳܪܝ ܘܰܐܠܳܗܝ»
"ربّي وإلهي" (يوحنّا 20: 28)
1.   مقدّمة
يخبرنا الإنجيل المقدس عن ظهورات الرب يسوع فادينا للتلاميذ الحيارى الخائفين، كي يثبّت إيمانهم بقيامته. غير أنّ أحدهم، توما الرسول الغائب في ظهور الرب مساء أحد القيامة، لم يكن يصدّق. وإذا بيسوع يظهر لهم ثانيةً وهم مجتمعون، ويتوجّه إلى الرسول المرتاب كي يتقدّم ويلمسه، فما كان من توما إلّا أن أعلن إيمانه بقيامة يسوع هاتفاً: "ربّي وإلهي!" (يو 20: 28). وأضحى هذا الرسول المرتاب بحدث القيامة مثلاً للذين يصرّون على الشك إزاء حقيقةٍ بيّنةٍ تُنقَل إليهم. ونحن الذين قال عنهم الرب المنبعث حيّاً من بين الأموات: "طوبى للذين يؤمنون ولم يروا" (يو 20: 29)، مدعوون كي نجدّد دوماً، وبنوعٍ خاص ومميّز في موسم القيامة المقدسة من كلّ عام، إيماننا الراسخ بأنّ الرب يسوع أبطل الموتَ بانبعاثه من القبر.
ففي عيد القيامة نحتفل بانتصار الحياة على الموت، والنور على الظلمة، والحق على الباطل، والسلام على العنف، والفرح على الحزن. لذا يطيب لنا أن نتقدّم منكم جميعاً، أيّها الإخوة والأبناء والبنات الأعزّاء أينما كنتم، في الشرق أو في عالم الإنتشار، بأجمل التهاني وأصدقها، سائلين الرب يسوع المخلّص أن يهبكم نِعَمَه وسلامه وفيض بركاته وعطاياه، وينعم على بلادنا المعذَّبة بالأمان والإستقرار والسلام العادل والدائم والشامل.



2.   قيامة المسيح أساس إيماننا وغايته
بقيامته، زرع يسوع الفادي السلام والرجاء في القلوب ونشره في العالم بواسطة الكنيسة وكلّ ذوي الإرادات الحسنة، وسلَّمنا إيّاه عطيةً من السماء لكي نرسّخه في الأرض وبين الشعوب. من هنا الدعوة لنا جميعاً لتعزيز الحقيقة بالمحبّة بين الجميع، بروح الوفاق والتضامن، لما فيه خير الناس، كلّ الناس.
إنّ قيامة الرب يسوع من بين الأموات، هذا الحدث التاريخي الذي تيقّنه الرسل والتلاميذ، هو حقيقةٌ أساسيةٌ أضحت محور إيماننا المسيحي: "إن كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطل وإيمانكم أيضاً باطل" (1 كور15: 14). فالقيامة تأكيدٌ على كلّ ما عمل المسيح وعلّم حول ما يختص بالله الواحد والثالوث، وبالإنسان، والتاريخ، والقيامة متلازمةٌ مع تجسُّد ابن الله الذي صار بشراً ليفتدي الإنسان ويخلّصه بموته، ويعيد إليه بقيامته بهاءه الأول، أي صورة الله فيه. فبموته حرّرنا من الخطيئة، وبقيامته منحنا الحياة الجديدة والغلبة على الموت: "المسيح قام من بين الأموات، وصار بكر الراقدين... وكما أنه في آدم يموت جميع الناس، كذلك بالمسيح جميعهم يحيون" (1كور15: 20 و22).
إننا نؤمن بسرّ الفداء الذي تمّمه كلمة الله المتجسّد بآلامه وموته متكلّلاً بالقيامة الممجَّدة، فقد "قام الرب لتبريرنا (روم 4: 25). صالحنا المسيح الفادي مع الآب بسفكه دمه الثمين وبقبوله الموت الطوعي على الصليب فداءً عن خطايا البشرية جمعاء، كي نعيش المصالحة مع الله ومع بعضنا البعض. هذا كلّه يبرز جليّاً في إعلان الملاك للنسوة اللواتي أتينَ ليطيّبنَ جسد يسوع في فجر أحد القيامة: "لا تخفْنَ، أنتنّ تطلبْنَ يسوع الناصري المصلوب، لقد قام وليس هو ههنا" (مر16: 6). ونحن بدورنا نجدّد إعلان هذه البشرى السارّة للعالم أجمع بتحية العيد: "المسيح قام! حقّاً قام!".

3.   ظهورات القائم من الموت تثبّت إيمان تلاميذه
منذ قيامته ويسوع يظهر لرسله في أماكن مختلفة وأنواع متعدّدة، واستمرّت هذه الظهورات مرّاتٍ عديدةً حتّى صعوده إلى السماء بعد أربعين يوماً، فبدّد خوفهم، فيما كانوا مجتمعين في البيت والأبواب مغلقة خوفاً من الذين قادوا المعلّم الإلهي للصلب. ظهر يسوع للمجدلية التي لم تعرفه أولاً بل ظنّته البستاني، إلا أنها عرفته حين ناداها باسمها (يو20: 11-18)، ثمّ لبطرس (لو24: 34)، فتلميذَي عمّاوس اللذين لم يعرفاه بعد أن رافقهما وتحدّث معهما طوال الطريق، إنما عرفاه حين كسر الخبز وناولهما (راجع لو 24: 13-49)، وللتلاميذ مجتمعين (لو24: 36-49، يو20: 19-29)، وبعد ذلك ظهر لسبعة من التلاميذ على شاطئ بحيرة طبريّة ولم يعرفوه، أمّا يوحنّا فعرفه بعد معجزة الصيد العجيب (راجع يو 21: 4-7). وبالرغم من ترائيه لهم، لم يعرفه التلاميذ، لأنّهم نظروا إليه بعين البشر وليس بعين الإيمان. لكن في كلّ ظهور، كان يسوع يبادر تلاميذه بتحية: "السلام معكم" (يو 20: 19 و26)، وبهذا السلام كان يهبهم الطمأنينة والراحة، ويثبّت إيمانهم به، ويُجري الآيات الباهرة، ويقوّيهم في رسالتهم.
يتغنّى مار أفرام السرياني بترائي الرب يسوع للتلاميذ في العلّية، فيقول: «ܟܰܕ ܫܠܺܝ̈ܚܶܐ ܟܢܺܝܫܺܝܢ ܟܽܠܗܽܘܢ ܒܥܶܠܺܝܬܳܐ ܡܶܢ ܕܶܚܠܰܬܗܽܘܢ܆ ܥܰܠ ܡܳܪܰܢ ܩܳܡ ܒܰܝܢܳܬܗܽܘܢ ܘܠܰܒܶܒ ܐܶܢܽܘܢ ܒܰܫܠܳܡܶܗ. ܡܫܺܝܚܳܐ ܡܰܠܟܳܐ ܕܰܫܠܳܡܳܐ ܕܰܙܪܰܥ ܫܰܝܢܳܐ ܒܰܒܪܺܝܬܳܐ܆



ܫܰܪܰܪ ܠܥܺܕܬܳܟ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ ܕܬܶܙܡܰܪ ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܛܰܝܒܽܘܬܳܟ». وترجمته: "فيما كان الرسل كلّهم مجتمعين في العلّية وهم مرتعبون، دخل ربّنا وقام في وسطهم وشجّعهم بسلامه. أيّها المسيح ملك السلام الذي زرع الأمان في المسكونة، ثبِّت كنيستك المقدسة كي ترنّم المجد لنعمتك" (من باعوث مار أفرام، صلاة القومة الثانية من ليل الأحد الجديد، كتاب الفنقيث، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد).
لا يمكن للمؤمنين بالرب يسوع أن يتيقّنوا قيامته من خلال معرفته بعين الجسد بل بعين الإيمان، ولا أن يدركوا حقيقته بعين العقل بل بحبّ القلب. قال يسوع لتوما: "لا تكن غير مؤمنٍ، بل كن مؤمناً" (يو20: 27)، فمنحه نعمة الإيمان. ولذا، للحال تفاعل توما مع هذه النعمة، فجاهر: "ربّي وإلهي" (يو 20: 28). فما كان من الرب يسوع إلا أن أكّد أهمّية تسليم القلب كمفتاح للإيمان، واهباً إيّانا نحن المؤمنين به الطوبى والثناء لأنّنا آمنّا دون أن نرى.

4.   الإيمان بالقيامة عطيّة من الله يتجاوب معها الإنسان
يرتكز الإيمان المسيحي على الإيمان بقيامة يسوع "الربّ والإله"، فالإيمان عطيّة من لدن الله، على ما أكّد الربّ يسوع لسمعان بطرس عندما أعلن إيمانه به في قيصرية فيليبس: "لا لحم ولا دم أظهر لك ذلك، لكنّ أبي الذي في السماوات" (مت 16: 17). الإيمان هو جواب الإنسان إلى الله الذي يكشف له حقيقته، ويهبه ذاته، ويعضد بنورٍ فائضٍ كلّ إنسانٍ يبحث عن المعنى الخفيّ لحياته. إيماننا المسيحي هو دخولٌ في الشركة مع الله بنعمةٍ مجّانيةٍ منه، فيُخضِع الإنسانُ عقلَه وإرادتَه لله، ويقبل ما يوحيه الله إليه ويلتزم به (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 26 و142-143)، وهذا يُسمّى طاعة الإيمان (المرجع نفسه، 142-143). هكذا يظهر إيمان توما بعد أن رأى في يسوع آثار الصلب، فآمن بألوهيته.
يقترن الإيمان بالرجاء والمحبّة، فهذه ثلاث فضائل تلخّص مسيرة حياة المؤمن (1كور 13: 13). بحسب رسول الأمم مار بولس: "البارّ بالإيمان يحيا" (روم1: 17)، "وإنما القيمة للإيمان العامل بالمحبّة" (غلا 5: 6). ولذا، "الإيمان بلا أعمال ميت" (يعقوب 2: 26). الإيمان، الذي لا يثبت في الرجاء، ولا يُترجَم بأعمال ومواقف محبّة، لا يُدخِل المؤمن في اتّحادٍ كاملٍ مع المسيح، ولا يجعل منه عضواً حيّاً في جسده (راجع كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1814-1815).
من هنا، يختم يوحنّا إنجيله بالدعوة إلى الإيمان: "كُتِبت هذه لتؤمنوا بأنّ يسوع هو المسيح ابن الله، ولتكون لكم إذا آمنتم الحياة باسمه" (يو20: 31). بقبول نعمة الإيمان، ينال المؤمن السعادة ويعيش في فرح دائم ومتجدّد، ويسعى لنشر هذا الإيمان بين الآخرين بالمحبّة الغيورة على خلاص الإنسان. وهذا ما يحمل الكنيسة، بإكليروسها ومؤمنيها ومؤسّساتها، على الكرازة بإنجيل يسوع المسيح، ونقل البشارة السارّة إلى العالم أجمع.
وها هو مار أفرام السرياني يعبّر عن الفرح العظيم الذي يعيشه المؤمنون بقيامة الرب يسوع، فيقول: «ܬܰܠܡܺܝܕ̈ܶܐ ܕܳܨܘ ܐܳܦ ܫܰܒܰܚܘ ܒܣܰܒܪ̈ܳܬܳܐ ܕܡܶܫܬܰܡܥ̈ܳܢ ܗܘ̈ܰܝ܆ ܘܥܺܕܰܬ ܩܽܘܕܫܳܐ ܗܺܝ ܘܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܙܳܡܪܳܐ ܫܽܘܒܚܳܐ ܘܬܰܘܕܺܝܬܳܐ܆ ܠܰܡܫܺܝܚܳܐ ܕܩܳܡ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ ܘܚܰܕܺܝ ܠܰܐܪܥܳܐ ܘܠܰܫܡܰܝܳܐ». وترجمته: "فرح التلاميذ مهلّلين ببشائر القيامة التي سمعوا بها، والكنيسة وأولادها يرنّمون المجد والشكر إلى المسيح الذي قام من القبر وأبهج الأرض والسماء" (من باعوث مار أفرام، صلاة الساعة التاسعة من صباح يوم السبت الأول بعد القيامة، كتاب الفنقيث، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد).


5.   قيامة الرب حياة متجدّدة
لم يستطع الكثيرون من الناس عبر الأجيال أن يتقبّلوا سرّ الفداء أي صلب الرب يسوع وموته وقيامته من بين الأموات، لأنّ تفكيرهم البشري منعهم عن فهم سرّ هذه القيامة – المعجزة، فلم يحظوا بثمارها الخلاصية. أمّا نحن، فالدعوة لنا جميعاً أن نؤمن بموت الفادي الذي أحبّنا حتى أنه أراق دمه الثمين على الصليب من أجلنا، وأن نعترف بقيامته ونشهد لها بفخر وشجاعة، مجدّدين حياتنا بنعمة مخلّصنا المنبعث حيّاً، ومتجدّدين بالتوبة أي العودة البنوية إلى الآب السماوي الذي ينتظرنا كي نلتمس منه الغفران ونعيد بنوّتنا له. فقيامة المسيح من الموت هي الضمانة الأكيدة لقيامتنا من موت الخطيئة وتحرُّرنا من عبودية الشرّ. المسيح وعدنا أنه حيٌّ وباقٍ معنا كلّ الأيّام وحتّى انقضاء الدهر (مت 28: 20)، وأعطانا عربوناً لحضوره الدائم: كلامه الحيّ، وجسده ودمه في سرّ القربان، ونعمة الأسرار، كلّ ذلك بقوّة روحه الحيّ القدّوس الذي يواكبنا في حياتنا اليومية.
لا يكفي أن يكون إيماننا بالرب يسوع بالفم والكلام فقط، بل يجب أن يكون إيماناً ملء القلب والروح، يتجسّد بالأعمال الصالحة والمبادرات الإيجابية البنّاءة والسيرة الحسنة. ويبلغ الإيمان قمّته بعيش فرح اللقاء الدائم مع الرب الذي يرافقنا على الدوام في حياتنا كما رافق التلاميذ في ظهوراته لهم بعد قيامته، وهكذا ننال نعمة التبرير والتقديس، كما يقول بولس الرسول: "إذا شهدتَ بفمك أن يسوع ربّ، وآمنتَ بقلبك أنَّ الله أقامه من بين الأموات، نلتَ الخلاص. فالإيمان بالقلب يؤدّي إلى البرّ، والشهادة بالفم تؤدّي إلى الخلاص" (روم10: 9-10).

6.   القيامة رجاء السلام لعالمنا اليوم
قام المسيح من الموت، فمنح الحياة للذين في القبور. وفي زمن القيامة نصلّي لتكون قيامة ربّنا ومخلّصنا قيامةً لأوطاننا المعذَّبة والرازحة، إمّا تحت وطأة الحروب والصراعات المدمّرة، وإمّا تحت وطأة الأزمات الإقتصادية الخانقة.
في وطننا الحبيب لبنان، فرحنا كبير لأنّ المواطنين اللبنانيين الأحباء سيتوجّهون بعد حوالي الشهر ونيّف لتجديد الحياة السياسية الديمقراطية فيه، المجمَّدة منذ تسع سنوات، رغم كلّ الملاحظات التي أبديناها ولا نزال، حول قانون الإنتخابات والظلم الذي يُلحقه بأبناء شعبنا السرياني اللبناني الذي بذل ويبذل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء شأن هذا الوطن الحبيب.
إننا إذ نهنّئ اللبنانيين بهذا الحدث الديمقراطي المقبل علينا، نسأل الله ألا ينسى النواب الذين سيُنتخَبون الوعودَ التي يطلقونها لناخبيهم والتي، إن التزموا بها، تؤدّي إلى ترسيخ قواعد المواطنة الواحدة، وتخفّف من الصعاب الملقاة على كاهل المواطن اللبناني جراء عدم توفُّر الخدمات الأساسية والبديهية لأيّ مواطنٍ، سيّما ضمان الشيخوخة والحق بالإستشفاء والتعليم المجّانيَّين، وتوفير الكهرباء والمياه لكلّ المواطنين، ودون منّةٍ من أحد.
كما لا يسعنا إلا أن نشكر أهلنا وشعبنا في لبنان على حسن ضيافته للنازحين القادمين إليه من سوريا والعراق، وعلى معاملتهم كإخوة لهم، طالبين من إلهنا المنتصر على الموت أن يحمي عائلاتهم ويبارك خطواتهم ويمنّ عليهم ببركاته.
وسوريا الجريحة، يمرّ عليها العيد الثامن على التوالي ولا تزال الصراعات الدامية فيها تشرّد أهلها، وتهدم أسسها وحضارتها، وتدمّر بنيتها الإجتماعية والثقافية والتربوية. إننا نصلّي كي تؤدّي الخطوات التي تشهدها سوريا على الصعيدين المحلّي والدولي إلى



إنهاء هذا الصراع المدمّر الذي لم يرحم الحجر ولا البشر، حيث أنّ أجيالاً كاملةً وُلدت ونشأت خارج أرضها ولا تعرف عن سوريا
سوى الحرب والدمار. إنّ سوريا بلد الإنفتاح والتعايش، وقد عاش فيها المواطنون منذ آلاف السنين، متوافقين مع شركائهم على محبّة الوطن وازدهاره، لذا نتضرّع إليه تعالى كي تكفّ الأيادي الغريبة عن العبث بسوريا، فتنبعث فيها الحياة من جديد، ويعمّ الأمان بالمصالحة والإستقرار فيها.
ولا بدّ لنا من أن نتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا الأربع في سوريا، من دمشق وحمص، إلى حلب والجزيرة، فنؤكّد لهم بأننا نفخر بصمودهم في أرضهم، ونثني على عزم إيمانهم وقوة رجائهم، سائلينه تعالى أن يمنّ على سوريا الحبيبة بالسلام والأمان، وأن يرحم شهداء الوطن من عسكريين ومدنيين أبرياء.
ولا ننسى أن نجدّد المطالبة بالإفراج عن جميع المخطوفين، ضحايا الحروب العبثية في سوريا والمنطقة، من رجال دين ومدنيين وعسكريين، وبخاصة عن مطرانَي حلب مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة باولو داللوليو، واسحق محفوض، وميشال كيّال.
والعراق الغالي، أرض الرافدين، الذي يثبت يوماً بعد يوم انتصار إرادة الحياة على الموت، وانتصار إيمان شعبه بقيمه ومبادئه على أفكار الظلام والتشدّد التي حاول الإرهابيون زرعها لأعوامٍ في شعبه وأرضه. إننا نسأل الله أن يسعى المسؤولون والقيّمون على شؤون البلاد إلى تثبيت مبادئ الديمقراطية وأسس الدولة الحديثة في كلّ محافظات وأقاليم العراق، لا سيّما وأنّ الإنتخابات التشريعية قادمة، فيعود هذا البلد الحبيب حراً ديمقراطياً متطوّراً، ويرجع أبناء شعبنا إلى أرض آبائهم وأجدادهم، ليبنوا مع شركائهم في الوطن دولتَهم الجديدة بالتساوي في الحقوق والواجبات.
كما نجدّد صلاتنا الحارّة، كما فعلنا يوم عيد الشعانين من داخل كنيسة العذراء الطاهرة الكبرى، وكذلك أمام الآلاف من الجموع التي شاركنا معها في المسيرة والتطواف في شوارع قره قوش (بغديده) بعد تحريرها من الإرهابيين، من أجل جميع أبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا ورعايانا السريانية، الذين ظلّوا متجذّرين في أرض وطنهم، في بغداد والموصل والبصرة وسهل نينوى وإقليم كوردستان، خاصّين بالذكر الشهداء الذين سقطوا مؤخّراً ضحية غدر العصابات في بغداد، معربين لذويهم عن تضامننا ومشاركتنا في مصابهم الأليم. وإننا نتضرّع إلى الرب القائم من الموت كي تزول المحنة كاملةً عن العراق الحبيب، فيشرق فيه نور القيامة ويعود إليه السلام الذي طال انتظاره.
وإلى فلسطين المحتلّة، التي منها ارتفع ربنا منتصراً على الموت، حاملاً رسالة الحياة إلى العالم أجمع، نصلّي لتتوقّف النزاعات فيها، مجدّدين دعوتنا، بالتوافق مع الأسرة الدولية والمراجع الكنسية، لتكون القدس عاصمةً عالميةً للسلام والحوار ما بين جميع المكوّنات، وكي تبقى المقدَّسات فيها مشرّعةً أبوابها، فتمدّ جسور التلاقي والتآخي كما أرادها الخالق: "قدساً - مدينة للسلام!".
وإلى مصر، نسأل الرب يسوع أن ينشر أمنه وسلامه في ربوعها، وأن يحيا مواطنوها بالمحبّة والوئام، ويتعاضدوا من أجل ازدهار وطنهم، مهما اختلفت انتماءاتهم وتوجّهاتهم.




إنّنا نستنكر بأشدّ العبارات كلّ أعمال الإرهاب من قتل وتفجير وترويع للناس وبثّ الفوضى والفتن في أماكن وبلدان عديدة، شرقاً وغرباً، متوجّهين بالقلب والصلاة من أجل جميع الذين يكابدون آلام الإقتلاع من أرض الآباء والأجداد في العراق وسوريا، وأُرغِموا على النزوح والهجرة إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات، مؤكّدين لهم تضامننا الأبوي واستعدادنا الدائم لتأمين حاجاتهم ومساعدتهم بكلّ الإمكانات المتاحة. كما نؤكّد على صلاتنا من أجل العائلات التي امتُحِنت بفقدان أحد أفرادها، ومن أجل الذين يغيب عنهم فرح العيد، من فقراء ومعوَزين ومهمَّشين ومستضعَفين، سائلين لهم فيض النعم والبركات والتعزيات السماوية.
وإننا نحثّ جميع إخوتنا وأبنائنا وبناتنا السريان، سواء كانوا مقيمين في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا، أو متغرّبين في أوروبا وأميركا وأستراليا، على التمسّك بالإيمان والرجاء كي يعيشوا المحبّة الحقيقية، وعلى التعلّق بكنيستهم وأوطانهم والإخلاص لها، حتّى يكونوا على الدوام شهوداً للرب، حاملين بشرى قيامته المجيدة أينما حلّوا.

7.   خاتمة
نمجّدك أيّها المسيح القائم من بين الأموات، إذ بقيامتك جدّدتَنا وثبَّتَّ إيماننا بك. شدِّدْنا في وجه المصاعب وأسباب الشّك، كما فعلتَ مع الرسل، فأزلتَ خوفهم وحوّلتَه إلى اطمئنان، ليبشّروا العالم ويشهدوا لإنجيل السلام ويستشهدوا من أجلك.
أقِم قلوبنا وامنحنا حياةً جديدةً، وقوِّنا بنعمتك وتعاليم الإنجيل والكنيسة، لنكون شهوداً لك في مجتمعاتنا وأوطاننا. ولتكن حياتنا مرضيّةً أمامك، فنسبّحك بغير انقطاع وعلى الدوام، آمين.

وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
    كلّ عام وأنتم بألف خير.
ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ            المسيح قام من بين الأموات... حقّاً قام

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان
في اليوم الثامن والعشرين من شهر آذار سنة 2018
وهي السنة العاشرة لبطريركيتنا
 
                                                         اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                 بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

58

الرقم: 10/أس/2018
التاريخ: 19/2/2018
بيان صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

الأب شارل مراد مطراناً للدائرة البطريركية


صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية في بيروت ما يلي:
انتخب سينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية في دورته المنعقدة في دير سيّدة النجاة – الشرفة البطريركي في لبنان من 3 حتى 7/10/2017، الأب شارل مراد، كاهن رعية سيّدة البشارة في بيروت، والنائب القضائي في أبرشية بيروت البطريركية، مطراناً للدائرة البطريركية، ومنحه قداسة البابا فرنسيس الشركة الكنسية يوم الإثنين 19/2/2018.
سيتمّ الإحتفال برسامته الأسقفية في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 14 نيسان 2018، في كاتدرائية سيّدة البشارة للسريان الكاثوليك، المتحف – بيروت.
هذا ويتقبّل المطران الجديد التهاني في صالون كاتدرائية سيّدة البشارة في بيروت، يومي الخميس والجمعة 22 و23 شباط 2018، من الساعة الرابعة بعد الظهر حتى السابعة مساءً.
ألف مبروك للمطران الجديد، مع الدعاء له بخدمة صالحة ورسالة مثمرة لما فيه خير الكنيسة.

هذه نبذة وجيزة عن حياة المطران الجديد:
من مواليد بيروت في 15 نيسان 1969، والداه جورج مراد وتريز بركات، له شقيقان وشقيقة. تلقّى دروسه الإبتدائية في مدرسة الحكمة – جديدة المتن، ثمّ المتوسّطة والثانوية في مدرسة دير الشرفة – درعون، حريصا. ونال إجازة في الفلسفة واللاهوت من كلّية اللاهوت الحبرية في جامعة الروح القدس – الكسليك (1993)، وإجازة في القانون الكنسي والمدني من جامعة الحكمة – بيروت (2000)، ودكتوراه في القانون الكنسي في جامعة اللاتران الحبرية في روما (2003).
سيم كاهناً في 18 تموز 1993، بوضع يد المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثاني حايك، في دير سيدة النجاة - الشرفة. وتولّى خدمة رعية سيّدة البشارة للسريان الكاثوليك – المتحف - بيروت، منذ عام 1993 حتى تاريخه.





من مهامه القضائية: نائب قضائي ورئيس المحكمة الكنسية الإبتدائية للسريان الكاثوليك في لبنان، وقاضٍ في المحكمة الإبتدائية للروم الكاثوليك، والمحكمة الإبتدائية لطائفة اللاتين في لبنان، والمحكمة الإبتدائية للكلدان، والمحكمة الإستئنافية للأرمن الكاثوليك.
هو أمين سرّ اللجنة القانونية والمحاكم الكنسية المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وممثّل للطائفة السريانية الكاثوليكية في الأمانة العامّة للجنة الكاثوليكية للتعليم المسيحي في لبنان، وفي لجنة مراجعة النظام الخاص لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وعضو في مجلس كاريتاس لبنان.
يقوم بدور المرشد العام للجمعية الخيرية لطائفة السريان الكاثوليك في لبنان، وللراهبات الأفراميات للسريان الكاثوليك - بنات أمّ الرحمة، ولأخوية الحبل بلا دنس وحركة مار شربل والليجيو مارييه في رعية سيّدة البشارة للسريان الكاثوليك – المتحف. بالإضافة إلى كونه مرشداً عاماً لجماعات إيمان ونور في إقليم بيروت، ومرشد جماعة مار شربل – إيمان ونور في الأشرفية، ومرشد جماعة مار يوسف - منطقة أوتيل ديو في جمعية مار منصور دي بول. وقد قام بمهمّة التعليم المسيحي وبالإرشاد الروحي في مدرسة الفرير المون لاسال – عين سعادة لمدّة ستّ سنوات، ودرّس مادّة العلوم الطبيعية في مدرسة دير الشرفة – درعون لمدّة خمس سنوات.
وهو حالياً أستاذ محاضر في كلّية القانون الكنسي في جامعة الحكمة – بيروت، وكلّية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف – بيروت، بالإضافة إلى كونه ضيف الفقرة الدينية الأسبوعية المباشرة على شاشة تلفزيون OTV منذ عام 2015 حتى تاريخه.




59

الرقم: 9/أس/2018
التاريخ: 18/2/2018
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يحتفل بالقداس الرسمي لعيد مار أفرام السرياني شفيع الكنيسة السريانية الكاثوليكية

اعتبر صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، أنّ "السلطة والمناصب جُعلت للخدمة المتجرّدة والأمينة للعهد الذي قطعه المسؤولون أمام الشعب الذي انتخبهم"، مصلّياً "كي يختار اللبنانيون في السادس من أيّار القادم النواب الذين سيمثّلونهم خير تمثيل في المجلس النيابي، ويكونون مؤتمَنين على خدمتهم. فلبنان أولاً وأخيراً يُبنى بشعبه ويزدهر بأبنائه وبناته المؤمنين به، وطناً نهائياً للحرّية، ونموذجاً للمشاركة التوافقية الحضارية، وهو الوطن - الرسالة للعالم أجمع".
كلام البطريرك يونان جاء خلال ترؤسه الإحتفال الرسمي لطائفة السريان الكاثوليك بمناسبة عيد القديس مار أفرام السرياني، شفيع الطائفة وملفان الكنيسة الجامعة، يعاونه الأساقفة والكهنة والشمامسة، بمشاركة حشد غفير من المصلّين، يتقدّمهم معالي وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون ممثّلاً فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ودولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وسعادة النائب نبيل دو فريج ممثّلاً دولة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وعدد من الأساقفة ممثّلين بطاركة الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية، ومعالي الوزير ملحم رياشي ممثّلاً رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وسعادة النائب نديم الجميّل، وممثّلو رؤساء الأحزاب، وقادة الأجهزة الأمنية، وأعضاء المجلس الإستشاري الأعلى للطائفة، وفعاليات.
وفي موعظته، اعتبر غبطة البطريرك يونان أنه "يجب علينا في لبنان، كما على غيرنا من مختلف الطوائف، كبيرة كانت أم صغيرة، أن ندافع عنه، وطناً حرّاً، وطناً للجميع، وطناً لجميع الطوائف وليس حكراً على طائفة أو دين. ولكون السريان قد عانوا الأمرّين في مناطق أخرى من هذا الشرق، من أجل حرّيتهم الدينية وكرامتهم الإنسانية، سنظلّ نثمّن النظام القائم في لبنان، بالرغم من نقائصه ومحدوديته، ونعتبره النظام الأكثر عدلاً وحريةً وديمقراطيةً في هذا الشرق".
وذكّر غبطته بمضمون "الوثيقة التاريخية التي وقّعناها مع قداسة أخينا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، وفيها طالبنا باستحداث مقعدَين نيابيين، واحد للسريان الكاثوليك وآخر للسريان الأرثوذكس، مع وجوب تمثيلنا في وظائف الفئة الأولى والأسلاك القضائية والعسكرية والدبلوماسية، سيّما ونحن السريان مكوِّن مؤسِّس في صلب نشأة هذا الوطن الحبيب، وقد قدّم أبناؤنا ولا يزالون يقدّمون التضحيات في سبيل إعلاء شأنه وازدهاره".




وسأل غبطتُه اللهَ أن "يحمي لبنان من كلّ مكروه ويجمع أبناءه وبناته بروح التوافق الحرّ الخلاق، ويبارك البادرات الوطنية التي يسعى إلى تحقيقها فخامةُ رئيس البلاد العماد ميشال عون، مع رئيسَي المجلس النيابي والحكومة، والمعاونين النزيهين من ممثّلي الشعب والمسؤولين كافةً".
وتحدّث غبطته عن القديس مار أفرام السرياني، كنّارة الروح القدس، وملفان الكنيسة الجامعة، الشاعر والشادي المريمي، والشمّاس، والذي عرف التهجير، مستذكراً هجرة المسيحيين من الموصل وسهل نينوى على يد الإرهابيين واقتلاعهم من أرض الآباء والأجداد، وكذلك من سوريا جراء الصراعات العبثية، وهم "يعانون الأمرَّين من قلق ويأس، وأفق المستقبل أمامهم مظلم ومخيف. هؤلاء الإخوة والأخوات يتيهون سائحين في أراضٍ غريبة، يأملون بوطنٍ يؤمّن لهم ولأولادهم العيش الحرّ والكريم"، مشيراً إلى أنّ "كلّ ذلك يجري على الملأ، أمام أعين الدول الكبرى التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، متجاهلةً هذه الفظائع، لأنّ أهدافها في منطقتنا هي التسلّط وليس الخدمة، الإحتكار وليس الإغاثة، فرض الهيمنة وليس نشر التنمية!، إذ يعقدون المؤتمرات التي لا تنتهي ويعدون بأحلام لا تتحقّق!".
وجدّد غبطته الثقة بالله الذي "يوجِد من المحنة خلاصاً، رغم الآلام والمعاناة، فهو الراعي الصالح الذي يسهر على القطيع الأمين له والساعي للحق والعدالة، منطلقاً في جدّة الحياة بإيمانٍ ثابتٍ لا تزعزعه الأنواء ولا تنال منه الشدائد"، منوّهاً إلى أنّ "كنيستنا السريانية أينما وُجدت، لا سيّما في لبنان وسوريا والعراق والأردن والأراضي المقدسة ومصر وتركيا، كما في أوروبا وأميركا وأستراليا، سعت دائماً وتسعى كي تبقى أمينةً لدعوتها: كنيسةً رسولية دُعيت للخدمة، ناشرةً حضارتها ذات الجذور الآرامية الأصيلة لمشرقنا، شاهدةً للخدمة المتواضعة الحقّة للمهجَّرين ولكلّ من يطرق أبوابها من الضعفاء والمهمَّشين. إنها كنيسة شاهدة وشهيدة، كارزة بإنجيل المحبّة والسلام حتى الإستشهاد حبّاً بمعلّمها الإلهي"                                                             
 
                                       
                                          أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية


موعظة عيد مار أفرام السرياني
لصاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

كاتدرائية سيدة البشارة – بيروت
السبت 17 شباط 2018
-------
"... مَن أراد أن يكون فيكم كبيراً فليكن لكم خادماً..
كما أنّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدُم ويبذل نفسه فداءً عن كثيرين" (متى 20: 26-28)

- كلمات ترحيب وشكر للحضور.. بالعربية والفرنسية..
- عبرَ مسافات شاسعة من الزمن، جئنا اليوم إلى هذه الكنيسة، يدفعنا الشوق لملاقاة الرب وتكريم أبراره. نعود إلى القرن الرابع الميلادي، لنكتشف وجهاً مشرقاً في تاريخ كنيستنا المشرقية وفي مسيرة البشرية الروحية. إنه مار أفرام السرياني، الذي تعيّد له كنيستنا السريانية في السبت الأول من الصوم الكبير، مذكّرةً إيانا بحياة الزهد والتقشّف التي انتهجها هذا القديس، مع أنه كان معلّماً حلّق في سماء العلم الإلهي، وتبحّر في أسفار الوحي المقدسة. وهو أحد الآباء المشرقيين العظام، وُلد وعاش في شمال بين النهرين، غيرَ بعيد في الزمن والمكان، عن أفواج عديدة من المتعبّدين الزاهدين في حطام هذه الفانية، أمثال مار مارون ومار سمعان العامودي، اللذين فاح عطر قداستهما في ربوع أنطاكيا سوريا، والآباء الشهيرين بعظاتهم ومؤلّفاتهم ورعويتهم الكنسية، أمثال يوحّنا الذهبي الفم وباسيليوس وغريغوريوس... هؤلاء الأبرار حلّقوا في سماء الروح، وأضحوا مشاعل  تضيء إلى اليوم ظلمة حياتنا، وتحثّنا على البحث عن الكنز الحقيقي الذي يسدّ جوعنا الروحي ويسعد قلوبنا، ألا وهو الحنين الخفيّ والمستمرّ إلى الخير والحق والمحبّة.
- ويحق لكنيستنا السريانية، بجناحيها الكاثوليكي والأرثوذكسي، أن تفاخر بمار أفرام السرياني بحق، وقد اتخذتْه شفيعاً لها. كما أنّ جميع الكنائس الشرقية لا تزال تغرف من معينه، الصلوات والأناشيد من الأرث الروحي والطقسي الذي خلّفه هذا القديس المتميّز، وفي مقدمة هذه الكنائس: السريانية المارونية، والكلدانية والسريانية الملنكارية والملبارية (في الهند)، والكنائس¬¬¬ البيزنطية والأرمنية والقبطية واللاتينية وكنائس إنجيلية عديدة.
- هذا القديس من شرقنا، رفعه البابا بنديكتوس الخامس عشر في عام 1920 إلى رتبة ملفان الكنيسة الجامعة، ܡܰܠܦܳܢܳܐ "مَلفونو" كلمة سريانية تعني معلّماً ممَيّزاً للإيمان. والكنيسة الجامعة تشمل جميع الكنائس قاطبةً، شرقاً وغرباً. وبعونه تعالى سنحتفل بعد عامين بالذكرى المئوية لإعلان "ملفنة" مار أفرام، المنهل العذب لعلم اللاهوت والكتاب المقدس.
- أفرام الشاعر، لقد طبع أفرام عصره ببصمات مواهبه الرائعة التي برعت بها شاعريته المميّزة بالبساطة والعفوية والخيال. لقد خلّد لنا تراثاً شعرياً ولاهوتياً وكتابياً غزيراً ومميّزاً ببساطته ورمزيته، فنال بحق لقّب "قيثارة الروح القدس". و "شمس السريان"، إذ أنه أضحى مفخرةً لكنائسنا السريانية ولمشرقنا الآرامي إلى يومنا هذا. عُرف أفرام بإنتاجه الشعري الغزير من "المداريش" أي الترانيم الموزونة و"الميامر" أي القصائد التعليمية. كذلك أبدع بالشروحات الكتابية والطقسية، التي أضحت إرثاً حضارياً للعديد من الشعوب ذات الجذور الساميّة. لنصغِ إليه ينشد هذه الأبيات الرائعة في الصوم: ܟܶܦܢܶܬ ܟܡܳܐ ܙܰܒܢܺܝ̈ܢ ܕܰܟܝܳܢܝ̱ ܬܳܒܰܥ ܗ̱ܘܳܐ ܘܶܐܬܟܠܺܝܬ ܘܠܳܐ ܐܶܟ̣ܠܶܬ ܕܶܐܫܬܘܶܐ ܠܗܰܘ ܛܽܘܒܳܐ ܕܰܢܛܺܝܪ ܠܨܰܝ̈ܳܡܶܐ "كِفنيت كمُا زَبنين، دخيُن تُبَع وُو...". "صمتُ مراراً لأنّ كياني طالبني، فامتنعتُ عن الطعام، كي استحقّ تلك الطوبى التي حُفظت للصائمين".
- أفرام، الشادي المريمي، المولّه بدور والدة الله في التدبير الخلاصي. إنّ انجذابه إلى التبحّر في سرّ مريم، حواء الثانية، التي قبلت في أحشائها الطاهرة كلمة الله الأزلي، أطلق فيه مواهب إنشادية لا تزال كنائسنا ترنّمها بإعجاب واعتزاز. فهو مَن أنشد: ܒܬܽܘܠܬܳܐ ܝܶܠܕܰܬ ܕܽܘܡܳܪܳܐ ܬܰܘ ܢܺܐܙܰܠ ܢܶܬܒܰܩܶܐ ܒܶܗ "بثولتُو يِلدَت دومُرُو، تَاو نِيزَل ونتباقِه بِه.. أي البتول ولدت عجباً، تعالوا لنذهب ونتأمّل به.."، وهو مَن ترنّم: ܢܶܩܥܽܘܢ ܓܰܪ̈ܡܰܝ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ ܕܰܐܠܳܗܳܐ ܝܶܠܕܰܬ ܡܰܪܝܰܡ "نِقعون جَرمَي من قبرُو دالوهُو يِلدات مريم.. فلتصرخ عظامي من القبر: إنّ مريم ولدت الله!..". ويزداد افتخارنا بشادي القرن الرابع، إذ نراه يخرق الأعراف فيُؤلّف جوقة للصبايا في مدينة الرها المشهورة آنذاك بمدرستها وثقافتها، لينشدنَ الترانيم الشعبية العذبة، تسبيحاً لله وتكريماً لوالدته الطوباوية. لذا يحقّ لنا القول إنّ مار أفرام دخل التاريخ، لإعطائه المرأة دوراً مهمّاً، ستُحرَم منه الكنيسة كما المجتمع فيما بعد وللأسف لفترة طويلة.
- أفرام الشمّاس، أي الخادم بالسريانية، خادم البيعة والمجتمع. لقد كرّس ذاته لخدمة الجماعة الكنسية الناشئة، قارناً بين حياة الزهد المكرَّسة بروحانية المشورات الإنجيلية، ورسالة الخدمة للفقراء والمرضى والمهجَّرين، رجل صلاة وتأمّل وعمل، سائراً على خطى معلّمه الإلهي، "فرحاً مع الفرحين وباكياً مع الباكين". عاش شهادة الإيمان بتبنّي قضايا شعبه، فجمع بين التقوى والتدرّج في سلّم الفضائل وبين العمل الرسولي الملتزم. تحمّل أنواع الإضطهاد، حتى التهجير قسراً من مدينة نصيبين إلى الرها. وبتغرُّبه هذا، يعطينا المثل في التضحية والبذل من أجل القريب، ونعني بالقريب: هذا "الآخر" الذي يقدّمه لنا يسوع الفادي معلّمنا، الذي قد لا تجمعنا وإيّاه صلة قربى أو رابطة طائفة ودين. فالمحبّة الإنجيلية لا تقبل التمييز.
- مار أفرام السرياني عرف التهجير أقّله مرّتين في حياته. سُلخ عن أرض آبائه وتهجّر شمالاً وغرباً إلى مدينة آمد (ديار بكر اليوم) وإلى الرها (أورفا اليوم)، وذلك بسبب الحروب التي أدّت إلى غزو مدينته نصيبين. فما أشبه اليومَ بالأمس! فالنزوح القسري لأفرام القرن الرابع، يذكّرنا اليوم بشعبنا المسيحي وقد ذاق على مرّ العصور مرارة الإضطهاد والتهجير. وأكبر شاهدٍ على ذلك هو حضور أولادنا من النازحين من العراق وسوريا بيننا، دليل واضح للمعاناة التي ألمّت بالملايين من المدنيين الأبرياء. في صيف عام 2014، فرض الإرهابيون التكفيريون على المسيحيين، ومن كنيستنا السريانية بشكل خاص، وبعضٍ من المكوّنات الصغيرة، الإقتلاع من أرض الأجداد في الموصل وسهل نينوى، العراق. ومنذ سبعة أعوام، ومن جرّاء صراعات عبثية في سوريا، لا يزال الملايين يُطردون من بيوتهم وأرض أجدادهم ويعانون الأمرّين من قلق ويأس، وأفق المستقبل أمامهم مظلم ومخيف. هؤلاء الإخوة والأخوات يتيهون سائحين في أراضٍ غريبة، يأملون بوطنٍ يؤمّن لهم ولأولادهم العيش الحرّ والكريم. كلّ ذلك يجري على الملأ، أمام أعين الدول الكبرى التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، متجاهلةً هذه الفظائع، لأنّ أهدافها في منطقتنا هي التسلّط وليس الخدمة، الإحتكار وليس الإغاثة، فرض الهيمنة وليس نشر التنمية! إنها وصمة عار على جبين المستقويين في عالمنا، إذ يعقدون المؤتمرات التي لا تنتهي ويعدون بأحلام لا تتحقّق!.
- ولكن رغم الآلام التي تحلّ بنا، نحن على ثقةٍ بأنّ الله "يوجِد من المحنة خلاصاً"، فهو الراعي الصالح الذي يسهر على القطيع الأمين له والساعي للحق والعدالة، منطلقاً في جدّة الحياة بإيمانٍ ثابتٍ لا تزعزعه الأنواء ولا تنال منه الشدائد. على مثال شفيعنا مار أفرام، سعتْ كنيستنا السريانية والكنائس الشقيقة أينما وُجدت، شرق دجلة وغرب الفرات، لا سيّما في لبنان وسوريا والعراق والأردن والأراضي المقدسة ومصر وتركيا، كما في أوروبا وأميركا وأستراليا كي تبقى أمينةً لدعوتها: كنيسةً رسولية دُعيت للخدمة، ناشرةً حضارتها ذات الجذور الآرامية الأصيلة لمشرقنا، شاهدةً للخدمة المتواضعة الحقّة للمهجَّرين ولكلّ من يطرق أبوابها من الضعفاء والمهمَّشين. إنها كنيسة شاهدة وشهيدة، كارزة بإنجيل المحبّة والسلام حتى الإستشهاد حبّاً بمعلّمها الإلهي.
- ونحن في هذا الوطن المحبوب والمميّز لبنان، نعتبر أنه واجبٌ علينا كما على غيرنا من مختلف الطوائف، كبيرة كانت أم صغيرة، أن ندافع عنه، وطناً حرّاً، وطناً للجميع، وطناً لجميع الطوائف وليس حكراً على طائفة أو دين. ولكون السريان قد عانوا الأمرّين في مناطق أخرى من هذا الشرق، من أجل حرّيتهم الدينية وكرامتهم الإنسانية، سنظلّ نثمّن النظام القائم في لبنان، بالرغم من نقائصه ومحدوديته، ونعتبره النظام الأكثر عدلاً وحريةً وديمقراطيةً في هذا الشرق. كما أننا مقتنعون مع جميع الأوفياء، بأنّ السلطة والمناصب جُعلت للخدمة المتجرّدة والأمينة للعهد الذي قطعه المسؤولون أمام الشعب الذي انتخبهم. وإننا نصلّي كي يختار اللبنانيون في السادس من أيّار القادم النواب الذين سيمثّلونهم خير تمثيل في المجلس النيابي، ويكونون مؤتمَنين على خدمتهم. فلبنان أولاً وأخيراً يُبنى بشعبه ويزدهر بأبنائه وبناته المؤمنين به، وطناً نهائياً للحرّية، ونموذجاً للمشاركة التوافقية الحضارية، وهو الوطن الرسالة للعالم أجمع.
- وهنا لا بدّ لنا من أن نجدّد التذكير بالوثيقة التاريخية التي وقّعناها مع قداسة أخينا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، وفيها طالبنا باستحداث مقعدَين نيابيين، واحد للسريان الكاثوليك وآخر للسريان الأرثوذكس، مع وجوب تمثيلنا في وظائف الفئة الأولى والأسلاك القضائية والعسكرية والدبلوماسية، سيّما ونحن السريان مكوِّن مؤسِّس في صلب نشأة هذا الوطن الحبيب، وقد قدّم أبناؤنا ولا يزالون يقدّمون التضحيات في سبيل إعلاء شأنه وازدهاره.
- لنضرع إليه تعالى، كي يحمي لبنان من كلّ مكروه ويجمع أبناءه وبناته بروح التوافق الحرّ الخلاق، ويبارك البادرات الوطنية التي يسعى إلى تحقيقها فخامةُ رئيس البلاد العماد ميشال عون، مع رئيسَي المجلس النيابي والحكومة، والمعاونين النزيهين من ممثّلي الشعب والمسؤولين كافةً، بشفاعة الطوباوية مريم العذراء سيدة لبنان وسلطانة السلام، ومار أفرام السرياني الملفان، وجميع شهيداتنا وشهدائنا الأبرار، آمين.

60



الرقم: 1/أس/2018
التاريخ: 12/1/2018

بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
غبطة البطريرك يونان يستقبل الوزيرين بيار بو عاصي وجبران باسيل
السريان مكوّن أصيل وأساسي في لبنان ومن حقّهم أن يتمثّلوا في المجلس النيابي وفي وظائف الدولة

استقبل صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، اليوم الجمعة 12/1/2018، على التوالي كلاً من: معالي وزير الشؤون الإجتماعية الأستاذ بيار بو عاصي، ومعالي وزير الخارجية والمغتربين ورئيس التيّار الوطني الحرّ الأستاذ جبران باسيل، وذلك في الكرسي البطريركي السرياني في المتحف – بيروت.
في كلا اللقاءين، تطرّق غبطته بشكل خاص إلى الأوضاع الراهنة في لبنان، سيّما حضور المكوّن السرياني والدور الهامّ الذي لعبه السريان ولا يزالون يقومون به في سبيل رفع شأن لبنان وازدهاره وتقدّمه والدفاع عنه، مجدِّداً المطالبة بضرورة مشاركة السريان في الحياة السياسية وفي الوظائف العامّة بصورة فاعلة، وبخاصة تمثيلهم في استحقاق الإنتخابات النيابية المقبلة، ومشدّداً على أهمّية الوحدة ورصّ الصفوف بين اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم للحفاظ على وطنهم لبنان – الرسالة والنهوض به والسير قدماً، برعاية وتدبير فخامة رئيس الجمهورية وجميع العاملين معه في إدارة شؤون البلاد، بروح النزاهة والتجرّد والإخلاص. 
كما تناول غبطته في اللقاءين الأوضاع العامّة في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة مسألة الحضور المسيحي فيها، وموضوع هجرة المسيحيين من بلادهم الأصلية في الشرق إلى بلاد الغرب.
وشكر كلٌّ من صاحبَي المعالي غبطتَه على استقباله، وأعرب كلٌّ منهما عن اعتزازه بالكنيسة السريانية، وتقديره للسريان ودورهم في خدمة لبنان وازدهاره.

                                                     أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكي

61


الرقم: 260/2017
التاريخ: 21/12/2017
رسالة عيد الميلاد المجيد 2017

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܘܡܶܠܬܳܐ ܗܘܳܐ ܒܶܣܪܳܐ ܘܰܫܪܳܐ ܒܰܝܢܳܬܰܢ»
"والكلمة صار بشراً، فسكن بيننا" (يوحنّا 1: 14)

1.   مقدّمة
في مستهلّ رسالتنا، ونحن نتطلّع معاً نحو النور الذي شعّ في المذود في بيت لحم، لنعيّد أعجوبة الحبّ الإلهي، بتجسّد كلمة الله في أحشاء مريم البتول، يطيب لنا أن نقدّم التهاني القلبية لكم جميعاً، أيّها الإخوة والأبناء الأعزّاء في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار، بهذا العيد المجيد، عيد انتصار النور على الظلمة، والإتّفاق على الخصام، والسلام على الحرب، والمحبّة على البغض والحقد. ومعكم نضرع إلى الطفل الإلهي، أن يفيض ميلاده العجيب بيننا بالنِّعم والخيرات والبركات، فيضيء نوره وسط ظلمات حياتنا سلاماً وبهجةً ورجاءً، وتبتهج بضيائه قلوبنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا وأوطاننا، وبخاصة في شرقنا الغالي حيث الحروب والمآسي والنزاعات.
2.   الميلاد: تأنّس كلمة الله
"والكلمة صار بشراً، فسكن بيننا، فرأينا مجده، مجداً من لدن الآب لابنٍ وحيد، ملؤه النعمة والحق" (يو 1: 14). بميلاد الرب يسوع المسيح، يصبح الله إنساناً، ويسكن بين البشر، ليؤلّه الإنسان. إنه الحدث الأعظم والأبهى في تاريخ البشر وتاريخ الخلاص، على حدّ تعبير يوحنّا الرسول في إنجيله.
في العهد القديم، لم تكن كلمة الله رسالةً يدركها العقل وتُوجَّه إلى البشر فحسب، بل هي حقيقة ديناميكية وقوّة تحقِّق الإنجازات التي يقصدها الله. في سفر التكوين، تمّ الخلق بالكلمة: "وقال الله ليكن... لتكن..." (تكوين 1). "لم تسقط كلمة واحدة من جميع كلمات الخير والأقوال الصالحة التي تكلّم الرب بها" (يشوع بن نون 21: 45) و (1 ملوك 8: 56).


وفي أثناء إبرام العهد في جبل سيناء، سلّم موسى الشعبَ من قِبَل الله ميثاقاً دينياً وأخلاقياً يتلخّص في "عشر كلمات" هي الوصايا العشر (خروج 20: 1-17) و (تثنية 5: 6-22). وهذا التصريح بوحدانية الله، المقترن بإعلان مطالبه الأساسية، شكّل أحد العناصر الأساسية التي أتاحت لإسرائيل أن يدرك أنّ "الله يتكلّم". 
"فلمّا تمّ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً لامرأة، مولوداً في حكم الشريعة، ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة، فننال التبنّي" (غلا 4: 4-5). في سرّ التجسّد، ميلاد الطفل الأعجوبة يسوع الذي تمّ في "ملء الزمان"، تحقّق الخلاص والفداء للبشر أجمعين، فكلمة الله صار بشراً، وأشرق مجد الله، وحلّ السلام على الأرض، واستقرّ الرجاء في القلوب، وحظي البشر بنعمة البنوّة لله.
وبميلاده انبلج النور الإلهي في ظلمة العالم، ووهب الحياة للبشرية من خلال البشرى التي أعلنها الملاك لرعاة بيت لحم، حيث سُمعت أناشيد ليتورجية السماء التي تَردّد صداها في ليتورجية الأرض. أُحصي ابن الله في سجلات البشر، لكي يُحصي جميع الناس المؤمنين به في سجلّ الخلاص الأبدي. وُلد في بساطة المذود وفقره، ليؤسّس في العالم نهج التواضع والبساطة والغنى بالله.
يجود آباؤنا السريان في تأمّلهم ميلاد الكلمة الإلهي: «ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܗܰܘ ܩܳܠܳܐ ܕܰܗܘܳܐ ܓܽܘܫܡܳܐ܆ ܘܰܠܡܶܠܰܬ ܪܳܡܳܐ ܕܰܗܘܳܐ ܦܰܓ̣ܪܳܐ»، وترجمته: "المجد لذاك الصوت الذي أضحى جسماً، ولكلمة العليّ الذي صار جسداً".


3.   الميلاد تبادُلٌ عجيبٌ بين الله الكلمة والبشر
في الميلاد، يصبح الإله المتجسّد بشراً، يهبنا ألوهيته، ونحن بشخص مريم ويوسف نبادله بشريتنا. وهبَتْه الأرض مغارة، وهو منحها كنيسةً ومائدة خلاص. الأمبراطورية الرومانية أعدّت له شعباً محصيّاً وأرضاً موحَّدة وسلاماً شاملاً، وهو أعطاها مملكةً سماويةً تهب ممالك الأرض سيادة الحق وكرامة العدل وقدسية الإنسان. قدّم له الرعاة حملاً من ماشيتهم، وهو وهبنا ذاته حملاً فصحياً. المجوس قدّموا له رموزاً، وهو منحنا النبوءة والكهنوت والملوكية. وفي الخلاصة إنّ "الإله صار إنساناً ليؤلّه الإنسان"، على حدّ تعبير القديس أمبروسيوس. والقديس البابا لاون الكبير يشير إلى أنّ "الإبن الوحيد ولدَنا بميلاده أبناءً لله، فلم يعُد كلّ واحدٍ منّا فقط من نسل أبيه بحسب الجسد، بل أيضاً وخاصّةً من نسل المخلِّص الذي صار بشراً".
لقد وُلد الطفل الإلهي يسوع من مريم البتول، التي حبلت به بقوّة الروح القدس، وهو سيخلّص الجنس البشري: "وُلد لكم اليوم مخلّص في مدينة داود، وهو المسيح الرب" (لو 2: 11). وأنشد الملائكة لتحقيق مجد الله المكتوم منذ الدهور، والرجاء في قلوب البشر، والسلام على الأرض. المسيح المولود هو المخلّص الوحيد، ورجاء الشعوب، وسلام القلوب والأمم.
وها هو القديس مار يعقوب السروجي يعبّر عن تجسّد كلمة الله الذي صار بشراً، فيقول: «ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܰܐܒܳܐ ܕܫܰܕܰܪ ܡܶܠܬܶܗ ܘܰܗܘܳܐ ܒܶܣܪܳܐ܆ ܘܣܶܓܕܬܳܐ ܠܰܒܪܳܐ ܕܠܳܐ ܡܶܣܬܰܝܰܟ ܘܐܽܘܪܝܳܐ ܣܰܝܟܶܗ܆ ܬܰܘܕܺܝ ܠܪܽܘܚܳܐ ܕܰܒܦܽܘܡ ܥܺܝܪ̈ܶܐ ܫܽܘܒܚܳܐ ܐܰܙܺܝܥ܆ ܘܰܩܥܰܘ ܘܶܐܡܰܪܘ ܫܽܘܒܚܳܐ ܒܪܰܘܡܳܐ ܫܠܳܡܳܐ ܒܥܽܘܡܩܳܐ». وترجمته: "المجد للآب الذي أرسل كلمته فصار بشراً، السجود للإبن الذي لا يُحَدّ وقد حدّه المذود، الشكر للروح الذي حرّك المجد بفم الملائكة، فهتفوا قائلين المجد في العلى والسلام في العمق".




4.   الميلاد إدراكٌ لمحبّة الله الكلمة للبشرية
الكلمة صار بشراً، لكي ندرك محبّة الله، فبالميلاد ظهرت لنا محبّة الله الذي يريدنا أن نحيا بكلمته المتجسّد، وبه نصبح أبناءً لله، وإخوةً بعضنا لبعض، إذ أراد أنّ المؤمن به لا يهلك، بل ينال الحياة الأبدية (يو3: 16). شاء الله أن يجعلنا شركاء في طبيعته الإلهية، ابن الله صار ابن الإنسان، بحيث أنّ "الإنسان، بدخوله في شركة مع الكلمة – الإبن، يصبح ابن الله"، بحسب تعبير القديس إيريناوس. و"ابن الله صار إنساناً لكي نستطيع أن نصبح الله"، كما يقول القديس أثناسيوس. والقديس توما الأكويني يقول: "أصبح الله إنساناً لكي يجعل البشر آلهة".
وُلد يسوع إنساناً، آخذاً الطبيعة البشرية وهو الإله، في البساطة والفقر، في مذود حقير وعائلة فقيرة، وكان الرعاة أوّل شهود هذا الحدث العظيم. فيسوع الطفل هو المثال الحقيقي والقدوة ومنبع كلّ غنى. في الميلاد، خالقُ الإنسان يصبح إنساناً مولوداً من عذراء، نحن أصبحنا شركاء في ألوهية المسيح الذي واضع نفسه ليشاركنا في بشريتنا (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 526).
الطفل الإلهي هو المخلّص المولود، كلمة الله، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الذي "صار بشراً وسكن بيننا" (يو1: 14). إنه "الإبن الذي كلّمنا به الله في آخر الأيّام، والذي به أنشأ العالمين وجعله وارثاً لكلّ شيء. وهو شعاع مجد الله، وصورة جوهره، وضابط الكلّ بكلمة قدرته" (عبرا 1: 1-3).
في قانون الإيمان نردّد: "من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل (يسوع المسيح ابن الله الوحيد) من السماء وتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار إنساناً". هدف الرب يسوع أن يخلّصنا مصالحاً إيّانا مع الله، الذي أحبّنا، فأرسل ابنه كفّارةً عن خطايانا.
هذا كلّه دفع برعاة بيت لحم أن يغادروا المغارة عائدين إلى حقولهم ومواشيهم "وهم يمجّدون الله ويسبّحونه على كلّ ما سمعوا ورأوا كما قيل لهم من الملاك" (لو2: 20). لقد منحهم الله – الكلمة الذي صار جسداً معنىً لوجودهم وحياتهم، فبدون الله الكلمة لا معنى ولا جدوى للحياة.

5.   صدى الميلاد في عالمنا اليوم
وُلد المسيح في مذود ليخلّص العالم، تواضع الخالق ليعلّمنا التواضع والبساطة، ولكن حين ننظر إلى الأحداث المفجعة حولنا، وما تمرّ به أوطاننا الحبيبة في لبنان وسوريا، مروراً بالعراق والأراضي المقدسة ومصر، نجد أنّ الرجاء قد غاب عن العديد من الأفراد والشعوب في عالمنا اليوم. فالحروب والدمار تعمّ منطقتنا، ولا يبقى لنا سوى الرجاء في السلام الآتي مع ملك السلام، السلام الحقيقي، السلام لشعوبنا وبلداننا. ونصلّي كي تعرف أرضنا الأمن شرطاً أساسياً لتقدُّم لشعوبها، فتتوقّف الحروب والصراعات التي تعصف بها منذ عشرات السنوات، وتعرف أوطاننا الأمان وشعوبنا الطمأنينة، ونعيش مع إخوتنا وشركائنا في الأوطان بالألفة والمحبّة التي جاء ملك السلام ربّنا يسوع المسيح مبشّراً بها، في كنف حكّام عادلين أمناء على مصالح شعوبهم، غير مرتهَنين لسياساتٍ ومشاريع لا تجلب سوى الدمار وعدم الإستقرار.



إنّ وطننا الغالي لبنان لا يزال يرزح تحت وطأة أوضاعٍ اقتصاديةٍ متردّيةٍ تثقل كاهل المواطنين اللبنانيين، إضافةً إلى العبء المتفاقم بسبب وجود نحو مليوني نازح على أرضه، لكنّنا نرى في هذه الظلمة فسحةَ أملٍ تضيء لنا للمستقبل كالنجمة التي أضاءت طريق المجوس نحو الرب يسوع. فوطننا تحرّر في الصيف المنصرم بقوّة جيشه البطل من الإرهابيين الذين كانوا يحتلّون جزءاً من أرضه ويتعدّون على سيادته ويثيرون الرعب في نفوس المواطنين. كما أنّ توحُّد اللبنانيين خلف رئيس الجمهورية وتخطّيهم الأزمة الأخيرة أثبت مرةً جديدةً أنّ وطننا رسالة، رسالة حرّية وتعدّدية للشرق والغرب، ونحن نطالب القيّمين على شؤون الوطن ألا ينسوا أنّ هذه الرسالة التي يشكّلها لبنان تبقى ناقصةً ما دام المكّون السرياني الشريك في تأسيس هذا الوطن مهمّش الحقوق، ومستبعَداً من تمثيله في الندوة البرلمانية والوزارة، وغير ممثَّلٍ كما يجب في الإدارات الرسمية ووظائف الفئة الأولى، وهو الزاخر بالطاقات الخيّرة والمستحقّة من شبابه وشابّاته المؤمنين بلبنان والملتزمين صون حقوقه والدفاع عن استقلاله وحرّيته.
أمّا سوريا الجريحة، ولأنّ الميلاد زمن الرجاء والأمل، نصلّي كما صلّينا ودعونا في السنوات السابقة كي يتوقّف العابثون بمواطنيها وأرضها وحضارتها عن بثّ الكراهية وتأليب المتآمرين على أمنها واستقرارها. لقد قُتل الآلاف وتهجّر الملايين، وتهدّمت البُنى التحتية بفعل الصراعات المجرمة التي تستمرّ منذ  العام 2011. وإنّنا إذ نهنّئ الشعب السوري وحكومته بالإنجازات التي تمّت، في دحر الإرهابيين وتوحيد البلاد وإحلال الأمن في المناطق المحرَّرة، نضرع إلى الرب لتثمر الجهود الخيّرة التي تُبذَل، وتصل المؤتمرات واللقاءات التي تُعقَد، إلى إنهاء الحرب وإعادة الوحدة إلى الشعب السوري الحبيب التوّاق إلى السلام والأمان وإعادة البناء في الحجر والبشر، لتولد سوريا واحدة لجميع السوريين.
وإلى العراق الحبيب، نتوجّه في عيد ميلاد الربّ يسوع، ونحن نرى أرض الرافدين وقد تحرّرت من التنظيمات الإرهابية، فنفرح ونحن نسمع أجراس كنائسنا في سهل نينوى وإقليم كوردستان وكلّ العراق، مبشّرةً بولادة المخلّص وبخلاصها من التكفيريين والمجرمين. إنّنا ندعو الحكومة المركزية وحكومة الإقليم والمجتمع الدولي إلى إرساء الأمن والسلام في العراق، وإلى العمل الجدّي لتشجيع من هاجر ونزح كي يعود إلى أرض الآباء والأجداد، حراً، آمناً، محترماً، في وطنٍ متّحدٍ، وتحت رعاية الدولة وسلطتها.
وإلى الأراضي المقدسة، نتوجّه مصلّين إلى طفل السلام كي يحلّ السلام في أرض السلام، خاصةً في ظلّ التطوّرات الأخيرة، سائلين الرب ألا تؤدّي إلى مزيد من المآسي والويلات بحق أبنائنا الموجودين في الأراضي المقدسة. فبالحكمة والتروّي تبقى القدس مدينةً للسلام والبناء لا مدينةً للحرب والدمار.
وإلى مصر، نسأل الرب يسوع أن ينشر أمنه وسلامه في ربوعها، وأن يحيا مواطنوها بالمحبّة والوئام، ويتعاضدوا من أجل ازدهار وطنهم، مهما اختلفت انتماءاتهم وتوجّهاتهم.
وإنّنا نجدّد المطالبة بالإفراج عن جميع المخطوفين، من رجال دين ومدنيين وعسكريين، وبخاصة مطراني حلب مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة باولو داللوليو، واسحق محفوض، وميشال كيّال. كما نضرع إلى الطفل الإلهي أن يتغمّد جميع الشهداء برحمته الواسعة، ويمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل، ويعزّي كلّ مفجوعٍ بفقد عزيز.




قلوبنا وأفكارنا تتوجّه بصورة خاصة إلى أبنائنا الذين يكابدون آلام الإقتلاع والنزوح والهجرة، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات، مؤكّدين لهم تضامننا الأبوي واستعدادنا الدائم لتأمين حاجاتهم ومساعدتهم بكلّ الإمكانات المتاحة.
وها هو قداسة البابا فرنسيس يشدّد في رسالته لمناسبة اليوم العالمي للسلام للعام 2018، بعنوان "مهاجرون ولاجئون: رجال ونساء يبحثون عن السلام"، على ضرورة "أن نعانق بروحٍ من الرحمة جميعَ الأشخاص الهاربين من الحروب والمجاعات، ومن يُرغَمون على ترك أرضهم بسبب التمييز والإضطهادات والفقر".
وإنّنا نتوجّه بشكلٍ خاص إلى العائلات التي تعاني الحزن لفقدان أحد أفرادها، وجميع الذين يغيب عنهم فرح العيد، من فقراء ومعوَزين ومهمَّشين ومستضعَفين، سائلين لهم فيض النِّعَم والبركات والتعزيات السماوية.
ويسرّنا أن نتوجّه بأطيب التهاني الأبوية بمناسبة عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح بالجسد إلى جميع إخوتنا وأبنائنا وبناتنا السريان في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا وأميركا وأستراليا. نحثّهم جميعاً على التمسّك بالإيمان بالرب يسوع، والتعلّق بكنيستهم وأوطانهم والإخلاص لها، حتى يكونوا على الدوام شهوداً لنور الميلاد وسلامه أينما حلّوا.

6.   حدثان هامّان ينتظران كنيستنا السريانية الكاثوليكية في العام المقبل 2018
ستعقد كنيستنا السريانية اللقاء العالمي الأوّل للشباب السرياني الكاثوليكي، وهو لقاء يجمع الشبّان والشابّات من كنيستنا السريانية في جميع الأبرشيات والرعايا والإرساليات في العالم، بعنوان "تعالَ وانظر"، وذلك في لبنان، في الفترة الممتدّة من 17 حتّى 22 تمّوز 2018.
إنّنا نشجّع جميع أبنائنا وبناتنا من عمر 18 حتّى 35 سنة من جميع أنحاء العالم، على المشاركة في هذا اللقاء التاريخي الأوّل من نوعه، فيتعرّفوا على بعضهم وعلى كنيستهم السريانية ولغتها وتراثها، ويتبادلوا خبرات عيش إيمانهم بالرب يسوع، كلّ واحدٍ بحسب بيئته ومجتمعه. وسنرسل كلّ التفاصيل والمعلومات الضرورية بخصوص هذا اللقاء إلى جميع الأبرشيات والرعايا والإرساليات.
ستُحيي كنيستنا السريانية اليوبيل الذهبي لرقاد المثلّث الرحمات البطريرك الكردينال مار اغناطيوس جبرائيل الأوّل تبّوني (1968 – 2018)، في مؤتمر خاص يُعقد في لبنان يومي 28 و29 تمّوز 2018، تكريماً لهذه الشخصية الفذّة التي لعبت دوراً بارزاً في التاريخ الحديث لكنيستنا. 








7.   خاتمة
أيّها الرب يسوع، الله – الكلمة، يا من صرتَ جسداً، فسكنتَ بين البشر، وانتسبتَ إلى الأسرة البشرية، وتضامنتَ مع كلّ إنسانٍ، مشاركاً إيّاه في قوّته وضعفه، فتُضحي له الفادي والمخلّص. لقد حقّقتَ الوعود الإلهية بالخلاص، وأظهرتَ لنا أنّ حياة الإنسان مسيرة قداسةٍ نحو الله، مهما كانت ظروف حياته.
أنرْ أيّها المسيح، الطفل الإلهي الذي ولدَتْه البتول عجباً، تاريخَ الشعوب والثقافات، لتهتدي بنورك إلى الحقيقة والعدالة والمحبّة، فيحيا الناس في شركةٍ مع الله، ويتضامنوا فيما بينهم، ويبنوا عالماً يعمّه السلام والأمان والمحبّة. فيهتف الجميع ملء الفم والقلب والروح:
ܡܫܺܝܚܳܐ ܐܶܬܺܝܠܶܕ... ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ وُلِدَ المسيح! هللويا!

وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
كلّ عام وأنتم بألف خير.

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان
في اليوم الحادي والعشرين من شهر كانون الأوّل سنة 2017،
 وهي السنة التاسعة لبطريركيتنا




                                                         اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                 بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي









62
الرقم: 77/أس/2017
التاريخ: 17/11/2017

بيان رسمي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يوجّه رسالة تضامُن ودعم وتأييد إلى فخامة الرئيس العماد ميشال عون

إثر التطوّرات الأخيرة والأوضاع الراهنة في لبنان بعد إعلان دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري استقالته من خارج لبنان، وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رسالةً إلى فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، ثمّن فيها غبطتُه قيادةَ فخامتِه الحكيمة للوطن وفطنته ودرايته في هذه الأزمة، وما يقوم به فخامته من مبادرات، موحّداً "اللبنانيين بتضامُن وطني قلّ نظيره"، وحامياً "الوطن من الإنزلاق إلى مصير مجهول"، وموطّداً "أسس المواطنة الحقّة".
وأعرب غبطته في رسالته عن دعم وتأييد الكنيسة السريانية الكاثوليكية في لبنان لفخامته في كلّ ما يقوم به "من معالجات وحلول سليمة تحافظ على الإستقرار والسلم الأهلي"، من أجل انتهاء الأزمة الحالية، وكي يعود رئيس الوزراء، "فيبقى لبناننا الغالي والعزيز الوطن – الرسالة والنموذج الحيّ للشرق والغرب في العيش الواحد بين مواطنيه".
                                                                                                (انتهى البيان)
نص رسالة غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان إلى فخامة الرئيس العماد ميشال عون:
"تحيّة محبّة وسلام مع الدعاء لكم بالصحّة والعافية،
نتوجّه إليكم بكتابنا هذا في هذه الأيّام العصيبة التي يمرّ بها وطننا الغالي لبنان، وبخاصة منذ إعلان دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري استقالته من خارج لبنان، وما نتج عن ذلك من تداعيات أثّرت على الأوضاع العامّة في البلاد.
إنّنا نثمّن قيادتكم الحكيمة للوطن في هذه الأزمة، وما قمتم وتقومون به من مبادرات، بما تتحلّون به من فطنة ودراية. فوحّدتم حولكم جميع اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم وتوجّهاتهم بتضامنٍ وطني قلّ نظيره، وحميتم الوطن من الإنزلاق إلى مصير مجهول، ووطّدتم أسس المواطنة الحقّة.
ويطيب لنا أن نعرب لكم، باسمنا الشخصي وباسم أبناء كنيستنا السريانية الكاثوليكية في لبنان، عن دعمنا وتأييدنا لما تقومون به من معالجات وحلول سليمة تحافظ على الإستقرار والسلم الأهلي، سائلين الله أن ينعم على لبنان بانتهاء الأزمة الحالية وبعودة رئيس الوزراء إليه، فيبقى لبناننا الغالي والعزيز الوطن - الرسالة والنموذج الحيّ للشرق والغرب في العيش الواحد بين مواطنيه.
وإذ نتمنّى لكم النجاح والتوفيق، نختم بتجديد مشاعر المحبّة والإكرام مع الدعاء بفيض النِّعم والبركات، ودمتم".

63
الرقم: 71/أس/2017
التاريخ: 31/10/2017

بيان إعلامي
صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

الذكرى السنوية السابعة لمذبحة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد والأوضاع الراهنة في العراق

بمناسبة الذكرى السنوية السابعة للجريمة النكراء والمذبحة الكبرى التي وقعت في كاتدرائية سيّدة النجاة السريانية الكاثوليكية في بغداد، خلال القداس المسائي ليوم الأحد 31/10/2010، وأدّت إلى استشهاد الأبوين ثائر عبدال ووسيم القس بطرس و45 مؤمناً من الرجال والنساء والشبّان والأطفال، فضلاً عن عدد من الجرحى، رفع صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الصلاة خلال الذبيحة الإلهية التي أقامها في كنيسة مار اغناطيوس في الكرسي البطريركي ببيروت، من أجل راحة نفوس شهداء هذه المذبحة، وشفاء الجرحى والمتألّمين، مستذكراً هذه الجريمة النكراء التي يندى لها جبين الإنسانية، وسائلاً الله أن تكون دماء الشهداء بذاراً للحياة ونموّاً للإيمان وثباتاً في الرجاء في خضمّ الصعوبات والمعاناة التي يقاسيها المسيحيون في الشرق، حيث أعمال العنف والإضطهاد والإرهاب وما نتج عنها من تهجير قسري واقتلاع من أرض الآباء والأجداد.
كما شدّد غبطته حرصه على سلام العراق وأمانه رغم المرحلة الراهنة التي يعانيها وانعكاساتها السلبية على مستقبل المواطنين، داعياً إلى حلّ النزاعات والخلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان بالحوار البنّاء الذي يضع مصلحة الوطن فوق كلّ اعتبار.
وأعرب غبطته عن فرحه بتحرير الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى ومختلف المناطق العراقية من قبضة الإرهاب، مؤكّداً أهمّية رصّ الصفوف ووحدة الكلمة بين مختلف مكوّنات العراق، للنهوض بالوطن وإعمار ما هدمته يد الإرهاب والتطرّف.


64

البيان الختامي
للسينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان 3-7/10/2017

برئاسة صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، عُقد السينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، بمشاركة آباء السينودس الأساقفة القادمين من الأبرشيات والنيابات البطريركية والرسولية في لبنان وسوريا والعراق والقدس والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والولايات المتّحدة الأميركية وكندا وفنزويلا وأستراليا والوكالة البطريركية في روما، وذلك في الفترة الممتدّة من 3 حتى 7/10/2017، في الكرسي البطريركي في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان.
مع بداية أعمال السينودس، قام غبطته والآباء بزيارة رسمية إلى فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون في القصر الجمهوري في بعبدا، إذ يُعقَد السينودس للمرّة الأولى بعد انتخاب فخامته رئيساً. وكانت مناسبة لشكره على رعايته شؤون أبناء الطائفة، ولا سيّما منهم الذين أُرغِموا على الهجرة من العراق والذين يلقون اليوم التسهيلات اللازمة لعودتهم إلى بلدهم، مبدين تأييدهم لمواقفه الداعمة للحضور المسيحي في الشرق، ومؤيّدين مطلب فخامته بجعل لبنان مركزاً عالمياً لحوار الحضارات والأديان والأعراق.
استهلّ الآباء اجتماعاتهم برياضة روحية تأمّلوا فيها الدعوة الأسقفية وتحدّيات الخدمة، وعلاقة الأسقف بالإكليروس والمؤمنين الموكَلين إلى عنايته، بروح "الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف" (يوحنّا 10: 11)، مهيبين بالكهنة والمؤمنين أن يلتفّوا حول أسقفهم بالوحدة والتضامن والمحبّة المتبادلة والطاعة الكنسية. وهكذا يواجهون معاً التحدّيات بالصبر والفطنة وبرؤية ثاقبة نحو المستقبل، بالرجاء المسيحي الذي لا يخيب، غير ناسين ما تتطلّبه الخدمة الكنسية من تجرّد وتفانٍ.
وتطرّق الآباء إلى الموضوع الهامّ المتعلّق بالتنشئة الإكليريكية والرسامات الكهنوتية وشؤون الكهنة وعلاقاتهم بأسقفهم راعي الأبرشية، ودعوا إلى عيش روح الإنجيل الذي يصوّر الأسقف أباً ورئيساً وراعياً.
واستمع الآباء إلى تقارير عن الأبرشيات والنيابات البطريركية والرسولية في الشرق وفي بلاد الإنتشار، والمؤسّسات البطريركية الرهبانية والإكليريكية، ودرسوا النص المقترح لقوانين الشرع الخاص للكنيسة السريانية الذي قدّمته اللجنة القانونية، وناقشوا ما توصّلت إليه اللجنة الطقسية في تجديد خدمة القداس الإلهي، وقرّروا عقد اللقاء العالمي الأول للشباب السرياني الكاثوليكي في لبنان في الصيف القادم.
أمّا أبرز ما جاء في أعمال السينودس:
أولاً: درس الآباء الأوضاع الراهنة في الشرق، وما يعانيه أبناء الكنيسة السريانية كما آخرون من الكنائس الشقيقة، من جراء الأزمات والنزاعات المخيفة، في سوريا، وفي العراق، فضلاً عن عدم الإستقرار والإضطرابات في الأراضي المقدسة، ومآسي المسيحيين في مصر. هذه الأوضاع تسبّب آلاماً وإضطهاداتٍ تدفع إلى النزوح القسري، وإلى التهجير والإقتلاع من أرض الآباء والأجداد، مع ما يشكّله ذلك من تهديد خطير لمستقبل حضورنا في الشرق، واستمرار أداء الشهادة لإله المحبّة والفرح والسلام في هذه البقعة من العالم حيث وُلدنا وأرادنا الله أن نكون.
ثانياً: بحث الآباء الوضع في لبنان الذي لا يزال يعاني أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، ويرزح تحت عبء مليونَي نازح ولاجئ يتزايد عددهم سنوياً بعشرات الألوف. لكنّ الآباء عبّروا عن ارتياحهم لانتصار الجيش والقوى الأمنية على الإرهاب في جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية، آملين أن تجري الإنتخابات النيابية في مواعيدها، ومجدّدين الطلب برفع الغبن اللاحق بالسريان لعدم تمثيلهم في البرلمان وسائر المؤسّسات الرسمية في الدولة. 
ثالثاً: أعرب الآباء عن ارتياحهم لما يشاهدونه في سوريا من عودة تدريجية للأمن والإستقرار بعد أكثر من ستّ سنوات من الحرب التي فُرِضت على هذا البلد. فقد تمّ تحرير حلب، وها هو الأمن يستتبّ في معظم أنحاء البلاد. ويطالب الآباء الأسرة الدولية وجميع ذوي الإرادات الحسنة ببذل الجهود لإقرار حلّ سياسي عادل وتسريع عودة النازحين والمهجَّرين السوريين إلى ديارهم، فيسهموا بثقة وفعالية في إعادة إعمار بلدهم.
رابعاً: شدّد الآباء حرصهم على سلام العراق وأمانه رغم المرحلة الراهنة التي يعانيها وانعكاساتها السلبية على مستقبل المواطنين، وهم يدعون إلى حلّ النزاعات والخلافات بالحوار البنّاء الذي يضع مصلحة الوطن فوق كلّ اعتبار. وإذ يعربون عن فرحهم بتحرير الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، يؤكّدون أهمية رصّ الصفوف ووحدة الكلمة بين مختلف مكوّنات العراق، للنهوض بالوطن وإعمار ما هدمته يد الإرهاب والتطرّف.
خامساً:  ثمّن الآباء الدور الإيجابي الذي يقوم به الرئيس والحكومة في مصر، ممّا يساهم في النهوض الإقتصادي وفي زرع بذور الأمل بالمستقبل لدى المسيحيين بعد ما عانوه من مآسٍ وأعمال عنف وإرهاب.
سادساً: أكّد الآباء دعمهم مساعي المصالحة والوحدة بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، وحقّه في إقامة دولته، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم بحسب مقرّرات الأمم المتّحدة.
سابعاً: عبّر الآباء عن تضامنهم مع أبنائهم المؤمنين الذين صمدوا وبقوا في أرضهم رغم المعاناة، والذين يقاسون الصعوبات والضيقات نتيجة النزوح والهجرة إلى بلدان أخرى بحثاً عن الأمان والإستقرار، مشجّعينهم على الثبات في إيمانهم وتجديد ثقتهم بالرب يسوع الذي لا يهمل ولا يترك خائفيه والمتّكلين عليه، ومؤكّدين لهم وقوف الكنيسة إلى جانبهم وتقديم كلّ ما يمكن أن يساهم في تحسين أوضاعهم الصعبة.
ثامناً: توجّه الآباء إلى أبنائهم المؤمنين الذين غادروا أرضهم الأمّ في الشرق، وانتشروا في أوروبا وأميركا وأستراليا، مؤكّدين تواصلهم معهم بالصلاة ومتابعة أمورهم من خلال رعاتهم الكنسيين. وهم إذ يعرِبون عن افتخارهم واعتزازهم بإنجازات أبنائهم وإبداعاتهم في مختلف مجالات العمل والعطاء حتى تبوّأوا مناصب رفيعة في الخدمة العامّة في عدد من البلدان، وأضحوا موضع إكرام وتقدير، فإنهم يحثّونهم كي يبقوا راسخين في الإيمان الواحد، وأمناء لتراث كنيستهم السريانية وتقاليدها المشرقية العريقة، مع الحفاظ على تواصلهم وعلاقاتهم التضامنية مع بلاد المنشأ.

وصدرت عن السينودس القرارات التالية:
أولاً: إعادة النظر بما توصّلت إليه اللجنة الطقسية من تجديد في خدمة القداس الإلهي، تمهيداً لطباعة القداس وتعميمه على الإكليروس والمؤمنين بعد موافقة الآباء عليه.
ثانياً: الموافقة على النص المقترَح لقوانين الشرع الخاص بكنيستنا السريانية الكاثوليكية الذي قدّمته اللجنة القانونية.
ثالثاً: عقد اللقاء العالمي الأول للشباب السرياني الكاثوليكي في الصيف القادم في لبنان، وتشجيع الإكليروس والمؤمنين من كلّ الأبرشيات والإرساليات في العالم على المشاركة في هذا اللقاء، تعزيزاً لوحدتهم وتقويةً لتأصّلهم بروحانية كنيستهم وتاريخها وتراثها.
رابعاً: اتّخاذ قرارات إدارية.
وفي ختام السينودس، رفع الآباء شكرهم للرب الإله، الثالوث الأقدس، على روح المحبّة والأخوّة التي جمعتهم في هذا السينودس، متّكلين على النعمة الإلهية التي تقوّيهم وتشجّعهم، وعلى شفاعة مريم العذراء سيّدة النجاة، ليتابعوا مسيرة الشهادة للإيمان، بالوحدة مع أبنائهم من الإكليروس والمؤمنين، رغم كلّ ما يحيط بهم من تحدّيات وصعوبات، واثقين بوعد الرب يسوع القائل "أنا معكم كلّ الأيّام وحتى انقضاء الدهر" (متى 28: 20).


65

الرقم: 63/أس/2017
الرقم: 3/10/2017

بيان إعلامي

صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان الإعلامي التالي:
بدأ أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية أعمال سينودسهم السنوي العادي برئاسة صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، وذلك صباح اليوم الثلاثاء 3/10/2017، في الكرسي البطريركي بدير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان.
سيعالج السينودس شؤون الأبرشيات والنيابات البطريركية والأكسرخوسيات والإرساليات وأحوال المؤمنين في لبنان وبلاد الشرق والإنتشار، وشؤوناً كنسية وإدارية وراعوية.
كما سيبحث السينودس الأوضاع  العامّة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط والحضور المسيحي فيها.
هذا وستستمرّ أعمال السينودس حتى يوم السبت 7 تشرين الأول، حيث تنتهي ببيان ختامي.



                                   أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

66

OC.2017.30.07.40
30 July 2017
   
البيان الختامي
للمؤتمر العاشر لابرشية سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في الولايات المتحدة الامريكية
     
         بنعمة الله وببركته تعالى ؛
وبرعاية صاحب الغبطة مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، البطريرك السرياني الكاثوليكي الإنطاكي الكلي الطوبى.
وبدعوة من سيادة مار برنابا يوسف حبش مطران ابرشية سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في الولايات المتحدة الامريكية الجزيل الاحترام.
عقدت ابرشية سيدة النجاة للسريان الكاثوليك مؤتمرها العاشر للفترة ٢٨-٣٠ من تموز الحالي ٢٠١٧ في مدينة جاكسونفيل - فلوريدا. حيث قامت رعية مار افرام بواجب وإستضافة وإدارة المؤتمر. 
تمّ تنظيم وإدارة  وإنجاز أعمال المؤتمر تحت شعار:
"فرح الإنجيل" وهو نفس عنوان رسالة قداسة البابا مار فرنسيس.
من ضيوف هذا المؤتمر كان كل من سيادة المطران مار افرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد ومار بولس أنطوان ناصيف مطران السريان الكاثوليك في كندا الجزيلي الاحترام.
شارك في هذا المؤتمر احد عشر كاهن من الابرشية مع جمع من شمامسة رعية مار افرام الكرام. كما شاركت وفود من جميع رعايا وإرساليات الابرشية والى جانب ذلك فقد وافى للمشاركة في هذا المؤتمر أيضاً أصدقاء ومؤازرون للأبرشية من مدن أمريكية وكندية وأوروبية مختلفة.
وإن اهم ما اندرج في اعمال هذا المؤتمر كان ما يلي:
١- محاضرة صاحب الغبطة الموسومة (كنيستنا في المهجر: تأريخ، واقع ورسالة) والتي تلتها مناقشات المشتركين (في موقع كنيسة مار افرام بجاكسونڤيل).
٢- محاضرة سيادة المطران مار برنابا يوسف وبعنوان:
(فرح الانجيل - مسيرة الأبرشية وعلاقتها بالكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة الامريكية) وكان ذلك في كنيسة سانت سبستيان في مدينة سانت اوغسطين.
٣- زيارة معالم مدينة سانت اوغسطين.
٤- حلقات المناقشات والتعارف.
الى جانب المواضيع التي تمت مناقشاتها والإصغاء الى توجيهات ابينا البطريرك ونصائحه للمؤتمرين كافة ايضاً انعقد اجتماع خاص لكهنة الابرشية مع صاحب الغبطة لبحث شؤون الابرشية بشكل عام.
اهم ما تقرر في هذا المؤتمر كان:
21
E. 23rd Street, Bayonne, NJ 07002. Phone: (201)455.8151, Fax: (201)455.8152
١- تجديد وترسيخ القناعة لدى الجميع في الالتزام بواجبنا المسيحي إيمانياً لأن نكون الرسل الذين يحملون إنجيل الخلاص والتبشير بفرح الانجيل للذات وللعائلة وللكنيسة وللمجتمع. فإنه بدون التبشير بفرح الانجيل لا نبقى مسيحيين حقيقيين .
٢ التعمق في الوعي لهويتنا المسيحية وخاصة كوننا أصحاب الارث المسيحي الرسولي ذي الهوية الأنطاكية حيث تلاميذ الرب دُعوا أولاً مسيحيين. لأنهم كانوا يحبون بعضهم بعضاً وكانت محبتهم هذه شهادة لفرحهم بإنجيل المسيح وأداة تبشيرهم الأساسية والقوية.
٣ - إن كنيسة المهجر جزء عضوي من كنيستنا السريانية الكاثوليكية الام في بلدان الأصل. ومسيحيتنا المشرقية تبقى أمانة في أعناقنا. وبدونها نفقد أصالتنا ونشوِّه هويتنا المسيحية وسبباً لخسارة الغنى المسيحي المشرقي . 
٤- قرر جميع المشاركين لأن يجعلوا من ابرشية سيدة النجاة للسريان الكاثوليك ويعلنوها "ابرشية الفرح" واقعاً حيّاً وشهادةً .
ختاماً تم طبع ونشر الكتاب الخاص بالمناسبة ( ٥٠ صفحة) ومن جملة ما يحتوي عليه هذا الكتاب:
- رسالة صاحب الغبطة ابينا البطريرك بمناسبة المؤتمر.
- رسالة نيافة الكردينال بييدرو بارولين وزير خارجية الفاتيكان تحمل بركة وعواطف الاب الاقدس البابا فرنسيس الى المؤتمر.
- رسالة سعادة السفير البابوي لدى الحكومة الامريكية رئيس الأساقفة پيير كريستوفر.
- رسالة نيافة الكردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية لمناسبة المؤتمر.
- جملة تقارير ومقالات حققها وكتبها إكليروس الابرشية.
الخلاصة :
بكل تأكيد وبثقة مطلقة كما إبتدأ هذا المؤتمر وسوف يبقى في ذاكرة المشتركين نبعاً للفرح الحقيقي ودفقاً من فرح الانجيل المجاني يطفح من حياة المشتركين فيه لذواتهم ولعوائلهم ولرعاياهم .

 

الهيئة العليا للمؤتمر
جاكسونڤيل، فلوريدا
٣٠ تموز ٢٠١٧


67
بيان رسمي صادر عن بطريركيتي أنطاكية للسريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك

البطريركيتان تُعرِبان عن خيبة الأمل نتيجة إقصاء المكوّن السرياني عن التمثيل في قانون الإنتخابات
تؤكّد البطريركيتان على المطالب الواردة في الوثيقة المشتركة الصادرة عنهما 

إنّ بطريركيتي أنطاكية للسريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك إذ تقدّمان التهنئة للبنانيين بإنجاز قانون جديد للإنتخابات النيابية، تُعرِبان عن خيبة الأمل التي طالت المكوّن السرياني بشقّيه الأرثوذكسي والكاثوليكي بسبب الغبن اللاحق بالطائفتين نتيجة تجاهُل السريان وإقصائهم لدى إصدار هذا القانون، وإغفال المطلب المشروع الذي تقدّمت به البطريركيتان ضمن نص الوثيقة المشتركة الموقَّعة من قداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بتاريخ 9/5/2016، المطالِبة بتعديل قانون الإنتخاب واستحداث مقعدين نيابيين في مجلس النواب: واحد للسريان الأرثوذكس، وواحد للسريان الكاثوليك، فرغم الوعود التي قطعها المسؤولون للبطريركيتين، لم نلمس بحثاً جدّيًّا لهذا المطلب المحقّ، سيّما وأنّ السريان مكوِّن أصيل ومؤسِّس في لبنان، وقد أعطى ولا يزال يقدّم التضحيات الغالية من أجل رفعته وتقدّمه وازدهاره.
كما تؤكّد البطريركيتان على المطالب الأخرى الواردة في مضمون تلك الوثيقة والقاضية بإخراج طائفتيهما من تسمية "الأقلّيات"، وتسمية وزير سرياني في كلّ حكومة يتمّ تشكيلها، وتمثيل السريان في وظائف الفئة الأولى والوظائف العامّة في مختلف مرافق الدولة، وفي كلّ الأسلاك القضائية والعسكرية والأمنية والديبلوماسية.
في 19 حزيران 2017




68
الرقم: 37/أس/2017
التاريخ: 7/6/2017

بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
اجتماع المجلس الإستشاري الأعلى لطائفة السريان الكاثوليك يوجّه صرخةً للأطراف السياسية المسيحية واللبنانية
مطالباً بعدم تجاهُل مطلبهم المحق بمقعدين نيابيين: واحد للسريان الكاثوليك، وواحد للسريان الأرثوذكس
يطالب المجلس بتمثيل السريان في وظائف الفئتين الأولى والثانية في التعيينات الإدارية في الدولة اللبنانية

بتاريخ 6/6/2017 عقد المجلس الإستشاري الأعلى لطائفة السريان الكاثوليك اجتماعاً طارئاً في الكرسي البطريركي السرياني في بيروت، وعلى جدول أعماله بند واحد، وهو التطوّرات الحاصلة في قانون الإنتخابات النيابية العتيد الذي شارف القيّمون على إخراجه بالوصول إلى المراحل الأخيرة للإتفاق عليه.
وحيث أنّ كلّ المعلومات المتوافرة عن هذا المشروع تُظهر تجاهُل مطالب الكنيستين السريانيتين الكاثوليكية والأرثوذكسية المتَّفق عليها بالوثيقة التاريخية المشتركة الموقَّعة فيما بين البطريركين مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان ومار اغناطيوس أفرام الثاني، بتاريخ 9/5/2017.
وقد شدّد المجتمعون على رفضهم وإدانتهم لتجاهُل المطالب التاريخية المحقّة للسريان، وهم مكوّن مؤسّس للجمهورية اللبنانية، واعتبروا أنّ تجاهُل هذه المطالب في هذه المرحلة التاريخية التي يمرّ بها الشرق يشكّل إمعاناً في ضرب الوحدة الوطنية اللبنانية وخرقاً للمبادئ التي نصّت عليها وثيقة الوفاق الوطني والقيم التي بُنيت عليها الجمهورية اللبنانية.
وقد ذكّر المجتمعون مجدّداً بما تضمّنته الوثيقة المشتركة التي تهدف إلى إعادة الحق إلى المكوّن السرياني في المجتمع اللبناني، وفيها طالب البطريركان بإخراج طائفتيهما من تسمية "الأقلّيات"، وتعديل قانون الإنتخاب لجهة زيادة عدد النواب واستحداث مقعدين نيابيين في مجلس النواب اللبناني: واحد للسريان الأرثوذكس، وواحد للسريان الكاثوليك، وتسمية وزير سرياني في كلّ حكومة يتمّ تشكيلها، وتمثيل السريان في وظائف الفئة الأولى والوظائف العامّة في مختلف مرافق الدولة، وفي كلٍّ من الأسلاك القضائية والعسكرية والأمنية والديبلوماسية.
وفي هذا الإطار، أعرب المجتمعون عن أسفهم لعدم تجاوُب الأطراف السياسية كافةً مع هذه المطالب المحقّة الواردة في نص هذه الوثيقة المشتركة، بحيث يغيّبونها ويتجاهلونها لدى طرحهم بحث موضوع قانون الإنتخابات العتيد، وهذا ما سيؤدّي إلى خيبة أمل كبيرة للمكوّن السرياني، ويؤّثر على مشاركته في الإنتخابات النيابية المقبلة.
واختتم الإجتماع بإبقاء الجلسات مفتوحة لمتابعة التطورات واتفق على التواصل مع مختلف القيادات المسيحية والوطنية لحضهم على التوافق في سبيل رفع الظلم والإجحاف عن المكون السرياني اللبناني.

69
البطاركة يوسف الثالث يونان وأفرام الثاني ولويس روفائيل الأول ساكو
يلتقون نائب الرئيس الأميركي مايكل بينس – واشنطن
التقى غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، وقداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك بابل على الكلدان، بنائب الرئيس الأميركي مايكل بينس، وذلك في البيت الأبيض – واشنطن – الولايات المتّحدة الأميركية.
وكان قد نظّم اللقاء ودعا إليه وشارك فيه نيافة الكردينال كريستوف شونبورن رئيس أساقفة فيينا، والدكتور كريستيان فون غوزو رئيس منظّمة المشترعين الكاثوليك الدوليين.
خلال اللقاء، بحث البطاركة مع نائب الرئيس الأميركي الأوضاع العامّة في الشرق الأوسط والحضور المسيحي فيه، وما يعانيه مسيحيو الشرق وما يتعرّضون له من جراء الحروب والنزاعات والصراعات وأعمال العنف والإضطهاد والإقتلاع والتهجير القسري من أرض الآباء والأجداد، وبخاصة الأوضاع في العراق وسوريا ولبنان، مؤكّدين أنّ المسيحيين هم سكّان الأرض الأصليون، وأنه من الأهمية والضرورة المحافظة على وجودهم وبقائهم واستمرارهم في أداء الشهادة لإيمانهم المسيحي ولإنجيل المحبّة والسلام في أرضهم في الشرق، بالحرّية والكرامة الإنسانية والمساواة الكاملة مع إخوتهم وشركائهم في الوطن إلى أيّ دين أو قومية انتموا، وأن ينعم الجميع بالسلام والأمان والطمأنينة.
وقد أبدى نائب الرئيس الأميركي التفهّم الكامل لما عرضه البطاركة، واعداً بالعمل على تعزيز السلام والحوار وحماية المسحيين في الشرق.
وأثنى البطاركة على ما جاء في هذا الإطار في اللقاء المعزّي والباعث الأمل والرجاء الذي تمّ بين قداسة البابا فرنسيس والرئيس الأميركي دونالد ترامب في الفاتيكان، حيث جرى التأكيد على "تعزيز السلام في العالم من خلال المفاوضات السياسية والحوار بين الديانات، مع الإشارة بشكل خاص إلى الوضع في الشرق الأوسط وحماية الطوائف المسيحية".
هذا وكان البطاركة والكردينال شونبورن والدكتور فون غوزو قد التقوا على هامش زيارتهم واشنطن، بالمسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، وبعدد من أعضاء الكونغرس الأميركي، وبناشطين في منظّمات غير حكومية تُعنى بشؤون مسيحيي الشرق الأوسط، وبحثوا معهم في الحضور المسيحي في الشرق وضرورة المحافظة عليه. كما حلّوا ضيوفاً على سيادة رئيس الأساقفة المطران كريستوف بيار، السفير البابوي في الولايات المتّحدة، وذلك في مقرّ السفارة في واشنطن.
وقد حضر هذه اللقاءات نيافة المطران مار ديونوسيوس جان قواق النائب البطريركي لأبرشية شرقي الولايات المتّحدة الأميركية للسريان الأرثوذكس، وسيادة المطران مار برنابا يوسف حبش راعي أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة للسريان الكاثوليك، وسيادة المطران فرنسيس قلابات راعي أبرشية مار توما الرسول في شرق الولايات المتّحدة للكلدان، والأب جوزف بالي أمين سرّ بطريركية السريان الأرثوذكس، والأب حبيب مراد أمين سرّ بطريركية السريان الكاثوليك، والسيّد مانويل بغدي مستشار الكردينال شونبورن.


70
الرقم: 99/2017
التاريخ: 13/4/2017
إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين
المبارَكين بالرب اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

 نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
قيامة المسيح من الموت تشكّل أساس إيماننا به مخلّصاً، وسبباً لرجائنا فيه ربّاً مدبّراً وحامياً. هذا ما تسلّمناه من الجماعة المسيحية الأولى التي عاشت هذا السرّ الفصحي العجيب، كحقيقةٍ أثبتتها كتب العهد الجديد، وكرزها الرسل وخلفاؤهم من بعدهم، وتناقلها التقليد الرسولي حتى يومنا هذا. إنّ قيامة المخلّص ليست قيامته وحسب، إنّها قيامتنا وجميع الذين يؤمنون به. وهذا ما عناه بولس الرسول إذ كتب يقول: "ولكنّ الله الغني بمراحمه، لحبّه الشديد الذي أحبّنا به، مع أنّنا كنّا أمواتاً بزلاتنا، أحيانا مع المسيح، وبنعمته خلّصنا، وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السموات ..." (أف 2: 4ـ6).
نحن مدعوون لنجعل هذا العيد مناسبةً للعودة إلى الله بالتوبة الصادقة والعزم الثابت بالعمل على مرضاته دوماً. إنه مناسبةٌ للعودة إلى الذات، لتستنير نفوسنا فنرى ما إذا كنّا نسير بصدقٍ وإخلاصٍ مع ذواتنا، نحو الآب السماوي ينبوع المراحم، ومتسامحين مع الجميع، منفتحين على آلامهم ومعاناتهم. لننهض فننزع عنّا إنساننا العتيق ونلبس ذاك الجديد، مرافقين يسوع مخلّصنا على درب الصليب، كي نؤهَّل لفرح قيامته. وكما تذكّرنا أمّنا الكنيسة، علينا أن نعيّد هذا الموسم الخلاصي بالفرح الروحي. ننشر إنجيل المحبّة والسلام بشهادة حياتية، مستنيرين بأنوار الروح القدّوس حسب ما حبانا الرب من مواهب وعطايا.
بمناسبة عيد القيامة المجيدة، يطيب لنا أن نتقدّم من جميعكم، أيّها الأحبّاء، بأحرّ التهاني القلبية، ضارعين إلى الرب يسوع، الذي هو "القيامة والحياة"، أن تتذوّقوا فرح القيامة وتنعموا بسلامه الحقيقي. ومعكم نستمرّ بالدعاء كي يبسط المخلّص أمنه وسلامه في العالم بأسره، وبخاصةٍ في بلادنا المشرقية المعذَّبة. نسأله أن يحلّ سلام المصالحة والتوافق بين جميع المواطنين في لبنان الحبيب، وسوريا الجريحة، والعراق الغالي، ليعود جميع النازحين والمهجَّرين إلى ديارهم في أرض الآباء والأجداد، وينعموا بالطمأنينة والإستقرار. كذلك نصلّي من أجل مصر، والأراضي المقدّسة، والأردن، وتركيا، وبلاد الإنتشار، في أوروبا وأميركا وأستراليا. ومع الصلاة، نسعى لتخفيف المعاناة لدى الفقراء، والمعوَزين، والحزانى، والمتألّمين، كي يحيا  الجميع بالألفة الصادقة والكرامة الإنسانية، ويزدادوا ثقةً في بناء عالمٍ أفضل.
وإذ نبتهل إلى الرب كي يجعل هذا الزمن الخلاصي موسم خيرٍ ونعمةٍ لكم أجمعين، نختم بمنحكم بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية، ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين. وكلّ عام وأنتم بألف خير.    ܩܳܡ ܡܳܪܰܢ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ܆ ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ! المسيح قام، حقّاً قام!
                                                 

                                                         اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                             بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي   

71
غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان
يعيّن المطران مار باسيليوس جرجس القس موسى زائراً بطريركياً للسريان الكاثوليك في أستراليا ونيوزيلندا
بتاريخ الأول من شهر نيسان من العام 2017، عيّن غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، سيادةَ المطران مار باسيليوس جرجس القس موسى، المعاون البطريركي، زائراً بطريركياً للسريان الكاثوليك في أستراليا ونيوزيلندا، لمدّة ثلاث سنوات.
وكان المطران جرجس القس موسى قد قدّم إلى الكرسي الرسولي طلب الإستعفاء من مهمّة الزائر الرسولي في أوروبا، والآن يُرتقَب أن يعيّنه قداسة البابا فرنسيس زائراً رسولياً على أستراليا ونيوزيلندا في المدى القريب.
نتمنّى لسيادة المطران جرجس القس موسى النجاح في خدمته الجديدة، وللرعايا والإرساليات السريانية الكاثوليكية في أستراليا ونيوزيلندا، خوارنةً وكهنةً وإكليروساً ومؤمنين، التوفيق لما فيه خير كنيستنا في القارّة الأوقيانية.




72
الرقم: 12/أس/2017
التاريخ: 10/3/2017
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
اجتماع المجلس الإستشاري الأعلى لطائفة السريان الكاثوليك يوجّه صرخةً للأطراف السياسية المسيحية واللبنانية مطالباً بعدم تجاهُل مطلبهم المحق بمقعدين نيابيين: واحد للسريان الكاثوليك، وواحد للسريان الأرثوذكس
يطالب المجلس بتمثيل السريان في وظائف الفئتين الأولى والثانية في التعيينات الإدارية في الدولة اللبنانية

عقد المجلس الإستشاري الأعلى لطائفة السريان الكاثوليك اجتماعه الدوري برئاسة صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، وتدارس فيه شؤون الطائفة والوطن. وفي نهايته، أصدر بياناً هنّأ فيه القيادات العسكرية اللبنانية الجديدة المعيَّنة في مواقع المسؤولية، متمنّياً للقادة العسكريين الجدد النجاح في أداء المهمّات الملقاة على عاتقهم في ظلّ هذه الظروف الإستثنائية التي يمرّ فيها الوطن والمنطقة.
وجدّد المجلس المطالبة والتذكير لجميع القيادات السياسية اللبنانية، وتحديداً المسيحية منها، بوجوب رفع الإهمال والإقصاء والتهميش الذي يصيب أبناء الطائفة السريانية الكاثوليكية في الوظائف العامّة والإدارات الرسمية، مطالباً بتعيين "سريان" في وظائف الفئتين الأولى والثانية خلال التعيينات الإدارية التي ستصدر تباعاً، منبّهاً إلى أنّ حرمان السريان من حقوقهم هذه له ارتداداته السلبية في هذا الزمن الصعب، حيث يُضطهَد أبناء الشعب السرياني في بلادهم في العراق وسوريا ويهجَّرون إلى بلاد الإنتشار، والوطن لبنان واحد من هذه الدول التي تستقبل النازحين من العراق وسوريا حيث يعاني السريان مختلف أنواع الصعاب والمشقّات التي تتطلّب أكبر مساعدة ممكنة من الدولة اللبنانية وجمعيات المجتمع المدني والدولي.
كما شدّد المجلس على المطالب الواردة ضمن نص الوثيقة المشتركة الموقَّعة بين بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان وبطريرك السريان الأرثوذكس مار اغناطيوس أفرام الثاني، بتاريخ 9/5/2016، والتي تهدف إلى إعادة الحق إلى المكوّن السرياني في المجتمع اللبناني، وفيها طالب البطريركان بإخراج طائفتيهما من تسمية "الأقلّيات"، وتعديل قانون الإنتخاب لجهة زيادة عدد النواب واستحداث مقعدين نيابيين في مجلس النواب اللبناني: واحد للسريان الأرثوذكس، وواحد للسريان الكاثوليك، وتسمية وزير سرياني في كلّ حكومة يتمّ تشكيلها، وتمثيل السريان في وظائف الفئة الأولى والوظائف العامّة في مختلف مرافق الدولة، وفي كلٍّ من الأسلاك القضائية والعسكرية والأمنية والديبلوماسية.
وفي هذا الإطار، أعرب المجتمعون عن أسفهم لعدم تجاوُب الأطراف السياسية كافةً مع هذه المطالب المحقّة الواردة في نص هذه الوثيقة المشتركة، بحيث يغيّبونها ويتجاهلونها لدى طرحهم بحث موضوع قانون الإنتخابات العتيد، وهذا ما سيؤدّي إلى خيبة أمل كبيرة للمكوّن السرياني، ويؤّثر على مشاركته في الإنتخابات النيابية المقبلة.


73


الرقم: 10/أس/2017
التاريخ: 5/3/2017
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يحتفل بعيد القديس مار أفرام السرياني شفيع الكنيسة السريانية وملفان البيعة الجامعة

اعتبر صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، خلال احتفاله بالقداس الإلهي الحبري الرسمي بمناسبة عيد القديس مار أفرام السرياني شفيع الكنيسة السريانية وملفان البيعة الجامعة، وذلك في كاتدرائية سيّدة البشارة – المتحف – بيروت، أنّه "من الواجب علينا كما على غيرنا من مختلف الطوائف، كبيرة كانت أم صغيرة، أن ندافع عن وطننا لبنان، وطناً حرّاً، وطناً لجميع الطوائف وليس حكراً على طائفة أو دين. ولكوننا قد عانينا الأمرّين في مناطق أخرى من هذا الشرق، من أجل حرّيتنا الدينية وكرامتنا الإنسانية، سنظلّ نثمّن النظام القائم في لبنان، بالرغم من نقائصه ومحدوديته، ونعتبره النظام الأكثر عدلاً وحريةً وديمقراطيةً في الشرق الأوسط. كما أننا مقتنعون مع جميع الأوفياء، بأنّ لبنان أولاً وأخيراً يُبنى بشعبه ويزدهر بأبنائه وبناته المؤمنين به، وطناً نهائياً للحرّية، وللمشاركة التوافقية الحضارية، وهو الوطن – الرسالة  للعالم أجمع".
وجدّد غبطته التأكيد والتذكير "بمطالبتنا المستمرّة بإنصاف شعبنا السرياني في قانون الإنتخابات النيابية، ورفع الإقصاء والتهميش بتسميتنا بأقلّيات ونحن مكوِّنٌ مؤسِّسٌ للجمهورية اللبنانية. وهذا ما اتّفقنا عليه مع قداسة أخينا البطريرك مار اغناطيوس أفرام  الثاني في الوثيقة التاريخية الموقَّعة فيما بيننا".
وقد حضر هذا القداس وشارك فيه صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، والسفير البابوي المطران كبريالي كاتشا، وعدد من الاساقفة ممثّلين البطاركة رؤساء الكنائس، وأساقفة ورؤساء عامين ورئيسات عامات وكهنة ورهبان وراهبات وجموع غفيرة من المؤمنين.
ومثّل معالي وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون فخامة رئيس المجهورية العماد ميشال عون ودلة رئيس مجلس النواب نبيه برّي ودولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، ومعالي وزير الشؤون الإجتماعية بيار بو عاصي ممثّلاً الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية والنائب ستريدا جعجع، والنائب جيلبيرت زوين، والدكتور فرج كرباج ممثّلاً الرئيس أمين الجميّل والنائب سامي الجميّل رئيس حزب الكتائب اللبنانية، وممثّلي القيادات العسكرية، وأعضاء مجالس بلدية ومختارين.
كما تحدّث غبطة البطريرك يونان عن مار أفرام الناسك الزاهد والمتقشّف والشاعر الذي عرف التهجير أقّله مرتين في حياته، وسُلخ عن أرض آبائه وتهجّر غرباً إلى مدينة الرها، هرباً من الأعداء الذين احتلّوا مدينته. وهذا النزوح القسري لأفرام في القرن الرابع، يذكّرنا اليوم بشعبنا المسيحي وقد ذاق على مرّ العصور مرارة الطرد والتهجير، في العراق خاصةً في صيف عام 2014 حين فرض الإرهابيون التكفيريون على المسيحيين وبعضٍ من المكوّنات الصغيرة، الإقتلاع من أرض الآباء والأجداد في الموصل وسهل نينوى، العراق. ومنذ ستّة أعوام، ومن جرّاء حروب عبثية في سوريا، لا يزال المسيحيون والكثير من الأبرياء يُطرَدون من بيوتهم وأرضهم، لا سيّما من مناطق في شمال شرق سوريا"، فيما "المجتمع الدولي لا يزال عاجزاً عن إنهاء هذه الحروب والصراعات المسلَّحة لإسبابٍ وغاياتٍ بعيدةٍ كلّ البعد عن قيم الشرائع والمواثيق الدولية، وبخاصة الشرعة العالمية لحقوق الإنسان".
وتضرّع غبطته في ختام كلمته إلى الله "كي يحمي لبنان من كلّ مكروه ويجمع أبناءه وبناته بروح التوافق الحرّ الخلاق، ويبارك البادرات الوطنية التي يسعى إلى تحقيقها فخامة رئيس البلاد العماد ميشال عون، مع الحكومة والنزيهين من ممثّلي الشعب والمسؤولين".
وقبل البركة الختامية، ألقى كلٌّ من البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي والسفير البابوي المطران كبريالي كاتشا كلمة هنّآا فيها غبطةَ البطريرك يونان والكنيسةَ السريانيةَ بعيد مار أفرام، وأعربا عن سرورهما بالمشاركة في هذه المناسبة، وتحّثا عن فضائل مار أفرام ومزاياه.
وبعد البركة الختامية، تقبّل غبطة أبينا البطريرك التهاني من الحضور جميعاً، يحيط به البطريرك الراعي والسفير البابوي والأساقفة والإكليروس.


     

74

بيان رسمي صادر عن بطريركيتي أنطاكية للسريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك

البطريركيتان تؤكّدان على مضمون الوثيقة المشتركة بالخروج من تسمية الأقليات
والتمثيل بمقعدين نيابيين في مجلس النواب اللبناني: واحد للسريان الأرثوذكس وواحد للسريان الكاثوليك
الناطق الرسمي الوحيد باسم الطائفتين هو الرئاسة الكنسية المتمثّلة حصراً بالبطريرك

تؤكّد بطريركيتا أنطاكية للسريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك على المطالب الواردة ضمن نص الوثيقة المشتركة الموقَّعة بين قداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بتاريخ 9/5/2016، والتي تهدف إلى إعادة الحق إلى المكوّن السرياني في المجتمع اللبناني، وفيها طالب البطريركان بإخراح طائفتيهما من تسمية "الأقلّيات"، وتعديل قانون الإنتخاب لجهة زيادة عدد النواب واستحداث مقعدين نيابيين في مجلس النواب اللبناني: واحد للسريان الأرثوذكس، وواحد للسريان الكاثوليك، وتسمية وزير سرياني في كلّ حكومة يتمّ تشكيلها، وتمثيل السريان في وظائف الفئة الأولى والوظائف العامّة في مختلف مرافق الدولة، وفي كلٍّ من الأسلاك القضائية والعسكرية والأمنية والديبلوماسية.
كما تؤكّد البطريركيتان أنّ الناطق الرسمي الوحيد والمعبّر عن كلٍّ من الطائفتين هو الرئاسة الكنسية في كلّ طائفة والمتمثّلة حصراً بالبطريرك، وأيّ تصريح صادر عن أفراد أو مجموعات لا يمثّل أيًّا من الطائفتين.
في 3 شباط 2017



75
مرسوم بطريركي: إضافات إلى أعياد وتذكارات القديسين والشهداء والآباء والملافنة في "كلندار" (تقويم) الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية





الرقم: 213/2016
التاريخ: 31/12/2016

مرسوم بطريركي
إضافات إلى أعياد وتذكارات القديسين والشهداء والآباء والملافنة
في "كلندار" (تقويم) الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية

عملاً بقرار المجمع الأسقفي (السينودس) لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية في دورته العادية المنعقدة في الكرسي البطريركي في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان، من 3 حتى 8/10/2016، 
وابتغاءً لنيل النِّعَم والبركات من سيرة القديسين والشهداء والآباء والملافنة في كنيستنا السريانية والكنيسة الجامعة،

إنّنا، بسلطاننا البطريركي الرسولي، نرسم ما يلي:

المادّة الأولى:
تُضاف إلى "كلندار" أي تقويم أعياد وتذكارات القديسين والشهداء والآباء والملافنة في كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، الأسماء التالية، كلّ اسمٍ بحسب تاريخ عيده أو تذكاره:
أ- شهر كانون الثاني:
28. القديس توما الأكويني، الملفان
31. القديس يوحنّا بوسكو

ب- شهر شباط:
11. مريم العذراء، سيّدة لورد
18. القديسة برناديت سوبيرو

   ج- شهر آذار:
22. القديسة رفقا الريّس اللبنانية
25. القديسة ماري ألفونسين الفلسطينية

د- شهر نيسان:
29. القديسة كاترينا السيانية
30. القديس البابا بيوس الخامس

ه- شهر أيّار:
1.   مار يوسف العامل
13. عذراء فاتيما
22. القديسة ريتا

و- شهر حزيران:
11. الطوباوي المطران الشهيد اغناطيوس مالويان
13. القديس أنطونيوس البادواني
23. استشهاد الأب الراهب فرانسوا مراد (الغسّانية – سوريا)
26. الطوباوي يعقوب الكبّوشي
28. استشهاد الكاهنين بهنام خزيمي ويوسف سكريا (قره قوش – العراق)

ز- شهر تمّوز:
6. القديسة ماريا غورتي، شهيدة العفاف
14. المكرَّم المطران إيفانيوس السرياني الملنكاري
الأحد الثالث من تمّوز: القديس شربل مخلوف
31. القديس اغناطيوس لويولا

ح- شهر آب:
1.   القديس يوحنّا خوري آرس
8. القديس عبد الأحد (دومينيك)
11. القديسة كلارا
21. القديس البابا بيوس العاشر
26. القديسة مريم باوَردي الفلسطينية
     والطوباوي البابا بولس السادس
29. الطوباوي المطران الشهيد فلابيانوس ميخائيل ملكي
30. الطوباوي اسطفان نعمة

ط- شهر أيلول:
4. القديسة الأمّ تيريزا كلكوتا
23. القديس بادري بيو
27. القديس منصور دي بول
 
ي- شهر تشرين الأوّل:
1.   القديسة تريزيا الطفل يسوع
4. القديس فرنسيس الأسيزي
7. سيّدة الوردية
11. القديس البابا يوحنّا الثالث والعشرون
15. القديسة تريزيا الأفيلية
22. القديس البابا يوحنّا بولس الثاني
31. تذكار شهداء كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد (العراق)

ك- شهر تشرين الثاني:
29. القديس يعقوب السروجي

ل- شهر كانون الأوّل:
1.   الطوباوي شارل دي فوكو
14. القديس يوحنّا الصليب
    والقديس نعمةالله كسّاب الحرديني

المادّة الثانية:
يُنشَر هذا المرسوم ويُبلَّغ من يلزم بذلك، ويسري مفعوله اعتباراً من تاريخ اليوم الأول من شهر كانون الثاني من العام القادم 2017.

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان، في اليوم الحادي والثلاثين من شهر كانون الأوّل عام 2016، وهي السنة الثامنة لبطريركيتنا. 


                                                     اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                              بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

76
الرقم: 105/أس2016
التاريخ: 22/12/2016
بيان إعلامي
صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان الإعلامي التالي:

رسالة عيد الميلاد لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان

توجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي الكلّي الطوبى، بالرسالة السنوية لمناسبة عيد الميلاد المجيد، بعنوان "وأشرق مجد الربّ حولهم"، تناول فيها الأوضاع الراهنة في لبنان، إذ قال:
"يختصر ميلاد الربّ يسوع، قيم التواضع والمحبّة والرجاء، في زمنٍ نحن بأمسّ الحاجة فيه للعودة إلى ذواتنا للصلاة من أجل الرجاء، رجاء السلام في العالم المليء بالصراعات والنزاعات والحروب والخلافات فيما بين مكوّنات بلداننا المشرقية المضطهَدة تحت راياتٍ مختلفةٍ ومتعدّدةٍ، لنعرف السلام في نفوسنا.
إن كان وطننا لبنان ينعم بالسلام رغم كلّ الأزمات التي تحيط به، فذلك بفعل قرار أبنائه برفض التعصّب ونبذ الخلافات التي تهدم ولا تبني. ونحن إذ نبارك لشعبنا ولكلّ اللبنانيين بانتخاب فخامة الرئيس العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، بعد سنتين ونيّف من الفراغ في المركز المسيحي الأوّل والوحيد في العالم العربي بأسره، وإذ نهنّئ بتشكيل الحكومة الجديدة التي سعت لتمثيل غالبية الأطياف، يحق لنا أن نُذَكِّر بأنه قد تمّ تهميش المكوّن السرياني وإقصائه عن المشاركة، وبمخالفة لروح وأحكام الدستور اللبناني الذي يرعى العلاقة بين المكوّنات والعائلات اللبنانية. لذا فإننا نناشد القيّمين على شؤون الوطن إلى عدم تكرار هذا المشهد غير المحبَّب، فيما تشخص عيون كلّ المسيحيين في الشرق إلى لبنان كواحة أخيرة للحرّية والتعدّدية، خاصةً لشعبنا السرياني المشرقي.
إنّنا نتضرّع إلى طفل المغارة ليوفّق الحكومة مجتمعةً لإقرار قانونٍ انتخابي جديد عادل يلبّي تطلّعات وآمال اللبنانيين عموماً، وشعبنا السرياني خاصةً، بإستحداث مقعدين نيابيين، أحدهما للسريان الكاثوليك والآخر للسريان الأرثوذكس، انطلاقاً من روحية الوثيقة التاريخية المشتركة الموقَّعة بيننا وبين قداسة أخينا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، بتاريخ 9/5/2016، بحضور ممثّلين عن كافّة الكتل والأحزاب السياسية في الوطن".
ثمّ تطرّق غبطته إلى الوضع في سوريا:
"في هذا الزمن المقدس، وفي خضمّ احتفالاتنا بولادة الرب المخلّص الوديع في مذود، تشخص عيوننا إلى سوريا الجريحة بفعل الحروب التي تُساق على أرضها، حيث شُرِّدت العائلات، وقُتِل الأطفال والنساء والشيوخ ودُمِّرت المدن والقرى، وأصبح المواطن السوري يبحث عن مأوىً آمنٍ هرباً من الموت والدمار. إننا نناشد الضمير العالمي والدول صاحبة القرار لإيقاف هذا النزيف المستمرّ منذ حوالي ستّ سنوات، ووقف القتل الممنهج والدمار وحبك الصفقات والمخطّطات على حساب شعبٍ بات مشرّداً في أرضه وعلى أبواب السفارات، ونضاعف التضرّع في زمن الرجاء من أجل ولادة حلٍّ سلمي ينهي العنف والإقتتال، ويجمع أبناء الوطن حول طاولة واحدة، ليتصالحوا مع أنفسهم وفيما بينهم، ويقرّروا العمل لإحلال الأمن ووقف القتال وإعادة بناء سوريا دولةً ديمقراطيةً حرّةً مستقلّة.
ولا يسعنا إلا أن نجدّد دون كلل المطالبة بالإفراج عن جميع المخطوفين، من رجال دين ومدنيين وعسكريين، وبخاصة مطراني حلب مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة، والعسكريين اللبنانيين المخطوفين.
وتطرّق غبطته إلى الحالة في العراق:
"في هذا العام، نشكر الطفل المخلّص الذي خلّص أبناء شعبنا في العراق من احتلال الإرهابيين لأرضه واستباحتهم مقدّساته، في غمرة المسيرة البطولية التي يقوم بها الجيش العراقي والبشمركه. ولكنّ ما يدمي القلب، ناهيك عن السرقة والتخريب والتدمير، هو الحرق المتعمَّد للكنائس والأديرة، فضلاً عن المنازل والمدارس والمستشفيات والمؤسّسات في البلدات المسيحية المحرَّرة في سهل نينوى. إننا نوكل إلى السلطة السياسية والأمنية في العراق مسؤولية إعادة إعمار قرانا وكنائسنا وأديرتنا، وتوفير كلّ الدعم اللازم لأبناء شعبنا لوقف نزيف هجرتهم إلى الخارج وتثبيتهم في قراهم ومدنهم، فيساهموا مع شركائهم في الوطن في إعادة بناء العراق وطناً يليق بتاريخهم ويناسب حاضرهم ويتألّق في مستقبلهم. لذا نطالب بإنشاء مناطق آمنة يعيش فيها أبناؤنا وبناتنا بالكرامة الإنسانية والحرّية الدينية، وينعمون بالإستقرار والطمأنينة ليشاركوا في إعادة بناء بلدهم".
ولم يغب عن غبطته أن يجدّد الإستنكار "بأشدّ العبارات كلّ أعمال الإرهاب من قتل وتفجير وترويع للناس وبثّ الفوضى والفتن في أماكن وبلدان عديدة، ذاكرين على وجه الخصوص تفجير كنيسة مار بطرس قرب الكاتدرائية المرقسية في القاهرة بمصر، وأعمال العنف التي وقعت مؤخّراً في تركيا والأردن وألمانيا، وأودت بحياة الكثير من الأبرياء، فضلاً عن الجرحى. ونتوجّه بالتعزية الحارّة إلى جميع الذين نُكِبوا بهذه الجرائم النكراء، وفي مقدّمتهم قداسة أخينا البابا تواضروس الثاني بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكنيسته الشقيقة، وجميع ذوي الشهداء والجرحى".
وفي كلمته الروحية، أكّد غبطته أنّ الميلاد هو نورٌ من السماء يبدّد الظلمات، وهو بشرى الفرح رغم المعاناة، وهو مانح الرجاء للبشر. وتقدّم غبطته بالتهاني القلبية بالعيد من جميع أبناء الكنيسة وبناتها ومن جميع المواطنين في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار.
                                            أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية


ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܡܘܠܕܐ ܐܠܗܝܐ ܒ̱ܝܙ
رسالة عيد الميلاد المجيد 2016

ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܐܚܝܕ ܟܠ


ܐܝܓܢܛܝܘܣ ܝܘܣܦ ܬܠܝܬܝܐ ܕܒܝܬ ܝܘܢܐܢ
ܕܒܪ̈ܚܡܘܗܝ ܕܐܠܗܐ
ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܕܣܘܪ̈ܝܝܐ ܩܬܘܠܝܩܝ̈ܐ
 

باسم الأزلي السرمدي الواجب الوجود الضابط الكل
 

اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بنعمة الله
بطريرك الكرسي الرسولي الأنطاكي للسريان الكاثوليك
إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܘܬܶܫܒܽܘܚܬܶܗ ܕܡܳܪܝܳܐ ܐܰܢܗܪܰܬ݀ ܥܠܰܝܗܽܘܢ»
"وأشرق مجدُ الربّ حولهم" (لو 2: 9)
1.   مقدّمة:
مثل كل عام، بمناسبة عيد ميلاد ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد، يسرّنا أن نقدّم أطيب التهاني لكم جميعاً أيّها الإخوة والأبناء الأعزّاء في لبنان وفي بلدان الشرق الأوسط وعالم الإنتشار، بهذا العيد المجيد، عيد إشراقة المجد الإلهي في عالم البشر، عيد الفرح الروحي المميّز، عيد الرجاء بمستقبل ملؤه الحبّ والتسامح. في هذه الأيّام الميلادية المباركة، نعيش الرجاء "فوق كلّ رجاء" بالخلاص الذي تحقّق بولادة الطفل الإلهي الذي أنار المسكونة الرازحة تحت وطأة ظلمة الليل. إننا نبتهل إلى مولود مغارة بيت لحم كي يفيض علينا خيراته وبركاته ونِعَمَه في زمن الميلاد وفي العام الجديد 2017، وطوال مسيرتنا الأرضية، ناشراً أمنه وسلامه في العالم بأسره، وبخاصة في شرقنا المعذَّب.
2.   الميلاد نورٌ من السماء يبدّد الظلمات:
بولادة الطفل الإلهي في مذود بيت لحم، إنقشعت ظلمة الليل، إذ "أشرق مجد الرب" (لو 2: 9) حول رعاةٍ كانوا يحرسون قطعانهم، فظهر لهم الملاك وقال: "لا تخافوا! فها أنا أبشّركم بفرحٍ عظيم يكون للشعب كلّه: اليوم، في مدينة داود، وُلِدَ لكم مخلّصٌ، هو المسيحُ الرب" (لو 2: 10-11). هو الشعاع الإلهي الذي جاء من العُلى إلى العالم الغــارق في الظلام، فأنــاره، ودعــاه ليعيش في نور الحقيقة والمحبّة والعدالة والحرّية، في نور السلام. أسرع الرعاة إلى بيت لحم، فشاهدوا النور المتجسّد، الطفلَ المُضجَع في المذود، محاطاً بيوسف ومريم. ثمّ رجعوا فرحين وممجّدين الله على كلّ ما سمعوا ورأَوا (لو 2: 16-20).
يسوع المسيح هو النور الحقيقي الذي ينير العقول بالحقيقة، والقلوب بالحبّ، والضمائر بصوت الله في أعماق النفس، والإرادات بالحق، ويهدي كلَّ إنسان آتٍ إلى العالم بنور الكلمة والحياة (يو 1: 1، 4، 9). هذا النور المشعّ سيبقى ساطعاً مهما اشتدّت الظلمات في العالم، وما أكثرها: ظلمة الخطيئة والشرّ والكذب، ظلمة الحقد والبُغض والنزاع، ظلمة الحرب والعنف والإرهاب، ظلمة الإستبداد والإستكبار، ظلمة السرقة والرشوة والإحتيال، ظلمة الخطف والتعذيب، ظلمة الألم والمرض، ظلمة الفقر والتهجير. وقد جاء في إنجيل يوحنا، أنّ "النور يشرق في الظلمات، أمّا الظلمات فلم تدركه" (يو1: 5). مهما تعاظمت ظلمات هذا العالم، لا يمكن أن تطفئ نور المسيح في العقل والإرادة والقلب. ففي الميلاد، "الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، وعلى الساكنين في بقاع الظلام أشرق عليهم نور" (أش 9: 2) على حدّ تعبير أشعيا النبي. نور ميلاد الرب يسوع إيمانٌ متّقدٌ ورجاءٌ وطيدٌ ومحبّةٌ عميقة، ولا تستطيع شرور العالم أن تخفي هذا النور أو تطفئه. وكم سمعنا من المسيحيين المضطهَدين أو المُعتدى عليهم، يقولون: "هدموا بيوتنا، وسلبوا أموالنا، لكنّهم لم يستطيعوا أن يسلبوا نور الإيمان من قلوبنا!".
وخير ما نعبّر به عن يسوع النور تلك الترنيمة المعروفة التي غالباً ما نستهلّ بها مدخل القداس في طقسنا السرياني:
«ܒܢܽܘܗܪܳܟ ܚܳܙܶܝܢܰܢ ܢܽܘܗܪܳܐ ܝܶܫܽܘܥ ܡܠܶܐ ܢܽܘܗܪܳܐ܆ ܕܰܐܢ̱ܬܽ ܗ̱ܘ ܢܽܘܗܪܳܐ ܫܰܪܺܝܪܳܐ ܕܡܰܢܗܰܪ ܠܟܽܠ ܒܶܪ̈ܝܳܢ. ܐܰܢܗܰܪ ܠܰܢ ܒܢܽܘܗܪܳܟ ܓܰܐܝܳܐ܆ ܨܶܡܚܶܗ ܕܰܐܒܳܐ ܫܡܰܝܳܢܳܐ. وترجمتها: بنورك نعاين النور يا يسوع المملوء نوراً، أنت هو النور الحقيقي الذي ينير كلّ البرايا. أنرنا بنورك البهيّ يا ضياء الآب السماوي».
3.   الميلاد بشرى الفرح رغم المعاناة:
"سيروا بنا إلى بيت لحم لنرى الكلمة التي كلّمنا عنها الربّ... وبعد أن رأوا، أخبروا بما قيل لهم عن الطفل... ثمّ رجعوا وهم يسبّحون الله ويهلّلون" (لو 2: 15، 17، 20).
سمع الرعاة البشرى المفرحة بميلاد الرب يسوع، فأسرعوا وسط صمت الليل، بقلوب مفعمة بروح الوداعة والبساطة. فالرسالة هي من الله الذي يعلن الخلاص بوحيٍ منه، لا من عقل الإنسان أو فكره. وقد أعطاهم الملاك "علامة". فرأوا وعاينوا، وآمنوا فأخبروا بكلّ ما سمعوا. الميلاد هو بشرى الخلاص، نحملها لجميع الناس: "إذهبوا في الأرض كلّها وأعلنوا بشارتي إلى الخلق أجمعين" (مر 16: 15).
كم نحتاج إلى الصمت والهدوء، كما إلى بساطة القلب والفكر، كي نسمع الله الذي يتكلّم. أضحى الرعاة، وقد "أشرق عليهم مجد الربّ" (لو 2: 9)، أوّل من أُودِعوا بشرى الخلاص، وأوّل الشاهدين المتأمّلين لسرّ الكلمة المتأنّس لأجل فداء بني البشر، وأوّل المبشّرين "بالفرح العظيم"، وأوّل المسبّحين لله في ليتورجيّة العهد الجديد.
وليس أجمل من تعبير طقسنا السرياني عن اختلاط تسبحة الملائكة مع تمجيد الرعاة للطفل الإلهي:
«ܚܕܺܝܘ ܒܰܣܒܰܪܬܳܐ ܪ̈ܳܥܰܘܳܬܳܐ ܘܰܓܙܳܪ̈ܰܝܗܽܘܢ܆ ܘܰܐܫܰܪܘ ܫܰܒܰܚܘ ܗܰܝܡܶܢܘ ܘܰܛܥܶܢܘ ܩܽܘܪ̈ܒܳܢܰܝܗܽܘܢ. ܚܒܰܨܘ ܠܰܚܕܳܕ̈ܶܐ ܥܺܝܪ̈ܶܐ ܘܐ̱ܢܳܫ̈ܳܐ ܩܕܳܡ ܝܰܠܽܘܕܳܐ܆ ܚܠܰܛܘ ܡܰܠܰܐܟ̈ܶܐ ܒܪ̈ܳܥܰܘܳܬܳܐ ܘܝܰܗ̱ܒܘ ܬܶܫܒܽܘܚܬܳܐ. وترجمتها: فرح الرعاة وقطعانهم بالبشارة، وصدّقوا ومجّدوا وآمنوا وحملوا قرابينهم. تزاحم النورانيون والبشر أمام المولود، اختلط الملائكة بالرعاة وقدّموا المجد» (من باعوث أي طلبة القديس مار يعقوب السروجي في القومة الثانية من ليل الأحد الذي يلي عيد الميلاد، في كتاب الفنقيث، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الثاني، صفحة 269).
ونحن، في الميلاد، بالرغم من كلّ ما نعانيه في شرقنا، نسبّح ونهلّل كالرعاة، مواصلين السماع والرؤية ونقل الخبر ورفع آيات التسبيح، من أجل عالمٍ يتخبّط في الظلمات، وقد وافاه "الشارق من العلى" (لو 1: 78).
4.   السلام عطية الميلاد:
في الميلاد، تجلّى مجد الله بمحبّته العالم، إذ "قد أحبّه إلى الغاية" (يو 13: 1)، فأرسل ابنه الوحيد ليخلّص الجنس البشري من خطاياه، ويحرّر العالم من سلطة الشرّ والقهر والظلم والإستبداد. وهكذا يضحي مجدُ الربّ، على ما يقول القديس إيريناوس، "الإنسان الحيّ المستعيد بهاء إنسانيته المتجلّية في إنسانية المسيح الذي فكّر بعقل إنسان، وصنع الخير بإرادة إنسان، وأحبّ بقلب إنسان"، الإنسان المتجدّد دوماً على يد مبدعه!
ومجد الربّ هو السلام الذي ترنّم به الملائكة في الميلاد: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر" (لو 2: 14). إنّها ثلاثية مترابطة ومتكاملة أنشدها الملائكة في ليلة ميلاد المسيح الربّ، وهي عطية عظيمة من السماء. ففي الميلاد، نرفع هذه الترنيمة نحو السماء: رجاءً نزرعه في القلوب، وسلاماً نبنيه في العائلة والمجتمع والوطن، وتمجيداً دائماً لله.
أصبح السلام مترادفاً مع اسم يسوع المسيح، "لأنّه يُولَد لنا ولدٌ ونُعطى ابناً، وتكون الرئاسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام" (أشعيا 9: 6). إنه عطية سماوية ثمينة تُمنَح لنا جميعاً، أفراداً وجماعات، لنكون صانعي سلام. ولمّا صار ابن الله إنساناً لكي نصير أبناءً لله، جعل السلامَ طريقاً لهذه البنوّة، كما أكّد في موعظته على الجبل، دستور الحياة المسيحية: "طوبى لصانعي السلام، فإنّهم أبناءَ الله يُدعون" (مت 5: 9).
في الرسالة السنوية بمناسبة اليوم العالمي للسلام لعام 2017، بعنوان "اللاعنف نمط سياسة من أجل السلام"، دعا قداسة البابا فرنسيس إلى اعتماد اللاعنف المقرون بالمحبّة وسيلةً ومنهجاً في الحياة، وصولاً إلى تحقيق السلام:
"لنجعل من اللاعنف الفعّال أسلوباً لحياتنا... أرغب في التوقّف عند اللاعنف كأسلوب لسياسة سلام، وأسأل الله أن يساعدنا جميعاً كي نستقي من اللاعنف في أعماق أحاسيسنا وقيمنا الشخصية. ليقُد المحبّة واللاعنف الأسلوب الذي به نُعامل الآخرين في العلاقات الشخصية وفي تلك الإجتماعية والدولية" (الفقرة الأولى من الرسالة).
وأكّد قداسته أنّ "الذي يقبل بشرى يسوع السارّة، يعرف العنف الذي يحمله في داخله، ويسمح لرحمة الله بأن تشفيه (من هذا العنف)، فيصبح هكذا بدوره أداة مصالحة، بحسب دعوة القديس فرنسيس الأسيزي: ليكن السلام الذي تعلنوه بالفم أكثر وفرةً في قلوبكم" (الفقرة الثالثة من الرسالة ذاتها).
5.   الميلاد مانح الرجاء للبشر:
الرجاء قديمٌ قِدَم البشرية العاقلة، بل أقدم منها، فأوّل رجاء عرفه البشر هو الرجاء في الخلاص، حينما وعد الربّ آدم وحواء قائلاً: "إنّ نسل المرأة يسحق رأس الحية" (تك 3: 15). وظلّ هذا الرجاء في قلوب البشر آلاف السنين، وحتى الذين لم ينالوا هذا الرجاء، عاشوا فيه، "لم ينالوا المواعيد، ولكنّهم نظروها من بعيد وصدّقوها" (عب 11: 13).
لقد كان هناك رجاء ليونان النبي وهو في بطن الحوت. هل يكون إنسان في جوف الحوت ويكون له رجاء؟ ولكنّ يونان ركع على ركبتيه وصلّى، وقال للربّ "أعود فأرى هيكل قدسك" (يون 2: 4). كان له رجاء، وقد تحقّق. وكان هناك رجاء للفتية الثلاثة وهم في أتون النار (دا 3)، ولدانيال وهو في جبّ الأسود (دا 6). وهكذا رقد الجميع على الرجاء، إلى أن افتقدهم الرب وأعادهم إلى الفردوس من جديد.
تمّت ذروة الرجاء في تجسُّد ابن الله "عمانوئيل - الله معنا" (مت 1: 23)، الذي وعد الكنيسة بأنّ "أبواب الجحيم (أي قوى الشرّ) لن تقوى عليها" ( مت 16: 18)، "ذاك الذي ضاقت به السماء ولم تستطع أن تحدّه وهو الحالّ فيها، اتّسع له حشا مريم ليتزيّح به" على حدّ تعبير آبائنا السريان في صلاة مساء عيد ميلاد الرب بالجسد: «ܙܥܽܘܪܝܳܐ ܫܡܰܝܳܐ ܘܠܳܐ ܐܳܚܕܳܐ ܠܶܗ ܘܶܐܢ ܫܳܪܶܐ ܒܳܗ̇܆ ܘܰܪܘܺܝܚܳܐ ܠܶܗ ܟܶܢܦܳܗ̇ ܕܡܰܪܝܰܡ ܕܢܶܙܕܰܝܰܚ ܒܳܗ̇» (من باعوث أي طلبة القديس مار يعقوب السروجي في القومة الثانية من مساء يوم عيد ميلاد الرب بالجسد، في كتاب الفنقيث، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الثاني، صفحة 469).
 الرجاء التزامٌ، والإلتزام دليلٌ قاطعٌ على مصداقية الرجاء. وما ينقص الناس بالأكثر، هو الرجاء، والرجاء أن نؤمن أنّ للحياة معنى يتمثّل بغدٍ أفضل، مسلّمين أمرنا بين يدي الله إذ أنّ "نصيبي هو الربّ، قالت نفسي، من أجل ذلك أرجوه" (مراثي ارميا 3: 24). ومار بولس رسول الأمم يؤكّد أهمّية "الرجاء الذي لا يخزي، لأنَّ محبَّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (رو 5: 5)، ويتابع: "ولكن إن كنَّا نرجو ما لسنا ننظره فإنَّنَا نتوقَّعه بالصبر" (رو 8: 25). التزامنا، في الألف الثالث للميلاد، أن نحيا الرجاء دون حدود، متّكلين على قوّة الله الذي عنده "كل شيء مستطاع" (مر 10: 27).
فالرجاء هو التزامنا جميعاً ككنيسة، رغم كلّ ما يعانيه أبناؤنا وبناتنا من مِحنٍ ونكبات وحروب واضطهادات، بالإتّكال على الروح القدس الذي يقود الكنيسة إلى كلّ حقٍّ وخيرٍ وجمال. والمؤمن يجد اختباراً لفضيلة الرجاء فيه، حينما يقع في ضيقة أو في تجارب متنوّعة، أو في آلام صعبة، أو في مشاكل يبدو أنّ لا حلول لها، فهو يعرف بالرجاء أنّ الرب لديه حلول كثيرة، وأنّه لا بدّ أن يأتي ليفتقده مهما بدا أمام الناس أنه قد تأخّر.
لذلك نعيش ونعمل "فَرِحين في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة، مشتركين في احتياجات القديسين، عاكفين على إضافة الغرباء" (رو 12: 12 و13). فنحن لا نعتمد على ذواتنا ولا على وسائط عالمية، إنّما على الله الذي يعمل كلّ خير. نرجو ضارعين إلى المولود الإلهي أن يسود السلام والأمان في كلّ مكان، ويرجع  الحبّ إلى قلوب الناس جميعاً، فيرتبطوا به، ويعيشوا به، إذ قال الرب يسوع "بهذا يعرف الناس أنكم تلاميذي إن كان لكم حبّ بعضكم نحو بعض" (يو 13: 35).
6.   صدى الميلاد هذا العام:
يختصر ميلاد الربّ يسوع، قيم التواضع والمحبّة والرجاء، في زمنٍ نحن بأمسّ الحاجة فيه للعودة إلى ذواتنا للصلاة من أجل الرجاء، رجاء السلام في العالم المليء بالصراعات والنزاعات والحروب والخلافات فيما بين مكوّنات بلداننا المشرقية المضطهَدة تحت راياتٍ مختلفةٍ ومتعدّدةٍ، لنعرف السلام في نفوسنا.
إن كان وطننا لبنان ينعم بالسلام رغم كلّ الأزمات التي تحيط به، فذلك بفعل قرار أبنائه برفض التعصّب ونبذ الخلافات التي تهدم ولا تبني. ونحن إذ نبارك لشعبنا ولكلّ اللبنانيين بانتخاب فخامة الرئيس العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، بعد سنتين ونيّف من الفراغ في المركز المسيحي الأوّل والوحيد في العالم العربي بأسره، وإذ نهنّئ بتشكيل الحكومة الجديدة التي سعت لتمثيل غالبية الأطياف، يحق لنا أن نُذَكِّر بأنه قد تمّ تهميش المكوّن السرياني وإقصائه عن المشاركة تحت مسمَّيات غير مقنعة، وبمخالفة لروح وأحكام الدستور اللبناني الذي يرعى العلاقة بين المكوّنات والعائلات اللبنانية. لذا فإننا نناشد القيّمين على شؤون الوطن إلى عدم تكرار هذا المشهد غير المحبَّب، فيما تشخص عيون كلّ المسيحيين في الشرق إلى لبنان كواحة أخيرة للحرّية والتعدّدية، خاصةً لشعبنا السرياني المشرقي.
إنّنا نتضرّع إلى طفل المغارة ليوفّق الحكومة مجتمعةً لإقرار قانونٍ انتخابي جديد عادل يلبّي تطلّعات وآمال اللبنانيين عموماً، وشعبنا السرياني خاصةً، بإستحداث مقعدين نيابيين، أحدهما للسريان الكاثوليك والآخر للسريان الأرثوذكس، انطلاقاً من روحية الوثيقة التاريخية المشتركة الموقَّعة بيننا وبين قداسة أخينا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، بتاريخ 9/5/2016، بحضور ممثّلين عن كافّة الكتل والأحزاب السياسية في الوطن.
في هذا الزمن المقدس، وفي خضمّ احتفالاتنا بولادة الرب المخلّص الوديع في مذود، تشخص عيوننا إلى سوريا الجريحة بفعل الحروب التي تُساق على أرضها، حيث شُرِّدت العائلات، وقُتِل الأطفال والنساء والشيوخ ودُمِّرت المدن والقرى، وأصبح المواطن السوري يبحث عن مأوىً آمنٍ هرباً من الموت والدمار. إننا نناشد الضمير العالمي والدول صاحبة القرار لإيقاف هذا النزيف المستمرّ منذ حوالي ستّ سنوات، ووقف القتل الممنهج والدمار وحبك الصفقات والمخطّطات على حساب شعبٍ بات مشرّداً في أرضه وعلى أبواب السفارات، ونضاعف التضرّع في زمن الرجاء من أجل ولادة حلٍّ سلمي ينهي العنف والإقتتال، ويجمع أبناء الوطن حول طاولة واحدة، ليتصالحوا مع أنفسهم وفيما بينهم، ويقرّروا العمل لإحلال الأمن ووقف القتال وإعادة بناء سوريا دولةً ديمقراطيةً حرّةً مستقلّة. كما نحثّ المجتمع الدولي على السعي الجادّ والحثيث لرفع العقوبات المفروضة على سوريا ظلماً، لأنها تنال من المواطنين وحدهم في لقمة عيشهم وحياتهم اليومية. كما نناشد الجميع من مراجع دينية وسياسية وإعلامية، أن يقلبوا صفحات الماضي المؤلمة ويتطلّعوا إلى بناء علاقاتٍ إيجابيةٍ وطيدةٍ تجمع بين الشعوب، لتتواكب في مشاريع النهضة من ركام الصراعات وجاهلية الأحقاد.
ولا يسعنا إلا أن نجدّد دون كلل المطالبة بالإفراج عن جميع المخطوفين، من رجال دين ومدنيين وعسكريين، وبخاصة مطراني حلب مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة باولو داللوليو، واسحق محفوض، وميشال كيّال، والعسكريين اللبنانيين المخطوفين. كما نضرع إلى الطفل الإلهي أن يتغمّد جميع الشهداء برحمته الواسعة، ويمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل، ويعزّي كلّ مفجوعٍ بفقد عزيز.
وفي هذا العام، نشكر الطفل المخلّص الذي خلّص أبناء شعبنا في العراق من احتلال الإرهابيين لأرضه واستباحتهم مقدّساته، في غمرة المسيرة البطولية التي يقوم بها الجيش العراقي والبشمركه. ولكنّ ما يدمي القلب، ناهيك عن السرقة والتخريب والتدمير، هو الحرق المتعمَّد للكنائس والأديرة، فضلاً عن المنازل والمدارس والمستشفيات والمؤسّسات في البلدات المسيحية المحرَّرة في سهل نينوى. إننا نوكل إلى السلطة السياسية والأمنية في العراق مسؤولية إعادة إعمار قرانا وكنائسنا وأديرتنا، وتوفير كلّ الدعم اللازم لأبناء شعبنا لوقف نزيف هجرتهم إلى الخارج وتثبيتهم في قراهم ومدنهم، فيساهموا مع شركائهم في الوطن في إعادة بناء العراق وطناً يليق بتاريخهم ويناسب حاضرهم ويتألّق في مستقبلهم. لذا نطالب بإنشاء مناطق آمنة يعيش فيها أبناؤنا وبناتنا بالكرامة الإنسانية والحرّية الدينية، وينعمون بالإستقرار والطمأنينة ليشاركوا في إعادة بناء بلدهم.

ولا ننسى أن نستنكر بأشدّ العبارات كلّ أعمال الإرهاب من قتل وتفجير وترويع للناس وبثّ الفوضى والفتن في أماكن وبلدان عديدة، ذاكرين على وجه الخصوص تفجير كنيسة مار بطرس قرب الكاتدرائية المرقسية في القاهرة بمصر، وأعمال العنف التي وقعت مؤخّراً في تركيا والأردن وألمانيا، وأودت بحياة الكثير من الأبرياء، فضلاً عن الجرحى. ونتوجّه بالتعزية الحارّة إلى جميع الذين نُكِبوا بهذه الجرائم النكراء، وفي مقدّمتهم قداسة أخينا البابا تواضروس الثاني بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكنيسته الشقيقة، وجميع ذوي الشهداء والجرحى.
وتوجّه غبطته بالقلب والصلاة "إلى أبنائنا الذين يكابدون آلام الإقتلاع والنزوح والهجرة، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات، مؤكّدين لهم تضامننا الأبوي واستعدادنا الدائم لتأمين حاجاتهم ومساعدتهم بكلّ الإمكانات المتاحة".
    كما نتوجّه بشكلٍ خاص إلى العائلات التي تعاني الحزن لفقدان أحد أفرادها، وجميع الذين يغيب عنهم فرح العيد، من فقراء ومعوَزين ومهمَّشين ومستضعَفين، سائلين لهم فيض النعم والبركات والتعزيات السماوية.
    ويطيب لنا أن نتقدّم بالتهاني الأبوية بمناسبة عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح بالجسد إلى جميع إخوتنا وأبنائنا وبناتنا السريان في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا وأميركا وأستراليا. ونحثّهم جميعاً على التمسّك بالإيمان بالرب يسوع، والتعلّق بكنيستهم وأوطانهم والإخلاص لها، حتى يكونوا على الدوام شهوداً لنور الميلاد وسلامه أينما حلّوا.
7.   خاتمة:
إنّنا نتوجّه بالصلاة الحارّة من أجل أن "يشرق حولنا مجد الربّ" (لو2: 9)، في هذا العيد، كما أشرق في أجواء بيت لحم، ليلة ميلاد يسوع المسيح فادينا. ولنسأله أن يؤهّلنا لنحيا في داخلنا السلام الآتي من الله لكي نتمكّن من أن نبنيه في كلّ عائلةٍ ومجتمعٍ ووطن، في هذا الشرق وفي بلدان الإنتشار. ولنسبّح اللهَ ونمجّده في إنساننا المتجدّد بالمسيح وفي كلّ إنسانٍ تتجدّد فيه صورة الله بهيةً. كما أننا نبتهل إلى أمّنا مريم العذراء التي قدّمت للبشرية المعذَّبة، هدية السماء، يسوع الأعجوبة، أن تتشفّع فينا لدى ابنها، ربّنا يسوع المسيح، كي يحلّ في شرقنا السلام الذي طالما تاق إليه. ولنبقَ في ظلّ حمايتها متشدّدين بالرجاء، صامدين في وجه المحنِ والمصاعب، ولنُجاهر ملء الفم والقلب والروح:
ܡܫܝܚܐ ܐܶܬܝܠܶܕ... ܗܠܠܘܝܗ   وُلِدَ المسيح! هللويا!
وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
كلّ عام وأنتم بألف خير.
صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان
في اليوم الحادي والعشرين من شهر كانون الأوّل سنة 2016،
 وهي السنة الثامنة لبطريركيتنا

الرقم: 207/2016
التاريخ: 23/12/2016


 إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام،
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل،
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب،
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في بلاد الشرق وعالم الإنتشار

    نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
    يحتفل العالم المسيحي في مشارق الأرض ومغاربها بعيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، عيد الإله المتأنّس، عيد المحبّة اللامتناهية، عيد الفرح ومصدر السلام وينبوع الرجاء بمستقبلٍ أفضل.
    جاء الملائكة في هدأة الليل يبشّرون رعاةً في جوار قريةٍ صغيرةٍ وديعةٍ من فلسطين، هي بيت لحم أن: "ولد لكم اليوم مخلّص.."، وختموا بشارتهم يسبّحون الله، وينشدون قائلين: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر" (لو 2: 14). إنّه نشيدٌ تردّده ليتورجيا الأرض في كنائسها كافّةً، وها هو الطقس السرياني يعلنه صباح كلّ يومٍ ليرفع المؤمنين إلى الله، مستذكرين ليلة ميلاد ابنه الكلمة الذي "صارَ بشراً وحلّ بيننا".
    بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الجديدة، نعرب عن أطيب التهاني والتمنّيات لجميع أبناء كنيستنا السريانية وبناتها وإخوتنا وأخواتنا من الكنائس الأخرى والجماعات الكنسية، ومن سائر الطوائف والأديان، وكلّ مواطنٍ صالحٍ يسعى إلى السلام، في لبنان والشرق الأوسط وبلدان الإنتشار، راجين منه تعالى، ينبوع النعم والمراحم، أن يحمل هذا العيد مواسم خيرٍ وسعادةٍ لجميع الذين يتّقونه بروح المحبّة والسلام، وأن يحلّ عليهم العام الجديد 2017 باليمن والبركات.



تتوجّه قلوبنا وأفكارنا في هذا العيد إلى أبنائنا وبناتنا الذين يعانون آلام الحرب والإضطهاد في العراق الممزّق وفي سوريا المتألمة من النزاعات وخضّات العنف والحرب المدمّرة، وبخاصةٍ أولئك المقتلَعين من ديارهم قسراً في الموصل وبلدات سهل نينوى، وقد حُرموا بهجة العيد لتحلّ مكانها المآسي والدموع والخوف إزاء المستقبل. إنّنا نشجّعهم وندعوهم ألا يخافوا، فإنّ الفجر قريبٌ والخلاص آتٍ، ولا بدّ لإله الخير أن يقهر إبليس وجنوده، ليعودوا إلى أرض الآباء والأجداد رغم هول الخيانات وفداحة الآلام والدمار والخراب والحرق، كي يعيشوا فيها متّكلين على الرب ويقدّموا شهادتهم الشجاعة لإنجيل المحبّة والسلام.
     نهنّئ أبناءنا وبناتنا في الأبرشية البطريركية في لبنان بالعيد، متضرّعين إلى الطفل الإلهي مولود بيت لحم، كي يحمل إلى لبنان المزيد من الإنفراج الذي بدأ بانتخاب فخامة الرئيس الجديد وتشكيل الحكومة الجديدة، على أمل أن يتمّ إقرار قانون انتخابي جديد يتمثّل فيه المكوِّن السرياني بنائبين، أحدهما للسريان الكاثوليك والآخر للسريان الأرثوذكس.
     كما نعايد أبناءنا وبناتنا في الأراضي المقدّسة الأردن وتركيا ومصر، وكذلك أبناء كنيستنا الذين غادروا بلاد المنشأ واستقرّوا في بلدان الإنتشار، أوروبا وأميركا واستراليا، مصلّين لأجل ثباتهم بإيمانهم وأمانتهم لانتمائهم الكنسي.
     ولا يفوتنا أن نذكر الذين أجبرتهم الأوضاع المؤلمة والإضطرابات والحروب في العراق وسوريا على النزوح والهجرة، وجميع المعوَزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ عائلةٍ غابت عن أعضائها فرحة العيد لفقدانها أحد أفرادها أو أحبّائها، سائلين لهم جميعاً فيض البركات والنعم السماوية.
     أيّها الربّ يسوع مخلّصنا، يا أمير السلام، قوِّ فينا الإيمان بحضورك الخلاصي بيننا، وثبّت فينا الرجاء بأنّ السلام الحقيقي ممكنٌ، لأنّ البشر الذين خلَقْتَهم على صورتك ومثالك هم في أعماقهم صالحون. وأعطنا يا ربّ أن نعيش المحبّة كما أوصيتنا، فنضحي فاعلي سلامٍ، نبنيه على الحقيقة والعدالة والحرّية والمحبّة.
     وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
    كلّ عام وأنتم بألف خير.     ܡܫܺܝܚܳܐ ܐܶܬܺܝܠܶܕ... ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ    وُلد المسيح... هلّلويا
                                                               
                                                                   
                                                                    اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                     بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

77


الرقم: 101/أس/2016
التاريخ: 13/12/2016
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان زار الملك البلجيكي وطلب دعم الحضور المسيحي في الشرق
زار غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، جلالة الملك فيليب الأول Philippe de Belgique ملك بلجيكا، وذلك في القصر الملكي في بروكسل – بلجيكا.
شكر غبطته بلجيكا، ملكاً وحكومةً وشعباً، لاستقبالهم اللاجئين المسيحيين من الشرق، مؤكّداً أننا كمسيحيين مشرقيين نودّ أن نبقى في أرضنا في الشرق رغم الصعوبات والتحدّيات، لكنّنا نترك للأفراد والعائلات حرّية القرار.
ثمّ تطرّق غبطته إلى الأوضاع الراهنة في الشرق، والحضور المسيحي فيه، وبخاصة في العراق حيث اقتُلع المسيحيون من مدينة الموصل وبلدات سهل نينوى منذ سنتين ونصف، وقد تحرّرت البلدات من الإرهابيين الذين خلّفوا وراءهم الخراب والدمار والفوضى والسرقة، وما يؤلم أشدّ الألم هو الحرق المتعمّد للكنائس والأديرة والمنازل والمؤسّسات. وفي سوريا حيث الحرب المدمّرة تدور رحاها منذ خمس سنوات ونصف، مسبّبةً التهجير والتشريد والدمار والخراب. أما في لبنان الذي يسوده الإرتياح بانتخاب رئيس جديد للمجهورية، إلا أنّ الأنظار متّجهة إلى تشكيل الحكومة الجديدة في أقرب وقت لتهتم بشؤون الناس فتعيد استقرار مؤسسات الدولة والمرافق العامة ليزدهر البلد.
وجدّد غبطته أمام جلالته المطالبة بإنشاء منطقة آمنة للمسيحيين في سهل نينوى، كي يتمكّنوا من العيش بسلام وأمان واطمئنان وبحرّية وكرامة. وطالب أيضاً برفع العقوبات المفروضة ظلماً على سوريا لأنّها تضرّ بالشعب السوري الذي تسوء حالته يوماً بعد يوم.
من جهته، شكر جلالة الملك غبطتَه على زيارته، مثمّناً مواقفه وجرأته ودفاعه عن قضايا مسيحيي الشرق، معرباً عن أسفه الشديد لما يحدث من أزمات وأوضاع مؤلمة في الشرق، وبخاصة في سوريا والعراق، إذ أنّ الحرب لا تنتهي والضحايا الأبرياء في ازدياد، فضلاً عن الموجات الكثيفة من النزوح والهجرة، مشيراً إلى الجهود التي يبذلها مع الدول الأوروبية للوصول إلى نهاية لهذه الحروب، ممّا يؤدّي إلى الحفاظ على المسيحيين المشرقيين الذين يحق لهم أن يعيشوا في أرضهم.
وقد زار غبطته عدداً من المسؤولين في الدولة البلجيكية عرض معهم الأوضاع العامة في الشرق.

78
الرقم: 94/أس/2016
التاريخ: 6/11/2016
بيان إعلامي من أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يحمل قضية الحضور المسيحي في الشرق إلى رئيس الجمهورية والمسؤولين في البرازيل

حمل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي "قضية الحضور المسيحي في الشرق وما يعانيه المسيحيون جراء الحروب وأعمال العنف والإضطهاد والإرهاب وبخاصة في سوريا والعراق"، خلال زيارته الرسمية والراعوية الأولى إلى البرازيل، طالباً "المساعدة في إرساء تضامن فعلي مع قضايا الشرق"، معرباً عن "ارتياحه بانتخاب فخامة العماد ميشال عون رئيساً جديداً للجمهورية في لبنان، وتكليف دولة الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، آملاً السرعة في التشكيل لما فيه انتظام عمل مؤسّسات الدولة"، مطالباً "فخامة الرئيس ودولة الرئيس المكلَّف وأصحاب الشأن من الأحزاب والكتل البرلمانية بإنصاف السريان بمنصب وزاري، فلا يكرّروا ما دأبت عليه الحكومات السابقة في لبنان، فيغبنوا حق السريان بمنصب وزاري، إذ من حقّنا الطبيعي أن نشارك في صنع القرار الوطني وخدمة البلد، أسوةً بجميع المكوّنات الأخرى في الوطن".
هذه المواقف عبّر عنها غبطة البطريرك يونان خلال لقائه رئيس جمهورية البرازيل ميشال تامر في العاصمة البرازيلية برازيليا، معرباً عن فرحه وسروره بزيارة البرازيل، وعارضاً الأوضاع المأساوية الراهنة في بلدان عديدة من منطقة الشرق الأوسط. كما شكر غبطته الرئيس تامر "لما تقوم به الدولة في البرازيل من احتضان ودعم للاجئين والقادمين إليها من الشرق".
وطلب غبطته مساعدة الرئيس تامر والدولة في البرازيل "بالسعي لدى الأمم المتّحدة وأصحاب القرار العالمي لإرساء تضامن فعلي مع قضايا الشرق الأوسط والحضور المسيحي فيه، والعمل على حلّ أزماته بالطرق السلمي، والمساعدة في رفع العقوبات الجائرة المفروضة على سوريا لأنها لا تطال إلا الشعب البريء".
كما التقى غبطته أيضاً وزير العدل أليشاندري دي مورايس، ورئيسة المحكمة الفدرالية العليا الوزيرة كارمن لوسيا، ورئيسة محكمة العدل العليا الوزيرة لاوريتا فاز، والأمين العام لوزارة الخارجية السفير ماركوس بيزيرا كالفاو، والسفير اللبناني وعميد السلك الديبلوماسي في البرازيل الدكتور يوسف صيّاح، والسفير السوري الدكتور غسّان نصير، وعدداً من السفراء والقناصل ورؤساء البعثات الديبلوماسية.
هذا وقد قام غبطة البطريرك يونان بزيارات راعوية تفقّد فيها رعايا الكنيسة السريانية الكاثوليكية في براويليا ورو دو جانيور وساو باولو وبيللو أوريزونتي، كما التقى السفير البابويي وكرادلة وأساقفة. ورافقه في هذه الزيارة سيادة المطران مار ثيوفيلوس فيليب بركات رئيس اساقفة حمص وحماة والنبك، والأب حبيب مراد أمين سرّ البطريركية.

79
الرقم: 93/أس/2016
التاريخ: 31/10/2016
بيان إعلامي من أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يهنّئ بانتخاب رئيس لبنان الجديد العماد ميشال عون، ساو باولو - البرازيل
وجّه غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، التهاني إلى لبنان واللبنانيين بانتخاب فخامة الرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، ظهر اليوم الإثنين ٣١ تشرين الأول ٢٠١٥، من مقرّ إقامته في مدينة ساو باولو، حيث يقوم بالزيارة البطريركية الرسمية والراعوية الأولى إلى البرازيل.
وأعرب غبطته عن فرحه وسروره "بهذا الإنتخاب الذي طال انتظاره"، متمنّياً "لفخامة الرئيس الجديد العماد ميشال عون عهداً مباركاً وميموناً يتكلّل بالنجاح والتوفيق في قيادة دفّة البلاد في هذه الأيّام الصعبة والعصيبة على لبنان ومنطقة الشرق الأوسط برمّتها".
وسأل غبطته "الله أن يبارك عهد الرئيس العماد ميشال عون، وأن يعضده للقيام بالمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقه، فيجمع فخامته اللبنانيين في بوتقة واحدة متضامنة، ويجري المصالحة الوطنية، ويبذل الجهود والتضحيات مع جميع المخلصين للوطن، من أجل بناء لبنان أسوةً بسائر الدول المتقدّمة، لما فيه خير وطننا الحبيب لبنان، هذا الوطن - الرسالة".
هذا وقد قدّم غبطته التهاني بانتخاب الرئيس العماد ميشال عون إلى سعادة القنصل العام اللبنالني في ساو باولو الأستاذ قبلان فرنجيه فور إعلان الإنتخاب.

80

البيان الختامي
للسينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان 3-8/10/2016

برئاسة صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، عُقد السينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، بمشاركة آباء السينودس الأساقفة القادمين من الأبرشيات والنيابات والأكسرخوسيات في لبنان وسوريا والعراق والقدس والأردن ومصر وتركيا والولايات المتّحدة الأميركية وكندا وفنزويلا والوكالة البطريركية في روما، وذلك في الفترة الممتدّة من 3 حتى 8/10/2016، في الكرسي البطريركي في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان.
في بداية أعمال السينودس، انتخب الآباء سيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا، رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي، أميناً للسّر في السينودس لمدّة ثلاث سنوات.
استهلّ الآباء اجتماعاتهم برياضة روحية تأمّلوا فيها رحمة الله وانعكاساتها في حياة الراعي ورعيته. ودرسوا الإرادة الرسولية "يسوع العطوف الرحوم" التي أصدرها قداسة البابا فرنسيس وتطبيقاتها، والإرشاد الرسولي "فرح الحبّ". واستمعوا إلى تقارير عن الأبرشيات والنيابات والأكسرخوسيات، والمؤسّسات البطريركية الرهبانية والإكليريكية.
وشارك في الجلسة الختامية للسينودس، بدعوةٍ من غبطته، نيافة الكردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان، وسيادة المطران كبريالي كاتشا السفير البابوي في لبنان.
وعلى هامش أعمال السينودس، تفقّد الآباء مشروع مار يوسف السكني للعائلات الشابّة في منطقة الفنار - المتن، وكنيسة عذراء فاتيما والمشروع السكني في منطقة حارة صخر - جونيه، وهي مشاريع تقوم بها البطريركية.
أمّا أبرز ما جاء في أعمال السينودس:
أولاً: بحث الآباء الأوضاع الراهنة في الشرق والحضور المسيحي فيه، متوقّفين خاصةً عند التحدّيات التي تمرّ بها كنيستنا في الشرق ومدى تأثيرها على أبنائنا وبناتنا في أرض الآباء والأجداد، لانتشار كنيستنا بشكلٍ واسع في القارّات الخمس. لذا أكّد الآباء ضرورة تعزيز الوحدة والتضامن فيما بينهم كبطريرك وأساقفة،



ومع الإكليروس والمؤمنين، كي يتحسّس الجميع بالنكبة المخيفة التي حلّت بكنيستنا، بغية المحافظة على جماعتنا الكنسية، سواء في الشرق أو في بلاد الإنتشار.
ثانياً: تناول الآباء الوضع السياسي المتأزّم في لبنان وتداعياته على مختلف المستويات، وأشاروا إلى أنّ كلّ ما يحدث من أزماتٍ تتفاقم يُنذِر بعواقب وخيمة، أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حتى أنّ الشلل ضرب كلّ المؤسّسات الرسمية ومرافق الدولة. وجدّدوا المطالبة بضرورة انتخاب رئيسٍ للجمهورية اللبنانية اليوم قبل الغد، وكذلك المطالبة بإنصاف السريان بتمثيلهم في مختلف مرافق الدولة والوظائف العامة، سيّما بمقعدٍ في المجلس النيابي.
ثالثاً: عبّر الآباء عن حزنهم وألمهم لما يحصل في سوريا التي تعاني من الصراعات الدامية، حيث تدخّلت كلّ القوى العالمية، متحالفةً كانت أم متخاصمة، والنتيجة واحدة أنّ الشعب السوري بأكمله يئنّ بالعذاب وهول الدمار والموت والتشريد تحت مختلف الأعذار والمسمَّيات. وأثنى الآباء على صمود أبنائهم، مشاركينهم الرجاء كي يحلّ الأمن والسلام، ومطالبين مجدّداً بإطلاق سراح المطرانين يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي والكهنة والمدنيين المخطوفين.
رابعاً: ندّد الآباء بالتمييز الذي يطال المسيحيين في العراق، وتحديداً السريان، وهم جزءٌ من نسيج المسيحيين المشرقيين الذين يشكّلون مكوّناً عريقاً وأميناً لقضايا شعوب بلادهم، ولهم الحق أن يشاركوا سائر المكوّنات في البلد الواحد، في المواطنة الحقّة وغير المنقوصة، مطالبين المرجعيات الرسمية والسياسية والمكوّنات العرقية التي يتكوّن منها العراق، بالسعي الدؤوب كي يصار إلى إدراج اسم السريان في الدستور العراقي وفي البطاقة الوطنية (الإستمارة)، ليس كلغةٍ فقط، وإنّما كقومية ومكوّن أساسي في العراق. وكذلك ندّد الآباء بما يحدث من أعمال عنف وإرهاب في البلاد، مجدّدين المطالبة بتحرير مدينة الموصل وبلدات سهل نينوى بأسرع وقت، ليعود النازحون والمهجَّرون إلى ديارهم وينعموا بالأمان والحرّية.
خامساً: لفت الآباء إلى خيبة المسيحيين كما سائر الأقلّيات في بلدان الشرق الأوسط، من النهج الذي يتّخذه المسؤولون السياسيون في الغرب. وإذ شكر الآباءُ المؤسّساتِ الدوليةَ التي اعترفت بإبادة المكوّنات الدينية، وخاصةً المسيحيين، أكّدوا على ضرورة أن تتحقّق الحلول المنشودة للأزمات الراهنة بالعمل الجدّي لفرض احترام شرعة حقوق الإنسان المدنية لجميع المواطنين دون تمييز. واعتبروا أنّ على الدول المُحِبَّة



للسلام والعدل أن تتنادى لتحقيق المبادئ التي عليها قامت الديمقراطيات الحديثة، ومن أجلها بذلت شعوبها التضحيات الجمّة.
سادساً: ثمّن الآباء القانون الذي أقرّه البرلمان المصري في تنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يحفظ كرامة المسيحيين وحقوقهم كمواطنين في هذا البلد.
سابعاً: أكّد الآباء على دعم قضية الشعب الفلسطيني العادلة، وحقّه في إقامة دولته، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم بحسب مقرّرات الأمم المتّحدة.
وصدرت عن السينودس القرارات التالية:
أولاً: الطلب إلى الكرسي الرسولي استحداث أكسرخوسية سريانية في أستراليا بسبب التزايد المطّرد لعدد المؤمنين السريان هناك، وتأمين خدمتهم.
ثانياً: تكليف اللجنة الطقسية دراسة الملاحظات النهائية حول مشروع تجديد القداس الإلهي مع ترجمات النافورات والحسّايات والأناشيد الخاصة بالأعياد، لتُرفَع إلى السينودس، ويصار إلى إقرارها وطباعتها.
ثالثاً: مراجعة كلندار أعياد القديسين في الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وإضافة أسماء قديسين وقديسات جدد عليه، ومن بينهم الطوباوي مار فلابيانوس ميخائيل (عيده في 29 آب)، والقديس مار يعقوب السروجي (عيده في 29 تشرين الثاني)، وقديّسو الكنيسة الجامعة في عصرنا الحديث.
رابعاً: تحديد صلاحيات الشمّاس، والزيّ الكنسي الرسمي لكلٍّ من الشمّاس والكاهن والخوراسقف.
خامساً: تكليف اللجنة القانونية بدراسة الشرع الخاص لكنيستنا السريانية، تمهيداً لإقراره ورفعه إلى الكرسي الرسولي للمصادقة عليه.
وفي ختام السينودس، رفع الآباء شكرهم للآب السماوي "أبو المراحم وإله كلّ تعزية"، الذي جمعهم، مستلهمين منه النعمة والقوّة لتحمُّل الهموم والآلام والمعاناة مع أبناء الكنيسة وبناتها. يا ربّ، ثبِّتنا بالإيمان، وأنعِش في قلوبنا نعمة الرجاء، وألهِمنا لنعيش المحبّة التي تدعونا إليها كلّ حين. وإليك نرفع صلاتنا بشفاعة مريم العذراء سيّدة النجاة، وجميع القدّيسين والشهداء.

81
الرقم: 84/أس/2016
التاريخ: 4/10/2016

البطريرك يونان يفتتح الدورة السنوية العادية
 لسينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية، في دير الشرفة، لبنان

     افتتح صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، الدورة السنوية العادية لسينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية، في الكرسي البطريركي الصيفي، في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان، بحضور مطارنة الكنيسة السريانية الكاثوليكية في لبنان والشرق وبلاد الإنتشار، مساء الإثنين 3/10، والذي يستمرّ حتى ظهر السبت 8/10/2016 حيث يُختتَم ببيان ختامي يتناول الأوضاع الراهنة في الشرق، وأهمّ المواضيع التي سيتناولها السينودس.

     وفي كلمته الإفتتاحية، طالب غبطة البطريرك يونان بانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية اللبنانية بأسرع وقت، وبقانون انتخابي عادل يعطي السريان تمثيلهم الصحيح في المجلس النيابي اللبناني، وكذلك بإدراج اسم السريان كمكوّنٍ في الدستور العراقي والبطاقة الوطنية (الإستمارة)، أسوةً بسائر المكوّنات العراقية الأخرى، وبالوقف الفوري للحرب الدائرة في سوريا.
                                             



                                        أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

82
الرقم: 61/أس/2016
التاريخ: 1/7/2016
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
غبطة البطريرك يونان يشارك في مؤتمر أمناء سرّ مجالس أساقفة أوروبا الكاثوليك في برلين – ألمانيا
ويوجّه نداءً لتعزيز الحضور المسيحي في الشرق

    شارك غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في المؤتمر السنوي لأمناء سرّ مجالس أساقفة أوروبا الكاثوليك، حيث حلّ غبطته ضيف شرف بدعوة خاصة من مجلس أساقفة أوروبا الكاثوليك، وذلك في العاصمة الألمانية برلين، بعنوان "سنة الرحمة، خبرة من أجل التضامن والتعاضد".
    وفي كلمته خلال المؤتمر، تحدّث غبطته عن "أهمية الحضور المسيحي في الشرق عامةً، وفي العراق وسوريا ولبنان خاصةً، وعن دورهم التاريخي ومعاناتهم الحالية إزاء الأوضاع الراهنة التي فُرِضت عليهم، من حروب ونزاعات وأعمال عنف واضطهاد واقتلاع وقتل وتشريد وتهجير". وشكر غبطته "المؤسّسات الكاثوليكية في العالم لمؤازرتهم ومساندتهم لنا لنستطيع أن نحمل صليب الرب يسوع ونمضي قُدُماً للقاء المسيح القائم من الموت والشهادة له بالقول والعمل حتى بذل الدم، فخورين دوماً بشهدائنا الذين قدّموا حياتهم ذبائح محرقة من أجل إيمانهم وكنيستهم وأرضهم".
    وأكّد غبطته "أنّ المسيحيين في الشرق لا يطالبون بامتيازاتٍ ولكن بالمساواة مع إخوتهم في الوطن"، مشدّداً على "أهمّية العيش معاً في الشرق بين مختلف المكوّنات، شرط قبول الآخر واحترامه وقول الحقيقة بالمحبّة".
    وأشار غبطته إلى أنّ "رجال السياسة الغربيين يطالبون بالمساواة وإرساء مفاهيم حقوق الإنسان في الغرب، متجاهلين ما يتعرّض له المسيحيون وسواهم من الأقلّيات الدينية والعرقية في الشرق من اضطهاد ونتكيل وتعدٍّ"، مطالباً بضرورة "فصل الدين عن الدولة والإحتكام إلى الديمقراطية الحقّة في بلادنا المشرقية، كي يطمئنّ أبناؤنا ويبقوا في أرضهم".
    وناشد غبطته المسيحيين في الغرب بقوله: "ندائي لكم أيّها المسيحيون الغربيون بإعلاء الصوت وقول الحقيقة وعدم الخجل من الدفاع عن إخوتكم المسيحيين في الشرق، هؤلاء الذين حملوا اسم المسيح إليكم وساهموا في نشر السلام أينما حلّوا".
    وكان غبطته قد استنكر بأشدّ عبارات الإستنكار وأدان التفجيرات الإرهابية التي حدثت في بلدة القاع البقاعية مطلع الأسبوع الحالي، معتبراً "أنّ هذه الأعمال وسواها لن تنال من عزيمتنا كمسيحيين بالبقاء في أرضنا ومتابعة مسيرتنا في الشهادة لإنجيل المحبّة والسلام"، مقدّماً تعازيه الأخوية الحارّة لغبطة بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام، ولمطران أبرشية بعلبك الياس رحّال، ولكاهن بلدة القاع وأبنائها، بل للبنانيين عموماً، سائلاً الرحمة للشهداء والعزاء لأهلهم وذويهم والشفاء العاجل للجرحى، رافعاً الدعاء من أجل إحلال السلام والأمان في لبنان والشرق والعالم. وقد صلّى غبطته على هذه النيّة بشكل خاص خلال زيارة الحجّ التي قام بها على رأس وفد من إكليروس وعلمانيين إلى مقام عذراء فاتيما في البرتغال، في الوقت عينه بالتزامن مع حدوث هذه التفجيرات الإرهابية.

83

الرقم: 58/أس/2016
التاريخ: 19/6/2016

بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يستنكر ويدين التفجير الإرهابي الذي وقع في مدينة القامشلي

استنكر غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي بأشد العبارات، التفجيرَ الإرهابي الذي وقع في مدينة القامشلي - سوريا ظهر اليوم الأحد ١٩ حزيران ٢٠١٦، بعد انتهاء مراسم تدشين النصب التذكاري لشهداء الإبادة السريانية "سيفو"، والتي أقامها قداسة أخيه البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس.

إنّ غبطة البطريرك يوسف الثالث يونان، إذ يدين هذا العمل الإرهابي الذي حاكَتْه كما في السابق قوى الظلام لزرع الفتن وتهجير المواطنين الأبرياء الآمنين، يشكر الله على سلامة قداسة أخيه البطريرك أفرام الثاني وأعضاء الوفد المرافق لقداسته والأساقفة والإكليروس والمؤمنين، ويسأله تعالى أن يرحم من استشهد ويعزّي ذويهم ويشفي الجرحى، وينعم على القامشلي ومحافظة الحسكة وسوريا الحبيبة بالأمن والسلام، وعلى مواطنيها بالطمأنينة والإستقرار.


                                         أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية


84
الرقم: 54/أس/2016
التاريخ: 17/6/2016
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يلتقي الرئيس الأسد

كفى امتهاناً وقتلاً وتشريداً للشعب السوري
 
 قام صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك أنطاكية للسريان الكاثوليك، بزيارة رسمية للدكتور بشّار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية في دمشق، يرافقه ستّة أساقفة، هم: الياس طبي، بهنان هندو، جرجس القس موسى، أنطوان شهدا، جهاد بطّاح، وفيليب بركات، والأبوان: أفرام سمعان، وحبيب مراد.

وعبّر غبطته ومرافقوه عن بالغ ألمهم لما فُرِضَ على سوريا الحبيبة وشعبها الصامد من حروب عبثية باسم الديمقراطية على أيدي أعداء الإنسانية، من متآمرين ينتمون الى بلدان إقليمية تنتهك حقوق الإنسان باسم الدين، ومن دول تستقوي على الشعوب المستضعَفة بأهداف مكيافيلية لا تزال تحرّض على العنف والتقاتل.

واستمع البطريرك ومرافقوه إلى الرئيس السوري يشرح لهم أنه لا بدّ من الأزمة - النكبة التي حلّت بسوريا شعباً وأرضاً، أن تنتهي، وتعود سوريا أفضل ممّا كانت، فخورةّ بشهدائها وبصمود شعبها. كما أكّد الرئيس أنه لا بدّ للسوريين أن يعودوا فيتلاقوا بأخوّة صادقة، وذلك بفعل المصالحات التي تجري في كلّ مكان، بعيداً عن الإرهابيين الغرباء، واعداً أنه لا بدّ أن تنتهي معاناة حلب الشهباء، ومذكّراً ضيوفه بضرورة العمل لتثبيت المواطنين في أرضهم، وتشجيع من نزح أو تهجّر على العودة والمشاركة في بناء سوريا بلداً حضارياً يقوم على نظام مدني يرفض مفهوم الطائفية العددية، وحيث الجميع يلتزمون بالمواطنة الصحيحة متساوين في الحقوق والواجبات. وشدّد على أنّ غياب المكوِّن المسيحي عن بلاد الشرق يفقد الشرق برمّته قيمته وأهميته.
 

85



الرقم: 52/أس/2016
التاريخ: 10/6/2016

بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية – بيروت
تشكيل مجلس استشاري بطريركي جديد للسريان الكاثوليك في لبنان

قام صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بتشكيل مجلس استشاري بطريركي جديد للسريان الكاثوليك في لبنان، لمدّة ثلاث سنوات. وسمّى غبطته لعضوية هذا المجلس:
سيادة المطران مار يوحنّا جهاد بطّاح النائب العام على أبرشية بيروت البطريركية، الخوراسقف إيلي حمزو، السفير جورج سيام، القنصل المهندس كمال سيوفي، المحامية ماي بولس، المحامي إيلي شربشي، الدكتور جوزيف اسطنبولي، الدكتور توفيق هندي، الدكتور كريستيان أوسي، المهندس غازي غصن، الأستاذ سامر قصّار، الأستاذ ميشال حبيس، الأستاذ كمال أسود، الأستاذ جورج مدوّر، والسادة: أمين فاخوري، جو أسود، عبدالله موصللي، سليم إيغو، وحنّا توماجان.
وعُيِّنت المحامية ماي بولس أمينة للسرّ في المجلس المذكور. 
وقد تمنّى غبطته للمجلس الجديد النجاح والتوفيق في جميع أعماله ومهامه لما فيه خير الكنيسة السريانية الكاثوليكية وخدمة أبنائها وبناتها في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار.



                                                          أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

86
الرقم: 48/أس/2016
التاريخ: 2/6/2016
بيان إعلامي من أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يعود إلى لبنان بعد زيارة راعوية رسمية إلى أبناء الكنيسة السريانية في السويد
البطريرك يونان لملك السويد: "نطلب دعمكم لترسيخ الحضور المسيحي في الشرق ونشكركم لاستقبال أبنائنا القادمين"

    عاد صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي إلى لبنان بعد أن قام بزيارة راعوية ورسمية إلى أبناء الكنيسة السريانية في السويد، استمرت من 20 حتى30 ايار 2016، التقى خلالها ملك السويد كارل الستاشر جوستاف، ووزيرة الخارجية ماركوت والستروم، ووزير الهجرة موركان جوهانسون، ورئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي إيبا بوش مع أحد نواب الحزب في البرلمان السويدي روبيرت خلف، وهو من أبناء الكنيسة السريانية والذي تقدّم بوثيقة اعتبار المذابح والمجازر بحق المسيحيين على يد العثمانيين عام 1915 وأعمال داعش الإرهابية في سوريا والعراق بمثابة إبادة، ورئيس الحزب السويدي الديمقراطي جيمي أكيسون، والنائب في البرلمان الأوروبي لارس أداكتوسون. كما التقى غبطته بمطران أبرشية السويد والدول الإسكندنافية للسريان الأرثوذكس مار يوليوس عبد الأحد شابو، والنائب البطريركي في السويد للسريان الأرثوذكس مار ديوسقوروس بنيامين أطاش، ومطران الكنيسة اللاتينية في السويد أندريش أربوريليوس، ورئيسة أساقفة الكنيسة السويدية أنتي جاكلين. كما زار غبطته وتفقّد جميع رعايا الكنيسة السريانية الكاثوليكية وإرسالياتها في السويد، والبالغة 11 رعية وإرسالية، وعقد عدة لقاءات إعلامية وصحفية مع عدد من وسائل الإعلام السويدي، تناولت الوجود السرياني في السويد، والحضور المسيحي في الشرق وتحدّياته، وهجرة مسيحيي الشرق. وقد رافق غبطتَه في هذه الزيارة المطرانان مار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي في أوروبا، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي في البصرة والخليج العربي، والأب حبيب مراد أمين سرّ البطريركية.
    وفي لقاءاته مع الملك السويدي والشخصيات المذكورة أعلاه، تحدّث غبطته بإسهاب عن الوضع العام في الشرق، وبخاصة في لبنان وسوريا والعراق، مشدّداً على موضوع "الحضور المسيحي في الشرق وأوضاع المسيحيين فيه"، مؤكّداً على "وجوب انتهاء الحروب وأعمال العنف والإرهاب والإضطهاد والإقتلاع القسري بحق أبناء شعبنا، حيث منهم يُقتَبون وآخرون يتشرّدون نتيجة الأعمال الهمجية لداعش ومثيلاتها"، كما تناول موضوع المطرانين الخطوفين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم والكهنة والمدنيين.
    وطالب غبطته "الأسرة الدولية بالعمل الجادّ من أجل إيقاف أعمال العنف وإنهاء الحروب في سوريا والعراق، من خلال حلول سياسية وسلمية، واعتماد لغة سياسية واضحة وصادقة، وتقديم المساعدات الإنسانية للمنكوبين، إذ أصبحنا ضحية المنظّمات الإرهابية، فيما نحن شعب آمن يخلص الولاء للوطن، ونحن من أقدم شعوب العالم واصحاب الحضارة الآرامية السريانية العريقة والموغلة في القدم، وهي كنز ثمين للبشرية". كما طالب غبطته الدول في الشرق "باعتماد سياسة فصل الدين عن الدولة، وتأمين العيش الآمن لأبناء شعبنا ليستطيعوا أن يعيشوا بسلام وطمأنينة واستقرار".
    وشكر غبطته السويد "لاستقبال أبناء شعبنا النازحين إليها، وتأمين الملجأ الآمن لهم والعيش الكريم بحرّية وديمقراطية، والمساعدات اللازمة مع الحقوق الإنسانية"، مؤكّداً "وقوف رعاة الكنيسة إلى جانب أبنائها وتأمين خدمتهم بكل الإمكانيات المتاحة، أينما كانوا، في بلاد المنشأ في الشرق، أو في بلاد الإنتشار في الغرب".

87
الرقم: 46/أس/2016
التاريخ: 10/5/2016
وثيقة مشتركة لبطريركَي السريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس
نطالب بإخراج طائفتينا من تسمية الأقليات وبمقعد نيابي لكلٍّ من طائفتينا وبتمثيلنا كسريان في الوظائف العامة

وقّع مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي ومار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وثيقة مشتركة طالبا فيها بإخراج الطائفتين من تسمية "الأقليات"، واستحداث مقعدين في البرلمان اللبناني، واحد لكلٍّ من الطائفتين، وتسمية وزير سرياني في كلّ حكومة، وتمثيل السريان في وظائف الفئة الأولى والوظائف العامّة في مختلف مرافق الدولة، وفي كلٍّ من الأسلاك القضائية والعسكرية والأمنية والديبلوماسية. وقد تمّ التوقيع على الوثيقة في مقرّ بطريركية السريان الكاثوليك ـ المتحف ـ بيروت.
حضر التوقيع، بدعوة من البطريركين، معالي وزير التمنية الإدارية نبيل دو فريج، وبعض أصحاب السعادة النواب أعضاء اللجنة البرلمانية المكلّفة دراسة قانون الإنتخاب، وهم: أحمد فتفت، علي فيّاض، سيرج طورسركيسيان، ألان عون.
كما حضر عن كنيسة السريان الكاثوليك، أصحاب السيادة: مار ربولا أنطوان بيلوني، ومار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي على أوروبا، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والجليج العربي، والأب حبيب مراد أمين سرّ البطريركي ومسؤول الإعلام. وعن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية: أصحاب النيافة: مار ثيوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان وطرابلس، ومار يوستينوس بولس سفر النائب البطريركي في زحلة والبقاع، ومار تيموثاوس متى الخوري النائب البطريركي في الأبرشية البطريركية في دمشق، والربان جوزف بالي السكرتير البطريركي ومدير دائرة الإعلام.
كما حضر أيضاً الخوري عبدو أبو كسم مدير المركز الكاثوليكي الإعلام، والآنسة لارا سعادة مستشارة رئيس حزب الكتائب، والمحامي إيلي شربشي.
وقد تلا الوثيقة صاحب النيافة المطران مار يوستينوس بولس سفر، ثمّ وقّعها البطريركان. وفيما يلي نصها كاملاً:

بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس   بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

وثيقة مشتركة

لمّا كان لبنان الوطن قائماً على التعدّدية والتنوّع في مكوّنات شعبه المؤلَّف من /18/ طائفة، والذي يزخر دستوره بعبارات عدالة التمثيل والمشاركة في الحكم واحترام الإختلاف والمساواة في الحقوق والواجبات،

ولمّا كان السريان في لبنان يشكّلون إحدى العائلات الروحية التاريخية التي يتألّف منها لبنان، كما هو واردٌ في نص المادّة الأولى من القرار 60 ل.ر. تاريخ 13 آذار 1936: "إنّ الطوائف المعترَف بها قانوناً كطوائف ذات نظام شخصي هي الطوائف التاريخية التي حُدِّدَ تنظيمها ومحاكمها وشرائعها في صك تشريعي"، وهذا ما يؤكّده الدستور اللبناني، 

ولمّا كان السريان متجذّرين في لبنان منذ القدم، وهم جزءٌ لا يتجزّأ من الشعب اللبناني،

ولمّا كانت القوانين الإنتخابية المتعاقبة منذ الإستقلال لم تحترم وجودهم كمكوّنٍ مؤسِّسٍ من مكوّنات الشعب اللبناني، بل اعتبرَتْهم أقلّياتٍ في وطنٍ مكوَّنٍ من مجموعة عائلاتٍ روحيةٍ، كلٌّ منها على حدى هو أقلّية بنفسها مهما كبر حجمها،

ولمّا كانت كلّ هذه القوانين الإنتخابية قد حرمت السريان من حقّهم بالتمثيل في المجلس النيابي، وبقي السريان تحت تسمية "الأقلّيات"، رغم أنّ عدد النواب زاد من 66 إلى 99 بعد العام 1958، ثمّ إلى 108، وبعدها إلى 128 بعد العام 1990،

ولمّا كانت مقدّمة الدستور اللبناني قد نصّت في فقرتها "ج" على أنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحرّيات العامّة... وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل،

ولمّا كانت المادّة السابعة من الدستور اللبناني قد نصّت على أنّ كلّ اللبنانيين سواء أمام القانون، وهم يتمتّعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية، ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامّة دونما فرق بينهم،
 
ولمّا كانت المادّة 23 من الدستور اللبناني قد نصّت على أنّ مجلس النواب يتألّف من نوابٍ منتخَبين مناصفةً في المقاعد بين المسيحيين والمسلمين، ونسبياً بين طوائف كلٍّ من الفئتين،

ولمّا كانت المادّة 95 من الدستور اللبناني قد نصّت في فقرتها "أ" على وجوب تمثيل الطوائف بصورةٍ عادلةٍ في تشكيل الحكومة،



وبما أنّ للسريان رجالاتٌ كبار ساهموا في تحقيق استقلال لبنان من الإنتداب الفرنسي، والسريان هم من خيرة أبناء هذا المجتمع، وذلك بشهادة كلّ اللبنانيين، إلاّ أنّهم وللأسف يُعتبَرون مجرّد أقليات لا حقوق لها، في زمنٍ بات المسيحيون بأجمعهم أقلّيةً في هذا المشرق برمّته،

وحيث أنّه، وانطلاقاً من كلّ ما تقدّم،
وبعد الإتصالات والتشاور والتباحث، اجتمع رئيسا الكنيسة السريانية بشقّيها الأرثوذكسي والكاثوليكي، في هذه اللحظة التاريخية المفصلية في بقاء المسيحيين في المشرق من عدمه، واتّفقا على مطلب تعديل قانون الإنتخابات النيابية، وزيادة مقعدين نيابيين مسيحيين، واحد للسريان الأرثوذكس وواحد للسريان الكاثوليك، وهما على ثقةٍ كاملةٍ بحكمة القيّمين على الوطن والمسؤولين فيه لتحقيق هذا المطلب المحقّ. ولهذه الغاية، قاما بجولةٍ شملت عدداً من المرجعيات السياسية ورؤساء الكتل النيابية لعرض هذا الطلب المحقّ، وطلب الدعم لتحقيقه، وذلك على رأس وفدٍ من الكنيستين.

وعليه، قرّرا بتاريخ اليوم الواقع في التاسع من شهر أيّار من العام 2016، إعلان هذه الوثيقة المشتركة التي تهدف إلى إعادة الحق إلى المكوّن السرياني في المجتمع اللبناني، وذلك تطبيقاً للنصوص الدستورية والميثاقية التي ترعى العلاقة فيما بين العائلات اللبنانية المختلفة، مطالبين بما يلي:

أوّلاً: تطبيق مبادئ الدستور اللبناني، وإخراج طائفتيهما "السريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس" من تسمية الأقلّيات
ثانياً: تعديل قانون الإنتخاب لجهة زيادة عدد النواب واستحداث مقعدين نيابيين: واحد للسريان الأرثوذكس، وواحد للسريان الكاثوليك
ثالثاً: احترام روح الدستور اللبناني ونصّه لجهة تسمية وزير سرياني في كلّ حكومة يتمّ تشكيلها، وذلك تطبيقاً لنص المادة 95 من الدستور اللبناني في الفقرة "أ"
رابعاً: احترام المكوِّن السرياني في المجتمع اللبناني، وعدم حرمانه من حقوقه في وظائف الفئة الأولى والوظائف العامّة في مختلف مرافق الدولة، وفي كلٍّ من الأسلاك القضائية والعسكرية والأمنية والديبلوماسية

بيروت في 9/5/2016







         اغناطيوس أفرام الثاني
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس       اغناطيوس يوسف الثالث يونان
        بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي


88


الرقم: 45/أس/2016
التاريخ: 4/5/2016
بيان إعلامي من أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يستقبل مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم

استقبل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، سعادةَ اللواء عبّاس ابراهيم مدير عام الأمن العام اللبناني، في مقرّ الكرسي البطريركي ـ المتحف ـ بيروت.
وخلال اللقاء، تداول غبطته مع سعادته في الأوضاع الراهنة على الصعيدين المحلّي والإقليمي.
وتوقّفوا خاصةً عند مسألة الشغور الرئاسي في لبنان لسنتين كاملتين وما يستتبع ذلك من تداعياتٍ خطيرةٍ على وضع المؤسّسات العامّة الدستورية والإقتصادية والأمنية وانتظام الحياة العامّة في البلاد، مؤكّدين ضرورة الإسراع الفوري في انتخاب رئيس جديد.
كما تناولوا الأوضاع في المنطقة، وبخاصة في سوريا حيث دوّامة العنف تدور رحاها منذ أكثر من خمس سنوات، سيّما ما يجري مؤخّراً في مدينة حلب، وقبلها القامشلي، والخابور، والقريتين وتدمر في حمص، وسواها، وكذلك في العراق، حيث يرزح أبناء شعبنا تحت وطأة الإقتلاع والتهجير القسري من أرض الآباء والأجداد.
وقد تطرّقوا إلى أوضاع السريان النازحين إلى لبنان من سوريا والعراق، وكيفية خدمتهم والمحافظة على كرامتهم وتوفير الأمن اللازم والحياة الكريمة لهم، ريثما تعود الأوضاع إلى طبيعتها في بلادهم. وأثنى غبطته في هذا الإطار على التسهيلات التي يقدّمها سعادته وجهاز الأمن العام لهؤلاء النازحين، ممّا يساهم في التخفيف من معاناتهم.
رافق سعادتَه في زيارته، العميد منير عقيقي والعميد نبيل حنون، بحضور أصحاب السيادة مطارنة الدائرة البطريركية: مار ربولا أنطوان بيلوني، مار فلابيانوس يوسف ملكي، مار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي في أوروبا، ومار يوحنّا جهاد بطّاح النائب العام على أبرشية بيروت البطريركية، والأب أفرام سمعان، والأب حبيب مراد أمينا السرّ في البطريركية، والسيّد رامي ماضي.

89
الرقم: 39/أس/2016
التاريخ: 15/4/2016
بيان صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية ـ بيروت
قداسة البابا فرنسيس يثبّت انتخاب الخوراسقف فيليب بركات مطراناً
رئيس أساقفة لأبرشية حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك

ظهر يوم الجمعة 15 نيسان 2016، أعلن راديو الفاتيكان أنّ قداسة البابا فرنسيس ثبّت انتخاب حضرة الخوراسقف فيليب هادي بركات مطراناً رئيس أساقفة لأبرشية حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك، بعد أن كان سينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية المنعقد في دير الشرفة ـ لبنان من 26 إلى 29/10/2015 قد انتخب الخوراسقف فيليب بركات لهذا المنصب.
والمطران الجديد فيليب بركات هو من مواليد زيدل ـ حمص ـ سوريا في 1/7/1952، سيم كاهناً عام 1976 بوضع يد المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثاني حايك. شغل أخيراً منصب المدبّر البطريركي لأبرشية حمص وحماة والنبك وتوابعها، على أثر وفاة المثلّث الرحمات المطران مار ثيوفيلوس جورج كسّاب، منذ 25/10/2013 حتى تاريخه، وهو في الوقت نفسه كاهن رعية زيدل، كبرى رعايا الأبرشية، منذ عام 2001 حتى تاريخه. وكان المطران كسّاب قد عيّنه نائباً أسقفياً عاماً للأبرشية منذ عام 2000، ورقّاه إلى الدرجة الخوراسقفية عام 2004. وكان قد شغل سابقاً منصب كاهن رعية قلب يسوع الأقدس في فيروزة منذ عام 1976 حتى عام 2001، وقبلها رعية مار ميخائيل في مسكنة منذ عام 1976 حتى عام 1987.
هذا وقد هنّأ غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلّي الطوبى، الخوراسقف فيليب بركات بنيله الدرجة الأسقفية. واتّخذ الإسم الأبوي "مار ثيوفيلوس"، وحدّد غبطته موعد رسامته الأسقفية في تمام الساعة العاشرة من بعد صباح يوم السبت 7 أيّار 2016، في كنيسة سيّدة النجاة للسريان الكاثوليك، زيدل ـ حمص ـ سوريا.
ألف مبروك للمطران الجديد مار ثيوفيلوس فيليب بركات رئيس أساقفة حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك، مع الدعاء له بخدمة صالحة ورسالة مثمرة لما فيه خير أبرشيته.

90


الرقم: 30/أس/2016
التاريخ: 28/3/2016

بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يهنّئ السوريين بتحرير تدمر
في احتفالات عيد القيامة التي أقامها غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مشاركةً مع معاناة المؤمنين من لبنانيين ونازحين سوريين وعراقيين، ذكّر غبطته بعظم فرحه وافتخاره بتحرير تدمر على يد الجيشين السوري والروسي. ووجّه كلمات التشجيع والإعتزاز لمحبّي الحضارة الآرامية العريقة، لأنّ تحرير هذه المدينة الأثرية الشهيرة من أيادي برابرة العصر ودواعشه، هو بالتأكيد دفاعٌ عن الحضارة الإنسانية جمعاء. إنّ تدمر، وبالآرامية " تِدمورتو"، أي معجزة البادية السورية، كانت من أهمّ المراكز الحضارية التي نافست الأمبراطورية الرومانية بتقدُّمها الإقتصادي وبفنونها العمرانية الذائعة الصيت، سيّما في عهد ملكتها زنوبيا، التي حاربت الرومان وأبت أن تستسلم، حتى اقتيدت أسيرةً إلى روما.
ودعا غبطته في مواعظ عيد القيامة، رجال السياسة في البلاد الغربية التي تبغي التحكّم بمصير الشعوب، إلى تغيير النهج الذي سلكته بإصرارها على فرض شروطها التعجيزية على المسؤولين، سواء في سوريا وفي العراق، مطالباً إيّاهم، باسم الحق والعدل، أن يجسّدوا التعاون الجادّ والفاعل لدحر قوى الظلام، المتمثّلة بداعش ومثيلاتها. ورفع غبطته الصلوات والتضرّعات الله أبي المراحم، كي ينهي درب آلام شعوبنا البريئة، فتتوقّف عبثية الدمار والقتل ونزيف الهجرة، سيّما لدى المكوّن المسيحي الأكثر عرضةً للتنكيل من عصابات التكفير الجهادية، سائلاً الرب يسوع ملك السلام القائم من بين الأموات، أن يمنح بلاد الشرق والعالم أمنه وسلامه.



                                         أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

91
الرقم: 37/2016
التاريخ: 23/3/2016
إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين
المبارَكين بالرب اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

 نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
قيامة المسيح من الموت تشكّل أساس الإيمان والرجاء به ربّاً ومخلّصاً، كما أعلنته الجماعة المسيحية الأولى وعاشته كحقيقةٍ أثبتتها كتب العهد الجديد، وتناقلها التقليد الرسولي، وكرزها الرسل وخلفاؤهم من بعدهم كجزءٍ جوهري من السرّ الفصحي مع الصليب. وقيامة المسيح ليست قيامته وحسب، إنّها قيامتنا وجميع الذين يؤمنون به. وهذا ما عناه بولس الرسول: "ولكنّ الله الغني بمراحمه، لحبّه الشديد الذي أحبّنا به، مع أنّنا كنّا أمواتاً بزلاتنا، أحيانا مع المسيح، وبنعمته خلّصنا، وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السموات في المسيح يسوع" (أف 2: 4ـ6).
فليكن هذا العيد مناسبةً للعودة إلى الله بالتوبة الصادقة والعزم الثابت بالعمل على مرضاته، أيّاً تكن المغريات. إنه مناسبةٌ للعودة إلى الذات، فنلقي نوراً في أعماق نفوسنا لنرى ما إذا كنّا نسير بصدقٍ وإخلاصٍ مع ذواتنا، ومع إيماننا بالمسيح القائم والذي أقامنا معه، فننزع عنّا إنساننا العتيق ونلبس الإنسان الجديد. وهو مناسبةٌ للعودة إلى بعضنا البعض، فلا نبقى متباعدين ومتنازعين، وقد أرادنا الله أن نعمل متضافرين على نشر بشرى إنجيله السارّة بالقول والعمل وشهادة الحياة، بما حبانا من مواهب وعطايا، وتحت أنوار روحه القدّوس.
بمناسبة عيد القيامة المجيدة، يطيب لنا أن نتقدّم من جميع إخوتنا الأحبار الأجلاء آباء السينودس المقدّس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وأعضاء الإكليروس والمكرَّسين، ومن أبناء كنيستنا وبناتها المؤمنين، بالتهاني القلبية مع مشاعر المحبّة الأبوية، ضارعين إلى الرب يسوع "القيامة والحياة"، أن يبسط أمنه وسلامه في العالم بأسره، وبخاصةٍ في بلادنا المشرقية المعذَّبة، سيّما في لبنان الحبيب، وسوريا الجريحة، والعراق الغالي، ليعود جميع النازحين والمهجَّرين إلى ديارهم في أرض الآباء والأجداد، وينعموا بالطمأنينة والإستقرار، ومن أجل الأردن، ومصر، والأراضي المقدّسة، وتركيا، وبلاد الإنتشار، في أوروبا وأميركا وأستراليا. كما نصلّي لأجل الفقراء، والمعوَزين، والحزانى، والمتألّمين، فيحيا الجميع بالمحبّة والألفة والثقة لبناء عالمٍ أفضل.
وإذ نبتهل إلى الرب كي يجعل هذا الزمن الخلاصي موسم خيرٍ ونعمةٍ لكم أجمعين، نختم بمنحكم بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية، ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين. وكلّ عام وأنتم بألف خير.    ܩܳܡ ܡܳܪܰܢ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ܆ ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ     المسيح قام، حقّاً قام
                                                 

                                                    اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                      بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي   


ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܦܪܘܩܝܬܐ ܒ̱ܝܘ
رسالة عيد القيامة المجيدة 2016

ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܐܚܝܕ ܟܠ
 ܐܝܓܢܛܝܘܣ ܝܘܣܦ ܬܠܝܬܝܐ ܕܒܝܬ ܝܘܢܐܢ
ܕܒܪ̈ܚܡܘܗܝ ܕܐܠܗܐ
ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܕܣܘܪ̈ܝܝܐ ܩܬܘܠܝܩܝ̈ܐ

باسم الأزلي السرمدي الواجب الوجود الضابط الكل
اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بنعمة الله
بطريرك الكرسي الرسولي الأنطاكي للسريان الكاثوليك
 

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار
 نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:


"ܡܫܺܝܚܳܐ ܫܠܳܡܰܢ"
"المسيح سلامنا" (أف 2: 14)

1ـ مقدّمة: القيامة تزرع السلام
يطيب لنا في بداية رسالتنا هذه بمناسبة عيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات، أن نقدّم أخلص التهاني لكم جميعاً أيّها الإخوة والأبناء الأعزّاء في لبنان وفي بلدان الشرق الأوسط وعالم الإنتشار، بهذا العيد المجيد، عيد انتصار الخير على الشر، والنور على الظلمة، والموت على الحياة. لقد ارتضى الرب يسوع الموت على الصليب تكفيراً عن خطايانا وخطايا البشر، وقام من بين الأموات ليهبَنا الحياة الجديدة ويقدّسَنا. وبهذين الحدثَين زرع السلام في القلوب، وانتزعَ منها الخوف، وافتتح على الأرض زمناً جديداً مرضيّاً لله، هو زمنُ المحبّة والأخوّة والمصالحة والسلام. "فالمسيح سلامنا" (أف 2: 14)، وقد حيّا تلاميذه تكراراً بعد قيامته بتحية السلام "السلام لكم" (يو 20: 19).

2ـ الصليب درب القيامة والسلام
في العهد القديم كان الله "يبارك شعبه بالسلام" (مز 29: 11)، ويوصي المؤمن أن "يطلب السلام ويسعى وراءه" (مز 34: 14). أمّا في العهد الجديد، فقد هدم الرب يسوع جدار العداوة بين الناس بصليبه، وصالحهم مع الله، وجعل من الجميع جسداً واحداً في شخصه (أف 2: 13 ـ 16). فسلامه يزرع الفرح في القلوب (راجع يو 16: 21 ـ 22)، ويعطي الشجاعة والثقة به في مواجهة صعوبات الحياة ومضايقها (يو 16: 33). هذا السلام هو الروح القدس الذي يهبنا إيّاه المسيح الفادي ليحقّق فينا ثمار الفداء. في الواقع، في ظهوره الأوّل بعد قيامته، "نفخ يسوع في تلاميذه وقال لهم: خذوا الروح القدس" (يو 20: 22)، روح القيامة من خطاياكم ومن قديم حياتكم ومسلككم.
في يوم الجمعة، تمّم يسوع ابن الله فداء الجنس البشري غاسلاً خطايا البشر بدمه المراق على الصليب، فكان يومُ التحوّل الأكبر في تاريخ الكون والإنسان. وفي يوم الأحد، حقَّق المسيح تقديس جميع الناس، وجمعهم إلى واحد، القريبين والبعيدين، ونقض كلَّ جدران الإنقسامات بين الناس، وزرع الطمأنينة والسلام في النفوس والقلوب. إنّه السلام الفصحي، السلام الذي يَعبُر بالإنسان والمجتمعات من حالة اضطرابٍ واهتزازٍ ونزاعٍ وفاقةٍ وحربٍ، إلى حالة طمأنينةٍ واستقرارٍ ومصالحةٍ واكتفاءٍ وأمان.


المصلوب يوم الجمعة هو القائم فجر الأحد. الجسد الذي صُلب هو إيّاه قام ممجَّداً. مات يسوع التاريخي على الصليب، وقام حقّاً من القبر، ليقوم يسوع السرّي، أي الكنيسة. وقد سبق وشبّه هذا السرّ "بحبّة الحنطة" التي، إذا ماتت في الأرض، أعطت ثمراً كثيراً (راجع يو 12: 24).

3ـ القيامة توطّد السلام
بقيامته، زرع يسوع المخلّص السلام والرجاء في القلوب، ونشره في العالم بواسطة الكنيسة وكلّ ذوي الإرادات الصالحة. وسلَّمنا إيّاه عطيةً من السماء لكي نوطّده في الأرض وبين الشعوب.
إنّنا نلتمس لنا ولكم جميعاً سلام المسيح، لكي يكون أوّلاً سلاماً مع الله بالعودة إليه وإلى كلامه المحيي ونعمته الشافية، سلاماً مع ذواتنا وفي داخلنا، سلاماً منسجماً مع هويّتنا ومتجاوباً مع رسالتنا، لكي نستطيع أن نصنعه في عائلتنا ومجتمعنا وكنيستنا ووطننا. وعلينا أن نتذكّر دائماً أنّه لا وجود للسلام حيث تُنكَر الحقيقة وتُنتهَك العدالة وتنتفي المحبّة، وحيث تُقيَّد الحرّية لدى الأفراد والمجتمعات.
بعد أن كنّا قد امتنعنا عن تبادل السلام في احتفالاتنا الكنسية طوال أسبوع الآلام، تدعونا ليتورجيتنا السريانية لنعود فنتبادل السلام النابع من المسيح القائم من الموت، في رتبةٍ احتفاليةٍ، يوم أحد القيامة، فيها نرفع الصليب من القبر، حيث دُفن يوم الجمعة العظيمة في رتبة السجدة للصليب. نحمله وعليه شارةٌ بيضاء، علامةً للنصر على الألم والخطيئة والموت. ونطوف به وسط الجماعة ليكرّمه المؤمنون والمؤمنات، ويتبرّكوا به. ونختم الزيّاح بالبركة بالصليب نحو الجهات الأربع، معلنين سلام المسيح في أربع جهات الأرض، فيسوع الفادي هو ينبوع الأمان ومَعين السلام. وننشد بالسريانية:
"ܫܠܳܡܳܐ ܢܰܨܺܝܚܳܐ ܘܙܳܟ̣ܽܘܬܳܐ ܪܰܒܬܳܐ܆ ܝܰܘܡܳܢ ܐܶܬܺܝܗܶܒܘ ܒܰܩܝܳܡܬܳܐ ܫܒܺܝܚܬܳܐ"، وترجمته: "السلام العظيم والنصر المُبين، وُهِب اليوم بالقيامة المجيدة".

4ـ السلام والرحمة ثمار القيامة
إنّ النسوة اللواتي قبلْنَ بشرى القيامة، لشدّة الإنذهال من الحدث وصدمة الصلب وعدم الفهم، "خرجْنَ من القبر ولم يقلْنَ لأحدٍ شيئاً" (مر 16: 8). لقد وقف كثيرٌ من الناس منذهلين، عبر الأجيال، أمام حدث موت الربّ وقيامته. فما استطاعوا تقبُّل فكرة صلب المسيح وموته، ولا استطاعوا إدراك سرّ قيامته، فحرموا نفوسهم من ثمار هذا السرّ الخلاصي. وربّما نحن مثلهم، فإن تَقَبَّلْنا الحدثَين، من باب الإيمان، ربّما لا نتقبّلُ الإلتزام بمقتضياتهما، فلا نسعى إلى نيل ثمار موت المسيح وقيامته الخلاصية.
لكي يكون الإيمان حقيقياً وكاملاً، لا يكفي أن يكون معرفةً على مستوى العقل، بل ينبغي أن يظهر في الأفعال على مستوى الإرادة، وأن يكتمل في القلب حُبّاً للمسيح وسعياً إلى لقاءٍ شخصي وجداني معه. هذا اللقاء يغيّر الإنسانَ ويبدّله ويقدّسه. المؤمنون الحقيقيون قادرون أن يبنوا مستقبلاً أفضل يتوق إليه الجميع، وأن يتكلّموا لغةً جديدةً تجمع وتُطَمْئِن، هي لغة المحبّة والسلام، وأن يجدوا الحلول العادلة للأزمات.
في الرسالة بمناسبة اليوم العالمي للسلام لهذا العام 2016، بعنوان: "إنتصِر على اللامبالاة واكسب السلام"، دعا قداسة البابا فرنسيس إلى "تعزيز ثقافة التضامن والرحمة من أجل الإنتصار على اللامبالاة واكتساب السلام. وهذا من واجب العائلات بحكم رسالتها كمكانٍ أوّل لنقل الإيمان وقيم المحبّة والأخوّة والإعتناء بالآخر، ومن واجب المربّين والمنشّئين في المراكز المعنيّة بتربية الأولاد والشبّان، والعاملين في وسائل الإتصال الإجتماعي والتقنيات الحديثة المدعوّة لتخدم الحقيقة وتكوّن الرأي العام السليم (الفقرة 6). ويخلص قداسته إلى القول: "إنّ السلام هو ثمرة ثقافة التضامن والرحمة والشفقة" (الفقرة 7).
هلمّوا نسعى جاهدين إلى إحلال السلام وعيشه وتفعيله، سيّما في هذه السنة المباركة المكرَّسة سنةً يوبيليةً للرحمة الإلهية، مستفيدين من النعم والبركات التي يغدقها علينا الرب، فيملك سلام الرب وأمانه العالم كلّه. ولنهتف مع مار شمعون الفخّاري في أحد ابتهالات عيد القيامة:
"ܫܰܝܢܳܟ ܢܰܡܠܶܟ ܒܰܒܪܺܝܬܳܐ ܒܪܳܐ ܕܰܐܠܳܗܳܐ܆ ܘܰܫܠܳܡܳܟ ܢܶܣܓܶܐ ܠܥܺܕܬܳܟ ܦܳܪܽܘܩܶܗ ܕܥܳܠܡܳܐ"، وترجمته: "ألا فليملك أمانك في المسكونة يا ابن الله، وليفِض سلامك في كنيستك يا مخلّص العالم". 


5ـ القيامة رجاء السلام للشرق والعالم
في عيد قيامة المسيح المخلّص، عيد عبوره بالبشرية إلى حياةٍ جديدةٍ، نعيش هذه السنة، في بلدان الشرق الأوسط، سيّما في لبنان وسوريا والعراق، أزمنةً قاتمةً من العنف والحروب والإرهاب، وما ينتج عنها من جوعٍ وخوفٍ وتهجيرٍ وقلقٍ على المصير. لكنّ نور المحبّة والسلام المشعّ من قبر المسيح الفارغ، وقد دُحرِج عنه الحجرُ الكبير، والإيمان الوطيد بقيامة الفادي، إنّما يدفع بنا جميعاً إلى صخرة الرجاء بيسوع المسيح الذي أصبح سيّد العالم بموته وقيامته، وبه نُوطّد حضورنا ورسالتنا. بالرغم من إغراء المال وبطش السلاح وجبروت التسلّط، تبقى للمسيح الرب الكلمةُ الأخيرة، كلمة الحقيقة بوجه الكذب والتضليل، وكلمة المحبّة بوجه البغض والقتل، وكلمة السلام بوجه العنف والحرب.
مِن المسيح الذي "هو سلامنا" (أف 2: 14)، وقد حطّم جدران الإنقسامات والتفرقة، وحقّق الأخوّة بين الناس، جاعلاً من الجميع أبناءً وبناتٍ لله ببنوّته الأزلية، نلتمس السلام للعالم ولأوطاننا، وبخاصّةٍ لبلداننا في الشرق الأوسط، من أجل العيش بكرامةٍ وبروح المواطنة الحقيقية، والتمتُّع بالحرّيات الإنسانية والدينية، في أنظمةٍ ديمقراطيةٍ تحترم كرامة كلّ إنسانٍ وكلّ مجموعةٍ بشريةٍ قيل عنها إنّها أكثرية أو أقلّية. سلامنا أن يُعزَّز التنوّع في الوحدة، ويشارك الجميع في مسؤولية الحياة العامّة، وتنتفي الأحادية والفئوية وفرض الإرادة والتحكّم بمصير المواطنين، ويتمكّن كلّ مواطنٍ، من أيّ دينٍ أو ثقافةٍ أو عرقٍ أو انتماءٍ كان، وكلّ مجموعةٍ، مهما كان نوعها، من العيش بالكرامة والمساواة مع الآخرين.
في لبنان الحبيب، حيث نحن السريان مكوِّنٌ صغيرٌ نسبياً، ولكنّنا جزءٌ لا يتجزّأ من المجتمع، ولنا رجالاتٌ كبارُ ساهموا في تحقيق الإستقلال. نقولها بأسىً إنّنا لا نزال نُعتبَر مجرّد أقلّياتٍ علينا أن نكتفي بالفُتات كما يقال.
من هنا جاءت مطالبتنا مع قداسة أخينا مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، لتعديل قانون الإنتخابات النيابية وزيادة مقعدين نيابيين، أحدهما للسريان الكاثوليك والآخر للسريان الأرثوذكس، دون أن نتطاول على حقوق المكوّنات الأخرى. وكلّنا ثقةٌ بحكمة القيّمين على الوطن والمسؤولين فيه لتحقيق هذا المطلب المحقّ في هذه اللحظة التاريخية المفصلية، ضمانةً لبقاء المسيحيين في الشرق.


ومع جميع الرعاة الروحيين، نصلّي من أجل انتخاب رئيسٍ للجمهورية اللبنانية، فيكتمل جسد الدولة برأسها المسيحي الوحيد في العالم العربي، لِما لهذا الإنتخاب من أثرٍ إيجابي في تثبيت الإستقرار السياسي والأمني ودعم الإقتصاد، وتفعيل المؤسّسات الدستورية والسياسية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية.

وفي السياق عينه، نصلّي من أجل استتباب الأمن والإستقرار، فتجري الإنتخابات البلدية والإختيارية في مواعيدها، لِما لهذا الإستحقاق من مؤشّراتٍ على رقيّ الشعب اللبناني، ودلالاتٍ على قرار أبنائه التمسّك بقيم الديمقراطية والحرّية والعدالة التي نشأ لبنان عليها منارةً للعالم العربي. كما نتمنّى أن تستمرّ مسيرة حلّ أزمة النفايات، فتصل إلى خواتيمها السعيدة رحمةً بالبلاد والعباد.

أمّا في سوريا الغالية، وقد عدنا للتوّ من زيارةٍ تفقّديةٍ لأبنائنا وبناتنا في أبرشية حمص وحماة والنبك وفي محافظة طرطوس، حيث لمسنا إيماناً حيّاً وتعلّقاً بهويّتنا المسيحية والوطنية، بالرغم من العاصفة الهمجية التي حلّت بوطنهم الغالي طوال سنواتٍ خمس. ومع تلك الرعايا العزيزة، ناشدنا الجميع أن يبقوا متجذّرين في أرض سوريا الطيّبة، وتضرّعنا إليه تعالى كي تتكلّل بالنجاح المساعي التي تبذلها الدول الصديقة والمجتمع الدولي لإنهاء الإقتتال، وإرساء قواعد السلام والأمان، والكفّ عن هذا التدمير الممنهَج للأرض والمؤسّسات. إنّنا نبتهل إلى ربّ السلام كي تتوقّف آلة الحرب، وتبدأ عمليات البناء للحجر والرجوع للبشر. عندئذٍ يعود الشعب الذي اضطُرَّ إلى النزوح والهجرة، فيساهم في إعادة إعمار سوريا، وتوطيد أواصر التواصل بين مكوّنات الشعب السوري الطيّب الذي حاولت يد الإجرام تفتيته وتقسيمه.
   
أمّا العراق العزيز، والذي ننوي زيارته في الشهر المقبل لتفقُّد أبنائنا وبناتنا النازحين، فإنّ قلبنا يتألّم لما حلّ بشعبنا السرياني بشكلٍ خاص، وقد قاربت نكبة اقتلاعه من أرضه في مدينة الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى واحتلالها من الإرهابيين التكفيريين عامَها الثاني، فيما أبناؤنا وبناتنا نازحون ومهجَّرون داخل العراق وخارجه. فمن غير المقبول أن يستمرّ المجتمع الدولي على صمته وتخاذله، مطلقاً فقط حتّى الآن الشعارات والتمنّيات في تحرير الموصل وسهل نينوى. إنّ هذا التقاعس يشكّل تواطؤاً مع الإرهابيين الذين لم يكتفوا بطرد الشعب الساكن هناك، بل دمّروا الكنائس والأديرة والمعالم الدينية والآثار الحضارية التي تشهد على عمق تجذُّر شعبنا في أرض العراق وتاريخه منذ آلاف السنين.

في خضمّ هذا كلّه، تقف الكنيسة مع شعبها، لا تتركه ولا تتنازل عن حقوقه. إنّنا نسأل الرب يسوع، القائم منتصراً على الموت، أن يعزّز إيمان المسؤولين في شرقنا بأرضهم وأوطانهم، وينير طريقهم ليكونوا قدوةً لهذا الشعب، بالأمانة للتراث التاريخي والحضاري الذي تمثّله أرضنا وتاريخها في لبنان وسوريا والعراق.

وإن ننسَ لا ننسى المخطوفين من رجال دينٍ وعلمانيين، ونذكر خاصةً مطراني حلب مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم، وبولس اليازجي، والكهنة باولو داللوليو، واسحق محفوض، وميشال كيّال، مطالبين بعودتهم إلى الحرية في أسرع وقت. كما نضرع إلى الرب يسوع، القيامة والحياة، أن يتغمّد جميع الشهداء برحمته الواسعة، ويمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل، ويعزّي كلّ مفجوعٍ بفقد عزيز.

في هذا العيد، نتوجّه بالقلب والصلاة إلى أبنائنا الذين يكابدون آلام النزوح والهجرة والإقتلاع، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات، مؤكّدين لهم تضامننا الأبوي واستعدادنا الدائم لتأمين حاجاتهم ومساعدتهم بكلّ الإمكانات المتاحة.

كما نتوجّه بشكلٍ خاص إلى العائلات التي تعاني الحزن لفقدان أحد أفرادها، وجميع الذين لا يستطيعون أن يعيشوا فرح العيد، من فقراء ومعوَزين ومهمَّشين ومستضعَفين، سائلين لهم فيض النعم والبركات والتعزيات السماوية.

ويطيب لنا أن نتقدّم بالتهاني الأبوية بمناسبة عيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات إلى جميع إخوتنا وأبنائنا وبناتنا السريان في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا وأميركا وأستراليا. ونحثّهم جميعاً على التمسّك بالإيمان بالرب يسوع، والتعلّق بكنيستهم وأوطانهم والإخلاص لها، فيحيوا على الدوام شهوداً ليسوع "حتى أقاصي المسكونة" (رو 10: 18).

6ـ خاتمة: القيامة: "ثقوا، إنّي قد غلبتُ العالم" (يو 16: 33)
أيّها الربّ يسوع، بموتك وقيامتك أعطيتَ الحياة الجديدة للإنسان والعالم، وولدتَ البشرية الجديدة المتمثّلة بالكنيسة، مانحاً الجميع السلام والأمان. اجعلنا أن نبدأ، بنعمتك وبهدي إلهامات روحك القدّوس، حياةً جديدةً في أعمالها ورؤيتها. أعطنا أن نستنير دائماً بكلام إنجيلك وتعليم كنيستك، فنصبح شهوداً لك في عائلاتنا ومجتمعاتنا، في مؤسّساتنا وأوطاننا، ناشرين أمنك وسلامك أينما دعوتَنا.
وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
كلّ عام وأنتم بألف خير.

ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ
المسيح قام من بين الأموات... حقّاً قام




صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت ـ لبنان
في اليوم الثالث والعشرين من شهر آذار سنة 2016
وهي السنة الثامنة لبطريركيتنا


92

غبطة أبينا البطريرك يحتفل بالقداس الحبري الرسمي بمناسبة عيد مار أفرام السرياني

في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 13 شباط 2015، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الحبري الرسمي بمناسبة عيد مار أفرام السرياني شفيع كنيستنا السريانية، وملفان الكنيسة الجامعة، وذلك في كاتدرائية سيّدة البشارة ـ المتحف ـ بيروت.

عاون غبطتَه في هذا القداس صاحبا السيادة مار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي على أوروبا، ومار فولوس أنطوان ناصيف الأكسرخوس الرسولي في كندا، والأبوان شارل مراد وأفرام سمعان، بحضور ومشاركة أصحاب السيادة المطارنة: مار أثناسيوس متّي متّوكة، مار ربولا أنطوان بيلوني، مار فلابيانوس يوسف ملكي، ومار يوحنّا جهاد بطّاح النائب العام على أبرشية بيروت البطريركية، والآباء والخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة طلاب إكليريكية دير سيّدة النجاة ـ الشرفة. وخدم القداس الجوق البطريركي بقيادة طوني بيلوني، وأشرفت على التنظيم حركة مار شربل ـ بيروت، بحضور ومشاركة جموع غفيرة من المؤمنين من رعايا أبرشية بيروت البطريركية ومن النازحين إلى لبنان من أبناء كنيستنا في سوريا والعراق. وقد بثّ القداس تلفزيون تيلي لوميار ـ نورسات، وتلفزيون المؤسّسة اللبنانية للإرسال "أل بي سي".

شارك في القداس نيافة المطران مار ثيوفيلوس جورج صليبا ممثّلاً قداسة بطريرك السريان الأرثوذكس مار اغناطيوس أفرام الثاني، ونيافة المطران نوراير أشكيان ممثّلاً قداسة كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كيشيشيان، وسيادة المطران جورج أسادوريان ممثّلاً غبطة بطريرك الأرمن الكاثوليك كريكور بيدروس العشرين كبرويان، والأب عبدو أبو كسم ممثّلاً البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، والمونسنيور جايين منديز ممثّلاً السفير البابوي في لبنان المطران كبريالي كاتشا، ومطران الكلدان في لبنان ميشال قصارجي، والأباتي طنّوس نعمة رئيس عام الرهبانية اللبنانية المارونية، وعدد من الخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات من الكنائس الشقيقة.

أما الحضور من الرسميين، فقد تقدّمه الوزير ميشال فرعون ممثّلاً رئيسي مجلس النواب اللبناني نبيه برّي ومجلس الوزراء اللبناني تمّام سلام، السيّد جوزف شهدا ممثّلاً رئيس تكتّل الإصلاح والتغيير العماد ميشال عون، النائب عاطف مجدلاني ممثّلاً رئيس تيّار المستقبل الرئيس سعد الحريري، النائب يوسف المعلوف ممثّلاً رئيس حزب القوّات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، السيّد جان مغيزل ممثّلاً رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل، المحامي شادي سعد ممثّلاً رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجية، السيّد نهاد شلحت ممثّلاً رئيس حزب الأحرار النائب دوري شمعون، النائب روبير غانم، السفير جورج سيام، الدكتور توفيق الهندي، رئيس بلدية الجديدة البوشرية السدّ أنطوان جبارة، رئيس بلدية الفنار كمال غصوب، رئيس حزب الإتّحاد السرياني العالمي ابراهيم مراد، رئيس الرابطة السريانية حبيب أفرام، الأستاذ ابراهيم طرابلسي، السيّد جورج سلامة، وفعاليات، وأصدقاء الطائفة.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظةً أشار في بدايتها إلى الحدث التاريخي المفرح والهام المتمثّل باللقاء الذي تمّ في كوبا بين قداسة البابا فرنسيس وقداسة البطريرك كيريل، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وهو "لقاء أخوي تحلّى بالروح المسكونية المتواضعة، ليملأ قلوبنا وقلوب المسيحيين أجمع فرحاً ورجاءً".

ثمّ تناول غبطته سيرة حياة مار أفرام السرياني، ابن نصيبين، الشمّاس، الملفان أي المعلّم، الشاعر الشادي المريمي، رجل الروحانيات والإيمان والصوم والصلاة، "الملتزم بقضايا مدينته الأولى نصيبين والثانية الرها، المختبر آلام الحروب والتهجير والآفات المَرَضية، والمتكرّس للعناية بالمهجَّرين والغرباء والمهمَّشين، مجسّداً المحبّة الحقيقية التي لا تميّز، وباذلاً بسخاءٍ كلّ ما استطاع، ليخفّف من المعاناة التي تحمّلها الأبرياء، جرّاء شرور الظالمين".

وتابع غبطته بالقول: "ما أشبه اليومَ بالأمس!، نقولها والغصّة تعصر قلوبنا، عندما نجد أهلنا وأحبّاءنا في سوريا والعراق يُقتلَعون من أرض آبائهم وأجدادهم، ويهجَّرون قسراً في وطنهم وإلى بلاد الغربة القريبة منها والبعيدة. والجميع يعرفون أنّ لا ذنب لهم، ولأنّهم تميّزوا بالنزاهة في خدمة بلدهم، وبالمحبّة والإلفة تجاه جميع المواطنين، قريبين كانوا أم بعيدين، ومتجاوزين عقدة الإختلاف في الدين أو المذهب أو العصبيات المتناحرة... لقد اضطُهِدوا وأُهينوا وطُردوا لإيمانهم وتعلُّقهم بيسوع المعلّم والفادي".

وأشار غبطته إلى أنّه "لكي نتلمّس، وعشرات الآلاف من أهلنا وأحبّائنا النازحين قسراً من سوريا والعراق إلى لبنان، بصيصاً من الأمل في مستقبلٍ لهم، سعينا ولا نزال نسعى مع قداسة أخينا مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك السريان الأرثوذكس، كي نلقى إنصافاً في حضورنا وعيشنا كمواطنين كاملي الحقوق في لبنان. لذا، زرنا معاً المراجع الرسمية والسياسية، وتداولنا معهم في السعي لتمثيلنا في المجلس النيابي بنائبين سريانيين، أحدهما أرثوذكسي والآخر كاثوليكي، غير ساعين للمسّ بحقوق الطوائف الأخرى. نطالب بالحضور الفاعل والمنصف لنا في هذا الوطن، فنشجّع على بقاء المواطنين فيه يخدمونه بنزاهةٍ، وعلى الأمل لأهلنا النازحين من البلاد المجاورة، كي يجدوا في لبنان الملجأ الأمين".
وتطرّق غبطته إلى مسألة الفراغ الرئاسي في لبنان، مندّداً "بهذا الوضع الشاذّ والمخالف للمواثيق والقوانين والأعراف". ووجّه نداءً جريئاً: "فلنجتمع معاً، رعاةً كنسيين ونواباً مسيحيين، فنخرج بموقفٍ تاريخي موحَّد يثبّت الحضور المسيحي في هذا الشرق انطلاقاً من الرئاسة الأولى في لبنان، ما دام العالم بأسره عارفاً أنّ هذه الرئاسة هي استحقاقٌ مسيحي، وأنّ عيون مسيحيي شرقنا المعذَّب شاخصةٌ إلينا!".
وختم غبطته موعظته داعياً الجميع إلى التمثُّل "بقدّيسنا مار أفرام الذي عاش بكلّيّته للرب بفرحٍ دائمٍ"، شاكراً اللجنة المنظِّمة والجوق البطريركي والحركات الرسولية والأخويات، وتلفزيون تيلي لوميار ـ نورسات والمؤسّسة اللبنانية للإرسال "أل بي سي" ووسائل الإعلام.
وفي نهاية القداس، وبعد البركة الختامية، تقبّل غبطته التهاني بالعيد، يحيط به الأساقفة والكهنة.


موعظة عيد مار أفرام ـ 13 شباط 2016
ـ كلمات شكر لمعالي الوزير ميشال فرعون ممثّلاً دولة رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام، ودولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي.
ـ تحيّة وشكر لجميع المراجع الدينية والمدنية الحاضرين...

ـ في هذا الإحتفال بعيد مار أفرام شفيع كنيستنا السريانية، علينا أن نشكر  الرب الإله على النعمة التي أنعم علينا بها، باللقاء التاريخي الذي تمّ البارحة في كوبا، بين البابا فرنسيس والبطريرك كيريل، بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية... لقاء أخوي تحلّى بالروح المسكونية المتواضعة، ليملأ قلوبنا وقلوب المسيحيين أجمع فرحاً ورجاءً...
من هو مار أفرام؟
ـ ابن نصيبين، شمال بين النهرين، وُلد عام 306، تتلمذ على مار يعقوب النصيبيني، أسقف تلك المدينة القديس، وتهجّر مع سكّان نصيبين إلى الرها هرباً من الأعداء الذين احتلّوا مدينتهم. وفي الرها، تلك المدينة التي عرفت أولى المدارس، ساهم مار أفرام في التبحّر ونشر علوم ذلك الزمن بالرغم من معاناة التهجير والنفي القسري. نصيبين والرها (أورفا) الكائنتان على الحدود السورية والتركية، تشهدان اليوم نزاعاتٍ عنيفةً وأعمالاً إرهابيةً كما في العديد من المناطق السورية، تنشرُ القتل والدمار، ممّا جعل المواطنين يتقاذفهم الخوف ويعيشون شديدَ القلق إزاء المستقبل...
ـ بقي أفرامُ شمّاساً، أي خادماً، خادم البيعة وجماعة المؤمنين. كرّس نفسه للرب وأعمال الرحمة في البيعة والمجتمع، متجاوباً مع المواهب التي أنعم بها عليه الرب. شارك في الصلوات الجماعية والرتب الطقسية، وقمّتها ذبيحة القداس الإفخارستية. واختار حياة الزهد المكرَّسة بروحانية المشورات الإنجيلية، ورسالة الشهادة لأولوية الروح في مجتمعه المضطرب. فسار على خطى المعلّم الإلهي، رجل صلاةٍ وتأمُّلٍ وعملٍ، وطبع عصره ببصمات حياته ونسكه ومواهبه الفريدة.
ـ الملفان أي المعلّم، "كنّارة الروح القدس"، خلّد لنا تراثاً شعرياً، لاهوتياً وكتابياً، يُعتبَر مفخرةً لكنائسنا السريانية ولمشرقنا السرياني الآرامي. فكان مبدعاً في الطقسيات ومرتقياً على درجات الكمال بتأمّلاته الروحية العميقة، وشروحاته الكتابية الغنية معنىً ولغةً، سيّما في "الميامر والمداريش" التي أضحت إرثاً حضارياً بين العديد من كتابات الشعوب المتحضّرة حتّى عصرنا هذا.
لذلك سمّي ملفاناً أي معلّماً للكنيسة الجامعة، عندما رفعه البابا بنديكتوس الخامس عشر عام 1920، إلى رتبة ملافنة الكنيسة الجامعة. وتفخر كنيستنا السريانية بجناحيها الكاثوليكي والأرثوذكسي أن تتّخذ مار أفرام السرياني شفيعاً لها. كما أنّ جميع الكنائس الشرقية الشقيقة، تغرف الصلوات والأناشيد من الإرث الروحي والطقسي الذي خلّفه هذا القديس المتميّز...
ـ الشاعر الشادي المريمي، المولَّه بدور والدة الله في التدبير الخلاصي. "ܒܬܽܘܠܬܳܐ ܝܶܠܕܰܬ ܕܽܘܡܳܪܳܐ بثولتُو يِلدَت دومُورُو البتول التي ولدت عجباً"، كما ألهمَتْه قريحته الشعرية ليصف والدة الإله. إنّ انجذابه إلى التبحّر في سرّ مريم، حوّاء الثانية، شجّعه كي يُطلق فرقَ الأناشيد تمجيداً لله، وتكريماً لمريمَ التي حملت في أحشائها كلمة الله المتأنّس. ويحق لنا القول إنّ مار أفرام قد دخل التاريخ في بُعديه الروحي والمدني، لإعطائه المرأة كرامتها الإنسانية في الكنيسة والمجتمع.  فهو أوّل من أنشأ الجوقة الكنسية من بين العذارى، اللواتي رحنَ ينشدنَ الصلوات بألحانٍ شعبيةٍ تتميّز بالسهولة والعذوبة. وهي تلك الأناشيد التي لا نزال نردّدها بإعجابٍ إلى يومنا هذا. وقد اشتهر بأشعاره وترانيمه التي هدفت إلى شرح السرّ الخفي منذ الدهور، سرّ كلمة الله المتأنّس من مريمَ العذراء بقوّة الروح القدس، الذي بعظمة محبّته أضحى فادياً لجميع البشر، ومصالحاً البشرية مع خالقها.
ـ مِن أفرام نستطيع أن نتعلّم معنى الإيمان الملتزم. فهو لم يكتفِ بعيش التكرّس للملكوت، مختلياً إلى الصلاة والصوم وممارسات التقشّف فحسب، ولم يرضَ أن يؤلّف الأشعار ويتعمّق في شروحات الكتاب المقدّس ويشرح الأسرار الخلاصية، ليتباهى بغزارة علمه وتفوّقه، بل قرنَ القول بالفعل وجمعَ بين التقوى والتسامي بالفضيلة وبين العمل الرسولي والإنفتاح على قضايا شعبه والمشاركة في معاناة أهل مدينته. فكان "الشمّاس" أي الخادم للبيعة وللمجتمع. لقد تبع معلّمه الإلهي وفاديه يسوعَ الذي دعاه ليشاركه في سرّ خلاص الإنسان، كلّ الإنسان، نفساً وروحاً وجسداً. 
ـ من سيرة حياة هذا القدّيس الذي التزم بقضايا مدينته الأولى نصيبين والثانية الرها، نتعلّم الكثير. فهو يعطينا المثل في اختباره آلام الحروب والتهجير والآفات المَرَضية، فتكرّس للعناية بالمهجَّرين والغرباء والمهمَّشين، مجسّداً المحبّة الحقيقية التي لا تميّز، وباذلاً بسخاءٍ كلّ ما استطاع، ليخفّف من المعاناة التي تحمّلها الأبرياء، جرّاء شرور الظالمين...
ـ وما أشبه اليومَ بالأمس!، نقولها والغصّة تعصر قلوبنا، عندما نجد أهلنا وأحبّاءنا في سوريا والعراق يُقتلَعون من أرض آبائهم وأجدادهم، ويهجَّرون قسراً في وطنهم وإلى بلاد الغربة القريبة منها والبعيدة. والجميع يعرفون أنّ لا ذنب لهم، ولأنّهم تميّزوا بالنزاهة في خدمة بلدهم، وبالمحبّة والإلفة تجاه جميع المواطنين، قريبين كانوا أم بعيدين، ومتجاوزين عقدة الإختلاف في الدين أو المذهب أو العصبيات المتناحرة... لقد اضطُهِدوا وأُهينوا وطُردوا لإيمانهم وتعلُّقهم بيسوع المعلّم والفادي.
ـ ولكي نتلمّس وعشرات الآلاف من النازحين قسراً من مناطق عديدة في سوريا والعراق بصيصاً من الأمل في مستقبلٍ لهم، سعينا ولا نزال نسعى مع قداسة أخينا مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية للسريان الأرثوذكس في العالم، كي نلقى إنصافاً في حضورنا وعيشنا كمواطنين كاملي الحقوق هنا في لبناننا العزيز. لذا، وبالمشاركة مع قداسته، حظينا بزيارة مراجع كريمة من القيّمين على شؤون لبنان، وتداولنا معهم في السعي لتمثيلنا في المجلس النيابي بنائبين سريانيين، أحدهما أرثوذكسي والثاني كاثوليكي. إنّ مسعانا هذا لا يتوخّى طلباً لامتيازاتٍ ولا مسّاً بحقوق غيرنا من الطوائف. نطالب بالحضور الفاعل والمنصف لنا في هذا الوطن، فنشجّع على بقاء المواطنين فيه يخدمونه بنزاهةٍ، وعلى فسحة أملٍ لأهلنا النازحين من البلاد المجاورة، كي يجدوا في لبناننا الحبيب ذاك الوجه الحضاري، وذاك الملجأ الأمين للمشرَّدين.
ـ وقد تبدو مطالبتنا هذه قليلة الأهمية نظراً لأجواء التوتّر بل العواصف التي يعرفها لبنان بسبب تغييب مؤسّساته، سيّما الفراغ في الكرسي الرئاسي. وهنا نتساءل: هل تكفي الأقوال المندِّدة والتصاريح والتمنّيات..! ألا يحقّ للمواطنين في لبنان أن يتساءلوا عن كيفية معالجة هذا الوضع الشاذّ المتمثّل في شغور الرئاسة الأولى، خلافاً للمواثيق وامتهاناً لجميع الشرفاء المخلصين؟ لقد سعى ولا يزال صاحب الغبطة والنيافة أخونا البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي مستصرخاً ضمائر ممثّلي الشعب في المجلس النيابي، ولكن دون جدوى! لمَ لا نجتمع معاً، رعاةً كنسيين ونواباً مسيحيين، فنخرج بموقفٍ تاريخي موحَّد يثبّت الحضور المسيحي في هذا الشرق انطلاقاً من الرئاسة الأولى في لبنان، ما دام العالم بأسره عارفاً أنّ هذه الرئاسة هي استحقاقٌ مسيحي، وأنّ عيون مسيحيي شرقنا المعذَّب شاخصةٌ إلينا!
ـ ختاماً، فَلْنتمثَّلْ بقدّيسنا مار أفرام، الذي عاش بكلّيّته للرب بفرحٍ دائمٍ، إذ يقول: "ܡܶܢ ܛܰܠܝܽܘܬܝ ܠܣܰܝܒܽܘܬܝ ܢܺܝܪܳܟ ܫܶܩܠܶܬ ܡܳܪܝ. ܘܦܶܠܚܶܬ ܕܠܳܐ ܩܽܘܛܳܥ ܟܽܠܝܽܘܡ ܚܳܕܝܳܐܺܝܬ ܥܕܰܡܳܐ ܠܫܽܘܠܳܡܳܐ، وترجمته: منذ صباي حتّى شيخوختي حملتُ نيرك يا رب. وعملتُ دون هوادةٍ، كلّ يومٍ بفرحٍ، حتّى النهاية".
عيد مبارك على الجميع، مع الشكر للجنة المنظِّمة والجوق والحركات الكشفية، وتلفزيون تيلي لوميار ـ نورسات ووسائل الإعلام.



93
دعوة لتغطية موعظة غبطة بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بخصوص الأوضاع العامة في لبنان والشرق، في مناسبة عيد مار أفرام السرياني شفيع الطائفة السريانية


94
إجتماع لجنة الحوار اللاهوتي المشتركة
بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية
القاهرة – مصر 2016

عقدت لجنة الحوار اللاهوتي المشتركة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية اجتماعها الثالث عشر في القاهرة ـ مصر، من 30 كانون الثاني إلى 6 شباط  2016، بضيافة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في مركز مار مرقس بمدينة نصر. وقد ترأس الحوار كلٌّ من رئيسي اللجنة، الكردينال كورت كوخ رئيس المجلس الحبري لوحدة المسيحيين عن الجانب الكاثوليكي، والأنبا بيشوي للأقباط الأرثوذكس عن الجانب الأرثوذكسي. وكان موضوع الحوار لهذه الدورة أسرار التنشئة، مع التركيز على العماد كمركز وأساس للإنتماء المسيحي في جميع الكنائس، اعتماداً على نصوص العهد الجديد وآباء الكنيسة وتقليدها الدائم منذ عهد الرسل. وقد قدّم الطرفان دراساتٍ وافيةً في هذا الإتّجاه، واتّفق المشتركون على تعميق البحث في هذا الموضوع لصلته الأساسية بمفهوم الكنيسة والعودة إلى مضامين وحدتها العضوية. وتمّ الإتّفاق على موضوع "الأوخارستيا"، أي القربان المقدس والقداس في مختلف الكنائس، ليكون محور الحوار في لقاء العام القادم في روما، في الأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني 2017. وقد ساد جوٌّ من المودّة والروحانية اجتماعات اللجنة.
والجدير بالذكر أنّ اللجنة تتكوّن من وفدين من 30 عضواً، يمثّلان: الأسرة الكاثوليكية (15 عضواً)، ويضمّ لاهوتيين من الكنيسة اللاتينية والكنائس الكاثوليكية الشرقية، وهي الكنيسة السريانية الأنطاكية الكاثوليكية، والكنيسة المارونية، وكنيسة السريان الملنكار الكاثوليك في الهند، والأرمنية الكاثوليكية، والأقباط الكاثوليك، والأحباش الكاثوليك؛ والأسرة الأرثوذكسية الشرقية (15 عضواً)، ويضم لاهوتيين من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والسريانية الأنطاكية الأرثوذكسية، وكنيسة السريان الملنكار الأرثوذكس في الهند، والأرمنية الأرثوذكسية (أتشميازين وكيليكيا)، والحبشية الأرثوذكسية، والأريتيرية الأرثوذكسية. ويرأس وفد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في هذه اللجنة الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ والبراري بمصر، ويمثّل كنيسة السريان الأرثوذكس الأنطاكية المطران مار ثيوفيلوس جورج صليبا متروبوليت جبل لبنان وسكرتير المجمع المقدس. كما يمثّل كنيسة السريان الكاثوليك الأنطاكية المطران مار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي وسكرتير المجمع المقدس والزائر الرسولي على أوروبا، والكنيسة المارونية المطران بولس روحانا النائب البطريركي على نيابة صربا ـ لبنان، والمطران بطرس مراياتي عن الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية.
هذا، وكانت اللجنة قد استهلّت نشاطها بزيارةٍ هامّةٍ، يوم الأحد 31 كانون الثاني، إلى قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون، شمالي القاهرة. وقد استقبل قداسته اللجنة المشتركة بكثيرٍ من الحرارة والتقدير والتشجيع في المقرّ البطريركي الجديد الذي يضمّ قاعةً جديدةً للسينودس المقدس وكنيسةً ومركزاً للحوارات المسكونية واللقاءات والمؤتمرات وجناحاً للأساقفة إبّان اجتماعاتهم. كما زار أعضاء اللجنة كنيسة الدير التاريخي القديم الشبيهة كثيراً بهندسة كنيسة دير مار بهنام الشهيد في العراق، وتبرّكوا بزيارة ضريح المتنيّح المثلّث الرحمات البابا شنودة الثالث، الذي كان محاطاً برهطٍ كبيرٍ من المؤمنين القادمين لزيارة الدير والضريح.     

   


95
بيان
البطريرك يونان: الحضور المسيحي في الشرق مهدَّد بالزوال
اعتبر غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي أنّ "كابوس" المسيحيين في سوريا والعراق هو أن "تصبح بلادهم خالية من أيّ وجودٍ مسيحي"، مستنكراً "لا مبالاة" الغرب، مجدّداً الدعوة إلى "انتخاب رئيسٍ للبنان في أسرع وقت".

كلام البطريرك يونان جاء خلال لقائه بـ 25 سفيراً وديبلوماسياً أوروبياً في مقرّ البعثة الأوروبية بروما، حيث تحدّث عن الأوضاع العصيبة في سوريا والعراق، وتداعياتها السلبية على الحضور المسيحي في هذين البلدين وفي الشرق عامّةً.
وأشار يونان إلى أنّ "في سوريا انخفض عدد المسيحيين بشكلٍ كبير، في الخمسينيات كان المسيحيون يشكّلون نحو 19 في المئة من السكان، أمّا اليوم فهم بالكاد 5 في المئة". واستذكر المدن المسيحية في العراق على غرار قره قوش في محافظة نينوى التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وكانت مدينة سريانية بغالبيتها العظمى حتى آب 2014.
وأكّد يونان على "ضرورة تعزيز العيش المشترك بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، مشدّداً على أولوية انتخاب رئيسٍ للبنان بأسرع وقتٍ ممكن"، مشيراً إلى أنّ "لبنان سيبقى بلداً للجميع". كما ركّز على "ضرورة بذل الجهود لإحلال السلام والأمان في الشرق وبخاصة سوريا والعراق، سيّما إثر الأعمال الإرهابية والتكفيرية التي تقوم بها داعش ومثيلاتها من المجموعات الإرهابية".
وشدّد يونان على "أهمية الدفاع عن وحدة الوطن، أرضاً وشعباً، في كلٍّ من سوريا والعراق، في ظلّ ما يتعرّض له البلدان من حروبٍ ونزاعاتٍ، كانت آخرها التفجيرات الإرهابية في القامشلي، غير ناسٍ ما حدث سابقاً من تهجيرٍ واقتلاعٍ لأبناء شعبنا من الموصل وسهل نينوى عام 2014، وما جرى ويجري في قرى الخابور بالجزيرة السورية، وفي حلب وصدد والقريتين بحمص".
وكان يونان عقد مؤتمراً صحافياً في روما، تناول فيه الوضع الراهن لمسيحيي الشرق وآفاق المستقبل. وألقى محاضرةً في نابولي عن اضطهاد مسيحيي الشرق وهو بمثابة "مؤامرة شرسة يدفعون ثمنها باهظاً، وبخاصة بالهجرة التي تهدّد حضورهم بالزوال"، وذلك بدعوةٍ من مطرانية نابولي الكاثوليكية ومنظّمة "عون الكنيسة المتألّمة".



96
كاظم حبيب
هل احتوى الفساد جميع المنظمات الدولية؟
تواجه شعوب العالم انتشاراً واسعاً لظاهرة الفساد المالي في بلدانها، كما تشير إلى ذلك منظمة الشفافية العالمية، بحيث لم يبق سوى عدداً ضئيلاً من الدول التي ينعدم فيها الفساد تقريباً، كالدانمرك ونيوزيلندا وفنلندا والسويد والنرويج، في حين يشتد الفساد في الكثير من الدول النامية، ومنها منطقة الشرق الأوسط.  وقد احتل العراق في أعوام 2013 - 2015 مواقع 170 و171 من مجموع 172 و177 دولة جرى فيها البحث عن الفساد، ولم يأت بعد العراق في حجم وكثافة وسعة انتشار الفساد سوى دول مثل جنوب السودان والسودان وأفغانستان وجيبوتي. ولكن الفساد لم يبق في إطار تلك الدول، بل شمل، ومنذ سنوات كثيرة، المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، ومنها منظمة فيفا، المختصة بشؤون السباقات الأولمبية على الصعيد العالمي والإقليمي وكرة القدم. وتابع العالم باهتمام بالغ فساد الهيئات التي عملت في لجان "النفط مقابل الغذاء الدولية"، الذي أخل بمصالح الشعب العراقي عموما، وأطفاله ومرضاه بشكل خاص. واكتشف إن توزيع سباقات كرة القدم، التي تتم كل أربع سنوات، على الدول، كان يتم بدفع أموال طائلة من جانب الدول الراغبة في أن تقام تلك السباقات في بلدها ولصالح العاملين في قيادة الـ "فيفا". ولا بد من التحرى عن مدى انتشار الفساد إلى مواقع دولية أخرى تصل إليها مبالغ طائلة نتيجة نشاطاتها الخيرية مثلاً.
فوجئ العالم عام 2015 بحدثين تتحمل الجهات المختصة دولياً وإقليمياً الكشف عما وراء الحدثين بصورة دقيقة وموضوعية، لقد 1) تم اختيار العراق لعضوية "مجلس حكماء الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد" واحتلال الدكتور حسن الياسري، رئيس لجنة النزاهة بالعراق، هذا المنصب، ثم تم اختياره نائباً لرئيس المؤتمر الأول للدول الأطراف في الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد. 2) تم اختيار المملكة السعودية في عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، ورئيساً للجنة الخبراء المستقلين في هذا المجلس، وتعيين السفير السعودي فيصل بن حسن طراد بهذا المنصب.
هل يستقيم اختيار هذين البلدين مع ما يجري في هذين البلدين من فساد واسع وانتهاك كامل لحقوق الإنسان؟
العراق والفساد المالي والإداري: شمل الفساد بالعراق الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومؤسساتها الإعلامية، ومختلف الهيئات التي تشكلت بالعراق، سواء التي سميت مستقلة، أم غيرها. وقدرت مبالغ الفساد بمئات المليارات من الدولارات الأمريكية، بحيث أجبرت حتى المرجعيات الدينية، التي زكت تلك الأحزاب الإسلامية السياسية المسؤولة عن ذلك الفساد وأوصلتها للحكم، والحكومات التي ترأستها، والوزراء الذين تقلدوا المناصب على امتداد السنوات التي أعقبت إسقاط الدكتاتورية بالعراق، أن تتحدث عن الفساد، وتطالب بمكافحته وإدانة القائمين به. ولكن كل الدلائل تشير إلى إن هيأة النزاهة العراقية لم تمارس مهمتها على الوجه المطلوب حتى الآن بدليل وجود جمهرة الفاسدين الأساسيين، أو الذين سهلوا انتشار الفساد على جميع المستويات والمجالات، ما زالوا أحراراً يمارسون أعمالهم كما في السابق، أو احتلوا مواقع أخرى، ولم يكفوا عن دورهم، كما لا يزال هؤلاء يتصرفون كحكام بالبلاد. إن هيأة النزاهة، التي يتحدث رئيسها عبر شاشة التلفزيون عما فعله، بعيدة كل البعد عما ينبغي لها أن تمارسه ضد الفساد والفاسدين، حيث تبتلع أموال العراق في كل مكان دون استثناء، حتى أصبحت الخزينة خاوية، والناس لا تتسلم رواتبها. إن مطالبة المنظمات الدولية بمساعدة العراق باسترداد ما نهب منه أمر جيد، ولكنه غير كاف، فاللصوص يعيشون ببغداد، ويحتلون مناصب حكومية، واشتروا قصوراً شامخةً، وحساباتهم بالخارج تدمي قلوب الشعب العراقي. والسؤال هو: هل يستحق العراق ورئيس لجنة النزاهة، ولست المسألة هنا شخصية، أن يحتل عضوية حكماء الأكاديمية، والعراق يعج بالفساد التام؟ وكيف تم ذلك؟
المملكة السعودية وحقوق الإنسان: ليس هناك من عاقل بهذا العالم الواسع لا يعرف بأن السعودية، كدولة، وحكومة، وعائلة مالكة، ومسؤولين، وأجهزة أمنية، وشرطة، وجيش، ومجلس شورى، وشيوخ دين مسؤولين عن الفتاوى الدينية، هي العدو الأول الفعلي لحقوق الإنسان، ولجميع المواثيق والعهود الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وعن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وعن مؤتمراتها الدولية العديدة، وأنها تنتهك يومياً حقوق الإنسان وتزج بأصحاب الرأي الآخر في السجون، وتسلط عليهم شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي "الإسلامي"، كالجلد وقطع اليد وقطع الرأس. كما تنتهك يومياً حقوق المرأة والطفل. وليس هناك من دولة في العالم بعد الصين، التي أصدرت أحكاماً بالإعدام ونفذتها فعلاً مثل السعودية، سوى إيران والعراق بالنسبة لعام 2014، في وقت ارتفع عدد الدول التي ألغت حكم الإعدام من قوانينها إلى نصف مجموع دول العالم. ويقبع ، على سبيل المثال لا الحصر، الناشط والكاتب المدني السعودي رائف بدوي، في سجون السعودية، بعد أن حكم عليه بـ 1000 جلدة، وعشر سنوات حبس، لأنه تجرأ ودعا إلى مبادئ حقوق الإنسان، وإلغاء لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تمارس إذلال النساء والرجال بالسعودية يومياً، وتدوس على كرامتهم وحقوقهم الشخصية. فهل بعد هذا وكثير غيره، تستحق السعودية أن يكون ممثلها رئيساً للجنة الخبراء المستقلين في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة؟ وكيف تم ذلك؟ ألا ينبغي لنا أن نتساءل ونطالب بالجواب؟ 

97
الرقم: 2/أس/2016
التاريخ: 7/1/2016
بيان صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية ـ بيروت
قداسة البابا فرنسيس يسمّي الأب أنطوان جريس ناصيف مطراناً
أكسرخوساً رسولياً على الأكسرخوسية الرسولية للسريان الكاثوليك في كندا

ظهر يوم الخميس 7 كانون الثاني 2016، أعلن راديو الفاتيكان أنّ قداسة البابا فرنسيس أنشأ أكسرخوسية رسولية جديدة لكنيسة السريان الكاثوليك في كندا، بعد أن كانت كندا من ضمن رقعة أبرشية سيّدة النجاة التي كانت تشمل الولايات المتحدة وكندا. وجعل قداسته مقرّ الأكسرخوسية الجديدة في مونتريال ـ كيبك، وسمّى قداسته الأب أنطوان جريس ناصيف مطراناً أكسرخوساً رسولياً على هذه الاكسرخوسية الرسولية في كندا. وكان سينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية المنعقد في روما من 8 إلى 10/12/2014 قد قدّم إلى الكرسي الرسولي طلباً باستحداث أبرشية للسريان الكاثوليك في كندا، وتسمية الأب أنطوان ناصيف مطراناً عليها.
والأكسرخوس ـ المطران الجديد أنطوان ناصيف هو من مواليد بياقوت ـ المتن ـ لبنان في 21/2/1969، سيم كاهناً عام 1992 بوضع يد المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثاني حايك، شغل أخيراً منصب رئيس إكليريكية دير سيّدة النجاة ـ الشرفة، درعون ـ حريصا ـ لبنان منذ عام 2008 حتى عام 2014، ثمّ غادر إلى روما لمتابعة دراسته ونيل شهادة الدكتوراه في العلوم الليتورجية في المعهد الشرقي الحبري. وكان قد شغل سابقاً منصب كاهن رعية مار أنطونيوس ـ جونيه، وقبلها رعية مار بهنام وسارة ـ الفنار، كما كان مديراً لمدرسة دير الشرفة في درعون ـ حريصا، وهو يجيد اللغات السريانية والعربية والفرنسية والإنكليزية والإيطالية.
هذا وقد هنّأ غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي الكلّي الطوبى، الأب أنطوان ناصيف بهذا التعيين، واتّخذ الإسم الأبوي "مار بولس"، وحدّد غبطته موعد رسامته الأسقفية في تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم السبت 23 كانون الثاني الجاري 2016، في كاتدرائية سيّدة البشارة للسريان الكاثوليك، المتحف ـ بيروت ـ لبنان.
ألف مبروك للمطران الجديد مار بولس أنطوان ناصيف الأكسرخوس الرسولي للسريان الكاثوليك في كندا، مع الدعاء له بخدمة صالحة ورسالة مثمرة لما فيه خير الكنيسة في كندا.

  السيرة الذاتيّة للمطران مار بولس أنطوان ناصيف
 
ولد بتاريخ 21 شباط 1969 في بلدة بياقوت – المتن (لبنان)، والده المرحوم جريس نعمة الله ناصيف ووالدته أنطوانيت يوسف بيلوني.
قبل سرّي العماد والتثبيت في 21 آذار 1969 في كنيسة سيدة النجاة – بياقوت.
تلقّى علومه الإبتدائيّة والتكميليّة في مدرسة السان جورج – الزلقا، حيث احتفل بالمناولة الأولى في سنّ الثامنة من عمره، وأكمل دراسته الثانوية في ثانوية السان جورج – الزلقا، وثانوية جل الديب الرسمية، فنال شهادة البكالوريا في الرياضيات سنة 1986.
تعلّق بكنيسته الرعوية في بياقوت، وكان عضواً فاعلاً ومؤسّساً في الحركة الرسولية المريمية وفي جوقة التراتيل، فأحسّ بالميل إلى الحياة الكهنوتية والخدمة الرعوية.
دخل إكليريكية دير سيّدة النجاة ـ الشرفة في درعون – حريصا في الأوّل من تشرين الأوّل 1987، ونال الدرجات الكهنوتية الصغرى، وسيم شمّاساً في الإكليريكية المذكورة، وفي 26 تموز 1992 رُقّي إلى الدرجة الكهنوتية بوضع يد المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثاني حايك، بعد أن أكمل دراسة الفلسفة واللاهوت في جامعة الروح القدس – الكسليك.
عُيّن مساعداً لرئيس دير الشرفة في إدارة الإكليريكية الكبرى ومدرسة الشرفة مدة خمس سنوات، وسنة 1997 عيّنه البطريرك أنطون حايك أميناً للسرّ في البطريركية.
غادر إلى إيطاليا وعاش سنة اختبار في الحياة الرهبانية الفرنسيسكانية، ومع انتخاب المثلّث الرحمات الكردينال موسى داود بطريركاً عام 1998 عاد إلى لبنان، فشغل منصب أمين السرّ في البطريركية لفترة وجيزة، ثمّ خادماً لرعية مار بهنام – الفنار، حيث أسّس "شبيبة مار بهنام"، ونال الدبلوم في العلوم الليتورجية من جامعة الروح القدس – الكسليك، وكان خلال هذه الفترة يتابع أيضاً دراسة علم النفس في الجامعة اللبنانية في الفنار، كما عمل في المحكمة الكنسية للسريان الكاثوليك في بيروت بصفة مسجّلٍ ثم قاضٍ مساعد.
انتقل في العام 2001 إلى خدمة رعية مار أنطونيوس الكبير – جونية، كما عُيِّن في الوقت نفسه مديراً لمدرسة الشرفة في درعون – حريصا، وفي العام 2008 عُيّن رئيساً لإكليريكية دير الشرفة الكبرى مع الإستمرار في إدارة مدرسة دير الشرفة.
سنة 2014 غادر إلى روما بعد حصل على منحة دراسية من المجمع الشرقي لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم الليتورجيّة في المعهد الشرقي الحبري، وهو في صدد إعداد أطروحته بعنوان: "بواعيت مار يعقوب في بيتكاز الشيخ".
رفع سينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية المنعقد في روما من 8 إلى 10/12/2014 طلباً إلى قداسة البابا فرنسيس يقضي باستحداث أبرشية للسريان الكاثوليك في كندا، بعد أن كانت جزءاً من أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة وكندا، وبتسمية الأب أنطوان ناصيف مطراناً عليها.
وفي 7 كانون الثاني 2016 عيّن قداسة البابا فرنسيس وسمّى الأب أنطوان ناصيف مطراناً أكسرخوساً رسولياً للسريان الكاثوليك في كندا.
 
المؤهّلات العلمية
1992 : إجازة في اللاهوت – جامعة الروح القدس - الكسليك
1997: إجازة في العلوم الليتورجية – جامعة الروح القدس - الكسليك
1999: دراسة جامعية في علم النفس – الجامعة اللبنانية - الفنار
2008: دبلوم دراسات معمّقة في الليتورجية – جامعة الروح القدس - الكسليك
2014: طالب دكتوراه في العلوم الليتورجية – المعهد الشرقي، روما
 
اللغات التي يتقنها
-       السريانية، العربية، الفرنسية، الإنكليزيّة، والإيطالية.
 
المهارات
-       معرفة متقدّمة في الفنون الموسيقية، مع مهارة العزف على آلة الكمان، نالها من الكونسرفاتوار الوطني اللبناني ومن مدرسة الموسيقى في جامعة الروح القدس - الكسليك.
-      معرفة متقدّمة في البرامج المعلوماتيّة، نالها من دورات عديدة في شركة "Bull" الفرنسية.
 
نشاطات روحية وثقافية
-       شارك في مؤتمرات عديدة في جامعة اللويزة وجامعة الروح القدس- الكسليك وفي المعهد السرياني "سيري" في الهند، وله مقالات نُشرت في أعمال المؤتمرات وفي منشورات ومجلات أخرى.
-       أعدّ مؤتمراً في دير الشرفة بعنوان "الكتاب المقدّس في الكنيسة السريانية" في سنة 2012 التي أعلنها البابا سنة الكتاب المقدّس، واختار محاضرين متخصّصين، وشارك في إلقاء المحاضرات.
-       شارك في دورات تدريبية عديدة لأساتذة ومدراء المدارس.
-       عُيّن مندوباً لمدارس الكنيسة السريانية الكاثوليكية لدى الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان.
-       كان مرشدًا لحركة مار شربل في درعون – حريصا لفترات طويلة.
-       عُيّن عضواً في اللجنة الأسقفية للشؤون الليتورجية التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وذلك من سنة 2000 حتى 2008.
-       عضو اللجنة الطقسية واللجنة الموسيقية في الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية.
-       عضو لجنة إعداد احتفالات تطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي.
 
السيامة الأسقفية
في 23 كانون الثاني 2016 في كاتدرائية سيّدة البشارة للسريان الكاثوليك، المتحف- بيروت، بوضع يد غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك أنطاكية للسريان الكاثوليك الكلّي الطوبى.
اختار المطران الجديد شعار "المحبة تحتمل كلّ شيء"، واتخذ "مار بولس" شفيعاً له.


98


الرقم: 1/أس/2016
التاريخ: 4/1/2016

بيان إعلامي من أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
البطريرك يونان يستقبل السفير الإيراني في لبنان محمّد فتحعلي

أكّد صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، خلال استقباله سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان محمّد فتحعلي، في مقرّ الكرسي البطريركي، المتحف ـ بيروت، صباح يوم الإثنين 4 كانون الثاني 2016، على ضرورة تعزيز العيش المشترك بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، مشدّداً على أولوية انتخاب رئيسٍ للجمهورية اللبنانية في أسرع وقتٍ ممكنٍ، طالباً مؤازرة إيران في هذا الأمر الأساسي والحيوي. كما ركّز على بذل الجهود لإحلال السلام والأمان في الشرق الأوسط وبخاصة سوريا والعراق، سيّما إثر الأعمال الإرهابية والتكفيرية التي تقوم بها داعش ومثيلاتها من المجموعات الإرهابية، منوّهاً بالدور الإيجابي الذي تلعبه إيران في سبيل تدعيم التقارب والتفاهم والألفة بين مختلف المكوّنات في لبنان والشرق الأوسط، مشيراً إلى أنّ لبنان سيبقى بلداً للجميع.
وحيّا البطريرك يونان جهود إيران في الوقوف إلى جانب المكوّنات الصغيرة والمستضعَفة، ذاكراً بالثناء الزيارة التي قام بها المرشد الأعلى الإيراني السيّد علي خامنئي، إلى عائلاتٍ مسيحيةٍ بمناسبة الأعياد. كما قدّر غبطته عالياً دور إيران في دفاعها عن وحدة الوطن، أرضاً وشعباً، في كلٍّ من سوريا والعراق، في ظلّ ما يتعرّض له هذان البلدان من حروبٍ ونزاعاتٍ، كان آخرها التفجير الإرهابي في القامشلي الأسبوع الماضي، غير ناسٍ ما حدث سابقاً من تهجيرٍ واقتلاعٍ لأبناء شعبنا من الموصل وسهل نينوى عام 2014، وما جرى ويجري في قرى الخابور بالجزيرة السورية، وفي حلب وصدد والقريتين بحمص، داعياً أن يحلّ الله أمنه وسلامه في الشرق الأوسط والعالم مع مطلع العام الجديد.
من جهته، شكر السفير فتحعلي غبطتَه على ما عبّر عنه من مواقف جاءت مطابقةً لحقيقة الوضع في لبنان والمنطقة، مؤكّداً أنّ إيران تكنّ كلّ التقدير للمسيحيين، وتقف سدّاً منيعاً بوجه أعمال المجموعات الإرهابية والتكفيرية التي تعيث في المنطقة دماراً وقتلاً وتشريداً، داعياً أن يعمّ الأمان والسلام في لبنان والمنطقة.

99
بيان صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الانطاكية
عامٌ أسود يُوَدَّع بالدموع وأملٌ في عامٍ جديد
إثر التفجير في مدينة القامشلي في الجزيرة السورية، ليل الأربعاء 30/12/2015، استنكر صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، هذا العمل الإجرامي والإرهابي المشين، وقال:
"كنّا ننتظر أن نودِّع عام 2015 ببسمةٍ ورجاءٍ نستقبل بهما عاماً جديداً نرجوه للخير والبركة والسلام والأمان، إلا أنّ يد الغدر والإرهاب والعنف والتكفير أبت إلا أن تهدينا تلك الهدية المشؤومة بتفجيرٍ إرهابي يندى له جبين الإنسانية في مدينة القامشلي الحبيبة. وفيما كنّا نستمدّ العزاء من ربّنا الرحوم في سنة الرحمة هذه، والأمل والرجاء بأنّه سيرحم أهلنا في سوريا والعراق والشرق، ليحلّ العام الجديد عليهم بالسلام والأمان، نرى الكثير من المواطنين السوريين الأبرياء، من سريان وأرمن وسواهم، يسقطون ضحية أولئك الوحوش البرابرة، وهم آمنون ومتمسّكون بالوجود والبقاء على أرض الوطن، باذلين كلّ غالٍ ونفيس كي تبقى سوريا حرّةً أبيّةً، فيهنأ لهم العيش فيها مع إخوتهم في الوطن من سائر المكوّنات والطوائف. وهذا يذكّرنا بمئوية الإبادة "سيفو ـ السوقيّات" التي عانى من هولها آباؤنا وأجدادنا.
إنّنا نسنتكر هذه المجزرة بأشدّ الكلمات والعبارات، ونتوجّه إلى أولئك المجرمين ومن يقف وراءهم قائلين: لن تستطيعوا اقتلاعنا من أرض الآباء والأجداد، ولن تقدروا أن تنالوا من عزيمتنا أو أن تُفقِدونا رجاءنا بالمسيح يسوع ربّنا ومخلّصنا.
كما نستصرخ ضمائر الحكّام وذوي النيّات الحسنة وأصحاب القرار في عالم النفاق هذا، ونطالبهم أن ينصروا العدل والحق، ويبذلوا كلّ الجهود الممكنة لإحلال الأمان والسلام والطمأنينة في شرقنا.
وفيما نسأله تعالى أن يتقبّل أرواح شهدائنا الأبرار في ملكوته السماوي، كما تقبّل شهداء أطفال بيت لحم الأبرياء غداة ميلاده، نضرع إليه تعالى أن يمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل والتام، وأن يمنح القلوب المفجوعة، من أهل ومحبّين، الصبر والعزاء. وليكن ذكرهم مؤبَّداً".
هذا وقد ترأس غبطته مع بطريرك الأرمن الكاثوليك كريكور بيدروس العشرين كبرويان، الجنّاز الذي أقيم راحةً لنفوسهم في بطريركية الأرمن الكاثوليك، بيروت.


غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يشارك في صلاة الجنّاز لراحة لنفوس شهداء التفجير الإرهابي الذي وقع في مدينة القامشلي السورية
ظهر يوم الخميس 31 كانون الأول 2015، لبّى غبطةُ أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلي الطوبى، دعوةَ غبطةِ أخيه كريكور بيدروس العشرين كبرويان بطريرك الأرمن الكاثوليك، حيث ترأس صاحبا الغبطة صلاة الجنّاز التي أقيمت راحةً لنفوس شهداء التفجير الإرهابي الذي وقع في مدينة القامشلي في الجزيرة السورية، ليل الأربعاء 30/12/2015، وأودى بحياة مواطنين سوريين أبرياء من سريان وأرمن وسواهم.
أقيمت صلاة الجنّاز في ختام القداس الإلهي الذي قدّمه سيادة المطران جورج أسادوريان المعاون البطريركي للأرمن الأكاثوليك، في كنيسة بطريركية الأرمن الكاثوليك في الأشرفية ـ بيروت، بحضور ومشاركة صاحبي الغبطة البطريركين السرياني والأرمني، وعدد من المطارنة من مختلف الطوائف، والآباء الكهنة وجمع من المؤمنين ومن بينهم بعض ذوي الشهداء وأقربائهم ومحبيهم.
وقد رافق غبطةَ أبينا البطريرك للمشاركة بهذه المناسبة الأليمة، صاحبا السيادة المطرانان مار ربولا أنطوان بيلوني، ومار فلابيانوس يوسف ملكي، والأب حبيب مراد أمين سرّ البطريركية.

وبعد أن تلا صاحب النيافة مار ثيوفيلوس جورج صليبا، مطران جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس، الإنجيل المقدّس عن حبّة الحنطة، ارتجل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، موعظة بليغة ومؤثّرة بالمناسبة، أبرز ما جاء فيها:

"نجتمع معاً اليوم لنصلّي ونتشارك المواساة بهذا المصاب الأليم، فنحن، وكما يقول قداسة البابا فرنسيس، نشترك في مسكونية الدم. نصلّي كي ينهي الرب هذه المأساة: كفى هذا الإرهاب، كفى!.
كلّنا كنّا ننتظر أن نودِّع هذه السنة 2015 ببسمةٍ وبالرجاء باستقبال عامٍ جديدٍ يكون أفضل ممّا سبقه من أعوام، لكنّ قلوبنا امتلأت حزناً لما جرى ويجري من مآسٍ وحروبٍ واضطهاداتٍ في سوريا والعراق.
كنّا نتمنّى ونتلقّى التعزية والتأكيد من لدن الرب في هذه سنة الرحمة، أنه تعالى سيرحمنا ويرحم أهلنا الذين يعانون في هذين البلدين، وسيحعل من العام الجديد 2016 عام سلامٍ وأمان.
ولكن كما يبدو إنّ درب الآلام لا يزال طويلاً، وإنّ من يريد أن يقتلعنا من أرضنا لا يزال يريد متابعة أعمال الإبادة التي عرفها آباؤنا وأجدادنا، "سيفو ـ السوقيات"، والتي أحيينا ذكراها المئوية طيلة هذا العام.
اليوم، في كنيسة العذراء للسريان الأرثوذكس في مدينة القامشلي الحبيبة في الجزيرة السورية، يودَّع إخوتنا الشهداء الذين طالتهم يد الإرهاب والغدر من أولئك الذين يكفّرون الآخرين، فيما كان الهمّ الأوحد لإخوتنا هؤلاء، العيش في أرضهم وخدمتها، والعمل على نشر قيم المصالحة والعيش الكريم.
البارحة وقعت هذه المجزرة، واليوم يُودَّع شهداؤنا الأبرار ليقوموا مع ربّنا الذي سار درب الآلام حتى مات على الصليب باذلاً ذاته فداءً عن العالم بأسره، ولكنّه قام من بين الأموات ومنحنا الحياة. هذا ما يذكّرنا به بولس رسول الأمم في رسالته إلى أهل تسالونيكي.
إنّ حبّة الحنطة إن لم تقع في الأرض وتمت بقيت وحدها، وإن هي ماتت تأتي بثمرٍ كثير، بحسب إنجيل يوحنا. مع هذا، يحقّ لنا أن ندافع عن الأبرياء من أبنائنا في وجه هؤلاء الذين يستهدفونهم، وهم جميعاً هدفٌ لهذه المآسي والآلام، مسيحيين ومسلمين ويزيديين.
لكنّنا نحن المسيحيين عندما نصاب بهذه النكبات، تكون المأساة قاسيةً علينا، وتكون بهدف الإقتلاع من أرضنا، كما جرى العام الماضي في الموصل وسهل نينوى، وكما جرى في صدد وكسب والقريتين وقرى الخابور وسواها.
بالرغم من ذلك، سنبقى ثابتين في إيماننا ورجائنا بأنّ الرب يسوع معنا وسيبقى معنا ولن يتركنا أبداً.
إننا نشارك أهلنا في مدينة القامشلي الحبيبة في هذه المحنة، ونشاركهم صلاتهم ومصابهم. ونرفع الصلاة إليه تعالى كي يمنح الجرحى الشفاء السريع والتام، ويعزّي أهلهم ويثبّتهم في إيمانهم بالرب يسوع المخلّص.
إنّ رجاءنا بمعلّمنا السماوي الذي يؤكّد لنا أنه ليست لدينا مدينة باقية، لكنّنا، مع جميع أصحاب النيّات الحسنة، ندعو ونحثّ أصحاب القرار في العالم كي يعملوا على إحلال الأمان والسلام والطمأنينة في العالم، سيّما في شرقنا، وبخاصة في سوريا والعراق.
نطلب منه تعالى أن يجعلنا دائماً شهوداً أمناء لإنجيله، مهما كلّفت هذه الشهادة ومهما عظمت التضحيات، حتى بذل الدم.
رحم الله شهداءنا الأبرار، وليكن ذكرهم مؤبّداً".

وبعد صلاة الجنّاز، ألقى المونسنيور جورج يغيا، كاهن الكاتدرائية البطريركية للأرمن الكاثوليك، كلمة من القلب، رثا فيها الشهداء الأبرار، معزّياً أهلهم وذويهم.
ثمّ تقبّل صاحبا الغبطة والمطارنة والكهنة التعازي في صالون البطريركية.


100
الرقم: 74/أس/2015
التاريخ: 17/12/2015
بيان إعلامي
صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان الإعلامي التالي:

رسالة عيد الميلاد لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان

توجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلّي الطوبى، بالرسالة السنوية لمناسبة عيد الميلاد المجيد، بعنوان "هل للطفل الإلهي موضعٌ في قلوبنا وحياتنا وعائلاتنا"، جدّد فيها التأكيد على أنّ ميلاد الرب يسوع هو بشرى الفرح بلقاء الطفل الإلهي، وبداية الخلاص بالمسيح الذي شاء أن يولد ويحلّ في عائلة ليقدّس العائلة، وأنّ به تتجلّى الرحمة الإلهية في حياتنا، مؤكّداً على ضرورة الإستعداد وتهئية موضع للطفل الإلهي في قلوبنا وحياتنا وعائلاتنا ومنازلنا، لأنّ الرب يسوع المولود يتنظرنا كي نسلّم ذواتنا بين يديه ليمنحنا الفرح الحقيقي والسلام الدائم رغم المشاكل والمحن والإخفاقات.
وتناول غبطته الأوضاع في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، فقال:
 
   "إن كان زمن الميلاد زمن السلام والرجاء والأمل بولادةٍ جديدةٍ للإنسان، فإنّ عالمنا الحاضر بأمسّ الحاجة لكلّ بصيص أملٍ نوفّره لبلداننا وشعبنا المضطهَد والمهجَّر والمقتلَع قسراً من أرض الآباء والأجداد، ليس لذنبٍ سوى أنه مؤمنٌ بمعجزة الميلاد، لقاء الله مع الإنسان.
   نحن، رعاة هذا الشعب المضطهَد، نقف اليوم أمام مفترقٍ تاريخي في مسيرة شعبنا الذي وُلد وعاش على هذه الأرض، ونراه اليوم يهجرها مُكرَهاً، تاركاً وراءه تاريخاً متجذّراً تجذُّر المسيحية في هذا الشرق، وفي أحسن الأحوال تعصف به الأزمات لتدفعه إلى الهجرة.

   فإن نظرنا إلى لبنان، وإلى المسيحيين فيه، تحسّرنا على ما آلت إليه الأمور. صحيحٌ أنه لا يزال بمنأىً عن الحروب التي تعصف حوله، ما عدا مناطق محدودة فيه أصرّ أعداؤه الإرهابيون على تهديدها، إلا أنّ انقسامات السياسيين أدّت إلى الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية منذ أكثر من سنةٍ ونصف، وهو الموقع المسيحي الوحيد في هذا الشرق، والقادر أن يعيد إلى الجمهورية عنفوانها وكرامتها وموقعها بين الدول، وأن يجدّد الحياة السياسية السويّة في النظام اللبناني. إنّنا نكرّر مطالبتنا، مع جميع المخلصين لميثاق لبنان ودستوره، بانتخاب رئيسٍ للبلاد، وإقرار قانونٍ عادلٍ للإنتخابات النيابية، يُنصِف السريان ويعطيهم حقّهم في التمثيل النيابي أسوةً بالطوائف الأخرى.
   وإننا إذ نغتنم الفرصة لنهنّئ العسكريين الذين تمّ تحريرهم من يد المنظّمات الإرهابية، نصلّي من أجل تحرير رفاقهم المأسورين، سائلين الطفل الإلهي أن يحفظهم ويُنجِح مساعي القيّمين على هذا الملف لإعادتهم سالمين آمنين إلى مؤسّستهم ووطنهم وعائلاتهم.

   أمّا في سوريا، فقد دخلت الأزمة عامها الخامس، وكانت سبباً في تدميرٍ لا مثيل له للأرض والبنيات التحتية والمعالم الحضارية، وحملت معها قتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، وزرعت البغض في النفوس، ونشرت التعصّب الطائفي بين المكوّنات التي كانت عنوان غنى هذا البلد المحبوب في التعدّدية والتسامح والإشعاع. إنّنا نناشد المجتمع الدولي التوقّف عن تأجيج الإقتتال الداخلي في سوريا، فلا يكون هذا الشعب وحريته وحياته أهدافاً لصراعات الدول ومصالحها الإقتصادية والسياسية. فليتّحد العالم، وليطرد الإرهابيين من سوريا. فهل أنّ صور تدمير المدن والمعالم الأثرية لا تستحقّ التفاتةً من قادة هذا العالم؟ ونذكر هنا خاصةً تدمير دير مار اليان الناسك وضريحه في القريتين، وكذلك الإعتداءات الهدّامة على الكنائس والأديرة والمعالم المسيحية في معلولا وصدد وقرى الخابور. ألا تُدمي مشاهد القتل والدمار قلوب العالم؟ ألا يستحقّ الذين يغرقون لحظة رحمةٍ من الذين يموّلون هذه الحرب العبثية ويديرونها؟، هذا كلّه وكثيرون من مسيحيي سوريا قرّروا البقاء وعدم الهجرة. إنّنا نتضرّع إلى طفل المغارة ليكون ميلاده نوراً يشعّ في العقول والقلوب، فتتوقّف هذه الحرب العبثية، ويتّحد الشعب السوري لبناء دولته، دولةً حديثةً ديمقراطية.
   وفيما نشكر الله فرحين لعودة الأب جاك مراد إلى الحرية، لا يسعنا إلا أن نعلي الصوت مع جميع أصحاب النيّات الحسنة، فنجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، وفي مقدّمتهم المطرانان مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والآباء الكهنة ميشيل كيّال واسحق محفوظ وباولو داللوليو، والمدنيون، وبخاصة أبناء شعبنا في القريتين وحلب وقرى الخابور. 

   أمّا العراق، فقد مرّت سنةٌ ونيّف على طرد أبناء شعبنا من مدينة الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، وتدمير الكنائس والمعالم الدينية والآثار التي تشهد على عمق تجذُّر شعبنا في أرض العراق الغالي، ولعلّ أحد أبرزها دير مار بهنام الشهيد الذي يضمّ ضريحه. كلّ هذا يحدث والمجتمع الدولي لا يحرّك ساكناً، بل يبقى صامتاً غير مبالٍ تجاه هذه الجرائم ضدّ الإنسانية.
   أمّا في الداخل العراقي، وفيما نسمع الكثير من الوعود والتمنّيات بغية تطمين المسيحيين وسائر المكوّنات في العراق، فإنّنا نرى مجلس النواب يسعى لتشريع قوانينَ تخالف أبسط حقوق المواطنة وتضرب بالصميم الوجود المسيحي فيه، كأنهم يقولون لهذا المكوّن الأصيل والمؤسِّس: "إننا وداعش نطلب منكم الرحيل".
   في خضمّ هذا كلّه، تقف الكنيسة مع شعبها، فهي لن تتركه ولن تتنازل عن حقوقه. ونحن معها نصلّي للرب يسوع، الطفل الإلهي، حامل الرجاء إلى البشرية، طالبين منه أن يعزّز إيمان القيّمين على هذا الشعب بأرضهم ووطنهم، ليكونوا قدوةً له، وأمناء لتراث بلاد الرافدين وتاريخها.

   في هذا العيد، نتوجّه بالقلب والفكر إلى أبنائنا الذين يكابدون آلام النزوح والهجرة والإقتلاع، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات، إذ أضحوا، مثل الطفل الإلهي، لا موضع لهم ولا منزل يأويهم، مؤكّدين لهم تضامننا الأبوي واستعدادنا الدائم لتأمين حاجاتهم ومساعدتهم بكلّ الإمكانات المتاحة". وتقدّم غبطته بالتهاني بمناسبة عيد الميلاد المجيد وحلول العام الجديد إلى أبناء الكنيسة السريانية في الأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وفي بلاد الإنتشار، أوروبا وأميركا وأستراليا، متمنّياً للعالم بأسره وبخاصة للشرق المعذَّب، سلاماً وأماناً نابعاً من الطفل الإلهي أمير السلام.

101
الرقم: 63/أس/2015
التاريخ: 26/10/2015
بيان إعلامي

البطريرك يونان يفتتح سينودس أساقفة كنيسة السريان الكاثوليك في دير الشرفة
نطالب بانتخاب رئيس للبنان وقانون جديد للإنتخابات حمايةً لمؤسسات الوطن وشعبه
نحن الذين عانينا ونعاني النكبات ولسنا من الذين يعدّون العصي صاغرين

في كلمته الإفتتاحية لسينودس أساقفة كنيسة السريان الكاثوليك، صباح اليوم الإثنين 26/10/2015، والذي يستمر حتى مساء يوم الخميس 29/10، ويُختتم بجلسة مشتركة يشارك فيها بطاركة الكنائس الشرقية الكاثوليكية والأرثوذكسية، وذلك في المقرّ البطريركي بدير سيّدة النجاة ـ الشرفة ، درعون ـ حريصا ـ لبنان، توجّه غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في الكلمة الإفتتاحية إلى جميع المسؤولين والذين بيدهم سلطة القرار، بالدعوة إلى "انتخاب رئيسٍ للجمهورية اللبنانية، بغية توطيد الإستقرار وتفعيل المصالحة الشاملة الصادقة في لبنان البلد الغالي على قلوبنا. فلا أحد من اللبنانيين المخلصين ومن أصدقاء لبنان يقبل باستمرار الفراغ في سدّة الرئاسة وقد زاد على السنة، مع ما يتسبّب به من تفكّكٍ في المؤسّسات الدستورية والعامّة، ومن خرابٍ وفقرٍ وفوضى، وشعورٍ بالخيبة العميقة من قبل المواطنين".
وناشد غبطته "جميع الأحزاب اللبنانية والمرجعيات الدينية، أن يبغوا أوّلاً وأخيراً خير لبنان، ويسعوا لتطويق النزاعات المكشوفة كما الخفية، فيُنتخَب رئيسٌ للبلاد ويوضع قانون جديد للإنتخابات، دعماً للدستور وحفاظاً على الصيغة التي توصّل إليها أسلافهم. فيشعّ لبنان حضارةً وازدهاراً، ومنارةً لمحيطه في شرقنا هذا المتخبّط والمهدَّد بهويته وكيانه".

كما صلّى غبطته "من أجل إنهاء الصراعات المفجعة في سوريا والعراق بالطرق الديبلوماسية، لإيجاد الحلول السياسية التي تنبذ كلّ أنواع العنف. ونحن، كمسيحيين يتبعون إنجيلهم، رسالة الحب والسلام، مدعوون إلى عيش المحبّة نحو الجميع. ولسنا من هواة العنف والإنتقام، ولكن من الغباء أن نظنّ، كالمنظّرين الذين يطالعوننا من حينٍ إلى آخر بآرائهم ومقولاتهم الخيالية، بأنّ داعش وغيرها من العصابات التكفيرية الهمجية، تنتظر من يأتيها للتحاور العقلاني أو التواصل الإنساني. نحن، الذين عانوا ويعانون من نكباتٍ وإبادةٍ واقتلاعٍ من أرضنا على أيدي تلك العصابات. ولسنا من الذين "يعدّون العصي" صاغرين". 
واعتبر غبطته أنّ "من حقّنا بل من واجبنا أن ندعو جميع المقتدرين الشرفاء أن يدحروا عن أهلنا وشعبنا قوى الظلامة والظلم، ويمنعوا برابرة الشرّ والهمجية في عصرنا هذا، من الإستمرار بالقتل والتنكيل والسبي والتهجير والهدم والتدمير في سوريا والعراق. فليس من واجبٍ أقدس من أن يدافع الإنسان بكلّ الوسائل المتاحة عن نفسه وعرضه، عن أرضه وموطنه، عن إيمانه، هبة السماء لكلّ المتّكلين عليه تعالى. فالصلاة تبقى الوسيلة الأقدر التي نستحقّ بها تدخُّل الله في تاريخنا الملطَّخ بالدم والحرب والعنف والإرهاب".
وعبّر غبطته عن فرحه وسروره ومعه آباء السينودس بعودة الأب جاك مراد إلى الحرية، وصلّى من أجل إطلاق سراح جميع المخطوفين، من المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي والكهنة والعلمانيين، ومن بينهم أبناء القريتين، وقرى الخابور في الجزيرة السورية.

واستعرض غبطته أبرز أعمال البطريركية ونشاطات الطائفة خلال العام المنصرم، ولعلّ أبرزها الإحتفال بإعلان تطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي في 29 آب الماضي، وإحياء السنة اليوبيلية في الذكرى المئوية لمجازر إبادة السريان "سيفو ـ السوقيات". فضلاً عن الزيارات الراعوية التي قام بها غبطته إلى أبنائه المتألّمين في سوريا والعراق، وكذلك إلى أبناء الكنيسة السريانية في بلاد الغرب، في أوروبا وأميركا. وكذلك مشاركة غبطته في عدد من المؤتمرات وإلقائه المحاضرات حول الحضور المسيحي في الشرق، وذلك في باريس ومدريد وبرشلونة وروما وواشنطن وسواها. كما أشار غبطته إلى اللقاءات العديدة التي جمعته مع بطاركة الكنائس الشقيقة خدمةً لأبنائنا المتألّمين في الشرق.

واستعرض غبطته المواضيع الملحّة والمدرجة على جدول أعمال المجمع، وأبرزها الأوضاع في سوريا والعراق، وشؤون الأبرشيات السريانية في الشرق والغرب، وأحوال الكهنة، وآخر مستجدّات الإصلاح الليتورجي، ونتائج السينودس من أجل العائلة الذي عقده البابا فرنسيس وانتهى الأسبوع الماضي، وإعلان سنة الرحمة الإلهية.







الكلمة الإفتتاحية لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان
في المجمع السنوي العادي (سينودس) للكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية


دير سيدة النجاة، الشرفة 26 ـ 29 تشرين الأول 2015
----------------------
         إخوتي الأجلاء، آباء سينودس كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية الأساقفة الجزيلي الإحترام،
     حضرات الخوارنة والآباء الكهنة الأفاضل:

ܚܽܘܒܳܐ ܘܰܫܠܳܡܳܐ ܒܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܡܫܺܝܚܳܐ، ܕܒܰܫܡܶܗ ܡܶܬܟܰܢܫܺܝܢܰܢ ܐܰܟ̣ܚܰܕ ܒܗܳܕܶܐ ܣܽܘܢܳܗ̱ܕܽܘܣ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ

أرحّب بكم بتحيّة السلام وعاطفة المحبّة الأخوية، ونحن نفتتح بنعمة الرب مجمعنا السنوي العادي في ديرنا المبارك، تحت أنظار شفيعتنا العذراء مريم "سيّدة النجاة".
شؤونٌ أساسيةٌ عديدةٌ تنتظرنا، ولكن قبل عرض المواضيع الخاصة بمجمعنا، أردتُ أن أستعرض معكم أولاً، أهمّ الأحداث التي عرفتها كنيستنا السريانية، خلال الأشهر العشرة التي مرّت منذ مجمعنا السابق الذي عقدناه ما بين 8ـ10 كانون الأول المنصرم في روما، لكي أقدّم ثانياً جدولاً لأهمّ المواضيع التي سنناقشها أثناء هذا المجمع، راجياً أن نتقيّد بمواعيده حتى اختتامه.

أولاً: الأحداث التي عرفتها كنيستنا السريانية:
هي تلك المفرحة وتلك المؤلمة، التي مرّت على كنيستنا في الأشهر العشرة الأخيرة، ولعلّ أبرزها:

أـ طوباوي جديد لكنيستنا:
بمزيدٍ من الفرح والإفتخار، نستعيد الذكرى العذبة للإحتفال المهيب الذي شاركنا فيه مساء السبت الواقع في 29 آب المنصرم، وفيه أصغينا بخشوعٍ إلى رسالة الأب الأقدس وهو يعلن على الملأ بفم ممثّله الكردينال أنجلو اماتو، مطراننا الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي، طوباوياً. وإذ ترفع كنيستنا آيات الشكر للرب لإنعامه علينا بهذه البركة المميّزة،  ترى في هذا الطوباوي مثالاً ورمزاً لجميع شهدائنا وشهيداتنا، الذين سفكوا دماءهم عبر العصور حبّاً بالرب الفادي، وتعلّقاً بإيمانهم، وبأمانةٍ بطوليةٍ لإنجيل المحبّة والعدل والسلام.
علينا أن نفخر بهذا الطوباوي، ونرفع أيقونته على مذابح كنائسنا، تكريماً لفضائله، وإجلالاً لاستشهاده، وطلباً لشفاعته، كي يتحنّن الرب علينا وعلى شعبنا المسيحي المعذَّب، ويكلّل درب آلامنا بنور قيامته المجيدة.
وكما تعلمون، لقد تمّ هذا الإحتفال التاريخي بمشاركة سلفنا مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد الذي أثلج حضوره المفاجئ قلوبنا، مع البطاركة رؤساء الكنائس الشرقية: البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، والبطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، والكاثوليكوس آرام الأول كيشيشيان. كما تمثّل أخونا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني الغائب خارج لبنان، بالأسقف موريس عمسيح، مع ممثّلين آخرين عن بطاركة الروم الأرثوذكس والأقباط الكاثوليك والكلدان والأرمن الكاثوليك.
وممّا زاد في فرحنا بمناسبة هذا التطويب الإحتفالي، أنّنا استطعنا أن نؤمّن مشاركة عددٍ فاق الخمسمئة من الإكليروس والمؤمنين، جاؤوا من أبرشياتنا في سوريا والعراق والأراضي المقدّسة وتركيا ومصر والسويد وألمانيا وبريطانيا وسائر البلاد حيث تنتشر كنيستنا. وجاءت مشاركتهم مع أكثر من ثلاثة آلاف شخصٍ من أبناء أبرشيتنا البطريركية ومن المهجَّرين النازحين في لبنان، مدعاةً لسرورنا واعتزازاً بشهدائنا وتعبيراً عن وحدة كنيستنا إنطلاقاً من أبرشياتنا ورعايانا، فكان لها الوقع العميق في قلوب الجميع.

ب ـ احتفالاتٌ في ذكرى مئوية الإبادة لشعبنا السرياني،
التي افتتحناها بقداسٍ احتفالي مهيب، مساء السبت الواقع في 7 شباط المنصرم، في كاتدرائية سيّدة البشارة في بيروت، بحضور بطاركة الكنائس الشرقية. وقد تلتها مشاركتنا مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة في تنظيم وعقد مؤتمرٍ هام تناول إحياءَ هذه المئوية، وذلك ما بين 2ـ4 تمّوز في جامعة الروح القدس ـ الكسليك، تحت عنوان "إبادة السريان: شهادة وإيمان"، وشارك فيه باحثون واختصاصيون في هذا المجال. وجاء هذا المؤتمر دليلاً على أنّ كنيستينا حقّقتا خطواتٍ هامّةً على درب الوحدة في الإيمان واللغة والتراث والتاريخ والحضارة، كما في وحدة الشهادة حتى سفك الدم لإنجيل الفادي، حسب اعتراف قداسة البابا فرنسيس.
وها نحن نستعدّ لاختتام هذه المئوية في أعقاب انتهاء مجمعنا هذا بتدشين النصب التذكاري الذي
سيخلّد الذكرى في باحة هذا الكرسي البطريركي، ثمّ باحتفالٍ روحي وأمسية ترانيم وصلاة في كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد يوم الجمعة القادم بعونه تعالى.
كما سنحتفل مساء السبت القادم في 31 تشرين الأول الجاري بالقداس الإلهي في الكاتدرائية عينها بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لمذبحة سيدة النجاة، وفيه سنطلق دعوى تطويب الأبوين الشهيدين ثائر عبدال ووسيم القس بطرس.

ج ـ الزيارات الراعوية لأبرشياتنا في سوريا والعراق:

خلال هذا العام، قمنا بزياراتٍ أبويةٍ لتشجيع أبنائنا في سوريا والعراق على مواصلة أداء شهادتهم لإيمانهم المسيحي رغم هول المآسي والمصاعب.
استطعنا أن نقوم خلال شهري آذار وتمّوز المنصرمين، بزيارتين راعويتين لأبرشية حمص وحماة والنبك، حيث تفقّدنا شؤون رعاياها وإكليروسها ومؤمنيها، من المقيمين فيها ومن النازحين إلى الأماكن المطمئنة بعد حصار حمص القديمة ودمارها.
كذلك قمنا خلال شهري شباط وأيّار الفائتين بزياراتٍ إلى أبرشية بغداد، حيث قابلنا رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وزرنا أبناء رعايانا الثلاث فيها، وإلى أبرشية الموصل وكركوك وكردستان، حيث تفقّدنا أبناء شعبنا في كردستان العراق، النازحين والمهجَّرين من الموصل وبلدات سهل نينوى.
وهنا عليّ أن أذكر لقاءً خاصّاً عقدناه في الكرسي البطريركي في بيروت، مع قداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني وغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو في شهر نيسان، بغية توحيد المساعي الآيلة إلى تخفيف المآسي التي يقاسيها شعبنا السرياني والكلداني في العراق، والتطلّع إلى خدمته بعد النكبات التي حلّت به منذ 15 شهراً بسبب الهجمات المتوحّشة واقتلاع عشرات الآلاف من بيوتهم وأراضيهم، ونحن نبذل الجهود كي يتكّرر مثل هذا اللقاء.

دـ لقاءات ومشاركات مختلفة:

شاركنا في الجلسة العادية لمجمع الكنائس الشرقية في روما في شهر شباط. كذلك شاركنا في شهر نيسان في القداس الذي احتفل به قداسة الأب الأقدس البابا فرنسيس في بازيليك مار بطرس، بمناسبة الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية. وقمنا بزيارة رعيتنا السريانية في باريس، وكذلك أبناءنا الذين وصلوا حديثاً إلى مرسيليا.
وشاركنا في مؤتمراتٍ عن الحضور المسيحي في الشرق في انجي Angers ـ فرنسا، وفي مدريد وبرشلونة ـ إسبانيا، وفي باري ـ ايطاليا، وفي واشنطن ـ الولايات المتّحدة.
كما زرنا في شهر أيلول الماضي، 12 رعية وإرسالية في أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا، حيث احتفلنا بالذكرى العشرين على تأسيس هذه الأبرشية، وأحيينا الذكرى المئوية لمذابح الإبادة.
ومن الفعاليات المسكونية، شاركنا في اجتماعات بطاركة الكنائس الشرقية، في البطريركية المارونية في بكركي، وفي بطريركية الروم الأرثوذكس ـ المريمية بدمشق.
وفي إطار العلاقات الأخوية المميّزة مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، شاركنا في اختتام أعمال مجمعهم الأسقفي، وفي رتبة تقديس الميرون، وتقديس مذبح الشهداء السريان، وتدشين النصب التذكاري للإبادة، وفي سيامة أسقفين جديدين في دير مار أفرام بمعرة صيدنايا. كما التقينا مع قداسة أخينا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، في الصلاة المسكونية حول قداسة البابا فرنسيس، أثناء زيارته الأولى للفاتيكان، في خطوةٍ فريدةٍ من نوعها في تاريخ العلاقات المسكونية التي تربط الكنيسة الكاثوليكية بالكنائس الأرثوذكسية، وهي دليلٌ ساطعٌ على وحدتنا وعلى المحبّة الأخوية التي تجمعنا.

ثانياً: المواضيع الملحّة:
سنعالج في هذا المجمع شؤوناً عديدةً أبرزها الأوضاع الراهنة في أبرشياتنا في سوريا الجريحة والعراق المتألّم، حيث لا يزال أبناؤنا وبناتنا يكابدون أنواعاً لم تعد تُطاق من المعاناة  جراء جرائم العنف من قبل داعش وأخواتها، وبسبب الحرب العبثية التي طالت هذين البلدين موئل السريان لسنوات عديدة.
ولكنّنا في غمرة الحزن والألم هذه، لا بدّ لنا من أن نبتهج بعودة ابننا الروحي الأب جاك مراد إلى الحرّية، بعد خطفٍ قارب الأشهر الخمسة. وإذ نشكره تعالى على هذه البركة، نرجو أن يفكّ أسر أخوينا المطرانين مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة والمؤمنين، وبخاصة أهلنا في قرى الخابور وفي القريتين، وأن ينعم على أبناء الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى بعودةٍ سالمةٍ إلى أرض الآباء والأجداد، بعد تحريرها من ربقة البرابرة الذين عاثوا ولا يزالون يعيثون فيها الفساد والإجرام والإرهاب.
كما سنتناول أوضاع أبرشياتنا وإرسالياتنا في أوروبا والولايات المتّحدة وكندا وفنزويلا وأستراليا، للوقوف على حاجاتهم في ظلّ المتغيّرات في بلاد المنشأ في الشرق. ونحن نشهد بأسى ازدياداً مطّرداً للمهجَّرين الذين ينشدون الأمن والحرّية في بلاد الإغتراب. وعلينا أن نراجع بجدّيةٍ ما يترتّب علينا، نحن الرعاة، من مسؤوليةٍ أبويةٍ وراعويةٍ استثنائيةٍ، إزاء هذه الظاهرة المخيفة للهجرة، فندرس سبلَ رعايتهم والإهتمام بشؤونهم.
كما سنتطرّق إلى موضوع خدمة الكهنة وتنشئة الشمامسة في الإكليريكية وخلال السنة الرعوية، ورسامة شمامسة (إنجيليين) غير مدعوّين للكهنوت، وذلك بهدف جني الثمار المرجوّة من خبراتهم وتهيئتهم للخدمة بأفضل وجه.
وسنتناول موضوع إعادة إصدار الشرع الخاص بكنيستنا السريانية، فندرس النص الذي أصدره المثلّث الرحمات البطريرك الكردينال مار اغناطيوس موسى الأول داود، عام 1999، ونشكّل لجنةً من الإختصاصيين لتجري عليه التعديلات اللازمة بغية إعادة إصداره، تمهيداً لرفعه الكرسي الرسولي.
وسندرس التحضيرات اللازمة لعقد مجمعٍ عام لكنيستنا إسوةً ببعض الكنائس الشقيقة. كما سنتناول موضوع الزيّ الرسمي لإكليروس كنيستنا بمختلف درجاته.
ولن يغيب عن بالنا استعراض آخر المستجدّات على صعيد الإصلاح الليتورجي.
وسنتّخذ تدابير كنسيةً على مستوى الأبرشيات، وسنقوم بالتفكير في خطّةٍ روحيةٍ وراعويةٍ استعداداً للدخول في سنة الرحمة الإلهية التي أعلنها قداسة البابا فرنسيس، وهي حاجةٌ ملحّةٌ لعالمنا.
ولن نغفل عن التطرّق إلى نتائج السينودس العام من أجل العائلة الذي عقده قداسة البابا فرنسيس مؤخّراً وانتهى منذ يومين في الفاتيكان، وقد شاركنا فيه مع سائر البطاركة الشرقيين، وكرادلة وأساقفة، وبحضور مراقبين عن الكنائس الشقيقة.

كلّ هذه القضايا، الموضوعة بين أيدينا في تقارير مفصّلة تقتضي منّا اتّخاذ التدابير اللازمة بشأن النقاط المطروحة. إنّنا نعالجها بروح المسؤولية أمام الله وحاجات الكنيسة الجامعة وكنيستنا السريانية، بعيداً عن أيّ غايةٍ أو مصلحةٍ خاصّةٍ، وبتجرّدٍ وتحرّرٍ من أيّة ضغوطٍ وارتباطاتٍ وشروط.
فمن الضرورة أن يُدلي كلّ واحدٍ منّا برأيه حراً صريحاً، وبروح الموضوعية المسؤولة. فنحن كنيسةٌ سينودوسيةٌ تحتاج إلى مشاركة الجميع ورأي الجميع. ومن الواجب الضميري حفظ السرّ، حيث تدعو الحاجة وتوجب القوانين، تجنّباً لأيّ ضررٍ قد يلحق بالكنيسة والسينودس والأشخاص المعنيين.

لقد صلّينا، ونواصل صلاتنا من أجل انتخاب رئيسٍ للجمهورية اللبنانية، بغية توطيد الإستقرار وتفعيل المصالحة الشاملة الصادقة في لبنان البلد الغالي على قلوبنا. فلا أحد من اللبنانيين المخلصين ومن أصدقاء لبنان يقبل باستمرار الفراغ في سدّة الرئاسة وقد زاد على السنة، مع ما يتسبّب به من تفكّكٍ في المؤسّسات الدستورية والعامّة، ومن خرابٍ وفقرٍ وفوضى، وشعورٍ بالخيبة العميقة من قبل المواطنين.
لذلك نناشد جميع الأحزاب اللبنانية والمرجعيات الدينية، أن يبغوا أوّلاً وأخيراً خير لبنان، ويسعوا لتطويق النزاعات المكشوفة كما الخفية، فيُنتخَب رئيسٌ للبلاد ويُوضَع قانونٌ جديدٌ للإنتخابات، دعماً للدستور وحفاظاً على الصيغة التي توصّل إليها أسلافهم. فيشعّ لبنان حضارةً وازدهاراً، ومنارةً لمحيطه في شرقنا هذا المتخبّط والمهدَّد بهويته وكيانه.

وصلّينا ونصلّي من أجل إنهاء الصراعات المفجعة في سوريا والعراق بالطرق الديبلوماسية، لإيجاد الحلول السياسية التي تنبذ كلّ أنواع العنف. ونحن، كمسيحيين يتبعون إنجيلهم، رسالة الحب والسلام، مدعوون إلى عيش المحبّة نحو الجميع. ولسنا من هواة العنف والإنتقام، ولكن من الغباء أن نظنّ، كالمنظّرين الذين يطالعوننا من حينٍ إلى آخر بآرائهم ومقولاتهم الخيالية، بأنّ داعش وغيرها من العصابات التكفيرية الهمجية، تنتظر من يأتيها للتحاور العقلاني أو التواصل الإنساني. نحن، الذين عانوا ويعانون من نكباتٍ وإبادةٍ واقتلاعٍ من أرضنا على أيدي تلك العصابات. ولسنا من الذين "يعدّون العصي" صاغرين. 
نرى من حقّنا بل من واجبنا أن ندعو جميع المقتدرين الشرفاء أن يدحروا عن أهلنا وشعبنا قوى الظلامة والظلم، ويمنعوا برابرة الشرّ والهمجية في عصرنا هذا، من الإستمرار بالقتل والتنكيل والسبي والتهجير والهدم والتدمير في سوريا والعراق. فليس من واجبٍ أقدس من أن يدافع الإنسان بكلّ الوسائل المتاحة عن نفسه وعرضه، عن أرضه وموطنه، عن إيمانه، هبة السماء لكلّ المتّكلين عليه تعالى.
فالصلاة تبقى الوسيلة الأقدر التي نستحقّ بها تدخُّل الله في تاريخنا الملطَّخ بالدم والحرب والعنف والإرهاب. له المجد إلى الأبد. آمين.   


102
رسالة التهنئة الرسمية التي وجّهها البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان للبطريرك كيوركيس الثالث صليوا



الرقم: 270/2015
التاريخ: 22/9/2015

قداسة أخينا البطريرك مار كيوركيس الثالث صليوا الكلي الطوبى
بطريرك ساليق طيسفون لكنيسة المشرق الآشورية

بعد المعانقة الأخوية وتحيّة المحبّة والسلام بالرب، نقول:

بفرحٍ بالغٍ تلقّينا النبأ السارّ بانتخابكم واختياركم أباً ورئيساً وبطريركاً لكرسي ساليق طيسفون لكنيسة المشرق الآشورية الشقيقة، خلفاً للطيّب الذكر المثلّث الرحمات البطريرك مار دنخا الرابع، وذلك بإلهام الروح القدس لآباء مجمعكم المقدس الذي التأم في أرض الآباء والأجداد. فشكرنا الرب القدير الذي أهّل كنيستكم أن تصل إلى هذا اليوم المبارك بفيض مراحمه، في هذه الأيّام العصيبة التي يمرّ بها شرقنا الحبيب، سيّما في سوريا والعراق، ممّا يحتّم على كنائسنا المشرقية أن تحيا الرجاء والشهادة لباريها بقوّة وفعالية، وبخاصة كنائسنا ذات الجذور الواحدة واللغة الواحدة.

إنّنا، بالأصالة عن نفسنا وبالنيابة عن إخوتنا الأحبار الأجلاء آباء مجمعنا السرياني الأنطاكي المقدس، وإكليروس كنيستنا السريانية الكاثوليكية وأبنائها وبناتها في بلاد الشرق وعالم الإنتشار، نتقدّم بالتهاني الحارّة منكم ومن آباء مجمعكم المقدس وجميع اللائذين بكنيستكم الشقيقة، سائلين راعي الرعاة الرب يسوع المسيح أن يأخذ بيدكم، لترعوا كنيستكم رعايةً صالحةً بالحكمة والحق والمحبّة، ولسنين عديدة.

كم كنّا نتمنّى أن نشارككم شخصياً في احتفال تنصيبكم وتوليتكم في السابع والعشرين من شهر أيلول الجاري في أربيل، إلا أنّ ارتباطنا بالقيام بزيارةٍ رسوليةٍ إلى أبنائنا وبناتنا في أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا، حالَ دون ذلك.



لذا، فإنّنا كلّفنا أخوَينا صاحبَي السيادة مار يعقوب بهنان هندو رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين ومار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، بتمثيلنا شخصياً في هذه المناسبة المباركة.

ܒܦܘܪܣܐ ܕܡܬܬܩܝܡܢܘܬܟܘܢ ܐܝܟ ܦܛܪܝܪܟܐ ܘܐܒܐ ܓܘܢܝܐ ܕܥܕܬܐ ܩܬܘܠܝܩܝ ܕܡܕܢܚܐ ܕܐܬܘܪ̈ܝܐ܆ ܡܩܪܒܝܢܢ ܠܟܘܢ ܬܗܢܝ̈ܬܐ ܠܒܢܝ̈ܬܐ ܕܚܡܝ̈ܡܢ܆ ܟܕ ܐܡܪܝܢܢ:

ܐܟܣܝܘܣ܆ ܫܘܐ ܘܙܕܩ܆ ܐܒܘܢ ܛܘܒܬܢܐ ܡܪܝ ܓܘܪܓܝܣ ܬܠܝܬܝܐ ܟܠܢܝ ܛܘܒܐ܆ ܘܠܫܢܝ̈ܐܐ ܣܓܝ̈ܐܬܐ ܘܚܝ̈ܐ ܢܓܝܪ̈ܐ܆ ܘܒܪܟܡܪܝ.
 

نختم بإهدائكم محبّتنا الأخوية، مع أطيب التهاني والتمنّيات، ودمتم.




                                                  اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                         بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي     

104

الرقم: 42/أس/2015
التاريخ: 7/8/2015

البطريرك يونان يستذكر النكبة المشؤومة لسنة خلت في سهل نينوى
ويستنكر الإعتداءات على المسيحيين في القريتين بحمص

بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لنكبة التهجير القسري لأبناء شعبنا من سهل نينوى، استذكر صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، هذه الذكرى الأليمة التي تتزامن مع الإعتداء السافر لداعش على بلدة القريتين في حمص بسوريا، واعتبر غبطته في بيانٍ أعلنته أمانة سرّ البطريركية ما يلي:
"في هذا اليوم السابع من آب، نستذكر بأسى النكبة المشؤومة التي حلّت لسنةٍ خلت بكامل أبرشية الموصل وسهل نينوى وكركوك وكردستان للسريان الكاثوليك، كما بإخوتنا من أبناء الكنائس الشقيقة السريانية الأرثوذكسية والكلدانية والآشورية، أساقفةً وخوارنةً وكهنةً وشمامسةً ورهباناً وراهباتٍ، مع عشرات الآلاف من المؤمنين والمؤمنات، الذين اقتلعَتْهم يد الإرهاب الأكثر بشاعةً في التاريخ الحديث.
لقد أضحى هؤلاء جميعاً نازحين ومشتَّتين في كردستان المضياف، ولا يزال الكثيرون تائهين في البراري والجبال وما وراء البحار.
إننا نؤكّد لهم جميعاً مشاطرتنا قلبياً وإيمانياً المصائب والنوائب التي حلّت بهم، ولا تزال تحلّ في بلدهم، وتهدّد وجودنا المسيحي في الشرق، سيّما الحضور السرياني الذي يرجع إلى آلاف السنين، إن في العراق الغالي، وإن في سوريا الحبيبة حيث يعاني أبناؤنا الأمرَّين من داعش ومثيلاتها، اضطهاداً وخطفاً وتنكيلاً وتعذيباً وقتلاً، بخاصة ما يحدث في هذه الايّام الأخيرة في بلدة القريتين في حمص، وبعد مرور قرابة الثلاثة أشهر على اختطاف كاهنها الأب جاك مراد، مطالبين بإطلاق سراحه فوراً.

وإذ نجدّد دعاءنا كي تنتهي هذه المحنة بكابوسها المخيف، فيعود المهجَّرون إلى ديارهم وأرض آبائهم وأجدادهم بحرية وكرامة، نبقى متّحدين معهم بالصلاة على هذه النيّة، متقوّين بالرجاء "فوق كلّ رجاء"، ومتّكلين على حنانه تعالى ورحمته وعدله".

   

        أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

         دير سيّدة النجاة البطريركي ـ الشرفة، درعون ـ حريصا، لبنان
                               

105
المؤتمر السرياني المشترك بين بطريركيتي أنطاكية للسريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس
بعنوان "إبادة السريان: شهادة وإيمان"
افتتح غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلي الطوبى وقداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس الكلي الطوبى، مؤتمراً بعنوان "إبادة السريان: شهادة وإيمان"، الذي تنظّمه بطريركيتا أنطاكية للسريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس، في جامعة الروح القدس ـ الكسليك ـ كسروان، وذلك عند الساعة السادسة من مساء يوم الخميس 2 تمّوز 2015.
حضر حفل الإفتتاح الرسمي أصحاب القداسة والغبطة بطاركة الكنائس الشرقية: الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، ويوحنّا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، والكاثوليكوس آرام الأوّل كيشيشيان كاثوليكوس بيت كيليكيا الكبير للأرمن الأرثوذكس، وابراهيم اسحق بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، والسفير البابوي في لبنان المطران كبريالي كاتشا، والمطرنن كيرلّس بسترس ممثّلاً بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام، والمطران ميشال قصارجي ممثّلاً بطريرك بابل على الكلدان مار لويس روفائيل الأوّل ساكو.
كما حضر الوزير نبيل دو فريج ممثّلاً رئيسَي مجلس النواب نبيه برّي ومجلس الوزراء تمّام سلام، والدكتور داود الصايغ ممثّلاً دولة الرئيس الشيخ سعد الدين الحريري، والوزير طوني كرم ممثّلاً الدكتور سمير جعجع، وروجيه عازار ممثّلاً العماد ميشال عون، إضافةً إلى لفيفٍ من الأساقفة والرؤساء العامّين والرئيسات العامّات والكهنة والشمامسة الإكليريكيين والرهبان والراهبات، وفعاليات سياسية واجتماعية وثقافية.
افتُتح المؤتمر بالنشيد الوطني اللبناني، وقدّمت للحفل الإعلامية كلود أبو ناضر هندي. وبعد إنشاد جوقة أبرشية زحلة والبقاع للسريان الأرثوذكس الصلاة الربانية باللغة السريانية، وقف الحضور دقيقة صمتٍ لراحة نفوس الشهداء. ثمّ كان عرضٌ لوثائقي عن الإبادة السريانية "سيفو". وتخلّل الوثائقي مداخلاتٌ للبطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان والبطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، اللذين أكّدا على وجوب الإعتراف بهذه الإبادة، لافتين إلى أنّ هذه المئوية ستكون انطلاقةً جديدةً لمراجعة التاريخ من دون أن يكون هناك مكانٌ للفشل.
واعتبر غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان في كلمته أنّ أجدادنا اضطُهِدوا لأنّهم مسيحيون. وقال "إنّ شعبنا السريان، مع أشقائه من الكلدان والآشوريين، هو الوحيد الذي أمسى دون أرض ينتمي إليها ويتجذّر فيها ولا وطن يُسمَّى باسمه: سُلبت مواطنته في أرض أجداده منذ عصور، وهُمّشت حقوقه المدنية وحُرم من حريته الدينية بابتزازٍ من قبل السلاطين وولاتهم..!، بل طُمست حضارته ومُحيت لغته باسم أتباع دينٍ يفتخرون بفتوحات عهودٍ انقرضت..!".
وأضاف غبطة أبينا البطريرك: "ما أشبه اليوم بالأمس! فها هو شرقنا ينزف دماً ويتحوّل دماراً وخراباً، وها نحن نعيش مجدّداً زمن المحن والنكبات".
وأكّد البطريرك أفرام الثاني في كلمته أنّ "ما حدث في العام 1915 لم يكن مجرّد اضطهادٍ، بل هو إبادة جماعية بكل ما للكلمة من معنى. واليوم وبعد مرور مئة عام على هذه الإبادة، نحن هنا لنتذكّر لعلّ في الذكرى عبرة. نحن نؤمن أنّ المسامحة هي طريقنا إلى السلام، نغفر ولكن هذا لا يعني أن ننسى. ومن هنا نحن ندعو إخوتنا في تركيا إلى الإعتراف بهذه الجريمة النكراء لكي نقيم معهم علاقات محبّةٍ ومودّة. ونطالب الدول التي نعيش فيها، من لبنان إلى سوريا والعراق، بالإعتراف بهذه الإبادة، لأنه لو تنبّه العالم لما كان يحدث من مجازر في بلادنا، لما كنّا نسمع اليوم بإباداتٍ جديدة".
وذكر السفير البابوي في كلمته أنّ هناك رابطاً قوياً بين الإيمان والشهادة، وبعيداً عن التفسيرات السياسية والتاريخية التي تُعطى، فالإنجيل يقول إنّ الرسل سيُضطهَدون باسم المسيح. وختم كاتشا: "أشكر الشهداء، وأقول إنه إن لم نصلِّ أكثر وإن لم نشهد أكثر، فإنّ استشهادهم سيذهب سدى".
وفي كلمته، قال البطريرك يوحنّا العاشر اليازجي "إنّ أبخس الأثمان في لعبة الأمم هي الدماء البريئة وحقوق الإنسان"، موضحاً "نحن هنا لنقول للدنيا إنّ المسيحيين معجونين بتراب هذا المشرق. نودّ أن نؤكّد أنّ حماية المسيحيين تكون بإحلال السلام في ربوعهم، وليس بإرسال الأسلحة أو الطائرات. حماية الشرق وناسه تكون بإسكات نار الحروب، وليس بإرسال بوارج للسفر أو القتال".
وندّد الكاثوليكوس آرام الأوّل كيشيشيان خلال كلمته بما يحدث اليوم من مجازر تُرتكَب بحق الأبرياء، مؤكّداً ّأنّ ما تعرض له المسيحيون في العام 1915 من مجازر ليس سوى إباداتٍ بحق الأرمن والسريان والآشوريين والكلدان والأقليات المسيحية.
وتابع: "بعض الدول لم يعترف بهذه الإبادة ولأسباب جيوسياسية، ولكنّنا نقول إنها كانت إبادة منظَّمة وممنهجة، وهدفها القضاء على هذه الأقلية المسيحية. نحن أبناء هذا الشرق ونحن متجذّرون فيه ولن نتركه مهما كانت التضحيات، لأنّ شهداءنا هم من يطالبنا بالبقاء في شرقنا هذا كي لا تذهب شهادتهم سدى".
أمّا المطران كيرلّس بسترس، فقد ألقى كلمة البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، وقال: " لئلا تتجدّد الإبادة، فلنتذكّر أنّ سياسة الإقصاء والإستبعاد هجّرت المسيحيين اليوم من أرضهم في العراق وسوريا، فطُردوا من هذه الأرض التي عاشوا عليها منذ 2000 سنة".
وطالب المطران ميشال قصارجي في الكلمة التي ألقاها باسم البطريرك مار لويس روفائيل الأوّل ساكو، المجتمعَ الدولي وأصحاب النفوذ السياسي والإجتماعي بالإعتراف بهذه الإبادة.
في كلمته، أكّد البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ "هذا الإحتفال بذكرى إبادة السريان ليس من أجل الحقد والثأر، إنّما هو دعوة للأسرة الدولية للإعتراف الرسمي بالإبادة، لكي لا تُرتكَب بعد اليوم مثيلات لها". وقال "إنّ إبادة السريان هي حقيقة تاريخية موثَّقة في كتبٍ ومخطوطاتٍ وتقارير بالعربية والسريانية وبلغات أجنبية"، مؤكّداً "أنّ الذين استشهدوا لا يُثمَّنون بمال". كما تحدّث عن الشهادة ومعناها وخاصة في أيامنا هذه.
وفي ختام الحفل الإفتتاحي، قُدِّمت الدروع التذكارية إلى أصحاب القداسة والغبطة البطاركة وممثّليهم وإلى ممثّل رئيسي مجلسي النواب والوزراء، بعد عرض وثائقي عن تهجير المسيحيين من الموصل وسهل نينوى في العراق.
هذا واستمرّ المؤتمر لمدّة ثلاثة أيام حتى مساء يوم السبت 4 تمّوز، وتخلّلت أعماله محاضراتٌ عديدةٌ قدّمها باحثون وأكادميون عالميون تناولوا موضوع الإبادة من النواحي السياسية والتاريخية والجغرافية، للتأكيد أنّ مجازر الإبادة هي شهادة إيمانٍ حي، ذي تراثٍ وحضارةٍ عريقين لم يُحصرا في منطقةٍ معينةٍ، بل انتشرا في أنحاء العالم، ملقين الضوء على شهاداتٍ حيّةٍ لكثيرين بذلوا دماءهم ذبائح محرقة من أجل الإيمان المسيحي.


خلاصات وتوصيات
في الجلسة الختامية لمؤتمر "إبادة السريان: شهادة وإيمان"، الذي نظّمته بطريركيتا أنطاكية للسريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك، وعُقد في جامعة الروح القدس ـ الكسليك ـ لبنان، أيام 2 و3 و4 تمّوز 2015، ألقى الأب حبيب مراد، أمين سرّ بطريركية السريان الكاثوليك، والأب جوزف بالي، السكرتير البطريركي ومدير دائرة الإعلام في بطريركية السريان الأرثوذكس، وهما من اللجنة التنظيمية للمؤتمر، تقريراً يختصر أعمال المؤتمر، ويتضمّن أهم النقاط التي وردت في حفل افتتاحه وفي الجلسات والمحاضرات التي تضمّنته.

أدناه تجدون نص التقرير مع الخلاصات والتوصيات:

إنها فرحة كبيرة أن تلتقي الكنيستان السريانيتان الكاثوليكية والأرثوذكسية معاً وتعقدان مؤتمراً واحداً تحييان فيه ذكرى اليوبيل المئوي لمجازر الإبادة الجماعية السريانية "سيفو ـ السوقيات"، التي حصلت في ظلّ الحكم العثماني. وهذا المؤتمر هو علامة حسّية وتجسيد لما دأب صاحبا القداسة والغبطة رئيسا الكنيستين على تأكيده، بأنّنا كنيسة واحدة بأصول واحدة وجذور واحدة وتراث واحد ولغة واحدة هي اللغة السريانية لغة ربنا يسوع المسيح، ومن أبرز ما يوحّدنا وحدة الشهادة والدم.
عنوان المؤتمر "إبادة السريان: شهادة وإيمان"، وقد جمع في حفله الإفتتاحي أصحاب القداسة والغبطة الآباء بطاركة الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية في هذا الشرق، الذين عبّروا بحضورهم الشخصي عن اعتراف كنائسهم بأنّ تلك المجازر هي بحق إبادة طالت الشعب السرياني في تلك الحقبة.
فمع أبوينا البطريركين الجليلين، حضر حفل الإفتتاح، مساء يوم الخميس 2 تمّوز، أصحاب الغبطة البطاركة: الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، ويوحنا العاشر اليازجي، والكاثوليكوس آرام الأوّل كيشيشيان، وابراهيم اسحق، والسفير البابوي في لبنان المطران كبريالي كاتشا، والمطرنان كيرلس بسترس ممثّلاً البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، وميشال قصارجي ممثّلاً البطريرك مار لويس روفائيل الأوّل ساكو، ولفيف من الأساقفة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والإكليريكيين والراهبات، وفعاليات رسمية وسياسية واجتماعية وثقافية.
وأكّد البطاركة في كلماتهم على ضرورة الإعتراف بالإبادة في العالم كلّه شرقاً وغرباً، مشيرين إلى أنّ هذه المجازر وبالرغم من فظاعتها، هي شهادة ناصعة على التمسّك بالإيمان المسيحي والشهادة له بالكلمة والحياة حتى بذل الدم. وحثّوا المسيحيين في الشرق على التجذّر في أرض الآباء والأجداد وعدم الانجرار وراء دعوات واهية برّاقة بهجرة تقتلع من الجذور.
وفي الجلسة الأولى صباح يوم الجمعة 3 تمّوز، تناول المحاضرون الوضع العام في منطقة شرقي المتوسّط خلال المئة عام التي مضت، مشدّدين على الأثر السلبي لمجازر الإبادة مع التداعيات التي انعكست على وضع المسيحيين والسريان بشكل خاص. كما عالجوا موضوع العنف الذي يظهر في الإبادات، على غرار الحروب والتعديات. فكان تحديدٌ أفضل لماهيّة الإبادة التي تعرّض لها السريان وأسبابها وعناصرها التي تميّزها عن سائر المجازر، ألا وهي أنّ السريان لم يكونوا مذنبين، بل كانوا ضحية الكره البحت والحسد والتعصّب العرقي والإتني والديني المتطرّف.
وفي الجلسة الثانية التي خُصِّصت لتاريخ السريان في المنطقة، أشار المحاضرون إلى دور الكنيسة السريانية منذ نشأتها في تهذيب الحضارة في المنطقة ـ لا سيّما في الرها ـ ونقل العلوم والثقافة للشعوب في المنطقة والجوار، بل حتّى خلق الجوّ المناسب في الإدارات العامة والدواوين لنموّ البلاد وتطوّرها. وقد كانت للمسيحيين امتيازاتٌ في عهد السلاطين العرب وغيرهم الذين حكموا البلاد. كما سلّطوا الضوء على أحداث سويرك المشؤومة في عام 1895 في نهاية القرن التاسع عشر، والتي هي مجازر نعرف الآن أنّها كانت تشير إلى ما سيحدث في عام 1915 من مجازر إبادة.
وفي الجلسة الثالثة، تابع المحاضرون الحديث عن تاريخ المذابح والإبادة خلال الحرب العالمية الأولى. فعالجوا أسباب الإعتداءات على القرى السريانية في طور عبدين، مستعينين بالمصادر السريانية والعربية وغيرها التي تذكر وتوثّق هذه المجازر. وتناولوا امتداد هذه المجازر لتطال السريان والآشوريين والكلدان في "حقّاري" وفي أذربيجان، للتأكيد أنّ السريان كانوا مستهدَفين في السلطنة العثمانية كما في مناطق مجاورة، وذلك لتمسّكهم بدينهم المسيحي.
أمّا يوم السبت 4 تمّوز، وهو اليوم الثالث والأخير للمؤتمر، وقبل البدء بالمحاضرات، صلَّينا معاً تشمشت (أي خدمة) الشهداء، وذلك لراحة نفوس الشهداء، ورفعنا الصلاة على نيّة إعلان تطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي. وفي الجلسة الرابعة، عرض المحاضرون أهمّ مراحل حياته ومسيرته الدينية، لا سيّما أنّه أبى أن يترك قطيع المسيح وسيق للموت، فقبل بشجاعةٍ الإستشهاد متمسّكاً بإيمانه، ومعزّياً المؤمنين الذين كانوا يلاقون المصير عينه.
كما تناولوا أسماء مضيئةً من شهداء الإبادة السريانية، من أساقفة وكهنة وعلمانيين، لا سيّما المطرانين الشهيدين مار أثناسيوس دنحو، ومار أنتيموس يعقوب.
وفي الجلسة الخامسة، عُرضت شهادات حيّة عن المجازر السريانية، والمُلفت أنّ من بينها شهاداتٍ أرمنيةً، وهذا ما ندر. وتناول المحاضرون بإسهابٍ مجزرة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد عام 2010، والتي أعطت للكنيسة شهداء جدداً من كهنة وعلمانيين. وكذلك بلدة صدد وما حصل فيها من مآسٍ أدّت إلى استشهاد نخبةٍ من خيرة أبنائها.
وفي الجلسة السادسة، انطلق المحاضرون من ما تحتويه الكتابات السريانية المخطوطة عن الشعب السرياني والتي تشهد لعراقة حضارته وعظمة تاريخه، للتأكيد أنّ الشهادة هي من ضمن حياة الكنيسة السريانية، بل هي البذرة التي تغذّي الإيمان. وبما أنّ إحدى نتائج الإبادة هي هجرة ما تبقّى من المسيحيين إلى الخارج ولا سيّما إلى أوروبا، عرض المحاضرون لما يمكن أن يكون تأثيرها على الإيمان في أوروبا، علّها تكون إرساليةً مشرقيةً للغرب، تحمل نور المسيحية للتبشير بها من جديد في العالم.
وخلصوا إلى أنّ المسيحيين المهجَّرين اليوم هم جزءٌ لا يتجزّأ من مكوّنات هذا الشرق، ساهموا في نهضة حضارته ونشرها تحت كلّ سماء.

وبعد هذا العرض الموجز لأبرز محطّات وتفاصيل جلسات المؤتمر، نرفع باسم اللجنة المنظّمة توصياتٍ نضعها أمانةً بين يدَي صاحبي القداسة والغبطة، ونوجّهها إلى كلّ المعنيين:
أوّلاً: عدم الإكتفاء كسريان بإحياء الذكرى المئوية لمجازر الإبادة، بل حمل القضية والسعي الدؤوب للمجاهرة بها حفاظاً على الهوية السريانية.
ثانياً: أخذ العبرة من استشهاد من سبقونا في مجازر الإبادة السريانية "سيفو"، والتشفّع بهم والإقتداء بسيرتهم، للتمسّك بالأرض والجذور واللغة السريانية وتلقينها ونشرها في كلّ أصقاع الأرض، أمانةً ووديعةً ثمينةً للأجيال القادمة.
ثالثاً: رغم أننا شعبٌ من دون أرض، إنّما علينا عدم الإستسلام لهذا الواقع. نحن شعبٌ ذو تاريخٍ مجيدٍ، شعبٌ ترجم الحضارة ونقلها، وهو يفاخر بدينه وانتمائه.
رابعاً: إصدار أعمال هذا المؤتمر وكلّ ما تضمّنه من كلمات ومداخلات ومحاضرات في كتاب يصدر باسم البطريركيتين السريانيتين.
خامساً: إقامة أبحاث ومؤتمرات تخدم تاريخنا المغيَّب والمهمَل لحقباتٍ عدّة، معتمدين على التاريخ أساساً لصناعة المستقبل، إذ لا يمكن القبول باستمرار الإبادة أو الإستسلام للسيف المسلَّط فوق رؤوسنا.
سادساً: التاكيد على أنّ قضيتنا هي عينها قضية الأرمن والآشوريين والكلدان وسواهم، وأنّ قوّتنا تكمن في اتّحادنا. نحن جزءٌ من كلّ، كلّنا واحد، في وجه الإرهاب والتطرّف وعدم قبول الآخر.
سابعاً: جعل جلجلة الإبادة طريقاً ودرباً للقيامة، عبر فهم المذابح كقرابين حبٍّ تُقدَّم للعزّة الإلهية، من خلالها يتعزّز رجاؤنا فوق كلّ رجاء ببريق أملٍ نحو مستقبلٍ مشرقٍ، فلا بدّ من أن تعقب النفقَ المظلمَ طريقٌ معبَّدةٌ بالورود والرياحين.

   في نهاية مؤتمرنا هذا، لا يسعنا إلا أن نقدّم الشكر لله الذي جمعنا سويةً ووحّد جهودنا لنقيم هذا المؤتمر، نحن أبناء الكنيسة السريانية الواحدة الشاهدة لإيمانها المسيحي والشهيدة حبّاً بفاديها ومخلّصها.   
نشكر صاحبي القداسة والغبطة مار اغناطيوس أفرام الثاني ومار اغناطيوس يوسف الثالث يونان اللذين باركا جهودنا وشجّعانا بمبادرتهما الأخوية لإقامة هذا المؤتمر كعلامة شركة ووحدة، أدامهما الله، فهما يجسّدان الراعي الصالح الواحد للكنيسة الواحدة.
   وباسمهما نشكر أصحاب القداسة والغبطة الآباء البطاركة وممثّليهم الذين باركونا بحضورهم وكلماتهم في افتتاح المؤتمر. ونشكر أيضاً جميع الرسميين والأمنيين والذين حضروا المؤتمر بافتتاحه وجلساته.
   نشكر جامعة الروح القدس ـ الكسليك، هذا الصرح العلمي الحضاري الذي استضافنا، ونشكر جميع الذين تعاونوا معنا من أجل إنجاح المؤتمر.
   نخص بالذكر جميع رؤساء الجلسات والمحاضرين من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين متبحّرين ومتخصّصين، صبغوا مؤتمرنا بالصبغة الأكاديمية العلمية المتجرّدة، ملقين الضوء على تلك المجازر التي شكّلت وصمة عارٍ كبرى على جبين الإنسانية بأسرها.
   نشكر الإعلامية كلود أبو ناضر هندي وفريق عملها، وبخاصةٍ الإعلامي روي أبو زيد الذي أعدّ الفيلم الوثائقي، وجميع وسائل الإعلام اللبنانية والسريانية المرئية والمسموعة والمكتوبة التي غطّت المؤتمر، وبخاصة تلفزيون Télé Lumière – Noursat. ونشكر أعضاء جوق أبرشية زحلة والبقاع للسريان الأرثوذكس، الذين رنّموا بالسريانية متغنّين بشهدائنا الأبرار.

   ويطيب لنا أن نتوجّه بكلمات شكرٍ من القلب للذين تعبوا في الإعداد والتنظيم والإدارة، نشكر نيافة المطران مار ديونيسيوس جان قواق المعاون البطريركي للسريان الأرثوذكس، الذي اضطرّ للغياب عنّا لارتباطه بمهمّة كنسية في الولايات المتّحدة، وسيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد للسريان الكاثوليك. نشكر اللجنتين البطريركيتين اللتين شكّلتهما الكنيستان لإعداد احتفالات ذكرى مئوية الإبادة. ونشكر خاصةً الدكتورة جويل الترك والشمّاس يوسف درغام والشمامسة الإكليريكيين من الكنيستين، وجميعهم ساندونا، نحن الأب حبيب مراد أمين سرّ بطريركية السريان الكاثوليك والأب جوزف بالي السكرتير البطريركي للسريان الأرثوذكس، في الإعداد لهذا المؤتمر.
 
   أهّلَنا الله أن نكون شهوداً حقيقيين لإيماننا المسيحي هنا في أرض الآباء والأجداد حيث أوجدنا الله، ونؤكّد أنّ من يؤمن بالرب يسوع لن يذوق الموت أبداً، وهو إن مات، فإنه ينتقل إلى حياةٍ أبديةٍ مع الفادي الحبيب يسوع، له المجد في وحدة أبيه وروحه القدوس إلى الأبد.

   وخير ما نختم به، تأمّلٌ آبائي عن الشهداء:
"ܕܳܡܶܝܢ ܣܳܗܕ̈ܶܐ ܠܺܐܝܠܳܢ̈ܶܐ܆ ܕܰܢܨܺܝܒܺܝܢ ܥܰܠ ܡܰܒܽܘ̈ܥܶܐ. ܐܺܝܠܳܢ̈ܶܐ ܝܳܗܒܺܝܢ ܦܺܐܪ̈ܶܐ܆ ܘܣܳܗܕ̈ܶܐ ܡܰܪܕܶܝܢ ܥܽܘܕܪ̈ܳܢܶܐ". وترجمته: "الشهداء يشبهون الأشجار المغروسة على ينابيع المياه. الأشجار تعطي الثمار، والشهداء يفيضون بالمعونات".
   شكراً جزيلاً، ܬܘܕܝ ܣܓܝ ܘܒܪܟܡܪܝ.


106
غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يطلب تقديم القداديس والأصوام والصلوات من أجل إطلاق سراح الأب جاك مراد


107

الرقم: 23/2015
التاريخ: 11/5/2015
بيان إعلامي
صدر عن أمانة سر بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان التالي:

غبطة البطريرك يوسف الثالث يونان يستقبل كندا الجديدة في لبنان
ظهر يوم الإثنين 11 أيار 2015، استقبل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلي الطوبى، سعادة سفيرة كندا الجديدة في لبنان ميشال كاميرون، وذلك في مقرّ الكرسي البطريركي في المتحف ـ بيروت، يرافقها السفير جورج سيام، وبحضور الأساقفة والكهنة في البطريركية.
وخلال اللقاء، عرض غبطته الأوضاع العامة في الشرق، وبخاصة موضوع الحضور المسيحي فيه، مطالباً بضرورة تحقيق مبدأ العدالة والمواطنة للجميع، والمساواة بين كافة فئات المجتمع في كلّ بلدٍ من بلدان الشرق، وبخاصة إعمال وتطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة، داعياً إلى ضرورة إحلال السلام والأمان والطمأنينة والإستقرار في الشرق برمّته.
فتكلّم غبطته عن الأوضاع الراهنة في لبنان وما يتخبّط فيه من أزمات، أبرزها عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ونحن على مشارف بدء السنة الثانية للشغور الرئاسي، فضلاً عن الأوضاع الإقتصادية الصعبة، والتهديدات الأمنية والأخطار المحدقة من جراء المنظّمات الإرهابية والمتطرّفة.
كما تحدّث غبطته عن الأزمة في سوريا التي دخلت عامها الخامس، وما حلّ بالبلاد من دمار وبالناس من قتل وتشريد وتهجير، كلّ ذلك بحجّة نشر الديقراطية.
وتناول الأوضاع في العراق سيّما ما حلّ بأبناء شعبنا في الموصل وسهل نينوى خاصةً بعد التهجير القسري والإقتلاع من أرض الآباء والأجداد، ممّا اضطرّهم إلى النزوح والهجرة داخل البلاد وخارجها، ومنهم كثيرون قدموا إلى لبنان.
كما أسهب غبطته في شرح معاناة المهجَّرين في لبنان واللاجئين من العراق وسوريا، مشيراً إلى ما تقدّمه لهم البطريركية من مساعدات واهتمام راعوي ومادي، وقيامها مؤخّراً بفتح مدرسة لتعليم أبناء اللاجئين العراقيين كيلا يخسروا سني الدراسة.
وقد أطلع غبطته السفيرة على برنامج زيارته إلى كندا في مطلع أيلول القادم، حيث سيحتفل في العاصمة أوتاوا باليوبيل المئوي لذكرى مذابح الإبادة التي تعرضّ لها السريان، باحتفال رسمي وشعبي، وكذلك سيقوم بزيارات راعوية إلى مونتريال وتورونتو.
وقد أبدت السفيرة تفهّمها لما طرحه غبطته، وتعاطفها مع المحن والصعوبات التي يعانيها اللاجئون المهجَّرون من العراق وسوريا، مؤكّدةً أنّ كندا دولة ديمقراطية وهي لا تتدخّل في شؤون الدول الأخرى إنما تدعم قضايا العدالة والسلام.   
وإذ شكرت السفيرة غبطته لاستقباله وشفافيته في عرض الأوضاع الراهنة، ورحّبت بزيارة غبطته إلى كندا، شكرها غبطته معرباً عن سروره بزيارتها، ومتمنياً لكندا حكومة وشعباً دوام النجاح والإزدهار. واستبقى غبطته السفيرة إلى مائدة الغداء في البطريركية.

108
لقاء البطاركة يونان وساكو وأفرام

عنكاو كوم / بيروت

صباح يوم الإثنين 27/4/2015، وفي مقرّ الكرسي البطريركي للسريان الكاثوليك في المتحف ـ بيروت، التقى البطاركة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، ومار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك بابل على الكلدان، ومار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع، وعقدوا اجتماعاً تشاورياً تدارسوا فيه أوضاع أبناء شعبهم المأساوية والمقلقة في الشرق عامةً وفي سوريا والعراق خاصةً.

اتّفق البطاركة على عقد اجتماع موسّع يشمل الفعاليات الكنسية والسياسية والفكرية، لوضع خارطة طريق تهدف إلى تثبيت حضورهم والحفاظ على هويتهم للعيش بكرامة وسلام في أوطانهم، إزاء التحدّيات التي تهدّد وجودهم التاريخي في أرض آبائهم وأجدادهم.

وبعد اللقاء توجه غبطة البطريرك مار ساكو برفقة سيادة المطران مار ميشال قصارجي وسيادة المطران مار باسيليوس يلدو الى مطار بيروت للعودة الى بغداد، وقبل مغادرته عقد لقاءاً صحفياً في صالة التشريفات مع غبطته تحدث عن وضع المسيحيين في المنطقة وعن لقائه مع البطاركة في بيروت.

109


الرقم: 91/2015
التاريخ: 1/4/2015
إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

 نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
قيامة المسيح من الموت تشكّل أساس الإيمان والرجاء به ربّاً ومخلّصاً، كما أعلنته الجماعة المسيحية الأولى وعاشته كحقيقة أثبتتها كتب العهد الجديد، وتناقلها التقليد الرسولي، وكرزها الرسل وخلفاؤهم من بعدهم كجزء جوهري من السرّ الفصحي مع الصليب. وقيامة المسيح ليست قيامته وحسب، إنّها قيامتنا وجميع الذين يؤمنون به. وهذا ما عناه بولس الرسول: "ولكنّ الله الغني بمراحمه، لحبّه الشديد الذي أحبّنا به، مع أنّنا كنّا أمواتاً بزلاتنا، أحيانا مع المسيح، وبنعمته خلّصنا، وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السموات في المسيح يسوع" (أف 2: 4ـ6).
    فليكن هذا العيد مناسبةً للعودة إلى الله بالتوبة الصادقة والعزم الثابت بالعمل على مرضاته، أيّاً تكن المغريات. إنه مناسبة للعودة إلى الذات، فنلقي نوراً في أعماق نفوسنا لنرى ما إذا كنّا نسير بصدقٍ وإخلاصٍ مع ذواتنا، ومع إيماننا بالمسيح القائم والذي أقامنا معه، فننزع عنّا إنساننا العتيق ونلبس الإنسان الجديد. وهو مناسبة للعودة إلى بعضنا البعض، فلا نبقى متباعدين ومتنازعين، وقد أرادنا الله أن نعمل متضافرين على نشر بشرى إنجيله السارّة بالقول والعمل وشهادة الحياة، بما حبانا من مواهب وعطايا، وتحت أنوار روحه القدّوس.
بمناسبة عيد القيامة المجيدة، يطيب لنا أن نتقدّم من جميع إخوتنا الأحبار الأجلاء آباء السينودس المقدّس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وأعضاء الإكليروس والمكرَّسين، ومن أبناء كنيستنا وبناتها المؤمنين، بالتهاني القلبية مع مشاعر المحبّة الأبوية، ضارعين إلى الرب يسوع "القيامة والحياة"، أن يبسط أمنه وسلامه في العالم بأسره، وبخاصةٍ في بلادنا المشرقية المعذّبة، سيّما في لبنان الحبيب، وسوريا الجريحة، والعراق الغالي، ليعود جميع النازحين والمهجَّرين إلى ديارهم في أرض الآباء والأجداد، وينعموا بالطمأنينة والإستقرار، ومن أجل الأردن، ومصر، والأراضي المقدسة، وتركيا، وبلاد الإنتشار، في أوروبا وأميركا وأستراليا. كما نصلّي لأجل الفقراء، والمعوَزين، والحزانى، والمتألّمين، فيحيا الجميع بالمحبة والألفة والثقة لبناء عالمٍ أفضل.
وإذ نبتهل إلى الرب كي يجعل هذا الزمن الخلاصي موسم خيرٍ ونعمةٍ لكم أجمعين، نختم بمنحكم بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية، ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين. وكلّ عام وأنتم بألف خير.   
                                          ܩܳܡ ܡܳܪܰܢ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ܆ ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ     المسيح قام، حقّاً قام
                                                 

                                                    اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                      بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي   

110
ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܦܪܘܩܝܬܐ ܫܢܬ ܒ̱ܝ
رسالة عيد القيامة عام 2015

ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܐܚܝܕ ܟܠ
ܐܝܓܢܛܝܘܣ ܝܘܣܦ ܬܠܝܬܝܐ ܕܒܝܬ ܝܘܢܐܢ
ܕܒܪ̈ܚܡܘܗܝ ܕܐܠܗܐ
ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܕܣܘܪ̈ܝܝܐ ܩܬܘܠܝܩܝ̈ܐ


باسم الأزلي السرمدي الواجب الوجود الضابط الكل

اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بنعمة الله
بطريرك الكرسي الرسولي الأنطاكي للسريان الكاثوليك


إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع القائم من بين الأموات، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات والخيرات:                         
ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ... ܘܰܐܩܺܝܡܰܢ ܥܰܡܶܗ
المسيح قام... وأقامنا معه
1ـ مقدّمة: وعد القيامة: السلام الحقيقي
يطيب لنا في مستهلّ رسالتنا لمناسبة عيد القيامة المجيدة، أن نتوجّه بالتهاني والتمنّيات إلى أساقفة كنيستنا السريانية وكهنتها وشمامستها ورهبانها وراهباتها وأبنائها وبناتها، وإلى إخوتنا من الكنائس الشقيقة، وجميع المواطنين ذوي الإرادة الصالحة، حيثما وُجدوا، في لبنان وبلدان الشرق وعالم الإنتشار. نحيّيهم بالمحبة، ونرجو للجميع أن يهنأوا بالسلام الحقيقي الآتي من عند الله، والذي حمله الرب يسوع المنبعث ظافراً من القبر لتلاميذه الخائفين في العلية، فأفاض في نفوسهم صفاء السلام.


قيامة المسيح من الموت تشكّل أساس الإيمان والرجاء به ربّاً ومخلّصاً، كما أعلنته الجماعة المسيحية الأولى وعاشته كحقيقة أساسية ومحورية أثبتتها كتب العهد الجديد، وتناقلها التقليد الرسولي، وكرزها الرسل وخلفاؤهم من بعدهم كجزء جوهري من السرّ الفصحي مع الصليب. سرّ قيامة يسوع حدث واقعي تاريخي شهد له العهد الجديد، فقد كتب بولس لمؤمني كورنثوس: "سلّمتُ إليكم قبل كلّ شيءٍ ما تسلّمتُه أنا أيضاً، وهو أنّ المسيح مات من أجل خطايانا كما ورد في الكتب، وأنه قُبِر وقام في اليوم الثالث كما ورد في الكتب، وأنه تراءى لصخر (أي بطرس)، فالإثني عشر" (1كور 15: 3ـ5).
2ـ لا إيمان دون القيامة
عيد قيامة السيّد المسيح من الموت، هو عيد المسيحية الكبير كما ندعوه. وما سبق لأحدٍ أن مات وقام ولم يعد ليموت ثانيةً، على مثال من أقامهم الرب يسوع من الموت، كالفتى ابن أرملة نائين ولعازر. لأنّ الموت هذا هو مصير كلّ حيّ، على ما يقول صاحب المزامير: "أيّ إنسانٍ يحيا ولا يرى الموت، ومن ينجّي نفسه من يد مثوى الأموات؟" (مز 89: 49). يسوع المسيح وحده عرف الموت، لكنّه قام ممجّداً متغلّباً عليه. ولولا القيامة لكان إيماننا باطلاً، على ما يؤكّد بولس الرسول: "إن كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطلٌ، وإيمانكم أيضاً باطل. بل نكون عندئذٍ شهود زورٍ على الله، لأنّنا شهدنا على الله أنّه قد أقام المسيح وهو لم يُقمه" (1كور 15: 14ـ15).
في عيد القيامة نؤمن بأننا قادرون على التحرّر من الخطيئة لنغلب الموت، وذلك بنعمة الأسرار المقدسة. إذ نموت بها عن الخطيئة لنقوم مع الرب لحياةٍ جديدةٍ، ساعين إلى مشاركته مجد الحياة الإلهية في السماء، ونحن منتظرون مجيئه الثاني بالمجد برجاءٍ وطيدٍ لا يخيّب صاحبه.
3ـ القيامة مبعث الرجاء
    القيامة واقعٌ راهنٌ، لكنّ ظروفها لا تستند إلى ما يقع تحت الحواس وحسب، بل إلى الإيمان بصورةٍ خاصة. ما من إنجيلٍ من الأناجيل الأربعة يتحدّث عن كيفية قيامة المسيح التي ستبقى سرّاً مخفياً على معرفتنا البشرية. فالأناجيل تأتي على ذكر القبر الفارغ والملاك أو الملائكة، وظهور المسيح للنسوة القديسات، وبخاصة لمريم المجدلية، وظهوره لتلميذَي عمّاوس، وللرسل، وتوما. ويسوع القائم من الموت عرّف عن نفسه من خلال ندائه: مريم، ومن خلال كسره الخبز، ودخوله وسط الرسل والأبواب موصدة، ودعوته توما المشكّك ليضع يديه في الجراح بحسب رغبته. هذه الظهورات تنتقل بالنظر من مسيحٍ كان مألوفاً بإنسانيته إلى مسيحٍ متجلٍّ ومتسامٍ، ما طاله لمسٌ، لكنّه عُرف تمام المعرفة من خلال جراحه.
    قيامة المسيح بحدّ ذاتها تفوق كلّ تصوُّرٍ بشري، وما من شاهدٍ عليها. إنّنا نعرف فقط أنّها تمّت في جنح الليل، ولكنّ المسيح القائم من الموت، تجلّى في وضح النهار، المسيح المنتصر، مسيح المجد. نتأمّل به اليوم مسيحاً مشرقَ الوجه، متّشحاً برداءٍ وردي يضمّخه الفجر أكثر من الدماء التي نزفت من جراح يديه وقدميه المثقوبة ومن قلبه المطعون بالحربة. ولأنّنا آمنّا بوعد القيامة التي حقّقها فادينا المصلوب بسبب خطايانا والمنبعث ممجَّداً لتبريرنا، فإنّنا مدعوون اليوم، على مثال التلاميذ والجماعة المسيحية الأولى، كي نجدّد فعل رجائنا الراسخ بيسوع المخلّص الذي منحنا بقيامته الظفر وعربونَ الحياة الأبدية. حسبُنا أن نؤمن أنّ المسيح يواكبنا، حسب وعده، في مسيرتنا المثقلة على الأرض حتى المنتهى كي نبلغ إليه. وهذا ما يولّد فينا الرجاء الذي كدنا نفقده، والأمل الذي نخشى أن يضيع.




4ـ قيامة المسيح هي قيامتنا
    قيامة المسيح ليست قيامته وحسب، إنّها قيامتنا وجميع الذين يؤمنون بالمسيح، الملتزمين بالسير على خطى الفادي الذي يؤهّلهم لهذه القيامة المرجوّة بعد مرافقته على درب آلامه، والمرور بمحنة الموت التي لا بدّ منها. وهذا ما عناه بولس الرسول بقوله: "ولكنّ الله الغني بمراحمه، لحبّه الشديد الذي أحبّنا به، مع أنّنا كنّا أمواتاً بزلاتنا، أحيانا مع المسيح، وبنعمته خلّصنا، وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السموات في المسيح يسوع" (أف 2: 4ـ6).
    فليكن هذا العيد المجيد مناسبةً للعودة إلى الله بالتوبة الصادقة والعزم الثابت بالعمل على مرضاته، أيّاً تكن المغريات وأسباب الإبتعاد عنه، وهي كثيرة في أيّامنا. إنه مناسبة للعودة إلى الذات، فنلقي نوراً في أعماق نفوسنا لنرى ما إذا كنّا نسير بصدقٍ وإخلاصٍ مع ذواتنا، ومع إيماننا بالمسيح القائم والذي أقامنا معه، فننزع عنّا إنساننا العتيق ونلبس الإنسان الجديد. وهو مناسبة للعودة إلى بعضنا البعض، فلا نبقى متباعدين، كيلا نقول متنازعين، وقد أرادنا الله أن نعمل متضافرين على نشر بشرى إنجيله السارّة بالقول والعمل وشهادة الحياة، بما حبانا من مواهب وعطايا، وتحت أنوار روحه القدّوس. فنساعد بعضنا بعضاً على اجتياز المحنة، ذاكرين ما يقوله القديس يعقوب: "إن كان فيكم أخٌ عريانٌ أو أختٌ عريانة، ينقصهما قوت يومهما، وقال لهما أحدكم: اذهبا بسلامٍ، فاستدفئا واشبعا، ولم تعطوهما ما يحتاج إليه الجسد، فماذا ينفع قولكم؟" (يع 2: 15ـ16)، ويضيف قائلاً: "كذلك الإيمان، فإن لم يقترن بالأعمال، كان ميتاً في حدّ ذاته" (يع 2: 17).
5ـ عيد القيامة هذا العام
    عيد القيامة هو رمز انتصار النور على الظلمة ووعدٌ أكيدٌ بغلبة الخير على الشر. والكلّ يعلم كم أنّ عالمنا اليوم وشرقنا الأوسط بنوعٍ خاص بحاجةٍ إلى النعم الإلهية كي يدحر الشرّ المتربّص بأوطاننا وشعوبنا وحضاراتنا.
    إننا، من موقعنا كرعاةٍ روحيين، نكثّف الصلوات والأدعية مع جميع أبناء شعبنا من إكليروس ومؤمنين، ومع الكنائس والجمعيات والأفراد الذين يشعرون ويتألّمون للمآسي المخيفة التي حلّت بنا في العراق وسوريا، وهم لا يزالون يتخوّفون وإيّانا بسبب الأخطار التي تحدق بنا. نصلّي إلى الرب المنبعث من الموت، كي يبعث قوّة رجائه في نفوس أبنائنا وبناتنا المتألّمين والمهدَّدين بوجودهم في الشرق، فلا تثبط عزائمهم، بل يرفعون رؤوسهم ثابتين في وطنهم، أرض الآباء والأجداد. ونضرع إلى المخلّص الذي حمل صليبه من أجلنا وغلب الموت بقيامته، كي يشدّد بنعمة قيامته قلوبهم وعزائمهم للتغلّب على المخاوف والتعالي على جراح الجسد والنفس. كما ندعوه أن يثبّتهم وإيّانا في نعمة الإيمان بقوّة قيامته، فيطمئننا وأجيالنا الصاعدة، كما طمأن رسله الخائفين من عاصفة بحر الجليل، ومدّ يده لينقذ شمعون بطرس من الغرق.
    منذ سنوات، يعيش العراق الأزمات والحروب المستمرّة، وتهدّد الإنقسامات وحدته الوطنية وتناغم مكوّناته، في ظلّ نموّ الحركات التكفيرية التي لم ترحم لا بشراً ولا حجراً، وتفشّي الأصوليات التي تلغي الآخر المختلف عنها وتبثّ روح الفرقة والتضليل. وليس خفياً على أحد أنّ جرائم هذه المجموعات الإرهابية قد طالت الأفراد والجماعات ومعالم حضارة بلاد الرافدين وتراثها الإنساني الذي لا يقدَّر بثمن. هدموا الكنائس والأديرة والمراقد والمتاحف، واعتدوا على الآثار العريقة،  وكلّ هذا تحت أنظار المجتمع الدولي الذي لم يحرّك ساكناً، بل اكتفى بالبيانات والإدانات اللفظية التي لم تحمِ الإنسان من الإقتلاع من أرضه وبيته وتاريخه في الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، فيما استمرّ التكفيريون يعيثون الفساد والدمار.
 




    وفي ظلّ هذا المشهد الضبابي السوداوي، نتوجّه بشكلٍ خاص بمحبّةٍ أبويةٍ وتضامُنٍ كلّي إلى أبنائنا وبناتنا في بغداد والبصرة وإقليم كردستان وكركوك، وإلى المقتلَعين من ديارهم قسراً في مدينة الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، إكليروساً ومؤمنين، ضارعين إلى الرب المنتصر على الموت، أن يعينهم على حمل صليب آلام النزوح والتهجير، واثقين بأنّ درب الآلام لا بدّ وأن تنتهي بالقيامة، التي تعدهم بالغلبة على الظلمة والإستبداد، مع أملنا الوطيد بأن يسرع المعنيون بتحرير الموصل وسهل نينوى من الجماعات الإرهابية المفسدة، ليعود أهلنا إلى قراهم ومدنهم ومنازلهم آمنين سالمين، وتعود أجراس الكنائس لتقرع متهلّلةً وشاهدةً على التجذّر المسيحي في بلاد الرافدين، إيماناً بإله المحبّة والسلام.
    ولأنّ إيماننا بقوّة القيامة لا ينال منه شكٌّ ولا ريبة، ولأنّ رجاءنا بمواعيد القيامة ثابتٌ، وثقتنا بالله لا تتزعزع، إذ هو ينبوع المراحم وملجأ الخطأة، نصلّي ونضرع إليه تعالى لينتشل سوريا من الصراعات الداخلية المتفاقمة ومن التدخّلات الإقليمية والدولية، بحجّةٍ لم تعد تنطوي على أصحاب الضمائر الحيّة، بأنّ هناك شعباً يبغي الحرية والديمقراطية! أربع سنواتٍ من التقاتل والدمار لم تخل ولم تذر، قتلاً، خطفاً وتهجيراً. ونذكر هنا خاصةً أخوينا مطرانَي حلب المخطوفَين بولس اليازجي ويوحنّا ابراهيم، والكهنة. فأين المسؤولون وأين أصحاب الضمائر، وهم يتنادون لجمع المساعدات الإنسانية، بينما واجب الأسرة الدولية، سيّما تلك الدول من أصحاب القرار، أن تبذل كلّ جهدها لإيقاف الصراع والتقاتل، بالكفّ عن شحن النفوس وضخّ الأسلحة. يا ليتها تستجيب إلى الملايين من أبناء الشعب السوري، كي توجّه الدعوة الحازمة لجمع الأطراف المتنازعة إلى الحوار والمصالحة، سعياً لحلولٍ سياسيةٍ تحترم حقوق جميع مكوّنات الوطن، لأيّ دينٍ أو مذهبٍ أو قوميةٍ انتموا، حيث لا ذهنية لأكثرية دينية أو مذهبية سوى تلك المصمّمة على قبول المكوّنات الصغرى والإنفتاح عليها لتطمينها، وحيث لا خوف وارتياب لدى أقلّية من أنّها ستنال حقوقها الوطنية وحرّياتها الدينية التي تفرضها شرعة حقوق الإنسان الدولية.
    فهل من المقبول في القرن الحادي والعشرين، أن تستمرّ بلداننا الشرق أوسطية في فرض دينٍ أو مذهبٍ ينتقص من حقوق فئةٍ من المواطنين كون هؤلاء يختلفون ديناً أو مذهباً عن الأكثرية الحاكمة أو الساعية إلى الحكم؟ وهل يحقّ للداعين إلى احترام حقوق المواطنة، أن يستمرّوا في القتل والتخريب طيلة سنواتٍ، بحجّة فرض تنوُّع الفكر السياسي، متناسين أنّ الإختلاف الفكري بالمفهوم الحضاري هو غنى، بعكس الخلاف السياسي الذي يدعو إلى التقاتل وإلغاء الآخر.
    أربع سنواتٍ عادت بها سوريا أجيالاً إلى الوراء، وسمحت للمجموعات التكفيرية بسطَ جهلها وإجرامها ولا إنسانيتها على مساحاتٍ شاسعةٍ من سوريا، وآخرها كان تهجير المسيحيين من قراهم في ريف الحسكة في الخابور، حيث أُحرِقت الكنائس، وخُطف وقُتل عشرات الأطفال والنساء والشيوخ، وحيث الآلاف اقتُلعوا غدراً من بيوتهم وقراهم.
    وإنّنا نتوجّه بمحبّةٍ وتضامنٍ كاملٍ مع أبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا السريانية الأربع في سوريا، في دمشق، وحمص وحماة والنبك، وحلب، والجزيرة، سائلين ربّ القيامة والحياة أن ينهي محنتهم ويبسط أمنه وسلامه في ربوعهم، ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية متعايشين مع إخوتهم المواطنين من كلّ دينٍ وقومية.


 


    أمّا لبنان، وطننا الحبيب، حيث الشعب بطوائفه المتنوّعة يعيش حالة طوارئ وطنية تعصف به من كلّ الجهات، الإجتماعية والصحّية والإقتصادية والسياسية والأمنية. فالحدود باتت خطوط تماسٍ مفتوحة، إذ يسطّر الجيش اللبناني والقوى الأمنية البطولات ويقدّم التضحيات حتى الشهادة بغية الحفاظ على الإستقرار ومنع انزلاق الوطن إلى الفتن والبؤر الأمنية والطائفية التي غرقت في أوحالها الدول المجاورة. والمشاكل الإقتصادية تلمّ بمختلف شرائح المواطنين، فالأعمال والمؤسّسات تعاني الركود ومضاربة اليد العاملة الأجنبية التي تنافس العامل اللبناني، وغلاء المعيشة المستشري، ممّا جعل حالة الفقر والبطالة تتفاقم بصورةٍ اضطراديةٍ لم يُعرَف لها مثيلٌ في السابق. وها إنّ الساحة اللبنانية مليئةٌ بمظاهر انعدام الثقة التي قد تؤدّي بالبلاد إلى الضياع والهلاك الذاتي. هذا فضلاً عن وجود ملايين النازحين قدموا إلى لبنان إثر الحروب الدائرة رحاها في سوريا والعراق، وما يترتّب على وجودهم من مضاعفاتٍ تصيب المجتمع اللبناني وميثاقه واقتصاده.
    يبقى أنّ المناوشات السياسية بين مختلف الأفرقاء، وما أدّت إليه من عدم انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وها نحن على مشارف مرور عامٍ كاملٍ على حالة الفراغ الرئاسية وما أوجدته من فراغٍ في المؤسّسات كافةً، إلى حدٍّ أصبح شبح الفراغ والتعطيل يلفّ الدولة اللبنانية بأكملها. فيما معظم السياسيين منصرفون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة ولاهثون نحو تقاسُم الحصص على حساب الوطن والمواطن، متجاهلين واجبهم في دعوة النواب إلى الإلتزام بمسؤولياتهم الدستورية في عقد جلسات انتخاب رئيسٍ للبلاد.
    إنّنا نصلّي إلى الرب المنتصر على الموت كي تكون قيامته قيامةً للبنان ومناسبةً لاجتماع مختلف اللبنانيين وتفاهُمهم اليوم قبل الغد على انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، فيقوم بتشكيل حكومةٍ جديدةٍ تكون حكومة وحدةٍ وطنيةٍ ترعى شؤون البلاد، وتجعل في مقدّمة أولوياتها إقرار قانونٍ عصري للإنتخابات النيابية لا يغيّب أحداً، فنُمثَّل فيه نحن السريان ومختلف مكوّنات الوطن تمثيلاً صحيحاً حقيقياً يتناسب ومقدار التضحيات الجسام التي قدّمناها للبنان.
    وبهذه المناسبة، يطيب لنا أن نتوجّه بالتهنئة بالعيد من أبنائنا وبناتنا في أبرشية لبنان البطريركية، إكليروساً ومؤمنين، ومعهم جميع اللبنانيين واللبنانيات، ضارعين إلى الرب يسوع القائم من بين الأموات أن يقيم هذا البلد ويعيده إلى سابق عزّه وازدهاره.
    كما نهنّئ أبناءنا وبناتنا في الأردن، طالبين لهم النجاح والتوفيق الدائمين.
    ونهنّئ أبناءنا وبناتنا في النيابة البطريركية في تركيا، سائلين لهم كلّ خيرٍ وبركةٍ ونعمة.
    ونهنّئ أبناءنا وبناتنا في الأراضي المقدسة، مثنين على ثباتهم في أرضهم حيث تجسّد الرب يسوع وأتمّ سرّ الفداء.
    ونهنّئ أبناءنا وبناتنا في مصر، راجين لهم ولوطنهم فيض البركات والخيرات.
    كما نتوجّه بالتهنئة بالعيد من أبنائنا وبناتنا في كنائسنا وأبرشياتنا وإرسالياتنا السريانية في بلاد الإنتشار، في أوروبا وأميركا وأستراليا، وعليهم تقع مسؤولية النهوض بكنيستنا في هذه الأزمنة الصعبة، إذ أنّ عددهم آخذٌ بالإزدياد بسبب الهجرة من بلاد المنشأ في العراق وسوريا جراء المحن والحروب والنزاعات. إنّنا نحثّهم على الثبات بالإيمان بالرب يسوع والتعلّق بالتراث الكنسي السرياني الأصيل واللغة السريانية المقدسة، موصينهم أن يربّوا أولادهم زارعين فيهم روح المسيح، ومحافظين على عادات الآباء والأجداد والتقاليد السريانية العريقة التي نشأوا عليها في بلادهم الأمّ، مع المحبّة والإخلاص للبلاد التي احتضنتهم. ونحن نؤكّد دعمنا ومؤازرتنا لإخوتنا المطارنة وأبنائنا الكهنة الذين يؤدّون لهم الخدمات الروحية.
    ولا ننسى أن نتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا الذين أجبرتهم الأوضاع المؤلمة في العراق وسوريا على النزوح والهجرة، مؤكّدين تضامننا معهم وسعينا لبذل الجهود في سبيل تخفيف معاناتهم وتأمين حياةٍ كريمةٍ لهم، متمنّين لهم الطمأنينة والإستقرار.
   

    ونذكر بمحبّةٍ أبويةٍ جميع المعوَزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ عائلةٍ غابت عن أعضائها فرحة العيد لفقدان أحد أفرادها أو أحبّائها، فلا تجده في حلقة العائلة أثناء الإحتفال بالعيد، سائلين لهم التعزية السماوية وأزمنة خيرٍ وبركة.

6ـ الذكرى المئوية لمذابح الإبادة بحق شعبنا السرياني
    تحيي كنيستنا السريانية هذا العام السنة اليوبيلية بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لمذابح الإبادة الجماعية التي تعرّض لها السريان كما إخوتهم الأرمن والآشوريون والكلدان والروم. لذا هيّأت بطريركيتنا سلسلة نشاطاتٍ ستقام في لبنان، بدأناها بقدّاسٍ افتتاحي، وسنتابعها بمؤتمرٍ مشتركٍ مع بطريركية الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة في 2 و3 و4 تمّوز المقبل، وقدّاسٍ في ذكرى الشهداء في 29 آب القادم، وأمسيةٍ مرتّلةٍ مع إزاحة الستار عن نصبٍ تذكاري تخليداً لشهدائنا الأبرار خلال فترة انعقاد مجمع كنيستنا الأسقفي أواخر تشرين الأول القادم. وسنوافيكم بتفاصيل كلّ مناسبةٍ على حدى في حينه، حاثّينكم على المشاركة فيها، هذا فضلاً عن إحياء الذكرى في سوريا والعراق، وفي أوروبا وأميركا.
    وإنّنا ننتظر بشوقٍ مصلّين إلى الرب من أجل إعلان تطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي مطران جزيرة ابن عمر في تركيا، وقد وصل ملف دعوى تطويبه إلى مراحله الأخيرة، هذا الحبر الجليل الذي بذل حياته دفاعاً عن الإيمان بالرب يسوع. ومعه نذكر باعتزازٍ جميع الشهداء الذين سفكوا دماءهم ذبائح محرقة على مذبح الشهادة، ففاح أريج عطرهم وأضحت دماؤهم بذاراً للإيمان.
7ـ خاتمة: القيامة: مسيرتنا المتجدّدة نحو الحياة
    في رتبة السلام التي يمتاز بها طقسنا السرياني الأنطاكي في عيد القيامة، تأمّلٌ آبائي رائع يُظهر القيامة مسيرةً متجدّدةً نحو ولادة حياةٍ جديدةٍ مفرحة: "ܒܗܳܢܳܐ ܥܺܐܕܳܐ ܚܳܕܶܝܢ ܒܶܗ ܫܡܰܝܳܐ ܘܰܐܪܥܳܐ ܘܟܽܠ ܕܰܒܗܽܘܢ܆ ܕܒܶܗ ܩܳܡ ܡܳܪܰܢ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ ܘܰܐܒܗܶܬ ܐܶܢܽܘܢ ܠܨܳܠܽܘ̈ܒܶܐ. ܒܗܳܢܳܐ ܝܰܘܡܳܐ ܚܰܘܺܝ ܠܰܢ ܕܶܐܬܪܰܥܺܝ ܐܰܒܳܐ ܠܥܳܠܡܳܐ܆ ܘܝܰܗ̱ܒ ܗ̱ܘܳܐ ܠܳܗ̇ ܠܥܺܕܰܬ ܩܽܘܕܫܳܐ ܫܠܳܡܳܐ ܘܫܰܝܢܳܐ ܐܰܡܺܝܢܳܐ". وترجمته: "في هذا اليوم تفرح السماء والأرض، إذ فيه قام ربّنا من القبر وأخزى الصالبين. لقد بيَّن لنا هذا اليوم أنّ الآب صالحَ العالم، مانحاً الكنيسة المقدّسة السلام والأمان الدائم". 
    أيّها الربّ يسوع، بموتكَ وقيامتكَ منحتَ الحياة الجديدة للإنسان والعالم، وولدتَ البشرية الجديدة المتمثّلة بالكنيسة. في هذا العيد المجيد، عيد قيامتكَ من بين الأموات، نبدأ معكَ، وبنعمتكَ وبنور إنجيلكَ وإلهامات الروح القدس، حياةً جديدةً في نمطها وأعمالها، في مسلكها ورؤيتها. أعطنا أن نستنير دائماً بكلام إنجيلكَ وتعليم الكنيسة، فنصبح شهوداً لكَ في عائلاتنا ومجتمعاتنا ومؤسّساتنا وأوطاننا.
    أنتَ أيّها المسيح الفادي طبعتَ آثار صلبكَ، جراح يديكَ وجنبكَ ورجليكَ، في كلّ متألّمٍ ومريضٍ ومعوَّقٍ ومعذَّب. نسألكَ أن تعزّي هؤلاء وتقدّسهم، وتخفّف من آلامهم، وتشفيهم بنعمة حضورك. أضرم في القلوب المحبّة الملتزمة تجاههم، وليدرك كلّ من يعتني بهم أنّه يخدمكَ أنتَ ويضمّد جراحك.

    وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
كلّ عام وأنتم بألف خير.    ܩܳܡ ܡܳܪܰܢ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ        المسيح قام... حقّاً قام
صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت ـ لبنان
في اليوم الأوّل من شهر نيسان سنة 2015، وهي السنة السابعة لبطريركيتنا

111
الرقم: 12/أس/2015
التاريخ: 22/2/2015

بيان إعلامي
      احتفلت الكنيسة السريانية الكاثوليكية بافتتاح السنة اليوبيلية بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لشهداء مجازر الإبادة بحق السريان "سيفو ـ السوقيات"، وبعيد مار أفرام السرياني، بقداس رسمي مساء يوم السبت 21 شباط 2015، في كاتدرائية سيّدة البشارة ـ المتحف ـ بيروت، وجرى نقله مباشرةً على الهواء عبر شاشتَي "أو تي في" و"تيلي لوميار ـ نورسات"، وصباح اليوم التالي عبر شاشتَي "أل بي سي" و "أم تي في".
      ترأس الإحتفال غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، يعاونه رئيس أساقفة حلب مار ديونوسيوس أنطوان شهدا، ورئيس أساقفة بغداد ورئيس اللجنة البطريركية لإحياء ذكرى الشهداء مار أفرام يوسف عبّا، وأمين سرّ البطريركية الأب حبيب مراد، وكاهن الرعية الأب شارل مراد.
      حضر القداس أصحاب القداسة والغبطة والنيافة: الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وغريغوريوس الثالث لحّام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، ومار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، والسفير البابوي في لبنان المطران كبريالي كاتشا، وممثّل بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس يوحنّا العاشر اليازجي، المطران الياس كفوري، وممثّل كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس آرام الأوّل كيشيشيان، المطران شاهيه بانوسيان، وعدد كبير من الأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات من مختلف الكنائس، وجموع غفيرة من المؤمنين.
      ومن الحضور الرسمي: معالي الوزير ميشال فرعون ممثّلاً دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ تمّام سلام، والسفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسيبكين، وتوماس واكيم ممثّلاً الرئيس أمين الجميّل، والنائب عاطف مجدلاني ممثّلاً الرئيس سعد الحريري، والنائب حكمت ديب ممثّلاً الرئيس العماد ميشال عون، ومارون مارون ممثّلاً الدكتور سمير جعجع، والعميد هادي أوسي ممثّلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي، والعميد حاتم شحود ممثّلاً مدير المخابرات العميد الركن إدمون فاضل، والعميد بشارة جبّور ممثّلاً مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم، والعميد جورج حدّاد ممثّلاً مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، والمقدّم بشارة الحدّاد ممثّلاً مدير عام أمن الدولة اللواء جورج قرعة، والنقيب غطاس موسى ممثّلاً قائد الدرك العميد الياس سعادة، وممثّلو سفراء، ورؤساء وأعضاء بلديات، وفعاليات.
      وفي موعظته، تحدّث غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان عن "وطننا الحبيب لبنان، فليس من يجهل أو يتجاهل الأزمات السياسية والأمنية والإجتماعية والإقتصادية التي تعصف به من كلّ حدبٍ وصوب. فها هم المسؤولون يتهاونون بالدستور فلا ينتخبون رئيساً للجمهورية، والخاطفون لا يزالون يحتجزون جنودنا الأبطال، مهدّدين أهلهم يومياً بذبحهم. ناهيك عن تردّي الأوضاع على مختلف الصعد، وليس آخرها الفضائح المتنقّلة في الفساد الغذائي، ممّا يضعف ثفة المواطنين ويضرّ بسمعة لبنان حول العالم. ولا ننسى المآسي التي يعيشها الملايين من النازحين على أرضه، سيّما الأطفال الأبرياء، وذلك بسبب الصراعات المتفاقمة في سوريا والعراق. وما يزيد في الطين بلّة، التهديدات الإرهابية المتّشحة بلباس المذهبية المكفِّرة، والتي جاءت تهزّ كيان وطننا لبنان المميَّز بين بلدان المنطقة بالإنفتاح والتعدُّدية والمساواة والحرّية. نضمّ صوتنا إلى أصوات إخوتنا البطاركة، وندعو الجميع إلى رصّ الصفوف، للحفاظ على لبناننا الغالي صيغةً وميثاقاً ودستوراً، وندعم جيشه الأبي وقواه الأمنية دون قيدٍ أو شرط، مقدّرين تضحياتهم الجسام في سبيل الدفاع عن الوطن. عندئذ فقط يحق لنا أن نعترف بلبنان الرسالة الفريدة لمحيطه وللعالم، في العيش الواحد، وفي قبول الآخر دون تمييزٍ ديني أو مذهبي".

      وأشار يونان إلى "الأوضاع في شرقنا الرازح تحت وطأة الحروب والنزاعات والذي تتآكله المصالح والصراعات، نرى كم يشبه يومُنا الحاضر الأمسَ القريب والبعيد. فمن العراق إلى سوريا، ومن الأراضي المقدّسة إلى مصر، بلادنا المشرقية تنزف دماً ودماراً وخراباً".
      وتطرّق يونان إلى ما يجري في العراق حيث "المجموعات الإرهابية التكفيرية تعيث الفساد من حولها وتفتك بالبشر والحجر، وتعود بنا إلى عصر الظلمات، وتحكم بقتل الناس وذبحهم لمجرّد أنّهم لا يقرّون بما تؤمن به. هذه الجماعات غريبةٌ عن منطقتنا رغم تخلّف الأنظمة في غالبيتها القصوى عن اللحاق بركب التمدُّن ونشر مساواة المواطنة الكاملة بين الجميع، على اختلاف إنتماءاتهم الدينية والعرقية والمذهبية. وكان من حقّ المسيحيين أن يعيشوا بروح المواطنة العادلة، وقد تفاعلوا دون مركّب نقصٍ مع إخوتهم المنتمين إلى الأغلبية الدينية".
      ونوّه يونان بحزنٍ شديدٍ إلى اقتلاع أبناء الموصل وسهل نينوى من أراضيهم وتهجيرهم "إثرَ غزواتٍ بربريةٍ في حزيران وآب المنصرمين، فساحوا هائمين على وجوهم تحت كل سماء... بسبب همجية الإرهابيين التكفيريين، التي صبّت زيتاً على نار الصراعات المذهبية العبثية في بلاد الرافدين، والتي لا تزال تلقى الدعم من أنظمةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ تستغبي شعوبنا باستنكاراتٍ جوفاء!".
      وكرّر البطريرك يونان باسمه وباسم البطاركة دعوة "المسؤولين من ذوي الإرادات الصالحة محلّياً وإقليمياً وعالمياً، للعمل الجادّ والدؤوب بغية تحرير مناطق شعبنا المغتصَبة، ليعود المهجَّرون قسراً دون ذنبَ، إلى قراهم وبلداتهم وكنائسهم. وندعو الحكومات المعنيّة إلى إحقاق العدل بالتعويض عن نتائج الغزو والسرقات والدمار، وتفعيلٍ جديّ للمصالحة بين المكوّنات المظلومة والجيران المعتدين".
      وتناول يونان ما يصيب سوريا من "نزاعاتٍ وخضّات عنفٍ وحربٍ مدمّرةٍ منذ أربع سنوات. صراعاتٌ بين الأشقّاء غذّاها الحاقدون، دماراً للحجر وتنكيلاً بالبشر. والعالم إمّا متغافلٌ وغارقٌ في سُباتٍ عميقٍ، وإمّا متآمرٌ وساعٍ لزرع بذار الشقاق وتأجيج نار الفتن المذهبية، بحجّة البلوغ إلى أنظمة ما تسمّى "اليمقراطية العددية"، حيث هدف الأغلبية أن تسود ديناً وقانوناً وفعلاً، دون الإعتراف بحقوق المكوّنات الصغرى وتطمينها. هل من عاقلٍ يقرّ بأنّ ما تسمّيه قوى المعارضة ثورةً شعبيةً سلميةً، يبشّر بإطلالة سوريا حرّة أبية وديمقراطية بعد هذا الدمار والقتل والإجرام؟ ألم يحن الوقت كي يتحرّك المجتمع الدولي ويقوم بمبادراتٍ إيجابيةٍ تنهي مأساة هذا الشعب؟!"، مطالباً السوريين أن "يحكّموا العقل والضمير، فيتواكبوا مع ذوي النيّات الحسنة والإرادات الصالحة في مسيرة المصالحة والحوار والتآخي رحمةً ببلدهم وبحضارته الإنسانية العريقة". وناشد يونان "الضمير العالمي، ببذل الجهود الحثيثة لإطلاق سراح جميع المخطوفين، وبخاصّةٍ أخوينا المطرانَين يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة، وكلّ المخطوفين".
      وجدّد يونان "استنكارنا وإدانتنا للعمل الإرهابي الهمجي الذي أدّى إلى استشهاد 21 مؤمناً من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقد عزّينا رئيسها قداسة البابا تواضروس الثاني وشعب مصر بكل أطيافه".
      وتكلّم يونان عن مجازر "الإبادة ـ المجزرة الذي نكّلت بشعبنا بجناحيه الأرثوذكسي والكاثوليكي، في جنوب شرق الدولة العثمانية، لم تقم به شعوبٌ تتصارع فيما بينها في غياهب أزمنة الجهل، بل تمّ في العصور الحديثة على مرأى من العالم المعروف آنذاك. تلك مجازرٌ يندى لها جبين الإنسانية المتلهّية آنذاك بصراعات بسط النفوذ واكتساب الغنائم. فهناك المجرمون الذين خطّطوا لها والبرابرة الهمجيون الذين نفّذوها، هناك من شارك بالتحريض أو بالفعل أو بالصمت المطبَق".
      وأكّد يونان أنّ "هذا الشعب البريء والمسالم لم يحمل سلاحاً ليعتدي به على أحد أو لينتقم من الذين ينوون له شرّاً. وما اتُّهم بجرمٍ أو جريرة، بثورةٍ أو خيانةٍ إلا كذباً وتلفيقاً..! جريمته الوحيدة بل خطيئته التي لا تُغتفر، أنه لم يكن يدين بدين الأغلبية التي أعمى قلبها الحقد والتكفير"، منوّهاً إلى "أنّنا نصلّي اليوم في ذكرى شهدائنا، الذين بذلوا كلّ شيءٍ شهادةً لإيمانهم البطولي حتى سفك الدم على خطى الرب يسوع مثالنا في الحب والفداء"، مطالباً "باستعادة ما اغتُصب من أملاك كنيستنا، وهذا من أبسط حقوقنا، وفي مقدّمة هذه كلّها مقرّ كرسينا البطريركي في ماردين الذي تحوّل الآن إلى متحف حكومي".
      وذكّر يونان الجميع "بأنّنا، نحن السريان، إنطلاقاً من هذا المشرق المعذَّب عبرَ تاريخه القديم والحديث والمعاصر، أنرنا العالم بالعلم والمعرفة، ونثرنا مواهبنا شعراً وفكراً وترجمة. وقد جاءت شهادتنا لإنجيل المحبّة والسلام، معمَّدةً بالدم ومكلَّلةً بغار الإستشهاد... أهدينا الشعوب حضارةً ورُقيّاً، ولم نسلب أحداً، ولم نعتدِ على غيرنا، ولا طمعنا بسلطةٍ وحكمٍ، ولا اغتصبنا أرضاً، ولا شرّدنا شعباً، وستبقى حضارتنا السريانية الآرامية الأمّ نبراساً لتلاقي الأمم والأعراق والديانات".
      ونوّه يونان إلى أنّ السريان ليسوا "دعاة عنفٍ أو انتقام، إنّما دعاة سلامٍ ومحبّةٍ وتسامُح. نستذكر شهداءنا للعبرة والصلاة والتشجيع على التمسّك بالإيمان، إذ أضحت دماؤهم الزكية بذاراً لإيمان الخلاص وشهادةً لإنجيل المحبّة والسلام في منطقةٍ مشرقيةٍ لا تزال ترزح تحت ثقل الإرهاب والتطرّف والتعصّب الديني الهمجي والأعمى. نذكُرهم طالبين شفاعتهم كي نتطلّع نحو مستقبلٍ أفضل، برجاءٍ ثابتٍ بربّنا الفادي إله السلام، آملين أن يقتنع جميع المواطنين في بلدان الشرق الأوسط بهذه المقولة التي تردّدها غالبيتهم: الدين لله والوطن للجميع!".
      وختم البطريرك يونان بالتوجّه إلى أبناء الكنيسة السريانية في بلاد الشرق وعالم الإنتشار، في أوروبا وأميركا وأستراليا، قائلاً: "أنتم أولاد الشهداء والشهيدات وأحفادهم، حافظوا على مَعين الرجاء تستقونه من إيمانكم. وتمسّكوا بكنيستكم الأمّ ولغتها السريانية التي باركها الرب والعذراء مريم والدته والرسل والعديدون من الآباء والقديسين والقديسات. لا تنسوا جذوركم في أرض شرقنا ذي الحضارة العريقة. عهدُنا لكم أنّنا معكم سنحافظ على الأمانة لهويتنا ورسالتنا. والله نسأل أن يؤهّلنا لنكون شهوداً لمحبّته، ومبشّرين بسلامه على الدوام. آمين".
      وكان المطران مار أفرام يوسف عبّا رئيس اللجنة البطريركية المكلّفة إعداد احتفالات الذكرى المئوية، قد ألقى كلمة في بداية القداس، تحدّث فيها ذكرى شهداء الإبادة، داعياً في ختامها غبطةَ البطريرك يونان إلى إيقاد الشعلة إعلاناً عن بدء احتفالات الذكرى المئوية.
                                                          أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

112

الرقم: 10/أس/2015
التاريخ: 16/2/2015

بيان إعلامي
صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان التالي:
البطريرك يونان في زيارة راعوية ورسمية لكنيسة العراق
لن نفقد الرجاء بالرغم من هول النكبة والآلام، فنحن أبناء الأرض الأصيلون

قام غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي بزيارة راعوية ورسمية لتفقُّد أبنائه وبناته في العراق، وتشديد عزيمتهم في هذه الأزمنة العصيبة، وذلك في الفترة الممتدّة من ظهر الجمعة 6 شباط حتّى مساء السبت 14 شباط الجاري 2015، وقد رافقَه في هذه الزيارة المطران باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي على أوروبا، والأب حبيب مراد أمين سرّ البطريركية.
توجّهنا غبطته أوّلاً إلى بغداد، حيث استقبلَه في المطار المطرانان أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد، ويوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وكركوك وكردستان، وعدد من الكهنة والأستاذ جورج باكوس مستشار رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي.
في بغداد، ومن 6 حتى 9 شباط، زار فخامة رئيس جمهورية العراق فؤاد معصوم، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ووزير الهجرة والمهجَّرين محمّد جاسم، والسفير الأميركي ستيوارت جونز، وكان بمعيّته الأستاذ يونادم كنّا عضو البرلمان العراقي، والسيّد رعد جليل كجه جي رئيس ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى.
كما تفقّد دار بيت عنيا للمرضى والمسنّين، واحتفل بيوم المريض العالمي في كاتدرائية سيّدة النجاة بالكرّادة، وزار النازحين في مركز الحركة الديمقراطية الآشورية، ومدرسة المكاسب، ورعيتَي مار يوسف بالمنصور، ومار بهنام بالغدير.
ثمّ انتقل غبطته إلى أربيل حيث زار أبناءه النازحين والمهجَّرين من الموصل وسهل نينوى إلى إقليم كردستان، من 9 حتى 14 شباط. فنفقّد النازحين في زاخو ودهوك وبيرسيفي وليفو والسليمانية وكويسنجق وأرموته وكركوك وعنكاوا وفي نشتيمان وجيهان بأربيل وسواها.
وأعلن تسميةً جديدةً لأبرشية الموصل وتوابعها، هي "أبرشية الموصل وكركوك وكردستان"، وعقد اجتماعاً عاماً لكهنة الأبرشية، ولقاءً موسّعاً لممثّلي العشائر والأحزاب من أبناء شعبنا، تداول في كلٍّ منهما أوضاع شعبنا في الظروف العصيبة الراهنة والآفاق المستقبلية، ودعا "أبناءنا الكهنة والعلمانيين إلى توحيد الجهود لما فيه تأمين فرص الحياة الكريمة الآمنة لأبنائنا بعد تحرير أراضينا بإذنه تعالى".
وزار غبطته وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان كريم سنجاري، ومحافظ دهوك فرهاد الأتروشي، وزاره في مقرّ إقامته في عنكاوا محافظ الموصل أثيل النجيفي، والتقى محافظ أربيل نوزات هادي.
كما التقى البطريرك يونان لعدّة مرات بغبطة مار لويس روفائيل الأوّل ساكو بطريرك بابل على الكلدان، وسيادة السفير البابوي في العراق المطران جورجيو لينغوا، وعددٍ من أصحاب السيادة والنيافة مطارنة الكنائس الشقيقة الكلدانية والسريانية الأرثوذكسية والمشرق الآشورية في بغداد وفي إقليم كردستان. 
وفي كلّ لقاءاته ومواعظه وأحاديثه، شدّد غبطته أبناءه وشجّعهم على "الثبات والصبر وانتظار الفرج من الرب الذي لا يخيّب المتّكلين عليه". وأثنى على جهود المخلصين والخيّرين من أساقفة وكهنة وعلمانيين ومحسنين في دعم صمود أبناء شعبنا رغم هول المحنة العصيبة التي ألمّت بهم، مؤكّداً "وقوفنا إلى جانب أبنائنا وبناتنا الراسخين والصامدين في العراق"، ومجدّداً "تضامننا معهم وسعينا إلى تأمين خدمتهم مع رعاتهم الروحيين من أساقفة وكهنة بكلّ ما أوتينا من طاقات وإمكانيات، رغم صعوبة الظروف".
كما أكّد غبطته أنّ "ما أصاب أبناء شعبنا في الموصل وسهل نينوى ليس أحداثاً عادية، وإنّما نكبة عظيمة ومحنة عصيبة نصلّي أن ينهيها الرب بأسرع ما يكون". وطالب "المسؤولين في بغداد وفي إقليم كردستان بالعمل الحثيث وبذل الجهود لتحرير أراضينا وتأمين عودة أبنائنا إليها بعيشٍ كريم وحماية وضمانات". ووجّه "نصيحةً ودعوةً أبويةً لأبنائنا النازحين والمهجَّرين ألا يفقدوا الأمل، إذ إنّنا نتشبّه بمعلّمنا الإلهي الذي قاسى الآلام، وانتصر عليها". وناشد "أبناء شعبنا ألا ييأسوا، بل أن يبقوا أبناء الرجاء"، وذكّرهم أنّ "آباءنا عانوا على مرّ العصور الإضطهاد والآلام وتناقص عددهم في بلدان الشرق، لكنّنا لن نفقد ثقتنا بالغلبة بربّنا يسوع بالرغم من كلّ ما حلّ بنا".
كما أعلن غبطته على الملأ أنّنا "لسنا أهل ذمّة ولا نستجدي وجودنا وحياتنا من الآخرين، بل نحن أبناء الأرض الأصليون". وطالب "المسؤولين في حكومة إقليم كردستان أن يساعدونا، بعد تحرير أراضينا إن شاء الله، كي نقيم إدارةً ذاتيةً لشعبنا في مناطقنا وأراضينا". واستذكر بفخرٍ وعزاءٍ "قداسةَ البابا فرنسيس الذي لا يألو جهداً للتحدّث عن أوضاعنا في الشرق والدعوة إلى حلّ هذه الأوضاع المتأزّمة على أساس العدالة والمساواة والدفاع عن الحقوق الإنسانية المدنية للجميع، حتى يشعر كلّ مواطنٍ بكرامته الإنسانية في وطنه".
كما أشار غبطته إلى أنّنا "لسنا طلاب حكمٍ أو امتيازات، وإنما نطالب بحقوقنا الإنسانية الطبيعية كمواطنين أصيلين في الشرق الأوسط". وناشد "جميع المسؤولين توجيه المعنيين بضرورة الإبتعاد عن التطرّف في الخطاب الديني وإعمال مبدأ الفصل بين الدين والدولة، فالدين لله والوطن للجميع".
وذكر غبطته عمله الدؤوب كي يخفّف آلام النازحين، إذ طرق ولا يزال يطرق كلّ الأبواب، من محسنين محلّيين وكنائس ومؤسّسات عالمية، كما لم يفّوت فرصةً للمشاركة في مؤتمراتٍ عالميةٍ لإعلاء صوت شعبنا المسيحي في الشرق، مؤكّداً أنّ على الغرب أن يدافع عن حقوق مسيحيي الشرق إن أرادوا لهم أن يبقوا في الشرق، لا أن يُشتروا بالبترول ويغطّوا ببعض الكلمات المنمّقة أهداف مموّليهم. لذلك لا نفوّت غبطته فرصةً في الموتمرات للمناداة بهذا الموضوع، ولا يسكت عن ذلك أبداً. ونوّه أمام رؤساء الكنائس الشقيقة إلى أنّنا "نحن الكنائس المشرقية السريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس والكلدان والمشرق الآشوريون لم يعد لدينا ما نخسره، لذا علينا أن نطالب ونجاهر بحقوقنا على الملأ معلنين قضيتنا أمام العالم كلّه".

                                        أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

113
الرقم: 7/أس/2015
التاريخ: 5/2/2015
بيان إعلامي
البطريرك يونان يعقد مؤتمر صحفياً
لإطلاق السنة اليوبيلية إحياءً للذكرى المئوية لمجارز الإبادة بحق السريان "سيفو ـ السوقيات"

صباح يوم الخميس 5 شباط 2015، عقد غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلي الطوبى، مؤتمراً صحفياً أطلق فيه احتفالات السنة اليوبيلية بمناسبة الذكرى المئوية لشهداء مجازر الإبادة التي ارتُكبت بحق شعبنا السرياني عام 1915، وهو ما تمّ التعارف عليه بتسمية "سيفو ـ السوقيات"، وذلك للإستذكار وأخذ العبرة وطلب شفاعة هؤلاء الذين قدّموا ذواتهم ذبائح محرقة على مذبح الشهادة دفاعاً عن إيمانهم المسيحي وهويّتهم وأرض آبائهم وأجدادهم.
وحملت الإحتفالات شعار: "دماء الشهداء بذار الإيمان" (ترتليانوس)، وآية القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما: "من أجلك نُمات كلّ النهار، وقد حُسِبنا مثل غنمٍ للذبح".
وفي كلمته خلال المؤتمر قال غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان:
مشروع الإبادة ـ المجزرة الذي نكّل بشعبنا السرياني بجناحيه الأرثوذكسي والكاثوليكي، كما بإخوتنا من كلدان وآشوريين وأرمن لمئة عامٍ خلت في دولة الخلافة العثمانية، لهو وصمة عارٍ ستلاحق، ليس فقط الأشرار الذين خطّطوا لها والبرابرة الهمجيين الذين ارتكبوها، بل العالم المعروف آنذاك لصمته المطبَق ولغيابه المتآمر. جموعٌ من المواطنين الأبرياء في المقاطعات الشرقية للدولة العثمانية آنذاك، أحبار وكهنة وشمامسة، رهبان وراهبات، رجال ونساء، شبّان وشابّات، أطفال ورضّع، مئات الألوف من مختلف الأعمار والطبقات الإجتماعية والحرفية، أُهينوا وضُربوا، عُذِّبوا وسيقوا سوق الخراف للذبح، زُجُّوا في الوديان والأنهار، وماتوا تائهين في الجبال والبراري، عطاش، جائعين... لم يحملوا سلاحاً ليعتدوا على أحد، وما جال في خاطرهم أن ينقلبوا على حكومة وما سمعوا بـ "طوابير خامسة" ليتآمروا على وطنهم... تهمتهم الوحيدة، وخطيئتهم المعهودة أنهم من "الكفّار" في نظر الأغلبية التي لا يشاطرونها العقيدة الدينية، من عثمانيين متزمّتين ومن عشائر متخلّفة غلب عليها التعصّب الأعمى وأطبق من حولها الجهل. اضطُهد أجدادنا وجدّاتنا من أجل إيمانهم المسيحي لا غير. ولأنهم ظلّوا أمناء للرب معلّمهم الإلهي الذي قال: "أحبوا أعداءكم وأحسنوا لمن يبغضكم...". ولأنّهم عشقوه فادياً تحمّل العذابات وضحّى بذاته حبّاً بالإنسان، ليرفع الإنسان نحو الله خالقه ينبوع المحبّة والحنان والعدل. ولكن ويا للفظاعة! لا يزال هذا الإنسان الذي تعتبره الأديان زينة الخَلق، يتمرّد على خالقه ويتفنّن بضروب التنكيل بأقرانه، أين منه وحوش الغاب..! 
ظنّ الذين تهافتوا على قتل أهلنا الأبرياء وتهجيرهم والعالم المتمدّن غافل، أنّها النهاية لشعبنا، وأنّ جرائمهم ستُطمَر في غياهيب التاريخ! خاب أملك يا موت! لقد تناسوا أنّنا أولاد القيامة والحياة. بالإيمان والقيم بنينا الأوطان، فشيّدنا قبب الكنائس، وشرّعنا أبواب الأديرة والمدارس. وكنّا نجهد بالصبر والتضحية تائقين إلى الإرتقاء بالإنسان السليم والمسالم... ولكنّ التعصّب المقيت والجهل الدفين شوّها الدين والأخلاق لدى الذين استقووا على الضعفاء الأبرياء، فاستباحوا وأهانوا واضطهدوا ونكّلوا وشرّدوا... مرتكبين جرائم يندى لها جبين الإنسانية على مرّ العصور. لقد غدت دماء شهدائنا بذار الإيمان الذي به نحيا، (ترتيليانوس). ولأنّنا من أجل إله المحبّة والسلام والغفران رضينا أن: "نُمات كلّ النهار، وقد حُسبنا مثل غنمٍٍ للذبح" (بولس رسول الأمم).
إنّ التاريخ خير شاهدٍ على المجازر المتكرّرة التي ارتكبها حكّامٌ ظالمون بحق شعبنا السرياني الأعزل، وكانت أكثرها ظلماً وهولاً ما جرى التعارف على تسميتها "مجازر سيفو"، عام 1915. لذا أردنا أن نحيي الذكرى المئوية لهذه المجزرة ـ الإبادة، لكي نبرهن عن فخرنا واعتزازنا بشهدائنا الأبرار الذين سفكوا دماءهم ذبائح محرقة ذوداً على إيمانهم وتراثهم والقيم التي حملها لهم إنجيل المحبّة والسلام. لقد أضحوا بخوراً عطراً على مذبح الشهادة، وكواكب مضيئةً في عتمة الليل الطويل، حيث شاءت العناية الإلهية أن نبقى صامدين ومتجذّرين. فمن شهادتهم نستقي العِبَر ومن شفاعتهم ننال المعونة من الرب، كي نجابه أمواج الشرّ والتكفير والأحقاد بنعمة من الربّ فادينا يسوع المسيح الذي وعدنا أن يبقى معنا حتى انقضاء الدهر.
من لبنان وسوريا والعراق وتركيا، من الأراضي المقدّسة والأردن ومصر، من شرقنا الحبيب، إلى أبنائنا في أوروبا وأميركا وأستراليا وبلدان الإنتشار كافةً، يا من حملوا مشعل الشهادة ووديعة الإيمان، أجملَ تحيةٍ أنقلها لكم. ما أشبه اليوم بالأمس، فها هو شرقنا ينزف دماً ودماراً وخراباً، وها نحن نعيش مجدّداً في زمن المحن والنكبات، في العراق منذ أكثر من عقدين، وفي سوريا منذ أربعة أعوام. لكن رغم الآلام التي تحلّ بنا، نحن على ثقةٍ بأنّ الله "يوجِد من المحنة خلاصاً"، فهو الراعي الصالح الذي يسهر على القطيع ويشجّعه للإنطلاق في جدّة الحياة بإيمانٍ ثابتٍ لا تزعزعه الأنواء ولا تنال منه الشدائد.
ليس بوسعنا بعد أن نتغافل عن هول ما أصابنا من نكباتٍ هدّدت وجودنا في أرض الأجداد، وفي كنيسة أنطاكية التي شاءت العناية الإلهية أن تكون كنيسةً شاهدةً وشهيدةً منذ قديم الأزمان، ليس لأنّنا نريد أن نتميّز عن غيرنا من الكنائس، ولكن لأنّ النكبة التي حلّت بأبرشية الموصل وتوابعها منذ ثمانية أشهرٍ، هي حدثٌ مخيفٌ بل مروِّعٌ إلى أقصى حدّ. في أيّام بل ساعات، تمّ اقتلاع عشرات الآلاف من المؤمنين مع مطرانهم وإكليروسهم والعديد من الراهبات والمكرَّسين، من بيوتهم ورعاياهم. وإذا أجرينا إحصاءاتٍ موضوعيةً، نستطيع القول بأنّ أكثر من ثلث طائفتنا الموجودة في الشرق قد تشرّد، ولا أحد يعلم سوى الله، متى يعود هؤلاء المهجَّرون قسراً! أليست هذه الجرائم مشروع إبادةٍ لشعبٍ بريءٍ مسالم؟
وماذا نقول عن مآسي القتل والخطف والتشريد التي عرفَتْها سوريا منذ ما يقرب من أربعة أعوام؟ وهل هناك من يجهل أو يتجاهل النتائج الوخيمة لتلك الصراعات الدامية، من دمارٍ مرعبٍ لبُنى هذا البلد، ومن قتل مئات الآلاف ونزوح الملايين؟ وكما في بلاد الرافدين، مَن له المصداقية، داخل الوطن وخارجه، كي يطمئن شعب سوريا، بما فيه أهلنا، أنّ السلام سيعود يوماً، سلام المصالحة الحقيقية وقبول الآخر، فتزول الأحقاد، وتُدفن الضغائن، ويعود المواطنون للتآلف والتآخي بروح المواطنة الحقّة؟!، وهلاّ يستفيق العالم فيطالب بأن يُطلَق سراح المخطوفين، وفي مقدّمتهم المطرانان يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي والكهنة! نقولها وقلوبنا مدماة، فكما حصل بُعيد نكبة السيفو، سنواتٌ معدودةٌ تمرّ، ثم ندركُ هول ما جرى لنا من تشريدٍ لأبنائنا وبناتنا في أقطار المسكونة الأربعة! إنّها خسارةٌ وللأسف الشديد لن تُعوَّض، لأنّنا عارفون بنتائج الهجرة إلى ما وراء البحار!
ولا يفوتنا أن نحيّي لبنان، موئل الحضارات والحرّيات، هذا البلد الغالي الذي فتح قلبه وذراعيه فاستقبل أولئك الذين قست عليهم ظروف الحياة، بالرغم من صغر المساحة وضآلة الموارد.  ندعو له بالإستقرار والإزدهار، وبتضامن جميع مكوّناته لتفعيل المحبّة والألفة والعدالة، فيبقى نبراساً حضارياً لبلدان الشرق. ونأسف بشدّةٍ لتهاوُن المسؤولين بمقدّراته، واستخفاف ذوي الشأن بدستوره وقوانينه، بإحجامهم عن انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، وهو رمز وحدة الوطن، وندعوهم إلى تحمّل مسؤولياتهم الوطنية أمام الله والشعب والتاريخ، مثمّنين التضحيات الجسام التي يبذلها الجيش اللبناني وجميع القوى الأمنية، قياداتٍ وأفراد، في سبيل حماية هذا الوطن الأبيّ من خطر العنف والتطرّف والإرهاب الذي يتربّص به.
ما هو موقفنا من هذه النكبات والمآسي التي حلّت بنا؟ من الواجب أن نقتنع ونُقنِع الآخرين بأنّنا لسنا من الذين يلجأون إلى النوح والتباكي كما قد يتّهمنا البعض! ولسنا من هواة الإنتفاع من المآسي التي حلّت بمواكب الجدود والجدّات فنطالب بتعويضٍ مادّي، ولن نكون أبداً من الذين يسوّقون التشاؤم. بل من واجبنا أن نستطلع "علامات الأزمنة"، ونكتشف تدبير العناية الإلهية في زمن الضيق، كي نحوّله إلى زمن النعمة. وفي الوقت ذاته نطالب حكّام دولةٍ لم تعرف أن تحافظ على حقوق مواطنيها في الماضي، أن يحكموا بالعدل والحق ويعيدوا لنا ما اغتُصِب في زمنٍ لم يسمَح لأهلنا أن يطالبوا بحقوقهم ليحموا كنائسهم وأديرتهم وممتلكاتهم في المقاطعات الوسطى والشرقية من الدولة العثمانية.
الكلّ يعلم بأنّنا، نحن السريان، إنطلاقاً من هذا المشرق المعذَّب عبرَ تاريخه القديم والحديث والمعاصر، أنرنا العالم بالعلم والمعرفة، ونثرنا مواهبنا شعراً وفكراً وترجمة. ولقد جاءت شهادتنا لإنجيل المحبّة والسلام، معمَّدةً بالدم ومكلَّلةً بغار الإستشهاد... أهدينا الشعوب حضارةً ورقيّاً، ولم نسلب أحداً، ولم نعتدِ على غيرنا، ولا طمعنا بسلطةٍ وحكمٍ، ولا اغتصبنا أرضاً، ولا شرّدنا شعباً، وستبقى حضارتنا الآرامية الأمّ نبراساً لتلاقي الأمم والأعراق والديانات. ألا يحق لنا أن نتساءل: أين الضمير العالمي؟ أين أصحاب النوايا الصالحة؟ أين دعاة الحفاظ على حقوق الإنسان والمتبجّحون بالدفاع عن قضايا الشعوب المستضعَفة؟ ألم يحن الوقت بعد ما نقرأ ونسمع ونشاهد من الفظائع التي تُرتَكب باسم الدين، أن نقف معاً لنرفض تسييسه، ونمدّن خطابه، ولا نميّز بين مذهبٍ وعرقٍ ولون، نفوساً ونصوصاً؟
نحن لسنا دعاة عنفٍ أو انتقام، إنما دعاة سلامٍ ومحبّةٍ وتسامُح. نستذكر شهداءنا للعبرة والصلاة والتشجيع على التمسّك بالإيمان، وعلى المضيّ نحو المستقبل برجاءٍ ثابتٍ بالرب إله السلام، آملين أن يقتنع جميع المواطنين في بلدان الشرق الأوسط بهذه المقولة التي تردّدها غالبيتهم: "الدين لله والوطن للجميع!".
إليكم نتوجّه يا أحبّاءنا في بلاد الشرق وعالم الإنتشار، أنتم أولاد الشهداء والشهيدات وأحفادهم، حافظوا على مَعين الرجاء تستقونه من إيمانكم. وتمسّكوا بكنيستكم الأمّ ولغتها السريانية العظيمة، لا تنسوا جذوركم في أرض شرقنا ذي الحضارة العريقة. عهدُنا لكم أنّنا معكم سنحافظ على الأمانة لهويتنا ورسالتنا.
والله نسأل أن يؤهّلنا لنكون شهوداً لمحبّته، ومبشّرين بسلامه على الدوام. آمين.

هذا وقد تكلّم أيضاً كلُّ من سيادة المطران بولس مطر رئيس أساقفة بيروت للموارنة ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، والأب عبدو أبو كسم مدير المركز الكاثوليكي للإعلام، والدكتورة جويل درغام، وقدّم المتكلّمين الإعلامي الدكتور كريستيان أوسي، وغطّت وقائع المؤتمر مختلف وسائل الإعلام من مرئية ومكتوبة ومسموعة.
الأب عبدو أبو كسم، تحدّث عن معنى مجازر الإبادة وأثرها على الكنيسة الجامعة، مذكّراً بالأحداث الجارية في الشرق، داعياً إلى الوحدة سبيلاً للخلاص، ومنوّهاً بما يقوم به بطاركة الشرق لهذه الغاية. ودعا إلى تطبيق ما ورد في بيان الأزهر، وأن يعود المسيحيون إلى أرضهم في العراق وسوريا وسواهما من بلاد الشرق.
المطران بولس مطر، قال مخاطباً غبطة البطريرك يوسف يونان وأبناء الكنيسة السريانية: "يشرّفنا أن ينتقل المركز الكاثوليكي للإعلام إلى صرحكم البطريركي ليصغي إلى صوتكم، وقد استمعنا إليكم في كلّ ساحة تدافعون عن كنيستكم ومواطنيكم في هذا الشرق، ونحن في ذكرى مرور مئة سنة على مجازر الإبادة".
وأضاف المطران مطر: "نحن متضامنون في هذا الظرف الحزين مع الكنيسة الشهيدة والمنتصرة بإذن الله، لأنّنا كنيسة قيامية، وكنيسة أنطاكية قدرها أن تكمل عذابات السيّد المسيح على هذه الأرض. أنتم الكنيسة الشقيقة لكنيستنا المارونية، وما يؤلمها يؤلمنا. نتألّم لتجدُّد هذه الآلام في الموصل وسهل نينوى، لكنّنا أهل رجاء، نصرخ أمام العالم علّه يرعوي".
أمّا الدكتورة جويل درغام، عضوة اللجنة البطريركية المكلَّفة إحياء احتفالات السنة اليوبيلية، فأعلنت عن أبرز النشاطات التي ستقيمها بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية بهذه المناسبة، وهي:
ـ القداس الإفتتاحي للذكرى المئوية والسنة اليوبيلية برئاسة غبطته، في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 21 شباط الجاري، في كاتدرائية سيّدة البشارة ـ بيروت.
1ـ مؤتمر علمي فكري بعنوان "مذابح السريان بين الشهادة والإيمان"، يتمحور حول تاريخ السريان في المنطقة الشرقية للمتوسّط وأوضاعهم داخل السلطنة العثمانية، ويلقي الضوء على مذابح سيفو، وانتشار السريان حول العالم، مبرزاً قضيتهم، في الفترة الممتدّة من 14 حتى 16 أيّار في جامعة الروح القدس الكسليك
2ـ قداس إحياءً لذكرى الشهداء، في تمام الساعة السادسة والنصف من مساء يوم السبت 29 آب، في دير سيدة النجاة البطريركي الشرفة ـ درعون ـ حريصا
3ـ فعاليات ونشاطات في أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا، وفي السويد، وفي أبرشيات سوريا والعراق
4ـ أمسية مرتّلة تشاركنا بها جوقات من الكنائس الشقيقة التي امتزحت دماء أبنائها بدماء شهدائنا، ومعرض للمخطوطات والمتحف، وإزاحة الستار عن نصب تذكاري ضخم يخلّد ذكرى المجازر، خلال فترة انعقاد المجمع الأسقفي لكنيستنا السريانية الكاثوليكية في الفترة الممتدّة من 26 حتلى 31 تشرين الأول، في دير سيّدة النجاة البطريركي الشرفة ـ درعون ـ حريصا
أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

114


الرقم: 1/أس/2015
التاريخ: 9/1/2015

بيان إعلامي

صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان التالي:

البطريرك يونان يعزّي السفير الفرنسي بضحايا الإعتداءات الإرهابية في باريس

وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، باسمه الشخصي وباسم الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، سينودساً وإكليروساً ومؤمنين، التعازي الحارّة لسعادة السفير الفرنسي في لبنان باتريس باولي، بضحايا الجريمة التي تعرّضت لها جريدة Charlie Hebdo في باريس، إثر اعتداءٍ إرهابي مشين، وما لحقه من اعتداءاتٍ وأعمالٍ إرهابيةٍ في العاصمة الفرنسية هذين اليومين.
وإذ صلّى غبطته من أجل شفاء الجرحى وتعزية أهالي ضحايا هذه الجرائم الإرهابية وذويهم، أكّد أنّ مواجهة هذه الجرائم ومثيلاتها تكون بالعمل الدؤوب على توطيد دعائم المحبّة والسلام والأخوّة والعيش معاً بين جميع مكوّنات الأوطان على اخلاف انتماءاتهم.


115


الرقم: 79/أس/2014
التاريخ: 30/12/2014

بيان إعلامي
صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان الإعلامي التالي:
البطريرك يونان يستقبل سفير إيران الجديد
استقبل البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية الجديد محمد فتح علي ومرافقيه في البطريركية. وكانت زيارة تعارُف وتهاني بعيد الميلاد وحلول العام الجديد، وذلك صباح اليوم الثلاثاء 30/12/2014.
وتمنّى غبطته لضيفه التوفيق في مهامه الجديدة، والتعاون مع جميع ممثّلي لبنان لما فيه خيره واستقراره. ونوّه البطريرك إلى الدور الذي تلعبه جمهورية إيران في سبيل إحلال الأمن والدفاع عن المكوّنات الصغيرة المستضعَفة في العراق، حيث أصاب التهجير والتنكيل مئات الآلاف من المسيحيين والإيزيديين المهجَّرين من الموصل وبلدات سهل نينوى وجبل سنجار. وأعرب عن شكره لما تقدّمه الجمهورية الإيرانية من جهودٍ في الدفاع عن الشعب السوري، والعمل على إيجاد الحلول السياسية لإنهاء الصراعات الدامية، وإحلال السلام والأمن في سوريا. كما جرى الحديث عن واجب جميع الدول والمسؤولين في نشر ثقافة التسامح والتعدّدية في الدين والتفكير، وفي محاربة الإرهاب والتكفير باسم الدين، وهي ظاهرة مخيفة ومقيتة في أيّامنا. وقد ودّع البطريرك ضيفه بجملة فارسية داعياً له ببركات الله: "رحمت وبرکات خدا".



116
الرقم: 78/أس/2014
التاريخ: 23/12/2014
بيان إعلامي
صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان الإعلامي التالي:

رسالة عيد الميلاد لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان

توجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلّي الطوبى، بالرسالة السنوية لمناسبة عيد القيامة المجيدة، بعنوان "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر"، جدّد فيها التأكيد على أنّ ميلاد الرب يسوع هو بشرى الفرح، وبداية الخلاص بالمسيح الممجَّد، وأساس السلام الشامل المبني على روح التضامن والعدالة، وهو يبعث الرجاء بين الناس حتّى في خضمّ المحن والإخفاقات.
وتناول غبطته الأوضاع المأساوية في منطقة الشرق الأوسط، فقال: ".. وعلى الأرض السلام..!، ومَن منّا لا يتساءل أين ذاك السلام الذي حمله المسيح الرب، كم يحتاج عالمنا اليوم إلى روح السلام لتحلّ على أوطاننا، وقادتنا وحكّامنا، فيفيض السلام في بلادنا، فأين هو السلام العادل والشامل الذي أراده الله لكلّ الناس؟ عندما نرى الصراعات الأهلية تتكرّر وتزداد همجيةً في بلدانٍ عديدةٍ من منطقتنا، وعندما تطالعنا الأخبار عن قمع الحرّيات واضطهاد الضعفاء وتهجير الأبرياء، وعن مسلسلات العنف والقتل ودوس الكرامات..!
وتابع غبطته: "ألا يحقّ لنا التساؤل أين بقيت كرامة الإنسان في عددٍ كبيرٍ من بلدان شرقنا المتوسّط؟ وإلى متى يبقى العالم صامتاً إزاء الجرائم التي تُرتكَب باسم الدين، إذ يقع الملايين من المواطنين المسالمين ضحايا التكفير والتعصّب والجهل والكراهية!". 
واستعرض غبطته معاناة شعوب الشرق "من لبنان إلى العراق، مروراً بسوريا وفلسطين، شعوبنا تعاني من الحروب والإضطهاد والقتل والتشريد". وأردف قائلاً: "تدمع عيوننا وتتفطّر قلوبنا عندما نعاين، رغم أنّنا في الألفية الثالثة، تلك المجموعات الإرهابية التكفيرية تعيث الفساد من حولها وتفتك بالبشر والحجر، وتعود بنا إلى عصر الظلمات، وتحكم بقتل الناس وذبحهم لمجرّد أنّهم لا يقرّون بما تؤمن به. هذه الجماعات غريبةٌ عن تاريخ منطقتنا حيث عاش المسيحيون والمسلمون منذ مئات السنين جنباً إلى جنبٍ في القرى والمدن والبلدان، رغم تخلّف الأنظمة في غالبيتها القصوى عن اللحاق بركب التمدُّن ونشر مساواة المواطنة الكاملة بين الجميع على اختلاف إنتماءاتهم الدينية والعرقية والمذهبية".

وتطرّق غبطته إلى الوضع العام في "وطننا الحبيب لبنان، حيث الأزمات السياسية والأمنية والإجتماعية والإقتصادية تعصف به من كلّ حدبٍ وصوبٍ وتكاد تنسي الشعب أنّنا في زمن العيد. فلا رئيس للجمهورية قد انتُخِب، ولا جنودنا الأبطال قد حُرِّروا، والخاطفون يهدّدون أهلهم يومياً بذبحهم. كما أنّ فضيحة الفساد الغذائي، إن لم يتداركها المسؤولون قد تنذر بالوبال على صحّة المواطن وسمعة لبنان السياحية. وكأنّ لبنان، هذا الوطن الكبير في صغر مساحته والمميَّز بين بلدان المنطقة بالإنفتاح والتعدُّدية والمساواة والحرّية، لم تكفِهِ الأزمات الإقتصادية المتتابعة، والتي زادها تعقيداً وجود ملايين النازحين، فجاء مَن يهزّ كيانه وميثاقه بالتهديدات المذهبية المكفّرة، وبالإعتداءات الإجرامية من قتلٍ وخطفٍ لقواه الأمنية وتفجيراتٍ في ساحاته وشوارعه".
وتوجّه بالصلاة إلى الله "كي تجلب السنة الجديدة تجديداً للسلطة الدستورية، فيُصار إلى انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، ويُقَرُّ قانونٌ جديدٌ للإنتخابات النيابية لا يهمّش أيّ مكوّنٍ من مكوّنات الوطن، وتحصل الإنتخابات وهي من التجلّيات الأساسية للديمقراطية، بحيث تساهم في الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا، وعلى الإستقرار الإجتماعي والتآخي الوطني".

وحول ما يجري في العراق، قال غبطته: "إنّنا ننظر إلى مكوّنات الشعب العراقي الممزّق، ونبكي مع الباكين من أعضاء كنيستنا المتألّمة في أرض الرافدين. عشرات الآلاف من المشرَّدين والمهجَّرين داخل وطنهم، وأمثالهم من النازحين طلباً للجوء في البلدان المجاورة، فكيف لا تدمى قلوبنا وأجراس كنائسنا في الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، وللمرّة الأولى منذ فجر المسيحية، لا تقرع فرحاً بولادة المخلّص، إذ أُرغم المطران والعشرات من الإكليروس والراهبات والرهبان مع الآلاف المؤلّفة من المؤمنين على النزوح إلى العراء بسبب ظلم الإرهابيين التكفيريين من غريبٍ وقريب!". 
ودعا غبطته "المسؤولين من ذوي الإرادات الصالحة محلّياً وإقليمياً وعالمياً، للعمل الجادّ والدؤوب بغية تحرير هذه المناطق المغتصَبة، ليعود المسيحيون الذين لا ذنبَ لهم، إلى قراهم وبلداتهم وكنائسهم. ومع أنّنا ندرك أوضاع أهلنا المأساوية، نقول لهم: لا تخافوا، فإنّ الفجر قريبٌ، والخلاص آتٍ، ولا بدّ لإله الخير أن يقهر إبليس وجنوده، فتعودوا إلى أرض الآباء والأجداد. إنّها أرضكم، أرضٌ مقدَّسةٌ تستأهل أن تعودوا إليها، رغم هول الخيانات التي حلّت بكم وفداحة الآلام والمآسي التي ألمّت بكم ظلماً، لتعيشوا فيها الشهادة لإنجيل المحبّة والسلام".

وعن الأحداث الدائرة في سوريا، توجّه غبطته إلى الشعب السوري المتألّم، مشاركاً إيّاه "من أعماق القلب لما أصابه ويصيبه من نزاعاتٍ وخضّات عنفٍ وحربٍ مدمّرةٍ منذ أربع سنوات. صراعاتٌ بين الأشقّاء غذّاها الحاقدون، فلم تُبقِ ولم تذر، دماراً للحجر وتنكيلاً بالبشر. والعالم بعضه محرِّضٌ متآمرٌ، وبعضه متفرِّجٌ جبان، حتّى لم تعد سوريا ذاك الوطن الذي عهدناه، ألم يحن الوقت كي يتحرّك المجتمع الدولي ويقوم بمبادراتٍ إيجابيةٍ تنهي مأساة هذا الشعب!"
وصلّى غبطته في زمن الميلاد مع الشعب السوري متضرّعاً "إلى طفل بيتَ لحمَ الإلهي، أن يشفق على الملايين من الابرياء، من مقيمين ونازحين، كي يعودوا إلى ضمائرهم ويتواكبوا مع ذوي النوايا الحسنة والإرادات الصالحة في مسيرة المصالحة والحوار والتآخي رحمةً ببلدهم وبحضارته الإنسانية العريقة".
وناشد غبطته "الضمير العالمي ببذل الجهود لإطلاق سراح جميع المخطوفين، وبخاصة المطرانين يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة".
وتقدّم غبطته بالتهاني بمناسبة عيد الميلاد المجيد وحلول العام الجديد إلى أبناء الكنيسة السريانية في الأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وفي بلاد الإنتشار، أوروبا وأميركا وأستراليا، متمنّياً للعالم بأسره وبخاصة للشرق المعذَّب، سلاماً وأماناً نابعاً من الطفل الإلهي أمير السلام.


نص الرسالة




الرقم: 220/2014
التاريخ: 23/12/2014

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام، وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل، وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب،
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في بلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
يحتفل العالم المسيحي في مشارق الأرض ومغاربها بعيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، عيد الإله المتأنّس، عيد المحبّة اللامتناهية، عيد الفرح ومصدر السلام وينبوع الرجاء بمستقبلٍ أفضل.
جاء الملائكة في هدأة الليل يبشّرون رعاةً في جوار قريةٍ صغيرةٍ وديعةٍ من فلسطين، هي بيت لحم أن: "ولد لكم اليوم مخلّص.."، وختموا بشارتهم يسبّحون الله، وينشدون قائلين: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر" (لو 2: 14). إنّه نشيدٌ تردّده ليتورجيا الأرض في كنائسها كافّةً، وها هو الطقس السرياني يعلنه صباح كلّ يومٍ ليرفع المؤمنين إلى الله، مستذكرين ليلة ميلاد ابنه الكلمة الذي "صارَ بشراً وحلّ بيننا".
بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الجديدة، نعرب عن أطيب التهاني والتمنّيات لجميع أبناء كنيستنا السريانية وبناتها وإخوتنا وأخواتنا من الكنائس الأخرى والجماعات الكنسية، ومن سائر الطوائف والأديان، وكلّ مواطنٍ صالحٍ يسعى إلى السلام، في لبنان والشرق الأوسط وبلدان الإنتشار، راجين منه تعالى، ينبوع النعم والمراحم، أن يحمل هذا العيد مواسم خيرٍ وسعادةٍ لجميع الذين يتّقونه بروح المحبّة والسلام، وأن يحلّ عليهم العام الجديد 2015 باليمن والبركات.
تتوجّه قلوبنا وأفكارنا في هذا العيد إلى أبنائنا وبناتنا الذين يعانون آلام الحرب والإضطهاد في العراق الممزّق وفي سوريا المتألمة من النزاعات وخضّات العنف والحرب المدمّرة، وبخاصةٍ أولئك المقتلَعين من ديارهم قسراً في الموصل وبلدات سهل نينوى، وقد حُرموا بهجة العيد لتحلّ مكانها المآسي والدموع والخوف إزاء المستقبل.. إنّنا نشجّعهم وندعوهم ألا يخافوا، فإنّ الفجر قريبٌ والخلاص آتٍ، ولا بدّ لإله الخير أن يقهر إبليس وجنوده، ليعودوا إلى أرض الآباء والأجداد رغم هول الخيانات وفداحة الآلام، كي يعيشوا فيها متّكلين على الرب ويقدّموا شهادتهم الشجاعة لإنجيل المحبّة والسلام.

كما نهنّئ أبناءنا وبناتنا في الأبرشية البطريركية في لبنان بهذا العيد، متضرّعين إلى الطفل الإلهي مولود بيت لحم، كي يحمل إلى لبنان انفراجاً من الأزمات الداخلية المتعدّدة، ومن اعتداءات الغرباء المتربّصين بأمنه وبصيغته الحضارية.
كما نعايد أبناءنا وبناتنا في الأراضي المقدّسة الأردن وتركيا ومصر، وكذلك أبناء كنيستنا الذين غادروا بلاد المنشأ واستقرّوا في بلدان الإنتشار، أوروبا وأميركا واستراليا، مصلّين من أجل ثباتهم بإيمانهم وأمانتهم لانتمائهم الكنسي.
ولا يفوتنا أن نذكر الذين أجبرتهم الأوضاع المؤلمة والإضطرابات والحروب في العراق وسوريا على النزوح والهجرة، وجميع المعوَزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ عائلةٍ غابت عن أعضائها فرحة العيد لفقدانها أحد أفرادها أو أحبّائها، سائلين لهم جميعاً فيض البركات والنعم السماوية.
أيّها الربّ يسوع مخلّصنا، يا أمير السلام، قوِّ فينا الإيمان بحضورك الخلاصي بيننا، وثبّت فينا الرجاء بأنّ السلام الحقيقي ممكنٌ، لأنّ البشر الذين خلَقْتَهم على صورتك ومثالك هم في أعماقهم صالحون. وأعطنا يا ربّ أن نعيش المحبّة كما أوصيتنا، فنضحي فاعلي سلامٍ، نبنيه على الحقيقة والعدالة والحرّية والمحبّة.
وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
كلّ عام وأنتم بألف خير.

ܡܫܺܝܚܳܐ ܐܶܬܺܝܠܶܕ... ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ           وُلد المسيح... هلّلويا
                                                                           


                                                             
                                                اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                               بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي



_____________________
ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܡܘܠܕܐ
ܫܢܬ ܒ̱ܝܕ
رسالة عيد الميلاد المجيد
عام 2014


ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܐܚܝܕ ܟܠ
ܐܝܓܢܛܝܘܣ ܝܘܣܦ ܬܠܝܬܝܐ ܕܒܝܬ ܝܘܢܐܢ
ܕܒܪ̈ܚܡܘܗܝ ܕܐܠܗܐ
ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܕܣܘܪ̈ܝܝܐ ܩܬܘܠܝܩܝ̈ܐ


باسم الأزلي السرمدي الواجب الوجود الضابط الكل

اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بنعمة الله
بطريرك الكرسي الرسولي الأنطاكي للسريان الكاثوليك


إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الاحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار
نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات والخيرات:
"ܬܶܫܒܽܘܚܬܳܐ ܠܰܐܠܳܗܳܐ ܒܰܡܪ̈ܰܘܡܶܐ ܘܥܰܠ ܐܰܪܥܳܐ ܫܠܳܡܳܐ ܘܣܰܒܪܳܐ ܛܳܒܳܐ ܠܰܒܢܰܝ̈ܢܳܫܳܐ"
"المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر" (لوقا 2: 14)


1. مقدّمة: الميلاد عيد الفرح والسلام والرجاء

في بداية رسالتنا لعيد الميلاد المجيد، نعرب عن أطيب التهاني والتمنّيات لجميع أبناء كنيستنا السريانية وبناتها وإخوتنا وأخواتنا من الكنائس الأخرى والجماعات الكنسية، ومن سائر الطوائف والأديان، وكلّ مواطنٍ صالحٍ يسعى إلى السلام، في لبنان والشرق الأوسط وبلدان الإنتشار، راجين منه تعالى، ينبوع النعم والمراحم، أن يحمل هذا العيد مواسم خيرٍ وسعادةٍ لجميع الذين يتّقونه بروح المحبّة والسلام، وأن يحلّ عليهم العام الجديد 2015 باليمن والبركات.
يحتفل العالم المسيحي في مشارق الأرض ومغاربها بعيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، عيد الإله المتأنّس، عيد المحبّة اللامتناهية، عيد الفرح ومصدر السلام وينبوع الرجاء بمستقبلٍ أفضل.
لقد وُلد المخلّص بالجسد في هدأة الليل، في قريةٍ صغيرةٍ وديعةٍ من فلسطين، هي بيت لحم. وجاءت الملائكة تبشّر رعاةً كانوا هناك، يسبّحون الله، وينشدون قائلين: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر" (لو 2: 14). إنّه نشيدٌ تردّده ليتورجيا الأرض في كنائسها كافّةً، وها هو الطقس السرياني يعلنه صباح كلّ يومٍ ليرفع المؤمنين إلى الله، مستذكرين ليلة ميلاد ابنه الكلمة الذي أضحى بشراً، متّخذاً في التاريخ اسم يسوع.

2. الميلاد مجد الله بيسوع وبشرى الفرح
ظهر مجد الله بشخص يسوع المسيح، على أن يظهر في كلّ إنسانٍ حيٍّ مستنيرٍ بسرّ الكلمة المتجسّد. لكنّ هذا المجد وهذه الإستنارة لن يتمّا، ما لم "يملأ سلام المسيح قلوب البشر" (كول 3: 15)، فيستعيد الإنسان بهاء صورة الله فيه، ويسطع من خلاله مجد الله في العالم، على رجاء التمتُّع به وجهاً لوجه في ملكوته السماوي.
مجد الله في السماء هو الإنسان الحيّ على الأرض، المخلوق على صورة الله ومثاله. يسوع ابن الله وكلمته المتأنّس، هو الإنسان الكامل في إنسانيته، الذي بتجسُّده، وبموته فداءً عن البشر، وبقيامته لتبريرهم ومنحهم عربون الحياة الجديدة، أتمّ تدبير الله الخلاصي الشامل للبشرية جمعاء، وحقّق مجد الله. وجاءته الشهادة من الأعالي، يوم معموديته في نهر الأردن على يد يوحنّا المعمدان، ويوم تجلّيه على جبل طابور بأبهى مجد ألوهته: "هذا هو ابني الحبيب، الذي عنه رضيت، فله اسمعوا" (متى 3: 17).
لقد بلغ خبر ميلاد الرب يسوع رعاة بيت لحم الفقراء البسطاء بلسان الملاك: "إنّي أبشّركم بفرحٍ عظيمٍ، يكون للعالم كلّه: لقد وُلد لكم المخلّص، هو المسيح الرب" (لو2: 10 و11). فصدّقوا وأسرعوا إلى حيث وُلد، وآمنوا وسجدوا له. المسيح خبرٌ مفرحٌ نحمله لجميع الناس: "إذهبوا في الأرض كلّها وأعلنوا بشارتي إلى الخلق أجمعين" (مر 16: 15). وعادوا يمجّدون الله ويهلّلون، مواصلين بدورهم الأنشودة الملائكية.
هكذا أصبح الرعاة، وقد أشرق عليهم مجد الربّ، أوّل من استودعهم الله بشرى الخلاص، وأوّل المشاهدين المتأمّلين سرّ الكلمة، وأوّل المبشّرين بالفرح العظيم، وأوّل الممجّدين لله في ليتورجية العهد الجديد.
وقد أجاد الطقس السرياني بالتعبير عن اختلاط تسابيح الملائكة بتهاليل الرعاة يوم الميلاد:
"ܙܳܚܘ ܬܶܓܡ̈ܶܐ ܕܢܽܘܪ̈ܳܢܶܐ ܡܶܢ ܪ̈ܰܘܡܶܐ ܕܰܠܥܶܠ܆ ܘܥܰܡ ܟܶܢܫ̈ܶܐ ܥܰܦܪ̈ܳܢܶܐ ܒܰܪܘܳܙܳܐ ܗܰܠܶܠܘ. ܠܰܡܫܺܝܚܳܐ ܡܶܣܬܰܟܝܳܢܳܐ܆ ܡܶܠܬܶܗ ܕܰܐܒܳܐ ܫܡܰܝܳܢܳܐ܆ ܕܰܨܒܳܐ ܘܶܐܬܺܝܠܶܕ ܒܓܰܘ ܐܳܦܰܪܬܳܐ: ܬܶܫܒܽܘܚܬܳܐ ܠܰܐܠܳܗܳܐ ܒܪܰܘܡܳܐ ܘܒܰܐܪܥܳܐ ܫܰܝܢܳܐ ܘܰܫܠܳܡܳܐ ܘܣܰܒܪܳܐ ܠܐ̱ܢܳܫܽܘܬܳܐ".
وترجمته: "تحرّكت طغمات النورانيين منحدرةً من الأعالي، ورنّمت بابتهاجٍ مع جموع الترابيين، للمسيح المنتظَر، كلمة الآب السماوي، الذي شاء ووُلد في أفراثا: المجد لله في العلى وفي الأرض الأمان والسلام والرجاء للبشرية".

3. الميلاد تمجيدٌ للمسيح الإله بالإنسان

بلغ خبر ميلاد يسوع مجوس المشرق الأغنياء العلماء من خلال نجمٍ ظهر في سماء بلاد فارس، فقرأوا فيه ميلاد ملك الأزمنة الجديدة. صدّقوا وساروا على هدي النجم حتى بيت لحم، فرأوا وآمنوا وسجدوا وقدّموا له هداياهم، الذهب لأنّه هو الملك، والمرّ إذ هو الفادي، واللبان أي البخور لكونه الإله والكاهن. وبهذا احتفلوا مع يوسف ومريم  بحلول "ملء الزمان" (غلا 4: 4) لإتمام عمل الله الخلاصي.
وها نحن هنا اليوم نواصل هذه المسيرة، كما سوانا في كلّ كنائس الأرض، فنحتفل بعيد ميلاد الرب يسوع، معلنين إيماننا، راجين أن يكون لقاؤنا بالمسيح، لقاء إيمانٍ وتجدُّدٍ في العيش والسلوك، مثل الرعاة والمجوس، لا مجرّد ذكرى سطحية. وهكذا نواصل السماع والرؤية ونقل الخبر ورفع آيات التسبيح والتمجيد، من أجل عالمٍ يتخبّط في الظلمات، وقد وافاه "الشارق من العلى" (لو 1: 78).
يتمجّد المسيح الإله بالإنسان، فكلّ إنسانٍ حيٍّ مدعوٌّ ليحقّق ذاته بكلّ أبعادها الروحية والمادّية، الثقافية والإجتماعية، الإقتصادية والوطنية، فيكون مجدَ الله. الإنسان، كلّ إنسانٍ، هو غاية الخلق، وبالتالي غاية الدولة ومؤسّساتها. ولهذا، تفرض السلطة العامّة على الذين يتولّونها مسؤولية ممارسة سلطتهم ضمن حدود القيم الأخلاقية التي رتّبها الله، وعلى أساس احترام الشخص البشري بحدّ ذاته، وفي دعوته وحقوقه الأساسية وحرّياته الطبيعية، مع حمايتها والدفاع عنها، فيتمكّن من تحقيق ذاته كقيمةٍ مضافةٍ لعائلته ومجتمعه ووطنه. ومن واجب الكنيسة والدولة الإهتمام بتربية جيلٍ مستنيرٍ وملتزمٍ، يكون بنوه وبناته مؤمنين صالحين ومواطنين صالحين ذوي حسٍّ وطني راسخٍ، وبُعدٍ إجتماعي منفتحٍ، وإيمانٍ ثابت.
4. الميلاد بداية الخلاص بالمسيح الممجَّد

تحقّق مجد الله بولادة المخلّص: "اليوم وُلد لكم المخلّص" (لو 1: 11)، هو يوم مجد الله الذي يصبح يوم الإنسان. إنّه بداية زمن الخلاص، ونهاية الأزمنة السابقة واكتمالها، والزمن الأخير الحاسم لخلاص جميع الناس. كلّ يومٍ من حياتنا هو صدى لهذا اليوم: هو عمّانوئيل "الله معنا" (مت 1: 23) لخلاصنا. هذه هي رسالة الكنيسة، تواصلها كلّ يومٍ بإعلان إنجيل الخلاص والتحرير.
هذا المخلّص الممجَّد في الأعالي هو "المسيح الربّ" (لو 1: 11) الذي مسحه الروح القدس في طبيعته البشرية، المتّحدة بالشخص الإلهي، نبيّاً وكاهناً وملكاً، والذي يُشرك في مسحة الروح شعب الله الجديد، جاعلاً إيّاه شعب الأنبياء والكهنة والملوك، على ما كتب بطرس الرسول: "أمّا أنتم فإنّكم ذرّيةٌ مختارةٌ وجماعةٌ ملوكيةٌ كهنوتيةٌ، وأمّةٌ مقدّسةٌ، وشعبٌ اقتناه الله للإشادة بآيات الذي دعاكم من الظلمات إلى نوره العجيب (1 بط 2: 9). هو الربّ الذي يخلّص بقدرته الإلهية، يعطي الخيرات ويحرّر من الشرور.
لقد أراد الرب يسوع منذ الدقيقة الأولى لحضوره بيننا، أن يعلن مجده بالتواضع والكفر بمقتنى الدنيا وغناها. فوُلد في مذودٍ، وشعر بما نشعر به من عوامل الطبيعة. لُفّ بأقمطةٍ اتّقاءً من البرد في هذه الأيّام في بيت لحم، وأُضجع في مذودٍ، وهو سيّد الكون، وما فيه من كائنات.

5. الميلاد أساس السلام الشامل

بميلاد الله إنساناً في بيت لحم، كانت للعالم رسالةٌ من السماء تؤكّد أنّ الله يحبّ جميع البشر ويمنحهم الرجاء بزمنٍ جديدٍ، هو زمن السلام، وأنّ حبّه الذي تجلّى بملئه في الإبن المتأنّس، الذي هو "الله ظهر في الجسد" (1 تيم 3: 16)، هو أساس السلام الشامل. فمن يقبل الإبن بكلّ قلبه، يصالحه الإبن مع الله الآب السماوي ومع ذاته، ويجدّد العلاقات بين الناس، ويذكي العطش إلى الأخوّة القادرة على تجاوُز تجربة الكبرياء والعنف. هذه الرسالة السماوية تدعو البشرية كي تؤلّف عائلةً واحدةً على قاعدة العلاقات المتناغمة بين الأشخاص والشعوب، والإنفتاح على الله المتسامي، وتعزيز كرامة الإنسان، واحترام الطبيعة.
لكنّ البشرية تُصاب بخسارةٍ كبرى بسبب الحروب المتتالية والنزاعات وموجات القتل والتهجير التي تزرع وراءها البؤس والجوع والأمراض والتقهقر الإجتماعي والإقتصادي، وقد ولّدت هذه المآسي منطق الظلم والإستضعاف، الذي تغذّيه رغبةٌ جامحةٌ في التسلّط على الآخرين واستغلالهم. وإذا بالحروب تتسبّب غالباً بحروبٍ أخرى، لأنّها تشعل أحقاداً عميقةً، وتخلق أوضاعاً من الظلم، وتدوس كرامة الأشخاص وحقوقهم. ومن البديهي أنّ من ينتهك الحقوق الإنسانية إنّما ينتهك الضمير الإنساني، بل البشرية ذاتها.
ومع ذلك لنا بالميلاد رجاءٌ أنّ السلام ممكنٌ، ويجب التماسه كعطيّةٍ من الله، وبناؤه يوماً بعد يومٍ بأعمال عدالةٍ ومحبّةٍ، وبمعونة الله وهدي روحه القدّوس. وسيكون سلامٌ بمقدار ما تكتشف البشرية بأسرها دعوتها الأصلية لتكون عائلةً واحدةً تُحترَم فيها كرامة الأشخاص وحقوقهم، أيّاً كان عرقهم ودينهم وحالتهم. هذا ما تؤمن به الكنيسة، وتدعو إليه بلسان الحبر الروماني، خليفة بطرس، في اليوم الأوّل من كلّ سنةٍ، عبر رسالته وندائه بمناسبة اليوم العالمي للسلام.

6. الميلاد يمنح العالم عطيّة السلام المبني على روح التضامن

إنّ السلام الذي منحه الرب يسوع للعالم بميلاده يستوجب اقتناع الأفراد والجماعات بأنّهم عائلةٌ واحدةٌ بانتمائهم إلى البشرية الواحدة. فالتضامن الذي يجعل من البشرية عائلةً واحدة، هو روح التضامن الذي يجد نقطة الإرتكاز في مبدأ شمولية خيرات الأرض التي أعدّها الله لجميع الناس. هذا المبدأ لا ينتزع شيئاً من شرعية الملكية الخاصّة، بل يكشف وظيفتها الإجتماعية. لا سلام بدون تضامنٍ وبدون إنماءٍ شاملٍ للإنسان والمجتمع، وهذا الإنماء يقتضي وعياً للقيم الخلقيّة الشاملة، التي بدونها لا مجال لحلّ النزاعات ولتأمين مستقبلٍ أفضل للبشرية. والتضامن الصادق هو قائمٌ على العيش معاً وفق مقاصد الله، وعلى الحوار والتعاون بين الشعوب والثقافات والأديان، وعلى اللقاء بين العقل والإيمان، وبين الحسّ الديني والحسّ الخلقي.
ولأنّ السلام عطيّةٌ من الله لأرضنا، فقد بات الإلتزام به عملاً جوهرياً. فهو كالمبنى في طور بناءٍ دائمٍ، والكلّ مدعوٌّ للإلتزام به: الأهل في العائلة ليعيشوا السلام ويشهدوا له ويربّوا أولادهم عليه، المعلّمون في المدارس والجامعات لينقلوا قيم المعرفة وتراث البشرية التاريخي والثقافي، الرجال والنساء في عالم العمل ليناضلوا في سبيل كرامة العمل البشري على أساس العدالة والمساواة، حكّام الدول لكي يضعوا في قلب عملهم السياسي العزم الثابت على الإلتزام بالنزاهة في ممارسة مسؤولياتهم، العاملون في المنظَّمات الدولية لكي يواصلوا عملهم كفاعلي السلام بالرغم من المخاطر التي تهدّد سلامتهم الشخصية، المؤمنون لكي يعزّزوا بالحوار المسكوني بين معتنقي الأديان قضية المجاهرة بالحقيقة في المحبّة، فيرتقوا معاً نحو حضارة الحياة في العيش الواحد المشترَك.

7. الميلاد سلام العدالة
سلام الميلاد الذي أنشدته ونادت به الملائكة هو "ثمرة العدالة" كما يقول أشعيا النبي (32: 17)، وهو سلامٌ يتحقّق ويتجلّى بعلاقة الإنسان مع ذاته ومع الله والناس.
في حياتنا الإيمانية يبدأ تحقيق السلام من الذات، من السلام الشخصي مع الله والناس، بالتوبة والمصالحة. كلّ واحدٍ منّا يلتزم بتجديد ذاته، سيّما مع بداية كلّ عامٍ جديد. فالأساس هو تجديد الذات بسلام الضمير الآتي من سماع صوت الله في أعماق النفس، وبالسلام مع حالة الإنسان الشخصية الناتج عن الأمانة لدعوته الخاصّة ولواجباته، وبالسلام مع الله بالرجوع إليه من حالة الخطيئة عبر سرّ التوبة والمصالحة ونيل الغذاء من الحياة الجديدة في سرّ الإفخارستيا.
كما أنّ لقاء الجماعة، في الأسرة والمدرسة والجامعة والعمل والرعية وما شابهها، يخلق جوّاً ملائماً ليساعد كلّ شخصٍ في إلقاء نظرةٍ وجدانيةٍ على ذاته، واستخراج ما يجب تغييره وتجديده. ثمّ يُصار إلى تبادُل الأفكار والخبرات، ومن بعدها إلى رسم خطّةٍ مشتركةٍ لبناء السلام الداخلي.
ولا ننسى ما للبُعد الإجتماعي من دورٍ محوري في بناء السلام على مستوى الشخص البشري والمجتمع، على قاعدة المحبّة والعدالة والخير العام، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً. وهذا يقتضي السعي الجادّ لاكتشاف الحلول لمشاكل المجتمع، وتأمين حقّ الإنسان بالحرّية والعدالة والإستقرار والعيش الكريم والمساهمة في الحياة العامّة.
يتحدّث قداسة البابا فرنسيس في مستهلّ رسالته لمناسبة اليوم العالمي الثامن والأربعين للسلام في 1/1/2015، بعنوان "لا عبيد بعد الآن بل إخوة"، عن أهمّية البُعد الإجتماعي العلائقي في حياة الإنسان لبناء مجتمعٍ يسوده السلام الأخوي:
"بما أنّ الإنسان هو كائنٌ علائقي، مدعوٌّ ليحقّق ذاته في إطار علاقاتٍ شخصيةٍ تلهمها العدالة والمحبّة، لذا من الأهمّية بمكانٍ لتطوُّره أن يُعترَف بكرامته وحرّيته واستقلاليته التي تستحقّ أن تُحترَم. ولكن للأسف، لأنّ الآفة المنتشرة على الدوام لاستغلال الإنسان من قبل الإنسان تجرح بشكلٍ خطيرٍ حياة الشركة والدعوة لنسج علاقاتٍ شخصيةٍ يطبعها الإحترام والعدالة والمحبّة... لذا يجب العمل في ضوء كلمة الله، لاعتبار جميع البشر إخوةً لا عبيداً بعد الآن".

8. الميلاد يبعث الرجاء بين الناس

ميلاد الرب يسوع نشر الرجاء بين الناس، فالمسيح هو رجاؤنا كما يقول القديس بولس: "أذكروا أنّكم كنتم من دون المسيح... ليس لكم رجاء" (أف 2: 12). لقد كان البشر مكبَّلين بالخطايا قبل مجيء المسيح الذي منحهم الخلاص بحلوله بينهم، وفتح أمامهم مستقبلاً زاهراً. ولا يمكننا نحن البشر أن نرجو هذا الخلاص من أيّ شخصٍ آخر، "فالمسيح يسوع هو رجاؤنا" (1 تيم 1: 1).
إنّ الرجاء المسيحي مرتبطٌ بشوق الإنسان الفطري إلى السعادة، لأنّ المرء يحمل في أعماق ذاته توقاً نحو سعادةٍ لا حدّ لها، لا يمكن إشباعه بواسطة خيرات هذه الدنيا التي تمنح سعادةً آنيّةً وقتيّة. المسيح وحده بإمكانه أن يقدّم الأمل والرجاء لإرواء هذا العطش إلى ملء السعادة.
ونظراً لأهمّية هذا الموضوع، فقد كرّس المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني دستوراً رعوياً سمّاه "فرح الرجاء أو الكنيسة في عالم اليوم"، وهو الوثيقة المجمعية التي نقيم ذكراها الخمسينية. إنّ الرجاء فضيلةٌ إلهيةٌ تحيي إيماننا المسيحي، إذ إنه ميزة شعب الله السائر نحو سعادة السماء. كما أصدر قداسة البابا بندكتوس السادس عشر رسالتين حبريتين: الرسالة الأولى في شهر كانون الثاني عام 2006، بعنوان "الله محبّة". وكرّس قداسته رسالته الحبرية الثانية لموضوع الرجاء، التي أصدرها بتاريخ 1/12/2007، تحت عنوان "مخلََّصون بالرجاء"، وفيها قدّم تأمّلاً رائعاً عن الرجاء المسيحي إزاء أوهام زماننا الحاضر، الذي يعتمد على التقدّم المادّي وحده، وإزاء الإحباط الذي يشعر به البشر من جرّاء إخفاق التقدُّم العلمي في توفير السعادة للإنسان.



9. في الميلاد يتلازم الرجاء والإيمان

عيد ميلاد الرب يسوع عطيّة رجاءٍ لبشريةٍ ادلهمّت في سمائها الغيوم وتكاد تطغى عليها الظلمة، مع أنّ المؤمنين يدركون أنّه لا يحدث أمرٌ في الدنيا بدون إذن الله. والقدّيس بولس يقول: "أمينٌ هو الله، فلن يسمح أن تُجرَّبوا بما يفوق طاقتكم، بل يجعل مع التجربة مخرجاً، لتستطيعوا أن تحتملوا" (1 كور 10: 13) . والرسول متّى في إنجيله يقول مستشهداً بأشعيا النبي: "الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، والجالسون في بقعة الموت وظلاله، أشرق عليهم نور" (مت 4: 16). إنّ الله أقرب ما يكون من المؤمنين، عندما يشعرون بأنّه قد ابتعد عنهم واختفى. هذا ما كان يردّده الكثيرون من القدّيسين الذين اختبروا الحياة الروحية.
لا رجاء دون إيمانٍ، ولا إيمان دون رجاءٍ، فهما فضيلتان متلازمتان. الإيمان هو هبةٌ من الله للإنسان، ومن الممكن أن نفقد هذه الهبة التي تفوق كلّ قيمةٍ إذا حصرنا مداركنا وقناعاتنا بالأرضيات. هذا ما حذّر القدّيس بولس تلميذه تيموتاوس منه بقوله له: "جاهد الجهاد الحسن، متمسّكاً بالإيمان والضمير الصالح، وقد رفضهما أناسٌ فتحطّمت سفينة إيمانهم" (1 تيم 1: 18ـ19).
بالرغم من كلّ النكبات التي حلّت بمجتمعاتنا اليوم، فالرجاء بالمسيح يشعّ في الوسط، ليؤكّد أنّه بإمكان الإنسان أن يرجو، حتّى في خضمّ كلّ الصعوبات والضيقات، كما يقول رسول الأمم: "نفتخر بالرجاء لمجد الله، لا بل نفتخر بشدائدنا نفسها، لعلْمنا أنّ الشدّة تلد الثبات، والثبات يلد فضيلة الإختبار، وفضيلة الإختبار تلد الرجاء، والرجاء لا يخيّب صاحبه، لأنّ محبّة الله أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهِبَ لنا" (رو 5: 2ـ5). فالرجاء المسيحي مؤسَّسٌ على محبّة الله غير المحدودة لنا: "إن كان الله معنا، فمن علينا؟ الله الذي لم يبخل بابنه نفسه، بل أسلمه إلى الموت من أجلنا جميعاً، كيف لا يهبنا معه كلّ شيء" (رو 8: 31ـ32). يستند الرجاء المسيحي على حقيقة أنّ الله قادرٌ على كلّ شيء، ولكونه ينبوع الرحمة والحنان يحبّنا محبّةً والديةً جمّة. لقد وعدَنا الله أن يمنحنا نِعَمَه التي نحتاجها، وهو أمينٌ في تنفيذ وعوده.

10. الميلاد يبشّر بالرجاء في خضمّ المحن والإخفاقات

إنّ روح الميلاد لا تدعنا أبداً نفقد الرجاء والأمل كي لا نستسلم لليأس، فاليأس طريقٌ إلى الموت والفناء. ومع قطع الرجاء، لا يعود الإنسان يرجو من الله خلاصه، والمعونة التي تمكّنه من بلوغ هذا الخلاص، أو مغفرة خطاياه، بل يقاوم جود الله وعدالته. وهذا هو خطأ التلميذ الذي خان معلّمه الإلهي وأسلمه بثلاثين من الفضّة لأعدائه كي يصلبوه. قد يكون المرض أو الحرب أو التهجير مدعاة يأسٍ، وسبباً للإنطواء على الذات، وقد يشعر الأبرياء بثقل الظلم وعبثية الشرّ فتساورهم الثورة على الله الخالق والمدبّر... ولكنّ الحقيقة الراهنة التي لا تقبل الجدل، هي أنّ الإنسان المؤمن يعرف كيف يستمدّ من الضعف قوّةً، وكيف يحوّل اليأس إلى رجاءٍ خلاصي، بنعمة  الروح القدّوس ومواهبه التي تنالها الصلاة الشخصية التي لا تملّ، وبالإبتهال الحارّ الذي لا يعرف الكلل.  كما أنّ المشاركة العميقة في صلوات أمّنا الكنيسة ورُتَبِها في زمن الميلاد، لا بدّ وأن تغذّي رجاءنا نحن الذين اقتبلْنا البشرى ووضعْنا ثقتنا كاملةً في مولود بيت لحم الإلهي، مردّدين مع منشد المزامير: "رجوتُ الرب رجاءً، فحنا عليّ وسمع صراخي" (مز 40: 2).
لذا ندعو الله على الدوام أن يقوّي إيماننا ورجاءنا به، مدركين أنّه مهما تأزّمت الأمور، وتعقّدت الأحداث، فهو ينتظرنا ليمدّ يده إلينا، كما فعل مع التلاميذ الذين كانوا في السفينة، وأوشكوا على الغرق، وصرخوا جميعاً، فيما كان يسوع نائماً في مؤخّرة السفينة، قائلين: "يا ربّ نجّنا! فنحن نهلك!"، فقال لهم: "ما بالكم خائفين، يا قليلي الإيمان؟". حينئذٍ قام يسوع وزجر الرياح والبحر، فحدث هدوءٌ عظيم. فتعجّب الناس وقالوا: "من هو هذا حتى يطيعه البحر نفسه والرياح؟" (مت 8: 23ـ27). إنّ ما فعله يسوع مع التلاميذ، بمقدوره أن يفاجئنا به في كلّ حين، فهو هو دائماً "أمس واليوم وإلى الأبد" (عب 13: 8)، شرط ألا يتزعزع إيماننا ورجاؤنا به وبقدرته على إسكات كلّ العواصف التي تهبّ علينا من أنّى أتت.
وها هو قداسة البابا فرنسيس يختم رسالته بمناسبة اليوم العالمي للسلام في 1/1/2015، بالتشديد على أهمّية بثّ الرجاء من خلال التضامن وعيش الأخوّة، بغية العبور والغلبة على معوقات هذا الدهر ومجابهة تحدّياته:
"إنّ اللامبالاة التي تُرخي بثقلها اليوم على حياة العديد من الإخوة والأخوات، تتطلّب منّا جميعاً أن نكون صانعي التضامن والأخوّة القادرين على إعطائهم الرجاء مجدّداً، وتمكينهم من استعادة السير بشجاعةٍ عبر مشاكل زمننا وأزماته والرؤى الجديدة التي يحملها معه والتي يضعها الله بين أيدينا".

11. إطلالة العيد هذا العام

".. وعلى الأرض السلام..!" ومَن منّا لا يتساءل أين ذاك السلام الذي حمله المسيح الرب، كلمة الله المتأنّس وبشّر به الملائكة رعاة بيت لحم؟  كم يحتاج عالمنا اليوم إلى روح السلام لتحلّ على أوطاننا، وقادتنا وحكّامنا، فيفيض السلام في بلادنا، ويؤمن الصالحون بملك السلام!. فأين هو السلام العادل والشامل الذي أراده الله لكلّ الناس؟ عندما نرى الصراعات الأهلية تتكرّر وتزداد همجيةً في بلدانٍ عديدةٍ من منطقتنا، وعندما تطالعنا الأخبار عن قمع الحرّيات واضطهاد الضعفاء وتهجير الأبرياء، وعن مسلسلات العنف والقتل ودوس الكرامات..! ألا يحقّ لنا التساؤل أين بقيت كرامة الإنسان في عددٍ كبيرٍ من بلدان شرقنا المتوسّط؟ وإلى متى يبقى العالم صامتاً إزاء الجرائم التي تُرتكَب باسم الدين، إذ يقع الملايين من المواطنين المسالمين ضحايا التكفير والتعصّب والجهل والكراهية! 
فمن لبنان إلى العراق، مروراً بسوريا وفلسطين، شعوبنا تعاني من الحروب والإضطهاد والقتل والتشريد. تدمع عيوننا وتتفطّر قلوبنا عندما نعاين، رغم أنّنا في الألفية الثالثة، تلك المجموعات الإرهابية التكفيرية تعيث الفساد من حولها وتفتك بالبشر والحجر، وتعود بنا إلى عصر الظلمات، وتحكم بقتل الناس وذبحهم لمجرّد أنّهم لا يقرّون بما تؤمن به. هذه الجماعات غريبةٌ عن تاريخ منطقتنا حيث عاش المسيحيون والمسلمون منذ مئات السنين جنباً إلى جنبٍ في القرى والمدن والبلدان، رغم تخلّف الأنظمة في غالبيتها القصوى عن اللحاق بركب التمدُّن ونشر مساواة المواطنة الكاملة بين الجميع على اختلاف إنتماءاتهم الدينية والعرقية والمذهبية.

إنّنا ننظر إلى مكوّنات الشعب العراقي الممزّق، ونبكي مع الباكين من أعضاء كنيستنا المتألّمة في أرض الرافدين. عشرات الآلاف من المشرَّدين والمهجَّرين داخل وطنهم، وأمثالهم من النازحين طلباً للجوء في البلدان المجاورة، أو الهائمين على وجوههم تحت كلّ سماء. كيف لا تدمى قلوبنا وأجراس كنائسنا في الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، وللمرّة الأولى منذ فجر المسيحية، لا تقرع فرحاً بولادة المخلّص..! وكيف نسكتُ فلا نثور للنكبة التي حلّت بكامل أبرشيتنا هناك، إذ أُرغم المطران والعشرات من الإكليروس والراهبات والرهبان مع الآلاف المؤلّفة من المؤمنين على النزوح إلى العراء بسبب ظلم الإرهابيين التكفيريين من غريبٍ وقريب! 
إنّنا ندعو المسؤولين من ذوي الإرادات الصالحة محلّياً وإقليمياً وعالمياً، للعمل الجادّ والدؤوب بغية تحرير هذه المناطق المغتصَبة، ليعود المسيحيون الذين لا ذنبَ لهم، إلى قراهم وبلداتهم وكنائسهم، فتُقرَع الأجراس مرنِّمةً أنشودة الميلاد، داعيةً الضمائر إلى إحقاق العدل وتفعيل المصالحة والسلام. ومع أنّنا ندرك أوضاع أهلنا المأساوية، نقول لهم: "لا تخافوا، فإنّ الفجر قريبٌ، والخلاص آتٍ، ولا بدّ لإله الخير أن يقهر إبليس وجنوده، فتعودوا إلى أرض الآباء والأجداد. إنّها أرضكم، أرضٌ مقدَّسةٌ تستأهل أن تعودوا إليها، رغم هول الخيانات التي حلّت بكم وفداحة الآلام والمآسي التي ألمّت بكم ظلماً، لتعيشوا فيها الشهادة لإنجيل المحبّة والسلام".
إنّنا نتوجّه بشكلٍ خاص إلى أبنائنا وبناتنا في بغداد والبصرة وإقليم كردستان، وإلى المقتلَعين من ديارهم قسراً في مدينة الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، إكليروساً ومؤمنين، معربين لهم عن عمق محبّتنا وصدق تضامننا. لقد زرناهم مراراً، ولم نألُ جهداً في إعلاء الصوت أمام المسؤولين المحلّيين وفي المحافل الدولية، لنصرة قضيتهم الحقّة التي نحملها ونطالب بها مع جميع إخوتنا البطاركة رؤساء الكنائس الشرقية الشقيقة. ونؤكّد لهم أنّ فجر القيامة لا بدّ وأن يبزغ، فيضيء درب بلادهم الحبيبة بضياء الحقّ المكلَّل بالعدالة.
ونتوجّه بفكرنا إلى شعب سوريا المتألّمة، نشاركُه من أعماق القلب لما أصابه ويصيبه من نزاعاتٍ وخضّات عنفٍ وحربٍ مدمّرةٍ منذ أربع سنوات. صراعاتٌ بين الأشقّاء غذّاها الحاقدون، فلم تُبقِ ولم تذر، دماراً للحجر وتنكيلاً بالبشر. والعالم بعضه محرِّضٌ متآمرٌ، وبعضه متفرِّجٌ جبان، حتّى لم تعد سوريا ذاك الوطن الذي عهدناه، وهل من يحاسب المسؤولين عن هذا الدمار والقتل والإجرام!!! ألم يحن الوقت كي يتحرّك المجتمع الدولي ويقوم بمبادراتٍ إيجابيةٍ تنهي مأساة هذا الشعب؟!
ولأنّنا في زمن الميلاد، زمن المغفرة والرحمة والتسامح، نصلّي مع الشعب السوري ونتضرّع إلى طفل بيتَ لحمَ الإلهي، أن يشفق على الملايين من الأبرياء، من مقيمين ونازحين، كي يعودوا إلى ضمائرهم ويتواكبوا مع ذوي النيات الحسنة والإرادات الصالحة في مسيرة المصالحة والحوار والتآخي رحمةً ببلدهم وبحضارته الإنسانية العريقة. كما أنّنا نناشد الضمير العالمي، ببذل الجهود الحثيثة لإطلاق سراح جميع المخطوفين، وبخاصّةٍ أخوينا المطرانَين يوحنّا ابراهيم بولس اليازجي، والكهنة، وكلّ المخطوفين بسبب هذه الحرب العبثية التي هدّمت سوريا وبنيتها التحتية وتاريخها وحضارتها.
إنّنا نؤكّد بشكلٍ خاص محبّتنا الأبوية وتضامننا الكامل وصلاتنا الحارّة من أجل أبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا السريانية الأربع في سوريا، في دمشق وحمص وحلب والجزيرة، إكليروساً ومؤمنين، كي تزول المحنة عن بلدهم، فيشرق فيه نور القيامة الذي طال انتظاره، لينعموا مع إخوتهم في الوطن بالطمأنينة والإستقرار.

أمّا وطننا الحبيب لبنان، فإنّ الأزمات السياسية والأمنية والإجتماعية والإقتصادية التي تعصف به من كلّ حدبٍ وصوبٍ كادت تنسي الشعب أنّنا في زمن العيد. فلا رئيس للجمهورية قد انتُخِب، ولا جنودنا الأبطال قد حُرِّروا، والخاطفون يهدّدون أهلهم يومياً بذبحهم. كما أنّ فضيحة الفساد الغذائي، إن لم يتداركها المسؤولون قد تنذر بالوبال على صحّة المواطن وسمعة لبنان السياحية. وكأنّ لبنان، هذا الوطن الكبير في صغر مساحته والمميَّز بين بلدان المنطقة بالإنفتاح والتعدُّدية والمساواة والحرّية، لم تكفِهِ الأزمات الإقتصادية المتتابعة التي ورثها في العقود الأخيرة، والتي زادها تعقيداً وجود ملايين النازحين بسبب الصراعات في سوريا والعراق، فجاء مَن يهزّ كيانه وميثاقه بالتهديدات المذهبية المكفّرة، وبالإعتداءات الإجرامية من قتلٍ وخطفٍ لقواه الأمنية وتفجيراتٍ في ساحاته وشوارعه.
حقّاً نحن بحاجةٍ ماسّةٍ للصلاة والرجاء كي يحمل ميلاد الرب يسوع أملاً وانفراجاً في الأزمات اللبنانية المتعدّدة. ونصلّي بشكلٍ خاص كي تجلب السنة الجديدة تجديداً للسلطة الدستورية، فيُصار إلى انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، ويُقَرُّ قانونٌ جديدٌ للإنتخابات النيابية لا يهمّش أيّ مكوّنٍ من مكوّنات الوطن، وتحصل الإنتخابات وهي من التجلّيات الأساسية للديمقراطية، بحيث تساهم في الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا، وعلى الإستقرار الإجتماعي والتآخي الوطني.
ويسرّنا أن نتقدّم بالتهنئة الأبوية من أبنائنا وبناتنا في أبرشية لبنان البطريركية، إكليروساً ومؤمنين، ومعهم جميع اللبنانيين واللبنانيات، بعيد الميلاد المجيد، وبحلول العام الجديد، سائلين الطفل الإلهي، مولود المغارة، أن يعيد عليهم هذا الزمن المبارك بالخير والصحّة وفيض النِّعَم والبركات.

نهنّئ أبناءنا وبناتنا في الأراضي المقدّسة، مردّدين عبارة القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني "وكيف لا أنظر بقلقٍ أيضاً لكن بثقةٍ لا تتزعزع إلى الأرض التي وُلد فيها يسوع المسيح"، ونحثّهم على الثبات في تلك الأرض حيث وُلِدَ الرب يسوع وأتمّ سرّ تدبيره الإلهي من أجل خلاصنا.

كما نهنّئ أبناءنا وبناتنا في الأردن، سائلين الله أن يوفّقهم في أعمالهم، لما فيه خيرهم وسعادتهم.

ونعايد أعزّاءنا في النيابة البطريركية في تركيا، داعين لهم بالنجاح وفيض النِّعَم وأسعد الأيّام.

ونهنّئ أبناء كنيستنا في مصر، سائلين الرب يسوع أن ينشر أمنه وسلامه في ربوعها، وأن يحيا مواطنوها بالمحبّة والوئام، ويتعاضدوا من أجل ازدهار وطنهم، مهما اختلفت انتماءاتهم وتوجّهاتهم. ونثني على ما جاء في بيان مؤتمر الأزهر من تأكيدٍ لعمق العلاقات المشتركة بين المسيحيين والمسلمين في العالم العربي.

ولا يغيب عن بالنا أن نهنّئ أبناءنا وبناتنا في كنائسنا وأبرشياتنا وإرسالياتنا السريانية في بلاد الإنتشار، في أوروبا وأميركا وأستراليا، أمل مستقبل كنيستنا، وها هو عددهم يزداد باطّرادٍ نتيجة الهجرة من بلاد المنشأ في العراق وسوريا إثر الحروب والمحن التي تعصف بها، متوجّهين إليهم بالمحبّة الأبوية والتمنّيات القلبية. وفيما نثني على تعلّقهم بإيمانهم وتراثهم الكنسي الأصيل ولغتهم السريانية المقدّسة، نحثّهم على تنشئة أجيالهم الصاعدة وفق مبادئ الإيمان والعادات والتقاليد الشرقية السريانية العريقة، التي تربّوا عليها في أوطانهم الأمّ، كي يحافظوا على أصالة هويّتهم وحضارتهم، مولين الإهتمام لزرع روح المحبّة والإخلاص للبلاد التي فتحت لهم ذراعيها واستقبلَتْهم بعد أن قست عليهم ظروف الحياة. ويهمّنا أن نؤكّد لهم أنّنا نعمل جاهدين كي نؤمّن لهم الخدمة الكنسية والرعاية الروحية الضرورية اللائقة والواجبة لهم، ليبقوا مرتبطين بكنيستهم السريانية. ويشاركنا في سعينا الدائم لتحقيق هذه الغاية، إخوتنا المطارنة وأبناؤنا الكهنة الذين يسهرون على خدمتهم.
كما نتوجّه بمحبّة أبوية إلى أبنائنا وبناتنا الذين أجبرَتْهم الأوضاع المؤلمة والإضطرابات والحروب في العراق وسوريا على النزوح والهجرة، ونؤكّد لهم تضامننا الأبوي الدائم، وسعينا الحثيث لبذل كلّ جهدٍ ممكنٍ في سبيل مساعدتهم ومؤازرتهم روحياً ومعنوياً ومادّياً، داعين جميع ذوي الأريحية والحميّة أن يهبّوا إلى معاونتنا لتأمين حياةٍ كريمةٍ لهم، ريثما تستقرّ أوضاعهم، شاكرين جميع الذين ساهموا ويساهمون في مدّ يد العون لإخوة المسيح الصغار هؤلاء. ونحثّهم هم أيضاً على ضرورة التمسّك بإيمانهم وانتمائهم الكنسي، مهما اشتدّت المعاناة، طالبين لهم وفور النِّعَم وراحة البال.
وفي هذا الزمن الميلادي، لا ننسى أن نذكر جميع المعوَزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ عائلةٍ غابت عن أعضائها فرحة العيد لفقدانها أحد أفرادها أو أحبّائها، فلا تجده في حلقة العائلة أثناء الإحتفال ببهجة هذه الأيّام المباركة، سائلين لهم فيض البركات والتعزيات السماوية.

12. أفراحٌ وبركاتٌ تستعدّ كنيستنا السريانية لنيلها

بفرحٍ واعتزازٍ عظيمين، قمنا بزيارة الأعتاب المقدّسة في الفاتيكان، حيث توّجناها بلقاء قداسة البابا فرنسيس يوم الجمعة 12 كانون الأوّل الحالي، بمشاركة آباء سينودس كنيستنا السريانية، ووفودٍ من أبناء كنيستنا في مختلف بلدان العالم، إكليروساً وعلمانيين، بلغ عددهم 400 شخصاً. وبعد أن ألقينا كلمتنا مذكّرين قداسة الحبر الأعظم بعراقة كنيستنا السريانية الأنطاكية وجذورها الرسولية الأولى، وبرسالتها قديماً وحديثاً أن تكون الكنيسة الشاهدة لإنجيل الخلاص والشهيدة حبّاً بالمخلّص الإلهي، أجابنا قداسته بكلمةٍ مفعمةٍ حبّاً بنفحاتٍ من الإيمان الراسخ  والرجاء الذي لا يخيب. أقرّ قداسته بحنوٍّ أبوي بعظم النكبة التي حلّت بكنيستنا حديثاً في العراق وسوريا. وأكّد تضامنه الكلّي وصلاته الأبوية من أجل انتهاء المحن والآلام في الشرق، مذكّراً إيّانا بما أعلنه للعالم أجمع خلال زيارته إلى تركيا، بأنّ وجود المسيحيين في الشرق هو ضرورةٌ واجبةٌ وليس صدفة

117
الرقم: 77/أس/2014
التاريخ: 8/12/2014
بيان من أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
السينودس العام السنوي للكنيسة السريانية الكاثوليكية يبدأ أعماله




بدعوة من غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي الكلي الطوبى، يُعقد السينودس العام السنوي لأساقفة كنيسة السريان الكاثوليك الأنطاكية، من 8 حتّى 10كانون الأوّل 2014، في Casa del clero - Via della scrofa 70 - Roma .
ففي تمام الساعة الثامنة من صباح يوم الإثنين 8 كانون الأوّل، ترأس غبطة البطريرك يونان القداس الإلهي الإفتتاحي للسينودس، بحضور الآباء أعضاء السينودس، وبعض الكهنة السريان الذين يتابعون دراساتهم الكنسية العليا في جامعات روما.
وخلال القداس، ألقى غبطته كلمة أبوية توجيهية حدّد فيها أهداف السينودس، طالباً بركة الرب وحماية العذراء مريم سيّدة الحبل بلا دنس للكنيسة السريانية سينودساً وإكليروساً ومؤمنين، سيّما في هذه الأيّام الصعبة العصيبة التي تمرّ فيها بلدان الشرق الأوسط، متضرّعاً إليه تعالى أن يمنّ على العراق وسوريا بالأمن والسلام، خاصةً وقد نُكِبت أبرشية الموصل وسهل نينوى باقتلاع أبنائها من جذورهم وأرضهم.
وعند التاسعة والنصف من صباح اليوم نفسه، ترأس غبطته الجلسة الإفتتاحية للسينودس، التي استُهلّت بصلاة للروح القدس، ثم ألقى غبطته الكلمة الإفتتاحية للسينودس، وجّه فيها تحيّة إكبار إلى "لبنان، موئل الحضارات والحريات"، داعياً "لهذا البلد الغالي بالإستقرار والإزدهار، وبتفعيل المحبّة والألفة والتضامن بين مختلف مكوّناته، ليبقى نبراساً حضارياً لبلدان الشرق". وأسف غبطته بشدّة "لتهاوُن المسؤولين بمقدّراته، واستخفاف ذوي الشأن بدستوره وقوانينه بإحجامهم عن انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، وهو رمز وحدة الوطن وحامي أبنائه"، داعياً إيّاهم "إلى تحمّل مسؤولياتهم الوطنية أمام الله والشعب والتاريخ".
وأثنى على عطاءات "الجيش اللبناني وجميع القوى الأمنية، قياداتٍ وأفراد"، مثمّناً "التضحيات الجسام التي يبذلونها"،. وإذ ترحّم على أرواح الشهداء، دعا "إلى العمل الحثيث لتحرير المخطوفين بالسرعة الممكنة، ليعاودوا عملهم المتفاني في حماية الوطن وأهله".
وتحدّث غبطته عن الأوضاع المأساوية الدامية في العراق وسوريا، مشيراً خاصةً إلى المحنة القاسية التي ألمّت بالموصل وسهل نينوى التي اضطرّ أبناء شعبنا فيها وسواهم من المسيحيين إلى مغادرتها قسراً، مؤكّداً أننا أبناء الرجاء ونضع ثقتنا بإله كل تعزية وأبو المراحم الذي يعزينا وسيحقق لنا الفرج القريب.
وتطرّق إلى أبرز المواضيع التي سيعالجها السينودس، من أوضاع الأبرشيات السريانية في سوريا والعراق، إلى موضوع الإعداد لاحتفالات البطريركية بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لشهداء السريان، ودراسة أوضاع الكهنة والخدمة الكهنوتية، وتفعيل وتمتين العلاقات الأخوية مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، وسواها من مواضيع إدارية تخصّ بعض الابرشيات والإرساليات السريانية، معبّراً عن فرحه باجتماع الكنيسة السريانية الكاثوليكية، بطريركاً وسينودساً وإكليروساً ومؤمنين، في زيارة الأعتاب الرسولية في الفاتيكان ونيل بركة قداسة البابا فرنسيس في الزيارة التي سيقومون بها إلى قداسته يوم الجمعة القادم إن شاء الله.
هذا وتستمر أعمال السينودس بجلسات يومية مغلقة، صباحاً ومساءً، وتُختَتم ببيان ختامي يتضمّن خلاصة أعمال السينودس وما سينتج عنه من مقرّرات.   


الكلمة الإفتتاحية لسينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
Casa del clero - Via della scrofa 70 - Roma 
8ـ10 كانون الأوّل 2014

مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الأنطاكي

الإخوة الأجلاء أصحاب السيادة آباء سينودس كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية الجزيلي الإحترام،
حضرات الخوارنة، والآباء الكهنة الأفاضل

ܚܽܘܒܳܐ ܘܰܫܠܳܡܳܐ ܒܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܡܫܺܝܚܳܐ، ܕܒܰܫܡܶܗ ܡܶܬܟܰܢܫܺܝܢܰܢ ܐܰܟ̣ܚܰܕ ܒܗܳܕܶܐ ܣܽܘܢܳܗ̱ܕܽܘܣ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ

نرحّب بكم جميعاً أجمل ترحيب، ونودّ أن نخصّ بالترحيب، حضرة الخوراسقف فيليب بركات الموقّر، بصفته المدبّر البطريركي لأبرشية حمص وحماه والنبك، والذي يشاركنا في الأعمال السينودسية لأوّل مرّة، بعد نياحة أخينا المثلّث الرحمات المطران مار ثيوفيلوس جورج كسّاب، الذي نرفع الصلاة والدعاء راحةً لنفسه، سائلين له ميراث ملكوت السماء مع الرعاة الصالحين والوكلاء الأمناء.
نشكركم لتلبيتكم دعوتنا للمشاركة في أعمال سينودسنا العادي السنوي هذا، للتعرّف على أحوال كنيستنا، وتدارُس الإختيارات والقرارات التي نصل اليها، مبرهنين عن استعدادنا لتحمُّل أعباء مسؤولياتنا  لخدمة هذه الكنيسة المبتلاة حديثاً بمصائب وأهوال لا مثيل لها، وذلك بروحٍ من التضامن والإتّحاد، حسب قلب المعلّم الإلهي راعينا ومثالنا.
كنّا في السنوات الماضية نسعى بقوّة الروح القدّوس إلى استكشاف دعوتنا وخدمتنا، في كلٍّ من الحقول الروحية والراعوية والإجتماعية. كما أنّه لا بدّ لنا أن نعترف بمحدوديتنا ونحن نسعى لخدمة أبرشياتنا ورعايانا بأمانة، إذ لم تأتِ الإنجازات دوماً حسب ما كنّا ننويه أو نطمح له. وهذا ما يحثّنا كي نتابع المسعى، متجاوبين مع النعمة الإلهية التي تملأ نقائصنا، ومتّكلين على الرب الذي يذكّرنا من خلال ضعفنا ونقائصنا أنه "بدوني لستم تستطيعون أن تفعلوا شيئاً!".
في زمن المحن التي ألمّت بكنيستنا السريانية، لا سيّما في العراق منذ أكثر من عقدين، وفي سوريا منذ أربعة أعوام، يجدر بنا أن نستلهم نفحةً من الرجاء والعزاء خصّ بها بولس رسول الأمم، أهل كورنثس، مشجّعاً إيّاهم في شدائدهم: "تبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح، أبو المراحم وإله كلّ تعزية، الذي يعزّينا في ضيقتنا، كي نستطيع أن نعزّي مَن هم في كلّ ضيقة، بالتعزية التي نتعزّى نحن بها من الله. لأنّه كما تكثر آلامُ المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتُنا أيضاً" (2 كور 1: 3ـ5). ونحن على ثقة بأنّ الله "يوجِد من المحنة خلاصاً"، فهو الراعي الصالح الذي يسهر على القطيع ويشجّعه للإنطلاق في جدّة الحياة بإيمانٍ ثابتٍ لا تزعزعه الأنواء ولا تنال منه الشدائد.
ليس بوسعنا بعد أن نتغافل عن هول ما أصابنا من نكبات هدّدت وجودنا في أرض الأجداد، وفي كنيسة أنطاكية التي شاءت العناية الإلهية أن تكون كنيسةً شاهدةً وشهيدةً منذ قديم الأزمان، ليس لأنّنا نريد أن نتميّز عن غيرنا من الكنائس، ولكن لأنّ النكبة التي حلّت بأبرشية الموصل وتوابعها منذ ستّة اشهر، هي حدثٌ مخيفٌ بل مروِّعٌ إلى أقصى حدّ. حدثٌ ما عرفته كنيسة مشرقية منذ مئة عام، إذ يذكّرنا بنكبة "السوقيات". في أيّام بل ساعات، تمّ اقتلاع عشرات الآلاف من المؤمنين مع مطرانهم وإكليروسهم والعديد من الراهبات والمكرَّسين، من بيوتهم ورعاياهم. وإذا أجرينا إحصاءاتٍ موضوعيةً، نستطيع القول بأنّ أكثر من ثلث طائفتنا الموجودة في المشرق قد تشرّد، ولا أحد يعلم سوى الله، متى يعود هؤلاء المهجَّرون قسراً، إن هم عادوا..!
ماذا نقول عن مآسي القتل والخطف والتشريد التي عرفتها سوريا منذ ما يقرب من أربعة أعوام؟ وهل هناك من يجهل أو يتجاهل النتائج الوخيمة لتلك الصراعات الدامية، من دمارٍ مرعبٍ لبنى هذا البلد، ومن قتل مئات الألوف ونزوح الملايين؟ وكما في بلاد الرافدين، مَن له المصداقية، داخل الوطن وخارجه، كي يطمئن شعب سوريا، بما فيه أهلنا، أنّ السلام سيعود يوماً، سلام المصالحة الحقيقية وقبول الآخر، فتزول الأحقاد، وتُدفن الضغائن، ويعود المواطنون للتآلف والتآخي بروح المواطنة الحقّة؟!، ويُطلَق سراح المخطوفين، وفي مقدّمتهم المطرانان يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي والكهنة!.
نقولها وقلوبنا مدماة، وكما حصل بُعيد نكبة ما تعارفْنا على تسميته "السوقيات"، سنواتٌ معدودةٌ تمرّ، ثم ندركُ هول ما جرى لنا من تشريدٍ لأبنائنا وبناتنا في أقطار المسكونة الأربعة! أي إنّها خسارةٌ وللأسف الشديد لن تعوَّض، لأنّنا عارفون بنتائج الهجرة إلى ما وراء البحار!.
ما هو موقفنا من هذه النكبات والمآسي التي حلّت بنا؟ من الواجب أن نقتنع ونقنع الآخرين بأنّنا لسنا من الذين يلجأون إلى النوح والتباكي كما قد يتّهمنا البعض! ولن نكون أبداً من الذين يسوّقون التشاؤم، بل من واجبنا أن نستطلع "علامات الأزمنة"، ونكتشف تدبير العناية الإلهية في زمن الضيق، كي نحوّله الى زمن النعمة.
ولا يفوتنا أن نحيّي لبنان، موئل الحضارات والحريات، وندعو لهذا البلد الغالي بالإستقرار والإزدهار، وبتفعيل المحبّة والألفة والتضامن بين مختلف مكوّناته، ليبقى نبراساً حضارياً لبلدان الشرق. ونأسف بشدّة لتهاوُن المسؤولين بمقدّراته، واستخفاف ذوي الشأن بدستوره وقوانينه بإحجامهم عن انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، وهو رمز وحدة الوطن وحامي أبنائه، وندعوهم إلى تحمّل مسؤولياتهم الوطنية أمام الله والشعب والتاريخ.
كما لا يسعنا إلا أن نشدّ على أيدي الجيش اللبناني وجميع القوى الأمنية، قياداتٍ وأفراد، مثمّنين التضحيات الجسام التي يبذلونها. وإذ نترحّم على أرواح الشهداء، ندعو بشدّة إلى العمل الحثيث لتحرير المخطوفين بالسرعة الممكنة، ليعاودوا عملهم المتفاني في حماية الوطن وأهله.
ولا ننسى أن نتوجّه بقلبنا ونظرنا إلى أبنائنا وبناتنا في مصر والأردن والأراضي المقدّسة وتركيا، كما في بلاد الإنتشار حيثما وُجِد السريان، من أوروبا إلى الأميركتين وأستراليا، شاكرين الله الذي يحفط مؤمنيه والمتّكلين عليه في كلّ مكان وكلّ حين، ومؤكّدين استعدادنا لبذل كلّ الجهود في سبيل خدمتهم الروحية.

سنناقش في سينودسنا هذا موضوع الخدمة الكهنوتية: طبيعتها، روحانيتها، الجهد الراعوي، والناحية الإدارية، والعلاقة بين المطران وكهنته، ودور العلمانيين في حياة الكنيسة.
وكما هو محدَّدٌ في جدول أعمال السينودس، سنستمع إلى تقارير تتناول شؤون أبرشياتنا وإرسالياتنا في الشرق وعالم الإنتشار، وسواها من المواضيع التي سيطرحها آباء السينودس.
كما سندرس موضوع تشكيل لجنة سينودسية من مختلف بلداننا للإشراف على إحياء السنة اليوبيلية المئوية الأولى للمجازر التي ارتُكبت بحق شعبنا السرياني في القرن الماضي، لتكون الذكرى للعبرة ولإكرام هؤلاء الشهداء الذين قدّموا ذواتهم ذبائح محرقة للدفاع عن إيمانهم المسيحي القويم.
وسنقوم بتكليف لجنة سينودسية تُعنى بالإتصال بالكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، لتفعيل التقارب وتمتين أواصر العلاقة الأخوية بين الكنيستين، بالتنسيق مع قداسة أخينا البطريرك أفرام الثاني، تأكيداً على أنّنا بحق كنيسة واحدة وشعب واحد موحَّد بالتقليد والتراث وباللغة السريانية المقدّسة. وإنّ الأمل يغمرنا بغدٍ مشرقٍ تسرّع فيه كنيستانا الخطى وصولاً إلى الوحدة الكاملة المنشودة بينهما، وهي أمنية إكليروس الكنيستين والمكرَّسين والمؤمنين فيهما.
ولا ننسى أن نوجز أبرز الأعمال والنشاطات التي قام بها كرسينا البطريركي منذ انتهاء السينودس السنوي الماضي في تشرين الأوّل من العام المنصرم حتّى اليوم، ولعلّ من أبرزها وأهمّها:
المشاركة في أعمال الجمعية العامّة لسينودس الأساقفة حول العائلة، في الفاتيكان.
المشاركة في إعلان تقديس البابوين يوحنّا الثالث والعشرين ويوحنّا بولس الثاني، وإعلان تطويب البابا بولس السادس في الفاتيكان، وفي زيارات قداسة البابا فرنسيس للأراضي المقدّسة والأردن وتركيا.
المشاركة في مراسم جنازة المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس زكّا الأوّل عيواص، وتولية قداسة بطريرك السريان الأرثوذكس الجديد مار اغناطيوس أفرام الثاني، في دمشق ولبنان.
تكريس وتدشين أوّل كنيسة سريانية كاثوليكية في أوروبا تعود ملكيتها لبطريركيتنا السريانية، في مدينة أرنهايم ـ هولندا.
القيام بالزيارة البطريركية الرسمية الأولى إلى روسيا، حيث زرنا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
زيارات أبوية راعوية ورسمية إلى أبناء كنيستنا وبناتها في العراق وحمص، والوكالة البطريركية في روما، وفرنسا، وهولندا، وألمانيا، والولايات المتّحدة الأميركية، وكندا، واسطنبول. وفي هذه الزيارات كلّها، تفقّدنا شؤون الأبرشيات والإرساليات السريانية، فشجّعنا الكهنة في خدمتهم، وثبّتنا المؤمنين، مستمعين إلى همومهم ومطّلعين على حاجاتهم، وقمنا بزيارات إلى بعض المسؤولين الرسميين، وفي طليعتهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، وملك الأردن عبدالله بن الحسين، وعدد من الوزراء والنواب، ومن أبرزهم وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وإلى عدد من الإخوة الأساقفة رعاة الكنائس الشقيقة.
ألقينا كلماتٍ ومحاضراتٍ عن الحضور المسيحي في الشرق، أمام مجلس رؤساء المؤتمرات الأسقفية الأوروبية المنعقد في براتيسلافا ـ سلوفاكيا، وأمام البرلمان الإيطالي في روما، وفي مقرّ المنظّمة الدولية لحقوق الإنسان في جنيف ـ سويسرا، بدعوة من السفارة البابوية لدى المجلس، وفي سالزبورغ ولينز ـ النمسا، بدعوة من منظّمة برو أورينتي، وفي مؤتمر لمركز الملك عبدالله الدولي لحوار الحضارات والأديان في فيينا ـ النمسا، وشاركنا في صلوات ولقاءات في باريس وانجيه وفي مؤتمر عن حضور المسيحيين في الشرق والدفاع عن الحريات الدينية بمدينة لا روش سير يون بفرنسا.
قمنا برسامة كاهنين جديدين لكنيستنا السريانية خلال شهر تشرين الثاني الماضي، أحدهما أمين السرّ في البطريركية، والآخر كاهن لكنيستنا في اسطنبول
تابعنا الإعداد لمشروع مار يوسف السكني في الفنار ـ لبنان، والذي يجري فيه العمل على قدم وساق للشروع ببناء مئةٍ وأربع وأربعين شقّة سكنية لشبابنا.
وها نحن نستعدّ للقيام بزيارة الأعتاب المقدّسة التي سنتوّجها بلقاء قداسة البابا فرنسيس يوم الجمعة القادم بإذنه تعالى، بمشاركة وفودٍ من أبناء كنيستنا السريانية في مختلف بلدان العالم. كما سيقوم آباء السينودس بزيارة عدد من المجالس الحبرية في الفاتيكان: اتحاد المسيحيين، وحوار الأديان، ودعاوى القدّيسين، ومجمع الكنائس الشرقية، وكور أونوم.
أيّها الإخوة الأجلاء:
صرخات مرنّم سفر المزامير قد تنطبق على واقعنا اليوم حينما نصرخ في ضيقاتنا:   
"لأنّنا من أجلك نُمات اليوم كلّه. قد حُسبنا مثل غنمٍ للذبح...لماذا تحجب وجهك وتنسى مذلّتنا وضيقنا... استيقظ يا ربّ، لماذا تنام؟ أعناّ" (مز 44: 23، 26).
تماماً كما أيقظ التلاميذُ الربَّ في السفينة، صارخين: "يا ربّ نجِّنا، إنّنا نهلك" (مت 8: 25).
قد نكون من الذين فقدوا الرجاء، فلا نرى أملاً بعودة أهلنا إلى منازلهم وقراهم، إلى كنائسهم ورعاياهم! فهل ندعوهم كي يرحلوا..!؟
وقد نكون من الذين يشدّدون على التجذُّر في الأرض... فهل نوبّخ الذين يطلبون الهجرة؟
وقد نكون بين القائلين، كما اعتدنا أن نسمع: نحترم قرار العائلات المنكوبة في الهجرة أو البقاء!
  ـ صلاة ختامية:
      أيّها الربّ القدير الضابط الكلّ، أبو المراحم وإله كلّ تعزية، لقد اجتمعنا اليوم لنصلّي ونلقي بين يديك همومنا وآلامنا ومعاناتنا. أتينا لكي نستلهم منك النعمة والقوّة لتحمُّل هذه الهموم والآلام والمعاناة. إنّنا اليوم نجدّد ثقتنا بتدبيرك الإلهي، ونقبل أحكامك غير المدركة في مسيرة حياتنا وعائلاتنا ووطننا. ونضرع إليك بجاه حنانك الأبوي على خليقتك، أن تشفق علينا وأن تحمي أهلنا ومعارفنا وجميع الذين عانوا أنواع الظلم والتشرّد وظلّوا صامدين في العراق وفي سوريا، رغم تعرُّضهم لأنواع العنف والبغض والجوع والفاقة، والتهجير والعزلة المخيفة. لا تسمح، يا ربّ، أن نشكّ بقدرتك على قهر الشرور المحيطة بنا وبأوطاننا. ثبّتنا بالإيمان، وأنعش في قلوبنا نعمة الرجاء، وألهمنا لنعيش المحبّة التي تدعونا اليها في كلّ وقت، حتى نراك في الغريب، والمحتاج والمظلوم. أنتَ كنز المراحم، وإليك نرفع صلاتنا بشفاعة السيّدة العذراء المحبول بها بلا دنس الخطيئة الأصلية، سيّدة النجاة، أمّ الرحمة، ومعزّية الحزانى، ومعونتنا وحاميتنا جميعاً، وجميع القدّيسين والشهداء، آمين.

118
الرقم: 74/أس/2014
التاريخ: 9/11/2014               
بيان إعلامي من أمانة سرّ بطريركية أنطاكية للسريان الكاثوليك
زيارة البطريركَين يوسف يونان وأفرام كريم لتفقّد النازحين في إقليم كردستان ـ العراق
اقتلاع المسيحيين: وصمة عار على جبين المدّعين بالديمقراطية والحريات!
   قام البطريركان مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك أنطاكية للسريان الكاثوليك، ومار اغناطيوس أفرام الثاني كريم بطريرك أنطاكية للسريان الأرثوذكس، من 6 حتى 8 تشرين الثاني الجاري، بزيارة جمعتهُما وبعض الأساقفة والإكليروس، تفقّدا خلالها آلاف العائلات المسيحية، التي طُردت من بيوتها في الموصل وبلدات سهل نينوى في ليل السادس والسابع من آب المنصرم، ولجأت إلى كردستان، هرباً من الإرهاب المبرمَج "لدولة العراق والشام الإسلامية". غلبت على الزيارة سمات الأسى، ليس فقط لكون هؤلاء المسيحيين الأبرياء المنتمين بغالبيتهم إلى الكنيستين السريانيتين الشقيقتين، قد أضحوا بين ليلة وضحاها لاجئين بؤساء في بلدهم، عاجزين عن الرجوع إلى أرضهم، مع أنّهم أصحاب حق في بلدهم، وكان واجباً على حكومتهم أن تحميهم من هجمات التكفيريين، وتحقّق لهم عيشاً آمناً على أرض أجدادهم. ولكن لأنّ بوادر القنوط شرعت تتغلغل بين جميع اللاجئين لصمت العالم وتجاهُله هذه النكبة المريعة، التي وصمت جبين العالم المتحضّر بالعار، إذ أنّ الجميع من وسائل إعلام وحكومات وشعوب علمت بهذه الكارثة الإنسانية التي حلّت بالمسيحيين والمكوّنات الصغيرة بشمال العراق كالأزيديين والشبك!
   عاين البطريركان بأمّ العين ولمسا لمس اليد الأوضاع اللا إنسانية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، بسبب شروط العيش غير اللائق والمهدّد بانتشار الأوبئة بحلول فصل الشتاء القارس المعروف في تلك الأصقاع. وبدا وكأنّ عودة هؤلاء النازحين إلى بيوتهم وبلداتهم أضحت سراباً، عسيرةً بل ومستحيلة! وممّا زاد حزنهم مرارةّ أنّهما (أي البطريركين) سمعا الشيء الكثير من هؤلاء المشرَّدين في بلدهم، والذين لم يتخيّلوا قطّ أن ينالوا الجزاء الذي تلقّوه من جيرانهم، الذين نكسوا بعهد الجيرة وانساقوا إلى غرائزهم، يغزون ويسلبون ويهدمون ويقتلون! طردوهم بالأساليب الإرهابية ليحتلّوا بيوتهم وكنائسهم ومدارسهم ومؤسّساتهم... ويحّرموا عليهم العودة... على مرأى من عالمٍ يعدو لاهثاً وراء مصالحه وأنانيته.
   وفي إحدى مراحل هذه الزيارة المؤثّرة، حيث تعيش مئتا عائلة في شقق غير مكتملة مؤجَّرة من قبل الكنيسة، استقبل المئات من الاطفال البطريركين بترنيمة "ما أحلى أن نجتمع معاً"، ورافقوهما إلى خيمة بطول يفوق الستّين متراً، نُصبت حديثاً لإقامة الصلوات والأنشطة الروحية والثقافية والإجتماعية.
   وفي كلّ محطّة من هذه الزيارة، شدّد البطريرك يوسف يونان على أهمّية حضوره مع أخيه البطريرك أفرام كريم وتفقُّدهما الأوضاع المأساوية للمؤمنين المقتلَعين من أرضهم، منوّهاً إلى التحدّيات الجمّة التي تواجه تنظيم المساعدات، ومشيداً بأهمّية الجهود التي يبذلها "الجنود المجهولون"، من إكليروس وراهبات وعلمانيين ملتزمين، لتخفيف المحنة المريعة التي ألمّت بالآلاف من عائلاتنا. وأكّد يونان العمل الجدّي لإيصال صوتهم إلى العالم، فصوتهم هو صوت المضطهَدين الذي سيحملانه كبطريركين  أينما كانا، مشيراً إلى أنّ العالم بدأ يتحسّس المعاناة أكثر، على أمل عودة النازحين إلى بيوتهم.
   أما البطريرك أفرام كريم، فلفت إلى أنّ فرح الأطفال يمنحهم الأمل، مشدّداً على أهمّية حمل الصليب الذي أصبح علامة فرح، لا شعاراً للمجرمين. كما أشار إلى عملية التهجير التي أصابت العراقيين في القرن الحادي والعشرين، لافتاً إلى أنّ العالم يرى كلّ شيء، لكنه يبقى صامتاً! فعليه أن يستفيق لأنّه ذاهبٌ نحو الهلاك.

119
غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان وبطاركة الشرق، يقابلون الرئيس الأميركي باراك أوباما ومستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس في البيت الأبيض
واشنطن ـ الولايات المتّحدة الأميركية
ظهر يوم الخميس 11 أيلول 2014، وفي أعقاب مشاركتهم في قمّة "الدفاع عن المسيحيين" التي عُقدت في واشنطن ـ الولايات المتّحدة الأميركية، قابل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلّي الطوبى، وبطاركة الشرق، الرئيس الأميركي باراك أوباما ومستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس، في البيت الأبيض ـ واشنطن ـ الولايات المتّحدة الأميركية.
شارك في المقابلة غبطة أبينا البطريرك يوسف الثالث يونان، والبطاركة: البطريرك الماروني الكردينال بشارة بطرس الراعي، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس مار اغناطيوس أفرام الثاني، وكاثوليكوس بيت كيليكيا الكبير للأرمن الأرثوذكس آرام الأوّل كيشيشيان، والمطران ابراهيم ابراهيم ممثّل بطريرك بابل على الكلدان لويس روفائيل الأوّل ساكو، والمطران جوزف زحلاوي ممثّل بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنّا العاشر اليازجي.
طلب غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان من الرئيس أوباما خلال المقابلة معه، أن تهتمّ الولايات المتّحدة الأميركية بشؤون الشرق الأوسط وفقاً لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان التي تنادي بها، لأنّ ثقة الشعوب في بلدان الشرق قد حفّت كثيراً بمصداقية الولايات المتّحدة. وعبّر غبطته عن أمله أن تدافع الولايات المتّحدة عن حقوق الجميع، بما فيها الحرّيات والحقوق الدينية، والعمل على فصل الدين عن الدولة والنظام، كما هو الحال في لبنان.
كما ذكّر غبطته بالدور الذي يجب على الدول الكبرى أن تلعبه فيما يخصّ الوجود المسيحي في الشرق برمّته، خاصةً بالنسبة لما جرى في شمال العراق في مدينة الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى من تهجير قسري للمسيحيين، محدّداً الأولويات بوجوب الإهتمام والعناية بالوضع الإنساني لمئات الألوف من المشرَّدين الذين لا يزالون يعانون من ظروف التهجير القاسية، وتحرير قراهم، وتأمين الحماية الدولية لهم ليعودوا إلى ديارهم ويستعيدوا الثقة ببلدهم وأرض آبائهم وأجدادهم.
كما طالب غبطته بالعمل على حلّ الأزمة في سوريا بالطرق السلمية والدعوة إلى المصالحة، وشدّد على ضرورة المحافظة على الإستقرار في لبنان وحمايته من انعكاسات الأزمة السورية عليه، وعلى الضرورة الملحّة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بأسرع وقت ممكن.
وكانت لكلّ واحد من البطاركة والمطارنة مداخلة حول موضوع الحضور المسيحي في الشرق. وقدّموا التعازي للرئيس أوباما بأحداث الحادي عشر من أيلول لمناسبة الذكرى السنوية الثالثة عشرة لهذه الأحداث الإرهابية المأساوية.
وقد وعد الرئيس أوباما البطاركة كلّ خير، مؤكّداً العزم الثابت لدى الولايات المتّحدة لمكافحة الإرهاب ومحاربته. هذا وقد سلّمه البطاركة رسالة موقّعة منهم جميعاً ومن كلّ بطاركة الشرق تشرح بالتفصيل أوضاع المسيحيين في الشرق.
أما السيّدة رايس، فقد استمعت إلى مداخلات البطاركة ومطالبهم، وعرضت معهم الأوضاع الصعبة التي يعانيها المسيحيون في الشرق، والتوصيات التي يقترحونها لحلّ الأزمات وتحسين وضع المسيحيين هناك.



120
الرقم:64/أس/2014
التاريخ: 26/7/2014
بيان إعلامي صادر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

البطريرك يونان يرفع صوت الحق عمّا يجري في الشرق
خلال زيارته إلى واشنطن ونيوجرسي في الولايات المتّحدة
لقاءات رسمية ومقابلات إعلامية وزيارات راعوية

يوم الثلاثاء 22 تمّوز 2014، ما أن وصل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، إلى مطار نوارك ـ نيوجرسي، قادماً من روما، يرافقه صاحبا السيادة مار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي في أوروبا، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد، وأمين سرّ البطريركية الشمّاس حبيب مراد، حتى تراكمت النداءات الهاتفية طالبةً من غبطته أن يجيب على مقابلاتٍ هاتفيةٍ وتلفزيونيةٍ وإذاعيةٍ حول أوضاع المسيحيين في العراق وسوريا بشكلٍ عام، وفي مدينة الموصل والجوار بشكلٍ خاص.
كان في استقبال غبطته في المطار سيادة المطران مار برنابا يوسف حبش راعي أبرشية سيّدة النجاة للسريان الكاثوليك في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا، والأبوان أفرام موشي ونعمة الله عجم، كاهنا الرعية في نيوجرسي، مع وفدٍ من المؤمنين، وفي مقدّمتهم السادة عاطف عيد وجوزيف الحكيم وشربل عطية، الذين اهتمّوا بتسريع معاملات الدخول للوفد البطريركي الزائر.
وفجر اليوم التالي الأربعاء 23 تمّوز، توجّه غبطته إلى استوديوهات "فوكس نيوز" في مانهاتن ـ نيويورك، وهي من أهمّ قنوات الكابل التلفزيونية، حيث شارك غبطته في البرنامج اليومي الشهير: “FOXNEWS AND FRIENDS” (فوكس نيوز والأصدقاء). وقدّم غبطته في هذا البرنامج صورةً واقعيةً عن الأحداث المأساوية التي عرفَتْها الموصل والبلدات المجاورة في سهل نينوى، سيّما بلدة قره قوش السريانية، متسائلاً عن "معنى الصمت المريب التي تتّخذه الدول ذات الشأن، إزاء التعرّض الهمجي الذي يطال المسيحيين، والذي من الحق أن نسمّيه تطهيراً دينياً يجري على مرأى من الجميع، في قرننا الحادي والعشرين!". ولقد كان لهذه المقابلة على البرنامج المذكور صدى كبير، ممّا دفع العديد من وسائل الإعلام إلى طلب المقابلات مع غبطته.
وظهراً، قدّم غبطته مقابلةً تلفزيونيةً على التلفزيون الكاثوليكي لأبرشية نيويورك، مجيباً على أسئلة مدير البرامج الأب جوناثان موريس. وكانت مقابلة مستفيضة في المعلومات عن "تاريخ المسيحية العريق في بلاد الرافدين، وعن مساهمتهم الحضارية فيها، وعن التهديد الحقيقي لوجودهم وطردهم المجرم العنيف من أرض آبائهم وأجدادهم، على يد مجموعاتٍ تكفيريةٍ لا يهمّها شرعٌ دولي ولا تخاف من العقاب، لأنّها مموّلةٌ بطرق غير شرعية، وتعتبر ذاتها مغطّاة من قِبَل دولٍ وجماعاتٍ تسعى لنشر الإسلام عن طريق العنف والتخويف، وتكتفي بإدانةٍ جوفاء لتغطّي جرائمها إزاء الإستنكار الدولي".
ثم زار غبطته سيادة رئيس أساقفة نوارك جان جوزف مايرز، وتبادل معه الأحاديث عن الأوضاع في الشرق، حيث أسهب غبطته في شرح ما يجري حالياً خاصةً في العراق وسوريا، والدور الذي يمكن أن تؤدّيه الكنيسة في الولايات المتّحدة في إيصال حقيقة ما يحدث إلى مراكز القرار السياسي.   
ومساءً دُعي البطريرك يونان لمقابلةٍ على تلفزيون أبرشية بروكلين، حيث تعدّ ما يقرب من مليونين ونصف من المؤمنين، وفيها كرّر غبطته التعبير عن ألمه "لما جرى ويجري للمسيحيين في الموصل والجوار وفي سوريا، سيّما مدينة حلب". وركّز على أنّ "الأقليات الدينية والعرقية، سيّما المكوّن المسيحي، ظلّت لسنين عديدة خلت، عرضةً للإبتزاز والقتل والخطف والتهجير من قِبَل جماعاتٍ إرهابيةٍ تستقوي بأكثريةٍ لا تعرف فصل الدين عن أمور الدولة والشؤون العامة". وعلى سؤالٍ إن كانت جماعاتٌ أخرى تلقى المظالم، أجاب غبطته، بأنّ "علينا أن نأخذ بعين الإعتبار النسبة العددية للمسيحيين في بلادهم كالعراق مثلاً، والتخوّف إزاء مستقبلهم، إذ يكاد اليأس يستولي عليهم، وهم يرون تواطؤ بعض الحكومات في المنطقة ودولياً، والتدخّل اللا فعّال لبعضٍ من المرجعيات الإسلامية، التي غالباً ما تكتفي بالإستنكار والإدانة اللفظيين، معلّلةً اقتراف المظالم التي تطال المسيحيين وسائر الأقلّيات في بلادنا المشرقية، بالإجحاف في حقوق المسلمين في العالم!".
وهذه الأفكار والتخوّفات تابع غبطته شرحها لسيادة مطران الأبرشية نيكولا دي مارسيو، وهو صديقٌ كبيرٌ لغبطته منذ سنواتٍ طويلة، وقد دعاه لتناول العشاء مع مرافقيه وبحضور بعضٍ من مساعدي سيادته وهم من المعتبَرين بين رجالات الأبرشية.
أمّا يوم الخميس 24 تمّوز، فكان يوم عملٍ ماراتونياً بامتياز، من الفجر وحتى المساء. فقد توجّه غبطته إلى العاصمة واشنطن، وهناك التقى بعددٍ من أعضاء الكونغرس، وبالمسؤولين عن لجنة الدفاع عن الحرّيات الدينية في وزارة الخارجية، وأقيمت له عدّة مقابلاتٍ تلفزيونيةٍ وإذاعيةٍ وصحفية.
من بين أعضاء الكونغرس، التقى غبطته بالنواب التالية أسماؤهم: جفّ فورتنبري (ولاية نبراسكا)، وفرانك وولف (فيرجينيا)، والنائبة آنا ايشو (كاليفورنيا)، وتيموثي والبرغ (ميشيغن). وقد التقى غبطته مع كلٍّ من هؤلاء النواب الأربعة على انفرادٍ في مكاتبهم، وناقش وإيّاهم بوضوحٍ وحزمٍ الأوضاع المأساوية التي تجابهها الأقلّيات الدينية، سيّما المسيحيون في بلدان الشرق الأوسط، وبشكلٍ خاص في العراق وسوريا. وقد أصغوا باهتمامٍ إلى حديث غبطته، سيّما ما قاله عن "وجوب أن يتّخذ المسؤولون في الولايات المتّحدة بمشاركة المراجع الدولية الأهمّ، الإجراءات الضرورية والمستعجلة، لوقف التعرُّض للمسيحيين للقتل والخطف والتهجير، لا لسببٍ آخر سوى اختلافهم الديني عن معتقد الغالبية التي يعيشون معها". وقد أبدى النواب المذكورون اهتمامهم الموجَّه بشكلٍ مستعجلٍ للتخفيف عن معاناة المهجَّرين قسراً عن مناطق سكنهم، ووعدوا أنهم سيسعون مع زملائهم في الكونغرس لسنّ قانونٍ يدين التطهير العرقي الذي تعرّض له مسيحيو الموصل، وما زالوا يعانون منه وهم في وضعٍ مأساوي في اللجوء والنزوح.
كذلك أجريت لغبطته مقابلاتٌ تلفزيونيةٌ وإذاعيةٌ، على القنوات العامّة PBS، وعلى قنوات الهيريتاج:   “THE HERITAGE FOUNDATION” وغيرهما من وسائل الإعلام في العاصمة واشنطن.
ومساء يوم الخميس 24 تمّوز عينه، عاد غبطته إلى مطرانية السريان الكاثوليك في نيوجرسي، حيث احتفل بالذبيحة الإلهية في الكاتدرائية على نيّة السلام في الشرق الأوسط ولتخفيف المعاناة عن المسيحيين في العراق وسوريا. وحضر القداس الأساقفة والكهنة السريان الكاثوليك، والمطران المساعد في أبرشية نوارك اللاتينية توماس دوناتو.
وفي الموعظة، أكّد غبطته أنّ "كنيسة الإنتشار مدعوّة للحفاظ على وديعة الإيمان وتراث الآباء والأجداد وعاداتهم وتقاليدهم، وبخاصة اللغة السريانية، مع التعلّق ببلاد المنشأ في الشرق، سواء لبنان أو سوريا أو العراق وسواها"، مثنياً على "التزام أبناء الرعية في نيوجرسي ومحبّتهم وتعلّقهم بكنيستهم". كما دعا غبطته الجميع أن "يصلّوا بحرارة إلى الله كي يحلّ أمنه وسلامه في بلاد الشرق، لينعم جميع المواطنين فيها بالعيش باستقرار وطمأنينة، بحرّية وكرامة إنسانية"، منوّهاً إلى أنه سيبذل قصارى جهده "لإيصال صوت الحق عمّا يجري في الشرق، وبخاصة في العراق وسوريا، إلى مراكز القرار في أهمّ المحافل الدولية، والسعي مع جميع أصحاب النيّات الحسنة لإيجاد الحلّ الضروري الملائم للمآسي والإضطرابات في هذه البقعة العزيزة التي فيها وُلد وترعرع الرب يسوع، ومنها نشر البشارة بإنجيل المحبّة والسلام إلى أقاصي الأرض".
هذا وسيتوجّه غبطته إلى ديترويت ـ ميشيغن في محطّته القادمة ضمن جولته الراعوية في أبرشية سيدة النجاة في الولايات المتحدة وكندا.

121
الرقم: 163/2014
التاريخ: 21/7/2014


إلى إخوتنا الأحبار الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة
آباء السينودس المقدّس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية الجزيلي الإحترام،
وأبنائنا الروحيين الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع المؤمنين المبارَكين أبناء كنيستنا السريانية الكاثوليكية وبناتها في بلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والنعمة والمحبّة والسلام بالرب يسوع إلهنا ومخلّصنا ومرشدنا ومصدر عزائنا:
نكتب إليكم في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها شرقنا الغالي المتخبّط في بحرٍ هائجٍ متلاطم الأمواج التي تكاد أن تصرعه، وقلوبنا تدمى من جراء ما أصاب ويصيب أبناء شعبنا المسيحي في الشرق، خاصةً في سوريا والعراق والأراضي المقدّسة، من اضطهادٍ وعنفٍ منقطعَي النظير لم نشهد مثلهما منذ بداية القرن الماضي.
فها هم أبناؤنا في الموصل يُهجَّرون قسراً بعملٍ لا إنساني هو تطهير ديني فاضح لم يعرفه المسيحيون منذ مئة عامٍ، ترتكبه ما تُسمّى الدولة الإسلامية، بعدما أنذرَتْهم بوجوب اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، وإلا نصيبهم التهجير أو القتل! وها هي أجزاءٌ من مطرانيتنا في الموصل تُستباح وتُحرَق على يد مجموعاتٍ من الإرهابيين التكفيريين، ودير مار بهنام الأشمّ يُستولى عليه، وكذلك مطرانيتنا في حلب تُصاب بقذائف هدّامة.
أمام هذا الواقع المأساوي الأليم، وخلال تواجُدنا هنا في مقرّ وكالتنا البطريركية في كامبو مارسيو بروما، تابعْنا باهتمامٍ بالغٍ وتأثُّرٍ عميقٍ وصلاةٍ حارّةٍ، ما يصلنا من أخبارٍ عن الأوضاع في العراق وسوريا، وبخاصة في الموصل وحلب. وقد آلينا على نفسنا المتابعة الشخصية لهذه الأحداث المفجعة مع الكرسي الرسولي، بغيةَ القيام بأقصى ما يمكن فعله حفاظاً على وجودنا المسيحي العريق والموغل في القدم في الشرق منذ أقدم العصور المسيحية، سيّما بعد أن فرغت الموصل من أيّ وجودٍ مسيحي لأوّل مرّةٍ في تاريخها، وازدادت المخاطر وتعاظمت المعاناة لسكّان حلب الأبرياء طوال عامين.
وبمعونة الرب وبركته، فاجأَنا قداسةُ البابا فرنسيس بمكالمةٍ هاتفيةٍ دامت تسع دقائق، بعد ظهر يوم أمس الأحد 20 تمّوز، أكّد لنا قداسته خلالها أنه يشعر بالقلق الشديد لما يجري للمكوّنات المسيحية في العراق، بعد أن اقتحم الإرهابيون التكفيريون مدينة الموصل وجزءاً من البلدات المحيطة. وتمّ تهجير مَن تبقّى من مسيحيي هذه المدينة على أعين العالم، إضافةً إلى ما يجري من أعمال عنفٍ دموي في سوريا والأراضي المقدّسة.

فشكرْنا قداستَه على لفتته الأبوية، وشرحْنا له معاناة المسيحيين، لشعورهم ليس فقط بأنّهم مستهدَفون من قِبَل التكفيريين، بل لأنّ العالم يبدو وكأنه غافلٌ أو متجاهلٌ لهذا الإجرام الذي يُرتكَب باسم الدين، ويطال جماعةً دينيةً عريقةً، ارتبطت حضارة الرافدين بها أصلاً. إذ ليس الأفراد والجماعات وحدهم المستهدَفين، بل هي أيضاً تلك الحضارة الشهيرة التي عرفَتْها خزائن الكتب والمخطوطات في الأديرة ودور العبادة، وهي إرثٌ للعالم أجمع.
وبعد التداول مع قداسته في الأوضاع في الشرق وضرورة التحرّك من قِبَل الكرسي الرسولي، منحَ قداسته بركته الأبوية لجميع مسيحيي الشرق، مؤكّداً أنهم جميعاً حاضرون في قلبه وفكره وصلاته على الدوام، وأنه سيبذل قصارى جهده في سبيل إنهاء هذه المحنة في أقرب وقت، متّحداً معنا ومع أبناء الكنيسة في الشرق برباط الرجاء الذي لا يخيب، بأنّ الأيّام الصعبة ستنتهي وتزول لا محالة، ليعود الأمان والسلام والطمأنينة والإستقرار.
كما زرنا سيادة رئيس الأساقفة دومينيك مامبيرتي وزير خارجية الفاتيكان، واقترحنا على سيادته التنسيق مع سفراء الكرسي الرسولي في بلاد الشرق الأوسط، ودعوة السفراء المعتمَدين لدى حاضرة الفاتيكان، والتعاون مع الكنائس الأخرى سيّما الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، لحثّ المراجع الدولية والمرجعيات الإسلامية المعتدلة، لشجب ما يحصل حالياً بحق المسيحيين في الشرق وسائر المكوّنات الأقلّية الأخرى، والعمل الجادّ والفعّال لحلّ هذا الوضع الخطير المتأزّم، ولكي تُحفَظ الحقوق المدنية والحرّيات الدينية لجميع المكوّنات الدينية والمذهبية والعرقية في بلاد الشرق، سيّما العراق وسوريا. وأبدى سيادته تفهُّمه الكامل لما طرحناه من هواجس وما قدّمناه من أفكار، مشاطراًَ إيّانا القلق على مصير الوجود المسيحي في بلدان الشرق، ومؤكّداً أنه سيسعى بكلّ الإمكانيات المتاحة لإطلاق صرخة الحق والعدالة، ومشيراً إلى السعي الحثيث لقداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، وتوجيهاته الحازمة لكي تُحترَم إنسانية جميع المكوّنات البشرية في البلاد المذكورة.
وأجرينا مقابلاتٍ صحفيةً عدّة، خاصةً مع راديو الفاتيكان، وناشدْنا منظّماتٍ دوليةً عدّة، حكومية وغير حكومية، رافعين الصوت عالياً لشجب واستنكار ما يجري في الشرق، خاصةً في العراق وسوريا.
إنّنا نؤكّد تضامننا الكامل مع أبنائنا وبناتنا الروحيين في الشرق، سيّما في سوريا والعراق، ونجدّد ثقتنا بمخلّصنا الذي أكّد لنا أنه "في وسط كنيسته فلن تتزعزع أبداً"، و"أبواب الجحيم لن تقوى عليها". وندعو جميع أبنائنا إلى رصّ الصفوف والإتّحاد بالصلاة والتضرّع إلى الرب ليخفّف هذه المحنة ويقصّر الأيّام الصعبة، فيلاشي ظلام ليل الآلام والضيقات، ليشرق فجر القيامة والرجاء، فوق كلّ رجاء، بمعلّمنا الإلهي الذي يمنحنا النصر بقوله: "ثقوا، إني قد غلبتُ العالم".




وها نحن نستعدّ للقيام بزيارةٍ أبويةٍ إلى عددٍ من رعايا أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا، اعتباراً من صباح يوم غدٍ الثلاثاء 22 تمّوز، يرافقنا فيها صاحبا السيادة مار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي في أوروبا، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد، والشمّاس حبيب مراد أمين سرّنا، متوخّين أن نثبّت كنيسة الإنتشار في تلك القارّة في الإيمان الأصيل والتمسّك بتعاليم كنيستنا السريانية وتقاليدها ولغتها وتراث الآباء والأجداد في بلاد المنشأ في الشرق. كذلك نأمل أن نقوم بمقابلة عددٍ من الشخصيات المؤثّرة على اتّحاذ القرارات المصيرية العادلة دفاعاً عن حقوق جميع الشعوب، سيّما مكوّنات الأقلّيات المهمَّشة.
نختم بإهدائكم بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية، ولنبقَ متّحدين بالصلاة، لأنّ الصلاة بإيمان تنقل الجبال. ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس، الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، إلى الأبد. والنعمة معكم.

                                               


                                                        اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                           بطريرك السريان الأنطاكي 
     

122

اعلام بطريركية السريان الكاثوليك

فاجأ قداسةُ البابا فرنسيس غبطةَ البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الموجود في روما، بمكالمة هاتفية دامت تسع دقائق، بعد ظهر يوم الأحد 20 تمّوز 2014، مؤكّداً له بأنه يشعر بالقلق الشديد لما يجري للمكوّنات المسيحية في العراق، بعد أن اقتحم الإرهابيون التكفيريون مدينة الموصل وجزءاً من البلدات المحيطة. ولقد تمّ تهجير مَن تبقّى من مسيحيي هذه المدينة على أعين العالم، وهذا العمل اللا إنساني هو تطهيرٌ ديني فاضح لم يعرفه المسيحيون منذ مئة عامٍ، ترتكبه ما تسمّى الدولة الإسلامية، بعدما أنذرَتْهم بوجوب اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، وإلا نصيبهم التهجير أو القتل!
شكر غبطةُ البطريرك يونان قداستَه على لفتته الأبوية، وشرح له معاناة المسيحيين، لشعورهم ليس فقط بأنهم مستهدَفون من قبل التكفيريين، بل لأنّ العالم يبدو وكأنه غافلٌ أو متجاهلٌ لهذا الإجرام الذي يُرتكَب باسم الدين، ويطال جماعةً دينيةً عريقةً، ارتبطت حضارة الرافدين بها أصلاً. إذ ليس الأفراد والجماعات وحدهم المستهدَفون، بل هي ايضاً تلك الحضارة الشهيرة التي عرفَتْها خزائن الكتب والمخطوطات في الأديرة ودور العبادة، وهي إرثٌ للعالم أجمع.
وتداول غبطته مع قداسته في آخر المستجدّات والأوضاع المأساوية في سوريا والعراق والأراضي المقدّسة ولبنان، وقد اقترح غبطته على قداسته دعوة السفراء المعتمَدين لدى حاضرة الفاتيكان، لحثّ المراجع الدولية والمرجعيات الإسلامية المعتدلة، لشجب ما يحصل حالياً بحق المسيحيين في الشرق وسائر المكوّنات الأقلية الأخرى، والعمل الجادّ والفعّال لحلّ هذا الوضع الخطير المتأزّم، ولكي تُحفَظ الحقوق المدنية والحريات الدينية لجميع المكوّنات الدينية والمذهبية والعرقية في بلاد الشرق الأوسط، سيّما العراق وسوريا.
وفي نهاية المكالمة، منح قداسته بركته الأبوية لجميع مسيحيي الشرق، مؤكّداً أنهم جميعاً حاضرون في قلبه وفكره وصلاته على الدوام، وأنه سيبذل قصارى جهده في سبيل إنهاء هذه المحنة في أقرب وقت، متّحداً مع غبطته وأبناء الكنيسة في الشرق برباط الرجاء الذي لا يخيب، فوق كلّ رجاء، بأنّ الأيام الصعبة ستنتهي وتزول لا محالة، ليعود الأمان والسلام والطمأنينة والإستقرار.

123

الرقم: 55/أس/2014
التاريخ: 2/7/2014               

بيان إعلامي صادر عن أمانة سر بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان
يتفقّد أبناءه السريان العراقيين النازحين من بلدة بغديده ـ  قره قوش (شمال العراق)
ويحثّهم على العودة إلى ديارهم

 إثر تعرّض بلدة بخديده ـ قره قوش السريانية (من سهل نينوى، شمال العراق) لقصفٍ عشوائي من قبل مسلّحين جرّاء الأحوال المتردّية في مدينة الموصل وجوارها، اضطرّ عدد كبير من أهالي هذه البلدة الآمنة إلى نزوح مفاجئ وجماعي لم يسبق له مثيل، متوخّين الأمن في مدن إقليم كردستان، سيّما مدينة عنكاوا، وألقوش ودهوك.
 وفور ورود هذا النبأ الأليم، توجّه غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، إلى أربيل حيث استقبله في مطارها الدولي وزير الداخلية في حكومة كردستان كريم سنجاري، ووزير النقل والإتصالات جونسون سياويش، وعدد من الأساقفة والمسؤولين، انتقل غبطته حالاً إلى زيارة عددٍ من المراكز المخصصة لإيواء النازحين في عينكاوا ـ أربيل، فحثّهم على "العودة إلى بلدتهم وبالأخص الشباب بينهم رغم التحدّيات، فيكونوا على قدر المسؤولية في الدفاع عن أرضهم والتمسُّك بها". وأشاد "بالجهود الجبّارة التي قُدِّمت للآلاف من العائلات النازحة من قبل المطران بشار وردة رئيس أساقفة أربيل للكلدان، وجمعية الرحمة وسائر الأخويات والمنظّمات المدنية والمؤسسات والأهالي أفراداً وجماعات".
 وبثّت زيارة غبطته روح الحياة في هؤلاء المؤمنين الذين هلّلوا لقدوم أبيهم الروحي العام إليهم، رسولاً للمحبّة والسلام والرجاء والأمل بمستقبل أفضل.
 احتفل غبطته صباح الأحد 29/6/2014 بالقداس في كاتدرائية مار يوسف للكلدان بعينكاوا، وجدّد في الموعظة دعوته النازحين "بتحمّل هذه المحنة الأليمة بالصبر والإيمان"، داعياً إيّاهم "للتغلّب عليها بشجاعة وروح وطنية متأصّلة في تاريخ أجدادهم الممزوج بالشهادة"، حاثّاً "القادرين على العودة إلى بلدتهم ومنازلهم وأعمالهم".
 ومن هناك، تفقّد غبطته بلدة برطلة السريانية، حيث احتشد المؤمنون للقاء أبيهم الروحي، حاملين أغصان الزيتون. فشجّعهم وشدّ أزرهم، ممتدحاً إيمانهم وثباتهم، ومتفقّداً النازحين إلى هذه البلدة من قره قوش.


 ثمّ انتقل غبطته إلى بلدة بغديده ـ قره قوش، المحطّة الرئيسية في زيارته الأبوية. وكانت المفاجأة في القداس المسائي الذي أقامه في كنيسة الطاهرة الكبرى، التي احتشد فيها ألوف المومنين، في مشهدٍ أشبه بالأعياد الكبرى. ها هم أبناء هذه البلدة يلبّون نداء الرب على لسان غبطة أبيهم البطريرك، فيعودون إلى أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم، والقلّة الباقية على طريق العودة في غضون ساعات. وهناك ارتجل غبطته موعظةً أبويةً، امتدح فيها "أصالة وعراقة أبناء هذة البلدة الذين يتحلّون بالإيمان والرجاء والمحبّة، وقد استقبلوا في السنوات الأخيرة النازحين من بغداد والموصل وسواها من المدن". وحيّا غبطته صمودهم، مثبّتاً عزيمتهم في "التشبّث بالأرض، والذود عنها بكلّ ما أوتوا من قوّة وعزم ومحبّة وإخلاص". كما أكّد غبطته "بأننا شعب لا يطالب بامتيازات بل بالمساواة في المواطنة مع سائر مكوّنات بلاد الرافدين، وأنّنا دعاة سلامٍ وتآخٍ لا عنف ولا تصادُم".
 وقدّم غبطته جزيل الشكر لرئيس إقليم كردستان وحكومته وجيشه على "كلّ المساعدة التي قدّموها للنازحين وللبلدة، لتخطّي الظروف الراهنة، وكلّ ما سيقومون به مع جميع النزيهين والمخلصين لتأمين الخدمات للمواطنين كي يعيشوا بكرامة في بلدتهم".
 وحثّ غبطته أبناء البلدة على "توحيد كلمتهم ورصّ صفوفهم للنهوض ببلدتهم"، معلناً رسالته لهم: "أن يجعلوا بلدتهم بخديده ـ قره قوش الأولى في همومهم وأفكارهم ومشاريعهم، مقدّمينها على كل انتماء وموالاة. فتنهض من كبوتها وتعود إلى سابق عهدها، مشعّةً في هذه المنطقة بالخير والسلام". وكان غبطته قد عبّر عن شكره وتقديره لسيادة راعي الأبرشية المطران مار يوحنّا بطرس موشي وكهنته الذين صمدوا في بلدتهم رغم الأخطار التي أحدقت بهم، مقدّمين أنصع الأمثلة عن الراعي الصالح الذي "لا يهرب... بل يبقى مع القطيع".
 قبل عودته إلى لبنان، تفقّد غبطته يوم الإثنين 30/ 6 العائلات التي كانت نزحت إلى بلدتي دهوك وألقوش، وحثّهم على العودة سريعاً. ثمّ زار وزير الداخلية في حكومة كردستان لشكره، وتأكيد مطالبة أبناء قره قوش بتأمين الخدمات للبلدة بأسرع وقت، ولمس منه كلّ تجاوب واحتضان للبلدة وسكّانها.
 والتقى غبطته بغبطة مار لويس روفائيل الأوّل ساكو بطريرك بابل على الكلدان، وتداولا في أوضاع المسيحيين وحضورهم في العراق، بحضور مطارنة من الكنيستين السريانية والكلدانية.

124
نداء من غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بخصوص الأوضاع في الموصل وسهل نينوى

من مطار سانت بيترسبرغ في روسيا حيث يعود غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي إلى مقر كرسيه البطريركي في بيروت، بعد أن أنهى زيارة كنسية إلى روسيا، يتوجّه غبطته إلى أبناء الكنيسة السريانية الكاثوليكية في أبرشيتي الموصل وتوابعها وبغداد بما يلي:

أيها الأبناء والبنات الأعزاء
في ظل الظروف العصيبة التي تعصف بمدينة الموصل الحدباء وبسهل نينوى برمّته، نتضرّغ إلى الله تعالى، ومعنا أخوانا الحبيبان المطران مار يوحنا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، والمطران مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد، سائلينه تعالى أن يعيد الأمن والسلام والإستقرار إلى مدينة الموصل الحدباء وإلى كل أرجاء سهل نينوى وبغداد، بل إلى العراق الحبيب بأسره.
كما نتوجّه إليكم أيها الأبناء الأحباء، إكليروساً ومؤمنين، ونناشدكم أن تتحلّوا بالصبر، ويتمسّكوا بالإيمان بربّهم وكنيستهم. فالرب الإله لا يترك خائفيه ومحبّيه أبداً، والذي يتّكل على الله لا يخيب وبه ينجو من كلّ الشرور. وإنّ الرب أمين أن يوجد من المحنة خلاصاً. إنه السميع المجيب، له المجد وعليه الإتكال، بشفاعة والدته القديسة مريم العذراء الطاهرة سيّدة النجاة، ومار بهنام وسارة، وجميع القديسين والشهداء، آمين.
اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بطريرك السريان الأنطاكي
مطار سانت بيترسبرغ ـ روسيا 10/6/2014

125
نبذة عن حياة
المثلّث الرحمات المطران مار ثيوفيلوس جورج كسّاب
رئيس أساقفة أبرشية حمص وحماه والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك
(1946 ـ 2013)




ـ وُلد في زيدل ـ حمص في 17/1/1946، وهو ابن الياس كسّاب ومريم بنت عيسى محيسن
ـ تلقّى علومه الإبتدائية في مدرسة زيدل الرسمية
ـ قصد دير الشرفة عام 1960، وفيه أكبّ على تحصيل العلوم الثانوية، ثمّ الفلسفة واللاهوت
ـ عام 1973 انتقل إلى أبرشيته في حمص، وقضى فيها سنة اختبار، حيث عمل في مختلف الحقول الرسولية والرعوية، متنقّلاً بين حمص وزيدل
ـ في 6/10/1974، سيم كاهناً بوضع يد المطران يوسف أبيض، في كنيسة مريم العذراء بزيدل، وعمل في خدمة النفوس في رعيته زيدل
ـ ثابر ناشطاً في خدمته الرعوية مدّة ستّ وعشرين سنةً متواصلة، وكان موضع تقدير من أبناء رعيته، لما حقّقه من تطوّر اجتماعياً ودينياً، وما سجّله من مواقف، لا سيّما في حقل الوحدة والحوار
ـ أولى اهتماماً بالغاً بتطوير الكنيسة وبيت الكاهن، مضيفاً إليهما بناءً للمدرسة وآخر للنادي، وشيّد مدافن لأبناء الطائفة
ـ اهتمّ بنوع خاص بالفتوّة والشبيبة، وأقام دورات منتظمة للتعليم المسيحي وجوقة تراتيل كنسية
ـ عام 1995 رسمه المطران موسى داود خوراسقفاً، وأقامه نائباً عاماً له على أبرشية حمص وحماة والنبك، فقام الخوري جورج بمهام النيابة علاوةً على مهامه الرعوية خير قيام
ـ على أثر انتخاب مطران أبرشية حمص وحماة والنبك مار باسيليوس موسى داود بطريركاً في 15/10/1998، أقام البطريرك الجديد نائبه العام الخوراسقف جورج كسّاب، مدبّراً بطريركياً على أبرشية حمص، ريثما يُنتخَب مطران جديد لها
ـ في السينودس المقدس المنعقد في 8/5/1999، انتخب آباء السينودس الخوراسقف جورج كسّاب مطراناً رئيساً لأساقفة أبرشية حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك، وأيّد قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني هذا الإنتخاب
ـ في 3/3/2000، رُقَّي إلى الدرجة الأسقفية بوضع يد البطريرك مار اغناطيوس موسى الأول داود، في كاتدرائية الروح القدس في حمص، واتّخذ شعاراً أسقفياً قول مار بولس الرسول: "أنا قويّ بالمسيح الذي يقوّيني (2 قور 13: 24)
ـ قام بأعمال جليلة، ورفع مستوى أبرشية حمص من الناحية الروحية والإدارية والرعوية، وطوّر أوقافها حتى تؤمّن الأبرشية حاجاتها المادية بذاتها دون مساعدات خارجية
ـ اهتمّ بحياة الكهنة وخدمتهم، ورعاهم رعاية الأب الحنون، ووفّر لهم التأمين الصحي، وأنشأ صندوق تقاعد الكهنة
ـ جدّد الكنائس والرعايا، وقام خاصةً بترميم وتجديد مبنى المطرانية في الحميدية ـ حمص، ورمّم كاتدرائية الروح القدس التي جاءت تحفة فنّية كنسية تراثية، قبل أن تنال منها يد الخراب والدمار التي تعبث بحمص وسوريا، فدُمِّر جزءٌ مهمٌّ منها ومن مبنى دار المطرانية ومن أوقاف الأبرشية
ـ في السينودس المقدّس المنعقد في حزيران عام 2009، انتُخب عضواً في السينودس الدائم للكنيسة السريانية الكاثوليكية  
ـ انتقل إلى بيت الآب السماوي مساء يوم الثلاثاء 22/10/2013، أثناء خضوعه للعلاج في مستشفى سان جورج ـ عجلتون ـ كسروان ـ لبنان
رحمه الله وأسكنه في ملكوته السماوي مع الرعاة الصالحين والوكلاء الأمناء، وليكن ذكره مؤبّداً.


ܟܗܢ̈ܝܟ ܢܠܒܫܘܢ ܙܕܝܩܘܬܐ ܘܙܕ̈ܝܩܝܟ ܫܘܒܚܐ
كهنتك يلبسون البر وأبرارك المجد
غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي
أصحاب السيادة المطارنة آباء السينودس السرياني الأنطاكي المقدّس
الآباء الكهنة والشمامسة والراهبات والمؤمنون في أبرشية حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك
عائلة كسّاب وأنسباؤهم في الوطن والمهجر
ينعون المثلّث الرحمات
المطران مار ثيوفيلوس جورج كسّاب
رئيس أساقفة حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك
الذي انتقل إلى رحمته تعالى في كسروان ـ لبنان، مساء يوم الثلاثاء الواقع في 22 تشرين الأوّل 2013
     يُنقل جثمانه إلى دير سيّدة النجاة البطريركي ـ الشرفة ـ درعون ـ حريصا، حيث تُقام الصلاة من أجل راحة نفسه في كنيسة الدير في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الأربعاء 23/10/2013، ويُسجَّى في الكنيسة حتى صباح اليوم التالي ليُنقَل إلى أبرشيته في حمص ـ سوريا.
    في لبنان: يتقبّل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان وأساقفة الكرسي البطريركي السرياني التعازي يوم الخميس 24/10/2013 في الكرسي البطريركي في بيروت، المتحف، شارع طريق الشام، من الساعة الرابعة بعد الظهر حتى السابعة مساءً، ويوم الجمعة 25/10/2013 في الكرسي البطريركي في دير الشرفة، من الساعة الرابعة بعد الظهر حتى السابعة مساءً.
    في حمص ـ سوريا: يُسجّى جثمانه في كنيسة سيّدة النجاة في زيدل ليلقى عليه المؤمنون نظرة الوداع، أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد في 24 و25 و26 و27/10/2013، من العاشرة صباحاً حتى الواحدة ظهراً، ومن الرابعة بعد الظهر حتى السابعة مساءً.
    تُقام رتبة الجنّاز والدفن في تمام الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الإثنين 28/10/2013 في كنيسة سيّدة النجاة للسريان الكاثوليك في زيدل ـ حمص، وتُقبَل التعازي يومي الثلاثاء والأربعاء في 29 و30/10/2013 في صالة الكنيسة في زيدل، من الساعة الرابعة بعد الظهر حتى السابعة مساءً.
     رحمه الله وأسكنه في ملكوته السماوي مع الرعاة الصالحين والوكلاء الأمناء، وليكن ذكره مؤبّداً.



126
مؤتمر عمان
 برعاية جلالة الملك عبدالله الثاني ودعوة سمو الأمير غازي بن محمد 3-4 ايلول  2013

كلمة المطران جرجس القس موسى
ممثل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان


التحديات التي تواجه المسيحيين العرب

   صاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد المبعوث الشخصي
لصاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، شاكرين مبادرته الملكية الكريمة
   أصحاب القداسة والغبطة والنيافة الكرادلة والبطاركة واساقفة الشرق
   أصحاب السماحة والفضيلة
   ايها الحضور الكرام من كهنة وراهبات وارباب فكر وعلم

   يشرفني أن أنقل اليكم تحيات وأمنيات صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الذي كلفني بتمثيله في هذا الحفل والمؤتمر العالمي الذي يتمحور حول موضوع من أخطر المواضيع، بل التحديات التي يواجهها شرقنا العربي، ألا وهو مصير المسيحيين في هذه البقعة التي شهدت ولادة المسيحية وازدهارها عبر التاريخ وصارت اليوم تتعرض لمخاطر الأنطفاء.
•   ليس غريبا أن تهبّ النخوة الهاشمية لاستنفار الأمة واستصراخ العالم لما يهدد كيان ووجود ومستقبل المسيحية في هذا الشرق الحبيب. فلقد دابت الأسرة الهاشمية على حماية الأماكن المقدسة وخدمة شعبها والذود عنها ذودها عن كل مظلوم مهدد، وها هي اليوم تدعو الى تجاوز جدار الصمت، لأن الصمت لم يعد مقبولا.
•   لو لم يكن ثمة تحديات حقيقية لما دعينا الى هذا المؤتمر؛ ولو لم يرغب الداعون اليه في التوصل الى رسم معالم حراك عالمي وعربي حقيقي وفاعل، لما جمع الداعون كل هذا الجمع من اطراف العالم العربي والأمم؛ ولو لم يكن في قصد الداعين اتاحة الفرصة امام "قادة جميع الكنائس المسيحية في الشرق الأوسط للتعبير عن أنفسهم عبر هذه المنصة والأنطلاق باصواتهم وتحليلاتهم الى أفق دولية" لمعالجة قضيتهم، كما جاء في مقدمة كراس المؤتمر، لما دعونا الى الحديث.
   فما نريد اسماعه اليوم هو الآتي:
1.   لا يختلف اثنان في أن القوى العالمية، بإثارتها الفتن والحروب والضغائن والصراعات في بلادنا، لا يهمها امر الأقليات، ومنها المسيحية، بقدر ما تهمها مصالحها السياسية والأقتصادية والستراتيجية.
2.   كما لا يختلف اثنان في أن التيارات الدينية المتطرفة والسلفية والتكفيرية تزج بمنطقتنا وبلادنا في اتون حرب دينية للأستيلاء على الحكم ومقاليد الحياة ومحو اي وجود غير وجودها هي، وتشنّ حملة مركّزة لإقامة دولة إسلامية لا مكان لغيرها في "دار الأيمان". وقد ذهب الألاف من المسيحيين ضحية هذا التيار قتلا وتهجيرا وتهويلا بحيث اصبحنا نخاف على غد ما تبقى منا.
3.   لا ننكر أن عامل الهجرة صار ينخر بين صفوف المسيحيين من جراء العوامل المذكورة وغيرها، في العراق وسوريا والأراضي المقدسة وحتى لبنان.
ولا ننسى ما اصاب المسيحيين من قتل وتهجير وتحقير في جنوب تركيا في الحرب العالمية الأولى.
4.   ان الأركان الأساسية الأربعة لكل حياة انسانية هي :
1)   الأمان
2)   الحرية
3)   الكرامة
4)   العمل
اذا لم توفر اوطاننا هذه الركائز الأربعة للوجود الإنساني، سيلجأ المواطنون الى اقطار اخرى للبحث عنها، مع الأسف.
5.   أخيرا لقد ملّ المسيحيون العرب من الخطابات وكلمات الشفقة والإستهجان لدى كل ضربة تلمّ  بهم.. وينتظرون الأفعال. والأفعال هي :
•   المساواة في الحقوق كما في الواجبات؛   
•   تعديل القوانين والدساتير التي تضعهم في مرتبة أدنى؛
•   اقامة برامج اعلامية هادفة ذات شمولية لبث حضارة المحبة والتسامح والشراكة والأحترام المتبادل؛
•   المضي نحو دولة مدنية تنظر الى جميع المواطنين بعين القانون، وليس بميزامين؛
•   الدعوة الى أخوّة حقيقية بين المسيحيين والمسلمين وسائر الأقليات... وترتكز على امثلة التاريخ ووحدة المصير أمام أنفسنا، وأمام العالم.
فنحن كلنا، مسلمين ومسيحيين، في سفينة واحدة، ونودّ أن نبقى، وأن نبقى سوية، في أرض أجدادنا وتاريخنا...
ولسموكم شكرنا وتقديرنا
والسلام عليكم
عمان في 3/9/2013
      



127




الرقم: 9/أس/2013
التاريخ: 24/2/2013
بيان إعلامي
صدر عن أمانة سر بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية البيان الإعلامي التالي:
البطريرك يونان في قداس عيد مار أفرام يوجّه نداءً إلى فخامة الرئيس والمسؤولين بالحكومة ومجلس النواب
نطالب بإحقاق الحق وتمثيل طائفتنا السريانية الكاثوليكية بمقعد نيابي في منطقة الأشرفية في بيروت
السريان الكاثوليك طائفة مؤسِّسة من طوائف لبنان ووجودها متجذّر وأصيل فيه منذ ثلاثمئة عام

      اعتبر صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي الكلي الطوبى بأنّ "طائفة السريان الكاثوليك طائفة مؤسِّسة من طوائف لبنان ووجودها متجذّر وأصيل فيه منذ ثلاثمئة عام"، موجّهاً نداءً "إلى فخامة رئيس الجمهورية والمسؤولين في الحكومة والمجلس النيابي" مطالباً "بإحقاق الحق وتمثيل الطائفة السريانية الكاثوليكية بمقعد نيابي في الأشرفية في بيروت حيث يتواجد أكبر تجمُّع من أبنائها"، داعياً المسؤولين إلى "تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة"، ومنوّهاً بأنّ "النظامَ اللبنانيَّ المتوافَقَ عليه من الجميع، والذي يؤمّن التوازنَ بين مختلف مكوّنات الوطن، هو الأنسبُ في المنطقة التي لم تصل بعد إلى تطبيق النظام المدني الذي يفصل بين الدين والدولة".
   كلام البطريرك يونان جاء خلال الموعظة التي ألقاها بمناسبة احتفال الكنيسة السريانية الكاثوليكية في لبنان بعيد شفيعها القديس مار أفرام السرياني، صباح الأحد 24 شباط 2013، في كاتدرائية سيدة البشارة ـ كورنيش النهر ـ المتحف ـ بيروت، يعاونه سيادة المطران مار يوحنا جهاد بطّاح النائب البطريركي على أبرشية بيروت، وعدد من الكهنة والشمامسة، بحضور السفير البابوي في لبنان المطران كبريالي كاتشا ممثّلاً قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، المطران بولس صيّاح ممثّلاً البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، المطران ماسيس جوبيان ممثّلاً كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كيشيشيان، الأرشمندريت نقولا حكيم ممثّلاً بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام، وعدد من الأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات وحشود من المؤمنين.

   وقد حضر معالي وزير الصناعة الأستاذ فريج صابونجيان ممثّلاً فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ودولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري ودولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نجيب ميقاتي، الدكتور برنار جرباقة ممثّلاً فخامة رئيس حزب الكتائب الشيخ أمين الجميّل، النائب حكمت ديب ممثّلاً دولة رئيس التيّار الوطني الحرّ وتكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، النائب نبيل دو فريج ممثّلاً دولة رئيس تيّار المستقبل الشيخ سعد الحريري، العميد وهبة قاطيشا ممثّلاً رئيس حزب القوّات الدكتور سمير جعجع، النائب نديم الجميّل، الوزير السابق الشيخ فريد هيكل الخازن، النائب السابق منصور غانم البون، العقيد ناصر حيدر ممثّلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي، العميد بشارة جبّور ممثّلاً المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم، العقيد ميلاد خوري ممثّلاً المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، النقيب إيلي وهبة ممثّلاً المدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة، السفير المصري الأستاذ أشرف حمدي، السيد محمد حسن جاويد ممثّلاً السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي، ممثّل عن السفير الفرنسي باتريك باولي، السفير السابق الأستاذ جورج سيام، السيد جورج خوري ممثّلاً رئيس بلدية بيروت الدكتور بلال حمد، رئيس بلدية الجديدة البوشرية السدّ الأستاذ أنطوان جبارة، رئيس بلدية الفنار الأستاذ كمال غصوب، المهندس عماد واكيم، الدكتور توفيق الهندي، وعدد من الفاعليات، والمجلس الاستشاري ومؤسسات الطائفة. 
   وخلال الموعظة التي ألقاها بعد الانجيل المقدس، دعا غبطته "القيّمين على شؤون المواطنين في لبنان إلى الحوار والتكاتف والتعاون لإيصال البلاد إلى برّ الأمان، فلا يلغي أحدٌ الآخر، بل يغلّب الكلّ المصلحة العامة على المصالح الخاصة، سيّما على المستوى المعيشي الاقتصادي والاجتماعي".
   وشدد غبطته على "أنّ النظام اللبناني المتوافَق عليه من الجميع، والذي يؤمّن التوازن بين مختلف مكوّنات الوطن، هو الأنسب في المنطقة التي لم تصل بعد إلى تطبيق النظام المدني الذي يفصل بين الدين والدولة".
      وتطرّق غبطته إلى قانون الإنتخابات المقترَح، وذكّر بأنّ "طائفة السريان الكاثوليك، طائفة مؤسِّسة من طوائف لبنان"، وأنه "ليس من العدل تسميتها بالأقليات"، خاصةً وأنّ "الدستور اللبناني ينصّ على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، نسبياً بين الطوائف".
وتوجّه بنداءٍ "إلى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان المؤتمَن على دستور البلاد"، طالب فيه "بمنح السريان الكاثوليك حقّهم بمقعد نيابي مخصَّص لطائفة السريان الكاثوليك في الدائرة التي لهم فيها التواجد الديمغرافي والإجتماعي الأبرز أي منطقة الأشرفية"، واضعاً ثقته وثقة طائفة السريان الكاثوليك "بفخامته وبكل القيّمين على شؤون البلد بأنهم لن يتأخروا عن إحقاق الحق".
   ورفض غبطته بشدة الأصوات التي تدعو الى "إعطاء مقعد نيابي للسريان"، مؤكّداً بأنّ هذا الأمر فيه "مخالفة لأحكام الدستور اللبناني، إذ لا وجود لما يُسمّى "سريان" في النظام اللبناني، إنما هناك طائفتان: سريان كاثوليك وسريان أرثوذكس".
   وعن الأحداث في سوريا والعراق تطرّق إلى معاناة هذين البلدين من الحروب والصراعات والنزاعات التي تهدّد وجودهما ومستقبل مواطنيهما.
   وشجب غبطته وأدان "استعمال العنف والسلاح بحجّة نشر الديمقراطية وأفكار الإصلاح"، إذ أنّ "مفهوم الديمقراطية، أي ممارسة الشعب حقَّه في تنظيم حياته المدنية، يعني مسيرةً حضاريةً هدفها حياة الإنسان وليس موته. فلا سبيل لنشر الديمقراطية الحقّة إلا بالحوار، وانتهاج لغة العقل بالاحترام المتبادل والمساواة الحقة في المواطنة بين الجميع في البلد الواحد، بغضّ النظر عن العدد أو العرق أو الدين".
   وشدد غبطته تضامنه وصلاته من أجل جميع المواطنين في سوريا، وبخاصة أبناء وبنات الأبرشيات السريانية الأربع هناك: دمشق وحمص وحلب والجزيرة. وأهاب بجميع الأطراف المتنازعين "أن يحكّموا ضميرهم الأخلاقي وحسّهم الوطني، فلا يتأثّروا بأيّ ضغطٍ أو إملاء من أيّ جهةٍ أتى، بل يعتمدوا جميعاً لغة الحوار والتفاهم والمصالحة، نابذين لغة السلاح والعنف والتطرّف التي لن تؤدّي إلا إلى المزيد من القتل والدمار وتفتيت الوطن".          
   وحيّا غبطته لبنان، "هذا البلد المضياف، آملاً أن يستقبل جميع اللاجئين إليه بصدرٍ رحب ومحبةٍ أخوية"، متأسّفاً لأنّ النازحين من سوريا أفراداً وعائلات، أصبحوا كإخوتهم العراقيين مهجَّرين خارج وطنهم.
   ثمّ تطرّق إلى الأوضاع في العراق، حاثّاً مكوّناته على "التعاضد وشبك الأيدي للنهوض به وإحلال الأمن والسلام فيه". 
   وفي كلمته الروحية، انطلق غبطته من عبارة "لأنّ كلّ من يرفع نفسه يتّضع، ومن يضع نفسه يرتفع"، فتحدث عن التواضع الذي دعا إليه السيد المسيح كل المؤمنين به، مذكّراً أنّ المسيح، ومن أجل خلاص أحبائه، تواضع فترك عرشه السماوي واتخذ صورة إنسان وأطاع أباه السماوي حتى الموت. وحثّ المؤمنين على الإلتزام بتعاليم السيد المسيح أي المحبة والتواضع والتسليم الكلّي للإرادة الإلهية، لأنّ في هذه وحدها الخلاص.
   كما دعا غبطته المؤمنين إلى التأمّل ما بين مار أفرام السرياني المتواضع الذي مارس أعمال الرحمة والمحبة، متفانياً في خدمة الفقراء والمرضى، وشارك الضعفاء والمهجَّرين والنازحين معاناتهم وآلامهم، وبين ما يحصل ويحدث اليوم في الجزيرة وسائر المناطق السورية من معاناة تشبه زمن مار أفرام.
   كما ودعا غبطته إلى التأمّل في مسيرة الحبر الأعظم قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر الذي أضحى المثال، مقدّماً للعالم كلّه "أمثولةً عظيمةً عن أنّ الإيمان فعل حبٍّ كبير للمسيح وكنيسته، وفعل تسليمٍ مطلق لإرادة الله، وفعل تواضعٍ وتجرّدٍ عميق من الذات، وهو المتسامي فضيلةً وعلماً"، إذ أنه بإعلانه استقالته، قد "بلغ الذروة في مفهوم المسؤولية وفي الشجاعة على ممارستها".
   وختم غبطته موعظته متوجّهاً بالمعايدة إلى كلّ أبنائه وبناته في بلاد الشرق وعالم الانتشار في أوروبا وأميركا وأستراليا.

                                                       

                                                          أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية


128
الكلمة التابينية التي ألقاها المطران باسيليوس جرجس القس موسى
عن المطران  ميخائيل الجميل يوم دفنته في قره قوش في كنيسة الطاهرة
 يوم الأثنين 10/12/2012 

"صلاحا وتدبيرا وحكمة علمني" (مز 119: 66)
غبطة أبينا البطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلي الطوبى
أخوتي السادة الأساقفة الأجلاء
السادة الرسميون والأداريون والمسؤولون في الدولة والأحزاب والمنظمات
أخوتي الكهنة .. أخواتي الراهبات والرهبان
وأنتم جميعا أيها المؤمنون والمؤمنات وآل الجميل الأكارم وسائر أهل الفقيد وأصدقائه وتلامذته ومحبيه
                                                 *   
        في عزّ جريانه وعنفوانه كبا حصان الفارس المطران ميخائيل  الجميل كبوة حاسمة وهو في وسط الميدان يهلهل... وتوقفت فجأة تلك الحركة الدائبة، الغادية المقبلة، التي لم تعرف الكلل على مدى 48 عاما من الكهنوت والشهادة والعطاء الثر. في عام واحد تفقد كنيستنا السريانية وابرشية الموصل وبخديدا اثنين من أعلامها وأبنائها: المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل، المعتمد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي لسريان اوربا، والخوراسقف فرنسيس جحولا رئيس دير مار بهنام الشهيد.
    الذي أحبها حتى النخاع            وتستحق بخديدا أن يعود اليها ابنها البار
      وتغنى بلسانها وامثالها وتراثها ومثّلها حيثما كان بتألق، تستحق أن يعود اليها ليضمّ رأسه للمرة الأخيرة الى صدرها الحنون، وتضمه بحنان الأم الرؤوم اليها ليغذي ارثها ويثري عطاءها وغدها بما أعطى ولا يزال يعطي أبناؤها وبناتها، البارحة واليوم، من علم وفضيلة وفكر وطاقة خلاقة لمستقبل أفضل. ويستحق الفارس أن تستقبله جماهيرها، شيبها وشبابها وأطفالها، في شبه أوشعنا لا ينقطع من الهلاهل والتصفيق والترانيم. ومن البركة والشرف لبخديدا أن يتراس الموكب غبطة ابينا البطريرك، أبو آباء سينودس كنيستنا السريانية الأنطاكية، شخصيا، ولبخديدا مكانة متميزة في قلب غبطته. كما كان يكنّ للفقيد الغالي تقديرا خاصا لصفاته الشخصية وجدارته كعضو في السينودس العام وفي السينودس الدائم.
           يوم الخميس 29 تشرين الثاني المنصرم، وفي نحو الساعة الثانية ظهرا، صعقت جلطة دماغية فجائية حادّة المطران ميخائيل الجميل  وهو في مكتبه في الوكالة البطريركية بروما، فصرعته على أديم غرفة عمله فاقد الوعي، وأخذته غيبوبة لم يفق منها أبدا. ولحسن الحظ سمع جار مكتبه السيناتور الأيطالي صوت السقوط، وباب المكتب مفتوح، فهرع ليجد جسد المطران هاويا على وجهه، مضرجا بدمه. فما كان منه الا أن استدعى الأسعاف ونقله الى المستشفى الأقرب، مستشفى الروح القدس، ومن ثم نقل الى مستشفى الأخوة الرهبان في جزرة التيبر، غير بعيد عن كنيسة القديس بطرس. وهنا أجريت له كل الأسعافات الطبية اللازمة وبقيت الأجهزة والعلاجات الخاصة تقتصر على تنشيط التنفس والقلب وحدهما. ولم يفلح الأطباء الأخصائيون على مدى اربعة أيام في ايقاظ أية ومضة استجابة في الدماغ: هكذا رايته ظهر الأحد الماضي عندما أوفدني غبطة أبينا البطريرك الى روما على عجل، ووقفت عند راسه والطبيب يشرح لي أن لا بصيص أمل بشري سوى بأعجوبة ربانية. وتوقف القلب الكبير الشهم العارم دوما بالحيوية، توقف تماما عن الحركة في الساعة الرابعة والنصف من فجر يوم الأثنين 3/12. وانتشر الخبر في أوساط روما، ابتداء من مجمع الكنائس الشرقية وراديو الفاتيكان، ومن روما الى العالم. وللفقيد أصدقاء ومعارف وعلاقات واسعة، رسمية وشخصية، لا في روما وحدها بل في لبنان والعراق وأقطار كثيرة من العالم. لا أنسى هذا الصوت الذي جاءني من بلد اوربي في موبايل الفقيد ذاته ونحن نرتب غرفته كيف أجهش في البكاء وقطع المكالمة اذ علم بالخبر المباغت. ولا هذا الصوت الذي كلمني بالأيطالية في الموبايل ذاته من مكتب دعاوى القديسين، حيث كان الفقيد قد عينه قداسة البابا مؤخرا عضوا فاعلا فيه، وهو يخبره بموعد اجتماع قادم للمكتب...وعندما أنبأته بما جرى: هل حقا ما تقول؟ وكيف حدث ذلك؟
      كيف حدث ذلك يا أخي ميخائيل؟ قل لنا كيف خمدت فجأة حيويتك العارمة وحركتك الدائمة وجلجلة ضحكتك الصاخبة ؟ كيف توقفت دون سابق انذار وبغتة عن كيل هذه التعليقات الحاذقة والدعابات الخفيفة المصحوبة بدندنة موسيقية أو مقطع من أغنية ذكية، مما كنت معتادا عليه لتلطيف الجو؟  ماذا تقول لأشقائك وشقيقاتك ولأبنائهم وبناتهم ولكل ذويك في البلدة المحبوبة، ولأحبابك ومعارفك الذين يملأون الدنيا وقد تركتهم على حين غرّة من دون سلام ولا وداع؟ كيف هان عليك أن تغلق ملفات مسوداتك والصور التراثية والتاريخية ومراجع التآليف القادمة المكدسة في غرفتك؟ اين سنجد ابتسامتك الدائمة التي كانت احدى علامات تفاؤلك المعدي وحرارة لقائك مما كان يضفي الفرح والبهجة في أي مجلس أنت فيه، ويفرج عن كرب كل من يأتيك مهموما في منفاه، أو طالبا عونك، او سائلا أن تدله على طبيب او مستشفى، أو لمجرد السلام عليك في مقرك الروماني ؟  هذا كنت في روما وهذا كنت في لبنان وهذا كنت في العراق وهذا كنت حيثما حللت ... ولم نلق أحدا ممن عرفك أو قصدك الا وأشاد بعنفوانك وسرعة بديهيتك وخفة دمك.  وأضيف الى هذا كله: بساطة عيشك وشبه نسكك في قلايتك في روما وأنت الحاضر في كل المحافل والدواووين والمناسبات. حتى أهل الحي والمطاعم في كامبو مارزيو بروما صرت جزءا لا يتجزا من مشهدهم، غير ناسين اذ كنت تقود في تلك الأزقة التراثية الضيقة فريقك المحبوب من الكهنة والطلبة الدراسين في المدينة الأبدية. وهل ينسى أحد صوتك الرخيم العذب الذي وظّفته لتمجيد الرب في الأحتفالات الليتورجية وترنيم المزامير والتخشفتات، بل أحيانا لطرب من يطرب؟
         ولد المثل الرحمة المطران يوليوس ميخائيل الجميل في بـلـدة قره قوش ( العراق)في 18  تشرين الثاني 1938. والده باكوس توفي قبل أن يتعرف عليه ميخائيل الصغير، ووالدته أمينة موشي كانت غاية في اللطف والطيبة. بعد المرحلة الأبتدائية اختار التوجه نحو الكهنوت فقصد دير مار بهنام في ك1 /11951، وبعد سنتين دخل معهد مار يوحنا الحبيب للآباء الدومنيكان في الموصل. سيم كاهنا على يدي المثلث الرحمة المطران عمانوئيل بني في 7 حزيران 1964. وفي ايلول من السنة عينها انضم الى جماعة كهنة يسوع الملك وصار مسؤولا عاما لها لفترة.
   في آذار 1967 عين كاهنا لخدمة رعية الطاهرة الكاتدرائية بالموصل. والى جانب العمل الرعوي اضطلع القس ميخائيل بعدة أوجه للرسالة: التعليم في معهد مار يوحنا الحبيب، ارشاد الأخويات ومنها الأخوية المريمية التي صار مرشدها العام لفترة، التعليم المسيحي في المدارس الرسمية والمراكز الكنسية، مواعظ الرياضات الروحية للراهبات، زيارات منتظمة للمرضى في المستشفى الحكومي وللسجون من 1965-1972. خدم رعية سنجار من 1970- 1972 يقصدها الجمعة ويعود الأثنين. وفي 1971 كلفه الآباء الدومنيكيون بتسلم ادارة قسم الفلسفة واللاهوت لمعهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي في الموصل.
         في 1974 قصد الجامعة الكاثوليكية في تولوز بفرنسا للتخصص في الفلسفة وعلم النفس فنال شهادة الماجستر في الفلسفة. ثم نال لاحقا شهادة الدكتورا في القانون من جامعة اللاتران بروما سنة 1998عن أطروحته "الأحوال الشخصية لأهل الكتاب في الدولة الأسلامية"
         في ايلول 1977 تغيرت مسيرة القس ميخائيل اذ التحق للخدمة في أمانة سر البطريركية في بيروت الى جانب المثلث الرحمات البطريرك أنطون الثاني حايك. ومع ذلك استمر في عطائه بارشاد الكشاف السرياني اللبناني، وتدريس الدين المسيحي للصفوف الثانوية في مدرسة سيدة الرحمة، واعداد موعظة الأحد للكنائس السريانية لعموم لبنان. وفي 1979- 1986 عين مسجلا، ثم قاضيا في المحكمة الكنسية.
         في آب 1981 منحه البطريرك حايك درجة الخوراسقفية مع انعام لبس الصليب والخاتم. وفي 1984 أسس "مركز البحوث والدراسات السريانية" بهدف احياء التراث السرياني. وفي آب 1986 انتخب مطرانا معاونا بطريركيا، واقتبل الرسامة الأسقفية في 9 تشرين الثاني باسم "يوليوس رئيس اساقفة تكريت شرفا" ليكون أحد أكثر اساقفة السريان شبابا. وبين 1989- 1990عيّن نائبا عاما على الأبرشية البطريركية في لبنان. ومذذاك رشح لمناصب او عضوية هيئات او لجان كنسية عدة منها: لجنة العلاقات المسكونية ولجنة المدارس الكاثوليكية في لبنان؛ اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط؛ لجنة السينودس من أجل لبنان؛ ممثلا عن الكنيسة السريانية في منظمة برو اورينتي - فيينا.
         وجاء المنعطف الكبير الثالث في حياة المطران ميخائيل عندما عينه السينودس سنة 1997 معتمدا بطريركيا لدى الكرسي الرسولي، وفي نيسان 2002 عينه البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني زائرا رسوليا لسريان أوربا. وقبل أسابيع عدة فقط من وفاته كان قد عينه البابا بندكتس السادس عشر عضوا في مكتب تطويب القديسين، سيما وأن بطريركيتنا قد رفعت الى الكرسي الرسولي دعوى تطويب الشهيد المطران فلابيانس ميخائيل ملكي الذي استشهد في الحرب العالمية الأولى سنة 1915.
         النشاط العلمي والثقافي الذي زاوله فقيدنا ليس بأقل أهمية من المواقع الكنسية والأدارية التي اضطلع فيها. فقد نشر مجموعة من الكتب والأبحاث، منها:
1.   كتاب تاريخ وسير كهنة السريان الكاثوليك من 1750- 1985
2.   صلوات الفرض السرياني لأيام الأسبوع البسيطة
3.   السلاسل التاريخية للمطارنة السريان الكاثوليك من 1900- 2003
4.   الأحوال الشخصية لأهل الكتاب في الدولة الأسلامية
وله كتب أخرى جاهزة للطبع أو ملفات جاهزة لمؤلفات جديدة.
ولأنشطته المتعددة الوجوه، وعلاقاته الواسعة وعلى أرفع المستويات، فقد أنعم عليه بعدة أوسمة، من ايطاليا وفرنسا والنمسا ولبنان.   
            لقد عشنا سوية منذ سنواتنا الأولى في المعهد الكهنوتي ثم في نطاق الحياة المشتركة لكهنة يسوع الملك في الموصل، وكنت وبقيت قريبا جدا منه، اضافة الى كوننا أبناء قرية واحدة، وانطباعي عنه في الأكليركية: تلميذ مرح، مجدّ، نظامي، وطائع، ذو صوت رخيم، ومعشره مريح ودمث. وفي الكهنوت: كاهن غيور، روحاني، سعيد، وممتلىء حيوية ونشاطا، لا يمسك نفسه عن أية خدمة يستطيع اداءها. وفي الأسقفية: رجل تحرر من حدود القولبة الى اثبات الذات، رجل علاقات واسعة وتواصل وأمانة في الصداقة، مشتغل كبير يعرف أن يسجن نفسه لساعات للفكر والكتابة، الى جانب قدرة للتاقلم والأختلاط وزرع المرح، فلا يمر طيفه بأحد دون أن يترك عبيرا منعشا ورغبة لتكرار لقائه. اليس في هذا كله شيء مما ابتغاه فقيدنا الغالي عندما اختار شعارا كهنوتيا له هذا المزمور: "صلاحا وتدبيرا وحكمة علّمني" ؟.
   فاذهب بسلام يا أخا عزيزا طالما صلينا وتأملنا معا، ضحكنا وتألمنا، تسامرنا ونظرنا الى الحاضر والمستقبل سوية! "اذهب يا أخانا في طريقك ولا تحزن، فاذا فصلك الموت عنا، فالحنّان الذي اقتادك من بيننا، هو يسعدك في النور مع الأبرار، وفمك الذي صمت الان عن الخدمة، لن يهدأ من بعد بتسبحة الملائكة، ورجلاك اللتان كفّتا عن ارتياد المذابح، ستطوفان مع الصدّيقين أمام الرب"(صلاة الدفنة).
   وأسمعك تجيبنا بنغمات صوتك الشجي، وبكل الرجاء الذي سكن قلبك: "امضوا بسلام يا أخوتي وأحبائي، ها قد دنت ساعة الفراق، فلا تنسوا ذكري من محبتكم. واذا تغربت عن صفوفكم، التمس منكم يا أحبائي أن تصلوا من أجلي. امضوا بسلام يا بني رتبتي"(الدفنة).
         ان المطران ميخائيل الجميل ثروة كنسية وشخصية وعراقية ذات حضور متميز ومتعدد الآفاق والثراء في المجتمع وفي العالم الثقافي والفكري والكنسي، وبفقدانه خسارة فادحة لكنيستنا السريانية ولأبرشيتنا ولبخديدا. فالى أبي كنيستنا السريانية الحاضر معنا هنا، غبطة ابينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، والى الأبرشية الموصلية العزيزة المتمثلة براعيها الجليل المطران يوحنا بطرس موشي، والى بخديدا البلدة الحبيبة ومهد طفولة الفقيد الغالي ومرجع اعتزازه الدائم، والى كنيسة العراق بكل طوائفها وأحبارها، فالمطران ميخائيل الجميل كان ابن كنيسة العراق جمعاء، نرفع المواساة والتعزية. ولكم أنتم يا اخوته عبدالله وجميل، وأخواته امامة وحنة وسائر آل الجميل وآل القس توما وموشي وكل أصدقاء الفقيد ومحبيه حيثما أنتم،  صلاتنا وتضامننا في الألم وتعزياتنا برجاء القيامة الذي رقد عليه حبيبكم وحبيبنا جميعا. باسم الأب والأبن والروح القدس آمين.   
 

               
               
           
         
 



   

130
خلال ترؤسه رتبة دفن شقيقته المرحومة تيريز في الحسكة ـ سوريا
البطريرك يونان: نصلّي من أجل سوريا قوية ومنيعة وآمنة بالحوار والتآخي والمحبة

سأل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي الكلي الطوبى اللهَ أن يتغمّد شهداء سوريا جميعاً بفيض مراحمه، داعياً أبناء هذا الوطن إلى التعاون لما فيه خيره وقوته ومنعته وازدهاره. وحيّا القيّمين عليه وفي مقدّمتهم سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد.
وكان غبطته قد غادر مقر كرسيه البطريركي في بيروت بعد ظهر يوم الأحد 29/1/2012، إثر عودته من زيارة رسولية إلى كيرالا ـ الهند, وتوجّه إلى مدينة الحسكة في سوريا لترؤس رتبة دفن شقيقته المرحومة تيريز زوجة السيد سمير مهران عيسى والتي توفّيت يوم السبت 28/1/2012 بعد صراع طويل مع المرض، يرافقه سيادة المطران مار رابولا أنطوان بيلوني والشماس حبيب مراد أمين السر. فمرّوا بدمشق حيث استقبلهم سيادة المطران مار غريغوريوس الياس طبي رئيس أساقفة دمشق في دار المطرانية، ومن هناك انتقل غبطته ومرافقاه إلى مطار دمشق ليستقلّوا الطائرة ليلاً إلى القامشلي، فالحسكة.
وفي صباح اليوم التالي، الإثنين 30/1، انضمَّ إليهم قادماً من لبنان الأب أفرام سمعان أمين سر البطريركية وبعض الأخوات الراهبات الأفراميات. وبعد القداس الإلهي الصباحي في كابيلا دير مار بهنام ـ بيت المحبة للراهبات الأفراميات في الحسكة، أدّى غبطته ومرافقوه مع العائلة الصلاة أمام جثمان شقيقته المسجّى داخل الكاتدرائية.
وعند الثانية والنصف بعد الظهر، ترأس غبطته رتبة دفن شقيقته المرحومة تيريز، في كاتدرائية سيدة الانتقال للسريان الكاثوليك في الحسكة، يعاونه سيادة المطران أنطوان بيلوني، وحضرة المونسنيور حنا قواق ممثلاً سيادة مطران أبرشية الحسكة ونصيبين مار يعقوب بهنان هندو الموجود خارج البلاد في زيارة خاصة لإجراء بعض الفحوصات الطبية في الهند.
كما شارك في الرتبة نيافة المطران مار ديونوسيوس بهنام ججاوي ممثلاً نيافة مطران الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس مار أوسطاثيوس متى روهم, وكهنة وشمامسة أبرشية الحسكة ونصيبين، وعدد من الكهنة من مختلف الكنائس الشقيقة في الجزيرة, بحضور حشود غفيرة من الأهل والأصدقاء وأبناء المنطقة.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى غبطته كلمة روحية شدَّد فيها على أهميّة الرجاء في حياة المؤمنين بالرب يسوع, إله الرجاء والتعزية، "فلا نحزن على الراقدين كالذين لا رجاء لهم, إنّما نتعزّى بكلام الرب الذي وعد مختاريه بالسعادة وميراث الملكوت السماوي".
ثمّ عدَّد غبطته المزايا والخصال التي تحلّت بها شقيقته المرحومة تيريز صاحبة الأيادي البيض في التعليم في مدارس الحسكة, بمثالها الصالح وقدوتها ومحبتها لزوجها وعائلتها وطلابها.
بعد ذلك تطرّق غبطته إلى ما يجري حالياً على أرض سوريا الحبيبة، سائلاً الله "أن يرحم شهداء الوطن جميعاً ويملأ قلوب أبنائه بالرجاء والمحبة, فيتكاتفوا ويتعاونوا في سبيل رقيّ بلدهم، ليعودَ إلى قوته ومنعته وازدهاره، وينعمَ الجميع بالسلام والأمان والطمأنينة". وحثّ غبطته المواطنين كافةً على "الحوار والتآخي وشبك الأيدي, فيتعاضد ذوو الإرادة الصالحة لما فيه خير الوطن"، داعياً لهم بالتوفيق، وفي طليعتهم سيادة رئيس البلاد الدكتور بشار الأسد.
وبعد انتهاء الرتبة، تقبَّل غبطته تعازي الحضور، يحيط به الوفد المرافق وأفراد عائلته. ثمّ انتقل إلى صالة الكاتدرائية حيث قَدِمَ عددٌ كبير من المؤمنين للتبارك من غبطته وتقديم التعازي حتى المساء.
هذا وسيتابع غبطته زيارته الخاصة إلى الحسكة حتى عودته إلى بيروت ظهر يوم الأربعاء 1 شباط.


131



ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܡܘܠܕܗ ܕܡܪܢ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ ܕܒܒܣܪ
ܫܢܬ ܒ̱ܝܐ
رسالة عيد ميلاد ربنا يسوع المسيح بالجسد
عام 2011


ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܐܚܝܕ ܟܠ
ܐܝܓܢܐܛܝܘܣ ܝܘܣܦ ܬܠܝܬܝܐ ܕܒܝܬ ܝܘܢܐܢ
ܕܒܪ̈ܚܡܘܗܝ ܕܐܠܗܐ
ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܕܣܘܪ̈ܝܝܐ

باسم الأزلي السرمدي الواجب الوجود الضابط الكل
اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بمراحم الله
بطريرك الكرسي الرسولي الأنطاكي للسريان

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الاحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والراهبات والرهبان والشمامسة الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المباركين بالرب
   نهديكم البركة الرسولية والنعمة والمحبة والسلام بمخلّصنا يسوع المسيح
"فلمّا تمّ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً لامرأة، مولوداً في حكم الشريعة،
ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة، فنحظى بالتبني" (غلا 4: 4 ـ 5)

   في ملء الزمان، أضحت البشرية على استعدادٍ لتقبّل البادرة الإلهية الفريدة، فانحنى الله بعظيم رحمته على خليقته، وارتضى أن يتأنّس كلمته الأزلي من مريم العذراء بقوة الروح القدس. لقد بلغت محبة الله للإنسان أنه أرسل ابنه الوحيد ليخلّص العالم المتخبّط والمثقل بالخطايا، والمتبرّر بشرائع تثنيه عن جوهر العلاقة الحبية بخالقه. وهذا ما عبّر عنه بولس الرسول بقوله: "فلمّا تمّ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً لامرأة، مولوداً في حكم الشريعة، ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة، فنحظى بالتبني" (غلا 4: 4 ـ 5).
   اتخذ كلمة الله، "الإله من الإله، والنور من النور"، طبيعتنا البشرية بفعل تواضعٍ عجيب. "الخالق صار خليقة، الذي لا نهاية له وُسع في أحشاء البتول"، كما يعلّمنا ملافنتنا السريان، متأمّلين بإعلان الرسول يوحنا الحبيب في مستهلّ إنجيله: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة هو الله ... والكلمة صار بشراً فسكن بيننا" (يو 1 : 1 و14).
   قد يتساءل البعض عن دقة التوقيت لتأنّس كلمة الله، معجزة المعجزات، الذي غيّر العالم كلّه وحوّل مجرى التاريخ البشري المعروف إلى: قبل الميلاد وبعد الميلاد. هذا التوقيت هو ما أطلق عليه الرسول بولس في رسالته إلى المؤمنين في غلاطية "ملء الزمان"، فميلاد يسوع المسيح لم يكن صدفةً، لا من حيث الزمان أو المكان أو حتى طبيعة البشر وأحوالهم، لأنّ عند الله "لكل أمرٍ أوان، ولكل غرضٍ تحت السماء وقت" (جامعة 3: 1).
   وها نحن نرى دقة اختيار التوقيت الإلهي لميلاد المخلّص وإتمام نبوءات العهد القديم فيه، بدءاً من البشارة إلى زكريا الكاهن بولادة يوحنا المعمدان الذي سيُعدّ الطريق أمام السيد المسيح، كما تنبّأ عنه أشعيا النبي بقوله: "صوت منادٍ في البرية: أعدّوا طريق الرب، واجعلوا سبل إلهنا في الصحراء قويمة" (أش40: 3). وتلتها بشارة الملاك إلى العذراء مريم، ليتمّ ما قيل بالنبي أشعيا عينه: "فلذلك يؤتيكم السيدُ نفسُه آيةً: ها إنّ الصبية تحمل فتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (أش 7: 14). ثم نرى الملاك يطمئن يوسف خطيب العذراء، "يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأتي بامرأتك مريم إلى بيتك، فإنّ الذي كُوِّن فيها هو من الروح القدس، وستلد ابناً فسمِّهِ يسوع، لأنه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (مت 1: 20 ـ21).
    لقد شاء الله منذ البدء أن يولد في بيت لحم أفراتة ليخلّص البشرية بأسرها، لذلك سخّر أوغسطس قيصر ليصدر أمراً لإحصاء الشعوب الخاضعة لسلطة الدولة الرومانية، مجرياً الاكتتاب بحسب التقليد المتّبع، وهو أن يذهب كل شخص إلى مدينة آبائه ليكتتب فيها، مدوّناً اسمه في سجلات الدولة. فصعد يوسف مع مريم إلى بيت لحم، كونهما من تلك المدينة، مدينة داود، كما تنبّأ ميخا النبي: "وأنتِ يا بيت لحم أفراتة، إنك أصغر عشائر يهوذا، ولكن منكِ يخرج لي من يكون متسلّطاً على إسرائيل، وأصوله منذ القديم، منذ أيام الأزل" (ميخا 5: 1). وهناك حان الزمان المحدّد من الله، وإذ أُوصدت الأبواب بوجهيهما، نراهما يلتجئان إلى مكانٍ وضيعٍ حيث "ولدت مريم ابنها البكر، وقمّطته وأضجعته في مذود لأنه لم يكن لهما موضعٌ في المنزل" (لو 2: 7).
   أجل، في ملء الزمان وُلد كلمة الإله من عذراء، وُلد تحت حكم الناموس، ليفتدي الذين هم في حكم الناموس، ويمنحنا نعمة البنوّة الإلهية. سُجّل اسمه في سجلات المملكة كسائر البشر، ودخل التاريخ، وأعلن للملأ وعلى رؤوس الأشهاد حقيقة تجسّده "إلهاً تاماً وإنساناً تاماً". فقد جاء المسيح الموعود به من نسل داود، وشرّع ميلاده عهد النعمة والرحمة والحق، وفوق هذه كلها عهد شريعة المحبة التي تبذل دون حدود أو شروط، "فإنّ الله أحبّ العالم حتى إنه جادَ بابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). 
   في الميلاد هتفت الملائكة مبشّرةً رعاة بيت لحم المتناوبين على حراسة قطعانهم في الليل أنه "وُلد لكم اليوم مخلّصٌ في مدينة داود وهو المسيح الرب" (لو 2: 11)، وأردفت مترنّمةً بالأنشودة الميلادية: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر" (لو2: 14). واهتدى حكماء المشرق بالنجم إلى المولود الإلهي، فقرّبوا له هداياهم ذهباً ولباناً ومراً.
   وُلد المسيح متواضعاً، مخلياً ذاته، واشترك معنا في كل شيء ما عدا الخطيئة، ليمنحنا نعمة التبني للآب السماوي، "أما الذين قبلوه وهم الذين يؤمنون باسمه، فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله، فهم الذين لا من دم ولا من رغبة لحم ولا من رغبة رجل بل من الله وُلدوا" (يو 1: 12ـ13). وكما سُجّل اسم يسوع في سجلات المملكة على الأرض، كذلك سُجّلت أسماؤنا في سجلات ملكوته السماوي وميراثه الأبدي. فالرب يسوع بشّر تلاميذه بذلك بقوله لهم "بل افرحوا بأنّ أسماءكم مكتوبةٌ في السموات" (لو 10: 20). ويتغنّى أحد ابتهالات الفرض السرياني بهذه الشركة المتبادلة، بل هذا الاتحاد بين الله والإنسان بقوله: "أخذ ممّا لنا وأعطانا ممّا له، والكنيسة التي قبلته تترنّم بمجده ليل نهار".
   وفي تأمّلاتٍ مدهشة بسرّ ميلاد الإله الكلمة، يحلّق مار يعقوب السروجي (+521 م) في سماء الروح، واصفاً في إحدى مواعظه المولود الإلهي بعباراتٍ تدلّ على تواضعه الذي لا يوصف، إذ وهو الإله الملتحف بالمجد والمتسربل العظمة يأتي إلى الأرض وديعاً متواضعاً، فيقول: "ܬܶܕܡܘܪܬܐ ܚܕܰܬܐ: ܡܳܪܶܐ ܫܡܰܝܐ ܒܰܡܥܰܪܬܐ، ܢܘܪܐ ܒܥܰܙܪܘܪ̈ܐ، ܓܰܘܙܰܠܬܐ ܕܡܶܬܚܰܒܒܐ ܥܰܠ ܚܰܕܝܐ، ܛܥܝܢ ܠܰܟܪ̈ܘܒܐ ܕܰܫܩܝܠܝܢ ܠܗ ܕܪ̈ܳܥܐ، ܡܳܪܗ̇ ܕܡܰܪܟܰܒܬܐ ܕܰܡܙܰܝܚܐ ܠܗ ܛܠܝܬܐ". وترجمتها: "إنها لأعجوبةٌ جديدةٌ أن نرى رب السماء في المغارة، فها النار حالّةٌ في المذود، اللهيب المتّقد يضمّه الصدر، حامل الكاروبيم يحمله الذراعان، سيد المركبة تزيّحه الصبية".
   إنّ المولود الإلهي لهو مثالنا الأسمى، به نقتدي ونحن نقوم اليوم بخدمتنا في الرعاية والتدبير، بطريركاً ورؤساء أساقفة وأساقفة وخوارنة وكهنة، إذ دُعينا لنبني كنيسته المقدسة التي اقتناها بدمه وهي جسده السرّي. فنسير على خطاه في خدمتنا لشعب الله بروح الصدق والتجرّد والتضحية وبذل الذات، حتى نضحي تلاميذ حقيقيين للمعلّم الصالح الذي "تجرّد من ذاته متّخذاً صورة العبد، وصار على مثال البشر ... فوضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب" (في 2: 7 ـ 8).
   هكذا تزهو الكنيسة وتنتعش الأبرشيات والرعايا والإرساليات والرهبانيات والإكليريكيات، ويزداد تعلّق المؤمنين برعاتهم الروحيين الذين يبذلون ذواتهم عن الرعية. فنحيا جميعاً الشهادة لإيماننا بأعمق معانيها، عملاً بوصية الرب يسوع القائل في موعظته على الجبل: "هكذا فليضىء نوركم للناس، ليروا أعمالكم الصالحة، فيمجّدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16). 
   إنّ ميلاد الرب بالجسد في نظرنا نحن المؤمنين بسرّ محبة الله، هو السرّ العجيب والأعظم في تاريخ البشرية، فيه زال الخوف الذي خيّم على علاقة الخليقة بباريها، ونُقض سياج العداوة بين الله والإنسان، وتمّت المصالحة بين السماء والأرض. فالمسيح المولود في بيت لحم هو مسيح العالم كلّه، لا فرق بين أمّة وأخرى، ولا بين رجل وامرأة، عجوز وطفل، غني وفقير، كبير وصغير، فالمسيح هو "الكلّ في الكلّ" (كو 3: 11). هو للكلّ على اختلاف أجناسهم وحضاراتهم وطبقاتهم الاجتماعية ومذاهبهم الدينية، لأنه جاء ليزيل الحواجز ويحطّم الأنانية والعنصرية والتعصّب، وينشر البهجة في قلوب الناس والأمل في نفوسهم، ويمنح الراحة والسلام لضمائرهم. وهكذا يقدّم له المؤمنون باسمه قلوبهم نقيةً طاهرة، معترفةً به ملكاً أبدياً للحبّ والسلام.
   أيها الأحباء
   يطلّ علينا عيد الميلاد المجيد هذا العام وشرقنا الغالي يعاني من غليانٍ وتخبُّطٍ في المجهول، ويشهد نزاعاتٍ وصراعاتٍ داخليةً وإقليمية، إلا أننا على يقينٍ بأنّ بشرى الرجاء والأمل التي يحملها لنا مولود بيت لحم ستظلّ مشعّةً فيه، فتتلاقى شعوبه على تنوّع أديانها وخلفياتها الثقافية والاجتماعية والسياسية في الألفة والإخاء بروح الحوار وقبول الآخر. ورجاؤنا أن تتضافر الجهود في بناء المجتمعات المدنية التي تجمع ولا تفرّق، والتي تساوي ولا تميّز. فالديمقراطية الحقّة تستمدّ شرعيتها من الروح التوافقية بين جميع فئات الوطن، وهي ليست مرهونة بأكثرية ساحقة إزاء أقليات مهمَّشة.
   وهنا نتوجّه على وجه الخصوص إلى أبنائنا وبناتنا في العراق الجريح الذي طالت محنته وقدّم الشهداء والشهيدات الذين نفتخر بهم. إننا ندعو أن يتلاقى المسؤولون فيه ويتعاونوا بغية تحقيق الخير العام للجميع، كما نحثّ المواطنين على التسامح والغفران، فتتصافى القلوب والنيات، وتتشابك الأيادي في ورشة بناء وطنهم واستقراره، بعيداً عن منطق إلغاء الآخر، سيّما المسيحيين الذين هم مكوّنٌ أصيلٌ في نسيج بلاد الرافدين منذ أقدم العصور، وهم لا يرضون بديلاً عن وطنهم أبداً.
   وتتّجه أنظارنا اليوم إلى سوريا الحبيبة، التي تمرّ منذ أشهرٍ بمحنةٍ لم تشهد لها مثيلاً في الماضي القريب. إننا نتألّم مع ذوي الضمائر الحية لما يجري على أقسامٍ من أراضيها من هيجانٍ مخيفٍ وأعمال عنفٍ تطال العديد من الأبرياء والمستضعَفين. وإذ نطلب الرحمة للضحايا التي سقطت والتعزية للعائلات والأفراد المفجوعين بعزيز، نناشد الجميع أن يبتعدوا عن العنف بكل أشكاله، ويعودوا إلى أصالتهم الوطنية، ويحقّقوا الإصلاحات المنشودة، متوخّين حلّ الخلافات بطرق السلم الحضارية التي تؤمن بكرامة المواطنين وحريتهم والمساواة بينهم، وتحافظ على دور وطنهم الطليعي في وجه كل إغراءٍ وتدخُّل. كما نصلي مع جميع المؤمنين ومحبي هذا البلد حتى تستعيد سوريا حالة الطمأنينة والازدهار في وحدة جميع المواطنين فيها.
   أما لبنان، هذا الوطن الغالي على قلوبنا جميعاً، فإننا نجدّد الدعوة لأبنائه وبناته كافةً، مسيحيين ومسلمين، على تنوّع انتماءاتهم السياسية والاجتماعية، إلى التكاتف والتعاضد لما فيه خير هذا البلد الحبيب. ومع جميع الرعاة الروحيين، نحثّهم بقلبٍ أبوي كي يحافظوا على شهادة الوحدة في التنوّع والغنى في التعدّدية، فيعود لبنان مركزاً للإشعاع و"رسالة الشرق للعالم".
   وبروح المسؤولية، نطلب من جميع القيّمين على الشؤون العامة فيه أن يعوا ويدركوا أنهم مدعوون لخدمة المواطنين بتجرّدٍ وأمانةٍ ونزاهة، وأنّ عليهم أن يحكّموا ضميرهم الوطني مغلّبين المصلحة العامة على كل مصلحة شخصية، سيّما ونحن نشهد الأزمات المعيشية التي تكاد تصبح خانقةً لغالبية فئات المجتمع وبخاصةٍ للشباب، فيؤمّنوا العيش الكريم واللائق للجميع، ممّا يعزّز الثقة بالوطن.
   وهنا لا بدّ لنا من التأكيد على أنّنا نحن السريان كنّا وما زلنا وسنبقى مكوّناً مؤسّساً وعاملاً وفاعلاً في هذا الوطن، فقد قدّمنا الشهداء الكُثُر قرابين تضحيةٍ في سبيل لبناننا الحبيب، وساهم عددٌ من مفكّرينا في إغناء ثقافته. ومن هنا نعلي الصوت بوجوب إحقاق الحق وتأمين التمثيل العادل لنا بما يتوافق مع تاريخنا وحضورنا، عملاً بمبدأ المساواة بين كل المواطنين.   
ولا يفوتنا أن نوجّه أنظارنا وقلوبنا بشكلٍ خاص إلى أبرشياتنا ورعايانا وإرسالياتنا وجميع أبنائنا وبناتنا في بلدان الانتشار، مجدّدين محبتنا الأبوية لهم، ومؤكّدين أنهم دائماً في صلاتنا. إننا نشجّعهم على التمسّك بالشهادة لإيمانهم بالرب يسوع المخلّص، والتعلّق بكنيستهم السريانية الأنطاكية والأمانة لتراثها العريق، والحفاظ على تجذّرهم ببلادهم الأمّ في الشرق، مع الإخلاص التام والمحبة الكاملة لأوطانهم الجديدة، وأن يوثّقوا رباط الوحدة بين بعضهم البعض، رعاةً ومؤمنين.
   أيها المبارَكون
   اليوم، وإذ نسير معكم في حجٍّ روحي للقاء المخلّص في بيت لحم، لا بدّ لنا من عيش التلمذة للطفل الإلهي، فنتعلّم رسالته السامية ونحملها زوّادةً لحياتنا. وهل من وسيلةٍ أنجع من أن نبادل المخلّص حباً بحبّ، وأن نعيش المحبة الصادقة نحو الجميع، بدءاً من أقرب المقرّبين إلينا في عائلاتنا، وصولاً إلى من لا يشاركنا إيماننا وقناعتنا، فالمحبة هي الينبوع الصافي الذي منه نرتشف كل فضيلةٍ وطهرٍ ونقاوة. كما نتمثّل بالتواضع العظيم الذي نهجه لنا يسوع بميلاده، فرفعَنا إليه، وقد افتقر وهو الغني ليغني فقرنا.
   فلنفرحنّ إذاً بميلاد مخلّصنا في هذا اليوم المبارك وفي كل يوم، ولا ندع العالم ومغرياته ومنغّصاته تشغلنا عن الفرح الروحي بالمسيح يسوع ربنا. ومهما اشتدّت العواصف والرياح من حولنا، فلا ندع الخوف ينال منّا، ولا تقلق قلوبنا، لأنّ الرب شدّد عزائمنا ووعدنا قائلاً: "ثقوا، أنا هو، لا تخافوا" (مت 14: 27)، ووعوده صادقةٌ لا تقبل أيّ شك.
   في هذا العيد المبارك، يطيب لنا أن نهنّئكم جميعاً، سائلين الطفل الإلهي مولود المغارة أن يجعلنا نحيا التزامنا المسيحي بأمانةٍ وتجرّدٍ وإخلاص، فنكون أبناءً وبناتٍ حقيقيين له، ليس بالاسم فقط، بل بالروح والحق، على حدّ قول القديس الشهيد اغناطيوس النوراني ثالث بطاركة أنطاكية (+107م): "صلاتي إلى الله، لا أن أُدعى مسيحياً فحسب، بل أن أكون بالفعل مسيحياً".   
   نعايدكم بأطيب التمنيات لعامٍ جديدٍ يفيض بالنعم والخيرات والبركات، ونختم بالتهنئة الميلادية:
ܡܫܝܚܐ ܐܶܬܝܠܶܕ ... ܗܰܠܠܘܝܰܗ                              وُلد المسيح ... هللويا

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت ـ لبنان
في اليوم العشرين من شهر كانون الأول عام 2011،
وهي السنة الثالثة لبطريركيتنا

صفحات: [1]