عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - Yahia Al-samawy

صفحات: [1]
1
أيها الشعراء : إنتبهوا لهذا اللص !!

يحيى السماوي

   أن يسرق شويعر أو دعيّ شعر معنى ً أو جملة شعرية أو حتى بيتا من شاعر ما زال حيّا ، أو من كتاب قديم منسيّ ، فأمر بات شائعا ومألوفا في ضوء الإنفلات الأخلاقي للكثيرين من الطارئين على الشعر الذين توهّموا أن وضع السروج على التيوس ستجعل منها خيولا أصيلة ... أما أن يسرق مثل هؤلاء الأدعياء قصائد كاملة منشورة في دواوين حديثة العهد وبعضها لم يمر على نشره في الصحافة الورقية والرقمية أيام معدودة قد لاتزيد على عدد " حوافر " هؤلاء التيوس ، فهو الأمر اللامألوف حقا !

   المدعو " علي ابراهيم " مشرف قسم الشعر في منتديات " سفينة النجاة " والعضو الناشط في " منتديات قمر لبنان " يمثل النموذج الأكثر سوءة لهؤلاء المتشاعرين من اللصوص الأغبياء ... فقد بلغ به الغباء حدّا حين يسرق قصيدة أنه ينقلها نقلا فوتوغرافيا  بما في ذلك وجود خطأ طباعي !!

   ويبدو أن هذا الدعيّ متخصص بسرقة قصائدي ، فقد سرق ما
مجموعه ديوان كامل !
  المثير للسخرية أنه يسرق حتى ردودي على تعليقات القراء على غرار ماحدث مع قصيدتي " حكاية التي صارت تسمى " والتي نشرها في منتديات لبنان على الرابط :
http://www.lebmoon.com/vb/showthread.php?t=44411
فقد سرق حتى ردودي على تعليقات القراء ليردّ بها على قراء القصيدة  (  في هذه القصيدة بالذات ، أجرى  تغييرا بسيطا تمثل في وضع كلمة " عشر ٍ " بدلا من " ست " في مطلع القصيدة : قبل ستّ ٍ طرقت جفني التي صارت تسمى " فأصبحت : " قبل عشر طرقت جفني التي صارت تسمى " !! )

أما قصيدتي " يا أولي الأمر بوادي النخل " فقد  جعلها " يا أولياء الأمور في وادي النخل " ونشرها باسمه في منتديات سفينة النجاة على الرابط :
http://www.annajat.ir/forum/showthread.php?t=6766

لكنه كان " خوش ولد " حين سرق قصيدة " لا رأفة بالظالمين " التي أكرمتني بإخراجها الشاعرة القديرة  فاتن نور ، فلم يغيّر فيها حرفا واحدا ، حيث نقلها نقلا فوتوغرافيا بما في ذلك الخطأ الطباعي ونشرها باسمه كهدية منه للشعبين الليبي والمصري على الرابط :
http://www.annajat.ir/forum/showthread.php?t=6562

فأي انفلات أخلاقي وصل بهذا الدعيّ الذي تبيّن أنه لم يكن  أحد " الزعاطيط الزعران " ، فصورته تشي بأنه ربما جاوز العقد الخامس من العمر منذ سنين ، ووزنه قد لا يقل عن وزن ثور استرالي  معافى !!؟

  لكن : أيهما أكثر سوأة ، سارق النص بكامله ؟ أم الذي ينشر نصا متواضعا وينسبه ـ عن عمد ـ إلى شاعر معيّن ؟
 باعتقادي أن الثاني أخطر وأكثر نذالة من الأول  ..

  هل حدث مثل هذا الأمر ؟

  جوابي : نعم ... لقد فوجئت بوجود نص  منشور في موقع " الحوار المتمدن " على أنه من شعر يحيى السماوي ، لكن هيئة تحرير الحوار المتمدن كانت أذكى من أن تغفل بريد المرسل ... وحين احتججت مستنكرا ، رفعت الهيئة النص من صفحتي وأعلمتني بالمرسل العراقي الذي آوته " هولندا " فأمضى فيها العقود  دون أن يتعلم من أهلها الأخلاق والسلوك السويّ ، فأحصيت له خمسة أسماء مستعارة  وثلاثة صريحة  تصدر من " أي بي  "واحد ( حسب ما أفادني به  مكتب محاماة مختص أزمع توكيله  لفضح  خبثه وتصابيه ) ... فقد كان المفترض به أن يعتذر مني عما ارتكبه من حماقة التزوير ، لكنه لم يفعل / وحسنا فعل ، لأن اعتذاره ربما سيجعلني أنخدع به فاتخذه صديقا معاذ الله !! 




2
مشاركة عراقية في الإحتفال السنوي لرابطة قلم العالمية
فرع جنوب أستراليا

 شهدت  المكتبة الوطنية  في عاصمة الجنوب الأسترالي " أديليد " يوم الجمعة الموافق  19 / 11 / 2010   ندوة أدبية فكرية  لرابطة قلم العالمية / فرع جنوب استراليا حضرها جمهور غفير   .. قدم فيها رئيس الرابطة تقريره السنوي عن   أنشطة الرابطة وتضامنها مع معتقلي الرأي في العالم وما تعرض له أدباء وفنانون ومثقفون وصحافيون من اضطهاد بسبب مقارعتهم للنظم الشمولية والإحتلال الأجنبي  ..  كما تخللت الندوة قراءات شعرية للشاعرة والإعلامية الأسترالية " جوليا  ويكفيلد " الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ، والشاعر التشيلي المناضل " خوان كاريدو " والشاعر العراقي " يحيى السماوي "  قدموا فيها مجموعة من قصائدهم .
  تحدث الشاعر التشيلي عمّا تعرض له من صنوف التعذيب خلال فترة اعتقاله في سجون الديكتاتور " بينو شيت " أعقبها بقراءة ثلاث قصائد تؤرّخ لتلك المرحلة ، وتحدث السماوي عن جرائم  جيش الإحتلال الأمريكي في سجن " أبو غريب " وجريمة جنوده البشعة بحق الصبية  العراقية " عبير قاسم حمزة " التي  اقتحموا بيتها فقتلوا عائلتها  قبل اغتصابها وقتلها ، وما استخدمه الجيش الأمريكي من أسلحة محرمة  دوليا في هجومه على مدينة الفلوجة وبغداد وقتله المتعمد لعدد من الصحافيين الذين  قاموا بتوثيق جرائمه ، ثم قرأ مجموعة من قصائده المترجمة إلى اللغة الإنكليزية من بينها " تحت نصب الحرية في نيويورك " " أخرجوا من وطني " و " شاهدة قبر من رخام الكلمات "  ... قرأ السماوي قصائده باللغة العربية وقرأت الشاعرة " جوليا " ترجماتها الإنكليزية  التي  قام بترجمتها الأدباء " د . عادل الزبيدي ، فرهاد ابراهيم ، هند أبو العينين ، والمستشرقة الأسترالية إيفا ساليز " .. وستنشر الترجمات في مجلة اتحاد الشعراء الأسترالي .. كما  تم تسجيل القصائد للبرنامج الإذاعي الأسترالي " شعرفي الهواء الطلق " .  



رئيس الرابطة يقرأ التقرير السنوي









الشاعرة والناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان جوليا ويكفيلد


   




 
السماوي يقرأ قصائده باللغة العربية








الشاعر التشيلي خوان كاريدو



   


 
 جوليا ويكفيلد تقرأ قصائد السماوي بالإنكليزية






 
الشاعرة ماجي إيمليت / معدة برنامج "  شعر  في الهواء الطلق "











 








3
المنبر الحر / يا دولة الفرهود
« في: 14:10 27/08/2010  »
يا دولة الفرهود 
       

                                                                                                                        يحيى السماوي



( قالت وسائل إعلامية عديدة إن أحد نواب برلماننا  عُثِر في إحدى سيارات حمايته على مبلغ متواضع مقداره أربعة ملايين دولار ـ وهو الذي لم تكن محفظة نقوده قبل بضع سنوات تعرف رائحة الدولار ... وثمة وسائل إعلامية أخرى نقلت عن أحد كبار مسؤولي شركة " زين " الكويتية لخدمات الموبايل أن شركته تدفع شهريا مبلغ عشرة ملايين دولار إلى أحد " كبار قادة " عراقنا الجديد كأجور حراسة لشركته الأمنية .. ونقلت صحيفة التلغراف الأسترالية عن وسائل إعلام أمريكية  أن نحو سبعة عشر مليار دولار  لا يُعرف مصيرها في عراقنا الجديد .. وثمة وسائل إعلام عراقية  نقلت عن وزير المالية أنّ وزارته ضخت للدولة العراقية الجديدة مبلغ 280 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية فقط ( ومازال الشعب  يشتري المهفات لدرء الحر ، وما تزال آلاف العوائل تستعمل روث البقر أو سعف النخيل وقودا للطبخ في وطن يغفو على بحيرة  نفط  ) ... وعن مصادر إعلامية عراقية وأجنبية فإن رواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث  في عراقنا الجديد تبلغ سنويا مايزيد على ميزانية دولة " فيجي " أو " بوركينو فاسو " بينما الشعب العراقي أضحى من بين أكثر شعوب العالم فقرا .... وزير سابق متهم باختلاس مليار دولارـ حسب تصريحات حكومية عدة ـ ولم نجد الدولة تبذل جهدا لاستحضاره عبر الإنتربول .. وثمة لصوص سرقوا عشرات ملايين الدولارات فانتهى الأمر بإغلاق ملفاتهم لأنهم من " حصة " هذا الحزب أو تلك الطائفة ... جريدة "اللوموند" الفرنسية نشرت قبل أسابيع خبراً تؤكد فيه أن سلطات مطار باريس الدولي ضبطت زوجة أحد المسؤولين العراقيين وبحوزتها مليون دولار كانت تحاول تهريبه إلى فرنسا ... بنايات في لندن ودبي ودول أخرى تسأل عنها فيُقال لك إن أصحابها عراقيون كانوا قبل سنوات قليلة لايملكون أكواخا طينية ويعيشون على معونة الضمان الإجتماعي في دول اللجوء قبل دخولهم مع " بريمر " ... في عراقنا الجديد هذا تُطلق النار على متظاهرين مسالمين ينادون بزيادة ساعات توزيع الطاقة الكهربائية بينما اللصوص طلقاء ـ وربما يتمتع بعضهم بالحصانة الدبلوماسية !! ألا يعني ذلك أن مسمى " دولة  الفرهود " هو الإسم الأكثر مواءمة لعراقنا الجديد ؟ ) 




أمـسـيـتُ لا لـيـلى  ولا ســلـمى
تُحـيي الـسـرورَ وتُـوئِـدُ الـغَـمّـا

أمّــا الــدِّنـان ُ فـإن َّ خـمـرتَـهــا
أمـسَــتْ تُـزيـدُ حـشاشـتي هَـمّـا

تـسْـتجْـلِـبُ الأحزانَ إنْ قُـرِعَتْ
كاسـاتُهــا.. وتُـنـابِـزُ الــمُـظـمـا

أمّـا نـدامـى مِـعْــزفـي فـغــدوا
خُرسَ الحَـناجر ِ فانـتهوا بُـكْمـا

أطلِقْ سـراحَ الجـفـن ِمن حُـلـُـم ٍ
ياناسِـجا ً مـن صـحـوه ِ وهْـمـا

أزَهَــدْت َ بـالـلـذات ِ يـا رجـلا ً
لـمْ يـدّخِـرْ لِــلــذاذة ٍ عَــزمـــا ؟

تـسـقي الـرّمالَ سـرابَ أمنـيـة ٍ
وتصـدُّ عـنك َ النبع َ والـغَـيْـمـا !

لا أنـتَ ذا  مـال ٍ فــتــتـبَـعُـــهُ
خـيـل ٌولـستَ بـمُـسْــمِع ٍ صُـمّـا

مَــنْ لِـيْ بــفـانـوس ٍ أنـشُّ بـــه ِ
ذئـبَ الـدُّجى والحَـيْـفَ والظُّلما ؟

وطـني الـيـتـيـمُ  فلا كـفـيـلَ لـهُ
أبَـة ً يــكـونُ عــلــيــه ِ أو أُمّــا !

سَـبعٌ مضـين ولـيس مـن أمَـل ٍ
يُكـسي عِـظامَ جـياعِـه ِ لحْـمـا !!

الـطـيـرُ ضــمـآن ٌ ونخـلـتُـهُ ..
أمّـا الـضِـفـافُ فـإنهــا أظـمــا !

تـلـك الجـيـاعُ مـتى يـقـومُ بهـا
نـابٌ يَـنـالُ مُجِـيعَـهـا قـضْــمـا ؟

هي دولة ُ" الفرهود ِ" حارسُها
لصٌّ .. وقاضي عَـدْلِـهـا مُغْمى !

وطـنٌ يُـكـبَّـلُ فـيـه ِ مُـنـتـفِـضٌ
عـفُّ الـيـديـنِ ولُـصُّـهُ يُـحْـمى !

مـاكان ذا ريـش ٍفـكـيـف غـدا
حُوتا ً تفـيضُ لحومُـهُ شَـحْـمـا ؟

حافي الـقُـدورِ  يَـداهُ ماعـرفتْ
غرْسـاً ولا سَـعَـتِ الخطى يوما !

أأبـوهُ " قــارونٌ "  فــأوْرَثــه ُ
يـاقـوتَـهُ والــتِـبْـرَ والـنُّـعـمـى ؟

عَجَـبا ً ! أيغـدو كانِـزا ً ذهَـبـا ً
مَـنْ لا يُـسـاوي وزنَـهُ فـحْـمـا ؟

ومُـتـاجـر ٍ خاسَـتْ بـضـاعـتُـهُ
فـرأى الجِنى في الدِّيْن ِ فاعْتَمّا

ورأى بـ "حِزبِ التمرِ"بُغـيَـتهُ
في حاوياتِ "الدِّبسِ" فانْضَمّـا !

ومُـنـافِـقٍ نُـكْـر ٍ أفـاقَ عـلى
جـاه ٍ فأضحى بُغْـتـة ً نجْـمـا !

 
فمتى قـصاصُـكَ من أبـالِـسَـة ٍ
أمِنوا العِـقابَ فأدْمَـنوا الجُرْما ؟

فاشْهرْ لظى غضبِ الحَليمِ وخُذْ
ضلعي لِـرَمْـيَة ِ قوسِـه ِ سَـهْـمـا !

               ***

لا تـعــذلــوا مُــتــأبِّـدا ً هَــمّــا
فالليلُ أخرسُ والضُّحى أعْـمى !

أشْـركـتُ حتى بتَّ يـا وطـنـي
ربّـا ً.. وتلك خطيئتي العـظمى !

نـرمي .. ونجهـلُ أنَّ رمْـيَـتـنا
عـارٌ لأنَّ عـراقَــنـا الـمُـرْمـى !

أمّـا ولاةُ  الــــرافـــديــن فـقــد
جعلوا العراق لِصَيْدِهِمْ طُعْمـا !

فُجِـعَـتْ بهـم أيامُـنـا ... فرثتْ
" دارُ السلام ِ" الأمنَ والسِّـلما

إنْ كانت ِ الـذِئـبـان ُ حـارســة ً
فالموتُ حَصْدُ قـطيعِها حَـتْمـا

عاصون .. بعضٌ تحتَ عِـمَّتِه ِ
"لاتٌ" .. وبعضٌ ينفثُ السّـمّـا !

ماسِـرُّها الأرحامُ؟ هل عـقُمَتْ
بعد " الـزعيم ِ" فلم تلِدْ شـهْـما ؟ (1)

فَــرَّ الحَـيـاءُ لِـهَـوْلِ صَـدْمَـتِـه ِ
بالقانِطين اسـتعـذبوا الضَّـيْـمـا !

لـلأجـنـبيِّ الأمـرُ فــي وطــن ٍ
أضحى بسـوق ِ نِـخاسـةٍ رَقْـما !

مُـسْـتَـنجِـدا ً بـالـمـوتِ يـنـقـذهُ
بات الثرى خـوفا ً من الحُـمّى !

أوَلم يـكـنْ خُـبـزا ً لذي سَـغَـب ٍ
وسـيـوفُـهُ تَحْـمـي ولا تُحْـمـى ؟

كـنْـسـا ً لكذّابينَ  مـا صـدقـوا
يوما ً.. ورُبَّ رزيـئـة ٍ نعمى !

              ***
(1) الزعيم : هو القائد العراقي الخالد الزعيم عبد الكريم قاسم والذي عقم الزمن من بعده فلم يلد وطنيا بمثل نزاهته ووطنيته  وإخلاصه  ونبذه للمحسوبية ـ وقد لا يلد مثيلا له في الزمن المنظور .



4
دعوة لتكريم بـُناة صرحنا المعرفي ووجداننا الوطني (واستشهادا بما قاله الجواهري الكبير)

يحيى السماوي

في ظل النظام الديكتاتوري المقبور، كانت ألقاب الطاغية هي القاسم المشترك لمسميات الشوارع والمدارس والمشافي... فحيثما وجّهت وجهك فـثمة إسم صدام... ما من مدينة أو قرية أو قصبة حدودية إلآ ويطالعك إسم صدام ونصبه وتماثيله وجدارياته  وكأنما العراق يخلو من رجالات أسهمت في تحقيق مُـنجَزنا الحضاري العريق وفي صنع وجداننا الوطني ...
الان وقد رحل الديكتاتور غير مأسوف عليه ، لكن ظاهرة تكرار إسمٍ بذاته على منشآت ومؤسسات مختلفة ، مابرحت آخذة في الإنتشار.. فالكثير من المشافي الكبرى صار اسمها مشفى الصدر... وأكثر من المشافي المدارس... ومثلهما الشوارع... والأمر نفسه بالنسبة لأسماء معدودة أخرى ، جميعها لعلماء دين أفاضل ـ ولا اعتراض على ذلك ، فهم جديرون بأكثر من التكريم.. لكن الإقتصار عليهم ، فيه عدم إنصاف لأجلاء آخرين... لقد شاهدت في السماوة وبغداد والبصرة مستشفيات ومدارس تحمل ذات الإسم لشهيد ٍ جليل ٍ بعينه.. المستشفيات ليست حوزات ٍ دينية... يكفي أن يطلق الإسم على واحدة منها..

شخصيا، أنا ممن يُجـِلـّون الشهيدين الخالدين محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر (وقد رثيتهما معا مثلما رثيت الشهيد محمد باقر الحكيم ـ طيّب الله ثراهم جميعا و ثرى كل الشهداء)... لكن هؤلاء الشهداء الأجلاء ليسوا وحدهم الذين قدموا حياتهم قربانا من أجل الشعب العراقي... ثمة كثيرون غيرهم أرخصوا حياتهم من أجل الوطن والإنسان العراقيَـيـن... فلماذا لا يُعمل على تكريمهم بإطلاق أسمائهم على مؤسساتنا العلمية والثقافية والفنية وعلى ساحات العراق وميادينه؟
إن شهداء مثل سلام عادل وحسن سريع وجمال الحيدري وعبد الكريم قاسم ووصفي طاهر وجلال الأوقاتي  وحجة الإسلام الشيخ مهدي السماوي والشيخ الجليل البدري والشـُبّر وغيرهم الكثير، لم يستشهدوا دفاعا ً عن بيوتهم الطينية ولا طمعا ً بجاه ٍ ومنصب، إنما : دفاعا عن حق الشعب في الحرية ودولة القانون وذودا ً عن الفضيلة والمستضعفين ..
لا زلت أتذكر ذلك اليوم الصيفي حين هرعت مع والدي وخالي ـ وأنا بعد  صبيّ ـ حاملين الخبز واللبن و"الرَقـِّي والبطيخ" مع مَن هرع من أهالي مدينة السماوة إلى محطة القطار، حين وصل "قطار الموت" مدينتنا وهو مزدحم بالسجناء السياسيين الذين أحكمتْ عليهم  سلطة البعث إقفال أبواب عربات الشحن الحديدية كي يموتوا اختناقا في ذلك الصيف الصحراوي الملتهب ... عربات شحن تخلو من أية نوافذ ومن فتحات التهوية ... ولا زلت أتذكر ذلك السجين الذي صاح بنا  طالبا عدم تزويد السجناء بالماء قبل أن يضع فيه الملح... لنعرف بعد وقت أن ذلك الطبيب كان اسمه " رافد أديب" وأنه أنقذ حياة سجناء كثيرين في سجن "نقرة السلمان" بإجرائه عمليات جراحية إستخدم فيها موس الحلاقة.... ألا يستحق مثل هذا الطبيب العبقري المناضل تكريمه بإطلاق إسمه على أحدى كبريات مشافينا ؟

وماذا عن علمائنا ومفكرينا الأفذاذ أمثال "طه باقر" الذي فك رموز ملحمة "كلكامش".. و"فيصل السامر".. و"مصطفى جواد".. و"مهدي المخزومي".. و"علي جواد الطاهر" و"عبد الجبار عبد الله" ـ أحد أعظم علماء الفلك في القرن العشرين"؟ والشعراء الكبار أمثال "الجواهري" و"البياتي" و"بلند الحيدري" و"مصطفى جمال الدين" و"زاهد محمد زهدي" وهم جميعا ممن تنكـّر لهم النظام المقبور لمواقفهم الوطنية؟ أليس من حقهم على نظامنا الجديد أن يُعيد رفاتهم إلى العراق ليدفنوا في الوطن الذي استعذبوا من أجله أقسى عذابات الغربة والمنافي، وأن تطلق أسماؤهم على مؤسساتنا الفكرية والعلمية والثقافية؟
وماذا عن فنانتـَي الشعب الكبيرتين المناضلتين "زينب" و"ناهدة الرماح" والفنان الكبير "خليل شوقي"؟

أعرف أن متنبي العصر "الجواهري" قد أطلق إسمه على قاعة لا يزيد عدد كراسيها على عدد أبيات قصيدته الخالدة "يا دجلة الخير" أو "المقصورة"... فهل يليق هذا التكريم المتواضع بشاعر العرب الأكبر؟

أتذكر جواب الجواهري، حين أضاء بيتي في مدينة جدة  بصحبة نجله د. كفاح وكريمته د. خيال وصهره الفنان صباح المندلاوي، جوابه حين سألته: لماذا رفضت مقترح صدام حسين الذي حمله إليك مبعوثه، بأن يسـتحدث وساما رفيعا باسم "وسام دجلة" على أن تكون أنت أول من يتقلده؟ فأجابني الجواهري: لأنني لو وافقت فسيقلدني صدام الوسام وسـيتحتم عليّ مصافحته، وأنا لا أستطيع مصافحة قاتل شعبي..لكنني سأتشرف بالوسام لو كان النظام وطنيا حقا (أظن أن د. كفاح ود. خيال وصباح يتذكرون هذا الحديث الذي جرى في بيتي يوم 3 / 4 / 1995)... فهل سنسمع عن وسام الجواهري للإبداع الأدبي؟

في أستراليا، قام البرلمان بتقديم "وسام الشجاعة" إلى "كلب" أنقذ طفلة من أفعى... فهل كثير على أبطالنا الشجعان الذين أذابهم النظام الديكتاتوري في أحواض حامض الكبريتيك المركز، أو قام جلادو قصر النهاية بتقطيعهم إربا ً إربا، إستحداث وسام للشجاعة تكريما لهم واعترافا بشجاعتهم في مواجهة أعتى ديكتاتور ؟ وماذا عن الشبان الشجعان العراقيين الذين تصدوا للمقبور"عدي" فأمطروه بالرصاص ليظل معاقا سنوات ٍ فأنقذوا من شروره مئات الفتيات العراقيات؟ وماذا عن الشاب العراقي البطل "عثمان" الذي أنقذ سبعة مواطنين من الموت المحتم غرقا ً في مأساة انهيار جسر الكاظمية قبل أن يموت غرقا وهو يحاول إنقاذ المزيد؟ ألا يستحق البطل عثمان "دستة" من الأوسمة وأن يطلق إسمه على إحدى كبريات ساحات الكاظمية؟ قبل فترة نشرت صحيفة التلغراف الإسترالية خبرا عن قيام الحكومة البريطانية بتقليد "كلب بوليسي" أرفع وسام بريطاني لأنه عثر على مخبأ للأسلحة في البصرة... فهل تمّ  تقليد المواطن العراقي الذي اكتشف مخبأ كبيرا لأسلحة مجرمي القاعدة،  وساما ً نظير شجاعته التي أسهمت بتخليص مئات العراقيين من عشرات السيارات المفخخة التي كان يمكن أن تفخخها وحوش القاعدة؟

أظنني أطنبت كثيرا.. كان يمكنني الإختصار، فأقول مثلا: أتمنى أن يتم تكريم  جميع مفكرينا ومناضلينا الشجعان  وفنانينا الذين أسهموا في بناء صرحنا المعرفي وفي صنع وجداننا الوطني، بإطلاق أسمائهم على الشوارع والمؤسسات العلمية والفكرية والفنية بغض النظر عن إنتماءاتهم المذهبية والفكرية والأيديولوجية، فعذرا عن هذا الإطناب.

5
المرجعية الدينية بريئة من فعلة الفاسق مناف ناجي

                                                                                  يحيى السماوي
  
   وصلتني في الأيام القليلة الماضية عشرات الرسائل التي تتضمن مقاطع من شريط مصورّ للفعل الشائن والمنحرف الذي أقدم عليه  الفاجر " مناف ناجي " والذي تصفه تلك الرسائل بكونه ممثل المرجعية الدينية في مدينة العمارة .. واللافت للإنتباه أن أصحاب تلك الرسائل قد اتخذوا من هذا الفعل المنحرف ذريعة للتهجم على المرجعية الشيعية المتمثلة بآية الله العظمى السيد علي السيستاني بل وبالحوزة الدينية فوصفتهما بنعوت مبتذلة  تكشف عن حقد  مستفحل في نفوس مرسليها ونزعتهم المريضة للإصطياد في الماء العكر .

      وعلى افتراض أن أصحاب تلك الرسائل قد اتخذوا موقفهم التهجمي نتيجة غَيرتهم على الدين ومناهضتهم للأفعال الشائنة ، فإن هذا الإفتراض يوجب عليهم إدانة الأفعال الأكثر بشاعة على صعيد التهتك الأخلاقي التي مارسها الملعون عدي صدام حسين وبقية السفلة من ذئاب أمن ومخابرات النظام المقبور الذين اتخذوا من اغتصاب المحصنّات العراقيات وسيلة من وسائل التعذيب النفسي لمعارضي  نظام الإبادة والمقابر الجماعية ... أمّا وأنهم لم تتحرك لهم شعرة واحدة من شوارب الغيرة والشرف حيال جرائم سفلة النظام المقبور ، ولا ضد عمليات الإغتصاب التي مارسها مجرمو القاعدة ( وما أكثرها باعتراف ثلة ممن ألقي القبض عليهم ) فإنّ  الأمر يقود إلى  اليقين بأنّ وراء حملة التشهير هذه  أهدافا سياسية وطائفية ، ومن غير المُستبعد أن يكون أيتام النظام المقبور قد خططوا لها بعدما وجدوا بشهوات الفاجر " مناف ناجي " وسيلة لتحقيق مآربهم ـ وما العجب ؟ فللنظام المقبور تاريخه  الطويل الشديد السواد باتخاذه الجنس وسيلة للإبتزاز والتشهير على غرار مانصبه من فخاخ جنسية لكثيرين من رموزه كطارق الياسين رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الأسبق ( والذي نجح صدام بجعله عينا ً على أحمد حسن البكر بعد ابتزازه عبر فضيحة جنسية مصورة )  وغيره ...

   نعتني بعض أصحاب هذه الرسائل بـ " الصفوي " لأنني أدنت أسلوبهم المبتذل في التصيد بالماء العكر ولأنني سألتهم عن السبب في عدم إعلانهم مثل هذه الغيرة حيال عمليات الإغتصاب التي مارستها أجهزة أمن ومخابرات النظام الديكتاتوري ومجرمو القاعدة بحق نساء عراقيات شريفات تم ذبحهن أو إعدامهن بعد الإغتصاب القسري ـ نساء عراقيات مناضلات وشريفات ولسن عاهرات يعرضن خدماتهن للإيجار على غرار المومس التي ارتضت لنفسها تصوير  مصيدتها الجنسية مع الفاجر مناف ناجي !؟

   لقد وصل الأمر ببعض أصحاب هذه الرسائل الزعم بأن الحوزة الدينية تحلل فعل الفاحشة ، وأن المرجعية الدينية تغض الطرف عن مثل هذا الفعل ـ وهو افتئات رخيص يكشف عن نذالة الزاعمين وسفالتهم وانفلاتهم الأخلاقي !

   صحيح أن الفاسق مناف الناجي قد أساء لنفسه في تهتكه وابتذاله الأخلاقي .. لكن الصحيح أيضا أنه قد أساء أكثر للمذهب  وللمرجعية الدينية اللذين يمثلهما ، الأمر الذي يوجب على المرجعية الدينية أن تُحسِن اختيار ممثليها .. وبقدر تعلق الأمر بمناف ناجي فإنه يتعين إيقاع العقاب اللائق به ، وأقلّه : نتف لحيته بالصفعات ورجمه بالأحذية حتى الموت ليغدو عبرة لغيره ممن اتخذوا من العمامة ووشم الجبين بقشور الباذنجان وسيلة لتحقيق شهواتهم ومطامحهم المبتذلة ـ  وأظنهم ليسوا قليلين في عراق اليوم !!!

                               ***

  

6
مذكرات الجندي المرقم 195635 ( ج5)

                                                                                      يحيى السماوي
يزعم مظلوم أنّ له خبرة جيدة فيما يتعلق باستدعاءات الجنود والمراتب الى الإستخبارات العسكرية ... وبحسب خبرته المزعومة تلك ، يرى مظلوم أنه
إذا قامت الوحدة العسكرية بتسليم منسوبها كتابا مغلقا  كُتِبَ عليه " سري للغاية " بدون  "مأمور " يرافقه ، فذلك يعني أن المسألة لا تستوجب الخوف والقلق .. وكل ما سيجري ، هو ، تحقيق روتيني ، وربما التقاط صورة جديدة له ليزداد عدد صفحات " إضبارته " التي افتُتِحتْ في مسقط رأسه ، ولن تُغلق قبل دخوله القبر .. أما إذا  سُلِم الكتاب " السري للغاية " الى " مأمور"  يرافقه من الوحدة العسكرية الى رئاسة الاستخبارات في بغداد ، فالمسألة لن تخلو من " طقم كامل من الصفع والرفس والنطح والكلام البذيء  " لكن هذا"  الطقم " لن يقود الى الموت ، ولا الى عاهة مستديمة ... فالموت ، او العاهة المستديمة ستحصل إذا أرسلت رئاسة الإستخبارات العسكرية " مأمورا " منها ليصطحب الشخص المحدد مخفورا ً تطبق على يديه الجامعة الحديدية " كلبجة  " .. لذا لم يقرأ مظلوم الفاتحة على روحه  ولم يرتبك ، حين استدعاه ليلا  آمر المفرزة ليقول له :
ــ عرفت من النقيب كاظم أن كتابا سريّا للغاية ورد من رئاسة الإستخبارات العسكرية / الشعبة الخامسة  يقضي بحضورك ، وسيتم إرسالك مخفورا صباح الغد .. فهل أنت متأكد من أنك لم ترتكب عملا ً محظورا ؟
ــ نعم سيدي ... أنا متأكد تماما ... أنا أحاذر حتى من أحلامي ..
ــ تذكّر جيدا أن الكتاب من رئاسة الإستخبارات العسكرية وليس من سرية المقر أو من شعبة التوجيه السياسي في اللواء ... راجع مع نفسك إنْ كنت تصرفت تصرفا محظورا .. أمامك الليل كله ، وإياك أن تخبر أحدا ً أنني أطلعتك على ما أخبرني به النقيب  ..
ــ إطمئن سيدي ... وليتك تستحصل موافقة السيد النقيب لأسافر ليل اليوم كي  أصل بغداد صباحا ... لم أرتكب محظورا .. والحكمة تقول إنّ النائم على الأرض لا يخشى السقوط من السرير ..
( لمظلوم يقينٌ أنّ آمر المفرزة والنقيب كاظم معا ، أوصلا له خبر كتاب الإستخبارات كي يُعطياه فرصة الهرب فيما إذا كان قد ارتكب ماهو محظور .. أمّا وأنه متأكد من أنه لم يقم بأمر ٍ يُخشى منه ، فقد قرر  تهيئة نفسه  للسفر  ليلا قبل الصباح ـ خصوصا وأنه عرف أن المأمور الذي سيذهب به هو جندي من جنود وحدته ، وهذا يعني ـ حسب خبرته ـ أنّ المسألة لن تكون أكثر من تحقيق روتيني قد يُتبع بصفع وركلات وكلام بذيء كما في الإستجوابين  السابقين  )  
سافر مظلوم والجندي المرافق قبل انتصاف الليل .. .. الجندي المأمور كان طيبا حقا لدرجة انه سمح لمظلوم بمهاتفة زوجه  والتحدث مع طفلته ، ومن ثم السماح له بزيارة بيت شقيقته في اليرموك ببغداد ليتناولا معا طعام الإفطار ..
   نحو التاسعة والنصف صباحا كان ـ  الجندي احتياط خرهْ ـ  مظلوم بمعية الجندي المأمور يجلسان في غرفة استعلامات رئاسة الاستخبارات العسكرية .. إستلم مسؤول الإستعلامات كتاب الإرسال وقاد مظلوم نحو غرفة مزدحمة بعدة جنود وبضابطين أحدهما برتبة ملازم أول والآخر برتبة رائد .. ثمة أصوات صراخ وبكاء  تتسرّب من مكان غير بعيد .. يقسم مظلوم أنه رأى سيقان بعض الجنود الجالسين على مقربة منه ترتجف مع أن الفصل لم يكن شتاء .. استمر الإنتظار ساعات عدة .. لا يدري كم ساعة ، فكل الذي يدريه أنه دخّن علبة السجائر كلها .. وحين طلب من  مسؤول الغرفة الذهاب إلى الحمام أجابه بسخرية : " إصبر ... راح تاخذ حريتك بالتبول بعد قليل " .. !!
  قبيل الظهر ، لم يبق في الغرفة غير مظلوم ... بين فينة وأخرى يُطِلّ على الغرفة عسكري ضخم ذو شكل قبيح يُحدّق بمظلوم بعينين وحشيتين ويتحدث بضع كلمات مع الجندي الحارس ثم يخرج .. في إطلالته الثالثة سأل مظلوم :  هل أنت قطة بسبعة أرواح ؟ كيف خرجت حيّا ً من هنا  مرتين سابقا ؟
                                    **
 أقتيد مظلوم بين عدد من الكرفانات ثم أدخل به حجرة أنيقة ..
 بعد عدة أسئلة وأجوبة ، بادره العسكري الجالس وراء مكتب أنيق يتصفح إضبارة ضخمة بالقول وهو يمدّ إليه أوراقا ناصعة البياض كالأكفان :
ـ تفضل إجلس .. أكتب بالتفصيل إسماء الخلية الشيوعية في المعسكر ..
ــ سيدي الفاضل ، أنا جندي في مفرزة تصليح لايتعدى عديدها بضعة عشرات من جنود  بسطاء أكثرهم لايتجاوز تحصيله محو الأمية أو الدراسة  الابتدائية وليست لي أية علاقة سياسية بأي حزب .. أقسم سيدي أنني صادق بقولي .. ولو كنت غير صادق لما بكّرتُ بالحضور ..
ــ وصحيفة طريق الشعب التي عثروا عليها في الملجأ ؟
ــ لا علمَ لي بوجود مثل هذه الجريدة .. بمقدورك سيدي أخذ بصمات أصابعي وإذا وجدتم على الجريدة بصمة لي فأنا أطالبكم بإعدامي .. أنا صادق سيدي ..
ــ دع المسكنة واعترف وإلآ فلنا طرقنا وأساليبنا التي تجعلك تتوسل كي نسمع اعترافاتك .. اكتب أسماء الخلية وأنا أعدك بشرفي وبالله أنني سأساعدك وستخرج إلى بيتك أو وحدتك بعد لحظات .. كن رؤوفا بنفسك واكتب أسماء الخلية .
ــ أكتب أنت سيدي ماتشاء من أسماء  جنود قاطع شرق البصرة وسأوقع لك دون أن أقرأها إذا كان ضميرك يرضى ذلك .. أقسم بالله العظيم وكتابه وبحياة طفلتي أنني  أكثر براءة من تهمة الذئب بدم يوسف ..
ــ ألعن أبوك لا أبو يوسف .. إنتم مايفيد وياكم إلآ القسوة ..
ــ والله ياسيدي أنا لا أعرف إنْ كانت طريق الشعب تُطبع أو لا تُطبَع .. ولا أعرف إنْ كان للحزب الشيوعي تنظيم من عدمه ..
 أخرج المحقق من بين أوراق الإضبارة الضخمة كتابا أنيقا بغلاف أبيض وقال لمظلوم : أحب أسمع قصيدتك بصوتك ... شنو رأيك ؟
ــ أي قصيدة سيدي ؟
أراه المحقق عنوان الكتاب  : ( سلاما أيها الحزب ) ... فأجابه مظلوم : نعم سيدي أتذكر هذا الكتاب ... إنه يضم أكثر من ثلاثين قصيدة قيلت عن الحزب الشيوعي لشعراء منهم على ما أذكر جمال الحيدري ، محمد مهدي الجواهري ، سعدي يوسف ، يوسف الصائغ ، خليل المعاضيدي ، خليل الأسدي ،  الفريد سمعان ، دينار السامرائي ، عبد الكريم كاصد ، محمد صالح بحر العلوم ، رشدي العامل ، وربما البياتي والسياب .. لا أذكر تماما ... الكتاب أصدره الحزب لمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيسه ونشرته دار الفارابي اللبنانية ... إنه قديم سيدي مضت على صدوره أعوام عديدة ، وأنا كنت حزبيا آنذاك .. أما الان فلا علاقة لي بأي حزب سيدي ..
ــ وماذا عن علاقتك بالعقيد حمزة الربيعي ؟
ــ هو ابن خالتي وزوج شقيقتي سيدي ..
ــ نعرف ذلك ... لكننا نريد أن نعرف أسماء الخلية الشيوعية في وحدتك ..
ــ إنْ كانت توجد خلية فعلا فأنا لا علم لي بها والله ..
ــ لقد اعترف أحد أفرادها عليك ..
ــ واجهوني به سيدي .. لايمكن أن يكون هذا صحيحا .. لا يمكن سيدي ..
ــ  ( ضغط المحقق على جرس كهربائي فدخل شاب يرتدي بدلة زيتونية .. أدى له التحية )
قال له المحقق : خذه إلى غرفتك ليكتب أسماء الخلية ..
قلت بصوت مفجوع  :  كنت صادقا معك سيدي .. فارأف بي لصدقي ..
سحبني ذو البدلة الزيتونية من ذراعي .. وحين أدخلني غرفته صفعني بقوة ورفسني فسقطت إلى الأرض .. بصق عليّ شخص آخر ورفسني على ظهري قبل أن يخرج ..  ثم أغلق الباب ..
ــ إسمعْ جيدا ... سأجعلك تتمنى الموت إذا لم تعترف .. أكتب أسماء الخلية بدون تأخير ..
ــ كيف أكتب عن شيء لا وجود له ؟ أقسم بالله أنا صادق ..
( طاخ .. طاخ .. طيخ .. طاخ طيخ ...  ) وانهال ذو البدلة الزيتونية بالصفع والرفس والركل والوخز  بعصا ً تجعل  دم الجسد يغلي ... بينما مظلوم متكوّر على جسده كالقنفذ ... ازداد الضرب شراسة ...  لحظات استراحة  يعقبها رفس وضرب وصفع وكلام بذيء ... فجأة : تعثر الجلاد بالكرسي فسقط  إلى الأرض ... وبشكل لا إرادي قال مظلوم لحظة سقوط جلاده : سلامات إنشالله .. سلامات أخي ..
بَهتَ الجلاد فقال : ماذا ؟ سلامات ؟
ــ نعم سلامات .. أنا سبب سقوطك إلى الأرض فسامحني .. أعرف أنك مرغم على تعذيبي .. أنت أيضا بريء مثلي .. أنت عبد مأمور .. لكن صدّقني أنني لاعلاقة لي بأي تنظيم سياسي في المعسكر أو خارجه .. صدّقني أنا بريء تماما من هذه التهمة .. أشعر بألم قوي في فكي وفي مثانتي ..
ازداد ذهول الجلاد ... حدّق بوجه مظلوم ... أعطاه منديلا ورقيّا ليمسح الدم من أنفه ... استمر الصمت دقائق .. أخرج الجلاد علبة سجائره .. دخن سيجارة ثم قال لمظلوم : لماذا لم تصرخ ؟ سأضربك ضربا خفيفا وعليك أن تصرخ بقوة وتبكي .. مفهوم ؟
أجابه مظلوم بصوت يشبه نحيبا دون دموع :
ــ ما أعرف أصرخ سيدي .. ولا أعرف أبكي ...  نعم أنا أحتاج أن أبكي .. ولكن ليس أمامك .. غادر الغرفة وسأبكي والله ..
ــ لا تصير حمار ... إصرخ وابكي بالكذب ..
ــ سيدي ابسطني براحتك .. ما راح أبكي ...
ـ طيب إصرخ بصوت عالي ..
ــ والله سيدي ما أعرف أمثّل .. إذا أصرخ كذب راح ينكشف التمثيل وأنت تتحاسب ..
 
ثمة دمع كثيف ولكن خلف الأجفان ... دمع خشن كبرادة الحديد  أبى إلآ أن يهطل من الأحداق نحو الروح ... دمع غير مرئي لا يراه إلآ مظلوم الذي قال للجلاد بتودد :
ــ ممكن تنطيني جكارة ؟ أحتاج أدخّن ..
آه يا إلهي !! حتى في مستنقعات القسوة هذه يوجد طيبون !! لقد وضع الجلاد علبة سجائره أمام مظلوم ... سجائر روثمن .. وغادر الغرفة ... ثمة إناء ماء وقدح على الطاولة ... تمنى مظلوم أن يشرب كل ماء الإناء  لكنَّ شعورا ًً خفيا منعه من ذلك ... قد يكون الخوف من العقاب ..  حينها شعر مظلوم بسائل  ساخن انزلق من عينيه حتى وصل شفتيه وكان مالح المذاق ... سائل صاف ٍ كالندى المخلوط بالملح !!
  مرّ وقت ليس بالقصير  وعاد ذو البدلة الزيتونية ليخبر مظلوم أن الضابط يدعوه .
                                     ***
   تقضّل إجلس ( قال المحقق لمظلوم ) ثم سأله : هل تعرف في السماوة بيت " داخل  الحاج مدو " ؟
ـ نعم سيدي .. إنهم جيران بيت جدي لأمي الحاج رزاق .. وبيننا صلة قربى بعيدة ... إبنه الكبير اسمه صالح .. يليه  " كاظم "... وابنه الآخر " شاكر " كان زميلي في الابتدائية .. والأصغر " كريم " ولهم شقيقة أعتقد أن اسمها " إلتفات " وجميعهم الان في الكويت باستثناء كاظم الذي يعمل الان خياطا في السماوة ... إنها عائلة فاضلة لا شغل لها بالسياسة ... سمعت مؤخرا أن " شاكر " توفاه الله بالسرطان ..
فوجئ مظلوم بقول المحقق :
زوجتي من أحد بيوت " آل حاج مدو " ... حقا هي عائلة طيبة ... وستخرج الان إكراما لها ... لكن تذكّر جيدا أن الحظ لن يكون معك دائما .. وليس جميع المحققين متزوجين من أهالي السماوة ... احترس جيدا  من أي عمل محظور ... واحذر أن تخبر أحدا أنك تعرضت لبعض سوء المعاملة في الشعبة الخامسة .. أكرمتك مرة واحدة ... ولن أكرمك مرة أخرى ..
                                  **

  لم يصدّق مظلوم عينيه حين رأى نفسه داخل سيارة لاندكروز وقد اجتازت بوابة رئاسة الاستخبارات العسكرية متجهة به نحو الشارع العام ... تساءل في سره:
هل حقا كان المحقق صادقا عندما أخبرني انه متزوج  من إحدى عوائل مدينة السماوة ـ وتحديدا من عائلة جارنا القديم وقريبنا "داخل حاج مدو  " ؟ وهل حقا كانت رأفته بي ، إكراما لعائلة زوجه ؟ وإذا كان ذلك صحيحا فلماذا ترك مستخدميه يتدربون بجسدي على لعبتي الملاكمة وكرة القدم ، متخذين من وجهي سطلا للبصاق ومشجبا للصفعات ؟ لا ... لا يامظلوم، لا تصير غشيم ـ قال في نفسه ـ اليوم يشوون البصل على اذنك ... إي والله ... هو المحقق نفسه كاللي إعترف كبل ما  ياخذونك ويشوون البصل على إذنك ... طيب ، لكن ليش انطاني ورقة رابوط طبي بيها إجازة لمدة اسبوعين ؟ مو بس الإجازة ، لا ... فوكاها باكيت جكاير سومر أصلي ، وسيارة لاندكروز توصلني لكراج علاوي الحلة ّ؟؟؟ صحيح آني ما أكدر أمشي من الرضوض .. وصحيح خشمي مورم  وأحس فد شي مثل القطار  يجعر داخل إذني ، بس ليش ما تركني اطلع وحدي وآني آخذ تاكسي  .. شنو يعني ما عندي فلوس ؟ لا ... عندي سبع دنانير عدا الخردوات ... لا يامظلوم ، المسألة بيها سر .. إي والله بيها سر ... إلهي دخيلك .. انقذني هالمرّه ، وأعاهدك راح أصوم وأصلي وأترك كل السوالف المكسرة .. ( ثم وهو يحدث نفسه ) : راح أطش واهلية نذر للكاظم ... وأدز كونية تمن لبيت الفقير الشحاذ حسين الأعمى نذر للعباس أبو فاضل ... وأنطي  ملابسي القديمة للفقراء في سبيل الله ... إلهي دخيلك .. إنقذني هاي المرّة بحق النبي عندك ...  إلهي وحق عزتك وجلالتك  ، راح أترك كل السوالف الموزينه .. انته ومروتك إلهي بس خلصني هالمره ، وشوفني شلون راح أصير مؤمن حقيقي يصوم ويصلي ومايشرب عرك .. آني دخيل عندك إلهي .. انته تعرف هذوله اشلون سرسريه وأولاد كلب .. !!! واحدهم  أنجس من  لحية الشمر بن ذي الجوشن وأوسخ من جزمة يزيد بن معاوية ..
  
معقولة المحقق بعد كل ذاك الدك والكتل والطحلات والراجديات والرفس والكيبل والتفال ، ينطيني إجازة لمدة اسبوعين وباكيت جكاير سومر أصلي وفوكاها سيارة لاندكروز توصلني لباب كراج علاوي الحلة ؟ والله العظيم بس الحمار  يصدك ... لا  يابا  لا ..
المسأله بيها  سر ...
  
  استمر مظلوم في هذيانه وذهوله الصامتين ... وفكر مع نفسه بالقفز من السيارة  حالما تسنح الفرصة المناسبة ... لكنه تذكر أن قدميه المتورمتين لن تساعدانه ... وحتى لو تساعدانه ، وبحسب خبرته ـ فالتعذيب سيكون أكثر قسوة في حال الإمساك بالهارب ..
" لم يستبعد مظلوم احتمال أن يتعمد السائق توفير فرصة الهروب له كي يقتله برصاصة من مسدسه الواضح للعيان .. "
  حين عبرت السيارة جسر الاعظمية ، قال مظلوم للسائق :
ـ من فضلك ، نزّلني قرب الجامع ... أريد أزور الإمام  وأصلي صلاة المغرب ، وبعدين آني آخذ تاكسي للمحطة .. آني أرتاح للسفر بالقطار ...شكرا أغاتي ... نزّلني بباب الجامع رحمة على والديك  .. جزاك الله ألف خير وكثّرْ امثالك .. يمّكْ عيوني يمّكْ ... واذا تحب تشرّفني ناكل كباب على حسابي بعد الصلاة ..
ـ هاي شلك بيها  يابه ؟ بيع شلغم على غيري ... ليش الشيوعيين يصلون ؟ كلهم ملحدين  يعبدون لينين وماركس ... بعدين إنته شيعي ، شنو علاقتك بالإمام المعظم ؟ تبيع كلاوات علينه؟ إحنا مفتشين باللبن  ..
ـ يا أخي صدّكني .. والله العظيم آني أدوخ من السفر بالسيارة ... وأريد أسافر بالقطار و..  أحلف بالقرآن العظيم آني مو شيوعي ولا عندي اية علاقة بالـ .....
ـ إذن إنت بحزب الدعوة ..
ـ سترك يا إلهي ... كلها ولا حزب الدعوة ... حزب الدعوة إعدام من غير سؤال وجواب ... لا  أخي لا ... أبقى متهم بالشيوعية احسن ... شنو رأيك ؟
ـ إكل خره واسكتْ ... تريد أرجع بيكْ للمخبز ؟ إكرمنه بسكوتك وانجب ...
ـ العفو أغاتي ... آسف ... ليش انتم تسمون الشعبة الخامسة بالاستخبارات المخبز ؟
ـ إكرمنه بسكوتك وإنجب ... كافي لغوة ... بعدين مو تنسى  وصية السيد المقدم ... انطاك إجازة اسبوعين ، تكظيها بالبيت ، اسبوعين ما يبقى بيك أي ورم ... خشمك يطيب .. والجرح اللي بكصتك يشفى .. بعدين تلتحق بوحدتك ... دير بالك تتحدث  زايد  ناكص ...
ـــ واذا سألتني زوجتي أو أمي ؟
ـــ مو مشكلة .. تكدر تكول  سكران وطحت ... سيارة دعمتني ... تعاركتْ بالكراج وبسطوني .. هذي مو صعبة عليك ... بس تعرف تصفط شعر خريطي .. ما لازم تكول سكران وطحت ... كول لعبت قمار وبسطوني ..
ـــ هاي العايزة ... انعم لله عليك .. تريد  زوجتي تطلب طلاقها مني .. كلها ولا القمار .. لا أخي .. خليها  سكران وطحت ، لو جماعة سرسرية دارو عليّ وبسطوني بالكراج.. هذا العذر أحسن وأشرف ... كانت عايزه والتمّت ْ .. قمرجي ..
" وكما ينتبه الناطور بعد غفلة ، سأل مظلوم السائق باستغراب :
ـ العفو أخي ، يعني المحقق يحمل رتبة مقدم ؟
ـ ...............
ـ مقدم مقدم ؟ زين ليش ما لابس الرتبة ؟
" لم ينبس السائق بكلمة ، لكنه نظر بضجر الى مظلوم الذي استدرك قائلا :
ـ والله ابن أوادم ...رؤوف ومتواضع ... ما كنت اتصور مقدم ... تواضعه مدهش ...
تفضل سيكارة ... تفضل ارجوك ... شنو انته كاطع التدخين ؟ آني أتمنى أترك التدخين  ... لكن منين أجيب الإرادة ..ألعن اليوم اللي تعلمت  بيه التدخين ..إي والله .. ما وراه غير الأذية وطياح الحظ ...
ــ ليش طياح الحظ بس بالجكاير ؟ انته من زمان طايح حظك ... لو بيك خير كان بقيت مدرس ... قشمر ... حزب البعث سوّاكم أوادم ... خصوصا إنتم الشراكوة ... ربكم ودينكم الخميني لو فهد ... ما تصير الكم جارة ... خايسين ...
ــ  أخي ماكو داعي لهذا الغلط والإهانة .. إحنا مو خايسين .. المقدم زوجته من عشيرتنا .. والله العظيم إذا يسمع المقدم راح يحاسبك .. المقدم من أقاربي ..
ــ أكل خره واسكتْ .. ترى أرجع بيك للمخبز وألعن والد والدك .. إنزلْ.. هذا كراج السماوة ...
ــ شكرا جدا ...آني هواية ممنون إلك ... ارجوك بلغ شكري للسيد المقدم ...
ــ إنطيني عرض اجتافك ... لا تطولها ... دير بالك زين ، تره هالمرة خلصت ، المرة القادمة  إقرأ على نفسك الفاتحة ... وتذكر زين ، مانريد أي كلام زايد ناكص ... مفهوم ؟
ـ اطمئن ... ثقة .. إذا سألتني زوجتي لو أمي راح أكول جماعة سرسرية أخوات كحبة  بسطوني بالكراج ..
...........................................................
...............................................................
..................................................................
                      
  السائق الحاج كاظم وزير ، وقد رأى مظلوم كمن يمشي على مسامير، متورم الوجه :
ـ استاذ ابو شيماء ؟ خير ما كو شي ؟ هاي شبيك ابني ؟
ـ لا ما كو شي ... الكواويد السرسرية السفلة الطايحين الحظ  خبزوني  بالإستخبارات العسكرية   بلا صوج وذنب ... مابيهم شريف .. ألعن أبوهم لا أبو حزبهم ..أ لـ ....
ــ شششش ... دير بالك وليدي ... كفيلك الله والعباس ، نص سواق السيارات وكلاء أمن ومخابرات ... إصعد ونسولف بالطريق ... ليش أكو واحد ما يعرف هذولة الناقصين الذمة والضمير....سفلة مناويـ  ...
                                        **
  عند مشارف مدينة الحصوة قال مظلوم للسائق :
ــ حجي آني  جوعان .. عازمك على دليمية .. دليمية الحصوة طيبة .. شنو رأيك نتعشى دليمية ونشرب شاي وأشتري جكاير وبعدين نواصل الرحلة ؟
ــ مو مشكلة أستاذ ... بيك خير وتدلل ..
   حين دخلا المطعم ، قال مظلوم للسائق : ياحاج .. المطعم صاير معرض صور لـ " مطيحان " .. صورة بالبدلة العسكرية .. صورة بالـ " جراوية " .. صورة بالـ " الزبون " .. صورة بالـ " غترة والبشت " طالع بيها يشبه " شيخ الكاولية  " .. الله يرحم والديك ممكن نشوف غير مطعم  مابيه صور مطيحان ؟
ــ  كل المطاعم مليانة صور الرئيس... إكلْ ولا تباوع عالصور ..
ــ  شنو رأيك ناخذ  نفرين دليمية سَفَري ؟
ــ  والمواعين ؟ الدليمية ماتصير لفّاتْ مثل الكباب  ..
ــ ناكل وأمرنا لله ..  تعرف سبب تعليق الصور بهذه الكثرة ؟
ــ الناس تريد تبعد الشر أستاذ ... مو بيدهم .. مجبورين يعلقون الصور ..
ــ لا  ياعزيزي ... أصحاب المطاعم يتعمدون تعليق صور مطيحان حتى اللي ياكل تنسد شهيته وما يطلب كرصة خبز زيادة ... أو يترك نص الدليمية ويخرج من المطعم وبعدين صاحب المطعم يعيد اللحم المتروك للقدر ويبيعه من جديد ..
                                        **
السائق الحاج " كاظم وزير " لم يكتف بإيصال مظلوم الى باب بيته فحسب ، إنما وحاول جاهدا اقناع مظلوم بعدم دفع الأجرة  :  
   ـ استاذ أبو شيماء ، أرجوك لا تطلع فلوس ... ارجوك ... يفيدنك للطبيب ... بعدين انت استاذ ابني " عزّت " .. وأبوك حجي عباس صديقي بالروح
وحده .. رجّع فلوسك  لجيبك الله يخليك ..
ـ لا والله ما يصير ... لازم تاخذ ...آني حلفت ... انت هم صاحب عائلة وعلى باب الله ..
ـ صدّكني آني كنت ناوي أرجع  فارغ ...اليوم ماكو عبريّة ... يعني لو انت ما جاي وياي ، كنت آني ارجع بوحدي ..
ـ ما قصّرت ... جزاك الله خير حجي .. هذي الأجرة وآني الممنون ..
  ـ بكيفك استاذ ... بس ارجوك ارجوك ارجوك لا تحجي ولا تسولف باللي صار ... تره هذوله سرسرية وما عندهم ضمير...كفيلك الله كلهم هتلية وجايفين .. الشريف بيهم خايس ... ليش هو منو اللي  خبّلْ اخوي فاضل ؟ انت ابن السماوة وتعرف زين ...اخوي فاضل من أحسن المعلمين ... اخذوه شرطة الأمن شهر واحد ... أخذوه ليرة  ذهب ... وطلعوه مجنون  ... دير بالك وليدي ... سلّم لي على عيالك ..

                                    **

   استقبلته زوجته وثمة بقايا دموع بين الاجفان :
ـ الحمد لله ... صلوات على محمد وآل محمد ....( ثم  وهي ترفع يديها صوب السماء )  إلهي إنطيتني مرادي ... ليلة الجمعة اذبحلك الخروف  ... وكل  راتبي هذا الشهر لميثم التمّار ... بعد عيني ميثم التمار ...
ـ أم شيماء صيري عاقلة .. شنو أذبح خروف... شنو كل راتبك نذر لميثم التمار ... ؟
ـ انتَ ما عليك ... آني نذرت والله انطاني مرادي ... لازم أوفي النذر ..
الحمد لله ... طلعت بيوم واحد ... كل مرّه تبقى أيام واسابيع ... والله يا ابو شيماء من الصبح لحد الان وآني اصلي وأدعيلك ...قريت  كل أدعية الصحيفة السجّادية  ... وقريت دعاء الشدّة والفَرَجْ خمس مرات ... والله انطاني مرادي ... الحمد لله والشكر ..الله فرجها بيوم واحد ...الحمد لله
ـ بابا يا يوم واحد ؟ البسط اللي كانوا يبسطونيّاه  لمدة اسبوع ، بسطونياه بيوم واحد ... واذا ما ترضين ، أخذوا زيادة أكثر من عشرين راجدي وطحلة ...
ـ الله لا ينطيهم ...إلهي أريدك تاخذ لي حوبتي منهم بحق النبي وآل النبي ...
ـ بسيطة بسيطة ... بس ماكو لا ذبح خروف ، ولا راتب الشهر لميثم التمار ... اللي يسمعك يتصور الحكومة عيّنتْني وزير التربية والتعليم ... شلون خبال ... كل راتب الشهر لميثم التمار ...ميثم التماّر على عيني وراسي ... هو هسّه بالجنة ... اللي بالجنة يحتاج فلوس ؟ ها ؟  يحتاج ؟ جاوبيني ... ميثم التمار محتاج فلوس ؟  شيسوّي بالفلوس ؟ يدفعهن بخشيش حتى ما يروح جيش شعبي ؟ إذا لميثم التمار تنذرين خروف وراتب شهر ... شنو يكون النذر لو للعباس ؟ تنذرين البيت ؟ الحمد لله البيت باسم والدي مو باسمك  ... قبل خمس شهور نذرتِ خمس دنانير لأولاد مسلم بن عقيل ... السنة الماضية نذرتِ زيارة لسامراء .. وقبل شهرين نذرتِ تعملين قراية نسوان بالبيت ..
ــ قراية النسوان إنتَ رغمتني ألغيها .. حرام عليك .. فشّلتني وي " ملّة حمدية " ...
ـ طبعا أمنعك ... تريدين يتهمونك بحزب الدعوة خاتون ؟
ـ هاي  اشبيك أكلتني حاصل فاصل ... لازم نذبح خروف ..  الخروف من أبوي ...والراتـ ...  
ـ أعرف أعرف ...الخروف من أبوك والراتب راتبك ... لكن  ميثم التمار يعرف ظروفنا ... والله سبحانه وتعالى مسامح وكريم وما يرضى  بالتبذير ... عندي حل ... نذبح دجاجة ... دجاجة آني آكلها ... على الأقل أقوّي جسمي حتى يصير بيّ حيل وقوّة للبسطة القادمة.. همّ الأخوان ماخذيني مقاولة .. كل شهر حفلة سمر ودكّ وركص ... والله العظيم إنتِ السبب ..
ــ أبو شيماء .. شنو قصدك آني السبب ؟ تريدني أنتحر ؟ آآآآآني السبب ؟
ــ إيْ والله العظيم إنتِ السبب ... لا .. مو بس إنتِ ... أنتِ وشيماء وهذا اللي ابطنك .. لوما أنتم كان من زمان هربت لكردستان لو أفرّ لسوريا  ....
ــ وذا لزموك بالحدود ؟ كفيلك الله يعدموك .. إصبرْ والله يفرجها .. الصبر من الإيمان ...
ــ كافي لخاطر الله ... ارفعي صورة تولستوي من المكتبة .. أخاف فد يوم يفتشون البيت ويشوفونها ..
ــ ليش صورة تولستوي ممنوعة ؟
ــ لا  ماممنوعة ... لكن حمير الأمن يمكن إذا شافو لحيته طويلة يتصورونه ماركس  لو أنجلز ... أرفعي حتى صورة رابندرانات طاغور ..  هوّ أكو شرطي أمن عراقي  سامع برابندرانات طاغور أو تولستوي ؟
ــ رفعتها ...
ــ مزقي الصورة واحتفظي بالجام والإطار ... راح أضع صورة " سعدي الحلي " أو " عوض دوخي " بمكان تولستوي وطاغور وأمري لله .
ــ   آني عاجبني هذا الإطار ... أبو شيماء  شنو رأيك إذا أخلّي هذا الإطار لصورة والدي ؟
ــ بكيفك ... يمكن إذا شافو صورته بالعقال والشماغ يعتقدون المسكين مسؤول خط الفلاحين .. ياليت  أبوك المسكين يتحمل راجدي واحد ..
                                   **
  
  " أم شيماء " ـ والحق يقال ـ إمرأة مفرطة الطيبة ... كانت إحدى طالبات مظلوم حين كان مدرسا في اعدادية السماوة...تحب الشعر وتحترم كل الشعراء ما عدا أولئك الذين  أساءوا لشرف الشعر بقصائدهم التي تمجّد " مطيحان " و" قادسيته " ... هي ، وإن كانت حريصة على قراءة صحيفة "
طريق الشعب " ومجلة " الثقافة الجديدة " إلا أنها لا يمكن أن تنام قبل قراءة دستة كاملة من أدعية " الصحيفة السجادية " ... وأما ليلة الجمعة ، فلا مناص من قراءة " دعاء كميل " أيا ً كانت مشاغلها ... تتمتع بصبر مذهل ، وتؤمن إيمانا مطلقا بـ " الذي مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين " ... فمثلا ، في صباح اليوم الثاني من زواجهما ، خرج مظلوم لاستئجار سيارة تقلهما الى البصرة لقضاء شهر العسل ...فإذا به يعود بعد أيام متورم الوجه متعكزا أضلاعه يسفّ قملا ـ رغم أن مفوض الأمن المدعو " علي ناصرية ـ ويبدو أنه كان بانتظاره مقابل البيت " أقسم له أن ضابط أمن البلدة لديه استفسار بسيط لن يستغرق أكثر من دقائق معدودة ... فاكتفت برفع يديها الى السماء مطلقة آهة وحشرجة ، ومن ثم ، لتقول : لا تهتم حبيبي ... هذي إرادة الله ... الله يريد يختبر عباده ... كولْ الحمد لله حتى تنحسب إلك حسنة ... فأجابها بغضب : يعني الحسنات ماتجي إلآ بالجلاليق والراجديات والكيبلات والرفس ؟ شلون مسودنة ... الله يريد يختبر عباده .. ليش الله محقق بالأمن ؟  أستغفرك يا إلهي ...

                           ***

  




7
مذكرات الجندي المرقم 195635 ( ج 4)

يحيى السماوي

   كما يشطر طفل فقير  برتقالته إلى نصفين غير متساويين : شطر نهر الفرات مدينة السماوة إلى شطرين غير متساويين ، الأول صغير سُمّيَ بـ " الصوب الصغير "  ويُسمّى أيضا بـ " صوب القشلة " حيث توجد فيه قلعة قديمة عثمانية الطراز اتُخِذتْ مجمعا حكوميا ضمّ مكتب القائممقام والسجن ودوائر أخرى كالتجنيد والسجل المدني والتسجيل العقاري ودوائر أخرى كما ضم السجن الرئيس في المدينة ... عند الباب الرئيس لهذه  القلعة تتدلى " ريشة " مروحة طائرة عسكرية كان ثوار السماوة قد أسقطوها في ثورة العشرين فاتخذتها القائممقامية ساعة يُعلن من خلال الطرق عليها بقضيب حديدي عن أوقات الدوام وانتهائه .. في هذا الصوب تقع مدرسة ثانوية السماوة للبنين وهي الوحيدة " آنذاك " ونادي الموظفين والمستشفى العام  ومحكمة السماوة ومحلان منزويان لبيع  الخمر " كان  غير الموظفين من  العرقجية  يدلفون إليهما بحذر من عيون الناس لشراء قنانٍ صغيرة يسهل إخفاؤها في جيوبهم إذ لا ثمة مَنْ يتجرّأ على حمل " القزالقرط " على مرأى من الفتية  اللهمّ إلآ إذا كان مستعدا لتلقي حجارتهم وصراخهم خلفه " سكران بالك عنّهْ .... فلوس العرك مو منّهْ " أو يهتفون وراءه " لا تنقهرْ يابو عقال ... ترى السدارة قندرة " وقد يأتيه حجرٌ طائش فيشجّ رأسه كما حدث لـ " عطا الله الكرّافي " مثلا ..
 أما الصوب الكبير فإن السوق المسقوف يشطره  هو الآخر إلى نصفين غير متساويين .. النصف الشمالي يُسمّى " الغربي " والثاني يسمى " الشرقي .. ولكل من هذين الشطرين شيخه وحكيمه ، يلجأ إليه ساكنوه لحلّ مشاكلهم وخصوماتهم ... فالسيد " حسين السيد طفّار " كان شيخ الشطر الشرقي ، أما الشطر الغربي فشيخه وحكيمه هو  شنان آل رباط  ( كثيرا ماكان يدفع الديّات من ماله الخاص بغية إصلاح ذات البين بين المتخاصمين  وكان تواضعه مضرب مثل بين أهالي المدينة ) .
   ومع أن مساحة السماوة وتوابعها من أقضية ونواح ٍ وقصبات تأتي بعد محافظة الأنبار من حيث المساحة الجغرافية ، إلآ  أنها بقيت  عبر كل عهود الحكم خارج اهتمام الحكومة المركزية كما لو أنها  تقع في قارة أخرى ـ وخصوصا في  عهد الإنتداب البريطاني وعهد  انتداب عشيرة " آل بوناصر " ممثلة بمندوبها السامي " مطيحان بن صبحة " ... لقد نظرت الحكومات إلى مدينة السماوة على أنها " منفى ً " داخليّ لمعارضيها ، وأقامت في صحرائها سجن " نقرة السلمان " الرهيب  الذي اعتقلت فيه مئات العوائل من الأكراد الفيليين قبل دفن أفرادها  أحياء  في منخفض رمليّ على بعد  مسافة قليلة من قلعة السجن الحجرية  قريبا من منطقة " الجليب " .... 
   الساعتان اللتان أمضيتهما مع الشيخ شنان  بصحبة والدي كشفتا لي عن جوانب أخرى من شخصيته كمعرفته بالأنساب وحفظه للكثير من الشعر والمنظومات الشعبية كأهازيج ثورة العشرين ... فاجأني بسؤاله وأنا أصيخ السمع إليه : عيناك معي لكنّ ذهنك في مكان آخر ... أجبته : هذا صحيح فأنا معك ولست معك في آن ... فاكتفى بقوله : إن كان بمستطاع مالي ومُلكي حلّ مشكلتك فأنا وما أملك رهن إشارتك ... أجبته ـ مستغلا انشغال والدي في حديث مع شخص آخر : لا عدمتك ... لكن  حلّ مشكلتي الحالية هو تدخين سيجارة أو سيجارتين وما يمنعني عن التدخين الان هو  وجود والدي ولا جرأة لي بالتدخين أمامه .. إستأذن الشيخ ضيوفه وأخذ بيدي فسار بي خارج المضيف ليتيح لي فرصة التدخين وليفاجئني بقوله  : لك الحق في إخفاء مشكلتك الحقيقية ولكن لي الحق أيضا في بذل ما أستطيع لحلّها  إنْ كان بمقدوري ذلك ، مشكلتك ياولدي ليست  السيجارة لأنك بالتأكيد  قد دخّنت حين  خرجت لغسل يديك  بعد تناول الطعام لتعود متأخرا عن والدك بضع دقائق .. !؟ أجبته : يالفراستك وفطنتك أيها الشيخ الجليل ..
                                    ***
  سألت والدي ونحن خارجان من مضيف الشيخ شنان آل رباط : هل أخبرته عن اعتزامي الهروب من الجيش ؟ أجابني : لا ... لكنني توقعت أنك أخبرته حين تمشيت معه خارج المضيف ، واعتقدت أنك طلبت منه أن يوصي بك ابنه الضابط الكبير عبد الواحد .. ما الذي حال دون إخبارك له وأنت تعرف أنه لا يردّ  لضيفه طلبا مهما كان صعبا ؟ أجبت والدي : منعتني نفسي الأمّارة بالسوء !
  الحق يُقال : إن لي بالجنرال عبد الواحد علاقة طيبة .. هو يكبرني ببضع سنين على صعيد العمر والدراسة معا .. كان عبد الواحد  في السنة الدراسية الأخيرة في مرحلة الدراسة الثانوية حين كنت أنا في السنة الأولى منها .. جميع طلاب ثانوية السماوة يعرفون عبد الواحد كأفضل لاعب في منتخب المدرسة لفريق كرة السلة وفريق نادي السماوة الرياضي .. ومع أنه ابن أحد أبرز  شيوخ المدينة إلآ أنه كان أحد أكثر الطلاب تواضعا ... كان ذكيا  ومحبا للشعر حتى أن مدرس اللغة العربية الأستاذ شمخي جبر كان يشيد به كأحد أفضل الطلاب في درس الانشاء والتعبير .. كنت أتوقع أنه سيكمل دراسته في كلية الاداب .. لكنني فوجئت به ينتقي الكلية العسكرية فيتخرج فيها بتفوّق الأمر الذي أهّله لبعثة دراسية  في موسكو عاد منها حاملا شارة الأركان متفوّقا على جميع طلاب دورته ( أخبرني بهذه الحقيقة زوج شقيقتي / ابن خالتي  العقيد حمزة الربيعي ـ زميله في الكلية العسكرية ومن ثم آمر مدفعية الميدان في الفيلق الثاني خلال السنوات الأخيرة من قادسية مطيحان ) .. كان عبد الواحد  حين زرت أباه يشغل منصب قائد فرقة المقداد المدرعة .. إنه ضابط محترف ، نال ترقياته العسكرية عن استحقاق وليس كبعض صغار الضباط وضباط الصف الذين أصبحوا جنرالات يحملون عصا الماريشالية مع أنهم لايستحقون أكثر من عصا رعاة الأغنام كالجنرال علي كيمياوي والفريق أول ركن ثلج عزت الدوري والفريق أول ركن ـ سائق دراجة ـ حسين كامل  ومثلائهم .. ربما كان عبد الواحد سيضيفني إلى بعض أبناء السماوة العاملين بإمرته كأفراد حماية أو كتبة أو جنود في المقرات الخلفية لو أنني زرته حاملا له رسالة من والده ... لكن المشكلة تكمن في أنني أعاني من عقدة نفسية إسمها الجندية فأشعر بالوحدة العسكرية كما لو أنها جهنم حتى لو كانت على مشارف بيتي وليس في جبهات الحرب العبثية التي أوقد مطيحان  نارها ليذيب الجليد المتجمد في عروقه ... عروقه التي لا تختلف كثيرا عن مواسير الصرف الصحي ! 

    أرجو ألآ يُفهم من كلامي هذا أن الجندية بمثابة اصطبل بشري ... انها مصنع الرجال حسب اعتقاد أبي رحمه الله في وصفه فترة خدمته العسكرية قبل عقود عديدة ... فقد كان للجندية قديما شرفها وتقاليدها وفروسيتها ...أما في زمن مطيحان ، فإن لها عارها وفرائسيتها  فأصبحت مهمة ووظيفة الجيش  حماية السلطة وحراسة الرئيس وغلمانه وجواريه وأزواج بناته وأخواته وبقية أفراد عشيرته الذين كانوا لصوص أغنام لولا الظروف غير الطبيعية التي جعلت من الشقاواتي مطيحان رئيسا لدولة الرايخشتاغ العفلقية وقائدا عاما لقواتها المسطحة ،  لم تعد وظيفة الجيش حماية الوطن ومواطنيه .. اصبح سورا للحاكم بأمره وليس سورا للوطن . .. وإلآ هل يعقل أنَّ قادته لا يعرفون حقيقة أنّ مطيحان هو الذي اوقد فتيل الحرب ضد ايران نيابة عن أمريكا حين كان فتاها المدلل ؟ هل يعقل ان هؤلاء القادة لا يعلمون ان مطيحان خصص لخبراء البنتاغون دار الضيافة رقم 7 داخل محيط القصر الجمهوري ؟ هل يعقل أنْ يعرف الجندي احتياط خره "مظلوم " بوجود الخبراء الامريكيين  داخل محيط القصر الجمهوري ببغداد ، و هؤلاء القادة لا يعرفون ؟ لايمكن قطعا ... هاهو الجنرال " وفيق السامرائي " يعلن صراحة عن وجود خبراء البنتاغون والسي آي إيه على مقربة من غرفة العمليات العسكرية ببغداد .. 

  ولكي أكون منصفا ، فانني أعترف بأن للجندية بعض الفضائل ... فهي تعلمنا اشياء كثيرة لم نكن نعرفها .. فأنا مثلا كنت بحاجة الى دورة تدريبية مدّتها اسبوع كامل لأتعلم طريقة صبغ البصطال وتلميعه دون أن أدفع فلسا واحدا ... والى دورة تدريبية لمدة اسبوعين لأتعلم طريقة حلاقة لحيتي دون الاستعانة بمرآة ... في الاسبوع الثاني من خدمتي العسكرية صرت أحلق لحيتي وأنا مغمض العينين ... وأصبح بمقدوري تلميع بصطالي دون الحاجة الى دهان وفرشاة ، أذ يمكن في الحالات الطارئة والحرجة تلميع البصطال باستعمال حذاء الرأس " البيرية " وقليل من زيت الطبخ .. وإذا تعذر الحصول على زيت الطبخ فالإستعانة بقليل من البصاق أو بقايا " مَرَق القصعة "...الجندية تُحفّزنا أحيانا على الإبتكار .. فأنا الذي ابتكرت لجنود مفرزة التصليح  طريقة شرب " الزحلاوي " و" المستكي"  و" العصرية "  وبيرة " فريدة ولاكر"  خلال الواجب الوطني ـ المقدس حسب تعبير مطيحان ـ وأمام الضباط دون أن يشعروا .. خصوصا في الليل ... تتلخص هذه الطريقة المبتكرة بوضع  "حليب السباع او العسل المر " في الزمزمية المربوطة الى النطاق او الحزام والمخفية تحت القمصلة ، ومن ثم تهيئة متر واحد من سلك كهربائي سميك ، يوضع طرف منه في الزمزمية ـ بعد نزع الأسلاك المعدنية منه ـ ويُمَدّ الطرف الثاني من تحت القميص وصولا الى الياقة ليكون قريبا من الفم ، بعد ذلك يبدأ المص ـ حسب حاجة الجمجمة وحسب نوعية الواجب الوطني ... وأحيانا حسب كثافة القصف الذي لا يسمع دويّه مطيحان وبقية افراد اسرته وغلمانهم وجواريهم  وحاشيتهم ... قد لا اكون مبتكر هذه الطريقة في القوات المسطحة ... لكني بالتأكيد أول من ابتكرها  لحل مشكلة  " ابو مشتاق "  في مفرزة تصليح آليات اللواء ، قبل شيوعها في بقية سرايا وكتائب اللواء ، ومن ثم في وحدات اخرى جارة ، قبل اكتشاف امرها ، فمُنِع علينا في المفرزة حمل الزمزمية في الليل خلال الواجب الوطني " المقدس حسب تعبير مطيحان كما أسلفت "
  شيء آخر تعلمناه في الجندية ، وهو : الكذب !!!
 إنّ الكذب هو الخيمة الكبيرة التي احتوتنا جميعا بدءا ً من ج ح خ ( جندي احتياط خره ) مظلوم ، وانتهاءً بالقائد الأعلى للقوات المسطحة ... كلنا كاذبون ...الجندي والآمر معا ....كلنا ندعي أمام المسؤولين الرغبة في نيل شرف الشهادة  في جبهات القتال ، بينما نحن ننتظر الإجازة الشهرية لنمارس هوايتنا داخل بيوتنا بشتم مطيحان والسخرية من قادسيته .. كلنا يتحدث في الشارع عن الانتصارات العظيمة المزعومة ، بينما نحن الشهود على هزائمنا النكراء ...
  وحين تقودنا الحكومة كالخراف للتظاهر في الشوارع والساحات العامة  نصرخ " بالروح .. بالدم .. نفديك يا مطيحان "  فإننا أمام زوجاتنا ، نصبّ أمطار الشتيمة عليه ـ وقد نبصق على صورته في التلفزيون .. ( مرة من المرّات كنت أباوع عالتفزيون منتظر مسرحية شاهد ماشافش حاجة ، تاليها يطلع لي مطيحان يقلد الضباط أنواط الشجاعة ... آني ضجت .. رميت التلفزيزن بالنعال ... همزين النعال إسفنج .. الله سِتَرْ .. لو ضاربه بالقندرة القبقلي كان انكسرت الشاشة )
  هاهو آمر لوائنا ، حين طلب منه قائد الفرقة  الاستعداد لشن ّ هجوم معاكس ، يطلب منه الانتظار بعض الوقت زاعما ان نسبة هروب منتسبي لوائه بلغت خمسين بالمئة في  حين كانت النسبة قد  تجاوزت الثمانين بالمئة حسب اعتراف النقيب سلمان آمر سرية اللواء ...
 كانت القيادة العامة للقوات المسطحة ألأكثر كذبا بين كل الكذابين ... ومع ذلك ’ فإنها تعاقب بأشدّ العقوبات مَنْ يصدق أكاذيبها ويعمل وفقها :
 كان " محيسن معيوف "يقود سيارة الإسعاف وبداخلها ست جثث متفحمة ، لإيداعها في مركز إخلاء الخسائر في قاطع عمليات شرق البصرة ...
إنتبه محيسن الى البيان العسكري في نشرة أخبار الساعة الثامنة ، والذي جاء فيه ، أن خسائر الجيش العراقي في معارك يوم 21 ـ 7 ـ 83 كانت عطل دبابة واستشهاد جندي واحد ... التفت محيسن الى زميله "عواد كاظم" قائلا :
ـ آنه أخو صبرية يا عواد ... القيادة تكول خسائرنا جندي واحد ... وسيارتنا بيها الان ستة ... يعني الخمسة البقية من الفرس المجوس  وإحنه ناقليهم بالغلط ...
أجابه عواد :
ـ يسلم لسانك يابو حمد ... احنه ناس ضعاف الحال  .. ما بينا قوة وحيل للمشاكل والسؤال والجواب ... اذا عرفت الحكومة إحنا ناقلين جنود ايرانيين ، تتهمنا بحزب الدعوة وتصيرْ موتتنا عملْ شعبي ..  توكل على الله يا بو حمد وارمي خمس جثث .
  لم يُبق ِ محيسن في السيارة غير جثة واحدة بعد ان رمى خمس جثث متفحمة خلف السدة الترابية على مشارف مدينة البصرة ..
 المحكمة العسكرية السابعة حكمت على محيسن وعواد بالسجن سبع سنوات بتهمة التقصير بالواجب !
   سفلة .. يريدوني أدافع عنهم ... لا والله ما أدافع عنهم ... ما أدافع عنهم لو تنكلب الدنيا .. شنو اللي حصّلته منهم غير التعذيب والفصل والإهانات ؟ الله وكيل حرموني حتى من شهر العسل ... أشو نص شهر العسل قضيته بالأمن : الفطور مخلمة جلاليق .. والغِده تشريب راجديات وصوندات .. والعِشا  دولمة طحلات لو برياني بوكسات وتفال وشتايم .. لازم أفرّ ... إيْ والله لازم أفرّ من الجيش ... آني حلفت بروح رجل خالتي : ما  أدافع عن مطيحان وباقي السرسرية ... ( هذا ليس جبنا ً مني ... لا ... هذا احتجاج ضد الفرس المجوس  ... إيْ نعم .. هذا احتجاج ... لأنني  كتبت لصديقي مجيد كاظم جحيل برسالة خاصة :  أنا سأفرّ من العسكرية احتجاجا على الفرس المجوس ولن أدافع عن مطيحان وسرسريته حتى  يعيد لنا الفرس المجوس حقوقنا المشروعة في شط العرب ويعيدوا لنا عباية " حسنة ملص " ) .
                           ***



 
   أفقتُ صباح اليوم ـ الثلاثاء ـ لأجد أن رغيف إجازتي لم يبق منه غير الفتات .. يتعيّن عليّ الإلتحاق بوحدتي في قاطع " ملهى النصر " بعد الغد  .. تزامن هذا اليوم مع توزيع الرواتب .. فوجدتني عند الضحى أدلف إلى مكتب بريد السماوة القريب من بيتي للسلام على زملائي وزميلاتي قبل أن أعرّج على مديرية البريد والهاتف لاستلام راتبي ..
  في مكتب بريد كل مكتب من مكاتب المدن العراقية جميعها ، توجد غرفة تسمى غرفة " الرقيب " تحتوي أجهزة تعمل بالأشعة ، يشغلها أحد أفراد الأمن ، تنحصر مهمته بفحص الرسائل الصادرة أو الواردة إلى المسؤولين خشية أن تكون ملغمة أو تتضمن كلاما نابيا .. رقيب الأمن يكاد يكون هو رئيس الدائرة الفعلي حتى لو كان مجرد شرطي لا رتبة له .. لمحني الرقيب " واسمه أبو رائد " فبادرني بالسلام ... وحين ذهبت إلى مديرية البريد لاستلام راتبي فوجئت بمدير دائرتي قد أوصى المحاسب بعدم تسليمي راتبي  قبل مروري عليه ...
 أخبرني مديري " خضير عباس " أن  مديرية أمن البلدة طلبت حضوري لأمر يتعلق بإعادتي للتدريس أو انتدابي من الجيش إلى دائرتي .. ( لم أكن مغفّلا ً فأصدّق .. ومع ذلك قررت الذهاب لقناعتي أنّ عدم ذهابي سيسبب لي متاعب لاضرورة لها ) ..  المحاسب " سعيد طاهر " أعطاني راتبي  وهو يقول : سأزعم أنني أعطيتك راتبك قبل تبليغ المدير بحجبه ريثما تعود من مديرية أمن البلدة ..
   في مديرية أمن البلدة استقبلني السؤول بترحاب مصطنع .. سألني إن كنت أفضل شايا أو قهوة .. زعمت أنني لا أشرب كليهما .. عندها فتح ثلاجة صغيرة وقدّم لي علبة عصر مُحكمة الإغلاق فأخذتها .. ( الحقيقة أنا مدمن شاي وقهوة ... لكن صديقي " عزيز الشيخ " سبق له أن تناول شايا  في هذا المكان فأصيب بالشلل بعد بضعة أيام ... قد تكون المصادفة هي التي أدت إلى تزامن الإصابة بعد استدعائه بأيام قليلة .. وقد تكون نتيجة الشاي المخلوط بالثاليوم ) .. بعد تقديمه علبة العصير وضع أمامي علبة سجائر سومر فزعمت أنني تركت التدخين من شهور ..
ثم بدأ الحوار ... قال :
ــ أنت مدرس ناجح وحديث عهد ٍ بالأبوة .. كما أنك شاعر ومحبوب في المدينة ..
ــ شكرا لحسن ظنك  ولطفك وجميل أخلاقك ..
ــ أقسم يا أستاذ أنني لا أجاملك .. أنت فعلا مدرس ناجح ومحبوب من قبل زملائك وطلابك وأهالي السماوة .. لهذا أريد مساعدتك وإعادتك للتدريس بصفة مشرف تربوي وربما سيتم تعيينك مديرا عاما للتربية .. وإذا أحببت أن تكون مديرا للثقافة الجماهيرية فأعدك أنك ستكون ..
ـــ شكرا لمروءتك ومكارم أخلاقك .. لكن  واجب الدفاع عن الوطن أهمّ عندي من العودة للتدريس الان .. لنتحدث عن الموضوع بعد أن تنتهي الحرب ..
ــ لا ... الحزب والثورة بحاجة  لجهود المخلصين .. لانريد التضحية بك في جبهات القتال ... إن المكان اللائق بك هو التدريس أو إدارة مديرية الثقافة الجماهيرية ..
ــ سعادة الضابط .. أفصحْ : ما المطلوب ؟
ــ نريدك أن تقوم بإعادة تنظيم الحزب الشيوعي في السماوة ..
ــ لكنك تعرف أنني وقّعتُ على قرار يقضي بإعدامي في حالة ممارستي العمل السياسي .. كما أنني لم تعد لي أية علاقة بالحزب الشيوعي ..
ــ نحن سنعيدك للحزب الشيوعي ..
ــ ماذا ؟ أنتم تعيدونني للحزب الشيوعي ؟
ــ نعم ... فقط أكتب طلبا موجها للحزب الشيوعي تطلب فيه إعادتك ونحن بدورنا سنوصل طلبك بطرقنا الخاصة ..
ــ وما الغاية من ذلك ؟
ــ نريدك أن تبدأ التحرك بين صفوف الطلاب والمعلمين والمدرسين ومعرفة مَنْ لديه الاستعداد للعمل في صفوف الحزب الشيوعي .. سنضع تحت يديك أموالا طائلة ونحن سنحميك .
ــ وهل تعتقد أنني سأقوم بمهمة كهذه ؟
ــ أنا أريد مصلحتك ... فكر بالأمر جيدا .. لا تلتحق بوحدتك ونحن سنعالج أمر غيابك ريثما تتم الموافقة على إعادتك للتدريس أو انتدابك ..
ــ جدْ غيري سعادة الضابط ... أنا لا أصلح لمثل هذه المهمة فلا تتعبْ نفسك معي ... عليّ الإلتحاق بوحدتي الان ... فهل تسمح لي بالخروج سيدي الضابط ؟

خرجت وكأنّ عينيه تقولان لي : حسنا ... سنجعلك تدفع الثمن !
............
.............
..............
  أيّ نظام دموي هذا الذي يتعمّد نصب الفخاخ للإيقاع بالأبرياء ؟ فكيف لا يكون حقدي عليه شكلا من أشكال التقرّب لله ؟

   أجزم أن القيادة العليا للنظام هي التي أوعزت لجميع مديريات الأمن بانتهاج هذه الأساليب الكيدية للإيقاع بالمواطنين ... فما الغرابة  لو أقسمت أنني لن أوجه طلقة واحدة للجيش الإيراني حتى حين يكون على مشارف القصر الجمهوري ببغداد حيث يتحصّن مطيحان في ملجئه السري محاطا بسرب العواهر اللواتي حرص لطيف نصيف جاسم على جلبهن  للترويح عن قائده باعتباره الديك الوحيد بين دجاج مجلس وزرائه ، والثور الوحيد بين أبقار مجلس قيادة النكبة والقيادتين  القطرية والقومية لحزب دولة رايخشتاغ زعران العوجا ؟
                   
                                    ***


   

8

يوميات الجندي المرقم 195635 (2)


                                                                                      يحيى السماوي

يقولون إن للإنسان حاسة سادسة  .. قد يكون هذا القول صحيحا  بالنسبة للانسان المستظل أفياء إنسانيته  في ظل نظام حكم ٍ إنساني ، غير أني ـ كجندي عراقي ـ لم أعد إنسانا ..الجنود ليسوا أكثر من وقود بشري لتلك المحارق الهستيرية التي تدعى الحرب .. لقد صادروا إنسانيتي منذ ارتديت بدلة الجندية ،لأغدو مجرد قطعة شطرنج تحركها يد لاعب مجنون .. لاعب ينظر الى العالم من فوّهة مسدسه الشخصي ، يرى الوطن كما لو أنه ضيعة ٌ من ضياع أسرته ـ رغم أن أسرته لم تكن تملك أكثر من بيت طينيّ في قرية العوجا ـ وأن كل مَنْ عليها هم عبيده ، يتحتم عليهم الإنحناء له ... إنه عصر " الإقطاع السياسي " .. فهو أكثر خطورة على الإنسان من" الإقطاع الزراعي " لأنه يُخِلّ بكرامة الإنسان وليس بحجم رغيف خبزه .
  في أول محاضرة ألقاها علينا العريف " حلبوص" قال إن اسماءنا الحقيقية  المكتوبة في هوياتنا الشخصية ، باتت غير صالحة للإستعمال خلال الخدمة العسكرية .. سألته :
ـ وماذا عن الأسماء غير الحقيقية في الهويات  المزورة ؟
- امسحو بيها طيا .............؟؟
  وأردف مواصلا محاضرته :
كل واحد يحفظ رقمه زين ....ارقامكم الموجودة بدفاتر الخدمة العسكرية هي اسماؤكم ...مفهوم ؟
- مفهوم .


   أصبح اسمي الان : ج. ح. خ المرقم 195635 فأية حاسة سادسة تلك التي يتحدث عنها البعض ؟ من منكم سمع ان للحيوان حاسة سادسة ؟ لقد صادروا حواسي الخمس أساسا ، فكيف نبتت لي حاسة سادسة ؟
  نعم  أنا الان حيوان ...العريف حلبوص نفسه قال عني أنني حيوان حين أجبته عن سؤاله :
-   تعرف شنو معنى ج . ح . خ ؟
-   نعم أعرف ... الجيم يعني جندي ... الحاء يعني إحتياط ... والخاء يعني " خَرَهْ "... (قلت خره مع أني أعرف أن الخاء تعني خرّيج الجامعة )
-   إنجب حيوان ابن الحيوان ..
-   إحترم نفسك عريفي .... آني مو حيوان... انت الحيوان ... إنت تعرف آني منو ؟ تعرف من هو  والدي ؟ آني ابن حجّي عباس ... اذا انت ما تعرف الناس ، روح إسأل ابوك  ـ ولو ابوك حيوان مثلك ...آآآني ابن حجي عباس تكول علي ّ حيوان ؟ آخ لو يسمع حجي عباس ...( طبعا حلبوص لا يعرف أن الحاج عباس كان ـ قبل ثرائه النسبي مؤخرا ـ مجرد بقال يبيع البرتقال على أرصفة المدينة ، وقد سبق لشرطي الأمن علي ناصرية أن صفعه أمامي حين كنت موقوفا في معاونية شرطة الحي الجمهوري بأمر من محافظ المثنى بسبب مقال نشرته في صحيفة طريق الشعب دعوت فيه الى غلق مدينة الملاهي والقمار التي أقامتها المحافظة في مركز الشباب ، ويبدو ان حلبوص اعتقد أن والدي لا يقل مكانة عند الحكومة من مكانة خير الله طلفاح ـ خال مطيحان ووالد زوجته  .. تحوّل لون وجه حلبوص من لون نحاس صديء الى لون يشبه صفار بيضة فاسدة ... ) وواصلت صراخي  : حلبوص آني حيوان ؟ آخ لو تسمع عشيرتي .. ما لازم عشيرتي وحجي عباس ....آني مقاتل بجيش القادسية ... والله العظيم اذا أشتكي عليك عند السيد الرئيس القائد حفظه الله وطوّلْ عمره ويسمع انت قلت عن ابن حجي عباس حيوان، راح يعدمك ...إي نعم .. يعدمك ..  كل شيء يهون عند الرئيس القائد ما عدا إهانة المواطن  وخاصة المقاتل .. فكيف اذا الإهانة تتعلق بابن حجي عباس ؟ ... لكن اطمئن .. ما راح اشتكي عليك ...إنت صاحب عائلة .. أخاف على أطفالك يصيرون يتامى ..أطفالك ما لهم ذنب  ...  والله  لو ما  أنك صاحب عائلة  كان الان اذهب للسيد الرئيس واشتكي عليك .... آني حيوان ؟ آني ؟ ( ثم أضفت وأنا ألتفت الى بقية الجنود : الله يلعن الشيطان ...والله لو ما خطية ، هسّه اروح للسيد الرئيس ... ـ لطيف ابو الكبة عقب قائلا : لا أبو شيماء إمسحها بوجهي .. إحسبها عليّ وبعد ما يعيدها ... حلبوص خوش آدمي وما قاصدها ... يا الله .. هاآآآآ أها .. آني أبوس راسك نيابة عن حلبوص شتريد بعد ...المسامح كريم ..
        قلت للطيف ابو الكبة ـ وقد افتعلت الجد كاتما ضحكة مجنونة :
   راح أسامحه لخاطرك... الف عين لأجل عين تكرم ... لكن ارجوك لا تخبر أي إنسان ... دير بالك ... اذا وصل الخبر لوالدي معناها تشتعل نار البسوس وداحس والغبراء من جديد ... واذا سمعت العشيرة ستعمل قادسية ثانية .. حقه ما يعرف عشيرة القعقاع والمثنى ابن حارثة الشيباني ...الرئيس القائد نفسه ما يخطب خطاب إلا ويذكر اسم  جد والدي القعقاع ( ثم التفتُّ الى حلبوص موجها له الكلام بعصبية ولكن دون صراخ ) : الحكومة أطلقت على مدينة السماوة وأقضيتها ونواحيها إسم محافظة المثنى تكريما للمثنى ابن حارثة الشيباني جد أمي..

" حلبوص بان عليه الارتباك ... خِنَسْ ... صاموط لاموط ... في هذه اللحظة اكتشفت ان حلبوص ساذج وطيب القلب .... بل وغبي  .. . عزت الدوري لا يستطيع  يقابل السيد الرئيس إلآ بالتواسيل .... آني أكدر أقابله ؟  هاي اشلون مشت عليك يا حلبوص ؟ والله العظيم  يومين وآني ساكن مديرية التربية حتى أقابل المدير العام تاليها   باليوم الثالث سمحو لي اقابل معاون المدير ... آني  ابن حجّي  عباس البقال أكدر أقابل السيد الرئيس ؟!!! وعليش يابه ؟ على حلبوص  لأنْ  شتمني وقال عني  إنت حيوان !! لا  لا  .. آني طوّخِتها زايد .. هذي مو انسانية منك يا مظلوم ... شنو  يعني لأنْ حلبوص مسكين وفقير ؟ ليش ما اعترضت على مدير الأمن بالسماوة لمّا سجنك يومين بالمرحاض ؟ نسيت يا مظلوم ؟ نسيت من طلعت بعد يومين حتى قميصك يعط ريحه خايسه ؟ إذا بيك خير اتـناطح مع مدير الأمن  وليس مع هذا المسكين حلبوص ... حلبوص ايضا حيوان مثلك ...... أهيييييييييي يا ربي   ... صدك لو كالو : أبوي ما يكدر إلآ على أمي ... وين كانت كرامتك لمّا هفّك " محمد حمزة الزبيدي " براجدي على وجهك بمقر فرع المثنى  للحزب القائد ؟ نسيت يا مظلوم ؟ آني أذكّـرك : يوم اللي دَزْعليك للمقر لمّا كان أمين سر فرع المثنى  وطلب منك المشاركة بقصيدة لمناسبة عيد ميلاد الرئيس  ، وكان جوابك : والله استاذ  ما اعرف اكتب غير شعر غزل ماجن وخمريات ... ها  تذكرت مظلوم ؟ شنو  يا با  شنو ؟ تكول  يا زبيدي يا بطيخ ؟ آني أذكْرَك ْ زين ْ ...... تذكر لمّا   كنتم تشربون " قز القرط " بنادي المعلمين إنت و جبار عبد جاسم وعبد السادة حسين الحميدي وحمودي حذاف ويحيى جابر وفالح حسن كاندو .. وطلع الزبيدي بالتلفزيون يؤدي القسم أمام القائد كرئيس للوزراء ، صحت بصوت مسموع :إيْ والنِعِمْ ... الرجل المناسب في المكان المناسب ... عنده ضربة راجدي تشبه رفسة البَـغـل ... !!! ها مظلوم هسّه تذكرت ْ ؟ أذكرك بعد أكثر : تتذكر  لمّا  جاءك نقيب المعلمين " رحيم شاكر " وكاللك اذا ما تطلع من النادي الان أخابر عليك الأمن  ؟ ها .. تتذكرْ ؟ بس شفته راح للتلفون ، صحت على البوي " ميخا " تعال إخذْ حسابك .. دفعت حساب الجاجيك واللبلبي ونص بطل زحلاوي مع العلم بعده " صرمهر " ما شارب منه ولا حسوة  ومن يومها ما وصلت نادي المعلمين إللي كان يسمح  بدخول " الكاولية " بأمر محمد حمزة الزبيدي نفسه ذيج الأيام ؟   كافي عاد ... كافي ... كلمة حيوان بالجيش مثل الزلاطة ...ليش اللي  يقاتل بحرب همجية عدوانية مو حيوان ؟ حيوان ونص ... مو بس انته حيوان ....حتى رئيس الأركان حيوان مثلك ... إيْ نعم حيوان مثلك ، والفرق بينك وبينه نوع " العَلَفْ " ونوع " الاسصطبل " و" المعاش "... لا والله مو  بس  رئيس الاركان ، حتى رئيس الوزراء ورئيس المجلس الوطني واعضاء مجلس قيادة الثورة حواوين مثلك ومثل حلبوص ... كلهم خرنكعية  وخردوات بجيبه ... واحدهم ما يفتح فمه إلا عند طبيب الاسنان ...لا تغرّك الكشخة ...كلهم فاشوشي ... يطلعون حيفهم بالمساكين مثلك ومثل حلبوص .... متعجب كالوله حيوان ... الله يساعد سمير الشيخلي .. عضو قيادة قطرية ووزير.. دخل القصر الجمهوري نسى ينزع المسدس بباب الاستعلامات ، أكل طن جلاليق وراجديات وتفال من حرس الرئيس ... إحمدْ ربك يا مظلوم على هاي النعمة الفضيلة ...... متعجب كالوله حيوان ...  ! قندرة حلبوص تشرّف مطيحان وحكومته بما فيهم وزير الاوقاف و الشؤون الدينية  .. آني ما سامع وزير شؤون دينية  يشرب عرك ويسهر للصبح عند الكاولية .. يلعب ريسز وصرمباره  ..  إي والله العظيم صرمباره وهتلي .. إذا  تدوّرْ عليه  تلكاه العصر بشارع النهر لو  بشارع 14 رمضان  عيونه تزورك عالنسوان ... صابغ شعره أسود مثل الفحم ومطوّل زلوفه ..لابس قميص بنفسجي وجاكيت أخضر طوخ  حتى يصير حلو مثل " آلا ن ديلون "  ...  ما يدري لاعب بخلقته وصاير مثل راس الباذنجان ... كلهم شواذي  مابيهم  حلو وجميل الخلقة  بس  عبد الغني عبد الغفور اللي وجهه ينقط سخام  مثـل قفا قدر الهريسة ...استغفر الله .. لا اعتراض على خلقك ... ! العفو يا إلهي  سامحني ...  بيهم واحد  ينطلع بيه ، لكن الطبيب مانعه من الابتسام  الى يوم القيامة  ... يمكن ما مبتسم حتى يوم عرسه   ... وجهه سجن وكفاه مستشفى  ....عيّنه مطيحان قائد عام للجيش الشعبي ... حلو لكن  بيه لوله ... هوّ طه الجزراوي .. أعتقد أصله قرد وعملو له عملية تجميل ...أهييييه يا ربي  ... يا هو الحلو عزت الدوري ؟ أشو ما يصلح  لوظيفة شرطي تبليغات بالمحكمة الشرعية   .. ما أدري  شلون يحمل رتبة فريق اول ركن  .. حسبالك سلبوح ابو السِّـيان ... لابس قوات خاصة .... بنتي من شافت صورته بالتلفزيون سألتني : بابا  هو الجنّي  اشلون شكله ؟ يعني مثل هذا ؟ عووووووع  يخرّع ْ .. يلبس قوات خاصة ابو الذِِِِكن .. وجهه نصّه حَلِكْ .. كل عافيته بحلكه ... من يضحك شفايفه توصل لأذانه ... شلون حلك .. حسبالك بالوعة .. تضيع بيه تريلة مرسيدس بكامل حمولتها .. بالله هذا حلك لو ملجأ قطارات ؟  لابس قوات خاصة السيبندي  ... استغفرك يا ربي  .. لا اعتراض على الخلقة ... إلك بيها  إرادة لمّا خلقته مثل الشاذي ....آ آ  تذكرت .. بيهم واحد حلو إسمه داود القيسي .. مطرب الحزب الرسمي ... يكولون مرّه من المرات كان يغني بنادي الصيد بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب ... وكانت الصالة مليانه بعوائل المسؤولين  من ضمنهم عائلة مطيحان نفسه ... زوجة مطيحان ما كانت شايفه داود القيسي من قبل ... ولمّا طلع على المسرح حتى يغني ، أرسلت مرافقها الخاص للمشرفين على الحفل يخبرهم بأمر السيدة الاولى .... شنو هذا الأمر ؟ أن يغني داود القيسي من خلف الستارة ... يعني صوت من غير صورة ... تخاف على أطفالها يخترعون  لو تصيبهم كآبة اذا  شافوه ... حقها ... والله العظيم حقها ... آني رجّال شايف كل الضيم ولعبان النفس ولمّا شفت داود القيسي بمقهى القناديل بالصالحية ، غصّيتْ بالبيبسي وكولا وما كدرت أشربه .. الحمد لله ما شفته وآني بالمطعم اللي جنب المقهى .. المطعم اللي أكلت بيه باميا وتمّنْ قبل دخولي مقهى القناديل بربع ساعة ..
ألعن ابوكم  وأبو حزبكم يا هتلية ... يريدون مظلوم يقاتل نيابة عنهم  ... لا والله ما أقاتل ...يجي يوم وأفر من الجيش  ..... إي نعم ...لازم أفر .... شنو اللي حصلته منكم غير البسط والتعذيب والفصل ؟ قدمت طلب على شقة من شقق البلدية للايجار ، تالي يرجع لي الطلب عليه توقيع مدير البلدية : لم تحصل الموافقة ... ليش يا با ؟ لأني ما منتمي للحزب القائد ... ثاني يوم ـ بعد شلعان الروح ـ قابلت امين سر فرع الحزب .. وعريضة الشقة بيدي ... سألني : ليش ما تنتمي للحزب وترتاح ؟ جاوبته : استاذ انت بنفسك قبل اسبوعين وصفتني سرسري وسافل ومنحط ... كيف تطلب مني أنتمي لحزبكم ؟ يعني حزبكم يقبل بانتماء السرسرية والسفلة والمنحطين ؟ بعدني ما أكملت سؤالي ، هفني براجدي ، واشتغلت الطحلات والجلاليق .. ما أدري منين طلعولي ... ولوني ولية مخانيث أولاد الزنا .... آني أقاتل نيابة عنكم بالجبهة ؟ لا والله ... لازم أفرّ من الجيش ... سفلة ... ينطوني إجازة ثلاث أيام حتى أزفّ لأهلي بشرى نيلي شرف المشاركة بالقادسية ... هوّ آني أعرف أذبح دجاجة حتى يريدوني أقتل بشر ؟ والله العظيم فد يوم أمي توسّلت بيّ أذبح الدجاجة حتى تطبخها نذر للعباس أبو فاضل ـ سلام الله عليه ـ  ما استطعت ... رحتْ لمحمد القصاب حتى يذبحها ... سألني محمد القصاب : ليش ماتذبحها إنتَ ؟ كلتله : آني مصاب بعقدة نفسية .. إذا أشوف دم وجهي يصير أصفر .. حتى من ذبحها القصاب توسّلتْ بيه يخلّيها بكيس حتى ما أشوف الدم ( أستغفر الله .. الحقيقة آني خفت على دشداشتي يصير بيها دم لأن الدجاجة بقت ترفس والدم يتطاير منها ) .. بعدين آني شاعر ... الشاعر يحب الكتب والبنات الحلوات والحدايق والتجوّل بالبساتين والموسيقى والسفر وليس القتل والقنابل والأسلاك الشائكة  ودروس حلبوص .. ياليت حلبوص حلو ... أشو من يشرح الدرس عن طريقة تفكيك البندقية يظل الزبّاد يتطافر من بين شفايفه ... يشبه معاون المحافظ لمّا خطب بالملعب حسبالك يبول من حلكه .. هتلية ... يريدوني أقاتل نيابة عنهم .. لازم أفرّ من الجيش ... إيْ والله وروح رجل خالتي لازم أفرّ من الجيش .. شنو يابا يقولون عني جبان ؟ مو مشكلة ... على رأي المصري " جمال أبو المعاطي " : ليقولوا ألف مرة جبان ، ولا مرة واحدة الله يرحمو ...
إللي يقهرني أكثر : جيشنا مو مختلط ... لو كان مثل جيش سويسرا أو جيش ألمانيا نصّه نسوان حلوات  كان تحمّلتْ العسكرية .. على الأقل أشوف وجه حسن .. ابتسامة حلوة .. أسمع حديث حلو ... أشتم ريحة حلوة ... الله وكيل ريحة إباطي أحلى من ريحة  حلبوص .. أما ريحة " معيوف " رئيس عرفاء الوحدة : يايابااااااا ... يمكن أكثر من ريحة الفطيسة مع العلم هو " رفيق عادي  " بالحزب .. لو عضو " فرع أو قيادة قطرية "  شلون ؟

                                                    **

 يتبع

9
مذكرات الجندي المرقم 195635   (*)
(1)
قلت مع نفسي  ،  كم  كنت ساذجا ً حين سألني مدرس اللغة العربية الأستاذ " شمخي جبر "  ما الذي تتمنى أن تكون في المستقبل ؟ فأجبت : جنديا أدافع عن وطني .. ! حين عرف أبي بجوابي قال لي أنت ساذج وكاذب دون أن تدرك ذلك ، فالجندية لاتتطلب مواصلة الدراسة .. باب التطوّع مفتوح ، فلماذا تصرُّ على مواصلة الدراسة إذا كانت الجندية هي مطمحك وحلمك ؟ ثم أردف مواصلا حديثه : الحروب لعنة .. فهل تتمنى  أن تكون ملعونا ؟ يومها سألته : هل جرّبت الجندية يا أبي ؟ أجاب : نعم ... حاولت التملص منها فلم أستطع .. لم أكن وحيد العائلة فأعفى  ولا ثريا فأدفع البدل النقدي ..
صفعني جوابه .. جوابه يعني أن الدفاع عن الوطن محصور بالفقراء .. سألته ثانية : ولكن الفقراء لايملكون بيوتا فخمة وسيارات ونقودا كثيرة .. المفروض  أن يكون الأثرياء أكثر دفاعا عن الوطن لأنهم تنعّموا بخيراته .. أليس كذلك يا أبي ؟
 أجابني جوابا غامضا : سيأتيك القوس بلا ثمن فاهتمْ بدروسـك ..
 ولقد جاء القوس فعلا لكنه كان بأثمان باهضة وليس بدون ثمن ... أول هذه الأثمان كان التخلي عن اسمي  !
لم أكن أقصد إعلان العصيان على أبي، حين قررت اختيار اسم جديد لي، غير الاسم الذي اختاره لي يوم طردتني أمي من رحمها، لتستقبلني الأرض
المفروشة بحصيرة من سعف نخلة بيتنا الطيني ، ومن ثم لأطلق أول صرخة بكاء .. كان اسمي القديم جميلا حسب رأي معلم اللغة العربية ، لكونه ممنوعا من الصرف ، يدل ّ على عناد ٍ ـ وأنا صدقت رأيه متخذا منه ذريعة لعنادي الذي لم يكن يقل ّ عن عناد بغلٍ حَرون كتلك البغال التي كنا نستعين بها لنقل الماء من الوادي الى الربيئة في جبال كردستان .. بغال لها أرقام وهويات تماما مثلنا نحن جنود سرية الإنشاءات المستقلة السابعة ، والتي أمضيت فيها شهورا عديدة كبغل ٍ بشريّ ٍ أكمل دراسته الجامعية ـ قبل انتدابي منها للعمل مدرسا في اعدادية السماوة براتب جندي مكلف ، وهو عمل سأفقده نتيجة تقرير سريّ أعده أحد العاملين في" بورصة الحزب القائد " لينال ترقية حزبية .
 
  كنت سعيدا باسمي القديم الممنوع من الصرف .. أمّا وقد صرفتني الحكومة من الوظيفة ، وأصبح جسدي يُرفع ويُجرّ وينُصب حسب موقعه من معاونية أمن المدينة ، ومديرية استخبارات الحدود ، والإستخبارات العسكرية ، فقد  ارتأيت تغيير اسمي القديم ، بآخرَ يقبل الحركات الإعرابية من رفع وضمّ ونصب وجرّ ، ليتحقق الإنسجام بين الوعاء والمادة .. أقصد بين جسدي واسمي ..
 
  اطلقت على نفسي اسم " مظلوم " وجهّـزت لي هوية مزورة .. حدث ذلك ، حين فرض عليّ استبدال بندقية كلاشينكوف صديئة وساحة تدريب ، بالطباشير والسبورة والصف المدرسي ... وبدلا مما كنت أقوم به من تقديم دروس نموذجية لمدرسات ومدرسي اللغة العربية حول طرق تدريس الأدب والنحو ، صرت تلميذا لنائب العريف " حلبوص " وهو يعلمنا كل صباح كيفية تنظيف البندقية وتأدية التحية لضباط يستحقون الصفع على اليافوخ.
 
  أعطوني بدلة خاكية تتسع لشخصين سمينين  ، وزوجين من جوارب سوداء كعباءة أمي ، أقل ّ خشونة من جلد قنفذ صغير .. ومن حسن حظي ـ وهو سيئ في الغالب ـ أنهم أعطوا زميلي وابن مدينتي " لطيف أبو الكبة " وكان ضخما مثل دبابة قديمة ، بدلة لا تسع فخذا واحدا من فخذيه الممتلئين مثل جذع نخلة برحيّ هرمة ..كان لطيف غاية ً في الطيبة والنبل كأي قرويّ لم يحضر اجتماعا حزبيا ولم يكن يحلم بأكثر من دكان صغير يصنع منه مطعما للكبة ... ضحك كثيرا حتى دمعت عيناه حين رآني ضائعا داخل بدلتي العسكرية التي بدت وكأنها خيمة ، قبل أن أضحك بشكل أرعن وأنا أراه يفشل في إدخال فخذه البدين في بنطلون الخاكي الخشن..
 
  وكما يتبادل أطفال القرى خيولهم الخشبية في لعبة " اللص والناطور " تبادلنا بدلتينا العسكريتين ، وأقسمنا على أن نبقى عنقودين يتدليان من  غصن واحد ـ على الأقل خلال فترة وجودنا معا في معسكر التدريب .الواقع عند أطراف مدينة الديوانية .
 
 قد يعتقد أحد ما ، انّ البدلة الخاكية ، كانت حجر الأساس لعلاقتي الحميمة بلطيف أبو الكبة .. ومثل هذا الإعتقاد ليس صحيحا البتة .. فالذي ربطني بلطيف أبو الكبة ، هو المصير المشترك .. لا أقصد المصير الذي يطنب في الحديث عنه رئيس الحكومة والحزب في خطاباته التي كانت تثير قرفنا .. ولا أقصد المصير الذي تشيد به أغاني " فرقة الغالي " وافتتاحيات جريدة الثورة البغدادية التي كان أخي الصغير يأتي بها من مقهى الحارة لتمسح بها أمي زجاج نافذة حجرتها ... المصير الذي أعنيه ، هو، مصير " القصعة الواحدة " و " الصمونة الواحدة " و" التزوير المشترك لأوراق الإجازات الشهرية " ، لأن لطيف أبو الكبة لم يكن رصيفي في الفصيل العسكري فحسب ، إنما ولأن لنا هموما مشتركة باعتبارنا حطبا ً لموقد واحد.. 
  وكما تتلازم الضفتان حول نهر واحد ، لازمني لطيف ، ولازمته طيلة خمسة وأربعين يوما ، هي مدة الدورة التدريبية في مدرسة مشاة الفرقة الاولى ، على مشارف مدينة الديوانية ...   
  وكما أنه أتخمني بالكبة والخبز الحار ، فإنني أتخمته بالإجازات المزورة ـ بل وأبديت له كرما كبيرا عندما علمته كيفية صنع ختم ٍ مشابه لختم وحدتنا العسكرية بواسطة رأس " بطاطا " مناسب بعد تقشيره وقطعه دائريا بآلة "آيس كريم " لم تكن تفارق حقيبتي .. أكثر من ذلك ، أرشدته الى الفتحة المموهة التي أحدثتها أنا و" كاظم ناصر " في جدار الأسلاك الشائكة القريب من بساتين النخل .   
  قلت إن لطيف كان ضخما مثل دبابة أو عربة " الزيل الروسية " .. وكنت نحيفا مثل عربة باعة الشلغم والبيض المسلوق  ..  هو أسمر مثل رأس باذنجان منتـفخ لم ينضج بعـد ، وأنا أبيض مثل رأس " كوسة " قد نضج توّا ...   
  وبقدر ما كان يضحكني بنكاته وحركات يديه و" عفاطه " ـ كإشارة منه الى موعد التعداد الصباحي ـ  فقد كان يزعجني ليلا  إزعاجا مبالغا به ، ودون قصد منه ... فقد كنا نفترش بطانية واحدة ، ونلتحف باثنتين ، أما الرابعة ، فقد اتخذناها وسادة مشتركة ...  وسبب انزعاجي منه ، هو أنه سرعان ما يستسلم للنوم ، بمجرد ملامسة رأسه تلك الوسادة الخشنة التي تنبعث منها رائحة تشبه رائحة التراب المخلوط بروث البقر ... أما أنا فقد كنت أشكو من أرق مزمن ، لازمني منذ أول قافلة صفعات و" جلاليق " أناخها ملاكمو أمن البلدة في واحات جسدي عام 1971 وها نحن الان في عام 1980 .. وأكثر ما يزعجني بلطيف ، أنّ أنفه يصدر ـ حين يغفو ـ أصواتا ً غليظة تشبه أصوات " بلدوزر"يحفر أرضا حجرية ... وبسبب شخيره ، كنت أضطر للنوم خلال الإستراحة اثناء التدريب الصباحي .. وهي فترات ـ على رغم قصرها ـ كانت كافية لاصطياد عصفور نعاس ، أحتفظ به تحت أجفاني مدة قد تصل الساعة أو الساعتين ، فأتخلف عن بقية الجنود المتدربين ، لأفاجأ بعد الظهيرة ،  بالعريف " حلبوص " و قد أضاف اسمي إلى قائمة الغائبين ، فأنال عقوبتي ، ساعتين من الحراسة الليلية ... ويبدو انني استعذبت مثل هذه العقوبة  ، فواصلت التخلف عن حضور فترات التدريب المسائي ، لأتمتع بأربع ساعات من الحراسة الليلية ، بعيدا عن شخير لطيف ، مستثمرا هدوء الليل لكتابة مقاطع شعرية ، أو الجلوس الى نافذة التأمل متابعا نوارس أمنياتي وهي تحلق في آفاق بعيدة ...
 
  في الحقيقة ، انني كنت أغفو أحيانا خلال فترات الحراسة تلك ... كنت أغفو واقفا مثل نخلة ، أو جالسا مثل دبٍّ جبليّ... لكنني كنت سريع الإستيقاظ .. حتى أنني في أحدى المرات ، صحوت على صوت خفيض ، ظننته صوت حركة أقدام ضابط الخفارة الليلية ، فشهرت بندقيتي " وكانت فارغة طبعا " وصحت بقوة : قف ْ مكانك لا تتحرك و أعطني " سرّ الليل " ... ثم سرعان ما ضحكت عندما اكتشفت أن الصوت كان وليد حركة حمار سائب ، وليس السيد ضابط الخفر ... " في الجبهة ، فيما بعد ، سأكتشف أن الكثير من الجنود كانوا يتمنون  أن يتحولوا الى حمير سائبة لأيام قليلة كي يتحملوا عذاب حروب يخوضونها مرغمين وهم ينتظرون موتهم المؤجل أو يترقبون الإجازة الشهرية التي لن يلتحقوا بعدها بوحداتهم وخنادقهم ومتاريسهم  ـ وأنا أحدهم  ... فقد تمنيت يوما أن تكون لي سيقان غزال بريّ كي استطيع اللحاق بالسيد آمر السرية الثالثة الذي هرب بعجلة " الواز "  ... حدث ذلك في شهر تموز من عام 1983 في معركة " الشلامجة " .. ففي ليل شديد الحرارة والرطوبة ، انهالت علينا القنابل الايرانية .. وكالعادة ، هرع كل منا الى جحره ـ عفوا أقصد ملجئه ـ والذي لم يكن غير حفرة صغيرة تشبه قبرا مفتوحا مهيّأ لاستقبال ضيفه الأبدي .. حفرة مسقوفة بالصفيح المغطى بأكياس الرمل او التراب ، وليس كملاجئ السادة آمر اللواء ومساعديه وآمري الكتائب ، المسقوفة بالخرسانة المسلحة والعوارض الخشبية الضخمة ، المضاءة والمكيفة أحيانا .. " بعد طول مراس وتجربة ، سنكتشف أن القصف لم يكن في أغلب الأحيان هجوما  أو تمهيدا ً لهجوم ، إنما كان مجرد فعالية عسكرية يؤديها الطرفان كل ليل ، لإثبات أن الحرب ما تزال قائمة !!؟؟ لهذا كنت في بعض الأحيان لا أهرع الى الملجأ ـ لا شجاعة مني ، إنما ، ليقيني أن ملجئي كجندي ،  لا يستطيع حمايتي لو سقطت عليه" بلوكة كونكريتية بحجم رأس رئيس العرفاء " سيد فاضل " الذي شتمني ببذاءة لا تخلو من طيبة وود ... ففي إحدى فعاليات القصف الروتينية تلك ، هرع الجميع الى جحورهم ، اما أنا ، فبقيت واقفا كي أكمل سيجارتي التي أشعلتها توا ـ وكانت سيكارة نوع سومر ابو سن الطويل ـ عزّ عليّ رميها  ... فاذا برئيس العرفاء الطيب سيد فاضل يصيح بي وبغضب : " يا حمار .. يا مطي .. شنو إنته أطرش ؟ ما تسمع القصف ؟ ادخل الملجأ من ضاع وجهك  زمال " .. فأجبته : مولانا لا تخاف ... هذا مو قصف  قنابل سيدنه ... هذا ضراط  القائد المنصور ..  " طبعا قلت هذه الجمل بصوت خفيض جدا لدرجة انني نفسي لم أسمع صوتي!!
 
  ليلة القصف تلك كانت من أطول الليالي التي عشتها ... لكنها ليست أطول من الليلة التي أمضيتها في سجن انضباط معسكر " قوات محمد القاسم " ...
                                              **
 كنا قد أنهينا فترة " التسمين " في مدرسة التدريب .. الفترة التي تقضيها الخِراف في الزرائب والمراعي قبل إرسالها إلى المسالخ .. عفوا ، أقصد ، بعد إكمالنا المنهج القرر ، في كيفية تنظيف البندقية والزحف على البطن ، والقفز كالقردة من فوق الموانع والحواجز الخشبية ، وكيفية صبغ البصطال ليغدو لامعا لمعان " أنواط الشجاعة " وطريقة تأدية التحية العسكرية للضباط ـ الضباط الذين كان أغلبهم يستحق الصفع على اليافوخ ـ وبعد أن حفظنا عن ظهر قلب مصطلحات مثل : الى الأمام سِرْ .. الى الوراء دُر ْ.. يمينا أنظر .. سلام خذ ْ ، وغيرها من جمل ومصطلحات لن تخرج من شفاهنا في المسالخ ، عفوا ، في جبهات القتال العبثي ومطاحن " قادسية مطيحان " .. بعد اكمالنا تلك الفترة ، اعطونا إجازة لمدة ثلاثة أيام ، نزور خلالها عوائلنا وأهالينا ، ونزف لهم البشرى بأننا سننال شرف المشاركة في قادسية مطيحان .. حتى إذا أنهينا الايام الثلاثة ، وجدنا أنفسنا ـ وقد امتلأت بنا ساحة العرضات ـ  موزعين الى مجموعات ، تحيط بنا أسيجة من جنود الإنضباط العسكري ، ومن ُثم ، لنحشر في سيارات النقل المعدة مسبقا ، دون أن يعرف أيٌّ منا الجهة المُقاد اليها ... فليس من حق الخراف اختيار المسلخ ، ولا حتى معرفة مكانه ... كل الذي عرفته ، أن رفيقي ورصيفي لطيف أبو الكبة ، لن يُبعث به الى الجبهات ، والفضل في ذلك لا يعود الى دعاء أمه ، إنما لجبل اللحوم والشحوم التي يتكون منها جسده .. تعانقنا بود ّ ، ودسست في جيبه دستة كاملة من إجازات مزورة جاهزة للإستعمال ، وأخبرته عن المكان الذي أخفيت فيه قاطعة الأسلاك الشائكة ، فقد  يحتاجها في حال اكتشاف الفتحة المموهة التي كنت ولطيف ونفر منتخب من الجنود " غير الأشاوس " نتسلل منها كلما دعتنا الحاجة ..وغالبا ما كانت تدعونا كل مساء ، لنتسرب عبرها الى نادي الموظفين ومطاعم الكباب والباجة ، أو السفر الى السماوة لنعود الى المعسكر فجرا ورائحة " الزحلاوي والمستكي " تفوح من أحشائنا على رغم ما نقضمه من الهيل والنعناع و البصل و الفجل .
    مظلوم لم يكن يقضم الهيل والنعناع والبصل والفجل ـ لأنه لم يكن يحب الزحلاوي والمستكي ، ولا حتى " ابو الكلبجة " الشهير ... فمذ منحته زوجه طفلة رائعة ، صار يذهب الى مسجد السوق الكبير ـ بعدما كان عطشه يقوده الى نادي المعلمين كل مساء .
   يقول مظلوم إنه لن ينسى ـ ما بقي حيّا  ـ  ذلك اليوم الذي أمضاه في سجن انضباط معسكر القاسم في منطقة الشعيبة الصحراوية في البصرة ..
 
  ولأنه خلال فترة التدريب ، ومن ثم في الجبهة ، كان يقفز كالنسناس ، مرة عبر الأسلاك الشائكة ، وأخرى من فوق الحواجز والموانع الخشبية ، ومرة من سيارات الزيل والإيفا وعربات الدرجة الثالثة من القطارات ، ومرات عديدة من سطح داره الى البستان عبر سطح الجيران كلما دهم بيته " زوار نصف الليل " .. فإنه ، حتى وهو  يسرد مذكراته ، يمارس القفزوالإنتقال من موضع الى آخر دون ترتيب ، الأمر الذي يجعل حكاياه غير مترابطة أحيانا ، بل وغير منسقة ، فتبدو مثل قطيع ماعز ينحدر في واد ٍ عريض ٍ دون راع ٍ ... لا أدري لماذا يتذكر باستمرار تلك الليلة ، مع أنه عاش الكثير من الأيام والليالي التي كان فيها على بعد خطوات قليلة  من حبل المشنقة أو التابوت  ...منها مثلا ، ذلك الصباح الكئيب من يوم السابع والعشرين من شهر اذار عام الف وتسعمئة وواحد وتسعين ، عندما  حال عامود الكهرباء دون وصول رصاصة القناص الى رأسه  خلال قمع الإنتفاضة الشعبية .. والظهيرة التي اقتحم فيها " الأشاوس " بيته ، ليقفز كالقط من الطابق الثاني من بيته نحو البستان ، فيسلم ساقيه للريح مثل أرنب مذعور ، حتى إذا وصل قرية " سيد جبار " سيكتشف أن كسورا عدة في عظام  يده اليسرى .. فيواصل رحلته نحو المجهول بيد نصف مشلولة ، لا يحمل غير مسدس وقنبلة يدوية ـ وهوية مزورة ، وجبل هائل من الرعب  ، وقلق وحشيّ على مصير زوجته وطفليه الوديعين ...
                                  ***

(*) كنت قد نشرت قسما من هذه المذكرات ثم توقفت بسبب عدم حصولي على موافقة الأشخاص التي ترد أسماؤهم بنشرها .

10
ما وراء التفجيرات الإرهابية الأخيرة

                                                    
يحيى السماوي
 
     التوقيت الزماني والمكاني للتفجيرات الإرهابية يشير بما لا يقبل اللبس إلى أنّ القائمين بها يستهدفون تحقيق مكاسب سياسية على حساب دماء الشعب العراقي الذي شهد في السنتين الأخيرتين نوعا من الإستقرار والأمن  أكثر بكثير مما كان في السنوات التي سبقت حكومة السيد نوري المالكي ـ وهو استقرار ماكان سيتحقق لولا حزم رئيس الحكومة وشجاعته في تصديه للحلف غير المقدس بين إرهابيي القاعدة وفاشيي النظام المقبور ومريديهما ممن يعرضون خدماتهم للإيجار في سوق النخاسة الإرهابي والطائفي ..

  واللافت للإنتباه ، أنّ بعض القوى السياسية والطائفية  العراقية ـ بقصد مسبق أو بدونه ـ استغلت هذه التفجيرات  الإرهابية فأصدرت بيانات تُدين فيه التفجيرات وفي ذات الوقت تُدين الحكومة فبدت مواساتهم كما لو أنها وجه ٌ من وجوه التشفّي بحكومة السيد المالكي ـ الأمر الذي يقود إلى اليقين بأنّ هذه القوى تريد تحقيق مكاسب حزبية وفئوية من خلال دغدغتها مشاعر المواطن العراقي لكسب صوته في الانتخابات القادمة ... ومما يدعم يقيني هذا ، هو أنّ هذه القوى قد استبقت التفجيرات الإرهابية الأخيرة بحملة إعلانات عبر الشبكة العنكبوتية تنتقص من منجزات حكومة السيد المالكي ولا تتوانى عن الإفتراء عليها لتشويه الحقائق والأحداث ، تزامنا ً مع تصريحات أقلّ مايُقال عنها إنها تتصيّد في الماء العكر على رغم أن المصرّحين بها يعرفون تماما أنّ الحكومة الحالية هي الأكثر تحقيقا للأمن والإستقرار من سابقاتها وأنهم هم الذين سمحوا ـ خلال تسنمهم مسؤولية قيادة الحكومة في وقت سابق ـ بفتح الثغرات التي تسلل منها الكثير من رجالات النظام المقبور إلى مواقع حساسة ومهمة في النظام الجديد تحت ذريعة المصالحة الوطنية حينا ، وذريعة الكفاءة المهنية  حينا آخر ، والمحاصصة الطائفية أحيانا أخرى ..

  قبل فترة وجيزة نشرت بعض المنابر الإعلامية تقارير عن الإجتماع الذي شهده بيت حارث الضاري في العاصمة الأردنية عمان بحضور ممثلين عن ستة أطراف مما يُسمى بـ " المجلس السياسي للمقاومة "  حيث تداول المجتمعون السبل الكفيلة بإسقاط حكومة السيد المالكي ( وثمة خبر يشير إلى أنّ الحكومة القطرية قدمت للمجتمعين مبلغ عشرين مليون دولار أمريكي كدفعة أولى لا لتوزيعها على ضحايا التفجيرات الارهابية ، إنما لغايات أخرى  يعرفها المجتمعون و" الراسخون في علم الدهاليز السرية " .. ويوم 20/11  الماضي نشر موقع " الجمعية الدولية للمترجمين العرب " مقالا بعنوان " ثلاثة ملايين بعثي يتهيأون لهزيمة المالكي في الانتخابات القادمة " وجاء نشر المقال متزامنا مع  إقدام نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي على نقض قانون الانتخابات لعرقلة  العملية الانتخابية تحت أعذار شتى قبل تجاوز هذه المشكلة التي كان يمكن أن تؤدي إلى فراغ دستوري ..

   إنّ الناخب العراقي مطالب في هذه المرحلة الدقيقة أكثر من أيّ وقتٍ مضى بالإنتباه لِما يُحيكه الحلف غير المقدس بين بقايا النظام المقبور والإرهابيين وبعض أصحاب الحوانيت السياسية ، فلا يعطي صوته في الإنتخابات القادمة ، إلآ للفريق الذي حقق له أكثر من سواه  ، الأمن والإستقرار ، وقدّم ـ ومايزال ـ الدليل على كونه أكثر الفرقاء تصديا لمحاولة مريدي النظام المقبور بالعودة إلى السلطة عبر البوابة الأولى " البرلمان " ... لقد لُدِغ الشعب العراقي من جحر الفاشية مرتين عامَيْ 1963 و 1968 وخرج مثقلا بالجراح ، وعليه ألآ يُلدَغ مرة ثالثة مادام أن الجسد العراقي لم يعد يتسع لجرح جديد ... فاللدغة الثالثة ستكون مميتة  .. لذا يتحتّم عليه
إغلاق باب البرلمان بوجه حفّاري المقابر الجماعية ومريديهم الذين أقاموا معهم حلفا غير مقدّس ... ( ومن يدري ؟ فربما يكون فرقاء هذا الحلف غير المقدس  قد توهّموا أنّ بمقدور هذه التفجيرات الإرهابية البشعة حمل  حكومة السيد نوري المالكي  على تأجيل إعدام المجرم علي كيمياوي الذي استلمته مؤخرا من  القوات الأمـريكية وأودعـته سجنا من سجونها تمهـيدا لإعدامه في غد قريب  ، ظنا ً منهم أن الشعب العراقي سيسمح لممثليهم بدخول قبة البرلمان ؟) .

11
يا قادة مصر : قليلا من الحياء !!

                                             يحيى السماوي

  " مصر أم العرب " ... " مصر للعـرب جميعا "" ... " مصر بيت العروبة " ... مثل هذه المسميات ، كثيرا مانسمعها في الخطاب الإعلامي المصري ... غير أن الحقيقة ليست كذلك ، مادام أن خسارة الفريق المصري في مباراة لكرة القدم قد أفقدت القيادة السياسية في مصر صوابها وجعلتها تكشف عن حقيقة أن مصرالرسمية هي ليست مصر الشعبية ... مصر الرسمية  ليست " أم العرب " و ليست " بيت العروبة " ...
 والسؤال الذي يطرح نفسه : هل كانت القيادة السياسية المصرية ستعلن حربها الإعلامية هذه لو أن فريقها خسر مباراة مع الكيان الصهيوني وليس مع فريق عربي شقيق هو الفريق الجزائري ؟ وهل ستؤلب بعض المنابر الإعلامية الرأي العام بالشكل الذي ألبت فيه ضد جزائر المليون شهيد ؟ جزائر بن بيلا وبوحيرد وبومدين وفرحات عباس صاحب الجملة الشهيرة : " أفضل أن نصبح عشرة ملايين من الجثث على أن نكون عشرة ملايين فرنسي " ؟

   من المخجل أن يصل الأمر حدّ تدخل القائد الليبي معمر القذافي بين الدولتين الشقيقتين لاحتواء الأزمة التي افتعلت القيادة المصرية  أسبابها ـ  ومن المخجل أن يصرّح " ولي العهد المصري جمال مبارك " بأنه لن يترك المسألة تمرّ بسهولة ـ وهو الذي ترك مسائل مُذِلة ومهينة لمصر من قبل قادة إسرائيليين تطاولوا على مصر والأمة العربية من على منبر قصر القبة ومنبر وزارة الخارجية في القاهرة دون أن يحرك ساكنا ولو بتصريح خجول يُدين فيه الغطرسة الإسرائيلية !!
  وكالة الأنباء الليبية أفادت بأن (  الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى اتصل بالقذافي وطلب منه التدخل بوصفه رئيسا للاتحاد الأفريقي، واستنادا "للمكانة الرفيعة المتميزة التي يحظى بها الأخ القائد لدى أطراف كل شأن عربي )
وأضافت الوكالة أن القذافي سيعمل على رأب الصدع الذي تعرضت له العلاقة بين البلدين الشقيقين مصر والجزائر الناجمة عن تداعيات مباراتي كرة القدم بين منتخبي البلدين ).
  جامعة الدول العربية انشغلت هي الأخرى بالأزمة المفتعلة فالتقى عمرو موسى سفير الجزائر بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة، عبد القادر الحجار في إطار تحرك الجامعة العربية لاحتواء الأزمة ..
  مجلس الشورى (الغرفة العليا في البرلمان المصري) طالب الحكومة الجزائرية  بتقديم الاعتذار عن الاعتداءات التي تعرض لها مصريون عقب المباراتين ـ بينما لم يطالب حكومته بتقديم اعتذار مماثل عن الاعتداءات التي تعرض لها اللاعبون الجزائريون في القاهرة !! وكأنّ به يرى أن اللاعبين المصريين فراعنة والجزائريين  مجرد عبيد ..!!
  وزير الإعلام المصري أنس الفقي، قال في بيان أمام مجلس الشعب (الغرفة السفلى بالبرلمان)، إن ما حدث عقب مباراة المنتخبين بالخرطوم هو "عمل إرهابي منظم" ضد مصر والمصريين ...  ويبدو أنه يعتبر اعتداء بعض المنفلتين أخلاقيا على اللاعبين الجزائريين في القاهرة " مزاحا ً  أخويا  " !!
  وعلى الصعيد الفني قررت المجموعة الفنية المتحدة للإنتاج والتوزيع بمصر ودور العرض السينمائي مقاطعتها لأي فعاليات فنية أو ثقافية جزائريةو إلغاء عقود توزيع الأفلام المصرية هناك إضافة إلى إيقاف مشروعات لإنشاء ثلاثة مجمعات دور عرض سينمائي بمدن جزائرية وسحب فيلم مصري جديد من مخرج جزائري تم التعاقد معه بالفعل وإسناده إلى مخرج مصري ..!!!
  وبعد ؟ هل ثمة مايثير العجب إذا  نظرت الأمم إلى الأمة العربية نظرة ازدراء مادام أن مباراة في لعبة كرة القدم بين عضوين من أعضائها تثير كل هذا الغبار في القاهرة ؟



 

12


"مسبحة من خرز الكلمات" ليحيى السماوي

شاعر متبتل في محراب الحب والوطن

                                                                              هشام بن الشاوي

سيفاجأ قارئ ديوان "مسبحة من خرز الكلمات" للشاعر العراقي المغترب في أستراليا يحيى السماوي بنصوصه منفصلة متصلة، وبعدد حبّات المسبحة، كأن السماوي شاعر متعبد في محراب الحب والوطن.. اختار أن يصنف "خرز كلماته" على أنها "نصوص نثرية"، بدل (قصيدة النثر).. فهل ينفي عنها الشعرية؟
 الديوان لا يقل شعرية عن دواوينه السابقة، وإن تعمد تصنيفه على أنها نصوص نثرية، مراعيًا التصنيفات النقدية، مستفيدا من تجربة كتابة أكثر من خمسة عشر إصدارًا شعريًا، وهذا ما تشي به نصوصه البين- بين، وهو يطارد ذئب الشعر في صحراء النثر، متجاوزًا مساحيق البلاغة البالية، وغموض أدعياء الحداثة...
نصوص ذات صور شعرية فاتنة، تمتح جمالياتها من درامية  المتقابلات والأضداد.. التقاطاتها لماحة، إشراقاتها مكثفة، ولأن"القلب الذي لا يعرف الحب لن يعرف العبادة" يخاطب الحبيبة، و بحميمية شعراء المنفى ولوعتهم:

( احترسي مني..
فأنا أخطر مجرم
في تاريخ العشق..
ميزتي عن مجرمي العصور :
أن كل ضحايايَ
هم :أنا وحدي..
أنا الراعي والقطيع
والذئب معا ! ).

 وبقلب ينزف حبا وشعرا يصدح:

( حين عذبني وطني
قتلته
ودفنته في قلبي .. !
أين سادفن قلبي
حين تجف سواقي النبض؟ )


ولأن الحنين القاتل سكن قلبه، يتوق للعودة إلى سماوته.. إلى العراق، ولو على بساط ريح أو قصيد، فليس بعيدًا اليوم الذي سينتقم فيه الجرح من السّكين، والأغلال من صانعيها، ولن يكون بعيدًا اليوم الذي يتآلف فيه الخبز مع الجوع والعشب مع الصحراء، والحدائق مع العشاق. وبقي القلب أخضر، رغم الوجع العراقي.. العشق مرادف لفردوس الجنون وحقول الخضرة، والحبيبة تتماهى عند يحيى السماوي مع الوطن، فيصير القلب موزعًا بينهما، بين عبيرهما وروحه، بين نارهما وحطب الذات الشاعرة :

( كلٌّ يذهب في حال سبيله :
النهر إلى البحر ..
السنابل نحو التنور ..
العصفور نحو العش ..
 الوطن نحو الصيارفة ..
وقلبي نحوك ).


ويؤكد الشاعر أن غربته لم تكن هروبًا أو بحثًا عن وطن مستعار أو هوية جديدة، وإنما لكي لا يكون قاتلا أو مقتولا.. لأنه :
( لا يجيد مهنة القتل
 في وطن ٍ
 بات مسلخا )


وطن لا يملك منه سوى الاسم في جواز سفر مزوّر.. وعليه أن يبقى حيًّا، فقد يحتاج هذا العالم  الأعمى إلى شاهد أخرس للادلاء بصمته!.
ورغم معاناة الغربة، لا تجعله حرقة التجربة يغرق في الغنائية والبوح الذاتي، بل يتوق إلى كنس الوطن من "وحل الاحتلال"، وسماسرة الوطن، و ألا تجرح نخلة، ويذوب في حلول شعري مع معاناة ثكالى العراق وأيتامه، بل مع المنسيين أيضا.. ممّن تآمر عليهم زيف التاريخ وقهر الجغرافيا:

( أعرفُ أن العبيدَ
هم الذين شيدوا/الأهرامَ ...
سورَ الصين...
وجنائنَ بابل...
ولكن:
أين ذهب عرق جباههم؟
وصراخهم تحت لسع السياط
أين استقر؟ )


 وحتى لو لم يكن دموي النزعة يبارك الإرهاب.. مادام  سيستأصل من بساتين الوطن المحتل، وتجار الشعارات، سارقي قوت الجماهير والدراويش المفخخين بالحقد، وساسة يعرضون بيتهم للبيع خلف الباب.
إنه العراق.. وطن، رغم خيراته، صار وطن الشحاذين، والباحثين في القمامة.. وطن منهوب، استبدل أطفاله الحقائب المدرسية بصناديق مسح الأحذية!! .. وطن عقد عليه قران روحه، مستعذبا -من أجله- أقسى  العذابات، مع أنه لا يملك منه غير التراب العالق بحذائه:

( أيها الحزن لا تحزن...
 أدرك أنك ستشعر باليتم بعدي..
 لن أتخلى عنك !
 أنت وحدك من أخلصَ لي
فكنت ملاصقي كثيابي
حين تخلى عني الفرح
 في وطن ٍ
يأخذ شكل التابوت )


                 ***

13
أدب / ربـاعـيـات
« في: 13:14 25/08/2009  »
ربـاعـيـات

                  يحيى السماوي





طـالَ الـوقـوفُ .. متى سـتـنـطـلِـقُ ؟
أتعِـبـتَ ؟ أمْ قـد ضـاقـت ِ الـطُّـرُق ُ ؟

أوَلـسْـتَ مَـنْ شَــدَّ الــشِــراع َ إلى
أضـلاعِـه ِ .. والـمَـرفـــأُ الأفـُــق ُ ؟

ومَـضَـيْـتَ مـفـتـونـا ً بشمس ِ غـد ٍ
تــصْـبـو إلـى مِــرآتِـهـــا الـحَـدَقُ ؟

لا تـخـش َ أمـواجــا ً وعـاصِــفـة ً
أبْـحِـرْ ... فأنتَ دَواؤك َ الـغـرَقُ !

          ***

لمْ يـكـنْ يَـضْـمـرُ ليْ شَـرّا ً خـفـيّـا
عــنـدمـا أعـلـن َهَـجْـــرا ً أبــدِيّـــا

كـــان َ يــدري أنــنـي مـنْ دونِـــه ِ
لا أرى فـي العيش ِ ما يُغري فـتِيّـا

لا تـلُــمْــنـيْ إن ْ تـعـلَّـقْــتُ بـــه ِ..
يـا عَـذولـيْ .. فـلـقـد كـان وفِــيّـــا

شــاءَ قـتـلـي لا جـحــودا ً.. إنَّـمـا
لِيُـؤاسـى بيْ .. وكيْ يبكي عَـلـيّـا

          **

في يـدي ورد ٌ وفي روحيَ جـرحُ !
فالـنـقـيضان ِ أنـا : لـيـل ٌ وصُـبْـحُ !

والصّـديـقـان ِ أنـا : شـمـسٌ وظِـلٌّ
والـعَــدوّان ِ أنــا : ثـأرٌ وصَــفــحُ !

لا أنا الصّـاحي فـأغـفـو عـنْ قذىً
أو أنــا الـنـائِـمُ جـذلان َ فـأصْـحـو !

لم تـزلْ صـفـحَـة ُ عـمري زبَـدا ً :
تكتبُ الأحلامُ .. واليقظة ُ تـمـحـو !

          ***

سـألوك ِ عن عمري وعن عَـمَـلي ؟
حَـسَــنـا ً .. أجـيـبـيـهم بـلا خـجَـل ِ:

عـمـري مـن الأعـوام ِ فــاتِـنـتـي
عَـددُ ارتِـشــافي مـنـك ِ من قُـبَـل ِ !

وصَـنـاعَــتـي : صَـيّـادُ قـافــيــة ٍ
نـصَـبَ الـفـؤادَ بـواحـة ِ الـغـزل ِ !

سَـجَّـلـتُ تـاريـخي عـلى شـفـتي
وحَمَـلـتُ بُـسـتانـيـن ِ في مُـقـلـي

          ***

غـاضِـبٌ مني ؟ وهل يَـغـضَـبُ وردُ ؟
صُـدَّ إنْ شِـئـت َ.. فبعـضُ الصَـدِّ  ودُّ !

أنــا أغـضَــبْـتُـكَ عَــمْــدا ً كــي أرى
كـيـفَ يـغـدو أحْـمَـرَ الأزهـار ِ خَـــدُّ

وأنــا أبْــكـيْــتُ عــيــنـيـــك َ لــكــي
أمـسَـحَ الخـدّيـن ِ حـيـن الـدمعُ يـعـدو

لــيــس بـحـرا ً حـيـن لا يَــقــرَبُـــه ُ
غَـضَـبُ الـمـوج ِ ولا جَـزرٌ ومَــدُّ !

              ***

مَـدَّتْ يـدا َ مـنـهـا تـجـسُّ جَـبـيـنـي
حين ارتخـتْ فوق العيون ِ جفـوني

كانَ السـهادُ ـ وليس بيْ من عِـلَّـة ٍـ
أضـنى ـ وقد وضُحَ النهارُـ عـيوني

قالتْ:ولا حُمّى! فقلتُ لها:اصبري
الان قـد بــدأ اشــتِـعـالُ حــنـيـنـي

أوقـدْتِـنـي بيد ٍ مُـعَـطَّـرة ٍ .. فـمـنْ
غيرُ الذي ضَرمَ الـلـظى يُطفـيـني ؟

          ***

14
أدب / ياملح الهوى .. ياصبر
« في: 12:48 19/08/2009  »
ياملح الهوى .. ياصبر


                                      يحيى السماوي


تـوهَّـمَـني صَـبـورا ً ... فـاسْـتَـزادا
صـدودا ً كــادَ يَـسـلِـبُـنـي الـرَّشـادا

ولو عَـلِـمَ الـحبيـبُ حـدودَ عِـشـقـي
لـمــا ألـفـى لـمُـقــلــتِــه ِ رُقـــــــادا

غـرَسْـتُ أضـالـعـي لـخـطـاهُ ظِـلا ً
فـجـازانـي بـهـدر ِ دمــي حَـصـادا

يُـعـانِـدنـي فــلا يــرضـى وصـالا ً
وزِدْتُ عـلـيـه ِ فـي شغـفـي عِـنادا

تـصَـنَّـعْـتُ التـجـلُّــدَ  وهو  زيـفٌ
لِأخـفــي دمـعَ ذُلِّـي .... لا جِــلادا (1)

تَـمَكَّـنَ من فـؤادي .. فهـو عـندي
إذا شُــــلَّ الــفـــؤادُ غـــدا فـــؤادا

ولـولا أنَّ لـيْ في حـبِّ " لـيـلى "
عَـذولا ً ســاءَ ظـنّـا ً واعْـتِـقــادا

لكنتُ كـ(صَبِّ عَـذرةَ) في هُيامي
أرى مَـوتي ـ وقد بَعُـدَتْ ـ مُــرادا

ولكني كـظـمْـتُ الـغـيـظ َ كـيـمـا
أغــيـظ ُ بـه ِ عـدوَّا ً قـد تَـمــادى

وخـوفـا ً من شَـمـاتة ِ مُسْـتـريب ٍ
وقــولـة ِ جــاحِـــد ٍ إنْ قــالَ زادا

فـيـا لـلــه ِ مـن قـلـبــي وخِـلّـــي
كــأنَّـهـــمـــا عـــذابـــاتــي أرادا

ويـا لـلـه ِ مـنْ جُــرح ٍ عَــصِـيّ ٍ
أبـى إلآ ثـرى "لـيـلى "ضـمــادا

ويـا لـلـه ِ مــن صَـبْـر ٍ تـسـلّــى
بـكـهـل ٍإنْ مشى طـلـبَ السِـنـادا

ويـا لـلـهِ  مِـمَّـا بـات يُـخـشـــى
إذ ِ الأيــامُ قـارَبَـت ِ الــنــفـــادا !

يُـماطِـلُ غُـرْبَـتيه ِ بأرض ِ لـغـو ٍ
ويستجدي من الأصوات ِ "ضادا"

يُقـاتِـلـني هوايَ فـلـيس يـرضى
جـنوحا ً لـلـسـلام ِ .. ولا حِـيـادا

أنـا الـراعـي .. خِـرافي ذكرياتٌ
وبُـسـتـانــي شــبــابٌ لــن يُـعـادا

وبـيـتٌ كان من طـيـن ٍ وسـعْـف ٍ
رضـعـتُ بـهِ مع الـلـبـن ِ الـودادا

وكـنـتُ أقـودُ قِـطـعـانـي وئــيــدا ً
فـصـرنَ الـيـوم َ يـأبَـيْـن انـقـيـادا

يجـيءُ كما الـغـمامة ُ وجه ُ أمـي
يَــزخُّ سَـخـيـنَ أدمُـعِـه ِ عِـهــادا (2)

يُـوسِّـدُني طيوفَ الأهـل ِ قـلـبي
فـتـحْـرمُـني مـدامِـعُـهـا الوسـادا

فـيا مِلحَ الهوى ـ ياصبرُـ عندي
جـموعٌ مـن هـمـوم ٍ لا فــرادى

ويا ملحَ الهوى ـ ياصبرُـ عِـدني
بـيـوم ٍ لا أرى فــيــه ِ الصِّـفـادا

ويا ملحَ الهوى هـل مـن عـراق ٍ
جــديـــد ٍ لا يُـعـادي أو يُـعـادى ؟

تـعِـبْـنـا يا عـراقُ .. وأتْـعَـبَـتْـنـا
أن ِ الـشُّـرُفـات ِأدْمَـنَـت ِ الحِـدادا

أرى"عشرا ً" مضينَ ولا صباحٌ
يُـزيـلُ بـشمس ِ ثـورتـه السـوادا !!

وحـسبي قد وهـنـتُ وكاد يـبـلى
قـمـيصُ تـجلـدي .. والصبرُ كادا

فـيـا شــط َّ الـفـرات ِ ألا ريــاح ٌ
فـتـأتي بالـشـراع ِ وقـد تـهـادى ؟

وإنْ حَـمَـلَ السـفـينُ أخـا ً وأمَّـا ً
أيَـحْـمِـلُ فـي عَـنـابـره ِ الـبـلادا ؟

يُـقـالُ تـغـيَّـرَتْ .. ما عاد فـيـها
هوى ً يُـفـدى ولا خِـلٌّ يُـنـادى !!

أذلَّ " الأرذلـون " بـها عـزيـزا ً
وقـد لكـز الـلـئيـمُ بـهـا الـجـوادا(3)

وإنَّ أنيـسَـها ـ التنورَ ـ أضـحى
لِـفـرط ِ القحط ِ يسْـتجدي الرَّمادا !

وأقـسـى ما يُـقـالُ  أن ِ الأماني
مُـعَـطَّلـة ٌ .. وإنَّ الـيـأسَ سـادا

              27/5/1999

               ***

(1) الجلاد : النخيل الصلب ... ومن معانيه أيضا : الإبل الشديدة التحمل .
(2) العِهاد : المطر.
(3) الأرذلون : المراد بهم صدام وجلادو نظامه وكتبة التقارير السرية . .

15
أدب / مهاتفة من امرأة مجهولة
« في: 12:40 23/07/2009  »
مهاتفة من امرأة مجهولة


                                               يحيى السماوي


مَـنْ أنـتِ يامـجهــولـة َ الـمَـطـر ِ
زخّـتْ فـأوْرَقَ مـاؤهـا شَجَــري ؟

أيـقـظـت ِ قــنـديــلا ً وقـافــيــة ً
وأضأتِ كهـفي مَـطلعَ الـسَّحـَـر ِ ؟

أيـــكــونُ طـيـفـا ً ؟ أيُّ زائــرة ٍ
مـن قـبـلِ هـذا الـلـيـل ِ لم تَـزُر ِ ؟

أمْ تـلـك يـقظــة ُعاشـق ٍ تـَعِـبَـتْ
أحـداقـهُ مــن مِـرْوَد ِ الـضـجَــر ِ ؟

قـد كـان أيـقـظ َ مـن صَـبـابـتِـه ِ
وطـنـا ً وداعَـبَ مُـقـلـة َالـسَّـفـر ِ ؟

يسْـتعْـطِـفُ الماضي لعـلَّ رؤى ً
خضراء تُعْـشِـبُ جـثـة َ الـحَجَـر ِ !

وأطـالَ تـحـديــقــا ً بــنــافــــذة ٍ
شَـلـَّـتْ سِــتـارَتـَهـا يـــدُ الـقـدر ِ

وأنــا وأوراقــي يُـحـاصِــرنــا
لـيـلٌ يـتـيـمُ الـنجــم ِ والـقـمَــر ِ

مُتلازمان ِ رؤى ً فما افـتـرقــا
إلآ  لِــيَـلـتـقـيـــا عـلـى خَـطـَـر  ِ

ورثـا عــن (الضِلـيـل ِ) محـبَـرة ً(1)
ومـكــارمَ الأخلاق ِ عـن مُـضَـر ِ

واسْـتَـنـطـقا شـفـة َ الهوى لـغــة ً
تـشـدو بحـب الـبــدو ِ والـحَـضَـر ِ 

مَـنْ أنـت ِ ؟ قـد أتعَـبتِ ذاكـرتي
لا تـحـرمـيـني نـشـــوة َ الـخَـدَر ِ !

طـحَنـتْ رُحى الأيام ِ أشـرعتي
هـلّا مَــدَدْت ِ يـدا ً لـمُـحْـتَـضِـر ِ ؟

إنْ تـسْـتـري الأزهارَ عن مُـقـلي
فـعـبـيـرُ زهـرِك ِغـيرُ مُــسْـتَـتِـر ِ !

خَـضَّـبْـت ِ بــالأشـذاء ِ أوردتــي
وبَـعَـثْـتِـنـي صَـبّـا ً عـلى كِــبَـــر ِ !

             **

أخـطأتُ ـ قـالـتْ ـ رقـمَ مـنـزلِـنـا
فاقـبَـلْ ـ رجوتكَ ـ عـذرَ مُـعْـتَــذِر ِ !!

فأجَـبـتُـها : لا .. لـسـت ِ مُخـطِئـة ً
لا تــوصدي الأبوابَ .. فانتظري

لــك ِ مــنـزلٌ عـنـدي ومـنـــزلـة ٌ
ونـديـمُ صـوت ٍ ســاحِـر ٍ عَـطِـر ِ

فـيـمَ اعـتِـذارُك ِ؟ واصِـلي نَـغـمـا ً
لـيـطـيـبَ عـنـد ضَفافِـه ِ سَـهَـري

مَنْ أنتَ؟ قلتُ :صداكِ .. فارتبكتْ
شـفـتـانِ : مـن ورد ٍ ومــن خَـفَـر ِ

قـالـتْ :أراك ـ إذا رغِـبـْتَ ـ غدا ً
في الطيف ِ أو تـرنـيـمـة الـوتَـر ِ !

نجمي بعـيـدٌ .. فالـتمِـسْ لـهـوى ً
غـيري..أخافُ عليكَ من خُـسُـر ِ !

فــأجَـبـتُـها ـ وأنـا جـريــحُ منىً
طُـعِـنـتْ بمِـديــة ِ جاحِـد ٍ أشِــر ِ :

ماذا سأخـسَـرُ؟ قد أضعـتُ غـدي
ورضعتُ ثديَ الحزنِ من صِغَري

وخـسـرتُ بـدءَ يـفاعَـتي وطـنـا ً
قــد كـنـتُ فـيـه مُـجَـنَّـحَ الـفِـكَـر ِ

وُشِـمَـتْ بلون نـخـيـلِه ِ مُـقـلـي
ونـقـشـتُ فـوقَ جذوعِـه ِ أثـري

إنْ كـنـتُ في العـشّـاق ِ مُـبـتـدأ ً
فـهـواه يــا أختَ الهوى خَـبَـري

وُيـقـالُ : إنَّ مــيـاهَ ( سـاوتِـهِ )
غَـسَـلتْ جبينَ الأرضِ من كَـدَر ِ

أصْحَـرتُ من جيلين ِ وانطـفأتْ
رَوضي فـكوني شـهــقـة َ المطـر ِ

صَدَقَ ( البصيرُ ) عسى مُحَدّثتي (2)
تأتي لـيصـدُقَ هاجـسُ الـبَـصَـر ِ

الصّـمْـتُ كــاد يَـشِـلُّ حنجـرتي
لـــولا رنـيـنٌ غـيـرُ مُـــنـتَـظَـر ِ
   
ضَـحِكَـتْ وفاضَ عـبـيـرُها نـغـما ً
وتـنـهّـدتْ ... لكــنْ : عـلى حـذَر ِ

قـالتْ : عرفتُك َ ... فاستحيتُ وقد
فضَحَ الهوى سِـرّي عــلى كِــبَــر ِ !!

            ****

(1) الضليل : الشاعر امرؤ القيس
(2) إشارة إلى قول بشار بن برد : والأذن تعشق قبل العين أحيانا

16
مستنقع المحاصصة وجراثيم الفساد المالي والإداري
                   

                                                                                       يحيى السماوي


   كان صدام حسين عادلا في توزيع ظلمه على الشعب العراقي .. لا فرق عنده بين سنيٍّ وشيعيّ ٍ ، أو بين عربيّ وكرديّ .. ولا  بين مسلم ٍ ومسيحي ... فالكلّ سواسية أمام المشنقة والمقبرة الجماعية وقطع الألسن وصلم الآذان ... أما توزيع الثروات والمناصب والهِبات والإمتيازات ، فلا عدالة لصدام حسين فيها ... إنه يخصّ بها الأكثر انحناءً لصنمه ، والأشدّ قسوة ً بحقّ دعاة الحرية والديمقراطية ودولة القانون .... ربما لهذا السبب : وقف الشعب العراقي موقف المتفرج وهو يرى دبابات البنتاغون تعبر الجسر متجهة نحو ساحة الفردوس لإسقاط صنمه على رغم أن العراقيين  جُبِلوا على مناهضة الاحتلال ... لم يكن وقوفهم موقف المتفرج  يمثل خللا في وطنيتهم بقدر ماكان يمثل تشفيا ً بالديكتاتور  الذي صادر إرادتهم ومطامحهم وحرياتهم وحوّل العراق إلى ىسجن على هيئة وطن ... لقد رأوا  بشرّ الغزو  أهون الشرّين ..

   إستبشر الشعب العراقي خيرا بسقوط الصنم وانفراط عقد نظامه ، فحلقت عصافير أحلامه بعيدا في فضاء الأماني متطلعا ً  إلى   حياة فضلى في ظل  نظام جديد  يقوم على أسس العدل والمساواة وسيادة القانون ... غير أن الشعب سريعا ماشعر بالإحباط وهو يرى الوطن قد تحوّل إلى أرخبيل دويلات هشة في ظل نظام المحاصصة الطائفية وما أسفر عنه من ظواهر فساد إداري ومالي لم يسبق أنْ مرّ بها تأريخه المؤسساتي منذ قيام الدولة العراقية ... فالمال العام الذي أهدِرَ أو سُـرقَ ببضعة أعوام ، يفوق عشرات المرات ما أهدره وسرقه لصوص النظام الديكتاتوري طيلة خمسة وثلاثين عاما ...
   كان لصوص الأمس القريب أقلّ جشعا ً وأكثر شرفا ً من لصوص العهد الجديد ( على افتراض أنّ للصوص شرفا ً ـ وهو ما أشكّ فيه ) .. فلصوص الأمس القريب كانوا يقنعون بسرقة بضعة آلاف دولارات وربما بضع عشرات آلاف الدولارات ( وما أقلّهم قياسا ً باللصوص الجدد ) ... بينما لصوص اليوم لا يكتفون بعشرات ملايين الدولارات فإذا بسرقاتهم تتجاوز مئات ملايين الدولارات ـ والأمثلة كثيرة ، منهم على سبيل المثال لا الحصر وزيرا الدفاع والكهرباء حازم الشعلان وأيهم السامرائي واللذان بقيا بعيدا عن يد العدالة حتى الان لتمتعهما بجنسيات أخرى غير الجنسية العراقية ) ..
    لصوص الأمس القريب كانوا من عشاق الليالي الحمراء وخيام الغجر .. ومع ذلك ، كانوا أقلّ لصوصية ًمن لصوص اليوم الذين    وُشِمَتْ جباهُهُم من أثر السجود ( وربما من أثر تدليكها بقشور الباذنجان وسخام أعواد البخور ) ... ثمة من اللصوص الجدد مَنْ امتلكوا في بضع سنوات قصورا وفللا ومحطات تلفزة وعمارات تجارية   في هذه العاصمة العربية أو تلك المدينة الغربية رغم أنهم  كانوا لا يملكون  ولو بيوتا ً طينية ً في دول المهجر التي كانوا يعيشون فيها على مرتبات الضمان الإجتماعي ... أضحوا يملكون أحدث السيارات وهم الذين كانوا لا يملكون حتى دراجات هوائية قبل دخولهم العراق بمعية الدبابات متعددة الجنسية ...

   لا أدّعي أنّ نظام صدام حسين كان أفضل من النظام الحالي ... حاشاني من مثل هذا الإدّعاء ... فالنظام الحالي أفضل آلاف المرات من النظام المقبور ... لكنّ النظام الحالي أكثر ـ بما لايُقاس ـ فسادا ماليا ً وإداريا من النظام المُباد ، الأمر الذي يوجِب على القيادة السياسية الجديدة معالجة هذا الداء الخطير المستفحل ، وذلك ، بردم مستنقع المحاصصة  والعمل بمبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن أيّ شكل ٍ من أشكال التمييز الطائفي والقومي والحزبي  أو الولاء لهذه الجهة الإقليمية أو تلك الدولية .. ولعلّ من بين أسباب شيوع الفساد الإداري والمالي ، ظاهرة احتماء المسؤولين بحصانة الجنسية غير العراقية التي كانوا يتمتعون بها في دول اللجوء وما يزالون يتمتعون بها وهم في مناصبهم ومواقعهم المهمة الحالية ... فهل سنشهد في الغد القريب ، مثول طبقة اللصوص الجدد من " الحيتان والتماسيح " في أقفاص الإتهام لإيقاع العقاب اللائق بسرقاتهم واستعادة أموال الشعب ؟ وهل سنقرأ في الغد القريب نصّ قانون جديد  يمنع المسؤولين من حمل جنسية أخرى غير الجنسية العراقية ـ كالجنسيات غير العراقية التي يحملها سرّاق المال العام الذين نجحوا في تهريب مئات ملايين الدولارات المسروقة قبل هروبهم من العراق ؟

   شخصيا : أشكّ بصدور مثل هذا القانون ، لأن صدوره يعني رمي كثيرين من حَمَلة الحقائب الوزارية وشاغلي مقاعد البرلمان والمدراء العامين والمستشارين ، خارج مكاتبهم .. وسيحرمهم ويحرم افراد أسرهم وعشائرهم من جني المزيد  من حليب البقرة العراقية التي لم يجنِ الشعب منها غير الروث والقليل من اللبن الرائب ... !!!

                            ***
 

17
دوافع الإفتراء على السيد نوري المالكي


                                                                                               يحيى السماوي


   لا ثمة ما تخشاه الظلمة كخشيتها من القنديل ... ولا ثمة ما تخشاه الخطيئة كخشيتها من الفضيلة .. ولا ثمة ما يكرهه اللصوص والفاسدون ككراهيتهم للنواطير الشرفاء ... أما  الساسة التجار المضاربون في دهاليز النخاسة وأقـبيتها السرية ـ الإقليمية منها والدولية ـ   فإنَّ عَسَلهم لا يعدو كونه سمّا ً زعافا ..

     لا أزعم أنّ دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي ، مَلاك سماويٌّ معصوم عن الخطأ غير المقصود ... لكنه قطعا ًليس كما يزعم الظلاميون  ومريدو الخطيئة ، واللصوص ، وأدعياء الدين ، والمضاربون  في " بورصة " السياسة العاملون على إقامة إمبراطورياتهم المالية على حساب شعب يتضور جوعا .. فلا عجَبَ أن يتحالف هؤلاء أو ينتظموا في عقد ٍ غير مقدّس لتشويه الحقائق وتضليل الرأي العام أملا ً في تحقيق مطامعهم ومطامحهم الذاتية والفئوية الضيقة ..

   قبل بضعة أيام قرأتُ مقالا ً زعم كاتبه أن السيد نوري المالكي  عمد إلى تسوية ٍ مالية ٍ مع وزير التجارة عبد الفلاح السوداني ( المُقال أو المرغم على الإستقالة  ) إنتهت بسفر الثاني إلى الأردن ليشرف على إدارة ما اختلس من أموال ـ وقد بدا كاتب المقال وكأنه قد شاهد السوداني بعينيه يتجول في العاصمة الأردنية عمان ..  حتى إذا مرَّ يوم واحدٌ على نشر هذا الإفتراء التضليلي المتعمّد  ، طالعتنا وسائل الإعلام العراقية والعربية ، بخبر إلقاء القبض على السوداني  في مطار بغداد وهو يحاول الهروب ـ الأمر الذي يقود إلى اليقين بأنّ كاتب المقال لابدّ أن يكون من بين هؤلاء الظلاميين أو اللصوص أو العاملين في سوق النخاسة السياسية  الذين وجدوا في السيد نوري المالكي منجلا ً وطنيا ً حرص على اجتثاث أشواكهم ودَغلهم من البستان العراقي ..

   وعودا ً على بدء : هل كان الظلاميون والإرهابيون وأرباب الخطيئة واللصوص  والساسة التجّار والطائفيون ، سيواصلون الإفتراء وتشويه الحقائق ، لو كان المالكي طائفيا ومتسترا على القتلة واللصوص ـ أو ممن يغضّ الطرف عن مجرمي الأمس القريب الذين حوّلوا العراق إلى وطن للمقابر الجماعية ؟ 

   أعتقد أنّ دوافع هذه الافتراءات هي محاولة تضليل الناخب العراقي بعدما تأكد لمطلقيها أنّ القاعدة الشعبية للسيد المالكي آخذة بالتنامي في وقتٍ شهدت فيه الكثير من القوى انحسارا في قواعدها الشعبية بما فيها الإسلام السياسي ، مضافا إلى ذلك خشيتهم من أن تطالهم يد العدالة بفعل إصرار السيد المالكي على مواصلة حربه لاجتثاث الفساد الإداري والمالي  الذي لايقلّ ضررا عن الإرهاب ..

  وإذا كان الأمر كذلك ، فإنَّ الردّ الشعبي على هذه الإفتراءات والأحابيل ، يجب أن يكون بمضاعفة التصويت لقائمة دولة القانون لقيادة سفينة السلطة التنفيذية كي يُكمِل المالكي مشروعه الوطني الذي خطا فيه خطوات واثقة على طريق إقامة دولة القانون وإعادة الإعتبار للمواطنة الحقة بمعزل عن العنت الطائفي والعرقي والأيديولوجي . .. فالسيد المالكي الذي نجح في ردم مستنقع الإرهاب وتحقيق الأمن والإستقرار ، سينجح حتماً في ردم مستنقع الفساد الإداري ووضع حدّ ٍ  للتماسيح البشرية من لصوص  وسماسرة صفقات مشبوهة ، وقد لا أكون مبالغا إذا قلت إنه  الأكثر جدارة بإخراج العراق من بئر المحاصصة الطائفية وانعكاساتها السلبية على حاضر ومستقبل العراق ..

18
" نعم " بحجم  العراق لدولة القانون .. و " لا " بحجم الأبد للإنقلاب على إرادة الشعب !!

                                                                                 يحيى السماوي

   
   
   نقلت بعض وسائل الإعلام عن مسؤولين عراقيين ، من بينهم وزير المالية  السيد باقر جبر الزبيدي ، أنَّ " هناك تحركات ٍ مبكرة من قوىً سياسية لاختيار رئيس وزراء شيعي من خارج كتلة الإئتلاف بعد إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة في 30 كانون الثاني المقبل " ... وإذا صحّ هذا الخبر ، فإنه يعني وجود مخطط لانقلاب ٍ على إرادة الجماهير الشعبية التي انتقت دولة الرئيس نوري المالكي باعتباره الربّان الأكثر كفاءة لقيادة سفينة السلطة التنفيذية في هذه المرحلة ، بعدما ثبت لديها أنه الأكثر إنجازا ً لمطامحها في إقامة دولة القانون وفي إعادة الإعتبار للمواطنة بعيدا ً عن أيّ شكل من أشكال العَنَت الطائفي والمذهبي والأيديولوجي ، فكانت سنوات قيادته  بحقّ ٍ ، نافذةً  ضوئية ً  في ليل العراق المعتم ، ما يعني أنَّ إعادة انتخابه ، ستغدو ضرورة وطنية ، في وقتٍ بات جليّا ً فيه ، أنَّ أطرافا ً عدة ً لاتريد للعراق الخروج من عنق الزجاجة الطائفية ووضع حدّ ٍ للفساد المالي والإداري المستشري ، فلا غرابة لو انبرى  هذا الطرف السياسي ، أو ذلك التكتل الطائفي ، أو تلك العصبة الظلامية والإرهابية ، للإفتراء على السيد المالكي ، أو التقليل من حجم انجازاته ، أو محاولة خلخلة الأمن والإستقرار اللذين تحققا بفعل حسن إدارة السيد المالكي وشجاعته في مواجهة الإرهابيين والمفسدين  ، مقدّما الدليل على أنه ابن العراق ـ كل العراق ـ وليس ابن حزبٍ بعينه أو طائفة بعينها .. إنه ابن الداخل العراقي وليس ابن خارجه الإقليمي أو الدولي .

   حسنا فعل سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني بإعلانه ـ عبر أحد مسؤولي مكتبه ـ  أنَّ العراق يجب أن  يُحكم بالأكثرية السياسية التي تفرزها صناديق الإقتراع وليس بالأكثرية المذهبية  ـ وهذا ما يتماثل مع رؤية السيد نوري المالكي بحرصه على مبدأ " التنافس الشريف والنزيه " وعـزمه على  وضع حدّ ٍ لما يسمى بـ " الديمقراطية التوافقية ونظام المحاصصة الشائه "  .
    " نعم " بحجم العراق لصناديق الإقتراع ... و " لا " بحجم الأبد للديمقراطية التوافقية الشائهة والمحاصصة المقيتة ..
   " نعم " لدولة القانون ... وألف " لا " للإنقلاب على إرادة الجماهير الشعبية .


19
القرضاوي تجاوز مرحلة الخطأ فدخل مرحلة الخطيئة


                                                                                             يحيى السماوي


   لا أخطرَ على المجتمعات الإسلامية من وعّـاظي السـلاطين وباعـة الفتاوى والعارضين عمائمهم للإيجار.. إنهم أكثر خطرا على الشعوب من أعـدائها الخارجيين . ولعل الحملة المسـعـورة التي يقوم بها يوسف القرضاوي في تأليبه السـنـّة على الشيعـة تمثل إنموذجا لهذا الخطر الذي من شأنه قيام حرب طائفية في أكثر من بلد عربي وإسلامي لو أتيحت لها آذان صاغـية  ـ وقد لا أكون مبالغا إذا قلت إن حملة القرضاوي هذه تعـني رسالة غير مباشرة لفلول تنظيم  القاعدة الإرهابي وبقية التنظيمات الظلامية والتكفيرية مفادها أنْ : " أرونا جهادكم في ذبح الشيعة حيثما تصل أيديكم " كما تعني دعوة صريحة للمعتدلين من السـنـّة أن يكفـّوا عـن الإعتدال وأن يحقدوا قدر استطاعتهم على إخوتهم في الله والقرآن والقِبلة والنبي من الـشـيعة ـ بل وربما تأتي هذه الحملة المسعورة كرسالة إلى الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران ، والتي من شأنها في حال حدوثها إشعال حريق إقليمي واسع النطاق قد تصل  نيرانه إلى  عمامة القرضاوي نفسه .

   زعم القرضاوي في بيان وجهه مؤخرا  إلى د . أحمد كمال أبو المجد ـ  أمين مجلس حقوق الإنسان المصري ـ  أنَّ علماء الشيعة قد اعترفوا بكونهم يقومون بحملة تـشـييع في البلدان الإسلامية دون أن يذكر إسم عالم شيعيّ واحد ممن اعترفوا له بما زعـم ـ وهو افتراء رخيص ما كان يجب صدوره من رجل دين لولا أن حقده الطائفي قد غلب  سمعه وبصيرته قبل بصره ..

   يقول علماء النفس إن الإنسان غير السـويِّ ، حين يُواجَه من قِـبَـل الأسوياء  بإدانة خطإ ٍ ارتكبه ، فإنه يتمادى فيصل به الأمر حدّ ارتكاب الخطيئة وليس الخطأ فحسب ... والقرضاوي الذي أخطأ قبل أسابيع حين حذر مما أسما ه بـ " الخطر الـشـيعي " فجوبـِه َ بردود استنكار من علماء  السُّـنـة قبل الشيعة ، تجاوز الان مرحلة الخطأ ليدخل مرحلة الخطيئة ، كاشفا عن حقيقة كونه مُريدَ فِـتـَن ٍ وداعية إرهاب ـ على العكس تماما مما كان يتظاهر به كداعية اعتدال ٍ وحامل ٍ لرسالة التسامح والحوار ..

   هذا المحتقن طائفيا لا يصلح أن يبقى كـ " رئيس رابطة علماء الـمسـلمـيـن "...
 إنه  يصلـح أن يـكـون أمـيـرا مـن أمـراء دولــة  " كهوف تورا بورا " .. فلماذا لا يُلقى القبض عليه بإعتباره إرهابيا ؟ أليس التحريض على الإرهاب إرهابا ؟ إنه مجرد سؤال غير عفوي ، عسى أن تـُجيب عنه قناة الجزيرة !!

                                 ***

20
حكاية قديمة عن حدث جديد



                                                                                              يحيى السماوي



   حين رأى أعـداء العراق التفاف الجماهير الشعبية  حول القائد الوطني الخالد الزعيم عبد الكريم قاسم ، حرّكوا طابورهم الخامس داخل العراق ، لإثارة الإضطرابات أملا ً في زعزعة الإستقرار وإيجاد حالة من القطيعة بين الشعب وقائده ...
  وحدث أن قام النظام الوطني آنذاك بزيادة أسعار اللتر الواحد من البنزين مبلغ فلسين ، فإذا بمظاهرة صاخبة دعا إليها أصحاب شركات النقل والمعامل ، تجوب شوارع بغداد احتجاجا ضد تلك الزيادة في وقـت كان فـيـه سعـر عـلبة الكبريت " الشخاطة " لا يزيد على فلس واحد .
  ألقي القبض على بعض المتظاهرين وخضعوا للإستجواب لمعرفة الخيوط غير المرئية  التي حرّكت الدمى ... وكان من بين الذين ألقيَ القبض  عليهم رجلٌ رثّ الثياب ، حافي القدمين ، حـسير الرأس ـ تشي هيئته بأنه لا يملك حتى عربة نفط ـ من تلك العربات التي يجرّها حمار ..
  يُقال ـ والعهدة على الراوي ـ إنَّ حديثا دار بين مفوض شرطة التحقيق وهذا الرجل ، نصّـه كالتالي :
مفوض الشرطة : هل أنت صاحب شركة نقل ؟
الرجل : لا والله سيدي ..
مفوض الشرطة : هل أنت صاحب معمل ؟
الرجل : لا والله سيدي ..
مفوض الشرطة :هل تملك بنزيخانة ؟
الرجل : لا والله سيدي ..
مفوض الشرطة : هل تملك عربانة بيع نفط ؟
الرجل : لا والله سيدي ..
مفوض الشرطة : إحجي الحقيقة لو أضربك راشدي وأحبسك اسبوع كامل ..
الرجل : صدّكني سيدي .. أحلف بالعباس أبو فاضل آني ما كذبت عليك ... وإذا ما تصدّكني ، إسأل عليوي القهوجي .. آني أشتغل صانع  عنده ..
مفوض الشرطة : إبن الزفرة ـ إذا إنت ما تملك شركة نقل ، ولا معامل ، ولا بنزينخانة ولا حتى عربانة بيع نفط .. إذن ليش تشارك بالمظاهرة ؟
الرجل : سيدي آني أدخـِّن جكاير .. وعندي زناد أبو الفتيلة ( قدّاحة ) تشتغل عالبنزين ... والمثقف " أبو فارس " سمعته يقول بالكهوة : هذي الزيادة بسعر البنزين راح تهجم بيوتنه ... أقنعني بالمظاهرة .. وطلعت وياه ... وإذا ما تصدّكني سيدي إسأل المثقف أبو فارس ؟
مفوض الشرطة ( وقد تأكد له أن الرجل ساذج وطمبورة ) : شلون عرفت أبو فارس مثقف ؟
الرجل : عرفته مثقف من تصرفاته سيدي ... يسمّي الكلب بوبي ، ومن يشرب بيبسي يترك ربعه .. ويبول وهوّ واكف ..
                              **
  قد لا  تكون هذه المحاورة بين مفوض الشرطة والرجل الساذج قد حدثت بهذه التفاصيل تماما ... لكنّ المؤكد أن التظاهرة قد حدثت فعلا  في بغداد ، وحملت القيادة السياسية آنذاك على معالجة الموضوع ..

  الان ، ثمة ما يُنبئ عـن أنَّ ضغوط الإدارة الأمريكية على الحكومة العراقية وتهديداتها الصريحة  لحملها على توقيع المعاهدة الأمنية التي من شأنها شرعنة الإحتلال وتحويل العراق إلى قاعدة عسكرية على شكل وطن ، فإن الحكومة بحاجة إلى دعم جماهير الشعب وقواه الوطنية ، بعدما بات جليّـا ً مقاومتها المطمح الأمريكي وإصرارها على عـدم التخلي عن الثوابت الأسـاسـية للسيادة الوطنية .. لكن المثير للإنتباه ، هو أن هذه القوى والأحزاب الوطنية لم تعمل على حشد قواعدها الجماهيرية للإحتجاج ضد المعاهدة لتكون تظاهراتها بمثابة رسالة تحذير موجهة للإدارة الأمريكية وفي ذات الوقت رسالة دعم ٍ وتضامن مع الحكومة العراقية في موقفها الوطني  العادل والمشروع في جدولة انسحاب قوات الإحتلال وعدم موافقتها على منح هذه القوات الحصانة من المساءلة القانونية حين ترتكب جرائمها بحق العراقيين ( وما أكثر الجرائم التي ارتكبتها حتى الان ) ..
  فالمعاهدة ليست إضافة " فلسين " أو " تخفيض فلسين " في سعر الليتر الواحد من البنزين ـ كتلك الزيادة التي حملت أصحاب شركات النقل والمعامل على التظاهر قبل عقود من الزمن ... إنها تتعلق بمستقبل العراق وثروات أجياله مثلما تتعلق باستقلاله وأمنه وكرامة شعبه ..
  عدم موافقة القيادة السياسية على توقيع المعاهدة حتى الان ، يعني رفضا لها ... والغضب الشعبي منها يعني هو الاخر رفضا لها .. وموقف المرجعية الدينية قد وصل حدّ تحريمها ... أما الأحزاب والقوى الوطنية ، فقد اكتفت بتصريحات خجولة تعبيرا عن رفض المعاهدة ـ والمحتل لا يولي التصريحات الخجولة اهتماما .. لكن المؤكد أنه سيعيد النظر في الكثير من خططه حين يرى القوى والأحزاب  الوطنية تتقدم جماهيرها في تظاهرات ضد أية معاهدة بين طرفين غير متكافئين : محتل يريد شرعنة الإحتلال .. وحكومة شعب يريد الخلاص من الإحتلال .
  تقولون إن المحتل لا يسمح بالتظاهرات السلمية ؟ إذن  لنمتحن صدقه بما وعدنا به بالديمقراطية ..
  تقولون إنه قد يوفـِّر للإرهابيين الثغرات التي يتسللون منها لنسف المتظاهرين ؟ هذا متوقـّعٌ والله ... وقد يتدبّر هو ذاته تفجيرا  كي يبرر إصراره على البقاء بدعوى أن الأمن ما زال هـشـّا ً... وما الغرابة في ذلك ؟ ألـَمْ يقم المحتل ذاته بإطلاق سراح كثير من الإرهابيين الذين ألقت عليهم القبض  قواتنا الوطنية الشجاعة ـ حسب ما صرّح به مسؤولو وزارة داخليتنا وقادة عسكريون عراقيون  معنيون بمكافحة الإرهاب ؟
  ما الحل إذن ؟ لا أدري ... فالعتمة شديدة ـ لكن الذي أدريه ، هو : إن الغد سيكون أكثر عتمة طالما بقي الإحتلال ... جيفة الإحتلال هي التي أتت بذباب الإرهاب والفتن الطائفية وسمحت بتسليط ساطور المحاصصة على جسد الوطن ... وقبل ذلك : حكومة القوات المحتلة هي التي صنعت ديكتاتور الأمس القريب  ، وأطاحت به حين انتهت فترة صلاحيته للعمل كشرطيّ إقليمي أحمق ومتعسف .... وقد تصنع ديكتاتورا جديدا إن بقيت قواتها جاثمة على صدر العراق ... وتهديده مؤخرا بمعاقبة العراقفي حال رفض التوقيع على المعاهدة الأمنية بشروطه هو  الدليل الحيّ على حقيقة أن ّ الذئب لا يمكن أن يغدو ظبيا  !

                             **
       
                               
 

21
ظاهرة الإنتحاريات العراقيات


                                                                                                يحيى السماوي


   
  ظاهرة النساء الإنتحاريات في العراق تبعث على الحيرة .. فلم يُعرف عن الرجال العراقيين إقدامهم على ارتكاب إعمال انتحارية حتى بالـنسـبة لمن كانوا يمارسون العمل السياسي المعارض ضد أنظمة الحكم ، بما في ذلك نظام صدام باعتباره النظام الأكثر نبذا ً من قبل الشعـب وقواه الوطنية المعارضة .. وباستثناء العمل الإستشهادي الذي نفذه أحد أعضاء حزب الدعوة بتفجيره وزارة التخطيط قبل عقود ، فإن العراق لم يشهد مثل هذه الظاهرة ،  فكيف وصل الأمر بنساء عراقيات أن يرتكبن جريمة القتل الجماعي العشوائي  بتفخيخهنّ أجسادهنّ وتفجيرها  بين جموع من النسوة والأطفال والرجال مجهولي هوية الإنتماء الطائفي ، في حين يُفترض بالمرأة أن تكون أكثر حرصا ً على الحياة من الرجل ، نظرا لطبيعـتها الأنثوية الرقيقة ؟
  الغالبية العظمى من الإنتحاريين هم من جنسيات غير عراقية .. لكن الإنتحاريات عراقيات الجنسية ... فما تفسير هذا الأمر ؟
  أهنَّ بغايا أو مرتزقات ؟ البغايا يعرضن شرفهنّ للإيجار حبّا ً بالمال كوسيلة لنعيم مبتذل ، فكيف يضحّين بحياتهن ؟ والأمر نفسه بالنسبة للمرتزق أو المرتزقة ، فهما أكثر الناس تشبّثا بالحياة لأنهما أكثر الناس حبا للمال ، ومحب المال محبٌّ للحياة بالضرورة ..

  صحيح أن تاريخ النضال العراقي حافل بكوكبة كبيرة من المناضلين والمناضلات الذين ضحوا بحياتهم فصعدوا المشانق غير آبهين أو سقطوا صرعى آلات التعذيب في السجون والمعتقلات ذودا عن قضية أو مبدأ .. لكن الصحيح أيضا أنهم لم ينتحروا ، ولم يتسببوا بإزهاق روح بريء كالذي يحدث نتيجة العمليات الانتحارية التي شـهـدها العـراق في السـنوات الأخيرة ..

  القول بأن الإنتحاريين هم من يتامى صدام حسين ،هو  قول يجانب الحقيقة إذا أخذنا بنظر الإعتبار واقع أن الديكتاتور وكبار مسؤولي حزبه ومناصريه ، قد اختاروا الهرب والإختفاء لمجرد رؤيتهم دبابتين أمريكيتين على جسر من جسور بغداد ـ ومنهم مَنْ ذهب بنفسه  ليعلن استسلامه لقوات الإحتلال ، فكيف يقدم مثل هؤلاء على القيام بعمليات انتحارية وهم الذين هرعوا إلى جحورهم المعدة مسبقا خوفا من الموت في حال المواجهة  ؟ أشك في أن يكون بين الإنتحاريين والإنتحاريات عفلقي واحد  أو عفلقية واحدة ـ وإذا حدث وجود مثل هذا أو تلك ، فلابدَّ أن يكون الإنتحاري أو الإنتحارية قد غـُيِّـبَ عن وعـيه بوسيلة ما من الوسائل التي يتقنها التكفيريون وأيديولوجيو الإرهاب ... حتى المقبوران عدي وقصيّ لم يقاتلا  كما يزعم بقايا  حزب الديكتاتور المقبور ... فهما حاولا الدفاع عن نفسيهما كفعلٍ لا إراديّ ـ شأن أيِّ جبان يُرغـَم على المواجهة .
  كما أن القول بأن الحقد الطائفي وراء إقدام الإنتحاريات والإنتحاريين العراقيين ، هو الآخر قول ينأى عن الصواب ... فالكثير من تلك العمليات القذرة قد استهدفت أبناء طائفتهم ... والإنتحاريون العراقيون يعرفون تماما أن المناطق والأماكن المستهدفة تضمُّ خليطا من الطوائف .. فالسوق مثلا ليس " حسينية شيعية " .. والشارع العام لا يقتصر في  مشاته على مذهب دون سواه ... ولا ثمة ملامح تميّز الشيعي عن السني أو المسيحي عن المسلم في وطن كالعراق يتماثل فيه المواطنون حتى في ملابسهم ...
  إن هذه الظاهرة بحاجة إلى دراسة مسـتفيضة من لـدن أطباء عـلم النفـس و المعنيين بنـُظم السلوك البشريّ غير السـويّ ..

                                    ***

22
قرصنة أمريكية مفضوحة



                                                                                                              يحيى السماوي


    لا أدري ما الذي سـيقوله عربُ اللسان والقلم ـ أمريكيّـو القلب والهوى ..عـشـّـاق " جورج دبليو بوش " .. والمبشـّرون بنعـيم المحافظين الجدد  والفردوس الأرضي الذي سـتقيمه دبابات البنتاغون في وطن الأرامل والثكالى والخمسة ملايين عراقي مشرّد داخل وخارج وطن ٍ كان على شكل مُعْـتـَقـل ٍ ، فأضحى على شكل تابوت ...؟؟

  هل سيكسرون أقلامهم خجَلا ً مما سطـّروه منذ الإحتلال حتى يوم أمس .. أو يغسلونها من مدادها الأكثر سَـوادا ً من نوايا معبودهم الأرضي الذي طلبوا من الشعب العراقي نثر الورود عليه باعـتباره  ـ على حدّ زعـمهم  ـ " محررا " و " الصديق الصدوق " و " المنقذ الإنساني ذا الـقـلب الـرؤوف " فإذا به يكشـف عن نـفـسـه قرصانا مُبتـَذلا ً وسارقَ قوت شعب ٍ ولصَّ وطن ؟ 

  أمس الخميس ، تناقلت وكالات الأنباء ما صرّح به الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني حول التهديدات الوقحة التي سمعها بإذنه من قـِبِـل شـيخ قراصنة البيت الأبيض الأمريكي ، كاشفا ً عن أنّ  " امريكا هددت العراق بتجميد ودائعه ومصادرة نفطه " إذا رفض التوقيع على الإتفاقية الأمنية   التي من شأنها شرعنة الإحتلال ..

  هكذا إذن العدالة الأمريكية : عليكم الإختيار بشكل ديمقراطي :  القبول باستعبادكم أيها العراقيون ، أو الجوع المؤبد ...!!!
  إنها قسمة " ضيزى " : إذا أردت الأرنب ، فخذ الأرنب .. وإذا أردت الغزال ، فخذ الأرنب !! هل ثمة عدالة وديمقراطية كعدالة وديمقراطية محررنا المزعوم الذي يطالبنا حواريّوه ـ من مستعربين ومستعرقين ـ بمباركة فأسه المغلـّف بالفراء الناعم وهو يشجُّ رؤوسنا ؟

                                   ***

   لا أدري هل سـيسـتمـرُّ  المُرَتـّلون آيـاتِ الشـكر لآلهـة البـيـت الأبـيـض  بمواصلة تراتيلهم النـشـاز من مآذن أقلامهـم بعدما كـشـف سـادن المكـتـب البيضاوي عن كونه قرصانا ؟ أم أنهم سَـيسـتحون مما كتبوا طيلة هذه الخمس من السنوات العجاف ، وهم يطنبون في الحديث عن   التحرير المزعوم  و " ملائكية المحرر " وقد  قام بخلع قناعه بنفسه كاشفا عن وجهه الدميم كقرصان ؟ أتراهم سيعترفون بالخطأ ليحوزوا فضيلة الإعتراف بخطأ ما كانوا يُبَشـّـرون به ـ أم سـيستعـذبون مواصلة الخطأ ليغدو خطيئة ؟
  ساسة البيت الأبيض لا يـسـتحون ... فهم لا يكتفون بفضح أنفسهم  (المفضوحة أساسا ) فيعمدون إلى فضح حوارييهم ممن تبرّعـوا أن يكونوا شِـبه ناطقين إقـليميين  باسم رحمتهم وديمقراطيتهم  وعدالتهم المزعومة ليُفاجأوا بهم وقد خلعوا الأقنعة ....

  ترى هل سنقرأ لتلك الأقلام مقالات أخرى تـُدين التهديدات الأمريكية ؟ أم سيبتكرون تفسيرات أخرى للقرصنة ليجعـلوا منها ضرورة من ضرورات الديمقراطية ؟

  أكثر ظني ، أنهم سيستمرون في النفخ بقِـرَبـِهم المثـقـوبة ... وما العجب ؟
إذا كان ربُّ البيت الأبيض ذاته لا يستحي ، فمن الطبيعي أن لا يستحي الـعَـبَـدة ُ الصغار .... ومع ذلك : لعلّ وعسى ... ما دام أن الظبي قد كشف عن نفسه كلبا ً مستذئبا !!

                                    ***

   

23
ما الفرق بين " الزرقاوي " و " القرضاوي " ؟


                                                                                        يحيى السماوي

   كذب يوسف القرضاوي وافترى  كثيرا خلال حديثه الذي أدلى به إلى صحيفة " المصري اليوم " في عددها الصادر يوم9 / 9  وكشف عن نفسه داعية فتنة أكثر من كونه داعية محبة بين المسلمين ...لنتفحّص قولـه: "مصر التي اعرفها جيدا، وأعرف انها قبل عشرين سنة لم يكن فيها شيعي واحد منذ عهد صلاح الدين الايوبي، استطاعوا ان يخترقوها، وأصبح لهم أناس يكتبون في الصحف ويؤلفون كتبا ولهم صوت مسموع في مصر، وكذلك في السودان وتونس والجزائر والمغرب، فضلا عن البلاد غير العربية مثل اندونيسيا وماليزيا ونيجيريا والسنغال .. إذا لم يقابل بالمقاومة، ستجد بعد مدة أن المذهب الشيعي تغلغـل في بلاد السنة وهناك تصبح مشكلة كبرى، وتصبح اقلية شيعية تطالب بحقوقها وتصطدم بالاكثرية السنية، وهنا تشتعل النار وتكون الحروب".

   السؤال : كيف جزم القرضاوي بعدم وجود شيعيّ واحد في مصر قبل عشرين عاما ؟ هل كان يعمل شرطيا ً في مكتب من مكاتب الأمن العام ـ أو كان مسؤولا ً في شعبة تعنى بأخبار الطائفة الشيعية في مصر والقارة الأفريقية ؟ وكيف تأكد له أن أندونيسيا وماليزيا تخلوان من شيعيّ واحد ـ وهو الذي يقيمُ على مبعدة لآلاف الأميال عن جنوب شرقي آسيا ؟ ألا يدلل هذا القول على أنَّ قائله دعيٌّ كاذب ؟
  ثمّ ألا يعني قوله  : " إذا لم يُقابل ( أي المذهب الشيعي ) بالمقاومة ستجد بعد مدة أن المذهب الشيعي تغلغـل في بلاد السنة وهناك تصبح مشكلة كبرى " فتوى صريحة بهدر دماء الشيعة في جميع البلدان الإسلامية ؟
 وعلى افتراض أن المذهب الشيعي ليس مذهبا إسلاميا ( وهو افتراض غير صحيح مطلقا ) ألا تتناقض هذه الفتوى مع قولـه تعالى : " لكم دينكم ولي دين " ؟ فكيف والحال أن الشيعة يعبدون ذات مَنْ يعبده القرضاوي ، ونبيّهم نفس نبيّه ، وقرآنهم ذات قرآنه وقِـبْـلتهم ذات قِـبْـلـته ؟
  ألمْ يـقـل القرضاوي : " إن الدين الإسلامي لا يغمط باقي الأديان حقها " ؟ فكيف يريد مصادرة حق الطائفة الشيعية في المطالبة بحقوقها ؟
   ها هو يُناقض نفسه في حديثه عن : " أهمية اجتماع أهل القبلة على اهداف محددة ولمصلحة دينهم ودنياهم ومواجهة اعدائهم المشتركين ".... فكيف يدعو لإجتماع أهل القِبلة الواحدة ، في الوقت الذي يُـفـتي فيه بهدر دم مئات الملايين من أهل القبلة ؟
  أليس حريّـا ً بالقرضاوي ـ وباعتباره من مناصري حركة الأخوان المسلمين وأحد أبرز نشطائها السابقين ـ أن يستنير بما قاله المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف  بتصريحه لصحيفة الدستور المصرية  : " الشيعة هم مسلمون لهم مذهبهم ولكنهم يعبدون الله عز وجل ويتبعون النبي "صلي الله عليه وسلم" وقبلتهم هي الكعبة ويتبعون تعاليم القرآن " ؟

   وبعد ؟ هـل الشيخ يوسف القرضاوي ، يؤمن بالوسطية والإعتدال والتكافل  ـ كما يزعم في خطابه الديني المعلـن ومؤلفاته العديدة  ؟ أم هـو " أبو مصعب زرقاوي آخر " ولكن : يستخدم الفتوى بدلا ً من السيارات المفخخة والأحـزمة الناسـفة والمسـدسات كاتمة الصوت وسكاكين الذبح ؟

  حديثه عن الشيعة يكشف عن أنه طبعة ٌ منقحة من " أبو مصعب الزرقاوي !!!

                                 ***

   

24
أقلام وعمائم تنضح حقدا طائفيا



                                                                                                 يحيى السماوي



   شهد العراق خلال "  قادسية مطيحان "  حضورا ً مصريا ً لافتا ً يكاد يأخذ شكل هجرة جماعية لملايين العمال والفلاحين والموظفين المصريين الذين ملأوا فعلا ً الفراغ الهائل في مؤسسات الدولة من دوائر حكومية ومدارس ومزارع ومناشط مهنية  مختلفة ـ بعد أن أفرغ الديكتاتور مؤسسات ودوائر الدولة والمعامل والمزارع من غالبية موظفيها الشباب والكهول ليلتحقوا مُرغمين بجبهات حربه العبثية التي افتعل أسبابها ضد إيران ..
  كان الوافد المصري يتمتع بامتيازات خاصة جعلت منه مواطنا من الدرجة الأولى ـ قياسا بالمواطن العراقي الذي بدا وكأنه مواطن من الدرجة الثالثة ... وأذكر في هذا المجال ، أنَّ مدرسا ً مصريا فاشلا  كان معي في إعدادية السماوة ، يتقاضى ضعف راتبي مع أنه حديث العهد بالتدريس ، ويتقاضى مخصصات سكن رغم أنه يقيم في القسم الداخلي ، في حين كان بعضنا  نحن المدرسين العراقيين ، نسكن بيوتا ً مستأجرة دون أن يشملنا القائد الضرورة " مطيحان " بمخصصات سكن ...
  كان للوافد المصري حقّ التملـّك العقاري في كل المدن العراقية ـ بينما كان مُحَرَّما على العراقي أن يمتلك بيتا ً في بغداد ما لم يكن مـن موالـيـدها ( باستثناء المنحدرين من العوجا وتكريت ـ وحاشية الديكتاتور طبعا ) ... وحين كان المواطن العراقي لا يملك حقّ تحويل بضع مئات من الدولارات إلى الخارج ، كان للوافد المصري حق التحويل المفتوح غير المحدود ... وفي بادرة تنمُّ عن استهانته بالمواطن العراقي ، قال " مطيحان " من على شاشة تلفزيون بغداد  خلال لقائه بعدد من المصريين : " إن الاعتداء على أي مصري هو اعتداء على صدام حسين " فكان أن شـُرِّعَ قانون غير مُـعـلـَن يقضي بحبس العراقي مدة ستة أشهر في حال مُناكدته أيّ مصريّ ـ وهذا ما استغله كثيرٌ من المصريين في ابتزاز زملائهم العراقيين ...

  أردت بهذه التوطئة ، الإشارة إلى نكران الجميل من لـَدُن بعض الصحافيين والإعلاميين المصريين في تأليبهم الحكومة المصرية على العراقيين الذين حملتهم الظروف على الإقامة في مصر ـ مع أنهم دخلوها وجيوبهم عامرة فأقاموا مشاريع استثمارية وإنتاجية وخدمية أسهمت في تشغيل أعداد كبيرة من المصريين العاطلين عن العمل ـ ولم يدخلوها حفاة ً خاوية جيوبهم كالذين دخلوا العراق ليخرجوا منه أثرياء ...
  إنّ ما كتبه محمد علي إبراهيم رئيس تحرير صحيفة الجمهورية القاهرية يوم الأحد الماضي لا يتضمّن تأليبا على المواطنين العراقيين المقيمين في مصر فحسب ، إنما ويتضمن تشويها وتضليلا للحقائق وبدافع ٍ طائفي مقيت يفوح حقدا ـ وهذا ماتفصح عنه سطوره : "لقد كتبت محذرا أكثر من مرة من انتشار العراقيين بهذه الكثرة في مدينة 6 أكتوبر؛ وقالوا لي وقتها إنهم من السنة وهربوا من فظائع الاحتلال الأمريكي، وللأسف اكتشفنا بعد فوات الأوان مذهبهم الحقيقي وهدفهم السياسي" .. مضيفا :  "اطردوهم أو أعيدوهم لأهلهم فلسنا على استعداد أن نسمع بعد ذلك عن قيام عمليات انتحارية في مدن مصرية" .. ووجه التضـلـيـل وتشويه الحقائق في سطوره ، هو أنه يريد إقناع الرأي العام المصري والحكومة بأن العمليات الإنتحارية التي تحدث في العراق هي عمليات يقوم بتنفيذها " الشـيعة " وليس مجرمو القاعدة والصداميون ومجاهدو " حارث الضاري " المُـرَحَّب به  وبممثليه ومبعوثيه في مصر ... فهل يجهل رئيس تحرير صحيفة الجمهورية القاهرية حقيقة أنه لم يكن بين مئات عمليات الإرهاب الإنتحارية  القذرة التي شهدتها شوارع وأسواق وأفران الخبز والمدارس في العراق بعد سقوط الصنم ، عملية واحدة قام بتنفيذها شيعي ؟ 

  قطعا هو لا يجهل هذه الحقيقة ... لكنه الحقد الطائفي الأعمى الذي يعـتمل في قلوب أولئك الذين انقطعت أرزاقهم منذ رحـيـل بطلهم القـومي إلى جهـنم ..

  وإذا كان لرئيس تحرير صحيفة الجمهورية محمد علي إبراهيم سـببه الشخصي لتأليب الحكومة المصرية والشعب المصري ضدّ العراقيين الشيعة في مصر ، فما هي الأسباب التي حملت رجل دين أرهقنا بالحديث عن الوسطية في الإسلام والمحبة والتسامح والتكافل الديني في تأليب السنة على الشيعة ؟ هل ثمة فارق كبير إذن بين محمد علي ابراهيم والشيخ يوسف القرضاوي ؟
                                    ***

25

همسة في الأذن السليمة  ـ إن ْ كانت سليمة حقا ..


                                                                                              يحيى السماوي




   ثمة نكتة كانت شائعة  قبل حين من الدهر مفادها : أن قـردا في إحدى حدائق الحيوانات ،أطلق نكـتـة فـضحكت الحيوانات جميعا  بما فيها حيوانات الأقفاص البعيدة  ، ما عدا الحمار الذي بقي عابس الوجه مستغربا من ضحك بقية أصحابه ... وفي اليوم الثاني كانت الحيوانات جميعها صامتة باستثناء الحمار الذي بقي يضحك ضحكا شديدا لدرجة التبوّل على نفسه ... وحين سأله القرد عن سبب ضحكه ، أجابه الحمار : أنا أضحك اليوم لأنني افتهمت توّا النكتة التي أطلقتها يوم أمس ..

   خطرت ببالي هذه النكتة وأنا أقرأ مقالا لسياسي عربيّ كان قد أمضى عقودا عديدة من عمره وهو يكتب ـ  مُبشـِّرا حينا ً ومنظـِّرا حينا آخر ـ  عن 
الإشتراكية باعتبارها الدواء الناجع لجميع أمراض المجتمعات البشرية ، وأنّ الأمبريالية والصهيونية هما رُحى مطحنة الشـرّ التي ناصبت الشعوب العداء ـ فإذا بهذا السياسي يتحوّل فجأة ، من داعـية ٍ للفكر التقدمي ، إلى ناطق شبه إقليمي بلسان صقور تلّ أبيب وذئاب المحافظين الجدد في واشنطن ..
  وعلى افتراض أنه قد ثاب إلى رشده ، وأن الوعي هو الذي حمله إلى إعادة ترتيب أفكاره ومعتقداته ـ فإن هذا الإفتراض ينفي تمتعه بالحدّ الأدنى من الوعي ، ولسبب جوهري ، هو : إنّ الذي يستغرق تفكيره عقودا ً من السنين لاكتشاف الخطأ  في فكره السابق ، يعني أنه ليس بأكثر ذكاءً وفطنة ً من ( ... ) الذي فهم نكتة صاحبه القرد بعد يوم كامل من سماعها  فتبوّل على نفسه من الضحك ..

   إن تغيير القناعات والمواقف والأفكار حقٌّ مشروع من حقوق الإنسان .. لكن هذا الحق يفقد معناه ومسوّغاته حين يتخذ منه صاحبه سوطا ً لجلد الآخرين وليس لجلد ذاته المستيقظة توّا ً من غـفلة دامت عـقودا عديدة من السنين ..... من حقه أن يرى في الإمبريالية أو الصهيونية البلسم الشافي لأمراض الشعوب ... وأن الإحتلال نعمة ٌ يتعيّن على الشعوب مباركتها .. كما من حقه أن يُـغـيِّـر أفكاره بالطريقة التي يغير فيها قمصانه المتسخة .. لكن ليس من حقه الإنتقاص من حق الآخرين في قناعاتهم  ، سـواء ما يتعلق منها بالإحتلالات الغاشمة والعاهدات الأمنية المشبوهة ، أو بنظم وأساليب إدارة السلطة ..
  فكما أنه من الحماقة  وصف مؤيدي الإتفاقية الأمنية بأنهم جميعا من العملاء لأمريكا وإسرائيل ـ فإنه من الحماقة والنذالة معا ، وصف معارضي الإتفاقية بأنهم من مؤيدي السياسة الإيرانية أو المؤتمرين بأوامرها ... فالعراق حافل  بالوطنيين الأبرار ـ وهم الكثرة الكثيرة بما لا يُـقـاس ، إزاء القلة القلية التي تـُغازل تل أبيب وواشنطن أو قم وطهران أملا ً في وجاهة مبتذلة ومناصب موسمية مستعارة ، أو طمعا ً بمال ٍ من الرزق السحت .
  إنّ مَـنْ يُطالب الآخرين باحترام قناعاته ، عليه أن يحترم قناعات الآخرين أولا ..لا أنْ يتذاكى أو النظر إليهم على أنهم تلامذة في مدرسة جهالته !!؟؟

  عملاء تل أبيب وأمريكا  هم وحدهم الذين يدّعـون أن معارضي الإتفاقية الأمنية عملاء لإيران ... ربما لأنهم لا يريدون رؤية عراقيين وطنيين ينتمون للعراق وحده... فالوسخ يتمنى أن يكون الجميع متسخين مثله .. وتلك هي المشكلة !!!

                                   ***
             

26

    كامـل ...


( إلى روح الشهيد المناضل كامل شـياع ) *






ما مات  " كاملُ " ..

" كاملُ " انـتـَدَبَـتـْه ُ دجلة ُ للخلود ِ

مُـمَـثــِّـلا ً نـخـلَ العـراق ِ

ونـاطِـقـا ً باسم ِ الـطـفـولـة ِ

باسم ِ حُـلـم ِالـكـادحـيـنْ


والنـاهِضـيـن َ إلى الصّـباح ِ

وناسِـجـي ثوب ِ المـحَـبَّـة ِ من حـرير ِ الياسـمـيـنْ


في مهـرجان ِ الأمر ِ بالأنوار ِ

في فـردوس ِ ربِّ الـعـالـمـيـنْ


ما مات َ " كاملُ " ..

" كاملُ " اختـَصَـرَ الـطريق َ إلى السـماءْ

من كـُوَّة ٍ في رأسـه ِ الضوئيِّ

والجَـسَـد ِ المُخـَضـَّـب ِ بالـدمـاءْ




ما ماتَ " كاملُ "

إنَّ " كاملَ " لا يموتْ !

مادارَ َ دولابٌ وغـَنـّى مِـنـْجَـلٌ

وتوضـَّـأتْ بالشـمـس ِ أبوابُ البيوتْ


قـدْ كان يـدري  :

 أنّ " هولاكو الجديدَ "

أتى

لـيَـحْـرث َ حـقـلَ دجلة َ بالـقـنابـلْ

ويَـدُكَّ أعـشـاشَ الحَـمـام ِ ..

وأنْ يُطـيلَ الـلـيـلَ

 في وطـن ِ الـثـكالى والأرامِـلْ

لـكـنَّ " كامـلَ " كان كامـلْ

فأبى الـوقـوفَ على رصيف الإنـتـظـار ِ

أبى الـتـَخـاذلْ

فاخـتـارَ " كامـلُ " أنْ يُـقـاتِـلْ :

بالـنـور ِ لا بالسّـيْـف ِ ..

بالمـنـديل ِ والـريحان ِِ ..

بالـحَرفِ  المـناضِـلْ ..

وبـعُـشـب ِ فـلاح ٍ ..

وريش ِ حَـمـامة ٍ..

وبصَـبـر ِ عامـلْ

ذودا ً عن الـوطن المخـضَّـب ِ بالدموع ِ

وعن أراجيح ِ الطـفـولة ِ

والـحـدائق ِ والسـنابـلْ



ولأنَّ " كاملَ " كان كاملْ :

فـَزِعَـتْ جـموعُ " الـنـاقِـصـيـنَ "

وأسْـرَجَـتْ خـيـلَ الضـَغـيـنـة ِ

عُـصـبـَة ُ الـلـيل ِ المُـخـاتِـل ْ


لكنّ " كاملَ "

سـوف يـطـلع ُ من ضـلوع ِ الأرض ِ زيتونا ً

ونورا ً من شـبـابـيـك ِ الـمـعـامِـلْ

ومن المـحـابـِر ِ والـدفاتـر ِ

والحـدائق ِ والجـداولْ :

شـجـرا ً جـديدا ً

تـَسْـتـَظِـلُّ بـه ِ الـطـفـولـة ُ

والـبـلابِـلْ


سـعـودُ " كاملُ " مرة ً أخرى ..

يـعـودُ ..

تـقـودُ مـوكـبَـه ُ الحمامة ُ

والـقـُرُنـفـلُ

والـنـخـيـلْ ..

سيـعـودُ " كاملُ "

كالطيور العائدات مع الأصيلْ ..

سـيـعودُ حَتـْمـا ً

فالشـغـيلـة ُ سـوف تـفـتحُ

قـفـل باب ِ المسـتحيلْ !!

             **

نـَمْ يا صـديقي هـانِـئـا ً

واصْـبـِحْ على جَـنـّات ِ ربِّـك َ

أيها الموعـودُ بالـفـردوس ِ منذ ُ اخترتَ

دربَ الـذائـديـنَ عن المَـحَبَّـة ِ

شـاهِـرا ً قـنديـلـَكَ الصـوفـيَّ

في وجـه ِ الـظـلام ِ

ووجـه ِ أعـداء البـنـفـسَـج ِ والنخيلْ



نـَمْ يا صـديـقـي ..

آنَ ليْ أنْ أطـفـئ المصـباحَ

أدري أنَّ جـفـنـَكَ مُـتـْعَـبٌ ..

أزفَ الـوداعُ

إلى الـلـقـاء ِ غـدا ً على شـُرُفـات ِ

مَـطـمَـحِـك َ الجميلْ

         ***

20/9/2008

( ألقيت في الحفل التأبيني الذي أقامته منظمة الحزب الشيوعي العراقي والأحزاب الوطنية العراقية في سدني يوم 21/9/2008بحضور السفير العراقي وجمع غفير من  الجالية العراقية )


ٍ


27
الإعلاميون يطالبون الحكومة بحمايتهم ... عجيب !!!

   

                                                                                                   يحيى السماوي                                 


   
    بات الإعلاميون هدفا للمسدسات كاتمة الصوت ... وتنامت دعوات تناشـد الحكومة بحمايتهم ..

   ولكن : هل يستحق الإعلاميون إيلاء الإهتمام الحكومي بحمايتهم من الإرهابيين والظلاميين وتجار الأزمات ؟  كيف تولي الحكومة اهتمامها ً بهم إذا كانوا  يفترون عليها ولا يباركون نعمة المحاصصة ولا يشيدون بأمراء الطوائف  ، بل ويُشـهّرون بنواطير البستان العراقي ؟

    يزعمون أن الحكومة لا تهتم بأمور المواطنين ولا تولي احتياجاتهم الخدمية اهتماما ، فيقولون   مثلا  إن الكهرباء أكثر ندرة ً من الفسفور الأحمر ، وأن مجاري المياه الآسنة تشكل بحيرات اصطناعية في كثير من أحياء العاصمة  ... وهذا غير صحيح ، فالحكومة بذلت وما تزال تبذل الكثير لأبناء شعبنا العراقي ، ومَنْ لا يُصدّق فليتجوّل ليرى بعينه شوارع المنطقة الخضراء ، وأنا مستعدٌ أن أمنح جائزة مقدارها  ثلاث أسطوانات غازلكل إعلامي عراقي يُثبـِت لي وجود بركة ماء آسن فيها ... وسأمنحه برميلا من البنزين المحسّـن إذا أثبت لي وجود بيت واحد من بيوت مسؤولينا الغيارى دون كهرباء  ...

   أما زعمهم بأن الشعب العراقي يتضور جوعا وأن رواتب الموظفين لا تكفي لسدّ الرمق ـ فهو أيضا زعمٌ كاذب لا أساس له من الصحة ... فالشعب لا يعاني من شظف العيش ومن أمراض سوء التغذية ـ ومَنْ لا يُصدّق فلينظر وجوه وكروش مسؤولينا بما فيهم أعضاء برلماننا أصحاب العضلات المفتولة ( يُقال ـ والعهدة على مَنْ شاهدوا نقاش الأرجل والأيدي والرؤوس  ـ إن لأرجل بعض أعضاء برلماننا قوة رفسة الحصان ، ولرؤوسهم قوة نطحة البغـل )  .. وليس صحيحا أن الرواتب مبتسرة .. فلو كانت الرواتب ضئيلة ومبتسرة لما استطاع الكثيرون من موظفي المنطقة الخضراء شراء فلل وقصور  ومحطات تلفزيون وحتى مجمعات سكنية كاملة في  عمان ولندن ودمشق  وواشنطن والريف الفرنسي وعـواصم أجنبية أخـرى ـ  مـع أنهـم لم يكونوا يـملكون قـبل بـضع سـنوات حتى " جراديغ أو بيوتا طينية  " ... فلماذا هذا التشويه للحقائق ؟ هل هو " حسد عـيشـة " ؟ أم هي الرغبة في التشهير بغير وجه حق ؟

   يزعمون أن مياه الشرب الصحية  غير متوفرة .... وهذا أيضا افتراء رخيص  ... فمياه الشرب متوفرة ، والدليل : إن نهري دجلة والفرات طافحان ...
   ثم ليس بالماء وحده يرتوي الإنسان ... فلماذا لا يشرب الشعب بيبسي كولا أو " عصير راوخ " أو اللبن ؟ ألـَمْ يقل السيد المسيح : " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ؟  إذن فليبحث الجياع عن بديل للخبز ... ليأكل الصمون مثلا ... أو البسكويت والـ " الكليجة " ....

  والله عجيب ... كل هذه الإفتراءات ، والصحافيون والإعلاميون يطالبون الحكومة  بحمايتهم !!

                                     **

28

       أعضاء برلمانيون  ؟ أم  ملاكمون وبلطجية ؟



                                                                               يحيى السماوي




 *  تكمن  هيبة وقوة القانون ـ أي قانون ـ في عدالة تطبيقه على الجميع وليس في بلاغته ومحتواه ... فالإنتقائية في تطبيقه تـُفـقِـدُه معناه وتجعل منه هِراوة َانتقام وتصفية حسابات وليس سورا للمواطن والمجتمع  .. القانون الذي لا يُطبق بعدالة على الجميع ، ليس جديرا بالإحترام .

   لقد استبشر الشعب العراقي خيرا ً بالخطاب الحكومي الرسمي  المعـلـن عن الفصل بين السلطات في عراق ما بعد صدام حسين ... غير أن كثيرا من الممارسات ، تقود إلى الإنطباع بأن القانون ما زال آلة ً معطوبة ً وأن مبدأ الفصل بين السلطات لا وجود له في الواقع التطبيقي ..

                                   **

   * وإذا كان لحجب الحصانة البرلمانية عن مثال الآلوسي مايبرره قانونا ً ، باعتباره قد زار بلدا ً كان حتى وقت قريب في عداد البلدان العدوة ، ولم يصدر من حكومة العهد الجديد  ما يوجـِبُ رفع إسرائيل من قائمة البلدان المحظور زيارتها ـ فإن الإعتداء عليه ضربا أوبكلمات ٍ نابيةً ، ليس له ما يبرره  إنْ على صعيد القانون أو السلوك السويّ لنـُظم السلوك الإجتماعي والسياسي .
   التفاهم  بالأيدي والأقدام والكلمات البذيئة ، يعني خواء رؤوس أصحابها فكريا ً وأخلاقيا ً وسياسيا  ـ ومثل هؤلاء غير مؤهلين لتمثيل الشعب في عراق ٍ أردناه جديدا ً ، يخلو من جميع أشكال التعسف الكيدي .

•   الدكتور عزمي بشارة مفكرٌ عربيٌّ له مؤلفاته الفكرية  الثرّة إضافة لكونه رئيس حزب ٍ له حضوره الفاعل بين عرب إسرائيل ـ حزب يضم عشرات الآف الأعضاء وليس عشرات الأفراد ، وهو إلى ذلك عضو البرلمان الإسرائيلي ... زار بلدا ً له فيه أهلٌ وأقرباء وأصدقاء وتربطه بشعبه لغة ٌ ودينٌ ومذهبٌ وقضية ... ومع ذلك فقد رفع الكنيست الإسرائيلي ( البرلمان ) الحصانة  َ عنه ـ رغم أن زيارته لم تكن بهدف إقامة حلف أمني واستخباراتي  ... فلا  غرابة إذن إذا رفع البرلمان العراقي  الحصانة عن مثال الآلوسي ، ما دام أن إسرائيل ـ واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان كما تزعم ويزعم المتأسرلون العرب ـ قد سبقت البرلمان العراقي  في حجب حصانة عضو برلماني ... الغرابة هي في الإعتداء الجسدي الهمجي على مثال الآلوسي ... وما يثير الإتعاظ أكثر هو  أنّ المعتدين  إسلامويون كان من المفروض بهم أن يكونوا أكثر الناس عملا ً بقول الله  : " وجادلهم بالـتي هي أحـسـن "  بينما كان تصرفهـم تصرف " الكاوبـوي الشقاواتي  " و " رنكو لا يتفاهم " !!
•    ثمة أكثر من سؤال يتطلب إجابة من " سَـدَنـَة " برلماننا وسلطتنا القضائية في عراقنا الجديد ... منها مثلا : لماذا لم تـُرفعْ ـ أو تـُجَمّدْ على الأقل ـ حصانة الطائفي الداعم للإرهاب " عدنان الدليمي " ؟ ألـَمْ يهددْ يوما ً بجعل الدم العراقي يصل إلى الرُكـَب ؟ ألم  يعترف أحد أفراد حمايته ، الإرهابي  المعتقل منذ 13/1/2008" علـي سلمـان صالـح الجـبوري  " أن عدنان الدليمي  طلب منه ومجموعة من الإرهابيين أن يملأوا شوارع بغداد بالسيارات المفخخة بعد إعدام الديكتاتور صدام حسين ؟ أنقل للقراء بعض اعترافات الإرهابي علي سلمان الجبوري ـ عضو حماية عدنان الدليمي : "  تم الاجتماع مع علي عبدالله مهدي الدليمي الملقب (سيف كياره) قائد مجاميع التنظيم القاعده وعـن طريق ابراهيم المساعد قائد المجاميع قال سوف نذهب الى منزل الدكتور(عدنان الدليمي) وهو قال لي اريد مجموعه من مجاميعك لواجبات كبيرة وطلب منا الكتمان وسوف تحصلون عله رواتب جيده ومكافئات كبيره وهو اختارنا في هذه المجموعه ثم ذهب بنا (ابو سيف كياره) الى منطقة حي العدل وجائت الينا سيارات مضلله واخذت ابو سيف وابراهيم واثنين من حماية ابو سيف من اهل الدوره وبعد نصف ساعه جائت نفس السياره واخذتني انا وعبد الصمد ودخلنا الاستعلامات التابعه الى بيت الدكتور (عدنان الدليمي) وكان ابنه مكي حسب مااذكر هو الذي استقبلنا وعندها استقبلنا (الدكتور عدنان الدليمي) وشرح له ابو سيف الموقف والاعمال التي قمنا بها وشكرنا على هذه الاعمال وقال اني اريد عمليات اقوى من هذه العمليات الصغيره التي قمتم بها وهذه هديه الى كل شخص (10) ورقات امريكي وخصص لكل شخص راتب قدره 450 الف دينار عراقي في الشهر وقال لنا في الحرف الواحد اريد اسقاط حكومة هذا العميل الساقط (المالكي) الذي اصر على اعدام (صدام) واريد تفخيخ سيارات واريد ضجه في الشوارع وفي شاشات التلفزيون وقال له ابو سيف نحن ضعفاء في التمويل الاموال والاسلحه فقال (عدنان الدليمي) لاتهتم الى هذه الامور البسيطه كل ماتريد سوف ياتيك خلال ثلاثة ايام0 وبعد ثلالثة اشهر تم مقابلة الدكتور(عدنان الدليمي) وذهبت ان ومعي ابو سيف كياره وابراهيم وعبد الصمد وكان مع ابو سيف حمايته عدد اثنين ذهبنا بواسطة تكسيات عدد اثنان من منطقة السيديه الى حي العدل ثم جائت سياره جمسي مضلله اخذت ابو سيف ونحن وصلنا قرب بيت عدنان الدليمي وبعد اقل من ساعه جائت نفس السياره واخذتنا وكان في الاستعلامات الذي استقبلنا ابنه مكي عدنان الدليمي وبعد 15 دقيقه استقبلنا الدكتور (عدنان الدليمي) سلم علينا وقال لنا بارك الله بجهودكم وبجهادكم وسوف ارسل لكم مع ابو سيف هديه كبيره وقال عندي لكم مهمه كبيره لكم سوف اوجه ابو سيف بها وانني رائيت اقراص التصوير ولاكن لديكم بعض الاخطاء سوف ابلغ بها ابو سيف ليت تصحيحه في العمليات القادمه وبعد يومين من الزياره ارسل لكل واحد 25 ورقه فئة دولار امريكي لكل واحد " ... لماذا لم يتم سحب الحصانة عن عدنان الدليمي بعد كلمته الطائفية في مؤتمر استانبول ـ  وهو يصرخ والزبـد يـسـيـل من شـدقـيـه ورأسه يـرقص " الجوبي و الهجع "  محرّضا ً على  قـتـل " الشيعة الصفويين " ؟
•   لماذا لم تـُرفع الحصانة عن وزير التربية " خضير الخزاعي " لتستره على أفراد حمايته الذين  أطلقوا النار أمام عينيه على طلاب السنة النهائية للدراسة الاعدادية في مبنى كلية التربية الاساسية خلال تأديتهم الإمتحانات  في (الصليخ – الاعظمية ) فقتلوا طالبا وجرحوا أربعة  طلاب آخرين ؟ هل كان دم الشهيد  سَـيغـض ُّ " القانون " عنه النظر لو كان الشهيد ابن رئيس كتلة برلمانية ؟
•   وماذا عن طارق الهاشمي ؟ ألـَمْ يكن طـرفا ً في إخــراج مـسـرحـيـة " الفتاة المحصنة المصون صابرين الجنابي " التي زعمت باغتصابها من قبل " الصفويين " ليتضح بعد حين أنها  مجرد " بائعة هوى " وأن الحادثة ملفقة أساسا ً باعترافها شخصيا بعد العثور عليها وقد رمى بها حُماتها في مزرعة وعليها آثار التعذيب ؟
•   القانون كلام ٌمكتوب ٌوليس قفازات ملاكمة و " نخوة عشائرية " ... فعسى أنْ يُصار إلى إدخال " بعض " برلمانيينا في دورات تـثـقيفية ليتعلموا فن الحوار ويتخلصوا من مرض " النطح والرفس " .. وقبل ذلك : أن تكون يد القانون أطول من أيدي البرلمانيين والمسؤولين ، وأعلى من رايات الأحزاب والطوائف .

                                     ***



29

  المصطلحات الفضفاضة في الإتفاقية الأمنية


                                                                     يحيى السماوي



   يوم 13 من الشهر الجاري ، نقلت وكالة رويتر عن وزير خارجية العراق هوشيار زيباري قوله في جنيف : "  ان المفاوضات الخاصة باتفاق امني امريكي عراقي على وشك الانتهاء وقد تمهد السبيل لانسحاب على نطـاق واسـع للقوات بحلول عام 2011. .. " مضيفا : " نحن لا نتحدث عن جدول زمني محدد. نحن نتحدث عن افق زمني .. اطار زمني .. موعد نطمح اليه." ....

   الحرف " قد " حين يدخل على الفعل المضارع ، فإنه يفيد التقليل .. أي تقليل احتمال حدوث الفعل ... فقوله " قد تمهد للإنسحاب " يعني أن حدوث الإنسحاب هو أمرٌ مستبعد وقليل الإحتمال ... فهو قد يحدث ـ ولكن ليس في الزمن المنظور ... فالإنسحاب لا وجود لجدول زمني يحدده ... فهو مرهون بـ " أفق زمني " .... الخطورة في ضبابية مصطلح " الأفق الزمني " تكمن في أنه يمكن أن يكون عام 2009 هو نهاية هذا الأفق مثلما يمكن أن تكون نهايته قيام يوم القيامة ... فالإحتمالان صحيحان ... فهل ثمة استغفال للشعب العراقي واحتيال عليه أكثر من هذا ؟

   إن عقد إيجار حانوت بقالة  في سوق شعبي ، لابدّ وأن يتضمن تحديد سقف زمني .... فكيف يرتضي وزير خارجيتنا بمعاهدة أمنية تـُخـْضِـع العراق ـ وليس حانوت بقالة ـ لقوات الإحتلال ـ باعتبارها مستأجرا ـ  بدون سقف زمني يُنهي عقد إيجار العراق ؟

   وفي جانب آخر من حديثه قال السيد زيباري : " نفكر انه في الصيف القادم .. 2009 .. شريطة استمرار هذا التحسن في الاداء والاستعداد الامني العراقي .. ربما لا تكون هناك حاجة لتواجد القوات الامريكية او قوات التحالف في قلب المدن." ... معنى كلامه هذا ، أنه في حال تحسن أداء القوات العراقية ، سـتنسحب القوات الأمريكية من " قلب المدن العراقية " لتقيم في " أطرافها ... وأما " تحسن الوضع الأمني ، فيكفي أن تقوم قوات الإحتلال بتدبير تفجير سيارة أو تسهيل مهمة " خروف بشري ليفجر نفسه في سوق شعبي ، كي تثبت أن الوضع الأمني غير مستقر ٍ وبالتالي فلابدّ من تمديد وجودها انسجاما مع " الأفق الزمني " !!

                                       **

    المحلل السياسي العراقي أزهر الخفاجي إطلع على بنود الإتفاقية بصيغتها المعدلة فتساءل مستغربا  : ""العجب كل العجب في هذه الاتفاقية ، ان الجندي الأمريكي يمتلك الحصانة في معسكراته وقواعده وفي خارجها ، أي انه له الحصانة في كل أنحاء العراق ، كما ان مسؤولي المراكز الحدودية ،  لايحق لهم ، منع دخول وخروج أي فرد من أفراد القوات المسلحة الأمريكية ولا منع دخول وخروج العناصر الأمنية ولا أعضاء الكيانات التي تعمل مع القوات الأمريكية ، ولا يحق لهم منع قيام القوات المسلحة الأمريكية او الكيانات العاملة معها من نقل وتصدير اية مواد وامكانات من العراق "!...وتساءل السيد الخفاجي : " هناك بند من بنود المسودة المصححة للمرة الثالثة ، يوجب على القوات العراقية ان تطلب مشاركة القوات الأمريكية في أية عمليات عسكرية تقوم بها القوات العراقية ، وأننا نتساءل : بأي حق تفرض الولايات المتحدة على الحكومة العراقية الاستعانة بالقوات الأمريكية في عملياتها الأمنية التي تقوم بها مستقبلا في العراق ..؟ "

   وكما لجأ السيد وزير خارجيتنا إلى استخدام مصطلحات ضبابية وفضفاضة في تصريحه ، حفلت الإتفاقية بمصطلحات وكلمات أكثر ضبابية وفضفضة قابلة لما تريده الولايات المتحدة الأمريكية من تفسيرات تخدم شرعنة احتلالها للعراق .. فقد ذكر السيد الخفاجي أن المسودة الثالثة تضمنت في أحد بنودها  : "" الكيانات " التي تعمل مع القوات المسلحة ، والتي وردت كرارا في مسودة الاتفاقية ، والتي اخذت صفة العموم، فماهي هذه الكيانات ومن هي ..؟!! فهل هي شركات امن .؟! ام عناصر القوات القذرة .؟!  ام اجهزة استخبارات دولية اسرائيلية وغير اسرائيلية ؟! ام شئ اخر لايعرفه العراقيون ولاحكومتهم ..؟ " ومسميات أخرى غائمة الدلالة مثل كلمة " المساحات " فكتب الخفاجي محذرا ومتسائلا  : "" المساحات " التي تكررت في هذه المسودة والتي تخص القوات الأمريكية او التي تستخدمها فعليا ، هل تعني القواعد العسكرية فقط ..؟ ام كل شئ يرى الأمريكيون ضرورة الاستحواذ عليه لتامين عملهم في العراق ، وتساءل عن سر عدم ذكر وتحديد مكان هذه - المساحات -  وحدودها وماهيتها ..؟!
وهل المقصود بها هي القواعد العسكرية فقط ..؟! ام مساحات أخرى ..؟! وإذا كانت القواعد العسكرية هي المقصودة بعبارة " المساحات " فلماذا لاتذكر وتحدد من الان حدودها ومساحتها ، ومراكزها وتذكر اسماؤها ، فهل هي الـ 179 قاعدة امريكية صغيرة وكبيرة الموجودة في العراق ..؟ ام أنها  القواعد العسكرية الكبيرة فقط ، واين هذه القواعد حاليا وأية مناطق تشمل واية مدن ..؟ وهل المساحات المقصود بها هي كل المساحات التي تسيطر عليها في كل العراق حاليا ام هي بعض منها بينما يسلم البعض الأخر للحكومة العراقية .؟!

   من البديهي ، إنّ  تقديم الرشوة لإنجاز عمل ٍ ما ، يعني بالضرورة أن هذا العمل يصبُّ في مصلحة الراشي وليس المرتشي ... ويعني أيضا ً لا مشروعية العمل .... وما يبذله المسؤولون الأمريكيون من جهود لحمل أعضاء البرلمان العراقي على قبول الرشاوى للموافقة على الإتفاقية ، هو الدليل القاطع على حقيقة أن المعاهدة تضرّ بالعراق وتخدم الجاني الأمريكي وحده .... فقد نقلت وكالة الكوفة للأنباء عن أعضاء في البرلمان العراقي  قولهم : " السفارة الأمريكية في بغداد عرضت صراحةعلى عدد من النواب والسياسيين وبينهم من يشغل مناصب حكومية ، تعهدا بضمان سلامتهم وتامين لجوء دائم لهم في الولايات المتحدة وبامتيازات عالية في حال شعورهم بالخطر ورغبتهم في الخروج من العراق اذا ما تسبب تأييدهم لـلاتـفاقية الأمنية  او التسويق لها مخاطـر على حياتهم او على أسـرهم .. " .

   حسنا فعل السيد  رئيس الوزراء بسحبه ملف المفاوضات من وزارة الخارجية ... فالسيد  هوشيار زيباري يبدو وزيرا لخارجية إقليم كردستان أكثر من كونه وزير لدولة العراق ... وحسنا فعل في إصراره على  التمسك بالثوابت الأساسية للسيادة الوطنية ـ لكن المؤكد أن التاريخ سيذكره بحروف مضيئة لو رفض الإتفاقية من أساسها ... وسيجد أن الشعب العراقي يزداد التفافا حوله .... فالشعب العراقي قد عبّر عن رفضه للإتفاقية ولوجود قوات الإحتلال ـ ولا أدلّ على  ذلك من التظاهرات الجماهيرية الغفيرة والتي تخلل بعضها حرق العلم الأمريكي وتطريز صور جورج بوش بالأحذية ... والمرجعية الدينية قد عبرت عن رفضها ... والقوى الوطنية عبرت هي الأخرى عن رفضها لها ...

   التاريخ بانتظار ما سيقوله برلماننا وما سيقوله السيد  المالكي وما سـَتـُفـتي به المرجعية الدينية ، كي يكتب للأجيال عن أشـدّ فترات العراق حلكة و ضبابية ...

                                      ****

   

30

مثال الآلوسي وأجوبته المفضوحة : من فمك أدينك



                                                                                             يحيى السماوي


   قرأت  أجوبة مثال الآلوسي في صحيفة " الشرق الأوسط " عن الأسئلة المتعلقة بزيارته الثانية لإسرائيل ، فازددت قناعة بأن مثال الآلوسي لابدّ أن يكون أحد أمرين : إمّا أنه لا يفهم مايقول ، فيُدين نفسه دون أن يعي  .. وإما إنه موكولٌ إليه بتأدية  دور ٍ "  إسخريوطي "  في لعبة قذرة " وهذا ما أرجحه " تأسيسا ً على تناقضاته المفضوحة ..

   يقول الآلوسي : " تقليت دعوة ـ لزيارة إسرائيل ـ خلال وجودي في العاصمة الأردنية عمان لغرض العلاج ، وبسبب وضعي الصحي لم أشارك بمحاضرة أو كمتحدث ، لكنني وجدت أنه من الأجدى ألآ يكون موقع العراق خاليا في مثل هذا المؤتمر المهم وألآ يتحدث أحدٌ نيابة عن العراق " مضيفا ً : " لأنه في هذه المحافل هناك مَنْ يستغل المناسبة سياسيا وإعلاميا ً ، لكنني شاركت للدفاع عن بلدي "  ... والتناقض هنا واضح وضوح الدور المشبوه الموكل إليه ! ... فهو يزعم أن وضعه الصحي لا يسمح له بالحديث ، فكيف إذن سَمَحَ له بتحمّل مشقة السفر ؟ هل السفر كان من أجل أن يُسَـجِّل حضوره فقط ؟ وهل الدفاع عن البلد يكون بمجرد الحضور ولو بصفة " أطرش بالزفة " ؟ ... يستدرك مثال ، فيقول : " قلت في المؤتمر إن السيادة العراقية مهددة بسبب جنون ايران التوسعي " .. وهنا يتضح الدور الإسخريوطي لمثال الآلوسي ـ أو( مربط الحمار وليس الفرس ).. فكأنّ بمثال الآلوسي يريد القول  بأنَّ الإحتلال الأمريكي لا يهدد السيادة العراقية ، وإن التهديد هو إيراني فقط ، وبالتالي فلابدّ من توجيه ضربة إسرائيلية / أمريكية ، ولا بأس أن تنطلق من العراق !!

  أمّـا دليل مثال الآلوسي على تهديد إيران للسيادة العراقية ، فهو كما جاء في جوابه : " إن النظام الإيراني يعتقد  العراق تابع له حتى أن منوشهر متقي وزير خارجية إيران يقول نحن على استعداد لتدريب كوادر وزارة الخارجية العراقية " ... لكن الآلوسي يتناسى أن الأردن قامت بتدريب كوادر ومجاميع كبيرة من الشرطة العراقية داخل العاصمة عمان وليس في كلية الشرطة ببغداد .. فهل يصحّ القول إن الأردن ولمجرد مساعدتها لنا في تدريب الشرطة ، أنها تعتبر العراق تابع للمملكة الهاشمية ؟ ألا يدلل الآلوسي عبر هذه الأجوبة أنه غيرمؤهّـل ٍ لحضور مؤتر فكري أو سياسي عالمي  لولا أن الدور الموكل إليه حتـَّم على  مسؤولي المؤتمر دعوته لتسجيل حضوره والإدلاء بما لـُقـِّن به ، ومن ثم ليعود أدراجه حتى قبل انتهاء المؤتر ، وكما جاء في جوابه عن سؤال يتعلق بالمدة التي أمضاها في تل أبيب ، حيث قال : " شاركت في أعمال المؤتمر العالمي لمحاربة الإرهاب يوما ً ونصف اليوم وعدت قبل نهاية المؤتمر " ... فالرجل عاد قبل اختتام المؤتمر وقبل معرفة تفاصيل بيانه الختامي ... وبمعنى ً آخر : لم يجد المسؤولون عن المؤتمر أية أهمية لـ " فطيمة في سوق الغزل ، فتركوها تغادر بعد أن أدلت بشهادتها " ... وربما أعطوها " المقسوم من الرزق لتمويل حزبها ـ خصوصا وأن الآلوسي سبق واشتكى  قبل نحو  أسبوعين في لقاء صحافي أجراه معه الأخ الشاعر صادق مجبل الموسوي تم نشره في الحوار المتمدن ومواقع أخرى ،  من أنه لا توجد جهة خارجية تدعمه ماليا كي يفتح فروعا لحزبه في المحافظات العراقية " ...

  لقد استدعت إسرائيل الآلوسي ليقول ما صرّح به علانية من داخل تل أبيب : " إيران هي مَن يشكل خطرا حقيقيا على العراق والخليج العربي وعلى الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط " ...
 
  وقال : " إن إيران تشكل خطرا حقيقيا على العراق أكثر من إسرائيل " مستدركا ً بالقول : " لا بل إسرائيل غير موجودة في محيط العراق " .. وبمعنى آخر ، فإن الآلوسي لا ينفي خطر إسرائيل على العراق ، فهي تشكل خطرا لكنه أقل من الخطر الإيراني ( يبدو أن الآلوسي لا يعرف معنى الخطين الأزرقين المحيطين بنجمة داود في العلم الإسرائيلي واللذين يرمزان إلى الحلم الصهيوني بإقامة دولة إسرائيل ا لكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات ) ..

   وفي مغالطة أخرى يقول الآلوسي : " إن على المواطن العراقي أن يكون محميا عندما يسافر لأي مكان في العالم من قبل سفارة بلاده ، أما أنا كسياسي فتحميني الحصانة التي أتمتع بها " ... في جوابه هذا يكشف عن فقره السياسي وليس الأخلاقي فحسب ... فهو يجهل واقع أن السياسي لابدّ وأن يُخبـِرَ حكومة بلاده حين يعتزم زيارة دولة لا تربطها علاقات دبلوماسية مع حكومة بلاده وكانت حتى وقت قريب تـُصَنـّف على أنها دولة عدوة .... الأدهى من ذلك ، أن مثال الآلوسي لم يُخبر ْ حتى حزبه ... فحين سُـئِـل مدير مكتبه عن حقيقة سفر الآلوسي ، أجاب : لا أعرف وليس لي علمٌ بذلك ، وكل الذي أعرفه هو أن السيد مثال الآلوسي ذهب إلى الأردن للعلاج "  ... فأي حزب هذا الذي يزور رئيسه  دولة أجنبية للمشاركة في مؤتمر عالمي دون أن يُخبر المكتب السياسي  ؟ أهذا حزب سياسي أم فريق " لعـبة محـيـبـس " ؟

   وفي إجابة أخرى تكشف عن فقره السياسي وخوائه الفكري ، يقول الآلوسي : "  إن العراق معترف بإسرائيل ، لأن العراق وإيران يجلسون في الأمم المتحدة متجاورين حسب الحروف الأبجدية " .. وحسب إجابة (السياسي و المفكر الآلوسي ) فإن إيران ، وليس العراق فحسب ، تعترف بإسرائيل ، لأن وجود دولة كعضو في الأمم المتحدة ، يعني بالضرورة اعترافا رسميا من قبل الأعضاء جميعا ـ وهو لعمري منطق لا يقـتـنع به  حتى "  حمار جحا " .... فتايوان مثلا عضو في الأمم المتحدة ومع ذلك فلم يتم الإعتراف بها كدولة من قبل أعضاء كثيرين وكانت سبب مشكلة كبيرة بين الصين والمنظومة الدولية حتى سنوات قليلة ماضية ... وإسرائيل ذاتها ما تـزال تأمل أن تعـتـرف بها دول كـثيرة هي أعضاء في الأمم الـمتحـدة (( والمفترض بعرّابها وسفيرها الرمزي في العراق مثال الآلوسي معرفة ذلك ) .

   ثم ، ما مصلحة العراق في دخوله حلفا استخباراتيا يجمع أمريكا وإسرائيل والأردن وتركيا ضدّ إيران ـ كما يُنادي بذلك الآلوسي ؟

   يقول الآلوسي : " ليس من حق أي نائب أو سياسي أن يسألني عن زيارتي لإسرائيل .. وأنا لا أخشى أقزام السياسة " .... ( صحيح والله ... إنه برلمان وحكومة أقزام إذا بقي مثال الآلوسي متمتعا  بالحصانة ... وعلى البرلمان والحكومة إثبات أنهم ليسوا أقزاما ـ وإلآ فالآلوسي على صواب في توصيفه  ) ! 

  وعلى افتراض أن الآلوسي  من المكافحين ضدّ الإرهاب ، فهل إسرائيل  دولة مسالمة ؟ أم هي رمز الإرهاب في المنطقة الإقليمية باعتراف منظمة العفو الدولية ومنظمات عالمية أخرى ـ بل وباعتراف مـنظمـة " السلام الان "  الإسرائيلية .... إن العاري غير جدير ٍ في حث ِّالناس  على  الحشمة ، ولا ثمة جلاد متوحش جدير بالتكلم عن الرأفة ... إسرائيل هي الرمز الإقليمي للإرهاب العسكري والسياسي ، مثما أن أمريكا هي الرمز العالمي لإرهاب الدولة  ... لا ثمة كـثير فرق بين عـمامـة أسامة بن لادن وخوذة رئيس أركان جيش  إسرائيل الذي استضاف منال الآلوسي في مزرعته خلال زيارته الأولى ( الأولى حسب ما هو معلن ـ وربما هي غير ذلك تسـلسـلا حسب ما هو غـير مـعـلن ) ..... ولا ثـمـة كـثيـر فـرق بـيـن  " عرقجينة " الزرقاوي  الملعون وبين ربطة عـنق  المجرم جورج بوش..

   لستُ ممن يؤيد السياسة الإيرانية في العراق أو المنطقة ... لكنني ضدّ أن يكون العراق طرفا ً في أيّ صراع إسرائيلي أو أمريكي ضد إيران ... فالجسد العراقي ماعاد يتسع لجراح جديدة ... كفانا حروبا وأحلافا تآمرية ومعاهدات مشبوهة ...

   ثمة سؤال جوهري : كيف عرفـَتْ إسرائيل عنوان الآلوسي في العاصمة الأردنية عمان فأرسلت إليه الدعوة ؟ هل وسائل الإعلام العراقية والعربية والعالمية تناقلت خبر علاجه في الأردن ، فعرفت إسرائيل بوجوده ؟ أشك في ذلك .... فـالإعـلام العالمي ـ وحتى العـربي والإقليمي ـ لا يـعـرف مَـنْ تكون " فطيمة " في سوق الغزل  ـ لكنّ إسرائيل تعرف أين تكون !!!

   قلت في مقال سابق إن مثال الآلوسي يطمح أن يكون سفير العراق في تل أبيب في حال قامت علاقات دبلوماسية بين الحكومتين ... ويبدو أنني كنت مصيبا في اعتقادي ... فها هو يعـلن صراحة عن مطمحه : " عندما تكلفني الحكومة أو البرلمان بالتفاوض مع إسرائيل سأذهب بكل وضوح "

   ثمة سؤال واحد تساءل به مـثال الآلوسي عبر صحيفة الشرق الأوسط وبقي دون جواب ... فقد تساءل : لماذا يزور بعض السياسيين العراقيين إسرائيل سـرّا ً ؟

  الجواب يا مثال الآلوسي : هؤلاء يزورون إسرائيل سـرّا ً لأنهم مقتنعون أن زياراتهم تلك تمثل تحديا لمشاعـر الشعب العراقي ، ولأنهم يدركون أنها خطيئة ، لـذا يـتـسـترون عـليهـا ولا يعلنون عنها  ... فحبذا أن تكشف عن أسمائهم كي يعرف الشعـب العراقي ما يحدث بين الأقبية والدهاليز السريّـة في عراقنا الجديد ..
   
                                   ***
 

   

31
عن محاولة اغتيال الشاعر جواد الحطاب



                                                                                                يحيى السماوي





  جاءني صوته  مبللا ً بندى المحبة والودّ  ..  دافئا ً دفء شاي صباحات بيوت الطين .. جهوريا ً كهتافات عشـاق ٍ يطالبون بردم مستنقع الضغينة  والخنادق  إفساحا في المجال للمسرّة والحدائق .. فدار بيننا هذا الحديث :
أنا : أأنت حقا ؟ الان عرفت لماذا بدت ظلمة هذا الليل صافية كجديلة عاشقة زنجية ، ضاحكة النجوم كعيون الطفولة ..
هو : قبل لحظات حصلت على رقم هاتفك من صديقنا الشاعر علي الموسوي ، فرغبت الإبتراد بصوتك في هذا الصيف المسعور ..
أنا :  ألمْ تسـتوعـبوا رسالة الظلاميين باستهدافهم رأس المناضل التنويري المفكر كامل شـياع ؟ فابحث لك عن وطن مستعار ريثما تضع الطائفية في العراق أوزارها وتولي الحكومة اهتماما حقيقيا بالمبدعين ... أرجوك حافظ على قنديل  رأسك ..
هو : لا أرى لموتي معنى  بغير العراق .. لقد اشتريت لي مترا مربعا في مقبرة وادي السلام  ...  سأنتظرك في سفوان ـ فأنا لا أريد أن يستقبلك أحد قبلي ..

                               
**

   تلك كانت فقرات من مهاتفة الشاعر المبدع جواد الحطاب قبل ساعات من محاولة السَفـَلـَة ِ إطفاء قنديله بتفجير سـيارته ـ وهـو المسالم الوديع   ، عاشق الطفولة والعطر ، والسادن النبيل في محراب الصداقة  ...

  ترى هل كان السَـفـَلـَة ُ يعرفون أن الحطاب قد اشترى مترا مربعا في مقبرة وادي السلام ، ليضمن له سريرا من تراب الوطن  حين يغفو إغفاءته الأخيرة ؟ وهل كانوا يعرفون أن الحطاب منهمـك في نسج ِ منديل ٍ جديد ٍ من حرير الشعـر ليُمَسِّــدَ  به جرح البصرة ، ويمسحَ دموع بغداد وهي تودِّع فتى الأبجدية البار  كامل شياع ؟

                                                   
**
   جواد الحطاب فارسُ شعر ٍ حقيقي : سلاحه نبض قلبه ... صهوته قلم ٌ ، وساحته ورقة .. فلماذا يخشاه المدججون بالديناميت ؟  جواد الحطاب مبدع عراقي حقيقي في زمن ٍ إلتبس فيه الإبداع فبات عسيرا التمييزُ بين " غارس الشعر في حديقة الدهشة " و " طـاحـن  الـشـعـيـر فـي طاحـونة الهـذيـان "  كالتباس ِ الـ "العَـراقـة ِ " في وطن ٍما عاد سهلا ً  فيه التفريق بين  " عـميل "  لطواغيت البيت الأسود في واشنطن  .. و " مُعـيل " لأطفال الكوخ الأبيض في بغداد ..

   قبل أيام نجح الطائفيون  وأعـداء النور والحرية والإبداع بإطفاء قنديل المناضل المفكر كامل شـياع ... وأمس كادوا أن ينجحوا بإطفاء قنديل الشاعـر المبدع جواد الحطاب .... ترى مَنْ سيأتي دوره غـدا ؟ 

   سؤال بحجم فضاءات الأبجدية ، أضعه على طاولة المسؤولين المعنيين ـ  على رغم يقيني أنهم لن يجيبوا   ....!

                               
***

32


       
السماوي يحفر التاريخ على جذع   الوطن

 
شوقي عبد الحميد يحيى
   القاهرة


عندما يتعرض الوطن لمكروه ، يتناسى أفراده ومواطنوه أنفسهم التي تتماهى فيه ، ويصبح هو الهمّ الأكبر ..
ذلك ما نستطيع تبينه بوضوح في ديوان الشاعر العراقي يحيي السماوي " نقوش علي جذع نخلة "* ذلك العنوان الدال والمعبر أبلغ تعبير عن
الديوان، وعن تجربة الشاعر فيه ، خاصة إذا ما عرفنا أن العراق تعتبر من أكبر – إن لم تكن بالفعل أكبر – الدول العربية غرسا للنخيل . كما أنها – أيضا – من أكثر الدول العربية المشهور بالنقوش علي الجدران – بحكم ما للعراق من تاريخ ، وعلي اعتبار النقوش أحد أهم سبل التأريخ - ، وهو ما يقودنا إلي أولى خصا ئص وعلامات يحيي السماوي الشعرية في كل أشعاره ، وفي هذا الديوان بصفة خاصة ، ألا وهي :
ألأصالة والمعاصرة
  1 ـ الشعر التراثي
أ - جمع السماوي في ديوانه بين الشعر العمودي والشعر الحر ، أو إن شئنا الدقة : بين شعر التفعيلة والشعر النثري أو النثر المشعور ، وكأنه يؤكد لنا أنه يكتب الشعر الحداثي – نعم – إلا أنه لم يتخل عن تراثه الشعري ، مستفيدا من إمكانيات كل ٍ من الإسلوبين في الوصل لرسالة أراد توصيلها لشعبه ولوطنه ، المهم أن تصل الرسالة ، وهو ما يؤكد إقتناع السماوي بدور الكلمة في المقاومة ، وفي تخليص الوطن من غاصبيه ، سواء كانوا من أبناء البلد ( في إشارة إلي صدام وأفعاله ) أو من الغازين الاستعماريين ( في إشارة إلي المحتل الأمريكي.(
ولم يقتصر هذا فقط علي مجرد الشكل ، بل ، تجاوزه كذلك إلي المضمون  متمثلا في ) تلبيس ) الحاضر في الماضي ، بما يعني وجود الماضي في الحاضر ، وتأثيره عليه .
فننظر مثلا إلي قصيدة " يا آسري " ، حيث نجد نهج الفخر المشهور به الشعر الجاهلي .
فعلى نهج السموأل حين قال :
رسا أصله تحت الثرى وسما به *** إلى النجمِ فرعٌ لا يُـنالُ طويلُ
وقال السماوي في قصيدة يا آسري :
فلأنَّ لي طبع النخيل تشبثا ً *** ولأن صون العهد من أخلاقي

حيث نجد كليهما قد استعان بموجودات البيئة ( النخيل ) لتصوير تجذر الخاصية في طـين الأرض ( وهـو ما يجعـل أساسا متينا – مرتبطا بالأرض ) { رسا أصله تحت الثرى } { فلأن لي طبع النخيل تشبثا } . كما نستطيع تبين استخدامات السماوي الكثيرة للنخيل في التصوير من جانب  وفي التعبير عن العراق من جانب آخر ، حيث يفرد قصيدة كاملة بعنوان " في وطن النخيل " وكأنه يقول ، في وطني العراق – كل شيء مستباح - يقول فيها :

في وطن النخيلْ

يحق للقائد – باسم الأمن والسيادة ْ

أن يمنع العبادة ْ

إلآ إذا تعهَّـد " الإمامُ " أن يتختتم الصلاة

بالحديث عن مكارم القيادة ْ
 
**
في وطن النخيلْ

يحق ُّ للمحتـلِّ  أن يصادر الإرادة ْ

ما دام أن التابع الذليلْ

ينوب عن كل الملايين التي تبحث

عن خلاصها من عسف الدخيلْ

******

ب - ولعل من أجمل استخدامات النخيل في التصوير ، والربط بين الإنسان والأرض ، ما جاء في قصيدة " يا صابرا عقدين إلا بضعة ً " والتي بدت فيها ملامح الشعر الغـنائي - الشحيح في الديوان – والذي مزج فيه الشاعر الهمَّ الشخصي الموجع بابتعاده عن الوطن وغربته ، في ذات الوقت الذي اغترب الوطن ذاته عن ذاته :
النخلُ نفسُ النخل ِ ...إلآ أنه *** مستوحشُ الأعذاق والسعفاتِ
لكأنَّ سعف النخل حبلُ مشيمة ٍ *** شُدت به روحي لطين فراتِِِ

فإذا كان هو علي البعد يعاني ، ولم يفصله عن معاناة وطنه شيء وكأنه
مربوط به بحبل المشيمة  فكم تكون آلامه عندما يشعر بأنه مربوط عاجز علي البعد بينما الوطن هناك يعاني الإغتصاب ، ويصرخ في عاجز أن يسعفه . لشد ما تكون المرارة والشعوب بالعجز :

ليلاك في حضن الغريب يشدها *** لسريره حبل من السرفات ِ
تبكي وتسـتبكي ولكن لا فتىً *** فيفـك ّ أسـر سـبيئة ٍ مدماة ِ
يا صابرا عقدين إلا بضعة ً *** " ليلى " مُكبلة بقـيـد "غزاة ِ "

******

ج - والهجاء الذي كان أيضا أحد أساليب الشعر الجاهلي ( أزهى عصور الشعر العربي ) إلآ أن هجاء شاعرنا هنا ليس للأعداء بقدر ما هو لأهله الذين استعبدهم الدولار ، أي انه هجاء استنكاري – إن جاز التعبير – مليء بالسخرية المرة والرافضة في ذات الآن .
في قصيدة " جلالة الدولار " يقول السماوي :
 
جلالة الدولارْ
 
حاكمنا الجديدُ .. ظلُّ الله فوق الأرضِِ
 
مبعوث إله ِ الحربِ والتحرير والبناء والإعمارْ
 
له يُقام الذكرُ ..

تـُنحَـرُ القرابينُ

وتـُقـرَعُ الطبولُ

تـُرفـَعُ الأستارْ

وباسمه تكشف عن أسرارها الأسرارْ  ... الخ

د – إستخدم السماوي الكثير من أبيات الشعر القديم وأدخل عليها بعض التعديل كتقنية لاستمرارية الزمن ، واستمرارية الحدث ، وما يقوم به من تعديل يدلُّ على ما استجد في كل ّ ٍ ٍمن الزمن و الحدث ، بمعنى التشابه وليس التطابق . فنجده مثلا استغـل بيت الشعر المشهور ( وأعتقد أنه للشاعر الجاهلي ابن أبي سلمى ) القائل :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذي *** حتي يراق علي جوانبه الدم

فأراد التعبير عن العار الواقع على الوطن من جراء الاحتلال الأمريكي ، فكتب في قصيدة " نقوش علي جذع نخلة " :

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذي
حتي يُزالَ الإحتلالْ
 
******

 2 ـ القرآن الكريم
استطاع العرب في صدر الإسلام أن يسودوا الدنيا ، وتصبح لهم الغلبة علي مساحة لا يستهان بها من الأرض . أما عرب اليوم ، فالوضع التردي لهم وهوانهم لا يخفي علي أحد .
ويكثف يحيي السماوي هذا الرأي بصيغة شعرية مكثفة ومعبرة بأقوى ما يكون التعبير ، حين يأتي بأيات القرآن الكريم ، تلك التي كانت أحد أسباب ازدهار الإسلام وسيادة رجاله ، حين وعوا معنى الآيات ، وجوهرها ، وعملوا بها ، فكانت لهم الغلبة .
أما حين أفرغ المسلمون ( والعرب ) الآيات من جوهرها ومضمونها ، كان حالهم ما نراهم عليه اليوم ، وما نرى العراق ـ تحديدا ـ عليه اليوم . فأورد السماوي الآيات بصيغة الحاضر ، بإسلوب الحاضر ، الحاضر الشعري ( الشعر الحر ) والحاضر المعاش ( واقع العرب ) في القصيدة التي تحمل سم المجموعة :

إذنْ

أعدُّوا لعدوكم – عدو الله – ما يرهبهُ

من قوة اللسانْ

وما استطعتم من خيول الخطب العصماء
والبيانْ

ذودوا عن التراب والمال ِ
وعن عرض المحصنات بالأشعارْ
 
حتى يـفـرَّ القاتل المحتل من بستاننا
 
وتـُستعاد الدارْ

فإذا كانت الآيات الكريمة تقول [ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل . ترهبون به عدو الله وعدوكم( الآية 16 من سورة الأنفال( في دعوة لإعداد القوة اللازمة لتخويف العدو وردعه . أفرغ العرب الآيات من معناها وأبقوا - وأبقي السماوي - على مبناها ، فأصبحت القوة هي قوة اللسان والكلام .
وكأنها إشارة إلي مأساة العرب عامة ، لا في الحروب فقط ، حيث أفرغ العرب الدين من معناه ، وأبقوا علي مبناه ، فأصبح الدين قائما ً علي العبادات – الطقوس – فقط دون الجوهر ودون الروح . فكأني بالسماوي يشخـّص مرض العرب الحديث ، وفي ذات الوقت يرشدهم للصواب وللطريق ، بالتمسك بأصل الآيات . بالقوة ، وبرباط الخيل .
وكأن السماوي يرفض أن ينهل من الماضي فقط فيصبح أسيرا له ، فسعى للنهل من الحاضر إلي جانبه . فعندما تشابهت الظروف ، تشابه الموقف ، وتشابهت الرؤى . فلا أحد ينكر تمام التشابه فيما حدث للعرب في يونيو 1967 ( الهجوم الإسرائيلي علي مصر ) ، وما حدث للعرب في مارس 2003 ( الهجوم الأمريكي علي العراق) . فكلاهما كان نكسة للعرب ، وكلاهما كان نتيجة طبيعية للحروب الكلامية ، والغزوات الخطابية التي قادها الزعماء والأشاوس العرب ، تحذيرا للعدو الذي يشرع في الاعتداء  وكانت النتيجة أيضا واحدة في الحالتين . فكتب السماوي الأبيات السابقة:

 أعدوا لعدوكم – عدو الله – ما يرهبه

من قوة اللسانْ

وما استطعتم من خيول الخطب العصماء

والبيانْ

ذودوا عن التراب والمال

وعن عرض المُحَصَّـنات بالأشعارْ

وكتب نزار قباني عقب النكسة في يونيو 67 الأبيات الآتية :

لابد أن نخجل من أشعارنا …

إذا خسرنا الحرب .. لا غرابةْ

لأننا ندخلها

بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة ْ

بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة ْ

لأننا ندخلها ..

بمنطق الطبلة و الربابة ْ
 
وإذ كان السماوي قد التزم في الكثير من ديوانه بذات موضوعات الموروث من الشعر العربي ، فإنه لم يلتزم به في الشكل فقط ، ولكنه شمل النهل منه شكلا وموضوعا ، وكأنه يؤكد مقدرته علي أن الحديث من أساليب الشعر والشعرية ، قادرة علي أداء ذات المهمة الشعرية ، بل وتجاوزها في خلق أنماط جديدة لم تكن في هذا الموروث ، وهو ما يقودنا إلي الخاصية التالية من خصائص شعر السماوي عامة ، وفي ديوان  " نقوش علي جذع نخلة " خاصة ، وهي :

________________________________________







هذا عراقك يا "رشـيد" كبـا به *** جورٌ وعدوان وفأسُ شِـقاق ِ

لو أن لي أمرا علي قلبـي فقد *** عجَّـلتُ من تهيـامه بطـلاق ِ

الشعر الدرامي :

يعاني يحيي السماوي ألمين في ذات الوقت . ألم الغربة عن الوطن ، وألم انحباس الوطن – من قبل ومن بعد – أي من قبل الاحتلال ومن بعده . فيحاول كسر الغربة بمد الحوار بينه وبين وطنه – ناسه – لكسر حدة الغربة . ويسعي لحثهم علي الجهاد والتحرير لمقاومة حالة الإنحباس . أي أن الأمر في الحالين يتطلب إقامة الحوار ، وهذا ما أدى بالسماوي إلى الاعتماد علي الشعر الدرامي الذي يتفق مع الموضوع ، وليأتي اتفاق الموضوع والشكل في الديوان . فإذا كان طه حسين قد اعتبر الغنائية في الشعر – مع غيره كثيرين رأوا نفس الرأي – هي مرحلة بدائية أولية . وأمام نكبات الوطن – العراق – تباعدت الاهتمامات الشخصية للشاعر ، وانزاحت إلي مراحل أبعد ، واحتل الوطن وشؤونه وشجونه مقدمة الاهتمام . فكان ضروريا أن يأتي ديوان السماوي مختلفا ، لا من حيث الشكل فقط ، وإنما شكلا ومضمونا . فالديوان يقوم علي خلق الحوار، خلق الصور المجسدة والمشخصة ، خلق الديناميكية ، التي تعبر عن الحركة ، ورفض الاستكانة والاستنامة التي لا تحرر وطنا ، ولا تطرد محتلا ، وسواء جاء هذا الحوار في صيغة مباشرة ، أو بطريقة ضمنية . وقد عبر عن هذا الانزياح وذاك التزاوج – والزواج – بينه وبين الوطن العليل في هذه الأبيات :

عَـقـدتْ ـ ولا ندمٌ ـ  عليه قِـرانها
 روحي فمهري – غربة ٌ– وصِداقي

أخفقت في عشقي فكنت طريده
  إنَّ  التغـرُّب منتهي الإخفـاق ِ

وقد تعددت صور الدرامية والحركية في الديوان ، بتنويع الضمائر لتغيير بؤرة الحدث ، وتغيير موقع المتحدث ، وكذلك تعدد الأصوات الشعرية التي تصنع – أيضا – حركية ديناميكية ، فـتـنشـأ الحركة عل نحو ما سنرى :

1 ـ في أولى صائد الديوان " اخرجوا من وطني " جاءت القصيدة بضمير المتكلم ، موجها الخطاب للأعداء ، وكأنه يبدأ المواجهة :

 فاتركونا بسلام آمنين ْ

نحن لا نستبدل الخنزير بالذئبِ
 
ولا الطاعون بالسـلّ ِ

وموتا بالجذامْ

فاخرجوا من وطني ..

خوذة المحتل لا يمكن أن تصبح عُـشـَّـا ً للحَـمامْ

فاخرجوا من وطني ...... } إلخ إلخ

2 ـ ثم تعلو نبرة الدرامية وتوضيح الصورة ، فنرى العراقي ( كما لو أنه موسي ) وقـد انـتحي جانبا بأحد الشـيوخ ( وكأنه الخضـر) فـي قـصـيـدة " أصل الداء " لتشخيص العـلة بعد استعراض الأعراض في عملية أقرب )  للحكي ) للسرد حتي أوشكت موسيقى الشعر الظاهرة أن تغيب :

 أربعة كنا مصابين بداء ٍ
 
أعْـجَـز َ الطبيبَ والعطارَ في مدينة ٍ
 
جميع أهلها يعانون من التعاسة ْ
 
ومرت الأيامُ
 
حتى حـلَّ  في البلدة شيخ طاعـنٌ

مهنته الفراسـة ْ

زرناه نستفهم عن أمراضنا

بادرني بقوله : من أي شيئ تشتكي ؟

قلت : من الضباب في بصيرتي

ومن شعور ٍ  غامض ٍ

أفقدني الوقار والكياسـة ْ ...........

إلي أن تصل القصيدة إلى نهايتها يكون الثلاثة قد عرضوا شكايتهم وأوضحوا عـلتهم ، فيأتي تشخيص العلة على لسان الحكيم :

فأطرق الشيخ ُ مَـلِـيّـا ً ..

ثم قال جازما ً :
أمراضكم جميعـها مصدرها

" جرثومة الكرسيِّ " في " مستنقع الرئاسـة ْ !

 
وكأنه يتحدث عن الأمة كلها ، لا عن عراقها فحسب .

3 ـ ثم يَشخـُص - السماوي –  إلى بغداد ... ويقف الشاعر أمامها ليخاطبها ( ضمير المخاطب ) في قصيدة " لا تسأليه الصبر " :

لا تسأليه الصبر لو جَـزعا *** مما رأى  .. بغداد ُ.. أو سـمعـا

فـرد ٌ ولكن بين أضـلعـه *** وطـنٌ وشـعـبٌ يخفقـان معا

صادٍ يبلل بالـلظى  شـفة ً*** ويصـدُّ  عن مسـتعذب ٍ نبـعا

أنف انتهال الراح لا بطرا *** أو خوف ملـتصّ ٍ ولا ورعا ..إلخ


فالشاعر هنا يقف أمام " بغداد " متضرعا ومناجيا في صورة تشخص أمام العـيان مرتسمة في ذهن القارئ فور قراءة رجاء المخاطب " لا تسأليه " 
صورة أخرى يستحضرها الشاعر في قصيدة " ذعـر " حيث يستحضر الطفولة مجسدة مذعورة شاخصة أمام العيان ، باستحضار مجموعة المشاهد التي عـبّـرت كلها عن فترة الطفولة :

مذعورة مرت علي شباك ذاكرتي الطفولة ْ
 
مذعورة مرت طيور يفاعتي
 ..
وحبيبتي مرت علي بستان أحلامي خجولة ْ

والدرب مر علي مرتبكا ً
 
ومـرَّ النهر محتضنا نخيله ْ
 
هربا من الأرض الذليلة ْ

وأنا مررت عليَ .. بت اثنين :

صحراء .. وسنبلة عليلـة ْ !

فالبدء باستعمال الحال ( مذعورة ) يشخص الحال أمام العيان ، ثم يأتي بالفعل المرتبط بشخص الأب ، وكأنه يستحضره كذلك ليحيل الفعل للآن :

وأبي أطـلَّ  عليَ من أمسي :

نصحتك أن تكف عن التحدث باسم ِ زنبقة ٍ قتيلة ْ ... إلخ .

4 ـ الشعر أساسا فن صوتي ، وكان في السابق يقوم علي الإلقاء – وكان هناك من اشتهروا في إلقاء الشعر – لذا كان للنطق في الشعر دور كبير في إيصال شعريته ، والوقوف علي جماليات الشعر ، خاصة في الشعر الحديث القائم علي الموسيقي الداخلية أساسا للجمال .
و في أطول قصائد المجموعة ، والتي منحت المجموعة اسمها " نقوش علي جذع نخلة " والتي تعتبر القصيدة الأم في المجموعة ، والحاملة لكل عناصرها – تقريبا – نستطيع تتبع الأصوات العديدة الممتدة عبر مقاطع القصيدة الثلاثين ، والتي تتغير فيها لغة الحديث ، ودرجة الصوت ، إرتفاعا وانخفاضا ، مما يشكل تغير الإحساس ، وبالتالي خلق الحركة الدرامية .
يبدأ المقطع الأول من القصيدة ، بلغة رصينة ، ومعان ٍ  فلسفية عالية النبرة :

الكون مرآة ُ ..
 
كل النهاياتِ بدايات ٌ ..

إذنْ
 
كل البداياتِ نهاياتُ ..

وتلك آيات !

وبعد التأمل يرتفع الإحساس باليأس من الحياة ومن كل شيء:

أتستحق هذه الحياة أن يعيشها الإنسانْ
 
مسخا .. ذليلا .. خائفا .. مُهانْ ؟

............
........
........
وتزداد مساحة التنقيط ( النقط ) بما يدع مساحات للتأمل والمرارة – فعندما يثقل الإحساس علي المرء يشعر بثقل العالم علي صدره ويفقد الكثير من القدرة علي( الكلام ) . فكأن السماوي يرسم الحركة بالكلام ، ويحدد للممثل ، هنا يتكلم ، هنا يصمت . هنا يرتفع الصوت ، وهنا تخف النبرة .
وفي المقطع الثالث يبرر أسباب اليأس والمرارة :

ما قيمة ُالتحرير ِ
 
إنْ كان الذي هَـبَّ إلي نجدتـنا

حررنا

واعتقل الوطنْ ؟
..............
............

فإذا كان الذي تصورناه جاء لنجدتنا وتحريرنا ، لم يكن مبتغاه مصلحتنا ، [ فلم تكن الديمقراطية الأمريكية المزعومة ] وإنما كان هدفه الوطن ذاته ، مصلحته هو ، فكنا ( كعرب ) كالمستصرخ من الرمضاء بالنار .
وفي المقطع الخامس ، يعود السماوي إلى التاريخ ، وعندما يأتي ذكر التاريخ ، فالعبرة هي المبتغى . فيذكر أخت ثمود ، وثمود هو أصل قوم نبي الله صالح ، والتي كانت في أرض الحجاز واليمن - القريبة من العراق - ، وفي إشارة إلي الأصل الرافض للإيمان والنصيحة {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} الأعراف: 79. وكأن الشاعر يقوم في قومه نبيا ناصحا ، محذرا من تأصل الأصل الرافض :

لثمودَ أخت ٌ

أشركت يوما .. وبايعت الضلالْ
 
دينا ً

فأوحل في الينابيع الزلالْ

فاشهر حسامكَ

أيها الشعب الموزع بين خوف المستريبِ

وبين عار الاحتلالْ
 
فـإذا كان هـنا يدعـو لإشهار الـسـلاح ، فـإنه في المـقطـع الـتالي " السادس " يبرر أسباب هذه الدعوة ويعلن أن الخطأ ـ  بل الخطيئة ـ هي الاستسلام والخنوع ، أو الشكوى للظالم نفسه :

خطيئة ٌأنْ يستمـرَّ الجرحُ

في شكواه للسِـكـّيـنْ ..
 
خطيئة أن يألف الـقـيـدَ

فلا يبذل ما في وسعه لكسرهِ

مضطهدٌ سـجـينْ .. إلخ

أما في المقطع السابع فيريد الشاعر إدخال شيء من السخرية المريرة ، وكأنه يريد تخفيف حدة المرارة المعتملة في النفوس :

آخر ما تضمّـنته نشرة الأخبارْ

أنَّ إمام القصر أفتى
 
بوجوب السير في معركة الحوارْ ..
 
إذن ؟

أعدوا لعدوكم – عدو الله – ما يرهبه

من قوة اللسانْ

وما استطعتم من خيول الخطب العصماء

والبيانْ

ذودوا عن التراب والمال

وعن عرض المحصنات بالأشعارْ... إلخ

وفي المقطع الثامن وما يليه من مقاطع ، يعود الشاعر ليرتدي معطف الحكمة ويحاول إلقاء الدرس وبيان العبرة ، ومحاولة تشخيص الحالة العراقية الآن :

وراء كل مستبـدّ ٍ :

نخبة ٌ تعمل في صناعة الألقابْ
 
وزمرة ٌمن المصفقين لا تتعب من نفاقها

وثلة من أدعياء الفكر تسترزق من أقلامها

تجيد فن " المدح والردح "

أو الرقص علي وقع رنين التبر

في الموائد المدفوعة الحسابْ .... إلخ

ثم يعود من جديد في المقطع الثالث عشر ليرتدي ثوب الحكمة ، وكأنه أحد أبطال العرض جاء دوره من جديد ليقول كلمته ، وليعلن خرافة الذي يدعيه المستسلمون لوعود المحتل .. خرافة :

خرافة ْ ...

كل الذي أدلى به الناطق باسم القصر ِ

عن تسابق الجموع في " الكرخ " وفي " الرصافة ْ "

للرقص في مأدبة اللئام ِ

تعبيرا عن الضيافة ْ

خرافة ْ
 
.....

خرافـة ٌ
 
أن يؤمن اللبيب بالخرافـة ْ

وهكذا يستمر التنوع في الأصوات ، حتي يصل إلي المقطع السادس والعشرين ، ويكون الجهد منه قد قارب على النفاد ، فيسوق القصص ، ففي القصص عبرة { "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" }[1] إذ ربما فعل القص ما لم يفعله القول المباشر ، ولما ييأس ويجهده المسير ، يخرج الصوت كأنما هو آت من بـِيـد ٍ ، يحمل اليأس ، والمرارة والإجهاد ، فتبكي في هذا المقطع الكلمات ( الرثاء ، الحرب ، الريح و... العنقاء ) :

من الذي أرثيه ؟

يومي ؟

أم غدَ  البلادْ ؟

أتـُبعَـثُ العنقاءُ من رمادها

وعصف ريح الحرب يا بغدادْ

لم تبق حتي حفنة الرمادْ ؟
...........

خلاصة :
تجذر السماوي في أرض العراق ، وما كانت التربة لتنبت غير النخيل ، فأنبتت نخلة ، أثمرت النخلة تمرا ، راح يوزع التمر علي أبناء وطنه الصائمين عن الحياة ، وينقش لهم من تاريخهم، ما قد يثير حميتهم لينفضوا عن كاهلهم غبار الديكتاتورية التي ولت ، وألا يستسلموا للاحتلال المبشر بديمقراطية مزعومة ، مؤكدا أن الحدأة لا تقذف الكتاكيت . وأن تحرير الرقاب ليس باحتلال الوطن ، فما كان الوطن ثمنا للفرد ، ولكن دائما ما يكون الفرد ثمنا للوطن . فكان السماوي بذلك، ليس عبر ديوانه الحالي فقط ، وإنما أيضا من خلال إثني عشر ديوانا أصدرها قبله، الشاعر الذي يعيش هموم وطنه المنكوب ، قبلا في طاغيته وقتل أطفاله ، وبعده في احتلال مخادع ، استبدل الطغيان بالاحتلال ، واستبدل التمر بالرصاص . والحرية بالدولار.
فاستحق السماوي ، ليس فقط جائزة البابطين لهذا العام ، وإنما ما هو أكبر منها .
                                                    ***



شوقي عبد الحميد يحيى / القاهرة
قاص وناقد مصري     

(*)  " نقوس على جذع نخلة " ط2 منشورات دار التكوين ـ دمشق 2007 
الديوان الحائز جائزة البابطين لأفضل ديوان شعر في دورتها الحادية عشرة

33
أدب / الشـاعـر ..
« في: 12:55 06/09/2008  »
الشـاعـر ..


                                   يحيى السماوي




تجـرَحُـه ُ الـوردة ُ أحـيانا ً ..

وحـيـنا ً

يُجـرَحُ الـسِـكـِّيـنَ  والـحَـجَـرْ ..

يَـظـمــأ  بينَ الـنـهرِ والـنـبـع ِ

فلا الأنهارُ  تكفـيـه ِ إذا  ما عـطِـشَ الـقـلبُ

ولا المـطـرْ ..

وربما يَـحلـبُ ضَـرْعَ جـفـنِـه ِ

فـتـَرتـوي جذورُهُ

ويضحكُ الـوَتـَرْ ..

 فؤادهُ حـديـقة ٌ

يسـكـنـُهـا الأطفالُ

والـطـيورُ

والعـشــاق ْ..

وشـاهِـرو الـقـنـديـل ِ في وجـه ِ الـدُّجى ..

والـذائـدون َ عن عـفـاف ِ الـطـين ِ والـنخـيـل ِِ ..

عـنْ  مـروءة ِ الـسـنـبُـل ِ ..

عـن سَــيِّـدنا الـعـراق ْ ..

تـُغـْرِقـُهُ قـطـرَةُ حـِبْـر ٍ

أو رذاذ ُ الـدمع ِ

بين الـهـدب ِ والأحـداق ْ ..

ضـاقـتْ  بـه ِ الأرض ُ

وضـاقـتْ من مـرايـا  حـلـمِـه ِ الآفـاقْ

لكنه ُ :

يمكِنُ أنْ يـضـيـعَ

بين أسـطـُر ِ الأوراق ْ

         **

34
إطلالة على كتاب:

"  مسبحة من خرز الكلمات " لـ " يحيى السماوي "

      ( 2 ـ 2 )
 

                                                                   كريم الثوري
                                                              Ka8rem@yahoo.com


حينما تكون المُفاضلة بين:
           
نيوتن والتفاحة
ألحقل والشجرة


فإن العقل العائم ، اللائذ بيافطة المسلمات  العريضة يستجيب لنيوتن والحقل على حساب التفاحة والشجرة خلافهُ القلب فمنطقهُ في التحليل يختلف فهو أكثر ميلاً للمناغاة ونصرة الضعيف المهمش ، وتبعا لذالك فالصراع هنا يبدو بين إتجاهين مختلفين في المنشأ والاعتبارات .
إنحياز العقل هذا يبدو غريبا بعض الشيء  لحذوه الانسياق وراء المتون على حساب ما يعتبره هوامش ، فالعرض غيرهُ الجوهر، ونيوتن تبعاً لذلك هوخصوبة العقل الذي تفتقت منه الفكرة ..أما سقوط التفاحة فإنها حادث عرضي وكفى يقابله  في الاتجاه الاخرصدود واعتراض القلب ليُُربك من يقين المسلمات فالأسئلة الذكية التي يطرحها تُحاكي الأنسنة بعيداً عن الأجوبة الجاهزة(واحدةً بواحدة ) فأين يقف الشعر من مجرى الصراع هذا؟:

أعرف تماماً
أين يرقد نيوتن
وأين كان الحقل
لكن:
في أي تنور
انتهت الشجرة ؟
وفي أية ِمعدة
إستقرت التفاحة ؟

ترى من يلتفت  لتفاحة سقطت على رأس العظيم نيوتن غير عين واحدة من بين ملايين العيون تلك العين هي الشاهد الوحيد  المغيب قسراُ في معادلة غير منصفة. ترى لماذا يدفع بنا الشاعر هنا لمجاراة هامش عرضي ويعطيه قدراً سلبتهُ منه القوانين الوضعية وفق معادلة القوة والضعف ؟؟

الخرزة السادسة عشر تنظر الى المشهد من زاوية اخرى وان كانت تدور في ذات الاتجاه :

أعرفُ أن العبيدَ
هم الذين شيدوا
الأهرام َ....
سورَ الصين...
وجنائنَ بابل...
ولكن
أين ذهب عرق جباههم؟
وصراخهم تحت لسع السياط
أين استقر؟

الخرزتان بٌنيتا على افتتاحية المعرفة البديهية (أعرف ) وبالتقابل نكون أمام المعادلتين  التاليتين :

أعرف تماماً                          أعرف أن العبيد
أين يرقد نيوتن     _    يقابلها  _  هم الذين شيدوا


وأين كان الحقل        _  يقابلها  _           الأهرام.. سور الصين ، جنائن
......                                                بابل

ولكن : في أي تنور إنتهت الشجرة   _ يقابلها ولكن أين ذهب عرق جباههم
. ......                                        وصراخهم تحت لسع السياط أين
....                                            أستقر
                   
وفي اي معدة أستقرت التفاحة  ـــ يقابلها وصراخهم تحت السياط اين استقر؟

فها هو السماوي يدعونا الى محاكاة الجانب المعطل والذي يعتقده ذات أهمية لا تقل عن بقية الجوانب فنيوتن عظمته مرهونة بسقوط التفاحة والتفاحة بنت الشجرة وشقائها بوجه الطقوس وكذالك هو سور الصين وجنائن بابل فهل العجب العجاب في كينونتيهما الناطحتين للسحاب على حساب جهد العبيد وتصبب العرق من أجسادهم والسياط التي تحثهم على الإسراع في العطاء ما اشد لسعتها وقد أستقرت في مخيلة الأحفاد يتوارثونها ابا عن جد .

منذ دهور
وهو يصرخ ..  لم يسمعه أحد
ليس لانه يصفق بيد واحدة
ولا لأنهُ مثقوب الحنجرة
أنما لأنهم اعتقلوا الهواء
في قاعة الوطن .
و:
 ألفارغون يظنون الكأس فارغا
مع انه مملوء بالهواء

الدهور   ........... ألفارغون
يصرخ...............ألوطن

علاقات  تتلازم فيما بينها بفعل عوامل السمو(العقلي ) والضعة(القلبية )
خلاصة ومحصلة تاريخية لصراخ الوطن ولأنهم اعتقلوا الهواء في قاعة الوطن (الكأس) لكن قيمته الفعلية ليست في وزنه المُستهان به بغير وجه حق وإنما في حضوره فهو ديمومة الحياة ودعامة الوجود .
 
التفاؤل في الخرزتين مردهُ أجواء التسبيح بانتصار مشيئة الخالق الذي جعل قوتهُ في أضعف خلقه ، وجوابه ليس مثالياً محضا يبينه لنا السماوي قائلاً:

أثقل من صخرة سيزيف
أخفُّ من ثوب الأفعى
أضيق من قبر
أوسع من صحراء
أخشن من شظية قـنبلة
......
.......
فكيف لا تكون أبواب جراحاته
على سـعـتها
كآنية الشحاذين
 ونوافذ أفراحه
مطبقة كقبضات الجلادين ؟


هذا ما يولمهٌ حقاً فكل المقدمات أعلاه ـ وإن كانت غير مرئية ـ يراها هو وهي مصدر لأبواب جراحاته الطبقية(كآنية الشحاذين)

ولأنه كذلك فهم يسخرون من رؤيته البكائية التي هي في حقيقـتها ترفع يتسامى بها بمعية (ثكالى الوطن) :

مالنا ولهم ياحبيبتي ؟
إنهم يضحكون على بكائنا
دون أن يدركوا
أننا نبكي على ضحكهم
في وطن
يشخب فيه
حتى التراب !


ماذا يختزن البكاء غير أنهار الدموع  والهبة الجماهيرية التي لم ينضج بعد شرطها الموضوعي!
سخرية جُبلنا عليها لا يجد السماوي غير كلماته التي أجاد وأحسن في  تهكمها:

قتل الأبرار اليوم عشرين محتلا ..
ياللخيبة !
أمِنْ وَهَـن ٍ في السواعد
أم قلة ٍ في الرصاص ؟
________
جُرحت نخلة عراقية ..
ياللخسارة
هذا كثير !


وأحسب حكاية الناسك المُنهك قد ساقته خرزاته الى مواجع أبعد وذاكرة لم تصدأ لذلك هي وإن كانت تدور في تناول أنامله إلآ  أنها قد انساقت في ردحها بعيدا لتوظف طاقاته الجياشة :
كذالك هي الخرزة الثالثة والثمانون التي أقرأها مسك الختام وإن كانت تسبيحاته انتهت عند التسعة والتسعين :

أكثر الناس ابتعادا عن الله
هم :
الأكثر قربا ً
من الـ "  c. I. a"


هنا نكون قد  خرجنا من دور النسك الاجتماعي المحض الى بوابة الحياتي المنفتح في محراب الله :
                     أكثر الناس أبتعاداً عن الله

حكاياتنا مع خرزات السماوي تطول وتمتد فهي تتنقل بريشة الخبير العارف صاحب التجربة الشعرية الممتدة الى( سـتة عشر ديوانا ) ومازال ينبض
قد تتمرد عليه الخرزات ساعة مهادنة أو استرخاء حيناً لكن مسبحته محصلتها النهائية تتقلب بين راحتيه وأصابعه لتنام طيعة في محراب جيبه شاهد زور أو حقيقة على أوجاعه ومسراته .


كريم الثوري
رمضان المبارك
Ka8rem@yahoo.com


35
تناقض التصريحات حول وجود قوات الإحتلال في العراق


                                                                                                يحيى السماوي


   

   لا أدري أيهما نصدق فيما يتعلق باتفاقية الشـؤم المزمع توقيعها بين حكومة ناقصة السيادة ـ هي الحكومة العراقية ـ وأخرى ناقصة الـشـرف هي الحكومة الأمريكية ... فالحكومة العراقية ، بلسان رئسها السيد نوري المالكي تزعم أن الطرفين قد اتفقا على أن تكون نهاية العام 2011 هو الموعد النهائي لخروج آخر جندي أمريكي من العراق ... والسيد رئيس جمهوريتنا " المستقلة " جلال الطالباني قال يوم الإثنين الماضي في حديث خاص أدلى به لقناة " الحرة  " من مكان " نقاهته "  في واشنطن : ( إنّ هناك نصا مكتوبا بهذا الشأن يقضي بسحب آخر جندي أمريكي من العراق بحلول نهاية عام 2011 )  ... لكنه عاد بعد يومين فقط ليقول يوم أمس الأربعاء  إن الولايات المتحدة تريد بقاء قواتها في العـراق حتى عام 2015( فأين إذن النص الخطي الذي تحدث عنه رئيس جمهوريتنا ؟ ) .. في حين أعـلن البيت الأبيض الأمريكي أن الإتفاقية لم تتضمن أي سقف زمني لخروج قواته من العراق .. فأيا ً من الطرفين نصدق ؟ ما تقوله حكومتنا الموقرة ؟ أم ما تقوله حكومة البيت الأبيض " غير الموقرة "  ؟ 

   إذا كان صحيحا ما ذكره السيد رئيس جمهوريتنا حول وجود " نصّ ٍ خطيّ " يقضي بخروج قوات الاحتلال نهاية عام 2011 وإذا كان صحيحا ما ذكره بعد يومين بأنّ المفاوض الأمريكي تـنصّـل من الـ " الـنصّ  الخطي " فطالب أن يكون عام 2015هو الموعد النهائي لتواجد قواته في العراق ـ فذلك يعني أن الجانب الأمريكي لا يُؤتـَمَـنُ  ولا يمكن الوثوق به وبتعهداته ... فلماذا إذن تكبيل العراق باتفاقية معه ؟

   شخصيا ً ، لم يسبق لي  ـ منذ استشهاد الزعيم الوطني الخالد عبد الكريم قاسم ـ أن صدقتُ ما  يقوله رؤساء جمهوريتنا من جنرالات وشقاوات وخلفاء غير راشدين ـ أللهمّ إلآ  جملتهم الشهيرة  التي اعتادوا على ترديدها حين يتوعـدون الجماهير الشـعـبية ، وأعـني بها جملة " سنضرب بيد ٍ من حديد " ... فهي الجملة الوحيدة التي يكونون صادقين كل الصدق في تنفيذها ( باعتبار أنّ كلا ً منهم  "عنترة العبسي " على شعـبه ـ لكنه ليس أكثر من " شيبوب "  أمام  " الآخر"  الأجنبي ـ حتى لو كان هذا الآخر على وشك مغادرة مكتبه الرئاسي كالأب القائد المحرر جورج دبليو بوش ، أو أنثى سحاقية  كالعمة كوندوليزا رايس ) .... قد يراني البعض مبالغا ً في عدم تصديقي ما يقوله رؤساء جمهوريتنا ... لكنّ لي ما يبرر قناعتي هذه بأن لرؤسائنا ( حفظهم الله جميعا سواء منهم مَنْ انتقل إلى حيث لا ينفعه كرسيٌّ و مال وبنون وأفواج الحماية ، أو مَنْ سـينتقـل إلى ذلك المكان المرعب  قبل توقيع الإتفاقية بإذن الله ) خطابين ، الأول للإستهلاك الداخلي ، والثاني لـ " وليّ الأمر " الأجنبي ... بل انني لا أصدق حتى وسائل إعلامنا الرسمي ، المقروءة منها والمرئية والمسموعة .... ربما لهذا السبب أدمنت الإسـتماع إلى الإذاعات والشبكات التلفازية غير العراقية لمعرفة ما يجري في العـراق ، وحرصت على عدم اسـتقاء المعـلومات من إذاعة وتـلفاز جمهوريـتـنـا ، سـواء في عهـد وزارة إعـلام " الطرطور"  محمد سعيد الصحاف أو في زمن شبكة إعلام  " المجاهد " حـبـيـب الصدر ـ ولا أظنني سأتخلى عـن قـناعـتي هـذه في الغـد الـقـريـب ( أللهمّ إلآ إذا رزقنا الله بناطق إعلامي له مصداقية ونزاهة  الشهـيـد كامل شياع ـ وهو أمر مستبعد في ظل مائدة المحاصصات ـ لا أدام الله بركتها ، ولا  عافى المتمسكين بها ...... قولـوا معي : آمين يا رب العالمين ولكم الأجر والـثواب  ) .

                                   ***

   
                               
   

36
رثاء متأخر ...
( إلى روح الصديق الصديق الفنان الأديب د . ناجي كاشي )


                                                                            يحيى السماوي

  راهبٌ معبده المسـرح .. ونورسٌ فضاؤه الأبجدية ..
   أمضى عمره فلاحا ً، يغرس زهور المحبة أنى سار .. دافئ دفء خبز صباحات بيوت الطين .. له من السماوة صبرُ صحرائها على العطش .. ومن نخيل بساتينها الثباتُ أيا ً كانت عربدة ُالرياح ..

  وديعٌ كفراشات الحدائق ... جَـلِـدٌ كصـبّـار ِ البادية ..   لكنَّ رؤية طفل ٍ حافي القدمين ، كفيلة ٌ باستمطار دموعه ...

  دائم الحركة مثل أراجيح الأطفال .. وكالأطفال : لا ينام "  ناجي كاشي " إلآ وعـيناه مطبقـتان على دمية قـلبه : المسـرح ..

  أورثه " كلكامش " قلقَ البحثِ عن عـشبة المستحيل .. فوجدها لا في قاع بحر ٍ ، إنما : في جباه الشغيلة .. الشغيلة الذين صيَّر من قلبه " أنكيدو " لهم ..
  منذ رحل ناجي كاشي و " الوركاء " في نشيج ..
  منذ رحل ناجي كاشي ، وأنا أجلس على رصيف الحزن  ، مستجديا ً الأبجدية ، باقة ً من ورود الكلمات ، تليق بمزهرية ناجي كاشي  .. فمن أين لي بالكأس الذي يسَـعُ نهرَ حزني ، والخيط ِالذي يرتق جرحي الممتد من " أديلايد " حتى مقبرة " دار السلام " ؟

  مرة ً توضـّـأتْ عـيناه بالدموع ، لأنه لم يستطع أن يجعل من  يده المربوطة إلى عنقه ، أرجوحة ً لطفل جاره اليتيم ...
 مرة ً نزع ربطة عنقه ، ليصنع منها شال ضماد ٍ لجريح ٍ خلال انتفاضة آذار ...
  مرة ً خلع سترته الجلدية ، لينشَّ بها ذئابَ البرد عـن جسد  ابن سبيل ٍ عابر ..
  مرة ً قال لي : أن أكون عكازا في يد ضرير ، أشرف لي من أن أكون صولجانا في يد قيصر ..
                                **
 
  ناجي ..  ما عرفتك تنكث وعـدا ً .. فكيف خذلتَ نداماك  يا قنديل ليل السماوة الطويل الطويل ؟
 
  لـَطـَمَ المسـرحُ خـَشـَبَـتـَهُ حزنا ً لرحيلك ، والسِـتارة ُ شـَقـَّتْ زيقـَهـا   
جَـزَعا ..
 كفى بي وَجَـعـا ً أنني آخر مَـنْ يبكيك ، لا جحودا ً مني ، ولكن : لأن هجير الفجائع قد أنضبَ ما ادّخرتُ من دموع ... فسلامٌ عليك يوم ولِـدتَ فقيرا من الجاه والأوسمة .. وسلامٌ عليك يوم مُتَّ غـنيا ً بحب الناس .. وسلامٌ عليك يوم تـُبـعَـث ُ حيّـا ً في الفردوس .. وســلام على العــراق البعـيد القــريب .. وســلامٌ عـلى وشـم قـلبي " السماوة " ..

                                  **
 
  أضع بين أيدي الأحبة أصدقاء الفقيد د . ناجي كاشي ـ الذين يعملون على جمع نتاجه الأدبي غير المنشور ، ليضاف إلى مؤلفاته المنشورة ،  نص الكلمة التي ألقاها في الحفل التكريمي الذي أقامته لي كلية التربية / جامعة المثنى يوم 28/12/2005


 





   يحيى السماوي وأثيرية الصورة الشعرية


                       .                د . ناجي كاشي

                                           عميد كلية التربية / جامعة المثنى

   في مساحات الجمال والإبداع يبحر " يحيى السماوي " شاعرا ً يرى ما بعد الأفق كل ما هو مثير .. يستفز الذاكرة كأنه حلم مستمر .. ذلك أنه يذهب بالصورة إلى أثيريتها محلقا ً في سماوات من الدم والأحزان أو ربما الأفراح ، نائيا ً بأبطاله إلى الأبدية التي هي موثوقة الصلة ببعضها في حلقات مترابطة . وأزعم أنّ هذا الإنذهال والترفع باتجاه الصيرورة الأبدية متأت ٍ من المماحكات والإختلاجات والعذابات التي عاناها وخبرها من كل هذا الكم الهائل من الرؤى والإنثيالات التي طبعت شخصيته بطابعها المميز ، فكان مميزا ، تنبّـؤيا ، على الرغم من أيديولوجيته التي تعلن عن نفـسها في قصائده المركزية وقصائده الأخرى .. فهـو الرجـل الذي يعلن أنه :

فـردٌ .. ولكن ْ بين أضلعِـه ِ
وطنٌ وشـعبٌ يخفقان ِ معا


  وهذا الخفقان المستمر هو ما طبعَـه .. فكان محبا ً إيّما محبة ، ملتزما ً أيما التزام ٍ ، متصوّفا ً إيما تصوف ٍ ، حتى وصل حدّ التماهي والإحلال فلم يعد يميّز ما بين محبوبه وما بينه ـ  مع الفارق أن الحبيب هنا هو العراق الذي أصبح هوية ً وطبعا ومبرر وجود :

صاد ٍ يبلل باللظى شــفـة ً
ويصدُّ عن مُسْـتَعْذب ٍ نبعا

أنِفَ انتهالَ الراح ِ لا بطراً
أو خوف ملتصّ ٍ ولا ورَعا

لـكـنـه طـَبْـع ٌ تــَلـَبَّـسَـــهُ
والمرءُ في حاليه ما طـُبـِعا

  فالعراق لدى " السماوي " تضخـّمَ حتى أصبح الوجود كله .. أصبح صنوا للفكرة أو ربما كان ولا زال هو الفكرة التي تتلبس البطل ليعبّر عنها .. لذلك كان الإتحاد حاضرا أبدا مع الفكرة التي هي العراق . هذا الإتحاد الذي جعل الشاعر تجليا ً لفكرته المركزية وفي أكــثـر من موقـع ، كما أن القارئ المطـلع لـَيَجــد أنّ العــراق " الفكرة " هو الآخر تجل ٍ للشاعر،  حتى غدا هذا التجلي رمزا خالدا للجهاد الدائم في سبيل رسالة مقدسة لا تهدأ ، وهو إنجاز متقدم يُحسَب للشاعر حتى لو كان غير مدرك لما يصنع من بطولات أو ربما أوهام :

صاح ٍ .. ولكنْ صحوَ مُخـْتـَبـِل ٍ
لا فرقَ إنْ أسـرى وإنْ هَـجَـعـا


  فعند لقائه بالعراق  ، تدور به الدوائر حتى يتوهم العراق فردوسا على الرغم من أنه منتجع من توابيت ، إلآ أن توحده وانشغالاته بالعراق ، تذهب به إلى الأماني ، فيعود ليرى العراق حبيبا :

غاف ٍ يُـدثـره حريرُ منى ً
فـتوهَّـمَ التابوت َ منتجـعـا

وسِـعَتْ أمانيه الخيالَ فما
أبقتْ له الأحلامُ مُـتـَّسَـعـا


  ووفق ما تقدّم ، فإنّ البطل هنا الذي هو الشاعر المتوحد مع فكرته التي هي العراق ، لا يموت أو يفنى أو يضعف أو يتصاغـر أو يتقزّم ، ذلك أنّ الشاعر يسبغ عليه صفات البطولة والقدسية والجلال .. فالأحلام وانثيالاتها ترفع البطل إلى أعلى الأماكن .. فمثله لا يموت حتى وإنْ خسر .. بل انه يرتفع إلى السماء في كل مرة ليعود من جديد في كل منازلة أو معركة فاصلة بين الجهل والمعرفة أو بين النور والظلام ، منذ بدء الخليقة حتى نهايتها :

أنا أنتَ .. فتـِّشني تجدْ بدمي
ما فيك من جمر ٍ ومن بَـرَد ِ

تجد الفراتَ يسيلُ من مقلي
دمعا ً فأشــربه عـلى جَـلـَـد ِ

تجد الخــرابَ البابليّ عـلى
وجهي وذعرَالعاشق الأكدي

   وبعد ؟ فإنك أيها الأكديّ المذعور ، رحتَ تداعب خليلاتك الألف وعشيقاتك المليون بأيد ٍ ناعمة وحدقات ناعسة ، فلم يجدن إلآك خاشعا لمشيئة العراق ، وعنفوانك الذي لم تجد إلآ العراق ساحة للهوى وسُـلـَّـما ً للجسر الذي أصبح معلقا ً أبدا ً كي لا يرتقيه الآخرون في زمان ما زال رديئا ... ولا زلتَ أنت الشاعر الذي تـُعلـِّمنا معنى عشق العراق ... تحية لك وأهلا بك في صنو قلبك العراق .
                                         السماوة 28/12/2005


37

باقة من نبض القلب على ضريح الشهيد كامل شياع



                                                                                                  يحيى السماوي


                           

 كان غـصـنا ً فوق الأرض ...
هو اليومَ جَـذرٌ في رحمها ، ســيَـلدُ بسـتانا ً في الوطن الحـرّ ، يتفيّـأهُ أطفال الغد السعيد ..

 سـقط  مضرَّجا بحب العراق .. مخـَضـّـبا ً بنور الشهادة .. تحـفُّ به قـلوبُ الشـغيلة ِ ، وسـنابلُ دجلـة ونخـيـل الفرات ..
لن أرثيه ... فالآمرون بالديمقراطية والحرية  ، الـناهــون عن الديكتاتورية والإستبداد ،" أقوى " من الطلقات المخاتلة ، و"أعلى " من دخان ضغـينتهم ...



إسـتهدفه الطائفيون لأنه لم يكن طائفيا ..
ولأنه آمن بالشعب والغد والنور ،  وكـفـَرَ بالأباطرة  والعتمة وبأمس ِالجهالة  ، فقد كانت ريح الظلاميين ومسدسات أعـداء الطفولة  ، وعاشقو الظلام ، تبحث عن قنديله لإطفائه ..

خطيئته أنَّ يده أنصع من مَـراياهم ... وسـريـرته أطهـرُ مـن صلواتهم ... وأنه يعجـن طحينه بعَـرَق جبينه في زمن الرزق السَّـحْت ِ والنضال المسـتأجر والجهاد المفخخ ...

عرَفـَهُ محرابُ الحرية ِ سـادنا ً ... وخـَبَـرَهُ حـقـلُ المحبة ِ فلاحا نبيلا ً ، يحرث ُ ويزرع ُ من أجل أنْ تمتليء مائدة ُ الفقراء بخبز ٍ
يليق بكرامة الإنسـان ـ فلا عجبَ أنْ يسـتهدفه أعداء الإنسانية وجلادو العصافير ـ أولئك الذين يكرهون رائحة البرتقال ويعشقون دخان الحرائق ..

                                    **
نم يا " كاملا " ً في محبته ... و" شائعا " في هـواه ..
نم يا صديقي مُتدثـِّرا بتـراب الوطن الذي حَمَلـتـَه ُ في " صُـرَّة " قلبك وأنت تـنتـقـل من منفىً إلى آخر  .. ورجائي ـ حين تستيقظ في دار الخلود ـ أن تبلغ تحاياي إلى جميع أحفاد عـروة بن الورد وأبي ذر الغفاري وسفيان الثوري .. وقل لهم إنَّ  الظلاميين قد ينجحون في اغتيال الأحبة ـ ولكن : هيهات لهم أن ينجحوا في اغتيال المحبة التي كتبتم أبجديتها بدم الشهادة  .
أيها المترجِّل عن صهوة الأرض ، ها أنت تغدو قلبا في صدرها ، فأنعمْ بك " منجلا ً " لم يتعب وهو  يجتثُّ دغـل الخطيئة ذودا ً عن القمح والعشب والياسمين ... وأكرمْ بك " مطرقة ً" ما وهنت يوما وهي تقرع باب الحرية ..

                                  **



38
أدب / هـمـسـتان في ليل ٍ موحش ..
« في: 11:44 24/08/2008  »
هـمـسـتان في ليل ٍ موحش ..

                      يحيى السماوي



(1)



سـأقـيـمُ مملـكـة َ القـناعة ِ ..

مُـشـْـرِعا ً :

وديانـَها لـلـورد ِ ..

والأشجارَ للأطيار ِ ..

والينبوع َ للغـزلان ِ ..

مملكة ٌ على سَـعـَة ِ البَصـيـرة ْ


المالُ ؟

عندي منه ما يكفي

لأنْ أبتاعَ أشـياءً كثيرة ْ :


عـطـرٌ لـجـدِك ِ ..

مِـعـْضـَدٌ من فِـضـَّـة ٍ ..

وقميصُ نوم ٍ من خيوط ِ الماء ِ ..

مِـشــط ٌ للضـفـيرة ْ..


وقِـلادَة ٌ خـَـرَز ٌ ..

وكحلٌ للعـيونْ ..


وبطاقـة ٌ مفـتـوحـة ٌ

لدخول ِ

فـردوس ِ الـجـنـون ْ ..



(2)


أخـَمـرة ٌ صوفـيَّـة ٌ

عَـتـَّـقـَهـا في ثـغـرك ِ العِـشـقُ

يرى شاربُـهـا الفـردوسَ

في دُنـيـاهْ ؟


أسْـكـَرَني  حين ارتشـَفـْتُ القـبـلة َ الأولى

فـَجُـنـَّتْ شـفـتي

وأدْمَـنـَتْ أوردتي طِـلاهْ


أسْـكرَني ثغـرُك ِ حتى عرْبَدَتْ حشاشتي ..

فكيف لا يسكرُ هذا الثغـرُ

من شـذاهْ ؟

         ***

39
   متى يُحاكم مجرمو منظمة مجاهدي خلق ؟


                                                                                                يحيى السماوي                                     



     شـهد العراق عقب سقوط نظام صدام حسين ، محاكمة عدد من مجرميه وفي مقدمتهم الديكتاتور وكبار مساعديه .. كما شهدت المدن العراقية تصفية عدد آخر ، أخذ المواطنون  ـ من ذوي الضحايا ـ على عاتقهم مهمة  إيقاع العقاب اللائق بما اقترفوه من جرائم بحق أبنائهم .. لكن ّ مجرمي ما يسمى بـ " منظمة  مجاهدي خلق " بقوا بعيدين  عن المساءلة ويد العدالة ـ مع أن جرائمهم بحق العراقيين ، لم تكن أقـلّ وحشـية ودموية ًعمّـا ارتكبه مجرمو " فدائيي صدام " و سرايا " الحرس الخاص " و" أشاوس  قوات الحرس الجمهوري "

    لم يسبق  لمنظمة إرهابية ، إتخذ منها نظام صدام حسين  أداة لقمع العراقيين ، وعيونا تجسسية عليهم ، كمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية ...
   قد لا يعرف الكثيرون من العرب ، أن جموع هذه المنظمة الإرهابية ، كانت إحدى أذرع النظام الديكتاتوري المقبور في قمع الإنتفاضة الجماهيرية  التي كادت تطيح بالنظام عام 1991 لولا أن الولايات المتحدة الأمريكية ارتأت إطالة عمره، فسمحت له باستخدام بقايا جيشـه ، ومعه منظمة مجاهدي خلق في قمع الانتفاضة ودك المدن على رؤوس مواطنيها الأبرياء  .... فهل سنشاهد قادة ورموز هذه المنظمة الإرهابية في " قفص الإتهام " لينالوا العقاب اللائق بما اقترفوه من جرائم بحق الشعب العراقي ؟

   منذ سقوط النظام ، ومجاميع  هذه المنظمة الإرهابية  متحصنة داخل أسـوار معسكرها ، إدراكا منها لحقيقة أنّ رؤوسها مطلوبة لرصاص وأقدام العراقيين ـ وهي التي كانت في ظل النظام المقبور إحدى أذرعه القمعية الضاربة ، مخوّلة باقتحام المدن واستجواب المواطنين ( مثلما كانت حسناوات هذه المنظمة ، وسائل ترويح ٍ لكبار جنرالات قادسية الديكتاتور المقبور )  .

  منذ سقوط النظام الديكتاتوري ، وثمة أصوات تنادي بطرد مجاميع منظمة مجاهدي خلق من العراق .. لكنّ طردها من العراق دون محاكمة مجرميها ( وجميع أفرادها مجرمون ) سيكون بمثابة مكافأة للمجرمين ، واستهانةً بأرواح الآف العراقيين الذين حصدتهم بنادق وقنابل مجرمي  هذه المنظمة الإرهابية  ...

   لقد استبشر الشعب العراقي خيرا باعتزام الحكومة العراقية غلق معسكرمجاهدي خلق  في ديالى ... غير أن هذا الإستبشار بالخير سيبقى ناقصا ، ما لم  ينل مجرموها العقاب الصارم قبل أن يُرمى بهم خارج الوطن الذي استباحوا بالأمس القريب دم أبنائه .. فهل سنشاهد مجرميها داخل قفص الإتهام ، كي نصدّق أن العافية قد عادت إلى  يد العدالة في عراقنا الجديد ؟ أم أن " محررنا الأمريكي المزعوم " لا يريد لهذه اليد إلآ أن تبقى مشلولة ؟
   
                                   **
   

   

   

40
وصية محمود درويش للرئيس الفلسطيني ..

                                                                                         يحيى السماوي

     عرفنا جميعا أن قصيدة " لاعب النرد " هي آخر قصيدة كتبها الغائب الحاضر، الشاعر الرمز  محمود درويش ... لكن القليل منا يعرف الوصية التي تركها محمود درويش .. إنها وصية ٌ تختلف عن كل الوصايا الأخيرة للموشكين على إغفاءتهم الأخيرة والتدثر بالتراب  ... فمحمود درويش لم يوص ِ بتـَرِكـَتِـه المالية وبمصير أوسمته وجوائزه ومكتبته المتنقلة معه ، ولا بمصير ما لم يسمح له موته المفاجئ بنشره من إبداعاته الشعرية والنثرية ..


  الدكتور فايز صلاح أبو شمالة،  أحد أقرب أصدقاء الشاعر الرمز محمود درويش ... وقد استودعه الشاعر وصيته الأخيرة .

   عقب رحيل محمود درويش ، قال ابو شمالة ، إن الشاعر الفقيد قد حمّلني مسؤولية إيصال جملة واحدة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، طلب منه أن يرددها أمام الإسرائيليين  ، وبوجه الضغوط الأمريكية في أية مفاوضات قادمة ... هذه الجملة هي بالحرف الواحد :

  "خُذوا أرضَ أُمّي بالسيفِ .. لكنّني
لن أوقعَ باسمي على بيعِ شبرٍ من الشوكِ حولَ حقولِ الذُرةْ ".

   هذه الجملة الشعرية ـ ومن خلال تحليل بنيتها الأسلوبية ـ لا يقولها غير محمود درويش... هي أكثر بلاغة من ديوان شعر كامل .. وأكثر إضاءة لعالم محمود درويش ، من كل القناديل التي أسرجها دارسو شعره لمعرفة ذلك الإتحاد الذي يصل حدود التماهي بين محود درويش وفلسطين ـ بل إن هذه الجملة البالغة الدلالة ، تكفي لكشف السبب الجوهري وراء استقالة محمود درويش من عضوية المكتب التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ومن ثم لرفضه منصب وزير الإعلام في في عهدَيْ ياسر عرفات وخلفه محمود عباس .. فالشاعر الرمز محمود درويش ، كان يرى في اتفاقية أوسلو خطيئة أكبر من أن تـُغـتـفـر ، شأنه في ذلك شأن صديقه المناضل والمفكر العربي المعروف " شفيق الحوت " الذي آثر هو الآخر ، الخروج من خيمة منظمة التحرير الفلسطينية مع أنه كان أحد أهم أوتادها باعتباره من بين مؤسسيها الأوائل .

  لكن ، هل سيردد محمود عباس ، بوجه مفاوضيه الإسرائيليين والضغوط الأمريكية :  خُذوا أرضَ أُمّي بالسيفِ لكنّني
لن أوقعَ باسمي على بيعِ شبرٍ من الشوكِ حولَ حقولِ الذُرةْ. ؟

   السجل الشخصي لمحمود عباس ( وربما لكل القادة العرب الذين اتخذوا من " صورة الكرسي " بديلا ً عن " سورة الكرسي "  ) لا يبعث على التفاؤل ... فلا محمود عباس سيردد وصية محمود درويش أمام الإسرائيليين ورعاتهم الأمريكيين  في مفاوضاته القادمة ... ولا مفاوضنا العراقي سيردد أمام المفاوض الأمريكي : لا  لأية اتفاقية أمنية معكم ، لأن الشعب العراقي كله قال " لا " بحجم العراق ... ( أتمنى أن أكون مخطئا فيما يتعلق بمفاوضنا العراقي ،فأقرأ خبرا يفيد بأن مفارضنا قد استجاب لإرادة الشعب العراقي ، فقال للمفاوض الأمريكي : إفرضوا علينا إتفاقيتكم الأمنية بالسيف ..لكنني لن أوقع باسم الشعب على بقاء  ولو ثكنة عسكرية أمريكية واحدة حتى لو كانت في صحراء السماوة وليست على مشارف بغداد أو داخل سفارتكم التي ستكون أكبر من قاعدتكم العسكرية في ديغو غارسيا )


                             
***

   

   

   


41
مقتدى الصدر ليس عميلا لأمريكا .. لكنه يخدمها دون وعي !!


                                                                                                          يحيى السماوي


 

   لعائلة الصدر عندي منزلة تصل حدود التقديس ، نظير ما قدّمه بعض رجالاتها ونسائها من أمثلة في الجهاد ومقارعة الديكتاتورية ونشر عبير المحبة والتكافل الإنساني ، كالمفكر الفيلسوف آية الله العظمى الشهيد الخالد محمد باقر الصدر وشقيقـته بنت الهدى والشهيد السعيد محمد صادق الصدر ـ طيب الله ثراهم أجمعين ـ والإمام موسى الصدر ( المجهول المصير منذ تلبيته دعوة معمر القذافي قبل نحو أربعة عقود ) ..

   المؤسف أن بعض أبناء هذه العائلة الكريمة المجاهدة ـ  وبدون وعيّ ٍ ـ قد أساء إلى التراث الفكري والفقهي والجهادي لهذه العائلة الرمز  .. كالسيد مقتدى الصدر ـ والذي لا يمكن الشك في ولائه لآل البيت الأطهار ، مثلما لا يمكن الشك في نزعته الوطنية الرافضة للإحتلال الأمريكي ، وهي نزعة تمثل القاسم المشترك للشعب العراقي ، باستثناء فئة ٍ ضالة عن سبق إصرار ، من المنتفعين والإنتهازيين والسَـفـَلـَة واللصوص الذين ما فتئوا يباركون الإحتلال ويتمنون بقاءه ، لقناعـتهم أنّ زواله سيفضي إلى زوال وجاهتهم وامتيازاتهم ومنافعهم الشخصية .. هذه الفئة قد لا يزيد  عديدها على عديد قطيع ٍ واحدٍ من قطعان أغنام العراق .. فلا فخرَ للسيد مقتدى الصدر في رفضه الإحتلال الأمريكي الغاشم ، لأنه ليس المتفرّد في هذا الموقف طالما هو موقف الشعب العراقي كله ، بل وموقف الغالبية العظمى من ساسة المرحلة الراهنة  مثلما هو موقف القوى الوطنية كلها( مع الأخذ بنظر الإعتبار حقيقة أنه ليس كل المشاركين في العملية السياسية هم وطنيون... ففيهم إرهابيون أو داعمون للإرهاب ،إتخذوا من مقارّهم معامل أو مستودعات للسيارات المفخخة الجاهزة للإستخدام .. وثمة فيهم لصوص كبار، ووسطاء موثوق بهم لإطلاق سراح المختطفين الذين لا يُطلق سراحهم إلآ بعد الحصول على الفِـدية الدَسِـمة  )..
   كان الشهيد الخالد محمد باقر الصدر يبدأ رسائله الصوتية بـ " يا أبناء علي ويا أبناء عمر "  تعبيرا ً عن قناعته بأن السنة والشيعة هما ضفتان لنهر واحد هو الإسلام ... وكان الشهيد السعيد محمد صادق الصدر ، لا يذكر" الصلاة على النبي وآله الأطهار " إلآ ويذكر معهم " وصحبه أجمعين " ... فأين السيد مقتدى الصدر من هذه الفضيلة ؟ أليست رسالته الأخيرة إلى تيّاره ومؤيديه بقتل مَنْ أسماهم بـ " النواصب " تمثل دعوة صريحة للعنف  الطائفي البغيض ؟
   إنّ أقبح كلمتين مُتـَداولتين في الفكر الطائفي ، هما " الروافض " و " النواصب " .. فهل يريد السيد مقتدى الصدر إيقاد فتيل حرب طائفية  في وقت يأمل فيه الشعب العراقي ردم مستنقع العَـنـَت الطائفي ؟
وما معنى تأليبه أتباعه على " العلمانيين " في رسالته الأخيرة ؟ هل يريد السيد مقتدى إقامة دولة " طالبان شيعية " ؟ إذا كان الأمر كذلك ، فإن السيد مقتدى أخطر على العراق من المحتل الأمريكي !

   إني لأعجبُ كيف تجرّأ ممثله على قراءة هذه الرسالة في صلاة الجمعة ... هذه الصلاة التي سَـنـَّها النبي محمد " ص " لتوحيد المسلمين ولترسيخ مبدأ التكافل الإجتماعي بينهم ـ وليس لهدر الدم واستباحة النفس التي حرّم الله قتلها بغير وجه حق ...

   لقد استبشر الشعب العراقي خيرا بانخفاض معدلات العنف الطائفي وباقتراب الهزيمة الكاملة لمجرمي القاعدة ، بعدما استبشر خيرا بزوال النظام الديكتاتوري وحزبه البغيض ... ولا أظن الشعب العراقي سيرضى بقيام دولة " طالبان شيعية " يحكمها " فقيه لا يفقه " حتى لو كانت هذه الدولة تخلو من وجود مؤقت لـ" ثكنة عسكرية أمريكية " وليس من وجود جيـش هائل كالذي تصرّ إدارة " البيت الأسود " الأمريكي على وجوده في العراق عبر اتفاقيتها الأمنية سيئة الصيت ...
   رسالة السيد مقتدى الصدر ، توفـّر للمحتل الأمريكي ، ذريعة أخرى ليجثم على صدر العراق .. ما يعني أن السيد مقتدى الصدر يخدم المشروع الأمريكي المناهض لمصلحة العراق الوطنية ،  دون أن يدرك ذلك ..!!!!
   
                                  **

   

   

42
         
رحيل محمود درويش نكبة للإبداع الإنساني   
             


                                                                            يحيى السماوي



   برحيل محمود درويش ، يكون الشعر العربي قد فـَقـَدَ أحد أهم رموزه الإبداعية في العصر الحديث ـ إن لم يكن الأهمَّ اطلاقا ً  إنْ على صعيد تجديده في بنية القصيدة الحديثة دون الإخلال بثوابت الشعر الأساسية ، أو على صعيد منجزه الإبداعي وحضوره الجماهيري غير المسبوق ـ هذا الحضور الذي أعاد للشعر العربي هيبته بعد أن انتقص منها الطارئون عليه ممن أسهموا في إفساد الذائقة الأدبية .... فلم يسبق لشاعر عربي ـ قبل محمود درويش ـ أن حظيت أماسيه الشعرية بجماهير عجزت القاعات عن استيعابها ، الأمر الذي حمل المشرفين على تلك الأماسي إقامتها في الهواء الطلق أوداخل ملاعب كرة القدم ..
   جماهيرية محمود درويش لا تضاهيها إلآ جماهيرية شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري حين كانت ساحات بغداد وشوارعها تغصّ بالجماهير للإستماع له شاهرا سيف شعره بوجه الإستعمار البريطاني حينا ً ، وبوجه عملائه حينا آخر . وما يميز محمود درويش عن مجايليه ، أنه الوحيد الذي كان إبداعه يتنامى بين قصيدة وما بعدها ـ وليس بين ديوان وآخر ، أو مرحلة عمرية وأخرى ...
هو شاعر القرية مثلما هو شاعر الكون الإنساني .. شاعرالأرض والسنبلة مثلما هو شاعرالفضاء والعصفور ... هو  شاعر البندقية مثلما هو شاعر منديل العشق ... وإذا كان للشعر محرابه ، فليس غير محمود درويش ، راهبه وسادنه الذي أوقف حياته عليه ولم يُشـْرِك به حبيبة أو زوجا وولدا ـ باستثناء فلسطينه التي إتحدت بشعره إتحاد العطر بالوردة ، والعَـلـَم بالسارية .. كان محمود درويش قصيدة ً تمشي على قـدمين .. كان الشعر ملاذه ومأواه وكاهنه وإنجيله ، فلا عجب لـو كان أكثر الشعراء العرب حضورا كونيا ً، وأكثرهم حصدا ً للجوائز العالمية ـ وقد لا أكون مبالغا إذا قلت إن رحيل محمود درويش المبكر قد حرم الشعر العربي من إمكانية الحصول على  جائزة نوبل مرتقبة ، فلم يكن ثمة مَـنْ هو أجدر منه بها  من بين شعراء الأمة العربية في عصرنا الراهن .
  رحيله المبكر فاجعة للشعر وللإبداع الإنساني المنفلت من حدود المحلي والقومي  ، وليس فاجعة  لفلسطين ولقارئه العربي فحسب .. فاجعة لـ " قوة الحق " في حربها المشروعة ضدّ  " حق القوة " ... وهي بالمقدار ذاته ، فاجعـة للجمـال والخير والفضيلة ، في زمن القـبح  والخطيئة والشـرّ الصهيو/ أمريكي ...

                                **

   
 

43
الجواهري نهـر العراق الثالث



                                                                             يحيى السماوي


     ( لمناسبة اختتام مهرجان الجواهري الخامس في بغداد : نص الكلمة التي ألقيتها في الحفل التكريمي الذي أقامه منتدى الإثنينية لشاعر العرب الأكبر الجواهري في مدينة جدة يوم 3/4/1995 وقد نـُشِر المقال في صحيفة المدينة تحت عنوان " الجواهري نهر العراق الثالث " يوم 8/نوفمبر / 1995... ومن خلال الكلمة هذه ، سمع لأول مرة باسقاط جنسيته بعد أن أخفينا عنه الخبرنحو أسبوع كامل بناء على رغبة الأخت خيال .. وكان الجواهري ـ طيّب الله ثراه ـ قد علق على الكلمة أمام كريمته د . خيال وزوجها الفنان صباح المندلاوي قائلا :هذا أجمل ما أطلق عليّ من ألقاب فشكرا ليحيى السماوي  )


                                                            **



   يُقال إنّ إعرابيا سألوه في بلاد الشام : من أية بلاد أنت ؟ فأجاب : من بلاد أنجبت أبا الطيب المتنبي ... فقالوا : إنها العراق .. البلاد التي منحت مائدة الشعر خبز العافية .. والتي يُقتل فيها الشعراء أو يُمنع عنهم خبز الحقول ..

   في العراق نهران أسطوريان .. ومع ذلك ، فهو وطن العطش والجوع والخريف المتأبّد ... ومن بين ثلاثين مليون نخلة عراقية ، يبقى الجواهري النخلة الأكثر ارتفاعا وعطاء ً.. النخلة التي أصبحت بمفردها بستانا ً باتساع الوطن .. إنه الجسر الذهبي الذي يربط بين الحلم واليقظة .. أو بين أرض الحروف وفضاء الإبداع .. وهو الشهيد الحيّ الذي لم يُشنق بعد ـ إذا كان للشعر شهداؤه الأحياء !

   حين اتخذ النظام العراقي من حزب  ( ميشيل عفلق ) معبدا ً وثنيا ً ومن صدام صنما ً : أسقط النظام عن نفسه هوية مكارم الأخلاق ..
   وحين اجتاح الكويت : أسقط عنه الشرف العربي فأضحى لعباءته شكل الخطيئة ، وصار العراق تابوتا ً على هيئة وطن ..

   أما حين أسقط الجنسية العراقية عن شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري فقد كشف  هذا النظام عن نفسه عدوا ً للإبداع وللوجدان الوطني ، ونصيرا للعهـر الفكري .... وإذا كان للعـراق نهـران أسـطوريان ، فإن الجـواهري هـو الــنهـر الثالث ، وما يُميزه عن دجلة والفرات ، أنه النهر الذي لا يعرف النضوب ، والذي منح الغابة الشعرية العراقية الخضرة والعصافير وفضاءات أكثر اتساعا ً من نوافذ الأحلام ..

   ومع أنه تجاوز الخامسة والتسعين من العمر ، إلآ أنه ما يزال الأكثر فتوّة ً وشبابا ً من شبّـان وشباب القبيلة الشعرية كلها ، فحُقَّ لنا ـ نحن العراقيين ـ التفاخر به ، وأن نتباهى ـ نحن الذين دخلنا غابة الشعر ـ بكوننا قد خرجنا من تحت طاقية رأسه .. طاقيته التي أضحت من ملامحه مثلما أضحت راية للشعر العراقي ..

   وكما أضاف المتنبي للوطن الشعري مدنا ً جديدة ، فقد أضاف الجواهري الكبير لهذا الوطن مدنا أخرى .. وأضاف للشعر شرفا جديدا في وقت ٍ كان فيه النظام الديكتاتوري يريد اغتيال شرف الشعر بعدما اغتال شرف المواطنة ..

   قد أبدو مجنونا بحب شعر  الجواهري .. غير أن مثل هذا الجنون يأخذ شكل الحكمة ـ أنا التلميذ المهذب الواقف على عتبة مدرسة الجواهري مستجديا السماح لي بدخولها .. فأن أكون شجرة صغيرة في بستان الجواهري ، أحبُّ إلى نفسي من أن أكون بستانا ترضع أشجاره من وحل ينابيع الخطيئة العفلقية ... وأن أغدو تلميذا للجواهري ، فذلك أشرف لي من أن أكون استاذا لقبيلة كاملة من شعراء السلطة .

   مرة سألني صديق عن الأسباب التي جعلتني أحمل حقدا عميقا على نظام الوثنية الجديدة في العراق ... ومع كوني أشعر كما لو أنني رضعت كره هذا النظام مخلوطا بحليب ثدي أمي ـ إلآ أنني أجبته : لو أن نظام صدام حسين لم يرتكب سوى جريمته في تشريد الجواهري ، لكان على الشعب العراقي العمل على إسقاطه ..

   فكما كان الجواهري شاعر" وثبة كانون " ضد الإستعمار الإنكليزي ، وشاعر " ساحة السباع " وشاعر الشعب الأول ، فإنه أيضا الناطق الشعبي باسم عذاب الفقراء وباسم العراق ومناضليه والناطق الإبداعي باسم الشعر العراقي منذ غفا المتنبي إغفاءته الأخيرة . لقد كان الجواهري ركنا أساسيا من الأركان التي شكلت الوجدان الوطني العراقي .. ها هو صوته في قصيدة ( أخي جعفر ) يملأ الذاكرة الوطنية منذ إلقائها يوم 14 / 2 / 1948 وحتى يومنا هذا ، وستملأ ذاكرة العصور التي لم تولد بعد  :

أتعلمُ أم أنت لا تعلمُ
بأن جراح الضحايا فمُ

   وأي شهيد سقط مضرّجا ً بدمه ، لم ننشد على مقربة من قبره :

يوم الشهيد ِ تحية ٌ وسلامُ
بك والنضال ِ تؤرّخ الأعوامُ

أو قوله :

باق ٍ وأعمارُ الطغاة ِ قصارُ
من سفر مجدك عاطرٌ موّارُ

   وهل ثمة عراقي فـُرِضَ عليه أن ينتقل من منفى إلى آخر ، أو من معسكر لجوء إلى رصيف  من أرصفة التشرد ـ سيجد ما يعبّر عن حرائق اشتياقه ، كالماء الذي يتدفق حنينا من قصيدة الجواهري ( يا دجلة الخير ) :

حييت سفحك عن بعد ٍ فحييني
يا دجـلة الخير يا أم البسـاتيـن ِ

يا دجلة الخير يا نبعا ً أفارقه
على الكراهة بين الحين والحين ِ

إني وردت عيون الماء صافية ً
نبعا فنبعا فما كانت لترويني

   لقد كانت قصائد الجواهري في غربته بمثابة بيانات صادرة عن أشواق كل المنفيين والمشردين وعن حالاتهم النفسية :

سهرتُ وطال شوقي للعراق ِ
وهل يدنو بعـيدُ باشــتيـاق ِ ؟

وهل يُدنيك أنك غيرُ سـال ٍ
هواك وأنّ جفنك غير راقي ؟

   لا أحسب نظاما ً من أنظمة الحكم التي تعاقبت على قيادة " حمار السلطة " في العراق ، كان يخشى شيئا أكثر من أن يقول فيه الجواهري شعرا قادحا .. قد يكون صحيحا أنّ قتل الجواهري كان أسهل للأنظمة تلك من قتلها عصفورا يحلق في فضاءات الوطن المليء بدخان الحرائق .. لكن الصحيح أيضا هو أن تلك الأنظمة كانت تدرك أن قتلها الجواهري سيسقط عنها آخر ورقة توت ... ربما لهذا السبب لم يبعث صدام حسين بأحد ( الرفاق الأشاوس ) ليسقي الجواهري كأسا ً من عصير البرتقال المخلوط بالثاليوم ، أو ليغرس في رأسه طلقة من مسدس كاتم للصوت ، أو طحن عظامه في حادث دهس منسّـق ـ لذا اكتفى باسقاط الجنسية العراقية عنه ، ظنا منه بأن مثل هذا الإجراء التعسفي سيؤدي إلى موته معنويا ، وما كان يعرف أن إسقاط الجنسية عنه قد جعل الأمة العربية والأسرة الإنسانية كلها تمنحه الجنسية الأبقى ، وأن طاقية الجواهري قد أضحت جنسية أخرى للوطن ... فبمثل الجواهري تتشرف الأوطان .
   
                                           ***   

 

44
المحتل الأمريكي وأسلوب الإذلال مع سبق الإصرار




                                                                                                  يحيى السماوي                                          



   الحكومة التي لا تدافع عن كرامة شعبها ، ليست جديرة باحترام هذا الشعب .. والمحتل الذي يسـتهين بكرامة الشعب ، يجب أن تكون صدور قواته هدفا ً لبنادق التحرير ... وأما  الرجال الذين يرتضون لوجوههم أن تغدو " سطلا ً " لبصاق المحتل أو مشجبا ً للصفعات ، فهم أشباه رجال ٍ ـ حتى لو كانت شواربهم مفتولة مثل رأس الفِـجـل ، ولِحاهُم  تتدلى على صدورهم ... فمثل هؤلاء ليسوا رجال " صحوة " أو شيوخ عشائر ، بقدر ما هم  غلمان  "غفوة " وعبيد وجاهة ٍ مبتذلة  ... وأما " الجنرال " العراقي الذي لا يُجيد الدفاع عن كرامته حين يصفعه على يافوخه ، ضابط أمريكي محتل ، فهو غير مؤهَّل للدفاع عن الشعب  ، وغير جدير ٍ حتى بـ " عصا الرعاة " وليس " عصا الماريشالية "  كالعـقيد  مدير شرطة المجمعـة " راشد محمود شلال " الذي تعرّض للصفع من قـِبل ذات الضابط الأمريكي " الحليف "  ،لأنه دخل مقر إقامته وقد نسيَ أن يضع مسدسه الشخصيّ لدى الإستعلامات !

   وإذا كان المحتلّ الأمريكي ، يمارس هذا الإذلال للمواطنين و لشيوخ العشائر وكبار الضباط العراقيين  في وقت ٍ لم توَقـّعْ فيه بعدُ الإتفاقية أو مذكرة التفاهم  الأمنية ، فما حجم الإذلال الذي سـيمارسـه في حال تمّ توقيعها ؟

   جاء في الأخبار ، أن القائد الأمريكي الجديد في محافظة الأنبار ، شاهد موكب " رعد صباح العلواني  ـ شيخ عشيرة آلبو علوان " في أحد شوارع المحافظة ، فاستوقفه وانهال عليه بالصفعات  والركلات ، وأسْـقـَط َ عِقاله ـ إمعانا في إذلاله ، وعمد إلى تجريد رجال حمايته من أسلحتهم ... وكان هذا القائد الأمريكي نفسه ، قد قام قبل هذا الإعتداء ، بإهانة " الشيخ عارف مخيبر "  أحد قادة " أشاوس الصحوة "  بركلِه أمام جمع من " قادة الصحوات " الذين لم تهتز لهم شعرة من شواربهم ( ربما لأن كرامتهم  ورجولتهم كانتا  في  غفوة ؟! )

  وكالة أنباء " الملف برس " التي نقلت تفاصيل هذه الإعتداءات المُهينة ، نقلت عن " شيخ ٍ عراقيّ آخر ، هو علي حاتم السليمان " قوله : " نحن نرفض أن يقوم حلفاؤنا بسحب أي مواطن من عِقاله " .. فـ " الشيخ السليمان " يرفض أن يقوم  "حلفاؤه " بسحب ِ أي مواطن من العِقال ـ وكأنّ به لا يُمانِع لو أنّ " حليفه " المحتل ، سـيسـحب المواطن من عباءته أو ياقة " دشداشته " ... ؟!!
   وعلى افتراض أنّ هؤلاء الشيوخ من قادة الصحوات وجنرالات عراقنا الجديد ، قد استمرأوا الإهانة ما دام أنّ المحتلّ قد قايض كرامتهم بالدولارات وبسيارات الهمر المصفحة والوجاهة المبتذلة ـ فهل يجيز مثل هذا الإفتراض ، سكوت الحكومة على هذه الإهانات غير المبررة  ـ دون أن تأخذ بنظر الإعتبار  ، أن السكوت على هذه التجاوزات المُهينة ، سـيغـوي المحتل ، فيتمادى في غيِّـه فيطالها بعد حين  ؟

                                       ***
   

   

   

45
لمناسبة اليوبيل الفضي لاستشهاد البطل " أبو ظفر "



                                                                                  يحيى السماوي

   
أحَبَّـهُ مَـنْ لم يبصرْه .. ورثاهُ مَـنْ لم يلتقِـه ..
تباهى به الجبلُ شقيقا ً له .. وتفاخر السهلُ به إبنا ..
به من الجبال شموخ القِـمَم .. ومن النخل انحناءُ السعف  للكادحين ..
شفافٌ كدموع العشـق .. صلبٌ كمطرقة العامل ..حادٌّ كمبضع الجرّاح ..
دافيء كخبز ِ صباحات الفلاحين .. نقيٌّ كالسيف لحظة َ تجَرُّدِه من غمدِه ..
لم يكن بالمسافر ِ فأنتظرُ عودته على رصيف محطة ٍ ، ولا بالميت فأرثيه ..
منذ خمسٍ وعشرين دورة ِ شمس ، و " ظفرُ " تنتظرُ عودته ليمشط لها ضفائرها ..
منذ خمس ٍ وعشرين دورة شمس  و " يسار " يؤجِّل أعياده ، مترقبا ً اللحظة التي يحطُّ فيها " هدهد " البشرى على نافذة عينيه ..
منذ خمس وعشرين دورة شمس  و " بلقيس " تنسج أهدابها منديلا ً للفارس الذي طوى الدنيا على صهوة " كلاشينكوف " نحو الأبدية حيث الخلود ..
مـنذ خمـس وعشرين دورة شمس والصعـاليك المرضى يتعكزون أضلاعهم ..منتظرين عودة " عروة بن الورد " لينسج لهم بأنامل محبته قمصان العافية ..
                      ***
ها أنذا الان  أكتب في الوقت الضائع من عمري ، عن صديق طفولتي .. وزميل صباي .. ورفيق شبابي .. نافخا ً في رماد ذاكرتي ، بحثا ً عن جمرة المستحيل لأسجر تنـّور كهولتي أملا ً في رغيف خبز ٍ يليق بمائدة اليوبيل الفضي لذكرى إقامة " د . محمد بشيشي " في دار الخلود ..
لست بالراثي .. فالخالدون لا يحبون الرثاء .. ولا ثمة قبرٌ يمكن أن يتسـع لوطن .. وهل كان " محمد بشيشي " غير وطن ٍ  ماؤه المحبة ُ .. نخله النضال .. شعبه الفقراء والأطفال  والعشاق والطيور ؟
                    ***
في " زقاق دبْعـَنْ " حيث البيوت متلاصقة تلاصقَ قطيع من الماعـز يسير في مسرب ٍ ضيِّق ، وُلِدَ الشهيد البطل " أبو ظفر "  لأبٍ يشعُّ بشاشة ً يعمل حارسا ً لمدرسة " المأمون الإبتدائية " .. وأم ٍ ترى في كل طفل ٍ من أطفال البيوت الطينية  إبنا ً لها .. لذا اختار البطل " محمد بشيشي " أن يكون حارسا ً لأحلام الفقراء ، وسادنا في محراب آمالهم ... وأبا ً لكل الأطفال الذين وأد الطواغيت طفولتهم ...
في هذا الزقاق ، عرف الشهيد معنى الفقر الجليل ، حتى إذا صار فتى ، قرأ أول مرة ، وفي خلسة من شقيقه " شهيد الخياط " منشورا سريا ً راح يتلوه علينا قبل أن يعيده إلى " دشداشة " شقيقه .. يومها صار الفتى رجلا  يتحدث عن الوطن الحر والشعب السعيد ، وعن الرغيف الذي سيكون  أكبر من الصحن .. والصحن الذي سيغدو أكبر من المائدة .. والمائدة التي ستكون باتساع الوطن ..والوطن الذي سيكون جنة أرضية حين تتنظف مراعيه من ذئاب الديكتاتورية وضباع التعسف وأشواك القهر ـ فلا غرو حين  تخرج طبيبا وعمل في معمل " سمنت السماوة " أن  يغدو مستوصفه الطبي ملاذا للعمال .. ومستراحا للكادحين .. ولا غرو حين تكشر ذئاب الديكتاتورية عن أنيابها ، أن تقوم حكومة قطيع الذئاب بنقله بعيدا عن العمال إلى ناحية " الدغارة " دون أن تدرك أن عيادته ستغدو قبلة الفلاحين والكسبة .. ومنتجع محبة ٍ للفقراء ..
       
              ***
 كان مهيّـأ للشهيد البطل " أبي ظفر " أن يكون شاعرا أو روائيا .. شغفه بالقراءة وأسلوبه في التعبير يشيان بذلك ..
حين قـرر مدرس اللغة الإنكـليزية  في ثانوية السـماوة " عـبد الباقي الصافي " إخراج مسرحية شكسبير " تاجر البندقية " لم يجد أفضل من الشهيد " أبي ظفر " لدور البطولة ـ ليس لأنه الأذكى بين مجايليه في اللغة الإنكليزية فحسب ، إنما ولأن المدرس كان يعرف أن الشهيد يحمل حقدا مقدّسا ً على مصاصي دم الفقراء أمثال " شايلوك " .. ولقد برع الشهيد في المسرحية التي شارك في تمثيلها " محمد فاضل " و " هادي آل يونس " و " محمود شاكر الإمامي " و " سعد شاكر العزاوي " .. فالشهيد كان من رواد الحركة المسرحية في مدينة السماوة ، مثلما هو من رواد الحركة الطلابية التقدمية ..

             ***

    أبا ظفر .. يا صديق طفولتي وزميل صباي ورفيق شبابي ، أتسمعني ؟ إنّ قاتليك قد دخلوا مزبلة التاريخ تحفُّ بهم اللعنة ... وها أنت حيٌّ في ضمير الأبد يحفُّ بك النور وتتهجى كتاب خلودك الأبدية ..
  " بلقيسك " غدت أما ً لكل أطفال الشهداء والعصافير والشجر .. يداها نهران خرافيان يسقيان غراسك .. عيناها مغتبقك .. وقلبها مصطبحك ... و " ظفرك " غدت حمامة جناحاها باتساع آفاقك ... و " يسارك " أضحى نخلة بحجم  شهامتك .. فنم قريرا في فردوسك أيها الشفيف كدموع العشق .. الصلب كمطرقة العامل ..الشامخ كجبال بهدينان .. الدافئ كخبز صباحات الفلاحين .. والنقيّ كالسيف لحظة تجرده من غمده ..
   أيها المقيم في صدر الأرض قلبا ً : لن أرثيك ... فأنا أعرف أن الخالدين لا يحبون الرثاء ..
   
                                     ***



صفحات: [1]