عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - حيدر عراق

صفحات: [1]
1
المنبر الحر / فضيحة فصيحة
« في: 12:57 09/05/2020  »
فضيحة فصيحة

حيدر محمد الوائلي

في أحد الأيام كان هنالك رجل دين بسيط غير معروف إعتاد أن يُلقي محاضرة إرشادية من على منبر مسجدٍ صغير وسط أحد الأحياء السكنية الفقيرة بعد أداء صلاة الجماعة.
صادف في ذلك اليوم وجود رجل دين كبير معروف ذو هيبة ماراً بسيارته فسمع الآذان فتوجه تلقاء مسجد الحي الفقير لأداء فرض الصلاة.
لدى دخوله وقف له الجميع شاقين الصفوف ليتخذوا له مساراً واضحاً لصدر الصف الأول محيين له ومهمهمين بينهم. كان إمام المسجد وخطيبه قد بدأ قبلها بمقدمات الصلاة بمحراب المسجد.

إنتهت الصلاة، فقام رجل الدين (البسيط) (الغير معروف) ليؤدي تحية السلام لرجل الدين (الغير بسيط) (المعروف) الذي بقى جالساً يتظاهر بعدم الأنتباه وبكثرة التسبيح (مظاهر جميلة) حيث كان له أن يحرك جسمه لينهض مبادلاً السلام بأحسن منه، لكن في النفوس خيال وتصورات تُرضي بعض الناس ولا ترضي اخرين.

يبدأ التكبر شعوراً نفسياً يغذيه الأنصار وهوى النفس بمظاهر تعزز من غرورها فيزداد ويزداد مع زيادة الشهرة ومع زيادة الرصيد الأعلامي والألكتروني حتى تصير النفس محاربة للنقد، كارهة للنصيحة، مستنكفة عن بسطاء الناس، راغبة باخرين مميزين وحسب المزاج.
لا تحب هكذا نفس أن تعتذر فدائماً ما يوهم صاحبها نفسه بعدم التقصير وبأنه حتى مع اخطائه فهي خطئ النزر اليسير، مغالطاً الحقائق كذباً وتدليساً كي لا يُسجل للنفس هزيمة فتهتز الصورة المغرورة أمام الناس وأمام صاحب النفس المغرورة نفسها.

بعد الأنتهاء من التحية وكثرة السؤال عن راحته وصحته، فتوجه من عنده تلقاء المنبر جنب محراب الصلاة لألقاء المحاضرة كما جرت العادة، فوقف رجل الدين ذو الهيبة ليسير بضع خطوات معدودة إلى جانب المنبر الأيمن ليتخذ مكانه جالساً، متكئاً على الحائط مستدبراً القبلة مواجهاً بقية وجوه الناس الناظرة.

جرت العادة أن تُفتتح المحاضرة القصيرة عقب الصلاة بآيةٍ من القران الكريم أما تبركاً بها أو لأنها مورد بحث سيأتي شرحه وتفصيله بصورة مبسطة للعامة من الحاضرين.
تلى صاحبنا يومها الآية الثانية من سورة فاطر: (مَا يَفتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وتعني ببساطة أن مفاتيح الخير والرحمة بيد الله يفتحها ويغلقها بقوة (العزيز) الذي قهر الأشياء كلها وبتصرف (الحكيم) الذي يضع الأشياء مواضعها، وفي النهاية أنما أمره أن يقول للشيء كن فيكون.

أثناء القراءة نسي رجل الدين (البسيط) وربما لتوترٍ من جلوس رجل الدين (المعروف) تحت منبره فأخطأ بقرائته بأن قرأ كلمة (يفتحِ) حيث الحاء في الأية الكريمة مكسورة فقرأها بالفتحة (يفتحَ) وهذا خطأ ممكن تلافيه عند الخوض في الموضوع ولربما سقطت سهواً من عنده، فحتى عامة الناس من الجالسين قد لا يعرفون الفرق بين الفتحة والكسرة في هذه الكلمة ولا يعرفون مغزاها بانتظار الشرح والتفصيل، ومنهم ممن لا يعرف اللغة الفصيحة فينتظرون المحاضرة التي يلقيها عليهم الرجل بصورة مبسطة وبلهجتهم وبطريقة يفهمونها.

على الفور دوى صوت عالٍ من أسفل يمين المنبر أربك الحاضرين مرة وأربك راقي المنبر مرة ومرة!
كان ذاك صوت رجل الدين ذو الهيبة متكلماً جهورياً ليُسمِعَ حضور الناظرين مقاطعاً صاحب المنبر دون إستئذان قائلاً بلغة فصيحة:
(الله يكسر وأنت تفتح)؟!
فما كان من رجل المنبر البسيط وسط الإحراج أمام الناس إلا أن يجيبه بصوتٍ أعلى حيث كان الميكروفون ملامساً لشفتيه قائلاً:
(والله يستر وأنت تفضح)؟!

كانا جوابين. واحدٌ يتمسك بالشكليات والضوابط والمظاهر واخر يتمسك بالأخلاق والتدبر والسرائر.
إن ما يؤمن به قلبي أن جواب القلب والضمير وجمال الذوق والأخلاق هو أكثر حكمة وأدق صواباً من شكليات وإحراجات واهانات بمختلف الحجج.
أستمر الرجل بمحاضرته فعدم الأكتراث و(التطنيش) مهارة كبيرة من مهارات العقل لتواصل ولا تنكسر رغم وجود بعض المنغصات.
ربما دارت في نفس صاحبنا الغير معروف ندم أن بالغ بإحترامه وكثرة سلامه عليه، ليغادر رجل الدين ذو الهيبة مباشرة عقب انتهاء المحاضرة مودعاً الجميع بصيغة الجمع.

هذه الهيبة التي أصبح الكثيرون يعدونها للأسف من لوازم رجال الدين وحتى رجال السياسة، حيث المظاهر والهيبة والمجلس المتميز والأحترام الواجب تقديمه يجب أن تأخذ مكانها بعناية عند تواجد أي مرتدي زي رجل دين أو صاحب منصب أو من له شهرة اعلامية وليس لفكرٍ وعبقرية ونباهة وإصلاح تميزوا به، بل على الأغلب لشهرة أعلامية أو الكترونية أو لزيادة في بعض الأتباع.

متى تكون النصيحة فعلاً نصيحة وليست فضيحة؟
ومتى يكون البحث عن أثر الأصلاح بالنصيحة بدلاً من جعلها كفضيحة؟!
من أساسيات النصيحة وهذا إسمها إجتماعياً وفقهياً (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) عدم الأحراج والحط من شأن الشخص المنصوح وتوخي الحذر بأن لا تكون النصيحة إهانة أو تعتبر إساءة على المستوى الشخصي أو الأجتماعي.
ومن أساسياتها أيضاً إحراز أن يقبل المقابل النصيحة وأن تكون ذات ضرورة منطقية أو ستدفع ضرراً قد يقع لو لم يقدم النصيحة، وكذلك وهو المهم أن تفكر جيداً بحكمة نصيحتك ومدى أثرها وتأثيرها وهل هي فعلاً نصيحة أم كلام فارغ لا محل له من العقل ولا من الأخلاق.
يجب أن لا تكون النصيحة تدخلاً فيما لا يعنيك وما لا تعرفه وأن لا تكون فضول وحشر أنف في أمور خاصة وحتى عامة هي ليست من شأنك.

كنت قد كتبت مقالة قبل فترة بعنوان (رأي وخصوصيات وحشريين) تناولت فيها من يبحث عن التسقيط والتشهير بخصوصيات الناس أو البحث في حياتهم الشخصية وعيوبهم للتسقيط الأجتماعي لمجرد خلاف في الرأي.
 
ينبغي أن تكون النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سترٌ لا فضيحة، وأن تكون توجيه لا جبر ولا غصب ولا عصبية ولا تجاوز على حقوق الاخرين، ولا أن تكون قلة ذوق، ولا أن تكون ممن هم أولى بنصيحة أنفسهم قبل نصح غيرهم.

2
رأي وخصوصيات وحشريين

حيدر محمد الوائلي

ما علاقة التاريخ الشخصي والمقارنة الشخصية والحياة الخاصة برأي يخص سياسة او دين أو مجتمع.
وما علاقة الوظيفة والعمل والتاريخ الشخصي وتعداد العثرات والذنوب لإحراج كل من له رأي صحيح وقول سديد لا يقدرون على رد حكمة رأيه، فيعددون عثراته وربما مشاكله الأسرية والزوجية أو فضح بعض ذنوبه السابقة.
جميع البشر يخطئون ويتعثرون وخير الخطّاءون التوابون المصححون لأخطائهم، فليس الفخر أن لا تسقط ولكن الفخر أن تنهض من بعد السقوط.
أكاد لا أغالي إذا قلت أن مجتمعنا العربي من أكثر المجتمعات (حشرية)!
يحشر أنفه في كل شيء ويتدخل في شؤون الآخرين (سياسياً ودينياً وطائفياً واجتماعياً) وحتى على صعيد التدخل في الشؤون الأسرية.

من الصعب احترام الخصوصية والحرية الشخصية في هكذا مجتمع مع الأسف، فالتدخل سافر في شؤون الآخرين وعلى الصعيد الشخصي (أكيداً) فمنهم من يتتبع الأخبار والإشاعات وحكاوي أبناء المنطقة للحصول على معلومة أو إشاعة أو تلميح ليطفأ ظمأ فضوله القاتل.
وحتى في السؤال عن أحوال الشخص فكثيراً ما تتجاوز المعقول بالتدخل في خصوصياته وأسراره الشخصية.
وأما في هذا الفضاء الالكتروني فصار تعقب العثرات ومسكها على اشخاص لعنة من اللعنات.

مجتمع تتفشى فيه الشائعات والافتراءات والأكاذيب والخزعبلات والخرافات بشكل كبير وسافر وعلى كافة الأصعدة الدينية والاجتماعية والتاريخية، فتصبح حركة الإصلاح والفكر صعبة جداً حيث تنشغل بدحض تلك الخزعبلات والأكاذيب والافتراءات التي جعلها الكثيرين عقيدة وطقوس ومنهج فكري ومنها ما جعلوه مقدس لا يصح المساس به ومن ثم تبدأ بطرح الأفكار الجديدة وهذا يتطلب جهدٌ جهيد كما لا يخفى في الدفاع الشخصي ويضيع هباءاً وقت الدفاع عن فكرة ورأي.
 
في مجتمع هاجسه الإسقاط والسقوط ومتابعة الفضائح وبث الشائعات وتتبع العثرات، من الصعب أن تحترم الآراء والاختلاف بها، فلا ينظر هكذا مجتمع لما قال الشخص بل لمن هو هذا الشخص وانتهى!

هكذا مجتمع من الصعب فيه احترام الرأي المخالف واحترام الحرية العامة فالحرية الشخصية منتهكة وغير محفوظة فكيف بالحريات العامة التي تتحكم بها مقيدات يضعها البعض كحدود تتوافق مع فكره وشهوته الخاصة ولا يعر أدنى اهتمام لمن يخالفه بالفكر حتى لو كان من خالفه أصح منه فكرياً.

ومنهم من يتتبع خفايا الأسطر، ويبحث في الإشارات والدلالات، لكي يعرف هل أن الكاتب شيعياً أم سنياً وليس لمعرفة معاني الكلمات ومدى صدقها.
ومنهم من يقيس بعمر الشخص وآخر بتوجهه السياسي ليقوي الفكرة او ليضعفها وآخر يبحث عن درجته الأكاديمية ومهنته.

لعل قائل يقول لربما كان الرأي كلمة حق يُراد بها باطل؟!
والجواب: إنك لو عرفت ذلك فهو ينم عن وعي وتفكر، ولا كلام حوله فقد عرفت ذلك، وإنتهى!
ولكن مثلما عرفت ذلك عليك أن تعرف أن لك رأياً محترم تؤمن به مثلما لغيرك رأي ينبغي إحترامه فهو يؤمن به أيضاً.

ما علاقة تصرفات غاندي الشخصية ومعتقده السيخي ففكره من ألهم الأجيال حبه وحب فكره. وما علاقة لون بشرة ودولة ودين نيلسون مانديلا فرأيه السياسي والاجتماعي هو المهم بالنسبة لمن يريد فكراً وتغييراً وصموداً. وما علاقة سفور اوبرا وينفري التي بمؤسساتها الخيرية (في أفريقيا فقط) أنفقت ثروات طائلة وأوت عشرات الآلاف من الأسر المشردة وأنقذت عشرات الآلاف من الأيتام وأسكنتهم وبنت لهم مدارس ومؤسسات وأشبعتهم بعدما كانوا جياع، والبستهم بعدما كانوا عراة، في الوقت الذي يبذّر في سفرته الرمضانية أصحاب زي ديني ونساء محجبات ملايين الدولارات من طعام يلقى في سلة القمامة، بعد وجبة الإفطار الدسمة!

أيوجد داعٍ لترك رأي مفكر لمجرد أنه سني وأنت شيعي أو لأنه مسيحي وأنت مسلم وبغض النظر عن روعة وبراعة الفكر فتتركه لمجرد خلاف لك معه بالتوجه الديني والطائفي؟!

هل تعلمون أن بيتهوفن كان صارماً جداً وشخص يوصف بغير اللطيف في التعامل مع من يعملون معه وحتى أن بعض الناس يومها أخذ يصفه بالجنون من جراء أفعاله، ولكن ليست تلك التصرفات التي خلدت بيتهوفن فهي صفات يمارسها الكثير من الناس يومياً ويتحكم بها مزاج أو ضغوطات الحياة فالذي خلده موسيقاه وسيمفونياته العذبة التي لليوم يسمعها الناس وتأخذ سامعيها لعالم من الصفاء والحب والسكينة.     

الحساب يوم الحساب، ولكل أجلٍ كتاب، والله من يكافئ برحمته وعدله بالثواب فقد سبقت رحمته غضبه مثلما يجازي بعدله وشديد غضبه بالعقاب. فلا يوجد تخويل لبعض المتكلمين من الببغاوات لإدخال الجنة والنار وفق ما يشتهون، لمجرد كراهة في نفسه.

الحياة الشخصية والمنجزات الفكرية والمعتقدات القلبية والعبادات كلها تجتمع يوم القيامة وعندها يكون الفصل.
كل رأي محترم طالما يعرض على محكمة العقل تتداوله فكرياً والفطن النبه من يفهم وهنالك من هم (طابوكة) بل اشد.

ربما يكون من بمقاييس البعض ممن يصوم كثيراً ويصلي ويرتدي لباس ديني أو كون مظهره وشكله ديني هو تقياً في مقاييسهم ولكن لم تمنعه لا صلاته ولا صومه الكثير من الناس في الماضي وفي الحاضر من أن يكونوا مجرمين وقتلة وسارقين وفاسدين وجروا أنفسهم وأتباعهم لحتفٍ مشؤوم وهدام.

الحياة الشخصية تبقى للشخص وتصرفاته في بيته وعلاقاته مع أصدقاءه هي ملكه وهي حياته الخاصة ويجب إحترامها وعدم تدخل الآخرين بها لذلك ينبغي أن يكون هنالك فصل بين رأي يقوله في فكر ودين وسياسة وبين حياته الشخصية.
كذلك مع المعتقدات الدينية والطائفية فهي فكر شخصي يجب أن يكون محترم ومن قلة الذوق السؤال عنه لدى طرح كل فكرة وكل رأي.

دعونا هنا أن لا ننكر شيء أساسي هو أن الكثير من معتنقي الديانات والطوائف والتوجهات الفكرية وحتى السياسية هم ورثوها وراثة، أو جاءتهم من عدوى المجتمع المحيط حولهم.
وهنالك دين وطوائف أصبحت تعبد لذاتها لا لله، هكذا أما عناداً بمن خالفها، أو اعتزازاً بها كموروث، فالذي ولد في مناطق سنية يصبح سنياً والذي ولد في مناطق شيعية يصبح شيعياً وكذلك المسيحي واليهودي والبوذي والسيخي، فمن ذا الذي يفكر ويشكك ويقرأ ويطالع ويتفكر بجميع الأفكار قبل اعتناق ديانة ومعتقد وتوجه سياسي قبل الأيمان بشيء قد ورثه؟!
للأسف القليل جداً ممن فكروا بذلك.
وأما الذين امنوا إيماناً مطلقاً بما هم فيه من وراثة وتلقين فلا شك أنهم سيقعون في الشك فيه لاحقاً.

يقول فرنسيس بيكون: (من يبدأ بالشك ينتهي باليقين ومن يبدأ باليقين ينتهي بالشك).
وهذا لا يعني أن تكون ذو شخصية شكاكة وسواسه بل تشكيك بالتساؤل لتثبيت فكرة موروثة إن كانت صحيحة ومنطقية أو دحضها وتركها أن كانت خزعبلات وخاطئة. 
وللأسف فالذي يسأم ويمل ولا يتعب نفسه في البحث فيتخذ (هكذا دون عمق تفكر) اتجاهاً علمانياً أو إلحادياً أو عبثياً خصوصاً أنه طريق سهل لأنه مليء بالمتع والملذات التي تنسي الإنسان نفسه، فهو مهزوم فكرياً.
أما من امن بتلك التوجهات بعد فكر ودراسة فهو محترم الرأي ولو خالف البعض.

يجب التفكير في هذه الملاحظة، وهي الفصل بين (الفكر والوراثة)، وبين (الحياة الشخصية والرأي الفكري)، وبين (التوجه الديني والحياة الاجتماعية).

هنالك ميزان كبير فيه كفتان للخير والشر، وكثيراً ما يقع البعض في خطأ إيقاع الآخرين بكفة الشر لمجرد خلافه معهم في الرأي أو التوجه الديني والطائفي والسياسي ولو كان الرأي موضع الخلاف ليس له علاقة لا بدين ولا بطائفة ولا سياسة وكان صحيحاً ومنطقياً، مثلما يضع من يشتهيهم في نفسه من أتباع توجهه الديني والطائفي والسياسي في كفة الخير ولو لم يكن لهم رأي أصلاً في الموضوع.

في أحد المرات جلس هندي أحمر قرب مشعل نار في غابة وجلس قربه حفيده، وكان القمر بدراً وعواء الذئاب يمزق سكون الليل وصوت هدير النهر القريب منهم موسيقى تعزف تهدأ النفوس وتريح العقول.
سأل الحفيد جده: لماذا هنالك خير وشر في الحياة؟!
فأجاب الجد: الخير والشر مثل ذئبين، ذئب شر غارق بحب الشهوات والطمع والحقد وتقطر الدماء من أسنانه وتفوح النتانة من انفاسه، وذئب خير يحب الخير والعمل الصالح ككلب وفي يقدر لك حسن تعاملك معه.
فسأل الحفيد الجد قائلاً: ومن سينتصر؟!
فأجاب الجد: سينتصر من توفر له الطعام.

3
يوميات مصاب بالكورونا

حيدر محمد الوائلي

في اتصال لصديق عزيزٍ على القلب انبأني بخبرٍ أفرحني آخره مثلما أحزنني بدايته وتفاصيله. وعندما تكون النهايات مفرحة فلتكن بها بداية الموضوع فببقية التفاصيل ألم وحزن وحيرة.
انبأني انه قد تعافى للتو من الكورونا.
كانت هذه فقرة الفرح بكل بساطة. أربع كلماتٍ تختصر الموقف.

صدمة أن تتلقى هكذا اتصال وسط شحن نشرات الاخبار ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تأخذك ذات اليمين وذات الشمال تلاعباً بالمشاعر وحرقاً بالاعصاب ونشراً للأشاعات يكون فيها قائل الصدق كالسائر بطريق الحق، يستوحشه لقلة سالكيه، ففي الحق موقف شجاعة وذكاء صناعة وفكر براعة.
لا يحتاج الواعي للكثير من الشرح فالوعي رصيد كبير وخبرة سنين يوفر عليك جهود الفزع ويعطيك حكمة التصرف عند الهلع. 
هذا ماوفر على صديقي القديم وعزيزي الدائم كمية الفزع وسريان الهلع لهياج الآلام عالجها بغزارة من التصرف الحكيم.

في بلدٍ اسيوي حيث يقيم دارساً كان الأمل شهادة دراسية تعزز رصيد المعرفة وتغذي الروح بجمال العلم.
ذات يوم من أيامٍ يداولها الله بين الناس بدأت بالطفل الصغير أعراض جديدة غير مألوفة، ارتفاع درجة حرارة جديدة لا تنخفض ولا تستقر، قراءات المحرار عالية واستمرت في علوها ايام متتالية قاربت الاسبوع دون أن تنخفض رغم إعطائه الكمية القصوى من خافضات الحرارة.
لم يكن يومها سارياً خبر انتشار الكورونا بصورة كبيرة في ذلك البلد ولكنه موجود وكان الوعي تجاه هذا المرض الجديد قليل جداً.

خشيت خشية المُلقي بنفسه للتهلكة أن أدخله المستشفى لعلمي فيما عَلِمت أن سيتم الحجر عليه في وحدة حجرٍ مشتركة حيث كان تسجيل الحالات المصابة يفتقر للدقة وللجدية وللمهنية المواكبة لحجم الخطر.
قلت في نفسي إن كان الحجر ضرورة فأحجره في بيتي، فبيت أبيه احب اليه من جوار انفجارات سعال الأجانب وصراخ اوجاعهم في لغة مفهومة للجميع ولا تحتاج لترجمة أن هنالك أمرٌ خطير.
في البيت كان حجر أمه فراشه وحجابها بطانيته ودموعها قصة ما قبل النوم.
سعال شديد ومستمر واختناق يأتي ويروح. كان لابد من أثر قوة انفجار السعال أن تتطاير حمم من الرذاذ لتحط على وجه أمه.
هذا السعال سعالٌ جديد لم يبدأ بسيطاً ويتفاقم في الأيام التالية بل كان سعالاً شديداً من يومه الأول يكلم الناس في المهد خطورة محدقة لشيء جلل.
سعال جاف وطويل ولا يهدأ الا بعد هياج الصدر من قوة السعال المستمر والمنبعث من أعماق الصدر خانقاً النفس يضطره احياناً للتقيأ.
في احدى مرات نوبات سعاله، تطاير رذاذ منه داخلاً لعيني أمه وفي نوبة أخرى تساقط رذاذه على إحدى اذنيها لدى التفاتها جانبا.
في الصباح التالي استيقظت الام لترى عينيها حمراوتين، ليس احمر ما يسقط في العينين فتتهيج باحمرار طبقي ولكنه احمرار بتهيج اورده منتفخة حمراء مخيفة كخطوط ممتدة ومتشابكة حولت بياض العين لتجمع خيوط دموية كرسم خطوط خارطة بتفاصيل دقيقة. أما الأذن فكان فيها حرارة كبيرة والم اكبر.
كانت هذه علامة عدوى تنتشر، فهل من مدكر؟!
زاد بكاء الطفل الصغير، فعند الذهاب لتفقده وجدت عينيه حمراوتين ذات شكل احمرار عيني امه. حسبتها ظناً انه قد فرك بيديه الملوثتين بفايروساته عينيه فسكنها ما سكن عيني امه.
كان الذهاب لطبيب العيون ضرورة قصوى وأضطرار من اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه.
البست نفسي وأهلي وطفلي كماماتٍ علها تقي من الضرر بالإضافة للبس كفوف تغطي اليدين حيث كنت تسوقت كل ذلك مبكراً سابقاً الأحداث.

في عيادة طبيب العيون الخاصة عرف أخصائي العيون أن الامر خطير. أن هذا التهاب فايروسي كبير فكتب له علاجاً من أقوى قطرات عينية مضادة للفايروسات وعند الأنصراف منه رأيت كادر العيادة يهرع لتعقيم كافة أجهزة الفحص.
صار الضحايا اثنين، طفل صغير وأم مكسورة الجناح. ولأن العدو صغير ولا يُرى فانتقل عبر الاثير وقرب السرير لاخيه الكبير واخته الأكبر. سقطا ضحية للعدوى في المسكن الصغير وبمرور أيامٍ صرت اخر الضحايا. بدأ الكورونا الصغير بالصغير ليأتي من ثم أتى على الكبير.
 
توجد في هذا البلد الاسيوي رعاية صحية جيدة. حيث بدأ الوعي تجاه هذا الوباء يزداد ويكبر لدى متابعتي للموقف بوقف نشاطات والغاء تجمعات وتحديد تحركات وافهام الاهالي. ما حصل لي شخصياً أن ألمّ بي دوار وإرهاق كبيرين وحمى شديدة ولكن وربما لما تحمّل جسمي من ويلات محن العراق السابقة (هكذا خُيِّل لنفسي تهكماً) أن جهازي المناعي حارب الكورونا وقتلها قبل أن تسري على ما سرى على بقية اهلي. فكلها يوم أو اثنين وعدت على خير ما يرام بينما استمرت بالبقية اعراض المرض مؤلماً وطويلاً.

عندما تصاب بنزلة برد فالأعراض تبدأ تدريجياً بالارهاق البسيط وأحياناً مع سعال خفيف يبدو كأنه منبعث من الحنجرة.
في نزلة البرد عادة ما تتهيج الحنجرة وتحس بها تتورم شعور خشن يراودك عند البلع.
في نزلة البرد عادة ما تعطس ويصدر الأنف كثيراً من المخاط السائل ابيضاً غائم اللون  يتحول بمرور يومين او ثلاثة الى لونٍ مقارباً للخضار ويصبح ثخيناً.
في نزلة البرد عادة ما يحصل انسداد بفتحتي المنخرين تعالجها ببخاخات وقطرات معروفة لفتح الأنف.
في نزلة البرد يكون ارتفاع درجة حرارة قليل الحدوث ولو حصل فيستقر بسرعة.

اما الكورونا فالاعراض تبدأ قوية ومفاجئة وكبيرة. سعال من أعماق الصدر قوياً جداً وجافاً ولا يتوقف بسهوله الا بعد أن يقطع النفس ويشحط البلعوم ويأتي بأختناق.
درجة حرارة مرتفعه جدا أقلها بحوالي 38 درجة تقل قليلاً وتزداد كثيراً هذا مع استخدام خافضات الحرارة. قليل وكثير درجة حرارة جسم الأنسان تحسب بالتفاصيل العُشرية.
 
لا يوجد في الكورونا تهيج في الحنجرة او حصول علامات التهاب فيها كما لا يوجد مخاط كثير وواضح ولا يحصل انسداد في الأنف كما لا يوجد عطاس الا ما ندر. ربما لا ترفع الكورونا درجة حرارة البعض بصورة مستمرة ولا تبدي عليهم اعراض سعال مستمرة لقوة جهازهم المناعي ولكن بما أنك قريب جداً منها وببيتٍ واحدٍ مع مصابٍ فيها فأعلم أنها فيك.
كان ذلك من تجربتي الشخصية ومن معلوماتٍ اطلعت عليها لاحقاً توافقت مع ما حصل معي.

كان ظني الذي صار يقيناً لاحقاً أن العدوى جائت للطفل عند ذهابي به والعائلة لصالة العاب إلكترونية كبيرة ومشهورة حيث يرتادها الكثير من العائلات. كل لُعبة فيها ازرار وعصي تحكم والأطفال يلعبون ويستمتعون. منهم من يضحك ومن يتكلم ومن يبكي ومن يعطس ومن يسعل وكلها حالات يتطاير فيها رذاذ من الفم ليكون محط رحاله أجهزة اللعب.
كنت قد لمحت إغماءة لعاملة تعمل في صالة الألعاب. كانت المسكينة قد وقعت على الأرض منهارة من حمى اصابتها فلم افكر بالأمر سوى أن المسكينة أعياها مرض ما ألمّ بها ولا تقدر على مواصلة العمل.
الان عرفت أن هذه الصالة كانت بؤرة عدوى.

في الكورونا يصبح الحجر ضرورة قصوى لأن عدوى هذا الفايروس كبيرة جداً.
الحجر حصار لابد منه. كنت قد عشت حصار التسعينات في العراق. ذقت مره وجوعه وعوزه الشديد وسنين محنته. في ذلك الحصار الأقتصادي كنت فتى على ابواب المراهقة وبالكاد أعتاش على قليل من الطعام الشحيح. كان لعب الشارع خير وسيلة للنسيان.
الحجر في الكورونا حصار لابد منه. تحجر على نفسك كي لا تعدي غيرك بكل بساطة. تناول جرعة يومية من فيتامين سي لزيادة قوة المناعة وإن لم يوجد فالكثير من فواكه الحمضيات.
في الحجر يكون التنظيف واجباً عينياً ودقيقاً بمواد تعقيم مع تهوية المكان للسماح بتدوير الهواء ولدخول هواءاً منعشاً يلطف الجو وينقيه.
الكثير من خافضات الحرارة دورياً لأقصى جرعة مسموح بها حسب العمر مع عمل الكمادات الباردة لتفادي انهيار الوضع في ارتفاع درجات الحرارة المستمر.

اليوم أصبح الوعي اكثر وربما تتولى المستشفى الأمر عند تفاقم الأعراض وعدم السيطرة عليها. ولكن في حالتي كان بيتي مشفاي.
اقول (ربما) تتولى المستشفى الأمر والظن أن تكون مستعداً لو أصبت (لا سامح الله) فمع زيادة الحالات وفرق الأولويات فمن المحتمل أن يكون الحال حجر وعلاج منزلي مثل حالي حتى مع تفاقم الأعراض لعدم قدرة المستشفيات على تلبية جميع الحاجات.

كثيراً من الصبر وقليلاً من القلق. يجعل منك القليل من القلق انساناً عطوفاً مهتماً بينما كثيره يؤدي بك للجنون.
واضب على غسل اليدين بانتظام وكثيراً. استخدم معقمات اليد الفورية حال تعذر غسل اليدين.

استمرت رحلتي وعائلتي مع الكورونا قرابة الخمسة وعشرين يوماً، كل يوم فيها طويل جداً وتحدي جديد وليل مُرهِق.
لا وقت للوقت، فأمور تستجد وأمور تصعب وأحياناً تسهل ومشاعر يصعب شرحها والله عليم بذات الصدور.

تماثلت للشفاء اولاً كما ذكرت حيث عانيت من أقل الأعراض ولم تؤثر فيّ كثيراً سوى ليومٍ أو اثنين وحسب، ومن ثم تماثلت زوجتي وطفلي الصغير والأكبر منه للشفاء على فترات متقاربة، بقيت ابنتي الكبرى اخر من تماثلت للشفاء حيث عانت من اعراض الكورونا كثيراً هي الأخرى.

اليوم بدأ يتفشى الوعي حول هذا المرض. هذا مرض سريع الانتشار ولكن من الممكن جداً السيطرة عليه بإتباع الأرشادات الصحية.
إن نسبة الشفاء من الكورونا عالية جداً جداً في ما عدا بعض الحالات التي تعاني من أمراض القلب والسكر وأمراض المناعة والأعصاب وكبار السن حيث يؤثر فيهم المرض كثيراً.

في الكورونا احجر نفسك ولا تخبر أياً كان بمصابك خصوصاً اذا كنت خارج الوطن وخصوصاً في مجتمعاتنا حيث ستحاك القصص ضدك وتلفق الحكايات عليك ومنهم من يضيف ويزيد من عنده. اكتفي بالقليل ممن تثق بوعيه وحكمته فالنفس تحتاج أن تبوح بألمها وتنفس عن همها وتحتاج أن تستشار.
عدوى الجهل عندنا اكثر انتشاراً بمليون مرة من انتشار عدوى الكورونا.

عند بداية الأعراض فضروري جداً أن تحجر نفسك واسكت حتى تشفى. من المهم التكلم مع طبيب مختص عند الأصابة خصوصاً عند تفاقم الأعراض وصعوبة السيطرة عليها. ولتجنب الكورونا وتسلم من الأذى فتجنب التجمعات والزيارات الأجتماعية واعتذر بأي عذر مناسب وكن حذراً عند الخروج للضرورة.

من حسنات الكورونا و(اذكروا محاسن موتاكم) كما يقال، أن تعطيك تجربة لخوض حرب. ربما تكون بعض الحروب ممتعة خصوصاً إن كان عدوك صغيراً جداً فتستهزأ به أول الأمر ولكن عندما يضربك ويوجعك فعندها تنتبه ان هذا الصغير المُستَهزأ به مؤلم ومزعج ومعدي فحكّم العقل لمقاومته وأعدد خطة دفاعية.
 
من حسنات الكورونا أن تعطيك مناعة ضده وربما ضد أمثاله من الفايروسات مستقبلا حيث يصبح الجهاز المناعي للمتماثل للشفاء من الكورونا مستعداً للمقاومة حيث صارت لديه مناعة مضافة وخبرة.
من حسنات الكورونا أن ترى نفسك طبيباً ومعلماً وخطيباً وممرضاً ورجل شرطة ومنظفاً ومدير سجن وعامل بلدية وطباخاً ماهراً جداً وعامل مطعم. كل تلك المهام في شخص واحد تتناوب المهام حسب الحاجة والضرورة.
من حسنات الكورونا أن قربت العائلة اكثر وصار اللعب المنزلي المفقود من فترة لعباً جميلاً ممتعاً استمرينا عليه حتى بعد الشفاء والخروج من المنزل.

سينتهي الكورونا مثلما انتهى غيره من فايروسات مستجدة سابقة والنتيجة أننا كائنات ضعيفة لمخلوقات متناهية الصغر فلا تتكبر ولا تتجبر ولا تتبختر وأحذر. تواضع ولا ترفع انفك على الناس فلعل هذا الأنف من هول ما ألم به من مرضٍ وألمٍ يتكَسر.
قد اعذر من أنذر، وأنصَف من حذّر.

استمر اتصالي بصديقي قرابة الساعتين وهو يسرد لي ما حل به وتبادلنا الحديث والضحكات والنكات والذكريات الجميلة القديمة، فقلت في نفسي لما لا اكتب قصته فينتفع بها غيره، فأتصلت به مرة ثانية عارضاً عليه الفكرة بعد أن كتبت مسودتها وأرسلتها له فوافق عليها واستحسن الفكرة.

عندما كنا على وشك انهاء الأتصال ولطبع فينا نحن العراقيين ان نردد ونكرر عبارات الوداع عند النهاية مثل تكرار عبارات التحية عند البداية (الله وياك، في امان الله، انشوفك على خير، الله وياك، الله وياك، الله وياك، سلمنا وياك دير بالك على نفسك مع السلامة حياك الله...الخ) واحياناً نضيف لها تراكيب صوتية لكلمات لا معنى لها (ثيما الله، هلا هلا مع الس الس اسة في حيا حلاولالك...الخ) فسمعت من خلفية اتصاله اصوات اطفال يضحكون بصوتٍ عال. قلت له طبعاً هؤلاء أطفالك.
أجاب: نعم هاهم يلعبون ويركضون ويضحكون.

4
ليست العظمة أمريكا

حيدر محمد الوائلي

في مؤتمر صحفي في الأيام التي اعقبت الضربة الأمريكية لمطار بغداد واغتيال سليماني والمهندس، سألت صحفية أمريكية وزير خارجية أمريكا بومبينو عن مدى جدية ما غرد به ترامب على تويتر بقصفه لمواقع ثقافية وتاريخية ايرانية تهديداً لإيران لردعها من الرد عقب اغتيال سليماني وكونها جريمة حرب لو فعل ذلك بتدمير مواقع اثارية وحضارية تخلدها الشعوب.

تهرب بومبينو من الإجابة، فرجعت عليه نفس الصحفية بعد دقائق وسألته نفس السؤال فلما انحرج بومبينو أجاب ان إيران هي من دمرت ثقافتها وضرب مثال بمنع إيران من إقامة أعياد نوروز حيث صرح ان نظام آيات الله في إيران منعوا أعياد النورز.
والحقيقة أن نقرة زر على كوكل تبرز نتائج الاحتفالات في إيران.

الشاهد من هذه القصة ان لا عظمة لأحد فكرياً أو سياسياً ومن الممكن تبرير قصف دول على اساس حجج مغلوطة لإقناع الشعب الأمريكي وغيرهم بما تقوم به حكومتهم.

تم تنفيذ ضربات لدول بحجج تبين أن لا اساس لها من الصحة مثلما كان تبرير الحرب على العراق ٢٠٠٣ بوجود أسلحة نووية وربط صدام بتفجيرات ١١ سبتمبر ولما لم يجدوا شيئا صارت الحرب لتحرير العراق ولحرية العراقيين ولمحاربة الدكتاتورية!

تصوروا أن وزير خارجية أمريكا لا يعرف كيف يتعامل مع تصريحات رئيسه، ولا يعرف بوجود احتفالات حاول أن يقنع نفسه والاخرين أن نظام آيات الله على حد وصفه قام باضطهاد الناس بسببها ومنعها.
 
هل تعرفون ان بومبينو قبل أن يكون وزير خارجية كان مديراً لأكبر جهاز مخابرات بالعالم، المخابرات المركزية الأمريكية CIA.

ولما جاء رد إيران بضربة صاروخية كبيرة تجاه قاعدة الأسد في العراق لكون العراق اصلا مستباح من قبل دول الجوار وبالأخص أيران وتركيا والسعودية وأصبح تقديره صفر في حسابات دول الجوار، لم يأتي رد أمريكي رغم ان الضربة بصواريخ باليستية مدمرة ومن اراض ايرانية (لأول مرة) وباعلان إيراني صريح (لأول مرة).
 
سكتت أمريكا وترامب معها وغطوا على الموضوع بأخبار اخرى.
 
قبلها كانت المفاوضات حول الملف النووي الايراني وكيف تحقق لأيران ما ارادت بعد مشاورات ومفاوضات طويلة بدهاء سياسي كبير كان الرابح الأكبر فيها ايران فيما حسبته امريكا هزيمة لها.

تجارب مفاوضات سياسية اخرى لأمريكا مع الصين وكوريا الشمالية وروسيا والاتحاد الاوربي وبريطانيا وفي جميعها كانت امريكا الطرف الخارج باقل الأرباح.

عظمة أمريكا جائت من مكانتها الأقتصادية والعسكرية لذلك تسارع لفرض شروطها الكبيرة في مفاوضات السياسة وسط تنازلات من بعض الدول وخصوصاً العربية لترضى عنهم امريكا ولكي لا تزعل عليهم. بينما اصرت دول اخرى على شروطها فترى عظمة امريكا تنهار شيئاً فشيئاً.
 
السياسة مصالح وخطط وصبر وإمكانيات وتعاملات وفن الممكن. من يفلح في الغوص بها سيأتي بصيد وفير وأما الغبي والفاسد والمشغول عن شعبه والمسؤولية المناطة في رقبته بأمور جانبية وصراعات حزبية وطائفية وفساد مالي وكل همه محاصصة المناصب ومهتم جداً بما تمليه عليه دول الجوار ويتسابق السياسيين للسفر لدول الجوار لأخذ المشورة والتعليمات والمباركات أو للسفارة الأمريكية الكبرى في بغداد.
جميع هؤلاء سيأتون للشعب بالخيبة فوق خيباتهم ويأتون بالدمار فوق الدمار الحاصل أصلاً وسيأتون بضياع اكثر لهيبة وكرامة الوطن الضائعة اصلاً.

عظمة السياسة ان يرضى عنك شرائح كبيرة من شعبك بوجود قانون محترم ومهاب ضامن لحقوقهم ولكرامتهم وأن تحقق تنمية اقتصادية وصناعية وتجارية وخدمية مستغلا ثروات البلد أحسن استغلال لخدمة الشعب.

اكثر رئيس يُستهزأ به وتسخر منه وسائل الإعلام الأمريكية قبل غيرها هو ترامب ومن قبله بوش الابن وكلينتون وبدرجة اقل بوش الأب. كل ذلك ولم تدعي أمريكا ان سبب انهيار امنها وسياستها واقتصادها هو وسائل الإعلام، بل هي سياسات احد الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري إن كان هنالك انهيار فعلاً فالعكس وجود نمو وازدهار رغم بعض الأنتكاسات.

الوضع المعيشي في أمريكا صعب ويتطلب العمل كثيراً وفي القطاع الخاص حيث التوظيف الحكومي أقل وبساعات عمل كثيرة مقارنة بساعات العمل الفعلية في الوظائف الرسمية في العراق مثلاً وعلى العامل هناك استحصال ما يسد الحاجة وتسديد الضرائب الكثيرة والضمان الصحي وبالرغم من ذلك تجدهم يعملون بجد وبحرص وباتقان ووفاء لواجباتهم على اكمل وجه ومن ثم تراهم يحتفلون ويسافرون ويستمتعون بحياتهم ويفرحون وهنالك قانون محترم من الأكثرية وهنالك وفرة وجودة في توفير وتطوير الخدمات العامة وهنالك حقوق انسان مجرد يحلم بها العرب والمسلمين ويتلطفون بنشر جوانب منها اخباراً ومقاطع فيديو من على منصات التواصل الأجتماعي الأمريكية المنشأ.

ليست العظمة امريكا وانما العظمة تأتي من وجود قانون محترم وضامن للحقوق فعلاً ومن قوة رضى الشعب عن السياسيين ومدى ما قدمه هؤلاء السياسيين من انجازات ساهمت بتسهيل حياة الشعب وحسّنت من ظروفه المعيشية.
وعندما يسخط الشعب على السياسيين يبقى ولاء الشعب والسياسيين للوطن ولا يرتمون في احضان دول اخرى تملي عليهم ما يفعلوه في بلدهم أو يصغون صاغرين أذلاء  لما يُملى عليهم بوسائل اعلام تلك الدول ومن يمثلهم.
هذا الرضى الشعبي يعطيك قوة في العمل وفي التفاوض وفي النجاح السياسي.


5
المنبر الحر / لماذا الناصرية
« في: 13:21 30/01/2020  »
لماذا الناصرية

حيدر محمد الوائلي

اتصل بي صديق من البصرة يخبرني بفكرة لاحت بذهنه لدى تأمله بوضع مدينة الناصرية. قال لي أن في الناصرية معاكسات ومتغيرات وتيارات، فشيوعيين كثر لبعثيين اكثر لإسلاميين اكثر واكثر.

فؤاد الركابي أول أمين عام لحزب البعث ومؤسس القيادة القطرية لحزب البعث في العراق حيث سجنه البعثيين لاحقاً بعد تمكنهم من السلطة سنة 1968 ومن ثم اغتياله بالسجن سنة 1971 كان قد وُلِد وترعرع في الناصرية.

يوسف سلمان يوسف المعروف بالأسم الحركي (فهد) وهو من مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي وأول سياسي يعدم شنقا بالعراق بعد محاكمته سنة 1949 كان سكنها ايام شبابه وحتى بروز نجمه السياسي حيث كان في الناصرية أحد اول فروع الحزب الشيوعي العراقي سنة 1928.

صالح جبر رئيس وزراء العراق في العهد الملكي وُلِد وترعرع في الناصرية.

عادل عبد المهدي رئيس الوزراء المستقيل سنة 2019 هو الاخر من الناصرية وقد استقال بعد اصرار اهل الناصرية قبل غيرهم على استقالته في المظاهرات الأخيرة المطالبة بالأصلاحات والحقوق وتعديل قانون الأنتخابات، وبعد المجزرة التي ارتكبت بحق المتظاهرين فيها.

هؤلاء كلهم رغم تضاد توجهاتهم السياسية من الناصرية .
 
فاز حزب الفضيلة بها والمجلس الأسلامي الأعلى والتيار الصدري والدعوة رغم ان بعض المرشحين ليسوا من الناصرية اصلا ولكنهم فازوا بمعية حزبهم وببركة القانون الانتخابي الداعم لهم ولتوجههم السياسي. ومن ثم تفوز مرشحة شيوعية عنها بالانتخابات الأخيرة. كلهم فازوا عنها ومن ثم تنكروا لها وأهملوها.
أليست هذه تحولات كثيرة؟ سألني صاحبي.

والحق أقول ان التنوع السياسي وانتقالات الفكر من قناعة لقناعة أخرى بميزان السياسة يمكن أن يؤشر على تقلبات في الفكر ومزاجية كما يؤشر على نمو ووعي ونضج وعدم اصرار على رديء.

هم لم ينقلبوا ضد دين سماوي بل انقلبوا ضد توجهات دينية وسياسية. والتوجهات هي كوجهات النظر، ليست وحي من السماء ولا قياداتها رسولا من الله يتلو على الناس آياته.

التحول الفكري المجتمعي من الممكن اعتباره إعادة إنتاج للمجتمع لكي يصبح مجتمع اكثر حيوية وفاعلية.

مجتمعات العالم التي تسمى متحضرة اليوم كانت وحوشا مستعمرة ضد الدول الفقيرة وعنصرية متكبرة ضد ذوي البشرة السوداء ولم تنتهي مشاكل العنصرية سياسيا وقانونيا الا قبل عقود قليلة من الزمن بعد ضغوطات شعبية ومظاهرات غيرت من فكر المجتمع والسياسة والدين والدولة وصارت العنصرية اليوم جريمة كبرى بعد أن كانت شيئا طبيعيا جدا.

هذا التغيير نمو مجتمعي وسياسي حيث كان ثمرة الاستغناء عن فكرة فيها شائبة والتحول لفكرة أخرى اكثر نقاوة.
التغيير طرأ على الفكرة الشيوعية حيث جعلت منها الصين ثورة اقتصادية عملاقة بينما كانت ذات الفكرة سبباً في انهيار الاتحاد السوفيتي.

في المظاهرات الأخيرة كانت الناصرية ولازالت صرختها العالية وجمرتها الحامية كما كانوا في الحشد الشعبي لهيب النار وهجمة الثوار لتحرير العراق من زمرة الاشرار.
 
اكثر المدن بعدد الشهداء والجرحى من متطوعي الحشد الشعبي وجنود الجيش ايام حرب داعش كانوا من الناصرية كما كانوا اكثر مدن المظاهرات بعدد الشهداء والجرحى.
 
في مواكبهم لدى استقبال الزائرين السائرين لكربلاء الحسين يبالغون بالكرم وخدمة الزائرين ويتفنون به. يتواضعون ويتمسكنون اكراماً للضيف وفي حربهم لداعش اسداً زؤورا.

اكثر محافظة تم اهمالها وعدم تنفيذ اي مشاريع مهمة ومؤثرة فيها هي الناصرية، وتكاد بناها التحتية المتهالكة تمثل ميزة بائسة ومؤلمة لها.
 
في ثورة العشرين كانوا شجعانها ومغاويرها ومن فرط الاجتهاد في التضحية رابط بعضهم على شجرة ليقنص المحتلين لينادي كبير الغزاة ان اقطعوا الشجرة الخبيثة فروّج لهذه حزب البعث نكاتا وسخرية تنال من رفض اهل الناصرية الكامل لهم ولما قدموه من تضحيات في الاهوار ولرفضهم الشعبي ضد ظلم حكومة البعث. كانوا في الأنتفاضة الشعبانية سنة 1991 في طليعة المنتفضين الهاتفين بالحرية.   

سُميت الناصرية بلواء المنتفق (المنتفك) (المنتفج) ايام الاحتلال العثماني وبقت التسمية كما هي ايام الحكم الملكي فيصف أبرز من كتب عن تاريخ العراق الحديث المؤرخ الكبير (حنا بطاطو) بكتابه (العراق) وفي معرض حديثه عن الناصرية حيث كتب يقول: (وكان التمرد يكاد يشكل الطبيعة الثانية لأهل المنتفق. ولم يكن سكان اية محافظة اخرى من محافظات العراق اكثر غيرة من سكان المنتفق على حريتهم... وكتب ضابط بريطاني في العام 1919 يقول: "يُمكن مقارنة عرب المنتفق بالبارود الذي يمكن لأية شرارة أن تفجره") العراق ج2 ص 145. وفي ص 55 من ذات الكتاب وصف حنا بطاطو الناصرية: (بلدة مشهورة بروح الحرية التي لا تقهر).

في الناصرية أول وأقدم حضارة عرفتها البشرية وأول كتابة وتدوين وأول نظام حكم وسياسة وأول نظام تعليمي وأوائل محاولات تدوين التاريخ وأول تكتيك حربي وأول تشييد هندسي إبداعي وأول سوق تجاري منظم للبيع والشراء وتدوين واردات وصادرات السلع وأول سباق رياضي عرفته البشرية وأول واقدم نص قانون دستوري (قانون أورنمو) وأول عزف موسيقي وآلة موسيقية. كان جميع ما ذُكر من منجزات الحضارة السومرية في الناصرية.

الناصرية محل مولد أبو الأنبياء إبراهيم الخليل (ع) وآثار بيته شاخصة لليوم ويُعرف مكان بيته في الإنجيل بإسم (اور الكلدانيين)، وفي التوراة وُصِف بالمكان الذي رأى النبي إبراهيم النور فيه.


الناصرية أرض حضارة وثروات طبيعية، تكوّن في عروق الناس فيها جينات حضارة سومر وعلى جلودها المتعبة اليوم تهبط آثار تراب الحضارة وحتى تستنشقه كثباناً عند هبوب عاصفة ترابية.

من اهم منجزات التاريخ قديمه وحديثه انه يلهم الحاضر دروساً لينشر العِبرة ويبث في الروح العزيمة ليحقق املاً في مستقبلٍ افضل.
 
كان صاحبي سبباً في كتابة هذه المقالة التي ارجو أن أكون قد اجبت فيها عن تساؤله وهو الذي اسمه اسم (فاعل) مشتق من كلمة (البسمة). 

6
ميزان حسنات وسيئات السياسة في العراق

حيدر محمد الوائلي

من حديثٍ اعتقد انه للأمام جعفر الصادق عليه السلام اتذكر منه ما مضمونه أنه نصح سائلا التبس عليه الحق والباطل معاً والحسن والقبيح معاً والحسنات والسيئات معاً، فقال له زن الأمور بميزان وانظر أي الكفتين ترجح.
لو وضعنا ما صنعته السياسة والسياسيين في العراق منذ سقوط نظام صدام ولليوم في ميزان حسنات وسيئات، ايجابيات وسلبيات، فتأمل أي كفة سترجح.
لو وضعنا جميع ما فعلته الاحزاب الحاكمة والمساهمة بالحكم شيعة وسنة عرب وكرد منذ اول برلمان منتخب سنة 2005 والى البرلمان الحالي سنة 2020 ففكر بضميرك اي كفة ترجح؟ كفة الازدهار والرفاهية ام كفة الانحدار ورداءة الخدمات العامة.
بعدها لنزن شيئين اخرين، الشيء الأول: ضع في كفة الأنجازات والأصلاحات التي حققوها أو ساهموا بتحقيقها وفي الكفة الأخرى الخراب والمفاسد التي نشروها أو ساهموا بنشرها أو سكتوا عن انتشارها. فاسأل عقلك اي الكفتين ترجح بعد أن تفكر ملياً.
الشيئ الثاني: أن تضع في كفة الميزان السعادة والطمأنينة والسلام والرضا عنهم والدعاء لهم لما انجزوه أو كانوا سبباً في انجازه وفي الكفة الثانية الأحزان والغضب والأقتتال والدعاء عليهم لكل شيء لم ينجزوه وكانوا سبباً في عدم انجازه، فأسأل قلبك لأي الكفتين سيخفق ويميل ويدعو.
من جواب ضميرك وعقلك وقلبك عبر عن رأيك وامن به.

في العراق هنالك كثرة القنوات التلفزيونية الحزبية وكل حزبٍ بما لديهم فرحون وينشرون الجهل ودعاية التملق والنفاق والتبرير والتلميع بمعية افواج مصاحبة من وسائل الأعلام الأخرى الأذاعية والورقية والألكترونية حيث تلعب الاعيبها لأننا وللأسف شعب مثل بعض الشعوب المماثلة التي تكون أرضها خصبة للفتن واشاعتها وللجهل ونشره.
مثلما هنالك وسائل اعلام لدول اخرى يمارسون ذات المواقف داعمين سياسات دولهم ومموليهم بغض النظر عن المصداقية والحقيقة.
ربما تؤثر وسائل الاعلام على المجتمع الهش الساذج والذي لا يفكر كثيراً.

في العراق لا ضرائب عالية والعمل اكثره وظائف دولة وبساعات عمل قليلة وفي الأرض ثروات هائلة مهولة ولا تجد ابسط الخدمات وتجد الشعب كئيب وحزين ومُهان وتشيع الإشاعات والزور فيه لقناعته أن كل ما يقال صحيحاً مادام ضد السياسيين ورجال الدين الذين هم بالمحصلة اما فاسدين أو ساكتين عن الفساد وكلاهما سواء.

عظمة السياسة أن يرضى عنك شرائح كبيرة من شعبك وتحقق تنمية ورخاء ووفرة وجودة في الخدمات العامة مستغلين الثروات الهائلة في البلد احسن استغلال لخدمة الشعب.
 
سيقولون المؤامرات ضدنا، سيقولون وسائل الإعلام ضدنا، سيقولون تركة النظام السابق ثقيلة وسيأتون بأعذار غيرها.
أعذار كلها أعذار.
هم سادة الأعذار.
هم سادة الفساد.
هم سادة التغطية على الفساد.
هم سادة التبرير الديني والسياسي لسرق الأموال والثروات وتوزيع المناصب والتعيينات بلا عدالة ولا انصاف.
ربما المؤامرات ضد اندونيسا وماليزيا اكثر وهما في تطور وازدهار راقي ودائم ولكننا شعب سهل الضحك عليه.
16 سنة من الحكم السياسي الفاشل والفاسد والرديء ولازالوا بكل وقاحة واستهتار يقولون ان ضغوطات وتدخل دول كانت السبب في تردي الوضع في العراق وان المشكلة هي الفساد وانهم يحاربون الفساد ويحاولون أن يحققوا النجاح ويجعلوا الوضع جيدا.

تخيل ان لك دكان تجاري تبيع فيه مواد غذائية ومنزلية.
في الشهر الأول لم تحقق ربح، بل لم تستحصل حتى على تكلفة الإيجار العالي للدكان الصغير فقلت في نفسك الصبر جميل فلعل الاشهر القادمة افضل.
وبعد ستة أشهر وجدت نفسك تسدد من مدخراتك الشخصية أجور الإيجار العالية.
مرت سنة فاضطررت ان ترمي بعض المواد بالزبالة بسبب الاكسباير وعدم بيعها منذ مدة. ولتغطية العجز في مواد الدكان فقمت ببيع بعض اثاث بيتك لتسدد ثمن المواد الجديدة.
مرت اربع سنوات وانت مجرد تسدد إيجار دكانك وتبيع بعض المواد التي بالكاد تغطي احياناً ثمن ايجار الدكان. وعندما ارتفع الإيجار اكثر صرت تضيف عليه من مدخراتك الشخصية التي حصلت عليها مؤخراً من حصتك في ارث بيت امك وأبيك اللذان توفاهما الله ووُزِعت الثروة على العائلة بعد صراعات ومشاكل ومقاطعة بين الأخوة والأخوات واقامة دعاوى في المحاكم.
بعد 16 سنة كبر أولادك وانت صرت عجوزاً ولازلت تدفع من جيبك لتسدد إيجار الدكان ولا زلت ترمي كل فترة بالمواد في الزبالة بسبب الاكسباير وتصبغ بالتشققات الكبيرة الموجودة في سقف وجدران الدكان بسبب الرطوبة ورداءة البناء فتغطي التشققات بطليها بالصبغ من فترة لأخرى وعلى حسابك الشخصي.
وعند لقاء تلفزيوني بالصدفة لدى تجول فريق قناة محلية لأستقراء انطباعات الناس، وسألوك عن تجربة دكانك التجاري كون موقعه الجغرافي ممتاز وفي منطقة تجارية ومطل على شارع عام فأجبت أن عملك فاشل لأن التركة من ابوك ثقيلة وصراعات الاخوة والأخوات كبيرة وان أصحاب المحلات التجارية في المناطق المجاورة ينافسوك في التجارة فكانوا سبباً في خسارتك وان هذه القناة التي هي قناتكم مدسوسة وعميلة وتحاول ان تشوه سمعتي وتنشر الفتنة بين الناس.
ومن ثم تصيح بهستريا عالية (عاش العراق) و(عاش الدكان) وتدخل في نوبة ضحك ثم بكاء ثم ضحك وبكاء معاً.
سيدي القارئ الكريم هل يوجد منطق في كل هذا؟!
من جوابك حدد موقفك بالتغيير في المستقبل وفي الأنتخابات المفترضة القادمة بعد أن تنظر بوجه اطفاك وتنظر بوجهك أنت.
سترى اثر السنين التي مضت مسرعة قد نحتت في وجهك الكثير، فهل تتمنى لأطفالك واخوانك الصغار واطفال جيرانك ان يمروا ويعيشوا بنفس التجربة المعيشية والظرف السياسي الذي كنت ولازلت فيه.

فأنظر كيف ستتصرف وتركز بالمطالبة من أجل تحديد موعد للأنتخابات المبكرة المفترضة القادمة وهل ستشارك اصلا وهل ستنادي بالتغيير فعلا؟!

7
كيف ستكون المواجهة بين ايران وامريكا

حيدر محمد الوائلي

اتخذ ترامب قرار توجيه ضربة مطار بغداد بنفسه وفق ما صرحت به وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ولم تعلم به بريطانيا مثلاً وهي الحليفة الأكثر قرباً لأمريكا حيث انزعجت من التصرف الفردي وعدم استشارتها بالرغم من أن بينهم تحالف وعلى ضوء ما اشار له سياسيين بريطانيين بارزين أن بريطانيا كانت ستعارض هذه الخطوة وربما لعلم ترامب بذلك فلقد أقدم على هذه الخطوة الفردية الغير مدروسة بعناية.
كان سليماني والمهندس في الفترة الأخيرة قد وصلا لمرحلة استنفاذ دورهما الميداني نوعاً ما، وكانا مكتفيان بالعمل شبة الأداري (تشريفي) بعدما كانا قائدان ميدانيان فاعلان في الحرب ضد داعش في العراق مثلاً. كانت الضغوطات على ايران كبيرة وحصار شديد وتوجه اعلامي ضدهم رهيب وكل الذي فعله ترامب بهذه الضربة أن انعش ايران ووحد جبهتها وزاد من التعاطف معها وفي انفراج الضغط عنها.

 كان ترامب (متعودة دايماً) في مخالفة اعراف السياسة الخارجية وذلك لتأثر الرجل بشخصية رجل الأعمال وسوق العقارات والكازينوهات وتقديم برنامج مسابقات تلفزيوني. ورث ترامب من أباه ثروة كبيرة لشاب مدلل يحب البروز والشهرة ويتلذذ بها بكل غرور حتى على صعيد من يقيم معهن علاقة أو يتزوجهن لمظهرهن ليجلب الأنتباه اليه عن طريقهن. 
زوجته الحالية (ميلانيا) المهاجرة السلوفينية الأصل عارضة ازياء كانت قد اهانت ترامب عدة مرات بتجنب مسكها ليده في زيارات رسمية بل في احد المرات واثناء زيارة ترامب لأسرائيل نسى أن يمشي معها جنباً لجنب على السجاد الأحمر في تشريفات المطار حيث كان يسير مع نتنياهو (الرئيس الأسرائيلي) الماسك يد زوجته لجنبه بينما كان ترامب ناسياً زوجته (ميلانيا) خلفه فمد يده للخلف محاولاً امساك يدها من دون ان يتوقف او حتى ينظر لها فما كان لميلانيا الا ان صفعت يده واكتفت بالمشي خلفهم منزعجة.
ربما لعلمها انها وسيلة للعرض لا أكثر وليس لكونها السيدة الأولى وقد شائت الصدفة أن تكون هي الزوجة وقت ما فكّر ترامب أن يجرب حضه في انتخابات الرئاسة الأمريكية حيث البروتكول السياسي الأمريكي يقتضي وجود زوجة للرئيس بعد أن كان ترامب قد اقام علاقات مع كثيرات وقام بهجرهن.

يتخذ ترامب من منصة تويتر جبهة اعلامية خاصة به بعدما حاربته واهانته اكثر وسائل الأعلام الأمريكية ووقفت ضدته وسخرت منه وانتقدته حتى في مؤتمراته الصحفية. لا يوجد اعلامي امريكي ولا قناة مدحت ترامب وعقليته السياسية فدائما ما توجه سهام النقد له لذلك يتخذ من تويتر محطته الأعلامية الخاصة به وربما وهو جالس في التواليت يصارع إمساكاً الم به فيكتب تغريدة في شأن دولي.
ترامب تزعجه كثيراً نكتة ضده من مقدم برنامج فكاهي وتجعله يغلي من الغضب ربما بنسبة أكبر من غضبه لدى سماعة بوجود هجوم عسكري على بارجة امريكية!

نائب ترامب (بينس) شخص بليد وقليل الظهور وكان اختيار ترامب له ليكون ظل عديم الفائدة لعلم ترامب انه سوف لن يستشيره كثيراً حيث اراده شخصاً لا يلفت الأنتباه ولا يتدخل كثيراً فكان لترامب ما اراد.
ترامب ليس رجل سياسة بل رجل اعمال. عاش العز والأبهة فلم يكن انتخابه لقوة شخصيته بل ضعفاً بمنافسته هيلاري كلينتون، فكان انتخابه كافضل السيئين وفق ما نظر له الناخب الأمريكي.

لم يخدم ترامب في الجيش فكان قد تجنب الخدمة العسكرية ولخمسة مرات متتالية ايام حرب فيتنام. اربع مرات منها بحجة الدراسة في الكلية وبعد ان أنهى دراسته قدم تقريراً طبياً بوجود نتوء في كعب احدى قدميه بالرغم من أن لجنة الفحص الطبية العسكرية كانت قد صرحت قبل سنتين أنه سليم وجاهز للخدمة العسكرية فحصل ترامب على اثر ذلك تصريح تجنب الخدمة العسكرية للمرة الخامسة. في هذه الفترة التي قدم فيها تقريره الطبي كان يعمل بنشاط مع والده في تجارة العقارات وبالرغم من أن نتوء كعب القدم يُعالج بعملية جراحية الا ان ترامب لم يجريها وعند سؤاله عن سبب ذلك قال كانت قد تحسنت بمرور الوقت من دون علاج!

يعرف الكثير من العسكريين والسياسيين الأمريكيين أن مقتل سليماني والمهندس خطئأ استراتيجياً كبيراً وورطة اقحمهم ترامب بها ليس حباً بهما ولكن للأثر الذي سيعقب اغتيالهما.
يعتقد اخرين ممن لهم توجهات عدائية لأيران ومقربين من اسرائيل أن ترامب قام بالشيء الصحيح وهم من يسمع لهم ترامب بل وعين منهم مستشارين له ولم يتردد في أن يقيل ويغير مناصب مسؤولين كبار لمجرد اعتراضهم عليه فهو رجل لا يحب المعارضة كثيراً بل يحب من يربت على كتفه مشيراً له بعبقريته الفذة في القيادة وفي روعة تغريداته في تويتر!

ربما قام بهذه الضربة واعتدى على حرمة بلد ذو سيادة وقصف مطار عاصمتها الدولي للتغطية على زوبعة حجب الثقة عنه والتخابر مع اوكرانيا للنيل من خصمه الأنتخابي (بايدن) ولتكوين دعاية له حيث اسفرت العملية عن قتل شخصية عراقية وايرانية في وفد دخل العراق بصورة شرعية عن طريق مطار دولي بغض النظر عن الأسماء والمواقف فلكل بلد أن يستقبل بمطاره من يشاء على عكس ترامب الذي دخل العراق قبل مدة من الزمن وزار قاعدة امريكية عنوة ومن دون الدخول بمطار أو يقوم بزيارة حكومة ورئاسة العراق لا بل حتى دون اعلام السلطات العراقية بزيارته. هكذا دخل وخرج واحتفل مع الجنود الأمريكان وكأن العراق ولاية تكساس.

ربما ستفذ أمريكا تصفيات لخصوم وقادة عسكريين وسياسيين ولصق التهمة بأيران لتحصيل تغطية اعلامية. امريكا معروفة بتخليها بكل بساطة عن من يحالفها ويناصرها. هذا في امريكا التي كان فيها رؤساء اكثر حنكة ودراية وخبرة فكيف بترامب المزاجي والمتقلب.

مشكلة امريكا مع ايران انها منذ سنين وهي بالضد من امريكا وليس لها حتى تمثيل دبلوماسي صريح ولا تعرف امريكا كيف تتعامل معها ولا اختراقها مخابراتياً بل يحصل العكس حيث اخترقت ايران دول وتوسع نفوذها مستغلة خطط امريكية وجهد امريكي صرفت علية مليارات الدولارات فقامت ايران بالاستفادة منه كلياً وبالمجان كما في دول افريقية واسيوية ولاتينية.

كانت حملة امريكا كبيرة ضد الصين وروسيا وفرض عقوبات اقتصادية وصعّدت من حربها السياسية ضدهما وكلا روسيا والصين فرحين الان بطريقة مساعدة ايران بتوجيه صفعات قوية ومؤثرة لأمريكا اخذين بالأعتبار أن ايران قوية وذكية اصلاً من دون الحاجة لمساعدة احد فكيف لو جائها الدعم من عملاقين بحجم الصين وروسيا.

ستصبر ايران في توجيه أي ضربة حيث ستعتمد استراتيجية الحرب النفسية طويلة الأمد مع وجود ترامب المستعجل فمرة يمدح في تغريدة جهود التفاوض الأيراني وأن ايران لم تخسر في مفاوضات في اليوم الاول بعد حادثة الاغتيال وبين تهديد بتغريدة اخرى بحرب مدمرة ضد ايران في اليوم التالي! أو زيارة وزير خارجية قطر حيث تصور ربما أن ايران ذات النظام السياسي والأستخباري العتيد مثلها مثل بعض البلدان العربية التي تتبرع بالمعلومات بالمجان لمجرد جس نبضهم.
صبر ايران سيقابله استعجال ترامبي امريكي بتنفيذ خطوات استفزازية لأنزعاجهم من عدم معرفة ما يدور في الذهن الأيراني وكيفية الرد على ما اقترفته امريكا بحقهم.

تحريك الجهد العسكري في دول تتواجد فيها امريكا ستستغله ايران كثيراً من دون أن يتم اثبات تورطها فيه اصلاً فهذا جهد خارجي يتم ربطه بتلك الدول.
الأستمرار باستخدام ورقة الشكاوى والضغط السياسي في مجلس الأمن والأمم المحدة وقد فعلت ذلك قبل ايام لتوضح للعالم انهم متحضرين ويحترمون النظام الدولي.
المياه والحرب الألكترونية والنووية والمفاجاءات العسكرية كثيرة لدى ايران وطورت منها كثيراً منذ سنوات. فأسقاط طائرة امريكة دخلت الاراضي الايرانية وطريقة كشفها شكل صفعة كبيرة لجهود امريكا عسكرياً وأما قصف حقول السعودية النفطية بطائرات مسيرة وعدم كشفها وانطلاقها من اليمن شكلت الصفعة الثانية لهم على التوالي وفي فترة وجيزة.
ناهيك عن كشف شبكات تجسس في ايران كان دورها جلب معلومات عسكرية واستراتجية لأمريكا فتم كشفهم والقاء القبض عليهم قبل حتى أن يستحصلوا على معلومة سعر علبة الكيلو من حلوى (الساهون) في مدينة قم!
فكيف ببقية الأسرار والخفايا الأيرانية العسكرية والأستراتيجية المهولة والتي لا يعرفها الا من يتكلم الفارسية والتي تعاني امريكا نقصاً كبيراً في توفر عملاء لها كثر بهذه اللغة القديمة.

8
ماذا بعد ضربة مطار بغداد الأمريكية
 
حيدر محمد الوائلي
 
ليست المرة الأولى التي تنتهك فيها أمريكا حرمة بلد وتنفذ ضربات قاتلة وتخلف ضحايا كُثر.
ليست المرة الأولى التي تحاول فيها أمريكا بكل سذاجة أن تلملم الموقف وتبرر له ومن ثم تشتت الأنتباه وتُشعل ازمة اخرى لتشغل الناس بها لبرهة من الزمن.
ليست المرة الأولى القتل في العراق فالقتل فيه استهتار واعتداء سافر ودم رخيص وعادة وكرامة وشهادة.
ليست المرة الأولى كثرة الشامتين في مصيبة تحصل في العراق وكثرة الباكين عليها.

أن تصبح صديقاً لأمريكا فهذا يعني أن تصادقها بكل ما فيها من دعم اقتصادي ونفوذ سياسي وتقدم تكنولوجي ورعونة بتغيير مواقفها فجأة وجرأة بتنفيذ مؤامرات واستهتار باراقة الدماء ونشر الفتن وتوجيه الأهانات لمن يختلف معها والتعدي على سيادة الدول.
 ارجو ان لا يكون أحد اللاعبين في العراق من مسؤولين وسياسيين ومثقفين والشعب عموما قد تفاجئ بالاعتداء الأمريكي على حرمة عاصمة العراق ومطاره الدولي فلقد اعتاد العراق على ان تُنتهك سيادته بتكرار مقرف من قبل أمريكا وسط ركود سياسي عراقي بليد مكتفياً بالتصريحات الأخبارية وحسب. كما في اعتداءات سابقة من دول مجاورة بتنفيذ عمليات عسكرية واستخباراتية داخل الحدود العراقية، فتركيا نفذت عمليات برية وجوية بكثافة وايران والسعودية كذلك باستغلال بعض حلفاؤها من المجاميع الشعبية. كذلك تتلاعب بدرجة اقل الأردن والكويت اقتصادياً وتؤثر على العراق وتُحَجّم من ازدهاره مستغلة بلادة وفساد وضعف الوضع السياسي في العراق.
 
على برلمان العراق وشعب العراق التركيز على إكمال مشروع الإصلاح بعد تعديل قانون الانتخابات وتشكيل مفوضية للأنتخابات فهو الان في خطر محدق كما الوضع في العراق عموماً.
من صدّق أن أمريكا دعمت التظاهرات لمصلحة العراق فليصحو مما ألم بعقله من بلادة وسذاجة.
يجب وفورا تحديد موعد عاجل للانتخابات القادمة وانتخاب رئيس وزراء مؤقت وفي فترة الأنتظار والأعداد للأنتخابات ينبغي اعادة النظر في الأتفاقية الأمنية مع أمريكا أو الغائها وفي انتشار القواعد الأمريكية في العراق وبحجم السفارة الامريكية في العراق وكبرها الذي ربما يعد الأكبر في العالم والأجندات المترتبة على ذلك.
كذلك ابلاغ الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالأنتهاكات لتكون الشكوى وتعرية المواقف عياناً ورسمياً وحتى لو لم تتأثر أمريكا ولكن حتما ستساهم هذه الحركات بتداولها اخبارياً واحداث توعية شعبية لشعوب دول مختلفة ولفت انتباه المجتمع الدولي المتغاضي عن امريكا.
من بعدها فليحل البرلمان نفسه فوراً عندما يقترب موعد الأنتخابات المفترضة.
 كذلك يجب الدعوة لتهدئة الأوضاع رغم كُبر حجم الأعتداء في عاصمة العراق وفي مطارها الرسمي وبالشخصيات المستهدفة في انتهاك كبير جداً وخطير.
للأسف أن دم العراقيين رخيص وأرجو أن لا يكون أحد متفاجئ بهذا الشيء. كل الحكومات المتعاقبة على حكم العراق بعد سقوط صنم الدكتاتورية قد اهانت الشعب ولم تعر اهتماما له وواجهته بالكبح والتضليل والأهانة والأهمال وكذلك تنظر للعراق أمريكا وغيرها من الدول وكذلك يُنظر للعراقيين في المطارات مثلما يَنظر لهم مهربي البشر لأوربا.
 
الصراع على العراق صراع نفوذ كبير يجب أن لا يزيد الشعب والسياسيين العراقيين من حطب حريقه ففي العراق حرائق كثيرة من الفساد وهدر المال العام وضياع موارد البلد الاقتصادية وتخلف العراق اقتصاديا وخدميا وسياسياً وهذه حرائق يحتاج العراق أن يطفئها ويزيل رمادها ويعيد بناء ما دمرته الحرائق قبل التفكير في إشعال حرائق أخرى كالحرب العسكرية.
 
ليجهز الشعب نفسه كي يصبح محترماً امام نفسه اولا وامام العالم ثانيا بعد أن اهانه ساسته واهانه كل بلد تدخل في شأنه وعسى أن تكون بداية افضل وتغيير للأحسن بعد إجراء الانتخابات واختيار ممثلين جدد ليقودوا البلد بطريقة افضل.
 
تصادق أمريكا وايران والسعودية وإسرائيل وتركيا وغيرها فأعلم أن لا توجد في السياسة صداقة دائمة بل مصلحة دائمة.
هنالك من قدم المساعدة للعراق وقت الشدة فهذا تحفظ له ما ساعدك فيه وقت ازمتك وتعامله بطريقة مختلفة. ليست سواء ومن الخسة انكار الجميل وتعامله مثل من تركك في محنتك أو وقف متفرجاً عليك أو ممن زاد في ازمتك.
في السياسة حيث المصلحة يكون التوجيه والتعبئة وللكل هنالك حلفاء مميزين.
 
أكرر لكي ينفذ العراق بجلده من الحرائق المتتالية عليه، فعليه النظر في الخطوات اعلاه وليُعطي لممثلي الشعب الجدد فرصة تمثيل العراق ويقرروا مستقبله بعد كل تلك المظاهرات والشهداء لأنهاء الوضع الفاسد في العراق والنهوض به وبشعبه من جديد.
ولتنتهي المظاهرات وتستمر الحياة فمجرد وجود مظاهرات لفترة زمنية طويلة فبالتأكيد سيتم التلاعب بها واستخدامها ورقة للتحريض واثارة الفتن ولحرف أهدافها وخرقها.
 
أمريكا ستبقى وستفكر بعمليات اخرى وايران ستبقى وسترد بطريقة ذكية وكبيرة لأنها بلد قوي ومتماسك ولا يقبل الأهانة والتعدي عليه. وستبقى تركيا والسعودية وإسرائيل وكلهم سيزدهرون. 
فليزدهر العراق ايضا وليصادق من يشاء كمثل بقية الدول وبشروطه التي تعود بالنفع على شعبه مع حفظ هيبته وكرامته ما دام يستثمر ثرواته ومكانته ويتطور ويزدهر ويحقق العدالة والرفاه لشعبه.

9
فيلم الجوكر وصناعة الشخصية البديلة

حيدر محمد الوائلي

انتهيت قبل قليل من مشاهدة فيلم الجوكر. أنا لست من هواة متابعة افلام الأبطال الخارقين (Super Hero) ولكن إرتأيت مشاهدة هذا الفيلم بعد ضجة احدثها وتأثير في نفوس البعض جرهم أن يتبنوا شخصية الجوكر اما شعار في التظاهرات، أو بالأشارة لها بوسائل الأعلام ووسائل التواصل الأجتماعي أو ممن غير صورته الشخصية بصورة الجوكر في وسائل التواصل الأجتماعي أو ممن إستخدمه في منشور في وسائل التواصل الأجتماعي.
هذا بالأضافة لوجود ممثلين رائعين هما العبقري خواكين فينكس (Joaquin Phoenix) والرائع روبرت دينيرو (Robert De Niro) في أداء رائع ومبهر لهما كالعادة.

من الممكن للأفلام أن تؤثر في طريقة تفكير البعض مثلما قد لا تأثر أصلاً على اخرين حسب غزارة وجودة فكر المتلقين. قد تكون الأفلام مجرد وسيلة لمتعة المشاهدة فقط أو تكون مجرد تجربة جمالية تصويرية لا أكثر. ولربما هنالك بعض الناس ممن تتطابق توجهاتهم الفكرية والسياسية في مشاهد في فيلم لم يشاهدوه اصلا بل لم يسمعوا به.

تدور أحداث الفيلم حول شخصية الجوكر (The Joker) من سلسلة القصص المصورة الشهيرة بات مان (Batman). يركز نص الفيلم الحالي لسنة 2019 عن كيفية ظهور شخصية الجوكر وهو مهرج وفنان كوميدي اسمه ارثر فليك (Arthur Fleck) يعمل في شركة تقديم عروض واعلانات حسب الطلب ويتزين موظفيها بطلاء المهرج (الجوكر). كما ويقدم عروض كوميدية في نوادي وصالات بوجهه الحقيقي من دون طلاء المهرج.

ارثر مضطرب نفسيا ويسيء المجتمع معاملته ولا يحترمه، ولكنه بالرغم من ذلك يأخذ علاجه بانتظام ويعتني بامه جيداً يطعمها ويعتني بها لكونها مريضة وكبيرة في السن. يذهب ارثر لمركز الرعاية الاجتماعية طلبا للاستشارة والمعونة المادية ولتحصيل علاجه النفسي. بالرغم من ذلك هو يحب عمله كمهرج وفنان كوميدي.

في المشهد الاول من الفلم يبدو ارثر متزيناً بزي عمله كمهرج وهو فرحاً ماسكا لوحة اعلانية في شارع مزدحم ويرقص ويدعو الناس لقرائتها. فجأءة يهجم عليه مجموعة من الشباب المراهقين ويسرقوا لوحته الاعلانية فيركض خلفهم ليسترجعها وفي احد الشوارع الخليفة الخالية حيث توقف الشباب طالبهم باعادة اللوحة الاعلانية فيكمن له احدهم ويضربه باللوحة الاعلانية الخشبية ذاتها ويكسرها برأسه ثم ينهالون عليه بالضرب وهو مطروح أرضاً وسط شارع مليء بالنفايات.
يطالبه مديره باعادة اللوحة الاعلانية التي سرقها للمحل الذي استأجره. يخبره ارثر بأنه لم يسرقها ويوضح له حقيقة ما حصل ولكن المدير يصيح بوجهه أن يكف الكذب وان لم يسترجعها سيخصم من راتبه.

اثناء تبديله لملابسه مع مجموعة من مهرجين اصدقاءه في مكان عمله. يقترب منه صديق مهرج اخر في العمل ليعطيه مسدس ليدافع عن نفسه في المرة الثانية التي يهاجمه احد. يخاف ارثر ويقوم باخفاء المسدس. أخبره هذا المهرج أنه سوف لن يخبر أحدا بشأن المسدس لأنهما أصدقاء.

يتم اغلاق مركز الرعاية الاجتماعي بقرار حكومي وعلى اثر ذلك يتوقف العلاج الذي كان يستلمه عن طريق هذا المركز.
في إحدى الليالي واثناء عودة ارثر من عمله مستقلاً قطار الانفاق، يتحرش بفتاة مجموعة من الشباب السكارى والذين يبدون من ملابسهم أنهم من طبقة راقية مترفة. تهرب الفتاة منهم فيتوجهون لأرثر الذي كان جالس طول الوقت من دون أن يعمل أي شيء ولكن تأتيه نوبة ضحك هستيرية وهي جزء من مرضه النفسي حيث يضحك من دون سبب ولا يستطيع التوقف عن الضحك.
يهجم عليه الشباب الثلاثة المترفين ويلكموه ويركلوه فيخرج مسدسه ليقتل اثنين منهم ويصيب اخر. يزحف هذا المصاب خارج القطار فيتبعه ارثر ماشيا ويقتله بكل هدوء وبدم بارد.

في اليوم التالي يمارس ارثر عمله بشكل طبيعي كمهرج حيث ارسلت في طلبه مستشفى أطفال ليمثل امامهم ويضحكهم برقصات فكاهية وفجاءة يسقط مسدسه امام الأطفال فيقوم بالتقاطه والهروب للشارع.
يتصل بمديره بعد أن ابلغوا عنه ليوضح  له ارثر ان المسدس لعبة وليس حقيقي وهو جزء من العرض فيخبره المدير ان صاحبه المهرج الاخر الذي أعطاه المسدس أخبره بقصة المسدس فلا داعي للكذب ويقوم بطرده من العمل.
وعند زيارة صديقه المهرج صاحب المسدس له بعد فصله من العمل ليواسيه مع مهرج قزم اخر في شقته البسيطة من دون معرفة أن ارثر يعلم أنه هو من بلّغ عنه، فيقوم ارثر بطعنه بمقص ويقتله من دون حتى أن ينتظر ليتحدثوا قليلاً ومن ثم يترك المهرج القزم يرحل بعد أن قبّل رأسه وودعه مبتسماً قائلا له انت الوحيد الذي كنت تعاملني بلطف في مشهد يمثل الأنتقام والتلذذ به وصناعة التبريرات لأرتكاب المحضورات.
 
تشك الشرطة بارثر فيلحقونه ليحققوا معه فيركب قطار الانفاق المكتظ بجماعة كبيرة ترتدي قناع الجوكر بعد أن راقهم قتل ارثر (الجوكر) للشباب الثلاثة المترفين حيث افاد شهود في نشرات الاخبار ان القاتل كان صابغا وجهه بطلاء المهرج.

واثناء تدافع رجلي الشرطة ليفسحوا مجال لالقاء القبض عليه يخطىء شرطي بإطلاق النار على احد الركاب أثر التدافع فينهال عليه شلة مرتدي قناع الجوكر بالضرب ويسحبوهما على الأرض وينهالون بالتعذيب والضرب على الشرطيين في مشهد يرمز لتحدي القانون وسقوطه.

كان الجوكر يضحك بهستريا عالية موضحا سبب ضحكته ان عنده حالة نفسية ولا يمكنه السيطرة على نوبات ضحكه الهستيرية كما اشرت. ولكن بعد ارتكاب جريمة القتل في قطار الأنفاق كانت ضحكاته هذه المرة بفرح.
على اثر حادث قتل الشباب المترفين الثلاثة تحدث فوضى في مجتمع مدية غوثام (Gotham) فيعتبره الكثيرين بطلا ويقومون باعمال شغب.

تبرز شخصية ارثر الثانية (Alter Ego) الشخصية البديلة (وهي شخصية مغايرة تبرز بدل الشخصية الأعتيادية)  طبعا (Ego) هي الأنا التي تمثل الشخصية الطبيعية (الأعتيادية) الظاهرة للعيان.
أي وجود شخصيتين (Ego) و(Alter Ego) وسرعان ما تسيطر الشخصية البديلة وتبرز اكثر من الشخصية الأعتيادية تماشياً من الظروف، تتلون الشخصية لتتلائم مع مجاميع معينة وكذلك لتركب موجة تيار لتسير معه.
يتحول ارثر من مهرج نكرة ومنسي وبسيط ومنطوي على نفسه إلى محتفل منتصر (الجوكر).

يستضيفه مقدم برامج ساخر (روبرت دينيرو) قد سخر منه سابقا اثر عرض فديو له بنادي يقدم عرض كوميدي فتأتيه نوبة الضحك الهستيرية وهو على منصة العرض. فيسخر منه مقدم البرنامج بعد عرضه فديو الحادثة امام المشاهدين وفي التلفزيون وكان ارثر يحرص على متابعه برنامجه حيث كان يحبه ويحترمه كثيراً. فيصاب بالصدمة من السخرية منه لدى متابعته حلقة البرنامج.

يتصل به مقدم البرنامج ويعرض عليه الظهور معه بحلقه ليمزحوا حول الموقف المحرج الذي تعرض له ارثر وضحكته الهسيترية تلك ويتبادلوا الحديث مع بقية الضيوف كما يفعل مقدم البرنامج الساخر عادة حيث يحاول أن يضحك مشاهديه بطرائف ومواقف من الحياة اليومية.
 
في استوديو التصوير للبرنامج الساخر، يتزين ارثر بطلاء المهرج (الجوكر) ويطلب من مقدم البرنامج ان يقدمه للناس باسم الجوكر. في مشهد يوضح غروره وحبه لأن يبرز ويشتهر.
كان مقدم البرنامج لطيفاً جداً معه وطلب منه في غرفة تغيير الملابس أن يتكلم بحريته ويسخر ويمزح ولكن من دون أن يشتم.
اثناء اللقاء يعترف أرثر أنه هو من قتل الشباب الثلاثة ولقد استمتع كثيرا بقتلهم مبررا انه لو كان هو القتيل لما التفت اليه احد لأن المجتمع المترف والنظام الفاسد لا يعر اهتمام لهم وفقط يركز على قتل ثلاثة شباب فاسدين ومترفين ولا يركز على بقية المجتمع المهمش والمهمل في مشهد اخر يدعم تبريرات العنف والتعدي على القوانين واحداث الفوضى ومحاولة كسب الجمهور.
ومن ثم يلتفت لمقدم البرنامج قائلا له أنه سئم من سخرية الناس له ووصف مقدم البرنامج أنه كبقية هؤلاء الناس فيخرج مسدسه ويقتله على الهواء مباشرة ببث حي. فيهرع رجال شرطة لداخل الأستويدو ليعتقلونه.
ومن داخل سيارة الشرطة التي تسير به في الشوارع بطريقها لمركز الشرطة يشاهد (الجوكر) الفوضى والحرق لمرتدين قناع الجوكر في الشوارع فيقوم سائق إسعاف من شلة الجوكر بدهس سيارة الشرطة وإخراج الجوكر الذي يصعد أعلى سيارة الشرطة محتفلا راقصا في رمزية توضح أن لا شيء واضح واختلطت الأمور، فسيارة اسعاف مهمتها انقاذ الناس تقوم بدهس سيارة شرطة ترمز لتطبيق القانون فتقتل شرطيين جالسين في الامام كانا يؤديان واجبهما الوظيفي لأنقاذ الجوكر الجالس في الخلف والذي قبل قليل ارتكب جريمة قتل بدم بارد علانية امام جمهور الحاضرين وامام عدسات الكاميرا.
 
في الوقت ذاته يقوم مرتدي قناع جوكر اخر بمتابعة عمدة المدينة توماس وين (Thomas Wayne) المحبب للكثير من الناس ولكنه من الطبقة الغنية المترفة حيث كان سائرا مع زوجته وابنه فيقوم مرتدي قناع الجوكر بقتله وقتل زوجته في مشهد يرمز لتحدي السلطة ومواجهتها بالعنف.

كاتب نص فيلم الجوكر (The Joker) 2019 ومنتجه ومخرجه بنفس الوقت هو تود فيليبس (Todd Philips) وأما من ألف وأدخل شخصية الجوكر أساساً في سلسلة قصص باتمان فهم جيري روبنسون (Jerry Robinson) و بيل فنكر (Bill Finger) وروبرت كين (Robert Kane). هؤلاء جميعهم يهود وسأوضح لماذا اشرت لديانتهم. 
كان اول اصدار لقصة باتمان منتصف سنة 1939 وكان ظهور شخصية الجوكر في العدد الصادر في الشهر الرابع لسنة 1940. (معلومات ديانة الأشخاص والتواريخ من موقع ويكيبيديا).
لربما تأثر الكُتاب من خلقوا شخصية الجوكر بما حصل لليهود في الحرب العالمية الثانية التي اندلعت سنة 1939 وتضرر بسببها اليهود كثيرا وارتكبت بحقهم مجازر بشعة وربما لذلك جعلا من الجوكر شخصية مضطربة نفسيا منتقمة تبرر العنف والقتل جزاء ما حصل للجوكر من إهمال وانتهاك في مدينة غوثام. وبالنسبة للمخرج تود فيليبس فهو مخرج افلام كوميدية فقط فلدى سؤاله عن سبب تغيير نمطه ليخرج فلم مثل (الجوكر) فأجاب بسبب ثقافة اليقظة (woke culture) حيث اشار أن المواضيع الكوميدية غير متصلة بما يدور في المجتمع وقال بالنص (Fuck comedy) سأتناول فيلم من عالم الكتاب المصور (يقصد الجوكر) واقلب فكرته رأسا على عقب بهذه الطريقة (يقصد طريقة اخراجه للفلم). (https://www.buzzfeednews.com/article/davidmack/todd-phillips-joker-woke-culture-comedy)
(https://www.indiewire.com/2019/10/todd-phillips-left-comedy-joker-woke-culture-1202177886/)
وتعريف هذه الثقافة ليس من خلال ترجمة كلماتها ولكن (woke culture) هي توجه ثقافي وفكري يركزعلى مواضيع العدل الأجتماعي والعنصرية والفوضوية واول من تبناها السود الامريكيين في دفاعهم عن حقوقهم ضد التمييز العنصري في امريكا. 

وعودة لفيلم الجوكر ومن اتخذه كرمز منتفض او بدّل صورة ملفه الشخصي في وسائل التواصل الاجتماعي بصورة جوكر او من رفع صورته او قام برسمه أو ممن تأثر به فأرجو أنك عرفت أي جوكر هو وأي رمزية يُتلاعب بالعقول بها.

اول طريق للنفاق هو التبرير.
الجوكر استخدم تبرير لكل جريمة ارتكبها وكان تبريره مقنعا للكثيرين ليرتكبوا جرائم ممثالة. وكلامي ليس بالضرورة لمن تأثر بفكرة الجوكر وإنما قصدي للجميع حتى لمن لم يسمع بالجوكر اصلاً فهذه الحالات تحصل في النفس البشرية بطرق تفكير عدة ولأهداف عدة وبمبررات عدة.
 الأنتقام، الحقد، هياج الغضب، نار العصبية، السلب والنهب، التهجم بشراسة لمجرد خلاف في الرأي، القتل وتبرير القتل كمقبول سلبي، الحرق وتبرير الحرق كمقبول سلبي وردة فعل، تصفية الحسابات وبث الأشاعات ونشرها، كلها مبررات تؤدي للنفاق. 
استمرار التبرير سيؤدي لأسوأ من مجرد النفاق بل للقتل والتصفية والتهديد ونشر المفاسد المجتمعية ونشر تحريضات العنف وإحداث دمار في النفوس قبل البنى التحتية.

كانت كتابة هذه المقالة قبل فترة من الزمن ولكن للأنشغال فلم اتكمن من نشرها في وقتها.


10
التظاهر بهدف والا فلا

حيدر محمد الوائلي

كثرة التركيز في الفترة الحالية على منشورات الشهداء المغدورين وصور القتل والدماء وحوادث العنف في التظاهرات العراقية التي اندلعت في تشرين الأول ٢٠١٩، كل ذلك سيزرع بالنفس غريزة طلب الثأر والغضب وعن طريقها سيسهل تمرير الشائعات والتلاعب بالمشاعر وكذلك سيستسهل بعض الناس ارتكاب عمليات عنف مضاد أو تبرير العنف أو تقبله أنه شيء مقبول سلبي.
قلت كثرة التركيز وليس الاتيان على ذكرهم.
بل حتى يصل لأرتكاب أو قبول حصول حوادث عنيفة بشعة كتمثيل بجثة وتصويره لأنه بنظر البعض عنف مبرر او مقارنة بعنف غيره او لماذا سكت احد عن عنف قبل هذا العنف وغيرها من طرق التفكير التي تصب في خانة الغضب والثأر والحقد والكراهية.
قد سكنت عقول الناس صور ومنشورات عنف بحق متظاهرين وشهداء فصار من السهل طلب الثأر من اي احد حتى ولو بنشر اشاعة او خبر مفبرك او بصورة متلاعب بها او فديو قديم يبث انه حصل في واقعة حديثة او فديو حقيقي او صورة حقيقية يتلاعب بتفسيراتها ايضاً.

وحتى في النقاشات صار من السهل رمي تهم الخيانة والعمالة والجهالة والتبعية وغيرها لمجرد خلاف في الرأي.
صار الخلاف في الرأي يتلف الود ويخرب النفوس ومنهم من يتكلم بعصبية وبتشنج ومنهم من يستخدم عبارات بائسة وغاضبة وحقيرة ومنهم من يستند لمعلومات كاذبة ومزيفة وملفقة وعندما ينتهون جميعاً  يرددون المقولة التافهة (الخلاف لا يفسد في الود قضية)!!
كل ذلك يجعل من القتل والعنف والشتم والقاء التهم والغضب مسألة فيها تبريرات بل فيها وطنية!
إن أسهل طريق للوقوع بالنفاق هو التبرير.

ولكي لا يصبح الغرض من التظاهرات مجرد عملية تنفيس غضب أو فك غلّ النفوس فيجب التركيز على مطالب المظاهرات العظمى التي سترسم مستقبل بلد وجيل بأكمله.
أليس غرض المظاهرات إصلاح الوضع السياسي والخدمي والمعيشي في العراق ام صار غرض التظاهرات هو تظاهر لغرض التظاهر فقط؟!
تظاهر لغرض ترديد الهتافات أياً كانت او النقاشات الجانبية او الاشتباك.
تظاهر لغرض أهداف حتى أن بعض المتظاهرين البسطاء لا يفهم وسائلها واليات تنفيذها.
تظاهر لغرض الفيسبوك وتويتر وانستغرام وواتساب.

لا يوجد بلد في العالم فيه ثروات كبيرة وفساد كبير مثلما في العراق وبنفس غزارة ثرواته الهائلة فكذلك كم الفساد فيه غزير وهائل.
لا يوجد بلد فيه إهمال خدمي وبيئي وصحي واجتماعي وتعليمي رهيب مثلما في العراق. إهمال متعمد ومن سيء إلى أسوأ حتى صار العراق في حضيض ترتيب دول العالم سمعة سيئة تلازمه.
لا يوجد في العالم اجتماع طبقات سياسية مختلفة ومتعارضة فكرياً ولكن فيها مشترك يربطها ببعض بمحاصصات توزيع مناصب فاسدة وبتمرير صفقات وقوانين فاسدة مثل ما في العراق.
لا توجد في العالم طبقة سياسية فاسدة لا تعترف بخطأها وترمي التهم على غيرها مثل ما في العراق.

لكن هنالك ثغرة مهمة يجب عن طريقها الدخول للإصلاح وهي الانتخابات بعد الضغط لتشكيل مفوضية جديدة مستقلة كلياً وتعديل قانون الانتخابات ليكول اكثر انسيابية مناطقياً وفردياً لتمثيل رقع جغرافية بعينها ومن ثم حل البرلمان لنفسه واجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي كبير ومباشر من الأمم المتحدة.
 
التظاهرات وسيلة للتعبير عن الرأي للضغط لتحقيق مطالب معينة مثلما الإضراب عن العمل أو الطعام والكتابة والرسم والحملات الاعلانية والندوات وغيرها. نعم، كلما كثر نشاطها واتسعت دائرتها فسيقوي منها ويُعجل بتحقيق اهدافها فالمظاهرات وسيلة وليست هي الغاية.

ركزوا على مطالب لإنقاذ البلد بمفوضية جديدة مستقلة فعلياً وانتخابات بمراقبة دولية ضخمة بعد تعديل قانون الأنتخابات ومن ثم تنتهي التظاهرات والاضرابات وتعود الحياة لمجاريها ولينتخب الناس بحرية من يريدون.

ماعداه فسيتم تشتيت الانتباه والتلاعب بالعقول وبث الإشاعات ونشر الفتن وكثرة النقاشات الجانبية والنتيجة طول مدة التظاهرات ومن ثم انحدار هيبتها وكثافتها من دون تحقيق نتيجة كبيرة سوى استقالات لبعض المسؤولين ومن ثم تصبح المظاهرات باهتة ومملة.

تذكروا ان اكثر الفساد هو الفساد المستشري في دوائر الدولة في المحافظات كافة وليس الفساد في الوزارات فقط. فالتغيير المنشود تغيير جذري وكبير وبالانتخابات يكون الحل.

ولكن لو لم يشارك كل الناس بالانتخابات القادمة المفترضة او فاز من هو ليس كفوء، أو أعاد بعض الناس انتخاب نفس السياسيين والمسؤولين من نفس دائرة العملية السياسية التي حكمت العراق أو أنتخبوا اخرين غيرهم ولكن طاعتهم لنفس تلك الجهات التي مارست العمل السياسي في العراق سابقاً فعندها يجب احترام رغبة الناخبين بكل حرية وبكل ادب ولا يلومن الشعب الا نفسه وليتظاهر ضد نفسه هذه المرة وليضرب راسه بالف حائط على طريقة تفكيره تلك وليقمع شغب نفسه بنفسه من دون الحاجة لشرطة مكافحة شغب.

11
الام العراق الطويلة

حيدر محمد الوائلي

مضت سنوات كثيرة والآلام تتكاثر علينا.
صراعات سياسية ومحاصصات حزبية وفشل مشترك ومضاعف حزبي وسياسي والنتيجة فساد نخر عظم الدولة وتخلف عن النهضة الكبيرة في العالم في الحكم والسياسة والاقتصاد وإدارة الموارد وتحقيق التنمية في كل البلدان اسيوياً وأفريقياً فضلاً عن الدول الأوربية المتقدمة اصلاً.

بدل أن يحاول السياسيين والمسؤولين الأعتراف بالخطأ والأعتذار بل صارت كل جهودهم أن يحاولون اقناع الناس بأن المسألة مؤامرة ضدنا فقط! لأننا شعب ووطن مستهدف والحقيقة ان كل الإرهاب والخيانات والفساد تم التمكين لغالبيته داخلياً بواسطة اذرع الفساد والانشغال بالفساد والمحاصصة وإهمال بناء الدولة الذي ساهم بزيادة سوء الأمن وتردي الخدمات وفشل سياسي منقطع النظير.

حاول السياسيون والمسؤولون اقناع الناس بأن كل ما يحصل في العراق مؤامرة وأن السياسيين مساكين لا حول لهم ولا قوة.
كلهم جميعاً لا حول لهم ولا قوة مع احزابهم الكبرى وعوائلهم المترفة وانصارهم الكثر ومتملقيهم وفضائياتهم وصحفهم ومجلاتهم ومواقع الانترنت الخاصة بهم وطابور الإعلاميين والسياسيين المطبل لهم والملمع لصورتهم.

بعض الناس تحب أن تقنع فقط لأنها تستصعب التفكير.

بلد غني وثروات كبيرة دون أثر واضح ولا نمو يواكب العصر بل التخلف في كل شيء هو السائد علمياً ومدرسياً وجامعياً وصناعياً وخدمياً وصحياً وسياسياً واقتصادياً وهذا أمر مؤلم جداً.
ما يؤلم اكثر ان لا توجد صحوة ضمير ولا ندم عند الذين تصدروا المشهد السياسي وهذه كارثة.
اي بعبارة أخرى مواصلة الانحطاط والسير نحو مزيد من التخلف لتنهي مستقبل أجيال قادمة.
يجب الاصرار على اعداد قانون انتخابات مختلف ومفوضية جديدة مستقلة بإشراف قضائي ودولي والدعوة لانتخابات مبكرة.

أعطوا الشعب فرصة ليعبر هذه المرة برأي ربما يكون مختلف وينظر في من يرشح من شخصيات وكفاءات جديدة لم تُجرَب من قبل.

12
قصة المدير في السوق الكبير

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

من حيٍ شعبيٍ فقير بأطراف مدينة مُلِئت بؤساً وفقراً وظلماً وسكان، خرج مدير مدرسة من بيته الصغير قاصداً سوق المدينة الكبير راجياً قضاء بعض الوقت فقد أصابه الأحباط والخيبة لدى سماعه نشرة الأخبار التي أدمن سماعها والأعتراض عليها والغضب في نقاش تداعياتها.
هو مديرٌ مجتهد بأداء واجبه ومحبٌ للتربية والتعليم وتخريج أجيالٍ يفخر بها. ليس كلها! فلابد من فاشلين يعكرون زهو النجاح، ولكن المهم عنده صنع فرص النجاح وبذل الجهد والأجتهاد لمعالجة مواضع الفشل.
إعتاد التأنق لدى خروجه مُبكراً للمدرسة بأجمل الملابس ومتعطراً بعطرٍ جميل، من يراه يحسبه متوجهاً لمناسبة خاصة لا يوم دوامه اليومي الأعتيادي، فهو يعطي مظهره حقه ومكان عمله حقوقه بما يعكس إنطباعاً جيداً حول شخصيته خصوصاً وأن المدير والمدرس قدوة يقتدى بها في المدرسة وخارجها ويُستَشهَد بوظيفته كمثالٍ حَسنٍ ولو أساء فيصبح مثل سوء، مثلما كل مسؤول وموظف وأب وأم وأخ وأخت وصديق ربما هو قدوة من حيث يدري أو لا يدري لفردٍ من عائلته أو لقريبٍ له، جار ربما أو صديق أو زميل في العمل.

كان ذاهباً للسوق متأنقاً كالعادة، لم يراعه أنه سوقٌ شعبي (سوق سيد سعد) وسط مدينة (الناصرية) جنوب العراق. إصطحب معه إبن أخيه يسليه ويتجاذب معه أطراف الحديث فهو مدرسٌ أيضاً، صنوان في المسلك التربوي. (شبيه الشيء منجذبٌ إليهِ) كما يُقال.

كان مديرنا هذا صاحب حكمة في الحياة، ليست الحكمة التي يقرأها البعض صدفة فيُعجب بها لفترة ثم ينساها أو يتناساها ويتجاهلها، بل حكمة يؤمن بها عن دراية وتجربة وتؤثر بشخصيته ومجرى حياته.
دخل السوق متصفحاً وجوه الباعة وأنواع البضاعة وأحوال المتبضعين.
كانت السلع معروضة بترتيب جميل أو عشوائية قبيحة حسب ذوق صاحب الدكان أو (البسطة) وأغلبها ملابس وأدوات منزلية وكهربائية وفواكه وخضروات مع أكوام أوساخ من ها هنا وها هناك تصيب ناظرها بالقرف، فالنظافة من الأيمان في حديث النبي (ص) فقط وليس من حيث التطبيق، فلا بلدية المسلمين ولا المسلمين يهمهم ذلك ولا يلتفتوا له فلا النظافة من الإيمان ولا هم يحزنون، مثلما يُلقي الكثيرون بأساسيات الدين وجوهره خلف الظهر ويُتمَسك بالزخارف والقشور والمظاهر رياءاً ونفاق.

بالرغم من ذلك لم تفارق صاحبنا الأبتسامة لدى تجواله من دكانٍ لآخر ومن فرعٍ لثانٍ ومن بائعة تصيح بأعلى الأصوات الخشنة تكرّهك بالجنس الاخر لأخرى بناعم الصوت يدغدغ مشاعرك بأن هنالك جنسٌ لطيف.
من بائع خضارٍ يكركر ضاحكاً لنكتة قليلة الأدب، لبائعة سمكٍ تنعى بهمسٍ حزين (أبوذية) شعبية شهيرة لـ(داخل حسن):
لَوَن عينك تِصل گلبي وتارة
إسيوفك گطّعت منه وَتارة
تارة إكتم بحسباتي وتارة
يهل دمعي ويورج الناس بيه...

لا تعرف ما سر فرح الأولِ ومِمَ حزن الثانية ولكنهما يفرحان ويحزنان وسيعودان في اليوم التالي لممارسة نفس العمل ولربما تتبدل الأحوال فتصبح ضحكة البارحة كآبة وملل لا يُطاق، ومن نفّسّت عن حزنها بأبوذية (داخل حسن) تضحك بملئ الفم.
كل ذاك يعطي للسوق رونقاً خاصاً وسمفونية من ضوضاء شعبية يعزف ألحانها أبسط الناس بأبسط الوسائط وعلى باب الله يسترزقون (والله خير الرازقين).

إستمر في التجوال والوقت يمضي ليس لحاله حال، وبدا على إبن أخيه الضجر فقد مرت ساعة ولم يشتر العم شيئاً فهو يكتفي بالنظر وتقليب السلع والسؤال ولم يمد يده في جيبه قط ليخرج ما فيه من كنوز بقايا الراتب الذي من المفترض أن يسد حاجة شهر للموظف ولكنه ليس كذلك أبداً فأمده بالكثير إسبوعين أو ثلاث هذا مع التوفير والأقتصاد.
ليس هو بالبخيل فرغم فقره يرفّه عن نفسه وأسرته ويجلب لهم ما يحبونه، وهو لا يكنز الأموال مثل سارقي قوت الشعب بأسم الدين والسياسة ممن ستحمى عليهم كنوزهم في جهنم وتكوى بها جباههم وجنوبهم هذا ما كسبتم وكنزتم وترفهتم به من رشوة وسرقة وإحتيال وغش وفساد إداري وتبريرات دينية وسياسية لتحصيل الأموال لأنفسكم وجماعاتكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.

مرت ساعة ثانية ليخرج المدير من السوق الكبير كما دخل له (خالِ الوفاض) فلم يعجبه شيئاً ليشتريه وهنا امتعض إبن الأخ (المدرس) الشاب فقد مضت ساعاتان بلا فائدة كما يمضى العمر لدى الكثيرين بلا فائدة سوى (الطعام والشراب والنوم و........!!) وهكذا دواليك تمضي سني عمره ويسمها حياة.
سأل إبن الأخ عمه بإنزعاج: (ما فائدة خروجنا من البيت وذهابنا للسوق وها قد خرجنا منه بلا فائدة؟!).
إنزعج العم من إبن الأخ...!
ليس لسؤاله وإعتراضه فهو رجل منفتح وديمقراطي يؤمن بالخلاف وأنه لا يفسد بالود قضية ليس كمثل الكثيرين من السياسيين ورجال الدين الذي أحرقوا الأخضر واليابس وزرعوا الفتن في المجتمع وسالت دماء الأبرياء لمجرد خلاف سياسي وديني وطائفي فيما بينهم وجروا الشعب إليه وأحرقوه فيه.
إنزعج من كلمة (بلا فائدة) فعرف أن خبرته في الحياة قليلة ولم يتعلم من يومه شيئاً فألتفت إليه يعطيه درساً ذا فائدة.
قال له: لا تقل لم نستفد شيئاً وأن تجوالنا بالسوق كان بلا فائدة، فلقد إكتسبنا وتعلمنا خبرة.
إكتسبنا وتعلمنا (خبرة) في أحوال السوق والأسعار وما موجود فيه وما ليس فيه ولقد تسلينا بالتجوال وقضاء وقتاً معاً، وفي المرة القادمة عندما تمر بهذا السوق تصبح لديك فكرة اولية عن محاله وتجّاره وبضاعته وأسعاره و(خبرة) فكيف كل ذلك يذهب سدى وبلا فائدة، وتقول لم نستفد شيء؟!
في كل وقتٍ وفرصةٍ ومكان هنالك درس وعبرة وتعلم و(خبرة) وعلى الأقل تجربة جديدة إن لم تكن مُفيدة فلربما تكون ممتعة.

13
المنبر السياسي / طعنة
« في: 16:18 21/04/2019  »
طعنة
حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

ليلٌ طويل
لا قمر في ليلنا الأسود
سرنا على حُبِ الله
كانت مغامرة
قبورٌ وعظامٌ وأشواك
ندوس عليها مضطرين
هاربين
ربنا إلحقنا
سيلحقونا 
فجاءة!
في لحظة عابرة
إنكسح الظلام
أرعدت السماء 
ضربة قاضية ماكرة
ولّى الجمع الدُبُر
خف الدبيب
لا مطاردة
المُطارَدون تسيّدوا 
فضح النهار
ما ستره الليل     
الزهد في الدنيا
العبادة
الحزن المزيف
الثواب والاخرة
وفي القصر هدرٌ
لعبٌ ولهوٌ
وصفقات لقصورٍ مجاورة
أموالنا 
لجيوبهم الكبرى سائرة
خسروا الله ودم الشهيد
خسرونا
ليربحوا وزارةً ودائرة
دون أخلاقٍ
أضاعوا أمانةً
دونها النفس كافرة
لتعرف بعد الجور الطويل
كم الأيام جائرة
صبراً صبراً
يا حمار اصبر
وما الصبر إلا نائرة
ما خططوا له
لحظة بلحظة
لصناعة جيلٍ مغفل
إعترض لتنفث أفاعيهم السم في عينيك
ليُجهزوا عليك
في لحظة غادرة
طعنة في الخاصرة
ما كان الطاعن عدواً
كان منا
شاركنا خبزنا اليابس
عاش العناء في أيامنا الغابرة
إسترجع الذكريات
وإسكب الدمع
هي لحظة الموت القاهرة
أعقبتها طعناتٍ كثيرة
هذا جزاء إنتظارك
خناجر في الخاصرة غائرة
ما عادت باليد حيلة
ولا وسيلة
مكتوبٌ أن تقضي غِيلة
إترك الجرح
ينزف الدم غزيراً
ليسقي الأشواك
سيدوس عليها مضطرين اخرين   
ليختضب التراب 
وتدمع العيون الساهرة
في لحظة نشوة ساحرة
تسبح في السماء
تنظر للأسفلين
للباكين
لحفرة ستطمأن فيها أخيراً
ولوحة عزاءٍ للذاكرة
سابقون في الفترةِ
صاعدون لله
لننسى الألم
واللاحقون طيورٌ مهاجرة
إشرب الخمر هنيئاً
بما أسلفت بأيامك الغابرة
تعلو الوجنتين ابتسامة
ومن ثم تضحك
تكركر وتكركر
على ما ضيعوه
في هذه الدنيا العاهرة
تضحك أخيراً كثيراً 
ما عاد الجرح اليماً
جزاء روحك الصابرة

14
المنبر السياسي / الفرج
« في: 00:32 27/03/2019  »
الفرج

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

سيأتي الفرج
من بعيدٍ سيأتي قريبا
فللسماء الله
وللأرض دم الضحايا
ولابد من بلاء
ومن شهداء
ينزفون القهر دماء
نضّاحة زكية
تشربها الارض،
أمنا.
تجري الدماء في عروقها نفطٍ
هرّبوه...
صدّروه...
ما الفرق؟!
فعائدات النفط لا تسمن ولا تغني من جوع.
سرقوه...
رجال دينٍ وسياسة
الخطب ثرثرة وهراء
هذا ترابٌ عظيم
فيه تاريخ قديم
وحضارة
ها هي اليوم هباء
ترابٌ ودماء
تعصف بها الريح
كثبان ملطخة بالدم
تعبر الصحراء
لقبر ذي قبة خضراء
لطخت الحائط حناء
أن باسمك ظلمونا...
سرقونا...
قتلونا... 
وتناثرت لحوم الأبرياء
أنصت!
أتسمع صوت بكاء
حسرة،
وانين،
وعزاء
المنافقون متأهبون
إن تحمل عليهم يلهثون
وإن تتركهم يلهثون 
منذ زمانك القديم
ولليوم
كي لا يعلو صوت الحق
ضحايانا بأسمك كُثرٌ
أبرياء
فقراء
فعلا من داخل القبر بكاء
لكم عزاء
ولِيَ عزاء
وكلا الأمرين سواء

15
المنبر السياسي / غاب الله
« في: 14:16 15/03/2019  »
غابَ الله

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

جمعٌ كبيرٌ
يحث الخطى خطيبٌ
يشق الصفوف
متخطياً الرقاب ليمر
يعتلي منصة من المرمر
قاعة كبرى
أبهة وجاه
ما أجمله ما أبهاه!
يهتف بالجمع المبهور
الله...الله!
فاغر فاه
ورِث أباه
حضر الناس وغاب الله
ويؤبنني وأنا أراه
آهٍ... آهٍ... آهٍ... آه

يصرخ فيَّ
يحني رأسه ليَّ
يقرأ بالفاتحة عليَّ
في خطبته الأصلاحية
ضمن جماعته الحزبية
إن الكلمة مسؤولية
درت أرباحاً مالية

مرتاحٌ اذ يخطب ساعة
جمهرة تحت السماعة
لا يحتاج الأمر قناعة
إحني رؤوس الخلق جماعة
وأسلب منهم أي شجاعة

*
*
*

أصلحه الله
ينادي بالإصلاحِ
الفاسدون فقراء مُعدمون
الفاسدون أرامل وأيتام
الفاسدون مواطنون
منتظرون شفقة المسؤول الحزبي
تعيّن مديراً بالغصب
يطل على الناس
من مكانه الحزبي وسط دائرة الدولة
قل أعوذ برب الناس
يتصفح الوجوه
هل من معارف ورَشَاوَى
هل من واسطة حزبية،
فتحظى بالأولوية
وأما البقية
فينتظرون
ربما ينالوا شفقته بعد حين
إن لم يتعكر صفو مزاج حضرته 

*
*
*

فتشت عن الله وسط الجموع
فتشت عنه في كلام مولانا
فتشت عنه في بيت الله
لم أجده
تبين أني لم أفقده
أتعرف شعور البحث طويلاً
عن شيءٍ لم تفقده؟!
أوهموك أنه ضائع منك
ليُعينوك بالبحث عنه
ومن ثم يسيطروا عليك
ليس لله بيت
بيت الله عقلٌ وقلب
غرّت العيون المظاهر
دعو الله جهرة
فقط! للمظاهر

*
*
*

أنا في اخر الجمع وحيداً
وهو في برجه العالي
أينعت الرؤوس ناضرة
للآلهة المنصبين على الرقاب ناظرة
يستعرض بهم كثرته،
وسطوته
يفخر النخاسون بكثرة العبيد
سيدرون ربحاً لو باعهم
والعبيدُ فرحون بأعدادهم الكبيرة
يراهم أعداداً
فيرونه زعيماً!
يراهم قطيعاً
فيرونه راعياً!
ستنبح كلابه كثيراً
لو خرج أحد الأعداد خارج المعادلة
فواصل الخروج يا صاحبي
فكلما ابتعدت ستسمع الألحان
ستتملكك سكينة
وطمأنينة
وسيخف صوت النباح
خذها مني نصيحة يا صاح
كلانا من ذوي الدم المباح

16
المنبر السياسي / عالم اخر
« في: 15:53 06/03/2019  »
عالم آخر

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

يبدو أن زماننا ولّى.
ما هذه الرائحة الجديدة مصاحبةً هذا الطعم الغريب.
عالمٌ جديدٌ يتنكر لقديم الذكريات، يبصقها كارهاً رائحتها القديمة وطعمها الكريه.

نعيش استرجاع ذكريات ماضينا.
نتسلى بمواقفٍ وحكاياتٍ وقفشاتٍ لننسى همّ حاضرنا وبؤس مستقبلنا.
ماضينا لم يكن عديم بؤسٍ ولا قليل همٍ لكنه مسلٍ لدى تذكره.
أن تولد في ساعة حربٍ.
زهرة الصبا أوردت أيام قصفٍ ودمار. 
بركان مراهقتك إنفجر في زمن حصارٍ من البؤس، وفقرٍ دقّ العظم.
نهضة الشباب قامت ايّام حكمٍ ظالمٍ، إمتدت سلاسله أفاعيَ قيدت الجسم النحيف. إلتفت حول رقبته تحنيها لئلا تشرق في عينيه شمس الصباح.
تزحف سنين الأوجاع في صحراء الحياة بطيئة جداً. فجأءة لاح في الأفق البعيد نور.
علّ النور سراب؟!
فركت بمخشوشن راحتيّ لتحمرّ عينيّ علها تنظر من خلف مغرورق الدموع حقيقة جديدة لا سراب كالسرابات القديمة.
فبان الفجر في الأفق حرب ونار.
دبت الدبابات في شوارع المدينة دباً، وأرعدت الطائرات في سمائها رعداً. أُسقِط شاهق التماثيل مثلما تساقطت الكثير من الضمائر وتلوثت بالنفاق السرائر من قبل ومن بعد.
تشتعل الفتن والفساد والارهاب ناراً وقودها الناس قاطعة الأعناق والأرزاق والأخلاق.
قاطعةً معها مافي الشباب من حيويةٍ وألق.
قاطعة ما بقي من حلمٍ ورديٍ تلبد بسخام حرائق التفجير.
قاطعة الحلم لدى زيارة المسؤول صاحب الهيبة الذي كان معدوماً من قبل، تدفع حمايته بي بعيداً بعد أن خرج من مكتبه المكيّف لسيارته المكيفة.
خده وردياً لمعت الشمس فيه، أيعقل أن تصافح يده الوردية الناعمة يدي السمراء المخشوشنة من حر شمس الأنتظار خارج مكتبه.
هل يعقل أن تمسح رائحة العرق في يدي ما في يده من عطرٍ خليجي جيء به له خصيصاَ.
هل يعقل أن يتذكر أنه كان لا شيء واليوم جعلت منه دواهي الدهر شيئاً كبير. 

مواقف قطعت الحلم الوردي غبار ينهال بعيني المحمرتين مما أثارته سياراته من غبار.
فركتها من جديد علّه كابوس أو سراب اخر.
لكن بعد الفرك الشديد لا زالت عيني ترى.
تباع أشياء ما كان يصح أن تباع وتشترى.
قاطعة الأمل ترجعه الى طابور الصبر الطويل.
حام الذباب حوله فخرّبه و(خَرِئ) به.
حسبناه نحلاً.
يُخرج عسلاً فيه حلاوة لنفوس ضاقت المرّ.
حسبناه نحلاً لمّا طال بنا السير في صحراء الفرج.
تبين أن النحل ذباب.
عشعش في أكوام القمامة الخضراء المتعفنة.
تفوح رائحتها المقرفة لتخنق شعباً بأكمله.

هو التحدي يا صاحبي.
تحدي العيش في عمرٍ تمضي سنينه مسرعةً جداً.
لا يتوقف جري السنين رغم الإشارات الحمر التي تلاقيها.
لا بسطوع أحمر ضوئها تقف ولا بتوهج أصفرها الباهت تنتظر.
يصبغ الشيب ليل أمواج الشعر المتساقط تصيّر حالك ظلامه رمادياً كرماد الروح جمراً تتهافت تلاله هباءاً يريد الانطفاء.
تداعبه نسمة هواءٍ باردةٍ تنعشه.
تخرج منه ناراً خافتة من تحت تل الرماد أوشكت أن تضيء.
ذكّرته أن بركان القلب يريد الثوران.
لهيبٌ خافت.
غطاه انهيار الرماد عليه.
لم يُبقي منه سوى دخان يتراقص في الهواء.
يتلاشى ومن ثم ينتهي.

حديث الأصدقاء وما ينشرون شعراً ونثراً، مرحاً وحزناً، فكراً وغباء، حكماً وخزعبلات، نسخاً ولصقاً من صورٍ وفيديوهات وكتابات وبغض النظر عن زورها وكذبها وصدقها ومرحها وتفاهتها لكنها تخرج ما في الضمير من طريقة تفكير ومن حنينٍ أن حياتنا تمنيناها أجمل بكثير مما عشناها وَمِمَّا هي عليه الان.

ايّام الطفولة الحالمة ولعب الشارع الجميل رغم  فقر الحال وشدة الفاقة.
ما سر تلك الضحكات تنبع من القلب.
تتفجر كركراتٍ على شفاهٍ لم تذق اكثر الطعام.
ما لطعام اليوم الكثير لا يسر طعمه اللذيذ النفس.
يحسدني من لا يعرفني.
ومن يعرفني يُشفقه حالي.
أبدو وحيداً.
لا يفهمني من يعرفني.
ليس زماني.

أيا عمري.
أناديك يا عمري الصغير عد لي.
دع فكري الصغير واحلام يقظتي البسيطة على حالها فحالها جميل.
أناديك يا عمري. 
لم كبرت فصُدِمت بخداع الناس وزيف الأخلاق وكفر الإيمان ووهم الأمل.
ألم يك جميلاً عالمك الخيالي يا فتى.
لمّ قدّمته لعالم الواقع البائس.
واقعٌ جديد يحتال على حيلنا القديمة البريئة فيضحك على خيبتنا وعلى ما كان مخططاً أن يكون ضحكاً عليه.

يقول بعض علماء النفس أن جيلاً واحداً لا يحتمل أكثر من هزيمة واحدة!
فأي جلد سميك يغطي هذا الجسد؟!
هزائم تترى ولا زال العود صلباً، ينحني ويضعف ولكنه لم ينكسر.

17
علي والأنتهازيين

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

كان الأمام علي (ع) في أيام حكومته يراقب مسؤوليه على المدن ويبعث لهم بالنصائح والتوجيهات، وهذا ليس بمعجزة ولا مستحيل لكي يتذرع ويحتج من رفع إسم علي بكلامه وإدعى حبه والاقتداء به وفور تسنم مسؤولية أو إدارة تراه يلقي تلك الحكم والمواعظ في الدرج قرب مبالغ الرشوة وملفات المحاصصة والمحسوبية والفساد والتقاعس والأهمال واللامسؤولية في الحكم.
يقول الأمام علي (ع) في إحدى رسالاته لأبن حنيف وهو عامله على البصرة حيث تمت دعوته من قبل أغنياء من البصرة مجاملة له، فلما وصل خبر تلك الدعوة لم يقبلها الأمام علي حيث فهم منها دعوة تزلف وقربى، فلماذا يدعى الحاكم دون بقية الناس، ولو لم يكن حاكماً هل تتم دعوته؟!
فهذه مقتطفات من تلك الرسالة الخالدة الواردة في (شرح نهج البلاغة للشيخ الأمام محمد عبده خطبة رقم 283):
(أما بعد يبن حنيف... فقد بَلَغَني -تصوروا أن الأمام من كثرة سؤاله ومراقبته يقول بَلَغَني- أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك الى مأدبة فأسرعت اليها، تستطاب لك الألوان وتُنقَل إليك الجفان وما ظننت أنك تُجيب إلى طعام قومٍ عائلهم-أي فقيرهم- مَجفوّ-أي مطرود- وغَنيهم مَدعوِّ، فأنظر الى ما تقضمه من هذا المَقظم-أي الفكين- فما إشتبه عليك عِلمه فإلفظه-أي إتركه- وما أيقنت منه فنل منه... أأقنع من نفسي أن يُقال: "هذا أمير المؤمنين" ولا أشاركهم في مكارة الدهر أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة-أي خشونة- العيش، فما خُلِقتُ ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها عَلَفها، أو المُرسلة-أي الغير مربوطة- شُغلُها تقممها-أي أكلها للقمامة- تكترش-أي تملأ كرشها- من أعلافها وتلهو عمَّا يُراد بها...).

الملاحظ أن الأمام علي (ع) يقول: (أأقنع من نفسي أن يُقال "هذا أمير المؤمنين" ولا أشاركهم في مكارة الدهر أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة العيش...الخ)، فهو يصرح أنه لا يقنع بأن يقال له أمير المؤمنين (رئيس، رئيس وزارء، وزير، محافظ، مدير عام، مدير دائرة، موظف مسؤول) بوجود أناس جياع أو يعيشون حياة صعبة وقاسية ولا يساعدهم عليها، أو مواطنين يعانون من المراجعات في دوائر الدولة أو عدم قضاء حقوق الشعب وتوفير الخدمات له أو التمييز بالمعاملة بين المراجعين في دوائر الدولة أو تصرف بعض الموظفين المهين للمراجعين في مؤسسات الدولة، فالأمام علي يقول على الأقل أنه يشاركهم بمكاره العيش وصعوبته فيصبرون لدى رؤيتهم إياه يفعل ذلك.

لم يذكر الأمام (أأقنع أن يقال "هذا أمير المؤمنين") بوجود مفاسد أخلاقية مثلاً فهو أمير المؤمنين حتى بوجو تلك المفاسد، لأن الأمام علي (ع) يؤمن بأن مداراة الناس وقضاء حوائجهم ومتابعة أحوالهم هي الغاية الكبرى للحاكم العادل وللمسؤولين العادلين جميعاً.
لم يقل الأمام علي (ع) (أأقنع أن من نفسي أن يقال "هذا أمير المؤمنين"...الخ) رغم حروبه الثلاث التي خاضها ضد عشرات الآلاف أيام حكومته، حرب الناكثين (في الجمل) الذي نكثوا البيعة وخرجوا عليه، وحرب القاسطين (في صفين) الذي ظلموا الناس وسرقوا حقوقهم، وحرب المارقين (في النهروان) وهم المنافقين الذين يمرقون من الدين كمرق السهم.
هؤلاء جميعاً خرجوا ضد حكومة الأمام علي (ع) وبقي هو أمير المؤمنين رغم كثرة الأعداء، ولكنه لا يقبل أن يقال له أمير المؤمنين ولعل في –وعلى نص قوله– (بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص-أي لصعوبة حصوله على قرص الخبز فأنه لا يطمع بأكثر منه- ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً-أي شبعاناً- وحولي بطونٌ غرى-أي جائعة- وأكباد حرّى-أي عطشانة-.
قال ذاك وكانت عاصمة حكمه مدينة الكوفة وسط العراق.

يا علي مالي أراك وحيداً صابراً (وصبرك يلهمنا الصبر) لم يترك لك الحق لا صاحباً ولا صديق، وتمشي بطريق الحق وحيداً حتى إستوحشته لقلة سالكيه.
أراك يحاربك الأصحاب ويشنوا عليك الهجوم فلم تتردد في محاربتهم رغم حزنك على حالهم والى ما صاروا إليه.
هم مع الحق مادام الحق يدر عليه ربحاً وشهوة ومناصب، ولما طردهم ذات الحق من مناصبهم وحرمهم من أرباحهم وهيبتهم الظاهرية وشهواتهم فأصبح الحق باطلاً، والمعروف منكراً، وكم من أمثالهم اليوم يحكمون ويديرون مؤسسات الدولة ومعهم سياسيون ورجال دين وجموع غفيرة من الناس مغفلين وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق.

في الأمام علي صفات كثيرة جداً، ألفوا فيها المؤلفات وكتبوا فيها الكتابات وهي صفات بشرية أخلاقية وليست إعجازية ويمكننا الاقتداء بها نحن معاشر من نقول إننا نحبه، فليس من المستحيل أن نبقى على الحق وأن نكون صادقين، أوفياء، مدافعين عن حقوق الناس والمظلومين، نقضي حوائج الناس، متسامحين، كاتمي الغيظ، صابرين، ثائرين ضد الظالمين، كل ذاك يتحقق إن أردنا وناضلنا وصبرنا وأصررنا.
نقتدي برسول الله وأهل بيته الكرام وأصحابه المنتجبين فهم قدوة للعالم أجمع، والقدوة إنما صارت قدوة فلكي يتم الأقتداء بها من قبل الأتباع لا أن يقولوا من نحن لنكون مثلهم!
فهم ليسوا مثلنا في النبوة والإمامة والصحبة والمقام والكرامة وغيرها من المقامات التاريخية ولكن هنالك أخلاق تواكب الزمن هم تمسكوا بها ومن الممكن جداً لنا التمسك بها أيضاً.
 
يقول الله مخاطباً الناس من على لسان الرسول الأكرم (ص): (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا). (آية 110/سورة الكهف).
ولقد تعجب بعض جهلة المتدينين (وما أكثرهم اليوم) ممن يريد نبياً خارقاً لا نبياً كالناس ومن الناس وللناس، حيث يصف الله سبحانه تعجبهم وجهلهم بكتابه العزيز: (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا). (آية 7-9/سورة الفرقان).

18
المنبر السياسي / هل فكرت في علي
« في: 21:00 03/06/2018  »
هل فكرت في علي

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

أحببت في عليٍ حبه للإنسان ويحب لأخيه ما يحب لنفسه ويحب الفقراء ويحبونه، ويتصرف كأبسط الناس وهو في أعلى هرم السلطة لأن السلطة عنده وظيفة وتكليف ينزهها الشخص ويعظمّها وليست السلطة من جعلته عظيماً.

أحببت في عليٍ عدم رضاه بمنصبه وعدم قناعته فيه إلا أن يحقق للناس عدل ورفاهية وعيش كريم، فقيل أن دخل عليه ابن عباس في ذي قار جنوب العراق لدى توجهه لصد الخارجين عليه من الحجاز لمّا حاربوه لعدالته، وكان عليٌ يخصف بنعل له بالية، فقال الأمام علي لصاحبه ابن عباس: (ما قيمة هذا النعل)؟!
فرد ابن عباس: (انه نعل بالية) –لا تساوي شيئا-!
فرد عليه الأمام علي: (هي –النعل- خيرٌ لي مما يحاربونني عليه –السلطة- إلا أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً).
هذه السلطة اليوم قتلوا الناس للظفر بها وسرقوا وباعوا واشتروا بثروات الوطن ليغنموها وضيعوا حقوق الشعب من أجل نيلها. جميعها كذلك. من السلطات الصغيرة في دوائر الدولة التي يغنمها غانموها بواساطات ورشوات ومحاصصات وحتى أعلى هرم السلطة ينالها بذات الالية الفاسدة.
ولا أعرف كيف يرتجى أن تكون النتيجة خيراً والطريق لها فساد في فساد.

أحببت في عليٍ حرصه على الناس عموماً وجميعاً (لا تفريقاً ولا تمييزاً) ففي أحد المرات بينما كان يتفقد أحوال الرعية بنفسه (لا أعضاء حزبه يفعلون ما يحلوا لهم وبمزاجهم، ولا تشكيل لجنة لتمييع وتضييع الحقوق) فوجد شحاذاً فأمتعض وغضب لرؤيته وثار قائلاً (ما هذا)؟! وأخذه وصرف له استحقاقه من بيت مال المسلمين.
يتفقد أحوال الناس بنفسه ولا يستكف من خدمهتم فعلي لم يكترث لبهارج السلطة الدينية والسياسية والأجتماعية ليس كالغالبية العظمى من قيادات اليوم من سياسيين ورموز مجتمع ورجال دين ممن يستنكفون من كل شيء، حتى من تنفيذ واجباتهم الوظيفية التي يتقاضون عليها رواتب تترواح بين الكبيرة والخيالية.
والمُلاحَظ أن علياً لم يقل (من هذا) فهو لم يقبل وجود شحاذاً وهو حاكم، وقيل أن هذا الشحاذ كان على غير دين الإسلام.

أراك في يوم من أيام الكوفة تتفقد الرعية كعادتك، فترى شحاذاً فترتعد فرائصك وتهتز، وأنت الذي لم تهتز عند مواجهة أبطال الحروب وأرديتهم صرعى أمامك.
أراك تهتز يا علي لأنك رأيت شحاذاً يشحذ وعلي حاكم!
تأمر له بالعطاء الفوري ولم تسأل من هو، لتعلم لاحقاً أن الشحاذ كان على غير دين الإسلام (مسيحياً ربما أو يهودياً) سكن بـ(سلام تام) بجوار مسلمي الكوفة فلم يغير ذلك بالأمر شيئاً ولم يعر له علي أدنى اهتمام، فعلي يعامل الإنسان على أنه إنسان كرمه الله أولاً وأخيراً، وهو القائل: (الناس صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

مر شيخ كبير أعمى يسأل طالباً، فقال أمير المؤمنين: ما هذا؟! –لاحظ – مرة ثانية (ما هذا!).
قالوا: يا أمير المؤمنين نصراني!
فقال لهم: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال.

تعال ها هنا في يومنا يا علي لترى الفقر والتمييز بالعطاء والمناصب، وعائلات وأحزاب تحكم وتبطش وتظلم وتسرق بالناس على قفا من يشيل بأسم مغانم السلطة.
تعال لترى الناس تحقد ويصيب قلوبهم شيء لدى معرفتهم أن فلاناً من طائفة ليس كطائفتهم في الدين الواحد، فأصبح الدين مدعاة للكراهية والأهانة أكثر من الحب والأحترام.
دين طائفة اليوم لا دين الله.
يعبدون الطائفة لا يعبدون الله. ولك أن تقيس ببقية الأديان.

أصبح شبه المنقرض دين الفكر والتفكر، فالسائد اليوم دينٌ يورّث وراثة عن الآباء والأجداد كما يورّث الشكل والدار والعقار طوائفاً وطُرقاً ألفوا أبائهم عليها عاكفين أو توجيهات يتم تلقينهم أياها ويحسبوها الدين.

دخل عقيل بن أبي طالب على أخيه علي (ع) أيام خلافته، وكان عقيل أعمى ويطمع بزيادة في راتبه ومستحقاته من بيت مال المسلمين والذي هو اليوم في أرقى الأنظمة يُسمى (الضمان الاجتماعي).
فقال الأمام علي لأخيه عقيل: لو كنت تحتاج لِلباس فسأعطيك من استحقاقي الخاص ولا أزيدك درهماً ليس بحقٍ لك.
فقال عقيل لأخيه: يا علي إني بحاجة.
فقال له الأمام علي مؤدباً: خذ بيدي وأذهب بي إلى سوق الصرافين لأسرق لك!
فقال له عقيل: لم أقل لك ذلك!
فقال له علي: وما فرق أن أسرق من بيت المال (الميزانية، عوائد النفط وخيرات الدولة، مميزات حكومية لموظفين كبار على حساب بقية الموظفين، مقاولات ونسب أرباح مشروطة لتمرير العقود، مخصصات كبيرة لمسؤولين وسياسيين على حساب بقية الشعب، مميزات لأحزاب سياسية على حساب الشعب، نفقات لسفرات ومصاريف وولائم المسؤولين من أموال الشعب، موظف يتقاضى راتباً ولا يؤدي وظيفته بالشكل الصحيح) أو أسرق من سوق الصرافين؟!
لم يقتنع عقيل وألح على الأمام علي (ع)، فأراد الأمام علي أن يهذبه بأكثر مما تهذب العامة من الناس، فأحمى حديدة وطلب من عقيل الأعمى أن يمد يده، فمدها، فوضع الأمام علي الحديدة الحامية بيده فأن لها عقيل وصرخ متألماً، فقال له الأمام علي: (يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني الى نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من أذى ولا أئن من لظى)!
هذا هو الأمام علي من ألهم كاتب مسيحي معاصر هو (جورج جرداق) أن يكتب فيه سِفراً رائعاً بكتاب طبعوه بمجلد كبير ومن ثم بخمسة أجزاء عنوانه (الأمام علي صوت العدالة الإنسانية) يقع جميع أجزاءه الخمسة في (1379) صفحة في طبعته الأولى كأجزاء لسنة 2003. وكتب فيه مسيحي معاصر آخر هو (راجي أنور هيفا) كتاباً عنوانه (الأمام علي في الفكر المسيحي المعاصر) حيث يقع في (750) صفحة في طبعته الأولى لسنة 2007.

19
الانتخابات فرصة للخير والشر

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

(ليست الحرية سوى فرصة ليكون المرء أفضل) ألبير كامو، فيلسوف وكاتب فرنسي.
نعم...!!
هي فرصة ينبغي إستغلالها فالفرص تمر مرور السحاب.
هذه الفرصة مسؤولية ملقاة على عاتق الجميع فالمشاركة بالأنتخابات حق مثلما عدم المشاركة حق أيضاً وكلاهما محترم. ولكن المشاركة فرصة لتغيير ولو طفيف وهو أفضل من مجرد الجلوس في البيت معترضاً ومنتقداً وضجراً لدى متابعة نشرة أخبار أو حلقة نقاش سياسي.
هي فرصة للفاسدين أن يستمروا بفسادهم أو فاسدين جدد يفكرون بالأستثمار بالفساد أو إنتهازيين سال لعابهم على غنائم الشر للعبة السياسية القذرة وشر هيبتها المصطنعة.
كذلك هي فرصة لمن يفكر بالخير ويسعى للخير وفي فكره أنه سيساهم بنشر الخير.
 
ربما لا يروق لك الكثير من المرشحين وكنت حانقاً على الصراعات السياسية في العراق والوضع الخدمي السيء، ولكن ألا يوجد واحد فقط محل ثقة ممن تعرفه وتعرف سيرته وفكره.
ألا ترى أن جلوسك في البيت وتقاعسك سيوصل من تتكلم عنهم بسلبية للسلطة من جديد.
مرشح خير واحد من هاهنا وواحد اخر من ها هناك سيبقون باب الأمل مفتوحاً، والحياة بدون أمل حياة بائسة.

وأعيد التذكير بأن أعلى نسبة مشاركة في الأنتخابات العراقية السابقة بلغت حوالي 60%. أي أن هنالك 40% ممن يحق لهم التصويت لم يشاركوا في الأنتخابات ولو شاركوا لربما يحصل تغيير كبير في المعادلة السياسية. أي لو أن الذين يحق لهم التصويت كانو عشرة ملايين فأن أربعة ملايين لم يشاركوا وهذه مصيبة كبيرة. أغلب الأحزاب والتيارات الدينية والسياسية هي منظمة ولها أتباع يتبعون قياداتهم بالحرف ويشاركون بكثرة في الأنتخابات. فتصوري أن أكثر الأربعة ملايين الذين لم يشاركوا هم من المستقلين المتقاعسين.   
المرشح الذي يغري الناس بمغريات المال والتعيين والمشاريع الورقية التي لا اساس تطبيقي لها فذلك يدل على أنه مرشح ضعيف الشخصية وإنتهازي وليس جدير بهكذا مرشحين أن يمثلوا الشعب. مجرد مشاريع كلامية غير مدروسة ولا مخطط لها مسبقاً وهكذا مرشح لا يفكر بأن الواعين سيصوتوا له، ففكره منصب على زيادة غفلة المغفلين.
إن من يغري غيره سيسهل على الاخرين إغراءه.
حتى من يغري غيره بتبعيته الدينية أو ممن يجعل من مجالس الدين وسيلة لأغراء الناس بأسم الدين لأستحصال مكاسب سياسية فيسهل على سياسيين اخرين إغراءه وربما بنفس الأسلوب يستغفلونه أو يشترونه.
من المفترض أن يكون الدين وسيلة لقمع المغريات، ولكن البعض صيّروه وسيلة من وسائل المغريات التي تدر عليهم الملذات والشهوات.
صوتك أمانة ومسؤولية وفكر وأخلاق فلا تخون الأمانة وتتخلى عن مسؤوليتك وتسيء لأخلاقك.

جرّب أن تغيّر وأنتخب مرشحين جدد، فعجباً كيف تريد أن تحقق التغيير إذا أعدت إنتخاب الفاسد والناكر لأهله ومن إنتخبوه وفق هوى طائفي وتبعية دينية لشخصية دينية وحسب أو وفق مشتهى حزبي أو ممن إتخذ من منصبه ثروة وغنيمة له ولحاشيته.

20
المنبر السياسي / دعايات
« في: 12:37 02/05/2018  »
دعايات

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

ليس مجرد أن يتكلم المرشح بأنه سيقضى على البطالة ويحارب الفساد ويقوي التعليم وغيرها يعتبر لديه برنامج انتخابي بل هو محتال بانتظار مغفلين يصدقونه.
ليس البرنامج الانتخابي بكلام ومجموعة جمل توضع قرب صورة دعائية للمرشح أو بلقاء تلفزيوني أو إذاعي يتفوه فيه بما يخطر على باله أما فجأة أو بمجموعة أحاديث تعلمها ليتكلم بها ليس إلا.
يجب أن يكون البرنامج الأنتخابي مبني على اساس دراسات وبحوث واحصائيات وخطط وتجارب ونتائج الغرض منها تطبيقها للنجاح في مهمته التي رشح نفسه لها.

تحصل مناظرات وبرامج قبل فترة طويلة من الانتخابات يناقش فيها من سيكون لاحقاً مرشحاً لهذه الأفكار ويطرحها وحتى لو عن طريق كتابات وندوات لا أن تأتيه صدفة ومجرد صياغة عبارات لغرض الدعاية الأنتخابية قبل فترة من موعد الأنتخابات وربما هو نفسه لم يصغها بل صاغها صديق له أو صاحب مكتب طباعة الأعلانات...!
في الحقيقة هنالك الكثير من المرشحين من هذا الصنف، لا برنامج انتخابي ولا دراسات ولا افكار ولا خطط والمضحك المبكي أن يوجد الكثير من الشعب ممن لا يهتم ببرنامج المرشح ولا دراساته ولا افكاره ولا خططه فلقد صيّرهم السياسيين كائناً ينظر باحقاد وشهوات النفوس سياسياً وطائفياً وحزبياً أكثر من نظرته الفكرية والعقلانية مع الأسف، فتكفي إدعاء مرشح تبعيته لتيار ديني ولرجل دين ولحزب سياسي فينتخبه المغفلين (عمياوي).

هنالك الكثير من الناخبين المغفلين والمستعبدين ممن يصوتون لأي مرشح بغض النظر عن فكره ومشاريعه وبرنامجه لمجرد تبعيته لتيار ديني أو حزبي فقط  وما على المغفلين والمستعبدين سوى التصويت له لذلك وحسب.
مرشحون بلا برامج ولا رؤى سيكونون رهن اشارة الكبار في الكتلة وانتهى لا أهداف حقيقية لهم ولا مشاريع ولا مخططات كانت ضمن برنامج أنتخابي مفترض (كلاوات).
طبعاً ليس كل المرشحين هم كذلك بل الكثير منهم كما هو الحال مع الناخبين لننتهي من مسألة (مو كلهم) وأخشى أن يكرر هؤلاء المغفلون والمستعبدون نفس الأمر في الأنتخابات القادمة بمجرد وجود اسماء جديدة تابعة وخاضعة ومستعبدة لنفس الكتل تلك وعندها يكون الأمر مجرد (بدلنة عليوي بعلاوي).

بعد كل هذا البؤس والمآسي التي حصلت بنا ولازال الكثير من الشعب لا يفكر بالتغيير الجدي فمتى يحيين موعد التغيير يا ترى...؟!
أما سئمتم من تكرار انتخاب نفس التيارات والأحزاب المتصارعة فمتى تصبح لديكم ارادة حقيقية بإحداث تغييراً حقيقياً وجذرياً فلازال الامل فيكم معلقاً بأحداث هذا التغيير المنشود.
كن مستقلاً باختيارك وشجاعاً بأن تصوت لمرشح تقتنع به وبفكره حتى لو خالف تيارك الديني والطائفي والحزبي وأن لا تكون مستعبداً لتبعية فالسياسة والحكم شيء والأعتقاد الديني والمذهبي شيء اخر.

المتقاعسون والمتخاذلون الذين لم ولن يشاركوا في الانتخابات لفكرهم الأنهزامي والذين سيكونون بعدم مشاركتهم قد ساهموا بشكل كبير باعادة التصويت لنفس تلك الوجوه البائسة التي هم انفسهم ينتقدونها ويتكلمون عنها بكلام ناقد وربما بذيء بمجالسهم ولكنهم هم أنفسهم من ساهموا بتركهم يصلون بعدم مشاركتهم بالأنتخابات وعلى هؤلاء الأنهزاميين البائسين أن يغيروا فكرهم ويفكروا بمسؤولية في التغيير فالعراق لهم جميعاً فعسى أن تأتي وجوه جديدة بأفكار ورؤى جديدة ترى النور على ايديكم انتم اولاً بمشاركتكم بالانتخابات ومن ثم على يد من انتخبتموهم ومن ثم يكون النور على العراق فلقد سئمنا صراع الديكة من سياسيين فيما بينهم لأغراض شخصية وأحقاد ومشتهيات أوجدوها وجعلوها عرفاً بينهم وأنجرت العدوى للكثير من الشعب فورطوه بها وصيروه مثلهم ينظر ويتعامل بعداوة واحقاد لمجرد خلافات سياسية بين سياسيين متنازعين.

21
الكذب والزور بضاعة الفاسد في الأنتخابات

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

(يكثر الكذب عادة قبل الأنتخابات وخلال الحرب وبعد الصيد) أوتو فون بسمارك، مؤسس الأمبراطورية الألمانية (الرايخ الثاني) بعد قيامه بتوحيد الولايات الألمانية فكان أول مستشار (حاكم) لألمانيا الموحدة وذلك في أواخر القرن التاسع عشر.

الكذب والزور بضاعة الفاسد، والفارغ العقل وضعيف الشخصية.
لا يوجد عنده حقيقة فيلجأ للكذب والزور ويوهم نفسه أنها حقيقة واقعة ويوهم الاخرين بتصديقها، والأدهى وأمرّ أن أتباعه يصدقونها دون تمحيص ولا دراية لأن من قالها تابع لتيارهم الديني أو السياسي فقط. ثقافة القطيع الذي كل ما هو مطلوب من أن يطيع.

 لا توجد عن أكثر المرشحين أفكار مدروسة ولا مشاريع مخطط لها ولا برامج محددة فلذلك يعمدون للكذب والزور وسرقة أفكار الأخرين ولصقها بهم.
الأسوأ من ذلك عندما يبررون كذبهم وزورهم بحيل ومبررات سياسية أو دينية أو إجتماعية فتزيد من النفاق والكذب والزور وجميعها لا أصل لها ولا منطق إلا بعقل هذا المرشح الفارغ.
هو أفشل المرشحين بأمتياز ومن ينتخبه أفشل منه.

على قدر وعي الشعب في إختيار مرشح واعي وصاحب فكر ستكون النتائج رائعة ومبشرة بالخير، وبالعكس لو تخلف الوعي الشعبي وأصبح تسّيره الرغبات الحاقدة والعصبية فستكون النتائج بائسة.
لا يصح رهن عقل الناخب بما يمليه بعض قيادات التيارات الدينية والسياسية والغريب بمن يطيعهم. فيصبح العقل هنا بمستوى عقل الحمار الذي يقتادوه إقتياداً حيثما يريد له راكبه سالباً إياه حريته وإرادته وتفكيره.

ينبغي النظر قبل الأنتخابات بقائمة كبيرة من الكاذبين السابقين والذي فازوا بالأنتخابات السابقة ممن كذبوا بإحداث تغيير وجلب مشاريع وتشريعات ممن كذبوا على الناس بوعود التعيين والرفاهية وهم من التابعين لتيارات دينية وسياسية يعرفهم الناس أكيداً إلا إذا فقدت الناس الذاكرة فجاءة.
انتخب الأتباع مرشحين كفائتهم الوحيدة هي أنهم تابعين لتيارهم الديني أو السياسي فقط دون فكر ولا دراية ولا خطط من مرشحين لا علم لهم ولا فهم بأمور السياسة والأدارة والتخطيط.
إنتخبوهم على عمى، ولقد فاز أتباع تيارات دينية وسياسية بهذه الطريقة البائسة بنسبة عالية من الترشيح في أنتخابات البرلمان السابقة مع الأسف.
أحذروهم جميعاً وتجنبوهم فهم يستحقون الأهانة لا أعادة إنتخابهم أو إعادة إنتخاب من يمثلهم.

هنالك بعض الفائزين السابقين ومن يريد أن يمثلهم اليوم يعتبر نفسه متصدقاً على الشعب إذا قدم لهم خدمة، ووسائل إعلامه تصرخ بمدحه أنه أدى خدمة هي واجب عليه أصلاً ويتلقى راتباً ضخماً لأدائها، ومنهم من يغوص في الأبتذال أكثر فيصور هذه المهام الوظيفية البسيطة للدعاية.

أنتخبوا من تعرفوه أنتم وتفهموه ومن تريدوه وليس وفق ما يريده زعيم ديني أو سياسي الذي يأمر وينهى ويصور نفسه الهاً والوحيد الذي يفهم والراعي بقطيعٍ من الناس يسيرهم وفق ما يشتهي.
لا يصح أبداً رهن عقولكم وحرياتكم وحقكم الأنتخابي وفق ما يشتهي البعض ويريد، كونوا شجعانًاً وأختاروا بحرية.

إنتخب لكي تساهم بصعود من تحسبهم أخيار، فعدم انتخابك لهم أو عدم مشاركتك في الأنتخابات يعني السماح للفاسدين بالأستمرار  في الفساد.
(الشيء  الضروري الوحيد لانتصار الشر هو: أن الناس الجيدين لا يفعلوا شيئاً) أدموند بورك.
إن أعلى نسبة مشاركة في الأنتخابات العراقية السابقة بلغت حوالي 60%. أي أن هنالك 40% ممن يحق لهم التصويت لم يشاركوا في الأنتخابات ولو شاركوا لربما سيحصل تغيير كبير في المعادلة السياسية. أي لو أن الذين يحق لهم التصويت كانو عشرة ملايين فأن أربعة ملايين لم يشاركوا وهذه مصيبة كبيرة.

22
لا يجعل الفوز بالانتخابات الباطل حق

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

للحرية قيود كبلوها بها بسياسات وتوجهات ومشتهيات طائفية وحزبية داخلية أو تحقيقاً لمشتهيات خارجية بالتدخل في الشأن العراقي وبمساعدة لاعبين بائسين من الداخل العراقي تلبيةٌ لمصالح تلك الدول ومشتهياتها التي أرادوا بها تمزيق الشعب العراقي وتلك الحرية وتشويهها بكافة الوسائل الأعلامية والسياسية والطائفية، ولكن الحرية إستمرت بجراحاتها الكثيرة وهي مقيدة بعدما تأثرت بكل ذلك.
على الواعي التفكير في تحرير الحرية وجودة التعبير عن الرأي والأنتخاب. (حرروا الحرية، والحرية تقوم بالباقي) فيكتور هوغو، كاتب وشاعر فرنسي.

ربما يوهم بعض السياسيين ورجال الدين الناس بمساوئ فتح المجال والحريات التي ربما تجلب المفاسد، والحقيقة أنهم يخافون على مواقعهم ومغانمهم ومناصبهم وفكرهم الموروث البائس لا أكثر.
أتت المفاسد على البلاد بسبب سوء فعالكم وسوء ادارتكم رغم تقييدكم للحرية. فأنتم السبب لا الحرية.

تحاصصوا في البلاد متصورين أنهم يحقون حقوق الجميع فظلموا الجميع وعذبوا الجميع وتأذى الجميع وبالرغم من ذلك لازالوا متحاصيصين في المناصب.
توزع المناصب رغماً عن أنف الجميع حسب توجهات وتبعيات حزبية وطائفية بائسة شاء من شاء وأبى من أبى.
هذه العادة العار التي ابتدعوها وجعلوها قانون مقدس يُراعي ويُتبّع سينهي البلد ويهلكه أكثر مما هو هالك أصلاً.
لا توجد دائرة من دوائر الدولة الان إن لم تكن موزعة حسب كل حزب وحسب كل توجه سياسي وطائفي. لا لكفاءة ولا لنزاهة على الأطلاق.
دائرة التربية لفلان الحزبي، لأن دائرة البلدية لفلان الحزبي. وقس على ذلك وزارات ومؤسسات ودوائر دولة وسفارات وقنصليات فكان ذلك أحد أسباب دمار البلد.   

لا يجعل الفوز بالانتخابات الباطل حق.
لو أن مليون شخص إنتخبوا مرشحاً لكرسي الحكم والتشريع وهو كان باطل بكل مقاييس الحق والشرف والنزاهة والكفاءة فلا يجعله هذا المليون صوت حقاً ولا نزيهاً ولا نبيلاً ممن إنتخبوه عن جهل أو عن طريق كراهة بالغير فينتخب من يضده فقط لكراهة في نفسه أو ممن تم تلقينهم الأنتخابات وكيفيتها فينتخبون كائناً من كان لأن السيد وجههم والشيخ نصحهم والكاكا ضغط عليهم والمرشح الحزبي أو القنوات الاعلامية قد ضللتهم وتم الدفع بهم لذلك على عمى.

الحرية لدينا للأسف يتم تلقينها للناس. هاك حريتك ويسيروه وفق مشتهياتهم من كتلٍ سياسية ودينية بوسائل إغرائهم وجذبهم الديني والسياسي والأعلامي.

عليك التفكير قبل الأنتخاب، وأن تكون شخصياً مقتنعاً بمن تعطيه صوتك وبغض النظر عن توجهه الفئوي والحزبي والديني والطائفي فكل تلك الجهات (الفئوية والحزبية والدينية والطائفية) أثبتت فشلاً ذريعاً بأنتخاب أكثرهم لا لكفاءة المرشح الشخصية ولا لفكره النبيل ولا لعزمه ولا لإرادته ولا حتى لمعرفة شخصية بنزاهته وعفته وإنما فقط لأنه يتبع تيار ديني أو جهة حزبية فتم إنتخابهم لتبعيتهم تلك وليس لفكرهم وكفائتهم وإرادتهم.

لا تجعل الاخرين يفكرون بدلاً عنك ولتكن عندك إرادة، فكل من يلقنك ويجرك له هو يريد تلقينك ومن ثم يحملون على ظهرك أوزارهم ورغباتهم ومن ثم يتركوك في زريبة تقبع بينما هم يتمتعون بعوائد السلطة ويديرون ظهورهم لك.

كانت ثلاث تجارب انتخابية سابقة في العراق وعلى الواعي التعلم من بعض الخطأ الذي وقع، وليس الفخر أن لا تسقط ولكن الفخر أن تنهض من بعد السقوط.
ينبغي التعلم من المصائب التي حصلت لدى فوز أكثر المرشحين من الذين يستحقون كل إهانة في الوقت الذي بجهل الناس وسوء تقديرهم أعطوهم أصواتهم بكل تقدير.

ربما يكون شخص بذاته مستقلاً ولتاريخه الشخصي وفكره وكفائته وهو لا ينتمي لجهة دينية أو حزبية تروق لك هو أفضل بكثير من إنتخابك لشخص لا تعرف عنه سوى أنه يتبع تيارك الديني أو جهة حزبية تروق لك. جريمة لو تنتخب هذا الأخير السالف ذكره.

وتذكر أن الحرية والأنتخابات اوصلت الفاسدين والفاشلين لكراسي الحكم والأدارة والتشريع بينما يقبع في منازلهم كفاءات وأصحاب فكر وعزم ممن لم يفكر بهم الشعب ملياً أما بسبب أستقلاليتهم أو لفقرهم في الدعاية الأنتخابية، أو لم يتم الأشارة لهم من قبل جهات دينية وحزبية وإعلامية للتغطية عليهم.

23
تنتخب أو لا تنتخب

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

قربت الأنتخابات في العراق وبانت وجوه بدعاياتها البائسة المكررة والجديد منها كذبة جديدة ونفاق جديد وزور جديد.
وجوة لا تستحي من عارها السابق لتضيف له عاراً جديداً بعدم تأنيب الضمير والتألم لما حصل بسببهم.
يغشى بصرهم وبصيرتهم ضجيج الهاتفين لهم محولين جادة المحاسبة على رعب وظلامة السنين السابقة لمديحٍ بأنجازات وهمية تعد بأصابع اليد الواحدة لا الأثنين.
سموها انجازات وهي مجرد مهام وظيفية مناط بصاحب المنصب عملها وتغاضوا عن الكم الكبير من النكبات والويلات والكوارث وسوء إدارة البلاد لسنواتٍ وسنواتٍ وسنوات.
ها قد أتت على العراق ثالث الأنتخابات.
في البلد الذي مزقته الصراعات الداخلية والخارجية والسياسات.

يدّعي الشعب أن له إرادة بالتغيير ويجب أن تصل طموحاته بمحاسبة الفاسدين وتحرير الوطن من هيمنة أحزاب ما أتت إلا بخراب البلد وضياع ثرواته.
يدّعي الشعب أن له صوت سيُسمع وسيُعبّر عنه بكل قوة وحرية في صناديق الأقتراع.
أخشى أن يكون مجرد إدعاء وسيكرر الشعب غلطته الأولى والثانية فيعززها بثالثة ربما تكون القاضية.

للحرية أعداء ينبغي على الواعي مواجهتهم بالمشاركة في الأنتخابات.
للحرية أعداء قتلوا بأسمها الناس وقطعوا بها الأرزاق وبها تحاصصوا وغنموا ثروات البلاد.
للحرية اعداء قد فاز منهم من قبل في الأنتخابات السابقة الكثيرين جداً وفشلوا فشلاً ذريعاً في عملهم في البرلمان والحكومة ومجالس المحافظات لمّا انتخبهم الشعب عن جهلٍ وميلٍ عصبي لتيار اولئك المرشحين الديني أو السياسي.
للحرية أعداء فحاربهم بالمشاركة في الأنتخابات بكل نبل وشرف بعدما حاربوا الشعب العراقي بكل خسة ونذالة.

تبعاً للوعي الشعبي للحرية والديمقراطية تأتي نتائجها، فمتى ما كان الخيار الشعبي واعي ونبيه كانت النتائج رائعة، وبالعكس لو كان الخيار الشعبي متسرع وجاهل ومتغابي وبلا تفكير فتكون النتائج بائسة وهذا ما حصل بشكل كبير جداً في الأنتخابات السابقة.

أوصلت الأنتخابات الكثير من الشخصيات التافهة لمناصب ومسوؤليات في الحكم والتشريع، ولكن من أوصلهم هو من إنتخبهم عن جهل أو عن كراهية بغيره فينتخبه لا لكفاءته ولا لفكره بل كراهة بغيره.
أو ممن إنتخب وفق مشتهاه الطائفي وتياره الديني وميله السياسي واضعاً خلفه مرشحين كفوئين.
من الناس من لم يشارك في الأنتخابات، وهذا حرية شخصية محترمة ولكن على أن يدركوا أنهم ساهموا بسكوتهم وعدم مشاركتهم بوصول من يتكلموا عنهم في بيوتهم وبين زملائهم من أن أكثر الفائزين في الأنتخابات فاسدين وجهلة فهؤلاء الناس لم يوصلوا من يحسبوهم كفوئين وأصحاب فكر بعدم إنتخابهم لهم.
ألا يوجد مرشح تظنون أنه يستحق أن تعطوه صوتكم، ممن تعرفون فكره الراقي وكفائته العالية.
قلت تعرف فكره الراقي وكفائته العالية وليس قصدي المعرفة الشخصية فهذا شيء إجتماعي خاص وأما مصير البلاد والناس فهو الأساس بلا شك.

إنتخب من تظن أنه  الأصلح رغم قلتهم وبكل حرية واستقلالية ولكن فكّر قبل أن تنتخب فصوتك مسؤولية.
إنتخب لكي لا يعود الفاسد ولا الكاذب من جديد ممن إنتخبه الناس بنسبة مصوتين كبيرة (فقط) لأنه ينتمي لتيار ديني وسياسي يحلو للبعض إسمه فأنتخبوا مرشحاً (فقط) لأنه من هذا التيار الديني والسياسي (فقط) وهم ممن أهانوا الشعب وحطوا من كرامته لما فازوا وتقاعسوا وتخاذلوا في أداء واجباتهم، فبرهن أن لديك صوت حر تدلي به بكل حرية وعزم وإرادة وقم بتغييرهم جميعاً فكلهم أما فاسدين أو ساكتين عن الفساد.
إنتخب لتحقق أماني الشهداء والأبرياء الذين قضوا على مذبح الحرية وبتفجيرات الأرهابيين وصراعات السياسيين والتوافقات السياسية البائسة والصفقات الفاسدة في تمرير القوانين، فلتلك الدماء صوت يجب أن يُسمع ويتحقق بحياة أفضل وأكثر عدلاً وإنصافاً للشعب عن طريق التغيير وإنتخاب المرشحين المناسبين فقد حانت ساعة التغيير.

مرت علينا سنوات عجاف كافية  لئلا تغيب عن الذكرى طرفة عينٍ  أبداً، وحتى تخرج  الروح من الجسد، وحتى يشيب الصغير وهو يتحدث عن ذكراها، ويهرم الكبير وهو يأن من ألمها ويلعن من ساسها وسوّاها، وحتى يأتي جيل جديد عله ينعم بغيابها وعدم تكرارها.

إنتخب من تعرفه، وتعرف سمعته جيداً، ومع من هو متحالف، أضمن قائمة تم تجربتها سابقاً وهاهو العراق يأن اليوم من سوء الخدمات وضياع الثروات بسبب سوء حكمهم السابق وفساد تحالفاتهم السابقة.

إنتخب لتكون شيئاً وتساهم بالتغيير، وبدلاً من  أن تلعن الظلام إشعل شمعة لتنير دربك ودرب الأخرين.
إنتخب باستقلالية فأكثر السياسيين يعتقدون أن أكثر جماهير الشعب كالبهيمة المربوطة يسوقوها حيثما أرادوا لها أن تُساق، ويتركوها متى ما أرادوا.

من كل ما تقدم لابد انك عرفت من ستنتخب فأتبع عقلك لا جهلك.
إتبع ضميرك لا تبعيتك الدينية أو السياسية.
إتبع مستقبل الأطفال ومستقبل البلاد ولا تتبع من يضحك عليك وعلى مستقبلك وعلى مصيرك بعبارات دينية أو عاطفية أو سياسية وكلها نفاق وخداع، فحقيقتهم أنهم عبيد التبعيات الدينية والسياسية ممن يريد أن يزيد بجهالتك ومن ثم يتجاهلك.

24
لا تفكر... فقط أعد النشر

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

في مقطعٍ لتغطية تلفزيونية للحظة رفع صوت الاذان من مكبرات صوت في مدينة سويسرية قبل عدة سنوات بعد سماح القانون السويسري وقتها بعدم ممانعته لأستخدام مكبرات الصوت الخارجية لأتباع الديانات المختلفة، ثمة رجال شرطة ينتشرون لتنظيم حركة السير وثمة وسائل إعلام تغطي الخبر.
وإلى هنا إنتهى الخبر.
قبل سنة أو اثنتين قام البعض بنشر عنوان (الشرطة البريطانية تغلق مسجد ولا يزال صوت الاذان يُسمع) وتم اعادة نشر نفس الفديو بعناوين مختلفة ومغايرة ومثيرة. وهو بالحقيقة ذات المقطع أعلاه.

تحصل اعتداءات على مسلمين بالخارج كمثل حصول اَي جرائم اخرى عنصرية وغيرها ولكن تسويقها على انها كبيرة وكثيرة وغزيرة فعلى العاقل حينها أن يتفكر بسبب نشر الخوف والتفرقة بين المجتمعات وتأثيراته.
يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
يا لها من حكمة بالغة من حكيم عظيم.
هو خطاب بضرورة أن يتبين (الذين امنوا) من أي خبر (نبأ)؟ سواء كان ديني أو سياسي أو اجتماعي أو مجرد أنباء أخرى. من فاسق (ويصح اعتباره هنا مصدر مريب أو غير موثوق أو فيه مكر). 
وما هو الضرر بعدم (التبين) و(التفكر) قبل الكلام به أو النسخ واللصق وإعادة النشر؟
الضرر يا سادة يا كرام هو (أن تصيبوا قوماً بجهالة) أي تنشرون الجهل وتجعلون من هذا الوباء (الجهل) يسود ونحن في زمنٍ الجهل فيه كبير أصلاً فلا تضيفوا له جهالة اخرى تزيد من حجمه.
لأن النتيجة (ندم). ويزداد الأمر سوءاً عند إدارك أن هنالك الكثير من الناس ممن لا يفكرون ولا يتدبرون ولا حتى يندمون على فعل اقترفوه بجهالة. وأما من يفعل ذلك عن عمدٍ وقصد فهذا معاند جاهل يصعب التعامل معه.
 
مثل ما انتشر من خبر (يوم معاقبة المسلمين في ٣/نيسان/٢٠١٨) في بريطانيا، وتم تهويل الأمر ونشره بصورة كبيرة وتخويف النساء والأطفال من قبل أفراد أسرهم قبل غيرهم الذين نشروا ذلك التهديد وهو مجرد ورقة مطبوعة بشكل بائس وبكتابة ركيكة.
مجرد النظر الى طريقة صياغتها يعرف انها (خدعة) و (prank) ولها غرض وحيد من بثها هو لنشر الخوف ولأحلال انشقاق بين صفوف المجتمع، ولخلق روح انهزامية بائسة.
بعض الناس أعاد نشر مقاطع قديمة حدثت منذ فترة بعيدة فيعاد قصها وتسويقها ونشرها وفق إطار مغاير تماماً دون التأكد لسهولة تغلل اَي شيء لمجتمعاتنا مع الأسف.

كذلك تنتشر بين فترة وأخرى مقاطع بلغات ليست سائدة بمجتمعاتنا كبعض اللغات الأوربية والاسيوية، يوضع شريط ترجمة (subtitle)  تحتها ويتم تسويق اَي شيء في ذهن من ينشرها عن طريقة طباعة اَي كلام يريده على أنه ترجمة لما يتم قوله في المقطع وذلك لصعوبة فهم اللغة والتأكد منها. ولكن من الممكن التأكد من الترجمة (على الأقل) بالبحث حول ما ورد فيها وهل هي فعلاً ترجمة أم خدعة أخرى.

ينبغي الإشارة هنا الى ان انتشار ثقافة (لا تفكر... فقط أعد النشر) قد ظهرت من فترة ليست بالقريبة.
هكذا ثقافة إبتدأت قبل عقودٍ من الزمن عن طريق نشر احاديث وآيات بقصاصات ورقية توزع على البيوت مع وعد بالعقاب الالهي لمن لم يعد كتابتها ونشرها لعشرة اخرين.
من يريد قضاء حاجة وأشياء اخرى تكتب فليعد نشرها وحسب فما الضرر؟
بسطاء الناس يخافون من أشياء (غيبية) ويرتجون الثواب وذلك لأثار دينية (غيبية) تم تلقينها للناس أنها حاصلة بفعل تراكم تراث ديني يحتاج الكثير من النظر والتصحيح، فتخشى الناس المستقبل وتتصور الوعد الوعيد حاصل بهم (فقط) لفعلهم أو لعدم فعلهم أشياء معينة (حسب صياغة الموضوع) وهم بالأصل متلاعب بهم وبعقولهم.   
الان وبتطور وسائل التواصل صار لنشر الإشاعات والاكاذيب (دينياً وسياسياً واجتماعياً وعلمياً) منصة اكثر سهولة وأوسع انتشاراً. وتعدى الأمر الدين لتشمل الحياة الأجتماعية والنظام السياسي وحتى العلوم.

يجب الإقرار والاعتراف بشيء مهم وهو أن مجتمعاتنا هشه ويَسهُل التلاعب بها مع الأسف بأية صياغة عاطفية أو تحوير منمق لصورة أو مقطع فديوي لأضفاء قداسة على دين وطائفة أو سلب تلك القداسة من دين اخر وطائفة أخرى أو للتلاعب سياسياً بالعقول حول بلدان وسياسات وسياسيين وأشياء أخرى.
إن اهم وسيلة للعلاج هو الإقرار بوجود خلل، ومن ثم سيكون العلاج.

ينبغي التحقق والبحث (إلكترونياً على الأقل) من الأخبار والمعلومات التي تصل للمتلقي عن طريق الفيسبوك والواتساب والوسائل الاخرى. مجرد بحث عن طريق (Google) على الأقل فربما سيأتي بمعلومات عن خبر ما ومعلومة ما بطريقة مغايرة.
ويبقى الاساس بالتفكر والتدبر بالامور كلها هو الحل الأفضل.
 
على العاقل عدم نشر أو إعادة نشر أي شيء من هذا القبيل قبل التأكد منه وبهذا يساهم (ولو قليلاً) بالقضاء على نشر الإشاعات وبث الخوف من غير داعي أو المبالغة بروحانيات لا أساس لها أو نشر اخبار ليس لها في الواقع وجود.
وإن وصلت لك هكذا رسائل وعرفت بكذبها فتجاهلها ونبه الآخرين ممن تطمئن نفسك لهم وقدر الإمكان ولكن لا تتفاجأ لو تم الطعن بك أو تزداد المعاندة أو حتى الاستهزاء بك أو الزعل عليك فقبلك أجيال من أنبياء وعلماء ومصلحين قد تم الضحك عليهم ومعاندتهم والاستهزاء بهم ومحاربتهم وهم الان قدوة لنا وعنواناً للفكر والدين.
 
هناك الكثير من الناس من يروق له العيش بجهالة، لأنها حياة سهلة لا تكلفه جهد التفكير والإطلاع والتعلم.
لا تتفاجى أبداً لو عرفت أن من هؤلاء الناس (الجهلة) علماء دين وخطباء وسياسيين وحملة شهادات واصحاب وظائف صغيرة وكبيرة.

25
النجاح بالادارة وليس بالفوز بالأنتخابات

حيدر محمد الوائلي
alawelyhayder@gmail.com

بدأت الدعايات والمنشورات الترويجية للأنتخابات في العراق.
انتخابات تلو انتخابات تلو انتخابات في بلد مزقته الحروب والنزاعات.
سياسات داخلية وخارجية لعبت بمقدرات الوطن ومصير الشعب لعباً ضاعت فيه الحقوق وأُهدِرت فيه الثروات.
يزداد السوء سوءاً أكثر بعد كل انتخابات.
 بالرغم من أن للشعب إرادة وحرية يُعبّر عنها بكل قوة وحرية في صناديق الأقتراع. ولكنها أتت بذات الفاشلين والفاسدين والأنتهازيين مرة اولى وثانية وثالثة. تتبدل الأسماء والوجوه ويبقى العراق بلد النفايات وسوء الخدمات وسوء المؤوسسات وسوء ما شئت من أمثال تضربها فتصح في جميع الأحوال.

أكثر المرشحين والمسؤولين همهم الفوز في الأنتخابات ونيل المناصب لا أكثر. يؤمنون عميقاً بداخلهم أن مجرد فوزهم المزعوم يجعل منهم ناجحين مُصلحين وخيّرين!
تفكير ساذج وبائس وتعيس.
ليس الفوز في الأنتخابات يُسمى نجاحاً بالمرة، فالنجاح يكون في الإدارة أيها السادة.
مهما كانت نوع المسؤولية التي تتولاها فالنجاح بها يكمن في إدارتها على أحسن ما يكون وتحقيق أكبر قدر من التنمية من خلالها بما يحدث فارق عما كان قبلها.
لابد من فائزين في الأنتخابات ولكنهم ليسوا ناجحين فطريق النجاح يسبقه إمتحانات في تحقيق مشاريع وتشريعات نوعية وكبيرة تحدث فرقاً نوعياً للأفضل عما كان من قبل.
كثيراً ما فاز مرشحين لا فكر لهم ولا كفاءة سوى دعم شخصيات دينية وسياسية بارزة لهم فأنتخبهم الكثيرين من الناس وفق ذلك وحسب.
قطيع بشري رهن إشارة قادة رعاة ممن أيضاً يتصورون أنفسهم ناجحين ومصلحين وخيّرين لمجرد دعم شعبي لهم وهم بالحقيقة أسفل سافلين.
أكثر هؤلاء الفائزين في الأنتخابات السابقة فشلوا فشلاً ذريعاً لما تسنموا مسؤوليات ومهام ليسوا أهلاً ولا هم كفؤاً لها فلطخوا وجوههم بسخامٍ أسود ليجعلوا من أنفسهم حدادين مهرة فصاروا مهرة (فقط) بتسخيم وجوههم بالسواد ولم يصبحوا حدادين أبداً.
لم تشفع لهم وسائلهم الأعلامية ومنشوراتهم الدعائية وتبعياتهم الدينية والسياسية بتنظيف تلك الوجوه الملطخة بالسواد إلا بزيادة سوادهم سواداً ونفاقهم نفاقاً.
بالطبع فقط العاقل النبيه من يراهم كذلك فجمهور الجهلة يعاندون وينافقون للحفاظ على ميلهم الديني والسياسي لتيار اولئلك السياسيين والمسؤولين وسياساتهم فيصرون أن سوادهم بياضاً وأعوجهم مستقيماً.
(صخّم وجهك وصير حداد) مثل عراقي دارج يُقال لمن يعمل عملاً هو ليس أهلاً له وليست له الكفاءة ولا الفكر لأنجازه.
 
أتتصورون أن الوزراء الحاليين صاروا وزراءاً لكفائتهم؟!
أو أن سفيراً أو قنصلاً تم تعيينه في الخارج لأنه كفوء؟! 
إن كادر ادارة مكاتب الوزراء والمسؤولين وكبار مسؤولي دوائر الدولة وكبار موظفي تلك المكاتب والوزارات والسفارات والقنصليات، كلهم تم زجهم ولصقهم بمناصبهم تلك لتبعية حزبية وتزكية ألصقته بمنصبه رغم الأنوف، وأما من كان مستقلاً ويحمل فكراً وأداءاً ادارياً سابقاً مميزاً فلا يشفع له ذلك بشيء ولن يتم تعيينه وليضرب رأسه (بالحايط) ما لم يتم الدفع به حزبياً وطائفياً.

فازوا بالانتخابات من قبل مرات كثيرة ولكنهم فشلوا في مسؤولياتهم فكان (الصفر) يرافقهم ما تقادمت الأيام عليهم وهم يعاندون ويغضون النظر عن (صفر) فشلهم بل ويستمرون (بصفرهم) الذي يرافقهم دون إكتراث بل دون (الصفر) قد نزل أكثرهم سالباً يُقرأ لما زادوا السوء سوءاً أكثر والنفاق السياسي والديني نفاقاً أكثر وأكثر.
في الوقت الذي أقصت الأنتخابات وخسر فيها صاحب العقل الناضج والفكر النير.

النجاح في الإدارة وإحداث تنمية والتخطيط لإنجاز مشاريع كبيرة وإعداد برامج منهجية علمية منظمة للنهوض بالدولة والمحافظة والمدينة بما يجلب أكبر قدر من التمتع بثرواتها وتحقيق أعلى سقف من التنمية والعدل في توزيع الثروات وإحداث تشريعات مستقلة وشجاعة تخدم المحافظة، والأستعانة بالخبرات الخارجية وجلب الشركات الرصينة، فيكفي جلوس أعضاء مجالس المحافظات ومجلس الوزراء والبرلمان وهم يصوتون على مشاريع وقوانين وبرامج أما تافهة أو بائسة أو غير مهمة أو مشاريع لم يعدوا لها ويفكروا بها أصلاً وكفى تبعية جهلاء لسياسات سابقة ولكبار شخصيات كل كبرها بالزور والبهتان. 

بعضهم يتفاخر بإنجازاته العظيمة عندما يراجعه مواطن فيقضي له حاجته فيفاخر بذلك (وهو/وهي) مجرد أدى واجبه ووظيفته لا أكثر. في الوقت الذي هو نفسه يساهم كل يوم من حيث يدري أو لا يدري بتردي أحوال مئات الالاف من المواطنين بجلوسه في مقعده دون إحداث أي تنمية وتطوير يُذكر للمحافظة التي هو مسؤول فيها أو ممثل عنها.
وغيرهم من الذين كل همهم تغطية نشاطاتهم إعلامياً لأضفاء هالة من وهم الأنجازات والنجاح، والحقيقة أن نشاطاتهم المزعومة تلك مجرد واجبات عادية مكلف بأدائها.

يجب عدم تكرار خطأ أنتخاب اولئك المرشحين الفاشلين الذين لم يحدثوا أي تغيير يذكر في السنوات الماضية، فكان همهم الكبير أن يكسبوا رضا قادتهم الدينيين والحزبيين وكسب ود حاشيتهم وجماعتهم على حساب الفشل الكبير في الإدارة لمحافظة يسكنها مئات الالاف من الناس.

يكون النجاح في إعداد برامج ومشاريع وقوانين وخطط تحدث نقلة نوعية بالأستفادة من فضاعة أخطاء الماضي لتجنبها في تغيير بؤس الحاضر والسعي للتألق والنجاح في المستقبل.
هنالك الكثير من الكفاءات الفكرية ممن يمكن إستشارتهم والأستعانة بخبراتهم فليس العيب بالأستشارة والتعلم عند عدم المقدرة، بل العيب أن تجلس كالجماد تسيء حكم مئات الالاف من الذين بإمكانك من خلال منصبك أن ترتقي بهم للأحسن.

يجب أن يكون لدى كل مرشح للأنتخابات برامج وأفكار واضحة والسعي لتنفيذها في حالة فوزه في الأنتخابات حتى يسمى مرشحاً فائزاً ومن ثم ناجحاً. 
على ضوء أفكارالمرشح يكون إنتخابه، بأن تعرف من تنتخب أما بمعرفة شخصية أو بتجربة سابقة أو فكر يشفع له أن نعطيه صوتنا الأنتخابي أو من ينتمي لهم.
إن تجارب السنين الماضية بينت من هو ذو فكر سليم صالح ومن هو ذو فكر عقيم طالح، ولمن يتبع الأثنان. والغالبية العظمى منهم فاشلة بأمتياز فهل من متعظ من الناس أم سيتم تكرار تلك الوجوه وحتى الجديدة التابعة منها ولكنها تابعة لذات الجهات القديمة ممن غيرت إسمها فقط وبقى الفشل على حاله بل زاد.

26
مين فينا الحرامي

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

لدى تتبع عشوائي لبرامجٍ سياسية من على جميع قنواتنا الفضائية المتحزبة والمنحازة لتوجه بعينه يبرز شيء جدير بالأشارة. أن جميع الطبقة السياسية العاملة في العراق غير فاسدة.
الكل يدفع عنه تهمة الفساد.
برلمانيين وزراء ومحافظين ومدراء دوائر والبطانة العليا المتنفذة في تلك الدوائر والمؤسسات. كلهم ينددون بالفساد المستشري وكلهم حُزناء حد الثكل لما ال إليه الوضع في العراق من خراب سياسي ودمار اجتماعي وكارثة خدمية وبلاء اقتصادي.
كلهم يستنكرون.
كلهم يدعو للأصلاح.
كلهم وهم الذين حكموا العراق أو ساهموا بحكمه منذ سقوط نظام حكم صدام ولليوم ولازالوا يدعون للأصلاح وينددون بالفساد.

بربكم...!!
أرأيتم سفالة ونذالة أشد من هذه؟!
أرأيتم قلة أدب وإستهتار بحق شعب منكوب كهذا؟!
أرأيتم موت ضمير كمثل هذا الموت المطبق على ضمائر إدعت إنها تحمل في قلبها إسلام ووطنية وأخلاق.

تعاضد القنوات الفضائية في تغطيتها الظلامية شبكات انترنت وصلاتها في وسائل التواصل الأجتماعي ببث مقاطع ووصلات خبرية تبرر أو تغطي أو تدافع أو تلمع عما حصل من فساد ودمار في العراق على مدى السنين الماضية.
ومن الناس من هو مغفل ويساهم بنشرها مستغلين بساطة الناس.

أحد أبرز الوجوه السياسية التي التصقت بمؤسسة الحكم منذ سقوط نظام حكم صدام يتغنى بالحرية ويطالب الناس أن تحمد الله على هذه النعمة كيلا تزول.
يوهم الناس أن وجودهم هو سبب الحرية وأن لا حرية إلا بوجودهم.

منهم من يلمع لجرائم القتل من على قناة اجنبية ويقول أنه ليس له دخل وهو مجرد مستشار امن وطني مستمر بالخدمة منذ سنوات طويلة وقد حصل في هذه السنوات الطويلة انتهاكات وجرائم من قبل قوى وميليشيات واجهزة دولة بحق الشعب الأعزل.

خلاصة القول للسياسيين.
لا تتوقعوا من سياسي سابق أو حالي أو رجل دين أو مسؤول في الدولة أن يعترف بخطأه أو مساهمته في الخطأ. وحتى المُعترف منهم فغرضه إبداء تواضع وندم وهمي لغرض كسب شعبي ليستمر في منصبه أو كسب مناصب مشابهة.
يغيرون مسمياتهم الحزبية ويبقون على قذارتهم.  ومهما غلفوا القذارة بغلافٍ جميل ونظيف فستبقى القذارة قذارة بل تتعفن أكثر.

من هو نادم حقاً وتائب حقاً وضميره متألم عما جرى للعراق والعراقيين حقاً فليعتزل العمل السياسي ويترك منصبه الحزبي أو منبره الديني ويعترف بصراحة ليُنقي ضميره ويستسمح الناس عسى الله أن يسامحه.

خلاصة القول للشعب.
انتخبتوهم سابقاً وهرجتوا لهم سابقاً وبررتوا لهم سابقاً وضحكوا عليكم جميعاً مرات ومرات سابقاً ومنكم من لم ينتخب ولكنه كان طرفاً في تركهم يستحوذون على المناصب.
لكم جميعاً أقول: ألم تتعلموا الدرس فقد مرت عليكم سنوات طويلة، خسرتم فيها املاك وأرواح من جراء الأرهاب الممول أكثره عراقياً سياسياً ودينياً، خسرتم الوطن وهيبته التي أصبحت كالشحاذ على أعتاب الدول الأخرى، خسرتم خيرات الوطن التي أثقلت جيوب أرباب السياسة والدين فجعلت منهم ومن ذويهم ومن يلوذ بهم ويستغلهم مترفين منعمين على حساب شعب أصبح عالة على نفسه.
خسرتم حقوقكم في الصحة الممتازة والتعليم المتقدم والخدمات الأجتماعية الكريمة والخدمات العامة الرائعة فحصلتم من جميعها على صفات مغايرة تتمثل بالسوء والدمار رغم غنى الأرض بثروات وثروات.   

عنوان المقالة (مين فينا الحرامي) هي عنوان فيلم مصري بطولة عادل امام حيث أن له اخ توأم نزيه وهو حرامي، فيخبأ ما سرقه ويحتال على أخيه البريء البسيط بأن يسغفله للأستيلاء على ما خبأه من سرقات.
يبدو أن في قصة الفلم تشابه مع واقعنا البائس.

27
المتدينون وقنينة الغاز

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

يُحكى أن امرأة عجوز كانت تسكن في قرية صغيرة في حقبة تسعينيات القرن المنصرم. أيام الحصار الذي نخر عظم المجتمع العراقي نخراً نشر السوء والشر وساهم بتغيرات كارثية بطريقة تعامل الناس ونظرتهم للحياة والدين والمجتمع.
كانت المسكينة قد سُرِقت منها قنينة (دبة) الغاز الوحيدة عندها.
حدثت السرقة في ليلة الجمعة (مساء الخميس) ففكرت أن تقف وسط الطريق في الصباح التالي وتسأل المارة من سكنة القرية فلعل ابن حلال في الزمن الحرام يأتيها بخبرٍ عنها لتتمكن من طبخ غدائها بعد أن إكتفت بخبزٍ وبعض خضارٍ طعاماً للفطور.
في الصباح تفاجئت المرأة العجوز بخروج أكثر سكان القرية شيباً وشباباً نساءاً ورجالاً وهم متجهين تلقاء الجامع الكبير في القرية، فسألت شلة شباب وسألتهم متفاجئة حيث نست أن اليوم جمعة وفيها صلاة الجمعة:
(وين رايحين حبوبة)؟
أجابوا: لصلاة الجمعة.
فتسألت مرة أخرى: (كل هاي الناس رايحين لصلاة الجمعة).
فرد الشباب بفخرٍ بان على وجوههم: الحمد الله على نعمة الهداية.
فخاطبتهم متعجبة: (حبوبة!! إذا كلكم رايحين للصلاة جا يا هو باك قنينة الغاز مالتي البارحة)؟!
وصفقت يداً على يد ومضت راجعة لبيتها.
 
واليوم نسأل لماذا تتصدر مدن العراق سنة وشيعة قوائم الفساد والرشوة؟!
ولماذا يتصدر العراق قوائم الفساد وهو حاضرة المسلمين سنة وشيعة؟!
ولماذا رغم كل هذه الصدارة والتميز بالفساد والرشوة فهنالك في كل حي سكني هنالك جامع وحتى صار الجامع جوار الجامع؟!
وعند الزيارات والاحتفالات الدينية تخرج الناس جماهيراً غفيرة مهنئين فرحاً ومواسين حزناً حسب جو المناسبة.

أقام رسول الله دعوة الله جميعها بمسجدٍ واحد وهدم الاخر (مسجد ضرار) لقيام منافقين فيه بتفريق المسلمين ونشر الفساد ولو فكراً.
 
حقيقة وجوهر الدين في كل الأديان السماوية هو: (حسن معاملة الناس) و(خير الناس من نفع الناس) و(المسلم من سلم الناس من يده ولسانه) و(ولقد كرمنا بني ادم) و(حرمة عبد مؤمن أشد من حرمة الكعبة) و(الكافر العادل خير من المسلم الجائر) وغيرها كثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وما شابهها في اديان اخرى والمشددة على ضرورة واهمية الاهتمام بالمجتمع قبل طقوس الدين.

ليس الدين حركات عبادية وتعابير لفظية يرددها البعض كالببغاوات. إنما الدين صفاء الروح في العبادات بينك وبين الله وحسن المعاملة والتعامل مع الناس في المعاملات وأن تتحدث خيراً أو تصمت، وأن تجعل حياتك ذات قيمة وهدف.
ليس الدين سلعة تباع وتشترى في سوق المتعة والحقد والعصبية. يُساق الدين وفق غل النفوس ومشتهياتها.
( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) 204/البقرة.

فالدين أسمى وأطهر وأنقى من أن يكون سلعة أو خزعبلات أو مظاهر أو قشور بل هو تنقية للروح من أدران الدنيا وسوءها.
الدين وسيلة لتنقية الروح من أوساخ الدنيا وحيل النفاق ليتسنى العيش بسلام.

28
المنبر السياسي / جرأة في علي
« في: 18:35 13/01/2018  »
جرأة في علي 

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

مجرد ذكري لإسمك في حديثٍ عابرٍ هو جرأة.
يعلم ذاكرك أنه باخسٍ حقك.
جرأة بساطة الحديث في عظيم المواقف.
يُخيل لي بكاء رضيعٍ وأنين إمرأة من وسط بيت الله الحرام.
خرجت فأعلنت ولادة النور في الشهر الحرام.
عش مجد السنين القادمة.
فثمة خاتمة.
بمحرابٍ وشهر صيامٍ لم يكتمل.

تتساقط الكلمات قطراتٍ في لج بحرك الكبير.
عش بصبرك العظيم أبا الصبر.
يا صاحب النفس العظيمة إصبر.
إصبر وصابر ورابط.
فما صبرك إلا قوة.
وعزيمة.
فجاوزت الصبر صبراً على ماهو أمرّ من الصبر. 

الكلمات جمراتٍ تحرق القلب.
تُهيّج الالام.
هذا القلب مليءٌ بالجراح.
كلمات القلب المجروح صادقة نبيلة.
أصدق الكلمات وأنقاها.
ومن غير القلوب المحترقة بدواهي ومحن السنين تتكلم بالحق.

كانت حقاً من رجلٍ يدور الحق معه حيثما دار.
 يتحدث من اخاه يوم المواخاة موصياً من ستقتله الفئة الباغية لاحقاً:
(يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فأسلك مع علي ودع الناس فإنه لن يدلك على ردى ولن يخرجك من هدى).

مضى بواديه عادلاً منصفاً حقاً مستوحشاً طريق لقلة سالكيه.
كرهه الكثيرين ناكثين وقاسطين ومارقين.
حاربوه لأنه حق.
ولليوم يحاربون الحق.
كانوا ولا زالوا أكثرهم للحق كارهون.
منهم كثيرين ممن يتظاهر بحبك وولائك وهم ناكثين جدد وقاسطين جدد ومارقين جدد. 

يضرب بالسيف لنصرة الحق، ويصبح كالحمل الوديع لنصرة الحق أيضاً.
كلا الحالين بعدٌ رسالي.
الحق واحد، في السِلم والحرب.

ذات مرة كان يمشي في شوارع الكوفة ليلاً مع خادمه قنبر يتفقد الناس بنوبة له إعتيادية.
يسمع صوت اطفال يبكون بصورة غير إعتيادية.
اقترب من الدار طارقاً ففتحت أمرأة الباب.
كان السؤال.
مم بكاء الأطفال.
جاء الرد جوعٌ وضيق حال.
هذا أمر عجيب.
ما حلّ بأبي العيال.
إن أبوهم قضى نحبه مع عليٍ في القتال.
من داخل الدار.
صوت أجيج نار.
وماءٍ يغلي.
ماذا في القدر؟
اجابت: هو محض ماءٍ. علهم يتسلوا بصوت الغليان ويملوا فيناموا.
نزل الجواب كالصاعقة على أم رأس علي.
أسرع لداره وحمل جراباً فيه طحين وأخذ معه بعض تمر.
طلب قنبر حمل المواد عنه.
رد عليه: أنا اولى بحمله منك يا قنبر.
حمل الجراب على ظهره متوجهاً لتلك الدار.
طرق الباب ففتحت له الارملة: أمة الله إما أن تطبخي الطعام وأنا أُسلي الاطفال أو أن اطبخ أنا الطعام.
فقالت إن كان لابد فأوقد التنور.
أوقد علي التنور وقرب خده إلى النار محدثاً نفسه: ياعلي ذق!
كيف يبيت الايتام جياعاً؟!
ذق يا علي!

جاءت المرأة كي تخبز الخبز فتوجه علي إلى الاطفال يلاعبهم ويحملهم على ظهره وهم يضحكون فرحين.
يقول قنبر وهو يتابع فعل علي، تعجبت فسألت نفسي أهذا قالع باب خيبر وقاتل مرحب؟!
أكملت المرأة الخبز فصار علي من يطعم الأيتام.
يحدث نفسه مرة أخرى: كلوا وسألوا الله أن يغفر لعلي.
بصوتٍ حزينٍ حدّث نفسه ليسمع غيره من سيملك بإسم الله مستقبلاً في غضون بضع سنواتٍ وعشراتٍ ومئاتٍ وحتى الحين.

من داخل بيت الله، كرم الله وجهه وعليه السلام وعلى ملة رسول الله لم يسجد لصنمٍ قط حتى جاء نصر الله والفتح، ودخل في الأسلام من دخل من مسلمين مؤمنين ومسلمين منافقين ومسلمين مستسلمين.
ذات الأصناف متواجدة اليوم.

تلك الحروب التي جاوزت الثمانين حرباً كان علي فيها رافع لوائها وشجاعها وليثها المغوار.
كان فيها كالقطب من الرحى فيما عدا تبوك حيث جعله النبي محمد حارساً على المدينة قائلاً له: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي.

لم تؤذي علياً تلك الجراحات يوماً وهو لم يكترث لها أصلاً.
لكن آذاه جراحات الخنوع والخيانة ممن حصدوا ما زرع النبي محمد بدمه وعرقه وجراحه وسنين المحنة وأيام الحصار. ومنذ السنة الأولى للهجرة وحتى سنة 1439هـ 2018 م والقادم أخطر.

ولأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ويشاهدون ويعلمون ويتألمون، فهو يتألم وصابر على شيء أمرّ من الصبر.

من ألم ومرارة كثرة الأعداء أيام لم يكن للنبي ناصراً ولا معيناً غيره وثلة من الأصدقاء الكرام، كان وقتها علي مستأنساً وفخوراً رغم قلة وخذلان الناصر.
أراك بالأمس البعيد واليوم الحالي حزيناً صابراً لكثرة الأصحاب وقلة الأصدقاء.

أرى ذو الفقار الذي بضربةٍ واحدةٍ قدت عمر بن ود نصفين معادلة عبادة الثقلين حينما بلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا، وتقاعس الأحزاب من الناس وخافوا وزلزلوا زلزالاً شديدا. كان هذا وصفهم في سورة الأحزاب. كتقاعس وخيبة سياسيي وأحزاب أكثر بلاد العرب المسلمين اليوم التي عاثت في الأرض فساداً.
عمر بن ود يتغطرس ويستهزأ بالله وبمحمد. ولا من ناصر.
ساد الهدوء إلا من ضجيج إبن ودٍ فأخرسه علي بضربة صاح لها المسلمين من بعد سكوت طويل: الله أكبر!
تلك الضربة التي لولاها ما صاح (الله أكبر) أحد بعدها أبداً ولليوم حين دعا النبي الله يومها: يا رب إن شئت أن تعبد أو لا تعبد.

أرى ذو الفقار في غمده بعد أن رأى الكثيرين من المغفلين والفاسدين والمنافقين والجهلة والهمج الرعاع الناعقين مع كل ناعق تحكم وتخطب وتتسيّد ولليوم على تلك المنابر والمحاريب والصروح التي شيدها محمد بآلامه وجراحه ودمه وعرقه وصبره حيث ما أوذي نبي مثل ما أوذي محمد.

ليصلح حال الناس أجمعين ويكرمهم ويخلصهم من ظلام وقسوة الظلم ليعدل فيهم ويحكم بالأنصاف وليركبوا سفينة النجاة التي ربانها محمد وشعارها لقد كرمنا بني ادم و يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا فخانوا الأمانة.
لم يخن الأمين ولكن أكثر الناس ائتمنت الخائن وحتى اليوم.

29
المسيحيون والمسلمون والكريسماس

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

فتح رسول الله (ص) المسجد النبوي ليصلي فيه المسيحيين صلاة عيد الفصح (Easter).

لم يشهد التاريخ أن قام قسيس مسيحي بإصدار فتوى تكفير لمسلم أو أحلوا دمه في التاريخ المعاصر على أقل تقدير. لم يقوموا بتصدير البيانات الحاقدة وتوزيع منشورات الفتنة والقتل وتصدير فتاوى حقد وكراهية وتكفير. ومما يثار هنا ذكر الحروب الصليبية والتي انتهت منذ زمانٍ طويل ومستنكرة جداً اليوم والتي شهدت دموية بشعة والتي كانت اكثرها بتحريض سياسي فاسد بحت كما يحصل اليوم بالكثير من الحركات الاسلامية المتطرفة.

في المشهد الرائع من فلم (الرسالة) الخالد والذي يصور لجوء المسلمين بقيادة جعفر بن ابي طالب (الطيار) الى النجاشي (المسيحي) في الحبشة (أثيوبيا حالياً) وقرأ له قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا). في هذه الايات القرانية وصف رائع ليوم الكريسماس.
الكريسماس (Christmas) يعني عيد ميلاد السيد المسيح الذي يصادف يوم 25/12 من كل سنة.

كان عمرو بن العاص يخادع ويغرر بالنجاشي ليفتك ويطرد المسلمين اللاجئين للحبشة، فلما سمع النجاشي تلاوة جعفر لتلك الآيات العظيمة من سورة مريم خاطب النجاشي المسلمين قائلاً:
(ليس بين ديننا ودينكم اكثر من هذا الخط) –وخط خطاً في الأرض- ثم التفت لعمرو بن العاص قائلاً (ياعمر والله ما أُسلِّم لكم هؤلاء بجبلٍ من ذهب) ثم التفت لجعفر قائلاً: (انطلق يا جعفر ومن معك وعيشوا بأرضي بسلام حتى يأذن لكم الرب بالعودة).
تصوروا أن يُقتل المخرج العبقري (مصطفى العقاد) مخرج فلم (الرسالة) بتفجيرات إرهابية بغطاء اسلامي في احد فنادق الأردن سنة 2005.

أما مقوقس مصر (القبطي) (المسيحي) فأستقبل رسول النبي محمد (ص) وبعث بهدية اليه ومنها الجارية (مارية) القبطية (المسيحية) والتي أصبحت زوجة للنبي محمد (ص) فيما بعد وولدت له ولده ابراهيم الذي توفاه الله بعمر 18 شهر، فأصبحت بذلك أماً للمؤمنين كبقية زوجات النبي محمد (ص) حيث كان في وقتها شُهرة إطلاق مسمى (أم المؤمنين) لكل زوجة للنبي (ص).

هنا يأتي أهمية ذكر ماذكره رسول الله (ص) من عهده لنصارى الأرض بما ذكره لوفد مسيحيي نجران القادمين من اليمن والذين صادف وصولهم للمدينة ايام عيد الفصح (Easter)عندهم فأمر الرسول الكريم محمد (ص) بفتح ابواب المسجد النبوي لهم للصلاة فيه بصلاتهم المعتادة بهذه المناسبة المقدسة عندهم.
من ثم كتب لهم رسول الله عهد دستوري. وسأقتبس نصه كما ذكره المفكر الأسلامي الكبير الدكتور (محمد عمارة) بكتابه (فقه الحضارة الأسلامية):
(ولنجران وحاشيتها وسائر من ينتحل دين النصرانية في أقطار الأرض جوار الله وذمة محمد رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبِيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير. أن أحمي جانبهم، وأن أذب عنهم، وعن كنائسهم، وبَيعِهم (أي مكاسبهم) وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواطن السياح وأن أحرس دينهم وملتهم أين ما كانوا بما أحفظ به نفسي وخاصتي وأهل الأسلام من ملتي لأني اعطيتهم عهد الله على أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وعلى المسلمين ما عليهم حتى يكونوا للمسلمين شركاء في ما لهم وفي ما عليهم). –انتهى الأقتباس-.
يُروى أن من كتب هذا العهد هو عبد الله بن ابي بكر بإملاء رسول الله (ص) وقد توفي عبد الله بن ابي بكر في السنة الحادية للهجرة بعد وفاة رسول الله بأربعين يوماً.
 
يُروى أن لما نزل جبريل (ع) على النبي محمد (ص) في الجبل أخبر بذلك زوجتة الكريمة خديجة (ع) بتفصيل ما حدث، فشدت أم المؤمنين خديجة من عزم الرسول ببشارة نبوته ومضت تخبر ابن عمها ورقة بن نوفل النصراني (المسيحي) بذلك. فلما سمع ورقة بن نوفل منها تفصيل ما حدث قال لها‏‏:‏‏
(قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له‏‏:‏‏ فليثبت)‏‏.‏‏

ولعله من المناسب هنا ذكر اليهود. حيث يجب علينا التفريق في الكلام ما بين اليهود والصهاينة، فاليهود ديانة سماوية وعندهم التوراة. أما الصهاينة فهي حركة سياسية عنصرية تتخذ من اليهودية شعاراً كاذباً لها وأغلب مؤسسيها ومعتنقيها وسياسييها هم علمانيين مؤمنين بتعاليم مؤتمر صهيون وكتاب التلمود وليسوا يهوداً مؤمنين.
وكذلك الأمر ببقية الأديان ومنها الصابئة، يقول تعالى:
(إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

وبعد هذا كله وأخلاق النبي (ص) معهم وأخلاقهم معنا فسؤالي هو:
هل قام أحدكم أو من رجال الدين المسلمين أو من السياسيين اليوم بتهنأتهم والتواصل معهم في مناسباتهم والذهاب لكنائسهم كرد واجب الزيارة التي قاموا به لمساجدنا ودور عبادتنا ولتهنأتهم لنا بأفراحنا ومواساتهم لنا بأحزاننا. أم أن من هنالك من يفتي بحرمة حتى التهنأة لهم بالكريسماس؟!


المسيحيون في العراق:
سكن المسيحيون العراق سنة 59 ميلادية.
أي أنهم سكنوا العراق منذ (2017 – 59 = 1958) سنة.
سكنوا العراق منذ 1958 سنة ولم يتناول ذكرهم التاريخ إلا بكل خير وطيبة. لم يساهموا لا بدمار ولا بخراب ولا بإرهاب.
كان تواجدهم في العراق ليس بحرب صليبية ولكن بحركة تبشيرية هادئة كما يذكر الكاتب المعروف رشيد الخيون بكتابه (الأديان والمذاهب في العراق).
سكنوا وسط المسلمين وتعايشوا معهم وتواصلوا معهم في الأفراح والأحزان وليس في العراق وحسب بل أيضاً في مجتمعات إسلامية كبرى كأيران وفلسطين ولبنان وسوريا ومصر وغيرها من الدول المحيطة بالعراق.
بل كانوا يتواصلون مع المسلمين في المناسبات الدينية الأسلامية في الأفراح والأحزان.

ذاق المسيحيون ألم الجراح في العراق كما ذاقه المسلمين من تفجيرات وارهاب وقتل ودمار. وكما سالت دماء الني محمد (ص) التي أهرقها القوم بفتواهم وتفجيراتهم وسط حشود المسلمين فقد لاقتها دماء النبي عيسى (ع) التي أهرقها ذات القوم بفتواهم وتفجيراتهم وسط حشود المسيحيين.

النسبة السكانية للمسيحيين في العراق (2%) وهنالك (1%) يهود ويزيديين وصابئة وغيرها.

يبقى الدين لله والوطن للجميع، والله يقول:
(ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين).
وقوله تعالى:
(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يُضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون).
من أجمل ما وُضِح به معنى (من يشاء) هو أن الله يهدي من يشاء أي (من يريد ويعمل على الهداية من الناس) وليس معناه (من يشاء الله هدايته). كذلك كان معنى يضل من يشاء (من لا يريد الهداية) أي كل انسان يحدد مصيره على ضوء ما يعمله وختم الله الاية بسمؤولية كل انسان عن كيفية ونتيجة عمله.

رأينا في العراق من أخلاق المسيحيين وطيبتهم الكثير. كل هذا والأخوة وأولاد العم من طوائف المسلمين متنازعين مع بعضهم البعض قساوة وكراهية وحقد وظلم.
وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند

في إعتقادي أن رسول الله محمد (ص) بكى على ضحايا تفجيرات الكنائس وقتل المسيحيين كما بكى عيسى (ع) على ضحايا تفجيرات المساجد والحسينات وقتل المسلمين.
 
رأيت النبي محمداً يبكي على ضحايا كنيسة سيدة النجاة ببغداد كما رأيت النبي عيسى يبكي على ضحايا تفجيرات الكاظمية وكربلاء والأعظمية.

ولكن هنالك الكثير ممن لم يبكوا ولم يحزنوا فقلوبهم كالحجارة بل أن من الحجارة لَما يتفجر منه الأنهار لكن قلوبهم أقسى.

في الوقت الحاضر ولمّا صادفت ذكرى عاشوراء الحزينة ومقتل الامام الحسين (ع) في أيام احتفالات ميلاد السيد المسيح فقد برهن الأخوة المسيحيين في العراق كما هو دأبهم بالتعبير عن سماحتهم ولطفهم فقد أصدر القساوسة توجيهاً بضرورة الأحتفال داخل المنازل في احتفالات رأس السنة الميلادية وذلك مراعاةً لحرمة شهر محرم وإحتراماً ومواساة للمسلمين بالمصاب الحزين لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع).
نفس هذا التصريح المسيحي نضعه قبالة فتاوى بعض علماء الدين المسلمين القاضي بتكفير وتفسيق وتضليل كل من يؤدي طقوس وعادات عاشوراء لدى الشيعة معطين الضوء الأخضر لكل مخبول ومتطرف بأسم الأسلام أن يفتك وينشر الرعب كيفما شاء دماغه العفن. 
(إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم) قالها الله في كتابه المجيد ورأينا المسيحيين يطبقونها بينما أعرض عنها البعض ممن لقبهم في هوية التعريف (مسلم).   

بعض وسائل الأعلام العربية (المسلمة) تناولت التصريح السابق لقساوسة المسيحيين في العراق بعدم الأحتفال في رأس السنة وحللته ونقلته بالشكل التالي:
(المسيحيون في العراق لن يحتفلوا بأعياد رأس السنة وذلك خوفاً من التهديدات الأرهابية)!

شكراً لوسائل الأعلام على دعمها الدائم ونصرتها الدائمة المتواصلة المتصلة لروح المحبة والأخوة لجميع بني الأنسان ونشرها الدائم (جداً جداً جداً جداً جداً) للحقيقة كما هو دأبها دائماً وأبداً ولا يخافون في الله لومة لائم بتاتاً وأبداً !!
وسأكتفي بوضع علامتي تعجب فقط مراعاة لضوابط الكتابة ومراعاة لضوابط وضع العلامات وفي الحقيقة كان بودي وضع الف علامة تعجب وإستنكار.

في النهاية وددت القول ميلاد مجيد للأخوة المسيحيين، وأدعو الله أن يحفظهم ويوفقهم لكل خير ويحميهم من كيد القتلة والمجرمين والإرهابيين.
آمين رب العالمين
كما وددت في النهاية إيراد حديثين للنبي الكريم محمد (ص). الأول: (إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تأبهوا به حتى تنظروا كيف عقله)، والثاني: (إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصوم).
 
إشاراتنا في الحب رمز عيوننا ... وكل لبيب بالأشارة يفهمُ

30
قصة وفاة الحاج جابر

حيدر محمد الوائلي

alwaelyhayder@gmail.com

كان رجلاً بسيطاً ميسور الحال ولكنه ليس بالغني. كان وحيد والديه ولكنه كان كثير الأصدقاء لما عُرِف عنه من طيبة معشر وجمال اخلاق وزكاة نفس وكثرة تواصلٍ مع الناس.
لازَمَه المرض عند دخوله الأربعين ضغط دمٍ وداء سكّر بأتعس درجات هذين المَرَضَين.
مجبوراً، إحتمى حمية حرمته دسم الطعام وحلوه ومالحه. لا يكاد يُدعى لوليمة حتى يكتفي بقليل الطعام الذي يشابه قلته عدمه.

يرى ما تطيب له النفوس ويسيل له اللعاب من طعامٍ وشرابٍ لدى كل خروجٍ له للسوق فيرى ويتحسر ويشتهي دون أن يظفر فأكثره ممنوع وكل ممنوع مرغوب.
ينظر وينظر وينظر ولا يسعه إلا أن يصبر.
كما كان يستحي أن يشرح للصيدلي مشكلته، فكان كلما يدخل صيدلية راغباً شراء ما يُعينه في فراشه لاحقاً حتى يوقفه الخجل من السؤال فيطلب أقراص صداع.
شكى لي أمره ومعاناته في مرضه الأخير الذي أقعده المنزل، والغريب أنه أفصح لي كثيراً رغم أني لست بأقرب أو أقدم الأصدقاء فقد تعرفت عليه منذ عدة سنواتٍ وحسب.
هذا الهم الرابض على صدره أراد أن ينفثه بعيداً. فجأة أحس بالأنكسار كما يبدو.
 
أثرّت حميته على طريقة تفكيره ونظرته للحياة أنها حياة فانية زائلة والاخرة هي الأبقى بعد أن كان كالثور الجامح قبل مرضه مستمتعاً بقوته ونشاطه على أحسن ما يُرام، كما قيل لي.

فقدان الشيء يقود الانسان لتعويضه بشيء آخر ليسد أثر الفقدان وصعوبة الحرمان ولا شيء أسهل من ملأ الفراغ بما لا يحتاج أكثر من الخيال والتشبث بأملٍ مستقبلي يعوض عليه ما فاته.
حتى لو كان بعد الموت، فلربما سيُبعث في حياة أخرى ثوراً هائجاً وأسداً جامحاً وفيلاً شرهاً وحيوانات أخرى كثيرة.

حياة آخرى ليس فيها ضغط دمٍ ولا ضغوطات حياة يومية.
حياة مختلفة ليس فيها داء سكّرٍ ولا مرارة نغص العيش.

هكذا تخيل الحاج جابر حياته الاخرى لعلها تعوض عليه ما فاته. ولقد فاته الكثير حتى دنت وفاته.

لم يسع جسمه المنهك أن يقوى أكثر من ذلك، فعشر سنواتٍ ناضل فيها للحفاظ على حياته من مماته حتى أتت الخمسين سنة محو ذكره وشطب أسمه من قائمة الحضور بجلطة كانت متوقعة.

توجهوا به ملفوفاً بكفنه الأبيض تلقاء المقبرة، ثمة رجل يبدو أنه من أقاربه يصرخ بهستيريا بالجسد المطروح على شفير القبر. يصرخ به أن يذكر ربه ونبيه وأشياء اخرى عددها قد نسيتها.

كنت اخر طابور الواقفين على شفا قبره متابعاً لحظات إنزال جثمانه في حفرته.

كانت زوجة الحاج جابر تنحب مولولة:
نم بسلامٍ يا جابر.
سأحفظ لك ذكرك يا جابر.
سأبقى زوجتك المنكوبة بفقد أبو إبنها الوحيد يا جابر.
ياجابر إرتح من هم الدنيا وغمها يا جابر.
يا جابر إن ما عند الله خير ووفير وكثير، مالَه من نظير يا جابر.

كان بعض الحضور يبكون. بعض رجال وبعض نساء ومن وسط البكاء إجهاشة وعبرات يعلوها صراخ هستيري (الله اكبر ولا اله الا الله) من ابن عم الحاج جابر.

بكيت مع الباكين. لأني أكره النهايات رغم أنها أمر حتمي.

إنفض الحاضرين من عند قبر الحاج جابر بعد أن إنتصب شاهد قبرهِ بلقبٍ حذف لقبه الملتصق بأسمه منذ أن عرفته، فبدل (الحاج) صار (المرحوم) (جابر).

كانت الحسرة تلف العائدين وسط سكوتٍ مطبق.
كابة كبيرة والركاب يتأملون الأطلال، شواهد قبور كثيرة اصطفت فلامست أفق الناظر.

تحركت السيارة خارج المقبرة. ولم تمضي برهة طويلة من الزمن حتى نادى ابن عم المرحوم جابر بالركاب من أهله وبعض صحبه مستشيراً بأن يتوجه الجميع للصلاة وتناول الغداء.
هَمهَم البعض موافقاً ونادى أحدهم أنه رأي جيد وسكتت الزوجة وبعض المتبقين دلالة على الموافقة.

في المطعم صلى الجميع جماعة قصراً بإمامة من قام بالتلقين قبل هنيهة. بعد الانتهاء قرائوا الفاتحة على روحه.

جلس الجميع في المطعم في ثلاث موائدٍ متفرقة حيث لم تسع واحدة الجميع. مائدتان للرجال ومائدة واحدة للنساء.
أخذ الحضور يطلبون ما طاب من مشويٍ ومقليٍ ومغليٍ بعد أن امتلأت الموائد بالمقبلات والسَلَطات والشوربات والمشروبات ريثما يتم تحضير الطلبات.
أتى القوم على اخر الطعام بربع ساعة.
التهموه التهاماً لم يبقوه سوى أثراً بعد ذي ذكر.
من ثم توجهوا لمدينتهم عائدين ومن ثم مودعين بعضهم البعض.

تزوجت زوجة المرحوم جابر بعدها بستة أشهرٍ برجلٍ يصغرها عشر سنوات.

31
قصة وفاة الحاج جابر

حيدر محمد الوائلي

alwaelyhayder@gmail.com

كان رجلاً بسيطاً ميسور الحال ولكنه ليس بالغني. كان وحيد والديه ولكنه كان كثير الأصدقاء لما عُرِف عنه من طيبة معشر وجمال اخلاق وزكاة نفس وكثرة تواصلٍ مع الناس.
لازَمَه المرض عند دخوله الأربعين ضغط دمٍ وداء سكّر بأتعس درجات هذين المَرَضَين.
مجبوراً، إحتمى حمية حرمته دسم الطعام وحلوه ومالحه. لا يكاد يُدعى لوليمة حتى يكتفي بقليل الطعام الذي يشابه قلته عدمه.

يرى ما تطيب له النفوس ويسيل له اللعاب من طعامٍ وشرابٍ لدى كل خروجٍ له للسوق فيرى ويتحسر ويشتهي دون أن يظفر فأكثره ممنوع وكل ممنوع مرغوب.
ينظر وينظر وينظر ولا يسعه إلا أن يصبر.
كما كان يستحي أن يشرح للصيدلي مشكلته، فكان كلما يدخل صيدلية راغباً شراء ما يُعينه في فراشه لاحقاً حتى يوقفه الخجل من السؤال فيطلب أقراص صداع.
شكى لي أمره ومعاناته في مرضه الأخير الذي أقعده المنزل، والغريب أنه أفصح لي كثيراً رغم أني لست بأقرب أو أقدم الأصدقاء فقد تعرفت عليه منذ عدة سنواتٍ وحسب.
هذا الهم الرابض على صدره أراد أن ينفثه بعيداً. فجأة أحس بالأنكسار كما يبدو.
 
أثرّت حميته على طريقة تفكيره ونظرته للحياة أنها حياة فانية زائلة والاخرة هي الأبقى بعد أن كان كالثور الجامح قبل مرضه مستمتعاً بقوته ونشاطه على أحسن ما يُرام، كما قيل لي.

فقدان الشيء يقود الانسان لتعويضه بشيء آخر ليسد أثر الفقدان وصعوبة الحرمان ولا شيء أسهل من ملأ الفراغ بما لا يحتاج أكثر من الخيال والتشبث بأملٍ مستقبلي يعوض عليه ما فاته.
حتى لو كان بعد الموت، فلربما سيُبعث في حياة أخرى ثوراً هائجاً وأسداً جامحاً وفيلاً شرهاً وحيوانات أخرى كثيرة.

حياة آخرى ليس فيها ضغط دمٍ ولا ضغوطات حياة يومية.
حياة مختلفة ليس فيها داء سكّرٍ ولا مرارة نغص العيش.

هكذا تخيل الحاج جابر حياته الاخرى لعلها تعوض عليه ما فاته. ولقد فاته الكثير حتى دنت وفاته.

لم يسع جسمه المنهك أن يقوى أكثر من ذلك، فعشر سنواتٍ ناضل فيها للحفاظ على حياته من مماته حتى أتت الخمسين سنة محو ذكره وشطب أسمه من قائمة الحضور بجلطة كانت متوقعة.

توجهوا به ملفوفاً بكفنه الأبيض تلقاء المقبرة، ثمة رجل يبدو أنه من أقاربه يصرخ بهستيريا بالجسد المطروح على شفير القبر. يصرخ به أن يذكر ربه ونبيه وأشياء اخرى عددها قد نسيتها.

كنت اخر طابور الواقفين على شفا قبره متابعاً لحظات إنزال جثمانه في حفرته.

كانت زوجة الحاج جابر تنحب مولولة:
نم بسلامٍ يا جابر.
سأحفظ لك ذكرك يا جابر.
سأبقى زوجتك المنكوبة بفقد أبو إبنها الوحيد يا جابر.
ياجابر إرتح من هم الدنيا وغمها يا جابر.
يا جابر إن ما عند الله خير ووفير وكثير، مالَه من نظير يا جابر.

كان بعض الحضور يبكون. بعض رجال وبعض نساء ومن وسط البكاء إجهاشة وعبرات يعلوها صراخ هستيري (الله اكبر ولا اله الا الله) من ابن عم الحاج جابر.

بكيت مع الباكين. لأني أكره النهايات رغم أنها أمر حتمي.

إنفض الحاضرين من عند قبر الحاج جابر بعد أن إنتصب شاهد قبرهِ بلقبٍ حذف لقبه الملتصق بأسمه منذ أن عرفته، فبدل (الحاج) صار (المرحوم) (جابر).

كانت الحسرة تلف العائدين وسط سكوتٍ مطبق.
كابة كبيرة والركاب يتأملون الأطلال، شواهد قبور كثيرة اصطفت فلامست أفق الناظر.

تحركت السيارة خارج المقبرة. ولم تمضي برهة طويلة من الزمن حتى نادى ابن عم المرحوم جابر بالركاب من أهله وبعض صحبه مستشيراً بأن يتوجه الجميع للصلاة وتناول الغداء.
هَمهَم البعض موافقاً ونادى أحدهم أنه رأي جيد وسكتت الزوجة وبعض المتبقين دلالة على الموافقة.

في المطعم صلى الجميع جماعة قصراً بإمامة من قام بالتلقين قبل هنيهة. بعد الانتهاء قرائوا الفاتحة على روحه.

جلس الجميع في المطعم في ثلاث موائدٍ متفرقة حيث لم تسع واحدة الجميع. مائدتان للرجال ومائدة واحدة للنساء.
أخذ الحضور يطلبون ما طاب من مشويٍ ومقليٍ ومغليٍ بعد أن امتلأت الموائد بالمقبلات والسَلَطات والشوربات والمشروبات ريثما يتم تحضير الطلبات.
أتى القوم على اخر الطعام بربع ساعة.
التهموه التهاماً لم يبقوه سوى أثراً بعد ذي ذكر.
من ثم توجهوا لمدينتهم عائدين ومن ثم مودعين بعضهم البعض.

تزوجت زوجة المرحوم جابر بعدها بستة أشهرٍ برجلٍ يصغرها عشر سنوات.

32
المنبر السياسي / بينك وبين الله
« في: 14:20 25/11/2017  »
بينك وبين الله

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

الكاتب الانكليزي (كولن ولسن) صاحب كتاب (اللا منتمي) كان غير مؤمناً بالدين.
يحكي هذا الكاتب قصة حدثت معه مفادها أنه قد طَلَبَ منه البعض أن يكتب بحثاُ في نفي وجود الله، فيقول كولن ولسن: قضيت ساعات في كتابة هذا البحث، فلما جنّ عليّ الليل، أردت أن أنام فخفت أن يعاقبني الله!

إن كل إنسان ميّال لتبعية شيء أعلى منه وأقوى، فالإنسان بطبيعته ضعيف ويحتاج المساعدة في الكثير من الأمور.
يحتاج قدوة ومثال في الحياة كي تصبّره وتلهمه البقاء والأستمرار بالعيش.
يحتاج سلطة وقانون تحد من شهواته الجامحة ورغباته الغير محدودة.
لو تُرك الأنسان لنفسه ونزواته لما بقى على الأرض مخلوق حي.
تخيلوا الأبادات والحروب والسرقات والجرائم والأذى في عشر سنواتٍ فقط!
عشرة سنواتٍ مضت فقط!
لتعرفوا حجم الخسائر.

تخيل مثلاً مرضاً ثقيلاً أو ألماً شديداً أو حسرةّ في القلب أو حزناً عميقاً أو مصيبة فلا تصدق أن تلك المؤثرات جميعها تذهب لمجرد زيارة طبيب أو استشارة صديق أو بالترويح عن النفس بوسائل تسلية وإن كانت تلك الأشياء تساعد بعض الشيء.
لكن هنالك جوهر عميق في النفس يغذي الروح أن تحيا وتقوى على الحياة وتعطيها الطاقة أن تستمر. هنا تأتي الروحانية في تأنيس الروح وراحتها.

إن الإنسان مخلوق عجيب غريب الأطوار.
معقد التركيب في عقيدته وفي نفسيته وفي مزاجه وفي عقله وفي ذوقه وفي طريقة تفكيره.
اجتمعت فيه نوازع الخير والشر والصلاح والفساد والأستقامة وجموح الشهوات.
في الإنسان عقل كما فيه شهوة. وبحكم تجربة الحياة وخبرة الأيام والتفكر تتأتى مرحلة إختيار الصحيح والخطأ وإختيار الخير والشر.
بين العقل والشهوة صراع. من يغلب سيرسم ملامح الشخصية. من يتحكم بمن سيحدد مصير وهدف في الحياة. كيفية احداث موازنة بين العقل والشهوة سترسم طريقاً للحياة.

ولكن يا ترى هل من السهل على العقل تحديد جميع موجبات الخير، وجميع عوامل الصلاح والحياة الايجابية الصحيحة؟!
بالتأكيد سيكون العقل قاصراً لوحده على إدراك جميع ما على الخليقة من إيجابيات وسلبيات وخير وشر وحب وحرب وغيرها فصراع الشهوة ليس بالشيء اليسير.
لذلك لطف الله بعباده ورحمهم بأن أرسل إليهم من يقوم بتلك المهمة الكبيرة والخطيرة وهم الأنبياء، وهم أشخاص إجتباهم الله وإختارهم ليؤدوا امانة التبلييغ.
إقتصر دور الرسول على البلاغ فقط وعلى الناس التفكير كثيراً ومن ثم الأختيار (وما على الرسول إلا البلاغ المبين).
التفكير هو الوسيلة لتحديد المصير.
ولكن الأنبياء قدماء ونحن في عصر حديث؟
وفي التاريخ حق وباطل وفيه خير وشر وفيه صدق وزور.
كل ذلك تصدى له الباحثين والعلماء وملئوا المكتبات بحوثاً وكتباً فيها أيضاً حق وباطل وفيها خير وشر وفيها صدق وزور كما كانت بداية تدوين التاريخ من البداية، كذلك كانت البحوث عليه والدراسات حوله في العصر الحديث.
للقارئ الكريم أن يطلع ويقرأ والأهم أن يتفكّر فالتفكير هو الوسيلة لتحديد المصير.

كما هو القران الذي حفظه الله من كل سوء وتزوير وتحريف واتفقت عليه كل المذاهب الإسلامية رغم تضادها في إمور كثيرة أخرى وصلت لدى البعض أن يفتوا بقتلهم وابادتهم.
كل كتب التفاسير التي فسرت القران فسرته بآراء عديدة لتفسير آية معينة أو جملة معينة. وفي احيان كثيرة هنالك تفسير ضد تفسير.

هنا يأتي دور التفكير المنطقي والتدبر العقلاني.
تفكير منطقي بعمق وبعيداً عن مؤثرات موروثات الطوائف وشهوات النفوس وحقد المؤثرات السياسية ومخلفات الفلكور الشعبي.
وتدبر عقلاني بهدوء وبعيداً عن الترهيب والتخويف والعقوبات.
ربما ستأتى أن تفهم الله وحكمته. 
أتعرفون سر أن يحث الله الناس كثيراً على التدبر والتفكر حتى يتبين لنا أنه الحق.
لأن المسألة اولاً وأخيراً هي بينك وبين الله.
دع الأتكالية على الغير وتسليم عقلك طوعاً للأخرين يعبثون فيه كيفما شائوا ومهمتك الرئيسية أن تطيع فقط.
إستأنس بالأراء المختلفة ولكن فكّر قبل أن تختار عقيدة وعبادة. فالأمر أولاً وأخيراً بينك وبين الله.
والله عليمٌ بذات الصدور.

33
قصة السجين ولويس الرابع عشر

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

يُحكى أن كان هناك أحد السجناء في زمن الملك لويس الرابع عشر محكوماً عليه بالإعدام ومسجوناً مؤقتاً في جناح من أجنحة قلعة الملك التي تم إحكام مخارجها فصارت سجناً للقلعة.
لم يبق على موعد إعدام السجين سوى ليله واحدة فقط.
ويروى عن الملك لويس الرابع عشر ابتكاره لحيل وتصرفات غريبة، ففي تلك الليلة فوجئ السجين بباب سجنه يُفتح والملك يدخل عليه مع حرسه ليقول له:
أعطيك فرصة للهروب، فإن نجحت في استغلالها فبإمكانك أن تنجو، حيث أن هناك مخرج موجود في سجنك وهو سيظل بدون حراسة، فإن تمكنت من العثور عليه يمكنك الخروج وأنت حر، وإن لم تتمكن فان الحراس سيأتون غداً مع شروق الشمس لينفذوا بك حكم الإعدام.

غادر الملك وحراسه جناح السجن تاركين السجين بعد أن فكوا سلاسله ليغتنم هذه الفرصة الذهبية مستغلاً غرابة أطوار الملك.
بدأ السجين يفتش في الجناح الذي سُجِن فيه والذي يحتوي على عدة غرف وزوايا ولاح له الأمل عندما اكتشف غطاء فتحة مغطاة بسجادة بالية على الأرض وما أن فتحها حتى وجدها تؤدّي إلى سُلّم ينزل إلى سرداب سفلي ويليه سُلّم أخر يصعد مرة أخرى، وظل يصعد إلى أن بدأ يحس بتسلل نسيم الهواء الخارجي مما بث في نفسه الأمل إلى أن وجد نفسه في النهاية في برج القلعة الشاهق والأرض لا يكاد يراها فعاد أدراجه حزيناً منهكاً ولكنه واثق أن الملك لم يخدعه.

وبينما هو ملقى على الأرض مهموم ومنهك ضرب بقدمه الحائط وإذا به يحس بالحجر الذي يضع عليه قدمه يتزحزح قليلاً، فقفز وبدأ يحرك الحجر فوجد أن بالإمكان تحريكه وما إن أزاحه وإذا به يجد سرداباً ضيّقا، فبدأ يزحف الى ان بدأ يسمع صوت خرير مياه وأحس بالأمل لعلمه إن القلعة تطل على نهر لكنه في النهاية وجد نافذة مغلقة بالحديد، فعاد يجرب بكل حجر وبقعة في السجن ربما كان فيه مفتاح حجر آخر لكن كل محاولاته باءت بالفشل.

الليل يمضي ولا زال السجين يحاول ويفتش، وفي كل مرة يكتشف أملا جديداً فمرة ينتهي به إلى نافذة حديدية، ومرة أخرى إلى سرداب طويل ذو تعرجات ليجد السرداب أعاده لنفس الزنزانة.

هكذا ظل طوال الليل في محاولات وبوادر أمل تلوح له مرة من هنا ومرة من هناك ولكنها في النهاية تبوء بالفشل حتى انقضى الليل ولاحت له شمس النهار من خلال النافذة ووجد وجه الملك يطل عليه من الباب ضاحكاً قائلاً:
أراك لازلت هنا؟!
رد السجين: كنت أظن انك صادق معي أيها الملك.
قال له الملك: لقد كنت صادقاً بالفعل.
أجاب السجين مستنكراً: لم اترك بقعة في الجناح لم أحاول فيها، فأين المخرج الذي قلت لي أنه موجود؟!
قال له الملك: لقد تركت لك باب السجن الرئيسي مغلقاً ولكن دون أن أقفله.
لم يجرب المسكين محاولة فتح باب السجن رغم أنه أمامه!

الدرس من هذه القصة هو أننا نترك الكثير من الحلول والحقائق واضحة أمامنا ونشتغل بالتفكير بحلول واهية وضعيفة وصعبة ومعقدة، ومن ثم نيأس بسرعة ونستسلم.
وهنالك من لا يجرب الحل أصلاً وبالرغم من ذلك يقول أنه صعب أو مستحيل، بالرغم من إن لكل مشكل حل.

قيل في أحد تفاسير سبب عقاب الله لبني إسرائيل في قصة ذبح البقرة المعروفة هو أن الله عاقبهم لأنهم شددوا وعقدوا الأمور على أنفسهم، فالله تعالى فقط أمرهم أن يذبحوا بقرة.
أي بقرة؟
لا تعقيدات!
(وإذ قال موسى لقومه إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) البقرة/67.
فأول مرة قالوا تتخذنا هزواً، أي أتستهزئ بنا رغم أنه نبي، وهم أظهروا الإيمان به؟
ومرة ثانية طلبوا منه أن يبين ما هو نوع البقرة؟!
ومرة ثالثة سألوه ما هو لونها؟!
وبعدها سألوه مرة رابعة أي نوع من الأبقار الصفراء فهي متشابهه!
وفي كل مرة يجيبهم نبي الله موسى (ع) ومن بعدها وجدوها فذبحوها عن كره وغصب وجريمة ليعذبهم الله على أثرها والسبب في ذلك قصة أخرى ابتلاهم الله بها على أثرها.

عقدوا ونافقوا وصعبوا الأمور على أنفسهم فصعبها وعقدها الله عليهم فهو يعلم ما تخفي الصدور.

خذ مثالاً على ذلك ممن يهوّل ويصعّب الأمور السياسية والدينية والاختلاف الطائفي رغم أن هنالك حلول بسيطة منها أن يحترم كل من يخالف من يختلف معه بكل بساطة خصوصاً أن جميع مبادئ الدين والعلمانية تحترم الاختلاف مع بقاء إيمان كل شخص بما يؤمن به.
لكن أكثر من يؤمنون بتوجه ديني أو طائفي معين اليوم هم ورثوا هذا الأيمان وراثة، وُلِدوا فرأوه فتبعوه أو أثرت بهم ولم تأتي عن دراسة وبحث. فتراهم متعصبين ومتشددين ويعقدون الأمور على شيء هم مجرد وُلِدوا فوجدوه أمامهم فلَبسوه دون أن يعرفوه جيداً.

وأما السياسة فالمشكلة فيها أن السياسين يجرون معهم الناس في مشاكلهم وفسادهم ومكرهم فتتحول منهم إلى الناس وعند حلها فيما بينهم بصفقات واتفاقات رخيصة يبقى أثرها بين الناس مؤثراً.
من الناس من يلعن الوضع والطائفية والفساد والظلم وهدر حقوق الشعب وكأن هؤلاء الناس لم يكونوا طرفاً بالموضوع.
بتصرفهم الغير مدروس أو الموجه توجيهاً أعمى دون تفكير أو بطريقة إنتخابهم التي أوصلت هؤلاء الذين يسبونهم ويلعنون اليوم الأسود الذي أوصلهم للحكم.
ولكن لا يلعنون من أوصلهم ومكنّهم من رقاب الناس وثروات الوطن، على الأقل بمن ساهم بانتخابهم فضلاً عن من روّج لهم وبرّر.
أو على الأقل بسكوتهم في مواقف لا يصح السكوت عنها فيما مضى واليوم.

بالتأكيد تم إعدام صاحبنا السجين في القصة السابقة، ففرص كتلك لا تتكرر.
فخذ العبر، وأغتنم الفرص فإنها تمر مرور السحاب.
إنتصر لنفسك وأرفع من معنوياتك فليس العار أن تسقط ولكن العار أن تبقى تتقلب بالتراب والأوساخ ولا تنهض من بعد السقوط.

34
البرلمان وقصة الطاولة الكبيرة 

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

أيام الحكم الملكي في العراق، كان هناك شيخ عشيرة طاعن في السن عضواً في مجلس الأعيان في الفترة التي كان فيها الراحل نوري سعيد رئيساً للوزراء، ومجلس الأعيان من أعلى السلطات وقتها.
كان شيخنا كثيراً ما يغلب عليه النعاس في جلسات المجلس لكبر سنه ويغط أحياناً في غفوة عميقة تستمر حتى يوقظوه أو يستيقظ، وعندما تحين لحظة التصويت فيصوت مع من صوّت على قرارات لم يكن مركزاً عليها، فهو عندما يرى البقية يصوتون فيصوت معهم.
في أحد المرات لم يكن الشيخ نائماً و(يغفي) كعادته في الجلسات فلقد كان مصحصحاً يقظاً ويترقب الوجوه متفرساً، وكان كثيراً ما يلتفت يميناً ويساراً وعلى باب القاعة، ويحملق بالطاولة الكبيرة التي اصطف حولها الأعيان، فألتفت رئيس الوزراء الراحل (نوري السعيد) للشيخ الكبير ولنظراته الغريبة وحملقاته الغير معتادين عليها، فسأله قائلاً:
(شيخنا خو ما كو شي! أشو تتلفت يمنة ويسرة وبالك مشغول!)؟
فأجابه الشيخ: (لا والله بس انة دايخ! هاي الطاولة الجبيرة الكاعدين داير ما دايرهه شطببهه من هذا الباب الزغير!)
لم يدرك المسكين أن النجارين أتوا به قطعاً صغيرة وركبوه داخل القاعة!

نسبة كبيرة من برلمانينا القدامى المتنعمين بتقاعدهم الخيالي داخل وخارج العراق لخدمة فعلية لم تتجاوز حتى السنتين ومن الحاليين المتنعمين براتب خيالي يعقبه تقاعد ولا بالأحلام ومن خلفهم سياسيين ورجال دين هم من النائمين والمنومين وممن يساعدوا على التنويم ممن دمروا العراق بسوء فعالهم وسوء التزامهم بمسؤولياتهم.
أكثر البرلمانيون هم ممن يتم توجيههم ليصوتوا بملأ إرادة الرؤوس الكبار من قيادات حزبية ودينية أو من قبل البرلمانيين القياديين الغائبين عن حضور جلسات البرمان فيصوتون على ما يريدوه سواء شاء البرلماني الحاضر أم أبى!
ومنهم من يصوت ويتخذ موقف لمجرد أن رجل دين شاب أو عجوز جالس في بيته ويصدر أمره لأتباعه أن يصوتوا فيصوتوا، ولو خالف برلماني ولم يصوّت لكُتِب تقرير ضده من (متملق) ليقوم رجل الدين هذا بفصله من الكتلة وطرده لأنه (ما يرتاحله) ولا يتبع مثل الحمار كل ما يقول!
تخيلوا أن الكثير من البرلمانيين الجدد الذين يتحاورون ويتصارعون ويتناقشون حول الحكومة وآليتها وطريقة عملها هم القلة القليلة من البرلمانيين فأكثرهم حالهم كحالنا (ينتظرون نشرة الأخبار لمعرفة ما يُتفق على إعلانه في اجتماعات القصور المغلقة لأصحاب الروؤس الكبيرة من دينيين وعلمانيين).
لا يجرأ أكثرهم على التفوه بما يمليه عليه ضميره، فيسوقونه كيفما إتفق حيثما تريد الرؤوس الكبيرة التي حالت دون تفعيل آلية التصويت الألكتروني بالرغم من تخصيص ميزانية لذلك، والغرض منه منع البرلماني من التصرف بحريته لكي لا يخالف تلك الرؤوس.

تدار الصفقات والمداولات في قصور الزعماء فقد ولّى زمن البيوت، ويالغبائهم وغباء دينهم وعلمانيتهم حيث وقعوا في فخ القصر الذي لم يخلد بخيرٍ بانيه ولم يتنعم فيه ساكنيه فيما مضى واليوم لأنه بني على جرفٍ هار.
ظل دور البرلمان هزيل طوال سنين فهو مغلق وخارج نطاق التغطية ولا يوجد فيه إتصال حتى في وقت لاحق، فهو يغط في سبات كسبات ساكنيه من عشرات الحاضرين وعشرات الغائبين (حيث يتساوى الغائبون مع الحاضرين في الحقوق والأمتيازات وهذا من عجائب البرلمان العراقي)، فالغائبون لا يفصلون ولا يعاقبون كبقية موظفي الدولة، فهم فوق القانون ولا خير في قانون يوجد هنالك ما فوقه.

برلمانيون مسيرون منذ البداية وحتى لو حانت النهاية فليس لهم أمر ولا نهي لا في بداية ولا في نهاية، فهم ليسوا مخيرين مثل الشعب العاقل الذي إنتخبهم بملأ إرادته وبكامل قدرته العقلية التي سيفقدها قريباً بسبب الصراعات السياسية والمؤامرات الداخلية والخارجية وسوء الأحوال الأمنية والخدمية.

يرتجون من غائبين عن جلسات البرلمان ممن يتقاضون الملايين من غير كدٍ وعناء والذين ينبغي مجاملتهم كي لا يزعلوا وكي يسكتوا، وقد سكتوا بالفعل ولكنهم دائماً ما يصرحون أنهم زعلانين (على شني ما ادري)!
فكيف يُرتجى منهم حل أزمة العراق السياسية والأقتصادية والأمنية وهم الذين لم يتورعوا أن يمرغوا كرامتهم حينما ذهب بعضهم متذللاً لقصور دول الجوار طالباً دعمهم لتحصيل مكاسب سياسية حزبية وشخصية على حساب كرامة وهيبة الدولة وسمعتها، يتمرغون بتراب تلك البلدان متذللين!

أما الحكومة التي لا يملك رئيسها كل قرارها ولا يستطيع السيطرة على جميع وزارءها الذين أتت بهم المحاصصة لأنتماء كل منهم لكتلة سياسية يطيعها وهي المسيطرة عليه أكثر من سيطرة رئيس الوزراء، فهي عقبة أخرى كبيرة.

أن لم يحصل تغيير في فكر الناس بإنتخاب مرشحين جدد ومستقلين كي –على الأقل- يعاقبوا جميع الأحزاب على تخريبهم العراق فمن الصعب جداً إحداث إصلاح سياسي أو إقرار قوانين لصالح الشعب أو تنظيم عمل الدولة.
ربما لو انتخبنا في المرة القادمة سكنى مناطقنا لنعرف الأخبار منهم –على الأقل- لا من التلفاز ونحاسبهم على تقاعسهم وممن نعرفهم ونعرف أصلهم وفصلهم.
هذا أن كان في العمر بقية وبقيت في النفس عزيمة.

لماذا (لم) و(لا) و(لن) نرى دوراً فاعلاً لـ(328) عضواً في  البرلمان العراقي فاز في الانتخابات، فكل المتحاورين الذين نراهم ونسمع عنهم في الصحف والتلفزيون والانترنت هم قلائل جداً قياساً بمجموع الأعضاء!
طبعاً والمتحاورون منهم يتحاورون لغواً دون فائدة لكي لا يفسرون الكلام مدحاً لهم فهم يتعاركون على الظهور في وسائل الأعلام وتسقيط بعضهم بعضاً ويغطي عن فساد جماعته.
كان ولا زال أكثرهم مسير وليس مخير أو مسافر للخارج ليستمتع مع الأهل والأحبة بينما يحترق العراق بنار ساكنيه وجواره، أو هم نائمين كحال الشيخ رحمه الله ويصوتون بنعم أو لا وهم لا يدرون على ماذا صوتوا، أو مجبورين على ما صوتوا.   

35
الافكار للكبار فقط

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

لا يرتقي الكبير إلا بالتفكير.
لا العمر ولا المنصب ولا الجاه ولا المال ولا ثرثرة الناس تصنع كبيراً حتى ولو صنعته الظروف لأجل مسمى، فسرعان ما يغيب نجمه في أفق الحياة عند توقف جهازه التنفسي عن الشهيق والزفير.
تعاسة حياةٍ قوامها الشهيق والزفير فلا لون فيها ولا طعم ولا رائحة إلا من طعامٍ وشرابٍ فقط.
الأفكار من تصنع الكبار فهي للكبار فقط.
والأفكار لا تأتي من فراغ بل هي نتاج الأنسان وصناعته وبراعته وعلمه وتدبره وفطنته وحكمته وحسن درايته فتصبح تلك الأفكار المحرك للذات حيث الأصلاح والأبداع يبدأ من الذات.
إنتبه...!
حتى لا تصير الأفكار.
كتبنٍ في فم حمار.
يمضغها يميناً ثم يسار.
تدخل معدته ليلاً لتخرج أكواماً من خلفه في النهار.
راقب أفكارك فليس كل فكرٍ يسمى فكراً.
ليس كل ما تهواه علناً وسراً هو نوراً وخيراً.
لعل الشر يكمن فيه وأنت لا تدري بأي طريق تمشي كضال الطريق الذي لا يزيده سرعة المشي إلا بعداً.
راقب أفكارك حتى لا تصبح مسيراً لا أمر لك فيها ولا نهي.
يُسيرك التلقين الأعمى فتصبح كالدابة المربوطة يقودها من يركبها حيثما يجرها الحبل المربوط حول عنقها.

كن حراً لتصبح متفكراً فالحرية نورٌ والتفكير يحتاج لنور الحرية ليرى واضحاً وسط غياهب ظلمات الحياة.

لا تحرك رأسك موافقاً ولا رافضاً حول أي شيء في كل شيء وأنت تجهله فتساق بلا وعي ودون تفكر.
المرحوم (سعيد صالح) والمرحوم (يونس شلبي) في مسرحية (العيال كبرت) يصغيان لحديث المرحوم (أحمد زكي) بخطبته عن خطته لمنع هروب والده، فرفع سعيد صالح يده قائلاً: (إني أعترض)، فرد أحمد زكي: (تعترض على إييه)، فرد عليه: (إنت بتئول كلام كبير، كلام كبير أوي يصعب على أمثالي فهموا، الأفندي الحمار دا هو -يقصد يونس شلبي- ااعد بيهز دماغوا! إنت بتهز دماغك لييه ياد).
رد يونس شلبي: (يعم صلي كلهم بيهزوا كدة)...!
فلكي لا تصير مثل (كلهم) الذين يهزون (كدة)، فكر وكن مختلفاً صانعاً تغييراً بحياتك ولو بسيط.
قيل: ( راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالاً. راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات. راقب عاداتك لأنها ستصبح طباعاً. راقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك).

في تشرين الأول (أكتوبر) 1995 طُعِن في عنقه الأديب المصري الكبير (نجيب محفوظ) الحائز على جائزة نوبل في الأدب سنة 1988 على يد شابٍ قد قرر اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل (أولاد حارتنا)، حيث لم تنشر الرواية في طبعة مصرية لسنوات عديدة بل نشرت جريدة الأهرام المصرية بعضها كسلسلة سنة 1959، فقد تم الاتفاق على عدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر الذي لم يوافق بدوره عليها، فطُبعت الرواية في لبنان عام 1962 ومنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخا مهربة منها وجدت طريقها إلى الأسواق المصرية.
لم يمت نجيب محفوظ في محاولة الاغتيال تلك، ولكنه رقد فترة طويلة في المستشفى حتى تماثل للشفاء من موت محقق، وفيما بعد أُعدم الشابان المشتركان في محاولة الاغتيال رغم تعليقه بأنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنه لم يُعدم.

أثناء محاكمة من حاول اغتيال (نجيب محفوظ) سأل القاضي الرجل الذي طعنه: لماذا طعنته؟!
فأجاب: لأنه كافر وخارج عن الملة!
فسأله القاضي: كيف عرفت؟!
فرد قائلاً: من رواية (أولاد حارتنا)!
فسأل القاضي بدوره: هل قرأت (أولاد حارتنا)؟!
فأجاب المجرم: لا...!

36
المنبر السياسي / عيب وألاعيب
« في: 10:18 12/10/2017  »
عيب وألاعيب

حيدر محمد الوائلي
 alwaelyhayder@gmail.com

(ليس من العيب أن ينخدع المرء فيما لا يعرف، بل العيب أن يخدعك بالعيب من يعرف)، فضاع العمر بين عيبٍ وألاعيب.
ضاع العمر إذ تمضي أيامه قهراً.
نتجرعها علقماً مراً.
حين غابت الحرية دهراً، فلما جاءت صيروها علينا كفراً.
نعيشها  صبراً كُرهاً.

تتوالى الأيام على عمرٍ لم نفهم من سنواته العجاف شيئاً يُذكر، فعجولٌ سمانٍ دوماً يأكلن السنابل الخضر لتبقي اليابس منها لجماهير العجول النحاف تقتات عليه.

لأمجاد تاريخ مضى لغير رجعه فيتفوه بفضائله من ليس له فضل ولا فضيلة، ممن دمر الحاضر لينصر الماضي والتاريخ، ويصغي سوادٌ عظيم من الكتل البشرية لتلك الأحاديث فتمر ضوضاءها من الأذن اليمنى لليسرى هباءاً.

تمضي الأيام حيث تشاء لا حيث نشاء وتدور فينا ولم نعرف ما هو دورنا في دورانها فكل شيء خبصة.
(وهالعمر هذا طويل، 
وهسه تونه ابدينه نصه.
كلشي هوسة،
كلشي خبصة.
هذا عمر الراح نصه).

قضى جمعٌ نحبه مقتولاً، وقضى أخر عمره متغرباً، واخرين باحثين عن فرصة للغربة ومن ورائهم جموعٌ ممن يقضي يومه غريبٌ في وطنه، فالفقر وسوء الخدمات وعدم الأهتمام بالناس في الوطن غربة.
قضوا جميعاً ممن لم يكن لهم بعيوب الساذجين والمغفلين ولا ألاعيب الماكرين والانتهازيين لا ناقة ولا جمل.

يصبح العيب ألعوبة بيد من لا يخاف الله ولا يستحي من جلالته ولا من الناس فله من الحمقى الكثيرين الذين يدّعون الاستقلالية وهم يتقاتلون دفاعاً عن المسمى المعدود عيباً ليتلاعب بالكلام ليصبح العيب ذا مبرراً وذا مجدٍ عظيم.

كلهم في الهوا سوا...!!
فلماذا يتقاتل البعض في الدفاع عن هذا وذاك ويزعل البعض في الدفاع المستميت عن حزب فلان وتوجه فلان وموقف فلان، حيث ينام رغداً صاحب الألاعيب وينام منزعجاً وضجراً من هو ملعوبٌ به من مغفلين وساذجين.
ينام رغداً في ركب الرابحين سحتاً من عوائد التغيير والحرية التي درت على الجيوب أرباحاً حطمت أرقاماً قياسية من أموال دخلت الجيوب فلم تستر العيوب ولو أنفقوها على تنظيم الألاعيب.
لم تسترهم تلك الأموال فالعيوب كثيرة وهائلة. فـ(الشك جبير والركعة زغيرة).

لم تغطي العار أصوات المغفلين النائمين بحرّ الظهيرة تحت لهيب سقف المنازل المتهرئة والتي أتعبتها السنين فيتنعم على إثرها من فاز بصوت المغفلين ممن نام بالبيوت الفارهة على نسمات (التبريد المركزي)، وينام بالحسرة الشعب كله.

هذا نائب في البرلمان القبرصي يستبدل سيارته الرسمية بحمارٍ كوسيلة للنقل عقب إعلان الدولة رفع أجور البنزين على المواطنين تضامناً من النائب مع مواطنيه وتعبيراً عن مصداقيته في تمثيلهم.
ونحن الأهداف المستمرة لأعمال العنف، والغلاء المتصاعد الذي لا يتناسب مع القدرات الشرائية المحدودة للمواطنين، وقلة الخدمات وأزمة السكن وسوء توزيع الثروات، ولا توجد حرقة قلب، بل زيادة بالأستهتار.
ممن يتكلم بعدالة علي من الشيعة وكذا بمن يتكلم بعدالة عمر من السنة ومن يومها ضاعت العدالة وزاد الغبن وسوء الخدمات والفساد كلما تمنطق سياسيينا بعدالة تاريخ قضى نحبه على أيديهم.
ولا يزال المواطن المغفل يتكلم بروعة من تكلم بعدالة علي وعمر؟!
يُعزز دور تلك المشاكل دور العار من الجوار كلٍ حسب طائفته وهواه ومشتهاه بتدخل طائفي بغيض، وبحجة الدفاع عن الشعب العراقي الذي دمروه ودمروا هيبته ومزقوا مكوناته الأجتماعية. 

عيب الساذج هو أنه سهل الأنقياد وسهل الأنخداع وسهل الإقناع، حيث ألاعيب الماكرين أنهم يعرفون كيف يصيدون فرائس البشر وغنائم غباء المواطنين والذين لاحقاً سيصبحون ناخبين.

الكثير من السياسيين ذهب لدول الجوار لإسقاط خصوم سياسيين له في الداخل فلا يهمه حتى لو أحرق الوطن وأهله، وأهان كرامة الشعب وهيبة الدولة فهمه كل همه نصره الشخصي ولو على حساب الملايين من الضحايا.
لا قيمة للكرامة عند من لا كرامة له.
متى يتعلم الناس من قصص الحياة درساً حيث كل الساعات قصص تتوارد والأيام عبر تمر فمتى يفهم المغفلين والماكرين أن حب الأرض والوطن والشعب شرف.
ولا قيمة للشرف عند من لا شرف له.

إلى كل أحلامنا المتأخرة، والتي أخرها وغيّر بعضها الساذجين والماكرين وأماتوها لاحقاً ممن أحرقوا النبات قبل أن يأتي ثمره والحصاد.
يا أحلامنا المتأخرة: سيأتي يوم أفضل من يومنا هذا وسيصبح لنا ماضي أفضل من ماضينا المعاصر المملوء دماً وجرحاً وفساداً على طول الخريطة.
سيأتي يوم نعيش فيه الراحة والطمأنينة حيث لا يكون مصيرنا بيد الساذجين والمغفلين ولا الماكرين، فالله خير الماكرين.
والله لا ينسى، وهو لا يضيع أجر المحسنين.
ولا ينسى الله صبر الصابرين العاقلين من رحمته ورعايته حيث محال أن يتساوى الذين يصبرون من الذين يعقلون والذين لا يصبرون ولا يعقلون.
وأغبى الأغبياء من يعثر بحجرٍ مرتين، وأغبى منهم من يسقط بنفس الحفرة مرتين، فحتى لا تعثر كثيراً ولا تسقط تكراراً في نفس الحفرة ولكيلا تدفن فيها حياً.

فكر من جديد بشيءٍ جديد.

37
المنبر السياسي / عيب وألاعيب
« في: 10:18 12/10/2017  »
عيب وألاعيب

حيدر محمد الوائلي
 alwaelyhayder@gmail.com

(ليس من العيب أن ينخدع المرء فيما لا يعرف، بل العيب أن يخدعك بالعيب من يعرف)، فضاع العمر بين عيبٍ وألاعيب.
ضاع العمر إذ تمضي أيامه قهراً.
نتجرعها علقماً مراً.
حين غابت الحرية دهراً، فلما جاءت صيروها علينا كفراً.
نعيشها  صبراً كُرهاً.

تتوالى الأيام على عمرٍ لم نفهم من سنواته العجاف شيئاً يُذكر، فعجولٌ سمانٍ دوماً يأكلن السنابل الخضر لتبقي اليابس منها لجماهير العجول النحاف تقتات عليه.

لأمجاد تاريخ مضى لغير رجعه فيتفوه بفضائله من ليس له فضل ولا فضيلة، ممن دمر الحاضر لينصر الماضي والتاريخ، ويصغي سوادٌ عظيم من الكتل البشرية لتلك الأحاديث فتمر ضوضاءها من الأذن اليمنى لليسرى هباءاً.

تمضي الأيام حيث تشاء لا حيث نشاء وتدور فينا ولم نعرف ما هو دورنا في دورانها فكل شيء خبصة.
(وهالعمر هذا طويل، 
وهسه تونه ابدينه نصه.
كلشي هوسة،
كلشي خبصة.
هذا عمر الراح نصه).

قضى جمعٌ نحبه مقتولاً، وقضى أخر عمره متغرباً، واخرين باحثين عن فرصة للغربة ومن ورائهم جموعٌ ممن يقضي يومه غريبٌ في وطنه، فالفقر وسوء الخدمات وعدم الأهتمام بالناس في الوطن غربة.
قضوا جميعاً ممن لم يكن لهم بعيوب الساذجين والمغفلين ولا ألاعيب الماكرين والانتهازيين لا ناقة ولا جمل.

يصبح العيب ألعوبة بيد من لا يخاف الله ولا يستحي من جلالته ولا من الناس فله من الحمقى الكثيرين الذين يدّعون الاستقلالية وهم يتقاتلون دفاعاً عن المسمى المعدود عيباً ليتلاعب بالكلام ليصبح العيب ذا مبرراً وذا مجدٍ عظيم.

كلهم في الهوا سوا...!!
فلماذا يتقاتل البعض في الدفاع عن هذا وذاك ويزعل البعض في الدفاع المستميت عن حزب فلان وتوجه فلان وموقف فلان، حيث ينام رغداً صاحب الألاعيب وينام منزعجاً وضجراً من هو ملعوبٌ به من مغفلين وساذجين.
ينام رغداً في ركب الرابحين سحتاً من عوائد التغيير والحرية التي درت على الجيوب أرباحاً حطمت أرقاماً قياسية من أموال دخلت الجيوب فلم تستر العيوب ولو أنفقوها على تنظيم الألاعيب.
لم تسترهم تلك الأموال فالعيوب كثيرة وهائلة. فـ(الشك جبير والركعة زغيرة).

لم تغطي العار أصوات المغفلين النائمين بحرّ الظهيرة تحت لهيب سقف المنازل المتهرئة والتي أتعبتها السنين فيتنعم على إثرها من فاز بصوت المغفلين ممن نام بالبيوت الفارهة على نسمات (التبريد المركزي)، وينام بالحسرة الشعب كله.

هذا نائب في البرلمان القبرصي يستبدل سيارته الرسمية بحمارٍ كوسيلة للنقل عقب إعلان الدولة رفع أجور البنزين على المواطنين تضامناً من النائب مع مواطنيه وتعبيراً عن مصداقيته في تمثيلهم.
ونحن الأهداف المستمرة لأعمال العنف، والغلاء المتصاعد الذي لا يتناسب مع القدرات الشرائية المحدودة للمواطنين، وقلة الخدمات وأزمة السكن وسوء توزيع الثروات، ولا توجد حرقة قلب، بل زيادة بالأستهتار.
ممن يتكلم بعدالة علي من الشيعة وكذا بمن يتكلم بعدالة عمر من السنة ومن يومها ضاعت العدالة وزاد الغبن وسوء الخدمات والفساد كلما تمنطق سياسيينا بعدالة تاريخ قضى نحبه على أيديهم.
ولا يزال المواطن المغفل يتكلم بروعة من تكلم بعدالة علي وعمر؟!
يُعزز دور تلك المشاكل دور العار من الجوار كلٍ حسب طائفته وهواه ومشتهاه بتدخل طائفي بغيض، وبحجة الدفاع عن الشعب العراقي الذي دمروه ودمروا هيبته ومزقوا مكوناته الأجتماعية. 

عيب الساذج هو أنه سهل الأنقياد وسهل الأنخداع وسهل الإقناع، حيث ألاعيب الماكرين أنهم يعرفون كيف يصيدون فرائس البشر وغنائم غباء المواطنين والذين لاحقاً سيصبحون ناخبين.

الكثير من السياسيين ذهب لدول الجوار لإسقاط خصوم سياسيين له في الداخل فلا يهمه حتى لو أحرق الوطن وأهله، وأهان كرامة الشعب وهيبة الدولة فهمه كل همه نصره الشخصي ولو على حساب الملايين من الضحايا.
لا قيمة للكرامة عند من لا كرامة له.
متى يتعلم الناس من قصص الحياة درساً حيث كل الساعات قصص تتوارد والأيام عبر تمر فمتى يفهم المغفلين والماكرين أن حب الأرض والوطن والشعب شرف.
ولا قيمة للشرف عند من لا شرف له.

إلى كل أحلامنا المتأخرة، والتي أخرها وغيّر بعضها الساذجين والماكرين وأماتوها لاحقاً ممن أحرقوا النبات قبل أن يأتي ثمره والحصاد.
يا أحلامنا المتأخرة: سيأتي يوم أفضل من يومنا هذا وسيصبح لنا ماضي أفضل من ماضينا المعاصر المملوء دماً وجرحاً وفساداً على طول الخريطة.
سيأتي يوم نعيش فيه الراحة والطمأنينة حيث لا يكون مصيرنا بيد الساذجين والمغفلين ولا الماكرين، فالله خير الماكرين.
والله لا ينسى، وهو لا يضيع أجر المحسنين.
ولا ينسى الله صبر الصابرين العاقلين من رحمته ورعايته حيث محال أن يتساوى الذين يصبرون من الذين يعقلون والذين لا يصبرون ولا يعقلون.
وأغبى الأغبياء من يعثر بحجرٍ مرتين، وأغبى منهم من يسقط بنفس الحفرة مرتين، فحتى لا تعثر كثيراً ولا تسقط تكراراً في نفس الحفرة ولكيلا تدفن فيها حياً.

فكر من جديد بشيءٍ جديد.

38
حينما يعبث من بالأرض يلعبون بذكرى من عند ربهم يرزقون

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

خلود الأمم بشهداءها ومن ضحى لترابها وسكانها، ومن لا يُخلد شهداءه سيكون مصيره الفشل والنسيان والخذلان.
ما عاشت وخُلِّدت أمة من دون شهداء، والأمة التي تخلد شهداءها لا تموت. بل تبث الروح في الساعات والأيام والشهور والسنين وتصيرها منارات تضيء الدرب كي لا تُنسى وتذكر الناس لماذا إستشهد الشهداء؟! ولماذا رغم موتهم هم أحياء؟!
هم أحياء عند ربهم يرزقون، وفي الأرض لأهل الحق يناصرون، وضد الباطل والظلم يحاربون. 
ولكن حينما يعبث ويلهو من هم بالأرض يلعبون بدماء أولئك الذين هم عند ربهم يرزقون، فأنا لله وإنا إليه راجعون.
وحينما يسترزق بدماء من هم عند ربهم يرزقون أناس جعلوا الشهداء غطاء. أرادوا تغطية فساد ما عندهم وحولهم، فأنا لله وإنا إليه راجعون.
(ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين .  الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) البقرة 155- 157
ونحن لازلنا مهتدين ولا نحسب شهداءنا أمواتاً كمثل أكثر المسؤولين والسياسيين والناس الذي اتخذوا من شهدائهم جوازات عبور للعيش بالقصور ولأغتنام المناصب لا خدمة للناس بل تكبراً وعلياءاً وجبروت.
قد نال من هم عند ربهم يُرزقون رزقهم بعد عطاء وبذل وأثر ونتيجة وجود بالنفس وتضحية لمبادئ نبيلة وأهداف سامية، ولكن من هم بالأرض يحكمون بتلك الأسماء، فلم يرى منهم بذل ولا أثر ولا عطاء ولا نتيجة بل أكثرهم فاسدين ومستهترين بحقوق الشعب ومغفلين وجهلة وحاكمين الناس بأسم الحزب لا بأسم الشعب كله دون استثناء.
قد نال من هم عند ربهم يُرزقون رزقهم لأنهم لم يضحوا لأجل أن يتلاقف الحكم والمناصب تلاقف الطفل للكرة. أليس هذا ما قاله يزيد عند مقتل الحسين فمالكم تكررون قوله بسوء أفعالكم وسوء ادارتكم للدولة وسوء نيتكم.
 
حسبتموهم أمواتاً ولا يعلمون ما تفعلون بالحكم والسلطة من لا مسؤولية وإهمال وعبث وعدم جدية بالعمل والخضوع للحزبية والمجاملات السياسية على حساب الحق والعدل ومحاربة الفساد.
والناس كذلك. معهم، ينتخبونهم، يبررون لهم، مغفلون بأمتياز.
ولولا الناس لما وقع الفاس بالراس، وقل أعوذ برب الناس من الناس، ومن كل سياسي وسواس ومسؤول خناس. وصف الله الشيطان بأنه وسواس خناس. يوسوس بأن يبث الشك ويزعزع الثقة وخناس أن يخنس (يتوارى) إذا ذُكر الله، والله حق وعدل.
بربكم أليس من حكم العراق من أبسط مدير دائرة بالمحاصصة إلى أعلى هرم السلطة بالمحاصصة أيضاً وجميع من برر لهم ومكنهم من رقاب الناس هم كذلك يوسوسون بعقول الناس كي ينتخبوهم وليغطوا عن سوء فعالهم وحينما تبان الحقيقة وتصدمهم يخنسون ويبتعدون ولا يقروا ويعترفوا بتقصير أبداً.

شهداء بأسمهم وبفضل دمائهم أنتم تحكمون، فمالكم كيف تحكمون؟!
ببركات دماء شهداء العراق طوال سنين حكم البعث الظالم، قد وعى الشعب وثار ضد ظالميه بثورات وإنتفاضات قبل سنين وسنين من ثورات الربيع العربي مؤخراً.
سطّر العراق أول ثورة ضد حكم صدام حوالي العام 1978 بأنتفاضة شهر صفر ورجب، وبعدها الأنتفاضة الشعبانية العام 1991 ولم يقدر للشعب أن يسقط نظام الحكم بيده لكثرة مؤيدي حكم صدام من شعوب عربية وحكومات ومخابرات وهو الذي فتك بالشعب فتكاً وقتل عشرات الالاف لمجرد مطالبتها بحقها في الحرية والعدالة.
فليسمع من يطالب بالثورة اليوم ومن يؤيد الثورات وليعي وليسأل نفسه أين كان عمّا يحصل في العراق في سنين المحنة وأيام الحصار.
واليوم ببركة دماء تلك الشهداء تحكمون اليوم يا حاكمي العراق الجديد والتي من المفترض أن تعطيكم دروساً في الحرية والعدالة بحق الشعب، فما دهاكم لمّا إستلمتم السلطة ببركة دماء الشهداء والشعب الذي إنتخبكم لأنه تصور أنكم تمثلون تلك الدماء ولكن لم تكونوا كذلك أبداً.

يتفاخرون بفعلٍ ما قد فعلوه وعدوه منجز ويغطوا عن الاف الأفعال المخزية التي جرت الويلات على الناس والبلاد.
بل حتى صاروا يستنكفون من الشعب الذي إنتخبهم ويتقاعسون عن أداء واجباتهم التي يتقاضون عليها الملايين من أموال الشعب.   

مسوؤلون وسياسيون (مثلهم كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث)-من آية قرآنية- ، تناقشهم فيحرفون الكلام ويذروا الرماد في الأعين ويخادعون أنفسهم ويغمضون أبصارهم عن هموم الناس ومشاكلهم ومتطلباتهم، وأن تنصحهم يلهثون ويتغابون وإن تتركهم يلهثون ويتغابون أيضاً.
يدافعون عن الفساد ويغطون عليه ولو برز فاسد منهم ومن جماعتهم عتموا على القضية.
يحلون السرقات ويستبيحون أرزاق الناس ويتصرفون بلا مسؤولية بالأموال العامة ويهدرونها على تفاهتهم ومصالحهم الشخصية والحزبية.
وهنالك وهنالك.
في أرض الأمجاد والمهالك.
في أرض كل من يحكمها يحسب أنه لها مالك.
ويعدها ثروة وعوائد له وممالك.
فيا شعب العراق ما لَك؟
قد سرقوا أمام عينيك مالِك!

ليأتي البعض ممن يتاجرون بتلك الدماء من أجل مكاسب سياسية وحكومية.
إجتثاث ... رفع إجتثاث !!
منصب سيادي ... ومنصب غير سيادي !!
منافع إجتماعية ... ورواتب خيالية !!
سيارات مصفحة ... وفلل فارهة ... !!
وحمايات وهمية ورواتب خيالية... !!
تسكن الجيوب، وتستر العيوب، وتفرح بها القلوب.
وزراء، محافظين، أعضاء برلمان، أعضاء مجلس محافظة، أعضاء حكومة، مدراء، قيادات عسكرية، سفراء، سفرات، ولائم، ايفادات، مجاملات على حساب رزق الناس ومعايشهم، تزوير شهادات، رحلات سياحية لهم ولعوائلهم على نفقة الشعب، سكن على نفقة الشعب، خدمات مميزة للمسئولين فقط يتحمل ضريبتها الشعب.
وكلما إنتعش المسئول بلقمة وفندق خمس نجوم وسفرات سياحية فقد عانى وتأذى وتحسر بقدرها الالاف المؤلفة ممن أساء الأنتخاب والأختيار.
وما تأذى مواطن من سوء الخدمات إلا بقدر ما مُتع به المسؤول.
كلها بأسم يا شهيد؟!

إستثمروا تلك الدماء الزكية لا كمشاعل للحرية وتنير لهم درب الحق والعدالة ومراعاة هموم الشعب بل كوسيلة لملأ الجيوب ونيل المناصب ومواكب الحمايات وقطع الشوارع والجلوس في المكاتب وعقد الصفقات الفاسدة والمشبوهه ووضع العراقيل لعدم مقابلة الناس ووضع أنفسهم بمعزل عن هموم الناس ومشاكلهم.
لا بل يستنكفون حتى من مقابلة عامة الناس والاستماع لهم.

رحمك الله يا شهيد وكم بأسمك اليوم تقترف الآثام.


39
أدب / راية الله
« في: 00:19 18/07/2017  »
راية الله
(في ذكرى تحرير تكريت والرمادي والموصل من داعش)
حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

هذه راية الله
خِرقة توسطها البياض
غطت سواد ما كان
من فتنة القوم العمياءْ

وسط الشر...
ووسط الذل...
وسط الشرف إغتصبوه أمام الملأ
لم يحرك ساكناً هذا الملأ
صار وجود الملأ كعدمه
كِلا الأمرين سواءْ

لو رفعوا حصاة ورموها لقلنا قاوم الملأ
لو بصقوا بصقة بوجة أصواف اللحى لقلنا قاتل الملأ
لكنهم رموها قاذفين جيش العراق لما انسحب
مصفقين لقدوم دولة الخلافة
دقوا الدفوف...
وبايع الشيوخ قادة الشيشان والافغان
ذبحوا الذبائح
مثلما صاروا هم الذبائح لاحقاً
هذا جزاء الخيانة
من حفر حفر لأخيه وقع فيها
يامن رميتم الإخوان في البئر...
في سبايكر...
قبورهم الماءْ

وحجاب رمته عجوز أمام الملأ
نشرت شعرها الأشيب
أن يا ولدي المغدور توسد خد النهر
ستوصلك دجلة الخير للبصرة
سيحلو ملح الماءْ

إرفعوا الراية في كبد السماء 
‏‎الله اكبر
ليست شعار وحسب
بل صراخ النساءْ

يتلونَها نائحاتٌ
عويل وصراخ ونشيد
عندما لاح في الأفق البعيد
طوابير طويلة
توابيت مغطاة بخرقة توسطها الله
تشرأب الاعناق
هذا حصاد كثير
فيعلو النداءْ

نساء باكيات وأُخرٌ مزغردات
الله اكبر... الله أكبر...
أذن مؤذن بين الناس
فعلا البكاء

ناشفة الدماء أتت
أهرقت الدم في الشمال
لهذي الحشود أتت شهداءْ

يامن رفعتم راية النصر وسط الخراب
وسط الدموعِ
بالله عليكم أبقوها ترفرف
يداعب أطرافها الممزقة الهواءْ

إيتها الارواح القادمة من أقصى العراق
عبرن القفار مدافعاتٍ عن أرضٍ،
لا ناقة لهن بها أو جمل
هاهي الراية تلفحها الشمس وسط الدمار
كما لفحت أجسادكم المضرجة بالدماءْ

سَقين الارض بدماءٍ من عميق القلب
من صميم الضمير
لينبت الجسد المسجى في العراءْ
شجرة، 
اصلها ثابت وفرعها في السماءْ

مهما ستبنى بيوت،
وعمارات،
وطرق مشيدة،
ستبقى مدى الدهر ذكريات البطولة
ذكريات الإقدام والوفاءْ

كلما ستخطو قدمٌ بشارعٍ
ستدوس على بقعة دمٍ لشهيدٍ
ستلمس حائطاً ملطخاً بالدم حناءْ

ايتها الأجساد التي توسدت الارض
لتصون العِرض
لتصون الشرف المباع
وسط من خان الارض والعِرض معاً
أيتها الدماءْ

قد علت راية الله
وحدها خفاقة هذا المساءْ

أيها الجمع المحتفل بالنصر تذكر
ففي الذكريات ايتام وارامل وشهداءْ

تذكرعند رَفعِك راية النصر
ففي الذكريات شجون
تذكر كي لا تسقط من جديد
فقد سقطت من ذي قبل كثيراً
تذكر...
تذكر...
تذكر...
ففي القوم ساقطين وسفلة
فقط تذكر...
ففي الذكريات عناءْ


40
المنبر السياسي / عِلم أن لا تعلم
« في: 16:54 06/06/2017  »
عِلم أن لا تعلم

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

قيل أن قول لا أعلم هو نصف العلم، وورد في الأثر أن بعض العلماء قال: (ليس معي من العلم إلا أني أعلم أني لست أعلم).
أن تعلم انك لا تعلم هو ادراك حقيقة. هذا الأدراك هو خطوة مهمة في تحصيل العلم.
أن تعلم انك لا تعلم هو ادراك وجود ثغرة وهو بحد ذاته تفكر وتدبر.
أن تؤمن بداخل نفسك أنك لا تعلم هو علم. علم سيعطيك مجالاً للتأمل كثيراً والتفكر عميقاً والتحري عن الحقيقة بطريقة مختلفة.
هنا تصبح امام خيارين، أما أن تجتهد في سدة ثغرة وحقيقة (لا أعلم) فتصبح بعدها عالماً بها أو أن تبقى تراوح مكانك وتدور وتقع، فتنهض فترواح مكانك فتدور فتقع، ثم تنهض ومن ثم تراوح مكانك ومن ثم تدور ومن ثم تقع. هكذا بكل حروف العطف التي تفيد الترتيب في اللغة العربية.
ربما يروق لك التمرغ بالتراب فتظل متمرغاً فيه طويلاً أو ربما مدى الحياة.
تنمي جهلك غباءاً ليصبح جهلاً مركباً مميزاً.
أن يصبح التميز بالجهل المُغذى غباءاً والاجتهاد بالاستمرار فيه هي الطامة الكبرى واكبر لعنات الماضي والحاضر والمستقبل.


في تصوري إن أحد أسباب عدم الاعتراف بعدم المعرفة هو العناد. هذا العناد في البقاء بتيار ديني ذو أفكار تقلبه الاهواء والميول والنزعات. هذا العناد بدعم انتخابي وفكري لجهة سياسية فاسدة أو ساكتة عن الفساد في هذا المناخ السياسي الذي يتقيأ فساداً منذ سنواتٍ ولازال. هذا العناد بالايمان بفكرة وعقيدة لمجرد كونها متوارثة أو أنها روتينية قد اعتاد الناس عليها.
بوجود العناد تصبح (لا أعلم) عديمة الجدوى حيث ستفشل محاولات سد ثغرتها لوجود عناد سيتركها هكذا مهملة. يتناساها الفرد حتى يغذي ميوله وشهواته بالإبقاء عليها.


كذلك الأمر بالنسبة لكراهة التغيير التي أتصورها من أسباب عدم الاعتراف بعدم المعرفة. فهنالك الكثير من الناس من يكون تغيير روتين حياتي اعتادوا عليه مشقة وصعوبة. ومما يجعل من الأمر أكثر صعوبة هو عدم وجود فكر يرفع من عزمه ومعنوياته في الأعتراف بعدم المعرفة والسعي في طلبها.
من الناس من عنده استحالة تغيير فكرة او عقيدة أو نمط حياتي توارثوها أو اعتادوا عليها فصارت واقع حال يساقون أن يتبعوها.
دون التفكر تصبح وراثة الأفكار والمعتقدات كعبادة الأصنام.
اصنام مقدسة تحل اللعنات والمتاعب على ناقدها والكافر بها. 
اصنام مقدسة يتلقاها الفرد بتلقينٍ اعمى هو الاخر مقدس مما يجعل من العمى المقدس طريقة للإبصار وهو مستحيل. هذا المستحيل يرونه واقعاً سهل الإتباع بالرغم من أن لا بصر مع العمى.
فَرِحون بهذا الفكر الجمعي حيث تفرح كل جماعة بتجمعها. ينقاد الكثيرين للفكر الجمعي ولو كان ظلامياً فيصبح فكر التنوير معزولاً، فيتقبلون البقاء بالخطأ بكل سهولة مادام هناك تقديس للجهل.


وأتصور أن من الأسباب التي عززت عدم الأعتراف بعدم المعرفة هو العيش في مجتمع اناني ويعشق التبرير.
أنانياً، حيث يهتم الفرد بحاله دون حال غيره بل حتى لو تضرر غيره بسببه. مثال على ذلك ممن يهتم بنظافة منزله، فلا يرمي الأوساخ في الصالة ولا يبصق في غرفة النوم ولا يرمي القناني الفارغة في غرفة الأستقبال ويجتهد بصيانة منزله وحرمته والحفاظ عليه وحمايته، ولكن ما إن يخرج للشارع حتى يتصرف وكأنه شخص آخر فيرمي الأوساخ بأي مكان ولا يهتم لحرمة ملكية عامة ولا يعر اهتمام لغيره من المواطنين. الأهتمام بالنفس ليس فقط فوق مصلحة الاخرين بل حتى لو تضرر الاخرين بسبب هذا الاهتمام، بل حتى لو تضررت الناس بوظيفة هو مؤتمن على ادائها، بل حتى لو تضرر بلد بأكمله أو تضرر دين بكافة متبعيه.
يعشق التبرير، حيث لكل خطأ هنالك تبرير يدفع عن نفسه الذنب ليلصقه بغيره حتى ولو كان جماد. إن أول طريق النفاق هو خداع النفس بتبرير أعمى.
حتى أن البعض عنده تبرير وحيلة (دينية) أو (سياسية) للتملص حتى لو قُبِض عليه متلبساً.


41
المنبر السياسي / لعنة أن تعلم
« في: 15:13 02/06/2017  »
لعنة أن تعلم

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

في عالَمٍ (بفتح اللام) جاهلٍ يصبح العالِم (بكسراللام) منبوذاً.
لا يريد هكذا عالَم ان يفهم من عالِم ما ينجيه ويوعيه بل أن يتبع اصنام وراثة الفكر وأصنام التلقين الأعمى وأن تركب سفينة الأصنام لئلا تبتل بالماء ولَم تكلف نفسك جهد خطوة تعبر بك الى الرصيف!!
هذه الخطوة حياة ونجاة وفكر وعروة وثقى لا انفصام لها.

يصبح العالَم مفتوحاً على موارد الحياة بجهله في الوقت الذي ينزوي العالِم مكسوراً لا يكترث لفكره الكثيرين.
ربما ينساق ذهن البعض لدى ذكر العالِم صورتين نمطيتين مغلوطتين حول مصطلح (العالِم) وهما في مجتمعاتنا أما (رجل الدين) أو (المخترع) فكلاهما يسمى عالِماً.

تعريف العِلْم (هذه المرة بكسر العين) كما في معجم (المعاني) هو (إِدراك الشيء بحقيقته) وكذلك عرّفه مجمع اللّغة العربية (المعجم الوجيز) هو (كل نوع من العلوم والمعارف والأفكار والتطبيقات. وهو مجموع مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع معين أو ظاهرة محددة وتعالج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات والقوانين).
هنا يأتي ماهو أفضل من العالِم، فتاريخياً انشقت الفلسفة عن العِلم فصارت الفلسفة أوسع وبقى العلم تخصصياً. عُرِفَت الفلسلفة بأنها (حب الحكمة وطلب المعرفة والبحث عن الحقيقة). العالِم ينبغي ذكر تخصصه بينما المفكر والمثقف هو أعم وأوسع، فعالِم الدين مثلاً يسمى عالِماً شرعياً قد درس الفقه والاصول ضمن حيزاً دينياً.

يصبح الكل عالِماً بمجال تخصصه على الأقل والسؤال هنا كم عدد المثقفين والمتفكرين في مجتمعاتنا؟!
قليلٌ ما هم بلا أدنى شك!

هل ان صاحب الشهادة أتعب نفسه واطلّع وقرأ وثقف نفسه جيداً بعيداً عن دائرة اختصاصه ليفهم مايدور حوله على الأقل كي لا يصبح تابعاً ذليلا لتيارات وتوجهات وشهوات نفسية وفكرية تصيره كالاعمى متخبطاً.
وهل نشر ثقافته بعد ان نال نصيباً منها.
أم أصبح التفلسف تهمة ترمى بها من أراد وعياً أو من رام فكراً تنويرياً.

هذا التفلسف الذي هو رسالات السماء التي تفلسفت باسم الله لتدعو الناس عن طريق التفلسف ليكونوا متفكرين.
التفلسف هو نظريات الفكر البشري الحي التي صاغت معالم ادارة الدول وانظمة الحكم وأسست لقوانين ودساتير هي اساس التعاملات اليومية في كل شيء.
من قولٍ جميلٍ لأحد عظماء الفكر البشري وهو ارسطو في كتابه (دعوة للفلسفة) ص 34 يقول: (يجب علينا أن نصبح فلاسفة إذا اردنا أن نُصرّف شؤون الدولة بصورة صحيحة، ونشكل حياتنا الخاصة بطريقة نافعة).

وللأسف يصبح صاحب العلم والفكر كصاحب عاهة في هذا المجتمع الغاط في تشوهات موروثات الجهل والعقيدة فيصبح سيادة القبح فضيلة ومحل اشادة في الوقت الذي يصبح صاحب العلم والثقافة الجميلة منبوذاً كصاحب رذيلة.

هي لعنة الفكر والتفكر.
هي لعنة أن تعلم وسط كثرة ممن لا يعلمون ممن أكثرهم للحق كارهون.

يتبعها قريباً مقالة (عِلم أن لا تعلم).


42
خواطر في ليلة جمعة

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

كن قوياً ولو تركوك وحيداً. لا تعوّل على الاخرين كي تحيا.
إنّ عُزلة تختارها يا صاحبي هي خيرٌ من تجمعات تقاد لها قود الحمير. مُكرهٌ تحضرها أو ربما حياءاً.

لا تضجر من طول الأنتظار على مبدأ فكرت فيه طويلاً فَخَبِرتَه وعَقِلته، فالحياة مواقف يا صاحبي.

عوّد نفسك أن تواسي نفسك بأن تستأنس بطريق الحق رغم قلة سالكيه، فتخيل أن صراخ الحق ملأ الطريق، كل الطريق. أعمى من لا يرى الحق جلياً.

لا تخف حينما تحس نفسك فرداً، فلربما تميزك فريداً.

أن الموت حياة، بل يبث الحياة، ولربما تحيا بصورة أبهى وأحلى بعدما تموت فالأنصاف صعب في حياة ليست عادلة.

تعلّم أن تكون أنت، عش حياتك، وأحفظ لنفسك الكثير من خصوصياتها لئلا تكون لقمة سائغة تُلاك بفم الثرثارين والمتربصين.

ربما سيتجاهلونك فتجاهلهم، ويُحَقّرونك فتحملهم، ويستهزؤون بك فلا تنس أن تبتسم، ويزيفون الحقائق ضدك فدافع عن فكرك بفكرك، ومن ثم يحاربونك فتنتصر!
اعتقد بأنك يوماً ستنتصر فتنتصر، فالنصر عزيز.
 
ربما تشعر أن الناس جهلوك وتجاهلوك، ولكن ليس حديث الناس من يصنع المجد يا صاحبي، ففي الناس جهلاء فاسدين تم تعظيمهم في زمانٍ لا يستحق فيه الذكر كثيرين ممن يُذكرون يومياً!
كن القائد فاهماً ما يدور حولك لا تابعاً ذليلاً يسيّروك مع قطعانهم من حضيرة لأخرى.

تحمل الأوجاع!
فالحياة صراع.
ولابد من صاعٍ تتلقاه، فتعلّم أن تكسب قوة من كل صاع.

اسكت سكوت الحكمة والصبر والتأمل عندما يسكت غيرك غباءاٌ وذلة ونفاقاً.
إن العقل يا صاحبي حكمة وصبر وتأمل كي تدرك أن في الكثير من الأمور خداع وجهل ومكر.

يا صاحبي إن عمرنا يمضي مسرعاً، لا نعرف كيف كبرنا فجأة وبان الشيب لدى التأمل بمنعرجات العمر في المِراة.
يا صاحبي بَدا علينا الكِبَر وبعد لم نهنأ بتحقيق أحلام الطفولة وأمال الشباب التي صار كلاهما أضغاث وهباء.
حاول أن ترفه عن نفسك وتسعد فليس هناك ما يستحق حريق الاعصاب وفوران الدم رغم اننا يا صاحبي لن نهنأ بالكثير من حلو الحياة فهي سجننا.

إخترناه سجناً وقيدنا أنفسنا وقيدونا فيه وصار التقييد عضواً من اعضاء الجسم وبفقدانه نصبح معاقين.
 

43
المنبر السياسي / كان لي أمل
« في: 22:46 15/02/2017  »
كان لي أمل
حيدر محمد الوائلي
‏alwaelyhayder@gmail.com

كان لي أمل أن حالما يسقط حكم ظلم صدام أن أعيش متمتعاً بخيارات الله من باطن أرضي.
يستخرجونها من باطن الارض لبطن الشعب.
يستخرجونها بتفانٍ فيوزعونها علينا بتفانٍ هنيئاً مريئاً بما صبرتم فنعم عقبى الدار.
كان لي أمل أن أحلم، وأن تتعامل الدولة مع حلمي بأهتمام فترعاه وتنّميه وتسهل تحقيقه.
كان لي أمل أن أنسى المعاناة والقهر.
أن أتذوق حلو الحياة، سئمت مذاق العيش مرّ.

كان لي أمل أن أنسى...؟!
ربما أتناسى فالنسيان صعب...!
أتناسى سنين المحنة وأيام الحصار عندما يعمّ في بلادي الأمان والازدهار.

كان لي أمل أن سيأتي الخلاص يوماً.
أيعقل ان يرى الله والعالم هذه الأرواح في سلة قمامة الحياة اليومية ولا يفعلون شيئاً؟!
أيعقل أن تفوح نتانة ملايين الأجساد المتحللة ولا يشم أحد هذا القرف؟!
لكن كان لي أمل أن يتحقق الأمل.
لم اعرف يومها كيف؟!
ومتى؟!
كان ينتابني شعور قوي يبث في الجسم المتعب حياة، أن يا هذا المنسي في سلة مهملات الدنيا أن الفرج قريب.
الفرج...!!!
الفرج...!!!
الفرج...!!!
كم بسببه طارت رقاب وفاضت مُهَج.

كان لي أمل عندما رفسني أحد زبانية النظام السابق أن يأتي يوم لا (رفسات) فيه.
كان لي أمل بعد حبسي المؤقت عده مراتٍ منها مرة في (تواليت) اتخذتها الشعبة الحزبية سجناً أن يأتي يوم أُعامل بكرامةٍ على الدوام.
أن يأتي يوم أسكن فيه بيتاً لي.
بيتٌ فيه حديقه كبيرة أستمتع بالجلوس فيها عند المساء.
بيت كبيرٌ أملكه تعويضاً عن معاناة السنين لا همّ ولا غمّ.
كان لي أمل ان يعود المهاجرين والمهّجرين باكين على سنين غربتهم وأن يجتمعوا مع الاحبة والاصدقاء متنعمين بخيرات بلادهم.
كان لي أمل أن يعودوا لا أن يتضاعف أعدادهم هاربين من سوء صنيع من حكم البلاد بأسم الدين والسياسة والمحسوبيات فأشاع فيها الفساد.
كان لي أمل أن تصبح بلادي قبلة سياحية لما فيها من معالم حضارية لا أن يهجرها ابناءها مضطرين عابرين القفار والمحيطات تهريباً وتهجيراً.
كان لي امل ان أسعد بحياةٍ جديدةٍ بعد حياة الميتين وعذاب قبر الحياة، فما كان من (هؤلاء) الذين خلفوا (أولئك) إلا ان صبغوا شاهد القبر بطلاءٍ باهتٍ ضمن صفقة فاسدة سرعان ما زال الطلاء ليبقى الشاهد ملطخاً بشيءٍ من طلاء أولئك وهؤلاء.
شاهدٌ بلا هوية ولا وطنية...!!
كان لي أمل أن سيحكم بلادي من يريد لها الخير والأزدهار لا من لمنافعه الشخصية والحزبية والطائفية أشاع فيها الخراب والدمار.

لم يخطر ببالي يومها أن يحصل بأرضي كل هذه الأهوال والخطوب.
لم يخطر ببالي أن من سيتولى السياسة أحمق أو جاهل أو حاقد أو الكل في واحد...!!
لم يخطر ببالي أن يصبح أخوة المظلومية والصبر المرير أعداء مناصب وتنهشهم عداوات التوجهات الدينية والسياسية وغنائم المحاصصات.
لم يخطر ببالي أن تغير المناصب الوظيفية أناساً كانوا محل احترام وتقدير فصاروا (ما يسوون تفلة)...!!!
لم يخطر ببالي أن تصبح دماء الشهداء كراقصة ملهى، كلما إهتز وسطها ترامت حولها نقود (عائدات النفط) ومن ثم يلتقطها الحاشية والمقربين.
صيرتهم مسؤولين ذوي حماية فرعونية، ومواكب نمرودية، وثروات قارونية.
كنت في تلك الأيام الماضية لي أمل بفرجٍ قريب يُصبّرني.
املٌ يلهمني أن أعيش رغم شبح الموت المحيط بكل مكانٍ.
أملٌ يُسليني رغم الملل والكآبة التي تغطي البيوتات والشوارع.
لم يكن بالحسبان أن يصير الأمل كابوس لا يقل رعباً عن كابوس ما قد مضى.

كان لي أمل فضيّعه أكثر الموجودين الان في الحكم والمسوؤلية.
كان لي أملٌ فضيّعه أكثر الملتصقين الان بشاشات الأخبار والبرامج الدينية والسياسية.
كان لي أمل فضيّعه أهل الدار وأعانهم على ضياعه الجار.
كان اي أمل فضيّعه أكثر البارزين الان ممن تبرّز على رؤوس الخلق كلٌ بطريقته الخاصة.
كان لي املٌ فضيّعه أولاد الـ...!!!

44
مجتمع الجهل المركب

حيدر محمد الوائلي

alwaelyhayder@gmail.com

النقاش مع الجاهل المدعي العِلم والثقافة مشقة!
نصيحته عناء!
محاولة لفت نظره لمواضع جهلة مهمة محفوفة بالأنزعاج والعصبية!
لماذا كل ذلك؟!
الجاهل من هذا النوع غير مهيأ نفسياً وفكرياً لتقبل انه جاهل فمجرد إدراك الشخص لقصوره الفكري يجعله ذا فكر، أما الجاهل من هذا النوع فتختلج في نفسه نزعة الغرور تجعله في نظره (على الأقل) سيد الفاهمين.
يتصور كل نقاش حلبة نزال يبتغي النصر فيها بترهات كلامه وتعابيره التي يدأب على تكرارها ليصور لنفسه انه فاهم لمجرد أن فمه ولسانه يتحركان للنطق بأي كلام يطرأ على باله دون النظر لحجته ودليله وفكره المستنبط عنه.
هكذا مجرد كلام والسلام فاللغو عند الجاهل من هذا النوع يعتبره فلسفة.
ربما تم تلقينه الكلام وطريقة التفكير من خلال حضوره لمجالس من تميل لهم نفسه فيواكبهم ويتلقن منهم كيف يتكلمون وكيف يتصرفون وكيف يُفكرون تلقيناً أعمى سيقوده لعمى العقل.

إن تعريف (العِلم) هو حضور صورة الشيء في الذهن فعندها يعتبر (الجهل) عدم حضور صورة الشيء في الذهن. يُنسب الجهل إلى الإنسان خاصَّة لأنَّه يمتلك قابليَّة التعلّم ومن شأنه أن يكون عالماً.

ينقسم الجهل منطقياً إلى قسمين: جهل بسيط وجهل مركَّب.
أما الجهل البسيط فهو: أن يجهل الشيء وهو عالم بجهله، فهناك أمر واحد عدمّي بسيط. لا يعلم بالشيء وإنتهى.
وأما الجهل المركب فهو: أن يجهل الشيء وهو لا يعلم بجهله. فهو إذاً غافل عن جهله ولا يدري بأنَّه جاهل فيرى نفسه عالماً به، فيتركب جهله من جهلين: جهل بالواقع وجهل بهذا الجهل، فهذا الجهل ليس هو إلاّ ظلمات بعضها فوق بعض وسرابٌ يحسبه الظمآن ماءً.

لا يعترف الجاهل المركب بجهلة بل ويدّعي ما لا يعلم. يستمر بالأدعاء والتظاهر أنه فاهم من خلال إيهام نفسه بتصرفه كفاهم وهو جاهل. يغذي غروره وتعصبه بالأدعاء والتظاهر حتى يستمر. ربما يكذب ويصدق كذبته وربما يطور كذبته لاحقاً لتصبح كذبة أكثر تميزاً من ذي قبل في نظره على الأقل. 
يكذب حتى يغذي ما في داخله من غرور وحب الأنا وحب الظهور. 

قيل: (إنَّ من قُدرات الإنسان ومميَّزاته هو أنَّه يتمكَّن من التوجُّه والانتباه إلى علمـه وجهله فيعلم بأنَّه يعلم ويعلم بأنَّه لا يعلم وأمّا الحيوانات إن كانت تعلم فهي لا تعلم بأنَّها تعلم كما أنَّها حينما تجهل لا تعلم أنَّها لا تعلم).

الخشية كل الخشية ان يكون مجتمع بجمهورٍ كبير حاملين بامتياز هذا النوع من الجهل.
مجتمع ذا جهل المركب على كافة الأصعدة الدينية والسياسية والأجتماعية. مجتمع ذا جهل مركب من حملة الشهادات ومن ذوي المناصب ومن ذوي الوجاهة الدينية والسياسية والأجتماعية!

قيل أن قول (لا أعلم) هو نصف العلم. والمعروف أنَّ الإنسان الذي يعلم أنه لا يعلم الشيء قد اكتسب نصف العلم وهو العلم بجهله وبقي النصفُ الآخر وهو العلم بالشيء المجهول.
وأما كيفية الوصول إلى العلم الثاني (النصف الأخر) فهو من خلال حُسن الاستفسار وحُسن السؤال وحُسن الإطلاع بكل بساطة.

45
في سجن مديرية الأمن بالبصرة

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

قالت له امه اذهب لترى اباك فلقد سمحوا لنا بمواجهته في سجن مديرية الأمن بالبصرة، لقد سعى لنا اولاد الحلال واستحصلوا موافقة لمواجهته ولكن لشخص واحد.
كان الأب مودعاً في سجن الأمن يسومونه سوء العذاب سجينا سياسياً في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
امتلأ السجن بالسجناء، فقرروا تبييض السجون بسواد سرادق العزاء على ارواح المعدومين. صفوهم صفين طويلين شبه متساويين دون معرفة من هم وماهي دعاواهم المودعين السجن بسببها حيث جاء الأمر من مدير الأمن أن يصطفوا صفين وقد فعلوا.
هتف مدير الأمن: (اعدموا جميع من في الصف الأيمن وأرجعوا الصف الأيسر لزنازينهم).
هكذا بكل بساطة!
رجع الأب ميتاً بجسمٍ حي لزنزانته حيث كان من أصحاب اليسار. لم يحمد الله بل استغفره أن لم يطلقوا سراح روحه من سجن الأمن وسجن الجسد.
كان له ولدين وزوجة. تولى اخوة الزوجة رعاية الولدين. صار الخال اب واعتادوا على مناداته بالأب، بل هم لم ينادوه بالخال ولا مرة.
رعاهم فكبرا شابين يافعين.
لابد أن يقرر الولدين والأم الان ويحسموا امرهم.
من يذهب لمديرية الأمن ليحضر المقابلة؟! فيجب ان يكون واحداً لا شريك له.
قررت الأم التنازل عن حقها وطلبت من ولدها الأصغر أن يذهب وأقنعت الأكبر بأن أخاه الأصغر لا يتذكر اباه مطلقاً حيث كان طفلا صغيراً حين أودعوا أباه السجن.
مضى الولد الأصغر تلقاء ذلك الصرح المرعب مع تفاصيل المواجهة زوده بها واسطة ابناء الحلال. بعد اللتيا والتي دلف لداخل مديرية الأمن، كان أسم المكان كفيلاً بأن يدخل الرعب على قلوب الناس.
كانت التعليمات أن يذهب الزائر للزنزانة المودع فيها السجين ضمن مجموعة سجناء ويتكلم معه من خلف قضبان الحديد.
صاح به ضابط من ضباط الأمن الذي عرف أن رتبته صغيرة لصغر سنه فبالكاد يكون ملازم أو ملازم اول): (مع من مواجهتك)؟
رد الفتى: (سيدي أنها مع فلان بن فلان).
فأمره الضابط مزمجراً: (اذهب لزنزانه 25 وستجد مجموعة سجناء ينتظرون من يزورهم).
سار الفتى بضع خطواتٍ معدودة، يدفع الخطى دون أن يتقدم سوى بضع امتار لم تمضي به بعيداً.
توقف حائراً!
صرخ به الملازم انف الذكر عن أمره ولماذا توقفه؟
أجاب الفتى: (أنه لا يعرف شكل ابيه! لقد تم حبس أبي يا سيادة الضابط وأنا كنت حينها طفلاً صغيراً ومن حينها مُنعت زيارته وانقطعت أخباره ولا اعرف كيف شكله ومن يكون)؟!
دمعت عينا الضابط وترقرقت دمعتين لم تهطلا لهول ما يسمع!
حتى في هذا الصرح الوحشي ثمة رحمة مؤقتة! وقلة خبرة ضابط جديد عهد بالوحشية.
قاده لأباه دون النبس ببنت شفة.

خرج الأب من سجنه غير عارفاً من هؤلاء الشابين اليافعين الذين يناديناه (أبي).
سقط نظام ظلم صدام فرجع صاحبنا السجين لوظيفته السابقة موظفاً صغيراً في أحد موانئ البصرة. يذهب لعمله يومياً على دراجته الهوائية. بقى في وظيفته المتواضعة حسب اختصاصه ووفق كفائته.

لم يطالب أن يكون مديراً عاماً لمجرد كونه سجيناً سياسياً لعقودٍ من السنين، ولم يركن لطرف الحزب الذي بسببه اودع السجن يرقاه سلماً للثراء.
لم يصعد سلم المميزات والمناصب والمجاملات على حساب وفاءه لسنين النضال التي أكلت زهرة عمره.
لم يرهن سنين الكفاح لجني العوائد والأرباح.
لم يحشر نفسه في مركزٍ ليس أهلاً له ولم يتورط في إدارةٍ ليس كفؤاً لها.
بقى موظفاً صغيراً منسياً ولكنه فخوراً كل الفخر بنفسه، فلم يبيع سنين نضاله ووفاءه لمبدأ الحرية ومقارعة الظلم ببخس مناصب معدودة أو لرهط حمايات فرعونية أو لسحر كرسي الأدارة.

لا يا سيدي فالمسألة مسألة كرامة هانت على الكثيرين. صيروا الكرامة عاراً وذلاً وفساداً.
لا يا سيدي ابق على دراجتك الهوائية تطير حراً كريماً تراقب افواج العبيد قياديين منافقين فاسدين انتهازين ذوي مناصب رفيعة.   

46
أدب / وطن من الذكريات
« في: 03:10 11/03/2016  »


وطن من الذكريات



حيدر محمد الوائلي


الوطن بقايا ذكريات
والذكرى حياة
تدور السنين كعجلة مسننة أكلها الصدأ
تصتك مزمجرة
تدور رغماً عنها
تنتج أكواماً من صدأ الذاكرة المتعبة
هي الذكرى وطن حدوده الخيال
يأخذك الحنين بعيداً
لتعيش وسط البعد وحيدا
وطن من الذكريات
ومن الشتات
يبث الحياة في الموتى
ويقبض من الحي الحياة
ترزقك الذاكرة المتعبة
عصارة المرارة
ذكريات الأيام الصِعاب
ذكريات الجوع والوجع
الحب والحرب والطمأنينة والهلع 
ذكريات بقايا الروح وسط الموت
وسط الخراب
وسط الألم المزمن فينا
تضمحل الابتسامة
طار حمامها ليحتل سرب الغربان الهاجس
لا توقفه جمال عيونها
لا تلألأ الخدود
لا خبايا الجسد اللاهث شبقا
ربما سرح في ربيع الجمال برهة
تصفعه ذكرى صديق قضى مقطعاً وسط التفجير
فتشوا الأسفلت باحثين عن بقاياه
ثمة يد يمنى ناقصة واصبعين من راحة اليد اليسرى
وثمة رأس مقطوع لم يعثروا عليه بعد!
ذكرى الحرب والسلب والنهب
ذكرى تجار الحروب صاروا ملائكة
هكذا تحولوا؟!
يا سبحان مغير توجهات وسائل الأعلام
يا سبحان الله من سارقين مسبحين الله بكرة وعشيا
اذكرت للتو الله!
الا زال موجودا في القلوب 
أم قبضوا روحه من أرواحهم؟!
ذكرى دائرة الأمن
ذكرى ابو امجد جيراننا
أعدموه
وتركوا لزوجته عناء رعاية خمسة أرواح
مال هذه الناس تنسى؟!
كيف تنسى؟!
من ينسى الهم غبي.
من ينسى حياة الذل خائن.
من ينسى الفاسدين ماضيهم ومعاصريهم حمار.
النسيان سماح في ما لا سماح فيه.
كيف الهروب
كيف السبيل لمحو هذا البؤس
استستمر معي؟
أأتركها تنهش الخيال تصيره واد سحيق
ايطوف بذكراي مسؤول الامن الاعور يراقبني
ام سياسيين اعقبوه فضيعوا امل الخلاص منه
صيروه نقمة.
(لا والحظ)!!

47
الفنان صباح السهل... بشاعة نظام وخيانة زوجة (القصة الكاملة)

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

قبل الخوض بالموضوع لدي ملاحظتين:
الأولى: الموضوع طويل السرد ولكن تفاصيله الشيقة لم تسمح لي بالأختصار.
الثانية: أن عرض ما حصل للفنان صباح السهل يمثل ادانة لبشاعة نظام حَكَمَ وطن بعراقة العراق، وهو ادانة لحقبة مؤثرة بتاريخ العراق ألقت بتأثيراتها على الواقع الحالي.

من مدينة الشطرة المنسية كجارتها الناصرية وبقية مدن جنوب العراق التي تعاقبت الحكومات فيما مضى ولليوم على اهمالها، وُلِد صوتٌ جنوبي يبح الوجع حنيناً والمأً مزمناً. كانت حنجرة ذات صوتٍ شجيٍ ما خنقتها رعونة ابن الرئيس ونزواته الشهوانية حيث كان رافضاً أن يكون كالكثير من الفنانين الة لعبٍ بيد ابن الرئيس وبطانته.
كانت حنجرة نبيلة لم تتسابق لمدح رئيسٍ ظالمٍ تمجد من يستحق كل اهانة، وسط تسابق الفنانين المحموم لأداء ترهات الأناشيد والأغاني ليرضى عنهم (صدام) وزبانيته ويسخط عليهم كل من لديه نبل وشرف. رفض الفنان صباح السهل الألتحاق بركب السرب الذي ينعب نعيباً متواصلاً غرضه المديح، والعائد مادياً مريح، وإن كان بنهجٍ قبيح.
الأغنية الوحيدة التي غناها السهل في الثمانينات كانت في مدح جيش العراق ولربما غناها إكراهاً لتسلم رقبته من القطع على عكس من يحوم كالغراب لينعب نعيبه المتواصل في مدح الرئيس وبطانته مثنى وثلاث ورباع وعشرات. تلك الحنجرة البريئة التي نطقت صرخة ولادة حياة متعبة في الشطرة ينتهي الأمر بها مهشمة من ضيق وصلابة عقدة أُنشوطة حبل الأعدام.
في اتصال مع (خلدون صباح السهل) ابن الفنان من زوجته الأولى بتاريخ 11/ كانون الثاني/ 2016 صرح لي عند سؤاله عن الغرض من استهداف والده فكان جوابه: (السبب هو عدم رضاه من تصرفات ابن المقبور صدام وباقي المسؤولين في ذلك النظام وعدم انصياعه لأوامرهم في امور لا نريد ان نذكرها) فسألته حول تلك الأمور فأجاب: (تعرف الفنانين لهم معجبات فيطلب المسؤولين في ذلك النظام جلب المعجبات لهم ولكن الوالد كان يرفض هذه الامور المخله). كان عمر خلدون صباح السهل عن اعدام والده 27 سنه وقال مستذكراً أباه ولحظة علمه بأعدامه: (تاثرت بشكل كبير جدا لانه كان ليس والدي فقط بل كان صديقا لي).


من هو صباح السهل؟
صباح السهل مطرب عراقي ذو صوت قوي وجميل ولد في مدينة الشطرة بمحافظة ذي قار جنوب العراق في عام 1946، برز خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، اسمه الكامل (صباح محسن محمد). برز في تقديم الأغنية الريفية حيث تميز صوته بالفخامة والسعة والغلظة مما ميّزه عن أقرانه من مطربي جيله. جاء إلى بغداد في سبعينيات القرن العشرين وعمل منشداً في فرقة الأنشاد العراقية في اول مشواره كما وعمل مطرباً في فرقة الفنون الشعبية التي احتضنت معه مجموعة من الفنانين امثال (رياض أحمد، قحطان العطار وصلاح عبد الغفور). بعد التنقلات ما بين فرقة الفنون الشعبية والأذاعة انتقل بعدها للتلفزيون وقد قاد خطاه إلى عالم الشهرة والاضواء الملحن الراحل (محمد جواد اموري) لما وجد فيه من حلاوة صوت، وحنجرة غنائية جديدة، مختلفة عن أبناء جيله وعن الجيل الذي سبقه.
وجاءت الاغنية التي رسخت اسم الفنان الراحل في عالم الفن بجد وثقة عالية. (بلاية وداع) في حينها أصبحت من الاغاني الشائعة جداً لقوة كلماتها واللحن الجميل والصوت المعبر الذي استطاع ان يخترق قلوب المستمعين، وهي من كلمات الشاعر (عريان السيد خلف) والحان (محمد جواد اموري).
في هذه الاغنية كأنما كان يغني إلى قدره ومصيره، وكأنه كان يدري أنه سيغادر بلا وداع لخيانة الزوجة الثانية التي أمن مكرها فبراءة الأنسان فيه لم تستشعر هيئة الأفعى الرابضة أمامه تسجل صوته وتجر لسانه لقول كل ما سيؤدي لأعدامه لمعرفتها أنه شجاع ونبيل لا يتوانى عن ذكر الحقيقة. اغتالوه معدوماً (بلاية وداع). نقتطف منها:
مثل العود من يذبل... بلاية وداع
ومثل الماي من ينشف... بلاية وداع
تدريني هِرِش واوجرت بية الكاع
يا رخص العشك من ينشره وينباع
شلون الماي يكدر ينكر اجروفه
شلون العين تكدر شوفها اتعوفه
وأبو جفوف الحنينة شلون يرضى اتبعينا جفوفه
وبلا جلمة التنكال
كل ذاك الفرح ينشال
وظنون المحبة تظل بلاية وداع
يا رخص العشك من ينشره وينباع

الفنان صباح السهل من عائلة كريمة وقد زودني بمعلومات عنها أحد أقارب الفنان لدى اتصالي به بتاريخ 10/ كانون الثاني/ 2016 وقد فضّل عدم ذكر اسمه. سألته عن أصل العائلة فأجاب: (أن السهل هو اسم عائلة وليس عشيرة وهم سكنوا الشطرة في الربع الاخير من القرن الثامن عشر بين العام 1875 – 1880. في عام 1910 سكن القسم الاكبر منهم مدينة الناصرية وبيت (صباح) فقط هم من بقوا في الشطرة لحين دراسته في بغداد ولا يوجد منهم حاليا اي شخص في الشطرة وأخوته جميعا سكنوا بغداد منهم (رحمن –على قيد الحياة- وكريم الله يرحمه) وولد الفنان صباح السهل (خلدون) وهو في مدينة الكوت حالياً هو ووالدته -الزوجة الأولى- وبقية أخوته).
كان الفنان صباح السهل رساماً وخطاطاً ومصوراً وحلاقاً. كان بداياته معروفة وكما كان يقول متندراً عن نفسه (سبع صنايع، والبخت ضايع).

أُودع الفنان صباح السهل في سجن المخابرات بتاريخ 4/ 4/ 1993، وكانت تهمته التهجم على شخص (صدام حسين). وأعدم بتاريخ 3/ 5/ 1993 وتمت مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة ومنع بث أغانيه في الاذاعة والتلفزيون العراقي ليتم التعتيم عليه وعلى قصته فضيعوا ذكره بتقادم السنوات. هكذا بكل بساطة ينهون حياة الأنسان ويمحون ذكره. كتب (حمودي عبد غريب) مقالة في جريدة البينة الجديدة بعنوان: (لمرور 22 عاما على إعدامه.. البينة الجديدة تفتح ملف الفنان الراحل صباح السهل.. من القاتل الحقيقي دستور البعث أم زوجة غادرة؟) ذكرفيها: الأسم الكامل  (صباح محسن محمد) لأن أسمه الفني انتهى هذا اليوم بقانون السلطة وهذا ما حدث في الفخ الذي نصبته له شريكة حياته التي أحبها وعشقها بجنون لكنها تنصلت فقررت بفعلتها الخسيسة مع سبق الاصرار والترصد وأودعته في دهاليز أشرس  الأقبية لدى السلطة الحاكمة ومن دخل لن ينجو الا بقدرة قادر وقد واجه التهمة التي كان نصها التهجم على صدام وعائلته والقيادة السياسية).

افاد السيد (رحمن السهل) أخو الفنان (صباح السهل) في لقاء متلفز معه تابعته على اليوتيوب أن كثرة التعتيم عليه جعلت الكثير من الناس لا يعرفون ما حل به حتى بعد سقوط النظام.
توجهت بالسؤال لـ(خلدون صباح السهل) ابن الفنان من زوجته الأولى عن دافع زوجته الثانية لتصبح اداة طيعة بيد المخابرات فأجاب: (دافع التسجيل من قبل زوجته الثانيه هو الدار التي كان يسكنها، سجله باسمها واراد ان يبيع الدار فهي رفضت وارادت ان تاخذ الدار فاستعملت هذه الطريقة. وبالنسبه لجهاز التسجيل فزوجته الثانية هي كانت الاداة التي استعملوها لكي يثبتوا بالدليل القاطع ليكملو ظلمهم له).
بين خيانة زوجة وبشاعة نظام يحول بين المرء وزوجه كانت قصة تحمل شهادة للتاريخ عما حَصل لبلدٍ كامل.


دور المخابرات في اعتقاله:
يذكر المتهم (برزان التكريتي)  مدير المخابرات في محاكمته ضمن مجموعة من مجرمي النظام البائد لجريمة قتل 148 من اهالي الدجيل بعد محاولة فاشلة لأغتيال (صدام) نفذها مجموعة من حزب الدعوة الأسلامية. كانت قائمة المتهمين تضم (برزان التكرتي) ورئيس الجمهورية (صدام التكريتي) ورئيس محكمة الثورة سيئة الصيت (عواد البندر) ونائب رئيس الجمهورية في النظام البائد (طه ياسين رمضان) وأربعة مسؤولين بعثيين من منطقة الدجيل، يذكر (برزان) أثناء محاكمته أن المخابرات لم تتدخل بالشأن العراقي الداخلي، ولم تمارس يوميا ملاحقة أو معاقبة أحد.
هذه الوثائق التي تناولتها جريدة الصباح وقد نقلتها من مدونة (الدكتور محمد مجيد) تدحض ما قاله المجرم برزان، فهذا الفنان صباح السهل قد حكم عليه في المخابرات ونفذ فيه حكم الاعدام فيما يسمى بالحاكمية. ولندع الوثائق تتحدث.
تشير الوثيقة التي حصلت عليها جريدة (الصباح) الصادرة من رئاسة جهاز المخابرات، الى أنه تم القاء القبض على المتهم (صباح محسن محمد) والمعروف بالاسم الفني (صباح السهل) من قبل جهاز الامن الخاص، بتاريخ 4 / 4 / 1993، ثم اودع في سجن المخابرات، وسبب التهمة كما مبين في الامر الاداري الصادر من رئاسة المخابرات السري هو تهجمه على شخص الرئيس المخلوع وعائلته والقيادة السياسية.
نورد هنا قصة احدى ضحايا ابشع نظام استبدادي عرفه التاريخ الحديث والقديم. فلم تسلم من شره وظلمه شرائح المجتمع كافة، وهذه المرة وقع بطش النظام على احد الفنانين المعروفين للسانه وذاكرته في كشف الكثير من الحقائق والاسماء التي سنوردها لاحقاً، وقد اعترف ان الكلام بصوته، لان الخطة كانت محكمة على ضياعه واعدامه. لكنه كرر انه كان في حالة سكر (ربما ليسلم من بطش المكيدة المحاكة ضده)، ومثلما هي مدونة بملف التحقيق الذي اجراه (اياد طه شهاب)، ولم تنفع توسلاته بطلب الرحمة من الرئيس السابق.
كان الفنان صباح السهل يؤكد في اكثر من مرة في التحقيق بان هذا الكلام تفوه به في بيته وامام زوجته فقط، ولكن ولات حين مناص فقد وقع بيدٍ لا تعرف الرحمة وقلوب ما سكنتها شفقة قط وعقول مستعبدة تتقرب زلفى لرأس الصنم بقرابين من الأبرياء والمظلومين الذين قضوا على ايديهم.


التسجيل الصوتي:
ورد نص الادانة للفنان صباح السهل بعد ادانته بتسجيل صوتي سَلَفت الأشارة اليه وقد تم تفريغ الأفادة من الشريط المسجل وحسب ما مدون في ملف جهاز المخابرات وفيه الكثير من التفاصيل التي تعري مسؤولي النظام السابق من رئيس الجمهورية الى ابنائه ومروراً بأخوته ووزراء العهد المباد، والذي يطلع عليها يلاحظ مدى السقوط الاخلاقي والشذوذ السلوكي والتربية المنحرفة لدى هؤلاء الذين كانوا يقودون سدة الحكم.
وبالنظر لاحتواء ملف الادانة على الكثير من التفاصيل اقتصرت جريدة الصباح (وكما نقلتها عن مدونة الدكتور محمد مجيد) على ابرز الاعترافات مع تعديلنا (والكلام لجريدة الصباح) للعبارات التي اطلقها المرحوم السهل باللهجة العامية التي تتضمن مفردات القذف والتهجم على ازلام النظام السابق بلغة فاحشة لا تتماشى مع توجهات الصحيفة ولغة الصحافة واليكم ما تضمنه التسجيل بصوت الفنان السهل وحسب ما مدون في الوثيقة:
صباح: عدي والفنانات العرب بعد انتهاء حفلة المطربة سيمون، الناس كلها تطلع من القاعة بعد انتهاء الحفلة، (طالب القره غولي) يقول لسيمون: اكعدي! يابه ليش اكعد موخلصت الحفلة اريد اروح! قال: عندنا اوامر انه تبقين! يابه طالب كلتله ليش تبقه؟! كلي صباح انت مالك علاقة!
اباوع فوك اشوف عدي والعصابة مالته فوك، اكو صالة فوك، الحماية نزلوا واخذوها. وحق هذا الماي، شاورني (ياسين الشيخلي) يتمضحك كلي صاحبك (يقصد طالب القرة غولي) ظل يكود لعدي.
بس فلتت منهم وحدة، حتى (ماجدة الرومي) اخذوها، بس فلتت (امينة فاخت)، انهزمت واخذت تكسي من الشارع وعافت فرقتها الموسيقية، هم جان عدي فوك وكال احجزوها، لكن (امينة فاخت) شلعت!
زوجته: مو اني ما اصدك ليش ينزلون سمعة العراق لهذه الدرجة؟
صباح: وداعتج هي بالضبط! ليش ما تصدكين، مو اني بالوسط الفني واعرف.
زوجته: يعني اكول معقولة! سُمعة ابوهم؟
صباح: ابوهم انكس منهم! ابوهم كله هنديات وفرنسيات، هذا صدام من يسكر يطلع الزباد من حلكه!
زوجته: منو؟!
صباح: صدام حسين، وحق هاي النعمة، ما عنده غير السكر والبنات لعد شنو هاي الصورة اللي تشوفيها انتي بالتلفزيون والاعلام تختلف عن الحياة الطبيعية. هذا (سعد) نسيب (ابو علي) هذا يكوّد لعدي، شكو بنات بالمعهد او بالاكاديمية يجيبهم. لعد شعبالج، وحق هاي النعمة البارحة كدامي اجتني وحدة، كالتلي انت موصديق عدي، بنات ياخذوهن بالكوة، الكلية تمنح شهادات لو..... شلون احنا درسنا في المعهد.
زوجته: زين شلون يفتهمون لعد هالفهم هذا؟
صباح: مو فهم هذا سياسي. العصابات الدولية يعرفوها كلش زين. (برزان) بدايته معروفة على الشقاوات اللي بغداد. بالبداية الشقاوات كلهم خلاهم يكتلون الحزبيين المعروفين اللي جانوا كبله، كلهم اغتالهم، بعدين كتل الشقاوات اللي كتلوا هذولة في النهاية. لا دراسة ولا صخام هذا بالثالث راسب.
زوجته: معقولة؟!
صباح: هذولة عصابة، عزايمهم سهر وليل. عدي ما له علاقة بالاذاعة والتلفزيون، اله علاقة بـ(عادل عكلة ومحمود انور) وهسه هل الايام (كاظم الساهر وعلي العيساوي) يومية حفلات وهو كاعد بيها.
كنا انا و(قيس) -المقصود هو الفنان (قيس حاضر)- كاعدين وراح عدي للتواليت، (قيس) كال كوم نطلع احسن، ولما كانا في الممر لاكينا ابن رئيس الجمهورية عدي الكلب. (قيس) كال ما نسلم عليه راح يسلم علينا، سألني؟ لو لازم نسلم عليه؟! كتله قابل نحتقره ونطلع منسلم عليه. لاكاني بوجهي، كال: ها صباح شو انت ماكو، كتله الشغلة يمكم، شما اسأل التنسيق يكولولي يمكم الفوق انتم الفوق. فقال –عدي-: لا ما يكون الا خاطرك طيب.
من طلعنا كلي قيس بغضب موكتلك، لاتسلم عليه، كتله قابل يلاكينا ابن رئيس الجمهورية بالممر ومنسلم عليه. هم الهم كعداتهم وكحابهم، اني ليش انهزمت.
زوجته: الرئيس يسمع هيج يسوي ابنه؟
صباح: لا... يسمع الرئيس ويدري بأبنه ويسكتله، قتل المرافق ماله، الخادم اللي يشيل سترته ويداريه، كتله وعفه عنه، مو قتل (كامل حنا)، على اساس سجنه، كلاوات، بعدين وزارة العدل تطلب الرحمة من صدام حسين بخصوص عدي، شنو ها الكلاوات. يخطفون المرأة، ذولة كرايبهم واخوان الرئيس وولد خير الله (يقصد خيرالله طلفاح).

كما يسترجع الفنان صباح السهل شيئاً من ذكرياته ضمن الشريط المسجل والمدون في ادانة في ملفات المخابرات، على صعيد التربية التسلطية وبعض ما خلّفوه من عقد سادية لدى ابنائهم. ومعاملة الاخرين وحتى الفنانين وكأنهم عبيد، اقتداءً بآبائهم. يذكر الفنان صباح السهل في نفس التسجيل:
انه رحت لتكريت أغني بحفلتين، رادوا يكتلوني اني و(امل خضير وسهام محمد)، نجدة اجت حمتنا رادوا يبوكون (امل وسهام)، اطفال بعمر 14 ـ 15سنة، بايدهم مسدسات، وفي نيتهم ان ياخذوهن، صدام حسين كلاوجي وسختجي. يغارون من كل الشعب ومن المحافظات، لانهم عشائر وعندهم اصل، وهـم ماعدهم اصل.

يستطرد السهل وهو يكشف عن واقع الفن في العراق، وان دائرة الاذاعة والتلفزيون صارت بيد ابناء المسؤولين، وكذلك يتنبأ بأعدامه ويذكر ان ولد خير الله طلفاح: (أكو واحد يحجي وياهم، بالنعال يضربون مدير التلفزيون ومدير الاذاعة).
زوجته: معقولة ينزلون هل نزلة؟!
صباح: معقولة شنو، انت شعبالج، هذوله سفلة كاولية، جان يدكون بالربابة، هذولة عصابة بالجعيفر والله اني مستعد ان انعدم واحجي هذا الحجي واموت، احجي وارتاح، خلي يعدموني روحي كليلهم، واني اواجه هذولة السفلة. انه موعندي علاقات ويه ناس بالمخابرات والقصر ويحجولي، حجي يخبل من يسكر صدام يخر من حلقه الويسكي والزباد، وجلساته بيه بنات هنديات واسبانيات وفرنسيات... (الله اكبر) كلها كلاوات.

وكأي انسان رافض لظلم صدام وحكم عائلته، كان صباح السهل ناقماً على الوضع المزري للعراق، الذي تحول الى اقطاعية يتصرف بها الصداميون والبعثيون بمجون واستهتار، فهو يذكر في حوار مع زوجته العشائر العراقية وكيف اخضعها الى سيطرته، فيقول:
صباح: بالروح بالدم نفديك ياصدام، لسان رؤساء العشائر مستولي عليهم، ماكو رؤساء العشائر، كتل وذبح الشرفاء منهم، يطعمهم ويطمهم فلوس، الانسان طماع، كل رئيس عشيرة، يشعر بضعف من صدام، واي واحد يثير غضبه يكتله ويكتل عائلته. طريقة انكليزية مضبوطة، يعني هم ازمايل الانكليز.
زوجته: بس العشائر يجونه من كل مكان؟!
صباح: صدام حول البلد الى اقطاعية وعشائرية، وانطاهم سلاح، شلون مختار المحلة ترشيه بالفلوس، اتكله جيب فلان وفلان، تطلبهم الدولة. حوّل البلد الى مجموعة اقطاعيات في كل مكان، وكل واحد يؤذي الحكومة، يؤذوه ويؤذون عائلته ويجيبوه، وهو ضد الحرية والوحدة الاشتراكية، هذا مبدأ الحزب، عبد الكريم قتلوه لأنه بنى بيوت للفقراء. احمد حسن البكر ما قبل يعتدي على ايران ويعمل حرب، استولى عليه وكتله بالابر، والاميركان سهلولة المهمة.
واخر كلمات قرأناها في ملف الفنان المرحوم صباح السهل كانت في افادته ومنها:
ان صدام حسين حقير، بس عدنان خير الله شريف، وان صدام اميركي ومتفق مع اسرائيل على ضرب النجف، خطة اميركا واسرائيل هم اللي انطوه الحبل مثل ما انطوه الحبل واعتدى على ايران.
سبعاوي، هسه دكتور ومدير الامن العامة وجان مدير مخابرات، وهو كان بنجرجي في تكريت، كلهم لا شهادة ولاشيء. هذولة لازم يخلوهم في ساحة التحرير ويقطعونهم بمنشار كهربائي، معقولة الطماطة تصير 250 دينار ابو اللحم عدي وابو الدجاج عدي، والاراضي اخذها خير الله طلفاح واشتراها بالقوة.
(انتهى الأقتباس من التسجيل الصوتي)

حيكت هذه المكيدة ضد الفنان صباح السهل من قبل جهاز المخابرات وبالتعاون مع زوجته الخائنة (الزوجة الثانية) بعد ان وعدوها بمغانم كثيرة لم تهنأ بها. حيث المُلاحض طريقة استغرابها من كلامه وكيفية محاولة تبرئة منطقتها بأن تبدي استغراباً.
يذكر الكاتب (حمودي عبد غريب) في مقالته التي اتيت على ذكرها سابقاً في جريدة البينة الجديدة: (كان الراحل يريد التعبير أمام زوجته لشعوره بالأمان ولكنه لم يع انها غادرة تكرر عليه الكلام لتقول له: آني ما (أصدك) ينزلون سمعة العراق بهذا الشكل! وأرادت أن تضرب عصفورين بحجر تهلكه وتبيض سمعتها المنحرفة أمام المنحرفين بأنها تحب السلطة والعراق وتستمر اللعبة مع صباح ليسترسل والكمين منصوب له مسبقا لتنتهي الحكاية بقول صباح :أنا أعرف كل شيء عنهم هم فاسقون منحرفون ليكرر كلامه قائلا: (لحد يصدك ما يقولونه بالتلفزيون هم بالحقيقة العكس) وهكذا رحل الى السماء بعيدا عن دنياه مغدورا).
عند أتصالي بأحد اقرباء الفنان صباح السهل الذي فضل عدم ذكر إسمه ذَكَر: (أن الزوجة الثانية للمرحوم السهل هي التي وشيت به بتسجيل صوتي وبعد اعدام صباح أُلقِي القبض على اولادها الاثنين حيث كانت متزوجة قبل زواجها من صباح وعندها ولدين من زواجها السابق وأعدموا في نفس السنة لحيازتهم المخدرات - شوف الله اشسوه بيهه-).


قرار الاعدام:
تشكلت محكمة المخابرات ببغداد بتاريخ 2 / 5 / 1993 برئاسة القاضي (ابراهيم سهيل نجم) وعضويه (راضي سعد احمد وصلاح مهدي كريم) المأذونين بالقضاء واصدرت قرارها الاتي:
القرار: حكمت المحكمة على المدان (صباح محسن محمد السهل) بالاعدام شنقاً حتى الموت استناداً لاحكام المادة (225) من قانون العقوبات الشق الثاني الفقرة الاولى، مع احتساب مدة موقوفيته اعتباراً من 4 / 4 / 1993 ولغاية 3 / 5 / 1993 ومصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة.

إطلعت على وثيقة مصورة بنص المادة القانونية 225 التي ادين بها الفنان صباح السهل ابان حكم النظام البائد فكان نصها:
(استناداً الى احكام الفقرة (أ) من المادة الثانية والأربعين من الدستور قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/11/1986 مايلي:
أولاً: يعدل نص المادة 225 من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 على الوجه الاتي:
المادة (225):
1- يعاقب بالسجن المؤبد ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة من أهان بأحدى طرق العلانية رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أو مجلس قيادة الثورة أو حزب البعث العربي الأشتراكي أو المجلس الوطني أو الحكومة. وتكون العقوبة الأعدام اذا كانت الأهانة أو التهجم بشكل سافر وبقصد اثارة الرأي العام ضد السلطة.
2- ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة من أهان بأحدى طرق العلانية المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من السلطات العامة أو الدوائر أو المؤسسات الحكومية.
صدام حسين / رئيس مجلس قيادة الثورة).

يالسخرية الأقدار أن تكون هكذا وحشية قانوناً وهكذا عنجهية دستوراً يحكم بلداً بملايين النفوس؟!
والمضحك المبكي أن حتى هذه المادة (225) والتي تسمى قانوناً بعرف استهتار النظام البائد، هي لا تنطبق على ما فعله الفنان صباح السهل حيث أن الكلام الذي تفوه به كان امام زوجته وداخل بيته وهي من سجلت صوته بإتفاق مع المخابرات. فالأعدام وحسب هذه الفقرة البائسة هو لمن اهان وتهجم بشكل سافر وبقصد اثارة الرأي العام ضد السلطة. ولكن المستهترين بأرواح الناس ومن سرقوا وطناً عقوداً من الزمن لا يفقهون قانوناً ولا يعرفون العيش وسط تشريعات تحدد نزواتهم ففي فهمهم أنهم هم القانون وكل من يمسهم ببنت شفة تلفه عجلة مسننة بنصال سموها قانوناً شاء من شاء وأبى من أبى.

الذي يدقق النظر بتاريخ اعتقال صباح السهل وهو يوم 4 / 4 / 1993 وصدور حكم الاعدام وهو بتاريخ 2 / 5 / 1993 سيجد ان المدة بين استجماع فصول التحقيق في جهاز المخابرات وتشكيل المحكمة واصدار الحكم هو مدة أقل من شهر واحد فقط! لان التهجم على شخص الرئيس بألفاظ نابية تعد في عرف النظام السابق جريمة لاتغتفر ومن الكبائر التي تؤدي بصاحبها الى حبل المشنقة، لذلك طويت صفحة الفنان السهل بشكل سريع وسهل ايضاً.
ليس هذا فحسب بل مصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة، وماهو المبرر القانوني، لشخص اساء بالكلام الى الرئيس السابق بمصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة؟!
يذكر السيد (حسن الزرفي) الموظف في دائرة الضريبة بمحافظة ذي قار في اتصال معه بوصول تعميم لكتاب رسمي في وقتها تم توزيعه على الدوائر المالية بمصادرة أموال المرحوم الفنان صباح السهل.

ضيعوا ذكر الفنان وغيبوا اسمه حتى ان الكثيرين لم يعرفوا باعدامه ألا بعد سقوط الصنم كما افاد بذلك (رحمن) اخو الفنان صباح السهل في لقاء معه موجود على اليوتيوب، فبعد اعدام الفنان صباح السهل اتلف النظام البائد كافة اغانيه وتسجيلاته في الأذاعة والتلفزيون لمحو ذكره من الذاكرة الشعبية.
والسؤال هنا لماذا استهداف الفنان صباح السهل وتسجيل صوته بمؤامرة مع زوجته؟!
الجواب: فنان قربه عدي اليه، من الشطرة جنوب العراق، ابدى اعتراضه على افاعيل الوسط الفني وسياسة الحاكم وعصابته، فكيف لا يتم رصده والنيل منه.
ان اعدام الفنان صباح السهل يمثل ادانة لعنجهية نظام تحكم برقاب العباد وأرزاقهم. نظام حول العراق لدوائر أمنية ولمنظمات سرية. اعدام وسجن ومصادرة اموال وتعتيم رهيب ومتابعات أمنية لمجرد التفوه برأي داخل منزل بين زوج وزوجته.
في الأتصال الذي اجريته مع (خلدون صباح السهل) سألته عن كيفية معاملة السلطات له عقب اعدام والده فأجاب: (اول ما قاموا به هو نقلي الى الموصل بعد ماكنت اداوم في بغداد ووضعوني تحت المراقبه وكل فترة يرسلون في طلبي في دائرة الاستخبارات والحزب. كانوا دائما يطلبون مني الانتماء للحزب وانا اراوغهم).
كانت اموال الفنان صباح السهل المصادرة سيارة ورصيد ضئيل في البنك فحسب ما أفاد به ابنه خلدون عن سؤاله حول هذا الموضوع فأجاب: (الدار كان مسجل باسم زوجته الثانيه ولا يوجد بيت اخر بأسمه  والسيارة لم نعثر عليها والمبلغ الذي كان في المصرف بسيط).
وعند سؤاله عن أية تعويضات وحقوق اوفت الحكومة الحالية لهم بها بعد سقوط نظام صدام فأجاب: (الدولة اعطتنا تقاعد كل شهرين وقطعة ارض في مدينة الشطره بعناها بملغ قليل).

هذه المرحلة البعثية في تاريخ العراق القت بأثرها الصميمي إجتماعياً ونفسياً لما حَصَلَ ويحصل في العراق بعد سقوط صنم الدكتاتورية.
وفي الختام وددت نقل اقتباساً حول اعدام الفنان صباح السهل بعنوان: (صباح السهل شيصبرني على فراكة): يتذكر شقيق الفنان الشهيد اللحظة التي دخل فيها غرفة الطب العدلي لأستلام جثة أخيه، يقول: لقد عرفته وميزته من بين عشرات الجثث المغطاة. بيده التي تكاد تلوح لي وتقول أخرجني! هذه اليد الجميلة التي تبدو في تناسق وكأنها خُلقت على هواه صارت الدلالة اليه في زمن أغبر يُعدم فيه حتى الفنان لو شتم الشيطان في غرفة نومه. كانت رقبته التي قدمت لنا بكرم هذا الصوت الجنوبي الهادر كانت ويا لهفي عليه محزوزه ومدماة من أثر الحبل الذي –ولعدالة السماء- عاد والتف على رقبة قاتله الجبان بعد أعوام لم تطول كثيراً. رحل صباح عنا لكنه ما مات وها هي جذوة صوته لم تطفأ وستبقى تذكرنا أن فجر الحرب ات وإن طال ليل الطغاة).
هب الهوى والتوى من عدكم يحبّاب
وعيني كحلهه الدمع ماطولكم غيّاب
كالو تجون الصبح وإتنّطرِّت عالباب
أولو جيتوا يضحك حزن وإيضيع كل عتاب

48
ساعد الله العراقيين

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

من حكم ديكتاتوري دموي يسقط باحتلال فينشأ على إطلاله حكم ديمقراطي نَخَرَه الفساد وعدم الثقة والمحاصصة الطائفية والحزبية وتغييب دور الكفاءات. كانت الخيبة والخسران والشعور بالندم لضياع الفرص تلو الفرص والتي مرت مروراً كثيراً ولم تمر مر السحاب.
فرصاً لتغيير الواقع العراقي رأساً على عقب بكافة الأصعدة الخدمية والعمرانية والعلمية والتنموية بما ينعكس ايجابياً على النسيج الأجتماعي يثبته ويعزز من ترابطه.
كانت فرصاً متاحة جداً لولا الغباء السياسي والعُهر السياسي والخبث السياسي والحقد السياسي. يغذي ذلك الغباء والعُهر والخبث والحقد السياسي غباءاً وعُهرا وخبثاً وحقداً دينياً ليزيد الركوس في الوحل ارتكاساً.
يتصدر الفساد الإداري وسوء الإدارة المشهد، يأخذ الأنتهازيون دور البطولة فيه والذين تقافزوا كالقردة للفوز بغنائم المناصب والتقرب من أصحاب الرؤوس ذات المسؤولية التي هبطت عليهم فجأة!
هناك غيرهم ممن لم يصدق نفسه يتسنم مسؤولية وادارة فلم يعتذر ويترك منصباً منحوه إياه محاصصة حزبية وطائفية ليفسح المجال للأكفأ بل أركس نفسه وأركس المسؤولية معه فخرج وحاشيته وجمعٌ من المعارف أثرياء بقدرة قادر!
الفساد الأداري وسوء الأدارة سمة رافقت الحكومات المتعاقبة بعد السقوط وكأنه أمر متفق عليه.
 
تتزامن مع الفساد هجمة إرهابية هائلة، يجتمع كل نفايات وعُقَد ووحوش المسلمين لتفيذ حملة قتل وترهيب تبدأ بتفجير وتنهي بتطاير الرؤوس.
تعضدها وتشد من أزرها فتاوى رجال دين من خلف الحدود ومن داخلها ودعاء لهم بالغلبة والنصر.
مخابرات تتلاعب بتلك الجماعات المفترسة وتحركها لتحقيق اهداف مرسومة أو لرسم أهداف جديدة، والعراقيين لا حول لهم ولاقوة، انتخبوا من أفسد في الأولى وكرروا انتخاب ذات الأحزاب والجماعات مرة اخرى لأنهم قد تم إركاسهم في وحل العملية السياسية.
اغتيالات وتصفيات وتهديدات لشخصيات نطقت لتصحيح المسار السياسي والديني، أو تهميش لهم بكل بساطة وعدم تسليط الأضواء عليهم ومنهم من هاجر ليبدأ حياة جديدة محترمة.
وسائل إعلامية تأخذ دورها التخريبي بكل جدارة. تتلاعب بالحقائق وتزيف الوقائع كلٌ حسب توجهه وغايته وقليل من تلك الغايات والتوجهات من حملت نبلاً أو مهنية لتزيد من خراب الوضع دماراً.

ميليشيات ومظاهر مسلحة خلقت جيل يعشق السلاح حد اطلاق النار على أي هدف متحرك او يكرهه حد الفوبيا فترعبه اغلاقه باب، وبينهما غالبية شعبية سلمت للواقع (وعلى الله والله كريم).

يتطور سوء الخدمات حد الأنعدام، ويتخلف الأبداع حد العدم. مشاريع وهمية ومشاريع دون المقاييس بان العيب فيها بعد شهور من الانتهاء. وصفقات وعقود فاسدة تفوح رائحة فسادها النتن عبر قارات العالم.
إهمال واسع النطاق للتربية والتعليم، وتراجع دور الجامعات ومراكز البحوث العلمية للحضيض.
هدر ميزانية الدولة لما كان سعر برميل النفط 140 دولار واكثر ولازال الهدر مستمر وسعر البرميل 30 دولار فقط في بلد قوام ميزانيته النفط.
لا معامل ولا صناعة فحتى (اللبن والقيمر) الذي تنفذ صلاحيته خلال اسبوع يتم استيراده من خارج الحدود وكذا بمحاصيل الفواكه والخضروات؟!
المضي بسرعة وبكل شطارة من سيء لأسوأ سياسياً ودينياً واجتماعياً.
هل فكر احدهم بجيل الأطفال الذي تربى وفتح عينيه على كل ذلك فماذا سيكون مصيره؟!

كلها صدمات وأزمات تفوق حد التحمل والصبر.
ساعد الله العراقيين وعسى أن يلتفتوا أن بصيص الأمل باقٍ وهو فيهم وبطريقة تفكيرهم وبطريقة رفضهم للولاءات المستعبدين فيها والتظاهر والأنتخاب بحكمة ودراية وأن يتعلموا الدرس جدياً فلقد كانت سنين قاسية ولازالت تزداد سوءاً يومياً معاشاً.

49
صديقي والدين والسياسة وابن الكلب

حيدر محمد الوائلي

لم يك بذيئا.
كانت اخلاقه مضرب مثلٍ في الشارع والمدرسة ومن ثم الجامعة. رباه اباه على مكارم الأخلاق فنال منها ما استطاع اليه سبيلا قناعة منه بها فلا إكراه في الاخلاق كما لا إكراه في الدين.
لم يرث الدين وراثة العبيد أو تلقنه على عمى مستحمر. لم يسير مع تقلب القافلة المقدسة ذات اليمين وذات الشمال بإضطرابتها المتكررة والتي يُحرم الأعتراض عليها. تحسب الأتباع أيقاظاً وهم رقود.
(ابن الكلب) التي مابرح يقولها ناقدا الدين والسياسة ورموزها يؤنثها تاره ويبقي التذكير على حاله تارة اخرى حسب الموصوف. المسؤول البعثي الذي ساهم بسجنه (ابن كلب) والمسؤول السياسي المنتخب الذي باربع سنوات حكم لم يحصل تغيير في المدينة بل ازداد الوضع الخدمي والأمني سوءاً أكثر هو الاخر (ابن كلب). و(بنت الكلب) البعثيه التي كتبت تقرير وشاية دوهم بيته على إثرها وكذا بالمنتخبة ديمقراطيا حسب كوتا النساء الفاضلات النائمات المتنعمات بمال فقراء الشعب في البرلمان ودوائر الدولة بعد سقوط النظام، مثلما تنعم ذكور السياسة بتلك الأموال مضاعفة فللذكر مثل حظ الأنثيين.
لم يكن يتذكر المرة الأولى التي استخدم فيها هذي السُبّة ولكن اكثر ترجيحاته انه كان يذم الدنيا اول مره فينعتها دنيا (بنت كلب) ولكنه ادرك لاحقا ان العيب فينا وما لدنيانا عيب سوانا.
قرأ في القران الكريم وصف الله قوما ينسلخون عن مبادئهم بقوله في الايتين 175-176 من سورة الأعراف (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ # وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). فيصفهم الله بالكلاب وربما صاحبنا اذعن لشيوع الحاق الكلب بأبنه فاضاف لها الأبن.
أتتصورون أن الذي أودى ببلد للهاوية هو ليس شيطاناً ولا من الغاويين ولا هو ابن كلب!
أتتصورون أن سبهم حرام أو مكروه أو أن القحبة ليست أشرف منهم بمئات المرات!
تاجرت تلك بجسدها الفاني فقط وربما لحاجة مادية أكثر منها جنسية ولولا فساد الدين والسياسة لما صيرتها الظروف عاهراً. لكن فساد هؤلاء اهلك الحرث والنسل وخلق جيل ذوبوه بالنزاعات الدينية والسياسية وأركسوه في مستنقع الفساد الأداري.
ما إن تناقش في فساد حزب ديني حتى يقفز بوجهك صديق الطفولة والمدرسة والجامعة. يصير عدواً لمجرد نقدك حزبه المنتمي اليه والمترامي في أحضانه أو الراغب فيه أو بالأحرى المستعبد فيه.
كل الأحزاب والمجاميع التي شاركت في العملية السياسية في العراق (الدينية منها أو العلمانية) هي فاسدة جميعاً. فاسدة بالحكم أو التمثيل أو صفقات السكوت. جرّت البلاد والعباد لهذا الخراب ولهذا الوضع المزري خدمياً وأمنياً وإجتماعياً والعيب كل العيب في هذا الشعب المسكين الذي أوصل اولئلك المسؤولين واحزاب دينهم وسياستهم لتلك الثروات ولتلك القصور التي يتنعمون بها الان هم وذويهم ويبقى الشعب الذي انتخبهم والمغلوب على أمره ذائباً في دوامة الأستهتار السياسي والأستحمار الديني.
لا بل واعادوا انتخابهم مرتين!
ماذا جنيتم من الأولى لتركسوهم بالثانية؟!
يخدرونهم بمواعظ المجالس الدينية وخطب المنابر. يرتقون اعواد منابر رسول الله يبكون وينتحبون متأثرين بقصص المتقين ومصائب الأولياء. يتأثر المسكين الجالس تحت تلك الأعواد أو المتابع لفضائية المسؤول بدموع التماسيح تلك التي جرت على خد  معاوية ذات يوم لمّا ذُكِرت أمامه فضائل امير المؤمنين علي.
ينطقون بلسان علي ويعيشون حياة معاوية.
سيزعل صديقي لمجرد توجيه نقدي لتوجه سياسي وديني منتمي له بل ربما يقاطعني. ليس لخلل في النقد ولكن لمجرد توجيهه لهم وحسب.
أتعرفون كيف صيرهم الدين السلبي والسياسة الفاسدة لمجاميع مسلوبة الرأي والفكر عبيداً خانعين لا يُسمح لهم باستخدام عقولهم إلا لسماع ما يلقونهم إياه من ترهات.
فلا يلومن أحد منكم المتطرفين وبشاعة الأرهاب، ففي داخل نفوس الكثيرين وصديقي منهم ارهاب فكري وربما يتحول لاحقاً لأرهاب فعلي دفاعاً عن حزبه أو توجهه الديني والسياسي.
ويبقى ابن الكلب (ابن كلب) لأن ذيل الكلب لا يمكن أن يستقيم وهو فصيح المثل الشعبي الدارج (ذيل الجلب عمره ما ينعدل).

50
انتخابات الشرك بالله في بريطانيا...!

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في بريطانيا في السابع من شهر ايار، انتشرت ملصقات لجماعة اسلامية في بعض شوارع مدن في بريطانيا نصها:
(Warning... Voting for Man-made law is SHIRK. Associating with Allah)
(Islam the right campaign)
وترجمة ذلك:
(تحذير. التصويت لقانون من صنع الانسان شرك. ارتبط مع الله). (حملة الأسلام الصحيح)!!

طبعاً هؤلاء المروجين لهذه الملصقات يتنعمون بمنافع اجتماعية ممتازة في بريطانيا وفق قوانين من صنع الأنسان!
يراجعون مستشفيات مجانية لهم ولعوائهم وفق قوانين وتشريعات صارمة تحفظ حقوق المرضى قام بتشريعها الأنسان!
يسكنون ببيوت مدعومة حكومياً وبخدمات كاملة وفق تشريعات سكنية ممتازة من صنع الأنسان!
لهم كامل الحرية في التعبير وفي فتح مراكز خاصة بهم وحتى في الترويج لتفاهاتهم كما حصل بنشر ملصقاتهم تلك في التحذير من المشاركة بالانتخابات العامة البريطانية وتكفيرهم للمشاركين وهو دلالة مصطلح (الشرك) الذي استخدموه، وبالرغم من ذلك لهم حق التعبير وهذه تشريعات من صنع قوانين الأنسان!
لو اعتدى عليهم احد او شتمهم (رغم استحقاقهم لذلك) فسيتم محاسبة المعتدين بتهمة العنصرية وفق تشريعات صارمة من صنع الأنسان!
يتجولون بشوارع نظيفة وحدائق خلابة ونظام سير ومرور مميز من صنع الأنسان!

هم قدموا لبريطانيا أما طالبي لجوء انساني أو سياسي وكثير منهم احتال وافترى لينال هذا الحق!
منهم طلبة جاء لطلب العلم في ارقى جامعات العالم في بريطانيا، ومنهم من جاء ليعمل بالتجارة في ارض ترعى حقوق العمل.

ماذا يتصورون بترويجهم لتلك الملصقات التي تثير الكراهية على الدين الأسلامي؟ ولماذا هذا التشويه المتكرر بأسم الأسلام؟!
في بريطانيا كما في غيرها من البلدان، هنالك سلبيات وايجابيات من الممكن التعاطي معها، والسياسيين انفسهم في هذه البلاد يتجادلون ويتناقشون ويطعنون ويبقى في اطار السياسة.
لماذا لا يناقشون هؤلاء السياسة ويشكلون حزباً سياسياً خاصاً بهم ويكفوا عن لصق تفاهاتهم بالدين الأسلامي ويستهدفون عرفاً دولياً سامياً مثل الأنتخابات ويكفوا عن لصق ما ينشرون بأسم الأسلام!
لا اعرف لماذا يستمرون هؤلاء بالعيش في هذه البلاد التي قوامها (الشرك) كما يزعمون؟!
لماذا لا يذهبون للعيش في المملكة العربية السعودية أو افغانستان حيث –وكما هو معروف- هي بؤرة ومصدر الهام هذه المجاميع؟!
لا غرابة أن يتنعم الحاكم في الخليج بسلطة صارمة واستحواذ على كرسي العرش قروناً يتوارثونها ويبطشون بها ما دام أمثال هؤلاء ورجال دينهم هم كبار رجال الدين هناك.
لذلك قرب رجال السلطة في تلك البلدان رجال الدين امثالهم وعدوهم مفتين واصحاب مدارس فكرية. كيف لا؟! وهي تمدهم بالدعم المذهل أن يبقوا في السلطة رغم انف الشعوب فاختيار الحاكم أو الأنتخابات شرك.
الشرك كما هو معروف في الأسلام هو أعظم كبائر الذنوب وترتيبه الأول من حيث الكبائر، وهو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله.

51
مَقتَلة في الشعيبة

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

كان غروباً كئيباً معتاداً في الشعيبة.
غروبٌ يتموج فيه قرص الشمس الدامي في الأفق من حرارة الأرض مع تموج شعلاتٍ نفطية لمصافٍ لا تتوقف عن استخراج النفط وطرح دخانٍ يُخيّل للناظر اختلاط بعضه مع كتلٍ غيمية صغيرة ستأفل كما ستأفل الشمس مودعة هذا اليوم الكئيب.
الشعيبة منطقة في محافظة البصرة فيها مصفاة نفط كبيرة وقاعدة عسكرية هي الأخرى كبيرة اتخذتها بريطانيا فيما سبق كأحد مقراتها لدى احتلالهم العراق وقد وقعت فيها معركة سميت بأسمها بين ثائرين والجيش البريطاني المحتل في العام 1915 مُني فيها الثوار بهزيمة نتيجة انسحاب بعضهم وتزعزع اخرين لسريان شائعات في صفوفهم فثبطت من عزيمتهم، وكان الأمرُ الأمرَ خيانة بعض رجال العشائر للثوار وتحالفهم مع المحتلين لينسحب مكسور الجناح قائد الثوار السيد محمد سعيد الحبوبي للناصرية شمال البصرة ليموت فيها لاحقاً كمداً لخيانة من خان.
رجحت تلك الأسباب كفة البريطانيين مودية بحياة الالاف، وقد كان لهذه المعركة دوراً محفزاُ لاحقاً في ثورة العشرين واستقلال العراق.

إذاً الذكرى الرئيسية لهذه المنطقة قوامها الثورة والاحتلال والقتل والخيانة بين ثائر ومحتل، ولكن ما هذا الدم الذي جرى لستة عشر عاملاً وسائقهم في مساءٍ تموزيٍ على ثرى الشعيبة في العام 2006. كان القاتل والمقتول من نفس هذه الأرض!

مضوا في طريقهم عائدين للمنازل بعد عملٍ شاقٍ في يومِ حرٍ، كان احدهم يرسم بخياله ضحكة طفلته التي وُلدت قبل ثمانية أشهر، وثانٍ منصرف عن ذكرياتٍ وخيال بغفوة ساعدته عليها نسيم الهواء المنبعث من فتحة التبريد فما عاد للرأس من طاقة على اليقظة فغلبته الغفوة، واخر ثالث لم تمنحه الشركة سوى إسبوع اجازة في شهر عسله فماج في خيالٍ وردي يداعب بأنامله خد زوجته وكاد أن يلثمها قبلة قبل أن تدوّي كركرات ضحكٍ من بقية الشلة في المقاعد الخلفية للباص المتوسط الحجم الذي يقلهم لموقفٍ طريفٍ رواه أحدهم لهم لتوقظ دوي الضحكات من عاش خيالٍ ومن غفى ليبتسموا ومن ثم يضحكوا جميعاً دونما معرفة السبب وربما لو عرف هؤلاء الثلاثة ما اضحك تلك الشلة لما ضحكوا.
يضحكون ولا يدرون ما خبأت لهم الأقدار ووحوش بشرية من ألمٍ ورعب بعد خمس دقائق.

كان السائق يضحك معهم قبل أن تمحي ضحكته وجود ملثمين على بعد خمسين متر قاطعين الطريق عليه، تصورهم للوهلة الأولى سيطرة عسكرية تابعة للجيش العراقي ولكن بعد فوات الأوان راهم ملثمين فخفف السرعة ونادى (يارب سترك).
توقف! فأندفع للباص ثلاثة ملثمين مدججين بالسلاح، جلس اثنان على دكة خلف مقعد السائق ووجّها سلاحيهما بوجه الراكبين صارخين بهم أن يشبكوا أيديهم على رؤوسهم. جلس الثالث بمقعدٍ فارغٍ في المقدمة وسلاحه صُوّبت نحو السائق المذهول.
يصرخ ملثم اخر على السائق من الخارج أن يسير خلف سيارته وحذره أن خلفه ستكون سيارة أخرى.
طمأن الراكبون بعضهم بعضاً همساً أن هؤلاء مشتبهين بهم فهم مجرد عمّال بسطاء، وما جريمتهم وجريمة عملهم؟!
فجأة! أنعطفت السيارة التي تقود الركب تلقاء الفضاء الخالي جنب الطريق فعرف الجميع أنهم ملاقوا حتفهم.
ساروا على تراب ذلك الفضاء ربع ساعة ثم توقفوا، يندفع أحد الملثمون تجاه السائق من خارج الباص يسحبه أرضاً مسدداً طلقة لرأسه أردته قتيلاً في الحال.
وسط الذهول أنزلوا البقية وأوقفوهم قرب تلة رملية تسطع في وجهوهم أضواء السيارات المركونة أمامهم ليبدأ على الفور رشقهم وابلاً من رصاصٍ تراقصوا على أثره من حرارة ورهبة وذهول ما يخترق اجسامهم المتعبة.
توزعوا على الأرض جثثاً هامدة والدماء حولهم بقعاً رطبة شربت الرمال الحارقة سيلها القاني.

طارت لبارئها ارواح تحمل إحداها ذكرى طفلة، واخرى ذكرى زوجة، واخريات ذكرى موقفٍ طريفٍ وضحكات، وسؤال دار في دماغ السائق قبل أن تثقبه تلك الرصاصة مفاده ماذا ولماذا؟!

حققت الشرطة بالجريمة في اليوم التالي ونزل خبرهم على الشريط الأخباري (مقتل ستة عشر عاملاً وسائقهم على أيدي مسلحين ملثمين في الطريق الرابط بين الشعيبة ومركز مدينة البصرة).
تكرر خبرهم على الشريط الأخباري بضع ساعات قبل أن تأتي أخبار عاجلة للقناة حول تفجيراتٍ بسيارات مفخخة ببغداد تودي بحياة عشرات القتلى ومئات جرحى اخرين.
اكتفت الشرطة من تحقيقها الرمزي واقفل التحقيق بخلاصة مفادها كالذي ورد في شريط القناة الأخباري.

ما أرخص الدم!

52
سلامي من قلبي حُسين

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

فُجِعت به أُمي وفجعتني به، تبكي عليه وهي توزع لله في ثوابه غداءاً من رزٍ ودجاج أعدته بعناية، تبكيه بحرقةٍ وألمٍ شديدين دونما معرفة التاريخ والوقائع بالتفصيل فأُمي أُميّة.
تختلط المشاعر بالسيل الهادر من حرقة القلب وألم المصاب أنه مظلومٌ قتلوه في كربلاء لدعوته لأحياء سنة جده رسول الله فكانت عقوبته الحد الأسلامي بإهدار الدم، يتركوه دونما رداء على البيداء في وقتٍ كان امبراطور المؤمنين يداعب في قصر الخلافة قرداً، يملأ جوفه خمراً، يلهمه شيطانه شعراً، يُطربه ما جاءه خبراً، بُشراً قتلوا حسيناً يا يزيد بُشراً.
لم يشفي غليله كل ما رووه له من بشاعة المقتلة فيفزّ ناكزاً بعصاه ثنايا أبي عبد الله الحسين الموضوع رأسه في طشتٍ أمامه، تأخذه غواية الشعر متمنياً أن يشهَد أشياخه ببدرٍ من مشركي قريشٍ ما شَهِد، فلطاروا فرحاً كما طار أن قد عادل دين بدرٍ بكربلاء فلقد لعبت هاشم بالحكم بما يكفي والحقيقة أن (لا خبر كان ولا وحي نزل)، عاملاً بوصية جده من إستسلم يوم الفتح أكثر من كونه أسلم أن تلاقفوا الحكم الأسلامي (تلاقف الطفل للكرة)، تلجمه زينب ابنة علي ذي فقارٍ من حكمة علمها ابوها: (أمن العدل يا ابن الطلقاء سوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد) (وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، تهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت وبُكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت).

كان اعظم مظلوم يكسر حاله القلب في التاريخ، لم يؤتى حقه من تلا قول الرب الجبار في اتيان حق النبي المختار (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، ولكن من هذا الرب الجبار ليملي على من جعلوه جبار المؤمنين ومالك رقاب المسلمين وغير المسلمين ما يفعله، فهو يجتهد ليخطأ دائماً ودائما له حظ واحد من الثواب في هذا التاريخ الأسلامي المليء بالحظ الواحد من الثواب على الدوام!

ثورة اسلامية على حكم إسلامي جائر في ذلك الوقت المبكر من الرسالة الاسلامية لهي ثورة جمعت عظيم الوعي وعميق الفكر، وأن جوراً إسلامياً في ذلك الوقت المبكر ولازال الكثير من  صحابة رسول الله أحياء لهو خطر جسيم، فكان الوقوف بوجه كل ذلك تحدٍ كبير.
كيف تجمعت تلك الألوف المؤلفة من المسلمين الأوائل وقراء القران والمصلين كثيري الصلاة في قتل ابن بنت نبيهم الذي جائهم بالقران رسولاً وعلمهم تلك الصلاة التي صلوها قبل قتلهم الحسين وهم لازلوا يتذكرون قول النبي (حسين مني وانا من حسين) و(الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة)؟!

حالة الحسين يوم العاشر من المحرم (تصعب على الكافر) ولكنها لم تصعب على أمير المؤمنين وولاته على الأمصار وقادة جيشه والجنود، بل كانت سهلة عليهم بل زادتهم فرحاً وسروراً يجمعون الناس في الطرقات والحارات وتُدّق الدفوف طرباً متراقصين شماتة في رأس الحسين ورؤوس أنصاره ورؤوس البقية من ال الرسول المعلقات على الرماح يُطاف بهن وبنساء الحسين قاطعين المدن والقفار من كربلاء العراق وحتى دمشق الشام.
خلال مسيرهم نزلوا في مكانٍ كان فيه ديرٌ فيه راهب، أسند الحرس الرمح وعليه رأس الحسين الى حائط الدير، سألهم: من أنتم، فقالوا: نحن أصحاب ابن زياد، قال: وهذا رأس من؟! قالوا: رأس الحسين بن علي، قال: ابن بنت نبيكم! قالوا: نعم! قال: بئس القوم أنتم! لو كان للمسيح ولدٌ لأسكناه أحداقنا!

تبكيه وحيداً متروكاً على العراء تعصف بجسمه العاري رمال كربلاء تلفحه شمسها ثلاثة أيام، هذا المظلوم المقدس لم يدفنوه كما دفنت كل عشيرة ابناءها وأما هو فلا عشيرة له ولا جاه، فجده من أبيه (مجرد) ابو طالب سيد قريش، وجده من أمه كان (فقط) سيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم من دلى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى (لا غير)، وأبوه كان أخو النبي وأول من امن به ولا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق والحق يدور معه حيثما دار (ليس إلا)، وأما أمه فهي سيدة نساء العالمين (لا أكثر)!
في جاهيلة الأسلام التي هي أشد جاهلية من جاهلية الشرك هذا ليس بشيء يُذكر، بل على العكس كان زيادة على الأصرار وشد العزيمة في بشاعة قتل الحسين والبقية من ال النبي فنزعة الجاهلية تفوق هدى الأسلام، فكيف لو كانت جاهلية مركبة بعنوان إسلامي.

دفنت كل عشيرة ابناءها وتركوا جثة الحسين دون رأسٍ كما جثث اهل بيته على الرمال فصرخت ناعية هذا المسكين المقدس سيد شباب أهل الجنة ولكنه كان أكثر أهل الأرض عذاباً وألماً، صرخت ببني رياح لما اخذوا الحر الرياحي وتركوا الحسين (العشيرة شالته بحر الظهيره... وهم كلمن عليه شالته الغيرة... بس ظلوا الماعدهم عشيرة).
تبكيه حيث النحيب ابلغ الكلام قصيدة من سلاسل دمعٍ على خدٍ أسمر أحرقته شمس المسير لزيارته بعد قتله بمئات السنين. تمشي بهذا الطريق رغم الخطر المحدق به من تفجيراتٍ وقتلٍ وتهديد من قِبَل أتباع من قتل الحسين فيما مضى، تتناقل الذراري وسموم التاريخ والعقائد لتعيد قتل الحسين من جديد فقد وجدوه حياً كثير الحياة أماتهم مجد ذِكره، كبيراً صيّرهم صغاراً، نوراً كشف ظلمات ما فيه يقبعون.

ما هذه العاطفة الجيّاشة التي تغمرها لدى ذكر الحسين؟!
ما عرفت الحسين كما يعرفه العلماء والباحثين، ولم تعرفه كمن كتب المؤلفات في تاريخه، ولكنها تبكيه مجلدات اخلاصٍ وموسوعة حزنٍ لفطرة نقية وكأنها تكتب في الحسين تاريخها الخاص رغم أنها لا تقرأ ولا تكتب فمال هذا البكاء يأتي من الصميم؟
هي نية خالصة لله في تراجيديا الهية بكل ما فيها من بشاعة القتل والتنكيل ارادت حسيناً بمأساته أن ينتصر وينتصر له من له ضمير وتفكر.

(يحسين بضمايرنه) يلتهب الضمير حريقاً من وجعٍ حسيني أن (ياليتنا كنا معكم) حتى (لو قطعو أرجلنا واليدين) تأتيك صارخة (كل قطرة دم بشرياني تهتف بأسمك ياحسين) متوجهة تلقاء كربلاء منادية السيل البشري العارم (جينة ننشد كربلة مضيعينهه ... بيهه زينب كالوا ميسرينهه) تناشد جابراً الأنصاري الذي ناشد أيضاً فكان الجواب (تحيرني وتذكرني يجابر لا تناشدني) يذكرها بأن كانت (زينب تلطم على الراس وتنادي يمهر حسين) تخاطب هذا الكائن الحي وسط تلك المجزرة (كللي يالميمون وين والينه) ماضية في هذا الدرب (اخذ روحي ونظر عيني لأبو السجاد وديني يسجلني).

خرج لا أشراً ولا بَطِراً في أُمة كان الشر ديدنها ودينها وبَطِرَة حد الأفراط، يُهدر دم ابناء الرسول ليهنأ اللصوص بما غنموه من تعب النبي محمد (يا يزيد محمد هذا جدي أم جدك فان زعمت أنه جدك فقد كذبت وان قلت انه جدي فلم قتلت عترته؟!) قالها الناجي الوحيد من تلك المجزرة، العليل ابن الحسين علياً في قصر يزيد لما رفعوا الأذان للصلاة وكانت رأس الحسين ورؤوس اهل بيته وانصاره مُقدّمين هدية ليزيد ليصل المؤذن لفقرة (أشهد أن محمداً رسول الله) ليُلقم يزيداً حجراً من حكمة ال الرسول، فما راعت يزيداً ولا من معه ولم تحرك من مشاعره ولا مشاعرهم قيد انملة بل بالعكس زادتهم تشفياً وغلظة.

هذا المظلوم ينتصر كل يومٍ فيه مظلوم ينتصر، فكل أرضٍ كربلاء وكل يومٍ عاشوراء.
جُدّت يا حسين بالنفس الفانية لتحيا حياةً باقية، في قلوب المظلوين والمحرومين والتعساء والبؤساء والأحرار دماً يتدفق يعطيه فرصة كي يحيا.
يمضي بدرب الشوك يدوس عليه كي يحيا.
يمضي ماسكاً جرحه الدامي كي يحيا.
يدوس برجليه المتقرحتين ليكمل مسيرته ثابتاً كي يحيا.
فدرب حياة الكرامة ملئوه بالشوك والجمر والجراحات فتحمل يا هذا الجسم كي تحيا.

أنت مجد حيث جعلك الأحرار مجداً، بينما لا مجد لمن صنع بيديه مجداً برشاوى المال وبطش السيف حتى لو كتب فيهم الشعراء والكتاب وملئوا الأوراق بأفاعي الكلمات. قد تلقفت عصا ثورتك تلك الأفاعي وألقي الشعراء والكتاب في حضرتك ساجدين، فلا مجد لهم، ولا عذر لهم سوى أنك تستحق الذكر في كل حينٍ، فنجم من كتبوا لأجله أفلّ وبقيت أنت نوراً ساطعاً في سماء الحرية والكرامة.
نروي تاريخك فيعطينا العزيمة حيث الخذلان يتربص بنا في كل مكانٍ وزمان.
في زمانٍ كثير النعام ممن يدفنون الرأس في التراب باحثين عن حشراتٍ يحيوا عليها، ولماّ رفعوا الرأس وجدوك شامخاً تأبى للرأس الكريم إنحناءاً، فدفنوا الرأس من جديد.

ثورتك يا حسين لتغيير الفكر لا لتغيير الحكم، لتحرير الضمير لا لتحرير قصر الخلافة، ثورة لكسب الكرامة لا لكسب الغنائم، فأنتصرت ثورتك رغم قتلك وأنصارك، انتصرت من يومها ولليوم.
سلامي من قلبي لحسين المظلوم الذي ينتصر كل يوم كلما إنتصر مظلوم على ظالم.
سلامي من قلبي لحسين الثائر الذي ما انتصر له ثائر إلا وإنتصر.
سلامي من قلبي لحسين المصلح فأنتصرت له كل دعوة إصلاحٍ وإنتصرت.
سلامي من قلبي حُسين.

53
المنبر الحر / يوميات
« في: 14:13 13/10/2014  »
يوميات

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

يعصره الألم ويشعر أن هواء المنزل بات خانقاً، فيخرج للشارع للا شيء، المهم الخروج.
يمشي حيث اللا شيء تاركاً المهمة لرجليه تقودانه كيفما اتفق على اديم ارض هذه الأجساد، ماتوا فنسوا كما سيموت ويُنسى، يسير في غيبوبة من تفكيرٍ وسَرَحانٍ ما أوقظه منه إلا دَوي زحلقة اطارات سيّارة كادت تدهسه.
ألالم ليس من الأمراض بل من الأعراض، هذا ما أخبر به الطب قديماً وحديثاً. تعصر الامك لتخرج دمعة أو اهات تخرج مع نفثات سيجارة أو (اووووف) من ضجر.
يُقبض النهار ليحيا الليل الطويل وأحلى ما فيه الخلوة، يقلب بالريموت محطاتٍ ومحطات ويتذكر أن ما فات مما يُسمى حياة هي أيام عمره التي مضت وتمضي وستمضي كمضي القناة تلو القناة بكبسة زرٍ في أجزاءٍ من الثانية.
يفتش عن ضحكٍ لعله مخبأ في فلم أو مسلسل أو مسرحية أو حتى اعلانٍ تجاري لتذهب عنه كدر وغم ما سمعه وشاهده في نشرة الأخبار من قتلٍ وتفجير وفساد لقناة شريفة جداً تضيف من عندها لتسيء أكثر وتتلوها تغطية اعلامية لا تقل بالشرف جداً عن النشرة ومحلل سياسي (كلب بن كلب) بعدها.
انتهت قائمة القنوات ولكن لم ينتهي عمره بعد فله يومٌ جديد سيبدأه في الغد سيكون ربما أسوأ من أمسه ولو تساوا فلله الحمد والمِنّة ولو كان أفضل فيا لمحاسن الصدف.
ما قيمة هذا العمر وهذه اليوميات التي يأكل يابسها أخضرها، وماهو هذا الحاضر الذي تهرب عنه بذكريات ايام ماضية تداعب بها شرودك بصفناتٍ لم يصفنها (مطي) في حر شهر اب (اللهاب).
من تساوا يوماه فهو مغبون، مقولة سمعها من ذي قبل فعرف أنه مغبون (بن 16) مغبون.
يهرب من حاضره بذكرى ماضيه وعندما كان ماضيه وقتذاك حاضراً كان يهرب منه أيضاً بذكريات أقدم لم يعشها بل قرأ عنها وعرف مما قرأه أنها كانت أفضل لدى مقارنته إياها بواقعه المعاش.
ليس هو فحسب بل مجتمعه الذي يبات سكراناً على ذكرى الحضارات القديمة وماثرها وينبوع الخيرات المتدفقة التي ألبسته وإياهم جلباب الألم لا من خيرها (معاذ الله) وكثرته، بل لما فعلت ببلده وقادت على قدر كثرتها أن تصبح كثرتها كشحتها بل أشح.

ليس محظوظ...!
ولو صادفه الحظ مرة فالحظ محظوظ...! من (خرب بالحظ)...!

أهي حياة تلك التي يعيشها من يتنفس فيها باحثاً عن ملجأٍ ليفرّ من واقعه، يفرّ من نفسه بأحلام يقظة، يفرّ منها بصفنات تطول وتقصر حسب المنغصات.
نعيب زماننا والدنيا وحبها وكم هي زائلة ولا تساوي (عفطة) ونروي قصص خيانتها، أهي تلك التي نعمل كالحمير من أجل أن نحياها ونحيا وجعها وهمها، وماله ومالها ولهمها.

مال هذا الصداع لا ينتهي، وماهذا الضجيج الذي يدوي في الرأس عند لحظة الهدوء، سياط تجلده جلد العبيد.
هذه الراحة الحلم، وهذا العمر الذي يقضيه من يقضيه سكراناً بحياته اليومية ولا يصحا إلا عندما ينام ليعيش، وحتى عندما تنبعث في روحه الروح عند نومه فتنغص عليه (قاعدة بيانات) من ذكريات تخرب عليه أحلامه فتقلبها كوابيس ينتفض على أثرها من فراشه ليجد نفسه في ذات الكابوس.

مال لهذه النغمات ما عادت تطرب القلب، ومال هذه القصائد ما عادت تلهب اللب تشيّطه ولهاناً من سحر البيان، ما عادت كذلك، أهو سوء الحظ أيضاً (من خرب بيه).

يستمر البلاء ويستمر الألم ويعيش ما بقي له من أيام ولله المشتكى وعليه المعوّل، ولكنه لا يستسلم للألم والحسرة والهموم فقرر التحدي وأن يستمر وفي حسبانه بقعة ضوءٍ من أمل.

54
الأنتخابات والكلاوات

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

ليس مجرد أن يتكلم المرشح بأنه سيقضى على البطالة ويحارب الفساد ويقوي التعليم وغيرها يعتبر لديه برنامج انتخابي بل هو محتال بانتظار مغفلين يصدقونه.
ليس البرنامج الانتخابي بكلام ومجموعة جمل توضع قرب صورة دعائية للمرشح فالبرنامج يكون مبني على اساس دراسات وبحوث واحصائيات وخطط وتجارب ونتائج الغرض منها تطبيقها للنجاح في مهمته التي رشح نفسه لها.
تحصل مناظرات وبرامج قبل فترة طويلة من الانتخابات يناقش فيها من سيكون لاحقاً مرشحاً هذه الأفكار ويطرحها وحتى لو عن طريق كتابات وندوات لا أن تأتيه صدفة ومجرد صياغة عبارات لغرض الدعاية الأنتخابية قبل أشهر من موعد الأنتخابات وربما هو نفسه لم يصغها بل صاغها صديق له أو صاحب مكتب طباعة الأعلانات...!
في الحقيقة هنالك الكثير من المرشحين من هذا الصنف لا برنامج انتخابي ولا دراسات ولا افكار ولا خطط والمضحك المبكي أن يوجد الكثير من الشعب ممن لا يهتم ببرنامج المرشح ولا دراساته ولا افكاره ولا خططه فلقد صيّرهم السياسيون كائناً ينظر باحقاد وشهوات النفوس سياسياً وطائفياً وحزبياً أكثر من نظرته الفكرية والعقلانية مع الأسف، فتكفي إدعاء مرشح تبعيته لتيار ديني ولرجل دين أن ينتخبه المغفلين (عمياوي).

هنالك الكثير من الناخبين المغفلين والمستعبدين ممن يصوتون لأي مرشح بغض النظر عن فكره ومشاريعه وبرنامجه لمجرد تبعيته لتيار ديني أو حزبي فقط حتى لو جاء من خارج المدينة التي يعيش بها هؤلاء المغفلين المستعبدين كما حصل بحصد النائب السيد بهاء الأعرجي لرقم كبير من الأصوات في انتخابات 2010 لمدينة لم يسكنها سوى أيام قبل الأنتخابات ببيت فخم فهو من بغداد ومن ثم ترك الناصرية وأهلها ورحل فقد فاز لتبعيته للسيد مقتدى الصدر وما على المغفلين والمستعبدين سوى التصويت له لذلك وحسب، وكذلك نفس الأمر مع وزير العدل السيد حسن الشمري حيث رشح في نفس المدينة وفاز فتبعيته لحزب الفضيلة والشيخ محمد اليعقوبي كانت كافية للمغفلين والمستعبدين ليصوتوا له وكذلك مرشحي دولة القانون الذين بالأجماع وضعوا صورة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي خلف صورهم فكان التصويت لصورة السيد المالكي أكثر منها للمرشح وكذلك مع المجلس الأسلامي الأعلى وصورة السيد عمار الحكيم من ناخبين مغفلين ومستعبدين.
كذلك الامر مع مرشحي وناخبي القائمة العراقية والحزب الاسلامي حيث تم التصويت لهم وفق شهوات النفوس واحقاد الضد الطائفي والسياسي ووقعوا بنفس خطأ الاستعباد والغفلة من قبل المهرجين من المرشحين.
مرشحون بلا برامج ولا رؤى سيكونون رهن اشارة الكبار في الكتلة وانتهى لا أهداف حقيقية لهم ولا مشاريع ولا مخططات كانت ضمن برنامج أنتخابي مفترض (كلاوات).
طبعاً ليس كل المرشحين هم كذلك بل الكثير منهم كما هو الحال مع الناخبين لننتهي من مسألة (مو كلهم) وأخشى أن يكرر هؤلاء المغفلون والمستعبدون نفس الأمر في الأنتخابات القادمة بمجرد وجود اسماء جديدة تابعة وخاضعة ومستعبدة لنفس الكتل تلك وعندها يكون الأمر مجرد (بدلنة عليوي بعلاوي).

بعد كل هذا البؤس والمآسي التي حصلت بنا ولازال الكثير من الشعب لا يفكر بالتغيير الجدي فمتى يحيين موعد التغيير يا ترى...؟!
أما سئمتم من تكرار انتخاب نفس التيارات والأحزاب المتصارعة فمتى تصبح لديكم ارادة حقيقية بإحداث تغييراً حقيقياً وجذرياً فلازال الامل فيكم معلقاً بأحداث هذا التغيير المنشود.
كن مستقلاً باختيارك وشجاعاً بأن تصوت لمرشح تقتنع به وبفكره حتى لو خالف تيارك الديني والطائفي والحزبي وأن لا تكون مستعبداً لتبعية فالسياسة والحكم شيء والأعتقاد الديني والمذهبي شيء اخر.

المتقاعسون والمتخاذلون الذين لم ولن يشاركوا في الانتخابات لفكرهم الأنهزامي والذين سيكونون بعدم مشاركتهم قد ساهموا بشكل كبير باعادة التصويت لنفس تلك الوجوه البائسة التي هم انفسهم ينتقدونها ويتكلمون عنها بكلام ناقد وربما بذيء بمجالسهم ولكنهم هم أنفسهم من ساهموا بتركهم يصلون بعدم مشاركتهم بالأنتخابات وعلى هؤلاء الأنهزاميين البائسين أن يغيروا فكرهم ويفكروا بمسؤولية في التغيير فالعراق لهم جميعاً فعسى أن تأتي وجوه جديدة بأفكار ورؤى جديدة ترى النور على ايديكم انتم اولاً بمشاركتكم بالانتخابات ومن ثم على يد من انتخبتموهم ومن ثم يكون النور على العراق فلقد سئمنا صراع الديكة من سياسيين فيما بينهم لأغراض شخصية وأحقاد ومشتهيات أوجدوها وجعلوها عرفاً بينهم وأنجرت العدوى للكثير من الشعب فورطوه بها وصيروه مثلهم ينظر ويتعامل بعداوة واحقاد وطائفية لمجرد خلافات سياسية ومذهبية بين سياسيين متنازعين.

55
رأي في الأحلام وحقيقتها وتفسيرها

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

الحلم زائر الليل الذي ربما يكون جميلاً تستيقظ على أثره مبتهجاً أو كابوساً تفزّ منه مرتعباً.
ذات الشخصان الحالمان ربما يتضادان فصاحب الحلم الجميل ربما لا يتمنى أن يستيقظ من نومه لينهي حلمه فواقعه أليم ملؤه المعاناة! وربما صاحب الكابوس حياته ملؤها الراحة والسعادة!

الكثير من الناس يهتمون بتفسير الأحلام وتداعيات الأحلام عليه وحتى لو لم يهتم به كثيراً  فيسكون بحسبانه.
من منا لم يسمع عن احلام أصبحت قصصاً يتداولها الناس ويحكون بها أنها حكم ودروس وعبر؟
من منا لم يسمع بواعظ يحكي للناس قصة حلم شخص في الزمن الحالي أو الماضي كوسيلة من وسائل وعظه؟

الحلم يا سادة بـ(برأيي المتواضع) لا ينفك عن كونه رموز شخصية تتجلى بحلم لتعكس واقع أو خيال يعيشه صاحب الحلم، وبذلك يكون صاحب الحلم وعن طريق عقله الباطن الذي غذاه بالأفكار والمعتقدات والأحاسيس من خلال حياته اليومية هو واضع هذه الرموز والدلالات وهو نفسه خير من يقوم بربط معانيها وتفسير دلالاتها ومن يحس بها.
كيف...؟!
أكثر قراء مقالتي الكرام يتكلمون لغة واحدة وربما يعرفون التواصل بلغة أخرى لتكن (الأنجليزية) وسؤالي هنا هل حَلَمَ شخص يتكلم العربية بحلمٍ كان الحوار فيه باللغة الصينية مثلاً وتواصل بها...؟!
أكيداً لا فحلمه بالعربية وربما ببعض الكلمات الأنجليزية التي هو أصلاً يعرفها.

في الأنسان عقل باطن تتجمع فيه الأفكار والتجارب والأحاسيس التي يؤسس لها ذات الأنسان فتتجلى تلك على شكل دلالات ورموز وأفكار في النوم أحياناً عندما يكون العقل الباطن بعيداً عن هيمنة هذا الأنسان الغاط في نومٍ عميق، وأحياناً تتتسرب له بأحلام يقظة لدى سيره وحيداً أو جلوسه وحيداً.
تتجلى رموز يصنعها الأنسان في حياته اليومية وبتأثير المحيط الأجتماعي والأعتقاد الديني يفسرها أنها رموز خير أو شر (أفعى، عقرب، جبل، نهر، إمرأة قبيحة، إمرأة جميلة، رجل وسيم، رجل دميم، طير، حشرة، نقود، ذهب، مسجد، كنيسة، معبد، طقوس، حشود ناس، خلوة ووحدة...ألخ) ربما بحكم تجارب الحياة الشخصية والمعتقد الديني وفحوى الحلم يربط صاحب الحلم أن الأمرأة الجميلة هي فتنة مثلما يفسرها شخص اخر أنها رحمة.
أفضل من يفسر الحلم ويربط دلالاته هو صاحب الحلم، وخير وسيلة لتذكر الحلم كي لا يتلاشى بعد الأستيقاظ هو أن بمجرد ما يستيقظ الشخص من حلمه فليبق مستلقياً على فراشه مسترخياً ويغمض عينيه ويركز في استرداد تفاصيل حلمه.
تتأثر الأحلام بمؤثرات أخرى فوجبة عشاء دسمة وتناول بصلاً كثيراً مثلاً أو فراش غير مريح ربما يجلب أحلاماً مزعجة مثلما تساعد الرائحة الزكية والخبر المفرح على جلب أحلاماً سعيده.

نبي الله يوسف (ع) في قصته الشهيرة في القران الكريم مع السجين فسرها نبي الله بدلالتها الرمزية وكذلك حلم الملك بالبقرات السمان والنحاف والسنابل الخضر واليابسات فكان تفسيرها بدلالات سنين وشبع وجوع ولمن يريد المراجعة فسورة يوسف.
ولكنه نبي! وهو ينطق عن الله جل وعلا وليس عن الهوى فحكمة الله اقتضت أن يكون الحلم وسيلة ووحي لنبيه.

هذه الطريقة (برأيي المتواضع) أفضل من الخزعبلات الموجودة بكتب تفسير الأحلام والأدهى وجود مواقع تفسير احلام اونلاين...؟!
أكثر كتب تفسير الأحلام الموجودة في المكتبات وعلى ارصفة الشوارع وكذلك مواقع انترنت متخصصة بالتفسير أكثرها مبنية على ترهات وخزعبلات وغير محققة ولا طائل منها سوى النفع المادي أو لتغذية فكر متخلف أو موروث.

طبعاً هذا الكلام عن الأحلام لمن يهتم بتفسيرها فحقيقة الأمر أن الكثير من الناس و(انا منهم) لا يهتمون كثيراً بالأحلام ودلالاتها ولا يبذلون جهداً لا بتفسير ولا بربط دلالات ويكتفون بالأعتقاد انه مجرد حلم وأنتهى الأمر.
وما فائدة هذه المقالة أذاً...؟!
لأن الناس ليسوا سواء وهي مقالة بسيطة تحمل أفكاراً للصالح العام، والعام مختلف الرؤى والأفكار كما هو معروف.

ربما يتخذ الكثير من رجال الدين الحلم وسيلة من وسائل الوعظ ولتقوية الدليل على معتقد أو فتوى أو موروث ولابد أن من القراء الكرام من سمع بموعظة كان قوامها حلم، والسؤال هنا هل أن الحلم دليل منطقي لتقوية حكم شرعي أو عقائدي؟!

كان ذلك مجرد رأي ولو خالف الرأي السائد، وليست سيادة الرأي دليل على أحقيته.

56
الدين بين قلة العطاء وكثرة الأزياء

حيدر محمد الوائلي
alwaelyhayder@gmail.com

(إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغّضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم). الأمام محمد الغزالي (رحمه الله).

هل الدين يحكمه ويتحكم فيه رجل دين؟!
وهل رجل الدين هو ذلك الرجل الذي يرتدي زي ديني (عمامة، قوفية، عباءة، وشاح...الخ)؟!
وهل أصبح الزي الديني الدليل الأول وأحياناً الأساس لتحصيل الثقة الدينية به أكثر بكثير من غيره في المجتمع؟!
وهل المجتمع أوكل أمره وعقله لرجل دين ذو هيئة دينية وأذعن لطاعته دون النظر إلى إنجازاته الفكرية والأصلاحية ودوره المؤثر في المجتمع؟!
وهل أن الدين هو فقه الحلال والحرام، أم أنه شامل لمفهوم العلم الكبير؟!

لم يكن الزي الديني في التاريخ الأسلامي حاكماً في شيء، حيث كانت العمامة والقوفية هي الزي السائد في أوساط الناس في زمن النبي محمد (ص) وفي الأزمنة التي تلته، ولم يكن حتى النبي محمد (ص) وهو أشرف الأنبياء والمرسلين وسيدهم وخاتمهم مميز عن غيره من حيث اللبس والهيئة في شيء، حتى دخل على مجلسه أحدهم فأصابته الحيرة لعدم وجود ما يميزه (ص) عن غيره من الجالسين، فقال مستغرباً (أيكم محمد)؟!

لم يكن الزي الديني والهيئة الدينية عاصماً في يوم من الأيام لأحدٍ أن يكون من أفسد الناس وأظلمهم وأقساهم في دين حرّم الفساد والظلم وقسوة القلب.
الدين عطاء وفكر واصلاح وأخلاق، فرجل الدين هو رجل عطاء وفكر واصلاح وأخلاق.
وأما من كان من رجال الدين مشهوراً ومعروفاً بسمعته الحسنه وأثره في المجتمع، فهو كما يُقال بأن سمعته سبقته، ولابد أن تكون هذه السمعة قد جاءت من العطاء والاصلاح والفكر والاخلاق وتأثيره في المجتمع لا من وراثة دينية لأسم عائلة دينية مشهورة مثلاً أو ما شابه.

هنالك الكثير من الناس المفكرين والمبدعين والمصلحين في الدين والمجتمع ولكنهم لا يرتدون زي ديني، والسؤال هنا: (هل أن المجتمع جعل منهم موضع ثقة وتقديس وتبجيل لفكرهم وأخلاقهم وعلمهم على الأقل كما وضعوا رجل الدين موضع ثقة وتقديس وتبجيل لزيه الديني وهيئته الدينية فقط؟!).
أكيداً لا...! فمن الناس من يشكك ويطعن برأي شخص ذو فكر ومعرفة ونظر لمجرد أنه شخص عادي لا يرتدي ملابس دينية بالرغم من حكمة رأيه وصواب قوله، بل نفس هؤلاء الناس يباركون ويقدسون ويهللون لرأي رجل دين من على منبرٍ ونقل تلفزيوني يجلب له الشهره اتباعه بالرغم من أن أقواله كانت عادية جداً ومكررة جداً جداً ولا حكمة فيها أًصلاً، بل منهم من طبع بمئات الالاف بيانات ومنشورات لأقواله وأفعاله وهي كلها أفعال عادية لا تستحق النشر ولا التوزيع بين الناس بهذا الشكل!

(الحكمة ضالة المؤمن) كما قيل و(رأس الحكمة مخافة الله) وليس الدين بأزياء ولا هو بعرض أزياء، بل هو حكمة وفكر وتدبر وأخلاق واصلاح وعطاء، وكما لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، فلا فرق بين رجل الدين عن غيره إلا بالحكمة والفكر والتدبر والأخلاق والاصلاح والعطاء.

سافر إمام الأزهر الشريف الشيخ (محمد عبدة) لأوربا منفياً بسبب ارائه الأصلاحية والثورية ورأى الحياة هنالك وعاد لبلد الأسلام قائلاً ما اشتهر انها له قبل عشرات السنين: (ذهبت لأوربا فوجدت إسلام ولم أجد مسلمين، ورجعت إلى بلدي فوجدت مسلمين ولم أجد إسلام)!
رحم الله الشيخ محمد عبدة الذي توفي بمرض السرطان قبل عشرات السنين، وأقول له: (يا سماحة الشيخ قد زدنا على سوء الماضي سوءاً أكثر، وصار الحال أسوأ بكثير! وتحسن حال أوربا عمّا رأيته حُسناً أكثر وصار أحسن بكثير!).
كان قصد الشيخ محمد عبدة حقوق الأنسان وتقدير الناس وحفظ كرامتهم وإحترام العلم والأبداع وتطورهم الفكري والحضاري وحفظهم للحقوق العامة والنظافة والحرية والأمان وليس القصد كيفية ملابسهم أو ماذا يأكلون ويشربون، وليس القصد بعض تصرفات سياسييهم، حتى لا يسئ الظن (البعض)، لأن (بعض) الظن إثم.

كان المعنى السائد من (التسليم) في زمن الرسول محمد (ص) هو التسليم (لله) وقد بذل (ص) جهداً كبيراً لأفهام الناس ذلك، ولكن تحول معنى التسليم فيما بعد وفاته (ص) الى التسليم (للخليفة)! حتى لو كان فاسداً، ظالماً، مزوراً، ضعيفاً، مغفلاً، شهوانياً! وكلهم كانوا ذوي هيئة دينية ويصلون ويصومون ويحجون بيت الله أكثر بكثير جداً مما يفعل المتدينون في يومنا الحاضر.
واليوم كذلك حيث أصبح التسليم من (لله) إلى التسليم لعلماء وطوائف وسياسات. كانوا فيما مضى كثيراً ما يستخدمون مسميات ذات دلالات دينية رغم مفاسدهم تلك، فخليفة الله وخليفة رسوله وأمير المؤمنين وعالم دين وفقيه وكثرة في المساجد وغيرها التي لم تكن عاصماً من مفاسد كثيرة جداً لحقت بالناس من أفعال بعض رجال دين الإسلام.
التاريخ يحدثنا عن مفاسد وسيل دماء لمجرد خلاف على كرسي الخلافة ولمجرد خلاف فكري وطائفي، ولم يكن الأمام علي وأبنيه الحسن والحسين بمعصم من ذلك رغم مكانتهم السامية في الأسلام من أن يتم قتلهم من قبل أناس كانوا يقومون الليل ويصومون النهار ويتلون كتاب الله بكرة وعشياًـ ليبقوا في كرسي الحكم ويعبثوا بالسلطة الدينية كيفما شائوا!

هذا الأسلام المزيف الذي كانوا به يحكمون الناس ويتحكمون والذي هو أكيداً ليس إسلام الله الذي نزل من عنده جل وعلا على رسوله الأكرم محمد (ص) لتخليص الناس من تلك المفاسد، ولا يقاس دين الله بتصرفات من إدعوا الأسلام وخالفوه بل يقاس بتعاليمه القيّمة الحقّة.

لقد غيروا تعاليم الأسلام وقواعده بما يتماشى مع شهواتهم وبقاء سلطانهم، كما غيروا معنى التسليم من تسليم لله الى التسليم لمن جعلوه خليفة المسلمين، وإنجرت لتصبح للتسليم لكل ما يقول رجل الدين ولحفظ الطائفة وعدم توهينها حتى لو كانت خزعبلات ولتقوية التوجه السياسي حتى لو كان فاسداً.
ويا لله من خليفة ورجل دين وتوجه طائفي وسياسي إسلامي هو يكون في صدارة من يهدر ويبذر ويفسد ويحطم مبادئ وأركان التسليم لله.
كان أغلب من امن برسول الله محمد (ص) في بادئ الأمر من المحرومين والمستضعفين ومن ضحايا الأرستقراطية والأسترقاق والتعصب القبلي، وكان كبراء العرب مستهزئين بالنبي محمد (ص) ويؤذوه، ولا أعرف كيف يحكم الأسلام ويسمونه خليفة الأسلام من (قصره) فاق نظيره ما لأباطرة أوربا وملوكها! وثروته لا حصر لها!
 
كان شرف اعلان بيان تحرير العبيد (رسمياً) لأبراهام لنكولن الرئيس الأمريكي الراحل الذي تم إغتياله سنة 1865 ولم يكن رئيساً إسلامياً أو عالماً إسلامياً، بالرغم من أن الدين الأسلامي كثيراً ما أوصى بتشريعاته بكفارة تحرير رقبة وعتقها لوجه الله والثواب الجزيل من عند لله لهذا العمل الفضيل، ولكن لم يذعن من أتخمته السلطة الدينية لفكرة المساواة تلك التي حث الله عليها تدريجياً في مجتمع كان تسوده العبودية فلم يحرمها الله دفعة واحدة بل واضب على بث تشريعات تحرير العبيد تدريجياً لكي لا يهرب الناس وينفروا حتى وفاة الرسول الأكرم (ص) لتبقى هذه العبودية والعبيد بسبب سياسات من تسنم من بعده (ص) الأمور حتى وقت متأخر من القرن العشرين حيث كان العبيد يعاملون بالذل في المجتمعات الأسلامية!
 
أحد الصحابة ممن امن بالنبي محمد (ص) وكان لا يملك شيئاً ولكن بعد وفاة الرسول (ص) قد عاصر هذا الصحابي الخلفاء الأربعة وحارب ضد الأمام علي بن ابي طالب بمعركة الجمل، ولما قُتِل تبين أن له (1000) عبد يعملون تحت سلطته وهو يدفع أجورهم يومياً!
تخيلوا حجم ثروته! وكيف جمع تلك الثروة!

إن أول من بنى قصراً في الأسلام هو معاوية بن أبي سفيان، وقد إهتم ببنائه غاية الأهتمام وإستخدم معماريين من الروم وإيران وكان يشرف عليه شخصياً ويحضر هنالك يومياً ويطيل النظر إليه تلذذاً، وكان الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري (رض) يحضر عنده كل يوم –وكان أبو ذر يومها منفياً من الحجاز الى الشام لكثرة إعتراضاته على فساد الخلافة الأسلامية وولاة المدن وقتذاك-، لقد كان أبو ذر يصرخ بمعاوية الواقف قرب قصره قائلاً:
(إن كان هذا من مالك فقد سرقت، وإن كان من مال الناس فقد خنت).
لم يكترث معاوية ولم يعر أدنى إهتمام لأحد أقدم الصحابة وأكرمهم عند رسول الله (ص) ولا لنصائحه، وأكمل معاوية بناء القصر وسماه القصر الأخضر نسبة الى لونه، فلم يدم له ولم يطل حكمه فيه!   
وكم من معاوية اليوم (وما أكثرهم) من حكام ومسؤولين وأحزاب سياسية ورجال دين كلهم ذوي هيئة دينية وكم من (أبي ذر) يصرخ بهم ناصحاً ويعطونه (الأذن الطرشة).

وها هو أحد أمراء المؤمنين وخليفة المسلمين كان قد أهدى لزوجته (نائلة) قلادة تفاخرت هي بها بأن قيمتها تعادل ثلث خراج أفريقيا! ربما بالغت بتقديرها لروعة تلك القلادة ولتفاخر بها امام النسوة!
هذا ما يحدثنا به التاريخ وكتب الحديث وهي موجودة في كتب معتبرة، والعلم نور والجهل ظلام.
لكي لا يعثر البعض بالحجر مرتين، فأغبى الأغبياء من يعثر بحجرٍ مرتين، ولمن تعثر مرتين سابقتين فهو درس كي لا يكون أغبى الأغبياء بأمتياز!

وضّح الرسول محمد (ص) قول الله عملياً والسنة مكملة للقران بقوله (ص): (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم) و(اطلب العلم من المهد إلى اللحد) و(طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) و(اطلب العلم ولو في الصين) حيث كانت الصين من أبعد الأماكن المقصودة يومها!
العلم هو كل نوع من المعارف والتطبيقات، هذا تعريفه الشامل، لكي يكون العلم مقدس كله وليس فرع فيه دون اخر.

57
المنبر السياسي / عاش ابو خليل
« في: 00:23 01/01/2014  »
عاش ابو خليل

حيدر محمد الوائلي

جيشٌ يكون جندي المشاة فيه قائد فرقة ينزل لساحة الميدان مقاتلاً هذا جيشٌ عظيم.
كانت في بندقيته طلقة أرادت أن تصنع الحدث فلم يترك لها خيانة داعش والغبراء أن تثور لتثأر لدم مغدورٍ ذنبه أنه ينتمي لطائفة لا يطيق وحوش الطائفيين أن تتركه يعيش.
كانت في بندقيته طلقة لتصنع الحدث فكانت روحه من صنعته.

لازلت فوهة بندقيته مصوبة لصدر العدو يتناوب على ضغط زنادها جموع جنودٍ كُنوا بأبي الخليل كان منهم أخي وابن عمي وصديقي ليقتلوا الوحوش ليعيش الناس.
سِر يا ابا خليل رغم مهاترات السياسيين الذين دأبوا صناعة النفاق ليوهموا الناس أنها سياسة.
سِر يا أبا خليل رغم صعوبة الظروف التي دأب سياسيون ورجال دين طائفيون وفاسدون أن يجعلوها صعبة.
سِر يا أبا خليل رغم خذلان الناصر الذين لم يشرفه أن تكون أنت المناصر لأنهم علموا أن بنصرتك سينتصر العراق.
سِر يا أبا خليل ليعيش العراق فلقد أماتوه بأبشع الوسائل وأقذرها.
سِر يا أبا خليل فالعدو أمامك والعراق من خلفك يدعو لك بالنصر.

ربما لم تكن الأجازات متاحه ولم يكن الراتب ليفي بمتطلبات المعيشة ولم تكن التسهيلات المقدمة لكم تفي بالغرض، ولكن لديكم بندقية ستهلهل لتنصر طفل تيتم بفقد أباه وأم ثُكِلت بإبنها وصديق قطعته تفجير مفخخة تقطيعاً.
خذ الثأر من وحوشٍ طائفيين فتكوا بالناس تفجيراً وإغتيالا.

ربما لا تحملون شهادات جامعية، ربما تتحدثون بطيبة القلب على النية، وربما تنتظرون كبقية الناس (راس الشهر) لتهنئوا براتبٍ لا يرقى بالطموح، ولكنكم نلتم اروع الشهادات بسوح القتال، وتكلمتم ببلاغة الدفاع المقدس كالأبطال، ووفرتم للناس أن تهنأ بنصرٍ سيأتي براحة بالٍ ولو بعد حين.

ها هو العدو أمامكم يهتف الله أكبر!
لا تأبهوا فوالله ليس الله عندهم أكبر بل شهوات النفوس والضغينة والأحقاد عندهم أكبر فأروهم كم الله عندكم كبير.
هم من حيث التلفظ مسلمين وبالحقيقة شياطين! هم مسلمون متوحشون صنعتهم السياسة والطائفية ليتركوا العدو يضحك على خيبة أبناء الأسلام ليفجروا وينحروا بمسلمين أبرياء خالفوهم بالطائفة وبالتوجه السياسي ربما.

تركو الأعداء ليصبوا جام حقدهم وغضبهم وفق ماتم توجيههم له من قبل شياطين الدين من مفتين وعلماء دين ممن جعلوا الله سعلة بغضاء على موائد القربى والغرباء.
وجدوا ضالتهم بوحوشٍ ذوي عقد نفسية ممن غُذوا البغضاء والضغينة ليعتاشوا على سفك الدماء بهائم مربوطة همهما أعلافها لا تنظر أبعد مما في السطل أمامها من تبنٍ يُعطى لها تلهو عمّا يُراد بها ولا تدري ولا تريد أن تدري ماذا سيصنع بها لتلاقي كما اتفق حتفها صمٌ بكمٌ عميٌ لا يعون غير ما يُلقّنون فويل لهما مما اقترفت أيديهم والله خيرٌ راحماً وهو أرحم الراحمين.

عاش ابو خليل.

58
الزوج لا يسمع وابتلت الزوجة

حيدر محمد الوائلي

يُحكى أن رجلاً كان خائفاً على زوجته أنها لا تسمع جيداً وقد تفقد سمعها تماماً يوماً ما فقرر أن يعرضها على طبيب أخصائي للأذن لما يعانيه من صعوبة التواصل معها ولكن وقبل ذلك فكر بأن يستشير طبيب الأسرة صديقه قبل عرضها على أخصائي، فقابله وشرح له المشكلة فأخبره الطبيب بأن هناك طريقة بسيطة لفحص درجة فقدان السمع عند الزوجة وهي بأن يقف الزوج على بعد 40 قدماً من الزوجة ويتحدث معها بنبرة صوت طبيعية فإذا استجابت لك فهذا جيد وإلا أقترب 30 قدماً فإن لم تستجب فأقترب 20 قدماً وإن لم ينفع فأقترب 10 أقدام وهكذا حتى تسمعك.

وفي المساء دخل البيت ووجد الزوجة في المطبخ منهمكة بإعداد العشاء، فقال الآن الفرصة سانحة وسأعمل على تطبيق وصية الطبيب، فوقف بباب الصالة وهي تبعد تقريباً 40 قدماً من حيث يقف عنها ثم أخذ يتحدث بنبرة عادية وسألها: حبيبتي ماذا أعددت لنا من الطعام؟!
لم تجبه...!

ثم أقترب 30 قدماً من المطبخ وكرر نفس السؤال: عزيزتي ماذا أعددت لنا على العشاء؟!
لم تجبه أيضاً...!

ثم أقترب 20 قدماً من المطبخ وكرر نفس السؤال: لـ(خاطر الله انة جوعان) ماذا تطبخين؟!
ولم تجبه كذلك...!

ثم أقترب 10 أقدام وقد دخل المطبخ ووقف خلفها وكرر نفس السؤال: أم أحمد (ما تسمعين) ماذا أعددت لنا من الطعام؟!
فألتفتت له وهي تصرخ: يا حبيبي للمرة الرابعة أجيبك، شوربة دجاج! شوربة دجاج! شوربة دجااااااااااااااااج!!

إن المشكلة ليست مع الآخرين أحياناً كما نظن، ولكن قد تكون المشكلة معنا نحن.

كثيراً ما نلعن الزمان والمكان والظرف، ونلوم السياسة والتاريخ والأقتصاد، ونلصق التهم بالغير ونعتب على الاخرين، ولم نفكر يوماً بأن نعاتب أنفسنا ونلومها وأن نعترف بالخطأ.

هي شجاعة أن تعترف مع نفسك أولاً بالخطأ وهذا مهم جداً بما يعزز من ثقتك بنفسك وأن تفكر بأن لك شجاعة الأقرار وستصبح عندك العزيمة والقدرة على التصحيح.

للأسف أن ثقافة الأعتراف بالخطأ غير سائدة في مجتمعاتنا لأسباب كثيرة منها سياسية ودينية وطائفية وإجتماعية جعلتنا طوائف وجماعات متفرقين تسيّر الكثير منا شهوات وغلّ النفوس ونغطي على خطأ من تميل له أنفسنا لأنه من طائفتنا أو من جماعتنا ونشهّر بأخطاء الغير لأنه لا تشتهيه أنفسنا.

سبب كل أزمة ومشكلة عصية على الحل هو عدم الأعتراف بوجودها وحتى لو تم الأعتراف بها فهو اعتراف لقلقة لسان لأن الخطأ بات مكشوفاً فلتخفيف وطأ النفس عليه فيقر بوجوده ليس إلا ولم يكن إقراره بالخطأ ناجم عن تأنيب الضمير وللتفكير الجدي بالمعالجة.

سيادة الخطأ في المجتمع وتكرار الأخطاء والأصرار عليها ناجم من هذه الثقافة حيث أصبح مجتمعنا العربي والأسلامي لأسباب ذكرت البعض منها بيئة حاضنة لنمو (فايروس) التخلف والجهل وسوء الأخلاق وضياع التنمية وكلها أخطاء حيث نرى الدول تنهض لأعالي المجد في الوقت الذي نتجه لنكون أسفل سافلين.
من المعروف أن الفايروس كائن ميت ما دام خارج الجسم ولكن ما إن يجد بيئة حاضنة (جسم) فيبدأ بفعله التدميري الفتاك، بل وينشر العدوى.

زاد ضياع التوجيه وغياب الوعي وإنشغال الناس بمشاكل السياسيين ونزاعاتهم ورجال الدين وطائفيتهم وبثهم للتفرقة بتعزيز روح الأصرار على الخطأ بل تقديس الخطأ وتقديس الجهل لكي لا يفرح الغير بوجود خطأ عندهم وتحسب نقطة ضعف عليهم.

منهم من يغطي على فساد إداري لجماعته وحزبه بل ويتهم من يكشف الفساد انه كشفه لأغراض سياسية، وعندما يخطب من غطى عن فساد جماعته أمام الناس فهو يصدح بالأخلاق ومكارمها والمبادئ وروعتها بما يصدع به رؤوس الخلق.
طبعاً هي حقيقة أن من يكشف الخطأ والفساد من السياسيين ورجال دين كان غرضه التسقيط فقط وليصعد نجمه ليس إلا ولم يكن غرضه الأصلاح والنصيحة.

من الأسباب التي عززت تقديس الخطأ وتقديس الجهل هو اننا مجتمع اناني ويعشق التبرير، لكل خطأ هنالك تبرير يدفع عن نفسه الذنب ليلصقه بغيره حتى ولو كان جماد وأول طريق النفاق وخداع النفس تبرير أعمى، وحتى أن البعض عنده تبرير وحيلة (شرعية) حتى لو قُبِض عليه متلبساً.
كذلك نحن مجتمع أناني يهتم الفرد منا بنظافة منزله فلا يرمي الأوساخ في الصالة ولا يبصق في غرفة النوم ولا يرمي القناني الفارغة في غرفة الأستقبال ويجتهد بصيانة منزله وحرمته، ولكن ما إن يخرج للشارع حتى يتصرف وكأنه شخص آخر فيرمي الأوساخ بأي مكان، والسائق يرميها من نافذة السيارة التي يقودها في الشارع الذي سلكه...!
في حوالي العام 2005 كان هنالك متعاقداً أجنبياً في أحد موانئ دولنا العربية وكانت مهمته الأشراف على صيانة الميناء، فصادف أن رأى من يصبغ بأحد أبواب الميناء الرئيسية من العاملين المواطنين يغش بعمله ولا يؤديه على أكمل وجه عن عمد وقصد.
طلب منه المقاول الأجنبي أن يعيد عمله مرة ثانية، ففعل ولكن تعمد العامل أن لا يقوم به على الوجه الصحيح مرة ثانية تقاعساً وكسلاً.
أصر المقاول الأجنبي على إعادة العمل وطلب من العامل أن يعيد عمله بالكامل بالشكل الصحيح وإلا سيقوم بطرده.
طبعاً بعد أن أحس العامل بالصرامة والشدة أدى عمله على أكمل وجه وصبغ الباب بالطريقة المطلوبة.
عندها قال المقاول الأجنبي للعامل: أنا لا أنتمي لهذا البلد فأنا مجرد متعاقد لفترة وسأعود لبلدي ولا يوجد عندك حرص على بلدك مثلي. أنت ابن البلد وبكل صلافة تخونه بعدم تأديتك لعملك بضمير.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبعد الدمار الشبه كامل الذي حلّ بالمانيا وسقوط الحكم النازي لم يكن هنالك جيش يدافع عن البلاد ولا شرطة تحفظ الأمن في الشوارع ولا سلطة تحكم، تلك الأيام كان هنالك صحفياً يتجول ليكتب تقارير عن ما بعد الحرب وصادف أن رأى جمع من المواطنين الألمان مصطفين في طابور منتظم من ذاته بإنتظار قدوم الحافلة ولما أتت فركبوا بكل نظام وترتيب.
فقال حينها هذا الصحفي: شعب منضبط كهذا لا يُخاف عليه.
وبالفعل فقد نهضت المانيا رغم كل الصعوبات الجمة لتصبح من ارقى دول العالم رغم إنقسامها لشرقية وغربية لتتظافر الجهود وتتوحد الألمانيتين سنة 1990 لتنهي الأنقسام واليوم المانيا على قمة هرم دول العالم بحفظ حقوق الأنسان والحرية وبالتطور والتنمية.
 
فما فعلنا نحن في الحروب التي حصلت عندنا وحتى في الثورات على الحكام فعمليات تصفية حساب وسلب ونهب وقتل وعصابات وتفجيرات وتأجيج الأزمات السياسية وتدعيم النفس الطائفي برياح الأحقاد والكراهية.

الاعتراف بوجود خطأ وخلل هو أهم خطوة للعلاج منه، ولقد قيل: ليس الفخر أن لا تسقط ولكن الفخر أن تنهض من بعد السقوط.

59
إكتسب خبرة من هذا المدير

بقلم: حيدر محمد الوائلي

من حيٍ شعبيٍ فقير بأطراف مدينة مُلِئت بؤساً وفقراً وظلماً وسكان، خرج مدير مدرسة من بيته الصغير قاصداً سوق المدينة الكبير راجياً قضاء بعض الوقت فقد أصابه الأحباط والخيبة لدى سماعه نشرة الأخبار التي أدمن سماعها والأعتراض عليها والغضب في نقاش تداعياتها.
يُسمي الناس حيه بحي (الحواسم) وهي عشوائيات وُجِدَت وازدادت بعد سقوط نظام حكم صدام يسكنها من لا يملك دار ولا عقار وليست له طاقة بدفع إيجار.

هو مديرٌ مجتهد بأداء واجبه ومحب للتربية والتعليم وتخريج أجيالٍ يفخر بها، ليس كلها فلابد من فاشلين يعكرون زهو النجاح، ولكن المهم عنده صنع فرص النجاح وبذل الجهد والأجتهاد لمعالجة مواضع الفشل.
إعتاد التأنق لدى خروجه مبكراً للمدرسة بأجمل الملابس ومتعطراً بعطرٍ جميل، من يراه يحسبه في يوم عرسه لا يوم دوامه اليومي فهو يعطي مظهره حقه ومكان عمله حقوقه بما يعكس إنطباعاً جيداً حول شخصيته خصوصاً وأن المدير والمدرس قدوة يقتدى بها في المدرسة وخارجها ويستشهد بوظيفته كمثال حسن ولو أساء فيصبح مثل سوء، مثلما كل مسؤول وموظف وأب وأم وأخ وأخت وصديق ربما هو قدوة من حيث يدري أو لا يدري لفردٍ من عائلته أو لقريبٍ له، جار ربما أو صديق أو زميل في العمل.

كان ذاهباً للسوق متأنقاً كالعادة، لم يراعه أنه سوقٌ شعبي (سوق سيد سعد) وسط مدينة (الناصرية) جنوب العراق. إصطحب معه إبن أخيه يسليه ويتجاذب معه أطراف الحديث فهو مدرسٌ أيضاً، صنوان في المسلك التربوي وشبيه الشيء منجذبٌ إليه.

كان مديرنا هذا صاحب حكمة في الحياة، ليست الحكمة التي يقرأها البعض صدفة فيُعجب بها لفترة ثم ينساها أو يتناساها ويتجاهلها، بل حكمة يؤمن بها عن دراية وتجربة وتؤثر بشخصيته ومجرى حياته.
دخل السوق متصفحاً وجوه الباعة وأنواع البضاعة وأحوال المتبضعين.
كانت السلع معروضة بترتيب جميل أو عشوائية قبيحة حسب ذوق صاحب الدكان أو (البسطة) وأغلبها ملابس وأدوات منزلية وكهربائية وفواكه وخضروات مع أكوام أوساخ من هاهنا وهاهناك تصيب ناظرها بالقرف، فالنظافة من الأيمان في حديث النبي (ص) فقط وليس من حيث التطبيق، فلا بلدية المسلمين ولا المسلمين يهمهم ذلك ولا يلتفتوا له فلا النظافة من الإيمان ولا هم يحزنون، مثلما يُلقي الكثيرون بأساسيات الدين وجوهره خلف الظهر ويُتمَسك بالزخارف والقشور والمظاهر رياءاً ونفاق.

بالرغم من ذلك لم تفارق صاحبنا الأبتسامة لدى تجواله من دكانٍ لآخر ومن فرعٍ لثانٍ ومن بائعة تصيح بأعلى الأصوات الخشنة تكرّهك بالجنس الاخر لأخرى بناعم الصوت يدغدغ مشاعرك بأن هنالك جنسٌ لطيف.
من بائعة خضارٍ تكركر ضاحكة لنكتة قليلة الأدب!! لبائعة سمكٍ تنعى بهمسٍ حزين (أبوذية) لـ(داخل حسن):
لَوَن عينك تِصل گلبي وتارة
إسيوفك گطّعت منه وَتارة
تارة إكتم بحسباتي وتارة
يهل دمعي ويورج الناس بيه...

لا تعرف ما سر فرح الأولى ومم حزن الثانية ولكنهما تفرحان وتحزنان وستعودان في اليوم التالي لممارسة نفس العمل ولربما تتبدل الأحوال فتصبح ضحكة البارحة كآبة وملل لا يُطاق، ومن نفّسّت عن حزنها بأبوذية داخل حسن تضحك بملئ الفم.
كل ذاك يعطي للسوق رونقاً خاصاً وسمفونية من ضوضاء شعبية يعزف ألحانها أبسط الناس بأبسط الوسائط وعلى باب الله يسترزقون (والله خير الرازقين).

إستمر في التجوال والوقت يمضي ليس لحاله حال، وبدا على إبن أخيه الضجر فقد مرت ساعة ولم يشتر العم شيئاً فهو يكتفي بالنظر وتقليب السلع والسؤال عن الأسعار ولم يمد يده في جيبه قط ليخرج ما فيه من كنوز بقايا الراتب الذي من المفترض أن يسد حاجة شهر للموظف ولكنه ليس كذلك أبداً فأمده بالكثير إسبوعين أو ربما ثلاث عند التوفير والأقتصاد.
ليس هو بالبخيل فرغم فقره يرفّه عن نفسه وأسرته ويجلب لهم ما يحبونه، وهو لا يكنز الأموال مثل سارقي قوت الشعب بأسم الدين والسياسة ممن ستحمى عليهم كنوزهم في جهنم وتكوى بها جباههم وجنوبهم هذا ما كسبتم وكنزتم وترفهتم به من رشوة وسرقة وإحتيال وغش وفساد إداري وتبريرات دينية وسياسية لتحصيل الأموال لأنفسكم وجماعاتكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.

مرت ساعة ثانية وثالثة ليخرج المدير من السوق الكبير كما دخل له (خال الوفاض) فلم يعجبه شيئاً ليشتريه وهنا امتعض إبن الأخ المدرس فقد مضت ثلاث ساعاتٍ بلا فائدة كما يمضى العمر لدى الكثيرين بلا فائدة سوى (الطعام والشراب والنوم و.........!!) وهكذا دواليك تمضي سني عمره ويسمها حياة.
سأل إبن الأخ عمه بإنزعاج: (ما فائدة خروجنا من البيت وذهابنا للسوق وها قد خرجنا منه بلا فائدة...؟!)
إنزعج العم من إبن الأخ...!
ليس لسؤاله وإعتراضه فهو رجل منفتح وديمقراطي يؤمن بالخلاف وأنه لا يفسد بالود قضية ليس كمثل الكثيرين من السياسيين ورجال الدين الذي أحرقوا الأخضر واليابس وزرعوا الفتن في المجتمع وسالت دماء الأبرياء لمجرد خلاف سياسي وديني وطائفي فيما بينهم وجروا الشعب إليه وأحرقوه فيه.
إنزعج من كلمة (بلا فائدة) فعرف أن خبرته في الحياة قليلة ولم يتعلم من يومه شيئاً فألتفت إليه يعطيه درساً ذا فائدة.
قال له: لا تقل لم نستفد شيئاً وأن تجوالنا بالسوق كان بلا فائدة، فلقد إكتسبنا وتعلمنا خبرة.
إكتسبنا وتعلمنا (خبرة) في أحوال السوق والأسعار وما موجود فيه وما ليس فيه ولقد تسلينا بالتجوال وقضاء وقتاً معاً، وفي المرة القادمة عندما تمر بهذا السوق تصبح لديك فكرة اولية عنه و(خبرة) فكيف كل ذلك يذهب سدى وبلا فائدة، وتقول لم نستفد شيء؟!
في كل وقت ومكان هنالك درس وعبرة وتعلم و(خبرة) وعلى الأقل تجربة ربما تكون ممتعة.

60
الأسلام شرفٌ وصمه المسلمون بالعار ج2

حيدر محمد الوائلي

وبعد....
فنحن أمة يصنع علماء شرعها الأسلامي شرعاً وفق شهوات النفوس قربة للسلطة والجاه بأسم الله ولدواعٍ سياسية طوائفاً وطرقاً دينية.
كتب الشهرستاني (الملل والنِحَل) حيث هنالك ملة ونِحلة (أي إنتحال وصناعة) فذات علماء الدين يصنعون (النِحَل) جهلاً وتعصباً وشهوة ممن اشتروا بايات الله ثمناً قليلاً.
هل تتصورون أن أناساً عاديين من صنعوا هذا الكم الهائل من الطوائف والطرق الدينية أم هم علماء متخصصون بالدين؟!

صيرت السياسة العدو طائفياً من نفس الدين وأعدوا له ما إستطاعوا من قوة السلاح ورباط السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والأنتحاريين يرهبون به من إتخذوه عدواً وفق توجيهات رجال دينٍ طائفيين هم أيضاً موجهين سياسياً ومخابراتياً بدقة لذلك، واخرون منهم لمّا يلحقوا بهم بوسائل إعلامية تدعوا لهم بالبركة والتغطية الصحفية والتحليل الداعم توثيقاً لخيبتنا لصناعة جيل التصق بفكره أفلام أكشن حقيقية لم تتقن حتى هوليوود جيمس كاميرون وتارانتينو وكلينت إيستوود طريقة تفجيراتها مثلما أتقن أبناء الأسلام تفجير بعضهم بعض والتشفي بقتل بعضهم بعض.
(إن إنتشار الكفر في العالم يحمل نصف اوزاره متدينون بغّضوا الله الى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم). الشيخ الغزالي.

يجلس رئيس كبرى الدول العربية المسلمة بمؤتمر لتكفير طائفة مسلمة من شعبه والتحريض ضدهم وطردهم من بلد وُلدوا وترعرعوا فيه وهو جالس كالحمار يحمل أسفاراً وأنصاره يصرخون تكبييييير.
أعقب المؤتمر بأيام سقوط قتلى في قرية هجم أهلها المفترسون على ضحايا أبرياء ذنبهم أنهم يتبعون طائفة إسلامية تخالف طائفتهم الأسلامية ولكن والحق يُقال من دون أن يُخرجوا قلوبهم ويمضغوها كما فعل أحدهم في سوريا فقد اكتفوا بالتمثيل بجثثهم وسحلهم في الشوارع أمام المارة.
لم يستنكر الرئيس حتى إستنكاراً لقتل أبناء جلدته الذين ذنبهم أنهم يختلفون معه بأتباع طائفة مغايرة من نفس الدين ولم يدعو لهم بالطمأنينة والسلام كما دعى لشعب إسرائيل برسالته لشيمون بيريز من وصفه بالصديق والعزيز.

 أبهرت دول خليجية صغيرة العالم بمنجزها الكبير فرغم صغر مساحتها ولكن فعلها كبير كبر مؤخرة وزير خارجيتها الذي عد حزب الله منظمة إرهابية، وهي التي سكتت عن عدوان إسرائيل ضد لبنان سنة 2006 فعدت المنظمة التي قاومت وصدت العدوان منظمة إرهابية!
دولة الأكراش المتدلية التي حكمت قرنين من الزمن كان أكبر إنجاز لهم أن نبتت على روؤسهم قرنين يطولان ما طالت الأيام ويفاخرون بطولهما ويصقلونهما ولم يشهد التاريخ أنهم نطحوا بهما أحد غير شعبهم الأعزل فأمام العالم الخارجي هما مجرد قرنان للدلالة لا أكثر.
تركوا اسرائيل وزناة ليلها ينكحون عروس عروبتنا ووقفوا عند الأبواب يسترقون السمع لصرخات بكارتها ولوحوا بقرونهم يميناً ويساراً وأعلى وأسفل دون أن يصيبوا أحداً وصرخوا فيها أن تسكت صوناً للعرض فما أشرفكم يا قرون هل تسكت مغتصبة.

ليس عند سلطان الحرمين الشريفين وخادمهما مانع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود، ولما حانت ساعة الحرب تراجعوا وتخاذلوا وخانوا الأمانة والعهد فتركوا مصر لوحدها تنفجر ماسورات السلاح على الجنود حيث لا دعم لهم ولا نصرة لتتحول حرب الأيام الستة لنكسة، ولمّا حلّ نصر اكتوبر تركوا مصر تنهشها الأزمات الأقتصادية وواقع صعب فتراجع النصر وكانت كامب ديفيد، ومن نصر تموز في لبنان لحرب طائفية ضد من إنتصر.
اليوم سفارات إسرائيل وملحقياتها تنتشر في دول العرب المسلمين ولازلنا نفاخر أن لقادتنا وزعمائنا السياسيين ورجال الدين قروناً طويلة ملفوفة بعمائم دينية وقوفيات عربية ولكن لازالت وظيفتها قروناً للدلالة فقط!

كان في فلسطين مقاومة تركت مقاومة إسرائيل وإحتلالها وإنتهاكاتها لتحارب من ناصرها ودعمها في مقاومتها.
ما دخل حماس في سوريا ليتفاجئ حزب الله الذي أرسل لحماس صواريخاً لدعم المقاومة حتى حصل ما حصل في معركة القصير التي أُجبر حزب الله على خوضها حيث تم إستهدافه ليتفاجئ أنه يُقصف بصواريخه التي أعطاها لحماس من قبل لتقاوم بها إسرائيل! 

كل هم وسائل الأعلام عندنا فبركة الأخبار وصناعتها لا نقلها، وبمسلسلات عربية ذات ميزانية ضخمة تركز على صدور ومؤخرات هي الأخرى ضخمة وسط الأبتذال في الحوار والأفكار ليسيل لعابه بعد الأفطار مسلماً ملأ بطنه بربع ما أمامه من طعام وثلاثة أرباعه للقمامة التي يحلم بربعها عوائل مسلمين بإنتظار الرحمة والشفقة.
كان ذاك في رمضان العبادة ولك أن تتخيل ما يفعلون في احدى عشر شهراً ليس لها تلك الخصوصية؟!

أكثر من يتحدث بالأخلاق الأسلامية يتناساها لدى إنهائه خطابه الأخلاقي الأرشادي، وأكثر مسلمينا الجالسين مستمعين لا يطبقونها ولا يطيقونها، ولكنهم يطيقون ويطبقون فعل الشهوات والنزوات والطائفية والأحقاد.
هي أمة كلما تحدث سياسييها ورجال دينها عن الأخلاق فسدت، وكلما تحدثوا عن النزاهة برز الفساد، وكلما تحدثوا عن الشفافية تعكرت، وكلما تحدثوا عن الحرية زيد بالقمع وتكميم الأفواه، وكلما تحدثوا عن العدل زاد الظلم، وكلما تحدثوا عن حقوق الأنسان إنتهكوه.

تخاطب العقول كما أمر الله بالحكمة والموعظة الحسنة بايات قرانية وأحاديث نبوية ليرد عليك أحدهم أن فلان وعلّان يقول قد اتخذوا مما يتم تلقينهم إياه ديناً ومن شهوات أنفسهم نهجاً ومن السياسة موجهاً فقد الفوا ابائهم على ذلك عاكفين، فكل الذي يعرفوه من دينهم قد تلقنوه كما يتلقن الحمار الأيعازات واتخذوا من غرائزهم وشهواتهم عجلاً جسداً له خوار إتخذوه إلاهاً.
سُئل رسول الله (ص) عن العجل الذي عُبد زمان النبي موسى (ع) فقال (ص): (إن لكل أمة عجلٌ وعجل أمتي الدينار والدرهم).

الكثير من السنة يطيرون فرحاً لدى سماعهم أن شيعياً تسنن والكثير من الشيعة يطيرون فرحاً لسنياً تشيع ويوتيوبات وفيسبوكيات توثق فرحة كل طائفة بمنجزهم العظيم هذا وكل حزب بما لديهم فرحون، لتبدأ المهاترات والسب والشتم تعليقاً على كل فديو وبوست (فنعم مكارم الأخلاق) (ونعم الجدال بالتي هي أحسن).
أمة تتفاخر بمليارها المسلم ولا اجدها تفاخر بمنجزها وأثرها وتأثيرها وياليتكم كنتم مليون مسلم تتبعون الأسلام حقاً وتبدعون وتنتجون (وكافي خيركم شركم).
ملابسكم مستوردة وسماعات الصوت التي تصرخون بها بخطبكم التي تبث الكراهية مستوردة وملابسكم الداخلية مستوردة وتفرشون مساجدكم بفرش مستوردة وتغسلون جيفكم بشامبوهات مستوردة وتزيلوا رائحة نتانتكم بعطور مستوردة وتربكون السير المروري بسياراتكم الفارهة المستوردة وحتى افكاركم لا تملكونها فهي مستوردة.

61
الأسلام شرفٌ وصمه المسلمين بالعار ج1

حيدر محمد الوائلي

لم تمجد أمة عارها وجعلته فخرها وشعارها مثل أمتنا التي فاخرت بقادةٍ مضوا قد أرتكبوا المجازر فأفتى لهم علماء دين زمانهم قربةً للحاكم بأسم الله أن لهم حظاً واحداً من الثواب فقد إجتهدوا وأخطأوا، ولازال على اثارهم قادة وعلماء دين في القرن الواحد والعشرين يباركون عروشاً ويلعنون أخرى وفق متطلبات السياسة والطائفية وشهوات النفوس يُدخلون نار الحرب قوماً ويخرجون منها اخرين ليتنعموا ببركة (تغليسهم) يفتون ويخطأون وينالون ذات الثواب القديم.
(اذا بلغكم عن رجل حسن حال، فإنظروا في حسن عقله فإنما يُجازى بعقله). النبي الأكرم محمد (ص).

كل أمة مر عليها في تاريخها وصمة عارٍ ولكنها صححته بشرف العلم والأخلاق إلا نحن الذين لازلنا بعارنا بل زدناه عار طائفي يتجدد.
نحن المهزومون أمام الأعداء وفيما بيننا نفاخر بقتل وتسقيط بعضنا بعضاً حريقٌ من نار الطائفية والكراهية بين أخوة أعداء من نفس الدين غيبة ونميمة وحقد وكراهية وكذب وتدليس وصراع ونزاع وسب وشتم وقذف وجدال بالتي هي أسوأ.
(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون * يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون * يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم * ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير * قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم) سورة الحجرات الأية 9-14.
طبعاً من يقرأ هذه الايات ويقارنها بفعال الكثير من المتدينين المسلمين اليوم يصيبه الذهول مما يفعلون من الذين يتلون تلك الايات مراراً وتكراراً، ولكن اخر اية من الايات السالفة الذكر هي وصفهم الدقيق.

فخرٌ لا بتاريخ أخلاقٍ بعث الله أكرم أنبياءه ليتمم مكارمها فضيعوها، ولا فخرٌ بحضارة إسلامية صنعها من عرف الأسلام من علماء نبغوا بالأخلاق والفلك والفلسفة والطب والكيمياء والهندسة وسائر العلوم حيث لم يكن يومها أرهاب السلطة الأسلامية يقتل كل العلماء بل إكتفى بقتل من يعترض عليها ليسطروا التاريخ مجازراً ممن خرجوا لا أشرين ولا بطرين طالبين الأصلاح في أمة رسول الله، وفتكاً بالثائرين المطالبين بالحقوق ضد من جعل الحكم الأسلامي ملكاً عضوضاً تلاقفوها مجرماً بعد مجرم وفاسداً بعد فاسد كتلاقف الطفل للكرة، ولكن اليوم لا فرق بين علماء ولا اناس عادين فقد شملهم حكم الفتوى بالقتل الطائفي والعنف الديني.
كان يومها الحاكم مطاع ويحرم الخروج عليه ولو جلد ظهرك وسرق مالك ولو كان ظالماً وحتى وقتٍ متأخرٍ من مطلع القرن الواحد والعشرين لتلعب السياسة لعبتها ويُلغى هذا الحكم مؤقتاً عن بعض الحكام فأفتوا بجهادٍ وربيع عربي في مناطق محددة وبقى التحريم على حاله في أخرى.
(يبقى المُلك بالعدل مع الكفر ولا يبقى بالجور مع الإيمان) النبي الأكرم محمد (ص).

عرفوا أن عالماً إسلامياً هو ابن النفيس اكتشف الدورة الدموية فأبدع بعض مسلمي اليوم بوسائل أهراق الدماء قتلاً وتفجيراً، وعرفوا أن عالماً إسلامياً هو ابن البيطار أبدع في خلط الأعشاب وصناعة الأدوية كما أبدعوا اليوم في صناعة المتفجرات والمفخخات، وعرفوا أن عالماً إسلامياً هو ابن سينا أسس لفلسفة أبهرت العالم أجمع فأتحفنا الكثير من مسلمي اليوم بالبدع والخزعبلات بأسم الأسلام.
لنا تاريخ ملؤه القيح والدم كلما أينع رؤوس أحراره حان قطافها بحد السيف الذي لم يسله حاكماً لله وفي سبيله مذ أُغمد علي فقاره لمّا فرغ من النهراوان بل لدواعي السياسة وشهوة الحكم.
نحن امة تفخر بعارها بتأويله شرفاً وتغطي على أمجادها متفاخرة بأمراء المؤمنين وخلافتهم من كانوا اولاد بغايا وأدعياء، فخليفة مسلمين دعي ابن دعيٍ يتغنى ببيتٍ لمشركٍ حارب رسول الأسلام (لعبت هاشم بالملك فلا...خبر جاء ولا وحي نزل) من على كرسي خلافة الرسول!
وخليفة اخر يسكر فيمزق القران ويلهمه شيطانه الشعري بيتاً مخاطباً كتاب الله الممزق أمامه: (وإذا حضرت لربك يوم حشرٍ...فقل يا رب مزقني الوليدُ)!
وخليفة اخر يتكأ على صدور جاريات له عاريات لدى صعود قصره الأسلامي في (لاس فيغاس) (بغداد يومذاك) يخاطب السحابة أينما تمضين خراجك لي!
واخر قائد إسلامي لدى عودته من فتحٍ إسلاميٍ بالأكراه في الدين وله شخصياً غنيمة من ألف جارية (من أين له كل هذه الفياغرا)؟!
(الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحوطنه ما درت معائشهم, فإذا مُحصوا بالبلاء قلّ الديانون). الأمام الحسين قبيل مقتله في كربلاء.

أمثالهم يحكم اليوم ولكن بطراز حديث فيحكم أرض أشتهرت بالبلاغة والأدب من لا يستطيع قراءة جملة بدون أخطاء وتلعثم فهو وريث حكم مطلق عن أبيه عن جده، ولمّا حكم حملة الشهادات بلاد العرب المسلمين بعد أنتخابات ممن خلف مسمياتهم الحزبية صفة (الأسلامي)، نسوا ما تعلموا أكاديمياً وإسلامياً وما صدّعوا به رؤوس الناس خطاباً وتوجيهاً ليطبقوا سياسة طائفية وفاسدة وجاهلة كتلك التي سلفت.
(إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تأبهوا به حتى تنظروا كيف عقله) النبي الأكرم محمد (ص).

يكفينا عاراً أن صدارة قائمة الدول بمعايير النزاهة لا يوجد بينها دولة عربية إسلامية واحدة حيث ذيل الترتيب أكثره دولاً عربية إسلامية.
أكثر الدول إيفاءاً بحقوق الأنسان والحيوان والبيئة والأمن والسلم الأجتماعي دولا ليست عربية ولا مسلمة، حيث دولنا العربية الأسلامية من أكثرها إنتهاكاً لحقوق الأنسان والحيوان (رغم تأكيد الدين الأسلامي مراراً وتكراراً على حقوق المخلوقات وحرمة إنتهاكها ولكن يبدوا أن فقط الصلاة والصوم واللحى والزي الديني من الواجبات الأسلامية عند الكثيرين من المسلمين).
ما ذنب الحيوان وتنتهكوا حقه فلربما لكم مبرراتكم (التافهه) لدى انتهاك حقوق الأنسان أنه ينتمي لطائفة ودين غير طائفتكم ودينكم ولكن الحيوانات متوحدة ولها توجه طبيعي واحد فلماذا تنتهكون حقها؟!!
تذيلنا قائمة النظافة فدولنا من أكثر الدول تلوثاً ووساخة بالرغم من أن النظافة عندنا من الأيمان، ومن أكثرها إنتهاكاً وتهديداً للأمن والسلم الأجتماعي فالأرهاب والعنف وعدم الأستقرار ماركة مسجلة بأسم أكثر الدول العربية والأسلامية، رغم أن حرمة الدماء أشد من حرمة الكعبة التي وصلت الدماء فيها سنة 63 من الهجرة لأستار الكعبة لحصد أرواح مسلمين أعترضوا على حكم خليفة المسلمين تلك السنة!
الدين الأسلامي الحنيف دين نقي، والقران الكريم كتاب نقي، وسيرة الرسول الأكرم واله الطاهرين وصحبه المخلصين سيرة نقية، ولكن للأسف أن الكثير من المسلمين أفعالهم قذرة.
الأسلام شرف وصمه المسلمين بالعار مع الأسف بسوء فعالهم.
(يتبعها بعد ايام تتمة المقالة حيث راعيت الاختصار بكتابتها ولذاك جزأتها لجزئين).

62
فوك الحمل تعلاوة

حيدر محمد الوائلي

بدلاً من أن يُحمل الشعب العراقي على أكف الراحة ويراعون مشاعره المنهارة بسبب الوضع الأمني والخدمي والسياسي البائس ويراعون وضعه النفسي الصعب جراء رعب التفجيرات ومشاهد العنف الأرهابي اليومي وبدلاً من أن (يدّلل دلال) لأنه مظلوم منذ زمانٍ بعيد ويحلم براحةٍ وعدلٍ ولو بعد حين فعلى العكس.
على العكس يتم معاملته أسوأ معاملة من قبل مسؤوليه الذين انتخبهم ذات الشعب بثلاثة طرق وجعلهم يفعلون بهم ذلك:
الطريقة الأولى:
ممن ساء انتخابهم لأنهم يتبعون لحزب وتكتل ديني معين وتم توجيه أتباعهم ممن يتعاطفون مع قيادات روحية أما ميتة أو حية للأنتخاب بأسماء اولئك ليصعدوا على ظهر من انتخبهم من الشعب متخذيه حمارهم من يوصلهم لمنافع وامتيازات ورواتب (ولا بالأحلام) فتركوا البيوت وسكنوا القصور وأغرتهم الحمايات والتشريفات والأمتيازات فنسوا ما عاهدوا الله والشعب عليه فصاروا فراعنة باسم الدين فكان القصر وفنادق الخمس نجوم مستقرهم ومستقر الحمار الأسطبل، هؤلاء نسبة مؤثرة بالأنتخابات.
الطريقة الثانية:
ممن أنتخب وأساء الأنتخاب ويفكر بالتصحيح والتغيير بعدما تبين له خطأ اختياره وكيف أن من أختارهم قد نكثوا عهودهم وخانوا الأمانة ولم يكونوا كفؤاً لها وهم نسبة مؤثرة بالأنتخابات، وسيكون لهم دور في الأنتخابات البرلمانية القادمة.
الطريقة الثالثة:
ممن لم يشارك وترك هؤلاء يتخذون الناس حميراً واكتفوا باللعن والطعن دونما تفكير بالتغيير وثورة الحرية بصناديق الأقتراع وهم نسبة مؤثرة أيضاً بالأنتخابات سلباً بعدم المشاركة أو إيجاباً بالمشاركة الفاعلة.

بدلاً من أن تعامل كل مطالب الشعب العراقي على انها اوامر وتُلبى مطالبهم وكلها مطالب مشروعة بتحسين الوضع الخدمي البائس والقضاء على الفساد المستشري في جسد الدولة والنهوض بالواقع الأمني المنهار وتحقيق نسبة ولو بسيطة من العدل والمساواة بالرواتب والأمتيازات بين الرئاسات الثلاث وبقية الشعب وبالرغم من كل هذا البؤس ففئة قليلة من الشعب (فقط) فالأكثرية تكتفي بمتابعة التلفزيون مع الأسف قد خرجوا (فقط) بمظاهرات سلمية (فقط) بمطالب محددة ومشروعة منها ما تقدم وتحديداً (إلغاء رواتب تقاعدية خيالية لمسؤولين كبار في الدولة يتقاضوها وهمة لا شغل ولا عمل) أو (لأجل توفير خدمات فقد ماتت ناس وشيبت ناس والخدمات من سيء لأسوأ) فيتم ضربهم والتضييق عليهم لأنهم قاموا بمظاهرة وغازات مسيلة للدموع (مع العلم أن دموع الشعب تصب منذ زمانٍ دونما غاز) وخراطيم مياه لتفريق المظاهرات (على أساس يقلدون شرطة الشغب باوربا فيفتحون عليهم الماي وبالهروات بس بوية باوربا خدمات توب ومعاملين الشعب باحترام وتقدير والمظاهرات هناك سياسية ويصير بيهه شغب بس احنة هنانة خدمات ما مش ابد وكلشي ماكو الله وكيلكم وماكو شغب لأن محد بيه حيل ولا الة خلك يشاغب والشرطة نعلت والد والديه من دون سبب بس تجيهم اوامر تفريق مظاهرة).

بدلاً من يعامل وسط وجنوب العراق على أنه مميز لأنه تحمل الحمل الأكبر من القتل والظلم بزمن النظام البائد والنظام الحالي برغم ثرواته الكبيرة والميزانية التي يوفرها للدولة العراقية حيث أغلبها من تلك المناطق وبدلاً من أن يعاملوه على الأقل مثل (الأنبار) (شوف شخلونة نتمنى) التي تظاهرت أشهر ولم يحصل لهم ما حصل لجنوب ووسط العراق حينما تظاهروا، ربما فعلت الحكومة والمحافظين مثلما فعل الحكم القطري بمباراة العراق واستراليا والتي خرج العراق على اثرها من نهائيات كأس اسيا بقطر وكانت أحد الأسباب المهمة للخسارة أن الحكم القطري (عربي) والعراق (عربي) واستراليا (مو عرب) فجامل الحكم (العربي) الأستراليين وظلم العراقيين بقراراته (عود شكلك علمود لا يكولون تره يجامل العراقيين لأنهم عرب مثله فكام نعل والديهم).
والعاقل يفهم.

طبعاً وبالتأكيد (وهاي ما ينرادلهه روحة للقاضي) سيقوم سياسيون بالشجب وستستنكر كتل معارضة للحكومة وللمحافظين هذا الفعل (للتسقيط السياسي وليس لمصلحة الشعب) (مو على أساس همة براسهم حظ)، والحقيقة انهم كلهم شاركوا بالفساد وبالوضع السياسي المزري الذي اوصلوا العراق اليه وكانت نتيجته وضع أمني وخدمي بائس وساهموا بهدر اموال الميزانية وزيادة بؤس الشعب العراقي، فهم منافقون بأمتياز ويلعبون على الحبلين.

سأل زميلٌ لفرعون فرعوناً: كيف ادعيت الربويبة وهذا شيء خطير؟!
فأجاب: لم يمنعني أحد ولم يعترض عليّ معترض.

63
البرلمان وقصة المائدة الكبيرة

بقلم: حيدر محمد الوائلي

أيام الحكم الملكي في العراق، كان هناك شيخ عشيرة طاعن في السن عضواً في مجلس الأعيان في الفترة التي كان فيها الراحل نوري سعيد رئيساً للوزراء، ومجلس الأعيان من أعلى السلطات وقتها.
كان شيخنا كثيراً ما يغلب عليه النعاس في جلسات المجلس لكبر سنه ويغط أحياناً في غفوة عميقة تستمر حتى يوقظوه أو يستيقظ وعندما تحين لحظة التصويت فيصوت مع من صوّت على قرارات لا يعرفها ولم يسمعها ولم يكن مركزاً عليها، فهو عندما يرى البقية يصوتون فيصوت معهم!
في أحد المرات لم يكن الشيخ نائماً و(يغفي) كعادته في الجلسات فلقد كان مصحصحاً يقظاً ويترقب الوجوه متفرساً، وكان كثيراً ما يلتفت يميناً ويساراً وعلى باب القاعة، ويحملق بالمائدة الكبيرة التي اصطف حولها الأعيان، فألتفت رئيس الوزراء الراحل (نوري السعيد) للشيخ الكبير ولنظراته الغريبة وحملقاته الغير معتادين عليها، فسأله قائلاً:
شيخنا خو ما كو شي! أشو تتلفت يمنة ويسرة وبالك مشغول!
فأجابه الشيخ: لا والله بس انة دايخ! هذا الميز الجبير الكاعدين داير ما دايره شطببه من هذا الباب الزغير!
لم يدري المسكين أن النجارين أتوا به قطعاً صغيرة وركبوه داخل القاعة!

نسبة كبيرة من برلمانينا القدامى المتنعمين بتقاعدهم الخيالي داخل وخارج العراق لخدمة فعلية لم تتجاوز حتى السنتين ومن الحاليين المتنعمين براتب خيالي يعقبه تقاعد ولا بالأحلام ومن خلفهم سياسيين ورجال دين هم من النائمين والمنومين وممن يساعدوا على التنويم ممن دمروا العراق بسوء فعالهم وتدبيرهم.
من البرلمانين من يتم توجيههم ليصوتوا بملأ إرادة الرؤوس الكبار من قبل قيادات حزبية ودينية أو من قبل البرلمانيين القياديين الغائبين عن حضور جلسات البرمان فيصوت على ما يريدوه سواء شاء البرلماني الحاضر أم أبى!
ومنهم من يصوت ويتخذ موقف لمجرد أن رجل دين شاب أو عجوز جالس في بيته ويصدر أمره لأتباعه أن يصوتوا فيصوتوا، ولو خالف برلماني ولم يصوّت لكتب تقرير ضده من (متملق) ليقوم رجل الدين هذا بفصله من الكتلة وطرده لأنه (ما يرتاحلة) ولا يتبع مثل الحمار كل ما يقول!
تخيلوا أن الكثير من البرلمانيين الجدد الذين يتحاورون ويتصارعون ويتناقشون حول الحكومة وآليتها وطريقة عملها هم القلة القليلة من البرلمانيين فأكثرهم حالهم كحالنا (ينتظرون نشرة الأخبار لمعرفة ما يُتفق على إعلانه في اجتماعات القصور المغلقة لأصحاب الروؤس الكبيرة من دينيين وعلمانيين).
ولا أعرف أأقول تعساً لنا أم لهم، فهم متقاعسين وساكتين ومتخاذلين، وكأن الوضع السياسي والحكومي لا يعنيهم بشيء.
لا يجرأ أكثرهم على التفوه بما يمليه عليه ضميره، فيسوقونه كيفما إتفق حيثما تريد الرؤوس الكبيرة التي حالت دون تفعيل آلية التصويت الألكتروني بالرغم من تخصيص ميزانية لذلك، والغرض منه منع البرلماني من التصرف بحريته لكي لا يخالف تلك الرؤوس.

من أربيل لبغداد للنجف فالموصل تدار الصفقات والمداولات في قصور الزعماء ومن ثم لا ندري إلى أين ستكون الجولة القادمة وفي أي قصرٍ من قصور السياسيين ورجال الدين فقد ولّى زمن البيوت، ويالغبائهم وغباء دينهم وعلمانيتهم حيث وقعوا في فخ القصر الذي لم يخلد بخيرٍ بانيه ولم يتنعم فيه ساكنيه فيما مضى واليوم لأنه بني على جرفٍ هار.
ظل دور البرلمان هزيل طوال سنين فهو مغلق وخارج نطاق التغطية ولا يوجد فيه إتصال حتى في وقت لاحق، فهو يغط في سبات كسبات ساكنيه من عشرات الحاضرين وعشرات الغائبين (حيث يتساوى الغائبون مع الحاضرين في الحقوق والأمتيازات وهذا من عجائب البرلمان العراقي)، فالغائبون لا يفصلون ولا يعاقبون كبقية موظفي الدولة، فهم فوق القانون ولا خير في قانون يوجد هنالك ما فوقه.

برلمانيون مسيرون منذ البداية وحتى لو حانت النهاية فليس لهم أمر ولا نهي لا في بداية ولا في نهاية، فهم ليسوا مخيرين مثل الشعب العاقل الذي إنتخبهم بملأ إرادته وبكامل قدرته العقلية التي سيفقدها قريباً بسبب الصراعات السياسية والمؤامرات الداخلية والخارجية وسوء الأحوال الأمنية والخدمية.

يرتجون من غائبين عن جلسات البرلمان ممن يتقاضون الملايين من غير كدٍ وعناء والذين لم يتجرأ (النجيفي) رئيس البرلمان أن يصدر أمراً بفصلهم أو تبديلهم لأن المركز الأول بعدد الغيابات من قائمته (العراقية)، ويليهم نواب (دولة القانون) فـ(التحالف الوطني) ومن ثم (التحالف الكردستاني) حيث ينبغي مجاملتهم كي لا يزعلوا وكي يسكتوا، وقد سكتوا بالفعل ولكنهم دائماً ما يصرحون أنهم زعلانين (على شني ما ادري)!
فكيف يُرتجى منهم حل أزمة العراق السياسية والأقتصادية والأمنية وهم الذين لم يتورعوا أن يمرغوا كرامتهم حينما ذهب بعضهم متذللاً لقصور دول الجوار طالباً دعمهم لتحصيل مكاسب سياسية حزبية وشخصية على حساب كرامة وهيبة الدولة وسمعتها، فمن السعودية لقطر وتركيا وأمريكا فإيران ، يتمرغون بتراب تلك البلدان متذللين!

كان ضمن الفائزون بالبرلمان نائبان ثبت غشهما في إمتحان الكلية المسائية التي يدرسون بها حيث قاموا بتزوير هوية وجلب شخص ليؤدي الأمتحان بالنيابة عنهم!
أتعرفون بأي كلية كانا يدرسان...؟! كلية القانون!!
أتدرون ماهي وظيفة أحدهما في مجلس النواب...؟! مقرر لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي!!
أتتصورون لأي جهة ينتمون...؟! للحزب الأسلامي العراقي!!
ولك أن تتصور كيف سيكون القانون وأي نزاهةٍ سيراقبون وأي إسلامٍ هم يتبعون!!
أفترتجون من هؤلاء خيراً في تقويم عمل حكومة وبرلمان ودولة؟!
تلك الحكومة التي لا يملك رئيسها قرارها ولا يستطيع السيطرة على وزارءها لأنتماء كل منهم لكتلة سياسية يطيعها وهي المسيطرة عليه فها هي حكومة متهرأة ومتهالكة على نفسها، أم ترتجون منهم إحداث إصلاح سياسي أو إقرار قوانين لصالح الشعب أو تنظيم عمل الدولة!

ما هذا الذي يحصل من إستهتار بحقوق الشعب وكرامته واهانة هيبة الدولة من قبل رجال دين وسياسيي العراق؟!
هذا درس آخر وكم هي الدروس ولا عبرة مع الأسف فهو درس لنا كي ننتخب في المرة القادمة سكنى مناطقنا لنعرف الأخبار منهم لا من التلفاز ونحاسبهم على تقاعسهم وممن نعرفهم ونعرف أصلهم وفصلهم.
هذا أن كان في العمر بقية وبقيت في النفس عزيمة.

لماذا (لم) و(لا) و(لن) نرى دوراً فاعلاً لـ(325) عضو برلمان فاز في الانتخابات، فكل المتحاورين الذين نراهم ونسمع عنهم في الصحف والتلفزيون والانترنت هم قلائل جداً قياساً بمجموع الأعضاء!
طبعاً والمتحاورون منهم يتحاورون لغواً دون فائدة لكي لا يفسرون الكلام مدحاً لهم فهم يتعاركون على الظهور في وسائل الأعلام وتسقيط بعضهم بعضاً ويغطي عن فساد جماعته.
كان ولا زال أكثرهم مسير وليس مخير أو مسافر للخارج ليستمتع مع الأهل والأحبة بينما يحترق العراق بنار ساكنيه وجواره، أو هم نائمين كحال الشيخ رحمه الله ويصوتون بنعم أو لا وهم لا يدرون عن ماذا صوتوا، أو مجبورين على ما صوتوا.   

64
برلمان المستهترين

بقلم: حيدر محمد الوائلي

من غاب عن واجبه بلا سبب فقد ساء الأدب، ومن لم يعاقب سيكررها ويسيء الأدب فمن أمن العقوبة أساء الأدب.
ها هي جلسات البرلمان العراقي المنتخب شاهدة على غيابات العشرات بل تجاوزوا المائة بعشرات بالرغم من أن عددهم 325 برلماني فقط، والغريب أن لا يوجد ما يوقفهم ويحاسبهم على هذا التغيب والتسيب والأستهتار، والأكثر غرابة أن يقبضوا منافعهم الخيالية وراتبهم الخيالي دون كد وعناء ومنهم من يواضب على عدم الحضور...!
لو غاب موظف حكومي عادي فيقطع راتبه وفقاً للقانون ويتم سؤاله وحسابه كما ورد في القانون ويعاقب إن تكرر ذلك بعقوبة تصل للفصل من الوظيفة على حد القانون، ولكن صناع القوانين الذين من المفترض أنهم قدوة المجتمع باحترام القانون يستهترون بكل ذلك (عينك عينك) وبكل صلافة (وانعل ابو القانون).

غيابات البرلمانيون:
ملاحظة لأمانة النقل فمصادر التقرير التالي حول إحصائيات غيابات البرلمان العراقي كالتالي: (موسوعة النهرين نت، شبكة الإعلام العراقي في الدنمارك، جريدة زهرة الصحافة، وموقع راديو نوا).

في دراسة حديثة قام بها احد الخبراء السياسيين العراقيين توضح أن أعضاء البرلمان العراقي وهو أعلى سلطة لها حق مراقبة طبيعة تنفيذ القانون قد خرقت القانون في هذا المجال، إذ لم تشر الدائرة الإعلامية في البرلمان الى أهمية مخاطبة رئيس مجلس النواب أو أحد نائبيه لتوجيه خطاب رسمي إلى النائب (أياد علاوي) في الدورة البرلمانية الجديدة للعام (2011) وهو الأكثر غيابا وتنبيهه بضرورة الالتزام بالحضور.
ملاحظة: إن الإحصائيات التالية هي لفترة سنة من سير عمل البرلمان العراقي ولمنتصف العام 2011 فقط، وللقارئ الكريم أن يتخيل لو أستمرت الأحصائية للعام الحالي (2013) الذي شهد زيادة كبيرة في التسيب والأستهتار البرلماني والأمر يزداد سوءاً وحتى قرب العام (2014) وهو عام نهاية عمل البرلمان الحالي وموعد الانتخابات الجديدة، فكم ستكون التكلفة كبيرة...!
طبعاً لما سأل الصحفي الدكتور كاظم المقدادي ببرنامجه (المنجز) في رمضان عام 2013 من على قناة البغدادية الدكتور اياد علاوي حول سبب غيابه عن البرلمان أجاب علاوي بكل استهتار: (لا توجد قوانين وتشريعات مهمة تستحق الحضور أو أصوت أو أعترض عليها حتى الان).
يعني برلمان يشرع قوانين ويصادق على اتفاقيات ويحدد ميزانية وبالرغم من ذلك لم يحرك ذلك من ضمير الدكتور علاوي لتنوير البرلمان بمقترحاته وقوانينه التي تستحق الحضور.   
إن مجموع المتغيبين عن حضور جلسات البرلمان يهدرون ما يزيد عن (4,5) أربعة مليارات وخمسمائة مليون دينار (بسنة واحدة فقط سنة 2011).

الغيابات حسب الشخصيات:
تصدر النائب (أياد علاوي) رئيس القائمة العراقية قائمة التغيب في مجلس النواب حيث بلغ مجموع غيابه (55) جلسة من أصل (61) جلسة خلال الفصل التشريعي الأول، حيث بلغ عدد حضوره لقاعة مجلس النواب (6) جلسات فقط، تلاه النائب من الحزب الإسلامي (أياد السامرائي) عن جبهة التوافق العراقي، إذ وصل تغيبه إلى (46) جلسة، ثم النائب (فلاح النقيب) عن القائمة العراقية (42) جلسة.
يذكر أن كل أعضاء البرلمان لم يقدموا أي عذر لتغيبهم سوى النائب (فلاح النقيب) قدم عذر ولجلسة واحدة فقط...!
وينص النظام الداخلي للبرلمان في مادته رقم (18) على:
أولاً: ينشر الحضور والغياب في نشرة المجلس الاعتيادية وإحدى الصحف (كلاوات كلشي ماكو).
ثانياً: لهيئة الرئاسة في حالة تكرر الغياب من دون عذر مشروع خمس مرات متتالية أو عشر مرات غير متتالية خلال الدورة السنوية أن توجه تنبيهاً خطياً إلى العضو الغائب تدعوه إلى الالتزام بالحضور وفي حالة عدم امتثاله لهيئة الرئاسة يعرض الموضوع على المجلس بناءً على طلب الهيئة (كلاوت كلشي ماكو).
ثالثاً: تستقطع من مكافأة عضو مجلس النواب في حالة غيابه نسبة معينة يحددها المجلس(كلاوات بكلاوات).
في حين أن قبة البرلمان لم تشهد اتخاذ رئاسة مجلس النواب او اللجان المختصة أي اجراء قانوني صريح كالمطالبة باستبدال الأعضاء المتغيبين أو توجيه أي إجراء قانوني يحد من ذلك.

غيابات اللجان:
وفقا للإحصائيات التي تناولت هذا المحور فأن الغيابات جاءت كما يلي:
1- لجنة المرحلين والمهجرين التي يترأسها النائب (إياد علاوي) هي الأكثر غيابا.
2- وصل غياب لجنة الأعضاء والتطوير البرلماني إلى (43) جلسة.
3- وصل غياب لجنة العلاقات الخارجية إلى (37) جلسة.
4- وصل غياب لجنة الثقافة والإعلام إلى (28) جلسة.
5- وصل غياب لجنة المالية إلى (27) جلسة.
6- وصل غياب لجنة الشهداء والسجناء إلى (24) جلسة.
7- وصل غياب لجنة الصحة والبيئة إلى (23) جلسة.
8- وصل غياب لجنة الأمن والدفاع إلى (19) جلسة.
9- وصل غياب لجنة النفط والطاقة إلى (16) جلسة.
10- وصل غياب لجنة الخدمات والأعمار إلى (15) جلسة.
ثم توزعت الساعات وفقا للجان الأقل أهمية والأقل تواصلا مع المواطن. (كل ذلك بسنة واحدة فقط فأي استهتار هذا...؟!)
من خلال ربط هذه النسب يلاحظ أن اللجان ذات العلاقة بواقع المجتمع والخدمات والتي تمس مطالب المواطنين في البلاد هي الأكثر تغيباً وهذا بطبيعة الحال يناقض كل التصريحات النيابية التي تطالب بتوفير الخدمات للمواطنين.
يلاحظ أن أكثر المتغيبين من السادة أعضاء البرلمان هم أعضاء أو مسؤولي لجان مهمة في البرلمان.
يذكر إن المؤشرات المنشورة في (الراصد) للبرلمان العراقي تبين أن كل لجان البرلمان لم تقدم طلب استجواب خلال الفصل التشريعي الأول ولم يقدم من خلالها أي طلب الحضور في جلسات والسبب في ذلك هو ارتباط العضو بكتلته أكثر من ارتباطه بالبرلمان كمؤسسة ينتمي لها قانوناً عبر أصوات الجماهير.

غيابات الكيانات السياسية الفائزة بالانتخابات:
1- (القائمة العراقية) الفائزة بـ(91) مقعد لتصبح بـ(82) مقعد بعد انشقاق تسعة منها (وقتذاك) ليؤسسوا القائمة البيضاء وبالرغم من ذلك فقد بقيت القائمة العراقية متصدرة قائمة الغيابات في البرلمان العراقي المكون من (325) مقعد حيث تجاوزت غياباتها (277) غيابا بأعضائها مجتمعين.
2- قائمة (دولة القانون) الفائزة بـ(89) مقعد وصل غياب أعضائها إلى (160) غيابا.
3- الائتلاف الوطني الفائزة بـ(70) مقعد وصل غياب أعضائها إلى (122) غيابا.
4- جبهة التوافق العراقي الفائزة بـ(6) مقاعد وصل غياب أعضائها إلى (65)غياباً (يعني غيابهم أكثر من عددهم باحدى عشر مرة...!).
5- القائمة الكردستانية الفائزة بـ(57) مقعد وصل غياب أعضائها إلى (57)غياباً.
6- ائتلاف وحدة العراق الفائزة بـ(4) مقعد وصل غياب أعضائها إلى (21)غياباً.
7- القائمة العراقية البيضاء المكونة من (9) مقاعد بعد انشقاقها من القائمة العراقية وصل غياب أعضائها إلى (10) غيابات.

إذ يلحظ وجود تغيب مفرط رغم كثرة عطل البرلمان الذي يعد أكثر مؤسسات الدولة تمتعاً بالعطل الرسمية حسب القوانين التي يعدها أعضاء هذه المؤسسة، ووفقا لهذه الأرقام فان نسبة غيابات اعضاء القائمة العراقية تصل الى 39% من مجموع جلسات البرلمان، يليها اعضاء ائتلاف دولة القانون بنسبة 22%، ثم الائتلاف الوطني 17% ثم الكردستانية 9%.
وبالتالي فأن عدد هذه الغيابات في البرلمان تكلف الشعب أموالا طائلة قدرتها الدراسة بالشكل التالي:
1- القائمة العراقية أهدرت بتغيب أعضائها (,880952) دينار، وأن أياد علاوي لوحده تسبب بهدر أكثر من (189) مليون دينار.
2- أهدر أعضاء كتلة دولة القانون بتغيب أعضائها (550) مليون دينار.
3- الائتلاف الوطني أهدر بتغيب أعضائه (419) مليون دينار.
((أنتهى التقرير))

أكرر الملاحظة السابقة وهي إن الإحصائيات السابقة هي لفترة سنة واحدة (فقط) من سير عمل البرلمان العراقي ولمنتصف العام 2011، وللقارئ الكريم أن يتخيل لو أستمر ذلك للعام 2014 وهو عام نهاية عمل البرلمان الحالي وموعد الانتخابات الجديدة، فكم ستكون التكلفة كبيرة.
إذا كانت قيادات الشعب السياسية –المنتخبة- هكذا يفعلون فكيف بباقي الجهات الحكومية والمؤسساتية التي تم تعيينها من قبلهم أو بتزكيتهم أو وفقاً للمحاصصة التي ألبسوها طابعاً شبه رسمي وجرت المفاسد كلها معها على هيبة دولة العراق وراحة شعبه، هذا الشعب المظلوم في الماضي والذي لم يتحسن حاله كثيراً في الحاضر والظلام المحيط بالمستقبل الذي لا يُكترث له كثيراً وأخشى ضياع الأمل المتبقي بترحيل الشعب من خانة المظلومية والمعاناة والقهر والحرب لخانة الراحة والطمأنينة والرفاهية والسلام.

وأكرر هنا ما قلت في مقالة سابقة بعنوان (احصائية بخسائر العراق على مسؤوليه):
ألم يحن بعد ساعة التغيير ياشعب العراق بأنتخاب غير من تكررون إنتخابهم على الدوام منذ سنة 2003 ولازلتم تكررون انتخابهم حتى سنة 2013 كما حصل في إنتخابات مجالس المحافظات...!
ألم يلد العراق كفاءات ومستقلين غير هؤلاء...؟!
ما الذي جنيتموه منهم لتعيدوا إنتخابهم للمرة الثالثة على التوالي...؟!
 
هذا درس لي ولكم جميعاً لإعادة النظر في (أكثر) من انتخبتموهم، فراجعوا فكركم فقد سلبوكم إياه، ودعوا الميول الحزبة والدينية جانياً وفكروا بالتغيير هذه المرة لكي يتعضوا ويأتي غيرهم من يفهم لماذا الشعب صوّت لغير اولئك الذين يفوزون كل مرة ويعملوا على الأصلاح بجد.
إن كل من تنددون بهم وتتظاهرون عليهم وتشهّرون بهم وتطعنون بهم (اليوم) ومن فقدتم الثقة بهم وتصفونهم بأنهم لا يكترثون وغير مهنيون ولا يوثق بهم، هم جميعاً أشخاص قد انتخبهم الشعب في (الأمس) في انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات مجلس النواب العراقي وبنسبة مشاركة شعبية واسعة وصلت نسبتها المعلنة عن المفوضية العراقية العليا المستقلة للانتخابات (76%) في انتخابات برلمان 2005 و(62,4%) في انتخابات برلمان 2010، و(51%) في انتخابات مجالس المحافظات 2013 التي جرت مؤخراً.

انتخبتم بعضهم أما عن إستعجال أو وعود كاذبة أو توجه ديني فئوي لجهة معينة بغض النظر عن كفاءة مرشحيها أو عن جهل أو كرهاً بجهة معينة فأنتخبتم من يضدها لا لكفاءة ومهنية بها ولكن لأنه يضدها وحسب، فهذا ما جلبتموه لأنفسكم بانتخابكم إياهم ففكروا بذلك وأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين.
وهذا لا يعني أن لا يوجد في الحاليين مهنيين وجيدين وحريصين على وطنهم ومن أصحاب الكفاءة والنزاهة ولكنهم قلة قليلة ومقيدين ومعطلين ولا يسمع لهم صوت.
وأما من تقاعس ولم يشارك بالأنتخابات فقد ساهم وبشكل رئيسي وكبير بالأبقاء على نفس المرشحين وتخاذل في يوم لا يصح ولا يعقل فيه التخاذل.

الديمقراطية هي أنجح حل للإصلاح السياسي، ولكن بشرط أن يعي الشعب ويفهم خطورة وأهمية دوره في الانتخابات  بعد إصلاح الذات والبيت والمجتمع.
أنتخبوا النزيه الكفؤ ممن تعرفوه من سكنى مناطقكم وممن تعرفوه أما شخصياً أو يعرفه من تعرفونه من أنه مرشح من ذوي السمعة المهنية والإدارية والنزاهة والأخلاق الجيدة وضعوا ثقتكم فيه، ولا تنتخبوا من تعرفوه بالدعاية وبالتلفزيون أو بالتوجه الحزبي فقط أو التعصب المذهبي أو القومي أو بالمظاهر الدينية نفاقاً وتبختراً ودعاية، أو من إنشغل بالعراك السياسي والحزبي والمهاترات على حساب الشعب ورفاهيته.

65
وُلِد في الكعبة مجدٌ قتلوه في مسجد الكوفة

حيدر محمد الوائلي

كانت ضربة من الخلف على رأسِ مجدٍ شرّف التاريخ والحضارة، فما كان لمجرمٍ شرف النظر لنور وجه علي.
في التاسع عشر من رمضان شقّ المجرم رأساً لم تسجد لصنمٍ قط، قد كرّم الله وجهه.
من الخلف أتت ضربة لتنهي حياة مجدٍ تشرف به التاريخ والضمير الإنساني وذكرى الزمان.
من الخلف أتت ضربة على رأس عليٍ بعدما فر من وجهه فحول الرجال وأسود القتال ومن سُموا في الحروب أبطال، فصيّر الفحول أمامه جثث هامدة والأسود قططاً هاربة والأبطال ظهوراً للفرار مهرولة، ومنهم من قاد جيشاً فبرز له علي فهرب بادياً عورته وسط حشود الجيش لعدم تمكنه من حتى الهروب لعلمه أن علي مؤمن عزيز نفسٍ لا ينظر لعورة أحد.
أرادت تلك الوجوه أن تحجب نور حق علي فاتخذوها حجاب دونه كي لا تبرز فضائله فأحرقها نور وجهك يا علي.
أردت سيوفهم أن تكون نداً لذي الفقار فكانت ضربة واحدة فقط في يومٍ بلغت فيه القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا فيومها كان الامتحان وفيه يكرم المرء أو يُهان، فكان علي لها شاهراً سيفه ضارباً إبن ودٍ ضربة عدلت عبادة الثقلين، ولك أن تحسب ببقية الاف الضربات عبادة أجيال وأجيال كان علي فيها حامل لواها وفارس وغاها حتى بُني للأسلام أساسه وعلا.

قتلك أشقى الناس في شهر الصيام يا علي، فراح خير الأنام بسيف أرذلهم في شهر الصيام، وأنا أحبك في الله يا علي فحبك إيمانٌ وبغضك نفاق، وعلي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار، ولو سلك الناس وادياً وسلك علي وادياً فأسلك ما سلك علي وخلي عن الناس.

أحببت في عليٍ حبه للإنسان ويحب لأخيه ما يحب لنفسه ويحب الفقراء ويحبونه، ويتصرف كأبسط الناس وهو في أعلى هرم السلطة لأن السلطة عنده وظيفة وتكليف ينزهها الشخص ويعظمّها وليست السلطة من جعلته عظيماً.

أحببت في عليٍ حرصه على الناس عموماً وجميعاً (لا تفريقاً ولا تمييزاً) ففي أحد المرات بينما كان عليٌ يتفقد أحوال الرعية بنفسه (لا سكرتيره ولا موظف صغير يفعل ما يحلو له بمزاجه، ولا تشكيل لجنة لتمييع وتضييع الحقوق) فوجد شحاذاً فأمتعض وغضب لرؤيته وثار قائلاً (ما هذا)؟! وأخذه وصرف له استحقاقه من بيت مال المسلمين.
يتفقد أحوال الناس بنفسه ولا يستكف من خدمهم أبداً فعلي لم يكترث لبهارج السلطة الدينية والسياسية والأجتماعية (ليس كمثل الكثير من قيادات اليوم من سياسيين ورموز مجتمع ورجال دين ممن يستنكفون من كل شيء، حتى من تنفيذ واجباتهم الوظيفية التي يتقاضون عليها رواتب تترواح بين الكبيرة والخيالية).
والمُلاحَظ أن علياً لم يقل (من هذا) فهو لم يقبل وجود شحاذاً وهو حاكم، وقيل أن هذا الشحاذ كان على غير دين الإسلام (مسيحياً أو يهودياً).
أراك في يوم من أيام الكوفة تتفقد الرعية كعادتك، فترى شحاذاً فترتعد فرائصك وتهتز، وأنت الذي لم تهتز عند مواجهة أبطال الحروب وأرديتهم صرعى أمامك.
أراك تهتز يا علي لأنك رأيت شحاذاً يشحذ وعلي حاكم!
تأمر له بالعطاء الفوري ولم تسأل من هو، لتعلم لاحقاً أن الشحاذ كان على غير دين الإسلام (مسيحياً ربما أو يهودياً) سكن بـ(سلام تام) بجوار مسلمي الكوفة فلم يغير ذلك بالأمر شيئاً ولم يعر له علي أدنى اهتمام، فعلي يعامل الإنسان على أنه إنسان كرمه الله أولاً وأخيراً، وهو القائل: (الناس صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

مر شيخ كبير أعمى يسأل طالباً, فقال أمير المؤمنين: ما هذا؟! (مرة ثانية: ما هذا!)
قالوا: يا أمير المؤمنين نصراني!
فقال لهم: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال.
هذا هو نظام التقاعد الذي يعمل به العالم الحديث في القرن الواحد والعشرين، قد سبقهم علي إليه قبل مئات السنين.

تعال ها هنا في يومنا يا علي لترى الجوع والفقر والتمييز بالعطاء والمناصب، وعائلات وأحزاب تحكم وتبطش وتظلم وتسرق بالناس على قفا من يشيل.
تعال لترى البعض يحقد ويصيبه شيء في قلبه لدى معرفته أن فلاناً من طائفة ليس كطائفته في الدين الواحد، فأصبح الدين مدعاة للكراهية والأهانة أكثر من الحب والأحترام.
دين طائفة اليوم لا دين الله، ويعبدون الطائفة لا يعبدون الله، ولك أن تقيس ببقية الأديان.
سُئل أمير المؤمنين: يا علي هل استشرت أباك عندما آمنت بمحمد؟!
أجاب: وهل استشار الله أبي حينما خلقني!
كان هذا جواب علي وهو صبي صغير!
هذا دين الفكر والتفكر وليس كمثل دين اليوم الذي يورّث وراثة عن الآباء والأجداد كما يورّث الشكل والدار والعقار طوائفاً وطرقاً ألفوا أبائهم عليها عاكفين أو توجيهات يتم تلقينهم أياها ويحسبوها الدين.

دخل عقيل بن أبي طالب على أخيه علي (ع) أيام خلافته، وكان عقيل أعمى ويطمع بزيادة في راتبه ومستحقاته من بيت مال المسلمين والذي هو اليوم في أرقى الأنظمة يُسمى (الضمان الاجتماعي) فكان في دولة علي هذا الضمان قبل ألف وأربعمائة سنة من الزمان.
فقال الأمام علي لأخيه عقيل: لو كنت تحتاج لِلباس فسأعطيك من استحقاقي الخاص ولا أزيدك درهماً ليس بحقٍ لك.
فقال عقيل لأخيه: يا علي إني بحاجة.
فقال له الأمام علي مؤدباً: خذ بيدي وأذهب بي إلى سوق الصرافين لأسرق لك!
فقال له عقيل: لم أقل لك ذلك!
فقال له علي: وما فرق أن أسرق من بيت المال (الميزانية، عوائد النفط وخيرات الدولة، مميزات حكومية لموظفين كبار على حساب بقية الموظفين، مخصصات كبيرة لمسؤولين وسياسيين على حساب بقية الشعب، مميزات لأحزاب سياسية على حساب الشعب، نفقات لسفرات وولائم المسؤولين الكرماء جداً ليس بأموالهم الخاصة بل بأموال الشعب، موظف يتقاضى راتباً ولا يؤدي وظيفته بالشكل الصحيح) أو أسرق من سوق الصرافين؟!

لم يقتنع عقيل وألح على الأمام علي (ع)، فأراد الأمام علي أن يهذبه بأكثر مما تهذب العامة من الناس، فأحمى حديدة وطلب من عقيل الأعمى أن يمد يده، فمدها، فوضع الأمام علي الحديدة الحامية بيده فأن لها عقيل وصرخ متألماً، فقال له الأمام علي: (يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني الى نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من أذى ولا أئن من لظى)!

هذا هو الأمام علي من ألهم كاتب مسيحي معاصر هو (جورج جرداق) أن يكتب فيه سِفراً رائعاً بكتاب طبعوه بمجلد كبير ومن ثم بخمسة أجزاء عنوانه (الأمام علي صوت العدالة الإنسانية) يقع جميع أجزاءه الخمسة في (1379) صفحة في طبعته الأولى كأجزاء لسنة 2003.
وكتب فيه مسيحي معاصر آخر هو (راجي أنور هيفا) كتاباً عنوانه (الأمام علي في الفكر المسيحي المعاصر) يقع في (750) صفحة في طبعته الأولى لسنة 2007.

وغيرهم كثير من مسلمين وغير مسلمين، متدينين وغيرهم، إسلاميين وعلمانيين، عرب وأجانب ممن تأثروا بفكر الأمام علي وشخصيته الفذة وسيرته المعطاء والتي لو غطت (فكره، قضاؤه، دولته، سياسته، تعامله مع الناس، حربه، سلمه، حكمته، أقواله، خطبه، عبادته، زهده، عدله، إنصافه، و...الخ) لاحتاجت لتغطيتها مكتبات من المؤلفات.

الأمام علي (ع) في أيام حكومته كان يراقب مسؤوليه على المدن ويبعث لهم بالنصائح والتوجيهات، وهذا ليس بمعجزة ولا مستحيل لكي يتذرع ويحتج من رفع إسم علي بكلامه وإدعى حبه والاقتداء به وفور تسنم مسؤولية أو إدارة تراه يلقي تلك الحكم والمواعظ في الدرج قرب مبالغ الرشوة وملفات المحاصصة والمحسوبية والفساد والتقاعس والأهمال واللامسؤولية في الحكم.
يقول الأمام علي (ع) في إحدى رسالاته لأبن حنيف وهو عامله على البصرة حيث تمت دعوته من قبل أغنياء من البصرة مجاملة له، فلما وصل خبر تلك الدعوة لم يقبلها الأمام علي حيث فهم منها دعوة تزلف وقربى، فلماذا يدعى الحاكم دون بقية الناس، ولو لم يكن حاكماً هل تتم دعوته؟!
فهذه مقتطفات من تلك الرسالة الخالدة الواردة في (شرح نهج البلاغة للشيخ الأمام محمد عبده خطبة رقم 283):
(أما بعد يبن حنيف... فقد بَلَغَني -تصوروا أن الأمام من كثرة سؤاله ومراقبته يقول بَلَغَني- أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك الى مأدبة فأسرعت اليها، تستطاب لك الألوان وتُنقَل إليك الجفان وما ظننت أنك تُجيب إلى طعام قومٍ عائلهم-أي فقيرهم- مَجفوّ-أي مطرود- وغَنيهم مَدعوِّ، فأنظر الى ما تقضمه من هذا المَقظم-أي الفكين- فما إشتبه عليك عِلمه فإلفظه-أي إتركه- وما أيقنت منه فنل منه... أأقنع من نفسي أن يُقال: "هذا أمير المؤمنين" ولا أشاركهم في مكارة الدهر أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة-أي خشونة- العيش، فما خُلِقتُ ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها عَلَفها، أو المُرسلة-أي الغير مربوطة- شُغلُها تقممها-أي أكلها للقمامة- تكترش-أي تملأ كرشها- من أعلافها وتلهو عمَّا يُراد بها...).

الملاحظ أن الأمام علي (ع) يقول: (أأقنع من نفسي أن يُقال "هذا أمير المؤمنين" ولا أشاركهم في مكارة الدهر أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة العيش...الخ)، فهو يصرح أنه لا يقنع بأن يقال له أمير المؤمنين (رئيس، رئيس وزارء، وزير، محافظ، مدير عام، مدير دائرة، موظف مسؤول) بوجود أناس جياع أو يعيشون حياة صعبة وقاسية ولا يساعدهم عليها، أو مواطنين يعانون من المراجعات في دوائر الدولة أو عدم قضاء حقوق الشعب وتوفير الخدمات له أو التمييز بالمعاملة بين المراجعين في دوائر الدولة أو تصرف بعض الموظفين المهين للمراجعين في مؤسسات الدولة، فالأمام علي يقول على الأقل أنه يشاركهم بمكاره العيش وصعوبته فيصبرون لدى رؤيتهم إياه يفعل ذلك.
 
لم يذكر الأمام (أأقنع أن يقال "هذا أمير المؤمنين") بوجود مفاسد أخلاقية مثلاً فهو أمير المؤمنين حتى بوجو تلك المفاسد، لأن الأمام علي (ع) يؤمن بأن مداراة الناس وقضاء حوائجهم ومتابعة أحوالهم هي الغاية الكبرى للحاكم العادل وللمسؤولين العادلين جميعاً.

لم يقل الأمام علي (ع) (أأقنع أن من نفسي أن يقال "هذا أمير المؤمنين"...الخ) رغم حروبه الثلاث التي خاضها ضد عشرات الآلاف أيام حكومته، حرب الناكثين (في الجمل) الذي نكثوا البيعة وخرجوا عليه، وحرب القاسطين (في صفين) الذي ظلموا الناس وسرقوا حقوقهم، وحرب المارقين (في النهروان) وهم المنافقين الذين يمرقون من الدين كمرق السهم.
هؤلاء جميعاً خرجوا ضد حكومة الأمام علي (ع) وبقي هو أمير المؤمنين رغم كثرة الأعداء، ولكنه لا يقبل أن يقال له أمير المؤمنين ولعل في –وعلى نص قوله– (بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص-أي لصعوبة حصوله على قرص الخبز فأنه لا يطمع بأكثر منه- ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً-أي شبعاناً- وحولي بطونٌ غرى-أي جائعة- وأكباد حرّى-أي عطشانة-.
قال ذاك وكانت عاصمة حكمه مدينة الكوفة وسط العراق.

أحببت في عليٍ حبه للعمل والمثابرة وعدم الاتكال على الآخرين ويأكل خبزه من عرق جبينه فالعمل عبادة وكانت أحب الأعمال إليه الزراعة وإحياء الأراضي البور وإحداث القنوات.
يزرع ليحصد، وهو الذي ملأ التاريخ زرعاً لم ينقطع ثماره لا في الماضي ولا الحاضر ولا في المستقبل فثمار علي وحكمته وسيرته لا يذبل ثمارها ولا يفسد بل يبقى طرياَ نَظِراً رغم تقادم السنوات ما دامت القلوب التي تحويها بيضاء طاهرة لا سوداء عفنة، فالقلوب أوعية ولينظر كل وعاء بما فيه وما يحويه ومن يمليه وأي وعاء هو بالأصل وكيف صار.

يا علي مالي أراك وحيداً صابراً (وصبرك يلهمنا الصبر) لم يترك لك الحق لا صاحباً ولا صديق، وتمشي بطريق الحق وحيداً حتى إستوحشته لقلة سالكيه.
أراك يحاربك الأصحاب ويشنوا عليك الهجوم فلم تتردد في محاربتهم رغم حزنك على حالهم والى ما صاروا إليه.
هم مع الحق مادام الحق يدر عليه ربحاً وشهوة ومناصب، ولما طردهم ذات الحق من مناصبهم وحرمهم من شهواتهم أصبح الحق باطلاً، والمعروف منكراً، وكم من أمثالهم اليوم يحكمون ويديرون مؤسسات الدولة ومعهم سياسيون ورجال دين وجموع غفيرة من الناس مغفلين وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق.

أحببت في عليٍ عدم رضاه بمنصبه وعدم قناعته فيه إلا أن يحقق للناس عدل ورفاهية وعيش كريم، فقيل أن دخل عليه ابن عباس في ذي قار جنوب العراق لدى توجهه لصد الخارجين عليه من الحجاز لمّا حاربوه لعدالته، وكان عليٌ يخصف بنعل له بالية، فقال الأمام علي لصاحبه ابن عباس: (ما قيمة هذا النعل)؟!
فرد ابن عباس: (انه نعل بالية) –لا تساوي شيئاً-!
فرد عليه الأمام علي: (هي –النعل- خيرٌ لي مما يحاربونني عليه –السلطة- إلا أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً).

في الأمام علي صفات كثيرة جداً، ألفوا فيها المؤلفات وكتبوا فيها الكتابات وكان كثيراً منها صفات بشرية أخلاقية وليست إعجازية ويمكننا الاقتداء بها نحن معاشر من نقول إننا نحبه، فليس من المستحيل أن نبقى على الحق وأن نكون صادقين، فعلي كان صادقاً ومع الحق ويمكننا أن نبقى على الحق والصدق إن أردنا وناضلنا وصبرنا وأصررنا.
وليس من المستحيل أن نكون أوفياء، أو أن نكون مدافعين عن حقوق الناس والمظلومين ونحقق مطالبهم المشروعة ونقضي حوائج الناس، وليس من المستحيل أن نكون متسامحين وكاتمي الغيظ وأن نكون محبوبين وصابرين، وليس من المستحيل أن نكون ثائرين ضد الظالمين، كل ذاك إن أردنا وناضلنا وصبرنا وأصررنا.

نقتدي برسول الله وأهل بيته الكرام وأصحابه المنتجبين فهم قدوة للعالم أجمع، والقدوة إنما صارت قدوة فلكي يتم الأقتداء بها من قبل الأتباع لا أن يقولوا من نحن لنكون مثلهم!
فهم ليسوا مثلنا في النبوة والإمامة والصحبة والمقام والكرامة وغيرها من المقامات ولكن هنالك أخلاق تمسكوا بها ومن الممكن جداً لنا التمسك بها أيضاً مع فارق المستوى بيننا وبينهم.
يقول الله مخاطباً الناس من على لسان الرسول الأكرم (ص): (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا). (آية 110/سورة الكهف).
ولقد تعجب بعض جهلة المتدينين (وما أكثرهم اليوم) ممن يريد نبياً خارقاً لا نبياً كالناس ومن الناس وللناس، حيث يصف الله سبحانه تعجبهم وجهلهم بكتابه العزيز: (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا). (آية 7-9/سورة الفرقان).
لا ينطق النبي عن الهوى، وحتى في صفاته الإنسانية وتصرفاته، فكلها وحي يوحى إليه (ص)، ولذلك هو أسوة حسنة للناس أجمعين.
 
السلام عليك يا علي يوم وُلدت في بطن الكعبة ولم يكن قبلك من وليدٍ فيها.
والسلام عليك يوم عشت في كنف ورعاية رسول الله ولم يكن أحداً قبلك عنده في مقامك هذا.
والسلام عليك يوم استشهدت في خير شهور الله (شهر رمضان)، بخير الأماكن عند الله في المسجد (مسجد الكوفة) بخير بقعة في المسجد (محراب صلاة) بخير الأوقات عند الله (وقت صلاة الفجر) الذي جعله الله للمؤمنين كتاباً مشهودا، ولم يكن قبلك من أحدٍ جمع ظروف الزمان والمكان والحال تلك لينال الشهادة.

ما عساي أن أختم فيك يا علي مقالي المضطرب سوى السماح والعذر والاعتذار،  فمثلك لا يكتب فيه ولا يؤبنه ويصفه مثلي.

66
احصائية بخسائر العراق على مسؤوليه

بقلم: حيدر محمد الوائلي

ربما يكون البرلمان العراقي المنتخب الحالي من أكثر البرلمانات التي شهد أعضائها تغيباً عن حضور الجلسات وتسيباً في مراعاة هيبة الدولة وحقوق الشعب، فهو إذاَ ليس البرلمان الأعلى من حيث المنافع والرواتب بل ومن حيث التغيب والتسيب.
النص كما أوردته وكالة الأسوشيتد برس (Associated Press) بعنوان: (برلمان العراق، عمل قليل وأجر مرتفع):
(يستحق نواب البرلمان العراقي الحالي لقب أقل الناس عملا وأغلاهم أجرا كونهم يتقاضون (22,500) دولار شهريا، ناهيك عن المزايا الأخرى التي يتمتعون بها.
في المقابل، يدفع البرلماني العراقي ما نسبته 6% فقط من راتبه الأساسي ضرائب، لكنه وفي نفس الوقت يحظى بامتيازات خاصة، منها إقامة مجانية في فندق الرشيد بالمنطقة الخضراء الآمنة نسبيا سواء أكان البرلمان في حالة انعقاد أم لا, وعلاوة على هذه الامتيازات، يتقاضي البرلماني (600) دولار يومياً مقابل أي مهمة رسمية خارج أو داخل العراق، وعند خسارته المنصب البرلماني يتقاضى النائب (السابق) (80%) من راتبه الأساسي شهريا مدى الحياة، مع الاحتفاظ لمدة (8 سنوات) بجوازات السفر الدبلوماسية الممنوحة له ولعائلته، ويبرر البرلمانيون هذه الامتيازات المالية الخاصة بقولهم إنهم يخاطرون بحياتهم عبر المشاركة في الحياة السياسية، ويتعرضون لمحاولات اغتيال أو تخريب، ويضيف هؤلاء أن التحرك والانتقال الآمن يكلف أموالا طائلة، كما هو الحال بالنسبة للاستقبالات والحفلات الرسمية التي يقيمها النواب. لكن للشارع العراقي رأي آخر يرى أن التهافت على عضوية البرلمان ليس سوى وسيلة لجني المال لا حبا في خدمة الوطن والمواطن معتبرين أن الطمع غلب نداء الواجب).
((إنتهى الأقتباس من الأسوشيتد برس))

 
برلمان عراقي شرع بأغلبية مطلقة قانون رواتب وتقاعد خاص به لوحده وبسرعة قياسية في كتابته وإقراره ليستلم من خلاله راتب وتقاعد خياليين لخدمة فعلية أكثرها أقل من سنتين من مجموع أربع سنوات هي خدمته المفترضة.
فهل تعلم كم يخسر العراق ثمناً لساعة دوام رسمي واحدة سواء حضرها أم لم يحضرها عضو في البرلمان العراقي؟!
الجواب: (93,75) ثلاثة وتسعون دولاراً أمريكياً وخمس وسبعين سنت، يتقاضاها من خزينة الدولة وأموال الشعب بكل ساعة دوام رسمي تمر عليه ويا ليت أن لو كان يتقاضاها لعمل وجهد وفاعلية حيث أكثر الأوقات أما غائب أو مسافر أو متمتع بأجازة وسفرة أو نائم داخل البرلمان لا يعي ما يدور حوله أو جالس متفرج لا يشارك بشيء لأنه لا يعرف شيء ولا يساهم لا بتشريع قوانين ولا بنقض أخريات ولا بإيصال صوت من إنتخبوه للبرلمان ولا بأي شيء.
الدوام الرسمي لموظفي الدولة في العراق أكثره (ثمان ساعات) يومياً مع عطلتين في الأسبوع يومي (الجمعة والسبت) ومناسبات وأعياد وعطل رسمية كثيرة خلال السنة.
 
كل ساعة واحدة تمر على البرلماني العراقي تكلف العراق (93,75) دولار وهي أكثر من أجرة (متوسطة) ليوم عمل كامل بأجر (12,5) دولار ما يعادل (15,000) دينار لسبعة عمال بناء، أي أن راتب البرلماني اليومي يعادل أجرة يومية لـ(60) عامل بناء!
مثال اخر على ذلك فمعدل راتب المدرس في العراق (600) دولار وعند مقارنته براتب عضو البرمان فيصبح راتب برلماني واحد مقابل راتب (38) مدرس!

يتقاضى البرلماني في يوم عمل رسمي واحد (750) دولار، وفي الشهر (22,500) دولار، وفي السنة (270,000) دولار، وفي أربع سنوات مفترضة لخدمته في البرلمان (1,080,000) مليون وثمانين الف دولار ومن بعده سيتمتع براتباً تقاعدياً بنسبة (80%) من هذا الراتب ومقداره (18,000) دولاراً أمريكياً شهرياً!

يصبح مجموع ما يخسره العراق من رواتب (فقط) لمجلس النواب (فقط) في أربع سنوات (فقط) بالشكل التالي:
(1,080,000) دولار لكل برلماني في أربع سنوات عمر البرلمان (ضرب) (325) عدد أعضاء البرلمان الحالي= (351,000,000) ثلاثمائة وواحد وخمسين مليون دولار!
ولتحويلها للدينار العراقي فنقوم بضرب (351,000,000) بـ(1200) دينار (متوسط) سعر صرف الدولار الواحد ولأربع سنوات (2010-2014) فيصبح الناتج بالدينار العراقي (421,200,000,000) أربعمائة وواحد وعشرين مليار ومئتي مليون دينار عراقي! 
هذا الرقم للرواتب (فقط) ولم يتم حساب المنافع الإجتماعية المضافة ولا السيارات والوقود ولا البيوت والأثاث ولا السفرات الداخلية والخارجية والإيفادات وتكاليف السفر والطائرات والفنادق والأقامة ولا كثرة الموظفين الخاصيين بكل برلماني من مرافقين وحمايات وتابعين، ولم تتضمن الخسائر على الهيئات والمؤسسات المرافقة والتابعة للبرلمان ولا المطاعم والكافتريات والمأكولات والمشروبات والأثاث المكتبي والقرطاسية والهدايا، فلو تضمنت الأحصائية كل ذلك فزد على هذه الأرقام أضعافاً مضاعفة ما شئت فلا يوجد ما يثبت نزاهة هذه الصرفيات.
ولم تتضمن الأحصائية الرواتب التقاعدية الكبيرة التي لا يزال يتقاضاها أعضاء برلمان سابقين وأعضاء مجالس محافظات سابقين.

كانت تلك إحصائية بخسائر العراق على (رواتب) أعضاء البرلمان (فقط)! ولك أن تتصور كم ستصبح الخسائر لو تمت إضافة رئاسة الجمهورية والمستشارين وهيئاتها ومرفقاتها وصرفياتها ورئاسة الوزراء والمستشارين ومجلسه وهيئاته ومرافقه والوزراء ومكاتبهم ومستشاريهم وصرفيات كل ذلك ولم تتضمن أيضاَ رواتب أعضاء مجالس المحافظات الحاليين ولا المحافظين ومستشاريهم، فلو تضمنت الأحصائية كل ذلك فلك أن تتحدّث بأضعافٍ مضاعفة لتلك الخسائر المذكورة!
فيا ترى كم سيصبح مجموع خسائر العراق على مسؤوليه وهم بضع مئات من شعب ربما وصل تعداده لأربعين مليون نسمة (لا توجد إحصائية رسمية وذلك لتأجيل التعداد السكاني كما تم تأجيل وعرقلة الكثير من القوانين والمشاريع التي تخدم الشعب من قبل نفس اللاعبين السياسيين لمشاكل وصراعات فيما بينهم وحدهم وكالعادة الخاسر العراق دولة وشعب فقط).
ألم تحن ساعة التغيير بأنتخاب غير من تكررون إنتخابهم على الدوام منذ سنة 2003 ولازال الشعب يكرر انتخابهم حتى سنة 2013 كما حصل في إنتخابات مجالس المحافظات!
ألم يلد العراق كفاءات وعقول وسياسيين غير هؤلاء؟!
ما الذي جنيتموه منهم لتعيدوا إنتخابهم للمرة الثالثة على التوالي؟!
 
هذا درس لي ولكم جميعاً لإعادة النظر في (أكثر) من انتخبتموهم، فراجعوا فكركم فقد سلبوكم إياه، ودعوا الميول الحزبية والدينية جانباً وفكروا بالتغيير بجد هذه المرة لكي تلقنوهم درساً يستحقوه وليأتي غيرهم من يفهم لماذا الشعب صوّت لغير اولئك الذين يفوزون كل مرة ليعملوا على الأصلاح بجد.
إن كل من يندد بهم الشعب ويتظاهر ضده ويطعن به ويلعن الوضع المزري بسببهم ويصفهم بالأستهتار والفساد والتقاعس واللامهنية ولا يثق بهم، هم جميعاً أشخاص قد انتخبهم الشعب في (الأمس) في انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات مجلس النواب، وبنسبة مشاركة شعبية واسعة وصلت نسبتها المعلنة عن المفوضية العراقية العليا المستقلة للانتخابات كما يلي:
سنة 2005 بنسبة مشاركة (76%) في انتخابات البرلمان، وسنة 2010 بنسبة مشاركة (62,4%) في انتخابات البرلمان أيضاً، وأما سنة 2013 فقد بلغت نسبة المشاركة (51%) في انتخابات مجالس المحافظات، وإنتخابات البرلمان قادمة.
انتخبتم بعضهم أما عن إستعجال، أو وعود كاذبة، أو توجه ديني فئوي لجهة معينة بغض النظر عن كفاءة مرشحيها، أو عن جهل، أو كره بجهة معينة فأنتخبتم من يضدها لا لكفاءة ومهنية بمرشحيها ولكن لأنه يضدها فقط، أو لتوجيه من قيادة دينية بمباركة مجموعة وكتلة فصوت لها البعض كالأعمى، فهذا ما جلبتموه لأنفسكم بانتخابكم إياهم، ولو كررتم ذلك فلا يلومن الغبي إلا نفسه وأغباهم من يعثر بالحجر مرتين.
وهذا لا يعني أن لا يوجد في الحاليين مهنيين وجيدين وحريصين على وطنهم ومن أصحاب الكفاءة والنزاهة ولكنهم أما مقيدين أو معطلين أو لا يسمع لهم صوت، أو سئموا وسكتوا.

وأما المجاميع الكبيرة من الشعب ممن تقاعس ولم يشارك بالأنتخابات فقد ساهم وبشكل رئيسي بالأبقاء على نفس المرشحين وتخاذل في يوم لا يصح ولا يعقل فيه التخاذل، وأصابه الجهل في الوقت الذي إحتاج العراق لعقله.

إن الديمقراطية أنجح حل للإصلاح السياسي، ولكن بشرط أن يعي الشعب ويفهم خطورة وأهمية دوره في الانتخابات، فأنتخبوا النزيه الكفء ممن تعرفوه من سكنى مناطقكم وممن تعرفوه أما شخصياً أو يعرفه من تعرفونه وتثقون به من أنه مرشح من ذوي السمعة المهنية والإدارية النزيهة والأخلاق الحميدة والعقلية المتميزة وضعوا ثقتكم فيه، ولا تنتخبوا من تعرفوه بالدعاية أو بالتوجه الحزبي أو التعصب المذهبي أو بالتأثر بالمظاهر الدينية نفاقاً وتبختراً ودعاية، أو من إنشغل بالعراك السياسي والحزبي والطائفي والمهاترات على حساب الشعب وحقوقه، أو من أعضاء البرلمان الحاليين الذي يتظاهرون نفاقاً بخدمة الشعب وبعدم قبوله براتبه الخيالي الحالي ومنهم من يطالب بإلغائه اليوم بعدما قارب عمر البرلمان الحالي على نهايته.

67
المنبر السياسي / صناعة الأخبار
« في: 02:09 14/06/2013  »
صناعة الأخبار

بقلم: حيدر محمد الوائلي

قبل أيام قادني الريموت كونترول صدفة لقناة (BBC) الأنكليزية حيث أحياناً كثيرة أستمتع بتقليب القنوات أكثر من متابعتها.
كانت القناة تغطي أحداث القصير في سوريا، حيث سألت المراسلة البريطانية مواطناً سورياً من سكان القصير كان عائد لها بعد سيطرة الجيش السوري عليها وإخراجه للمعارضين منها، سألته حول رأيه بالوضع فأجاب الرجل من داخل سيارته وكانت لغته العربية مسموعة مع صوت الترجمة الأنكليزية في استوديو الـ(BBC) أنه فرح بخروج (الأرهابيين) (Terrorists) من مدينته، ولكن كانت الترجمة الأنكليزية في الأستوديو (Rebellions) المتمردين، وطبعاً هنالك فرق بين المعنيين ولا يوجد أي ترادف بينهما فالأول يحمل معنى الأرهاب والأجرام والثاني يحمل معنى التمرد والثورة.
بغض النظر من مع المعارضة السورية ومن مع النظام الحاكم، فينبغي أن ينقل الخبر كما هو أليس كذلك...!
وإذا كانت مؤسسة إعلامية مرموقة ومعتمدة مثل الـ(BBC) تقع بهذا الخطأ أو تحرف الخبر فهو أمر يثير الريبة.

ذات مرة دخل رجل عراقي أعرفه لمحل مواطن بريطاني من أصل باكستاني في أحدى مدن بريطانيا ولمعرفة سابقة للباكستاني أن الرجل عراقي وربما لتصوره أن كل عراقي شيعي فأثار موضوع أن الحكومة الشيعية (هكذا قال بالأنكليزي) (Shia Government) في العراق تقتل السنة وتقتل كل من إسمها عائشة...؟!
رد العراقي عليه بأن هذا ليس صحيح بالمرة وأن هنالك الكثيرين من الوزراء السنة في الحكومة والبرلمان وأن الكثير من المناطق مختلطة يسكنها السنة والشيعة ويعيشون بسلام معاً.
عندها رد الباكستاني بأن قناة الجزيرة إنكليزي (Aljazeera English) نقلت تلك المعلومات...!
فأخذ العراقي يوضح له خطأءه بوثوقه بقناة الجزيرة وتوجهاتها ومؤمراتها الخبيثة ومن ثم تركه وإنصرف حيث سكت فبدا له أنه قد فهم، ربما فهو لم يكن متأكداً من ذلك...!
 
إعتاد المتابع الواعي أن يرصد الكثير من المؤمرات الأعلامية بحجة نشرة الأخبار أو برنامج حواري بين عدة ضيوف أو تغطية صحفية أو برنامج وثائقي تقدمه قناة الجزيرة والعربية وبعض القنوات العربية و(الخليجية) على وجه الخصوص ومن خلال النشرة الأخبارية والبرنامج تبث سمومها وتصنع الحديث والحدث وتهوله وترسل بالرسائل التصعيدية بحجة إعلامية فتصير صناعة الأخبار هي السائدة عندها أكثر من نقل الأخبار.

كما كانت ولازالت صناعة الهولوكوست ذريعة وحجة لكل مكاسب إسرائيل اليوم والتي إرتكبت فضائع وجرائم في فلسطين ولبنان أكثر بكثير من حيث عدد الضحايا وطريقة التنفيذ مما حصل لليهود في الهولوكوست على يد هتلر والنازية.
وكما صارت أحداث 11 سبتمبر حجة لأحتلال (أفغانستان والعراق) وزيادة القواعد الأمريكية حول العالم وإنزال عقوبات بحق دول وتغيير سياسات دول أخرى وجعل صناعة الأرهاب ذريعة وحجة لكل مكاسب أمريكا اليوم.
 
برزت صناعة الخبر والحدث وبثه إعلامياً منذ زمن بعيد ولكنه إزداد بعد التقدم الهائل بالتغطية الأعلامية من خلال تطور وسائل الأتصال فصارت القنوات الفضائية والأنترنت وسيلة مذهلة لهذه الصناعة.

في العراق برزت بشكل كبير بعد سقوط نظام حكم صدام وإحتلال العراق حيث تصدرت المشهد الأعلامي قناتي الجزيرة والعربية.
كان المُلاحظ كثيراً وأكرر (للواعين فقط) أن هاتين القناتين بدأتا تصنعان الأخبار أكثر مما تنقلانها وصارت إستوديهاتها تصنع المخططات وترسل الرسائل المباشرة وغير المباشرة للتحريض والأقتتال الطائفي مرة ولأحداث فتنة سياسية ومذهبية في العراق مرة أخرى وإفتعال أزمات وقد نجحوا كثيراً بذلك خصوصاً مع وجود لاعبين عراقيين وعرب كثيراً ما كانوا يظهرون في تلك البرامج ويتم إختيارهم بعناية لزيادة الفتن والعنف والأقتتال ومن يتسنى له الفرصة لفضح هاتين القناتين فربما لن تكتب له فرصة الظهور من على شاشتها مرة ثانية.

ومع تقادم الأيام برزت قنوات عراقية إستلهمت من هاتين القناتين أسلوب صناعة الخبر والحدث وليس نقله، وإعتمدوا أسلوب الخبث والتحريض ونشر الأكاذيب والأفتراءات وتلفيق التهم وتحريف وإقتطاع التصريحات السياسية والدينية والتلاعب بها كما دأبت الجزيرة والعربية على فعل ذلك وكانت بدعم من عدة جهات بعضها مجهول وكان أبرزها قناة (الشرقية) وقنوات عراقية أخرى لم تحظى بالشهرة التي حظت بها (الشرقية) في العراق.

ولما تفجر الوضع العربي بثورة تونس البيضاء لأسقاط نظام زين العابدين بن علي برزت للساحة بشكل بارز وكبير جداً أكبر مما كانت عليه سابقاً دور الجزيرة والعربية في صناعة الأخبار والأحداث في مصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا والعراق أكيداً ببرامج وتغطيات كان لها نصيبها من التحريض والتحشيد الطائفي وتهويل المشاكل وإفتعال الأزمات وشق وحدة أبناء المجتمع وإبتداع فتن ومشاحنات ومواضيع كان أكثرها أما منسياً أو لا وجود له أو لا يُكترث له ولكنهم بدهائهم وخبثهم وتمويلهم المنقطع النظير تسنى لهم أن يخطفوا الأضواء ويصنعوا الأحداث وإنخدع بهم وببرامجهم وبمقاطع الهاتف النقال التي يعدون منها أخبار وبشهود عيان مجهولين ومصنوعين أصبحوا كالمراسلين لهم وشبكات تواصل إجتماعية مرتبطة بهم وإستطلاعات للرأي من صناعتهم وأتباعهم بالأضافة لبرامجهم المعتادة ونشرات أخبارهم وتغطياتهم فكل ذلك ساهم بخداع جمهور كبير ممن سلمهم عقله وصار يتلقن منهم الدين والسياسة والتاريخ والفكر وحتى طريقة الكلام.

قناة الجزيرة تمويلها أميري قطري والعربية أميري سعودي، ولو عُرِف التمويل بطل العجب.
حيث تغفل وتتغاضى عن أي حدث يحصل في الخليج ويمس الأسر الحاكمة وأنظمة الحكم القابعة على صدور شعوبها منذ عشرات السنين ولا يسمح بالمرة لا بالأنتقاد ولا بدعم أو نقل خبر كما هو حول حركات ضد الحكم القطري والسعودي على وجه التحديد، كما تم التغاضي عن القواعد الأمريكية الرئيسية والدائمة في الخليج وركزوا على الموجودة في العراق فقط والمقاومة والجهاد ضد القواعد الأمريكية المؤقتة في العراق فقط، ليتسمر القتل والتفجيرات في العراق حتى بعد خروج تلك القواعد بصورة كاملة ونهائية والتي لم يمسها الكثير من الضرر بجنودها وممتلكاتها حيث كان المتضرر الرئيسي المواطن العراقي.
وبعد خروج المحتل الأمريكي أستمر العنف والقتل في العراق حيث نجحت سياسات وسياسيين وبترويج وتهريج معتاد من كلا القناتين الجزيرة والعربية وقنوات عراقية أبرزها (الشرقية) بتحوير مسار القتل لنهج طائفي وسياسي ومضت بركبها لتصعيد أزمات الطائفية والحكومة.

صارت صناعة الأخبار رائجة اليوم وطريقة صياغتها وتلقينها للمشاهدين ممنهجة فالألتفات لذلك مهم للغاية فلقد صارت متابعة الأخبار هواية يهواها الشيخ الكبير والشاب الصغير، ولكي لا يقع بالفخ من يتصور أن قنوات مثل الجزيرة والعربية وغيرها تنقل الأخبار والأحداث، فالحقيقة أنها تصنعها. 

68
بين الفتحة والكسرة فضيحة

بقلم: حيدر محمد الوائلي

في أحد الأيام كان هنالك رجل دين بسيط غير معروف إعتاد أن يُلقي محاضرة إرشادية من على منبر مسجدٍ وسط أحد الأحياء السكنية الفقيرة بعد أداء صلاة الجماعة.
صادف في ذلك اليوم وجود رجل دين كبير معروف ذو هيبة ماراً بالمدينة فسمع الآذان فتوجه لمسجد الحي الفقير للصلاة ولدى دخوله وقف له الجميع ليتخذ مكانه في الصف الأول شاقاً الصفوف حيث إمام المسجد وخطيبه كان قد بدأ بمقدمات الصلاة بمحراب المسجد.
إنتهت الصلاة فتوجه رجل الدين الصغير ليؤدي تحية السلام لرجل الدين ذو الهيبة الذي بقى جالساً ومن ثم تلقاء المنبر جنب محراب الصلاة لألقاء المحاضرة كما جرت العادة، فتحرك رجل الدين ذو الهيبة إلى جنب المنبر الأيمن ليتخذ مكانه جالساً.

جرت العادة أن يُفتتح المجلس بآيةٍ من القران الكريم أما تبركاً بها أو لأنها مورد بحيث سيأتي شرحه وتفصيله بصورة مبسطة للعامة من الحاضرين، فتلى يومها الآية الثانية من سورة فاطر: (مَا يَفتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
فنسي رجل الدين البسيط وربما لتوترٍ من جلوس رجل الدين ذو الهيبة تحت منبره فأخطأ بقرائته بأن قرأ كلمة (يفتحِ) حيث الحاء مكسورة في الآية ولكنه قرأها بالفتحة (يفتحَ) وهذا خطأ ممكن تلافيه عند الخوض في الموضوع ولربما سقطت سهواً من عنده، وحتى عامة الناس من الجالسين لا يعرفون ما الفرق بين الفتحة والكسرة ولا يعرفون معناها ومغزاها كما لا يعرفون اللغة الفصحى أصلاً فهم ينتظرون المحاضرة التي يلقيها الرجل بصورة مبسطة وبلهجتهم وبطريقة يفهمونها.
على الفور دوى صوت عالي من أسفل يمين المنبر أربك الحاضرين مرة وأربك راقي المنبر مئة مرة...!
كان ذاك صوت رجل الدين ذو الهيبة صارخاً فاغراً فاه بأعلى ما عنده من صوتٍ وهبه الله، ليسمع القاصي والداني مقاطعاً صاحب المنبر دون إستئذان أمام الناس قائلاً بالفصحى: (الله يكسر وأنت تفتح)...! -أي أن الكلمة في الاية بالكسرة فكيف تقرأها بالفتحة-.
فما كان من رجل المنبر البسيط وسط الإحراج أمام الناس والإنكسار إلا أن يجيبه بنفس الوزن وبالفصحى أيضاً ولكن بهمس: (والله يستر وأنت تفضح)...!

كان جواب رجل المنبر البسيط الغير معروف أكثر حكمة وصواب مئة مرة من رياء وشكليات وإحراجات وسوء تصرف رجل الدين ذو الهيبة المعروف.
هذه الهيبة التي أصبح الكثيرون يعدونها للأسف من لوازم الدين ورجاله، حيث المظاهر والهيبة والمجلس المتميز والأحترام الواجب تقديمه يجب أن تأخذ مكانها بعناية عند تواجد رجل الدين وليس لفكرٍ وعبقرية ونباهة وإصلاح تميز به رجل الدين هذا، بل لأنه على الأغلب يرتدي زياً دينياً ويعرفه الناس أنه رجل دين من لباسه أو لكثر أتباعه.

متى تكون النصيحة فعلاً نصيحة وليست فضيحة...!
ومتى يكون البحث عن أثر الأصلاح بالنصيحة بدلاً من البحث عن فضيحة...!
من أساسيات النصيحة وهذا إسمها إجتماعياً وفقهياً تسمى (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) عدم الأحراج والحط من شأن الشخص المنصوح وتوخي الحذر بأن لا تكون النصيحة إهانة أو تعتبر إساءة على المستوى الشخصي والأجتماعي، ومن أساسياتها أيضاً إحراز أن يقبل المقابل النصيحة وأن تكون ذات ضرورة منطقية أو ستدفع ضرراً قد يقع لو لم يقدم النصيحة، وكذلك وهو المهم أن تفكر جيداً بحكمة نصيحتك ومدى أثرها وتأثيرها وهل هي فعلاً نصيحة أم كلام فارغ لا محل له من الأخلاق...!
يجب أن لا تكون النصيحة تدخلاً فيما لا يعنيك وما لا تعرفه وأن لا تكون فضول وحشر الأنف في أمور خاصة وحتى عامة هي ليست من شأنك.
كتبت مقالة قبل عدة أشهر بعنوان (حرية الرأي والحياة الشخصية والحشريون) تناولت فيها من يبحث عن التسقيط والتشهير بخصوصيات الناس أو حياتهم الشخصية وعيوبهم للتسقيط الأجتماعي لمجرد خلاف في الرأي.
 
ينبغي أن تكون النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سترٌ لا فضيحة، وأن تكون توجيه لا جبر وغصب وعصبية وتجاوز على الاخرين.

69
من المستفيدين من قتل العراقيين 

بقلم: حيدر محمد الوائلي

أحصت منظمة (إيراك بودي كاونت) (Iraq body count) وهي منظمة تحصي عدد قتلى الحرب والأرهاب في العراق إجمالي القتلى للفترة من 2003-2012 فكان العدد مرعباً للغاية (168,886) قتيل (79%) منهم مدنيين...!
أي بمعدل (52) قتيل كل يوم...!
كانت تلك إحصائية بعدد القتلى فقط ولم يتم حساب الجرحى أو المعاقين بسبب الحرب والعمليات الأرهابية والتي ربما ستكون ثلاثة أضعاف عدد القتلى.
وأما لو تم حساب من تهجر أو هاجر قسراً أو خوفاً على حياته وحياة عائلته داخل وخارج العراق فربما سيكون العدد خمس أضعاف عدد الجرحى والمعاقين.
ولو تم حساب من تأثر نفسياً بالقتل والتفجيرات والصراعات في العراق فربما سيكون العدد عشرة أضعاف المهجّرين والمهاجرين.
 
العمليات الارهابية آنفة الذكر تستهدف تجمع حشد من الناس وهي (تفجير انتحاري، سيارة مفخخة، عبوة ناسفة، مواجهة مسلحة، قصف بصواريخ وقذائف هاون، خطف وتصفية، اغتيال بسلاح).
لم تعطي المنظمة إحصائية إجمالية لقتلى سنة 2013 حيث تكون في نهاية العام، ولكن هنالك توثيق لكل عملية قتل ويُعمل إحصائية وبيانات وجداول حولها.
موقع المنظمة لمن يريد تفاصيل أكثر: (www.iraqbodycount.org)

كتبت مقالة قبل أيام بعنوان (الفرق بين مسلمي بورما والعراق) حيث تناولت موضوع من يتباكى على مسلمي بورما ويعقد المؤتمرات والندوات من قنوات إعلامية وزعماء سياسيين ورجال دين ممن ينددون بالجرائم في بورما والتي لم يحصل فيها حتى ما نسبته 1% فقط مما حصل ويحصل على العراقيين من قتل وأذى، ولكن لأسباب طائفية وسياسية معروفة كانت نتيجتها كل هذا القتل والعنف المتزايد في العراق وعدم الأكتراث لما حصل ويحصل لهم بل كل هم البعض من رجال دين وسياسيين من داخل وخارج العراق عراقيين وعرب أن يزيدوا بالتأزيم...؟!

غالبية وسائل الأعلام المستحوذة على الدعم الأعلى والتمويل الأكبر في الجوار العراقي (مسلمة) وأبرز رجال الدين المتسيدين للساحة في التحريض والترويض (مسلمين) وكل دول جوار العراق ومحيطه الأقليمي (مسلمين) وغالبية الشعب العراقي (مسلمين) وأكثر من حرض على القتل والطائفية في العراق ليصل الأجمالي لهذا العدد المرعب (مسلمين) ولك أن تتخيل لماذا يستمر هذا العدد المرعب بالزيادة ليزيد الرعب رعباً...!
السبب هو في الأسلام والمسلمين كما هو واضح ولكن ليس هو الأسلام الحقيقي شريعة الله وسنة نبيه الأكرم محمد (ص) بل شريعة لعبة سياسية وهوى وشهوة وعصبية وعنف وغل وكراهية وضغينة وطائفية ولك أن تسمي ما شئت من أحقر الصفات.
يصورون للناس أن إسلامهم هو الأسلام الحقيقي وأنهم هم المسلمون حقاً ومن لم يفعل فعالهم ويصنع صنيعهم فهو (في النار) حيث نارهم المقصودة نارين (نار) الدنيا بتفجيراتهم وقتلهم وحربهم ونار الاخرة التي لم يعدها الله إلا لهؤلاء الذين لا يطيقونهم هم ولا يتحملون الخلاف معهم.

يروى أن النبي محمد (ص) قال –ما مضمونه-: أيما عصفوراً قُتٍل عبثاً فسيأتي هذا العصفور يوم القيامة شاكياً الى الله وهو يقول: أي رب خذ بحقي ممن قتلني، فهو لم يقتلني ويستفد بلحمي ولم يتركني أأكل من خشاش الأرض.
صدق رسول الله (ص) بعد أن خالف قوله الملايين ممن يتفاخرون بزيادة تعداد المسلمين على حساب زيادة أكبر في تخلفهم وجهلهم وزيادة العنف الديني والطائفي بأسم الأسلام.

لماذا كل هذا العنف المتزايد في العراق فقط ومن المستفيد من قتل العراقيين...؟!
لم تشهد افغانستان والتي تدخلت فيها القوات الأمريكية وأكثر الدول العظمى (بريطانيا، فرنسا، المانيا) إلا عدد قليل من القتلى والجرحى قياساً بما حصل ويحصل في العراق بالرغم من أن إحتلال أفغانستان كان سنة 2001 ولازال لليوم لسنة 2013، بينما احتلال العراق بدأ سنة 2003 وانتهى سنة 2012...؟!
لم تشهد ليبيا التي تدخلت فيها قوات التحالف الأطلسي لأسقاط نظام معمر القذافي هناك ما حصل ويحصل في العراق...؟!
لم تشهد افغانستان ولا ليبيا عنف طائفي موجّه ضدها ولا تفجيرات عشوائية وقتل كالذي حصل ويحصل في العراق بالرغم من أن أفغانستان يتمركز فيها أكبر جماعة ارهابية وهي (القاعدة) بأبرز قياداتها...؟!
لم يشهد بلد حملة إعلامية موجهة بشكل رئيسي وأساسي ضده ولتدميره سياسياً وتفريق أبناء مجتمعه والحط من شأنه دولياً كالذي حصل ويحصل ضد العراق...؟!
لم يشهد بلد التدخل في شؤونه الداخلية من قبل دول جارة له كالذي حصل ويحصل في العراق...؟!
لم يشهد بلد دعم الخارج لسياسيين من داخله كلٌ حسب طائفته السنية والشيعية كالذي حصل ويحصل في العراق...؟!
لماذا كل دعوات الحرب ضد أمريكا وقواعدها كانت موجهة (للعراق فقط) وحتى بعد إنسحاب القوات الأمريكية بكامل جنودها من العراق وإخلاء جميع قواعدها لا زال التصعيد والتوجيه ضده، بالرغم من وجود قواعد أمريكية دائمة وكبرى ومنها يتم توجيه المخططات والدعم في كافة دول الخليج (السعودية، قطر، الكويت، البحرين) ولا يوجد من رجال دين ولا سياسيين ممن يحرضون على المقاومة والجهاد والدفاع عن العرض والأرض في (العراق فقط) ولا يوجد حتى تلميح لتلك الدول والقواعد الأمريكية هناك...؟!

لماذا كل مشكلة في العراق تأخذ طابع التأزيم والتعقيد وحتى المشاكل البسيطة يتم تهويلها من قبل سياسيين عراقيين ومن يدعمهم من دول جوار وكذا بوسائل إعلام عراقية وعربية حيث كل همها زيادة التأزيم...؟!

كلا الحربان الأمريكيتان في العراق وأفغانستان كانتا بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر(أيلول) 2001 أو أُريد لها أن تظهر بهذا الشكل.
النتيجة: لم يتم القضاء على معاقل القاعدة في أفغانستان بل إزدادت، ولم يوجد أي سلاح دمار شامل في العراق...؟!   
تخيلوا أن أعداد ضحايا 11/سبتمبر (أيلول)/2001 في أمريكا حوالي ثلاثة الاف قتيل، ولقد خسرت أمريكا لحد الان في حربها بسبب تفجيرات 11/سبتمبر (4486) جندياً أمريكاً في العراق لغاية سنة (2012) وهي سنة خروج الجيش الأمريكي وإخلاء جميع قواعده في العراق و(2227) جندياً أمريكياً في افغانستان لغاية سنة (2013).
أي خسرت أمريكا (6713) وأضعافهم جرحى، وهذا موقع سيعطيك الأرقام بالتفصيل (www.icasualties.org).
أضع أمام المنصفين ممن لهم عقل وضمير رقمين بين 2003-2012:
الرقم الأول (168,886) والرقم الثاني (4486).
أتعرفون ماهي النتيجة...؟!
مقابل كل جندي أمريكي واحد قُتِل في العراق هنالك (38) قتيلاً عراقياً...!

70
الفرق بين مسلمي بورما والعراق

بقلم: حيدر محمد الوائلي

كثر في الاونة الاخيرة البكاء والتباكي لما يحصل للمسلمين في بورما من عملٍ إرهابي شنيع على يد جماعات بوذية إرهابية متوحشة لمجرد اتباعهم ديناً يخالف دين الأكثرية، وإنتشرت صور مروعة لما يحصل هناك وهنا في بلاد العرب والمسلمين تكاثرت وسائل إعلام وأنظمة حكم ومنظمات وشخصيات للشجب والأستنكار والتنديد وعقد المؤتمرات وفي الفيس بوك صور وتعليقات تبكي وتتبكاى على مسلمي بورما المساكين.
لم يعهد المسلمون وخصوصاً العرب منهم هكذا صور بشعة ولم يسمعوا بالقتل من قبل ولم يروا صوراً لقتلى لمجرد خلاف ديني ولم يعرفوا ما معنى أن يُقتل أو يُؤذى شخصٌ بسبب خلاف ديني فمجتمعنا العربي ذو الأكثرية المسلمة وأنظمة حكمه المسلمة شفافة جداً ورقيقة جداً جداً وإنسانية جداً جداً جداً حيث لم تتحمل أن ترى صوراً لبعض ضحايا المسلمين في بورما، وكثرت حالات الأغماء عند رجال الدين الكبار والصغار والمفتين والخطباء ورجال السياسة في العراق وبلاد الشام والخليج وشمال افريقيا حينما رأوا صورة مسلم يُحرق في بورما فهي أول مرة يرون ويسمعون فيها بحرق مسلم في الوقت الحاضر ولم يقرأوا في تاريخ الأسلام القديم والحديث والمعاصر أي جرائم ترتكب لمجرد خلاف ديني ومذهبي وسياسي...!

كان في ودي أن أضع خمسة وثلاثين مليون علامة تعجب بعد كلامي السابق على عدد سكان العراق ذي الغالبية المسلمة والذين كانوا هدفاً أساسياً ومتعمداً للقتل والعنف الذي سببه ومحركه الأول والرئيسي فتاوى ومواقف رجال الدين والسياسة وأتباعهم لتخلف تفجيراتهم وقتالهم ونزاعاتهم قتلى وجرحى تجاوزت مئات الالاف من مسلمي العراق وسط سكوت مطبق لسيل تلك الدماء البريئة بسبب طائفيتهم المقيتة وأحقادهم السياسية منذ سقوط نظام حكم صدام الذي كان له حصته من القتل والأرهاب بحق شعبه طوال سنين حكمه ليعطيه علماء السلطة يومذاك لقب (قائد الحملة الأيمانية) واليوم يسميه بعضهم (شهيداً)...!
لم تخلو نشرة أخبار حول العراق من تفجير سيارة مفخخة أو عبوة ناسفة أو تفجير إنتحاري في منطقة سكنية أو تجارية خلفت عشرات القتلى والجرحى لمسلمين يجزرون كالأضاحي على ثرى العراق بسبب العنف ذو الطابع الديني السياسي الطائفي وبدعم من منظمات إسلامية ورجال دين وأنظمة حكم من داخل العراق وجواره وأبعد.

يبكون ويتباكون على مسلمي بورما اليوم وينشرون صوراً لبعض الحوادث هنالك وفي العراق صوراً ومقاطع فديو واضحة وصريحة توثق لعمليات قطع رؤؤس بسكين يتلوا قاطعها ايات من القران الكريم قبل أن يذبح هذا الأنسان الذي ذنبه أنه يخالفه في الطائفة أو أنه ضحية يستخدمها إرهابيي الأسلام للضغط السياسي والطائفي.
فديوهات توثق كل عملية تفجير وقتل، ولم تسقط دمعة من تلك العيون التي تتباكى اليوم على مسلمي بورما، وكلمة (تفجير وعراق) إرتبطتا سوية لدى أي عملية بحث في نصوص وصور (Google) وفديوهات (YouTube) .

تفجيرات وقتال بداعي الجهاد (في العراق فقط) وبداعي المقاومة (في العراق فقط) وبداعي طرد المحتل وقواعده العسكرية (في العراق فقط) وبداعي قلب نظام الحكم الطائفي (في العراق فقط) وبداعي محاربة حكومة طائفية (في العراق فقط) وبداعي التدخل في شؤون (العراق فقط) وبداعي محاربة النظام الديمقراطي (في العراق فقط) وبداعي نصرة (سنة العراق فقط) وبداعي نصرة (شيعة العراق فقط) وتعددت المرات وأختلفت ولكنها تشابهت أن رجال الدين والسياسة ومموليهم من أنظمة حكم داعمة ووسائل إعلام محرضة واتباعهم إتفقوا جميعاً أن يكون كل ذلك في (العراق فقط) رغم تشابه كل تلك الأمور (إن صحت وهي ليست صحيحة بالمرة) في دول ومناطق يسكنها شيوخ وأقطاب الدين والسياسة وأتباعهم (هناك) ولكنها حرام لأنهم مقيمين (هنالك) ولأنها (هناك)...!

لم يحصل لأقلية (الروهينغا) المسلمة في بورما ما نسبته حتى واحد بالمائة من ربع نصف ربع الربع ما حصل ويحصل للأغلبية المسلمة (السنية والشيعية) في العراق، ولكن لأمور طائفية وسياسية ونفاق إقتضى السكوت عن بشاعة جرائم أتباع الأسلام بحق مسلمي العراق وياليتهم سكتوا فعند بعضهم واجب التحريض وزيادة العنف...!
يتباكون على مسلمي بورما وبعضهم يتغاضى أو يستبشر لما يحصل لمسلمي العراق من قتل وتفجيرات عى يد أتباعهم ومن يقتدي بفتاواهم ونهج دينهم الطائفي.

يا ليت ما يحصل على مسلمي بورما يحصل في العراق لكنا في خير وسعادة حيث القاتل هناك بوذياً لا يؤذي كثيراً مثل الأذى الكبير الذي خلّفه تدخل التيارات الأسلامية المتشددة في العراق وفتاوى التكفير والتحريض والدعم والمباركة.
لو كان ما يحصل على مسلمي بورما في العراق لكنا نحمد الله ليل نهار أن الوضع بسيط مقارنة ببشاعة القتل العشوائي الحاصل كل يوم في العراق وبمختلف الوسائل (انتحاري، سيارة مفخخة، عبوة ناسفة، مواجهة مسلحة، اغتيالات) مستهدفاً مختلف شرائح المجتمع (أطفال، شباب، شيوخ) ومختلف الوظائف (عامل بسيط، بروفيسور في الجامعة) ومختلف الأماكن (مدرسة إبتدائية، سوق شعبي، مسجد) ومختلف الطوائف والأديان (سنة، شيعة، أيزدية، صابئة، شبك، مسيحيين).

رحم الله مسلمي بورما وأعانهم وآجرهم على مصابهم الجلل وأن يلهمهم الصبر والعزيمة فالله مع الصابرين وأرجوهم أن يدعوا لمسلمي العراق فهم بحاجة للدعاء.
يا مسلمو بورما إدعوا للعراقيين في مساجدكم إن وُجدت فمساجد العراق شهدت مئات التفجيرات حيث جدرانها حمراء من الدماء وأرضيتها بساط من جثث المصلين، وأدعوا الله بالرحمة لهم في صلاة الجمعة إن كنتم تؤدوها فصلاة جمعة العراق تشهد كل جمعة تهديداً وتفجيراً وقتلى وجرحى وكل مسجد تحرسه قوة أمنية وعليه طوقاً أمنياً لحراسة مصلين ذنبهم أنهم يقيمون الصلاة.
يا مسلمو بورما إدعوا للعراقيين بالرحمة والصبرر والسلوان فربما دعوتكم مستجابة فأنتم مظلومين ودعاء المظلوم مستجاب ولم تتلطخوا بعار الطائفية وظلامها فدعاء بعض علماء المسلمين الطائفيين من داخل العراق وجواره وأبعد لمسلمي العراق زاد السوء سوءاً أكثر والعنف عنفاً أكثر والطائفية أكثر وأكثر.

71
ما كان الدين رخيصاً مثل اليوم

بقلم: حيدر محمد الوائلي

كانت رسالة من السماء لأرضٍ مُلئت موتاً وفساداً وظُلماً لبث الروح فيها والصلاح والعدل، فتحقق لها التغيير المنشود ولكن لبرهة فسرعان ما عاد الفساد والموت والظلم وبإسم الدين هذه المرة فكان أبشع وأمرّ.
ما خان أمينها ولكن الناس لا الله ورسوله إئتمنوا الخائن عليها ليتحول منبرٍ صُدِح من على أعواده بأمر الله علماً وعدلاً وأخلاقاً إلى بوق دعاية سلطانية يمتطيه شاهد زورٍ لحصد البيعة والترهيب، فتلاقفوها تلاقف الطفل للكرة وإتخذوها مُلكاً عضوضاً ولازات تلك المنابر يعلو صوتها في الوقت التي أُخرست منابر العلم والعدل والأخلاق.
كانت رسالة حقٍ أرادها الله أن تكون شمعةً تضيء صراطه المستقيم فجعلوها حرائق تلتهم الناس ليسلم عرش  الأمويين والعباسيين بأسم خلافة المسلمين، وتبعهم على نهجهم شعوباً وسلاطين يفسدون بأسم الدين.

من حسرة رسول الله (ص) الذي ما أوذي نبي مثل ما أوذي ولا زالت أمة المليار مسلم تؤذيه كل يوم بسوء صنيعها وتحسب سوءها يقربها لله زلفى، فها هو شجى حسرته يسمعه من له لبٌ وقلب سليم.
إرتدوا لباس التقوى زوراً ونفاقاً وصاروا بإسم الله يفتون ويحكمون، ولهم أنصار يبايعونهم ويتبعونهم بكماً لا يتكلمون إلا بما يؤمرون وصماً لا يسمعون إلإ ما يُلَقّنون.
منافقون أشد ضرراً وأذىً وتدميراً وفساداً على الدين والناس من كافرٍ يصيح بملئ الفم أنا كافر...! (إن المنافقين في الدَّرْك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا)اية145/النساء.

يُظهِر المنافق خيراً ويكتم شراً ويضع مبرراً لنفاقه وشره فأول درب النفاق تبرير يقنع نفسه به ليعينه اول الأمر على مواجهة رد فعلٍ نفسيٍ لتأنيب الضمير وسرعان ما يضمحل التأنيب ليبقى النفاق متسيداً، وفي القران الكريم سورة كاملة إسمها (المنافقون) وايات كثيرة متفرقة للتنبيه من خطرهم الكبير وفداحته.
طبعاً لا يقر المنافق بنفاقه عند مواجهته بالأمر فهو يلجأ لأتهام من يبين نفاقه بالكفر والزندقة والإخراج من الدين وتصيد عيوبه، وأكثر المنافقين شراً من كانت صفته رجل دين.
له شخصيتان: الاولى ظاهرية يتعامل بها مع الناس زوراً، وأُخرى باطنية لشهوته ومعتقداته وميوله العصبية والشهوانية، ويتصور أن يقيه التظاهر النقد والأهانه وكشف حقيقته بحقيقة وعقيدة صحيحة هو أراد تدميرها.
يخطابهم الله تعالى كاشفاً تلك الأزدواجية في التعاطي بأمور الدين بقوله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)آية85/البقرة.

تكاثروا اليوم ومزجوا فساد السياسة بفساد الدين ومن ثم بفساد الطائفية بأسم السنة والشيعة يتناوشون، فموضة اليوم حديث الطائفية السنية والشيعية كما كانت...!
تُناصر الشعوب وأنظمة الحكم والدين ورجاله لا على أساس العلم والأخلاق والأنسانية والتعايش بل وفق التبعية السنية والشيعية، فما يُعتبر جهاداً في مكانٍ يُعتبر ذات الفعل في مكان ثانٍ فساداً، ورجال دين تخطب وتناصر من على منابر هؤلاء وهؤلاء وكلٍ له وسائل إعلامية جبارة وتمويل أكثر جبروتاً، وإسرائيل من خلف ظهرانيهم تبني وتخطط لتدمير كلاهما وأكثرهم لا يعقلون.
كان عندهم قبل بضع سنوات معدودة يحرم الخروج على الحاكم ولو كان ظالماً لأنه ولي أمرّ...! فصار اليوم جهاداً وربيعاً عربي...! ولازال بعض الحكام ممن تشتهيه أنفسهم يحرم الخروج عليه دون غيره...!

صار دين الأسلام سلعة تباع وتشترى، بعدما كان سلعة تباع وتشترى، وسيبقى سلعة تباع وتشترى ما دام للزور الديني منابر وقنوات إعلامية وأنظمة حكم داعمة وممولة مثلما كان له كل ذلك تاريخياً بأسم الخلافة والحكم.
ما فسدت الأرض أكثر إلا بأسم الدين الذي به الكثيرون يتجارون ويتكسبون، ولم يكن هو دين الله ورسوله المقدس ولكنه دين الزور والسياسة والهوى والشهوة فكان الصوت الأعلى فيما مضى واليوم للثاني.
كان شراء الدين رخيصاً في الماضي البعيد وصار شراؤه أرخص في الماضي القريب وأصبح ثمن بيعه وشراؤه بخس دراهم معدودة اليوم.

من هوان الدنيا أي يبرز بإسم الدين الناعقون مع كل ناعق من الحاقدين الميّالين مع كل ريح، وأن يسمى الجاهل الحاقد المنافق عالماً بل مفتياً ورجل دين فيا لله وللفتوى ورجالها.

من آهات وحسرات في حشاشة القلب أرادت وتريد وستبقى تريد للأمة أن تنهض من سوء حالها لخيره ولكن (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) اية30/يس.
تخرس أفواه من تريد أن تنير العقول بالحكمة والعلم وحسن الدين والمعاملة و(الدين المعاملة) في الوقت الذي تُفغر أفواه من يتكلم بأسم الدين زوراً وجوراً وطائفية ممن أشاعوا الخراب وملئوا عقولاً بالأحقاد وقلوباً بالكراهية، فهم لا يطيقون ديناً يسلبهم شهوتهم وسطوة حكمهم ودينهم المفصل عليهم فأعدوها حرباً عليه وثأراً منه وبإسمه.

لم يهنئوا بما جنوه من دينهم الشهواني لا بدين ولا دنيا فقد ضيعوا الأثنين معاً ولم يشعروا بسكينة دين الله تسكن صدورهم التي سكنها نار الكراهية وشهوات النفوس ولا يسع قلبٌ نور الله وظُلمات الشر.
بالكاد ينام ليستيقظ فيجد نفسه صفراً في ميزان العلم والأخلاق والحكمة حتى لو ملك ما مَلَك من سلطة وشهوة وسمعة ومنصب، في هذه الوقت الذي فيه الأصفار يحكمون ويفتون بأسم الله.
دين الله ثورة تغيير وإصلاح وصلاح، فتراهم يخافونه لأن سيحدث تغيير كبير في دينهم الذي تلقنوه وورثوه فأتبعوه على عمى فتراهم يلقنونه غيرهم على عمى أيضاً من على منابرهم الجديدة ووسائل إعلامهم المتطورة وميزانيتهم المالية الضخمة وما تم دعمهم إلا لغرض الأستمرار بتلقين أجيال العميان على هذا النهج الذي ألفوا آبائهم عليه عاكفين.
ولأن البعض سيكون ضحية هذا التغيير الذي سيطالهم لو سمحوا لنور العلم والأخلاق والحكمة أن يتوغل في العقول المظلمة لا من جهلٍ بل من تعتيم على الحق، فالحق مستقيم وأكثرهم له كارهون ومحاربون.
لم يعوا من القران (ادع إِلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هُو أَعلم بمن ضَلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)اية125/النحل، ولم يعهدوا نبياً وصفه الله (وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم) اية4/القلم، فقرانهم القتل والحقد والكراهية ونبيهم ليست له أخلاق إذا كان ما يفعلونه اليوم يلصقونه بالقران الكريم وسنة النبي الأكرم (ص).

(إذا إرتدى الزور لباس التقوى ستقع أكبر فاجعة في التاريخ) من قول لرادها كريشنان.
وقد وقعت، ولازالت.


72
تداعيات خسارة الريال والبارسا والوضع العراقي

بقلم: حيدر محمد الوائلي

ملاحظة: كتبت المقالة لما خسرت برشلونة حيث كان أملي أن يفوز ريال مدريد، فقمت بالتعديل عليها لما لحق الريال بالبارسا بنفس نتيجة الخسارة.

فبرباعية كبيرة رفعت رأس بايرن ميونخ ودورتموند ألمانيا وحطت رؤوس برشلونيي ومدريديي إسبانيا في عشب ملاعب ألمانيا، فكان الفوز لكلاهما تاريخياً.
رباعية ضد البارسا فرح بها جمهور ريال مدريد في العراق أكثر مما فرح بها جمهور سكان مدينة ميونخ، وفي اليوم التالي رباعية في مرمى الريال طار بها فرحاً جمهور برشلونة العراقي أكثر من سكان مدينة دورتموند للتنفيس عن شماتة خسارة الأمس.
لقن فريقا ألمانيا عملاقا الكرة الأسبانية درساً في عدم الغرور والتخطيط وأخذ الحيطة من قوة الخصم فكانت الخسارة ثقيلة برباعية لكلاهما.
إنتهت المباراتان وينام جمهور الفريقين في العراق على حزنه للخسارة ليستيقظ في الصباح وتأتي نشرة الأخبار لتزيد من كآبة الخسارة.

مثلما يتهم الفريق الكتالوني والمدريدي الحكم ببعض الأخطاء يتهم المتظاهرين في الرمادي والموصل (واليوم) الحويجة دخلت على الخط مطالبين الحكومة بتنفيذ مطالبهم تارة وتارة أخرى ينادون باسقاطها.
في الحويجة حصلت مواجهة بين مجاميع وجيش الدولة الذي صدرت له أوامر بالتفتيش حول وجود أسلحة وقنابل وعناصر خبيثة مندسة تم العثور عليها فعلاً، فجوبهوا بأطلاق النار لدى إعتراض بعض المندسين على القرار وكما يقال في العراق (اللي بعبة طلي يمعمع) فمعمع بعض السياسيين لها مثلما معمعت بعض وسائل الأعلام العراقية التي لم يهدأ لها بال في تعكير صفو أي أمل وتدمير أي فرصة بناء ولك ان تتصور ماذا سيفعل من يكره للعراق أن يستقر من قنوات عربية لها أحقادها وإجنداتها والتي لم تكن يوماً منصفة بحق العراق فمعمعت أكثر.
كان للأبرياء الحصة الأكبر من الأذى كما جرت العادة في العراق مع الأسف.

لم يترك (أنييستا) ولا (ألونسو) المباراة لما كان مجراها يصب في مصلحة البايرن ودورتموند ولم يهرب (ميسي) ولا (رونالدو) ويترك زملاءه وحدهم ولم يقف (فالديز) ولا (لوبيز) تاركاً المرمى مفتوحا ويقف متفرجاً بل لعبوا وواصلوا وخسروا بشرف، ليس كمثل وزراء الحكومة العراقية الذين حكموا ثلاثة سنوات من ولايتهم الأربعة سنوات ولمّا وجدوا أنفسهم فاشلين وخاسرين سياسياً لجئوا للخبث والفتن وتأجيج الأزمات وبدأت الأستقالات وتعليق حضور جلسات مجلس الوزراء والتي لهم فيها مآرب أخرى، فصفق وهلل لتلك التعليقات والإستقالات كل غبي مضحوك عليه وأضاف عليها التوابل لتزداد خبثاً وسائل إعلامية عراقية لتدمير بلدها للتنفيس عن غلها وحقدها وأجندتها، ولك أن تتصور ماذا ستفعل قناة الجزيرة والعربية.

يقف رئيس برلمان العراق أمام المتظاهرين مسانداً إياهم بالرغم من أن الحكومة رغم مساوئها الكثيرة ولكنها اوفت ببعض المطالب وبقيت أكثر مطالب المتظاهرين التي يجب أن يضع حلولها البرلمان ورئيسه الواقف أمامهم، ولكن هذا الرئيس يصر على نفاقه مستغلاً غباء الكثيرين من المتظاهرين ولأنه سني وهم سنة ورئيس الوزراء شيعي، فالطائفية تسر الغبي سنياً كان أم شيعياً، فكيف لو كان الغبي حاقداً.
وكأن رئيس الوزراء الشيعي وأكثرية البرلمان الشيعية جعلت من المحافظات ذات الغالبية الشيعية جنة من الجنان...!
من المعروف أن غالبية ثروات العراق وخيراته النفطية والأقتصادية وميزانية الدولة تأتي من ثلاثة محافظات رئيسية هي البصرة وذي قار وميسان وهذه المحافظات الثلاث ذات غالبية شيعية تعاني من سوء الخدمات والفقر أكثر مما تعاني الموصل والرمادي والحويجة...!
شهدت هذه المحافظات الثلاث الكثير من المظاهرات ضد الحكومة ومجالسها المحلية للمطالبة بتوفير الخدمات والنهوض بالبلاد ولكنهم لم يناصروا قاتلاً قتل الشعب العراقي ولو أيدهم في مظاهراتهم ولم يذعنوا وينخدعوا بتهريجات بعض قنوات الفتنة لما أرادت أن تؤدي دور الحمل الوديع بدعمهم مستغلة التظاهرات فوقف ذات الجمهور ضدها.
هؤلاء السياسيون رأوا أن العملية السياسية لم تلبي لهم ما يريدونه ورغم ملأ خزائنهم من أموال الدولة العراقية ولكنهم لم يكتفوا بذلك فهم يريدون الحكم الذي لم توصلهم الأنتخابات له فها هم يركنون لتأجيج الأزمات.

أُبتلي العراق بدول جوار تترك شؤونها الداخلية وفساد حكامها القابعين في الحكم سنوات وسنوات وهم وحكامها ووسائل إعلامها تتدخل في شؤون دول أخرى بل وتساهم بتدميرها، فواحداً لمطامع إستثمارية ونفطية، وآخر لكراهة دينية طائفية، وثالث لتطبيق أجندات وخطط صار حماراً يحملون عليه أسفارهم ويحسب الحمار نفسه كبيراً ووسائل إعلامه معه.
كانت الأولى تركيا والثانية السعودية والثالثة قطر، ومن خلفهم دول أكبر وأصغر لا تريد أن تكون في الواجهة في هذه الفترة فتكتفي بالحمير الثلاثة لنقل تلك الأجندات.

في العراق رغم كل هذا السوء الخدمي والذي سببه السياسيين الذين إنتخبهم الشعب نفسه ولكنهم خربوه عن قصد وعمد لكراهة تؤجج نار خبثهم لأحراق خصومهم ليشعروا بنشوة نصر وهمي ويعلمون أن العراق يحترق بنارهم.
في العراق شعب عانى الظلم الكبير وقسوة الحكم الأبشع أيام حكم صدام وحزب بعثه، وإرتجى خيراً بزواله ورحيله لمزبلة الظلم والطغيان ليتبعه على أطلاله وضع إرهابي بشع وقذر حرّكه ذات اللاعب من الجوار والدول الكبرى ومن الداخل الذي تضرر بالتغيير بوجود حرية وإنتخابات فأحرق شعبه مثلما يفعل نفس ذلك اللاعب القديم ولكن بأسلوب جديد لأعادة الحريق الذي بدأ يخفت لهيبه ولكن ليس هو في الواجهة اليوم فهنالك سياسيين طائفيين ينوبون عنه ومنهم من هو وزير في الحكومة وأكثر منهم نواب في البرلمان.

صبراً يا جمهور الريال وبرشلونة فهنالك مباراة عودة ربما تتغير فيها الأحوال وتصحح الأخطاء، مثلما يتمنى الشعب أن تكون هنالك عودة للكثير من السياسيين ليفكروا في أخطائهم ويصححوها.

73
على قدر الوعي تأتي نتائج الأنتخابات

بقلم: حيدر محمد الوائلي

الأنتخابات المحلية في العراق على الأبواب، وهي ثالث انتخابات ديمقراطية تجري في البلد الذي مزقته الحروب والصراعات والسياسات الداخلية والخارجية، فللشعب إرادة يجب أن تسمع ويُعبّر عنها بكل قوة وحرية في صناديق الأقتراع.
سلسلة مقالات في الأنتخابات، المقالة الخامسة والأخيرة.

(يكثر الكذب عادة قبل الأنتخابات وخلال الحرب وبعد الصيد) أوتو فون بسمارك، مؤسس الأمبراطورية الألمانية وأول مستشار لها أواخر القرن التاسع عشر.

الكذب والزور بضاعة الفاسد، والفارغ العقل وضعيف الشخصية.
لا يوجد عنده حقيقة فيلجأ للكذب والزور ويوهم نفسه أنها حقيقة واقعة ويوهم الاخرين بتصديقها، والأدهى وأمرّ أن أتباعه يصدقونها لأن من قالها تابع لتيارهم الديني فقط دون تمحيص ولا دراية.
لا توجد عنده أفكار كي يعزز بها موقفه وثقته بنفسه ولا برامج محددة ومدروسة فلذلك يعمد للكذب والزور وسرقة أفكار الأخرين ولصقها بشخصه.
الأسوأ من ذلك عندما يبرر كذبه وزوره بحيل ومبررات شرعية دينية تزيد من النفاق أو حيل ومبررات سياسية تزيد من الكذب والزور وجميعها لا أصل لها ولا منطق إلا بعقله الفارغ.
هو أفشل المرشحين بأمتياز ومن ينتخبه أفشل منه.

على قدر وعي الشعب في إختيار مرشح واعي وصاحب فكر ستكون النتائج رائعة ومبشرة بالخير، وبالعكس لو تخلف الوعي الشعبي وأصبح تسّيره الرغبات الحاقدة والعصبية فستكون النتائج بائسة.
لا يجب رهن عقلك بما يمليه عليك بعض قيادات التيارات الدينية والسياسية المراهقة فيصبح عقلك حينها بمستوى عقل الحمار الذي يقتادوه إقتياداً حيثما يريد له راكبه سالباً إياه حريته وإرادته وتفكيره فعندها تكون النتائج بائسة ولا خير فيها أيضاً.

ينبغي النظر قبل الأنتخابات بقائمة من الكاذبين السابقين والذي فازوا بالأنتخابات السابقة ممن كذبوا بإحداث تغيير وجلب مشاريع وتشريعات ممن كذبوا بضحكهم على الناس بوعود التعيين والرفاهية وهم من التابعين لتيار ديني معروف ولقد إنتخبه الأتباع لأنه تابع لتيارهم الديني فقط دون فكر ولا دراية وحتى لو كان مرشحاً لا علم له ولا فهم بأمور السياسة والأدارة والتخطيط فقلد إنتخبوه على عمى، ولقد فاز أتباع هذا التيار بهذه الطريقة البائسة بنسبة عالية من الترشيح في أنتخابات البرلمان السابقة مع الأسف.
أو ممن وعد بمشاريع وقوانين كثيرة وعشوائية لا واقع لها ألا بحديث تحدث به للضحك على بعض المغفلين من الأتباع قبل الأنتخابات ومن بعدها صار يمشي وفق هواه ومشتهاه وبما يتماشى مع هوى تياره الديني والسياسي ومشتهاه ووفق ما يلقنوه إياه فهو لا يملك رأيه.
أحذروه وتجنبوه فهو يستحق الأهانة لا أعادة إنتخابه...!

هنالك بعض الفائزين السابقين ومن يريد أن يمثلهم اليوم يعتبر نفسه متصدقاً على الشعب إذا قدم لهم خدمة، ووسائل إعلامه تصرخ بمدحه أنه أدى خدمة هي واجب عليه أصلاً ويتلقى راتباً ضخماً لأدائها، ومنهم من يغوص في الأبتذال أكثر فيصور حتى هداياه لبعض الفقراء للدعاية.

سنقولها لهم يوم الأنتخاب (لا) لأننا سننتخب غيرهم ممن نعرفه شخصياً من المرشحين السابقين وممن نجح في التجارب والمحن الماضية ولم يتلطخ بعارها وشنارها وبرهن أنه على قدر المسؤولية، ومن المرشحين الجدد الذين عرفهم الناس بحسن الأخلاق والسمعة وجمال الفكر ممن يفكرون بالتغيير للأفضل.

أنتخب من تعرفه وتفهمه ومن تريده أنت وليس وفق ما يريده زعيم ديني وسياسي يأمرك بذلك فهنالك من المرشحين ممن فكرهم وماضيهم وسلوكهم اليومي وأدائهم الوظيفي الجيد وعلاقاتهم الأجتماعية المميزة تشهد لهم بكل خير، فساهم بأن توصلهم للفوز كي تفوز أنت بفوزهم.
لا ينبغي عليك رهن عقلك وحريتك وحقك الأنتخابي وفق ما يشتهي البعض ويريد، فكن شجاعاً وأختر بحرية.

لا تنتخب ممن لديه هوس القتل والسلاح وزج جماعته في القتال من قبل كلما إحتدم الصراع السياسي معه وهدد بسلاحه وتوعد لمجرد خلاف سياسي، فهؤلاء شريعتهم القتل بدل العقل في حل المشاكل، لا تنتخبه ولا من يمثله فهو خطر.
لا تنتخب أتباع من غاب عن حضور جلسات البرلمان وساهم بعدم تشريع القوانين وأنتم تعرفون من هم وأسألوا عنهم ومن سيمثلهم إن كنتم لا تعرفون.
لا تنتخب اولئك النواب النيام الذين لم نعرف لهم فكراً ولا موقفاً محدداً فهم كالببغاوات ومن يتبعهم مثلهم ممن يرددون أي كلام ويتبعون أي موقف يتم تلقينهم إياه، ولم يساهموا بموقف ولا فائدة لمدنهم التي إنتخبتهم، ولنساهم بأن نحدث تغييراً في انتخابات مجالس المحافظات الجديدة لحصول تغيير أكبر في انتخابات البرلمان القادمة مستقبلاً.

إنتخب لكي تساهم بصعود من هم أخيار ودحض من هم فاسدين، فعدم انتخابك لهم أو عدم مشاركتك في الأنتخابات يعني السماح للفاسدين بالأستمرار  في الفساد.
(الشيء  الضروري الوحيد لانتصار الشر هو: أن الناس الجيدين لا يفعلوا شيئاً) أدموند بورك.
إنتخب لتصنع مستقبل لك ولغيرك وللأجيال القادمة ليعيشوا حياة هانئة مطمئنة أفضل من تعاسة الوضع الحاضر.
إنتخب لأنك وغيرك يجب أن يتعظ ويتعلم من أخطاء الماضي  فأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين.
وتذكر وأكرر ما قلت في مقالة سابقة من نفس السلسلة أن أعلى نسبة مشاركة في الأنتخابات كانت في انتخابات البرلمان العراقي السابق وبلغت حوالي 60%.
أي أن هنالك 40% ممن يحق لهم التصويت لم يشاركوا في الأنتخابات ولو شاركوا لربما سيحصل تغيير كبير في المعادلة السياسية.
أي لو أن الذين يحق لهم التصويت كانو عشرة ملايين فأن أربعة ملايين لم يشاركوا وهذه مصيبة كبيرة.

أغلب الأحزاب والتيارات الدينية والسياسية هي منظّمة ولها أتباع يتبعون قياداتهم بالحرف ويشاركون بكثرة في الأنتخابات، فتصوري أن أكثر الأربعة ملايين الذين لم يشاركوا هم من المستقلين المتقاعسين المهزومين المتخاذلين عن نصرة وطنهم. 
ولو جائت الأنتخابات بنتائج لا تحبذها فيجب تقبلها وتهنئة الفائزين فالمهم وجود ديمقراطية وحرية في الأختيار حتى في ظل عدم وجود فهم ووعي حقيقي للحرية والديمقراطية ولكن هذا الفهم يجب أن يتطور ويحث عليه كل صاحب فكر لتصحيح الوضع اكثر.

74
النجاح بالادارة وليس بالفوز في الانتخابات

بقلم: حيدر محمد الوائلي

الانتخابات المحلية في العراق على الأبواب، وهي ثالث انتخابات ديمقراطية تجري في البلد الذي مزقته الحروب والصراعات والسياسات الداخلية والخارجية، فللشعب إرادة يجب أن تسمع ويُعبّر عنها بكل قوة وحرية في صناديق الأقتراع.
سلسلة مقالات في الأنتخابات، المقالة الرابعة.

هنالك من المرشحين وكذلك المسؤولين من همهم الفوز في الأنتخابات والمناصب وحسب ويعتقد أن فوزه المزعوم يُعد نجاحاً...!
هذا تفكير خاطئ وبائس جداً...!
فليس الفوز في الأنتخابات يُسمى نجاحاً بالمرة، فالنجاح يكون في الإدارة، ومهما كانت نوع المسؤولية التي تتولاها فالنجاح بها يكمن في إدارتها على أحسن ما يكون وتحقيق أكبر قدر من التنمية من خلالها بما يحدث فارق عما كان قبلها.
يُطلق عليه فائز في الأنتخابات فطريق النجاح يسبقه إمتحانات في تحقيق مشاريع وتشريعات نوعية وكبيرة تحدث فرقاً نوعياً للأفضل، فكثيراً ما فاز مرشحين لا فكر لهم ولا كفاءة سوى دعم شخصيات دينية وسياسية لهم فأنتخبهم الكثيرين من الناس وفق ذلك وحسب ولكن الكثيرين من هؤلاء الفائزين في الأنتخابات السابقة قد فشلوا فشلاً ذريعاً لما تسنموا مسؤوليات ومهام ليسوا أهلاً ولا كفئاً لها فلطخوا وجوههم وأيديهم بسخامٍ أسود ليصبحوا كالحدادين فبقي سخام وجوههم وأيديهم أسوداً وسخاً ولم يصبحوا حدادين أبداً.
لم تشفع لهم وسائلهم الأعلامية ومنشوراتهم الدعائية وتبعياتهم الدينية والسياسية بتنظيف تلك الوجوه والأيادي الملطخة إلا بزيادة سوادهم سواداً ونفاقهم نفاقاً، وفقط العاقل من يراهم كذلك فالجهلة يعاندون وينافقون للحفاظ على ميلهم الديني والسياسي لتيار اولئلك السياسيين والمسؤولين وسياساتهم فيصرون أن سوادهم بياضاً وأعوجهم مستقيماً.
(صخّم وجهك وصير حداد) مثل عراقي دارج يُقال لمن يعمل عملاً هو ليس أهلاً له وليست له الكفاءة ولا الفكر لأنجازه.
 
بالرغم من فوز بعض اولئك في الأنتخابات السابقة ولكنهم فشلوا في مسؤولياتهم فكان الصفر يرافقهم ما تقادمت الأيام عليهم وهم يعاندون ويغضون النظر عن صفر فشلهم بل ويستمرون بصفرهم الذي يرافقهم دون إكتراث بل دون الصفر قد نزل بعضهم سالباً يُقرأ لما زادوا السوء سوءاً أكثر والنفاق السياسي والديني نفاقاً أكثر وأكثر، في الوقت الذي أقصت الأنتخابات وخسر فيها صاحب العقل الناضج والفكر النير.

النجاح في الإدارة وإحداث تنمية والتخطيط لإنجاز مشاريع كبيرة وإعداد برامج منهجية علمية منظمة للنهوض بالدولة والمحافظة والمدينة بما يجلب أكبر قدر من التمتع بثرواتها وتحقيق أعلى سقف من التنمية والعدل في توزيع الثروات وإحداث تشريعات مستقلة وشجاعة تخدم المحافظة، فيكفي جلوس أعضاء مجالس المحافظات يصوتون على مشاريع وقوانين وبرامج أما تافهة أو بائسة أو غير مهمة أو مشاريع لم يعدوا لها ويفكروا بها أصلاً فمسؤوليهم الكبار من ارسلها لهم ودورهم أن يقروها فقط.

بعضهم يتفاخر بإنجازاته العظيمة عندما يراجعه مواطن فيقضي له حاجته فيفاخر بذلك في الوقت الذي هو نفسه يساهم كل يوم من حيث يدري أو لا يدري بتردي أحوال مئات الالاف من المواطنين بجلوسه في مقعده دون إحداث أي تنمية وتطوير يُذكر للمحافظة التي هو مسؤول فيها.
وغيرهم من الذين كل همهم تغطية نشاطاتهم إعلامياً لأضفاء هالة من وهم الأنجازات والنجاح، والحقيقة أن نشاطاتهم المزعومة تلك مجرد واجبات عادية مكلف بأدائها.
رأيت مسؤولأً كبيراً في المحافظة يلتقطون له الصور لدى نصب عمال البلدية لمطبات طريق برتقالية اللون في أحد الشوارع وكان يتعمد الوقوف قرب المطبات البلاستيكية أثناء عمل العمال عليهم ويتظاهر بعدم إلتفاته للكاميرا ليلتقطوا له صوراً جميلة للنشر على أنه (إنجاز فلان الفلاني)...!

يجب عدم تكرار خطأ أنتخاب اولئك المرشحين الفاشلين الذين لم يحدثوا أي تغيير يذكر في السنوات الماضية، فكان همهم الكبير أن يكسبوا رضا قادتهم الدينيين والحزبيين وكسب ود حاشيتهم وجماعتهم على حساب الفشل الكبير في الإدارة لمحافظة يسكنها مئات الالاف من الناس.

يكون النجاح في إعداد برامج ومشاريع وقوانين وخطط تحدث نقلة نوعية بالأستفادة من فضاعة أخطاء الماضي لتجنبها في تغيير بؤس الحاضر والسعي للتألق والنجاح في المستقبل.
هنالك الكثير من الكفاءات الفكرية ممن يمكن إستشارتهم والأستعانة بخبراتهم فليس العيب بالأستشارة والتعلم عند عدم المقدرة، بل العيب أن تجلس كالجماد تسيء حكم مئات الالاف من الذين بإمكانك من خلال منصبك أن ترتقي بهم للأحسن.

يجب أن يكون لدى كل مرشح للأنتخابات برامج وأفكار واضحة والسعي لتنفيذها في حالة فوزه في الأنتخابات حتى يسمى مرشحاً فائزاً ومن ثم ناجحاً. 
على ضوء أفكارالمرشح يكون إنتخابه، بأن تعرف من تنتخب أما بمعرفة شخصية أو بتجربة سابقة أو فكر يشفع له أن نعطيه صوتنا الأنتخابي، وتجارب السنين الماضية بينت من هو ذو فكر سليم صالح ومن هو ذو فكر عقيم طالح، ولمن يتبع الأثنان.
(إذا  رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تأبهوا به حتى تنظروا كيف عقله)، (إذا بلغكم عن  رجل حسن حال، فانظروا في حسن عقله فإنما يُجازى بعقله) حديثان شريفان للنبي الأكرم محمد (ص).

سيتبعها قريباً مقالة خامسة وأخيرة لسلسلة مقالات في الأنتخابات بعنوان: (على قدر الوعي تأتي نتائج الأنتخابات).

75
لماذا ننتخب؟! ومن ننتخب؟!

بقلم: حيدر محمد الوائلي

الأنتخابات المحلية في العراق على الأبواب، وهي ثالث انتخابات ديمقراطية تجري في البلد الذي مزقته الحروب والصراعات والسياسات الداخلية والخارجية، فللشعب إرادة يجب أن تسمع ويُعبّر عنها بكل قوة وحرية في صناديق الأقتراع.
سلسلة مقالات في الأنتخابات، المقالة الثالثة.

(أعداء الحرية لا يجادلون، بل يصرخون ويطلقون النار) وليم رالف إلغ، كاتب إنجليزي.
للحرية أعداء ينبغي على العاقل مواجهتهم بالمشاركة في الأنتخابات، وللحرية أعداء قتلوا بأسمها الناس وقطعوا بها الأرزاق وبها تحاصصوا وغنموا ثروات البلاد.
للحرية أعداء حكّموا السلاح والقتل فيما مضى ولازالوا يهددون ويتوعدون بإستخدامه كأحد حلولهم ويريدون بأسم الحرية والديمقراطية أن يحكموا ويتسلطوا فأحذرهم، فقد فاز منهم من قبل في الأنتخابات السابقة الكثيرين وفشلوا فشلاً ذريعاً في عملهم في البرلمان والحكومة ومجالس المحافظات لمّا انتخبهم الشعب عن جهل ولميل عصبي لتيار اولئك المرشحين الديني وحسب، فأحذرهم هذه المرة.
للحرية أعداء ينبغي محاربتهم بالمشاركة في الأنتخابات بكل نبل وشرف بعدما حاربوا الشعب العراقي بكل خسة ونذالة.

تبعاً للوعي الشعبي للحرية والديمقراطية تأتي نتائجها، فمتى ما كان الخيار الشعبي واعي ونبه كانت النتائج رائعة، وبالعكس لو كان الخيار الشعبي متسرع وبلا تفكير معمق فتكون النتائج بائسة.

ربما أوصلت الأنتخابات بعض (التوافه) لمناصب ومسوؤليات في الحكم والتشريع، ولكن من أوصلهم هو من إنتخبهم عن جهل أو عن كراهية بغيره فينتخبه لا لكفاءته وفكره بل كراهة بغيره، أو ممن إنتخب وفق مشتهاه الطائفي وتياره الديني، او ممن لم يشارك في الأنتخابات فهو ساهم بدور كبير بسكوته بوصول من يتكلم عنهم في بيته وبين زملاءه أن من الفائزين في الأنتخابات فاسدين وجهلة فأنت من لم توصل من تظنه كفوء وصاحب فكر بعدم إنتخابك له وعدم مشاركتك في الأنتخابات.
ألا يوجد مرشح واحد تظن أنه يستحق أن تعطيه صوتك، ممن تعرفه وتعرف فكره وكفاءته...؟!
ألا يوجد مرشح من منطقتك السكنية تعرفه وتعطيه صوتك وفي حال لم يفي بواجباته تعاتبه وتؤنبه، وهي أحد فوائد أنتخاب مرشح من نفس المنطقة السكنية ومن نفس الحي ومن نفس المدينة حتى تكون على معرفة ودراية به وتعاتبه وتزوره وتشكو له المشاكل التي تعانون منها والأحتياجات الواجب توفرها.

أنتخب من تظن أنه  الأصلح بكل حرية ولكن فكر قبل أن تنتخب فصوتك مسؤولية، وتذكر أن هناك سياسات وسياسيين من داخل العراق وخارجه ممن يريدون سلبك حريتك وكرامتك وممن يريد لك أن تبقى في الخلف في الوقت الذي إستحقاقك أن تكون في الأمام، فحاربهم بحريتك فهم لم يعطوها لشعوبهم وسلبوهم إياها ولكن وسائل إعلامهم المنافقه تصرخ بالحرية والتغيير والأصلاح وهم وهي في قعر الفساد والرذيلة.
ينبغي تفنيد تلك السياسات ممن بذلوا قصار جهدهم لتدمير العراق بتدخلهم السافر في الشأن العراقي على الدوام.
أصرخ بـ(لا) بوجههم ووجه حُكامهم وأموالهم الحرام ومخابراتهم ووسائل أعلامهم وبعض سياسيي العراق ممن يودهم ويذهب لهم طالباً الدعم منهم بكل خسة ونذالة وإبتذال ممن لا يريدون الأستقرار للعراق ويحرمون الشعب من التمتع بالحرية  والديمقراطية التي تقلقهم وتخشى أن توقظ شعوب تلك البلدان، وخوفهم من  مطالبة تلك الشعوب بحقها بالانتخاب وممارسة حريتها وتحقيق أفكارها وأحلامها ونيل كرامتها المهدورة تحت عروش أولئك الحُكام حتى لو كانوا متنعمين بالرواتب ورفاه المال، فقف بوجههم بمشركتك في الأنتخابات كي تنصر الوطن والإنسانية والعدالة وتساهم ببناء مستقبل أفضل لهذا الشعب المظلوم المغبون.

ربما يتبادر للأذهان سؤال: لماذا ننتخب...؟!
ننتخب لكي نشعر بأننا أحرار وأصحاب  كرامة وننتخب من نشاء بكامل إرادتنا، وننتخب لأننا شعب يجب أن يوصف بشعب أراد الحرية والكرامة والأرادة وتحقق له ذلك.
ننتخب لكي لا يعود الفاسد ولا الكاذب من جديد ممن إنتخبه الناس بنسبة مصوتين كبيرة (فقط) لأنه ينتمي لتيار ديني وسياسي يحلو للبعض إسمه فأنتخبوا مرشحاً لا يعرفوا عنه شيئاً فقط أنه من هذا التيار الديني والسياسي وحسب ممن أهانوا الشعب وحطوا من كرامته لما فازوا وتقاعسوا وتخاذلوا في أداء واجباتهم، فبرهن أنك لديك صوت حر تدلي به بكل حرية وعزم وإرادة.
ننتخب لنحقق أماني الشهداء والأبرياء الذين قضوا على مذبح الحرية وبتفجيرات الأرهابيين وصراعات السياسيين والتوافقات السياسية البائسة والصفقات السرية في تمرير القوانين، فلتلك الدماء صوت يجب أن يُسمع ويتحقق بحياة أفضل وأكثر عدلاً وإنصافاً للشعب عن طريق التغيير وإنتخاب المرشحين المناسبين.

قضوا على مذبح الحرية الكثيرين ممن كانت كل أمانيهم بلد حر امن ينعم بخيراته وبالخدمات التي تتوفر له وبمورد يسترزق منه وكرامة محفوظة وعدل يسود.
سننتخب لكي نترحم بوعينا الانتخابي على دماء شهداء العراق  التي سفكت ولازالت تسفك فحانت ساعة التغيير، فقد مرت علينا سنوات عجاف كافية  لئلا تغيب عن الذكرى طرفة عين  أبداً، وحتى تخرج  الروح من الجسد، وحتى يشيب الصغير وهو يتحدث عن ذكراها، ويهرم الكبير وهو يأن من ألمها ويلعن من ساسها وسوّاها، وحتى يأتي جيل جديد عله ينعم بغيابها وعدم تكرارها.

من ننتخب...؟!
ننتخب من نعرفه، ونعرف سمعته جيداً، ومع من هو متحالف، ونعرف تاريخه وفكره قبل أنت  ننتخبه.
ننتخب لنكن شيئاً ونساهم بالتغيير وأننا لسنا لا شيء ومهملين، وبدلاً من  أن تلعن الظلام إشعل شمعة لتنير دربك ودرب الأخرين.
ننتخب لأننا نفكر ونهتم بما يدور حولنا ولسنا  كالبهيمة المربوطة التي همها علفها، ويسوقها البعض حيثما أراد لها أن تُساق.
(من لا يكون شاهداً على عصره،  وشاهداً على صراع الحق والباطل في مجتمعه، فلا يهم أن يكون في أي مكان، راكعاً في محراب العبادة أو جالساً الى مائدة خمر) الشهيد الدكتور علي شريعتي.

من كل ما تقدم لابد انك عرفت من ستنتخب وحتى لو أتت الأنتخابات بنتائج لا تحبذها فيجب تقبلها وتهنئة الفائزين فالمهم وجود ديمقراطية وحرية في الأختيار، حتى في ظل عدم وجود فهم ووعي حقيقي للحرية والديمقراطية ولكن هذا الفهم والوعي يجب أن يتطور ويحث عليه كل صاحب فكر لتصحيح الوضع اكثر.

سيتبعها قريباً مقالة رابعة من نفس سلسلة مقالات في الأنتخابات بعنوان: (النجاح في الأدارة وليس بالفوز في الأنتخابات).

76
صوتك كرامتك فلا تهدره

بقلم: حيدر محمد الوائلي

الأنتخابات المحلية في العراق على الأبواب، وهي ثالث انتخابات ديمقراطية تجري في البلد الذي مزقته الحروب والصراعات والسياسات الداخلية والخارجية، فللشعب إرادة يجب أن تسمع ويُعبّر عنها بكل قوة وحرية في صناديق الأقتراع.
سلسلة مقالات في الأنتخابات، المقالة الثانية.

(ليست الحرية سوى فرصة ليكون المرء أفضل) ألبير كامو، فيلسوف وكاتب مسرحي فرنسي.

نعم...!!
هي فرصة يجب إستغلالها على أكمل وجه فالفرص تمر مرور السحاب، والعاقل من يغتنم الفرص.
هي مسؤولية الجميع فالأنتخابات حق لا ينبغي التفريط به ويجب إستغلاله بأكبر حشد شعبي من المشاركة، والمهزوم من يجلس في بيته يعترض وينتقد ولا يفكر أن يساهم بالتغيير.
ربما لا يروق لك الكثير من المرشحين وكنت حانقاً على الصراعات السياسية في العراق والوضع الخدمي السيء، ولكن ألا يوجد بقية من المرشحين من تعرفه شخصياً وتعرف سيرته وفكره ويستحق أن تصوت له...؟!
ألا ترى أن جلوسك في البيت وتقاعسك سيوصل من تتكلم عنهم بسلبية للسلطة من جديد...؟!
ألا يوجد من أبناء رقعتك السكنية ممن تعرفه وسيرته وفكره ممن يستحق أن تعطيه صوتك، فالمشاركة في الأنتخابات شجاعة ونصر وتركها جبن وهزيمة.
تذكر أن أعلى نسبة مشاركة في الأنتخابات العراقية السابقة بلغت حوالي 60%.
أي أن هنالك 40% ممن يحق لهم التصويت لم يشاركوا في الأنتخابات ولو شاركوا لربما يحصل تغيير كبير في المعادلة السياسية.
أي لو أن الذين يحق لهم التصويت كانو عشرة ملايين فأن أربعة ملايين لم يشاركوا وهذه مصيبة كبيرة.
أغلب الأحزاب والتيارات الدينية والسياسية هي منظمة ولها أتباع يتبعون قياداتهم بالحرف ويشاركون بكثرة في الأنتخابات.
فتصوري أن أكثر الأربعة ملايين الذين لم يشاركوا هم من المستقلين المتقاعسين المهزومين المتخاذلين عن نصرة بلدهم. 

ربما يلجأ بعض المرشحين لوسائل شراء الذمم، ولكن من يصوت له ويبيع صوته لمغريات مادية بائسة فمن الممكن له أيضاً أن يبيع أشياء أخرى كثيرة عزيزة كضميره وكرامته.
ومن يبيع صوته لأجل مأدبة طعام وأكل وشراب فسيسهل عليه قبول أن ينتظر ساعات ليرى قيمته الحقيقية تخرج من جوفه بعد أن يهضم ما قد أكله، بعد أن هُضِمت كرامته على مأدبة الطعام.

هنالك مرشحون وخصوصاً من بعض نواب البرلمان وممثليهم في المحافظات يعتبرون تلك الأموال التي يعطوها للناس هي منح وصدقات وكأنها لا تصح الصدقات والتبرعات إلا قبل موعد الانتخابات بقليل، ومنهم من أصبح حانقاً على العملية السياسية بشدة فجأة وقدم إستقالته كدعاية إنتخابية بعد أن كان من قبل متنعماً بعوائد السلطة.
أن تصوّت وتنتخب بعيداً عن مؤثرات المال واليمين الكاذب والذي يعتبر شرعاً يميناً باطلاً، وبعيداً عن وعود التعيين الكاذبة وخصوصاً من مسؤولين سابقين وحاليين فتذكر أنهم لم يفعلوا ذلك في السنوات الماضية وجربتهم أنت وعرفتهم ففكر بجد أن تنتخب غيرهم والتصويت لمرشحين جدد وسيجعل منك ذلك صاحب كرامة وعزة وحرية وفكر.

من يلجأ لوسائل إسقاط الاخرين والتهجم عليهم هو مرشح فاشل ويفكر قبل فوزه بالأنتقام والتسقيط والدخول بمهاترات ونزاعات أودت بالوطن والمواطن في دوامة من المشاكل والنزاع المستمر وهدر الثروات كنتيجة لتلك النزاعات، وربما يتربح من تلك النزاعات لاحقاً هذا المرشح أو ذاك ويساوم عليها مقابل أرباح سياسية ومادية.
لا تنتخب أولئك وإنتخب هؤلاء الذين يتحدثون عن برنامجهم الأنتخابي، وفكرهم السياسي والأجتماعي والأقتصادي، وإنتخب من تعرف عنه أنه بعيداً عن تسقيط الاخرين ومن كانت سيرته وأخلاقه تشهد على أن يكون المرشح المناسب للمكان المناسب.

المرشح الذي يغري الناس بمغريات المال والتعيين والوعود الكاذبة وخصوصاً من بعض الفائزين في الأنتخابات السابقة ومن الجدد أيضاً فذلك يدل على أنه مرشح ضعيف الشخصية وإنتهازي وليس جدير بهكذا مرشحين أن يمثلوا الشعب، فهو متأكد انه لا ينتخبه سوى من يحاول أن يشتري أصواتهم ومن يضحك عليهم بالتعيين مقابل الانتخاب، والمشاريع الكلامية الغير مدروسة والمخطط لها مسبقاً فهو لا يعول على الواعين وذوي الفكر السليم الذين لن يصوتوا له، فيعول على المغفلين.
لا تصدّقهم وصدّق من يتحدث عن خطط لمشاريع مدروسة ومخطط لها مسبقاً ومن يعد بتوفير فرص عادلة للتعيين لأبناء محافظته وحسب تحصيلاتهم العلمية والمهنية، فمن غير المعقول أن يكون التعيين عشوائياً ولا يطلب منك سوى جلب (فايل) وإحسب نفسك موظفاً إذا فزت في الأنتخابات...!

وأقولها صراحةً أن من يغري غيره سيسهل على الاخرين إغراءه.
حتى من يغري غيره بتبعيته الدينية أو ممن يجعل من مجالس الدين والوعظ والأرشاد وسيلة لأغراء الناس بأسم الدين لأستحصال مكاسب سياسية فيسهل على سياسيين اخرين إغراءه وربما بنفس الأسلوب يستغفلونه أو يشترونه.
من المفترض أن يكون الدين وسيلة لقمع المغريات، ولكن البعض صيّروه وسيلة من وسائل المغريات التي تدر عليهم الملذات والشهوات.
صوتك أمانة ومسؤولية وفكر وذوق وأخلاق فلا تخون الأمانة وتتخلى عن مسؤوليتك وتسيء لذوقك وتشوّه أخلاقك.

جرّب أن تغيّر وأنتخب مرشحين جدد، فعجباً كيف تريد أن تحقق التغيير إذا أعدت إنتخاب الفاسد والناكر لأهله ومن إنتخبوه وفق هوى طائفي وتبعية دينية لشخصية دينية وحسب أو وفق مشتهى حزبي أو ممن إتخذ من منصبه ثروة وغنيمة له ولحاشيته.
أو هؤلاء المهزومون فكرياً فيعلقون خلف صورهم في دعاياتهم الأنتخابية صورة أكبر منها لزعيم ديني أو سياسي لعله يكسب ود بعض الناخبين، فهو لا يوجد لديه من فكرٍ وبرامج ما يشفع.

إنتخب من أعضاء البرلمان السابقين من ذاع صيته بخير، ومن عمل لصالح محافظته، وحتى من أخطأ وإعترف بخطأه أو حاول تصحيح خطأه أو كان خطأه قليل قياساً بحسناته فأنتخبه لو إقتنعت به، فخير لك أن تنتخب من عرفت عيوبه القليلة من أن تنتخب من تم تلقينك إياه أن تنتخبه على عمى.
تذكر كم من نائب فاسد واخر نائب نائم لم يستيقظ إلا قبل موعد الانتخابات بقليل ليفاجئ الشعب أنه كان عضواً في البرلمان السابق ويصرخ ويتوعد ولديه مرشحين معه وجهة حزبية ودينية تقف من خلفه.
أولئك يستحقون الأهانة لا أن تعيد إنتخابهم وإنتخاب من يقف معهم وينتمي لهم.

تذكر غياباتهم الكثيرة عن عمل الحكومة والبرلمان ومشاريعهم الغبية بزعزعة الأستقرار وإثارتهم للمشاكل السياسية دائماً وتعطيلهم قوانين البرلمان وتركهم للشعب حائراً متفرجاً منتظراً الفرج.
إنتخب بكل حرية وكرامة ولكن لا تنسى أن تتحلى بالمسؤولية في الاختيار وأن تشعر بأهمية صوتك، فصوتك صفعة بوجه الفاسدين الذين لا يذكرون أهلهم إلا قبيل الأنتخابات، كما يمكن أن يكون صوتك وسام تعلقه على صدر من لا يستحق إلا كل إهانة.

سيتبعها قريباً مقالة ثالثة من نفس السلسلة بعنوان (لماذا ننتخب؟! ومن ننتخب؟!).

77
لا تجعل الأنتخابات من الباطل حق

بقلم: حيدر محمد الوائلي

الأنتخابات المحلية في العراق على الأبواب، وهي ثالث انتخابات ديمقراطية تجري في البلد الذي مزقته الحروب والصراعات والسياسات الداخلية والخارجية، فللشعب إرادة يجب أن تسمع ويُعبّر عنها بكل قوة وحرية في صناديق الأقتراع.
سلسلة مقالات في الأنتخابات، المقالة الأولى.

(حرروا الحرية، والحرية تقوم بالباقي) فيكتور هوغو، كاتب وشاعر فرنسي.

فللحرية قيود وضعوها بسياسات وتوجهات طائفية وحزبية داخلية ورغبات خارجية بالتدخل في الشأن العراقي بمساعدة لاعبين من الداخل العراقي تلبيةٌ لمصالح تلك الدول ومشتهياتها التي أرادوا بها تمزيق الشعب العراقي وتلك الحرية وتشويهها بكل الوسائل الأعلامية والسياسية والطائفية، ولكن الحرية إستمرت وأيضاً تأثرت بكل ذلك، فعلى الواعي التفكير في تحرير الحرية وجودة التعبير عن الرأي والأنتخاب.

لو أن مليون شخص إنتخبوا مرشحاً لكرسي الحكم والأدارة والتشريع وهو كان باطل بكل مقاييس الحق والشرف والنزاهة فلا يجعله هذا المليون حقاً ولا نزيهاً ولا نبيلاً ممن إنتخبوه عن جهل أو عن طريق كراهة بالغير فينتخب من يضده فقط لكراهة في نفسه أو ممن تم تلقينهم الأنتخابات وكيفيتها فينتخبون كائناً من كان لأن السيد قال لهم أو الشيخ أو مسؤول حزبي أو تم الدفع بهم لذلك على عمى.

تصبح الحرية وبال وأداة تدمير لمن لا يعرف معنى الحرية ولا يقدر قيمتها ولا يفهم كيفية التصرف في أجواءها، أو ممن يلقنوه حريته ويسيروه وفق مشتهياتهم من كتل سياسية ودينية بوسائل إغرائهم وجذبهم الديني والسياسي والأعلامي.

عليك التفكير قبل الأنتخاب، وأن تكون شخصياً مقتنعاً بمن تعطيه صوتك وبغض النظر عن توجهه الفئوي والحزبي والديني فكل تلك الجهات (الفئوية والحزبية والدينية) أثبتت فشلاً ذريعاً بأنتخاب بعضهم لا لكفاءة المرشح الشخصية وفكره وعزمه وإرادته وإنما فقط لأنه يتبع تيار ديني أو جهة حزبية فتم إنتخابهم لتبعيتهم تلك وليس لفكرهم وكفائتهم وإرادتهم.

لا تجعل الاخرين يفكرون بدلاً عنك ولتكن عندك إرادة، فكل من يلقنك ويجرك له هو يريد تلقينك، فتصبح حينها كالحمار يحمل أسفاراً.
يحملون على ظهرك أوزارهم ورغباتهم ومن ثم يتركوك في الزريبة تقبع بينما هم يتمتعون بعوائد السلطة ويديرون ظهورهم لك.

كانت تجربتان إنتخابيتان سابقتان في العراق وعلى الواعي التعلم من بعض الخطأ الذي وقع، وليس الفخر أن لا تسقط ولكن الفخر أن تنهض من بعد السقوط.
ينبغي التعلم من المصائب التي حصلت لدى فوز بعض المرشحين من الذين يستحقون كل إهانة في الوقت الذي بجهلهم وسوء تقديرهم أعطاهم الشعب صوتهم بكل تقدير.

ربما يكون شخص بذاته مستقلاً ولتاريخه الشخصي وفكره وكفائته وهو لا ينتمي لجهة دينية أو حزبية تروق لك هو أفضل بكثير من إنتخابك لشخص لا تعرفه عنه سوى أنه يتبع تيارك الديني أو جهة حزبية تروق لك، فهي جريمة بمقاييس الأرادة والحرية أن تختاره لذلك فقط.

وتذكر أن الحرية والأنتخابات اوصلت (زبالة) لكراسي الحكم والأدارة والتشريع بينما يقبع في منازلهم كفاءات وأصحاب فكر وعزم ممن لم يفكر بهم الشعب ملياً أما بسبب أستقلاليتهم أو لفقرهم في الدعاية الأنتخابية، أو لم يتم الأشارة لهم من قبل جهات دينية وحزبية وإعلامية للتغطية عليهم.
 
وينبغي التذكر دائماً وأكرر...
لو أن مليون شخص إنتخبوا مرشحاً لكرسي الحكم والتشريع وهو كان باطل بكل مقاييس الحق والشرف والنزاهة فلا يجعله هذا المليون حقاً ولا نزيهاً ولا نبيلاً ممن إنتخبوه عن جهل أو عن طريق كراهة بالغير فينتخب من يضده فقط لكراهة في نفسه أو ممن تم تلقينهم الأنتخابات وكيفيتها فينتخبون كائناً من كان لأن السيد قال لهم أو الشيخ أو مسؤول حزبي أو تم الدفع بهم لذلك على عمى.

سيتبعها قريباً مقالة ثانية بعنوان (صوتك كرامتك فلا تهدره).

78
مدير أعوج لمدرسة العدل

بقلم: حيدر محمد الوائلي

في مركز إحدى المدن الكبيرة كانت تنتصب شامخة (مدرسة العدل)، وكان يعمل فيها مدرساً للغة العربية أحد المدرسين المتميزين المستقيمين الحريصين على أداء واجبهم المقدس على أكمل وجه، فهو يجتهد بتحسين واقع الطلبة وتدريسهم بأسهل الطرق وأنجحها وأنجعها وإلهامهم فرص النجاح لبناء مستقبلٍ أفضل رغم الظروف الصعبة في المدرسة التي تعد من أفضل المدراس في المدينة حيث قلة الخدمات فيها وعدم وجود دورة مياه لائقة وعدم وجود صف دراسي منظم حيث الأعداد كبيرة داخل الصف الواحد بل كبيرة جداً والرحلات الدراسية غير كافية وغير مريحة والمدرسة تفتقر لأغلب متطلبات المدرسة الحديثة الواجب توفرها من لوازم تدريسية ووسائل إيضاح ونظافة تليق بمدرسة تخرج أجيال المستقبل وكذلك عدم وجود حديقة وقاعة رياضية وكافتريا ومختبرات وساحات وقاعات ومعارض وغيرها من متطلبات المدرسة الحديثة.

كان المدرس هذا على خلاف مع مدير المدرسة الذي يريد أن يطبق ما تشتهيه نفسه فهو يجامل أولياء أمور الطلبة من معارفه ويتلاعب بدرجات بعض الطلبة ويميز معارفه عن غيرهم ولو كانو أغبياء وبغض النظر عن الاعتبارات الأخرى كمستوى الطلبة ومستقبلهم وواقع التعليم، فكان مدرس اللغة العربية هذا يقف نداً لهذا المدير الظالم (الأعوج) ويعارضه في خططه، حيث لعنة الكرسي تطارد كل من إمتطاه، بغض النظر عن نوع هذا الكرسي الذي يُسمى كرسي الأدارة، سواء كان كرسي الحكم والوزارة والأدارة العامة أم كرسي إدارة مدرسة.

ولأنه مدير فصوته مسموعٌ أكثر في مديرية التربية فمعارفه هناك أكثر، وأما مدرس اللغة العربية هذا فهو مدرس بسيط يؤدي واجبه بمدرسة وذلك مدير وتلك مديرية، فذهب المدير للمديرية لمقابلة المدير العام يشكو من سوء سلوك وتجاوزات مدرس اللغة العربية وأتهمه باتهامات أخرى حتى لا يبقى مجال للدفاع، فالتهمة وحدها لا تكفي وإنما ينبغي إضافة بعض البهارات عليها كي تصبح طبخة مقنعة.
طبعاً المدرس لا يعلم بذلك، فهو باقٍ بالمدرسة يؤدي واجبه.

على الفور كتب المدير العام على المطالعة التي قدمها مدير المدرسة شاكياً فيها قلة أدب المدرس وتجاوزه عليه، ومن دون إستدعاء المدرس المتهم، حيث تضمنت كتابته أمراً بنقل مدرس اللغة العربية لمنطقة نائية، هي منطقة (الأعيوج) حيث مدرسة (الأعيوج) والتي تبعد عشرات الكيلو مترات عن مركز المدينة التي فيها مدرسة (العدل).

عاد مدير مدرسة (العدل) لمدرسته متبختراً مبتهجاً نافخاً صدره مُدلياً بطنه كاشفاً عن كرشٍ مترهلٍ عريض، ومفرجاً في مشيه بين فخذيه علّ الغازات تخرج من بينهما فيطير فرحاً...!!
قد تحقق له ما أراده بأن يسحق رأس المدرس الذي يعانده فها هو فرِحٌ بتحقيق خططه متحدياً كتاب الله الذي علقه على رف الكتب من خلفه كزينة معلقة كما يفعل الكثيرون، حيث في الاية (37-39) من سورة الأسراء قوله تعالى:
(ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا * كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها * ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا).
ومعناها أن الإنسان لا ينال بكبره وبطره شيئاً، كمن يريد خرق الأرض ومطاولة الجبال فلا يحصل على شيء، فهو أدب نفسي واجتماعي بضرورة التواضع وترك التكبر جانباً فالتكبر والعُجب والخيلاء سمة فارغ العقل صغير القلب وقليل الاهتمامات، يكرهه الله لبطره ونسيان نعمته, ويكرهه الناس لانتفاشه وتعاليه، وفي الحديث: (من تواضع لله رفعه فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير، ومن استكبر وضعه الله فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير).
يواضب على هذا التباهي والتكبر الكثيرون ممن يعلقون ايات وصور ورموز دينية وسياسية في محال عملهم ولكن أدائهم لواجباتهم وأعمالهم ووظائفهم يخالف كل ما علقوه فهي مجرد زخرف ورياء ونفاق.

وعودةً على ذي بدء، فقد أعطى مدير المدرسة المدرس المسكين الورقة التي فيها مطالعته وفي هامشها أمر المدير العام بنقل مدرس اللغة العربية من مدرسة (العدل) إلى مدرسة (الإعيوج)، وكان نص أمر المدير العام:
(يُنقل إلى الأعيوج كي يستقيم)...!!
وكلمة (الأعيوج) في العامية تصغير لكلمة (أعوج).

أخذ المدرس الورقة وضحك من تهميش المدير العام (يُنقل إلى الإعيوج كي يستقيم)، ضحك على حاله ومآله وما آل اليه الوضع والقانون والأخلاق والمسلك الوظيفي، فكتب تحت تهميش المدير العام بيتاً من الشعر ساخراً من مدير المدرسة والمدير العام والمديرية ووزارة التربية، فكتب يقول:
وفي (العدل) سنينٌ ما إستقمنا...فكيف بـ(الإعيوج) نستقيمُ

أي إذا بـ(العدل) لم تُستَحصَل الأستقامة والعدالة فأستقيم فكيف بـ(الأعيوج) (الأعوج) تأتي الأستقامة والعدالة.
أعطى المدرس المسكين الورقة لمدير المدرسة (الأعوج) وطلب منه أن يبعث بها للمدير العام ويبلغه تحياته وإنصياعه للأمر الأداري، فهو يؤدي واجبه حيثما كان ومهما كان.

القصة رمزية وكل لبيب بالأشارة يفهمُ، والتلميح أبلغ من التصريح.

79
عندما يبرز القواويد 

بقلم: حيدر محمد الوائلي

عند القواويد للشرف حدود مثلما عند الشرفاء للصبر حدود...!
فلربما يستغني أحدٌ عن شرفه لحاجة في نفسه ورغبة مستعرة في داخله أخفاها سنينٍ طوالٍ، ولكن لم يعد يحتمل، ولابد للعهارة أن تبرز سؤتها بعد سنواتٍ عجافٍ من شرفٍ وهميٍ وسترٍ مزيف كان قد غطاه بلباسٍ من كلامٍ وتصريحات أو دعايةٍ أو برنامج تلفزيونيٍ أو ملابس ذات دلالة وطنية ودينية.

كان لشرفه حدٌ صبر على تغطيته بلباسٍ من وهمٍ حيث صبره لا على أساس نيل الحق بل صبراً لأخفاء العهر السياسي والطائفي والمخابراتي، وهو أشد عهراً مما يتهموا به بعض الناس اناساً غيرهم بأن منهم (قواويد وعاهرات)...!
وليست السياسة والطائفة والمخابرات بجريمة، ولكن سوء إستخدامها جريمة، حيث السياسة من المفترض أن ترسم مستقبل أفضل، والطائفة منهج عبادي وديني بما لا يلغي الأخر ويصادر حقه أو يعتدي عليه، والمخابرات جهاز يواضب ويراقب لحفظ حقوق وأمن وأمان الشعوب وإستقرارهم.
ولكن بعض من نراهم من هؤلاء كل يوم بوسائل الأعلام وفي البرلمان وفي الحكومة وفي العملية السياسية وفي المعارضة وجروا معهم لماربهم مظاهرات وجماهير شعبٍ هم من سياستهم مصالحهم وشهواتهم وأحقادهم، وطائفتهم من ينتصروا لها حقاً أو باطلاً ولو على حساب دماء وحقوق من خالفهم، ومخابرات دول أجنبية من تسيرهم وتمدهم بالدعم لتأليب بعضاً على بعض لأضعاف كل قوي ولتغييب كل إستقرار، ولإفشال كل ما هو ناجح أو في طور النجاح.

يبدو أن اولئك الموصوفين شعبياً بـ(القواويد والعاهرات) أشرف بكثيرٍ من بعض من يظهرون على التلفاز وفي الساحات وفي المناصب يريدون أن يحرقوا بلدههم لغاية في أنفسهم وكراهة بغيرهم.
لا بل يزج بعضهم بالناس في مستنقع رذيلته ويعيد صبغ شرفه الوطني الوسخ بطلاءٍ تالفٍ من حب الوطن والمطالب المشروعة والدستور والقانون والعدالة، سرعان ما سيزول عند أقرب فرصة تسنح له لتنغيص كل هدوء ولتخريب كل استقرار ولربما سيصبر إن لم يتحقق له ذلك كما تعلم أن يصبر من قبل على تغطية عهره بلباس الفضيلة.
لا بل ينزل للساحات مطالباً بالعدالة والأنصاف وحق الطائفة، ولكنه (أكبر قواد)...!
يغطي على صفة (القوادة) بالتباكي في بعض وسائل الأعلام التي هي مثله في حجم (قوادته) فيتباكون معاً ويتباكى معهم ويبكي الهمج الرعاع الناعقين مع كل (قواد).
فهذا رئيس برلمان يترك برلمان الشعب لصالح فئة تشتهيها نفسه وكراهة لخلاف سياسي، ومثله ممن خان الأمانة برلمانيين كثر تاركين الشعب والدستور والقانون خلف عوراتهم كي يتستروا بها لاحقاً.
وهذا وزير يترك خدمته الوزارية وواجبه الوطني لصالح دوافع خارجية وداخلية ينصاع لها فاغراً فاه سائلاً لعابه لفرط ما إشتهاه من حقدٍ وكراهية يريد تنفيسها في كل فرصة سانحة.
ومنهم من غاب عن البرلمان منذ فوزه في الأنتخابات ولليوم ومنهم من يتعمد الغياب في أكثر الجلسات ولا يوجد عليهم لا حساب ولا كتاب، ويتقاضون رواتبهم رغم غيابهم بكل صلافة وإستهتار بمال الشعب...!
هو الشعب من إنتخبهم، والكارثة لو أعاد إنتخابهم...!
 إي والله هي الكارثة...!

ياليتهم إستقالوا منذ البداية وإنضموا للمعارضة فيصبحون ذوي وجهة نظر، ولكنهم يتقاضون هم والالاف من موظفي مكاتبهم وذويهم وحماياتهم ملايين الدولارات رواتباً ومميزات وأملاك وخدمات وسفرات تستقطع من أموال وقوت الشعب لأشباع غرائزهم وشهواتهم ومشاريعهم، وحتى يوم خروجهم وتعليق أعمالهم في البرلمان والحكومة فما زالوا يتقاضونها بكل صلافة.
ومن الحكومة والفساد في بعض مشاريعها وخططها يضيع الحساب، فمن يحاسب لا يحاسب على أساس الأصلاح بل على أساس تدمير الاخرين والتسقيط السياسي وما أكثر الصفقات السرية بعدم كشف المستور فلكل واحدٍ منهم فضيحة يمسكها على الأخر يتداولونها من حينٍ واخر للتسقيط السياسي فقط وليس للمطالبة بحق الشعب...!

دماء شعبٍ هُدِرت وأملاكٍ دُمِّرت ورعبٍ وتفجيراتٍ سادت وإنتشرت وشعبٍ محبطٍ بائسٍ قضى عمره مكسور الخاطر حزيناً منكسراً حائراً بسبب صراعات السياسيين ونشرهم للأحقاد والخوف وعدم الأستقرار بسببهم ومن يسول لهم ذلك ويدعمهم من دولٍ ومنظماتٍ وشخصيات.
ضاع الوطن والمواطن والوطنية في خضم الصفقات والمحاصصات والتوزيع الفئوي والحزبي للمناصب حتى أصبحت شيئاً عادياً رغم فداحة هذه السياسات البائسة.
   
في العادة تتهم الراقصة بالعهارة ولكنها أنبل وأشرف من عاهرٍ قوادٍ سياسي يتاجر بدماء بني جلدته.
هي أنبل وأشرف من بعض الزعماء السياسيين والقيادات الحزبية والرموز الدينية والتجمعات الجماهيرية ممن يحرقون بلادهم وشعبهم لأشباع أهوائهم، والتنفيس عن غيضهم الطائفي وحقدهم السياسي.

أنت ترقصين بكل صراحة ولا تكذبين ولا تنافقين وهواك على الوحدة ونص، ولكنهم لا هوى لهم إلا النار والحرب والمؤامرات والرعب وعدم الأستقرار، فهاهم يرقصون على جماجم الموتى مطالبين بحق المجرم لا حق الضحية ويجرون بحبالهم رقاب الهمج الرعاع الأحياء الذين وضعوا طوق الحبل بأيديهم حول رقابهم فصاروا يتبعونهم على وحدة ونص.
هم السياسيون وصراعاتهم على مصالحهم أكثر من كونها مصالح الشعب الذي زاد سوءه سوءاً أكثر كل يوم.

بعض دبلماسيينا وسياسيينا لا يعرفون من الدبلماسية والسياسة إلا أنها عمل يدر ربحاً ويجلب متعة ومكانة ويسد غيضاً ويستحصل مكاسباً فئوية وحزبية على حساب مناوئين ومعارضين بغض النظر عن الشعب وهمومه وتطلعاته...!
هو عمل يرفضون به ويتقاتلون به ويحرقون به الأخضر واليابس، في الوقت الذي نرى فيه الدبلماسية والسياسة فنون وصناعة ولم يزجوا بلدانهم وشعوبهم لا بحروب ولا بفتن داخلية، فهم غنموا وسلموا والناس بفضلهم غنموا وسلموا، وصاروا قبلة في السلام والحرية والعدالة.
بينما بعض دبلماسيينا وسياسيينا غنموا وسلموا وعادوا على الناس بالويل والثبور أنهم لم يقبلوا أن سياسييهم سرقوا الغنائم فلا غنم الناس ولا منهم سلموا.

في الدبلماسية والسياسة لا يوجد شيء إسمه (لا) فقال عنها فولتير مقولةَ شهيرة: عندما يقول الدبلماسي (نعم) فهو يعني (ربما)، وعندما يقول (ربما) فهو يعني (لا)، وعندما يقول (لا) فهو ليس دبلماسي...!
فتبين لي أنهم لا سياسيين ولا دبلماسيين، فهم أصحاب مبدأ (لا)، ليست تلك (لا) للظلم والغبن وسرقة حقوق الشعب، بل (لا) لكل من يعارضني و(لا) لكل من ينتقدني و(لا) لكل من يخالفني في الطائفة والجهة الحزبية و(لا) لكل من لا يسير وفق هواي ومشتهاي و(لا) لمن قيل لي أن أقول (لا) بوجههم فقد تم الدفع به لذلك، فعليه الأنصياع.

(القوادة) كلمة عامية وتسمى باللغة العربية الفصحى (قيادة)...!
ما أروع بلاغة اللغة العربية...! ففي بعض الأحيان تصبح (القيادة) بالمعنى المشهور لها قوادة (قيادة)...!


80
يوميات حمار وطني   

بقلم: حيدر محمد الوائلي

تراه ينهق بحب الأرض التي توفر له مسكناً، وحب الطبيعة التي توفر له مأكلاً ومشرباً.
هو حمارٌ لا ينسى أن يأكل قبل أن يمضي لعمله وجبة خفيفة تقويه على أداء عمله فهو يأكل ليعيش ليس كمثل بعض حمير البشر الذين يعيشون حياتهم ويجدون ويكلون كي يأكلون.
يتناول وجبة كي يتقوّى بها على عمله لا لكي تنفخه، فهو لا يبذر أو يبذخ أو يبالغ في طعامه مثل ما يفعل بعض حمير البشر.
هو حمارٌ وطنيٌ مجّدٌ في عمله ويسير مع راعيه حيثما يريد ويلتزم بقواعد السير والسلوك إلا إذا كان راكبه ليست لديه وطنية فيضطر دون إرادته أن يسير معه لأشياء لا يحبذها.
هو حمارٌ خلقه الله بعقل بسيط يفهم فيه ما يحتاجه فتعلم فيه كيف يعمل فتراه يعمل ما يفهم وما يحتاجه وأما من خلقه الله بعقل كبير ومتطور ولأجله هو انسان فتراه في أحيانٍ كثيرة لا يعلم ولا يتعلم ولا يحب أن يعلم ويتعلم وربما يسير وفق شهوته لا عقله وتراه يعمل ما لا يعلمه ويسير بحياته وفق مبدأ ومنهج لا يفهمه.

الحمار حيوان أليف وطيب القلب وصبور ووطني وليس متوحش وقاسي القلب وحانق وخائن مثل الكثير من حمير البشر.
هذا الحمار المكنى (أبا صابر) حيث الصبر فضيلة لم يرقى لجمالها قلب ولا لعظمتها عقل من كثيرٍ من قلوب وعقول حمير البشر، حيث الصبر يعطي مجالاً للعقل أن يفكر بعمق وتدبر ويرى الأمور بوضوحٍ أكثر وفهمٍ أعمق حيث الصبر للبشر من المفترض أن يكون عز صبر الأحرار لا ذل خنوع العبيد.
يتخذ الحزب الديمقراطي الأمريكي من الحمار رمزاً له دلالة على الصبر.

يشتهر الحمار بعناده، لأنه يستعمل حدسه الطبيعي للبقاء، فمن الصعب إرغام أو تهديد حمار على فعل شيء ما ضد رغبته، ليس كمثل بعض حمير البشر الذين ترغمهم الظروف والحياة ولقمة العيش أو حتى الرغبة والكراهية أو أسباب سياسية وطائفية على فعل أشياء لا يريدونها فتراهم مسيرون لا مخيرون.

في الدراسات العلمية حوله، يظهر فيها الحمار ذكياً، حذراً، حميماً، لعوباً، ومتعلماً متحمساً، قليل العصبية لطبيعته الهادئة.
تكفي ثقة الحمار بصاحبه لكي يكون المعين المخلص، كما تسمح بريطانيا (مثلاً) ببقاء الحمار (فقط) من بين جميع الحيوانات، طليقا في حدائقها، في الوقت الذي تغص فيه السجون بآلاف المجرمين والقتلة واللصوص، وتمنع بريطانيا (نفسها) دخول الالاف إليها لأسباب أمنية وأحياناً سياسية وطرد غيرهم للأسباب ذاتها.

يتواجد حاليا 44 مليون حمار في العالم (حسب إحصائية)، عاشوا بسلام تام قرب مجتمع المليارات البشرية التي تتقاتل على كل شيء ولأي شيء بحروب دينية وطائفية وقبلية وإستيطانية وإحتلال وبحروب سياسية ومخابراتية وإقتصادية وحروب أنظمة الحكم والأنقلابات.
 
لا زال الحمار حيواناً حضارياً يستعملوه في أعمال أجداده قبل الاف السنين، قبل 6000 سنة، النقل أهمها، والزرع، وإخراج المياه، ويعتبر الحمار رفيق المهربين، تهريب بنزين، أسلحة أو مواد غذائية، صفاته الحمار المذكورة تساعدهم كثيراً، فهم يستغلون طيبة الحمار الحيوانية لأغراض إجرامية بشرية...!!

أبو صابر صابر على غباء بعض حمير البشر ويتحمل على مضضٍ وهو ينظر كل يومٍ تصرفاتهم فهو لم يألف حمار يقتل حماراً أو يقطع رزقه أو يهدد حياته أو يشعر أهله وجيرانه بالخطر لأي سبب ديني وعرقي وسياسي أو يسرق قوت غيره ليشبع نهمه أو مثلاً يوّقع كبير الحمير صفقات فاسدة ومشاريع تافهة فيدمر من خلالها ميزانية الحمير وحياتهم ومن ثم يساهم بتخلفهم وتردي حالهم...!!
ولم يألف الحمار أن يرى حميراً تتحارب مع أبناء وطنها وجلدتها لغرض طائفي وقومي وحزبي، أو تسيّره هو وجماعته الحزبية والسياسية أنظمة ومخابرات دول أجنبية وفق ما يتوافق مع مشتهيات ومصالح تلك الدول وتنهق معهم لإعلاء تلك السياسات والألاعيب جماهير ومظاهرات ووسائل إعلام مسيسة حيث تراهم جميعاً ينهقون مع كل ناهق...!!
لا يفعل الحمار ذلك أبداً، مثلما يستمر بغباءه ويفعلها الكثير من حمير البشر.

يعرف الحمار النظام ومتقيد به وملتزم بعمله، ويفهم ما يريد منه أستاذه، ليس كمثل بعض حمير طلاب المدارس الذين يتعب على تدريسهم المدرسين والنتيجة أن لا يفهم كلمة، فبالهم مشغول بدواهي وسواهي ومغريات الدنيا بتلفازها وأنترنتها وبنينها وبناتها وبالهواتف النقالة ودواهيها، وبالغراميات وسواهيها حيث ليس للحب هذا السلوك بل للضحك على الغير والأحتيال.
السبب أحياناً في المدرسين فمنهم من لا يؤدي عمله على أكمل وجه ولا يجتهدون ويتعبون أنفسهم ليؤدوا واجباتهم بصورة صحيحة ومميزة.
يمضي أبو صابر بطريقه مؤدباً لا يعاكس أتاناً (إنثاه) تلاقيه ليس كمثل بعض شباب حمير البشر ولا ينتظر دوام مدرسة البنات ليعاكسهن، مع ضحكات مغرية من بعضهن من طرفٍ خفي تمزق ستار الحياء، تشجعهم للرجوع في اليوم القادم...!!
لا يوجد عند الحمير لا دور ثاني ولا ثالث فالحمار يؤدي عمله على أكمل وجه من الدور الأول ليس كمثل طلابنا الذين ربما سيكون لهم دور رابع في السنة القادمة أو ضربات جزاء ترجيحية لإرغامهم على النجاح.
أصبح الكثير من طلبة الجامعات مشغولون بعروض أزيائهم وتسريحاتهم أكثر من دراستهم ومطالعتهم والتفكير بالأبداع والتميز فبالملابس هم متميزون، فالحمار رغم أنه عارٍ ليس لديه ما يلبسه ولكنه مستور الحال ليس كمثل بعض الطالبات السافرات والمحجبات اللاتي لا يسترهن ما يلبسن بل يزيد بوسائل إغرائهن أكثر والطالب لا يفقه من المحاضرة شيئاً فـ(البلاوي) أمامه تتفجر...!!
لا تهم أبو صابر الملابس كثيراً فهو ليس كمثل بعض شبابنا المهووسين بالملابس وتغييرها على الدوام حتى أصبح من الصعب علينا أن نميز بين الجنسين في بعض الحالات.

أصبح شغل الكثير من الناس مباراة كرة قدم، ولا يهمهم لا العمل ولا الدراسة ولا الأخلاق، فالآباء يوفرون المعيشة والمصرف اليومي للأطفال والشباب وكثيراً ما ينسون تربيتهم والسهر على تعليمهم وتأديبهم ومراقبة تصرفاتهم والشلة التي يمشون معها ولكنهم لا ينسون السهر على نشرة الأخبار والمسلسلات والأفلام والتقارير، فتراهم محللين سياسيين وخبراء ستراتيجين وحتى صار الحوار السياسي غالباً ما يكون محل نزاع لا محل نقاش...!
في الوقت الذي يُعلّم أبو صابر أبناءه السبيل الأمثل للعيش، لا الطيش، فهل رأيتم حماراً منحرفاً ومستهتراً ويـ(زاكط) من دون داعي...؟!

أبو صابر يقضي يومه صابراً من بطش راعيه البشري، ولكن للصبر حدود فعندما يطغى صاحبه فلا يبخل عليه برفسه يسميها العوام (زكطة) توقفه عند حده لتجعله يمسك حدوده، فللصبر حدود، ليس كمثل الكثير من حمير البشر الذين يقعون بنفس الخطأ يومياً ويساقون ظلماً لحتفهم وهم أذلة يجرونهم لمستنقع الذل بسلسلة الوهم بعد أن طوقوا أعناقهم بسوار الجهل فصاروا كمثل الذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا.

أبو صابر يتعلم من خطأه على عكس بعض حمير البشر الذين يكررون الأخطاء والهفوات نفسها، ولم يتعلموا من الحياة تجنب الخطأ وتعلم عدم تكراره وعدم الوقوع بنفس الحفرة يومياً، مما أضطرهم لبناء مستشفى قرب الحفرة لإسعاف من يقع فيها، وتمت مباركة المشروع وصرف الميزانية له، وهتفت بعض الجماهير وهي منومة للمشروع، ولم يفكروا يوماً بطمر الحفرة والخلاص منها بكل بساطة...!!

أبو صابر يحب الأرض بما هي أرض أباء وأجداد وكرامة وأناس كرموها بما عاشوا عليها بمنجزاتٍ ومفاخر، ولا يأبه بالبقع والأشكال الهندسية التي وزعها المستر سايكس والمسيو بيكو في بدايات القرن الماضي باتفاقية (سايكس-بيكو) والتي جعلت العرب والمسلمين (خصوصاً) تتصارع فيما بينهم عليها ويكره بعضهم البعض الآخر (ولليوم) بعدما خلقنا الله أحراراً وبلا حدود.
الحمار لا يفقه ما معنى الحدود الجغرافية...!!

أبو صابر صاحب نهج يمشي عليه ويفهم الإيعازات والرموز، وهي من المفترض من صفات البشر فكل لبيب بالإشارة يفهم، ولكن بعض حمير البشر لا يفقهون بالشرح المسهب فكيف بالإشارة...؟!
يتحمل الحمار لنيل لقمة عيش شريفة، فهو مستقيم بحياته ليس كمثل بعض حمير البشر الذين يأبوا أن يستقيموا فيأكلون في بطونهم ناراً سحتاً حراماً من أموال فاسدة وسيصلونها سعيراً.

أبو صابر علمته الحياة الصبر لنيل الظفر، ولو بملجأ يؤويه وعشب يكفيه والصبر مفتاح الفرج، ولا يؤذي جاره، ولا يخون صاحبه، ولا يعمل شيء هو ليس من اختصاصه، ليس كمثل من تسلم مسؤوليات فـ(صخم وجهه وصار حداد)، وبعد أن ترك الحدادة بقي الصخام على وجهه لم تزيله كل وسائل التنظيف الإعلامية والسياسية والمبالغ المدفوعة للتنظيف فها هو وجهه أسود (مصخم ملطم) من سوء إدارته ومن ضعف قيادته ومن فداحة تصرفه.
ابقوا أعزة نفسٍ يا حمير الحيوانات لا كمثل الذليل الخنوع الغبي من بعض حمير البشر.

كتب رائد المسرح الذهني الأديب المصري (توفيق الحكيم) رواية عنونها (حمار حكيم)، يروي فيها صداقته له، مع أحاديثه للحمار التي يعتبرها أسهل من كلامه مع البشر.


81
المنبر السياسي / فتنة سوريا
« في: 16:31 12/01/2013  »
فتنة سوريا

حيدر محمد الوائلي

(كن في الفتنة كأبن اللبون لا ضرعاً فيحلب ولا ظهراً فيركب).
ابن اللبون هو صغير الجمل حيث لا يطمع أحد بحليبه فيحلبه، وليس له ظهر قوي فلا يطمع أحد بأن يركبه.

كانت تلك مقولة لمن واجه فتن كبرى، ومصائب عظمى، ومصاعب جمى، ومن رأى من بأسم الدين أعتدى وقتل وأستولى.
هي مقولة لمن كان شاهداً على فتن يهرمُ فيها الكبير ويشيبُ فيها الصَّغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه، ومن لطول المحنة وعظيم المصاب رأى أنّ الصّبر على هاتا أحجى فصبر وفي العين قذى وفي الحلق شجا.
كانت تلك مقولة لأبو الصبر من صبره كالجبال في شموخها صابراً عزيز نفسٍ واعياً لما صبر.
وها هو نفسه يقول: (ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسم)، ثم رفع صوته فقال: (إنه لا إيمان لمن لا صبر له).

الصبر يعطي مجالاً للعقل أن يفكر بعمق وتدبر ويرى الفتنة واضحة جلية.

هو عز صبر الأحرار لا ذل خنوع العبيد من كانت نهضته حين حان وقتها نهضة صلاح وإصلاح وعدالة وحرية وكرامة الأنسان، فمان كان له كل ما أراد بل بعضه وقتلوه قبل أن يكمل كله.
كانت تلك مقولة للأمام علي بن أبي طالب.

فتنة سوريا بدأت ومن الصعب أن تنتهي، ولو انتهت فلن تعود المياه لمجاريها أبداً، بل ستعود لمجاري تم تشييدها من قبل أجهزة مخابرات وسياسات دول أن تكون كما أرادوا ويريدوا وسيريدون أن تكون.

لن يعود الوضع فيما بين الشعب السوري نفسه الى سابق عهده بتعايش سلمي ومسالم ولن يعود النظر في علاقته بمحيطه الإقليمي بما يريد الشعب بل بما أُريد له أن يكون ومن لا يعجبه فليضرب رأسه بالحائط.

لو انتهت الفتنة السورية فستنتهي على خسائر بشرية جمة وكوارث مادية كبيرة، وسيكون هنالك تغير كبير بطريقة التفكير والتعامل في كل الأمور.

لو انتهت الفتنة في سوريا فلن ينتصر في القتال أي أحد فالكل سيخسر، إلا أن يأخذ أحد بيد الشعب السوري المتفرج ليصرخ صرخة التغيير السلمي وسط هوس القتل والتدمير من قبل الطرفين (النظام الحاكم والمعارضة المسلحة).

فتنة سوريا أُريد لها أن تكون بهذا الشكل كي تبقى مشغولة بنفسها ويشغلون العالم بها بهذا الشكل...!

تمخض عن هذه الفتنة السورية تبيان امور كثيرة لا تخفى عن اللبيب الواعي ولكنها غابت عن الهمج الرعاع الناعقين مع كل ناعق.
لقد فضحت الفتنة السورية من يقف مع من...؟!
ومن هو حاقد وكاره ومن هو غبي ومن هو ذكي...!

فتنة سوريا بينت كم في الأمة من أحقاد وكراهية وطائفية ومؤامرات وعنف وقسوة وذل وهوان وجهل ووعي وفكر وكرامة وإرادة والكثير من المتناقضات والمعاكسات.

فتنة سوريا بيّنت بل فضحت أنظمة حاكمة وقنوات إعلامية وسياسيين وبينت من مع نصرة إسرائيل وقيام دولتها وكم من مطايا عرب ومسلمين يحملون طابوق بناء دولة اسرائيل على ظهورهم باسم الله ونصرة الطائفة ومن منهم من نقل طابوق بيوت سوريا ليبني به مستوطنات إسرائيلية.
وكم من عتاد وسلاح تم توجيهه عن عمد وقصد لمحاربة النظام السوري (فقط) ولا يسمح بتاتاً وأبداً لتلك الدول الممولة للسلاح بأن يرسل معشار معشاره لغزة المحاصرة والتي تقصف كل يوم دون هوادة من إسرائيل.

النظام السوري نظام ظالم وفاسد لكي لا يتهم البعض أني معه ولكن من يدعي معارضته أيضاً ظالم وفاسد بل أشد ظلماً وقسوة.
ومن يتهم النظام السوري القائم بأنه طائفي وظالم وفاسد فمن يعارضه أشد طائفية وظلماً وفساداً ومن يؤيده من دول داعمة للمعارضة وخصوصاً دول الخليج منها اللاتي لا زالت أنظمتها أشد ظلماً وطائفية وفساداً من النظام السوري بكثير، بل جد كثير.

من المعارضة السورية المسلحة من يقتل على الهوية ويصفي بكل برودة دم من يخالفه في الطائفة فحسب ولم يعر أدنى اهتمام أن إسرائيل وأمريكا تدعمه بكل قوة من دون أن يتساءل لماذا تدعمه وتؤيده بالسلاح خصوصاً...؟!

في سوريا تم جمع مقاتلين من متطرفي طائفة بذاتها من مختلف أصقاع الأرض كي يقاتلوا في البقعة المحددة لهم فحسب ولا يسمح لهم بتاتاً تجاوز تلك البقعة السورية، ولو تجاوزوها لتم اعتقالهم أو قتلهم.
أليست سوريا للسوريين فمن هم هؤلاء المقاتلين وما شأنهم في سوريا وما الذي يعرفونه عنها...؟!
ولو انتصرت –فرضاً- المعارضة المسلحة فهل سيكون لهم نصيب من حكم سوريا وهم من دول عربية وأوربية واسيوية وأفريقية...؟!

من هؤلاء إرهابيين مدانين بقتل وتفجير وتهجير في دول تمت إدانتهم دولياً فيها ويتبعون لمنظمات مصنفة على أنها أرهابية ومحظورة، ولكن بالرغم من كل ذلك فهم الان يُدعمون ويُدافع عنهم دولياً في قتالهم في سوريا فقط...!
كان هؤلاء المقاتلين مصنفين إرهابيين ومجرمين قبل أيام من الفتنة السورية ولكنهم أصبحوا (ثوار، أحرار، أبطال) في اليوم التالي لإندلاع الفتنة السورية...؟!

في سوريا فتنة كبيرة راعيت أن أصفها بدقة كي يفهم القارئ الكريم مع من يقف وكيف يحدد مصيره، وهناك من يقول أنا لا أكترث لكل ذاك وما شأني فهو رأي محترم أيضاً.

82
يا من يستحق الذكر في كل حين

بقلم: حيدر محمد الوائلي

في مستشفى الأطفال كنت حزين...
لي طفلٌ في الردهة عليل...
يعاني ومعه عانيت أمريّن...
يبكي من ألمٍ واحدٍ حيث بكائي من ألمين...
ابتعت من كشكٍ في الشارع قلم ودفتر...
هما سلاحيّ منذ زمانٍ وحتى الحين...
لتثبيت ما في القلب من خواطرٍ وكلمات...
فما يواسيني سواها...
حتى لا تضيع كما ضاعت سواها...
فتوالت كتابة الصفحات...
تجاوزت السؤال كيف ومتى وأين...
لاح في الذهن ذكر شخصٍ يستحق الذكر...
في زمنٍ لا يستحق الذكر فيه كثيرين...
ممن يُذكرون يومياً...
كان على البال فهو ساكنه...
وجال في الخاطر فهو يواسيه...
صنعت المجد حياةً في عُمُرٍ كان بدايته مسك، وختامهُ مسك...
جُدّت بالنفس الفانية لتحيا حياةً باقية...
في قلوب المظلومين والمحرومين والتعساء والبؤساء والأحرار...
دماً يتدفق في الجسم ليعطيه فرصة كي يحيا...
كي يمضي بدرب الشوك يدوس عليه كي يحيا...
يدوس على الجمر كي يحيا...
يدوس برجليه المتقرحتين على الأرض ليكمل مسيرته ثابتاً كي يحيا...
قدمٌ على الأرض ثابتة ويدٌ على الجرح توقف نزيفه كي يحيا...
فدرب حياة الكرامة ملئوه بالشوك والجمر والجراحات فتحمل يا هذا الجسم كي تحيا...
يا من تلهم النفس أن تقول هكذا...
وتحيا هكذا...
فعلمتها الحياة...
يا من تلهم النفس الصبر والعزيمة والسلوان...
في زمنٍ لا أمن فيه ولا أمان...
فالموت في الحياة بلاء...
وأكثر من تراهم أحياءاً هم موتى يأكلون ويشربون ويتناسلون...
لم يحيوا حياتك البسيطة بل حياتهم مرفهة ومريحة وممتازة...
لكنك مت ميتةً ممتازة فحييت من جديد حياة خالدةً بامتياز...
بينما مات منهم كثير ميتة بائسة فماتوا للأبد...
ولم يذكرهم بالخير أحد...
ذكرك يعطينا الأمل...
أن في الحياة فرصة وأمل...
ولا أمل من غير عمل، فلنعمل...
نروي تاريخك فيعطينا العزيمة...
حيث الخذلان يتربص بنا في كل مكانٍ وزمان...
في زمانٍ كثير النعام...
ممن يدفنون الرأس في التراب باحثين عن حشراتٍ يحيوا بها...
ولماّ رفعوا الرأس وجدوك شامخاً تأبى للرأس الكريم إنحناءاً...
فدفنوا الرأس من جديد...
كما صرخت في كربلاء وحيداً ولم يك لك من معين...
فلا معين اليوم رغم كثرة المنادين...
فمن المنادين من ناصر الأعداء في الليل...
وفي الصباح يصيح يا لثارات الحسين...
صرخت صرختك (هيهات منا الذلة) فأحييت الأموات المظلومين وأمت من هم أمامك بالدنانير والسيوف ظالمين...
(لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد)...
(الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قلّ الديانون)...
بيانات ثورتك تلك يا حسين في كربلاء...
فتعلم منها غاندي أن يكون مظلوماً فأنتصر...
أنت مجد حيث جعلك الأحرار مجداً...
بينما لا مجد لمن صنع بيديه مجداً برشاوى المال وبطش السيف...
حتى ولو كتب فيهم الشعراء والكتاب وملئوا الأوراق بأفاعي الكلمات...
قد تلقفت عصا ثورتك تلك الأفاعي...
وألقي الشعراء والكتاب في حضرتك ساجدين...
فلا مجد لهم...
ولا عذر لهم...
سوى أنك تستحق الذكر في كل حينٍ...
فنجم من كتبوا لأجله أفلّ...
وبقيت أنت نوراً ساطعاً في سماء الحرية والكرامة...
والحر لا يحب الآفلين...
والعاقل لا يحب الآفلين، فهم زائلين...
فكان ذكرك كتاباً مبين...
لا يمسه إلا قلوب المطهرين...
فكتاب الله حيٌ ما حيي الأحرار والمؤمنين...
فهو حيٌ في كل حين...
يُحييه من عمل به ليكون ناصع البياض وسط حالك السواد...
والبياض يصبح أنصع بياضاً في ظلمات السواد...
ثورتك يا حسين لتغيير الفكر لا لتغيير الحكم...
لتحرير الضمير لا لتحرير قصر الخلافة...
ثورة لكسب الكرامة لا لكسب الغنائم...
فأنتصرت ثورتك رغم قتلك وأنصارك...
انتصرت من يومها ولليوم...
كلما إنتصر مظلوماً تنتصر...
اسمك يعطينا الأمل ويبقينا بانتظار الفرج...
انتظار من يعمل ويجتهد...
لا انتظار من يتكاسل فيتثاءب لينام فيستيقظ ليغط في النوم من جديد...
انتظار المتفكر الواعي لا انتظار الهمج الرعاع الناعقين مع كل ناعق...

وبعد ساعاتٍ من معاناةٍ...
أخذت طفلي ورجعت للبيت...
وحمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه... 

83
بلكت الله تسمع البلدية
 
حيدر محمد الوائلي

ينبغي التنبيه في البدء على أن التصدي للمسؤولية ليس بالأمر الهين والسهل فمسؤولية كالحكم والإدارة والتصدي للمناصب يتطلب العمل الكثير والجهد الجهيد ووجع الرأس والخوض بمخاطر ومصاعب، طبعاً هذا لمن همه حفظ الأمانة وتقديم الخدمة والعمل بإخلاص ونزاهة ومهنية وحرقة قلب على شعبه ووطنه...
وبعد...
فمن لا يهتم بمشاريع البلدية من المسؤولين المحليين والمركز ويجعلها في خانة سلم الأولويات ويخصص أكبر جانب من الاهتمام بها ويصنف مشاريعها ضمن مشاريع الأهمية القصوى ففي مسؤوليتهم وإدارتهم خلل كبير وخطأ فادح ومشكلة يومية كبيرة يتحملها المواطن العراقي بسبب هذا الخلل والخطأ الذي يصر بعض المسؤولون على ارتكابه...
ومن لا يدق ناقوس الطوارئ في البلدية لإنقاذ المدينة من بشاعة الواقع البلدي المتردي ففي إدارته ذات الخلل والخطأ...

بما أن النظافة من الأيمان فتصبح الوساخة من عدمه، وبما أن ظاهرنا مؤمن، والله عليمٌ بذات الصدور، فينبغي أن يكون ظاهر مدينتنا وشوارعنا وبيوتنا نظيف، وبالتالي يصبح دلالة من دلالات المؤمن.

تقاس عظمة المدن وشعوبها بإنجازاتها وأثرها الفكري والحضاري وبالحرية التي يتمتع بها شعبها وبالعدالة في توزيع الثروات وبالرفاهية التي تعود عليهم من جراء حكمة تصرف المسؤولين وتوزيعهم للثروات بمؤسسات ومشاريع تعود بخدمات جليلة وكبيرة للمواطنين وكذلك باهتمام القادة والسياسيين بشعبهم ومداراتهم في داخل وخارجه وجعلهم يشعرون بأهميتهم لأوطانهم وكذلك باهتمام المواطنين أنفسهم بمدنهم.
تعد النظافة من أهم ملامح هذا الاهتمام فيعكس الداخل لها نظرة إجلال وإكبار لشعب تلك المدينة، ويصبح العكس صحيحاً عندما تكون المدينة وسخة فيعكس نظرة عن شعبها بأنه وسخ ومتخلف حتى لو كانت مليئة بالأدباء والفنانين والمثقفين، وحتى لو كان تاريخها أعظم تاريخ...!!

في صورة قديمة لمدن عراقية رصدت جمال الشوارع والزهور التي غطت الحدائق الكثيرة لدى تشييد مفاخر المشاريع الكبرى من جسورٍ وطرقٍ وبناياتٍ شامخة وشوارع جميلة منذ عشرات السنين...

ساهمت حروب النظام السابق مع إيران والغزو الصدامي للكويت والحصار الاقتصادي من جراء ذلك بدمار شبه كامل للبنية التحتية وحصول انخفاض كبير بمستوى البنية البلدية على الوجه الأعم والنظافة على الوجه الأخص وللأسف لم يغير النظام الديمقراطي الجديد الكثير بسبب الإرهاب والصراعات السياسية الداخلية وتدخلات دول الجوار...
هي صورة نراها ونعيشها كل يوم لشوارع بنفس تلك البنايات والمشاريع السابقة التي بنيت أيام كان التعداد السكاني في العراق بضع ملايين معدودة وهي ذاتها تلك المشاريع مع إضافات قليلة وغير متناسبة بالمرة مع تعداد سكاني سيجتاز حاجز الخمسين مليون قريباَ...
وياليت المشاريع السابقة يعملون لها صيانة ويديموها وحدائقها والنظافة فيها فذات تلك المشاريع القديمة اليوم ولكنها خلت من مساحات خضراء حيث النباتات ميتة وأراضٍ بور وشوارع تداعبها الرياح لتتطاير الأتربة والنفايات لا الطيور...!!

تتغطى الشوارع بكثبان رملية فما يوجد على جوانب الرصيف الذي كلف الدولة المليارات (قد ولّى زمن الملايين) مجرد ساحات ترابية لم يلتفت لها لا المقاول ولا المسؤول ولا إدارة البلدية بأن ينفقوا عليها بخس ملايين معدودة من الدنانير ليحولها لمساحات خضراء...!!
سيلتفتون لذلك لو كان التنفيذ يخص مشروع خاص بهم أو ملكهم ولكن المشاريع العامة تعاني من سوء التنفيذ والتخطيط كما سوء الاهتمام بها...
 
المواطنين أنفسهم أيضاً سبب رئيسي للوساخة فهم يتصرفون بأنانية قل نظيرها...!!
يلتزمون لحدٍ جيد بالنظافة داخل بيوتهم ويرمون نفاياتهم في سلة مهملات البيت ولا يعبثون بنظافة غرفة الاستقبال ويدمروا أثاثها ولا يرمون علب فارغة في أرضية غرفة النوم، ولا يكتب أولادهم على جدران البيت، بل على الأغلب كل شيء مرتب، ولكن ما إن يخرجوا للشارع حتى تراهم يرمون النفايات في كل مكان يمشون ويجلسون فيه...!!
وفي المدارس يكسر الطلاب زجاج النوافذ ويحطمون الأبواب ويكتبون ذكرياتهم وغشهم على حائط الصف...!!
ليتغير هذا الإنسان من كان نظيفٌ داخل بيته إلى وسخ...!!
لا يوجد ما يشجعهم على النظافة لأنه داخل بيته سيد نفسه ويحس بأن بيته ملكه وهو له وهناك من يحاسبه بحرقة قلب، وأن بيته نظيف وستبان الوساخة التي يرميها، ولكن لا الشارع ولا المدينة تهمه في شيء سوى السكن وتواجد الأصدقاء فيها، وأنها وسخة أصلاً فلا يضر إضافة القليل من الوساخة عليها.
لقد ضعف كثيراً الحس الوطني وصار (لا حس ولا خبر)، ولقد ضاع وسط غياهب ظلمات الأزمات السياسية الضمير الغيور.

إن ضعف دور مديرية البلدية في تعزيز روح النظافة وعدم استنفار جهودها وطاقاتها لتحقيق أكبر قدر من النظافة ساهم في تردي واقع النظافة كثيراً أيضاً.

لماذا لا تساهم البلدية بحملة كبرى (يومية) للنظافة ولجميع الأحياء السكنية لا حي بعينه دون آخر، يساهم بتلك الحملة أعلى هرم السلطة (مدير البلدية) وإلى أقل عامل أجراً كلهم جميعاً في الشوارع ينظفون ويبنون ويزرعون، وتأكدوا من أن الناس ستدعو لكم بكل خير وتساعدكم كلما تراكم تفعلون ذلك.
ستساهم مساهمة المسؤولون عندما يمسكون المكانس ويشرفون على الآليات التي تنظف الشوارع بإعطاء دفعة معنوية كبيرة للمواطنين ولعمال النظافة لتحقيق النظافة وسيكون تعامل الناس ودعائهم عليكم بالعكس لو حصل العكس.
بإنتظار همتكم ونهضتكم (وأنتم لا تحتاجون أن توصوا على ذلك ربما لفت الانتباه ليس إلا) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وأن توصف مدينتنا ولو بعد حين وسنوات من التخطيط المستقبلي والعمل المجد المجتهد أن توصف بمدينة (نظيفة)...!!
أرجو أن لا تكون النظافة حلم صعب المنال، فلقد سئمنا الوساخة العامة في كل شيء، فمتى تكون (النظافة العامة) سائدة وصفة توصف بها المدينة...؟!

وبلكت الله تسمع البلدية...

84
حرية الرأي في العراق بالرغم من...

حيدر محمد الوائلي

بالرغم من الصعوبات والأزمات السياسية في العراق وبالرغم من المؤامرات اللاتي تحاك ضده داخلياً وخارجياً ولكن تبقى هناك ميزة مهمة وكبيرة موجودة في العراق لحدٍ جيد بالمقارنة مع دول المنطقة ألا وهي ميزة حرية التعبير عن الرأي وحرية الكتابة وحرية الانتقاد بأقسى العبارات ضد أعلى هرم السلطة وما هو دونه دون أن يطارد أحد صاحب الرأي أو يحبسه أو يمنعه...
هذا ما أقوله بفخر أنه موجود الآن (على الأقل) في العراق، خصوصاً بوجود محيط إقليمي لديه خطوط حمر مسلحة وسلطة لا تقبل النقد ولا تتعامل مع نقادها ومعارضيها بالتي هي أحسن بل بما هو أتعس وأسوأ وأقسى، فينبغي توخي الحذر لدى الكتابة حول قضية سياسية أو دينية في تلك البلدان، ولك أن تتخيل كيف سيحصل بمن ينقد السلطات العليا أو يتهجم عليها، فعندها لا يسعنا القول إلا فرج الله عنه، أو أعانه الله في غربته في أوربا، أو طرده من عمله الصحفي على الأقل...!!

فلتصريح للإعلامي المصري الكبير (حافظ الميرازي) الذي كان يقدم برنامج (أستوديو القاهرة) من على شاشة قناة (العربية) وهو برنامج يومي كان يغطي التغييرات الكبيرة في المنطقة والمطالبات الجماهيرية بتغيير الأنظمة –يومها- (تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين)، فعقب أحداث ثورة 25 يناير بمصر في العام 2011 وضمن حلقة استضاف خلالها الإعلامي المصري البارز (حمدي قنديل) جرى فيها انتقاد الإعلام السعودي بشكل حاد ما أدى إلى نشوب خلاف بينه وبين إدارة القناة التي تديرها مجموعة (إم بي سي) المملوكة من قبل شخصيات سعودية، فقرر رئيس مجلس إدارة المجموعة المالكة للقناة إعفاء حافظ الميرازي من العمل بالقناة...!!
في هذه الحلقة الأخيرة من برنامج (استوديو القاهرة) ذكر حافظ الميرازي لحمدي قنديل أنه خاض صراعا طويلا حتى حصل على موافقة مسؤولي القناة لظهوره معه، وأن هذا كان مؤشرا خطيرا حول ما تجري عليه الأمور في وسائل الإعلام التي تتعامل وفق مواقف حكومات أو مُلّاك، وليس وفق منهج إعلامي واضح، فرد قنديل قائلاً: (هذا أمر طبيعي حيث إني لي خلافات مع كثيرين، لكن الأوضاع ستتغير سريعا بالتغير القائم الآن في مصر) على حد قوله.
واعتبرت الشركة المالكة للقناة هذا الأمر بمثابة انقلاب من قِبل الميرازي وهو مدير مكتب قناة العربية في القاهرة على الخط التحريري للقناة، وقال مدير مكتب قناة العربية في القاهرة حافظ الميرازي إنه سيخصص حلقته القادمة للحديث عن تأثير الثورة المصرية على السعودية، وسيرى إن كان سيبقى في منصبه عندما ستبث الحلقة، وإن لم يكن، فسيرحل، قائلاً: (إذا لم تشاهدوني في الحلقة القادمة فمعناه أني أودعكم)، فرد عليه ضيفه حمدي قنديل: (أحسنت) وصافحه مؤكدا مساندته لموقفه.
وبالفعل ألغي البرنامج وخرج حافظ الميرازي من القناة لمجرد رأي...!!

ولتعليق بشبكة التواصل الاجتماعي (تويتر) لناشط حقوقي بحريني فيُحبس بأمر (قضائي) لثلاثة أشهر (ولازال في السجن لتاريخ كتابة هذه السطور)...!!

ولدعوة لأجل تظاهرات سلمية مطالبة بالحقوق والعدالة لرجل دين سعودي في القطيف، فيُطارد ويطلق عليه النار بالرغم من أنه أعزل ويصيبونه ليؤخذ جريحاً ويسجن على هذه الحالة (ولازال في السجن لتاريخ كتابة هذه السطور)...!!
طبعاً لم يكن كذلك الخبر حينما بثته قناة (العربية) (السعودية الهوى والتمويل) وقناة (الجزيرة) (القطرية الهوى والتمويل) فنص الخبر هو: (اعتقال رجل دين شيعي لتحريضه على الفوضى والفتنة)...!!
والأعلام كما هو معروف يسير حيثما يهوى الممولين ويشتهون.

ولتصريح للشيخ الدكتور احمد الكبيسي في قناة (دبي) (الإماراتية) ضد (معاوية) بالمقارنة مع (الأمام علي) فيصدر أمر من السلطة الحاكمة في دبي بإلغاء البرنامج رضوخاً لبعض رجال الدين المتشددين هناك ومنع الشيخ الكبيسي من الظهور في وسائل الأعلام في الإمارات و(لليوم) بالرغم من متابعيه الكثيرين ومريديه الأكثر...!!

ولبرنامج في قناة (الفراعين) المصرية ضد الرئيس المصري المنتخب (محمد مرسي) فيتم إغلاق القناة بالكامل ومنعها من البث وتعطيل عمل عشرات موظفي القناة ومنعها من البث و(لليوم)...!!

في العراق لا يستطيع أحد منع قناة أو مراقبة الفيس بوك أو حجب موقع الكتروني أو منع كاتب من الكتابة ومن التعبير عن الرأي أو حرمان الشعب من التعليق بما يشتهي (صحيح أو خطأ) (نقد أو سب أو شتم) (نكتة وكاريكاتير) ضد ارفع مسؤول في الدولة في المقاهي يتحدث بما يحلو له وفي الشارع وفي محل العمل...
وحتى حين توجيه إنذارات لبعض القنوات التلفزيونية إلا أن ذلك لم يشمل منعها من تقديم برامج سياسية وتغطيات خبرية وإعداد تقارير في شوارع العراق ولم يمنعها من التحدث بما يحلو لها وتريد ماسة أكبر هرم السلطة وحتى أدناه وأحياناً تحول الشائعات إلى أخبار وتحول أقوال بعض من تسميهم شهود (من دون التأكد من مدى صحة أقوالهم) إلى وثائق وهكذا...
ناهيك عن المسلسلات والبرامج والتي تمس صميم الدولة والحكومة والنظام السياسي وكل ذلك موجود في قنوات وصحف ومجلات ومواقع انترنت عراقية خصوصاً بوجود الكثير من الأقلام البائسة والتي ضاعت مصداقيتها في خضم الصراع السياسي على السلطة فصيرت الأكاذيب حقائق والخزعبلات وثائق والشائعات مصادر خبرية...
كل ذلك ولم يمنعهم أحد...

أكثر السلطات التي يتم التهجم عليها ونقدها والكتابة حولها يومياً في العراق هي البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية نقداً وطعناً ولم تقم تلك الجهات الثلاثة لا دعوى قضائية ضد أحد ولم تزج بالسجن لا كاتباً ولا صحفياً ولا مواطناً عادياً تهجم عليها حتى ولو بأكاذيب وافتراءات وتلفيقات...
طبعاً هنالك تقصير في عمل البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية وواجب نقدها نقداً صحيحاً وسليماً ولكن كلامي حول موضوع (حرية الرأي) وليس مناقشة عمل تلك الجهات، لكي لا يُساء الفهم...
ولنا أن نتفاخر أن رئيس وزراء العراق نفسه يتفاخر أن لا يوجد في جميع سجون العراق صحفي واحد، هذا بغض النظر عن سلبيات وفساد الحكومة والبرلمان فهذا موضوع آخر، فقصدي واضح من عنوان المقالة...
ولنا أن نتفاخر بوجود قانون لحماية الصحفيين في العراق معمول به...

نحمد الله على نعمة الحرية والديمقراطية في العراق وإن كانت ليست كما ينبغي أن تكون ولكنها موجودة بالرغم من كثرة الأزمات السياسية والفساد الإداري والسياسي، ولكن يبقى سؤال:
هل يقرأ المسؤولين ما يُكتب ضدهم ويتابعون النقد الموجه عليهم...؟!
وهل كلفوا من تكون مهمته (بأمانة) أن يوصل تلك المقالات والتحقيقات والمواضيع الرصينة التي يتم تداولها في القنوات والصحف وشبكات الإنترنت...؟!
وهل أستحق الثناء من يكتب لينقد نقداً بناءاً علمياً لتصحيح وضع سياسي أو إداري أو فكري أم أن المديح والثناء وشهادات التقدير و(الإكراميات) تذهب للمتملقين والمزوقين والناعقين مع كل ناعق من كتاب وصحفيين، ويبقى الكتاب والصحفيون المنصفون وأصحاب الضمير المخلص الواعي وقائلي الحق لا شاكر لهم ولا سامع...!!
مجرد سؤال...!!

من باب الأنصاف كانت هذه المقالة حيث هناك حرية رأي مميزة، كما هنالك أيضاً تقاعس وخذلان في الاستماع والتركيز عليها من قبل الكثير من المسؤولين بصورة مميزة أيضاً...!!

من قول جميل للكاتب الأيرلندي الكبير (جورج برنارد شو) يقول: (الديمقراطية منهج يضمن أننا لن نُحْكم بأفضل مما نستحق)...
ولقد سبق برنارد شو وقوله بأربعة عشر قرناً مقولة شخص أعظم منه قدراً وفكراً ومكانة وأتى بقول هو أعظم كذلك ذاك هو الأمام علي بن أبي طالب القائل: (مثلما تكونوا يوّل عليكم)...
فليلتفت الفرد والمجتمع لصلاح نفسه وفكره، ليصلح اختياره على أساس أنه سيفكر جيداً فيمن سينتخبه في الانتخابات القادمة، وأن يعرف من كان يعيق إقرار القوانين المهمة التي تصب في مصلحة المواطن ومن كان يتحالف معه لكي لا يتم تشريعها لمجرد صراعات حزبية وسياسية، ومن هم الوزراء والمحافظين وأعضاء مجلس المحافظات المتقاعسين والمتخاذلين، ومن منهم كان متغيب ومن منهم كان له أثر ومن منهم لا أثر له ولا ذكر...
كل ذاك يجب أن يكون بحسبان المواطن العراقي قبل أن يلعن الرئاسة ويسب الحكومة ويهين البرلمان ويطعن بمجالس المحافظات، ومن ثم يعيد انتخاب من كان يتكلم عنهم أو يسيء الانتخاب لمجرد توجه ديني فئوي أو طائفي أو حتى حزبي فمثلما نكون يوّل علينا ويحكمنا، والديمقراطية منهج يأتي بحاكمين ومسؤولين كما نستحق.

85
الموت أفضل من الحياة

حيدر محمد الوائلي

لا يعرف الإنسان الحي ما هو الموت إلا عندما يموت، وهنا تكمن المشكلة أنه مات...؟!
ولا يمكن له تصور بالضبط ماذا بعد الموت إلا لمن مات...؟!

من حكمة رائعة تحدث بها أحد روائع الزمان الفيلسوف والروائي الروسي ليو تولستوي يقول: (الشخص الذي لديه فكرة خاطئة عن الحياة ستكون لديه دوماً فكرة خاطئة عن الموت).

حاول مخرجو هوليوود تصوير الموت أنه مرعب فوظفوه في أفلام رعبهم بأبشع ما يكون حتى كره كل من شاهد تلك الأفلام الموت، وحاول مخرجون آخرون تصويره على أنه أجمل ما يكون حتى تمنى من تابع تلك الأفلام أن يموت بعد مشاهدة الفلم...!!

الروايات في النصوص الدينية اعتمدت على الوصف لقصورٍ في عقل المتلقي يومها ولليوم حيث توصف الأشياء (الماورائية) كعالم ما وراء الموت والقيامة حتى الكتب السماوية كالقران الكريم يصف الجنة بأنها فيها (فاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون)، لإيصال صورة تشبيهيه فما خفي كان أعظم ولم يخطر على قلب بشر من ثوابٍ أعده الله للمؤمنين ومن شديدِ عقابٍ للظالمين والمنافقين والكافرين، ولربما يقول أحدهم هنا: أنا أأكل لحم الطير كل يوم وأشرب لذيذ الشراب وأتخير أصناف الطعام الشهي ولكن ماذا بعد...؟!
لذلك قلت لكم أنه وصف لأن العقل البشري ولقصور في التصور ولحاجته للتوضيح فلقد تم توظيف الوصف والتشبيه لإيصال فكرة حتى ولو كان الفارق بمليون مرة أفضل وأجمل أو أقسى وأمرّ...
ومن يملك قوة تخيل وتصور أكبر يكون ذا فكر أكثر وأعمق كما تحدث بذلك أحد العقول البشرية الخالدة ألبرت أينشتاين لمّا قال: (التخيل أهم من المعرفة) حيث كلما كان التخيل أوعى وأكثر فكراً تجاوز المعرفة لما هو أكبر منها، وبهذا التخيل الواعي أستطاع أن يضع النظرية المعقدة (النسبية) والتي غيرت الكثير في الحركة العلمية...
كذلك الموت الذي هو حياة أخرى ومرحلة يتنقل إليها الإنسان بعد مراحل حياة امتدت من عالم الذر لعالم الأرحام فعالم الحياة الدنيا لعالم الموت والبرزخ ومن ثم عالم الآخرة حيث الخلود...
ولماذا لا يكون الموت أفضل بكثيرٍ من حياة الدنيا خصوصاً أن نعيمها وجحيمها الطويل يعتمد على ما تفعله في الحياة الدنيا القصيرة...؟!

بُني الرعب من الموت والذعر منه على مفهوم خاطئ وهو مفهوم يبنيه الإنسان بفكره الخاطئ لدى تحوله في حياته من مرحلة لأخرى...
لا يتقبل الإنسان الجامد التحول من مكان إلى آخر إلا بعد عناء وشقاء ويكون هذا العناء والشقاء أكثر لدى تحوله من فكرة سالبة وخاطئة ورثها أو تم تلقينه إياها وعاش بها ليتحول بصعوبة بفعل وعيه وسلامة فكره إلى فكرة موجبة وصحيحة جديدة تخالف فكرته القديمة...
لا يتقبل الإنسان الجامد التعايش السلمي من يخالفونه في الدين والمعتقد والهوية، ولو تقبله فرغماً عنه عكس الواعي الذي يمكنه أن يعيش ويتعايش بل يؤثر بالآخرين...
قصور في التخيل وقصور في بُعد النظر وقصور في الفكر...
 يخاف التغيير لأن التغيير سينقله لمرحلة أخرى ربما تغاير المرحلة التي ورثها عن أهله وطباع مجتمعه، وأما لو تفكر وتدبر ونظر في ما ورثه وفي طباع المجتمع الموروثة وتبين له أنها صحيحة ومنطقية فهذا يعني أنه سيثبتها في قلبه أكثر وتصبح من صنعه لا تلقين تم تلقينه إياها...

يخاف الإبداع لأنه أعتاد و(متعودة دايماً) على روتين حياتي معين حتى أن جميع المبدعين قد تمت محاربتهم لأنهم خالفوا نسق عام كان سائد ولقد تم الاستهزاء بهم ومحاربتهم بقدر ما نتفاخر بهم اليوم ونتشرف باقتفاء أثرهم والإقتداء بهم ...!!

الروايات الدينية التي تصور الجنة على أجمل ما يكون والنار على أبشع ما يكون و(بعض) رجال الدين الذين ينقلون روايات دون (فلترة) (وبحث فكري وتاريخي وعقلاني وروائي) ومنهم من يزيد في الترغيب ناسياً الترهيب وآخر يزيد في الترهيب ناسياً الترغيب...
كلها ساهمت في تكوين الفكرة (المبعثرة والمخيفة) عن الموت...
يصف أحدهم الموت أنه عذاب ولا ينجو أحد من ضغطة القبر حتى ينطبق عظام صدره على ظهره، بالرغم من أنه لاحقاً يتطرق لوصف الموت أن الجسد سيبقى جثة هامدة والروح تمضي لعالم آخر، فكيف سيكون القبر عذاباً لو كان جسده جثة هامدة...؟!
ومنهم من يحرم زيارة قبور الموتى وأنهم انتهوا لما ماتوا ولا حاجة لزيارة قبورهم وتذكرها، أفلم يعلم هذا أن الذكر للإنسان عمرٍ ثاني، ومن الوفاء للميت وتذكره زيارة قبره...!!
أولم يعلم أن الميت وفق أحد الآثار لا ينقطع عمله من ثلاثة يبقون يمدونه بالذكر والثواب وهذه الثلاث (صدقة جارية كمشروع خيري أو خدمي ينتفع منه عامة الناس) و(علم ينتفع به كاختراع أو تطوير فكرة أو كتاب أو نشر أو أثر فكري) و(ولد صالح يدعو له بظهر الغيب وهذا الولد قد ربيته لكي يكون صالحاً لنفسه ولغيره فمهما يفعل من خير من جراء تربيتك الصالحة له سينالك من هذا الخير خيراً)...

في رواية جميلة تصف حفرة القبر بأنها أما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، وهو الوصف الأدق لحفرة القبر حيث يكون قوامهما معتمداً على أفعالك في الدنيا، ولكن لو فتحت القبر لن تجده مختلفاً عن الحفرة التي تليه فلا نار ولا جنة ترى وهنا تكمن منطقية تساؤلي في مطلع المقالة، حيث لا يعرف الإنسان الحي ما هو الموت إلا عندما يموت، وهنا تكمن المشكلة أنه مات...؟!
ولا يمكن له تصور بالضبط ماذا بعد الموت إلا لمن مات...؟!

من هنا يكون الخوف من الموت الذي من الممكن جداً أن يكون أفضل من الحياة فكثيراً من الأموات اليوم هم أفضل حالاً من حيث الثناء عليهم والعرفان بفضلهم من أحياء كل عماد حياتهم الأكل والشرب والتنفس...!!
والموت أفضل من حيث الذكر والتمجيد والحياة الخالدة بعد عناء الحياة الدنيا وقسوتها وظلمها وتحكم الجهلة بمصير العاقلين وتحكم المجرمين بمصير الشرفاء وحكم الظالمين لأرض الطيبين...
في الموت تتحقق عدالة كبيرة حيث يتساوى الغني الجائر والفقير الحائر والظالم المستبد والمظلوم المستعبَد والحاكم القاهر والمحكوم المقهور ومدير الدائرة الفاسد مع موظف صغير نزيه بالكاد يعيش حياة بسيطة وبصعوبة ولا يسلم هذا المدير على موظفه الصغير مستنكفاً منه، فالجميع الآن لديه حفرة تحت الأرض طولها متران وعرضها متر يسكنون فيها وتعتمد راحتهم وعنائهم وفوزهم وخسارتهم على ما قدموه لحياتهم ولمن حولهم في حياتهم الدنيا وكيف تصرفوا في دنياهم...

جعل الله الحياة الدنيا مرحلة انتقالية وهي دار امتحان وبلاء فلينظر كل إنسان كيف يقدم فيها، وقد جعل الله كرامة الإنسان فيها من أعظم الكرامات وحرمته من أعظم الحرمات ولذلك جعل جريمة القتل من الجرائم الكبرى والذنوب العظمى ومن ضمنها جريمة قتل النفس (الانتحار) فلا مسوغ للانتحار لأي سبب كان ومهما كانت قسوة الحياة لأنك يجب أن تحاول أن تتغلب على تلك القسوة وتفكر بحل مهما كانت صعوبة ذلك الحل ومرارة الصبر عليه، فالموت قادم بصورته الاعتيادية وبأسبابه المنطقية وعندها ستتعرف على الكثير من النتائج وتكتشف لك الكثير من الحقائق فبصرك يومها حديد...

من أدى وظيفته على أكمل وجه، ولم يؤذي إنسان بلسانه ويده، ومن ربى نفسه وأسرته ونصح عائلته وأصدقاءه وجعل من نفسه أولاً شخصاً جيداً وساهم في جعل الآخرين المحيطين به جيدين قدر المستطاع فلا يخاف فسيكون موته أفضل من حياته بغض النظر أن لو كانت حياته جميلة أو تعيسة فستكون أفضل بكثير جداً...
ومن مات ولم يكن في ذمته تجاوز على حقٍ عام أو سرقة من حق غيره بسبب فساد إداري أو بسبب أخذه من مال الشعب وصرفه وفق رغباته، ومن مات ولم يكن في عنقه دعوات عليه بسبب سوء تصرفاته مع جيرانه ومن حوله فليطمئن فسيكون سعيداً بعد أدائه لفرائض الله عليه...

لا داعي للخوض في الصراع الفكري حول ماهية الموت وصفاته فهي مرحلة ستمر بها فالأهم الاهتمام بالحياة والنهوض بها ففيها سيكون رسم الخطوط الأساسية لمرحة الموت وتحديد المصير...

سأل أحدهم صديقٍ له حول بطلٍ مات في معركة قائلاً له: قل لي كيف مات هذا البطل...؟!
فأجاب صديق البطل: سأخبرك كيف عاش فهو أفضل لك أن تعرف كيف عاش من معرفتك كيف مات...!!

الموت في أكثر الأحيان يكون أكثر سلاماً من الحياة التي يزداد الدمار فيها فكرياً ومادياً ومعنوياً كل يوم، حيث حياة البشر أصبحت أكثر قسوة من براري أفريقيا وأدغال أمريكا الجنوبية...
ولربما يكون الموت في أكثر الأحيان أفضل من الحياة فلا تخافوا منه، فالمهم أن تعيش حياتك بسلام ووعي وفكر جميل ومرحباً بالموت إذا طرق الباب فعندها سيحل ضيفاً عزيزاً من ربٍ غفورٍ رحيم قد سبقت رحمته غضبه...

ورد في بعض الآثار أنَّ الله سبحانه أرسل ملك الموت ليقبض روح امرأة، فلما أتاها ملك الموت ليقبض روحها وجدها وحيدة مع رضيعٍ لها ترضعه وسط صحراء ليس حولهما أحد، فعندما رأى ملك الموت مشهدها وحالها دمعت عيناه من ذلك المشهد رحمة بذلك الرضيع، غير أنه مأمور للمضي لما أرسل له، فقبض روح الأم ومضى كما أمره ربه، يقول تعالى واصفاً الملائكة: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) الآية 6 من سورة التحريم.
بعد هذا الموقف -لملك الموت- بسنوات طويلة أرسله الله ليقبض روح رجلٍ من الناس، فلما أتى ملك الموت إلى الرجل وجده شيخاً طاعناً في السن متوكئاً على عصاه عند حداد ويطلب من الحداد أن يصنع له قاعدة من الحديد يضعها أسفل العصا حتى لا تتلفها الأرض بتوكئه عليها ويوصي الحداد بأن تكون قوية لتبقى عصاه سنين طويلة...!!
 عند ذلك ضحك ملك الموت متعجباً من شدة حرص الشيخ وطول أمله بالعيش بعد هذا العمر المديد، ولم يعلم بأنه لم يتبقى من عمره إلاَّ لحظات قليلة فقط...!!
فأوحى الله إلى ملك الموت قائلاً: فبعزتي وجلالي إنَّ الذي أبكاك هو الذي أضحكك...!!
نعم...!!
ذلك الرضيع الذي أبكى ملك الموت عندما قبض روح أمه هو نفسه الشيخ الذي أضحك ملك الموت من شدة حرصه...!!

توكل على الله وأمضي بحياتك بوعي وبسلام وطمأنينة وتفكر رغم قسوة الظروف وتعاسة الليالي والأيام فالفرج قريب والمنقذ قادم والله يسهل الأمور وييسرها بعد أن تسعى أنت بها وتجتهد وتعمل عليها، يقول تعالى في القران الكريم: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه إِنَّ اللَّه يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِن يَنصُرْكُمُ اللَّه فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون) الآية 159-160 من سورة آل عمرن.

86
حرية الرأي والحياة الشخصية والحشريون

حيدر محمد الوائلي

ما علاقة التاريخ الشخصي والمقارنة الشخصية والحياة الخاصة برأي يروم التصحيح والإصلاح...
وما علاقة الوظيفة والعمل والتاريخ الشخصي وتعداد العثرات والذنوب، لإحراج كل من له رأي صحيح وقول سديد لا يقدرون على رد حكمة رأيه، فيعددون عثراته وربما مشاكله الأسرية والزوجية أو فضح بعض ذنوبه السابقة...
جميع البشر يخطئون ويتعثرون وخير الخطّاءون التوابون المصححون لأخطائهم، فليس الفخر أن لا تسقط لكن الفخر أن تنهض من بعد السقوط...

أكاد لا أغالي إذا قلت أن مجتمعنا العربي من أكثر المجتمعات (حشرية) يحشر أنفه في كل شيء ويتدخل في شؤون الآخرين (سياسياً ودينياً وطائفياً واجتماعياً) وحتى على صعيد التدخل في الشؤون الأسرية...

من الصعب احترام الخصوصية والحرية الشخصية في هكذا مجتمع مع الأسف، فالتدخل سافر في شؤون الآخرين وحتى على الصعيد الشخصي فمنهم من يتتبع الأخبار والإشاعات وحكاوي أبناء المنطقة للحصول على معلومة أو إشاعة أو تلميح ليطفأ ظمأ فضوله القاتل...!!
وحتى في السؤال عن أحوال الشخص فكثيراً ما تتجاوز المعقول بالتدخل في خصوصياته وأسراه الشخصية.
مجتمع تتفشى فيه الشائعات والافتراءات والأكاذيب والخزعبلات والخرافات بشكل كبير وعلى كافة الأصعدة الدينية والاجتماعية والتاريخية، فتصبح حركة الإصلاح والفكر صعبة جداً حيث تنشغل بدحض تلك الخزعبلات والأكاذيب والافتراءات التي جعلها الكثيرين عقيدة وطقوس ومنهج فكري ومنها ما جعلوه مقدس لا يصح المساس به ومن ثم تبدأ بطرح الأفكار الجديدة وهذا يتطلب جهدٌ جهيد...
 
في مجتمع هاجسه الإسقاط والسقوط ومتابعة الفضائح وبث الشائعات وتتبع العثرات، من الصعب أن تحترم الآراء والاختلاف بها فلا ينظر هكذا مجتمع لما قال الشخص بل لمن هو هذا الشخص وانتهى...!!
هكذا مجتمع من الصعب فيه احترام الرأي المخالف واحترام الحرية العامة فالحرية الشخصية منتهكة وغير محفوظة فكيف بالحريات العامة التي تتحكم بها مقيدات يضعها البعض كحدود تتوافق مع فكره وشهوته الخاصة ولا يعر أدنى اهتمام لمن يخالفه بالفكر حتى لو كان من خالفه أصح منه فكرياً ومنطقياً...

ومنهم من يتتبع خفايا الأسطر، ويبحث في الإشارات والدلالات، لكي يعرف هل أن الكاتب شيعياً أم سنياً وليس لمعرفة معاني الكلمات ومدى صدقها...!!
ومنهم من يقيس بسن الشخص وآخر بتوجهه السياسي ليقوي الفكرة او ليضعفها وآخر يبحث عن درجته الأكاديمية ومهنته...!!
لعل قائل يقول لربما كان الرأي كلمة حق يُراد بها باطل...؟!
والجواب: إنك لو عرفت ذلك فهو ينم عن وعي وتفكر، ولا كلام حوله فقد عرفت ذلك، وإنتهى...!!
ولكن مثلما عرفت ذلك عليك أن تعرف أن لك رأياً محترم تؤمن به مثلما لغيرك رأي ينبغي إحترامه فهو يؤمن به أيضاً...

ما علاقة تصرفات غاندي الشخصية ومعتقده السيخي ففكره من ألهم الأجيال حبه وحب فكره...!!
وما علاقة لون بشرة ودولة ودين نيلسون مانديلا فرأيه السياسي والاجتماعي هو المهم بالنسبة لمن يريد فكراً وتغييراً وصموداً...!!
وما علاقة سفور اوبرا وينفري التي بمؤسساتها الخيرية (في أفريقيا فقط) أنفقت ثروات طائلة وأوت عشرات الآلاف من الأسر المشردة وأنقذت عشرات الآلاف من الأيتام وأسكنتهم وبنت لهم مدارس ومؤسسات وأشبعتهم بعدما كانوا جياع، والبستهم بعدما كانوا عراة، في الوقت الذي يبذّر في سفرته الرمضانية أصحاب زي ديني ونساء محجبات ملايين الدولارات من طعام يلقى في سلة القمامة، بعد وجبة الإفطار الدسمة...!!

ما علاقة أن محمد باقر الصدر شيعي الطائفة ففكره وكتبه الخالدة (فلسفتنا) (إقتصادنا) (البنك اللاربوي في الإسلام) ونهضته الفكرية والثورية الخالدة ضد الظلم البعثي الصدامي هي من خلدته...
وما علاقة أن سيد حسن البنا سني الطائفة ففكره من ألهم شباب وجيل نهض ليؤسس حركة تكاثرت رغم البطش والتنكيل بهم...
أيوجد داعٍ لترك رأي مفكر لمجرد أنه سني وأنت شيعي أو لأنه مسيحي وأنت مسلم وبغض النظر عن روعة وبراعة الفكر فتتركه لمجرد خلاف لك معه بالتوجه الديني والطائفي...؟!

هل تعلمون أن بيتهوفن كان انساناً حقيراً وقاسياً في التعامل مع من يعملون معه وحتى أن بعض الناس يومها أخذ يصفه بالجنون من جراء أفعاله، ولكن ليست تلك التصرفات التي خلدت بيتهوفن فهي صفات يمارسها الكثير من الناس يومياً فالذي خلده موسيقاه وسيمفونياته التي لليوم يسمعها الناس وتأخذ سامعيها لعالم من الصفاء والحب والسكينة...     

الحساب يوم الحساب، ولكل أجلٍ كتاب، والله من يكافئ برحمته وعدله بالثواب فقد سبقت رحمته غضبه مثلما يجازي بعدله وشديد غضبه بالعقاب...
فلا يوجد تخويل لبعض المتكلمين من الببغاوات لإدخال الجنة والنار وفق ما يشتهون، لمجرد كراهة في نفسه...
الحياة الشخصية والمنجزات الفكرية والمعتقدات القلبية والعبادات كلها تجتمع يوم القيامة وعندها يكون الفصل...
كل رأي محترم طالما يعرض على محكمة العقل تتداوله خلايا التفكير في حجرة الدماغ...

ربما يكون من بمقاييس البعض ممن يصوم كثيراً ويصلي ويرتدي لباس ديني أو كون مظهره وشكله ديني هو تقياً في مقاييسهم ولكن لم تمنعه لا صلاته ولا صومه الكثير من الناس في الماضي وفي الحاضر من أن يكونوا مجرمين وقتلة وسارقين وفاسدين وجروا أنفسهم وأتباعهم لحتفٍ مشؤوم وهدام...

الحياة الشخصية تبقى للشخص وتصرفاته في بيته وعلاقاته مع أصدقاءه هي ملكه وهي حياته الخاصة ويجب إحترامها وعدم تدخل الآخرين بها لذلك ينبغي أن يكون هنالك فصل بين رأي يقوله في فكر ودين وسياسة وبين حياته الشخصية...
كذلك مع المعتقدات الدينية والطائفية فهي فكر شخصي يجب أن يكون محترم ومن قلة الذوق السؤال عنه لدى طرح كل فكرة وكل رأي...

دعونا هنا أن لا ننكر شيء أساسي هو أن الكثير من معتنقي الديانات والطوائف والتوجهات الفكرية وحتى السياسية هم ورثوها وراثة، أو جاءتهم من عدوى المجتمع المحيط حولهم...
وهنالك دين وطوائف أصبحت تعبد لذاتها لا لله، هكذا أما عناداً بمن خالفها، أو اعتزازاً بها كموروث، فالذي ولد في مناطق سنية يصبح سنياً والذي ولد في مناطق شيعية يصبح شيعياً وكذلك المسيحي واليهودي والبوذي والسيخي، فمن ذا الذي يفكر ويشكك ويقرأ ويطالع ويتفكر بجميع الأفكار قبل اعتناق ديانة ومعتقد وتوجه سياسي قبل الأيمان بشيء قد ورثه...
للأسف القليل جداً ممن فكروا بذلك...
وأما الذين امنوا إيماناً مطلقاً بما هم فيه من وراثة وتلقين فلا شك أنهم سيقعون في الشك فيه لاحقاً...
يقول فرنسيس بيكون: (من يبدأ بالشك ينتهي باليقين ومن يبدأ باليقين ينتهي بالشك)... وهذا لا يعني أن تكون ذو شخصية شكاكة وسواسه بل تشكيك بالتساؤل لتثبيت فكرة موروثة إن كانت صحيحة ومنطقية أو دحضها وتركها أن كانت خزعبلات وخاطئة... 
وللأسف فالذي يسأم ويمل ولا يتعب نفسه في البحث فيتخذ اتجاهاً علمانياً أو إلحادياً أو عبثياً خصوصاً أنه طريق سهل لأنه مليء بالمتع والملذات التي تنسي الإنسان نفسه، فهو مهزوم فكرياً...
أما من امن بتلك التوجهات بعد فكر ودراسة فهو محترم الرأي ولو خالف البعض...

يجب التفكير في هذه الملاحظة، وهي الفصل بين (الفكر والوراثة)، وبين (الحياة الشخصية والرأي الفكري)، وبين (التوجه الديني والحياة الاجتماعية)...

هنالك ميزان كبير فيه كفتان للخير والشر، وكثيراً ما يقع البعض في خطأ إيقاع الآخرين بكفة الشر لمجرد خلافه معهم في الرأي أو التوجه الديني والطائفي والسياسي ولو كان الرأي موضع الخلاف ليس له علاقة لا بدين ولا بطائفة ولا سياسة وكان صحيحاً ومنطقياً، مثلما يضع من يشتهيهم في نفسه من أتباع توجهه الديني والطائفي والسياسي في كفة الخير ولو لم يكن لهم رأي أصلاً في الموضوع...!!

في أحد المرات جلس هندي أحمر قرب مشعل نار في غابة وجلس قربه حفيده، وكان القمر بدراً وعواء الذئاب يمزق سكون الليل وصوت هدير النهر القريب منهم كموسيقى ربانية تهدأ النفوس، فسأل الحفيد جده: لماذا هنالك خير وشر في الحياة...؟!
فأجاب الجد: الخير والشر مثل ذئبين، ذئب شر غارق بحب الشهوات والطمع والحقد وتقطر الدماء والنتانة من أسنانه، وذئب خير يحب الفضيلة والخير والمعروف والعمل الصالح.
فسأل الحفيد الجد قائلاً: ومن سينتصر...؟!
فأجاب الجد: سينتصر من توفر له الطعام...!!

87
المنبر السياسي / صحافة قطعة أرض
« في: 13:31 10/09/2012  »
صحافة قطعة أرض

حيدر محمد الوائلي

من كان همه قطعة أرض جرداء مهجورة مساحتها (200 م) كانت قيمته أن يراجع دوائر الدولة ويقدم الطلبات والتأييدات والواسطات والمعاملات ويحرق بشمس الصيف والشتاء حيث شتاءنا كالصيف فالمطر شحيح والحر شديد، وبالتالي تكون المحصلة عدم جدوى مراجعتك بالإضافة لمهانة الانتظار وإهمال بعض الموظفين لك وعدم إكتراثهم بك فمصيرك أن تخدم الدولة سنوات طوال ليشتري لك ذووك –غصباً عليهم- لا الدولة قطعة أرض طولها متران وعرضها متر في المقبرة ليدفن فيها مقدم المعاملة كما دفنت في دهاليز دوائر الدولة معاملة قطعة الأرض...!!

اللعنة عليه من وضعٍ مزري جعل من أبناء بلاد الرافدين وأحفاد الحضارة ومن يمشون على برك النفط وآباره يتمنون الحصول على قطعة أرض جرداء في الوطن المملوء أراضٍ جرداء...!!

وتصوروا أن من أستلم قطعة أرض فقد حصل عليها بجهد جهيد وحظ وفير لا يخلو من (واسطة) ليقام حفل لذلك التوزيع كما حصل للصحفيين قبل فترة في أحد مدن العراق الجنوبية...
في اليوم الذي تقيم فيه الدول حفلاً لمبدعيها ولافتتاح فندق في الصين يتكون من خمسة عشر طابق بلون أحمر وأبيض جميل بوقت إنجاز تام مقداره (90) ساعة فقط...!!
(90) ساعة وليست (90) يوم...!!
ولمجمع سكني في مدينة الناصرية مثلاً يتكون من (450) وحدة سكنية فقط، فقد مضت سنته الخامسة ولم يكتمل بعد...!!
والإمارات العربية المتحدة التي افتتحت سنة (2010) أعلى برج في العالم بتكلفة إجمالية (مليار ونصف دولار أمريكي) وبفترة ست سنوات..!! وليست هنالك جدوى لا اقتصادية ولا خدمية كبيرة من تشييد هذا البرج سوى أنه سيكون معلم سياحي لا أكثر...!!
وفي العراق اليوم الذي ميزانية الدولة السنوية فيه تجاوزت المائة مليار دولار أمريكي وهي في زيادة كل عام، ولم يتم بناء كمثل برج خليفة ولا نصفه ولا ربعه ولا حتى نصف ربعه...!!
فنصف ربع ارتفاع برج خليفة هو (20 طابق) حيث يبلغ ارتفاع برج خليفة أكثر من 160 طابق كما هو مذكور في الموقع الرسمي للبرج...!!
وعُمان التي شيدت محطة كهربائية بطاقة (1200 ميكا واط) بفترة أشهر فقط ولست متأكد كم هي ولكنها أقل من سنة، في الوقت الذي تزف وزارة الكهرباء ولجان الكهرباء في المحافظات ودوائرها بشرى رمضان بأن أصبح تجهيز الطاقة الكهربائية بواقع أربع ساعات إطفاء وساعتي تشغيل متقطعة...!!
العالم يحتفل بالمنجزات بينما حفلنا توزيع قطع أراضي جرداء...!!

هي أراضي جرداء ومتروكة وليس فيها أية خدمات كما صرح بذلك علانية أحد المسؤولين قبل بدء قرعة توزيع الأراضي قبل شهور لبعض الصحفيين وموظفي الدولة، فلا يهم عنده ولا عند المستلمين ذلك فالمهم أن تستلم قطعة أرض، وبعدها لكل حادث حديث...
والله كريم...!!
كانت القرعة لتوزيع قطع أراضي لـ(180) صحفياً مشمول بالضوابط –تكسر الظهر- بواقع (101) قطعة أرض وزعوها ولم يتم تسجليها بأسم الصحفيين إلا بعد شهور طوال من القرعة وبعد مراجعات...!!
والله كريم...!!

في العراق الذين شهد تاريخه أول صحيفة صدرت ويرجع تاريخها إلى زمن البابليين حيث استخدموا كاتباً لتسجيل أهم الأحداث اليومية لتعرف الناس عليها...!!
وما أكثر الصحفيين والكتاب والإعلاميين والشعراء والأدباء عند صياغة الألقاب وعند التزويد بأوراق تأييد أو عند إعطاء منحة ومكرمة حكومية أو عند الإيفاد للسياحة أو عند إقامة حفلة، وما أقل الصحافة والكتابة والشعر والأدب في الفكر والإبداع والنشر والأثر والتأثير في المجتمع...
وأنا أقل الناس شئناً لكي لا يقول لي أحدهم وماذا عنك...؟ّ!
لأننا في مجتمع يوجه الاتهام الشخصي لكل من يريد التصحيح قبل النظر في القول والرأي ومدى صحته...!!
مع الأسف...!!
والحمد لله لم أكتب يوماً لقباً لي لا في الفيس بوك ولا في مقالاتي ولا على غلاف كتابيّ المتواضعين جداً اللذين صدرا لي سوى أسمي الذي أعطاني إياه أبي ولقبي الذي ورثته عن جدي...

ولكي أكون صريحاً ولا أنافق فلقد قدمت فيمن قدم للحصول على قطعة أرض، ولم أستلم شيئاً بعد...
أحد شروط التقديم الكثيرة هي إرفاق ورقة تأييد من مؤسسة صحفية تنتمي لها، ولغرض التأييد فقط اضطررت للانتماء لمؤسسة ثقافية عامة حيث طلبوا مني مبلغاً كي يصدروا لي هوية (يعني انة اصرف عليهم) ومن ثم لنشري مقالاتي عندهم حيث أنشرها للصالح العام دون مقابل في جميع المواقع والصحف كما أنشرها عندهم، فزودوني بالتأييد رغم أن عهدي في الكتابة قريب وكان العهد أن أكون حراً ومستقلاً ولا زلت مواظباً أن أبقى حراً ومستقلاً بكتاباتي ولكن لغرض التأييد فقط انتميت لمؤسسة لا دخل لها لا بسياسة ولا بطائفية ولا حزبية والحمد لله (اجت على كد نيتي) فهي مؤسسة نشر عامة، والكل ينشر بها وقطعة الأرض من وراء القصد...

وتطلب تحصيل التأييد ثلاث مراجعات، حيث في كل تأييد جئت به يوجدون به مشكلة تلغيه...!!
في المرة الأولى أتيت بتأييد رسمي مختوم فيه صورة شخصية مختوم عليها فقالوا لي أنه ليس مذكور فيه سنوات الخدمة ...!!
وفي الثانية أتيت بتأييد رسمي مختوم فيه صورة شخصية مختوم عليها فقالوا لي أنه ليس فيه ذكر تشير لأشهر سنوات الخدمة...!!
وفي الثالثة أتيت بتأييد رسمي مختوم عليه وفيه صورة شخصية مختوم عليها مع تثبيت سنوات الخدمة وذكر الأشهر...!!
حتى إستغربت المؤسسة المنتمي لها من هذا التعقيد والتنغيص...!!
والله كريم...!!

لكل مؤسسة صحفية وإعلامية توجهات سياسية وطائفية وحزبية وفئوية ونوايا وأغراض وتمويل ورعاية وهذا كله يمس بحريتها واستقلاليتها وموضوعيتها وقولها للحقيقة رغم أن أغلب المؤسسات تفاخر بأنها (حرة ومستقلة وموضوعية وتنقل الحقائق) وهذه الصفات ليست بالدقيقة أبداً...
ولكن يبقى هنالك مؤسسات قليلة حرة ومستقلة وتراعي الموضوعية والحقيقة كما هنالك مؤسسات تابعة لجهات سياسية ولكنها ملتزمة إلى حدٍ ما بتلك الصفات...

يقول أحدهم في رده على خبر توزيع قطع الأراضي للصحفيين أنه موظف حكومي خدم الدولة العراقية لأكثر من عشرين سنة دون أن يستلم قطعة ارض، ويسخر من حاله أنه لا يملك شبراً في العراق حيث يسكن ببيت إيجار...!!

فمتى يستلم الشباب من موظفي الدولة وما أكثرهم وغيرهم ممن هو ليس بموظف أو عاطل عن العمل قطعة أرض سكنية يبنون عليها بيتاً يتخلصون به من ازدحام بيت العائلة وكثرة المتزوجين في نفس البيت ليصبح بيت التخلص من الازدحام أكثر من كونه بيت الأحلام...!!
بيت التخلص من الازدحام أكثر من كونه بيت الأحلام، أي والله...!!
وللتخلص من مشاكل صراع الأطفال وعراكهم وكثرة الأهواء والأمزجة في بيت يجمع الكثير من الأخوة المتزوجين وزوجاتهم وأولادهم والأب والأم والجد والجدة في بيت مساحته (200 م) تزيد وتنقص...
وأنا منهم ومعهم ومني ومعي آلاف مؤلفة من الشباب الذين لا حول لهم ولا قوة ألا وجه الكريم سبحانه...
والله كريم...!!
 
ولو حصل وكان محظوظاً جداً من أستلم قطعة أرض جرداء في هذا الوطن الممتلئ أراضي جرداء، فستكون قطعة أرض في مكان لا يوجد فيه أبسط حقوق الإنسان والحيوان في مكان مهجور ومتروك وتكون على عاتق من يريد البناء أن يشيد منزلاً وشارعاً ومجارياً ومد أعمدة النور والكهرباء وأنابيب المياه والصرف الصحي...!!
ولا أعرف أهو من عجائب العراق أن يقوم من يروم السكن بواجب ثلاث وزارات خدمية...؟!

وما هذا الذي يجري بأن يبني كل من يملك قطعة أرض داراً على نفقته الخاصة والدولة لا تدعمه بشيء يذكر إلا بقرض يُستقطع من راتبه كل شهر...!!
والراتب لا يكفي لشهرٍ دون استقطاع، فكيف لو استقطعوا منه...؟!
الله كريم...!!
 
وأما ما هو مرسوم في الخريطة على أنه حديقة وساحة خدمات فبالحقيقة هي مجرد قطعة أرض جرداء، أو مستنقعاً للمياه النتنة (الخيسة) ومرتعاً للكلاب السائبة، أو مجمع للزبالة...!!
هذا ونحن بلد النفط وكل يوم نسمع بزيادة الصادرات النفطية لكي لا يقارننا بعض القراء الكرام بأن وضعنا أفضل من الوضع في الصومال...!!

يقول المختصون أن النسبة الصحية للمساحات الخضراء الواجب توفرها في منطقة سكنية هي 30% من مجموع الأرض المسكونة...
يذكر بعض المهندسون المختصون مثال حول مدينة الناصرية جنوب العراق والتي فيها نسبة سكانية كبيرة يُتوقع أن تصل المليون نسمة قريباً، أن نسبة المساحات الخضراء في مناطق مدينة الناصرية لا يتجاوز ما نسبته 4% فقط...!!
كان هذا وفقاً لتقرير بثته محطة محلية هناك...
4% فقط والواجب توفره 30% فمن ذا الذي يقضي بقية الواجب المتبقي وهو 26%...!!
والمستحبات أكثر وأكثر...
وتوجع القلب لو ها هنا تذكر...
فتهيّج نار قلبٍ من شغافه تسعر... 

من الطائرة يقول أحد المسافرين بأنه أتى من أوربا للعراق، فكان ما شاهده حتى وصل حدود العراق بالألوان وما إن دخل حدود العراق حتى تغيرت الصورة للأسود والأبيض...!!
هذا العراق الذي كان يسمى في أحد الأيام أرض السواد لكثرة خضرته ونضارة زرعه، وبالرغم من ذلك فلا تجد التشجير والمساحات الخضراء إلا في مناطق بعينها (مميزة) في أحياء (مميزة) وترك بقية الأحياء جرداء ومهملة ووسخة...!!

نحن أحفاد سومر وأور وأريدو وبابل وأكد وكيش ولكش ولتاريخ كان شاهداً على الحضارة فأصبحت آثاره اليوم شاهدة على إندثارها...!!

وإذا كان كل ذلك حول وخصوص وبجوار قطعة أرض لم يتم استلامها بعد فلك أن تتخيل ماذا عن قلة الطرق الداخلية وكثرة السيارات، وبدلاً من إنشاء أنفاق وجسور واستحداث شوارع وتصميم مدن حديثة وفك الازدحام المروري الدائم وبسرعة تنفيذ، فعلى العكس حيث يتم إغلاق بعض الشوارع...!!
ولنترك موضوع مترو الأنفاق وإستحداث مجمعات سكنية عملاقة بسرعة إنجاز وإنشاء مجمعات تجارية ضخمة والتعاقد مع شركات متخصصة لتنظيف الشوارع والمرافق العامة بانتظام فسأترك هذه الموضوع لكي لا يتهمني البعض بالجنون...!!
والله كريم...

88
وُلِد في داخل الكعبة مجدٌ قتلوه في مسجد الكوفة

حيدر محمد الوائلي

لحاجة في نفسه قضاها...
في نفسٍ ألهمها الله فجورها وتقواها...
تمسك بفجورها وترك تقواها بكل سهولة...
اهٍ من نفسٍ ما أوقحها...
فصار من دنيا الفاجرين أشقاها...
وفي التاسع عشر من رمضان فعلها، فما راعها ولا وعاها...
كانت ضربة من الخلف على رأس مجدٍ شرّف التاريخ والحضارة...
فما كان لمجرمٍ شرف النظر لنور وجه علي...

في التاسع عشر من رمضان ضربك الشقي من الخلف على رأسك، فشق المجرم رأساً لم تسجد لصنمٍ قط، قد كرّم الله وجهه...
ومن الخلف أتت ضربة لتنهي حياة مجدٍ شرف التاريخ والحضارة وتعلن ولادته من جديد أن أكتب يا تاريخ ويا ضمير الإنسان ويا ذكرى الزمان وأحكي وأروي حكايات وروايات وقصص رجلٍ تشرف به التاريخ والضمير الإنساني وذكرى الزمان...

من الخلف أتت طعنة على رأس عليٍ بعدما فر من وجهه فحول الرجال وأسود القتال وأبطال الحروب فصيّر الفحول أمامه جثث هامدة، والأسود قططاً هاربة والأبطال ظهوراً للفرار مهرولة...

ومنهم من قاد جيشاً فبرز له علي فهرب، فيبدي عورته وسط حشود الجيش لأنه لم يستطع الهروب حتى، لعلمه أن علي مؤمن عزيز نفسٍ لا ينظر لعورة أحد...

لم تستطع تلك الوجوه لنور وجه علي حجاب، ولبطش سيفه درع، فكانت ضربة واحدة في يوم الخندق يوم بلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا ويصفهم الله بسورة الأحزاب وصفاً دقيقاً مهماً فيومها كان الامتحان وفيه يكرم المرء أو يُهان...!!
فكان علي لها شاهراً سيفه ضارباً إبن ودٍ ضربة وصفها الرسول محمد (ص) أنها تعدل عبادة الثقلين (الأنس والجن)...!!
ولك أن تحسب ببقية مئات الضربات عبادة أجيال وأجيال كان علي فيها حامل لواها وليث حماها وفارس وغاها، حتى بُني للأسلام أساسه وعلا...

قتلك أشقى الناس في شهر الصيام يا أمير المؤمنين علي، فراح خير الأنام بسيف أرذلهم، في شهر الصيام...
وأنا أحبك في الله يا علي، فحبك إيمانٌ وبغضك نفاق، وعلي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار...

أحببت فيه حبه للإنسان، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه ويحب الفقراء ويحبونه، ويتصرف كأبسط الناس وهو في أعلى هرم السلطة، لأن السلطة عنده وظيفة وتكليف ينزهها الشخص ويعظمّها فليست السلطة من جعلته عظيماً.

قيل أن علياً مرّ في أحد الأيام كما هي عادته في تفقد أمور الرعية بنفسه (لا سكرتيره ولا موظف صغير يفعل ما يحلو له بمزاجه)، فصادف أن مر قرب بيت فيه أطفال يبكون ويصرخون، فطرق الباب، فإذا بها امرأة وحولها أطفالها يبكون...!!
قال لها: مم بكاء الأطفال...؟!
ردت: قُتل أبوهم في أحد حروب الإسلام مع علي، وهؤلاء أيتامه يبكون من الجوع...!!
فثار أمير المؤمنين علي وأنتفض راكضاً كما كان يركض شاهراً سيفه بالحق لجلب الطعام وتحضيره للطبخ إليهم، كيف هناك أيتام جائعين وأرملة حزينة في دولة الأمام علي...؟!
ولمّا أكمل إحضار المواد اللازمة للطعام قال لها: أتطبخين وأنا أسلي الأطفال، أم أنا أطبخ وأنت تسليهم...؟!
فتحرجت المرأة من الطلبين فرفضتهما...!! ولكن الأمام عليّ أصر...!!
فقالت له: أنت تسلي الأطفال بينما أنا أعد الطعام...
تصورت المسكينة أن في ذلك حطاً من مقام علي وتنزيلاً من شأنه وهو أمير المؤمنين أن يطبخ...!!
ولم تعرف أن الأمام علي لا يكترث لتلك البهارج بتاتاً...!! (ليس كمثل الكثير من قيادات اليوم وسياسييهم وقادة المجتمع ورجال دين ممن يستنكفون من كل شيء، حتى من تنفيذ واجباتهم الوظيفية التي يتقاضون عليها رواتب تترواح بين الكبيرة والخيالية)
فبينما هي تعد الطعام فأرادت أن تعرف سر سكوت الأطفال وهدوئهم قرب الأمام علي...؟!
وصُعِقت حين رأت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين يمشي على يديه ورجليه كمشية الخروف ليضحك الأطفال ويسليهم...!!

أحببت في عليٍ حرصه على الناس عموماً، جميعاً (لا تفريقاً ولا تمييزاً) ففي أحد المرات وجد عليٌ شحاذاً فأمتعض وغضب لرؤيته وثار قائلاً (ما هذا)...؟!
وأخذه وصرف له استحقاقه من بيت مال المسلمين...!!
والمُلاحَظ أن علياً لم يقل (من هذا)...!!
فهو لم يقبل وجود شحاذاً وهو حاكم، وقيل أن هذا الشحاذ كان على غير دين الإسلام (مسيحياً أو يهودياً)...!!

أراك في يوم من أيام الكوفة تتفقد الرعية كعادتك، فتراه شحاذاً يشحذ فترتعد فرائصك وتهتز، وأنت الذي لم تهتز عند مواجهة أبطال العرب وأرديتهم صرعى أمامك...
أراك تهتز يا علي لأنك رأيت شحاذاً يشحذ وعلي حاكم...!!
تأمر له بالعطاء الفوري ولم تسأل من هو، لتعلم لاحقاً أن الشحاذ كان على غير دين الإسلام (مسيحياً ربما أو يهودياً) سكن بـ(سلام تام) بجوار مسلمي الكوفة فلم يغير ذلك بالأمر شيئاً ولم يعر له علياً أدنى اهتمام، فعلي يعامل الإنسان على أنه إنسان كرمه الله أولاً وأخيراً، وهو القائل (ع): (الناس صنفان: أما أخ في الدين أو نظير في الخلق)...

مر شيخ كبير مكفوف (أعمى) يسأل طالباً, فقال أمير المؤمنين: ما هذا...؟!
(لا حظوا مرة ثانية قال: ما هذا...!!)
قالوا: يا أمير المؤمنين نصراني...!!
فقال أمير المؤمنين: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه...!! أنفقوا عليه من بيت المال.
هذا هو نظام التقاعد الذي يعمل به العالم الحديث في القرن العشرين، قد سبقهم علي إليه قبل مئات السنين...!!

تعال ها هنا في يومنا يا علي لترى الجوع والفقر والتمييز بالعطاء والمناصب، وعائلات وأحزاب تحكم وتبطش وتظلم وتسرق بالناس على قفا من يشيل...!!

تعال لترى البعض يحقد ويصيبه شيء في قلبه لدى معرفته أن فلاناً من طائفة ليس كطائفته في الدين الواحد، فأصبح الدين مدعاة للكراهية والأهانة أكثر من الحب والأحترام...
دين طائفة اليوم لا دين الله، ويعبدون الطائفة لا يعبدون الله...
ولك أن تقيس ببقية الأديان...

سُئل أمير المؤمنين: يا علي هل استشرت أباك عندما آمنت بمحمد...؟!
أجاب: وهل استشار الله أبي حينما خلقني...؟!
كان هذا جواب علي وهو صبي صغير...!!
هذا دين الفكر والتفكر وليس كمثل دين اليوم الذي يورّث وراثة عن الآباء والأجداد كما يورّث الشكل والدار والعقار...

دخل عقيل بن أبي طالب على أخيه علي (ع) يوم كان الخليفة الرابع، وكان عقيل أعمى ويطمع بزيادة في راتبه ومستحقاته من بيت مال المسلمين والذي هو اليوم في أرقى الأنظمة يُسمى (الضمان الاجتماعي) فكان في دولة علي هذا الضمان قبل ألف وأربعمائة سنة من الزمان...!!
فقال الأمام علي لأخيه عقيل: لو كنت تحتاج لِلباس فسأعطيك من استحقاقي الخاص ولا أزيدك فلساً ليس بحق لك.
فقال عقيل لأخيه أمير المؤمنين علي: يا علي إني بحاجة...!!
فقال له الأمام علي مؤدباً: خذ بيدي وأذهب بي إلى سوق الصرافين لأسرق لك...!!
فقال له عقيل: لم أقل لك ذلك...!!
فقال له علي: وما فرق أن أسرق من بيت المال (الميزانية، عوائد النفط، مميزات حكومية لموظفين كبار على حساب بقية الموظفين، مخصصات كبيرة لمسؤولين وسياسيين على حساب بقية الشعب، مميزات لأحزاب سياسية على حساب الميزانية، نفقات لسفرات وولائم المسؤولين الكرماء جداً ليس بأموالهم الخاصة بل بأموال الشعب، موظف يتقاضى راتباً ولا يؤدي وظيفته بالشكل الصحيح) أو أسرق من سوق الصرافين...؟!

لم يقتنع عقيل وألح على الأمام علي (ع)، فأراد الأمام علي أن يهذبه بأكثر مما تهذب العامة من الناس، فأحمى حديدة وطلب من عقيل الأعمى أن يمد يده، فمدها، فوضع الأمام علي الحديدة الحامية بيده فأن لها عقيل وصرخ متألماً، فقال له الأمام علي:
(يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني الى نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من أذى ولا أئن من لظى)...!!

هذا هو الأمام علي من ألهم كاتب مسيحي معاصر هو (جورج جرداق) أن يكتب فيه سِفراً رائعاً بكتاب طبعوه بمجلد كبير ومن ثم بخمسة أجزاء عنوانه (الأمام علي صوت العدالة الإنسانية) يقع جميع أجزاءه الخمسة في (1379) صفحة في طبعته الأولى كأجزاء لسنة 2003...!!
وكتب فيه مسيحي معاصر آخر هو (راجي أنور هيفا) كتاباً عنوانه (الأمام علي في الفكر المسيحي المعاصر) يقع في (750) صفحة في طبعته الأولى لسنة 2007...!!

وغيرهم كثير من مسلمين وغير مسلمين، متدينين وعلمانيين، عرب وأجانب ممن تأثروا بفكر الأمام علي وشخصيته وسيرته المعطاء والتي لو غطت (فكره، قضاؤه، دولته، سياسته، تعامله مع الناس، حربه، سلمه، سيرته، حكمته، أقواله، خطبه، عبادته، زهده، عدله، إنصافه، و...الخ) لاحتاجت لتغطيتها مكتبات من المؤلفات...!!

الأمام علي (ع) في أيام حكومته كان يراقب مسؤوليه على المدن ويبعث لهم بالنصائح والتوجيهات، وهذا ليس بمعجزة ولا مستحيل لكي يتذرع ويحتج من رفع إسم علي بكلامه وإدعى حبه والاقتداء به وفور تسنم مسؤولية أو إدارة تراه يلقي تلك الحكم والمواعظ في الدرج قرب مبالغ الرشوة وملفات المحاصصة والمحسوبية والفساد والتقاعس والأهمال واللامسؤولية في الحكم...!!

يقول الأمام علي (ع) في إحدى رسالاته لأبن حنيف وهو عامله على البصرة حيث تمت دعوته من قبل أغنياء من البصرة مجاملة له، فلما وصل خبر تلك الدعوة لم يقبلها الأمام علي حيث فهم منها دعوة تزلف وقربى، فلماذا يدعى الحاكم دون بقية الناس، ولو لم يكن حاكماً هل تتم دعوته...؟!
فهذه مقتطفات من تلك الرسالة الخالدة الواردة في (شرح نهج البلاغة للشيخ الأمام محمد عبده خطبة رقم "283"):
"أما بعد يبن حنيف... فقد بَلَغَني (تصوروا أن الأمام من كثرة سؤاله ومراقبته يقول بَلَغَني) أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك الى مأدبة فأسرعت اليها، تستطاب لك الألوان وتُنقَل إليك الجفان وما ظننت أنك تُجيب إلى طعام قومٍ عائلهم(أي فقيرهم)  مَجفوّ(أي مطرود) وغَنيهم مَدعوِّ، فأنظر الى ما تقضمه من هذا المَقظم(أي الفكين) فما إشتبه عليك عِلمه فإلفظه(أي إتركه) وما أيقنت منه فنل منه...
أأقنع من نفسي أن يُقال: "هذا أمير المؤمنين" ولا أشاركهم في مكارة الدهر أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة(أي خشونة) العيش، فما خُلِقتُ ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة، همها عَلَفها، أو المُرسلة(أي الغير مربوطة) شُغلُها تقممها(أي أكلها للقمامة) تكترش(أي تملأ كرشها) من أعلافها وتلهو عمَّا يُراد بها..."

الملاحظ أن الأمام علي (ع) يقول: (أأقنع من نفسي أن يُقال "هذا أمير المؤمنين" ولا أشاركهم في مكارة الدهر أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة (أي خشونة) العيش...الخ )...
فهو يقول أنه لا يقنع بأن يقال له أمير المؤمنين (رئيس، رئيس وزارء، وزير، محافظ، مدير عام، مدير دائرة، مدير فرع، موظف مسؤول) بوجود أناس جياع أو يعيشون حياة صعبة وقاسية ولا يساعدهم عليها، أو مواطنين يعانون من المراجعات في دوائر الدولة أو عدم قضاء حقوق الشعب وتوفير الخدمات له أو التمييز بالمعاملة بين المراجعين في دوائر الدولة أو تصرف بعض الموظفين المهين للمراجعين في مؤسسات الدولة...
فالأمام علي يقول على الأقل أنه يشاركهم بمكاره العيش وصعوبته فيصبرون لدى رؤيتهم إياه يفعل ذلك...
 
لم يذكر الأمام أأقنع أن يقال "هذا أمير المؤمنين" بوجود مفاسد أخلاقية مثلاً، لأن الأمام علي (ع) يعتقد بأن مداراة الناس، وقضاء حوائجهم، ومتابعة أحوالهم هي الغاية الكبرى للحاكم العادل وللمسؤولين العادلين جميعاً...

لم يقل الأمام علي (ع): (أأقنع أن من نفسي أن يقال "هذا أمير المؤمنين"...الخ) رغم حروبه الثلاث التي خاضها ضد عشرات الآلاف فسح حروبه التي خاضها أيام حكومته...
حرب الناكثين (في الجمل) الذي نكثوا البيعة وخرجوا عليه، أو في حربه القاسطين (في صفين) الذي ظلموا الناس وسرقوا حقوقهم، أو في حربه المارقين (في النهروان) وهم المنافقين الذين يمرقون من الدين كمرق السهم...
وهؤلاء جميعاً خرجوا ضد حكومة الأمام علي (ع) فهو أمير المؤمنين رغم كثرة الأعداء...

لم يقل الأمام علي (ع): (أأقنع أن من نفسي أن يقال "هذا أمير المؤمنين"...الخ) رغم وجود مفاسد أخلاقية كشرب الخمر أو الزنا أو السرقة...الخ، فهو أمير المؤمنين ولو أرتكب بعض الناس هذه المفاسد...

ولكنه لا يقبل أن يقال له أمير المؤمنين ولعل في –وعلى نص قوله– (بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص (أي لصعوبة حصوله على قرص الخبز فأنه لا يطمع بأكثر منه) ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً (أي شبعاناً) وحولي بطونٌ غرى (أي جائعة) وأكباد حرّى (أي عطشانة)...!!
قال ذاك وكان عاصمة حكمه (ع) مدينة الكوفة وسط العراق...!!

أحببت فيه حبه للعمل والمثابرة وعدم الاتكال على الآخرين ويأكل خبزه من عرق جبينه فالعمل عبادة وكانت أحب الأعمال لعليٍ الزراعة وغرس الأشجار وإحياء الأراضي البور وإحداث القنوات...
يزرع ليحصد، وهو الذي ملأ التاريخ زرعاً لم ينقطع ثماره لا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل فثمار علي وحكمته وسيرته لا يذبل ثمارها ولا يفسد بل يبقى طرياَ نَظِراً رغم تقادم السنوات ما دامت القلوب التي تحويها بيضاء طاهرة لا سوداء عفنة، فالقلوب أوعية، ولينظر كل وعاء بما فيه وما يحويه ومن يمليه وأي وعاء هو بالأصل وكيف صار...!!

يا علي مالي أراك وحيداً صابراً (وصبرك يلهمنا الصبر) لم يترك لك الحق لا صاحباً ولا صديق، وتمشي بطريق الحق وحيداً حتى إستوحشته لقلة سالكيه...
أراك يحاربك الأصحاب ويشنوا عليك الهجوم فلم تتردد في محاربتهم رغم حزنك على حالهم والى ما صاروا إليه...
هم مع الحق مادام الحق يدر عليه ربحاً وشهوة ومناصب، ولما طردهم ذات الحق من مناصبهم وحرمهم من شهواتهم أصبح الحق باطلاً، والمعروف منكراً...
وكم من أمثالهم ها هنا اليوم يحكمون ويديرون مؤسسات الدولة، ومعهم سياسيون ورجال دين وجموع غفيرة من الناس مغفلين وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق...

أحببت في الأمام علي عدم رضاه بمنصبه وقناعته فيه إلا أن يحقق للناس عدل ورفاهية وعيش كريم، فقيل أنه دخل عليه ابن عباس في ذي قار جنوب العراق لدى توجهه لصد الخارجين عليه من الحجاز الى العراق حيث حين حاربوه لعدالته، وكان علياً يخصف بنعل له بالية...!!
فقال الأمام علي لصاحبه ابن عباس: (ما قيمة هذا النعل)...؟!
فرد ابن عباس: (انه نعل بالية –لا تساوي شيئاً-)...!!
فرد عليه الأمام علي: (هي –النعل- خيرٌ لي مما يحاربونني عليه –السلطة- إلا أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً)...!!

في الأمام علي صفات كثيرة جداً، ألفوا فيها المؤلفات وكتبوا فيها الكتابات وكان كثيراً منها صفات بشرية أخلاقية وليست إعجازية ويمكننا الاقتداء بها نحن معاشر من نقول إننا نحبه...!!
فليس من المستحيل أن نبقى على الحق وأن نكون صادقين، فعلي كان صادقاً ويمكننا أن نبقى على الصدق إن أردنا وناضلنا وأصررنا...
وليس من المستحيل أن نكون أوفياء، فعلي كان وفياً ويمكننا أن نبقى على الوفاء إن أردنا وناضلنا وأصررنا...
وليس من المستحيل أن نكون مدافعين عن حقوق الناس والمظلومين ونحقق مطالبهم المشروعة ويكون همنا قضاء حوائج الناس، فعلي كان مدافعاً عنهم ويمكننا أن نبقى على الدفاع عن المظلومين وأن نحق الحقوق إن أردنا وناضلنا وأصررنا...
وليس من المستحيل أن نكون متسامحين وكاتمي الغيظ وأن نكون محبوبين وصابرين، فعلي كان متسامحاً، حليماً، محبوباً، وصابراً...
وليس من المستحيل أن نكون ثائرين ضد الظالمين، فعلي كان ثائراً ضد الظلم، إن أردنا وناضلنا وأصررنا...

نقتدي برسول الله وأهل بيته الكرام وأصحابه المنتجبين فهم قدوة للعالم أجمع، والقدوة إنما صارت قدوة فلكي يتبعها الناس ويقتدون بها، لا أن يقولوا من نحن لنكون مثلهم...!!
فهم ليسوا مثلنا في النبوة والإمامة والصحبة والمقام والكرامة وغيرها من المقامات ولكن هنالك أخلاقيات تمسكوا بها من الممكن التمسك بها أيضاً مع فارق المستوى بيننا وبينهم...
يقول الله مخاطباً الناس من على لسان الرسول: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صلحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (آية 110/سورة الكهف)...
ولقد تعجب بعض الجهلة ممن يريد نبياً خارقاً لا نبياً كالناس ومن الناس وللناس، حيث يصف تعجبهم وجهلهم الله بكتابه العزيز:(وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (آية 7-9/سورة الفرقان)...
لا ينطق النبي عن الهوى، وحتى في صفاته الإنسانية وتصرفاته، فكلها وحي يوحى إليه (ص)، ولذلك هو أسوة حسنة للناس أجمعين...
 
السلام عليك يا علي يوم وُلدت في بطن الكعبة ولم يكن قبلك وليداً فيها...!!
والسلام عليك يوم عشت في كنف ورعاية رسول الله ولم يكن أحداً قبلك عنده في مقامك هذا...!!
والسلام عليك يوم استشهدت في خير شهور الله (شهر رمضان)، بخير الأماكن عند الله في المسجد (مسجد الكوفة) بخير بقعة في المسجد (محراب صلاة) بخير الأوقات عند الله (وقت صلاة الفجر) حيث جعله الله على المؤمنين كتاباً مشهودا...
ولم يكن قبلك من أحدٍ جمع ظروف الزمان والمكان والحال تلك لينال الشهادة...!!

ما عساي أن أختم فيك يا علي مقالي سوى السماح والعذر والاعتذار،  فمثلك لا يكتب فيه ولا يؤبنه ويصفه مثلي...
وما عساي إلا أن أختم متواضعاً مضطرباً بأبياتٍ هي الأخرى متواضعة قالها الشاعر (عبد الرحمن صالح العشماوي الغامدي) نُشِرت في موقع جريدة الجزيرة السعودية وهي من روائع الشعر المعاصر الذي قيل في أمير المؤمنين علي (ع) وهي قصيدة طويلة بعنوان (رسالة: إلى علي بن أبي طالب سلام الله عليه)، وفيما يلي ستة أبياتٍ منتقاة منها:

هذي خيولُكَ ما يزالُ أَصيلُها ... يُحيي المشاعرَ رَكْضُها وصهيلُها
تمشي على قدمَيْكَ مِشْيَة فارسٍ ... لمْ يَثْنِهِ وَعْرُ الطريقِ وطُولُها
آخاكَ في الإسلامِ أفضلُ مُرْسَلٍ ... نعمَ الأُخُوَّةُ لا يُرامُ مَثيلُها
مِنْ أينَ أبدأُ -يا عليُّ- حكايتي ... إني لأخشى أنْ تطولَ فصولُها
قد تخذلُ الأفكارُ طالبَ وُدِّها ... ويخونُ ورقاءَ الغصونِ هَديلُها
مَن أنتَ؟ قالَ المجدُ لي مُتَعَجِّباً ... هذا (أبو السِّبْطَيْنِ) كيفَ تقولُها؟!


89
بين خديجة وعبد مناف ورمضان... قصة إيمان

حيدر محمد الوائلي

في العاشر من رمضان في السنة العاشرة لبعثة النبي محمد (ص) وقبل الهجرة بثلاث سنوات في شِعب أبي طالب حيث القهر والمعاناة والحصار...
طارت حمامات الروح لروحٍ تركت لذة الدنيا وزينتها لوغدٍ أحرق الأخضر واليابس ليتلذذ بها فخسر بعدها خسراناً مبينا، فالخير كل الخير للصابرين وليتنعم الأوغاد بملذاتها وحطامها حتى حين...
قصة امرأةً تركت التجارة والأموال وإيلاف قريش وقوافل الشتاء والصيف، لتعبد رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف...
رحلت من دنيا المعاناة والقهر أم المؤمنين خديجة وعمرها (65) سنة بعد شباب التجارة والخير الوفير، فضحت به وبمالها ومكانتها للعزيز القدير...

تزوجها النبي محمد (ص) وعمره خمس وعشرين سنة وعمرها أربعين، أي أنها قضت (25) سنة في معاناة وقهر ومحاربة قريش لها لزواجها من يتيمٍ فقيرٍ نبيٍ أتى برسالة تنصر الله بالعقل والعدل محارباً الجهل والظلم وهي سيدة نساء العرب ومن كبار تجارها وحملة رؤوس أموالها...
في عام من أعوام الضيم والقهر وحصارٍ دام سنوات...
طارت حمامات الروح بيضاء من غير سوءٍ مغادرة أرضاً مُلِئَت قيحاً ودماً وظلاماً ونتانة من فعال الناس وظلم بعضهم بعضاً...
رحلت تلك الروح النقية التي لا مكان لها بأرض الجاهلية لتسكن جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت لها ولأمثالها...
رحلت فحزن النبي محمد (ص) حزناً شديداً لفقدها وقبل أيام لفّه الحزن أيضاً بفقد حاميه وناصره عند الشدائد والضيق عمه عبد مناف (أبي طالب)...
كلاهما رحلا في أسبوعٍ واحدٍ، فيا له من وقعٍ عظيم وأسبوعٍ حزين...
سمى الرسول (ص) العام الذي فيه ذلك الأسبوع الذي فقدهم فيه عام الحزن، لا أسبوع الحزن ولا شهره...!! والله يقول واصفاً رسوله: (وما ينطقُ عن الهوى # إن هو إلَّا وحيٌ يُوحى) (اية3-4/سورة النجم) .

قصة امرأة ثرية وتملك من الأموال ما تغرق به مدن بأكملها، ولكنها تضحي بهِ من أجل دينٍ جديد، وعقيدةٍ جديدة، وإيمانٍ جديد، قد حاربه كل بطون القبائل وكبرائها، وحاربه أهل الجاه والتجارة، ففدت السيدة خديجة تجارتها ومالها وصحتها ومن ثم روحها لأجل عقيدة لم يعتنقها سوى المظلومين والمسحوقين والفقراء، فكانت أسبقهم لها...

لو كان ربع نصف ربع ما لخديجة من ثروة ومكانة اجتماعية عند المتدينين اليوم وعرفوا بفكر جديدٍ وعقيدة جديدة صحيحة تخالف عقيدتهم الموروثة فهل سيتركون الإرث الفكري والعقائدي الذي ورثوه لأجل الإيمان بفكرٍ جديدٍ يخالف الفكر الموروث عن الآباء والأجداد...؟!
وهل سيبذلون كل أموالهم عليه...؟!
وهل سيضحون بصحتهم وجهدهم ويتحملون الجوع والضيق والحر والفقر والمرض والعذاب والحصار والقطيعة ومحاربة بطون وكبراء الفكر القديم الموروث...؟!
وهل سيتواصلون ويدعون بهذه الفكرة والعقيدة الجديدة رغم صحتها وسلامتها ولكن عيبها أنها تخالف العقيدة الموروثة...؟!
أم سيتساقطون الواحد تلو الأخر، فلقد ألفوا آبائهم عليها عاكفون، كما اليوم الذي أصبح فيه الدين والعقيدة والطائفة تورث وراثة عن الآباء والأجداد ويتم أخذ الدين على إنه موروث لا فكر يُدرس ويُنقح وينظر به طويلاً للتأكد منه...!!
 
قصة امرأة قدسية، جمعت بين قدسيتها وموقفها فكانت من النساء الأربع اللاتي فضلهن الله على نساء العالمين أجمع، حيث يقول واصفاً إياهن النبي الأمين محمد (ص) قائلاً: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع)، فكانت أولهن آسيا زوجة الطاغية فرعون والتي أخفت إيمانها، وثانيهن مريم بنت عمران أم النبي عيسى السيدة الطاهرة النقية، وكانت خديجة زوجة النبي محمد (ص) ثالثتهن، لتلد العظيمة الثالثة أفضلهن وأكملهن وسيدتهن وهي سيدة نساء العالمين في الدنيا والآخرة تلك هي فاطمة الزهراء...

زوجة مخلصة بما يحمله الإخلاص من معنى الحب والوفاء، لا حب التصنع والرياء ومنيّة وتثاقل بل حب حقيقي...
وهل الإخلاص إلا حبٌ ووفاء...؟!
 
زوجة جادت بنفسها وصحتها وراحتها لأجل زوجها والله من وراء زوجها والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ...!! فكيف لو تجاوز الجود بالنفس جوداً بالمال والثروة وتحمل حرب الأقارب والأصحاب والجيران وحصار وقطيعة سنينٍ طوال...!!

في عصرٍ كانت المرأة توأد وتدفن حية، وإذا بُشِر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم... وفي عصر يحتقر المرأة ويحط من شأنها ويهينها رجال ذوي شوارب نتنة راب عليها اللبن ليالٍ حيث كانوا ينامون واللبن والخمر وبقايا الطعام والشراب تغطي تلك الشوارب النتنة التي لا يغسلوها لسكرهم وعربدتهم ونتانتهم، حتى شرفهم الله برسول الإسلام والأيمان، والنظافة من الأيمان...

في تلك الأيام جاءت رسالة لتنصر المرأة، وأول من ينصر ويؤمن بهذه الرسالة امرأة... والله أراد لهذه المرأة أن تشرف التاريخ وتشرف المكان والزمان والظرف وتشرف نساء العالمين وتبدل وأد النساء برفعة السماء، وليصل بفضلها صرخة الحق للخافقين، فكان بها أحد عوامل كمال البعثة والرسالة التي لم تكتمل إلا بثلاث كما قال الرسول الأكرم محمد (ص) فيما مضمونه: (نصرة أبي طالب، وسيف علي، وأموال خديجة)...

في أسبوعٍ واحدٍ فقد رسول الله أكبر دعامتين أعتمد عليهما في رسالته الإسلامية، في السادس من رمضان توفي عمه وناصره وأحد كبار صحابته عبد مناف (أبو طالب)، وفي العاشر منه توفيت مؤنسته ومن تشد أزره وتواسيه أم المؤمنين خديجة.
أبو طالب (رض) حامي الرسول الأكرم من مشركي قريش، الذين عجزوا عن التصدي للرسول القائد (ص) لعلمهم أن أبا طالب شيخ البطحاء يحول دون ذلك، فهو كان رجلا مرهوب الجانب ذا سطوة ونفوذ، وليس في بني هاشم وحدهم بل في قبائل مكة كلها.

كان أبو طالب (رض) سند الدعوة وجدارها الشامخ الذي تستند إليه، ومن اجل ذلك سلكت قريش أسلوب التفاوض والمساومة مع الدعوة والرسالة في شخص الرسول (ص) مرة وفي شخص أبي طالب مرة أخرى.
تحاوره بشأن الدعوة طالبة منه أن يستخدم نفوذه بالضغط عليه لترك رسالته وتهدده باحتدام الصراع بينه وبين قريش كلها إذا لم يخلّ بينهم وبين رسول الله (ص) ويكف عن إسناده له.
غير إن أبا طالب كان يعلن إصراره على التزام جانب الرسول الأكرم (ص) والذود عنه مهما غلا الثمن وعظمت التضحيات، حتى عاش معه في الشِعب الذي سمي بأسمه (شِعب أبي طالب) تحت الحصار الاقتصادي والاجتماعي الذي فرضته قريش، وللأهمية البالغة التي احتلها أبو طالب في سير الحركة التاريخية لدعوة الله تعالى صرح رسول الله (ص) بفضله قائلاً (ص): (مازالت قريش كاعّة عنيّ حتى مات أبو طالب)، فأي حسرة حلّت بالرسول (ص) حين قال ذلك وأي ألم...!!
وبذلك فجع الإسلام بفقد مؤمن قريشٍ أبي طالب، لتزداد الفجيعة فجيعة أخرى كبيرة بفقد أم المؤمنين خديجة...

هذه هي خديجة بنت خويلد، ناصرة الرسول يوم لا ناصر له ولا معين من بطون العرب وشعبها إلا القليل...
امرأة استغنت عن الراحة وحلاوة الدنيا والثروة الكبيرة من أجل دين الله ووفاءاً منها لزوجها رسول الله...

وإن تكن النساء كمثل هذي ... لفضلت النساء على الرجالِ
فما التأنيث لأسم الشمس عارٌ ... ولا التذكير فخراً للهلالِ

امرأة كان كلما يتذكرها الرسول سالت دموعه حزناً لفقدها وهل يبكي الرسول على أي شخص...؟!
زوجة صالحة ولتسمع زوجات اليوم ويتعلمن منها إحترام الزوج ومودته وتقديره ونصرته ومواساته، يقول فيها (ص): (والله لقد آمنت بِي إذ كذّبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس).

نزل جبرائيل على الرسول في أحد الأيام لا لأجل تبليغه بتشريع سماوي، أو لأجل الدعوة أو لأجل نزول آية قرآنية، بل لأجل تشريع سماوي ودعوة وآية قرآنية ولكن من نوع آخر...
أتى جبرائيل النبي (ص) فقال له: (هذه خديجة أتتك...، فاقرأ عليها السّلام من ربّها ومنّي، وبشّرها ببيتٍ في الجنة من قصبٍ، لا صخب فيه ولا نَصب)...
الله وجبرائيل يُسلمان على خديجة...!!

واليوم...!!
ها هو اليوم قبرها مهملاً متروكاً من قبل مالكي شعاب مكة ورجال دينها، وأهل مكة أدرى بشعابها...!!
بعد أن كان قبرها قبراً مهيباً تعلوه قبة شماء عالية حتى العام (1924) من القرن العشرين الميلادي، ليهدموه بفتوى صدرت من علماء السلطة التي أستحوذ عليها عائلة آل سعود (وكل من قرأ التاريخ يعرف كيف...؟!) وكانوا ولازالوا يحكمون ويتحكمون ببيت الله العتيق بسياستهم وبفتاوى رجال دينهم متناسين ومتجاهلين ومخالفين الملايين من المسلمين ممن يخالفونهم بالفكر والعقيدة ممن يقدسون ويحترمون ويتبركون لله بتلك القبور، ويتذكرون بها أمجاد التاريخ لتلهمهم بناء حاضرٍ أفضل لمستقبلِ أفضل وأفضل، فهي آثار وذكرى مجيدة لتاريخٍ مجيد...

لم يكفهم ذلك فهدموا قبور أولياء الله وأصحاب الرسول وأهل بيته في مكة والمدينة وغيرها، والغريب أنهم تركوا قبر الرسول (ص) وقبر أبي بكر وعمر عن يمينه ويساره دون هدمه...؟!
ربما خافوا من فعل ذلك لبروز قبر النبي عن غيره، فستحصل ثورة ضدهم لو فعلوا ذلك يومها، أو اليوم...!!
أنظروا كيف غيروا ما بدين الإسلام من سماحة وتعايش ومودة مع من هم ليسوا مسلمين أصلاً إلى حكم التطرف والهدم والتفجير وحكم الرأي الواحد بالغصب والجبر والإكراه، رغم صراحة قول الله تعالى: (لا إكراه في الدين)...!!

هدموا قبر أم المؤمنين خديجة، فصعدت حمامات روحها مرة أخرى إلى السماء فملأت السماء نوراً وكبرياء العظماء...
يا رب... أتوجه إليك بحق أم المؤمنين خديجة وبحق عم رسولك أبو طالب وأقول:
يا سيدتي ويا سيدي...
إنا توجهنا واستشفعنا بكما وقدمناكما بين يدي حاجاتنا...
يا وجيهين عن الله، أشفعا لنا عن الله...
وأسأل الله بحقكما وهو عظيمٍ عنده، أن يلهمنا صبركما العظيم، وإيمانكما النقي، وإخلاصكما الطاهر في كل الأمور مهما صعبت واشتدت...

90
قصة زعيم يُسمى عبد الكريم

حيدر محمد الوائلي

لم يكن صباح 14/تموز/1958 صباحاً عادياً فلقد كان شاهداً على العراق والعراقيين أن جاءكم زعيم الفقراء، وشعاره أن (لا) لزعيم الفاسدين و(لا) لزعيم الظالمين، و(نعم) لزعيم الفقراء والمساكين...
في أحد صباحات العراق المليئة بالقيح والدم جاءت بشرى وفسحة أمل في الزمن الصعب وجاء الزعيم عبد الكريم قاسم...
زعيم فقير وبسيط يحكم بلد غني، ويبقى على بساطته وفقره حتى رحيله، هذا زعيمٌ عجيب...!!
زعيم ساهم بنقلة كبيرة في المشاريع الخدمية والعمرانية والمعيشية في جميع مدن العراق حيث له ولليوم وبعد عشرات السنين على رحيله هناك له بصمة وأثر عمراني في كل مدينة من مدن العراق، فهو جاء من أجل ذلك لا من أجل السلطة والتقاتل عليها ولو كان كذلك لما أنصفه التاريخ وذكره بخير.

أذكروا لي زعيماً حكم العراق الحديث وذكره التاريخ بخير مثلما ذكر عبد الكريم الذي دخل السلطة براتبه العسكري، وخرج منها بنفس راتبه العسكري، وبقيت بجيبه عند قتله بخس دنانير معدودة كانت هي جميع ما يملك...!!
لا أرصدة بنوك لا سرية ولا علنية، ولم يكن يملك داراً يسكنه، فقد قضى سنين حكمه بدار أخيه، يطبخ له الأهل بقدر (سفري) بسيط، فلم يكن للزعيم طباخاً ولا قصرٌ رئاسي...!!
سموه الناس (زعيم الفقراء) و(الزعيم الأوحد) و(الزعيم) و(أبو أذان)...!!
ولأبو أذان قصة لابد أن تُذكر ففيها شجون...
ينقل السائق الشخصي للزعيم أن في أحد الأيام وخلال تجوال الزعيم الليلي رأى امرأة تلملم بكميات من الطابوق لبناء بيت في أحد الأحياء المنسية المعزولة في بغداد وهي مدينة –الثورة- سابقاً –الصدر- حالياً، وكانت مدينة الثورة لم تبنى بعد، وصادف أن مرّ موكب الزعيم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة والمتكون من سيارة واحدة وسيارة حماية تتبعه...!!
لفت انتباه عبد الكريم تلك المرأة فأمر بإيقاف الموكب الرئاسي (سيارتين) وترجل ليسأل المرأة عن الشيء الذي تفعله بالطابوق في تلك الساعة وفي ذلك المكان المتروك...؟!
ولم تتعرف عليه المرأة فلقد كان الزعيم عادياً كبقية الناس فنهرته عندما سألها حول ما تفعله...!!
فطلب منها الزعيم بهدوء وتروي توضيحاً...!!
فردت عليه (كفيان شر ملة إعليوي) قائلة له: (يكولون أبو إذان راح يبني هاي المنطقة)...!!
تقصد بأبو إذان عبد الكريم قاسم حيث الحقيقة تقال أن للرجل أّذنين بارزتين وفي العراق من يكون شكله كذلك فيسمى على الفور أبو أذان...!!
ضحك الزعيم ملأ فاه وقال لها بالنص: (أبو إذان إذا كال شيء يسويه)...!!
وإنصرف عبد الكريم وهو يضحك ضحكاً عالياً وحتى حين تحرك موكبه فلم يكف عن الضحك المستمر لوصف المرأة إياه (أبو أذان)...!!

وبالفعل حوّل الزعيم بأصراره المعهود تلك المنطقة المتروكة لأكبر تجمع سكني في بغداد، ولازالت لليوم يشكل ساكنيها حوالي ثلث سكان العاصمة بغداد أو أكثر...

زعيمٌ قتله الظالمين في يوم أسود وبحثوا عن شيء ليلطخوا بها سمعته في وسائل الأعلام فعجزوا عن ذلك...!!
فتشوا في رصيده من الأموال فوجدوه لا يملك سوى راتبه...!!
فتشوا في مكتبه وملفاته الشخصية عن مؤامرات على الشعب وصفقات سرية فلم يجدوا...!!
بحثوا عن ليالي حمراء يقضيها مع غانيات وأموال تبعثر في السهرات، كأكثر الزعماء والقادة فلم يحصلوا على شيء...!!
فبُهتوا بهتاناً مبيناً...!!

تخيلوا أن القائد العام للقوات المسلحة العراقية ورئيس الوزراء وقائد الثورة وراتبه راتب زعيم (عميد) عسكري ولم يتقاضى غيره...!!
تخيلوا زعيماً لدى مقتله بحث قتلته من البعثيون في جيوبه فلم يجدوا سوى بضع دنانير معدودة وهي بقايا راتبه الذي هو كل ثروته، وتركته من الدنيا...!!
تخيلوا قائداً لم يملك بيتاً لنفسه وقضى فترة حياته متنقلاً من مكتبه في وزارة الدفاع وبيت أخيه الذي إتخذه مسكناً...!!
تخيلوا زعيماً قام بثورة وهو رافض لإراقة الدماء ولقد تندم ندماً شديداً على مقتل الملك الراحل فيصل الثاني والعائلة الملكية ورئيس الوزراء الراحل نوري سعيد وأبدى ندمه لمّا سألته أمه وعاتبته عن قتله (للسيّد) وتقصد الملك فيصل الثاني، فدمعت عين الزعيم موضحاً أن الناس من فعلت ذلك وليس هو من أراد ذلك، ولم يأمر بذلك...!!

تخيلوا زعيماً كانت مائدته الرئاسية في المطعم الرئاسي في حي فقير من أحياء بغداد يرتاده الفقراء والجنود وأكلته المفضلة هي (الباجة)...!!
وللباجة قصة لابد أن تُذكر ففيها شجون...
ففي أحد الأيام كعادته دخل ذلك المطعم الشعبي البسيط وكان فيه بعض الجنود (أبو خليل) ودخل القائد العام للقوات المسلحة ليأكل حاله من حالهم، فأرتبك الجنود فطلب منهم أن (ياخذون راحتهم) ولمّا أكمل أكل الباجة قال مخاطباً من كان في المطعم من جنود والناس (اليوم مستلم راتب وحسابكم واصل)...!!

عاش عبد الكريم عيشة الفقراء، ومات ميتة الفقراء، فأحبه الفقراء...!!
كان يداري الناس فهو جاء من أجلهم حيث قوله الشهير: (قمت بالثورة من أجل الناس)...
كان يتفقد الشعب ويسأل عن حاله، ولم يكن مغفلاً يجلس في مكتبه ويكتفي بالتقارير التي ترفع له، فلقد كان يتفقد الشعب في الشوارع والدوائر والمؤسسات...

ذات يوم أوقف سيارته قرب مخبز يبيع الخبز، والخبز قوت الشعب اليومي كما هو معروف، فسأل الخباز أن يعطيه رغيفاً من خبزه، وصادف أن صاحب المخبز كان معلقاً صورة كبيرة للزعيم حيث لكثر حب الناس له تعلق صورته، فأعطى الخباز رغيفاً للزعيم، فتفحصه الزعيم فوجده صغيراً نسبياً فخاطب الخباز قائلاً: (زغّر الصورة وكبّر الرغيف) أي(صغّر صورتي التي تعلقها وكبّر حجم رغيف خبز الناس)...!!

إعطوني زعيماً سياسياً تعلق الناس صورته حباً به، لا تملقاً ولا خوفاً ولا طمعاً...!!

لم يعرف أحداً ما هي عشيرة عبد الكريم قاسم ولمّا سأله أحدهم وأبدى اهتمامه بالعشيرة والمحاباة فقام الزعيم بإقالته على الفور لأنه أحس منه ميلاً لأهوائه الشخصية على حساب سلطة الشعب فالمسؤول في نظر الزعيم في خدمة الشعب بلا تمييز...
لم يكن عبد الكريم حزبياً رغم كون عهده ملتهب بحماس الشيوعيين وهوس القوميين وطمع البعثيين...

لم ينقطع عبد الكريم عن رجال الدين المتنورين ويأخذ بنصيحتهم ولم يزرهم للدعاية ولأخذ الصور التذكارية، ولقد قيل: (إذا رأيت العالم على باب الحاكم فقل بئس العالم وبئس الحاكم، وإذا رأيت الحاكم بباب العالم فقل نِعم العالم ونِعم الحاكم).

عاش عبد الكريم من أجل الناس وقام بالثورة من أجلهم وقتلوه وهو يصرخ بحياة الجماهير...
الزعيم عبد الكريم قاسم روح خير بين وحوش شريرة، ورفض أن يتقاتل الناس من أجله لكراهته إراقة دماء الناس فقضى نحبه وهو صابر وينادي بحب العراق، وبشعار نفط العراق للعراقيين، فحاربته الدول العظمى وغضبت عليه عبيدها من بعض دول الجوار، فتآمروا ضده...

تواضع وكان بسيطاً ويحب الجميع ويقضي حوائج الناس، فأحبه الناس...
بل حتى صفح وعفا عن قاتليه المجرمين وهو القائل (عفا الله عمّا سلف) ولكنه عفا عن وحوش لم يأخذوا درساً من تلك الروح الجميلة، ليعودوا فيقتلوه شر قتله ومن من...؟!
من قبل زميله عبد السلام عارف الذي عفا عنه عبد الكريم رغم حكم الإعدام الصادر بحقه ثلاث مرات...!!
يعفو عنه ثلاث مرات لتآمره، ويقتله من أول فرصة سنحت له...!!
يا للعار...!!

91
شكراً للتدخين فأنت في العراق

حيدر محمد الوائلي

أقر البرلمان العراقي قانون حظر التدخين في المرفقات العامة ومؤسسات الدولة ويغرم من يخالف هذا القانون مبلغاً لا يقل عن (عشرة ألاف) دينار عراقي أي ما يعادل (ثمانية - تسعة) دولارات...
هذا هو القانون الذي صدر قبل أيام قليلة، ولا تسأل كيف ولماذا صدر من بين مئات القوانين المنتظرة والتي من شأنها أن تنصف الناس وتحييهم حياة طيبة هم بأمس الحاجة إليها أكثر من قانون سيكون أكثر الظن حبراً على ورق ومن الصعب تطبيقه بكل الأحوال خصوصاً لدى قناعة الشارع بصعوبة ملاحقة وتغريم مدخني سجائر...!!

الكثير من الناس لا ينظروا للدولة في العراق (من وجهة نظري لكي لا يتحمل وزرها غيري) بأنها دولة قائمة لخدمته، فلا يوجد ما يشجعه على احترام القانون سوى خشية العقوبة –إن طٌبّقت- وليس إيماناً منه بالقانون، وحتى لو طٌبِقت العقوبة فبتمييز وليس بالتساوي...

لقد ساهمت الحروب السابقة ومن ثم الحصار الاقتصادي الجائر على الشعب دون السلطة الظالمة وكذلك قسوة الحكم السابق ومن ثم الإرهاب فيما بعد سقوط نظام ظلم صدام وكذلك الصراعات السياسية هي جميعاً وعوامل أخرى ساهمت بذلك...
لا يتصور المواطن العادي أن القوانين تسن لخدمته لأنه غير مؤمن بأن أولئك الذين واجبهم سن القوانين وغيرهم ممن واجبهم تطبيقها والالتزام بها قد جاءوا أصلاً لخدمته بل جاءوا لاستيفاء مصالحهم الشخصية والحزبية ومن ثم كتحصيل حاصل تأتي خدمة الناس...
مَن مِن القراء الكرام لم يسمع من الناس حديثاً بهذا الشأن وبفقدان الثقة بالمسؤولين والسياسيين والأحزاب بل وحتى رجال دين...؟!

لا يؤمن المواطن العادي وهم (أغلبية المواطنين) مثلاً بضرورة المحافظة على النظافة وعدم رمي النفايات في غير محلها، أو بضرورة الالتزام بخط السير، أو طابور الانتظار، ولا طالب المدرسة يحافظ على المدرسة ونظافتها لعدم وجود ما يشجع الطالب بضرورة أن هذه المدرسة بُنِيَت لخدمته فهو يتصورها مكان يدرس فيه ويخربه في نفس الوقت حيث لا يوجد لديه تأنيب ضمير بحيث يصبح فعله جريمة كبيرة بحق مؤسسة خدمية عامة...
المواطنين أنفسهم هم سبب تلك الوساخة وانتشار النفايات في الشوارع والمرفقات العامة فالناس يهتمون بالنظافة داخل بيوتهم ويرمون نفاياتهم في سلة مهملات البيت ولا يبصقون في غرفة المطبخ ولا يرمون علب فارغة في أرضية غرفة النوم ولا يكتبون على جدران غرفة الاستقبال ذكرياتهم ورسوماتهم...!!
كل شيء بمكانه ومنظم داخل البيت –على الأغلب-، ولكن ما إن يخرجوا للشارع حتى تراهم يخالفون ما هم ملتزمين به داخل بيوتهم ويخربون في كل مكان يمشون ويجلسون فيه...!!
ليتغير من نظيف إلى وسخ في غمضة عين...!!
فلا يوجد ما يشجعهم على النظافة فهو داخل بيته سيد نفسه ويحس بأن بيته ملكه وهو له ولكن لا الشارع ولا المدينة تهمه في شيء سوى السكن وتواجد الأصدقاء فيها...!!
مع ضعف دور البلدية في مشاريع النظافة والتنظيف أكيداً...

لقد ضعف الحس الوطني والضمير الغيور الذي ينظر مثلاً لمن يركن سيارته بمكان لا يصح فيه ركن السيارات بأنه عمل شنيع لأنه خالف قانون السير بل هو عند الكثيرين فعل عادي جداً في حياتنا اليومية...!!

ربما أبرز مظاهر الحس الوطني لدينا مباراة كرة قدم لمنتخبنا الوطني –إنشاء الله نتأهل لكأس العالم- أو لمطرب يغني حباً بحضارة وتراث قضى نحبه أو لمغترب يشتاق لأهله...!!
 حتى راية العلم عندنا غير محترمة بالشكل الواجب أن تُحترم، فالكثير من مؤسسات الدولة يعلوها علم عراقي متهرئ أو ممزق أو وسخ...!!
ولدى الجاليات في خارج العراق أعلاماً متنوعة، فمنها بنجوم وشعار ومنها بنجوم فقط ومنها بشعار دون نجوم، ولعل نظرة لجمهور مباراة كرة قدم لجالية عراقية في الخليج توضح ذلك...!!
وأما في إقليم كردستان فهنالك علم خاص بهم وكثيراً ما يُرفع لوحده دون علم العراق الرسمي...!!

نفس هؤلاء الناس لو سافروا لبلد أجنبي مثلاً بريطانيا، فرنسا، أو السويد لتراه ملتزماً بالنظافة العامة ولا يرمي النفايات من نافذة سيارته كما يفعل في العراق، ولو كان ماشياً فلا يرميها إلا في محلها، حتى لو لم يكن هنالك رقيب عليه...!!
أتعرفون لماذا يفعل ذلك...؟!
لأنه سيكون شاذاً وغريباً ومنتقداً من قبل الناس هناك لو فعل ذلك، فضلاَ عن تجريم القانون لها ولكنه لا يفعلها لأنه سيكون مهان و(نشاز) بينهم، ولكن عندنا يكون (نشاز) من يتقيد بتلك الأفعال الحسنة...

كيف سيكون التدخين ممنوعاً في وسط شعبي يعتبر التدخين وسيلة للهرب من الواقع المزري من وضع معيشي سيء لوضع خدمي أسوأ فوضع سياسي أسوأ وأسوأ، لتزداد أزمة فقدان الثقة بين السياسيين أنفسهم وهي عامل تفرقة وسوء تصرف في العمل السياسي على الدوام، لينجر فقدان الثقة بين مكونات المجتمع نفسه وحتى فقدان الثقة داخل كل فرد بنفسه...!!
فكيف سيثق المواطن بضرورة تلك القوانين وبمن يشرعها...؟!
كتبت كتاباً قبل فترة عنوانه (فقدان الثقة) يتناول هذا الموضوع الخطير وشواهد وأسباب ونتائج وحلول أزمة فقدان الثقة في المجتمع العراقي.

الناس عموماً تضحك لتشريع هكذا قوانين لأنها تتصور أنه ليس في صالحها في شيء يذكر حيث همهم أن تتوفر لهم خدمات عامة ومرافق خدمية وطاقة كهربائية كافية تدفئهم في الشتاء وتبردهم في الصيف وتنير شوارعهم وبيوتهم وأجهزتهم في الفصلين معاً.

الناس عموماً لا تعر أي اهتمام لعبارة (شكراً لعدم التدخين) لأن بعض موظفي المؤسسة التي تعلق فيها تلك العبارة هم من المدخنين بل منهم من يدخن وخلفه معلقةً تلك اللافتة، وكأنه يقرأها بالمقلوب (شكراً للتدخين) فهي مجرد شكليات بنظرهم، وهي فعلاً كذلك، وشكراً للتدخين فأنت في العراق...!!

أكدت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الذي صدر عام (2011) ارتفاع عدد المدخنين في العراق إلى نحو (سبعة ملايين وخمسمائة ألف مدخن)، أي حوالي ثلث السكان، مشيرة إلى أن حجم الاستهلاك السنوي وصل إلى ما يقارب (مليار علبة) من السجائر، تبلغ حصة كل فرد منها سنوياً (1200) سيجارة...!!
أي بإسقاط الأطفال من مجموع السكان فيصبح أكثر من نصف من يحق لهم الانتخاب في العراق (18 سنة فأكثر) من المدخنين...!!
أي لو شكلوا تجمعاً انتخابياً أسموه (تجمع المدخنين) لفازوا بأغلبية أصوات الناخبين ولشكلوا حكومة أغلبية نيابية وينهون بذلك أزمة العراق السياسية التي من أسبابها وجود حكومة شراكة وطنية فكل من فاز يشترك بها ولم ينتهي لليوم الصراع السياسي الدائر حولها...!!

تنتظر الناس تفعيل دور الاستثمار أكثر والرقي في مجال الخدمات أكثر وتحسين معيشة ودخل الفرد العراقي أكثر، وإشاعة روح الثقة وحب الوطن واحترام الدولة والقانون وهذا كله دور الناس والسياسيين معاً فهم الداء والدواء، وليتركوا التدخين لمدخنيه ومتى ما جعل السياسيين من أنفسهم قدوة حسنة يُقتفى أثرها فستقلع كثير من الناس عن التدخين من دون الحاجة لقانون يجرّم ذلك.

وأنا عن نفسي أقلعت عن التدخين قبل أشهر كثيرة من إقرار هذا القانون، وأنظر لقانون الحظر أنه قانون جيد ولكن في غير وقته، فالناس بحاجة لقوانين كثيرة جداً أكثر جودة وضرورة، فقانون مثل هذا أشك في تطبيقه حيث صعوبة أن تعمل الناس به، فالناس بحاجة إلى قوانين أهم بكثير جداً من هذا القانون.

92
صورة كينيث جاريك الممنوعة من النشر

حيدر محمد الوائلي

خير الكلام ما قلّ ودلّ...
وأكثر خيراً من الكلام وقليله ودلالته صورة معبرة لمصور بارع أبدع في التقاطها كما أبدع في وصفها وهو يدون من تحتها عبارة توقظ الضمير وتحيي النفوس وتصفع وجوهاً تمشي وهي منومة في سرير الحياة اليومية لا سبيل لها سوى النوم بعيون مفتوحة...
هذه الصفعة نالت مني مأخذها فصفعة الحقيقة موجعة، بل لو كانت صفعة (مادية) لا (وصفية) لأحمر لها خدي حيث الحقيقة المرة التي لا يراها الكثيرين من المنومين والنائمين حيث لا يريدون أن يروا غير ما يشتهوا أن يروا...

في يومٍ من أيام العراق الدموية...!!
وهل من يومٍ عراقٍ دون دماء...؟!
كان المصور الأمريكي (كينيث جاريك) (Kenneth Jarecke) يتجول مصطحباً كاميراته ليوثق حرباً لم يكن للشعب بها ولها ومنها لا ناقة ولا جمل حيث ورطته السياسة والظالمين بها فكان هو حطبها وحطيمها وممن إكتوى بنارها ولَسَعَه شرارها ولا زال...
في حرب الخليج الثانية، حيث حرب الخليج الأولى مع إيران في ثمان سنوات، وحرب الخليج الثانية لدى غزو نظام صدام لدولة الكويت في أشهرٍ، ليعقبها حصار ظالم ووحشي أشد ضراوة وألماً وضرراً من الحرب دام خمسة عشر سنة ضاق الشعب منها المر بينما عاش النظام وحاشيته في رغدٍ وهناء، فصمتت منظمات حقوق الأنسان والأمم المتحدة عنها يومها فكانت تلك السنوات كفيلة بتدمير الشعب معنوياً وإجتماعياً ونفسياً...
ولا زال لليوم أثار ذلك الحصار الجائر واضحاً ومؤثراً على طريقة تفكير الشعب وتصرفاته وطريقة تعامله مع الحياة والسياسة والدولة...
كما ولازالت اثار تلك الحروب على الشعب واضحة للعيان.

ومن ثم أتت حرب الخليج الثالثة وسقوط نظام ظلم صدام، ليعقبه مسلسل دموي قلّ نظيره من الإرهاب والقتل والدمار وبشاعة الجرائم التي لم تميز لا طفلاً في مهده ولا عجوزاً يتوكأ على عكازته ولا شاباً بعنفوان عطائه وحيويته وسط خذلان الناصر وخيانة الصديق ومكر الجار وكراهية أبن العم، فقضى من قضى نحبه مظلوماً مقتولاً محترقاً متفجراً متمزقاً من نار تفجيرات أبناء الجوار من عربٍ وأعاجم وبني الإسلام ورافعي شعار الله حيثما ولوا ولكن حيثما ولوا فليس ثم وجه الله...!!

كان من ورائهم سياسيات دول عظمى وأخرى مجاورة تدين لتلك العظمى بالولاء ووالسمع والطاعة، تجمعت كلها لتخريب العراق والعبث بالمنطقة بأسرها، لأجندات وغايات خبيثة وبشعة...

في حرب الخليج الثانية ألتقط (كينيث جاريك) الذي كان برفقة أحد ضباط الشؤون فصادف وجود أرتال عسكرية محترقة لسيارات الجيش العراقي العائد بقرار من نظام صدام بالأنسحاب حيث دخل بمغامرة فاشلة للكويت لم يكن أي داعي لها ليأمر بسحب الجيش العراقي سحباً مذلاً...
أرتال وجيش أُبيد عن بكرة أبيه بضربات طائرات الجيش الأمريكي التي لا ترحم، فطلب (كينيث) من الضابط الذي برفقته التوقف لدى رؤيته حافلة يجلس بأحد كراسيها جندي عراقي محترق ومتفحم ولا زال فيه رمقٍ من حياةِ...
كان الجندي مخرجاً رأسه من نافذة السيارة المحترقة وممسكاً بيديه المحترقتين طرفي النافذة المحترقة حيث نظرات الجندي المتفحم وهو مكشراً عن أسنان هي الأخرى محترقة ومباشرة صوب (كينيث) الذي لم ينتظر كثيراً ليوثق بعدسته أشهر صورة لمعركة دموية في التاريخ الحديث حيث كان الجندي العراقي المسكين متفحماً فاغراً فاه ولعله يصرخ من ألم النار التي دبت فيه...

كان محترقاً متفحماً ومكشراً عن أسنانٍ محترقة وغاضبة ومرعبة، لا يتمالك من ينظر لها إلا أن يرتعب ويشمئز من منظرها، لذلك كتب تحتها (كينيث) وصفاً لتبرير حجته بتلك الصورة وبشاعتها، فكتب يقول:
(إذا لم أصور هذا، فأناس مثل أمي سيعتقدون أن الحرب هو ما يشاهدوه على التلفاز...!!)

تم منع نشر هذه الصورة في الوكالة التي يعمل بها كينيث وهي الأسيوشيتد برس (Associated press) لبشاعتها، ولكن تم تسريبها ونشرها لاحقاً في صحيفة لندن اوبسيرفر (London Observer) في عددها الصادر في العاشر من آذار 1991، وقد أثارت جدلاً كبيراً وقتها.

كانت بالفعل صورة وحشية، ولكنها للأسف الحقيقة الوحشية والتي يشفق من وحشيتها حتى الحيوانات المتوحشة، فالحرب أبشع مما يتصوره البعض ممن يتابع الأخبار من على شاشات التلفاز، حيث تتلاعب القنوات التلفزيونية بالعقول والأفكار بألاعيبها وتوجهاتها، وخبث وتمويه وسائل الأعلام المختلفة والعبودية لمموليها، فالحرب لا يصح وصفها بأي وصف أخر غير الوحشية، مهما كانت مبرراتها...!!   

 
 
 


93
الأفكار... للكبار فقط

بقلم: حيدر محمد الوائلي

لا يرتقي الكبير إلا بالتفكير، فلا العمر ولا المنصب ولا الجاه ولا المال تصنع كبيراً حتى ولو صنعته الظروف لأجل مسمى وسرعان ما يغيب نجمه في أفق الحياة عند توقف جهازه التنفسي عن الشهيق والزفير، حيث التعاسة لحياةٍ قوامها الشهيق والزفير فلا لون فيها ولا طعم ولا رائحة إلا من طعامٍ وشرابٍ فقط...!!
الأفكار من تصنع الكبار فهي للكبار فقط...
والأفكار لا تأتي من فراغ بل هي نتاج الأنسان وصناعته وبراعته وعلمه وتدبره وفطنته وحكمته وحسن درايته فتصبح تلك الأفكار المحرك للذات حيث الأصلاح والأبداع يبدأ من الذات.
إنتبه...!! حتى لا تصير الأفكار، كالتبن في فم حمار، يمضغها يميناً ويساراً، فتدخل معدته ليلاً لتخرج أكواماً من خلفه في النهار...
فراقب أفكارك فليس كل فكرٍ يسمى فكراً وليس كل ما تهواه علناً وسراً هو نوراً وخيراً، فلعل الشر يكمن فيه وأنت لا تدري بأي طريق تمشي كضال الطريق الذي لا يزيده سرعة المشي إلا بعداً...!!
راقب أفكارك حتى لا تصبح مسيراً لا أمر لك فيها ولا نهي بتلقينٍ أعمى فتصبح كالدابة المربوطة يقودها من يركبها حيثما يجرها الحبل المربوط حول عنقها...

كن حراً لتصبح متفكراً فالحرية نورٌ والتفكير يحتاج لنور الحرية ليرى واضحاً وسط غياهب ظلمات الحياة...
كثيراً ما أكد النبي محمد (ص) بأن يكون الأنسان مؤثراً بمجتمعه ومتفكراً طالباً للعلم حتى لا يموت فينسى، فقد ورد عنه (ص) قوله: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له).

لا تحرك رأسك موافقاً ولا رافضاً حول أي شيء في كل شيء وأنت تجهله فتساق بلا وعي ودون تفكر كما (سعيد صالح) و(يونس شلبي) في مسرحية (العيال كبرت) عندما تحدث (أحمد زكي) بخطبته عن خطته لمنع هروب والده، فرفع سعيد صالح يده قائلاً: (إني أعترض) فرد أحمد زكي: (تعترض على إييه) فرد عليه: (إنت بتئول كلام كبير، كلام كبير أوي يصعب على أمثالي فهموا، الأفندي الحمار دا هو -يقصد يونس شلبي- ااعد بيهز دماغوا، إنت بتهز دماغك لييه ياد) فرد يونس شلبي: (يعم صلي كلهم بيهزوا كدة)...!!
فلكي لا تصير مثل (كلهم) الذين يهزون (كدة)، فكر وكن مختلفاً صانعاً تغييراً بحياتك ولو بسيط، فلقد قيل:
راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالاً...
راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات...
راقب عاداتك لأنها ستصبح طباعاً...
راقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك...

في تشرين الثاني (أكتوبر) 1995 طُعِن في عنقه الأديب المصري الكبير (نجيب محفوظ) الحائز على جائزة نوبل في الأدب سنة 1988 على يد شابٍ قد قرر اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل (أولاد حارتنا)، حيث لم تنشر الروايه في طبعة مصرية لسنوات عديدة بل نشرت جريدة الأهرام المصرية بعضها كسلسلة سنة 1959، فقد تم الأتفاق على عدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر الذي لم يوافق بدوره عليها، فطُبعت الرواية في لبنان عام 1962 ومنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخا مهربة منها وجدت طريقها إلى الاسواق المصرية.
لم يمت نجيب محفوظ في محاولة الأغتيال تلك، ولكنه رقد فترة طويلة في المستشفى حتى تماثل للشفاء من موت محقق، وفيما بعد أُعدم الشابان المشتركان في محاولة الاغتيال رغم تعليقه بأنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنه لم يُعدم.

أثناء محاكمة من حاول إغتيال (نجيب محفوظ) سأل القاضي الرجل الذي طعنه: لماذا طعنته...؟!
فأجاب: لأنه كافر وخارج عن الملة...!!
فسأله القاضي: كيف عرفت...؟!
فرد قائلاً: من رواية (أولاد حارتنا)...!!
فسأل القاضي بدوره: هل قرأت (أولاد حارتنا)...؟!
فأجاب المجرم: لا...!!

94
موهبة العجوز ‪Janey Cutler

حيدر محمد الوائلي

لا العمر ولا الظروف تمنع الأبداع من أن يصير نجم يسطع...
الأنسان من يصنع الوقت، فلا تقل أن الوقت لا يسمح، وهو الأنسان من يصنع الظروف فلا تتحجج بأن الظروف غير سانحة...
لا الحجج ولا التقاعس ولا الحظ يصنع الحياة بل الأصرار والعزيمة والصبر، ففقط الفاشلين من يؤمنون بالحظ...
لا تهرب خلف ستار الهزيمة والخذلان والتقاعس والجري وراء لقمة العيش فقط، ولكي لا تعيش عادياً منسياً مهملاً في قعر بئر الحياة حيث معادلتك في الحياة صفر، والصفر لا يساوي شيئاً...
لكي لا تخرج من الحياة صفر اليدين، لا يذكرك إلا بعض المقربين أيام (مجلس الفاتحة) لتنسى بعدها للأبد...
 
هذه حياتك الثمينة التي لا تعوض بشيء، والتي هي حياة واحدة وهي مدرسة تتعلم منها دروس الحياة وفي كل يومٍ إمتحان، وفي الأمتحان يُكرم المرء أو يهان...!!
ولكي لا تصير حياتك كحياة البهيمة المربوطة التي همها علفها...
ولو أطلقوا سراحها فللقمامة توجهها ومستقرها...
تتعب من كثر أكلها، فيترهل جسمها...
وتلهو عمّا يُراد بها...
ولا تنظر أكثر مما في السطل أمامها...
من تبنٍ وحشيشٍ يعطى لها...
فكل همها تحصيل أكلها...
ومن كان همه ما في بطنه، فقيمته ما يخرج منها...

لكي لا تصير ممن له عينين لا ترى أبعد من أنفه، وأذنين لا تسمع أكثر مما يهمس فيها من تلقينٍ أعمى دون فكر وتدبر...

سأتلوا عليك من خبر (Janny Cutler) أمراً، وخذ الحكمة من كل شيء في هذه الدنيا، ففي كل مكانٍ فيها درس وعبرة...
(Janny Cutler) المرأة العجوز البريطانية ذات الثمانين عاماً وهي أم لسبعة أولاد وجدة لثلاثة عشر ولداً وأم جد لأربعة أولاد والتي شاركت في برامج المواهب البريطاني الشهير (Britain's got talent) موسم 2010 فسألها الناقد الشهير (Simon) حول الفقرة التي ستقدمها فقالت إنها ستقدم أغنية (No regrets) وترجمتها (لا أسف)...
لقد إختارتها بعناية فائقة، حيث كلماتها المؤثرة تقول:
No, no regrets (لا، لا أسف )
No, We will have no regrets (لا، سوف لن نلقى أسف)
As you leave, I can say(حين مغادرتك، أستطيع القول)
Love was king, but for only a day(كان الحب ملكاً، ولكن ليومٍ واحدٍ فقط)

No, no regrets(لا، لا أسف) 
No, let there be no regrets (لا، لا تدع أن يكون هناك أسف)
Why explain? Why delay? (لماذا الشرح؟ لماذا التأخير؟)
Don't go away, simply call it a day(لا تذهب بعيداً، ببساطة هو أسمه يوم)

Pleading moments we knew (تلمس اللحظات التي عرفناها)
I will set them apart (سأضعهن على جنب)
Every word, every sign (كل كلمة، كل إشارة)
Will be burned in my heart (سأحرقها في قلبي)

But no tears will be shed(ولكن سوف لن تذرف الدموع)
There'll be no one to blame (وسوف لن يكون هنالك من يلام)
Let it always be said (دعنا نقل دائماً)
We attempted what came (جربنا ما جئنا لأجله)

Life still goes on  ( الحياة تستمر)
Yes, even though love has gone(نعم، بالرغم من أن الحب ضاع)
One last kiss (قبلة واحدة أخيرة)
Shrug and sign (لا إكتراث)
No regrets (لا أسف)
Even though it's goodbye(بالرغم من أنه الوداع)

وخلال أدائها إنفجر المسرح تصفيقاً وبكاءاً وحماساً، بل أدمعت عيني وألهمتني كتابة مقالتي هذه.
سألها الناقد (Simon) : (كم سنة انتظرت لتفعلي ذلك)؟!
فأجبت (Janny Cutler) قائلة : (أنا فقط شاكرة أنني هنا الليلة)!!
فيا له من جواب...!!
نعم فالمهم أنك هنا اللحظة وليس المهم كل ما فات، فاللي فات مات...!!

في كل يوم من حياتنا قصة ودرس وعبرة، والحكمة ضالة المؤمن، وخذ الحكمة حتى من أفواه وتصرفات المجانين، فكيف بالعاقلين.
ولنجعل من الماضي درس وعبرة وتجربة، ومن الحاضر حياة نعيشها ونحسها، ومن المستقبل أملاً منتظراً نبني بنيانه وفق تجارب الماضي وعمل الحاضر لنصنع مستقبلنا بأيدينا لا بأيد الغير، فما حك ظهرك مثل ظفرك.
ولا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ...!!

سألوا الدالاي لاما حول أكثر ما فاجأه حول الأنسانية، فأجاب:
الأنسان...!!
لأنه يضحي بصحته من أجل كسب المال، ومن ثم يضحي بماله من أجل أن يسترد عافيته...!!
ومن ثم يصبح قلقاً جداً حول مستقبله وهو لا يستمتع بحاضره، وتكون النتيجة أن لا يعيش في الحاضر ولا في المستقبل...!!
ويعيش وكأنه سوف لن يموت، ومن ثم يموت وهو لم يعش حياته حقاً...!!

95
غيّر معيشة المرء تتغير أخلاقه

حيدر محمد الوائلي

تكتسب الأخلاق كما هو معروف من المحيط الاجتماعي، فهي صنيعة المجتمع، وتختلف الأخلاق باختلاف المجتمعات.

الأخلاق مفهوم عام يتأثر بالتعصب والولاء والرغبة حيث ما تراه أخلاقاً حسنة لربما يراه من يخالفك في التعصب والولاء والرغبة (سياسية، دينية، طائفية...الخ) فيراها أخلاقاً سيئة، حتى وإن كانت في حقيقتها عند كلا الطرفين هي أخلاق حسنة.

قال شاعر: (والفضل ما شهدت به الأعداء)...!!
حيث لم يصدق الشاعر أن هنالك فضلاً أكبر مما يشهد به الأعداء، حيث تعتبر تلك الإشادة عند مجتمعاتنا فضلاً ما بعده فضل...!!
ذلك يعود لسبب كبير وخطير، وهو أنه لا يُشاع في مجتمعاتنا وجود أخلاق احترام الاختلاف، وأن الاختلاف لا يفسد في الود قضية، بل هو يفسدها في أغلب الأحيان، بالرغم من أن من المفترض أن يكون الاختلاف مهما كان نوعه أن لا يعمم على تصرفات وطريقة تفكير وإدارة عجلة الحياة.
حتى لو تظاهر البعض بعدم وجود ضرر من الأختلاف في الرأي ولكنه يؤثر نفسياً على طبيعة العلاقة القائمة.
أخلاق موجودة نظرياً ولكن لا يعمل بها إلا القليل جداً...!!
مهما كن نوع الخلاف (سياسي، قومي، طائفي) يجب أن لا يكون مدعاة لجعله آلة حرب وتدمير شاملة لذلك السبب فحسب.
بل حتى أصبحت متابعة كرة القدم وتشجيع الفرق قاتلة ودموية وحاقدة في مجتمعاتنا...!!
فما ذنب العشرات ممن سقطوا على أرض ملعب (بورسعيد) في مصر سوى أنهم في مجتمع لا يحترم الآخر ولا يعطيه المجال حتى ولو كانت لعبة كرة القدم...!!
وحتى أصبح من يشجع ريال مدريد وبرشلونة مشجعاً متعصباً حاقداً مدريدياً كان أو كتالونياً، فتراه مشجعاً متعصباً حاقداً ملكياً أشد من أهل مدريد، أو مشجعاً متعصباً حاقداً كتالونياً أشد من أهل كتالونيا...!!
حتى أني راعيت أن أذكرهما بنفس العبارات (مشجعاً متعصباً حاقداً) لكي لا يحسبوني ميّال للريال على حساب البارسا...؟! بالرغم من أني أشجع ريال مدريد...!!
 
قيل أن من أهم أسباب علاج الأمراض والمشاكل هو الاعتراف بوجودها، حتى لو بداخلك، أو التحدث بها حتى يتسنى علاجها.
نحن مجتمع عربي تسوده الكراهية والقومية والطائفية والمؤامرة وسوء النية بالرغم من أن غالبية شعوبه تتبع ديناً إسلامياً يمجد الأخلاق الحسنة ومكارمها وتمقت الكراهية والقومية والطائفية والمؤمرات وسوء النية ولكن ترمى تلك الأخلاق خلف الظهر لمجرد خلاف طائفي مثلاً...!!
ما الفائدة من هذا الدين إذاً لو كان أصحابه ورجاله يتبعون عكسه ويعملون خلافه...؟!
السبب هو أنهم لا يعترفون أنني وأمثالي يتكلمون (صح)...!!
وأنهم بنظرتهم التي يؤمنون بها هم (الصح) دائماً، والأدهى أن كل من يخالفهم أما غبي أو حاقد أو فاسق وغيرها من مسميات تسمعونها كل يوم.

أصبحت السياسة تعيش فينا وتسوقنا سوق المطايا في توجهات وصراعات لا طائل للشعب بها لتتغير سوءاً أخلاقه أكثر.

نحن مجتمع أناني يهتم بالمصلحة الفردية أولاً وأخيراً وبعد استيفاء هذه المصلحة الفردية تأتي كتحصيل حاصل المصلحة العامة حتى بأدائنا لوظائفنا الرسمية التي يتقاضى عليها الموظفين رواتباً، ولكن في محل عمله في القطاع الخاص تراه يعمل بإخلاص، على عكس عمله في القطاع الحكومي العام...!!
حتى الطبيب في المستشفى العام الحكومي لا يهتم بالمريض ولا يداريه إن راجعه للمستشفى، ولكن ما إن يراجع نفس المريض على حسابه الخاص في عيادة نفس الطبيب ولكن الخاصة إلا وترى الطبيب إنسان آخر بفكر وأسلوب آخر...!!

وحتى أن الكثيرين من الناس هم نظيفين داخل بيوتهم ويرمون النفايات في سلة المهملات ولكن ما إن يخرجوا خارج المنزل حتى تراهم يرمون نفاياتهم في أي مكان، ويعد هذا في أوربا مثلاً جريمة بالرغم من عدم وجود دين سماوي يحرمها ولكن الشعب هناك لا يفعل ذلك، بينما عندما من كبار المحرمات الدينية الأضرار بالمصلحة العامة وإن احترام وتقديس حقوق الآخرين والنظافة من الإيمان ولكن نخالف كل ما تقدم ذكره كل يوم...!!

لا نقدس الحقوق العامة كثيراً والقانون يأتي بالقوة والحزم فمن مأثورنا أن (من أمن العقوبة أساء الأدب)، وليس مثل ما حصل في ألمانيا حيث ذكر أحد الصحفيين أنه وبعد سقوط النظام النازي رأى طابور من الناس الألمان مصطفاً منتظراً كلاً بدوره حافلة الباص رغم أثار الدمار الهائلة حول الطابور فكتب الصحفي أن شعباً يفعل ذلك في مثل تلك الظروف هو شعب لا يموت، وها هي المانيا اليوم من كبريات دول العالم بفضل شعبها.
وكذلك ما حصل عقب الزلزال المدمر والكارثة النووية في اليابان في حوالي العام 2011 حيث رصدت كاميرا إحدى المدرسات تلقي درساً على طلابها في مجمع رياضي لإيواء العوائل المشردة والمنكوبة حيث عملت غرفة صف من ورق الكارتون ولم تتخذ من الكارثة حجة للتوقف عن الدراسة...!!
وتم تشكيل لجنة في اليابان مهمتها إنقاذ وصيانة صور الذكريات في البيوت المنكوبة...!!
أما عندنا فلا أهمية لكل ما تقدم بالرغم من أن الدين الأسلامي يؤكد عليها مراراً، والسبب في ذلك أما جهل أو نفاق، والسبب الثاني أكثر.

حتى أصبحت للأسف دول كبرى هي فاسدة سياسياً وترعى الظلم والفساد وتتحكم بمصير العالم وكثيراً ما شنت حروباً وقتلت ملايناً من البشر بدمٍ بارد، ولكن بالرغم من ذلك فهي أصبحت مثال يضرب بالحرية والعدالة والأخلاص بالعمل والتفاني بالعلم، والسبب فينا نحن كشعب لأننا غيبنا الحرية والعدالة والأخلاص بالعمل والتفاني بالعلم عنا، وفسحنا المجال لسياسيين فاسدين ومسيّرين ليفسدوا فيه فصار المصير بيد من لا ضمير ولا عقل له.   
 
طبعاً من يفعل تلك المثاليات عندنا أو يتحدث بها يتهمونه بأنه مثالي...!!
أصبحت المثالية عيب...!! فالواقع لا يسمح بذلك بالرغم من أن الحياة والدين قائم على المثالية وجميع المبدعين ومن نقدسهم ونحترمهم من علماء ومصلحين لولا مثاليتهم لما صاروا جديرين بالاحترام.

أين هذا من طريقة تفكيرنا...؟!
ولماذا صرنا كذلك...؟!
يعود السبب في كل ذلك لعنوان المقالة نفسها...!! 
(غيّر معيشة المرء تتغير أخلاقه)...!!
فمتى ما تغيرت وتحسنت معيشة المرء فتكون المحصلة أن تتغير أخلاقه للأحسن والعكس بالعكس.


96
العيب والألاعيب

حيدر محمد الوائلي
 
قيل: (ليس من العيب أن ينخدع المرء فيما لا يعرف، بل العيب أن يخدعك بالعيب من يعرف)
فضاع العمر بين عيبٍ وألاعيب...!!
ضاع العمر إذ تمضي أيامه قهراً، نتجرعها علقماً مراً، حين غابت الحرية دهراً، فلما جاءت نطقت كفراً، في حياة عشناها غصباً وكُرهاً...
تتوالى الأيام على عمرٍ لم نفهم من سنواته العجاف شيئاً يُذكر، فعجولٌ سمان دوماً يأكلن السنابل الخضر لتبقي اليابس منها للعجول النحاف تقتات عليه، فغالبية الشعب عجول نحاف...!!
ومن قضى على مذبح الحرية نحبه من الأحرار والنبلاء الذين نتحسر لفقدانهم كل يوم، حيث لا يوجد من يذكرنا بهم إلا قليلاً جداً...
وأمجاد تاريخ مضى لغير رجعه فيتفوه بفضائله من ليس له فضل ولا فضيلة، وممن دمر الحاضر لينصر الماضي والتاريخ، ويصغي سوادٌ عظيم من الكتل البشرية لتلك الأحاديث فتمر ضجة وضوضاء من الأذن اليمنى لليسرى.

تمضي الأيام حيث تشاء لا حيث نشاء وتدور فينا ولم نعرف ما هو دورنا في دورانها فكل شيء (خبصة)...
وهالعمر هذا طويل...وهسة تونة ابدينة نصة...
كلشي هوسة، كلشي خبصة...وهذا عمر الراح نصة...

قضى جمعٌ نحبه مقتولاً وقضى أخر متغرباً عن أهله في بلاد الغربة، وقضى غيرهم يومه غريبٌ في وطنه حيث الفقر في الوطن غربة، وقضوا جميعاً ممن لم يكن لهم بعيوب الساذجين والمغفلين ولا ألاعيب الماكرين والانتهازيين لا ناقة ولا جمل...

يصبح العيب ألعوبة بيد من لا يخاف الله ولا يستحي لا منه ولا من الناس فله من الحمقى الكثيرين الذين يدعون الاستقلالية وهم يتقاتلون دفاعاً عن المسمى المعدود عيباً ليتلاعب بالكلام ليصبح العيب ذا مبرراً وذو مجدٍ عظيم...

كلهم في الهوا سوا...!!
فلماذا يتقاتل البعض في الدفاع عن هذا وذاك ويزعل البعض في الدفاع المستميت عن حزب فلان وتوجه فلان وموقف فلان، حيث ينام رغداً صاحب الألاعيب وينام منزعجاً وضجراً من هو ملعوبٌ به من مغفلين وساذجين...
ينام رغداً في ركب الرابحين سحتاً من عوائد التغيير والحرية التي درت على بعض الجيوب أرباحاً حطمت أرقام غينس من أموال دخلت الجيوب فلم تستر العيوب ولو أنفقوها على تنظيم الألاعيب...
لم تستر لا أموال السحت والتبذير وهدر قوت الشعب وثرواته العيوب الكثيرة حيث كلهم عيوب، ولم تغطي العار أصوات المغفلين النائمين بحرّ الظهيرة تحت لهيب سقف المنازل المتهرئة والتي أتعبتها السنين فيتنعم على إثرها من فاز بصوت المغفلين ممن نام بالبيوت الفارهة على نسمات (التبريد المركزي)، وينام بحسرة التبريد الشعب كله.

هذا نائب في البرلمان القبرصي يستبدل سيارته الرسمية بحمار كوسيلة للنقل عقب إعلان الدولة رفع أجور البنزين على المواطنين تضامناً من النائب مع مواطنيه وتعبيراً عن مصداقيته في تمثيلهم...!!
ونحن الأهداف المستمرة لأعمال العنف، والغلاء المتصاعد الذي لا يتناسب مع القدرات الشرائية المحدودة للمواطنين، وقلة الخدمات وأزمة السكن وسوء توزيع الثروات، ولا توجد حرقة قلب، كحرقة قلب النائب القبرصي...!!

وبين من يتكلم بعدالة علي من الشيعة وكذا بمن يتكلم بعدالة عمر من السنة ومن يومها ضاعت العدالة وزاد الغبن وسوء الخدمات والفساد كلما تمنطق سياسيينا بعدالة تاريخ قضى نحبه على أيديهم.
ولا يزال المواطن المغفل يتكلم بروعة من تكلم بعدالة علي وعمر...؟!
لا بل يذكي تلك المشاكل دور العار من الجوار كلٍ حسب طائفته وهواه ومشتهاه بتدخل طائفي بغيض، وبحجة الدفاع عن الشعب العراقي الذي دمروه وهيبته ومكوناته الأجتماعية، والشعب العراقي يعير أهمية للأختلاف الطائفي بقدر إعارته أهمية لمن يشجع الريال والبرشة...!!

عيب الساذج هو أنه سهل الأنقياد وسهل الأنخداع وسهل الأقناع، حيث ألاعيب الماكرين أنهم يعرفون كيف يصيدون فرائس البشر وغنائم غباء المواطنين والذين لاحقاً سيصبحون ناخبين.

هذا الرئيس (لولا دي سيلفا) الذي بدأ حياته ماسح احذيه إلى انه أسهم لاحقاً في جعل بلاده البرازيل ضمن أقوى الاقتصادات والقوى الإقليمية المحورية في أميركا الجنوبية، اضطرت عائلته أن تسكن في منطقة فقيرة في المدينة، في غرفة صغيرة خلف ناد ليلي تنبعث منه موسيقى صاخبة، وشتائم سكارى، ولكن أسهمت أمه بشكل كبير في تربيته وتكوين شخصيته، ولذلك يعترف قائلا: (لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس وكيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون).
بدأ دراسته في سن مبكرة، غير أنه توقف عن التحصيل الدراسي في مستوى الخامسة من التعليم الأساسي، بسبب المعاناة الشديدة والفقر الذي أحاط بأسرته، الأمر الذي اضطره إلى العمل: كماسح للأحذية لفترة ليست بالقصيرة بضواحي ساو باولو، وبعدها صبيا بمحطة بنزين، ثم خراطا، وميكانيكي سيارات، وبائع خضار، لينتهي به هذا الحال كمتخصص في التعدين، بعد التحاقه بمعمل (فيس ماترا) وحصوله على دورة لمدة ثلاث سنوات، وفي سن الـ19 خسر (لولا دي سيلفا) أصبعه الصغير في يده اليسرى في حادث أثناء العمل في مصنع قطع غيار للسيارات.
للرئيس (لولا دي سيلفا) صورة شهيرة وهو يبكي فيها عند إنتهاء دورته الرئاسية الدستورية، فهل تعلمون لماذا كان يبكي في ذلك اليوم...؟!
كان يبكي لأن مدته الرئاسية إنتهت, والشعب يطالبه بتعديل الدستور والبقاء في الحكم لدورة أخرى...!!
ولكنه رفض...!!
ولكن بعض سياسيينا يذهب لدول الجوار لإسقاط خصوم سياسيين حتى ولو أحرق الوطن وأهله، وأهان كرامة وهيبة الدولة عند من لا كرامة له...!!
متى يتعلم الناس من قصص الحياة درساً حيث كل دقيقة قصة وعبرة ومتى يفهم مغفلينا وماكرينا حب الأرض والوطن والشعب، مثل لولا دي سيلفا...؟!

إلى كل أحلامنا المتأخرة، والتي أخرها وغيّر بعضها الساذجين والماكرين وأماتوها لاحقاً ممن أحرقوا النبات قبل أن يأتي ثمره والحصاد...
سيأتي يوم أفضل من يومنا هذا وسيصبح لنا ماضي أفضل من ماضينا المعاصر المملوء دماً وجرحاً وفساداً على طول الخريطة...
وسيأتي يوم نعيش فيه الراحة والطمأنينة حيث لا يكون مصيرنا بيد الساذجين والمغفلين ولا الماكرين، فالله خير الماكرين...
فالله لا ينسى، وهو لا يضيع أجر المحسنين...
ولا ينسى الله صبر الصابرين العاقلين من رحمته ورعايته حيث محال أن يتساوى الذين يصبرون من الذين يعقلون والذين لا يصبرون ولا يعقلون...
وأغبى الأغبياء من يعثر بحجرٍ مرتين، وأغبى منهم من يقع بنفس الحفرة مرتين، فحتى لا تسقط للمرة الثالثة على التوالي في نفس الحفرة ولكيلا تدفن فيها حياً...
فكر من جديد بشيء جديد...

97
المنبر السياسي / ظلم وفقر وجهل
« في: 17:53 21/02/2012  »
ظلم وفقر وجهل

حيدر محمد الوائلي

قيل أن مشاكل المجتمع تتلخص في ثلاث: (ظلم وفقر وجهل)

والظالم يصنعه الناس ليجعلهم فقراء بظلمهم وعدم إنصافهم، وفقرهم وغياب العدالة عنهم سيشغلهم ويجعل منهم جهلة، والناس أعداءاً ما جهلوا.

ليس الظالم هو الحاكم فحسب وإنما الحاكم هو أحد فروعه، فالظالم في البيت والشارع ومحل العمل وحتى من هو ظالم نفسه.

لا أعرف لماذا ارتبطت هذه المشاكل الثلاث في مجتمعاتنا على الدوام، فجاهل يتحكم وظالم يبطش وفقير مبتلى بداء الفقر في بلد غني.


لم يكن الظالم في الحكم وفي السلطة ظالماً لولا التملق له ومدحه على الدوام والسكوت عن صغائر أخطائه ليموت المادحين والمتملقين والساكتين عنه بفداحة أخطاءه اللاحقة التي أكلت الأخضر واليابس بعد أو وقع الفأس في الرأس.
فأساً يأبى إلا أن يبقى في الرؤوس ليحنيها ويبقيها في التراب على الدوام ولو بمسميات القانون والسيادة والسلطة والقوة والهيبة والرواتب والبنايات.
كما هو معروف أن في بعض الدول أموال ورواتب وخيرات وبنايات ولكن تتحكم بتلك البلدان عصابة من (آل فلان) (وحزب فلان) (وتيار فلان) (وطائفة فلان) حيث تسوق الشعب سوق الأغنام حيثما يريدون يرمون بهم وتؤدي بالبلاد حيثما اشتهوا ورغبوا، ولا يحق للشعب إلا أن يأكل ويغلق فمه فحسب، هذا لو أكل طعامه أصلاً...!!
ولا خير في لقمة طعام بذلة...!!
خانعين وخاضعين للدول الكبرى تسيّرهم حيثما تريد، فهم عبيداً لها وأسياداً على شعوبهم...!!
هم يتملقون للدول الكبرى، والسياسيين يتملقون لهم، والشعب يتملق للسياسيين ولهم، في سلسلة ذل وهوان لا تنتهي...!!
لا يوجد من يتملق للشعب لينال رضاه أبداً...!!


أليس يجب علينا اليوم أن نؤسس لمبادئ ومثل أخلاقية هي من صميم الواقع الاجتماعي عندنا...؟!
فالكرامة والعدالة والأنصاف وقول الحق والوعي أليست مجتمعاتنا تقول أنها تتفاخر بذلك وتؤمن به...؟!
وهو أيضاً من ثوابت الدين الإسلامي الذي يدين به أكثرنا وأن نكف عن التملق وكثرة المديح ونهتف بالحقيقة  لكي لا يصير التملق لدى البعض سياسة...!!

قول الحق كما هو وليس أن تبدي عيوب جهة سياسية وطائفية وتخفي ما يميل قلبك له من عيوب جهة سياسية وطائفية أخرى لتغطيها وتحوّل الرذائل لفضائل بتبريرات سوف تنقلب عليك لاحقاً فتصبح ظالماً لنفسك.
وبداية النفاق تبريراً أحمق...!!

الظلم مراتب عديدة تبدأ بظلم الإنسان لنفسه حيث لا يفكر ولا يعي ولا يتنور،  وتنتهي بظالم متجبر وقاسي...!!
وبين هذا وذاك مظالم كثيرة بأسم الدين والقانون والوطنية والطائفة والأموال.


بالنسبة للفقر فهو داء أكثر بلاء...
يقول قاتل الأبطال، في ساحات النضال، من لذكر إسمه كانت تخفي الرؤوس الرجال، علي بن أبي طالب (ع) حيث قال: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)...!!
يجب قتله لفعله المأساوي وفداحته في تغيير سلوك وفكر وتصرفات الشعوب، ولكنه لم يكن يوماً رجلاً حيث أسقط رجالاً ورجال بسجنه الناري وغياهب لظاه.

قال أحد الحكماء: (الفقر رأس كل بلاء)...!!

إن تعريف الفقر في الدين الإسلامي ربطه بعض الفقهاء بالقصور عن إمكانية تغطية الكفاية من الحاجات الأصلية للمكلف و من يُعيله من أفراد أسرته.

وتعريف الفقر إنسانياً -دولياً- هو عدم القدرة على الحصول على الخدمات الأساسية.

وقد عرّف البنك الدولي الدول منخفضة الدخل بالفقيرة وهي تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن (600 دولار)...!!

وبهذا يصبح أكثر شعوبنا فقراء...!!

تصوروا أن هناك حوالي (45%) من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل...؟!
أي أن هناك فقراء في بلاد الأغنياء، وأن (30 مليون) فرد يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايات المتحدة الأمريكية أي (15% من السكـان) وفي العراق حوالي (30%) من السكان يعيش تحت خط الفقر بلغ عددهم (7 ملايين) إنسان وفقاً لإحصائية في حوالي العام 2009 قامت بها جهات مختصة بذلك.
هذه دول تعلن هكذا إحصائيات فغيرها يخفيها ويحسبها من أسرار الدولة...!!

طبعاً مع اختلاف مقاييس الفقر، فالفقير في (اليمن) مثلاً لا يُقاس بالمقاييس نفسها التي يقاس بها الفقير في (السويد).
حيث فقيرنا بالكاد يأكل ويشرب ويسكن ويترفه ولا يوجد عنده من خيرات بلاده إلا النزر اليسير جداً، بينما في تلك البلدان يمتلك الفقير الكثير مما يمتلك متوسطي الدخل عندنا بل أكثر ولكنه فقير في مقاييس أخرى.

أرجع البعض السبب الرئيسي للفقر لسوء توزيع الثروة والدخول، ولسوء التنظيم، وكذلك للاتكال على الغير والتقاعس عن العمل بالنسبة للأفراد، وكذلك عدم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.


ومن ثم يأتي الجهل بنوعيه البسيط والمركب، فالجاهل البسيط هو غير المثقف وقليل الدراية وقليل الدراسة والتحصيل العلمي، بينما الجاهل المركب هو الدارس وحملة الشهادات والشهادات العليا ولكنه جاهل بمقاييس الفكر والحنكة والدراية.
فكم من دارس مغفل وساذج وغبي...!!
وكم من غير دارس نبيه وذكي وفاهم...!!
 والعلم نور والجهل ظلام...

يكمن العلاج من تلك المشكلات في زوال السبب للداء والبلاء فمشاكل المجتمع تتلخص في ثلاث: (1- ظلم، 2- فقر، 3- جهل) وعلاجها بعكسها.
عكس الظلم (العدل والأنصاف) وعكس الفقر (الغنى والرفاهية بكرامة) وعكس الجهل (العلم والفكر).

98
الدين بين قلة العطاء وكثرة الأزياء

حيدر محمد الوائلي

(إن انتشار "الكفر" في العالم يحمل نصف أوزاره "متدينون" بغّضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم)... الأمام محمد الغزالي (رحمه الله).

هل الدين يحكمه ويتحكم فيه رجل الدين؟!
وهل رجل الدين هو ذلك الرجل الذي يرتدي زي ديني (عمامة-قوفية-عباءة-وشاح...الخ)؟!
وهل الزي الديني أصبح الأساس في تمييز رجل الدين عن غيره في المجتمع؟!
وهل المجتمع أوكل أمره وفكره وصبّ كل تقديره وإحترامه لرجل دين ذو هيئة دينية دون النظر إلى إنجازاته الفكرية والأصلاحية ودوره في المجتمع؟!
وهل أن رجل الدين "مقدس" لزيه الديني أم لعاطاءه الفكري والأصلاحي المؤثر في الناس؟!
وهل أن الدين هو فقه الحلال والحرام فقط، أم أن الدين شامل لمفاهيم وعلوم مختلفة؟!

كانت تلك أسئلة ينبغي التأمل بها وفهمها والجواب عليها...

لم يكن الزي الديني في التاريخ الأسلامي حاكماً في شيء، حيث كانت العمامة والقوفية هي الزي السائد في أوساط الناس في زمن النبي محمد (ص) وفي الأزمنة التي تلته، ولم يكن حتى النبي محمد (ص) وهو أشرف الأنبياء والمرسلين وسيدهم وخاتمهم مميز عن غيره من حيث اللبس والهيئة في شيء، حتى دخل على مجلسه أحدهم فأصابته الحيرة لعدم وجود ما يميز النبي (ص) عن غيره من الجالسين ولا يوجد ما يميز الجالسين عن بعضهم، فقال مستغرباً (أيكم محمد)؟!

لم يكن الزي الديني والهيئة الدينية عاصماً في يوم من الأيام لأحد أن يكون من أفسد الناس وأظلمهم وأقساهم في دين حرّم الفساد والظلم والقسوة، ولذلك ينبغي أن لا يكون نظر المجتمع إلى زي رجل الدين بل لعطاءه الفكري والأصلاحي، وليس كل من إرتدى لباساً ذا طابعاً دينياً يكون موضع ثقة ورأيه صائب على الدوام وكلامه صحيح في كل الأحوال.
وأما من كان من رجال الدين مشهوراً ومعروفاً بسمعته الحسنه وأثره في المجتمع، فهو كما يُقال بأن سمعته سبقته، ولابد أن تكون هذه السمعة قد جاءت من حكمته وفكره وعلمه وأثره في المجتمع.

هنالك الكثير من الناس المفكرين والمبدعين والمصلحين في الدين والمجتمع ولكنهم لا يرتدون زي ديني، والسؤال هنا: (هل أن المجتمع جعل منهم موضع ثقة وتقديس وتبجيل لفكرهم وأخلاقهم وعلمهم على الأقل كما وضعوا رجل الدين موضع ثقة وتقديس وتبجيل لزيه الديني وهيئته الدينية فقط؟!).
أكيداً لا...!!
فمن الناس من يشكك ويطعن برأي شخص ذو فكر ومعرفة ونظر لمجرد أنه شخص عادي (كجوال) لا يرتدي ملابس دينية بالرغم من حكمة رأيه وصوابه...!!
ونفس هؤلاء الناس يباركون ويقدسون ويهللون لرأي رجل دين ذو هيئة دينية رغم أن رأيه كان عادياً جداً ومكرراً جداً جداً ولا حكمة فيه أًصلاً، بل وينشرونه ويطبعونه ويوزعونه بين الناس...!!

(الحكمة ضالة المؤمن) كما قيل و(رأس الحكمة مخافة الله) وليس الدين بأزياء ولا هو بعرض أزياء، بل هو حكمة وفكر وتدبر وأخلاق وعطاء...
وكما لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، فلا فرق بين رجل الدين عن غيره إلا بالحكمة والفكر والتدبر والأخلاق والعطاء...

سافر إمام الأزهر الشريف الشيخ (محمد عبدة) الى أوربا ورأى الحياة هنالك وعاد لبلد الأسلام قائلاً مقولته الشهيرة قبل عشرات السنين: (ذهبت لأوربا فوجدت إسلام ولم أجد مسلمين، ورجعت إلى بلدي فوجدت مسلمين ولم أجد إسلام)!!
رحم الله الشيخ محمد عبدة الذي توفاه الله قبل عشرات السنين، وأقول له: (يا سماحة الشيخ قد زدنا على سوء الماضي سوءاً أكثر، بل أسوأ بكثير...!! وتحسن حال أوربا عمّا رأيته حُسناً كثيراً بل أحسن بكثير...!!)
كان قصد الشيخ محمد عبدة حقوق الأنسان وإحترام الغير بين الناس، وإحترام العلم والأبداع وتطورهم الفكري والحضاري وحفظهم للحقوق العامة والنظافة والحرية والأمان وليس القصد كيفية ملابسهم أو ماذا يأكلون ويشربون؟!
وليس القصد بعض تصرفات سياسييهم؟!
حتى لا يسئ الظن (البعض)، لأن (بعض) الظن إثم كما قال الرسول الأكرم محمد (ص).

كان المعنى السائد من (التسليم) في زمن الرسول محمد (ص) هو التسليم (لله)، ولكن تحول معنى التسليم فيما بعد وفاة الرسول محمد (ص) الى التسليم (للخليفة)...!! حتى لو كان فاسداً.. ظالماً.. مزوراً.. ضعيفاً.. مغفلاً.. شهوانياً...!!
وكلهم كانوا ذوي هيئة دينية ويصلون ويصومون ويحجون بيت الله أكثر بكثير جداً مما يفعل المتدينون في يومنا الحاضر...
واليوم كذلك حيث أصبح التسليم من (لله) إلى التسليم لعلماء وطوائف وسياسات...
 
كانوا فيما مضى كثيراً ما يستخدمون مسميات ذات دلالات دينية رغم مفاسدهم تلك، فخليفة الله وخليفة رسوله وأمير المؤمنين وعالم دين وفقيه وكثرة في المساجد وغيرها التي لم تكن عاصماً من مفاسد كثيرة جداً لحقت بالناس من أفعال بعض رجال دين الإسلام.
التاريح يحدثنا عن مفاسد وسيل دماء لمجرد خلاف على كرسي الخلافة ولمجرد خلاف فكري، ولم يكن الأمام علي وأبنيه الحسن والحسين بمعصم من ذلك رغم مكانتهم السامية في الأسلام من أن يتم قتلهم من قبل أناس كانوا يقومون الليل ويصومون النهار ويتلون كتاب الله بكرة وعشياًـ ليبقوا في كرسي الحكم ويعبثوا بالسلطة الدينية كيفما شائوا...!!

هذا الأسلام المزيف الذي كانوا به يحكمون الناس ويتحكمون، والذي هو أكيداً ليس إسلام الله الذي نزل من عند الله على رسوله محمد (ص) لتخليص الناس من تلك المفاسد، ولا يقاس دين الله بتصرفات من إدعوا الأسلام وخالفوه، بل يقاس دين الله بتعاليمه الصحيحة والمقدسة.

لقد غيروا معالم الأسلام وقواعده بما يتماشى مع شهواتهم وبقاء سلطانهم، كما غيروا معنى التسليم من تسليم لله الى التسليم لخليفة الله، ومن ثم لمسميات عالم دين ومفتي وللطائفة والتوجه السياسي.
ويا لله من خليفة هو يكون في صدارة من يهدر ويبذر ويفسد ويحطم مبادئ وأركان التسليم لله.
كان أغلب من امن برسول الله محمد (ص) في بادئ الأمر من المحرومين والمستضعفين ومن ضحايا الأرستقراطية والأسترقاق والتعصب القبلي، وكان كبراء العرب مستهزئين بالنبي محمد (ص) ويؤذوه، ولا أعرف كيف يحكم الأسلام ويسمونه خليفة الأسلام من (قصره) فاق نظيره ما لأباطرة أوربا وملوكها...!! وثروته لا حد لها...!!
أحد الصحابة ممن امن بالنبي محمد (ص) وكان لا يملك شيئاً ولكن بعد وفاة الرسول (ص) قد عاصر هذا الصحابي الخلفاء الأربعة وحارب ضد الأمام علي بن ابي طالب بمعركة الجمل، ولما قُتِل تبين أن له (1000) عبد يعملون تحت سلطته وهو يدفع أجورهم يومياً...!!
تخيلوا حجم ثروته...!! وكيف جمع تلك الثروة...!!

إن أول من بنى قصراً في الأسلام هو معاوية بن أبي سفيان، وقد إهتم ببنائه غاية الأهتمام وإستخدم معماريين من الروم وإيران وكان يشرف عليه شخصياً ويحضر هنالك يومياً ويطيل النظر إليه تلذذاً، وكان الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري (رض) يحضر عنده كل يوم –وكان أبو ذر يوماها منفياً من الحجاز الى الشام لكثرة إعتراضاته على فساد الخلافة الأسلامية وولاة المدن وقتذاك-، لقد كان أبو ذر يصرخ بمعاوية الواقف قرب قصره قائلاً:
(إن كان هذا من مالك فقد سرقت، وإن كان من مال الناس فقد خنت).
لم يكترث معاوية ولم يعر أدنى إهتمام لأحد أقدم الصحابة وأكرمهم عند رسول الله (ص) ولا لنصائحه، وأكمل معاوية بناء القصر وسماه القصر الأخضر نسبة الى لونه، فلم يدم له ولم يطل حكمه فيه...!!   
وكم من معاوية اليوم (وما أكثرهم) من حكام ومسؤولين وأحزاب ورجال دين ذوي هيئة دينية وكم (أبو ذر) يصرخ بهم ناصحاً ويعطونه (الأذن الطرشة).

وها هو أحد أمراء المؤمنين وخليفة المسلمين كان قد أهدى لزوجته (نائلة) قلادة تفاخرت هي بها بأن قيمة تلك القلادة تعادل ثلث خراج أفريقيا...!!
هذا ما يحدثنا به التاريخ وكتب الحديث وهي موجودة في كتب معتبرة، والعلم نور والجهل ظلام.
لكي لا يعثر البعض بالحجر مرتين، فأغبى الأغبياء من يعثر بحجرٍ مرتين، ولمن تعثر مرتين سابقتين فهو درس كي لا يكون أغبى الأغبياء بأمتياز...!!

وضّح الرسول محمد (ص) قول الله عملياً والسنة مكملة للقران بقوله (ص): (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم) و(اطلب العلم من المهد إلى اللحد) و(طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) و(اطلب العلم ولو في الصين) حيث كانت الصين من أبعد الأماكن المقصودة يومها...!!
العلم عامة ولا أعرف لماذا يربط بعض رجال الدين العلم بهم وأن هذه العلوم تختص بما يدرسون هم من فقه وغيره فحسب.

تنظر الناس لرجل الدين بمنظار القدوة والشخص موضع الثقة، فأذا إرتكب هذا القدوة أفعال مشينة أو تخاذل وخالف أخلاق الدين فسيكون قدوة سيئة يستشهد بها البعض للهروب من الدين.

99
المنبر السياسي / شعارات
« في: 10:56 04/02/2012  »
شعارات

حيدر محمد الوائلي

من (الشرطة في خدمة الشعب) إلى (الشرطة والشعب في خدمة القانون) تحول الشعار، بين ليلة ونهار.
القانون هو تنظيم وقواعد لتحقيق خدمة للناس، والناس من تصنع القانون، فالقانون جماد يقدم خدمة لكائن حي (الإنسان)، وهو مجرد تنظيم وليس رباً يُعبد، فالقانون وسيلة وليس غاية.
وفي التشريع الإسلامي لا يوجد من يعبد تشريعات الإسلام وإلا تعد عبادته خاوية وفارغة (وما أكثرها)، بل أن يعبد رب هذه التشريعات والهم من وراء القصد في التشريع، والهه شرعها لتنظيم حياة الناس وخدمة لهم ولتهذيب سلوكهم وتقويمه ولحسن التصرف والطاعة.

في أحد الأيام وأنا مار قرب مركز للشرطة قديم ومتهرئ ومتسخ وعارضة حمايته غير نظامية وشرطة الحماية (المساكين) مشغولين بوسيلة تقيهم دائماً من حر الصيف وبرد الشتاء فهم بشر أولاً وأخيراً، ومن ثم يريدونه ان يكون يقظاً منتبهاً لأي وضع مريب...!!
في أحد تلك الأيام وأنا بقرب مركز الشرطة هذا الذي تتوسط مدخله عبارة مخطوطة ومعلقة ومكتوب عليها: (الشعب والشرطة في خدمة القانون)...!!
لقد أزالوا عبارة: (الشرطة في خدمة الشعب)، وللأبد...!!
ربما أكتفى الشعب من خدمة الشرطة إليه لكي يكون ممتناً وفرحاً بأن يكون هو والشرطة في خدمة القانون...؟!
ولكي يتحول التطور والازدهار بسبب ذلك الى أن يخدم (الشرطة والشعب) (القانون)...!!

من المفترض أن يتم تشريع القانون لحماية ولخدمة الشعب وكلمة (الشعب) شاملة للشرطة والجيش وكل الناس.
فمن يخدم من؟!
القانون يُحترم لأنه يؤدي خدمة للناس، وليس (الناس) يتم إحترامها لأنها تؤدي خدمة (للقانون)، ولو خالف القانون فرداً، فهل يصبح مبرراً ولزاماً تطبيق القواعد الصارمة على الناس ومنها المهين والممل والمذل والغير مبرر لمجرد أن فرداً خالف القانون، فلماذا لا يُعاقب المسيء ليكون عبرة لغيره من دون أن يفرض القانون فرضاً بالقوة على الآخرين.
ومن أمن العقوبة أساء الأدب.

لا خير في قانون لا يحمي شعبه ولا يصرخ بحقوقهم ويدافع عنهم، ولا يكون فيه الناس سواء.
ولا خير في قانون لم يحفظه من هم واجبهم تشريعه وصيانته وحفظه وتقديسه والأجتهاد في تشريع أحسن ما يكون لخدمة الشعب.
ولا خير في قانون يعاقب الموظف البسيط على أي غياب يقوم به ويقطع راتبه ووفقاً للضوابط وللقانون...!! ولكن هذا القانون أصابه العمى لغياب كبار المسؤولين وسفراتهم والعشرات العشرات من غيابات أعضاء البرلمان ومجالس المحافظات ويومياً وبإستمرار وبالرغم من ذلك تدفع لهم الدولة (وبالقانون) ثمن غياباتهم رواتباً خيالية وبكل إحترام...!!

قانون يعاقب من يخالف خط السير والمرور ومن لا يلتزم بقواعد المرور، ولكن ولدى مرور مواكب حمايات المسؤولين وصفارات سياراتهم تصدح وسرعتهم الأستفزازية في تخطي السيارات، فيغض النظر عن كل ذلك...!!

والنزاهة تعاقب وتصفح تبعاً لكبر المنصب وحجم الشخصية وصغرها وكبرها فالصغير في نار النزاهة والكبير في جنتها...
وأكثر الظن أن تم نسيان فساد الوزراء والمسؤولين السابقين أيام حكومة الدكتور أياد علاوي والتي فاقت فساد وزراء ومسؤولين الحكومة الحالية، ليصبح الفاسدين بالأمس رافعي شعار النزاهة اليوم...!!
صفقات بمليارات الدولارات لوزارة الكهرباء أيام حكومة د. أياد علاوي ووزيرها (أيهم السامرائي) ووزير دفاعه (حازم الشعلان) تم نسيانها لينشغلوا بفساد وزارة التجارة السابق (عبد الكريم السوداني) في الحكومة السابقة لرئيس الوزراء نوري المالكي حالية وفساد وزارة الكهرباء (رعد شلال) في الحكومة الحالية برئاسة السيد نوري المالكي للمرة الثانية وبصفقة خيالية (مليار وسبعمائة مليون دولار تعقد مع شركة وهمية)...!!
وسوف يتم نسيان حتى هذه قريباً فهم يشغلون الشعب بمشاكلهم وصراعاتهم السياسية والفاسدين هم الرابحين...!!   
أهذا هو القانون الذي (الشعب والشرطة) في خدمته...؟!

وماذا عن الفساد لتحصيل التعيينات...؟!
أسألوا الناس في الشوارع وأعملوا استفتاء عشوائي، وسلوهم: كم منهم دفع (رشوة، إكرامية، هدية، واسطة) لتحصيل تعيين أو لتسهيل سير معاملة أو خدمة في الشرطة والجيش والتربية والقضاء ودوائر البلدية وغيرها...
فقط إعملوا إستفتاءاً...
وستجدون النتيجة واضحة لذي عينين بوجود فساد في مؤسسات هي عماد القانون...

جاء مستثمر لمدينتي وهو من أصل من مدينتي ولكنه مجنس كويتي وأراد أن يخدم المدينة بأن يبني لها محطة كهربائية إستثمارية، فلم توافق وزارة الكهرباء ووزيرها (كريم وحيد) الذي هو من نفس مدينتي بحجة عدم وجود منافس معه...!!
القانون بصير...!!
ولكن لتوقيع عقد بملايين الدولارات لتجهيز محطة كهربائية من قبل نفس الوزير (كريم وحيد) فتم التوقيع على تجهيز قطع المحطة ولم يوقع الوزير بأن يلزمهم بنصبها...!!
ليتم تخزين القطع في المخازن منذ سنوات ولليوم ويبحثون الان عن شركة جديدة يتعاقدون معها لنصب قطع المحطة تلك، حيث يتمتع السيد الوزير بعوائد عمله الوزاري السابق في خارج العراق مع العائلة الكريمة وراتبه التقاعدي كريم أيضاً...!!
القانون أعمى...!!

وأما إنشاء الشوارع والأنفاق والجسور للقضاء على أزمة الأزدحام، ولبناء المجمعات السكنية العملاقة للقضاء على أزمة السكن والبيوت التي يسكنها الأب وأولاده الأربعة المتزوجين بنفس البيت ومساحته (200) متر يزيد وينقص، فلا يوجد...!!
صرّح وزير الأسكان العراقي الحالي (محمد الدراجي) بأن حاجة العراق هي (2 مليون وحدة سكنية)...!!
وتصوروا أن كل المجمعات السكنية التي تم تشييدها في العراق وفي غضون ثمان سنوات أعقبت سقوط نظام الظلم السابق هي لا تتجاوز العشرة الاف وحدة سكنية فقط...!!
 
في روسيا وفي موسكو تحديداً تم بناء حوالي (10) مليون وحدة سكنية في سنة واحدة فقط...!!
وكما روسيا غنية بخيراتها فنحن أغنياء بخيراتنا ولكن تختلف القيادة وطريقة التعامل مع تلك الخيرات...!!
 
خيرات لم تأتي بالخير بل بالنقمة، بل جاءت بصراعات لا ناقة للشعب فيها ولا جمل...!!
ونار العراق التي صار وقودها الناس وعوائد النفط، فكلما زاد سعر برميل النفط وكلما زادت صادرات النفط زاد الأنقطاع في التيار الكهربائي، وتراجعت الخدمات، وقلت الحصة التموينية، وقلت حصة التعيينات!!
 
(كم بأسمك يا قانون تقترف الآثام)...!!
فهذا درس لنا جميعاً لإعادة النظر في (بعض) من انتخبناهم ولنراجع فكرنا فالتفكير عبادة بل أرقى عبادة...
فكل من نندد به ونتظاهر عليه ونشهر به ونطعن فيه (اليوم) قد انتخبناهم (بالأمس) في انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات مجلس النواب بنسبة إنتخابات وصل نسبة المشاركة فيها للـ(63%).
تم إنتخابهم أما عن إستعجال أو وعود كاذبة أو توجه ديني فئوي لجهة معينة بغض النظر عن مرشحيها أو عن جهل، فهذا ما جنيتموه على أنفسكم بانتخابكم إياهم، ففكروا بذلك وأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين...
ولمن تعثر مرتين سابقتين فهي عضة ودرس لكي لا يعثر مرة ثالثة فيكون أغبى الأغبياء بأمتياز...!!
وأرجو تغيير الشعار أعلاه ليصبح (الشرطة والقانون في خدمة الشعب) فنحن شعب نعشق الشعارات، ونكره التطبيق...!!

100
مظفر النواب والثورات العربية (الخاتمة في الخليج 7/7) 

حيدر محمد الوائلي

((الحلقة السابعة والأخيرة))
ويكمل النواب ثورته الشعرية ويلهب جمرها ويصرخ بالشعوب العربية جميعاً كي تنتفض إنتفاضة الواعين لا إنتفاضة المغفلين، إنتفاضة من ينتفض ليكمل المسيرة ويحصد عطاءها حرية وكرامة وعدالة، لا أن يثور الأبطال ليحكم الجبناء، ولا أن يثور الواعين ليحكم المغفلين، ولا أن يثور الأحرار ليحكم العبيد.
إنتفاضة ضد فساد الحكام وظلمهم وتحكمهم بثروات ومصير البلاد والعباد وكرامة الدين والوطن، كل ذلك مما يحسبه الحاكم ملكاً يتصرف به وفق مزاجه ومشتهياته شاء الشعب أم أبى، وليس الأمر بطعام وبنايات ورواتب بل بكرامة وحرية وعدالة.

لا ينسى مظفر النواب بلاد نجد والحجاز والتي غير حاكميها إسمها الحضاري والتاريخي لأسم حاكم حكمها بالعمالة والدسائس والمؤامرات، ليتحكم ببلاد نبي الأسلام الخالد محمد (ص)، الذي أعز بالأسلام الذي أتى به من عند الله من كان بالجاهلية ذليلاً، وكرّم به من كان بالجاهلية مهاناً، ولكن هيهات هيهات اليوم حيث خادم الحرمين خائنها، وملك البلاد لصها الأول، وحاكمها أول من خانها، ورجال دينها عبيد الحاكم حيثما يولي يولون وجوههم شطره، وكل ما يفعله الحاكم فهو جميل وحلال وما لا يهواه الحاكم فهو قبيح وحرام، ولا يجوز الخروج عليه ولو كان ظالماً وفاسقاً وفاسداً.
هؤلاء هم العلماء الذين يصبحون صباحهم ببيت الله ويمسون بمسجد رسول الله، ليحسبون ما عندهم هو الدين، ويأبى الله دينهم فهو دين ضد دين الله.

يستذكر مظفر النواب جهيمان العتيبي مرة أخرى كما ويستذكر الكاتب السعودي المُغيّب ناصر السعيد الذي كتب كتاباً فضح فيه تاريخ العائلة السعودية المالكة وفسادها وعمالتها وخيانتها فغيبوه في السجون ولحد الآن لا يُعرف هل هو حي أو ميت ولازال كتابه موجود ومنتشر، يقول النواب (قصيدة طلقة ثم الحدث):
يا سيدي إعصف ودمر...
أقبل حزن يديك...
أتقد...
طهر الشعب من لعنة الجبر...
شمّر مباذلنا الشاحمة...
تمرد.. تمرد.. تمرد...
فهذي الشراذم ملعونة الأبوين...
على عهرها شدت الأحزمة...
من جلالته بالحجاز يجز إلهاً الى خير الأنظمة...
شهوة نحرت بأتجاه أمريكا سبعة وسبعين في لحظة...
وتوضأ مجرمها بالدماء...
وصلى الى قبلة مثله مجرمة...
يا جهيمان...!!
حدّق فما يملكون فرائصهم...
نفذت.. نفذت.. خلعتهم قرحاً...
ونفذت.. نفذت.. بعيداً فأصلابهم عاقمة...
فإذا طوّفوا كان وجهك أو سجدوا...
فالدماء التي غسلوها تسد خياشيمهم...
ومناخيرهم...
وقلوبهم الآثمة...
لم يناصرك هذا اليسار الغبي...
كأن اليمين أشد ذكاءاً...
فأشعل أجهزة الروث بين اليسار يقلب في حيرة معجمه...
كيف يحتاج دمٌ بهذا الوضوح... 
الى معجمٍ طبقيٍ لكي يفهمه...
أي تفووو!! بيسارٍ كهذا...
أينكر حتى دمه...
ويا ناصر بن سعيد...
إذا كنت حي بسجن...
وإن كنت حياً بقبرٍ...
فأنت هنا بيننا ثورة عارمة...
أيها الناس...
أعلن أن الحجيج سلاحاً بمكة في السنة القادمة...
كافر من يحج بدون سلاحٍ...
يخلص مكة من دولةٍ عاهرٍ صائمة...!!
أزحفي أيتها الكتل البشرية...
هذي العيون الملايين لو نظرت ذوبتهم...
فكيف إذا حدّقت بالبنادق عابسة صارمة...

ويستطرد مظفر النواب في إلهاب حماس الثورة ويتجه مركب ثورته لدول الخليج وحكامها الظلمة، ويصرخ بوجههم أنه ليس خائف من ظلمهم ومن تهديدهم ووعيدهم وسجونهم حيث يقول:
أيها الناس...
هذي سفينة حزني...
وقد غرق النصف منها قتالاً بما غرقت عائمة...
وشراعي البهي شموخي...
تطرفت وعياً...
وأدرج في كل يوم كأني في قتلهم قائمة...
لا أخاف...!!
وكيف يخاف الجهور بطلقته طلقة كاتمة...!!
قدمي في الحكومات...
في البدء والنصف والخاتمة...!!
حاكم وحمت أمه عملة أجنبية في يومه فأتى طبقها...
وانقلاب بكل الحبوب التي تمنع الحمل يزداد حملاً...
وسلطنة ربعها لحية...
وثلاثة أرباعها مظلمة...
ومشايخ ملئ الخليج...
مراحل بعد الفراغ...
 وأموالهم ذهبٌ إنما أكزمة...
والجماهير قد حولت وزنها ضجة...
والبلاد إذا سمنت وارمة...
ولقد تشرق الشمس من حزننا غاربة...
وأجانب مهما نقاتل...
والحاكمون الخصايا هم العرب العاربة...
رحمة أيها الشعب ضج بشكل صحيح...
لقد تاه قلبي...
ولم يبق بيت به فرح كلها شاحبة...
أيها المنتشون بمحض الصراخ الملقن والبث والذبذبة...
لحظة الصمت أعظم إن صدقت...
يصدق الأنفجار ونيرانه اللاهبة...
أيها الجمهور صه لا تصفق...
لا تصفق لأنظمة غائبة...
مالها تتثائب هذي الجماهير...
تهتف وهي منومة...
زلزلي وإكفهري.. إكفهري...
يا أجمل من أمة غاضبة...
إمسحيهم فهم حاكمون بغايا بأفواههم...
والشريف الشريف شهامته سالبة...
اركليهم فأقدارهم يركلون...
وأقدارنا القوة الضاربة...

وتبقى أحلام مظفر الماضية التي لم تتحقق في الماضي، وللأسف تحقق بعضها فقط في الحاضر وليس أكثرها فقد بقى كثيراً منها لم يتحقق.
أحلام الحرية والكرامة والعدالة والخلاص من الظالمين، والخلاص من الجالسين على كرسي الحكم وعدوه مغنماً لهم لا مسؤولية، وغاية لا وسيلة.
والفقراء يحلمون، لأنهم إن لم يجدوا في الواقع خيراً فخيراً لهم أن يحلموا، فالحلم في الخلاص ولو قليلاً من التفكير الكئيب والمأساوي والظلم، فأحلموا ولو حتى حلم يقظة، ولا تُفسروا الأحلام لكيلا تُعتبر منتمياً لحزب أو طائفة فأحفظه لنفسك...!!

سأل أحد الصحفيين العراقيين الرئيس العراقي الحالي السيد جلال طلباني عن سبب عدم تكريم مظفر النواب لحد الآن؟!، فأجاب الرئيس جلال طلباني: تكلمنا معه وأعطيناه استحقاقه من أموال وحقوق فرفضها قائلاً:
(أنا لم أأخذ مالاً من أي رئيس من قبل ولن أأخذها منك الآن!!)
حفظ الله الشاعر الكبير مظفر النواب وعافاه وأنا أحببته لحبه لمبدئه وإصراره وتفانيه في سبيل الكرامة والحرية.

إنتهت قصيدة النواب الثائرة (طلقة ثم الحدث) ولم تنتهي نار ثورته بعد، ولا زالت الثورات العربية متقدة وسيأتي النصر قريباً ولو بطول الصبر، ولا ظفر إلا بالصبر، ولا صبر إلا بوعي وتفكير.

فيما يلي رابط صوتي صغير الحجم لرائعة (طلقة ثم الحدث) بصوت شاعرها مظفر النواب أرجو الاستماع والاستمتاع:
الجزء الأول (20 دقيقة) http://www.box.net/shared/czpqrmev44
الجزء الثاني (33 دقيقة) http://www.box.net/shared/0iivpht0k4
((إنتهت السلسلة))

101
معذرة يا رسول الله في ذكرى وفاتك

حيدر محمد الوائلي
 
في الثامن والعشرين من صفر (على رواية) توفي رسول الله خاتماً رسالات الله للأرض بخير الأنبياء والمرسلين وسيدهم محمد (ص)، من هو على خلق عظيم، فبعثه الله للناس كافة رحمة للعالمين.
نبي الرحمة،  الرحمة المهداة، سيد ولد آدم، حبيب الرحمن، المختار، المصطفى، الصادق، الأمين، صاحب الشفاعة والمقام المحمود، صاحب الوسيلة، صاحب التاج والمعراج، إمام المتقين، سيد المرسلين، قائد الغر المحجلين، النبي الأمّي، الرسول الأعظم، السراج المنير،  طه، المزمّل، المدثّر، يس، أحمد، أبو القاسم، محمد...
نبيُّ براهُ اللّه نورا بعرشِهِ ... وما كان شيٌ في الخليقة يوجدُ
وأودعه من بعدُ في صُلب آدم ... ليسترشد الضُّلالُ فيه ويهتدوا
ولو لم يكن في صُلب آدم مودَعٌ ... لما قال قِدْما للملائكة: اسجدوا
لئن سبقوه بالمجي‌ء فإنَّما ... أتوا ليبثُّوا أمره ويمهدوا
رسولٌ له قد سخَّر الكونَ ربّه ... وأيَّدَهُ فهو الرسول المؤيّد
ومن كان بالتوحيد للّه شاهدا ... فذاك لطه بالرسالة يشهدُ
ولولاه ما قلنا ولا قال قائل ... لمالك يوم الدين: إيّاك نعبدُ

يروي صحابته عنه أنه كان أحلم الناس وأشجع الناس وأعدل الناس وأعف الناس وأسخى الناس، لا يبيت عنده دينار ولا درهم، إن فرشوا له اضطجع وإن لم يُفرَش له اضطجع على الأرض، يمزح ولا يقول إلا حقاً، يضحك من غير قهقهة.
كان لا يثبت بصره في وجه أحد، يجيب الوليمة، ويعود مرضى مساكين المسلمين وضعفائهم، ويجالسهم ويؤاكلهم، ويتبع جنائزهم، وكان يمشي وحده بين أعدائه بلا حارس، يقبل معذرة المعتذر إليه، وما شَتَم أحداً من المؤمنين، وكان لا يصارح أحداً بما يكرهه، وما ضرب شيءاً قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما انتقم من شيء صُنع إليه قط إلا أن تُنتَهك حرمة الله.
كان أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضاً، وكان يبدأ من لقيه بالسلام، وكان يمرّ على الصبيان فيسلم عليهم، وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله، ولا يُسأل شيءاً إلا أعطاه، وكان يجلس بين أصحابه مختلطًا بهم كأنه أحدهم، وكان أكثر الناس تبسماً وضحكاً في وجوه أصحابه. ما عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه.
كان يتكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير، وكان جهير الصوت، لا يتكلم في غير حاجة ولا يقول المنكر، ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق، ويكنّي عما اضطره الكلام إليه مما يكره.
كان ذلك بعض من وصف أصحابه فيه (ص)...

من غار حراء لمكة للمدينة للعالم أجمع انبثق نورٌ يأبى أن يخفت إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون وليتم نوره مضيئاً الظلام الحالك وكاسحاً الليل البهيم بنور رب العالمين ورسوله (ص) ليرتعد الظالمين وتزلزل عروشهم ويفرح المظلوم برسالة جاءت بشعارات العدالة والكرامة والحرية.
بتواضع الشامخ لا خضوع الذليل قاد أمة من الجاهلية الجهلاء وظلم العادات والتقاليد ودين الوراثة لدين التفكير والعقل والعدالة والكرامة مخلصاً إياهم من الظلم والجهل والفقر، وأساس بلاء المجتمع ثلاثة (ظلم وفقر وجهل)...
نبي حباه الله بخير الرسالات رسالة، وخير المنازل منزلة جعلته حبيب الله وهو حبيبه، من ذاب بالعشق الإلهي فما مال الفؤاد إلى سواه سبحانه...

قال فيه الكاتب اليهودي مايكل هارت (هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقا على المستوى الديني والدنيوي)، وقال فيه الأديب العالمي تولستوي: (يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة).

رغم صعوبة الظروف المحيطة به (ص) ولكنه قاد أمة وخلصها من براثن الجهل والظلم لنور العلم والعدالة، فمن النّاحية السياسية، كانت شبه الجزيرة العربية مفككة، لا توحّدها دولة ولا تديرها حكومة، وطغت البداوة على المدن، فكانت القبيلة هي الوحدة السياسية والاجتماعية. مع انتشار حالة النزاع والصراع القبلي، وعلى أتفه الأسباب.
ومن النّاحية الدينية كانت الوثنية تسود شبه جزيرة العرب بشكل غالب، حيث كانوا يعبدون آلهة يمثلونها في أصنام مصنوعة من الحجر والخشب بلغ عددها (360) صنمًا مثبتة حول الكعبة تعبدها القبائل التي تؤم البيت للحج وتقدم لها القرابين والنذر، ومع ذلك بقي لديهم شعائر من بقايا دين إبراهيم مثل تعظيم الكعبة، والطواف بها، والحج، والعمرة. وكان هناك أفراد من الموحدين على ملة إبراهيم وإسماعيل كانوا موجودين في مكة عرفوا بالأحناف من أشهرهم أبو طالب عم النبي (ص)، ولقد تواجدت أيضاً ديانات بشكل محدود مثل اليهودية والنصرانية والمجوسية.
في مثل هذا المجتمع جاءت رسالة ورسول لتغير واقع ديني واجتماعي متردي ومتخلف وظالم، ونظام سياسي واقتصادي قائم على الغبن والقوة والقسوة والاعتداء على الآخرين...

نبيٌ حارب عمه القريشي العربي الثري صاحب الحسب والنسب أبا لهب في مجتمع يقدس من هو ذو حسب ونسب، من أجل أن ينصر عبداً مملوكاً أسوداً حبشياً رث الحال يسمى بلال، متحدياً قريش وساداتها وقسوتها.

نبيٌ حارب أعمامه العرب ذوي الجاه والوجاهة والسطوة ويقاتلهم ويخاصمهم لأنهم ظلمة كفرة، ويقرب فارسي غريب ويجعله بمنزلة أهل بيته منه فـ(سلمان منا أهل البيت) قالها الرسول (ص).

نبيٌ لا وساطة ولا محسوبية عنده إلا الله ونهج الإسلام لتحقيق العدالة والمساواة، وعرف لماذا هلكت الأمم التي من قبل حيث يقول (إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأني والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
وكم في يومنا من سارق مكرّم ومحترم وممدوح، وكم من شريف ونزيه مذموم ومكروه...!!
نقرب ونكرّم الشريف (الغني، المسؤول، الحاكم، المدير، الموظف الكبير في الدولة) رغم فساده وظلمه وجهله، ونقصي ونطرد الضعيف (النزيه، صاحب الفكر، المؤدب، الناصح، الناطق بالحق، الفقير) رغم كرامته وعلمه وأدبه، فالتعامل بمحسوبية رسمية ونسمي أنفسنا مسلمين.
معذرة يا رسول الله فلا إسلام اليوم إسلامك، ولا نهج رجال دين اليوم نهجك، فالقوي يسرق ويباركون له سرقته المباركة، ويبررون له السرقة لتصبح منحة وهدية ومكرمة، والضعيف لا حول ولا قوة له إلا أن يستأنس بأحاديثك وسيرتك الشريفة، فهي خير أنيس لقلوب أثقلتها الآم الظلم والحرمان والذنوب...

المؤمن عند الله ورسوله من يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فهم إخوة.
(إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم تُرحمون * يا أيها الذين امنوا لا يسخر قوم ٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنّ خيراً منهنّ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الأيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون * يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم إثمٌ ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه وإتقوا الله إن الله توابٌ رحيم * يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبير)الحُجرات/10-13.
لو لم يقل الله في أدب الحديث والمعاملة سوى تلك الآيات الأربع من سورة الحجرات لكفتنا الخير كله، ولجعلتنا جميعاً أخوة في الله والإنسانية، ولصرنا بالفعل خير أمة أُخرِجت للناس ولكن (على قلوب أقفالها)...!!
يقول النبي (ص): (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) قالها (ص) بصريح عبارته (لا يؤمن أحدكم)، فهل تحبون يا مسلمي اليوم لإخوانكم في الدين والإنسانية كما تحبون لأنفسكم، أم تتكلمون بحقد وتتصرفون بكراهية وتؤمنون ببغض وعداء...!!

معذرة يا رسول الله فالكثير من مسلمي اليوم لا يكترثون ولا يحترق لهم قلب ولا تدمع لهم عين لأفعال مجرمين إرهابيين مسلمين يفجرون ويقتلون مسلمين أبرياء لمجرد خلاف في الطوائف الأسلامية، بل ومنهم من يتشفى بهم ويفرح بقتلهم فقد أضحى الدين دين طوائف لا أن تكون الطائفة منهج عبادي بل طائفة موروثة ينصرها لا لأنه مؤمن بها بل نكالاً وبغضاً بمن يخالفها...
أبصر بحالنا يا رسول الله لترانا قوماً يقتلون قوماً ويتشفون بقتلهم وأذاهم لأنهم أتباع (طائفة إسلامية) بعينها ويفجرونها تفجيراً...
يرضون عن التفجيرات ولا يستنكرونها ولا يستهجنوها لأنها طالت طائفة مغايرة لطائفة يؤمنون بها، رغم ما جاء في المأثور (من رضي شيئاً كان كمن أتاه، ولو أن رجلاً قُتِل في المشرق فرضي بقتله رجلٌ في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل)...
فمن أحب عمل قومٌ حشر معهم، ومن رضي عنهم كان منهم، ومن سكت عنهم فقد شاركهم...

يجب أن يكون الإيمان بأي دين وفكر وعقيدة على أساس أن هذا الدين والفكر والعقيدة الذي تم اختياره أو وراثته كما يحصل في الكثير من أتباع الديانات والأفكار والعقائد مع الأسف حيث يرثوا الدين والفكر والعقيدة وراثة كما يرثوا الدار والعقار، فيجب أن يتم إتباع وفهم ودراسة الدين والفكر والعقيدة كما هي تعليماته وشرائعه لا أن يتم إتباع ما يتماشى مع ما تحب وترغب وتترك ما تكره ولا تريد...
لا داعي من الدين أصلاً عندئذٍ وعش حياتك كما هي من دون دين أفضل من أن تكون منافقاً، متصنعاً، مزدوج الشخصية، مكّاراً، فسيكون مصير من يتبع ذلك الدين الشهواني المتصنع الحاقد كمصير الفاسدين والكافرين الذين هم بلا دين وهو قوله تعالى:
(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)البقرة/85.
بل وتقرأ ما يكتب المخالفون، فلعلهم أصابوا فيما أخطأت ولعلك آمنت أكثر بما أتضح لك من أخطائهم.

كان في المدينة المنورة في زمن النبي (ص) يهود ومسيحيين وقد أحترمهم الرسول (ص) وجادلهم بالتي هي أحسن فمن أمن فلنفسه ومن أساء فعليها والله عليم بذات الصدور وهو الحكم يوم القيامة.

عامل الله سبحانه مخلوقات بالرحمة والشفقة وورد في المأثور: (أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، ففي أحد المرات أمر الله نبيه (ص) بتشييع رجل كان معروف بالفسق، فشيعه الرسول كما أمره الله، ولكن البعض ممن حول الرسول تساءل حول ذلك وهو انه رجل فاسق وما بالك وباله وأنت رسول الله لتشيعه.
لم يرد الرسول عليهم لأنه أمر الله، ليخبره فيما بعد رب العزة بحديث بأن هذا الرجل في أحد المرات كان يسير وصادف أن رأى كلباً يريد أن يشرب ماءاً قرب بئر ولم يستطع، فدلف هذا الرجل للبئر لإعطاء الكلب ماءاً، فوجد الدلو مقطوع الحبل، فخلع قميصه وربط بعضه بإزار بعض وأخذ ينقع قميصه بالماء ويعصر للكلب ليشرب.
رحم خلقي فرحمته بأن تشيعه بنفسك.

وكثيراً ما خاطب الله رسوله بأنه سبحانه أرسله (ص) (للناس كافة) وكثيراً ما خاطب الله الناس بقوله لهم (يا أيها الناس ...) فيعاملهم كأناس أولاً وأخيراً.
والله يحكم بين الناس يوم القيامة بعد أن يكون قد فكر كل فرد بدينه وطريقة تفكيره تفكيراً جيداً كتفكيره على الأقل بطريقة إختيار طعامه وشرابه وملبسه.
وها هو الله يخاطب العلماء ورجال الدين والمتدينين والناس جميعاً، بأن الحكم هو الله وهو من يحاسب ويثيب ويعاقب.
فمن خوّل (البعض) من هؤلاء وهؤلاء بالكلام، فيدخلون فئة الجنة ويسكنون اخرى نار السعير، حسب ما يشتهون ويريدون، لا حسبما قال الله والرسول...!!
وإن وجد من الله والرسول حديثاً فمن خولك جعل يوم القيامة في الحياة الدنيا لتحاسبون فيها الناس وتحرقونهم بنار فتواكم وفكركم وتطردون الناس من جنة لم يسعها فكركم رغم أنها وسعت السماوات والأرض...!!
ها هو الله يكرر في قرانه الكريم مخاطباً من له فكر وعقل أن يفهم ويفكر:
(إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)البقرة/62.
(إن الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد)الحج/17.

الدين دين طوائف اليوم لا دين الله، ويعبدون الطائفة لا يعبدون الله...
كل طائفة تحب وتكره الآخرين تبعاً للطائفة والدين، وما أنت يا رسول الله بطائفة بل أمة للنهوض...
وما أنت غطاء لمفاسد الدول الإسلامية الكبيرة من حاكمين وسياسيين ورجال دين التي ترفع كلمات الله زوراً وتنسى الله، وترفع الأذان بصوتٍ عالٍ (الله أكبر) ولكن الله ليس أكبر من شهواتهم وأحقادهم ومفاسدهم ونواياهم الخبيثة...!!
يرفعون (الأذان) صوتاً في المآذن ولكنهم يصمون (الأذنين) عن أصوات المظلومين وأصوات الحق وأصوات النصيحة، وتضج الجوامع بالصلوات في مجتمعات إسلامية كثيرة تغط بالوساخة والنتانة رغم أن (النظافة من الأيمان)، وأنتن منها وأوسخ الفساد الإداري والاجتماعي في مجتمعات أكثرها مسلمين يصلون ويصومون.
ولكنك يا رسول الله حرباً عليهم، وما فرقهم عن المشركين؟! فاليوم يشركون بالله بأسم السياسة والشهوة والمال.

من جعل القومية العربية سيدة العالم، ومن جعل الفارسية أو التركية سيدة العالم؟!
لماذا يتفاخرون بلغاتهم وقومياتهم وينسون واقع الناس ودين الله الذي يحرم القومية والعنصرية، ويحب الإنسان بما هو إنسان، ويحب الناس بما هم ناس، ويكرم العقل والأخلاق بغض النظر عن الجنسية والقومية.
وما هذا التعارك على الحدود وعلى الأشكال الهندسية التي وزعتها بريطانيا وفرنسا في اتفاقية (سايكس-بيكو) فيما بينها إحتلالاً بينهم، ولمّا خرجوا منها تركوا فيها فتن طائفية وعرقية وجغرافية ليتعارك فيما بينهم عليها الأخوة وأولاد العم على بقايا الحدود...
ألم يخلقنا الله أمة واحدة...؟!

يا رسول الله إعذرني أني أكتب حرف (ص) خلف إسمك الشريف، فأني أَدعه رمزاً لكي يصلي عليك القارئ الكريم وفق ما يرى، فأخشى أن لو قلت (صلى الله عليه وسلم) لفرح بها السني وحصل في قلب الشيعي شيء منها...
وأخشى أن لو قلت (صلى الله عليه واله) لفرح بها الشيعي وحصل في قلب السني شيء منها، فأنا أضع رمزاً ليصلي القارئ وفق ما يحب...
رغم أنك وضحت للناس كيف يصلون عليك يومها في حديث مثبت وصحيح ولكن رجال دين الماضي واليوم يبترون جزء ويضيفون آخر ليتماشى مع هوى التوجه الطائفي والسياسي الذي يؤمن به، وليرضى عنه الحاكمين.

كان النبي (ص) يطوف ذات مرة في الكعبة، وفي الكعبة أربعة أركان، الركن اليماني والحجازي والشامي والعراقي، ولكل ركن كان هناك دعاء، فعندما مر النبي (ص) عندما بالركن الشامي قال: (اللهم آتنا في شامنا)...
وكان حينها رجل قصير خلف الرسول (ص) يتبعه فقال للرسول: (يا رسول الله وعراقنا)؟! فلم يرد عليه (ص)...
وأكمل الرسول: وفي حجازنا وفي يمننا وهذا الرجل خلف الرسول يقول له وعراقنا، لكن الرسول لم يرد عليه، وعندما انتهى الرسول (ص) من الطواف نادى على هذا الرجل وقال له: (أعراقي أنت)؟!
قال له: (نعم أنا عراقي).
فقال له (ص): (عندما أراد العراقيون أن يحرقوا إبراهيم أراد أن يدعو الله عليهم، ولو دعا الله عليهم لاستجاب، فبعث الله له جبريل وقال له، قل له: يا إبراهيم ربك يقول لا تدع على أهل العراق، وقد جعلت فيهم خزائن علمي وخزائن رحمتي)...!!

معذرة يا رسول الله فقد صار العراق فيما مضى تاريخياً وفيما مضى قريباً وفي اليوم مذبحة بأهله يسومه سياسييه سوء العذاب وأسوأ منهم سياسيي ومخابرات دول الجوار الأسلامية اليوم ومن خلفهم دول ومنظمات أجنبية من أجل تدمير العراق وحرقه بأهله وتسهيل دخول الإرهابيين عليه ودعمهم مادياً ومخابراتياً والسماح لرجال دين الفتنة والقتل بتغذية الأفكار الأرهابية والفتنة من على أراضيها الأسلامية لمحاربة العراق وتدميره.

جاء النبي محمد (ص) لأجل الإنسانية ولنشر الخير والفضيلة وطلب العلم والأخلاق الحسنة والأمانة والعدالة والحرية ولم يرسل الله محمداً (ص) ليجعل الناس تصلي وتصوم وإنما بعثه ليتمم مكارم الأخلاق، وبعثه للتعليم، وبعثه لتخليص الإنسان من ظلم الإنسان، وما الصلاة والصيام والزكاة والخمس والحج وغيرها من العبادات إلا منهج إختباري، تهذيبي، تقويمي، عبادي، ولن ينال الله منها شيئاً ولكن يناله التقوى منكم.
التقوى أي أن تكون تقياً في حدود الله التي أتى من أجلها النبي محمد (ص)، لا صلاة تبكي بها أو تتباكى وفي داخل نفس النفس التي تبكي تلقاها نفس سوداء قاسية قاتلة سارقة بغيضة محترقة بنار الكراهية والعدوان والسلطة والطائفية والقومية والعنصرية والمحسوبية ومصادرة حقوق الناس.
دخل النبي (ص) ذات يوم لمسجد المدينة، فشاهد جماعتين من الناس، كانت الجماعة الأولى منشغلة بالعبادة والذكر والأخرى بالتعليم والتعلّم، فألقى عليهما (ص) نظرة فرح واستبشار وقال للذين كانوا برفقته مشيراً للفئة الثانية –فئة التعلّم-: (ما أحسن ما يقوم به هؤلاء)...!!
ثم أضاف قائلاً: (إنما بعثت للتعليم) ثم ذهب (ص) وجلس مع الجماعة الثانية –جماعة التعليم-.

أرسل الله النبي محمد (ص) للناس كافة كرسول خير ورحمة لا أن يقتل ويتحارب ويتعارك بسبب أسمه الناس اليوم مما جعل الإسلام ينظر إليه بأنه دين الكراهة والقسوة والعنف والقتل ممن قاسوا الإسلام بتصرف الناس ولم يدركوا معنى الإسلام الحقيقي.
الرسول اللين القلب والمتواضع والذي يدخل على مجلسه أحدهم فيستفسر من الحاضرين (أيكم محمد) لعدم وجود ما يميزه (ص) عن غيره، وقد نهى (ص) أصحابه من القيام له حين دخوله لكيلا تحسب سنة لمن يأتي بعده، وتواضعاً منه (ص).
حصل ذات يوم أن قام بعض الصحابة لدى دخوله (ص) جهلاً منهم، فأنزعج (ص) من ذلك، وكان بالمجلس حسان بن ثابت شاعر الأسلام فأراد تلطيف الأجواء فقال:
قيامي للحبيب عليّ فرضٌ ... وترك الفرض ما هو مستقيمُ
عجبت لمن له عقلٌ وفهمٌ ... يرى هذا الجمال ولا يقومُ
معذرة يا رسول الله، فمن يحكم بأسمك اليوم مميز عن من حوله جداً جداً جداً جداً، بل يسرق قوت شعبه لأجل أن يتنعم هو وحاشيته بما لذ له وطاب من عوائد كرسي الحكم والفتوى وهو يذكرك أيضاً ويصلي عليك...

في الثامن والعشرين من صفر طارت حمامات الروح لجنة قد رآها الرسول بمعراجه لله قبل أن يتوفاه الله ليخلد فيها...
السلام عليك يا رسول الله يوم ولدت فكنت خير مولود...
والسلام عليك يوم بعثت بالحق نبياً فكنت خير مبعوث...
والسلام عليك يوم توفيت فكنت خير من مات متمماً رسالة ربه...

102
من كركوك إلى كربلاء في الناصرية قصة بطولة وكرامة

حيدر محمد الوائلي

من عينيه تتطاير نيران الضغينة والحقد والكراهية...
له قلب لا يحن ولا يرق، وعقل كالحجارة بنار الجهل يحترق، وله عينين لا ترى أبعد من أنفه، وأذنين لا تسمع أكثر مما يهمس فيها من تلقينٍ أعمى، كالبهيمة المربوطة همها علفها، ولو أطلقوا سراحها فللقمامة توجهها ومستقرها...
تكترش من أعلافها، وتلهو عمّا يُراد بها، ولا تنظر أكثر مما في السطل أمامها من تبنٍ وحشيشٍ يعطى لها...
كان بشراً من حيث البنية الجسمانية ولكنه حيواناً مفترساً بمخالب سوداء عليها أثار لحوم الضحايا، وأنياب تتقاطر منها دمائهم...
لفّ جسمه بحزامٍ ناسفٍ من متفجراتٍ ستحرقه بنار الدنيا قبل الآخرة بعد حين...
تم توجيهه لحتفه دينياً وسياسياً ومادياً لا لمقاتلة إسرائيل وتحرير فلسطين المحتلة، ولا لمقاتلة أنظمة الحكم الظالمة والفاسدة، بل لقتل زائرين مشاة مسالمين كانوا يقصدون زيارة قبر الأمام الحسين (ع)...

في اليوم الذي خرجت فيه جميع القوات الأمريكية المحتلة وأخلت جميع قواعدها من العراق لتستقر في قواعدها الدائمة في الخليج، كان التفجير في العراق لا في الخليج...

كان ذاك إرهابياً منسياً في حياته وصار منسياً أكثر بعد إنتحاره، ولكن صار ضحاياه الذين قتلهم شهداءاً، وذكراهم مناراً في نفس الوقت الذي صار فيه هو مجرماً وقاتلاً...
قتل الناس جميعاً في هذا اليوم، الذي قتل فيه الأبرياء...
(من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً) سورة المائدة (32)
فكيف لو كان من قتلهم مؤمنين مسالمين...
(ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً) سورة النساء (93)

في مقابل هذا الانتحاري كان هناك ضابطاً في الجيش العراقي برتبة ملازم من كركوك شمال العراق يؤدي واجبه ويستحصل قوت نفسه وعياله بأداء عمله في مدينة البطحاء في الناصرية جنوب العراق...
لا أظنه كان يكترث كثيراً لإصرار الأكراد لضم كركوك لإقليم كردستان، أو أن يعير إهتماماً لدفاع الحكومة المركزية على إبقاء الوضع على ما هو عليه، فالعراق جسم واحد إذا تفجرت في مدينة منه سيارة مفخخة تداعت باقي المدن بالألم والحزن والدعاء للشهداء والجرحى ...
تاركاً هم السياسة وبلاويها ومكرها ودهائها وخبثها لأهلها...
كان من كركوك ضابطاً في الجيش العراقي يكسب قوته حلالاً من أداء واجبه في حماية وطنه من مخاطر الوحوش البشرية التي هي أخطر بملايين المرات من وحوش الذئاب والضباع التي قلوبها تحن تارة وتقسو تارة، بينما قلوب الوحوش البشرية أقسى من الحجارة...
لمح وحشاً بشرياً أسود الهيأة تتطاير من عينيه نيران الحقد والكراهية ومن يديه برزت مخالب فيها بقايا لحمٍ بشري لضحايا سابقين...
كان الوحش الإرهابي يروم إيقاف وإرهاب الزائرين السائرين مشياً إلى كربلاء قاصدين زيارة قبر الأمام الحسين الشهيد (ع)، فداسوا عليه الزائرين وأكملوا المسير، فمات من حينه...
عرف الضابط الكركوكي أن هذا الوحش يضمر شراً، ومتى كان الوحش يضمر الخير؟!!
كان يضمر شراً يريد به رضا مفتين وعلماء دين وسياسيين سيروه على أهوائهم من داخل العراق وخارجه لحتفه فنال رضاهم في الدنيا وغضب الله وعقابه العسير يوم القيامة...
حاول الضابط الكركوكي بكل بسالةٍ أن يمسك الوحش المتربص شراً ليمسكه ويبعده عن الطريق المكتظّ بالمدنيين الأبرياء العزّل، فسارع الوحش لزر التفجير يضغطه فمات الوحش ميتة جاهلية ويستشهد معه الضابط شهادة من قتل دون دينه وماله ودمه وعرضه فهو شهيد...
كان الضابط الكركوكي بحق مجموعة شهداء في شهيدٍ واحد، فقد قُتِل دون دينه حيث المقتولين الشهداء مسلمين أبرياء، وقد قُتِل دون ماله حيث كان يؤدي عمله ليكسب قوت عياله، وقُتِل دون دمه حيث كان يحمي نفسه ومجموعته والناس من هذا الوحش، وقُتِل دون عرضه حيث كانت النساء تسير بسلام مستورات في أمان الله وأراد الوحش أن يهتك حجابهن...
سقط معه عشرات الشهداء وأكثر منهم جرحى من أبرياء عزّل سائرين امنين بطريق الزائرين لا حول لهم ولا قوة إلا (بالله العلي العظيم)...
وإنا لله وإنا إليه راجعون...
(ولنَبلونَّكمْ بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأَموالِ والأنفس والثّمرات وبشِّرِ الصَّابرين # الَّذين إِذا أَصابتهم مصيبة قالوا إِنَّا لِلّه وإِنَّا إِلَيه راجعون # أُولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ وَأُولَئِك هُمُ الْمُهتَدُون) سورة البقرة (155-157)

أستشهد الزائرين وسيكون بانتظارهم الأمام الحسين الذي ودّع الحياة شهيداً عطشاناً فأستحق أن يكون سيد شباب أهل الجنة، ومات الإرهابي ميتة جاهلية وسيجلس في جهنم قرب يزيد الذي مات هالكاً سكراناً...
فالناس تحشر مع من تحب، لذلك قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار...
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءاً عند ربهم يرزقون) سورة آل عمران (169)
طارت أرواح الضحايا كحماماتٍ لبارئها وهبطن على الأرض أجساماً مقطعّة وأيدي وأرجل مبتورة ورؤوس محزوزة وستشكو لربها وهي حية ترزق عنده فالشكوى لغير الله مذلة، وستقول أي رب خذ بحقنا ممن ظلمنا وقتلنا من تلك الوحوش البشرية...
 
من كركوك شمال العراق كان بطلاً شهماً رفع رأس الكرامة عالياً من على طريق مدينة البطحاء في الناصرية جنوب العراق في الطريق المؤدي الى قبر الأمام الحسين في كربلاء وسط العراق...

لوحة فنية لبطلٍ شامخٍ ممسك راية الكرامة والإباء...
رسمها ولونها الأمام الحسين بدمه في كربلاء...
وخط فيها (لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد) شعاراً ونداء...
الرأس في كركوك والصدر في كربلاء والأقدام ثابتة على تراب البطحاء...
حيث سقط من الزائرين شهيداتٌ وشهداء...

زاد العزم بعد التفجير في السير إلى كربلاء، فالقتل للأحرار عادة والكرامة لمن ينال الشهادة...
خاطب الأمام الحسين جيش يزيد راداً على طلب يزيد له بأن ستكون للأمام الحسين مكانة وثروة ومنصب لو بايع يزيد خليفة، ولو رفض فسيكون مصير الحسين القتل، فأجاب الحسين يزيداً قائلاً: (ألا أن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة –سلّ السيوف- والذلة –البيعة ليزيد- وهيهات منّا الذلة) فمثل الحسين لا يبايع يزيد...

(هيهات منّا الذلة) قالها الحسين يوم الطف أمام حشود الأعداء، فقتلهم بكلماته وأهدافه وكرامته فأنتصر...
ولنرددها اليوم (هيهات منّا الذلة) وليزداد العزم في المضي لكربلاء ولتكن زيارة هذا العام أكثر من العام الذي مضى...
وليكن في كربلاء اللقاء...
فحتى ذلك الحين إلى اللقاء...

103
مظفر النواب والثورات العربية (الأسلامبولي والعتيبي 6/7) 

حيدر محمد الوائلي

((الحلقة السادسة))
ويلهب مظفر النواب عزيمة الثورة في مصر قبل عشرات السنين من حصولها الفعلي في ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2011، ذكر ذلك مظفر النواب في أبيات جميلة ويذكّر مصر بثوارها وأمجادها وأبطالها، يقول (في قصيدة طلقة ثم الحدث):
مصر سيري بالأناشيد...
وحلي خبز أشجانك والشاي وأطفالك والأزجال في وجه المتاريس...
أمام السجن...
في الساحة...
سيناء بهذا السجن...
إيمانك والقرآن والوحدة والإعداد للثورة...
ملقاة بهذا السجن... (يقصد سجن خالد الأسلامبولي الذي أصبح رمزاً للثورة)
غنيهم ببحر البقر الدامي...
بـعبد المنعم المدفون في النسيان...
بأيام التلامذة.. وعمي حمزة.. وبيت لبيت.. والله أكبر...
زغردي ناراً وبركاناً من الحزن الصعيدي...
لوجه الرجل اللحظة.. والتاريخ.. للبذل لهم...
للفتية السمر كما التصويب...
كوني الرعد...
كوني الوعد...
هدي السجن يا مصر...
أكتبي الأسماء آيات على وجه المساجد...

ثم يتحول مظفر النواب مباشرة للخليج ليلهب فتيل ثورتها، في الخليج حيث الحاكمين يتحكمون بالناس والأرض والثروات والدين وكل شيء ويحسبون ما عندهم ملكاً لهم يتصدقون به على الشعوب، يتمنى لهم النواب الثورة ضد الظلم وما فرق الثورة في مصر عن الخليج وما فرق الثورة ضد الظلم في أي مكان كانت وبأي زمان ما دامت ثورة ضد حاكم فاسد ظالم لا مثل ما يفتي بعض رجال الدين اليوم من تأييد ثورة لكونها من طائفته وتوجهه الفئوي ويشجب ثورة أخرى لأنها من طائفة دينية أخرى وفئة أخرى...
وكذا ببعض الجماهير والقنوات التلفزيونية وسياسيين وحركات وأحزاب تراهم هكذا يفعلون، وها هو مظفر يخبرهم بأن طلقة (خالد الأسلامبولي) ووثبته قد أفشلت مخططات إسرائيل في المنطقة وأخرتها سنين كثيرة، لكي لا تنسى مصر والعرب ثوراها وثوراتها كي لا يصالحوا العدو، يقول النواب:
منذ هذي الطلقة الفاصل...
مشروع ابن عزى لن يرى النور...
ولن يخرج من قصر الأمير الخصي...
لن يأكل إلا الرمل...
إلا الشوك والغصة والتنغيص...

ومن ثم يستهزأ مظفر بكروش الخليج التي تحكم شعوب الخليج لا لخيراً فيهم وفضل سوى أنهم حاكمين متسلطين فقط، ويتذكر ثورة (جهيمان العتيبي) الذي سالت دمائه قرب كعبة بيت الله الحرام الذي لم تكن لحرمته حرمة فقد مسخت سياسية ال سعود حرمة البيت بقتل الثوار أنصار (جهيمان العتيبي) قرب كعبة بيت الله عن طريق قوات خاصة فرنسية إستقدمتهم السلطات السعودية لهذا الغرض، ومن ثم لفقت السلطات السعودية التهم ضده وأنصاره وثورته، يقول النواب:
هذا الجرب الكلي لن تتركه سهيات –منطقة في السعودية-...
لن يتركه دم جهيمان...
ولا يتركه الوعي العتيبي ليرعى...
وأرى قدح السكاكين من الإحساء...
إني لأراها...
وأرى خلف رماد الصمت ماذا في المواقد...
السعوديون إسرائيل مهما كحلوا مشروعهم...
ولقد يلقون بالعظمة إسكاتا لمن ينبح من تحت الموائد...
إنني أضحك...!!
مجموعة جرذان كراش فرقة العزف الخليجي...!!
وقرد يضبط اللحن الخيانيَّ...

ويبكي النواب على التخاذل لدى الشعوب العربية وقتها وكيف أصبحوا عبيداً لحاكمين جهلة وهمج وفاسدين وظالمين أمثالهم يقول:
وأبكي أننا لا شيء...
أصفاراً...
نعاني غربة الصفر.. احتلام الصفر.. حزن الصفر.. صمت الصفر...
أخرج أيها الصفر..
من النفي النهائي إلى الكون النهائي...
انتفض.. كن...
امحق الآلية العمياء والنفي ونفي النفي...
فالإنسان لا الجبرية العمياء قائد...

ويتوجه النواب لثوار البحرين قبل عشرات السنين من حصولها فعلاً اليوم، وكأنه يخاطبهم اليوم وهو يثورون ضد ظالميهم وقد أنقلب الخليج وحكامه ضدهم وأمريكا من خلف أولئك الحكام حينما أعطتهم الضوء الأخضر وهم لا يفعلون شيئاً دون إستشارتها وموافقتها المسبقة، كلهم تجمعوا ضد ثوار شعب البحرين الصامد رغم قلة وخذلان الناصر فيقول:
وأنا أعلن قلبي نجمة شذرية بين سفين الليل...
تستشعر بعض الدفء...
في كوة حزن ما وراء البحر والأيام...
في سجن بعيد بالمنامة...
لم ينم هذا السجين الجدلي الوجه...
ما زالت مآقيه كخط الفجر في الليل الخليجي...
وما زال بخار البحر والخلجان في تهويمه والموج...
والأغنية الأولي لقبطان جريء مبحر نحو القيامة...

ولا ينسى النواب العراق وطنه وفلسطين ضميره في كل حين وثورة، لكي يرعب ويخيف بكلماته من باع وطنه وضميره، فيقول:
والبصرة مرمياً على الأسلاك...
بغداد بلا شباك...
أنساه ولكن قط لن أنسى...
أنا قلبي إذا ما نفثت أفعى...
وتاب السم والجاسوس والمشروع...
لا.. بل طلقة ثم الحدث...
الدراج الأرجواني الذي عمري سأعطيه...
لمن سأعطيه...؟!
لمن لا يصل الشعر الحقيقي...
لمن يلصق في وجه المحطات...
أغاني الدم والشوق الفلسطيني...
أو طفل وحيد في الحدث...
سوف أعطيه لمن يرقى جدار السجن...
يعطي خالدا قلبي وشعري...
وسلاما من كثير الحب نث...
هكذا أرسيت أن القائد القائد تنفيذ...
ولا يتجر بالدم لكي يقبض أثمان الجثث...
((يتبعها قريباً الحلقة السابعة والأخيرة))

104
مظفر النواب والثورات العربية (فلسطين ومصر والسعودية 5/7) 

حيدر محمد الوائلي

((الحلقة الخامسة))
ومن ثم يعرج مظفر النواب على فلسطين الجرح الغائر في شرف الأمة العربية، والكيان الصهيوني الذي أصبح من أقوى دول المنطقة بفضل خيانة الحكام العرب وتخاذل الشعوب تلك الأيام وحتى يومنا الحالي...
وبعد اللتيا والتي وبعد أن وقع الفأس بالرأس فقد أتت الثورات متأخرة جداً ضد تلك الأنظمة الفاسدة والمتخاذلة، ولكنها جاءت وهذا المهم في الأمر فمرحباً بالثورات ضد الظالمين ورحم الله شهداءها ممن نذروا النفوس قرابين على مذابح الحرية صارخين بـ(لا) للحاكمين الظالمين الفاسدين، وخوفي أن يرث دماء الشهداء الزكية تلك الجبناء والأنتهازيين، وخوفي من أن تأكل الثورة أبطالها ليحكم بأسمهم جبنائها ومن خذلها وتقاعس عنها.
يقول مظفر النواب (قصيدة طلقة ثم الحدث):
إني ذاهب للجرح...
للطلقة...
للعمق الفلسطيني...
لا تلتزم الطلقة...
لا يلتزم الإسعاف إلا بالمهمات وخط السير...
قد يرتبك العداد، قد تشتبك الأحداث والحارات والخندق...
أستهدي بطعم الألم الثوري...
أستهدي بنجم غامض لا يتلف البعد ولا تتلفه الأبعاد...
أستهدي بقلبي كلما ضعت...
هنا خارطة للوطن المحتل...
لا تقبل شبراً ناقصاً منه...
وقد أمنها عندي بقلبي، هاهنا الأجداد ...

ويسأم النواب كما الشعب من برقيات المواساة والحزن المزيف لضياع شرف فلسطين ولسكوت الحكام وشعوبها على مجازر ظلم النظام السابق بحق العراقيين وبغداد مسرح للقتل والدمار وحصار أهلها دون نظام الحكم السارق السلطة يومها، والعرب يتفرجون على العراقيين يموتون ويجوعون ويقتلون بعشرات الآلاف يومياً...
والشعوب العربية خانعة وترى العراق يثور ضد الحاكم الظالم سنة 1991 ولا يوجد له لا ناصر ولا معين ولا حتى برقية نصرة لهذا الشعب المظلوم لتصبح فجأة اليوم الثورات مباركة (دينياً وسياسياً) ويتسابقون على برقيات البركة وكأنهم كانوا موتى قبل ذلك فأحياهم تفجر ثورة الشباب العربي.
فأين كنتم قبل هذا، أيام كانت رؤوس العراقيين ترفع على الرماح العربية بالمشانق والسجون، وظالميه يقتلونه ليل نهار ولا يؤيد ثورة الشعب أحد فلا كلام، ومظفر النواب يريد ما يفعله الشعب العربي اليوم من ثورات تونس ومصر وليبيا والبحرين والسعودية واليمن وسوريا والحبل على الجرار فطلقة ثم الحدث حيث يقول:
ها أنا أعلن أن الجرح يمتد...
ولا يلقى سوى المستنقع القطري حتى العظم...
والحزن البريدي...
سئمت الحزن برقياً.. سئمت القتل تكراراً...
كفى مهزلة...
إني أحن الآن أن أقتل في بغداد...
أعطوني قرارا واضحاً...
أو أنني حربٌ على هذا تصديكم...
ولا أفهم ما معنى صمودٍ سالبٍ...
أو وحدة في الدرج...
قد تفنى وما زالت.. ويفنى بعدنا الأحفاد...
طلقة ثم الحدث...

ويعود النواب يستذكر وثبة (خالد الأسلامبولي) الذي إغتال حاكم مصر (أنور السادات) صاحب اتفاقية (كامب ديفيد) إتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل ويعده النواب ثائراً بأمتياز ثم يصف النواب ألم (خالد) وتعذيبه ولماذا فعل (خالد) ما فعل، يقول:
سمع الطلقة فأهتز...
فهذي طلقة قد أطربت حتى الجماد...
شهق الكون.. من التنفيذ.. من شاحنة الأقدار...
واشتاقت برحم الغيب أجيالا...
ترى (خالد) طوداً يطلق النار...
وصوت الشعب في الطود...
وقد فرت حكومات الجراد...
يا لواءاً خامراً بالله والتنفيذ...
هذي كانت التكبيرة الأولى لأرتال صلاح الدين في أيامنا...
من أي تركيب من الأحزان.. والأعشاب.. والعزة...
مصر عجنت لحمك...؟!
من أي حنان حزن عينيك...؟!
وضحك الطلقة الأولى، وتلك الوقفة العملاقة النشوى...
أيا عملاق.. يا عملاق في التخطيط.. في القفزة.. في الإجهاز...
في تلخيصك الفوري للموقف...
تحيا مصر...
في فهمك للبعد الفلسطيني للنيل...
وفي غيبوبة كنت بها لا شك في القدس...
رآك الناس رؤيا العين...
أطعمت حماماتٍ بلون العشق والفيروز في الأقصى...
ولما إجتمع الأطفال كنت الأب والحلوى...
وأعطيت يتيماً دامع الخدين ظرف الطلقة الأولى...
وقالوا ذهب الطفل إلى قبر أبيه...
أفعم الظرف تراباً، وأتى يركض...
فأستغفيت.. أو غبت عن الوعي على طاولة التعذيب...
وانهارت على صمتك آلاف العصي...
إنهارت الدولة.. أمريكا...
ومن أُخرِج كالقنفذ من تحت المقاعد !! –يقصد حسني مبارك–
يرفس التعذيب ذئباً تحت أقدامك...
فالترتيل باسم الله والجوع...
لقد صلّب كالصخرة هذا القلب...
لكني أرى عشق في قرار القلب...
ثم النار.. ثم البحر.. والتاريخ.. والوعي الرسالي لهذا الكون...
تلتف.. وتلتف.. غريب يمسك الجوع على الإيمان سكيناً...
غريب ليس يكفي الجوع...
غريب ليس يكفي الوعي...
وعي الجوع...
تلك الطلقة الخالقة الأولى...

ويعرج النواب مرة أخرى لدور السعودية المتخاذل والسلبي كما في ثورات اليوم حيث ناصرت ظالمين ضد اخرين وفق نفس طائفي مقيت فقد رحبت بدكتاتور تونس (زين العابدين) ودكتاتور اليمن (علي عبد الله صالح) ودعمت دكتاتور مصر (حسني مبارك) وقمعت ثورة البحرين بالسلاح والدبابات ودرع الجزيرة الذي تقوده السعودية بدعم من دول الخليج بالمال والجنود والسلاح...
ولا زالت دماء ثوار البحرين ندية، وآثارها باقية شاهدة لساعة كتابة هذه السطور على جرائم إقترفتها أنظمة الحكم الخليجية الظالمة الخائنة على أيدي قوات درع الجزيرة بقيادة السعودية دعماً لدكتاتور البحرين ضد شعب البحرين لسبب طائفي بغيض وهو أن غالبية شعب البحرين يدينون بطائفة تخالف الطائفة التي بأسمها يحكم ملك السعودية وملوك وأمراء الخليج، فيقول النواب مخاطباً خالد الأسلامبولي ومن ثم يعرِّج على هذا الموضوع:
وكم جعت.. وجاعت مصر...
واستفردها النفط...
قد إستفردها النفط السعودي...
ولكن بصقت في وجه كل النفط...
لكن وضعت كل الأسى والدمع في مخزنك الناري...
لمّا تنتهي الأشياء...
تلك الطلقة الأولى وللحدس شواهد...
((يتبعها قريباً الحلقة السادسة))

105
لماذا تأجيل إعلان نتائج التحقيقات

حيدر محمد الوائلي

قبل الخوض بالمقالة وبما أن عنوانها سؤالاً، فينبغي جواب السؤال ومن ثم الخوض في التفاصيل...
الجواب: إن كان التأجيل لغرض التأكد من الجريمة ومرتكبيها ومن يقف خلفهم فهو أمر جيد ولابد منه، ولكن لو كان التأجيل لأغراض سياسية وجاء بضغوطات من أجل إخفاء بعض الأسماء فهذه جريمة أخرى.
وأخشى أن يكون الجواب الثاني صحيحاً...!!
   
بعد أن بانت خطوط المؤامرة بتورط موظفين كبار في مكتب نائب رئيس الجمهورية الدكتور (طارق الهاشمي) بعمليات الاغتيالات والتفجيرات عقب اعتقال مدير مكتبه ومسؤول كبير في قوة حمايته وشخص أخر يعمل معهم، حيث كانوا يتلقون أموال ويستخدمون هويات رسمية وسيارات مخولة بالدخول للكثير من المناطق لتنفيذ عمليات إرهابية...
وبعد أن ألمحت القيادات الأمنية أن هنالك بعض الشخصيات السياسية ومنظمات غير حكومية متورطة بعمليات إرهابية ومخططات إجرامية وتلقي دعم خارجي مخابراتي ومادي لتنفيذ مآرب تلك الدول بزعزعة الاستقرار والأمن في العراق...
وبعد تصريحات (بعض) أعضاء القائمة العراقية التصعيدية والابتزازية والاستفزازية المؤخرة وتركهم للبرلمان لغرض نشر الفتنة وتصعيد النزاع للتغطية عن نتائج التحقيقات بتورط شخصيات بارزة تنتمي لأعضاء من القائمة العراقية بعمليات إرهابية...
وبعد أن تبين أن أغلب مرتكبي جريمة عرس الدجيل (فراس الجبوري وعصابته) هم من قيادات القائمة العراقية في مناطقهم ولهم صور ترويجية لانتخابات تجمعهم بقيادات من القائمة العراقية مثل (صالح المطلك نائب رئيس الوزراء العراقي الحالي) و(أياد علاوي رئيس القائمة العراقية) وغيرهم...
وبعد تصريحات نائب رئيس الوزراء (صالح المطلك) بأن رئيسه الحالي (نوري المالكي) أشد دكتاتورية من رئيسه السابق (صدام حسين)...

بعد كل ذلك ولقرب إعلان نتائج التحقيقات بتورط شخصيات كبيرة في الدولة جاء الخبر بتأجيل الإعلان عنها...
بعد أن نشرت قناة العراقية الفضائية أن سيتم إعلان نتائج التحقيقات وفجأة أطل المتحدث باسم عمليات بغداد اللواء (قاسم عطا) مع المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى (عبد الستار البيرقدار) ليعلنا سوية تأجيل إلاعلان عن نتائج التحقيقات بحادث تفجير البرلمان بعد أن ألمح مسبقاً اللواء (قاسم عطا) عن تورط رؤوس كبيرة في القضية، وهكذا خبر لا يخفى على الكبار...
فسارعوا إلى لملمة الأوضاع...!!
فتم التأجيل في ليلة وضحاها...

لا أخفي عليكم كم أصابني الإحباط الشديد والحزن العميق والألم الكبير لهذا الاستهتار بحرمة الدم العراقي الذي أصبح أرخص من بخس دراهم معدودة، يهدره سياسيين لمآرب سياسية...
دم رخيص من السهل أن يهدروه لمتطلبات العملية السياسية ولغرض استخدامه كورقة ضغط من أجل تقديم تنازلات سياسية...
دم رخيص لا يطالب به أحد ولا يحترق قلوبهم على تلك الأرواح التي قتلوها بتفجيراتهم ليتم الآن تأجيل إعلان نتائج التحقيقات وأخشى أن يكون لغرض التغطية على بعض الشخصيات الكبيرة أو رضوخاً للضغوط السياسية...

ستكون هذه القضية هي المحك الحقيقي للقضاء والحكومة والبرلمان والرئاسة وللسياسيين والأحزاب لكي يبرهنوا عن وطنيتهم وحرقة قلبهم على هدر دم الشعب العراقي...

كانوا يفجرون ويغتالون بكاتم الصوت لكي يضعفوا الحكومة ورضوخاً لتوجيهات خارجية طائفية وسياسية، ومن يسكت عنهم ويغطي مفاسدهم وإجرامهم هو مثلهم كائناً من كان...

خوفي أنهم سيجلسون سوية (الخصم والحكم) ويصفون حساباتهم ويقدم بعضهم لبعض تنازلات سياسية وينتهي الأمر (ولا من شاف ولا من دري)...

لماذا التعامل بطبقية، خصوصاً وأن الجريمة يتساوى العقاب فيها رغم اختلاف مرتكبيها، أم أن حتى الجريمة فيها محاصصة؟!!
أم أن هنالك فرق بين المجرم (اللي فوق) والمجرم (اللي تحت) حيث يتم على الفور معاقبة المجرم (اللي تحت) والمماطلة والتغطية والتسويف على جرم (اللي فوق)...

قيل أن وساطة تدخلت لدى رئيس الوزراء الأستاذ (نوري المالكي) لتأجيل إلقاء القبض على المجرمين الكبار ومنهم متهمين بتفجير البرلمان العراقي...
وأن لجنة من خمس قضاة تم تكليفهم من قبل مجلس القضاء الأعلى للتأكد من نتائج التحقيقات التي أثبتت تورط مدير مكتب وأفراد حماية الدكتور طارق الهاشمي بعمليات إغتيال ضباط عراقيين بكاتم الصوت، وتفجير البرلمان...
إذا صح الخبر ودققوا النتائج وتم عرض النتائج بعد فترة أيام معدودة فاعتبروا هذه المقالة ملغية ولا داعي لها أصلاً...
وإن لم ينفذوا وعودهم ولم يعرضوا الاعترافات في غضون أيام ولم يلقوا القبض على الشخصيات الكبيرة المتورطة بعمليات الاغتيالات والتفجيرات، فهي الخيانة العظمى والاستهتار الكبير بدم الشعب العراقي...

وستنتظر أرواح الشهداء من يطلب بالقصاص لها كي تستريح...
كما سينتظر الشعب نسمة من العدالة والحرية والمساواة والكرامة كي يستريح أيضاً...

106
مظفر النواب والثورات العربية (طلقة ثم الحدث 4/7)

حيدر محمد الوائلي

((الحلقة الرابعة))
وفي قصيدة جميلة كغيرها كثيرة سجلها مظفر النواب في سجل الإبداع الأدبي العربي المتواصل، تلك هي قصيدة (طلقة ثم الحدث)...
ترى الثورة الشعرية بأوج عظمتها، وبأحر لهيب نارها، تحرق هياكل من عروش بنيت على جرفٍ هارٍ من هياكل وجماجم الأبرياء والأحرار المطالبين بالحرية والكرامة والعدالة...
ومظفر النواب يرى الهياكل والجماجم جذوراً تحفر الأرض لتثبت القدم ليشهق الرأس عالياً صارخاً (الله أكبر) فللحرية الحمراء بابٌ بكل يد مضرجة يدقُ...
لتنبت شجرة الحرية التي سقت جذورها دماء الشهداء لتتورد أوراق الحرية خضراء يانعة...
الشاعر الثائر منذ عشرات السنين ولازال شاعراً ثائراً وهو رافض ومعارض بشعره للظلم حيثما عشش...
والظلم يعشش حيث يجد وكراً خاملاً ذليلاً متخاذلاً فوجد الظالمين والمتسلطين ضالتهم في الأرض العربية المسلمة التي ساهم رجال دينها وسياسييها وصراعات داخلية وخارجية وطائفية وقومية ودينية في جعلها ضعيفة ومتهالكة ومتهرئة وجعلت أظلم وأقسى وأجهل خلق الله يحكمون هذه الأرض الغنية بكل خيرات الله، فأتخمت البطون الحاكمة والمتسلطة وجاعت بقدر شبعها شعوب خلق الله الذين لم يكن لهم ذنباً إلا أن أنهم وُلِودوا ليحكمهم جاهل وظالم وجائر أسمه الحاكم وولي الأمر والسلطان والرئيس والملك والأمير، حيث لا إنتخابات حقيقية ولا همس بكلمة الحرية والديمقراطية، فحتى لو أعطوا الشعب حقه في أرضه رواتباً وخدمات فيمنون عليه بها وكأن خيرات الأرض ملك أبيهم ورثوه ليتصدقوا به على الشعب...
ولا خير في لقمة تتبعها مذلة، فالحق يؤخذ أخذاً، ولا يسمى حق من يشحذه بالذل شحذاً...

النواب الشاعر الثائر أيام كان العراق وأحراره من إسلاميين وعلمانيين يصرخون (لا) للظالمين، حينما سرق حزب البعث السلطة في العراق ومقتل أخر الحكام العادلين في الوطن العربي والعراق وهو الزعيم (عبد الكريم قاسم)، الذي قتلوه ولم يترك بعده من حطام الدنيا لا بيتاً يسكنه ولا ثروة يتنعم بها ورثته بعده حيث كان برصيده بقايا بخس دنانير معدودة من راتبه كضابط في الجيش العراقي رغم كونه رئيس الوزراء ويحكم خزائن العراق، وقضى فترة رئاسته في بيت أخيه حيث لم يكن له منزل يملكه...

كان العراق يومها وحيداً يصرخ بـ(لا) للظالمين، ويومها كانت أكثر الشعوب العربية وحكامها تهتف بـ(نعم) للظالمين و(بالروح بالدم نفديك يا......).
وكان في العراق الكثير ممن هتفوا بنعم للظلم ولكنهم لم يوقفوا مسيرة الأحرار الرافضين للظلم...
من أهوار الجنوب لجبال الشمال عبر سهول الوسط، كان العراق مليء بثائرين أحرار رفضوا الظلم أيام خنوع أكثر الشعوب للظلم...
وشعبٌ عراقيٌ تحمل القهر والألم والسجون وسفك الدماء ولم يؤيد الظالمين وضحى بعشرات الآلاف قرابين على مذبح الحرية (طبقاً لإحصائية منظمة حقوق الإنسان العراقي بعدد ضحايا نظام البعث السابق حيث أحصوا حوالي خمسة ملايين إنسان تم قتلهم وتصفيتهم)...

في تلك السنوات الأليمة كان العراق ثائراً منتفضاً رافضاً للظلم، بينما كان زين العابدين حبيب شعب تونس وحسني مبارك معبود جماهير مصر ومعمر القذافي ملك ملوك أفريقيا وأمير المؤمنين وسيد الحكام العرب...!!
لم تسجل أي انتفاضة ضدهم من شعوبهم طوال سنين حكمهم...

ولكي لا نحيد عن الصواب ولا نجانب الحقيقة والأنصاف فلقد سجل التاريخ معارضين بعضهم هاجر للخارج لاجئاً وآخرين غيبتهم السلطة في السجون ولم يطالب بهم أحد، وأخر ساكت دون تسجيل ثورة ولا انتفاضة تذكر إلا القليل جداً (كان أبرزها في مصر).
رغم وجود معارضة لهم، ولكنها كانت بالكاد يُسمع صوتها، ولكن العراق وفي فجر آذار من العام 1991 فجر الشعب ثورته الجماهيرية بانتفاضته الشعبانية وزعزع نظام حكم النظام السابق وسقطت جميع محافظات العراق بيد الثوار...
ولكن الرئيس السابق صدام حسين بعث بكبار قياداته الأمنية والحزبية ليجتمعوا مع القوات الأمريكية ومخابراتها في ما أسموه بأجتماع خيمة (سفوان) وقدم المفاوضين العراقيين التنازلات اللامتناهية لأمريكا مقابل أن ترفع أمريكا الحظر الجوي المفروض على العراق عقب الأجتياح الصدامي للكويت عام 1990، وفعلاً سمحت له أمريكا السائرة حيث مصلحتها بذلك وفتحت المجال الجوي لقوات الرئيس السابق صدام والذي كان محظوراً عليه الطيران، وتنازل في الأجتماع للكويت بحصة كبيرة من شط العرب التابع للعراق، وما مشكلة ميناء مبارك اليوم إلا بسبب ذلك الاجتماع المشؤوم...
فقصفت قوات نظام الرئيس السابق صدام وحزبه وجهاز أمنه المدن والقرى والأرياف العراقية الثائرة بالأسلحة الثقيلة وبالطائرات وأخمد ثورة الثوار بسيل الدماء ومجازر مروعة بحق الثائرين الذين لم يكن لهم مناصراً غير الله وصراخات الحق والحرية...

وبعدها تبدأ صفحة جديدة من السجن لكل من شارك بالأنتفاضة، أو إشتبهوا به بالمشاركة فيها، ولكل من لديه أقرباء شاركوا بها...
ومن بعدها قام الرئيس السابق صدام بأتخاذ قراره الجائر بتجفيف أهوار جنوب العراق الممتدة على مئات الكيلومترات لأنها منها إنطلقت شرارة الثورة بالرغم من أن هذه الأهوار إرتبطت بتاريخ العراق منذ نشأة أولى الحضارات (حضارة سومر)...

لينشر السفير الأمريكي في العراق (جيفري) مقال في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 10/تشرين الثاني (نوفمبر)/2011 كتب فيها إعتذار للشعب العراقي من الحكومة الأمريكية لمناصرة أمريكا لنظام صدام وعدم مناصرة الثورة الشعبانية سنة 1991 المطالبة بإسقاط النظام.
طبعاً هذا الاعتذار جاء لمتطلبات اللعبة السياسية.

مع العلم أن لا الثوار ولا المواطنين طلبوا مناصرة أمريكا لهم يومها أساساً بل فقط طالبوا منها أن لا تدعم نظام صدام وهم من يتولون مهمة إسقاطه، على عكس ثورات اليوم رغم تقديري لها ولكن أكثرها جاء بمباركات وتدخلات أمريكية وإقليمية واضحة وكما حصل مثلاً في ثورة ليبيا ضد الدكتاتور القذافي حيث رفع الثوار الأعلام الأمريكية يقبلونها ومنهم من يقبلها أمام شاشات التلفزة وهو يهتف بأسمها متحمساً لها وللناتو...
وكما في سوريا التي تدخلت (العرب والأعاجم)!! لأسقاط نظامها، قطر والسعودية وتركيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا تحمل شعارات الثورة السورية وتهتف بها (تريد إسقاط النظام) أكثر من السوريين الثوار أنفسهم.

كل ذلك والأخوة العرب ووسائل إعلامها وصحفها ومجلاتها وراديوهاتها وسياسييها وشعوبها ساكتين لم يناصروا ثوار العراق يومها لا بدعم مادي ولا معنوي...
واليوم يعيبون على كل من لم يناصر الثورات العربية التي قلّد بعضها بعضاً، ما عدا ثورة شعب تونس التي فجرت نفسها بنفسها بنار (محمد بو عزيزي)...
بينما في العراق فقد كانت معارضته شديدة وواضحة ومتحركة وفاعلة (علمانية منظمة، ودينية منظمة، وعشائرية وشعبية دون تنظيم) ومنذ أيام سرقة حزب البعث للسلطة في العام 1963.

مظفر النواب يذكر ويوثق في هذه القصيدة (طلقة ثم الحدث) التي ألقاها قبل عشرات السنين من اليوم (2011) وتنبأ بسقوط أنظمة عربية وألهم لثورات ضد حكام بعينهم سقط بعضهم وآخر في طور السقوط...

يستهل النواب قصيدته بهذه الأبيات في وصف الحكام العرب المجتمعين في القمة العربية المتخاذلة والبائسة بأجمعهم بعنوان رئيسي لهم، وهو أنهم ظالمين فاسدين، يقول:
لماذا أدخل القمع إلى القلب...
وتستولي الرقابة على صمتي...
وأوراقي.. وخطواتي.. ومتاهاتي...
ألّا أملك أن أسكت.. أن أنطق .. أن أمشي بغير الشارع الرسمي.. أن أبكي...
ألّا أملك حقا من حقوق النشر والتوزيع للنيران مجاناً...
لماذا يضع السيد هذا وطني في جيبه الخلفي...؟!
من أرثه النفط وتسويقي...
ومن ذا راودته نفسه أن يشتريني...
قسما لا بالسموات...
لكن بالسموات التي تمطر في عينيّ جنوبيٍ يتيمٍ في الحدث...
أحرق بيته...
طلقة ثم حدث...

ثم يوضح النواب الدور الأبرز لأمريكا في دعم وصناعة أولئك الحكام العرب الظالمين والفاسدين:
يصطف من صلى صلاة السيف والطلقة أمريكا هي الكفر...
وأمريكا ومن سوف هنا حزني...
ففي سوف صراع لم يحن...
أجلته إستعجلني...
كان يرى الأزمات والأوساخ والأبواب لا الطوفان...

كان البدء دعوة مظفر النواب للثورة في مصر ويختمها بالدور الكبير لنظام الحكم في السعودية في دعم الدكتاتوريات والأنظمة الفاسدة ولا زالت لليوم السعودية بنفس دورها تمثله وهو واضح للعيان، ولا يوجد من يقف ضدها فأمريكا وإسرائيل من خلفها تدعم السعودية وذيلها قطر في قمع كل حرية وحر وكل ثورة وثائر بالأموال والمخابرات ووسائل الأعلام وهي من أكثر البلدان تصديراً للنفط في العالم، وفيها أكبر احتياطي نفطي في العالم...
وأمراء السعودية وقطر يملكون الكثير من القنوات التلفزيونية ووسائل إعلام مختلفة عربية وعالمية، لا بعقولهم بل بأموال نفط شعوبهم المسروقة... يقول:
أفهموا مصر.. فكم من عاشق أتلف سوء الفهم نجواه...
وعري طاهر عندي ولا ثوب مريض الطهر رث...
أفهموا العمق.. فما كان أتى من عمقها...
واختمار العمق عشقٌ...
ولكم مختمر بالسطح والعمق غثاء وعبث...
السكاكين هي المهلة...
هل ترجو من الرحم الذي لقحه المال اليهودي طهورا في الطمث...
نجس كلٌ، سوى من لهف الأول بالجملة أوساخاً...
و(حسني) أحد الأقساط فيما قد لهف...
السكاكين هي المهلة...
أو عصر (يهوديٌ) (سعوديٌ) سيبني ألف ماخور من التلمود في أطفالنا...
في الحب.. في القرآن.. في الشارع.. في الأحلام...
فيمن شهدوا بدراً...
وفيمن شهدوا واستشهدوا...
من أجل أن نحيا ويستدعى الى محكمةٍ حتى النوايا والجثث...
((يتبعها قريباً الحلقة الخامسة))

107
البحرين بين زواج الأمير وقائد الشرطة الأمريكي

حيدر محمد الوائلي

نص الخبر كما أوردته وكالات الأنباء: (البحرين تستعين بقائد شرطة أمريكي سابق للمساعدة بتنفيذ إصلاحات في جهاز الشرطة).

هذا كان نص الخبر قبل أيام قليلة وعساه ما كان ولم يكن، فهو يزيد الأمة العربية ذلاً وظلماً وخذلاناً فوق ما فيها من ذلة وظلم وخذلان...
ولا أعرف لماذا لا يأتينا من أخبارنا السياسية العربية خيراً؟!
ولماذا لا نسمع منها إلا الظلم والمكر والخبث والقتل والحيلة والمؤامرات والطائفية؟!

هكذا فهمت الخبر، فللأخبار ظواهر مليحة وبواطن قبيحة، ففهمته هكذا: (حكام البحرين يتملقون لأمريكا بجلب قائد شرطة أمريكي لترضى عنهم أمريكا وحتى لو غضب الله عليهم وكل حر وواعي)...
كان هذا الخبر قبل أيام قلائل، لا مبشراً بخلاص البحرينيين من الظلم والدكتاتورية التي عششت بكرسي الحكم بقصور بنيت على جماجم الأحرار، ولم يأتي بأمل يلوح في أفق المظلومين بالخلاص من الظلم...
كان هذا الخبر قبل أيام، بخطوة تصورتها السلطات في البحرين أنها ذكية، بالتملق لأمريكا بأن تستعين بقائد شرطة أمريكي سابق بحجة تنفيذ إصلاحات في جهاز القمع البحريني القاتل ليعلمهم (هذا الأمريكي) ويصلح حالهم ويعلمهم كيفية التعامل الإنساني مع المتظاهرين...!!
لعنت زماناً خصى العقل فيه تقود فحول العقول...

نست أو تناست السلطات البحرينية أن أمريكا تسير حيث مصلحتها، ومن قبلها كان صدام حسين وحسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي من أكبر مناصريها ومن أصدقاء أمريكا في المنطقة، فانقلبت عليهم جميعاً وتركتهم يسقطون الواحد تلو الآخر، فالسياسة كسيارة الأجرة يركبها البعض حيناً لينزل منها تارة ليركبها شخص آخر تارة أخرى فيتخلص منها لو أراد آخر لم يركبها معهم...
وهنالك مثال آخر حول السياسة لا يصح ذكره هنا... فسأذكره في نهاية المقالة!!

تصورت السلطات البحرينية أن الشعب البحريني غبي مثلها، ولم تعلم أنه فاهم ولبيب، وكل لبيب بالإشارة يفهمُ، فكيف لو لم تكن إشارة بل تصريح صريح...
وتصورت أن المحيط الشعبي الإقليمي يعاني من البلادة في التفكير كالبلادة الفكرية في السلطة البحرينية وممن ناصرها من سلطات الخليج...

هم لم يستعينوا بتعاليم الإسلام وسنة الرسول والعلماء الواعين والمصلحين والمثقفين، بل استعانوا بقائد شرطة أمريكي سابق لا يفقه من لغتنا العربية كلمة، ولا من ديننا الإسلامي تعاليم، ولا من عادتنا وتقاليدنا أمراً، ليعلم قوات القمع البحرينية (المسلمة جداً) أن يتمسكوا بتعاليم الإسلام وحقوق الإنسان...
يذكرهم هذا القائد الأمريكي بأحاديث الرسول محمد (ص) حيث لسان حال قائد الشرطة الأمريكي قائلاً: (أنا مسيحي علماني لا أؤمن بدينكم أصلاً ولكني أأخذ قول نبيكم كنص تاريخي لا أكثر حيث يقول نبيكم محمد (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده)، وأن من أذى إنساناً فسيعاقبه الله وفق الدين الإسلامي بقدر إيذاءه، وأن في القصاص حياة لأولي الألباب ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد بالأرض كقتل متظاهر سلمي مثلاً أو تصفية حساب طائفي على حساب الشعب أو قتل من وقف بوجه الحكم الظالم فجزاءه جهنم خالداً فيها، فهو قد قتل الناس جميعاً وفق نص صريح في الـ(Holy Quran)...!!

لا أعرف من أشار على السلطات البحرينية أن يتغابوا بتجاوز كل معايير الوطنية والسلامة العقلية والعدالة وحق تقرير المصير والكرامة والحرية لشعب البحرين ليقفزوا عابرين نصف الكرة الأرضية ليأتوا بقائد شرطة أمريكي؟!! 
أما يكفيكم ظلماً يا ظالمي البحرين لتتملقوا وتستنجدوا بكل من هب ودب من أمريكا وإسرائيل وأوربا وحكام الخليج لينجدوكم من شعبكم الذي سوف لن يكل أو يمل حتى يتنصر...
حتى متى تبقى السلطة في البحرين في غيها وإستهتارها بأرواح الناس...؟!

زوّج ملك البحرين قبل فترة أبنه الأمير لبنت ملك السعودية فسالت الدماء من على فراش الزوجية...!!
لم تكن دماء فض بكارة بل سيل دماء شباب الشعب البحريني الحر الذين قضوا تحت نيران قوات درع الجزيرة الخليجي وبمباركة مأذون الزواج من مفتي المملكتين ورجال دين المملكتين وسياسيي المملكتين...

كان المهر من خيرات شعب البحرين التي هدرها الملك وأهل الملك وحاشية الملك...
لم يكن ابن ملك البحرين (روميو) بن خليفة ذاهباً في رحلة للملكة العربية السعودية فصادف (جولييت) بنت الملك عبد الله بن عبد العزيز، فسحرته بقوامها الممشوق، وسحر عيونها كعيون المها بين الرصافة والجسر، وشعرها الأسود الطويل الناعم كالحرير...
ربما لم ير (روميو) بن خليفة (جولييت) بنت عبد الله بن عبد العزيز آل سعود أصلاً، وربما راءاها فقط في ليلة الدخلة، وربما أنصدم (فلا قوام ممشوق ولا عيون ولا.....)!!
كان زواجاً سياسياً، لكي يرتبط مصير البحرين بمصير السعودية فالشعب والأرض ومقدرات البلاد ملكاً لهم، فحتى لو نجح أحرار البحرين وثواره السلميين، بأسقاط نظام قمع آل خليفة، فسيخشى الملك عبد الله على ابنته، فسيحميها وزوجها وعائلته وحماها وأخوال حماها وأعمام حماها وحاشية حماها وسلطات حماها بقوات درع الجزيرة الذين زفوهما بالدبابات والمدرعات بعد أن داسوا على شعب البحرين ليوصلوهم لعش الزوجية من عظام شعب البحرين...

تتصور السلطات البحرينية أن صلة الرحم هذه ستنسي الأحرار صلات أرحامهم التي قطعت برصاص ونيران وهراوات قوات القمع...
وتتصور أنهم ماكرين ودهاة في السياسة بينما هم مجرمين، وسينالهم بقدر ظلمهم عدلاً من قصاص الشعب المظلوم بهم...

هذه السياسة العاهر التي يركبها كائناً من كان ليأخذ حاجته ويلقي بقذارته فيها فيلقيها حاملاً بنكرة سيلتصق به ذكره ليمضوا سوية لمزبلة التاريخ...

الدنيا يومان، يومٌ لك، ويومٌ عليك...
فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فأصبر...
وهي لكم اليوم يا سلطات البحرين، وهي على الشعب الأعزل المسكين ولكن للصبر حدود وبالصبر يُنال الظفر...

ربما حقق درع الجزيرة بقتله وقمعه المتظاهرين العُزّل والمسالمين بعض النتائج، بتأخير الثورة في البحرين وقمعها...
وربما حقق تكميم أفواه وسائل الأعلام ومنعها من تغطية المظاهرات السلمية للشعب البحريني بعض النتائج لسلطات البحرين رغم أن المظاهرات مستمرة منذ أول أيام ثورة الشعب المصري فأنتصر شعب مصر وتبعه شعب ليبيا فأنتصر وتبعه شعب اليمن وسوريا، ولا يزال ثوار شعب البحرين محافظين على سلميتهم وانضباطهم رغم القمع والتعتيم الإعلامي عليهم...
وربما حقق الضغط السياسي الخليجي والرشاوى المقدمة والتنازلات على إخراس الجامعة العربية بإهمال القضية البحرينية، وأشغالها الجامعة ومجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة بالقضية السورية رغم دموية الطرفين (الثوار والمسلحين مقابل السلطات السورية) والثورة الليبية رغم دموية الطرفين (الثوار والمسلحين والناتو مقابل سلطات العقيد المباد) والثورة اليمنية رغم دموية الطرفين (الثوار والمسلحين مقابل قوات السلطات) كلها ثورات دموية باركتها الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة، ولكن الثورة السلمية في البحرين لا يباركها أحد ما عدا الله والواعين والأحرار...

وربما رضت أمريكا وبريطانيا وفرنسا عن ملك البحرين لاستضافته لأكبر أسطول بحري أمريكي في المنطقة، ولمواقفه المؤيدة لهم والمتملقة لهم...
 
هي حرب غير متكافئة بين آلة حرب سلطات البحرين ودرع الجزيرة الخليجي مقابل صبر الشعب البحريني الأعزل والحرب كرٌ وفر...
درع الجزيرة الخليجي الطائفي بقيادة سعودية وتمويل سحت وصمت إعلامي خليجي ومباركة سياسية أمريكية وحصانة أوربية... كل ذلك بمواجهة شعب بحريني صابر وصامد وأعزل وليس معه أحداً غير الله والواعين والأحرار...
مع الشعب البحريني درع الله بوجه درع الجزيرة...
وقيادة تتبع نهج رسول الله مقابل قيادة السعودية التي تنتهج الطائفية والقمع نهجاً...
وتمويل من أموال الحلال تواجه أموال السحت الخليجية...
وعقول متفكرة وحرة تقابل الصمت الإعلامي الخليجي والعربي وتكتمه على الثورة في البحرين دون بقية الثورات العربية... 
ومباركة من الواعين والأحرار تقابل المباركة الأمريكية لسلطات البحرين...
وحصانة ثورية من دماء الشهداء وجراح الأحرار وصراخ الحرية في زنازين القمع الخليفية البحرينية تقابل الحصانة الأوربية...
وستخبركم الأيام لمن سيؤول النصر وحسن الذكر، فالتاريخ أخبرنا كثيراً عن مثل تلك القصص...

بسم الله الرحمن الرحيم
(و لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا منكم ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين) آل عمران الآية 139-140 .
صدق الله العظيم

108
المنبر الحر / هكذا عرفت الحسين
« في: 09:46 03/12/2011  »
هكذا عرفت الحسين

حيدر محمد الوائلي

قتلوا الحسين في العاشر من محرم، فأعن ولادته للخلود صارخاً (الله أكبر) حراً أبا الأحرار، فأرعبت صرخته الظالمين والمستبدين ولتعلن كسر القيود وفتح الزنازين، بحرية حمراء فاتحاً الباب لها بكل يدٍ مضرجة بدماء الشهادة والكرامة مناصرة المظلومين والمحرومين والأحرار حيثما حلوا قائلاً يوم كربلاء بوجه الطغاة الجائرين وخير الجهاد كلمة حقٍ عند سلطان جائر، فكيف لو تبعها الجود بالنفس والأهل والأصحاب، فتراه يقول:
(لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد)...
ليصوغ بيان الثورة تبياناً للمؤمنين، صارخاً بوجه الإسلام المزيف صرخة (أقرأ) لكي لا يموت الإسلام الأصيل بسيف الإسلام الدخيل...
لكي لا يصبح نهج الرسول محمد (ص) تحت بساط بلاط الخلافة تدوسه أقدام الغانيات وتطأه دبكات الراقصات وتطقطق من عليه أقداح الخمور مدفوعة الثمن من خزينة بيت مال المسلمين يستنزفها أمير المؤمنين عهراً ودعارة ليبايعوه صاغرين ذليلين المسلمين ويلقبونه (خليفة المسلمين) ذلاً وهواناً، فرفض الحسين البيعة معلناً ولادة الإسلام من جديد كي لا يموت إسلام (محمد) بفعل إسلام يزيد ومعاوية، حيث ذاع بيان ثورته من كوفة العرق قائلاً:
(ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز منا بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وانوف حمية ونفوس أبية وأن نؤثر طاعة اللئام على مصراع الكرام)...

ونحن معك يا حسين نرفض البيعة لهم فيما مضى ولليوم، ففي كل زمان (حسين) و(يزيد) يتصارعان بأسماء وعناوين مختلفة...
ونحن نرفض أن نعيش بالذل والهوان يا حسين، لأنك علمتنا أن تكون لنا كرامة وإباء وأنوف حمية لا تطأطأ لشهوات النفوس وسياسات الخصوم...

من رحم الرسالة الإسلامية وُلدت ثورة إسلامية، في أول عقود الرسالة الإسلامية، قادها الحسين مسدَداً بقران الله بيمينه، وسنة جده النبي محمد بشماله، وسيف وثبات أباه علي بجنبه، وصبر ودعاء فاطمة له من خلفه، فأنتصر...
فثورة أولئك قوامها لا يصح لها إلا النصر...
لذلك تنتصر ثورة الحسين وفكره في كل زمان ومكان وفي كل حربٍ ضد ظالمٍ ومستبد، معلناً ولادة الأحرار والواعين والخالدين في كل زمان ومكان...

لذلك نبكي على الحسين، فبكاؤنا عليه ذكرى تلهم العزيمة...
ذلك نبكيه خالداً وثائراً وشهيداً ليصحح الدين الذي حرّفوه وزيفوه وركبوه بالسياسة ركباً أعوجاً بالرغم من مرور سنوات معدودة على وفاة الرسول (ص)، فهنا تكمن أهمية ثورة الحسين الذي حارب بالدين ضد الدين...

ثورة إصلاحية لا تقل أهمية عن ثورة الرسالة الإسلامية نفسها، لأن الحسين وجد الإسلام يتحول من دين الله ورسوله، لدين السلطة والسياسة والشهوة...

ثار الحسين ولم يحنيه خذلان الناصر من الصحب والأصدقاء، ولم يحنيه نفاق وتبريرات العلماء والمحدّثين والمفسرين ومنهم من بايعوه مناصرين فانقلبوا عليه قاتلين...

ولليوم هنالك منافقين وحتى ممن يظهر الحزن على الحسين وعلى قتله ويمارس شعائر وطقوس حزناً عليه، من يدٍ تبذل المال على خدمة الشعائر الحسينية من أموال الرشوة والفساد الإداري، وأيدٍ تلطم على الصدور وهي لا تؤدي فروض الله، وأرجلٍ تمشي لمرقد الحسين وكم مشت لفعل الذنوب الكبار فضلاً عن صغارها، وأعينٍ بكت على الحسين ونفس العين ملئوها بنظرات شهوة محرمة، وممن سيرمي الحسين وثورته ونهجه وراء ظهره، كما سيرمي الشعائر الحسينية وراء ظهره بعد نهاية الشهر...
ذلك فيمن يحب الحسين، فكيف بمن يعاديه أو ينصب له العداء...!!
 
ها هو الحسين يصرخ فيّ وفيكم وفي الناس أجمعين: (لم أخرج أشراً-أي طالب شر- ولا بطراً –أي متبطراً- ولكن خرجت لطب الإصلاح في أمة جدي رسول الله)...
هنا يكمن التجدد في فكر الثورة الحسينية بأنها ثورة إصلاح، والإصلاح تجدد لأنه يواكب كل عصر، والإصلاح يبدأ من الذات ليعم القريب ومن ثم البعيد...

لا يتصور أحد أن الذين قتلوا الحسين كانوا لا يعبدون الله؟!
فقد كان أولئك القتلة يعبدون الله أكثر بكثير من الكثير من عبادنا اليوم، وكانوا يصلون ويصومون ويتلون القران ويبكون كثيراً، مثل الذين يبكون اليوم...
ولكن لم ينفعهم كل ذلك التظاهر العبادي والدين السلبي لما حانت ساعة الحقيقة وأختبرهم الله بثورة الحسين التي أصبحت المحك الحقيقي للأيمان فكشف حقيقتهم الأمام الحسين صارخاً يوم كربلاء:
(الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون).

حارب الحسين من أجل الأخلاق والإسلام الحقيقي لكي لا يصبح خليفة المسلمين وعلماء الدين ممثلين وناطقين باسم الإسلام المزيف، ففضحهم الحسين على الملأ بلسان الإسلام المحمدي الأصيل...

الإسلام الأصيل الذي دخل يوماً رجل على مجلس النبي متسائلاً في المجلس (أيكم محمد) لعدم وجود ما يميز النبي عن غيره...
واليوم جرب وأنتقد أو تكلم برأي وفكرة إصلاحية عن شيء رفضته ويؤيده بعض العلماء أو عن رجل دين بارز أو غير بارز سني أو شيعي لينتفضوا عليك رافضين ومهينين ومنهم من يهدد ويتوعد...
وإذا كان بعض رجال دين اليوم كذلك، فكيف بالسياسيين والأحزاب والناس...

لذلك صرخ الحسين بأن دين محمد لن يكتمل حتى يسفك دمه الطاهر بكربلاء ليصرخ بالناس: صحصحوا وفكروا لكي لا تكونوا من عباد الله الغافلين كالذين قتلوني، بل كونوا كعباد الله الواعين الذين نصروني...
يقول الحسين يوم عاشوراء: (إن كان دين محمد لن يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني)...
 
نبكي على الحسين ونحزن عليه لأنه مظلوماً فأنتصر، فنتذكر كيف إننا مظلومين فهو يلهمنا الثورة والسخط على الظالم، كما يلهمنا الصبر والفكر، ولا صبر إلا بفكر، ولا فكر إلا بصبر...

نبكي عليه لأن في البكاء عليه إحياء ونهضة وخلود لذكرى العزة والكرامة والثبات على الحق...
وهذا لا يعني أن كل من يحيي تلك الشعائر مؤمن ملتزم، ومتى كان الكل في الأمور قياس...!!
ومتى كان الباحث عن الحق ينظر لتصرفات البعض ويترك الجوهر...
 
نبكي عليه لأنه نور وهدى قد قتلوه شر قتلة وجزروه جزراً كالأضاحي، بل حتى الذبيحة يرويها القصاب ماءاً قبل ذبحها، ولكنهم كانوا قساة بقتل الحسين إلى درجة أن يقتلوه عطشاناً ومن ثم يسرقون ملابسه ويتركونه عارياً على رمضاء كربلاء دون غسل ولا كفن ولا دفن ثلاثة أيام بلياليها...
تلك القلوب التي هي أشد من الحجارة قسوة...
(ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون * أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وهم يعلمون)اية74-75/سورة البقرة.

نبكي على الحسين لا بكاء الفارغي العقول بل بكاء من جعل الحسين قدوة يقتدي بها...
كان الحسين قدوة في تصرفاته وكان يدعو الناس لنهج الله القويم حتى من دون أن يتكلم فقد كانت تصرفاته تتكلم عنه...
لو حضر الحسين وشاهد ما يفعل البعض بحجة نصرته وشعائره لأخرسهم وردعهم ولكن ولات حين مناص...

ولماذا أصبحت عدد ليس بالقليل من المجالس الحسينية فارغة لا من الناس بل من الفكر المتجدد والإصلاح المتقد...
لماذا أصبحت عدد ليس قليل منها لا يوجد فيها فكرة جديدة أو نصائح هادفة ومتجددة، ولماذا الكثير من الوعاظ والمحاضرين يرددون محاضرات دينية روتينية مكررة وكأنها (إسقاط واجب)...
فارغة من أي تجدد وفكر نير...
عادة يمارسونها كأي عادة...
موروث يتوارثوه دون تفكير وتدبر...

ومن البعض ممن يمارس شعائر تؤذي الناس والجيران بأصوات مكبرات الصوت مثلاً، وتنتهك حقوق الآخرين، وتستغل الأماكن العامة وتقطع الشوارع المخصصة للناس كافة...
النبي (ص) يقول: (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) هذا هو تعريف المسلم، وأما المؤمن فتعريفه مختلف كما جاء بقول مختلف عن النبي محمد (ص): (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)...
ثار الحسين برسالة النبي محمد (ص) الإسلامية ليحارب نهج يزيد بأسم الإسلام...

ومن الشعائر الدخيلة على الفكر الديني والتي يفعلها البعض عناداً، لنهي بعض الواعين منها ومن أثرها السلبي، فيعاندون ليعملوها لا قربة لله تعالى، بل عناداً لمن أراد أن يوعيّهم...!!
 
نحن نحزن على الحسين ليس إسقاط واجب، ولا لعادة بل لأنه ملهم للعطاء والنبل والفكر المستنير ومقاومة الطيش والخسة ونحن في وقت نحتاج إلى الكثير من القدوات الصالحة والملهمة للصبر ونيل الظفر...
النبي محمد (ص) أسوة حسنة للناس والحسين (ع) كذلك اسوة، فالنبي يقول: (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً)...
فهل من المعقول أن يحب الله شخصاً أحب الحسين من دون قصد...
ألا تفكر لماذا وضع الله به هذه الأهمية على لسان جده رسول الله (ص)...؟!

ألا تفكرون لماذا وضع الله أهمية لفاطمة الزهراء (ع) حينما قال فيها الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحي: (الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها)...؟!!
ألا تفكر لماذا وضع الله بها هذه الأهمية... لدرجة أن الله يغضب لغضبها وويل لمن غضب الله عليه وأن يرضى الله لرضاها، والجنة لمن رضي الله عنه...؟!

سيعيها ويعقلها من تفكر وبحث وتدبر، وسيدعها ويتركها ويغير الموضوع ويحرف الحقيقة من من مات قلبه وعقله وإدراكه...

ليأتي اليوم قتلة جدد وبأساليب جديدة كقتلة التاريخ القديم، بتفجيراتهم ووسائل إعلامهم وسياساتهم وكتاباتهم البائسة...
ولكن هيهات منّا الذلة كما قالها الحسين ثائراً وشهيداً...
ينزعجون من ذكر الحسين وثورته بعد أن أخفاها التاريخ، فإذا بالذكرى تثور كما ثار صاحبها لتفجر صفحات التاريخ صرخات حقٍ عند تاريخٍ جائر...
تلك الصرخات التي لم يستطع التاريخ أن يغفلها وإذا بها تلهم الأجيال عطاءاً وحكمة...

علماء ومؤرخين نقلوا وأثبتوا أحاديث فضائل وكرامات بحق محمد واله بعد أن أخفاها علماء السوء اليوم والبارحة كراهة وظلماً وعدواناً وبغضاً... لأنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويتركون بعض...!!

وإذا زوّر سلاطين بين أمية وبني العباس بعض التاريخ وبعض السنة النبوية، ليفرقوا بين الناس بمبدأ (فرق تسُد) ليسود سلطانهم، وليضفوا على عروشهم شرعية وهمية، وليكون كل من حاربهم وخرج عليهم خارجاً على الدين لا عليهم...
فمالكم يا شعوب اليوم ومسلميها خصوصاً، تنجرون لسياسة أسس أساسها سياسيين وسلاطين ليبقوا بالعرش وكرسي الحكم فقط مهما كان الثمن ولو بتزوير أحاديث الرسول محمد (ص)...
هنالك تاريخ صحيح مبحوث علمياً شاهد على فظاعة التزوير والتزييف فأقرؤه على أقل تقدير، لو كنتم تعقلون.
أو دعوه ولا تنجروا وراء سياسة القوم...
والعلم يُكتسب ويُتبع، ولا ينجر إليه إنجراراً كالحمير ...

وروايات اخرى صحيحة نقلها كتّاب الحديث والتاريخ، ولكن إذا حلت الشهوة والسياسة فلا ينفع لا حديث ولا تاريخ ولا كُتّاب، فحيثما حضرت الأحقاد والشهوات والأمزجة والسياسات، غابت العقول...
فلو أن الأشجار أقلاماً والبحار مداداً وكتبت بها لهم ليقنعوا، لا يقنعوا ...

لماذا تعيبون علينا بكاؤنا على الحسين وقد بكاه قبل قتله الرسول العالم بأذن الله وحدث به أباه علياً وأمه فاطمة وأخيه الحسن وأم المؤمنين أم سلمة كما في رواية روتها...
سيقولون البكاء بدعة واللطم من الجزع، فبالبكاء بدعة ابتدعها الرسول وأئمة أهل البيت السجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري المهدي المنتظر، الذين أظهروا الحزن كلما سمعوا بالحسين (ع).

بكى على الحسين وتأثر بثورته السني والشيعي والمسيحي واليهودي والصابئي والهندوسي ومن ليس له عهداً بدين ولا بعقيدة لمّا سمع قصة ومظلومية الأمام الحسين وأهداف ثورته، ولكن المنافقين والحاقدين والقاسية قلوبهم لا يتأثرون...
 
هنالك بعض المسلمين ممن لا يعلنون على الملأ مذهبهم العقائدي والفكري والسياسي صراحة وينسبون أفكارهم للسنة والجماعة وما أسهل ذلك بينما هم أمويين وأصحاب أفكار مسيّسة وحاقدة وطائفية بأمتياز...
هم يكرهون تلك التعددية وتلك التنوعات لأنهم لم يعرفوا أن الله لا يدعو إلى الإكراه في الدين فالله سبحانه القائل: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) اية256/البقرة
وهم لم يعرفوا أن الطوائف والأديان سيفصل بينها الله يوم القيامة وهو من يجازي العباد بقوله سبحانه: (إن الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) اية17/الحج
وهم لم يعيروا إهتماماً لوصية الرسول محمد (ص) ولم يكترثوا لما قاله حين أوصاهم وصرخ فيهم قائلا في خطبه الوداع: (أيها الناس لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبه نفسه فلا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا)

يا رسول الله...
قد أحلوا الدماء من بعدك بل أرخصوها وباعوها ببخس دراهم معدودة، وأحلوا الأموال غصباً وهتكوا الحرمات والأنفس غيلة وفساداً وظلماً...

بدؤها بقتل من هو منك بمنزلة هارون من موسى ومن هو مع الحق والحق معه يدور معه حيثما دار، قتلوه بمسجد الكوفة من مسلم يعبد الله كثيراً...!!
وقتلوا من هو سيد شباب أهل الجنة، ومن هو منك وأنت منه، وقاتليه مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله...!!

ستبقى ذكرى الحسين فينا وفي حشاشتنا، لأنها تلهمنا الثبات والحق والحكمة والثورة والصمود...
لذلك يحزن على الحسين وقتلة تلك القتلة الشنعاء ويناصر الحسين كل منصف وكل عاقل وكل فاهم، وتجاوزت نصرة الحسين معايير الطوائف بل تعدته للأديان بل تعدت الأديان ليتأثر بها العالم أجمع ممن فهم ووعى ثورة الحسين ومبادئها وأفكارها وحكمتها حتى من شيوعيين وعلمانيين...
لا يسعني ذكر أقوالهم جميعاً هنا ولكن ستجدها وما أكثرها بضغطة زر على محرك البحث (Google).

الكثير من الدول تفخر بثوارها ومبدعيها وهم لم يفعلوا شيئاً قياساً بالذي فعله الحسين...
فالحسين أول بينما هم لاحقون...
والحسين حارب الظلم وهو يعلم أنه مقتولاً لا محالة ولكنه أراد بدمه أن يوقد الثورة، ولكن الثوار يقاتلون ولهم أمل النصر...
لكن الحسين قد قتلوه وسلبوه فأنتصر وخسر قاتليه خسراناً مبيناً وهذا لم يحدث من قبل أو من بعد، أن ينتصر المقتول على القاتل نصراناً مبيناً...
الحسين ألهم للكثير من الثورات التي حصلت بعده والتي ثارت على الحاكمين الظالمين وصرخت بـ(لا) بعد أن كانت الرؤوس تطأطأ ذلاً وهواناً وتقول نعم لكل (لا)... فأصبحت تصرخ بـ(لا) لكل ظالم، كصراخها بـ(لا) اله إلا الله...
لأنها تعرف أن الدين ليس صلاة وصوم وحركات عبادية ولقلقة لسان فحسب، بل الدين فكر وتصرف وعدالة وإنصاف وحكمة وعلم ونور...
والى اليوم يرفض البعض أن يكسر قيود (نعم) لكل سلبية وقيود دين الوراثة لا دين الدراسة والبحث...

هؤلاء الجهلة والإمّعات والحاقدين لا ينزعجون من ذكر غاندي ومانديلا وسبارتيكوس وجيفارا وعمر المختار ومارتن لوثر كنغ وغيرهم من ثائرين ومصلحين بمختلف الأديان والمعتقدات...
بل ويتداولون حكمهم وأقوالهم وقصصهم...
ولكنهم ينزعجون من ذكر الحسين، ومن إنزعج من ذكر الحسين فليعلم أنه أما حاقداً أو ظالماً أو جاهلاً أو طائفي...
لأنك يا حسين مختلف، فأنت مصباح الهدى وسفينة النجاة ولا ينفع صراخ نوح بهم: (قال نوحٌ رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً * ومكروا مكراً كبّارا *) 21-22 سورة نوح

يا حسين يا شهيد...
ما أنت طائفة...
بل أنت امة للفكر والنضال والنهوض...
بل أنت ثورة تقلق الظالمين في كل يوم يُذكر فيه أسمك ويُرفع ذكرك...
بل أنت حقيقة وعقيدة ومنهج لذلك قتلوك بالأمس بالأيدي واليوم بالألسن...
لذلك يمكرون بك وبأنصارك وأحبائك المكر الخبيث ولكن: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)

الحسين ليس لطائفة بعينها بل هو للدين كله، بل هو للناس أجمعين...
ليس الحسين مجرد بكاء أو حزن بل عطاء وثورة وفكر، فمن يراجع خطاباته في كربلاء وقبل كربلاء يجده ناصحاً ومفكراً وقائداً فذاً...

واليوم...
في كربلاء اليوم وعاشوراء اليوم...
هاهم قتلة الماضي يريدون أن يطفئوا نور الله بالحاضر بالقتل والتفجير والدماء، فتفجيرات في العراق يخلف عشرات القتلى والجرحى في تفجير لحشود معزيين في شهادة الحسين (ع)!!
واستهداف لزائرين قبر الحسين (ع) بكربلاء ولزواره في كل مكان، وبكل عام حيث لم يمر عام على العراق دون أن يتم قتل كوكبة من الزائرين وبصورة مخطط لها بدقة عالية وتكاليف باهظة وتكتم إعلامي فضيع...!!
تفجيرات بمختلف الأماكن تحصد أرواح أطفال صغار وشباب يافعين ونساء محجبات لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها كما أوصى الله بذلك، ورجال صلوا الصلاة الواجبة ليقتلوهم ظلماً وعدواناً لأنه تقربوا الى الله بنصرة الحسين (ع)...

تكتم إعلامي كذلك الذي تكتم به يزيد عن الثورة الحسينية حيث أشاع بين الناس أن من قتلهم في كربلاء العراق هم مجرد (لصوص) و(قطاع طرق)... ولكن صوت أخت الحسين (زينب بنت علي) وصوت إبن الحسين الأمام علي زين العابدين (السجاد) قد أزاح الستارة عن ذلك التكتم...
صرخت زينب أمام جموع الناس في قصر يزيد، ولم تعيقها القيود في يديها ورجليها عن الكلام، ففي فمها لسان وفي رأسها دماغ كسر قيود الناس أجمعين لا قيودها فحسب، قالت مخاطبة الطاغية يزيد، وخير الجهاد كلمة حق عن سلطان جائر وكأنها ترد على الفضائيات والسياسيات والتوجهات الدينية الحاقدة والمسيسة والناصبة العداء لأهل البيت بأحسن البلاغ:
(الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول: (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوء ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن)...
أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأُسراء ان بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة... حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لأنفسهم، انما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذاب مهين)...
أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد...
فوالله ما فريت الا جلدك، ولا حززت الا لحمك، ولتردن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، يأخذ بحقهم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)...
وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً وأيكم شر مكاناً، واضعف جنداً...
ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، إني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى، الا فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء...
فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند، وأيامك الا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين.
والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله ان يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة، انه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل).

109
مظفر النواب والثورات العربية  (الأمام علي والحسين 3/7)

حيدر محمد الوائلي

((الحلقة الثالثة))

مظفر النواب الشاعر الذي تولاه الدهر وأنظمة الحكم مطاردة ومتابعة أمنية، ومنع لقصائده، وهو الواضع روحه أمامه أن تطير في أي لحظة الى بارئها قتلاً، أو يقفلوا عليها بالقضبان حبساً، وهو عنده الموت أهون عليه من حبس العقول في زنازين الظالمين الهمج حيث يقول: (في قصيدة في الحانة القديمة):
سبحانك...
كل الأشياء رضيت سوى الذل...
وأن يوضع قلبي في قفصٍ في بيت السلطان...
وقنعت أن يكون نصيبي من الدنيا كنصيب الطير...
ولكن سبحانك حتى الطير لها أوطان...؟!
ويعود إليها وأنا لا زلت أطير...
فهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر...
سجونٌ متلاصقة...
سجان يمسك سجّان...
 
الحر ينظر لضياع الكرامة والعدالة وحقوق الإنسان سجن موحش ومظلم حتى ولو كان الشعب وحاكمه الفاسد والظلم يعطي الشعب راتباً جيداً من حقه في أرضه ويأكل ويشرب فهذا حقه ولا يمن به عليه أحد...
فكيف بالممنوع منها والمحروم...؟!
حاربوه لأنه حارب أفسد أنظمة العالم، وأقسى ظلمة العالم، وهي الأنظمة العربية والظالمين العرب، وأظلمهم النظام السابق في العراق...
وهو القائل : (بيت أبوذية شعبي عراقي)
غفل دهري يها الوادم ولآني
عبن ما غيرت جلدي ولوني
لا هو الوكت عف عني ولا آني
رضيت هدان يتفرعن علية

مظفر النواب الشاعر الحالم بالعدالة والكرامة والعزة، وأن يكون الحاكم قدوة للرعية لا لعنة تتعوذ منه الناس أناء الليل وأطراف النهار وعند الزوال...

هذا الحالم الثائر وجد قدوته في الأمام العادل في الرعية الثائر ضد الظلم والنفاق علي بن أبي طالب (ع) رمز العدالة الإنسانية...
علي من كانت حكومته من أصدق شواهد الحكم العادل والمنصف وإحقاق الحقوق بين الناس وفي الدفاع عن الحق، حتى كتب الأديب المسيحي (جورج جرداق) كتاباً مؤثراً كبيراً جاوز الألف صفحة أسماه (الأمام علي... صوت العدالة الإنسانية).
وكذلك عده مظفر النواب...

لقد ميز مظفر النواب بين عدالة ووعي وفكر علي بن أبي طالب وبين خيانة وجهل وحقد آل أمية ومن سايرهم ورضى عنهم وترضى، ومن إتخذ من كشف عورته وسط ميدان الحرب قائداً يترضى عنه رغم أنها شاهد على سوأته...
فالعورة سوءة لا فضيلة يا هؤلاء!! لمن لازال يتخذ العورات قدوة، لا العقول الراجحة...
وكيف أن الخيانات ودين المال والشهوة والزور والسلطان يتكرر عبر التاريخ ولليوم...
يقول: (في قصيدة الوتريات الليلية)
أحمل لبلادي...
حين ينام الناس سلامي...
للخط الكوفي يتم صلاة الصبح...
بإفريز جوامعها...
لشوارعها...
للصبر...
لعلي يتوضأ بالسيف قبيل الفجر...
أنبيك علياً...
ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف...
وما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف...
ما زالت عورة عمرو بن العاص معاصرةً...
وتقبح وجه التاريخ...
ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية...
ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء...
يؤلب باسم اللات...
العصبيات القبلية...
ما زالت شورى التجار، ترى عثمان خليفتها...
وتراك زعيم السوقية...
لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك...
وسموك شيوعياً...
يا ملك البرق الطائر في أحزان الروح الأبدية...
كيف اندس كزهرة رؤيا في شطة وجد صوفية...
يمسح عينيه بقلبي في غفلة وجد ليلة...
يكتب فيّ...
يوقظ فيّ...
ماذا يكتب فيّ...
ماذا يوقظ فيّ...
يا مشمش أيام الله بضحكة عينيك...
ترنم من لغة القرآن فروحي عربية...

مظفر النواب الثائر الناقد الذي إتخذ أيضاً من الأمام الحسين (ع) شعاراً وفكراً...
عرف الحسين ثورة حق يأبى التاريخ أن ينساها، ويأبى كل مظلوم وثائر إلا أن يتخذها شعاراً أو من مبادئها مبدءاً ليثور ضد الظالمين سواء صرح بذلك علانية أو ألمح بتلميح لذلك أو لم يقل شيئاً ولكن طبقها تطبيقاً عملياً...
وها هو الحسين الثائر يوم كربلاء ضد الحاكم الظالم الذي إتخذوه (خليفة للمسلمين وأمير للمؤمنين) يزيد، قالها الأمام الحسين (ع) بكل وضوح يومها ولا تزال صدى كلماته تنير درب الواعين للوعي والثائرين للثورة والمصلحين للأصلاح:
(لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد)...
(ألا أن الدعيّ إبن الدعيّ قد أسر بين إثنتين بين السلة –أي سل السيوف- والذلة-أي البيعة للظالم يزيد- وهيهات منّا الذلة)...
(الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديانون)...

وها هو مظفر النواب يقول: (قصيدة في الوقوف بين السماوات ودم الأمام الحسين)
تعلمت منك ثباتي...
وقوة حزمي وحيداً...
فكم كنت يوم الطفوف وحيداً...
ولم يك أشمخ منك وأنت تدوس عليك الخيول...
إننا في زمان يزيدٍ كثير الفروع...
وفي كل فرعٍ لنا كربلاء...
لُعِنت زماناً خصا العقل فيه تقود فحول العقول...
ما أنت طائفةٌ إنما أُمةٌ للنهوض...
لست أبكي فإنك تأبى بكاء الرجال...
ولكنها ذرفتني أمام الضريح عيوني... 
يطاف برأسك فوق الرماح...
ورأس فلسطين أيضاً...
يُطاف في بلاد العروبة...
ياللمرؤة والعبقرية بالجبن...
أما العراق...!!
فيُنسى لأن ضريحك عاصمة الله فيه...
وجود بنيه أقل من الجود بالروح جودٌ خجول...
وطني...
رغم كل الرزايا يصلي على الموت كل صباحٍ...
ويُغمد في الحزن كل مساءٍ...
وينهض ثانية والصباحات بين يديه بطاقات عرسٍ...
كأن العروبة ليست ترى كيف يُحتز رأس العراق...
وكيف تقطع أوصاله ويطوف يزيدٍ به في البلاد...
ورأس فلسطين يُطاف به في بلاد العروبة...
((يتبعها قريباً الحلقة الرابعة))

110
مظفر النواب والثورات العربية (أعداء الوطن 2/7)

حيدر محمد الوائلي

((الحلقة الثانية))

مظفر النواب شاعر أحب العراق وأحبه، وشاعر ملأ قلبه حباً للعراق ودافع عن حريته شاباً صغيراً وشيخاً كبيراً...
هو الحالم في بلد يُقدس الإنسان كما تُقدس الأديان فالإنسان والأديان قدسية واحدة، ولأن الإنسان أصل التشريع وأساسه ولأجله جاءت الأديان كتطبيق وتنظيم عملي لسعادة الإنسان ونجاته.
ولا إنسان بلا وطن... وكيف يعيش الإنسان بلا وطن...؟!
فمن الممكن أن يجوع ويفقر ويتعذب ولكن من الممكن أيضاً بعدها أن يأكل، ويستغني، ويرتاح، ولكن من الصعب أن يعيش الإنسان بلا وطن، أو أن يكون الوطن جحيماً لا يطاق بسبب حاكميه وسياسييه الذين يسمونه سوء العذاب...
وممن يتباكى على فلسطين واحتلالها وهو قاتل لشعبه وظالم له، ليستكمل رجولته الناقصة بالدعاية الفلسطينية المجانية التي باعوها في مزادات اللعبة السياسية...

هو القائل: (في قصيدة الوتريات الليلية)
يا وطني المعروض كنجمة صبحٍ في السوق...
في العلب الليلية يبكون عليك...
ويستكمل بعض الثوار رجولتهم...
ويهزون على الطبلة والبوق...
أولئك أعدائك يا وطني...!!
من باع فلسطين سوى أعداؤك أولئك يا وطني...؟!
من باع فلسطين وأثرى بالله...
سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام ومائدة الدول الكبرى...
فإذا أذن الليل تطق الأكواب بأن القدس عروس عروبتنا...
أهلاً.. أهلاً...!!
من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة...
وهذا الثوري المتخم بالصدف البحري ببيروت...
تكرّش حتى عاد بلا رقبة...
القدس عروس عروبتكم...
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل الى حجرتها...
وسحبتم كل خناجركم وتنافختم شرفاً...
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض...
فما أشرفكم...
أولاد القحبة..!! هل تسكت مغتصبة...

هل عرفتم من هم أعداء الوطن، هم أولاد القحبة، كما يصرح النواب بذلك، ولعل قائل يقول أنها كلمات (معيبة) و(مشينة) ولكن أكثر عيباً وشيناً منها هو خيانة الدين والوطن والشعب وليس العيب التكلم بصراحة...
يبرر مظفر النواب ذلك في جملة قالها في أحد المناسبات قبل أن يلقي قصيدته (ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة)قائلاً:
(هذه القصائد لم تكتب لمناسبة كتبت لدهرٍ من الحزن والتحدي لا خوف أن يطول ما دمنا ننبض والأفضلون يحملون السلاح... إذكرولي حزني وخمري وغضبي وكلماتي القاسية، بعضكم سيقول بذيئةً... (لا بأس)... أروني موقفاً أكثر بذاءةً مما نحن فيه)...!!

هل عرفتم من هم أعداء الوطن...؟!
لا كما كان يقول الحكام العرب على الدوام مدافعين عن شرف فلسطين الذي هتكوه، وتخلوا عنه كلياً اليوم.
كان بعض أولئك الظالمين يقول بأن العدو هو (إسرائيل) و(أمريكا) وكثيراً ما أغرقوا شعوبهم وبقممهم العربية الذليلة بتصريحاتهم وخطبهم المسبقة الكتابة والأعداد...
أقول (بعض) لأن آخرين كأغلب دول الخليج يتفاخرون بتطبيع العلاقات مع إسرائيل ويتملقون لأمريكا صباحاً ومساءاً علّها ترضى عنهم...
هل عرفتم من هم أعداء الوطن؟!!
تبين جلياً أن ليس أولئك هم الأعداء بالدرجة الأولى بل الحكام الظالمين والسياسيين الفاسدين الذين هم صنيعة (أمريكا) و(إسرائيل)...
أعدائك يا وطني هم السياسيين الفاسدين ورجال الدين الفاسدين والأحزاب الفاسدة والجماهير الجاهلة المغفلة الذليلة المستعبدة ليصنعوا بمجموعهم (الحكام الظالمين)...

كل الأنظمة العربية الفاسدة من المحيط إلى الخليج هي أما معترفة بإسرائيل وسفاراتها في بلدانها والشركات الإسرائيلية ومخابراتها تعبث ما تشاء بتلك الدول من المحيط إلى الخليج، وخصوصاً في الخليج.
والبلدان التي فيها قواعد أمريكية دائمة، وبحماية من أنظمة الدول المضيّفة كسعودية الملك عبد الله، وقطر الأمير خليفة التي فيها أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط رغم أن قطر من أصغر الدول في العالم على مسمع ومرأى من جميع مقرات قنوات الجزيرة الفضائية في قطر والتي تثير الفتن في كل حدبٍ وصوب، وإمارات الأمير خليفة، وكويت الأمير صباح، ويمن علي عبد الله صالح، وبحرين الملك خليفة وفيها أكبر قاعدة بحرية أمريكية في المنطقة، والتي قمعوا ثورة شعبها السلمية بقوات درع الجزيرة الخليجي المدشنة بالأسلحة بتحشيد وتمويل خليجي وبقيادة سعودية وبموافقة أمريكية، ليتباكوا حكامهم وسياسييهم الذين تم توجيههم لذلك على الضحايا المدنين والمسلحين الذين يتقاتلون مع الجيش السوري.
لماذا التناقض، أم لأن السلطة الحاكمة في البحرين تتماشى مع أهوائكم، وغالبية شعبها الحر لا يتماشون مع رغباتكم الدنيئة.
 
قمعوا ثورة البحرين ولكن لازالت ثورة جماهير البحرين قائمة ومصرّة على سلميتها، مع خذلان الناصر...
ولا نشرة أخبار تغطي المظاهرات ولا تنشر صور دهس نظام ال خليفة وقوات درع الجزيرة للمتظاهرين العزّل بسيارات الأمن، ولا تغطية لتفريق المظاهرات بقوة السلاح...
ونفس قامعي ثورة البحرين وقاتلي المتظاهرين المدنين العزّل فيها، تراهم بكل صلافة وإستهتار (تخجل من صلافتهم وإستهتارهم حتى القحبة) حيث يؤيدون ثورات أخرى مسلحة ودموية في ليبيا وسوريا فهم مسيرين وفق أجندات غربية لا يحيدون عنها...

ولعل سائل يسأل حول التواجد الأمريكي في العراق...؟!
فالتاريخ يشهد بأن الرئيس السابق صدام حسين وحزبه هم صنيعة أمريكا ودعمته بالمال والسلاح والسياسة لمحاربة إيران وحتى اجتياح الكويت كان الذريعة لدخول المنطقة حيث عصى الولد المطيع صدام أباه أمريكا وبالرغم من ذلك صفحت عنه وتركته يقمع الثورة الشعبية لإسقاط نظام حكم صدام سنة 1991 لتسهل أمريكا لصدام وجهاز أمنه قمع الثوار العراقيون وقمع الثورة الشعبية العارمة بأبشع وسائل القتل والإرهاب والتي لم يفعل لا القذافي ولا الأسد ربع نصف ربع ما أقترفه صدام من جرائم يومها...
ومن بعدها إحترقت ورقته ولم ترضى عنه أمريكا فحاربته ثم أسقطته، وقد رفضت شرائح كبيرة من الشعب العراقي تواجد القواعد الأمريكية رغم ترحيبهم الكبير بإسقاط النظام السابق وقد بدأ انسحاب القوات قبل أيام وسيكملون الانسحاب نهاية العام 2011...
بدأ الانسحاب الأمريكي النهائي من قواعده المؤقتة في العراق ليستقر في قواعده الثابتة والدائمة في الخليج العربي جداً...

ما بال من لديهم قواعد أمريكية دائمة ساكتين عنها بل يحمونها، بل أن الكثير من شركاتهم وإستثماراتهم تعمل في مشاريع بناء وترميم وصيانة وتمويل تلك القواعد الأمريكية.

هل عرفتم عبقرية مظفر النواب أين تكمن...؟!
إنها تكمن بأنه يعرف أساس المشاكل ولبها، ويصرح بها علانية ولا يخاف لسبب واحد وكبير هو أنه شجاع وواعي...

شاعر كان سلماً لمن سالم العراق، وحرباً لمن حاربه وخصوصاً ممن حاربه من دول جوار العراق وجوار جواره، ولا زالت تعاديه رغم إعلان بعضها مساعدتها للعراق اليوم فيما بعد سقوط النظام السابق ودعمها له، ولكن أجهزة مخابراها وتمويل شركاتها الفاسد ووسائل إعلامها وسياسييها الداعمين بالخفاء ومنهم بالعلانية للعنف والقتل والتفجيرات والفساد في العراق اليوم عن طريق بعض السياسيين العراقيين الحاليين ومسؤولين منتخبين (للأسف) وبقايا النظام السابق...
يقول: (في قصيدة ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة)
لم يعد يذكرني منذ إختلفنا غير قلبي والطريق...
صار يكفي...
كل شيءٍ طعمه طعم الفراق...
حين لم يبق وجه الحزب وجه الناس قد تم الطلاق...
حينما ترتفع القامات لحناً أممياً ثم لا يأتي العراق...
كان قلبي يضطرب، كنت أبكي...!!
كنت أستفهم عن لون عريف الحفل...
عن من وجه الدعوة، عن من وضع اللحن...
ومن قاد، ومن أنشد...
أستفهم حتى عن مذاق الحاضرين...
يا إلهي.. يا إلهي.. يا إلهي...
إن لي أمنية ثالثة...
أن يرجع اللحن عراقياً وإن كان حزين...
ولقد شط المذاق...
لم يعد يذكرني منذ إختلفنا أحدٌ في الحفل غير الاحتراق...
كان حفلاً أممياً...
إنما قد دُعي النص ولم يدعى العراق...

مظفر النواب الشاعر الذي تنبأ بضرورة الثورات العربية المباركة، لتغيير الأنظمة العربية الظالمة اللامباركة، لكي لا يصبح حالنا فقراء منسيون بين حكومات الكَسَبَة...   
فهو القائل: (في قصيدة وتريات الليلية)
أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة...
لن يبقى عربيٌ واحدُ إن بقيت حالتنا هذي الحالة...
بين حكومات الكَسَبَة...

تمنى مظفر وطناً لا يباع ويُشترى في مزايدات السياسة والمصالح الفردية وتموت دولة الإنسان، أو دولة يحكمها متعصب أو جاهل أو حاقد أو طائفي أو سجّان ديكتاتور قاتل كما في أكثر الأنظمة العربية.
((يتبعها قريباً الحلقة الثالثة))

111
مظفر النواب والثورات العربية (التمهيد 1/7)

حيدر محمد الوائلي

((الحلقة الأولى))

سبحانك...
كل الأشياء رضيت سوى الذلِ...
وأن يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان...
وقنعت يكون نصيبي في الدنيا كنصيب الطير...
ولكن سبحانك...
حتى الطير لها أوطان...
وتعود إليها...
وأنا ما زلت أطير...
فهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر...
سجون متلاصقة...
سجان يمسك سجان...

كانت تلك كلمات ثورية لثورة شعرية تريد إسقاط الأنظمة العربية الظالمة قبل عشرات السنين، والشعب اليوم يريد إسقاط النظام...
قيلت قبل عشرات السنين من هتافات ونداءات إسقاط النظام اليوم...
قيلت لما كان النظام لا يفكر أحد بإسقاطه بل الكثيرين كانوا خانعين له مبايعين وهاتفين للنظام وببقاءه وفداءه بالروح والدم، مثلما قضى على مذبح الحرية كثيرين لأسقاطها ولكن لم تفلح...

ثورة من الشعر الجميل كانت نوراً مهدت للثورة على الأرض ناراً، والثورة نار ونور...
سقط الحاكم ومعبود الجماهير، والرئيس القائد المناضل، والسيد المفدى، وبالروح بالدم نفديك، كتساقط أوراق الخريف يابسة وعاجزة فكنستها الجماهير كنساً لمزبلة التاريخ...

 كانت هذه الكلمات الثورية خاتمة لإحدى قصائد الثائر الشاعر (مظفر النواب) جعلتها مقدمة للحلقة الأولى من سبعة حلقات قادمة من مقالات حوله وشعره، وهو وما حوله وشعره ثورة متقدة النيران لم تطفئها سنين الحرمان والخسران والخذلان...
فعذب الكلام صادقه لا يلفه قبر النسيان...
فهو يبقى في كل زمانٍ ومكانٍ شاهد على تاريخ مضى وحضر وبقدر العطاء ووفق التصرف سيصنع الجيل المستقبل...

شاعر معارض للظلم منذ نعومة أظافره حتى خشونتها...
ومنذ مطلع شبابه حتى الآن في شيخوخته وهو معارض للظلم والظالمين حيثما حلوا...

شاعر هرب من زنزانة سجنه الى الحرية بقصة هروب رائعة كقصائده الرائعة، ويلجأ لأهوار جنوب العراق الثائرة ليكمل مسيرة الثورة ضد الحكم البعثي الظالم...

مظفر عبد المجيد النواب، والنواب من النيابة والحكم، إذ كانت عائلته في الماضي تحكم إحدى الولايات الهندية، وهذه العائلة العريقة بالأساس من شبه الجزيرة العربية، ثم استقرت في بغداد لأنها كانت من سلالة الإمام الورع موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، الذي قتلوه غيلة بالسم على يد هارون الرشيد، فهاجرت العائلة ومن يلوذ بها الى الهند باتجاه المقاطعات الشمالية (بنجاب، لكناو، كشمير) ونتيجة لسمعتهم العلمية وشرف نسبهم، أصبحوا حكاماً لتلك الولايات في مرحلة من المراحل.
وبعد استيلاء الإنكليز على الهند، أبدت العائلة روح المقاومة والمعارضة المباشرة للاحتلال البريطاني للهند، فنفوهم على أثر ذلك للعراق بلدهم الأم حيث تغفو أمجاد العائلة وماضيها الشريف والعتبات المقدسة.
اضطر مظفر لمغادرة العراق، بعد اشتداد التنافس الدامي بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا الى الملاحقة والمراقبة الشديدة، من قبل النظام الحاكم، فكان هروبه الى إيران عن طريق البصرة، إلا ان المخابرات الإيرانية قبل الثورة الإسلامية في تلك الأيام (السافاك) ألقت القبض عليه وهو في طريقه الى روسيا، حيث أخضع للتحقيق البوليسي وللتعذيب الجسدي والنفسي، لإرغامه على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها.

سلمته السلطات الإيرانية الى الأمن السياسي العراقي، فحكمت عليه المحكمة العسكرية بالإعدام، إلا ان المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت الى تخفيف الحكم القضائي الى السجن المؤبد.
وفي سجنه الصحراوي (نقرة السلمان) القريب من الحدود السعودية-العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نقل الى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.
في هذا السجن الرهيب الموحش قام مظفر ومجموعة من السجناء السياسيين بحفر نفق من الزنزانة المظلمة، يؤدي الى خارج أسوار السجن فأحدث هروبه مع رفاقه ضجة مدوية في أرجاء العراق والدول العربية المجاورة.
شكلت لجنة منظمة داخل السجن ضمنهم الشاعر مظفر النواب، تم حساب المسافة الواجب حفرها من البداية وحتى نهاية سياج السجن المحاذي لكراج وقوف سيارات الحمل، حيث سيبدأ العمل بحفر حفرة تقدر بمترين عمقاً ثم الأنحراف أربعة عشر متراً يساراً حتى يصل النفق الى باحة الكراج. وجرى تهيئة مستلزمات الحفر وهي عبارة عن أدوات بسيطة لا تتجاوز الملاعق والسكاكين وأدوات حديدية صغيرة معمولة على شكل فؤوس لا تلفت النظر.

بدأ الحفارون عملهم بعد إن أحاطوه بالسرية التامة، وكانوا يتفننون بالتخلص من تراب الحفر الذي أصبح معضلة كبيرة نظراً لكثرته، وبعد أيام طويلة من الحفر حلت ساعة الهروب، حيث هرب خمسة وأربعين سجيناً ألقي القبض على أربعة عشر منهم فيما بعد، في حين مضى بقية السجناء الهاربين كل في أتجاهه لغرض الألتحاق بصفوف المناضلين الذين يعملون من أجل أسقاط الحكم الدكتاتوري في العراق وإقامة النظام الديمقراطي البديل، وبذلك أصبحت حادثة نفق سجن الحلة واحدة من الصفحات المشرقة في سفر النضال البطولي للشعب العراقي في مواجهة الطغيان والدكتاتورية البغيضة.

وبعد هروب مظفر النواب المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفياً فيها ستة أشهر، ثم توجه الى أهوار جنوب العراق ومن ثم الى (الأهواز)، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة.
كرس مظفر النواب حياته لتجربته الشعرية وتعميقها، والتصدي للأحداث السياسية التي تلامس وجدانه الذاتي وضميره الوطني.

شاعر كانت قصائده ممنوعة، فرفع الشعب المنع عن قصائده بعد زوال الظالمين بثورات اليوم، بينما لازالت ممنوعة من النشر في بلدان خليجية وعربية لم تتحرر بعد من ظالميها ومستعبديها من ملوك وأمراء وسلاطين وحاكمين...
   
شاعر عنده العاهرة في مشرب أفضل ممن يبيع قضيته ووطنه وشعبه من رؤساء وحكام وملوك وسياسيين رغم مباركة رجال دين وعلمانيين لهم، حيث يقول مخاطباً إياها –العاهرة-:
سيدتي كيف يكون الإنسان شريفاً...؟!
وجهاز الأمن يمد يديه بكل مكان والقادم أخطر...
نوضع بالعصارة كي يخرج منا النفط...
نخبك.. نخبك.. سيدتي...
لم يتلوث منك سوى اللحم الفاني...
فالبعض يبيع اليابس والأخضر...
ويدافع عن كل قضايا الكون...
ويهرب من وجه قضيته...!!

مظفر النواب شاعر ذو عينين لا أعور مثل بعض رجال الدين والسياسيين (الإسلاميين والعلمانيين) والأحزاب ممن ينظرون بعين مصلحتهم وهواهم ويتركون العين الأخرى التي تعارضهم وتختلف معهم أو تنصحهم...
هو المعارض في زمن كانت السياسة فيه لمن يحكم فقط، وهو الرافض للدكتاتورية والظلم في وقت كان الناس مشغولة عنها ببلاويها...
هو الصوت الهادر بالإحساس المرهف والكلمات النارية والتعبير الخطير الذي من الممكن أن تجر صاحبها للإعدام في بعض الدول العربية الآن، وأكيداً فمحكوم بالموت من دون نقاش من كان يتداول كلماته في العراق في زمان حكم النظام البعثي السابق في العراق...

هو الحالم وسط قصب الأهوار جنوب العراق وهو مطارد ليقتلوه ولكنه في تلك اللحظة كان يحلم بعراق فيه حرية وكرامة وعيش رغيد للشعب وراحة بعد عناء طويل...
هو صاحب المبدأ الذي لم يتنازل عنه ولم يساوم عليه...
عندما يتمنى البعض أموال وثروة ووظيفة ومنصب وصحة وعافية، كان مظفر النواب يتمنى أن يسقط القمع والظلم، وأن يعود المنفيون من أوطانهم بسبب مزاجات الحاكمين الظالمين بنفي كل من يعارضهم هذا إذا نفوهم فعلاً فالغالب هو مجرد أن تكون معارضاً فسيتم سجنك أو تغييبك أو الإعدام، وإن حالفك الحظ وهربت من الوطن الى اوربا فأنت محظوظ بأمتياز ويسمونك منفي!!
ويتمنى مظفر أن يعود المنفيون الى بلدانهم، هذا بعد سقوط الأنظمة الظالمة...
يقول: (في قصيدة ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة)
أي إلهي..
إن لي أمنية...
أن يسقط القمع بداء القلب...
والمنفى يعودون الى أوطانهم ثم رجوعي...
((يتبعها قريباً الحلقة الثانية))

112
قصة المحكوم بالإعدام مع لويس الرابع عشر

حيدر محمد الوائلي

كان هناك أحد السجناء في عصر الملك لويس الرابع عشر محكوم عليه بالإعدام ومسجون مؤقتاً في جناح من أجنحة قلعة الملك، ولم يبق على موعد إعدامه سوى ليله واحده فقط...!!

ويروى عن الملك لويس الرابع عشر ابتكاره لحيل وتصرفات غريبة، ففي تلك الليلة فوجئ السجين بباب سجنه يفتح والملك يدخل عليه مع حرسه ليقول له: (أعطيك فرصة، فإن نجحت في استغلالها فبإمكانك إن تنجو، حيث أن هناك مخرج موجود في سجنك وهو سيظل بدون حراسة، فإن تمكنت من العثور عليه يمكنك الخروج وأنت حر، وإن لم تتمكن فان الحراس سيأتون غداً مع شروق الشمس لينفذوا بك حكم الإعدام...!!)

غادر الملك وحراسه جناح السجن تاركين السجين بعد أن فكوا سلاسله ليغتنم هذه الفرصة الذهبية مستغلاً غرابة أطوار الملك...
بدأ السجين يفتش في الجناح الذي سجن فيه والذي يحتوي على عده غرف وزوايا ولاح له الأمل عندما اكتشف غطاء فتحة مغطاة بسجادة بالية على الأرض وما أن فتحها حتى وجدها تؤدّي إلى سلّم ينزل إلى سرداب سفلي ويليه درج أخر يصعد مرة أخرى، وظل يصعد إلى أن بدأ يحس بتسلل نسيم الهواء الخارجي مما بث في نفسه الأمل إلى أن وجد نفسه في النهاية في برج القلعة الشاهق والأرض لا يكاد يراها فعاد أدراجه حزينا منهكاً ولكنه واثق أن الملك لم يخدعه...

وبينما هو ملقى على الأرض مهموم ومنهك ضرب بقدمه الحائط وإذا به يحس بالحجر الذي يضع عليه قدمه يتزحزح قليلاً، فقفز وبدأ يحرك الحجر فوجد أن بالإمكان تحريكه وما إن أزاحه وإذا به يجد سرداباً ضيّقا، فبدأ يزحف الى ان بدأ يسمع صوت خرير مياه وأحس بالأمل لعلمه إن القلعة تطل على نهر لكنه في النهاية وجد نافذة مغلقة بالحديد، فعاد يجرب بكل حجر وبقعة في السجن ربما كان فيه مفتاح حجر آخر لكن كل محاولاته باءت بالفشل...

الليل يمضي ولا زال السجين يحاول ويفتش، وفي كل مرة يكتشف أملا جديداً فمرة ينتهي إلى نافذة حديدية، ومرة أخرى إلى سرداب طويل ذو تعرجات لا نهاية لها ليجد السرداب أعاده لنفس الزنزانة...!!
وهكذا ظل طوال الليل يلهث في محاولات وبوادر أمل تلوح له مرة من هنا ومرة من هناك وكلها توحي له بالأمل في أول الأمر لكنها في النهاية تبوء بالفشل وحتى انقضت ليلة السجين كلها ولاحت له الشمس من خلال النافذة ووجد وجه الملك يطل عليه من الباب ويقول له: (أراك لازلت هنا)...!!
فقال السجين: (كنت أتوقع انك صادق معي أيها الملك).
قال له الملك: (لقد كنت صادقا بالفعل).
أجاب السجين مستنكراً: (لم اترك بقعة في الجناح لم أحاول فيها، فأين المخرج الذي قلت لي أنه موجود)...؟!
قال له الملك: (لقد تركت باب السجن مفتوحاً وغير مغلق)...!!
لم يجرب المسكين محاولة فتح باب السجن رغم أنه أمامه...!!

الدرس من هذه القصة الجميلة هو أن كم نترك مئات الحلول والحقائق واضحة أمامنا ولكنا نشتغل بالتفكير بحلول واهية وضعيفة وصعبة ومعقدة، ومن ثم نيأس بسرعة ونستسلم...!!
وهنالك من لا يجرب الحل أصلاً وبالرغم من ذلك يقول أنه صعب أو مستحيل، بالرغم من إن لكل مشكل حل...

قيل في أحد تفاسير سبب عقاب الله لبني إسرائيل في قصة ذبح البقرة المعروفة هو أن الله عاقبهم لأنهم شددوا وعقدوا الأمور على أنفسهم، فالله تعالى فقط أمرهم أن يذبحوا بقرة...
أي بقرة...!! لا تعقيدات...!!
(وإذ قال موسى لقومه إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) آية67/سورة البقرة...
فأول مرة قالوا تتخذنا هزواً، أي أتستهزئ بنا رغم أنه نبي، وهم أظهروا الإيمان به...
ومرة ثانية طلبوا منه أن يبين ما هو نوع البقرة...؟!
ومرة ثالثة سألوه ما هو لونها...؟!
وبعدها سألوه مرة رابعة أي نوع من الأبقار الصفراء فهي متشابهه...!!
وفي كل مرة يجيبهم نبي الله موسى (ع) ومن بعدها وجدوها فذبحوها عن كره وغصب وجريمة ليعذبهم الله على أثرها والسبب في ذلك قصة أخرى ابتلاهم الله بها على أثرها...!!

عقدوا وصعبوا الأمور على أنفسهم فصعبها وعقدها الله عليهم فهو علام الغيوب، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور...

خذ مثالاً حول ذلك ممن يهوّل ويصعّب الأمور السياسية والدينية والاختلاف الطائفي رغم أن هنالك حلول بسيطة منها أن يحترم كل من يخالف من يختلف معه ويقدس الاختلاف خصوصاً أن جميع مبادئ الدين والعلمانية تحترم الاختلاف مع بقاء إيمان كل شخص بما يؤمن به عن دراسة وبحث لا تقليد أعمى وتلقين أو أن ما فيه من فكر ودين وعقيدة قد ورثه عن أبيه...

والمشكلة أنهم يجرون معم الناس في مشاكلهم فتتحول منهم إلى الناس وعند حلها فيما بينهم يبقى أثرها بين الناس مؤثراً...
ومن الناس من يلعن الوضع والطائفية والفساد والظلم والحكم الفردي ومصادرة حقوق الشعب وكأن هؤلاء الناس لم يكونوا طرفاً بالموضوع...
بتصرفهم الغير مدروس أو الموجه توجيهاً أعمى دون تفكير...
أو على الأقل بسكوتهم في مواقف لا يصح السكوت عنها فيما مضى واليوم...

ومثال آخر حول حالة (الإدمان) والاستسلام لها واستصعاب كل الحلول، كالإدمان على المخدرات أو التدخين أو الكحول أو الجنس (الزنا، الاستمناء، إدمان متابعة المواقع والقنوات الإباحية) أو إدمان العادات السيئة فجميعها مشاكل (إدمان)...
لكل مشكلة حل، والحل أمامك فقط تكرم بالنظر إليه، ومن ثم الإيمان به...

لنتفق أولاً أنها جميعاً عادات سيئة، فمن المهم أن تؤمن بأنها سيئة...
سيؤدي الإدمان على العادات السيئة لحصول صراع بين الخير والشر والجانب الجيد والجانب السيئ في الدماغ، ويخلق ذلك نوعاً من عدم التوازن (imbalance) في الدماغ...
فكيف تقلع عن كل ذلك...؟!

من الصعب على المدمن على فعل عادة سيئة الإقلاع عنها، لسبب واحد وهو أن الفعل الصادر عن تلك الأفعال يجعل من آلة التفكير (الدماغ) عند الإنسان مضطربة وغير متوازنة...
وهذا يستغرق وقت، فالدماغ جراء تلك العادات السيئة يطلب وبصورة ملحة تلك العادات، مثلاً المدخن في أول أيام إقلاعه يجد أن الدماغ لا يكف عن الصراخ طالباً الدخان...
وتارك المواقع الإباحية يجد نفسه في ضيق عن استخدام الإنترنت أو التلفاز دون مشاهدة مشاهد إباحية...

ولكن الخبر المذهل هو التالي: فقد أظهرت الدراسات أن في حالة تقديم معلومة للدماغ بعاطفة وإيمان بها وأستمر ذلك الإيمان لثلاثين يوماً فسيؤدي ذلك أن يقوم الدماغ بخلق مسار عصبي يحفز لهذا الأيمان...
مثلاً أن تؤمن بفكرة الإقلاع عن التدخين أو الكحول أو متابعة المواقع الإباحية والمقاطع الجنسية، مع وجود محفز ديني واجتماعي ليلهمك الصبر والاستمرار...

ولو إستمر ذلك لتسعين يوماً فسينتشر هذا المسار العصبي المحفز داخل الدماغ فسيصبح هذا الأيمان الجديد هو:
المسار العصبي الأساسي للدماغ (primary neuro path way)...
أي يكف الدماغ نهائياً عن طلب الشيء المدمن عليه...
أي أن تصبح الفكرة والأيمان الجديد مع الاستمرار به هو المحفز لعمل الدماغ وطريقة تفكيره...
مع إشغال أوقات الفراغ بأشياء مفيدة وممتعة كالمطالعة والتسالي والرياضة والعبادة والسفر وغيرها بما يناسب كل شخص، مع تجنب الخصوصية والعزلة في البدء، وحاول الاختلاط بالأصدقاء...
أي تصبح أنت، أنت...
أي تصبح أنت من يختار حياتك، وأنت من يحدد مصيرك، وأنت من يؤسس لطريقة تفكيرك...
أي يمكنك إعادة برمجة (re-programming) دماغك كي تفكر بصورة مختلفة، وتعالج مشاكلك بنفسك، فلا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ.
ولا تنسى تجربة أبسط الحلول قبل أعقدها...

بالتأكيد تم إعدام السجين في القصة السابقة، ففرص كتلك لا تتكرر...
فخذ العبرة، وأغتنم الفرصة فإنها تمر مرور السحاب...   

113
صدور كتابين للكاتب (حيدر محمد الوائلي)

صدر للكاتب (حيدر محمد الوائلي) أول كتابين له من سلسلة الكتب التسعة عشر الموسومة: (العراق... وأزمة الماضي والحاضر والمستقبل) عن دار الزيدي للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان...
الكتاب الأول: (أزمة الحكم الفردي ومصادرة حقوق الآخرين في العراق)
الكتاب الثاني: (فقدان الثقة)

يتناول الكتاب الأول نبذة عن تاريخ الحكم الفردي في العراق –وما أكثره- وكيف أن آلية الحكم وأزمته في العراق فيما مضى واليوم قد تفاقمت كثيراً، ولماذا يميل الحكم للنزعة الفردية أكثر من كونه جماعياً ولماذا مصادرة حقوق الآخرين من المشاركة الفعلية وعدم تفعيل دور المعارضة السياسية لمراقبة العلم السياسي، وكيف أن السياسيين والقيادات فيما بينها همها التسقيط أكثر من كونه عمل رقابي...

وأما الكتاب الثاني فهو يطرح مشكلة فقدان الثقة في المجتمع على عدة محاور، منها فقدان الثقة بالسلطة وفقدان الثقة بالسياسيين ورجال الدين وفقدان الثقة بالنظام وفقدان الثقة بدعاة الأخلاق والمثل العليا وفقدان الثقة فيما بين المجتمع نفسه وفدان الثقة حتى بالنفس ذاتها...

إن سلسلة (العراق... وأزمة الماضي والحاضر والمستقبل) تطرح مشاكل ماضية ومعاصرة وعلاقتها بالحاضر وتأثيرها فيه وكيفية علاجها والتخلص منها من أجل مستقبل أفضل وأكمل وأجمل...
والتاريخ والحاضر والمستقبل يصنعه الناس بفعالهم، فهو (عدم) يصنعه الإنسان كيفما يشاء وأنى شاء...

كانت فكرة المؤلف في البدء كتاباً بعنوان (العراق... وأزمة الماضي والحاضر والمستقبل) بتسعة عشر فصلاً... ولكن ولكبر حجم الكتاب فقد قرر المؤلف جعل كل فصل من فصوله كتاباً مستقلاً  ليتسنى تركيز البحث في كل كتاب مع ارتباط مجموع السلسلة ببعضها من حيث الفكرة الأساسية لموضوع السلسة، وقد أستغرق تأليف ومراجعة وتعديل وتنقيح هذه السلسلة –لحد الآن- أكثر من ست سنوات (من سنة 2005 وحتى سنة 2011) حيث صدر هذين الكتابين فقط من مجموع السلسلة البالغ (19) كتاباً وهي تامة التأليف ويكمل بعضها بعضاً وبإنتظار طباعتها.

لكل شعب ووطن ماضي لحياة عاشها، وحاضر يومي لحياة يصنعها، وللحياة مستقبل يتمخض عن الاثنين، والحياة بلا مستقبل منظور هي حياة مظلمة وبائسة وبلا هدف...
فمن المؤكد أن يصبح خير سبيل لمن أراد التمسك بطريق الإصلاح والازدهار والوعي والتخلص من الجهل والظلام والشرور والفساد ونيل الحرية والكرامة والعدالة هو:
رَبْط الماضي (بمحاسنه والاستفادة منها ومساؤه وتجنبها)، بـ(الحاضر) اليومي الذي نصنع بتصرفاتنا فيه الحياة اليومية لنكمل ما كان خيراً في الماضي وتجنب شروره، وربط كل لذلك لصنع ذلك المبهم المسمى (مستقبل) الذي لن يكون مبهماً أو مجهولاً لو قررنا صنعه بأيدي الواعين لا بتدخل الجهلة أو الصدفة أو الحظ...
وسيئول المستقبل لأولئك الذين يستعدون له اليوم، وفقط الفاشلين من يؤمنون بالصدفة والحظ.
وهذه هي فحوى سلسلة الكتب هذه...

في بلد مثل العراق لا يكون الماضي والتاريخ والذكريات كأي ماضٍ أو تاريخ أو ذكرى، فهي الراحة والسرور حيناً، وهي المعاناة والقهر والظلم أحيانا أخرى أكثر...
مرّ زمن على العراق في تاريخه الماضي القريب وحاضره أظن أن أحداثه كانت كافية لئلا تغيب عن الذكرى طرفة عين  أبداً وحتى تخرج الروح من الجسد...
وحتى يهرم الكبير وهو يتحدث عنها...
ويشيب الصغير وهو يتعجب منها...
ويأتي جيلٌ آخر عسى أن يتعظ منها ويتجنب مقدمات حدوثها وتفاقمها...
لقد ولى ذلك الزمن لا محزون عليه ولا مأسوف، مع وجود الكثير من آثاره وسلبياته لليوم،  فمتى يولي الى غير  رجعه؟!
طبعاً هذا سيتحقق إذا أراد الشعب الحياة بكرامة وبحرية وبعدالة وبشرف وبتعقل وإلا فلا...

رحل ومات وولى وقُبِر وأستشهد وأُعدِم الكثيرين من خيرة رجال العراق ومفكريه ومبدعيه ومفسديه وظالميه وقاتليه مع مواكب من ملايين الأبرياء من ها هنا وها هناك الذين قضوا نحبهم على مذبح الحرية المقدس، فأما آن الأوان لهذا الشعب أن يستريح؟!

في هذه السلسلة توثيقاً وشرحاً ودراسة لأحداث تاريخية كثيرة في زمن قد مضى قريباً وأحداث معاصرة أكثر، وستجد فيها دراسة لقضايا وأزمات ومشاكل (عراقية) وهذا لا يمنع من كونها (عربية) وتعاني منها أغلب الدول العربية.

114
المنبر الحر / خدعة المستقلين
« في: 10:52 28/10/2011  »
خدعة المستقلين

حيدر محمد الوائلي

هل إن من يقول أنه مستقلاً هو مستقل فعلاً بفكره وتصرفه وقوله وإيمانه، أم أنه يأخذه الصراع السياسي والحزبي والمذهبي ذات اليمين وذات الشمال ويصرح بأنه مستقل...؟!

أكثر الناس مستقلون (ظاهرياً) فهم غير منظمين حزبياً وليسوا تابعين لجهة سياسية وحزبية فعلياً، ولكن في النقاش والحوار والانتخابات تجدهم مسيسين حتى أكثر من السياسيين...
وتراهم يدافعون عن توجهات ورؤى حزبية أكثر من المنتمين لتلك الجهات الحزبية نفسها...

صرحت بالانتخابات وقصدي بها الانتخابات الحرة الشاملة في الدول الحرة في محيطنا الإقليمي التي فيها عرف الانتخابات الحرة والشاملة والشعبية والشفافة وهي فقط تتمثل بدول: (العراق ولبنان وإيران وتركيا وتونس بعد التغيير ومصر  بإنتظار إنتخابتها ومتأكد من كونها ستكون حرة) وما عداها فدكتاتوريات جالسة على كرسي الحكم الجاثي على صدور شعوبها الذي كلما فكر بالحرية والتغيير ملأت الحكومات فمه بما يشتهيه من أكل حتى تترهل بطنه، وكلما أراد أن يفكر بتحديد مصير الدولة وسياستها ومواقفها أو التظاهر ضدها فسيحرموه من تلك اللقمة، ويحاربوه ويسجنوه ويقتلوه...

لذلك ترى وسائل الأعلام المستقلة جداً تناصر الثورات والتغيير وتنسى الأماكن التي منها تبث ومنها تمول وهي أماكن عروش دكتاتوريات ظالمة...

مسيسون حتى داخل البيوت...
إعطني ترتيب القنوات الفضائية في جهاز الستلايت الخاص بك والقناة الأخبارية وغير الأخبارية التي تتابعها بشكل منتظم وسأقول لك لأي جهة أنت تميل...

إعطني في أي جامع تصلي وأي صلاة جمعة تحضر وسأقول لك ما هو توجهك السياسي ومعه توجهك الديني أيضاً...
إعطني الصورة التي تعلقها في بيتك وسأقول لك بأي جهة أنت تؤمن...
قل لي كيف تصلي على النبي محمد وسأقول ما هو توجهك المذهبي...

وسائل إعلامية غارقة في التوجيه السياسي والتنظير الفكري لجهات معينة وتوجهات محددة وفق خطة مسبقة الأعداد ولكنها تصرح بأنها قناة مستقلة وقناة لكل الناس...
 
وحتى من يؤمن في داخله بعداوة أمريكا وإسرائيل وهم يسيرونه بوسائل إعلامهم وأفلامهم ومسلسلاتهم وحتى أفلام الكرتون والبرامج الوثائقية وحتى المسابقات الترفيهية حيث يبرمجونها بحنكة ودراية لتجعل الناس عبيد لها رغم أن هؤلاء العبيد مستقلين كما يزعمون...
 
الكل مسيس وموجه فكرياً لسياسة منحازة وهو يصرح بأنه مستقل... إلا من يتفكر ويتدبر في أموره وأفعاله اليومية وطريقة إيمانه وهم قليلين مع الأسف.

لا مانع أكيداً أن يكون هنالك فكر مشترك بين توجه حزبي وسياسي وديني وفكرة معينة ولكن أن تأتي بفهم ودراسة وبحث لا تلقين ووراثة وتقليد أعمى...
كما لا عيب في التوجه الحزبي وأن يكون الشخص منظماً حزبياً بعد الأيمان بالحزب أو التوجه السياسي والديني بعد نظر وتفكر... وعليه تحمل تبعات إختياره...
هذا إن كان إختيار أصلاً ولم يكن وراثة أو تلقين أعمى...

العيب هو أن يقفز المسيس والمتحزب على بيت الاستقلالية تاركاً بيت الحزبية والتسييس لدى حصول أي شيء يصدمه أو ينال منه ولو بنقاش وحوار...

ولكثرة الجدال والصراع صار الناس مسيسيين ومتحزبين أيضاً من دون أن يكونوا منظمين...
إنتقلت عدوى السياسة والتسييس والحزبية والتوجيه الأيديولوجي لكل بيت ومحل عمل ومؤسسة ودائرة وصار النقاش بما تحب وتكره بل البعض يتخاصم وينزعج لمجرد حوار...

من إنزعج هو مستقل غير حزبي وغير مسيس وغير منتمي لجهة سياسية كما يقول، ولكنه غير مستقل بالمرة فمن حيث توجهه السياسي والديني والعقائدي يكون متحزباً ومسيساً وغير مستقلاً البتة...

الدين بحد ذاته فكر عام وعقيدة روحية بين العبد وربه فهو إنتماء عام لعالم روحي جميل تخلص فيه النية لله سبحانه، وينعكس الإيمان الروحي بتصرفات جميلة في الحياة اليومية...
من المفترض أن يكون كذلك...!!
ولكن حتى هذا الدين صيروه توجهاً سياسياً وطائفياً وداخل الطائفة توجهاً فكرياً فرعياً سياسياً...
حتى صار الدين عند كثيرين دين طائفة لا دين الله...
يقدسون الطائفة أكثر مما يقدسون الله...
وداخل الطائفة توجه ديني فرعي بما تشتهيه الأنفس أكثر مما فكرت به العقول...
شهوة النفس وموروثها وعدوى المحيط، فأكثر التوجهات الطائفية والسياسية هي من عدوى المحيط وتلقين الموتى دون تفكير الحي...

يحبون ويكرهون على ضوء فكر طائفي وسياسي، ولمجرد خلاف في الأنتماء فحسب لا أكثر ولا أقل... ليس لسبب أخر.

وتجدهم ورجال دينهم يتلون قوله تعالى: (إدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
وقوله تعالى : (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).
وقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).
فخلقنا الله من ذكر وانثى وجعلنا شعوب وقبائل (لنتعارف) (لنتفاهم) (لنتبين) و(نتفكر) في تمييز الحق من الباطل من دون إكراه ولا غصب ولا كراهية...

ويقرؤون أحاديث النبي محمد (ص) ومنها: (إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تأبهوا به حتى تنظروا كيف عقله).
وايضاً : ( إذا بلغكم عن رجل حسن حال، فانظروا في حسن عقله فإنما يُجازى بعقله).
وقوله (ص): (إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصوم ).
وقوله (ص): (إنما بعثت للتعليم). ومثله : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

ولكن ما إن ينتهي وينتهون من تلاوة تلك الأحاديث حتى يخالفونها في أول جدال ونقاش أو في أي موقف يمتحن فيه الإيمان أو لأي موقف خلافي سياسي وديني، وخصوصاً لو كان خلافاً طائفياً في نفس الدين.

هؤلاء المستقلون جداً ينعتون (معمر القذافي) بالظالم والقاتل ولكن مع (صدام حسين) الذي هو أشد جرماً من القذافي مئات ومئات المرات فيسمونه شهيداً وقائداً...
هؤلاء المستقلون جداً يحسبون تدخل قوات الناتو في ليبيا وإسقاطهم لنظام الدكتاتور القذافي نصراً ويسمونه (تحرير).
ومع العراق (إحتلال)...
وهؤلاء المستقلون جداً لا يسلطون الضوء على انسحاب القوات الأمريكية من العراق وبشكل نهائي لترحل من قواعدها المؤقتة في العراق لقواعدها الثابتة والدائمة والكبرى في دول الخليج العربي...

هؤلاء المستقلون جداً يسمون الثورات العربية في كل البلدان العربية (ثورات تحرر وتغيير) ويغطونها إعلامياً عشرات المرات يومياً...
ولكن في (البحرين) تعتيم إعلامي وسكوت مطبق للجرائم المرتكبة بحق المتظاهرين العزل...
هؤلاء المستقلون جداً يسمون من يحارب المتظاهرين المطالبين بالحرية والتغيير (بلطجية ومرتزقة) وينتقدون بشدة من يحارب ويفتك بالمتظاهرين...
ولكن في البحرين يباركون إرسال قوات درع الجزيرة لا لتحرير فلسطين بل لتخليص ملك البحرين من شعبه ففتكوا بالشعب والمتظاهرين ولا من شاف ولا من دري فهم مستقلين جداً...

ورجال الدين يباركون التغيير في كل مكان كلاً حسب هواه ومزاجه وتوجهه الطائفي وراح ضحية ذلك الأطباء والنساء والرياضيين والكفاءات في البحرين في سجون الظالمين في المملكة، ففي البحرين غالبية شعبية ذات طائفة تخالف مزاج المفتي والشيخ والإمام وخطيب الجمعة، مثلما تعجب هوى مفتي وشيخ وإمام وخطيب جمعة آخر، من طائفة أخرى...

هؤلاء المستقلون جداً ووسائل إعلامهم يباركون التغيير والحرية في كل ساعة من ساعات برامجهم وحواراتهم وفي سياساتهم ما عدا التغيير والحرية في البحرين فهو محرم الحديث عنه ومحرم جداً وأكثر لو كان في السعودية التي هي بؤرة الظلم والتخلف والدكتاتورية والحكم الديني الطائفي الأحادي الجانب...

المستقل فعلاً هو من ينظر للجميع ويفكر بمن يخالفه قبل التفكير بمن ينسجم معه وقبل أن يقرر ويحدد مصير فكرة معينة واتجاهها والتفوه بها...

المستقل هو من فهم الاستقلالية والتي تعني التحرر من فكر معين تجاه فكر مستقل يتبناه صاحب الفكر نفسه بجد وتعب ولو كان بنفس فكر آخرين غير مستقلين ولكنك كنت مستقلاً بذاتك حين قررته وفكرت به.
         
كان ما تقدم لمحة بسيطة للفت الانتباه، لكي لا يلدغ البعض من جحر مرتين، ويقع بعض اخر بنفس الفخ مرتين، ويتعثر كثيرين بنفس الحجر مرتين وأغبى الأغبياء من يعثر ويقع ويلدغ مرتين من نفس الجهة وبنفس المكان وحتى بنفس الزمان...
إن خدعتني مرة فأنت المسؤول...
وإن خدعتني مرة ثانية فأنا المسؤول...

115
لو يعلم العراقيون ماذا خسروا بفقد السيد الحكيم

حيدر محمد الوائلي

في أولى أيام رجب الحرام...
سفكوا الدم الحرام...
في الأرض الحرام...

كان صائماً لله تعالى، فمضى على نيته شهيداً قربة إلى الله تعالى مع ثمانين من مصلين كان يؤدون حج الفقراء في يوم الجمعة لله، فأكملوا حجهم عند الله...
أدوا الصلاة لله فصاروا بعد حينٍ عنده معززين مكرمين...

قتلوا السيد محمد باقر الحكيم الذي قضى العمر جهاداً وتضحية وعلماً وعزة وكرامة ورفض الظلم وقول الحق عند الظالمين والجائرين و(أعظم الجهاد كلمة حقٍ عند سلطان جائر)...
كانت أمنيته أن لا يفارق الحياة إلا شهيداً فكان له ما أراد...

لو عرف العراقيون ماذا فقدوا بفقد السيد الحكيم لبكوا على فقده عشرات السنين...
ولو عرفوا الدور الذي لعبه السيد الحكيم بحفظ العراق من الضياع لأقاموا له في القلب تمثالاً...
ولو عرفوا أي مؤامرة وأطراف مستفيدة حاكت اغتياله وخططت له لكان الكثير من أصدقاء اليوم أعداءاً...   
ولو عرفوا لماذا قتلوا السيد الحكيم لأتخذه الناس بحق سيد شهداء عراق الحرية...

هذا العراق الذي تأبى كل حقبة تاريخية تمر عليه إلا أن يكون بها شهيداً شاهداً عليها وعلى الظلم وسفك الدم في هذه الأرض الطاهرة، التي طهُرَت بما سال على ثراها من دماء الشهداء في التاريخ قديماً وفيما مضى قريباً واليوم...

محمد باقر الصدر سيد شهداء محاربة الظلم السابق، ومحمد باقر الحكيم سيد شهداء محاربة الظلم الحاضر...
فأنعم بهما من إثنان شهيدان عالمان...

كان السيد الحكيم بحق صمام أمان العراق والعراقيون وكان الأمل في غدٍ أفضل وفي حفظ المعادلة السياسة وتوازنها وحفظ حقوق العراقيين من الضياع فلما اغتالوه بدا الانهيار واضحاً للعيان...

ليس محمد باقر الحكيم حكراً لجهة سياسية ولا لحزب ولا يعني الكلام عنه وتبيان فضله إنتماءاً لهم فهو للعراق كله وللدين كله وهذا عتب على الجهات السياسية التي حصرت أسم الحكيم لها، فهو ليس لها بل للعراق كله...

سالت دماه قرب ضريح الأمام علي (ع) ليكون علياً عليها شهيداً يوم القيامة، أي رب هؤلاء قضوا نحبهم بجواري...
وماتوا على حبي وأهدافي وشعاري...
ليعلم من قتله ومن ساند قتله ورضا عن ذلك ومن سهّل حصوله ومن جاورهم من خبيثين وخبيثات فالخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، ليعلموا جميعاً أن سيكون الخبث جوارهم...
ليعلموا الفرق بين جوار الخبث والخبيثين وجوار الطيبة والطيبين، وليعلموا أيهم أحسن مكاناً ولمن سيئول النصر إليه لاحقاً وقريباً...
جاورت أعدائي وجاور ربه   ...   شتان بين جواره وجواري

كنت يا حكيم حكيماً بحق و(من أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً)...
لم تكن يا حكيم لطائفة بل كنت للدين كله...
ولم تكن لحزبٍ ولا لجهةٍ سياسية بل كنت للعراق كله...
كنت للدين كله وللعراق كله رغم دسائس الحاقدين وتطاول المغرضين ولكنهم لم يطولوا لك تراباً سحقته قدميك...

فزت يا حكيم وبقى العراقيون متأرجحون تأخذهم السياسة بدواهيها ذات اليمين وذات الشمال بصراعاتٍ لا طائل للشعب بها وليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل متفرجين على داحسها وغبرائها متى تنتهي، ولمن ستئول الغلبة...

وإنشغلوا بالصراعات فيما بينهم وتركوا الشعب وحيداً لا يكترث لحاله أحد إلا بمصلحات البيانات والتصريحات الإعلامية التي لا تصلح إلا بحشر إسم الشعب وحقه وحقوقه وكرامته في كل نزاع وصراع تهان به كرامة الشعب وتصادر به حقه وحقوقه...

حتى أضعفوا العراق وشعبه بصراعاتهم التي أدخل بعضهم دول الجوار في تأجيجها كلٍ لصالحه ومشتهاه...
والشعب متفرجاً على من إنتخبهم ليشرعوا لخدمته ولحفظ حقوقه القوانين والتشريعات...
ولتنفيذ مشاريع البناء العملاقة والخدمات...
فإذا بالمحصلة خلافات وصراعات وضاعت الثروات والخيرات في صراع هذا وذاك...

لو كنت اليوم ها هنا يا حكيم لصرخت بهم أن يكفوا ويخرسوا ولا أظنهم سيتكلمون بعدها أبدا...
لو كنت اليوم ها هنا لما ذهب فلان وفلان لدول الخليج ودول الجوار يستجدي دعماً سياسياً ليقويه على صراعه داخل العراق...
لو كنت هاهنا لم تغمض لعينك جفن حتى يوفروا حقوق الشعب ويباشروا بتنفيذ مشاريع الخدمات الوافية والكافية والشاملة بسرعة وغزارة...

لكنهم قتلوك فقد عرفوك أنك لا تسكت عن الباطل...

لقد كنت أتكلم عليك جهلاً فيما مضى... وكنت أسمع من يتكلم عليك ويلصق بك التهم فلا أردهم جهلاً مني أيضاً، والناس أعداءاً ما جهلوا...
ولكن عرفتك مثلما لم أعرفك من قبل مثالاً واعياً صادقاً يا أبا صادق الحكيم...
فزت يا حكيم وأغمضت العين قريراً وفتحتها عند أرحم الراحمين قريراً...
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً)...
رحمك الله يا حكيم وأنت في القلب ولن ننساك...

محمد باقر بن السيد محسن الحكيم ...
تولد: 8 تموز 1939
شهادة : 29 آب 2003
ذكرى : باقية للأبد في قلب كل حر وواعي

116
آثار ذي قار المهملة...الجرح النازف

حيدر محمد الوائلي

في البدء كانت الخليقة...
واقتضاء حكمة الله سبحانه أن يختار الأرض التي هي قطرة  في بحر الكون الهائل لتكون محل خلافة الله، فنزول النبي ادم (ع) للأرض ليكون خليفة الله فيها، فكانت أول بقعة أرضٍ وطئها ليخلف الله فيها (ميزوبوتاميا) (Mesopotamia) (بلاد مابين النهرين) (بلاد الرافدين) (اراك) (أرض السواد)، كلها مسميات حضارية تشير الى عراقة (العراق)...
وفي نفس هذه الأرض كانت أول حضارة عرفتها البشرية (الحضارة السومرية) جنوب العراق ولمحافظة (ذي قار) ومدينة (الناصرية) تحديداً الحصة الأكبر في بقاياها وآثارها حيث كانت مسرحاً لإبداعات وابتكارات وأمجاد وآثار الحضارة السومرية والتي لحد الآن بقيت مهملة وغير مدروسة وغير منقبة بالشكل التي هي عليه حضارات أخرى جاءت بعدها بمئات السنين بل آلاف السنين وهي اليوم معلم سياحي وثقافي يدر على تلك البلدان سمعة ثقافية وعوائد سياحية، بينما المكتشف من الحضارة السومرية في ذي قار هو قليل بل قليل جداً، حتى قيل أنه (5%) فقط...!!

في ذي قار محل مولد أبو الأنبياء إبراهيم الخليل (ع) وآثار بيته شاهدة لليوم حيث نزلت في أرضها الرسالة الحنفية والتي منها انبثقت رسالات الله للعالم (اليهودية والمسيحية والإسلام)، ويعرف مكان بيت النبي إبراهيم (ع) في الإنجيل بإسم (اور الكلدانيين)، وفي التوراة وُصِف بالمكان الذي رأى النبي إبراهيم النور فيه. ولا تزال بقايا بيته قائمة ولليوم في مدينة الناصرية قرب بقايا زقورة اور العملاقة، وقد أعيد ترميم البيت تمهيدا لزيارة كان البابا الراحل (يوحنا بولس الثاني) ينوي القيام بها العام 2000، ولكن ألغيت الزيارة لاحقاً لأسباب غير معلنة.

في ذي قار أول حضارة عرفتها البشرية وعمرها أكثر من (6000) سنة (الحضارة السومرية)...
وفي ذي قار أول كتابة وخط وتدوين عرفته البشرية (الخط السومري) (الألواح السومرية)...
وفي ذي قار أول نظام سياسي برلماني (النظام السومري)...
وفي ذي قار أول نظام تعليمي (نظام التعليم السومري)...
وفي ذي قار إكتشفت الحضارة السومرية أن الشمس مركز تدور حولها كواكب كما هو واضح في لوح سومري موجود في متحف برلين، وهذا الأكتشاف لم يعرفه علماء أوربا إلا قبل (300) سنة مضت حيث كانوا يعتقدون قبل ذلك أن الأرض مركز الكون، فالسومريون سبقوهم بـ(6000) سنة...!!

وفي ذي قار إكتشفت الحضارة السومرية المجموعة الشمسية حيث في اللوح المشار إليه سابقاً يوضح شمس وحولها تسعة كرات تمثل تسعة كواكب، والغريب أن العالم اليوم بجميع تطوره لم يكتشف الكوكب التاسع للمجموعة الشمسية إلا في سنة (1930) وهو كوكب (بلوتو) وسموه على أسم من وجده العالم (بلوتو)، ولكن سبقهم السومريون لذلك قبل (6000) سنة...!!

وفي ذي قار إكتشفت الحضارة السومرية كوكب عاشر للمجموعة الشمسية واضحاً قرب الكواكب التسعة بمسافة في اللوح المشار إليه سابقاً وقد أشار اليه السومريون بأسم (نيبيرو) والغريب أن هذا الكوكب لم يتم الحديث عن وجوده إلا مؤخراً في حوالي العام (2003) عندما إكتشف وجوده عالم فلكي من معهد بحوث فلكي في ولاية كاليفورنيا الأمريكية وأطلقوا عليه اليوم نفس الأسم السومري (نيبيرو) (Nibiru) أو الكوكب المجهول أو ما يعرف بـ(Planet X) (الكوكب أكس)...!!

وفي ذي قار كان أول حديث عن وجود حياة في كواكب أخرى، كما يشهد بذلك الألواح السومرية الموجود الان في متاحف العالم حيث نصّت على نزول (الانونانكي) وهم أناس جاءوا للأرض من كوكب (نيبيرو) المشار اليه سابقاً وقد تعلموا منهم وهم بذلك سبقوا وكالة (ناسا) ونظرياتها حول هذا الموضوع قبل (6000) سنة...!!

تصوروا أن كل ما سبق حول الفضاء والكون في لوح سومري واحد فقط موجود في متحف برلين الآن، فكيف بالآلاف المؤلفة من الآثار الموجودة تحت أرض ذي قار اليوم وهي غير منقبة وغير مكتشفة بعد...!!

في ذي قار كانت أوائل محاولات تدوين التاريخ (تدوين التاريخ السومري ووقائعه وسيرته على ألواح طينية)...
وفي ذي قار أول تكتيك حربي (استخدام الخيول والرماح والعربات الحربية السومرية)...
وفي ذي قار أول تشييد هندسي إبداعي (القصور السومرية)...
وفي ذي قار أول قوس هندسي عرفته البشرية على شكل حرف (U) باللغة الانكليزية مقلوباً وهو قوس باب قصر الملك (شولكي) قرب زقورة اور، وليس كما يدعي الرومان أنهم أول من شيد القوس الهندسي، فحقبة تشييد قصر شولكي كانت قبل سنوات طويلة من حقبة الرومان...

وفي ذي قار حضارة سومرية كان فيها أول سوق تجاري منظم للبيع والشراء وتدوين السلع والواردات والصادرات، ووجد في بقايا ألواح سومرية آثار بصمات أسفل كل لوح بما يعتقد أنهم كانوا يمهرون اللوح ببصمة اليد كتوقيع، ويمسحون اللوح بأن يرطبونه بالماء ليدونوا عليه من جديد.

وفي ذي قار محل أول سباق رياضي عرفته البشرية وهو سباق أور الملكي قبل (4500) سنة حيث كان عبارة عن متسابقان يتباريان في الركض في حلبة سباق مخصصة لذلك...
وفي ذي قار ابتكر السومريون نظام الساعات لحساب الأيام بواقع (24) ساعة لليوم و(60) دقيقة للساعة...
وفي ذي قار إبتكر السومريون نظام حساب قطر الدائرة البالغ (360) درجة، ولازال هذا القانون لليوم كما إبتكره السومريون قبل (6000) سنة...
 
وفي ذي قار أول قانون دستوري مسنون وسبق قانون حمورابي البابلي ومسلته وهو قانون (أورنمو) أحد ملوك حضارة اور، ولكن يبقى قانون حمورابي أكمل وأكثر تميزاً...

وفي ذي قار زقورة اور العملاقة (إينا زيكورات) التي لا تزال شامخة لليوم منذ آلاف السنين وهو بناء حجري متدرج مخصص لآلهة الشمس السومرية (إنانا)، وتحيط بالزقورة مواقع أثرية منها (اريدو) و(العبيد) و(الدحيلة) و(لارسا).
هذه الزقورة التي هي من أعلى المباني في مدينة الناصرية اليوم رغم أنها قد شيدت قبل الاف السنين فالمبدعين يومها كانوا مبدعين، ولم يستطع أحد (سابق ولا لاحق) في الوقت الحاضر من تشييد بنيان يضاهيها إرتفاعاً وبراعة وإبداعاً وتصميماً ماعدا المستشفى العام في ذي قار وقد بناه الكوريون قبل عشرات السنين...!!

في ذي قار الحضارة السومرية التي كانت الأولى في الموسيقى والشعر والأدب والفنون التشكيلية من فخار ورسم ونحت وفنون العمارة، وفيها أول عزف موسيقي وآلة موسيقية وهي القيثارة السومرية، والتي ترتبط بالمقبرة الملكية السومرية في أور، وهي احد مقتنيات المتاحف العالمية اليوم، وواحدة من مفردات جعلت بلاد الرافدين تسبق اليونان والرومان بثقافاتهم قبل الاف السنين...

في ذي قار حضارات (سومر) و(اور) و(لكش) و(أريدو) وغيرها من أمجاد لأوائل الحضارات وسوابق الإبداع والتي لم يتم تنقيبها بشكل صحيح وكامل ومدروس ولم يتم على الأقل تجسيمها وإعادة تصويرها وهيكلتها من جديد لتكون معالم سياحية وثقافية تدر على محافظة ذي قار الشيء الكثير، ولم يبلغ ما تم إيجاده من آثارها سوى (5%) فقط على ما يقال...!!

في ذي قار الكثير والكثير مما لا يسعني في هذا المقال المختصر ذكره جميعاً فأهل الاختصاص أعرف...
من قول لعالم الآثار (جيم مارس) (Jim Marrs): (إن مجموع ما أخترعه وأبتكره السومريون لا يصل إليه مجتمعنا المعاصر، وبالتالي يجب أن نتساءل من أين جاءوا بكل هذه الأفكار)...؟!
تصوروا...!!

في ذي قار أهوار مائية عملاقة موجودة منذ آلاف السنين، وتحتوي على حيوانات ونباتات كثيرة ومنها النادر...

في ذي قار رغم كل هذا التاريخ الذي لو وُجد (بعضه القليل جداً) في دولة أوربية أو أمريكية أو آسيوية أو أفريقية لجعلت منه رمزاً وطنياً وبنت لتخليدها متاحف ومكتبات ومراكز بحوث لحفظها، وترى المنقبين والدارسين يحجون إليها جيئة وذهابا، ولكن في محافظة ذي قار كلها لا يوجد سوى متحف وحيد، مجهول، فارغ، مهمل، مهجور...!!

آثار ذي قار منتشرة في متاحف العالم في برلين ولندن وباريس وغيرها، ولم يطالب بها أحد ولليوم...
ساهم النظام السابق وبشكل مبرمج في تهريب آثار العراق عن طريق حماية الرئيس السابق صدام الشخصيين خصوصاً (روكان وأرشد) ومن ثم بيعها في السوق السوداء ولا يوجد من يوقفهم أو يحاسبهم يومها فهم كانوا الحاكمين المطلقين على رقاب العراقيين ومن يتكلم يسجن أو يعدم...
ولم يغير النظام الحالي (المنتخب) ولم يساهم في نهضة الواقع المزري لقطاع الآثار والسياحة في العراق ككل ومحافظة ذي قار بالأخص ولم يحركوا ساكناً في هذا الموضوع ولربما يبقى الوضع على حاله لسنوات وسنوات...

بقيت آثار ذي قار وحضاراته شاهداً على سوء حاله وواقعه فلا راحة لشعبه ولا خدمات تنقذ واقعه الأمر وأكيد فلا سياحة، فلقد ساهم النظام السابق بشكل كبير في هذا الإهمال والتقاعس والخراب والنظرة العنصرية الطائفية للجنوب ومحافظة ذي قار بالأخص لمعارضتها إياه طوال سنين حكمه، فلم يشفع لها ذلك بشيء لمّا سقط النظام السابق، ولم يصلح النظام الحالي كثيراً بل منهم من زاد فساد النظام السابق فساداً أكثر...
لو كان جزء صغير من آثار وحضارات ذي قار في دول أخرى لعاشت وازدهرت على عوائدها السياحية فقط، فكيف بالنفط والغاز والقار وغيرها من خيرات الله في أرض ذي قار وبغزارة...!!

تخيلوا أن كل ذلك في ذي قار وبالرغم من ذلك ولا كأن هنالك حضارة فيها فقط في شعارات وأختام بعض المؤسسات والدوائر في المحافظة لا أكثر ولا أقل...

تخيلوا أن يوجد في سهل (ساليسبري) بمقاطعة (ويلتشير) جنوب غرب إنكلترا أحجار مبعثرة تسمى (ستونهنج) (Stonehenge‏) حيث يرجع وجودها لتاريخ ما بعد الحضارة السومرية بكثير ولا يوجد لا آثاري ولا عالم يعرف ماهيتها ودلالتها ولا يعرفون ما هو أصلها ولا الحقبة الزمنية التي شيدت فيها التي خمنوها تخميناً، فقط نظريات مختلفة حولها وحول وجودها، وبعض العلماء بالحدس تصورها أنها كانت وفق حدسه مركزا احتفاليا أو دينيا...
وبالرغم من ذلك فلقد اهتمت الحكومة البريطانية بها كثيراً وأولتها إهتماماً جماً، وهي أحد المعالم السياحية الأثرية المهمة في بريطانيا، وصور تلك الأحجار منتشرة بكثرة حول العالم رغم انها أحجار عادية غير معروفة الدلالة والمعالم فهي مجرد أحجار (حوالي ستة) مصطفة حجر جنب حجر.

وفي ذي قار حضارة وعمارة وآثار واضحة المعالم والدلالة والكثير من بنيانها الأثري لا يزال مطموراً تحت الأرض وبعضه الآخر واضح للعيان وبالرغم من ذلك لا يوجد أدنى اهتمام بها ولا بالتسويق لها سياحياً ولا نشر النشرات باللغات المختلفة للترويج لها ولا إبلاغ السفارات العراقية في العالم لنشر المنشورات حولها، ولا الاتفاق مع قنوات عراقية وعربية وأجنبية لإنتاج برامج وثائقية متطورة لسبر أغوارها، وتوضيح معالمها، ولا بناء المرافق السياحية والفندقية والتجارية قربها وحولها وفي المدينة لتصبح محطة لجلب للأنظار...
كل ذلك لا يوجد...!!
فحتى لو حصل وجاء السائحين والمنقبين وعلماء الآثار أفلا يستلزم وجودهم وجود فنادق عصرية ومطاعم متنوعة تقدم مختلف الأطعمة ومراكز تسوق عصرية ومطار ووسائط نقل سياحية ومترو ومرافق خدمية ومتنزهات وحدائق وشوارع ونظافة لكي يعكسوا صورة جميلة عمّا رأوه، فكيف لو عرفوا أن في الناصرية كلها فندق سياحي وحيد بطابقين...!!

كيف لو عرفوا أن جزء كبير من الأراضي الأثرية السومرية التي تجاور زقورة أور وبيت نبي الله إبراهيم (ع) تابعة لوزارة الدفاع العراقية ومبني عليها قاعدة عسكرية جوية عملاقة جداً وبجنبها مقر كبير لفرع قيادة الفرقة العاشرة للجيش العراقي وبجنبها السجن الإصلاحي ومركز التدريب العسكري...!!

لماذا عدم الاهتمام بالآثار والسياحة والحضارة في ذي قار؟!   
لم يحصل ذلك لعدم وجود من يهتم بتلك الآثار ويقدر قيمتها أما لقلة الخبرة أو لعدم معرفة كيفية التصرف في الحكم والمسؤولية أو لعدم تخصيص ميزانية ضخمة لهذا القطاع الحيوي أو للانشغال بالصراعات الحزبية والسياسية وعدم الأهتمام أو التفكير بهذه الثروات أو لعدم وجود ذوي الخبرة والكفاءة ممن يطور هذا القطاع الحيوي...

يكفي انتظار منقبين وباحثين أجانب بأنتظار أن تتكرم على ذي قار حكوماتهم وترسلهم لنا ليمنوا على ذي قار بذلك...!!
على المسؤولين في ذي قار أن يطلبوا ويطالبوا بمنقبين وآثاريين وباحثين في التاريخ ويوفروا لهم كل متطلباتهم وإحتياجاتهم وتخصيص ميزانية خاصة بهذا الشأن والتأكيد على هذه المشاريع وفائدتها الحيوية في دعم السياحة والاقتصاد والأستثمار في المحافظة، ومن الممكن جداً أن تصبح مدينة أور السومرية بشهرة أهرامات الجيزة في مصر إذا توافرت الإرادة السياسية لذلك.

ستبقى اثار ذي قار جرحاً نازفاً يشهد على حضارة لم يولي لها أحد أدنى إهتمام في العراق القديم والحديث...
ستبقى حضارات ذي قار تنزف دماً لتاريخ كان شاهداً على أبناءه الذين خربوه تخريباً...

وعرفاناً بالجميل في التنقيب والبحث عن القليل جداً من الحضارة السومرية في ذي قار وتحديداً مدينة الناصرية أوجه شكري وتقديري لعالم الآثار البريطاني الراحل السير (لينارد وولي) رحمه الله، وهو أول من نقب عن الآثار في مدينة اور عام 1922، ومن أهم اكتشافاته المقبرة الملكية في أور والتي تضاهي في أهميتها اكتشاف المقابر الملكية الفرعونية في أهرامات الجيزة في مصر، ولكن لم يتم تسليط الضوء عليها...

وكذلك الشكر والتقدير لعالم الآثار العراقي الراحل (طه باقر) رحمه الله، والذي نقب عنها ثانياُ وأشرف على صيانتها في حوالي ستينيات القرن الماضي ومن يومها تركت مهملة ولليوم.

117
ملعب الناصرية الفاشل وناديه الخاسر

حيدر محمد الوائلي

في مباراة بين نادي الزوراء ونادي الناصرية دارت رحاها على أرض ملعب الناصرية...
ترى جماهير الناصرية مزدحمة لمؤازرة فريقها حيث لم تكفهم مدرجات الملعب القديم البائس وأرضه الأكثر قدماً وبؤساً فتقافزوا على كل شيء يمكن الجلوس أو الوقوف عليه، وتصافوا حول سور ملعب المباراة، فمدرجات الملعب وقوفاً لا جلوساً تسع لحوالي خمسة آلاف متفرج والحضور حوالي عشرة آلاف، غير الذي لم يحضر لعلمه بعدم وجود شاغر وهم بالآلاف...
خسرنا المباراة كالعادة...
ملعب الناصرية الدولي!! –الخرابة-!! يرحب بكم...
هذا الملعب الذي كما قلت يتسع لحوالي (خمسة آلاف متفرج) وهو أرقى ملاعب مدينة الناصرية الذي يصل تعدادها لمليون نسمة، وأرقى ملاعب محافظة ذي قار التي يتجاوز عدد سكانها مليوني نسمة، وهو الأرقى لسبب واحد فقط...
لا توجد ملاعب غيره في المحافظة حتى تنافسه...!!

يهتف الجماهير المساكين الجالسين على مدرجات من كونكريت مسلح خشن متهدم يسلخ (الط.....) سلخاً لدى الجلوس عليه، وبالرغم من ذلك تجد إصرار المشجعين على الحضور والذين يهتفون مشجعين من على مدرجات الملعب المتهرئة والمتهدمة، دعماً لنادي الناصرية المسكين الفقير الذي لا يكترث له أحد ولا يقدم له الدعم أحد والذي لا يوجد لا مسؤول يتبناه ولا شركة راعية ترعاه ولا دعم وزاري ينقذه...
رغم كل هذا البؤس يهتف الجمهور صارخاً:
(هيلة عليهم هيلة...ذي قار بعدة بحيلة) و (هيلا هلا ... هل هلا هيلا)...!!
رغم أن نادي الناصرية لم يفز في أي مباراة لعبها ماعدا مباراته مع نادي السماوة...!!

لماذا لا يكون الإصرار والمطالبة من مسؤولي الرياضة ومسؤولي المحافظة على تشييد ملعب كبير وعصري وهو حق لمدينة ولا يمن به أحد عليها...
لماذا لا يتم بناء ملعب جديد بدل الملعب الحالي وكذلك بناء محال تجارية على طول سياج الملعب الخارجي الواقع في منطقة جيدة وتأجير تلك المحلات من قبل البلدية ويكون ريعها لدعم النادي...
لماذا هذا الإهمال المتعمد لقطاع الرياضة رغم كثرة الرياضيين في المحافظة، ألا يستحسن تشييد الملاعب الرياضية الكبيرة والعصرية لتكون على الأقل واجهه لمحافظة كانت على أرضها مهد الحضارات وأمجدها...

لماذا لا ترون هذا البؤس المخيّم على الشباب الرياضي و(شيّابه) يرون المحافظة لا يوجد فيها ملعب كبير وعصري وكل سنة يتكرم البعض بصبغ الملعب القديم ليخفوا عيوبه رغم أنه كله عيوب من (أساسه لأم رأسه)...
لماذا هذا الأهمال والتقاعس...
ألا يحب المسؤولون في المحافظة أن يروا محافظتهم جميلة وأنيقة وفيها ملعب كبير وعصري يحضره الناس ليس فقط لمشاهدة مباريات بل للتنزه أيضاً...
ألا يحب المسؤولون في المحافظة أن لو يمر مسؤول دولة أجنبية أو عربية أو سائحين وينظرون في المدينة مرافق عصرية ومنها ملعب كبير في المنطقة التي فيها الملعب القديم اليوم ويضمون للملعب المناطق التي خلفه ويشيدون عليها ملعب عملاق يلفت الأنظار ويعطي الأمل بأزدهار طال إنتظاره...
ألا يحب المسؤولون ذلك أم ماذا...
ألا يعرفون ذلك أم أن (بعضهم) لا يعرفون كيف يتصرفون...
ألا يحب المسؤولون ذلك أم أن (بعضهم) مسيرون ولا يملكون القدرة لإتخاذ القرار...
ألا يحب المسؤولون ذلك أم أنهم لا يكترثون لحال مدنتهم ومحافظتهم ولا يعيرون لها أدنى إهتمام لها، على عكس بيوتهم...
ألا يحب المسؤولون أن يروا أبناء المحافظة يمارسون الرياضة في ساحات شعبية خضراء لا جرداء وأؤكد لكم أنها ستمتلئ بالكامل بلاعبين ومتفرجين من كافة الأعمار فقد تكرموا وهيئوها وازرعوها والله من ينمي زرعها...
ألا يحب المسؤولون ذلك أم ماذا...؟!
مالكم لا تجيبون...!!
وإن فكرتم أن تجيبوا فدعوا أفعالكم تجيب عنكم، وعندها سيكون الناس لكم شاكرين على أدائكم واجباتكم التي تتقاضون عليها رواتباً مجزية...
ولو تعذرتم فلا تصرحوا بالأعذار لكي لا تهدموا الأمل البسيط المتبقي لحياة أفضل فلقد سئمت الناس الأعذار...

تكلمت عن مدينة الناصرية وناديها على أساس أنه أفضل ما يكون في المحافظة ككل والتي يتجاوز تعداد سكانها مليوني نسمة...
وإذا كان الأفضل مقارنة بغيره كذلك فليتخيل المنصف كيف سيكون الأسوأ ...!!

118
مشكلتان في الناصرية

حيدر محمد الوائلي

رغم كبر مساحة الوطن ولكن يصعب أو يستصعب من بيده القرار والأمر والشورى والتأثير أن ينقذ المواطنين من الشباب وبعض الشياب بتوزيع قطع أراضي ليبنوا على أديمها بيوتاً يستقروا بها قبل أن يُدفنوا تحتها،  خصوصاً وأن أسعار البيوت وقطع الأراضي في المحافظات العراقية (والناصرية سيتي) قاربت تلك الموجودة في نيويورك سيتي  وباريس سيتي، من حيث السعر أكيداً فلا يوجد شبه بين الاثنين إلا في هذا فقط...
تم توزيع قطع أراضي ولكن رغم قلتها فهي بعيدة وفي مناطق لا توجد فيها أي خدمات (كهرباء، ماء، مجاري) وبالرغم من ذلك فيبني المساكين فيها بيوتاً بديون وقروض لا طائل لموظف ولا غير موظف بتسديدها الا بعد سنوات طويلة.
أرض العراق التي أتخمت (بعض) البطون (اليوم) حتى تكرشت وأنست العلماني علمانيته والإسلامي إسلامه والمعارض سنين معارضته، ونُسيت دماء الشهداء والتضحيات ليشتغل (بعض) المسؤولين بعوائد التغيير والمال والأعمال...
طبعاً هنالك مشكلتان فقط!! في الناصرية ككل مدن العراق:
1- الزواج وتعقيداته وتكاليفه. 
2- أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات والإيجارات.
3- قلة التعيينات وكثرة الخريجين من حملة الشهادات.
4- ارتفاع مستوى البطالة، وعدم كفاية الراتب للكثير من الموظفين في توفير متطلبات دون المتوسطة من المعيشة.
5- ارتفاع مستوى الفقر وهنالك (30%) من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر وفقاً لإحصائية رسمية لوزارة التخطيط العراقية أجرتها قبل عدة سنوات. (الله العالم بما نسبته الآن في (2011) وبما هو غير رسمي وهؤلاء الـ30% تحت خط الفقر وليس فقر!!)
6- الفساد الإداري والرشوة مستشري مع ضعف هيئة النزاهة وتغطية بعض ملفات الفساد الكبيرة، والانشغال بملفات فساد صغيرة.
7- عدم إبلاغ أو إطلاع المسؤولين والقيادات وقراءتهم ما يكتب كتّاب المقالات والتحقيقات حول هموم ومشاكل الكثير منها (ليس كلها) كُتِبَت للصالح العام لأن (بعضها مسيسة تكتب لإثارة الفتنة ولنوايا خبيثة ظاهرها مليح وباطنها قبيح انطلت على البعض ولم تنطلي على الواعي النبيه)، فلا يطلع المسؤولون ولا مستشاريهم على ما يكتب الكثير من الصالحين والواعين وعدم إعارة الأهمية لها والتغاضي عنها... أي (تغليسة). وبعضهم يتحجج أن بعض الكتابات مسيّسة وفيها نوايا مبيتة، فيتركون الكل بحجة سوء جزء.
8- كثرة المظاهر العسكرية في المدن والطرق وبصورة غير مرتبة، ومن دون نقاط تفتيش نظامية، مع رداءة في أسلوب كلام (بعض) منتسبي الشرطة والجيش، وتصرفات البعض الاستفزازية.
9- عدم توزيع حاويات نفايات لجميع المناطق السكنية وعدم تخصيص حصة من أكياس النفايات لكل بيت بأن توزع مثلاً ضمن البطاقة التموينية لنشر روح النظافة ووضع الأوساخ في الأكياس ومن ثم في حاويات وبذلك يسهل عمل عمال البلدية...
وكذلك وساخة الشوارع والمرفقات العامة وقلة التشجير والمساحات الخضراء حتى صارت نادرة أن تراها إلا في محافظة أغلب أصول ساكنيها من الفلاحين، ولا تجد التشجير إلا في مناطق بعينها (مميزة) في حي واحد وترك بقية الأحياء، وكذلك عدم كفاية شبكات المجاري وسوءها وقدمها، وتلك المجاري القديمة أفضل بكثير من بعض المجاري المنفذة في مشاريع اليوم. رغم أن المجاري القديمة بنتها وصممتها شركات هندية منذ عشرات السنين، وللأسف لم تصل هندسة وتخطيط وبناء اليوم في عام (2011) ما يعادلها.
10- تكبر (شيلة خشم) (بعض) المدراء والمسؤولين وتعقيدات الوصول إليهم كبيرة وعرقلة مقابلتهم والتكلم معهم بصراحة إلا لذو (واسطة) و(حظ عظيم)، فالكثير منها يرموه على عاتق موظف فرعي أو سكرتير ليتولى الأمور.
11- عدم الاكتراث لهموم المواطنين فلا يؤلم الجرح إلا من به (مصايب يا بو مصايب).
12- الكذب وتغطية المشاكل وهموم الناس بأعذار واهية، وإنشغال بعض المسؤولين بسفرات للخارج وإيفادات على نفقة الشعب، وغيابات عن حضور العمل الوظيفي الذي إنتخبه الشعب لأن يؤديه، وياليتهم تعلموا من إيفاداتهم للدول التي يحكمها (مسيحيين ويهود وسيخ وبوذيين) وطريقة تعاملهم مع الشعب والاجتهاد في تنظيم حياته وخدمته، ولكن بعضهم مشغول في إيفاده بالتسوق وشراء الهدايا التذكارية والسياحة والراحة على ما يبدو أكثر من الإطلاع على المشاريع والخدمات واليات العمل وتطبيقها على واقعنا.
13- قلة ساعات تشغيل الكهرباء بسبب فساد ولا مسؤولية وتقاعس وزراء الكهرباء على التوالي منذ 2004 ولغاية 2011، لتمنح الوزارة الشعب (ساعتين) تشغيل متقطعة على الأكثر مع أربع ساعات من القطع المستمر على الأقل. 
14- قلة الطرق الداخلية وكثرة السيارات، وبدلاً من إنشاء أنفاق وجسور واستحداث طرق جديدة وعصرية وبسرعة تنفيذ، فعلى العكس يتم إغلاق الشوارع.
15- إعطاء المسؤولية والإدارة لأشخاص غير كفوئين وغير مهنيين والداعي لوضعهم بمكانهم هو محاصصة حزبية على الأغلب.
16- (بعض) الموظفين لا يؤدون عملهم بالوجه الصحيح ويحس من يراجعهم بأنهم متثاقلين بتأدية واجباتهم وتشعر بالمهانة أحياناً لدى مراجعتهم. (كل ذلك بسبب ضعف الرقابة، والإدارة).
17- يتحكم بالسوق وأسعاره (التجار) وذلك لعجز الدولة على معادلة الكفة بين القطاع الخاص والقطاع العام، فالسوق رهن جشع وطمع ورداءة السلع وإحتكار بعض التجار، مما يؤدي لأن يكون أحد الأسباب الرئيسية لغلاء الأسعار.
18- عدم وجود مؤسسات صحية والمستشفى الأكمل والأفضل هو يكبرني سناً والذي تم تشييده قبل عشرات السنين ولا يزال أفضل ما لدينا في الناصرية لأن من بناه كوريون نزيهين، وأن سعة هذه المستشفى (450) سرير فقط...
وتخيلوا أن من المفترض أن تكون لكل مائة ألف نسمة مستشفى تخصصي للقلب (وفق ما قال لي أحد منتسبي مركز الناصرية للقلب)، وتخيلوا أيضاً أن لا يوجد في الناصرية إلا مركز واحد للقلب لم يكتمل بناءه لحد الآن ولم يفتتح بعد لاستمرار العمل فيه عدة سنوات قاربت الأربعة وبجهود مشكورة للسيد نائب رئيس الجمهورية السابق (عادل عبد المهدي)، وفي عموم العراق لا يوجد إلا ثلاثة مراكز للقلب واحد لمحافظات الشمال في أربيل وواحد لمحافظات الوسط في بغداد وواحد لمحافظات الجنوب في الناصرية لم يكتمل بعد...
وبما أن عدد سكان الناصرية يقارب المليون نسمة، ولكل مائة الف مفترض أن يكون مركز قلب، فنحتاج في الناصرية فقط الى حوالي (9-10) مراكز للقلب على الأقل...!!
تخيلوا أن في العراق كله ثلاثة مراكز...!!
وبالنسبة لمراكز علاج وتأهيل والكشف المبكر عن السرطان، ومستشفيات المتخصصة في الحروق ومستشفيات الطوارئ فدعها لعدم وجودها إلا ما ندر...
19- عدم الاعتراف بالخطأ والتنازل والإقرار بوجود تقصير، لا بل يتم الدفاع عن المقصر والفاسد والمتقاعس لكي لا تحسب نقطة ضعف على كتلته الانتخابية أو جهته الحزبية ويرمون من يتحدث عن التقصير والفساد بأنه مسيّس ومغرض...   
20- مشاكل وتعقيدات تحتاج لمقالات كثيرة لسبر أغوارها.

ألم أقل لكم أننا نعاني من مشكلتين فقط...!!

طبعاً هذه التقصيرات ناتجة عن: (قلة خبرة بعض المسؤولين) أو (تقاعسهم) أو (لا مسؤوليتهم في إدارة دفة الحكم) أو (عدم الشعور بمعاناة الناس) أو (عدم الاكتراث بها) أو (عدم فسح المجال لذوي المهنية والكفاءة لإدارة مؤسسات ودوائر الدولة حتى لو كانوا مستقلين أو من كتل لم تفز بالانتخابات) أو(عدم إيجاد الحلول الفورية والناجحة لحل مشاكل الناس، لعدم معرفتهم بها أصلاً)...
هنالك من المسؤولين ممن لم يصدّقوا لحد الآن أن بيدهم سلطة ومسؤولية فلم يتحركوا ولن يتحركوا فهم موجهين من قبل أحزابهم وقياداتهم السياسية والسبب فيمن إنتخبهم...
هذا درس كي ينتخب الشعب في الانتخابات القادمة من يعرفه من مسؤولين جيدين حاليين أو ممن يعرفهم شخصياً بأنهم من ذوي الكفاءة والفهم والوعي أو ممن هو معروف بذلك وانتخبوا من تعرفونه أنه جيد وصاحب خبرة في العمل وبغض النظر عن توجهه الحزبي والديني والطائفي.
وتذكروا أن (الكافر العادل خير من المسلم الجائر)، والمسلم العادل خير منهما،  فالعدل أساس الملك.
إنقذونا يا مسؤولين يرحمكم الله...
والله كريم و(تخلص) و(تفرج)...
والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه...

119
قتلوا في هذا اليوم صديقي

حيدر محمد الوائلي

في تفجيرات الحلة، وعند طلوع الصبح...   
كانت حمامات بيضاء تسبح طائرة وسط سماءٍ زرقاء...
كم هو جميلُ هذا المنظر الهادئ والذي يبعث على السلام والطمأنينة قل نظيرها في أرض العراق...
فقط السماء لم يمسسها سوءاً وفساداً في أرض العراق التي امتلأت دماً وجرحاً على طول الخريطة بساطٍ ممتد من جثث الضحايا مطروحة على أديم الأرض من هذه الأجساد...
أرضٌ أفسد فيها سياسيين ومسؤولين ودول جوار واحتلال وبقايا نظام سابق ومما كسبت حراماً وسحتاً أيديهم وجروا معهم أيدي الناس (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)...

صباح الخير كانت التحية لتعطي أملاً ضئيلاً بخير وسط زحام البؤس والسوء...
صباح الخير...!!
ها !! يا هذا أي خيرٍ ترجوه في هذا الصباح...
تفجيرٌ أبى إلا أن يفسد فرحة اليوم التعيس الذي فيه الفرحة والراحة نادرة من النوادر فأبى التفجير إلا أن يكدرها تماماً...
وجاء النذير عقب التفجير...
لقد قتلوا محمداً...
ومحمد هذا صديقي عشت معه.. ياما وياما ضحكنا وتمازحنا معاً.. أكلنا الزاد معاً فصارت عشرتنا زاداً وملح...
لم نكفر بصداقتنا ونخونها كما يفعل اليوم بعض السياسيين والمسؤولين ورجال الدين والأحزاب فيما بينهم...
 صاح النذير بصوتٍ كدوي صوت التفجير أن أسكت فمحمد قد مات...
يا هذا التفجير من أنت لتقتل صديقي...!!
قال التفجير ومن صديقك محمد هذا كي أعير له إهتماماً وأقتله؟!
ففهمت على الفور أن قصد التفجير الذي كان بأسم الله ومحمد الرسول (ص) الذي يفهموه على طريقتهم ليقتلوا الله ومحمد الرسول الحقيقي (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)...
كان قصد التفجير الذي سهّل حصوله ومهد له الفاسدين من سياسيي العراق ومسؤوليه ودول الجوار والأحتلال وبقايا النظام السابق أن يصبح ويمسي في أرض العراق...
كان قصده أن يقول قد مات محمد الرسول الذي أرسله الله رحمة وهدى ونور وطمأنينة وسلام للبشرية...
أراد القول بأن في التفجير محمد الرسول (ص) قد مات...
ولكن صديقي محمد مات فيه أيضاً...
ماتوا سوية إذاً.. رسالة محمد (ص) وصديقي محمد...

في هذا اليوم والأيام دول (وتلك الأيام نداولها بين الناس) لكي يعوا ويفهموا ويعرفوا ولكن يأبى الغبي ألا أن يكرر خطئه كل يوم...
في مطعم (حسّان) في (بابل)...
كان محمد يتناول طعام الفطور بما رزقه الله من مالٍ قليل لا يساوي معشار معشار ما سرقته السياسة من خيرات العراق...
كان أعزباً فلا طاقة له بتكاليف الزواج، ومن أين له بمالٍ للزواج...
انتهى من الفطور ودلف لباب المطعم حيث كشك الشاي الساخن ورائحة الهيل تفوح منه بعطرٍ أجمل من العطور المريبة التي تفوح من الغرف المغلقة في دهاليز سياسيي العراق ومسؤوليه...
أن أسكب لي يا صاحب الشاي قدحاً من شايٍ يعدل المخ الذي أشغلته وأتعبته وأوجعته صراعات السياسيين وفسادهم...
سكب الشاي وبلحظة موسيقى هادئة لطقطقة الملعقة في قدح الشاي تدوره وتفوح من القدح رائحة أزكى من رائحة القصور الرئاسية والمباني الحكومية الفخمة...
في تلك اللحظة دوى الانفجار أن يا محمد سيرتاح مخك للأبد...
أن يا محمد كف التفكير فستذهب لربٍ لا فساد عنده ولا ظلم وغبن وقتل كما يحصل في العراق...
لقد استنكروا يا محمد في وسائل الأعلام قتلك...
وياما كنا نضحك على عبارات الاستنكار البائسة والفارغة تلك التي سئمنا صدورها منهم...

وداعاً يا محمد وكانت تلك شِقشِقة هَدَرَت ثُمّ قرّت قد صدرت من قلبٍ موجوعٍ بفقد صديق وفقد أخ...
سبقتني دمعتي للكتابة يا صديقي وأنا أتذكر تلك الأيام...
أيام كنا وقبل بضعة أيام كنا سوية، فصارت كان يا ما كان...

الفاتحة سأقرئها على روحك يا محمد لتنزل الطمأنينة والسلام على روحك وروح من أستشهد معك من ضحايا أبرياء قضوا في الانفجار لتنزل هذه الفاتحة لعنة وصفعة على الفاسدين والقتلة الذين أوصلوا العراق إلى ما هو عليه اليوم...
الفاتحة سأقرئها بصوتٍ عالٍ كي يسمع من سد بأنملتيه الفاسدتين أذنيه كي لا يسمع صوت المظلوم...
وويلٌ للظالم من غضب المظلوم...
(الفاتحة)

120
دين الله ونبيه (ص) أم دين السياسة والرغبة (الحلقة الرابعة والأخيرة 4/4) 

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الرابعة والأخيرة)
السؤال هنا: هل خلقت السياسة دين غير الإسلام بأسم الإسلام وسُنّة غير سُنّة النبي محمد (ص) بنفس الاسم؟!
الجواب: نعم !! لقد جعلوا لهم ديناً غير الإسلام وصنعوا لهم سُنّة ليست واردة عن النبي محمد (ص) بل عنهم، بما تتماشى مع متطلبات السياسة والرغبة والسلطة والنفس وهواها ومزاجها. لأن الإسلام الحقيقي والسُنّة الحقيقية لم ولن تحقق لهم ما يشتهون وما يرومون من رغبات ظالمة وجائرة لذلك إتخذوا طريقاً سهلاً لمّا وجدوا الناس تؤمن بالإسلام ديناً وبمحمد (ص) نبياً ومن الصعب تغيير ذلك، فقرروا صناعة وتحريف وتدليس (إسلام وسنة) وفق ما يشتهون...
وأول من يغير سنتي رجل من بني أمية كما نص على ذلك النبي محمد (ص).
يغيرون معالم الرسالة الإسلامية وأحاديث النبي (ص) ليشبعوا شهواتهم وبطونهم التي دعا عليها النبي (ص) أن لا يشبعها بقوله لما دعاه (ص) إليه ليرفض الدعوة من سمته السياسة والرغبة بـ(خال المسلمين) و(كاتب الوحي) و(أمير المؤمنين) و(خليفة المسلمين) و(صحابي) فالصحابي هو من رأى النبي بعينيه وهذا يكفي ليكون مصداقاً لحديث صنعته السياسة والرغبة (أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم) وفاسق وكافر وفاجر وخارج عن الدين من يتحدث عن صحابي بسوء، رغم أن نفس الصحابي قد ذمه النبي لسوئه وقد ذمه أصحابه لضلالته وتحاربوا فيما بينهم لنفاق وضلالة البعض...
إعتذر هذا الصحابي  بحجة أنه مشغول بأكل طعامه!! فطلبه (ص) مرة ثانية فرفض لأنه مشغول بأكل طعامه!! فأرسل بطلبه الرسول (ص) مرة ثالثة، فأجاب رسول النبي (ص) بأنه مشغول بطعامه!! فدعا عليه النبي (ص) بأن لا يُشبع الله بطنه...!!
ليكون هذا الحديث كافياً ليقدسه ويرفعه بعض رجال دين وبعض كتّاب التاريخ والكثير من علماء الدين (اليوم) إلى أعالي المجد والعطاء والفضيلة..!!
كتب العالم (النسائي) كتاباً في فضائل الأمام علي (ع) بنص أحاديث الرسول محمد (ص)، فحاربوه في ذلك اليوم قبل مئات السنين على فعلته (الشنعاء)!! تلك، وسألوه لماذا لم تكتب في معاوية مثلما كتبت في علي؟!
فأجابهم النسائي: ماذا أكتب في رجل لم أجد في السنة النبوية فيه إلا حديثاً واحداً (لا أشبع الله بطنه)...!! ليقتلوا النسائي فيما بعد بسبب هذا الكتاب...!!
واليوم نفس الشيء حيث يُفجرون ويقتلون ويحرضون على القتل ويتشمتون ويفرحون لما يحصل من تفجير وقتل لطائفة إسلامية ذنبها أنها خالفتهم في الفكر والعقيدة في نفس الدين...!!
وما سكوتهم اليوم عمّا حصل ويحصل من قتل وتفجير وتهديم أضرحة ومساجد وتصريحات نارية وطائفية، إلا رضا، والسكوت علامة الرضا...

يساوون هذا الذي (لا أشبع الله بطنه) ويعدلونه بأول القوم إسلاماً من بات بفراش النبي (ص) لما تربصت به قريش الدوائر وأرادت قتله فغطى على غياب النبي (ص) وخروجه وصاحبه أبا بكر الصديق لغار حراء، فتفاجئت قريش بأن علياً هو النائم في فراش النبي (ص)...
وليصور بعض الكتاب البائسين اليوم أن حرب الأمام علي (ع) في الجمل وصفين والنهروان هي (مزحة)!! بين (أصحاب)!! وأنهم رغم حربهم وقتالهم (أصدقاء حميمين)!!
ولكن من حارب الخليفة أبو بكر وعمر وعثمان هم صحابة منافقين وفاسقين ومهدوري الدم حيث حاربوا كل من لم يبايع الخليفة الأول أبا بكر بل وقتلوا بعضهم مثل الصحابي (مالك بن نويرة) وقبيلته التي أبيدت بالكامل، وأرغموا البعض الأخر على البيعة بالقوة، ولكن مع من حارب الخليفة الرابع علي فهو صحابي مقدس لا يجوز الكلام عليه ويجب تكريمه وتبرير فعله بأنه أخطأ خطأً بسيطاً...!!
نفس من يسميهم القوم صحابة مقدسون لم يقدسوا أنفسهم ولم يقدسهم أحد يومها، فما بالكم اليوم تكادون تعبدونهم لكثر ما تبررون لهم وتمدحون رغم أن لا النبي (ص) ولا أصحابه الأخيار (رض) برروا لهم ومدحوهم بشيء يُذكر، فقد كانوا يعلمون بأنهم باطلين وفاسقين وضالين ومنافقين في حياة النبي (ص) فما بالك فيما بعد وفاته (ص)...
فما بال (بعض) علماء اليوم وأرباب دينهم يجعلونهم أولياء الله ونفس هؤلاء الأولياء لم يدّعوا ذلك لأنفسهم لعلمهم بضلالة فعلهم...!!
هي حرب ضد الحق سنتها بني أمية وبني العباس واستمرت لليوم في علماء ومؤسسات وكتب وفكر الناس الذين تم تلقينهم الدين تلقيناً أعمى فعششت تلك الأفكار والاعتقادات في المؤسسة الدينية والسياسية (اليوم) ممن تلقوا الدين بلا دراسة وفهم ودراية وأكثرهم للحق كارهون لمّا يواجهون بالحق...
تحوّل الدين من دين لله الى دين للطائفة، ولا تحرك الأخلاق والعمل الصالح الدين ولكن السياسة والرغبة هي من تحرك الدين...

يجب الالتفات بأن الكثير من مسلمي اليوم ليسوا المسلمين الذين أراد الله سبحانه والنبي (ص) أن يكونوا عليه، ولن يكونوا مسلمين حقاً حتى يطبقوا الحق بغض النظر عن الرغبة والسياسة التي تعارض الحق، وحتى تطبيق والإيمان بما أراد النبي أن يكون المسلمين عليه بقوله (ص): (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وقوله (ص): (المسلم من سَلِم الناس من يده ولسانه)، ومصداقاً لقوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) الاية125/سورة النحل.

يجب أن يكون الدين منهجاً يتم إتباعه كما هو لا كما تريده النفس وما تشتهي، وإلا فلا داعي لإتباع الدين أصلاً خصوصاً وإن الله مُشرّع هذا الدين وتفاصيله وهو يعلم بالنوايا وهو كما وصف نفسه سبحانه:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون * ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط)اية118-120/ال عمران.
(وَيَمكرُون وَيَمكرُ الله والله خَيرُ الْمَاكِرِين)اية30/سورة الأنفال.
﴿يعلمُ خَائنة الأَعيُن وما تُخفي الصّدُور﴾اية19/سورة غافر.
فإذا أردت ديناً فأتبع هذا الدين، ولا تجعل من الدين لعبة تعبث بها ولا يقاس دين الله بتصرفات بعض الناس، ولكن يُقاس تصرفات أولئك الناس بالدين وزنهم بها لتعرف وزنهم.
أدخلوا الزيف والزور على الإسلام والسنة وسيرة النبي محمد (ص) لكي يبقوا بالملك والخلافة، وليتمتعوا بشهوات الحكم والرئاسة والسلطة التي لم تدم لهم طويلاً، فما زوروه حول النبي محمد (ص) يسمح لهم بذلك ويغطي ويعطي غطاءاً شرعياً وهمياً لهم، فمثالاً بسيطاً واحداً من مئات أمثاله هي حرب معاوية كاتب الوحي ضد علياً لوأد فتنة أقامها علياً بقتله عثمان!!
هكذا صوروها للناس وزورا التاريخ لكي يتلقاها الناس كذلك...
وأن يزيد بن معاوية وبني أمية خلفاء الرسول محمد (ص) بنص من عندهم وبوصية من تلقاء أنفسهم ليحكموا المسلمين بأسم الله والرسول وما رضي عنهم لا الله ولا الرسول... ليترّضى عنهم بعض كتاب التاريخ وبعض العلماء وفقاً لمتطلبات السياسة، وكذا ببقية خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس ومن تبع نهجهم حتى هذا اليوم.
ليزوروا الحديث الذي روي عن النبي (ص) بأن الخلفاء الذين يخلفونه إثنا عشر خليفة كعدد نقباء بني إسرائيل... فيشملون بهذا الحديث كل من هب ودب وركب كرسي الحكم بأسم خلافة المسلمين ولتصل حسبتهم بعد أربعة خلفاء راشدين زائداً ثمانية من خلفاء بني أمية ممن تلطخت أيديهم بالفساد والخمر والقتل وإراقة دماء ذرية الرسول (ص) ومن عارض حكمهم الظالم بدءاً بمعاوية وأبنه يزيد، وليخرج عمر بن عبد العزيز (العادل) و(سادس الخلفاء الراشدين) من الحسبة لأنه بتسلسل الخلافة الأموية (التاسع) وعندها يصبح الخليفة (الثالث عشر) وبذلك لا ينطبق عليه حديث الرسول وهو المشهور بأنه العادل المتبع الحق...!!
وهو الخليفة الأموي الوحيد المنصف والعادل... تصوروا!! والذي رفع السب عن الأمام علي (ع) الذي بدئها معاوية بأن أمر كل خطيب ومؤذن أن يسب علياً على المنابر حتى رفعها عمر بن عبد العزيز ولمّا توفي رجع لتكرار السب من جاء بعده على كرسي الحكم وخلافة المسلمين وحتى ثمانين عاماً...
ثمانون عاماً يُسَب الأمام علي على منابر ومآذن المسلمين رغم أن الأمام علي (ع) الذي لم تكن لصحابي مقرب ما مقداره (1%) من أحاديث الفضل بحقه قالها الرسول (ص) مثله (ع)...   
  ربما أراد النبي (ص) إثبات ذلك لعلي (ع) لعلمه بما سيحصل بعده...

وها هي فتاوى بعض علماء اليوم وفتاواهم في أمهات كتبهم تصرخ بحرمة الخروج على الحاكم ولو كان فاسداً وظالماً، تفسيراً لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) اية59/سورة النساء... حيث يفسرون (الطاعة لأولي الأمر) بطاعة الحاكم والرئيس والأمير والملك رغم أن الآية تنص بشكل واضح على إطاعة أولي الأمر (منكم) أي من (يا أيها الذين امنوا) أي المؤمنين!!
فمن يخرق شروط الأيمان فهو ليس من مصاديق هذه الآية، وها هم حكام الماضي والحاضر والباقي بعضهم يحكم للمستقبل ظالمين فاسدين منافقين متواطئين ضالين قتلة وبالرغم من ذلك تنص الفتاوى بحرمة الخروج عليهم فيما مضى واليوم... لتثور ثائرة الشباب ممن سئموا هذا التدليس والتزييف ليسقطوا أنظمة حكم فاسدة عششت بكرسي الحكم وأهلكت الحرث والنسل ورجال الدين ساكتين يغطون عنهم مفاسدهم بحجة (أولي الأمر) رغم أن أولي الأمر لمّا تنازعوا في الأمور وتخالفوا لم يردوا الأمر لله ورسالته وشريعته وسنة النبي بل ردوه لمتطلبات السياسة والرغبة...
ليقفز رجال الدين ويتبنوا الثورة ويدّعون قيادتها ونهجها والتي لم تكن لهم في ثائرتها لا حركة ولا كلمة حتى...
هكذا ليكونوا خلفاء للنبي (ص) فيما مضى وممثلي النبي (ص) بأسم علماء الدين الذين زيفوا نهجه وسنته...
النبي محمد (ص) الذي بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق وكان للمؤمنين أسوة حسنة وقدوة، فما كان لهم قدوة ولا إسوة...
ليقتل خليفة المسلمين وأمير المؤمنين الإمامين الحسن والحسين من قال فيهما النبي محمد (ص): (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، فالحسن والحسين خارجيان أصحاب فتنة كأبيهما علي فوجب قتلهما وأداً للفتنة...!!
وعند الحديث عنهم اليوم يقولون أنها أمة قد سلفت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم رغم أنهم يسيرون وفق ما خطه أولئك لهم كل يوم...!!

زيفوا بأن شرّعو تشريعاً جوّز لهم به حرب رابع الخلفاء الراشدين الأمام علي (ع) في حرب الجمل وحرب صفين وحرب النهروان، وبأن يعزلوا الخليفة الراشدي الخامس الحسن بن علي ومن ثم سمه بالعسل، فيقول حول ذلك معاوية الذي خطط لقتل الأمام الحسن (بأن لله جنود من عسل)، ومن ثم رشق نعشه بالسهام ورفضهم ومجموعة من (الصحابة) لدفنه قرب قبر جده وقبري الخليفتين أبا بكر وعمر، فدفنوه بعيداً، رغم أنه أوصى بأن يدفن قرب جده الرسول محمد (ص)، وفي الإسلام ينبغي احترام وصية الميت ما لم تأتي بمحرم...
ليهدم أتباع من رشق نعش الأمام الحسن بالسهام من قبل ومن سموه ومن حاربوه في الماضي، ليعودوا اليوم وفي مطلع القرن العشرين ليهدموا قبره عليه ويحطموا قبته التي كانت قبة شماء تعلوا ضريحه في البقيع وفق فتاوى بعض علماء الدين في المملكة السعودية...

ومن ثم ليبرروا تشريعاً لهم يجوّز لهم أن يقتلوا الحسين ويسبون نساء وعرض النبي محمد (ص) فعرض بني أمية وعرض متملقيهم وتجارهم وعاهراتهم أشرف وأقدس عندهم من عرض رسول الله محمد الآتي سبوهن وقيدوهن بالقيود وكشفوهن أمام الناس في المدن والقرى على طول الطريق من العراق للشام الى الحجاز بموكب ذل ومهانة وضربهن بالسياط وإذلالهن أمام أنظار العامة...
فجعلوا يزيداً أميراً للمؤمنين وخليفة للمسلمين مقابل قول الرسول (ص): (حسين مني وأنا من حسين)، وجعلوا معاوية مع الحق بأن أفتى وأخطأ فله ثواب واحد مقابل قول الرسول (ص)في حق علي(ع): (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)، وهل هنالك اثنان يتحاربان ويتقاتلان وهم يتحابان؟!

هكذا بكل بساطة حارب علي (رضي الله عنه) معاوية (رضي الله عنه) وقتل يزيد (رضي الله عنه) الحسين (رضي الله عنه) وعائشة وطلحة والزبير (رضي الله عنهم) قاتلوا عمار بن ياسر ومالك الأشتر والمقداد والحسن والحسين (رضي الله عنهم)...
هم أنفسهم لم يقولوا ذلك لأنهم خصمان وقد قاتل بعضهم بعضاً لأنه قد بغى بعضهم على البعض الأخر ليأتي اليوم أتباع ذاك الدين القديم وجعلوهم بعضاً مقابل بعض ممن جعلوا الإسلام زوراً وتزييفاً وسياسة...
ولتصنع السياسة أربع مذاهب لا غير وليغلقوا باب البحث والاجتهاد وإستنباط الأحكام الشرعية منذ ذلك الزمن البعيد، وليجعلوا كل الدين بكتاب صحيح كل ما فيه وهو من بعد كتاب الله رغم أن فيه من الزور والتلفيق والنفس السياسي والحقد والطائفية الشيء الكثير... 

ليأتي اليوم غيرهم ولكن مثلهم ممن خلفوا القدماء وناصروا دينهم الذي إتخذوه لأنفسهم بالتفجير والقتل والتهديد والوعيد وفتاوى يصدروها ولو سراً ولو رمزاً فيسقط بسببها القتلى في الشوارع والمساجد والساحات العامة النساء والأطفال والشباب والشيوخ... وتسيل الدماء وتتناثر اللحوم البشرية لمجاميع إجتماعية مختلطة لمسلمين (سنة وشيعة) ومسيحيين وصابئة ويهود وغيرهم بتفجير يسمونه جهاداً...
ويخربوا كل جميل وسلام وحب بالدين فلا علاج لعقدهم النفسية من الجمال والحب الذي تربوا على كرهه وقتله...
وإذا كنتم تقتلون بعضكم بعضاً فمن سيقاتل ويقاوم الصهاينة ومن خلفهم أمريكا...؟!
ومن سيحرر وينصر فلسطين من المحتلين...؟!
فليسمع ذلك  من رضي ذلك كما هو واضح من سكوتهم وتصرفاتهم كبار بعض علماء الدين في المملكة والجمهورية والدولة...

والذي يحز في القلب أن يعيد بعض مثقفي اليوم طباعة تلك الخزعبلات وذلك الزور الذي كتبه على هواه كاتب الوحي كما يسمونه ومن جاء بعده وهو الذي كان في نفسه شك من نبوة محمد (ص) حتى توفى الله النبي محمداً، وهو الذي خاطبه أبوه أبو سفيان (تلاقفوها كتلاقف الطفل للكرة) أي تلاقفوا السلطة والإسلام الجديد الذي صنعوه بفكر من إستسلم يوم الفتح أكثر من كونه أسلم  أبو سفيان ومعاوية ومن بعده بني أمية...
ليرجع اليوم بعض المثقفين والباحثين والعلماء فلا يحققوا ولا يدققوا ولا ينظروا بتلك الدسائس والخبائث ولا يمسون بها لئلا يزعل مجمع العلماء أو مفتي الجمهورية والمملكة المنصّب تنصيباً سياسياً...
ولكي لا يقووا طائفة تخالفهم في الفكر والعقيدة...
غريب أن كتبهم وأسانيدهم تدين معاوية وتدين بعض صحابة النبي وتدين إيذاء فاطمة وتدين قتل أهل بيت النبي وأصحابه الكرام وتدين من حارب علياً في معارك الجمل وصفين والنهروان وتدين بني أمية ولكن غطوا على تلك الأحاديث ودفنوها لئلا ينصروا طائفة فيقووا طائفة على حساب أخرى ولو كان حقاً...

لا خير في دين تتحكم به سياسة وأهواء، فهو دين إبليس الذي أقسم بالله أن يغوي الناس أجمعين إلا عباده الصالحين ممن إتبعوا سنة محمد النبي (ص) كما هي، وممن إتبعوا الله العزيز الجبار لا الملوك والأمراء والرؤساء ومسميات مجمع العلماء وكبار العلماء ومؤسسات دينية أسست على جرفٍ هارٍ فأنهارت بهم في قعر جهنم...
ليس كلها أكيداً بل بعضها... فهنالك الكثير منها يضم الواعين والنبيهين والمتفكرين، والله يحب المتفكرين!!
((إنتهت السلسلة))

121
دين الله ونبيه (ص) أم دين السياسة والرغبة (الحلقة الثالثة 3/4) 

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الثالثة)
في خطبه الوداع وفي الوداع أهم ما يُقال، قال الرسول محمد (ص): (أيها الناس لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه فلا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا) ... وكأن النبي (ص) كان يتوقع حصول ذلك بعد رحيله وأداء الأمانة التي أوكلها الله إليه، ففعلاً حصل ما حذر منه الرسول وعصوه ولم يتمسكوا بوصيته فأحلوا دماء الناس من بعده وأرخصوها في الماضي من اجل كرسي الخلافة وأحقاد الجاهلية وفي الحاضر أرخصوها من أجل كرسي الحكم وأحقاد الطائفية...

في العام الثامن للهجرة أرسل الرسول (ص) أبا قتادة الأنصاري مع (800) عنصر من جيش الإسلام إلى (أصنم) وفي الطريق صادفهم شخص يُسمى (عامر) وسلم عليهم (السلام عليكم) -أي اظهر الإسلام- فاكتفى المسلمون بذلك وحكموا عليه بالإسلام ولم يعترضوه، ولكن (ملحم بن جثامة) وهو من جيش الإسلام، ونتيجة للعداوة التي كانت بينه وبين (عامر) أيام الجاهلية هجم عليه فقتله، واخذ ماله وناقته، وبعد أن عاد والتقى الرسول (ص) نزلت هذه الآية الشريفة: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً)اية94/سورة النساء.
فجاء(ملحم) الى الرسول (ص) ورجاه وتوسل إليه حتى يستغفر له حيث أن الرسول (ص) كان غاضبا كثيرا بعد معرفته لطريقة تعامله مع (عامر) وكيف قتله بدون جرم، فقال (ص) له: (لا غفر الله لك).
فخرج (ملحم) من عند الرسول (ص) باكياً وهو يمسح دموعه بعباءته حزينا مغموما ولم يمر أسبوع عليه حتى مات...!!
على الأقل مات هذا الرجل بشرف فمات خجلاً وندما على فعل فعله، فكيف بمن خلف الرسول وسفك دماء المسلمين وأهل بيت الرسول (ص) من أجل كرسي الخلافة ولأحقاد جاهلية دفينة وهم يتفاخرون بذلك وهاهو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين يتفاخر بقوله لما قتل سيد شباب أهل الجنة الحسين (ع) وسبعين معه من أهل بيت رسول الله وأصحابه، ها هو يقول:
لعبت هاشم بالملك فلا ... خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل

وكيف بمن تبع مجرمي التاريخ ليبرروا إجرامهم وفعالهم ويغطوها بغطاء أبيض جميل سرعان ما بان من خلف البياض دماء الأبرياء وصراخ الضحايا التي يأبى التاريخ أن ينساها ودخان حرائق البيوت والجثث وجراح السنين وفيهم من يتفاخر بالقتل والكراهية والأحقاد والتكفير والتفجير وهدم مراقد أولياء الله ومحال ذكره وبسيل دماء الناس و(لليوم)، والله عليم بذات الصدور وبنوايا النفوس...

حارب حزب الله اللبناني الكيان الصهيوني (داخل) الأراضي اللبنانية (دفاعاً) عن النفس ضد عدو محتل غاشم، وفي أبسط حق من حقوق الدفاع عن النفس والوطن الذي أقرته جميع الأديان والأعراف الدولية ضد معتدي خارجي، فدعمت المملكة العربية السعودية وبعض علماء الدين الرسميين الكيان الصهيوني على حساب نصرة (حزب الله)...
وليس في السعودية فحسب بل في بلدان عربية أخرى وإنما أوردت السعودية لأنها وعلمائها وقنواتها الإعلامية المعروفة والتي تقوم بتمويلها كان موقفها الخائب هو الأبرز في حربها ضد (حزب الله) اللبناني وعدم مناصرته...
دعموا الكيان الصهيوني بوسائل إعلامهم المغرضة والتي تبين وتوحي للناس أن (المقاومة) سيئة وهزيلة وكيف أنها جلبت الدمار للبنان، ومن تابع أخبار حرب تموز مع الكيان الصهيوني وقتها  قبل سنوات سيكون على بينة وشاهد على أفعالهم التي يأبى التاريخ وكل شريف وواعي أن ينساها أو يتناساها لأنها دروس وعبر وتاريخ...
والتاريخ لا يرحم...
وأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين، ومن يُلدغ من جحر مرتين...
ولم يصدر (بعض) علماء الدين في الخليج العربي والوطن العربي والعالم الإسلامي أي فتوى لنصرة ودعم المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله...!!
لا بل لم يصدروا أي بيان شجب أو استنكار للعدوان الإسرائيلي ضد لبنان...!!
كل ذلك لسبب طائفي واضح وهو أن الدين أصبح دين طائفة، فلم ينصروا حزب الله ويدعموه ويؤيدوه لهذا السبب الطائفي، وهو أن حزب الله اللبناني يؤمن بطائفة هي ليست الطائفة التي يؤمن بها هذا (البعض) من علماء الدين لأن أغلب هذا (البعض) هم علماء سلطة ويمشون بالدين بما شاءت السياسة واشتهت...

وإذا فعل (البعض) من العلماء وقتذاك ذلك، فسيكون من يتبعهم ويدين لهم بالولاء كذلك، والله يقول: (لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله آلا إن حزب الله هم المفلحون)اية22/سورة المجادلة.
وبما أن : (إن حزب الله هم المفلحون) كما نص الله على ذلك، ففي مقابل ذلك سيكون حزباً أخر خاسر يريد أن يعارض ذلك ولكن الله يأبى: (آلا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)اية19/سورة المجادلة.

فهل يا ترى سيفتح الشعب عينيه لصد المؤامرة، وإحباط مخططات شياطين الأرض بأسم الدين والطائفة في أرض الله؟!
أم سنبقى متناحرين في ما بيننا وشياطين الأرض تضحك لسيل دمانا في أرضنا!!
ولا ينصر بعضنا بعضاً لأختلاف طوائف من نفس الدين فكيف بما يخالفكم بالدين؟!

ولم يحرك هذا (البعض) من العلماء ساكناً ولكن ليس كموقفهم البائس تجاه (حزب الله) في (غزة) فحركة حماس وغالبيتهم يتبعون طائفة يدعي هذا (البعض) من العلماء إتباعها... فتباكوا على نصرتها.
ولكن رجع هذا (البعض) من العلماء لنفاقه المعهود وسكت وتخاذل عندما فرضت (مصر العربية) ورئيسها المخلوع (حالياً)، والرب المطاع (سابقاً) حصاراً على غزة ولم تسمح بنقل حتى المواد الغذائية لأهالي غزة، فضلاً عن السلاح للدفاع عن النفس، بحجة أن (حسني ومصر) موقعين اتفاقية (سلام) مع إسرائيل على حساب ضياع (الدين والوطن والهوية)...
صمتوا والصمت ها هنا عار، والموت أولى من ركوب العار...
أكثرت فيما سبق من قول (بعض) لأيماني بوجود (بعض) أخر مؤمن ومنصف أكثر منهم بكثير...
   
السعودية التي غير الحاكم البريطاني والملك ابن سعود اسمها من أصلها التاريخي بلاد نجد والحجاز الى اسم شخص حصل على بلد بصفقات واتفاقيات سارية المفعول لليوم مع بريطانيا وشركائها الجدد (أمريكا وإسرائيل)...
وبالرغم من ذلك فيقتلون بفتاواهم وأفكارهم وتحريضهم الطائفي بالعراقيين بالتفجيرات والقتل الطائفي وتفجير زوار مراقد الأئمة المعصومين (لدى الشيعة). رغم أن إصرار هؤلاء العراقيين مع خذلان الناصر من الأخوة العرب ودول الجوار لا بل مساهمة الأخوة والجيران بدمار العراق وخرابه فيما بعد سقوط النظام السابق، وبالرغم من ذلك فأن الإصرار الشعبي العراقي ساهم بإخراج القوات الأمريكية باتفاقية أمنية ليخرج غالبيتهم من قواعدهم المؤقتة في العراق ليستقروا في قواعدهم الأساسية الدائمة في دول الخليج وبعض الدول العربية.

يقول أحد المنصفين وهو الشيخ حسن الصفار وهو أحد كبار علماء الدين في السعودية، عقب خطبة الجمعة التي تهجم فيه الدكتور الشيخ محمد العريفي على مرجعية أحد كبار علماء الشيعة في العالم وهو السيد علي السيستاني ووصفة بكلام نابي ودنيء بأنه زنديق وفاجر...
الشيخ العريفي هو أحد شيوخ وعلماء المملكة السعودية الرسميين، والمدعومين من الدولة هناك، وقد تفوه بتلك العبارات من على منبر الجمعة الرسمي.
طبعاً الشيخ العريفي لن يتجرأ أو يفكر أصلاً بإطلاق هذه الصفات التي أطلقها على (السيد السيستاني) على (بابا الفاتيكان) مثلاً، أو رجال الدين البوذيين، أو اليهود، ولكن مع الشيعة فنعم...!!
طبعاً مجمل التهجم والطعن الجارح مستهجن تجاه كائناً من كان (يهودي سيخي بوذي مسيحي صابئي) فكلهم بشر ولو خالفونا في الفكر والعقيدة، ومع الاحترام لكافة الأديان... والله الحكم يوم القيامة، فلكلٍ فكره وعقيدته، كما هو الحال في الإسلام، ولكن كي نحلل طريقة تفكير هؤلاء (البعض) الملقبين (علماء دين)...
يكمل الشيخ الصفار قوله:
(إن (جريدة الرياض السعودية) نشرت مقالاً فيه مساس لعلماء دين يهود قبل فترة، فحدثت ضجة وقتها مما جعل الصحيفة -ذائعة الصيت- أن تقدم إعتذاراً واضحاً وصريحاً لرجال الدين اليهود)...!!
تصوروا...!! 
ولكن النظام السعودي وسياسييه وعلماء الدين لم يحركوا ساكناً عندما يتهجم رجل دين رسمي من على منبر الجمعة الرسمي، -ليس بمقال في صحيفة-...

ما أقول فيمن قست قلوبهم، فلا يحوي القلب الله والقسوة معاً، فمن سكن الله قلبه كان طيباً سمحاً ودوداً خلوقاً، ومن سكنت الأحقاد والكراهية والشهوات والظلم قلبه فليعلم أنه قد طرد الله من قلبه.
قست القلوب وويل للقاسية قلبوهم من النار...
قست قلوب (بعض) رجال دين ومتدينين فغيرتهم ودينهم من السماحة التي أرادها الله والدين لهم إلى البشاعة والظلم والكراهية...
ومن (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) إلى حب لنفسك فقط ومن يؤيدك وأجرح وأؤذي وأظلم وأكره غيرك...
هم كالحيوانات بل أضل وأكثر غباءاً ووحشية وبدائية من الحيوانات، لسبب واحد وهو أنهم غافلون مغفلون.. والله يصفهم: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والأنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون)آية179/سورة الأعراف.
هؤلاء رغم أشكالهم الدينية لكن قلوبهم أقسى من الحجارة التي إعتذر الله لها وبيّن أن الحجارة أرحم... يصفهم بقوله: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون * أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وهم يعلمون)اية74-75/سورة البقرة.

الكل مسؤول أمام الله والمجتمع وأمام نفسه وضميره، فلا يوجد شخص غير مسؤول عما حدث في الماضي أو عما يحدث اليوم أو ما سيحدث بسبب ذلك كله في المستقبل.
ولمعرفة كيفية (إنك مسؤول)، فهل تسمح لعقلك بالتفكير والإطلاع ومحاربة الجهل وفهم ودراسة الفكر والتوجه والدين الموروث والطائفة الموروثة من  جديد فممكن أن يكون كل ذلك غير صحيح...   
وهل سيتم سؤال ذوي العقول السليمة وإن تأخذ بمبدأ الأمام علي (ع) الذي لو عرفه العالم اليوم لما سقط أحد في فخ المؤامرات والحروب والنزاعات حيث يقول (ع): (إعرف الحق تعرف أهله).
 
وأنا لا أزعم هنا إن معرفة الحقيقة بالشيء السهل ولكن هي ليست بالشيء الصعب أيضاً، وهل يوجد شيء سهل في هذه الحياة...؟!
هو واجب كل فرد بأن يعرف الحق ويتبعه ويقوّيه ويعرف الباطل ويتجنبه ويضعّفه...
فهل من سامع، وواعي؟!
((يتبعها قريباً الحلقة الرابعة والأخيرة))

122
دين الله ونبيه (ص) أم دين السياسة والرغبة (الحلقة الثانية 2/4)

حيدر محمد الوائلي
(الحلقة الثانية)
قال شاعر:
هي الأخلاق تنمو كالنبات....اذا سُقِيَت بماء المكرمات 
فلا نبات بدون ماء، وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي.
فالسلام والخير والمحبة والإخاء والرجوع لنهج الدين الإسلامي الحقيقي دين الله ورسوله لا دين تحكمت به السياسات والرغبات، كل ذلك هو (الماء) لهذي (الحياة) والسبيل الى نشر الدعوة الإسلامية وظهور الفرج فلقد كثرت النكبات والحسرات والمعاناة وسيأتي الفرج، ولكن فكر جيداً فلربما ستكون انت ضحية هذا الفرج، وربما تكون محارباً ضد هذا الفرج...
والفرج قريب...
ضاقت فلما إستحكمت حلقاتها....فُرِجَت وكنت أضنها لا تفرجُ

كانت أخلاق الرسول (ص) وأهل بيته (ع) وأصحابه (رض) أخلاق كريمة وتطبيقية للشريعة الإسلامية وشاهد على صدق الدين ونقاوته، ليتم تحويلها لاحقاً في الماضي والحاضر أحاديث للتسلية فقط او لتقوية الرأي في المهاترات، وساعة إبراز العضلات، وحين يكون القصد عكس (علواً في الأرض لا إصلاحاً)، والله يريد الإصلاح لا العلو... والصدق لا يحتاج الى صراخ.
يقول احد الفلاسفة بأن الرجال ثلاثة:
1- رجلٌ ينظر في الأمور قبل أن تقع فيصدُرها مصدرَها.
2- رجلٌ متوكلٌ لا ينظر فإذا نزلت به نازلة شاور أهل الرأي وقبِل قولهم.
3- رجل حائر بائر لا يأتمر رشداً ولا يُطِيع مرشداً.
وأخشى على الكثيرين أن يكونوا من الصنف الثالث.
يروى إن رأى رجل شامي (من الشام) الأمام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) فجعل يعلنه، والحسن(ع) لا يرد فلما فرغ -من سب الأمام الحسن- اقبل الحسن، فسلم عليه وضحك ومن ثم قال:
(ايها الشيخ أظنك غريبا، ولعلك شبّهت، فلو إستعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا اعطيناك ولو استرشدتنا ارشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وان كنت عرياناً كسوناك، وان كنت محتاجا أغنيناك، وان كنت طريداً آويناك، وان كانت لك حاجه قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك كان أعود عليك لأن لنا موضعا رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً).
فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال: (اشهد إنك خليفة الله في أرضه، الله اعلم حيث يجعل رسالته، وكنت انت وابوك -يقصد الامام علي (ع)- ابغض خلق الله اليّ، والآن انت وابوك احب خلق الله اليّ). وحوّل رحله اليه وكان ضيفه ـأي ضيف الحسن (ع)ـ الى ان ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم...
هكذا هو الإسلام فالتصرف الجميل وحسن والأخلاق تتكلم بكلام أفضل بكثير من خطابات ومحاضرات تدوم لساعات وساعات...
 
لو تمسكنا بالأخلاق الإسلامية السامية وأحاديث وسيرة النبي (ص) وأهل بيته (ع) وأصحابه الكرام (رض) لما خاف أحد من أحد في أمة الإسلام ...
ولكنا في أمان وحرية وطمأنينة عند التكلم والنقد والتوجيه...
ولما صارت أمتنا العربية الإسلامية من أشد الأمم ضرراً وظلماً بمواطنيها...
ولكن شياطين الأرض من الأنس وخوارج الدين وبعض رجال الدين المفسدين الذين يحسبون أنفسهم ناطقين رسميين بأسم الإسلام، وبعض المتدينين المزيفين من ذوي الجباه السود واللحية والمسبحة والزي الدين والهيئة الدينية يرفضون ذلك...
وخلفهم سياسيين وعلمانيين ومخابرات صهيونية وأمريكية تغذي مشروعهم لتحل الفرقة والنزاع فتضعف الأمة الإسلامية وتهلك...
طبعاً لا يأتي الأمريكي ولا الصهيوني بزيه الرسمي ويدعم رجال الدين أولئك ولكن يدخل لهم عن طريق دينهم المزيف وبعض العملاء من السياسيين العرب المخلصين لا لأمتهم بل لهم.
يحاربون خلق الله بدين الله، في شيء هم أرادوه ولم يرده الله، حتى أصبح من يقيس الدين بهؤلاء وبتصرفاتهم يكره الدين...
ولا يُقاس الدين بتصرفات الناس، فالدين منهج وتطبيق ومن يدعي إتباعاً للدين ولم يتمسك بكامل منهجه فهو ليس من أصحاب ذلك الدين...
فهنالك فرق كبير بين الدين ومن إتخذ هذا الدين شعاراً، فلو إتبع هذا الدين واحداً فقط بصورة صحيحة لم يضره شيء، ولو إتبعه الملايين دون إتباع صحيح وفهم ودراية لم ينصره في شيء...

وأحاديث نسبوها للنبي وللصحابة وهم منها براء لكي يبرروا لسلاطين آل أمية وبني العباس في الماضي، ولحكام وأمراء وملوك ورؤساء اليوم، ويضفون غطاءاً شرعياً وهمياً على حكمهم وسلطانهم وسياساتهم وشهواتهم، فإذا بها تستمر لليوم ولو غض النظر عنها البعض ولكن ماذا تفعل بالمصادر والكتب التي يخافون أن يدحضوها أو يعترضون عليها والتي تنص على (حرمة الخروج على الحاكم ولو كان ظالم) ونسبوها للرسول!! (وتجسيم الله وتشبيهه بالخلق)!! (وتبرير عمل الفاسد والظالم والخارج على الحق وتضعيف دور الحق)!! (وتقويه ما هو فاسد وباطل وضعيف)!!، فسكتوا عن تلك المصادر والكتب لكي لا يعدونهم على طائفة أخرى هم لا يريدون أن يقووها بأي شكل من الأشكال...
فالدين دين طائفة لا دين الله، والطائفة تعبد ولا يعبد الله...

من قول جميل للشهيد الدكتور علي شريعتي الذي إغتالته مخابرات شاه إيران (بهلوي) لقوله الحق وفكره الحق: (الخطأ الذي إرتكبه المفكرون يكمن في أنهم كانوا ينسبون إلى الدين كل شيء يرونه في التاريخ كالمعابد والجهاد والحروب المقدسة والحروب الصليبية والجهاد الإسلامي، وإننا نحن المتدينين كنا وما زلنا نعاني من نفس الخطأ، يقول النبي (ص): (علماء أُمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل)، ويقصد بذلك أنّ المسؤولية التي كانت تقع على عاتق الأنبياء ستقع على عاتق العلماء (أي المفكرين) بعد نبوة خاتم الرسل (ص)، ما هو الشيء الذي يجب على العلماء أن يستمروا عليه؟!
إنه محاربة الدين من أجل إحياء الدين وتثبيته. إن رسالة العلماء والمفكرين هي إحياء الدين –الدين الذي لم يتحقق في التاريخ– إذن يجب أن ينضج الناس ويكون لهم وجدان ديني يقظ واعٍ ويفهموا معنى التوحيد ويُدرِكوا مدى تناقض (دين التوحيد) ودين (عبادة الطاغوت) كي يقدروا على تمييز دين الشرك المُتشح بوشاح التوحيد) -إنتهى قول شريعتي-.

هذا لو أنصف البعض وأحس بحقيقة تظهر، ولكن المعاند الحاقد من تكشفت له حقيقة فسيسارع لإخفائها بل والتعتيم عليها...
ويغض الطرف عن فساد حاكم لتبعيته لطائفة معينة فلا يُصرح ضده لئلا تضعف الطائفة...
وأضلّ منهم أولئك  الذين لديهم علم ولا يتعلمون منه، ولديهم معرفة بأخلاق هم لا يتبعونها ممن ملئوا قلوبهم وعقولهم وتفكيرهم حقداً وكراهية لا فكر وعلم وأخلاق ممن وصفهم الله بقوله وهو خير الواصفين:
(وَلقد ذرأْنا لجهنّم كثيراُ من الجنّ وَالإنس لهُم قُلُوبٌ لا يَفقهُون بهَا وَلهُم أعيُنٌ لا يُبصِرون بِها وَلَهُم آذَانٌ لا يَسمَعُون بِهَا أُوْلئِك كَالأَنعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ أُوْلَئِك هُمُ الْغَافِلون)اية179/سورة الأعراف.
قيل أن أشد الناس حسرة يوم القيامة هو عالم لم يستفد بعلم...
في يومنا حيث أصبحت تنسب الأحاديث وتنتشر لا بإخراجها من المصادر والكتب وفكر العلماء، بل من نشرة الأخبار وتقرير فضائيات وكل فضائية تم توجهها بعناية (وعلى قدر الدفع والفلوس تتحدد توجه القناة وكادرها وبرامجها)...

أصبح النقاش على ما تشتهي الأنفس لا بالحكمة، وأصبح النقاش على ما تحب النفس وتكره لا بالحق والعلم...
اسرائيل وأمريكا ليست في خطر اليوم، مادام الشيعة أهل كفر وضلالة، وما دام السنة أهل كفر وضلالة...

فتصبح إسرائيل وأمريكا طائفة الخير والصلاح، مادام السنة والشيعة فيما بينهم يكيلون تهم الضلالة والزندقة والتكفير والقتل والأحقاد والتصريحات الإخبارية النارية، والبرامج التلفزيونية التي لا تبحث بالجدال العلمي بالعلم والدين منهجياً بل بالكره والحقد طائفياً...
حتى قال شاعر عربي قديم وهو يعني ما يقول وواقع ما يقول:
كل العداوات قد تُرجى مودتها.....إلا عداوة من عاداك في الدينِ

رغم أن الله كل ما قاله هو ترك الخيار للناس ولله الحكم:
(انه من قتل نفسا بغير نفس او فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس  جميعا)ية32/سورة المائدة.
(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)اية256/سورة البقرة.
(فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فأن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد)اية20/سورة آل عمران.

ويبقى  السؤال هنا: متى ينتهي هذا الكم الهائل من العنف والقتل والقسوة والكراهية والأحقاد؟!
ومتى ينتهي الفكر المتخلف عن أفكاره الدموية والقاسية والمنحرفة والتي أهلكت الحرث والنسل؟!
ومتى تعي الشعوب حالها وتفسح المجال لعقولها بالبحث والتقصي والإطلاع؟!
ومتى نعرف ما نريد؟!... وكيف نحقق ما نريد؟!... ولماذا؟!
هذه أسئلة يجب علينا جميعاً أن نجاوب عليها، وتُدرك إجابتها إدراكاً عميقاً، فلعل البعض يُصحح أخطاءه فهو الشرف العظيم إذاً... 
قيل: (ليس الفخر أن لا تسقط، ولكن الفخر أن تنهض من بعد السقوط).
((يتبعها قريباً الحلقة الثالثة))

123
دين الله ونبيه أم دين السياسة والرغبة ( الحلقة الأولى 1/4) 

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الأولى)
(أفكلما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون)اية87/سورة البقرة. 
في غار حراء جاء الخلاص، حيث لا مناص من ظلم الجاهلية الجهلاء، ومن الأعراف العرقية الظلماء، وهيمنة العبودية العمياء ... 
صرخ جبرائيل بالدعوة أن إقرأ يا محمد فبالقراءة والعلم والمعرفة والتفكير سيكون خلاص الأمة في الحاضر والمستقبل ولذلك يبلغك الله قوله: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إِنّما يتذكَّر أُولوا الأَلباب)آية9/سورة الزمر.
فمن غير المعقول أن يتساوى عقلان، أحدهما واعي وثاني مغفل، وعقل ذكي وثاني غبي، وعقل فاهم وثاني جاهل، ومن المستحيل أن يتساويان ...
فهذا فكر وذاك هباء، وهذا فوز وذاك خسارة وشقاء ...
وليس العلماء بزي ورداء، بل بفكر وعطاء ...
وليس الفكر أن تكون ولدت في بيت مسلم (سني ، شيعي) فصرت مسلماً (سنياً ، شيعياً) أو ولدت في بيت مسيحي فصرت مسيحياً أو في بيت علماني فصرت علمانياً ...
الفكر هو أن تعرف لماذا أخترت الدين أو المعتقد الذي أنت تؤمن به اليوم ما عدا كونه وراثة أو جاء من عدوى المحيط حولك، أو تم تلقينه لك تلقيناً أعمى ...
لماذا أنت مسلم (سني ، شيعي) أو مسيحي أو علماني ؟!
ولو عرفت الجواب فستعلم أن جوابك مهما يكن نوعه على شرط صدقه وصحته ومستنده العلمي فسيقودك لأحترام الآخرين الذين يخالفونك في الدين والفكر والمعتقد ...
   
الفكر هو أن تكون واعياً يقظاً نبهاً لما يدور حولك وأن تعرف أن السنة والشيعة طائفتين إسلاميتين يجمعهم الكثير جداً ويوجد بينهم خلافات على مستوى العقيدة والفقه ضمن نفس الدين ...
وإذا كان دين الإسلام أكد وشدد على ضرورة إحترام الناس فيما بينهم والتعايش السلمي فيما بينهم وأن يكون المسيحي واليهودي والصابئي وغيرهم محفوظين الحق في أمة الإسلام ولا ينتهك حقهم وكرامتهم أو إيذائهم بأي شكل من الأشكال فمن الأولى أن يتم حفظ حق المسلمين فيما بينهم خصوصاً أن حرمة المسلم قد شدد الله عليها وعلى عدم انتهاكها وأهانتها وإيذائها ...

وضح الرسول محمد (ص) قول الله عملياً والسنة مكملة للقران بقوله (ص): (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم)و(اطلب العلم من المهد إلى اللحد)و(طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)و(اطلب العلم ولو في الصين) حيث كانت الصين من أبعد الأماكن المقصودة يومها ...

هذا ما أراد النبي (ص) له أن يكون ديناً لا الدين الذي نقرأ عنه في التاريخ وسمعنا عنه في الماضي ونراه في الحاضر الذي جعلوه وصيروه دين الشهوة والأحقاد والنزوات والرغبات والسياسات والطوائف ...
وأصبحت بعض تلك المسميات التي صنعتها السياسة والسلطة هي المحرك والدافع لما أرادوه، وليس العلم والأخلاق التي أراده لنا الله والرسول (ص)، فأصبح البعض (وكثيراً ما هم) يطلب العلم لا لتحصيل علم ومعرفة بل وفقاً للشهوات والموروثات ولو كانت خلاف الحقيقة فيغضوا النظر عنها ليجعلوها حقيقة بنظرهم فقط، ومن يخالفهم فهو مرتد أو عميل أو خائن أو فاسق ...
لم يكن يوماً بنظرهم مخالف فكري لهم من المحتمل أن يخطأ أو يصيب كما هو الحال معهم فهم يخطئون ويصيبون كبقية العلماء، ولا أقول كبقية البشر، فالبشر بطبعهم خطاءون ...
وخير الخطاءون التوابون ...
 
هي أحاديث وآيات تؤكد على طلب العلم والبحث عليه وتقصي الحقائق والسماح لنفسك في التفكير ...
والحياة أما أن تكون أو لا تكون، وسوف لم ولن ولا تكون بدون تفكير وتدبر، فالتفكير خير عبادة عُبِدَ الله بها، لذلك أبدع الله في أن يجعل الناس يتفكرون: (سَنُريهم آياتنا في الآفَاق وفي أَنفسهِم حتى يتبين لهم أنه الْحَق أولم يَكف بربك أنه على كل شَيءٍ شَهيدٌ)اية53/سورة فُصلت.

طبعاً لا نتيجة ستأتي من التفكير من دون بحث علمي لنيل حقيقة مدروسة حول هذه الفكرة، وهذه الفكرة سوف لن تتحقق من دون البحث في الخلافات حولها وبمن يؤيدها ويعارضها ليتكامل فهمها ودراستها، والخوض فيها وبمن يعارضك بالفكر ...
يجب أن يكون الإيمان بأي دين وفكر وعقيدة على أساس أن هذا الدين والفكر والعقيدة الذي تم إختياره أو وراثته كما يحصل في الكثير من أتباع الديانات والأفكار والعقائد مع الأسف حيث يرثوا الدين والفكر والعقيدة وراثة كما يرثوا الدار والعقار، فيجب أن يتم إتباع وفهم ودراسة الدين والفكر والعقيدة كما هي تعليماته وشرائعه لا أن يتم إتباع ما يتماشى مع ما تحب وترغب وتترك ما تكره ولا تريد ...
لا داعي من الدين أصلاً عندئذٍ وعش حياتك كما هي من دون دين أفضل من أن تكون منافقاً، متصنعاً، مزدوج الشخصية، مكّاراً ...
فسيكون مصير من يتبع ذلك الدين الشهواني المتصنع الحاقد كمصير الفاسدين والكافرين الذين هم بلا دين وهو قوله تعالى:
(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)آية85/سورة البقرة.
بل وتقرأ ما يكتب المخالفون، فلعلهم أصابوا فيما أخطأت ولعلك آمنت أكثر بما أتضح لك من أخطائهم ...

كان النبي محمد (ص) يدعو أمته بالحكمة والموعظة الحسنة والقول السديد والخلق الرفيع، بعد أن أمره الله بذلك، وهو (ص) كذلك:
(ادع إِلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هُو أَعلم بمن ضَلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)اية125/سورة النحل.
لذلك دخل الناس في دين الله أفواجاً ...
فما بال الكثير من المسلمين قديماً وحديثاً، يتجادلون بالتي هي أسوأ وأعنف وأقسى وأقذر وهم يتجادلون حول النبي محمد (ص) وسنته وتاريخه ونسوا أول شيء قام به النبي محمد (ص) نفسه وهو أسلوبه الجميل، وكلامه المؤدب الحكيم، وطيبة أخلاقه ومحاسنها ...

بل أصبح الجدال والخلاف الفكري في الماضي واليوم يوجب القتل والتكفير والطعن والتجريح والحقد والكراهية، وإسقاط الجنسية وحرمان المواطن من وطنه طالباً لجوء في بلد أجنبي لا يكترث كثيراً لتلك الخلافات ...
كل ذلك يحصل بسبب فكره من الممكن النقاش فيها وإثباتها أو دحضها وطمس أثارها، فأصبحت الفكرة لا تُرد بفكرة، بل بالقتل والسجن ورمي الناس بالكفر والزندقة ...

كان في المدينة المنورة في زمن النبي (ص) يهود ومسيحيين وقد أحترمهم الرسول (ص) كثيراً وجادلهم بالتي هي أحسن فمن أمن فلنفسه ومن أساء فعليها والله عليم بذات الصدور وهو الحكم يوم القيامة ...
عامل الله سبحانه مخلوقات بالرحمة والشفقة وورد في المأثور: (إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ...
ففي أحد المرات أمر الله نبيه (ص) بتشييع رجل كان معروف بالفسق، فشيعه الرسول كما أمره الله، ولكن البعض ممن حول الرسول تساءل حول ذلك وهو انه رجل فاسق وما بالك وباله وأنت رسول الله لتشيعه ...
لم يرد الرسول عليهم لأنه أمر الله، ليخبره فيما بعد رب العزة بحديث بأن هذا الرجل في أحد المرات كان يسير وصادف أن رأى كلباً يريد أن يشرب ماءاً قرب بئر ولم يستطع ...
فدلف هذا الرجل للبئر لإعطاء الكلب ماءاً، فوجد الدلو مقطوع الحبل، فخلع هذا الرجل قميصه وربط بعضه بإزار بعض وأخذ ينقع قميصه بالماء ويعصر للكلب ليشرب ...
رحم خلقي فرحمته بأن تشيعه بنفسك ...

والله خاطب الرسول بأنه سبحانه أرسله (للناس كافة) وكثيراً ما خاطب الله الناس بقوله لهم (يا أيها الناس ...) فيعاملهم كأناس أولاً وأخيراً ...
والله يحكم بين الناس يوم القيامة بعد أن يكون قد فكر كل فرد بدينه وطريقة تفكيره تفكيراً جيداً كتفكيره على الأقل بطريقة إختيار طعامه وشرابه وملبسه ...
وها هو الله يخاطب العلماء ورجال الدين والمتدينين والناس جميعاً، بأن الحكم هو الله وهو من يحاسب ويعاقب ...
فمن خوّل (البعض) من هؤلاء بالكلام، فيدخلون فئة الجنة ويسكنون اخرى نار السعير، حسب ما يشتهون ويريدون، لا حسبما قال الله والرسول ...
وإن وجد من الله والرسول حديثاً فمن خولك جعل يوم القيامة في الحياة الدنيا لتحاسبون فيها الناس وتحرقونهم بنار فتواكم وفكركم وتطردون الناس من جنة لم يسعها فكركم رغم أنها وسعت السماوات والأرض ...

ها هو الله يكرر مراراً في قرانه الكريم مخاطباً من له فكر وعقل أن يفهم ويفكر:
(إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)اية62/سورة البقرة.
(إن الذين امنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)اية69/سورة المائدة.
(إن الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد)اية17/سورة الحج.
 
فما بال الكثير من المتدينين في يومنا ومن خلفهم رجال دين كثيرين أيضاً من الذين جعلوا الدين  في يومنا وزماننا دين العبوات الناسفة والرصاص والسب والشتم والقذف والتشهير وتكفير الناس، ودحض الشرائع لا بالأفكار بل بأصوات الخوف والطرد والعنف والتهديد والأنفجار ...
من الذي جعل الأحقاد والكراهية تربو، ويخفت كل يوم صوت السلام والطمأنينة والحب حتى يكاد أن يصبح أخرساً...
 
في يومنا هذا الذي أصبحت فيه السياسة تتحكم بالدين وتوجهه حسب ما تريد، وعندما تدخل المتدينون في السياسة فأتلفوها أكثر مما أصلحوا بحالها ...
أتلفت السياسة دينهم ولم يصلح دينهم بالسياسة شيئاً ...
بل زاد دينهم (المزيف) وتوجهاتهم الدينية (المنافقة) وفكرهم الديني (الحاقد) وموروثهم الديني (الشهواني) خراب السياسة خراباً أكثر، وفسادها فساداً أكثر ...
ضيعوا الأخلاق ومأثور القول الذي أصبح زخرف القول ويقولوه للتسلية وحلاوة الكلام لا للتطبيق ...

((يتبعها قريباً الحلقة الثانية))

124
أم المؤمنين خديجة من يبرها

حيدر محمد الوائلي

في العاشر من رمضان في السنة العاشرة لبعثة النبي محمد (ص) وقبل الهجرة بثلاث سنوات في شعب أبي طالب أيام القهر والمعاناة والحصار رحلت أم المؤمنين السيدة خديجة عن عمر ناهز الخامسة والستين فخسرها العالمين أجمعين ...
تزوجها النبي (ص) وعمرها أربعين سنة وعمر النبي (ص) يومها خمس وعشرين سنة، أي أنها قضت خمس وعشرين سنة في معاناة وقهر ومحاربة قريش لها لزواجها من يتيم فقير وهي سيدة نساء العرب ومن كبراء تجارها ورؤوس أموالها .

في عام من أعوام الضيم والقهر وحصار دام سنوات ...
طارت حمامات الروح بيضاء من غير سوءٍ مغادرة أرضاً مُلِئَت قيحاً ودماً وظلاماً ونتانة من فعال الناس وظلمها بعضها بعضاً ...
رحلت تلك الروح الصافية التي لا مكان لها بأرض الجاهلية لتسكن جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت لأمثالها ...
رحلت فحزن زوجها النبي محمد (ص) حزناً شديداً لفقدها ولفقد عبد مناف (أبي طالب) كلاهما في أسبوع واحد، ليسمي العام الذي فقدهم فيه عام الحزن، لا أسبوع الحزن ...
والله يقول واصفاً الرسول: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى*عَلَّمَهُ شديدُ الْقُوَى) (اية3-5/سورة النجم) .
فحزنه من حزن الله وملائكته ...

قصة امرأة ثرية وتملك من الأموال ما تغرق به مدن بأكملها، ولكنها تضحي به من أجل دين جديد ...
عقدة جديدة، وإيمان جديد قد حاربه كل بطون القبائل وكبرائها، وحاربه أهل الجاه والتجارة، ففدت السيدة خديجة تجارتها ومالها وصحتها ومن ثم روحها لأجل عقيدة لم يعتنقها سوى المظلومين والمسحوقين والفقراء، فكانت أسبقهم لها ...
لو كان ربع نصف ربع ما لخديجة من ثروة ومكانة اجتماعية عند المتدينين اليوم وعرفوا بفكر جديد وعقيدة جديدة صحيحة تخالف عقيدتهم الموروثة فهل سيتركوا الإرث الفكري والعقائدي الذي ورثوه لأجل الإيمان بفكر جديد يضد ويعاكس الفكر الموروث وراثة عن الآباء والأجداد، وأن يبذلوا كل أموالهم عليه، وأن يتحملوا الفقر والجوع والحصار والقطيعة ومحاربة بطون وكبراء الفكر القديم الموروث، ويتحملوا الحر والمرض والعذاب لأجله، فهل سيتواصلون ويدعون بهذه الفكرة والعقيدة الجديدة رغم صحتها وسلامتها ولكن عيبها أنها تضد العقيدة الموروثة ...
أم سيتساقطون الواحد تلو الأخر، فلقد ألفوا آبائهم عليها عاكفون، كما اليوم الذي أصبح الدين والعقيدة يورث وراثة عن الآباء والأجداد ويتم أخذه على إنه موروث لا فكر يُدرس ويُنقح وينظر به طويلاً للتأكد منه ...
 
قصة امرأة قدسية، جمعت بين قدسيتها وموقفها فكانت من خيرة النساء الأربع في العالمين حيث يقول واصفاً إياهن النبي الأمين محمد (ص) قائلاً: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع)، فكانت أولهن آسيا زوجة الطاغية فرعون والتي أخفت إيمانها، وثانيهن مريم بنت عمران أم النبي عيسى السيد الطاهرة النقية، وكانت خديجة زوجة النبي محمد (ص) ثالثتهن، لتلد العظيمة الثالثة أفضلهن وأكملهن وسيدتهن وهي سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ...

زوجة مخلصة بما يحمله الإخلاص من معنى حب ووفاء، لا حب تصنع ورياء ومنيّة وتثاقل بل حب حقيقي ...
وهل الإخلاص إلا حب ووفاء ؟!
زوجة جادت بنفسها وصحتها وراحتها لأجل زوجها والله من وراء زوجها والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ ...
فكيف لو تجاوز الجود بالنفس جوداً بالمال والثروة وتحمل حرب الأقارب والأصحاب والجيران وحصار وقطيعة سنين طوال ...

في عصرٍ كانت المرأة توأد وتدفن حية، وإذا بُشِر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ...
في عصر يحتقر المرأة ويحط من شأنها ويهينها رجال ذوي شوارب وسخة راب عليها اللبن ليال حيث كانوا ينامون واللبن والحليب يغطي تلك الشوارب النتنة وينسوا أن يغسلوها لسكرهم وعربدتهم ونتانتهم ...
في تلك الأيام جاءت رسالة لتنصر المرأة، وأول من ينصر ويؤمن بهذه الرسالة إمرأة ... والله أراد لهذه المرأة أن تشرف التاريخ وتشرف المكان والزمان والظرف وتشرف نساء العالمين وتبدل وأد النساء برفعة السماء !!
ليصل بفضلها صرخة الحق للخافقين ...
ولم يكتمل الدين إلا بثلاث كما قال الرسول الأكرم محمد (ص): (نصرة أبي طالب، وسيف علي، وأموال خديجة)

في أسبوع واحد فقد رسول الله أكبر دعامتين أعتمد عليهما في رسالته الإسلامية، في السادس من رمضان توفي عمه وناصره أبو طالب، وفي العاشر منه توفيت أم المؤمنين خديجة .
ابو طالب (رض) حامي الرسول الأكرم من مشركي قريش، الذين عجزوا عن التصدي للرسول القائد (ص) لعلمهم ان ابا طالب شيخ البطحاء يحول دون ذلك، فانه كان رجلا مرهوب الجانب ذا سطوة ونفوذ، وليس في بني هاشم وحدهم بل في قبائل مكة كلها .
كان أبو طالب (رض) سند الدعوة وجدارها الشامخ الذي تستند اليه، ومن اجل ذلك سلكت قريش اسلوب التفاوض والمساومة مع الدعوة والرسالة في شخص الرسول (ص) مرة وفي شخص ابي طالب مرة اخرى، تحاوره بشأن الدعوة طالبة منه ان يستخدم نفوذه بالضغط عليه لترك رسالته وتهدده باحتدام الصراع بينه وبين قريش كلها اذا لم يخلّ بينهم وبين رسول الله (ص) ويكف عن إسناده له.
غير ان ابا طالب كان يعلن اصراره على التزام جانب الرسول الاكرم (ص) والذود عنه مهما غلا الثمن وعظمت التضحيات، حتى عاش معه في الشِعب الذي سمي بأسمه (شِعب ابي طالب) تحت الحصار الاقتصادي والاجتماعي الذي فرضته قريش.
وللأهمية البالغة التي احتلها أبو طالب في سير الحركة التاريخية لدعوة الله تعالى صرح رسول الله (ص) بقوله :(مازالت قريش كاعة عني حتى مات أبو طالب).
أي حسرة لفت الرسول (ص) حين قال ذلك وأي ألم ... !!
وبذلك فجع الإسلام بفقد مؤمن قريش أبي طالب، لتزداد الفجيعة فجيعة أخرى كبيرة بفقد أم المؤمنين خديجة .

هذه هي خديجة بنت خويلد، ناصرة الرسول يوم لا ناصر ولا معين من العرب الأشاوس، ومناصرة الرسول يوم كان العرب غاطين بالرذيلة والفساد والخمر ودعارة النساء ...
امرأة إستغنت عن الراحة وحلاوة الدنيا والثروة الطائلة من أجل دين الله ووفاءاً لزوجها رسول الله ...

وإن تكن النساء كمثل هذي ... لفضلت النساء على الرجالِ
فما التأنيث لأسم الشمس عارٌ ... ولا التذكير فخراً للهلالِ

امرأة كان كلما يتذكرها الرسول سالت دموعه حزناً لفقدها وهل يبكي الرسول على أي شخص !!
زوجة صالحة ولتسمع زوجات اليوم ويتعلمن منها إحترام الزوج ومودته وتقديره ونصرته، يقول فيها (ص) : (والله لقد آمنت بِي إِذ كذَّبني الناس، وآوَتني إِذ رفضَني الناس).

نزل جبرائيل على الرسول في أحد الأيام لا لأجل تبليغه بتشريع سماوي، أو لأجل الدعوة أو لأجل نزول آية قرآنية، بل لأجل تشريع سماوي ودعوة وآية قرآنية ولكن من نوع آخر ...
أتى جبرائيل النبي (ص) فقال: (هذه خديجة أتتك مَعَهَا إِنَاءٌ فيهِ إدَامٌ أَو طَعَامٌ أَو شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أتَتكَ، فاقرأ عليها السّلامَ من رَبّها وَمنّي، وَبَشّرها بِبَيتٍ في الجَنة من قصَبٍ، لاَ صَخبَ فيهِ وَلاَ نَصبَ) .
الله وجبرائيل يُسلمان على خديجة !!

وها هو اليوم قبرها مهملاً من قبل أهل مكة وشعابها، وأهل مكة أدرى بشعابها ومن يملكها ويسيسها ويحكمها ...
بعد أن كان قبرها قبراً مهيبا تعلوه قبة شماء حتى العام 1924 في مطلع القرن العشرين، ليهدموه بفتوى صدرت من علماء سلطة  كانوا ولا زالوا يحكمون بيت الله العتيق بفتواهم ونسوا أن هنالك الملايين ممن يخالفونهم بالفكر والعقيدة وهم مسلمون أيضاً ...
رجال دين حكموا مكة والمدينة وهم من يومها ولليوم يسومون أهلها سوء العذاب بفتاوى تهديم وتفجير ومنع وطرد وقتل وقسوة ليغيروا ما بدين لله من سماحة وسلام وحب وذوق وخلق رفيع وقبول المخالفين والاختلاف، فغيروه ليصبح ما بمكة بيتهم لا بيت الله ...
ولم يكفهم ذلك فهدموا قبور أولياء الله وأصحاب الرسول وأهل بيته في البقيع ومكة والمدينة وأُحد وغيرها، ليغيروا ما بدين الإسلام من سماحة وتعايش مع من هم ليسوا مسلمين أصلاً إلى حكم التطرف والهدم والتفجير بين المسلمين أنفسهم ...

هدموا قبر أم المؤمنين خديجة، فصعدت حمامات روحها مرة أخرى إلى السماء فملأت السماء نوراً وكبرياء العظماء ... 
يا رب ...
أتوجه إليك بحق أم المؤمنين خديجة وأقول: يا سيدتي خديجة إنا توجهنا وإستشفعنا بك وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهةً عن الله، إشفعي لنا عن الله ...
وأسأل الله بحقك وهو عظيم عنده، أن يلهمنا صبرك العظيم، وإيمانك النقي، وإخلاصك الطاهر في كل الأمور ولو صعبت واشتدت ...

125
بين السياسة والكهرباء والميزانية ومعاناة السنين الطويلة

حيدر محمد الوائلي

عشرون عاماً والعراق يعاني من سوء الخدمات والفاقة والحرمان ، والعراق بلا كهرباء وتأتيه متقطعة وساعات قطعها أكثر من ساعات تجهيزها ...
عشرون عاماً منذ العام 1991 وللعام 2003 في حصار إمتد لثمانية عشر عاماً على الشعب الذي ذاق بسببه المر والحرمان في اليوم الذي كان يتنعم به الصنم وزبانيته بخيرات العراق الوفيرة وبرنامج النفط مقابل الغذاء له ولحزبه وجهاز أمنه وللسلطة ... ليستمر الواقع المتردي للكهرباء الذي تمنينا أن ينتهي بسقوط الصنم ليبقى ممتداً وللعام 2011 ...

عشرون عاماً كان ولا زال العراق يعاني من تدني الخدمات وسوءها كل يوم والكهرباء فقرة من فقراتها السيئة التي تتطور سوءاً كل عام ، بينما العالم يمضي قدماً مسرعاً بركب العلم والتكنولوجيا والتطوير كل عام أيضاً ...
وسيكون مستقبلنا أكثر سوءاً إن بقيت حالتنا كمثل هذه الحالة المتدنية والبائسة ، لشعب تعود على البؤس والحرمان والصبر ...

كم أتمنى أن يكون تدني الخدمات عندنا وسؤها رغم تدنيها والتيار الكهربائي المنقطع بأستمرار والبطالة وقلة المرافق الخدمية ، كنت أتمنى أن يكون كل ذلك لكوننا بلداً فقيراً لا توجد فيه لا نفط ولا ثروات ولا مواقع سياحية دينية وأثرية ولا موقع جغرافي إستراتيجي ...
كنت أتمنى أن يكون ذلك لعدم وجود عقول مفكرة ولعدم وجود مستوى علمي في هذا البلد ولعدم وجود فكر فيه ...
لكن كل ذلك موجود عندنا وبالرغم من ذلك فحالنا في سوء ...
كل ذلك بسبب الفساد والسياسة والتصارع بين السياسيين والشعب واقفاً متفرجاً يلعن الدنيا والسياسة ويلعن نفسه على هذا الوضع الرث ...

لا يُخفى أن المال أساس إقبال الشركات على تنفيذ أي مشروع ، وكلما زاد المال فسيزداد العطاء وسرعة التنفيذ وبأفضل إنجاز ...
وفي العراق ميزانية تعادل ميزانية دول كبرى ، وأن دولة الإمارات بنت قبل سنين أعلى برج في العالم بتكلفة حوالي (مليار ومائتي مليون دولار) ، وبفترة قياسية مع ملحقاته الكهربائية والتي تكفي مدينة كاملة ، وليس هنالك جدوى اقتصادية ولا خدمية من تشييد هذا البرج سوى أنه سيكون معلم سياحي لا أكثر ...!!
الأمارات التي كانت صحراء جرداء حتى السبعينيات ، في اليوم الذي كان العراق قبلة سياحية ...
واليوم إنقلب الحال ، وتلك الأيام نداولها بين الناس  ...

ميزانية الدولة (المعلنة) في العراق في سنة 2009 بلغت حوالي (82 مليار دولار) ، أي يمكننا تشييد وبنفس التكلفة التي تم بها تشييد برج خليفة بالأمارات حوالي (18 برج) بواقع برج في كل محافظة من محافظات العراق الـ(18) ، وباقي الميزانية رواتب وتشغيلية ...

طبعاً الميزانية في زيادة مستمرة كل سنة ، ويتم وضعها (منذ الأزمة الأقتصادية التي حلت بالعالم) على أساس أن سعر برميل النفط حوالي (69) دولار كمعدل لتفادي الانخفاض بأسعار النفط ، وكلنا يعرف أن سعر برميل النفط مستقر ولأكثر من سنة على سعر أقله (90) دولار للبرميل وهو في زيادة ، فأين تذهب (21 دولار) زيادة بالأقل على كل برميل نفط من صادرات العراق النفطية التي تجاوزت المليوني برميل يومياً ...

أي أن هناك زيادة متبقية بمبلغ أقله (21 دولار) على السعر المحدد في الميزانية (ضرب) مليوني برميل صادرات العراق يومياً على الأقل (يساوي) (42 مليون دولار فائض عن الميزانية ) (يومياً) ... !!
وفي شهر (42 مليون دولار) يومياً (ضرب) (30) يوم (يساوي) (مليار ومائتين وستين مليون دولار) (شهرياً)
وفي سنة فتصبح المعادلة (مليار ومائتين وستين مليون دولار) (ضرب) (12 شهر) (يساوي) (خمسة عشر مليار ومائة وخمسين مليون) (سنوياً) ...
فأين يذهب هذا الفرق في السعر ؟!

الكل يعرف أن النظام السابق سلم العراق خراباً ودماراً ، ولازالت الكثير من بقايا النظام السابق تفسد وتعيث خراباً بالوضع العراقي الجديد ...
ولكن إلى متى نبقى كذلك ؟!!

مع العلم أن لا يوجد مما تحقق من هذه الميزانية لا بنايات عملاقة ولا متنزهات عصرية ولا شوارع كبيرة ولا نظافة ولا مجاري متطورة ولا محطات كهربائية بل زاد القطع المبرمج في الكهرباء عما عليه في سنة 2009 الذي كان (3) ساعات تشغيل متقطعة و(3) ساعات إطفاء تام ، ليصبح في سنة 2011 ساعتين تشغيل متقطعة بضمنها في أكثر الأحيان إنطفاء الى  ثلاث إنطفاءات في هاتين الساعتين مع اربعة ساعات إطفاء تام لا تأتي ضمنها الكهرباء ولا رمشة ولو سهواً ...

مجرد إعلان عن مشاريع لن تحقق ما يمس حاجة المواطن ... وإنشاء بنايات أشبه بالبيوت من كونها مؤسسات دولة مبعثرة هنا وهناك قد أكلت الميزانية وتقيأتها أرباحاً على المقاولين والشركات وبعض المتنفذين في السلطة ... !!

وكلنا يعرف أن العراق لديه احتياطي من الأموال هائل داخل وخارج العراق ، فمتى يتم الأخذ من هذا الاحتياطي لإنقاذ المواطن العراقي من (ذل) الحياة اليومية وسط زحام سوء الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي المستمر ...
وفي هكذا ظروف بائسة ومأساوية لا يتم استنفار وإنفاق هذا الاحتياطي فمتى يتم إنفاقه ...

وبالرغم من أن وزير الكهرباء السابق السيد (كريم وحيد) قد وعد من على قناة العراقية في حوالي عام 2009 ، أن الكهرباء ستستقر في العراق بحلول العام 2011 ، وهو عام نهاية مدة مسؤوليته في الوزارة ...
وبالفعل فلقد إستقرت الكهرباء على أساس ساعتين تشغيل متقطعة مع اربع ساعات إطفاء تام ...!!
أي أن الكهرباء في وقت تصريحه كانت (3) ساعات تشغيل مقابل (3) ساعات إطفاء ، فكان ختام مدة حكمه في الوزارة أسوأ ليسلمها خراباً بواقع ساعتين تشغيل متقطعة مع اربع ساعات إطفاء تام ...
أي أن وزارة الكهرباء تجهز يومياً (8) ساعات تشغيل متقطعة مقابل (16) ساعة إنقطاع تام ...
أي أن وزارة (الكهرباء) تجهز (فقط) (أقل من) (ثلث) حاجة العراق من الكهرباء يومياً !! 
ليتم تكريم الوزير السابق كريم وحيد من قبل نائب رئيس الوزراء الحالي لشوؤن الطاقة (د. حسين الشهرستاني) بالنخلة الذهبية على الأنجازات التي حققها في وزارة الكهرباء ...

وقبله سرق وزير الكهرباء الأسبق (أيهم السامرائي) في زمن حكومة (د. أياد علاوي) ملايين الدولارات كانت مخصصة (كما يقولون) لمشاريع الكهرباء ، ليتمتع بها بمحل إقامته بأمريكا ، ولا يوجد من يطالبه بتلك الأموال ، ولا تفعيل دعوة قضائية دولية ضده لإسترجاع تلك الأموال ، ولا أنتربول ولا أي شيء مما تفعله كل الدول الحرة عند حصول جريمة مماثلة ...
لم يفعلوا ذلك تقاعساً ولكي لا يزعل عليهم القياديين في القائمة العراقية بزعامة (أياد علاوي) ولأن فتح هكذا ملفات سيفتح ملفات أخرى ستسقط برؤوس كبار في السلطة السابقة والحالية ...

هكذا يتم إرضاء الخواطر على حساب كسر خواطر الملايين من الشعب العراقي الذين لم يراعي أحد خاطره المكسور سنين وسنين وسنين ...
ولم يجبروه بل زادوا فيه ليكسروه أكثر مما هو مكسور وحزين ...
   
وبخطوة من وزارة الكهرباء الحالية التابع وزيرها للقائمة العراقية بزعامة (د. اياد علاوي) وبمساعدة من وزارة النفط (التابعة للتحالف الوطني بزعامة السيد ابراهيم الجعفري والسيد نوري المالكي) للتنصل من المسؤولية ولتلقي الشعب بتلابيب بعض وتنقل المشكلة من وزارة الكهرباء الى مشكلة مع أصحاب المولدات الأهلية ، فقد قامت بتجهيز أصحاب المولدات وبصورة متلكئة (كما يقول بعض أصحاب المولدات) بمادة (الكاز) لتشغيل المولدات وهم يعرفون جيداً أن تلك المولدات لا يمكنها الاستمرار بالتشغيل لمدة (12) ساعة وعند العطل فيتعارك المواطن مع صاحب المولدة الأهلية ويقدم الشكوى ضده وهكذا يضحكون علينا وعلى خيبتنا ...

هم يظنون أن ذلك سينطلي على المواطن الذي أصبح يعرف كل تلك الأساليب الملتوية اللامسؤولة والمتخاذلة في الإدارة ، وحتى أن المواطن العراقي أصبح يعرفها بالفطرة ، فتاريخنا يساعدنا على ذلك .

وتصوروا أن أصحاب المولدات الأهلية إستطاعوا توفير طاقة كهربائية وازت وفاقت مستوى تجهيز وزارة الكهرباء والتي هي في سوء وتراجع مستمر .

ولا أعرف لماذا لا يتم جعل وزارة النفط ووزارة الكهرباء بوزارة واحدة إسمها (وزارة الطاقة) مادام هنالك منصب لنائب رئيس الوزراء لشؤون (الطاقة) وبذلك يتم تلافي أن وزير الكهرباء يلوم وزير النفط ووزير النفط يعاتب وزير الكهرباء وهكذا والمواطن (في معاناة وقهر).

وبهذا يلغون هدر أموال طائلة كميزانية ومنافع اجتماعية لثلاث مسؤولين (نائب رئيس وزراء ووزيرين) وجعلهم في وزارة واحدة تفي بالغرض .

إخرجوا يا مسوؤلين ونحن نراكم يومياً على شاشات التلفاز وأعترفوا لله والشعب من هو المسؤول وراء تردي الخدمات والكهرباء فقرة من فقراتها السيئة ...
قولها صراحة لكي تكون مصالحة وطنية حقيقية مع الشعب ...
قولوها فهنالك الكثيرين جداً من المسؤولين والقيادات السياسية في العراق من الشرفاء والنزيهين والشجعان ...
قولوها فمنكم كثير جداً خيرين كما هنالك مفسدين فلا تدعو الناس تأخذكم بجريرة غيركم ...
قولوها فمنكم الكثير ممن ناضل وصبر أيام الظلم ولم يخنع للظالمين وممن قدم الشهداء أضاحي على مذبح الحرية المقدس ، فلا تسكتوا اليوم وإستمروا بالنضال ضد الفاسدين والمتقاعسين ودعوا الشعب يعرفهم ...
قولوها في شهر رمضان القادم الذي فيه القول والنصيحة أجمل وأنصح وانظف ما يكون ...
قولوها والله عليم بذات الصدور ...
قولوها فلا ينفع المكر فالله خير الماكرين ...
قولوها فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ...

126
الأسباب وراء إنقطاع التيار الكهربائي المستمر في العراق

حيدر محمد الوائلي

بدون مقدمات ...
إن أسباب الأنقطاع المستمر في التيار الكهربائي في العراق ، وأن سوءها يزداد  سوءاً أكثر كل يوم ، هو راجع لأحد الأسباب المحتملة التالية أو بعضها مجتمعاً :
 
1- الاحتلال الأمريكي لا يسمح بتنفيذ مشاريع الطاقة في العراق ويعيق مشاريع الحكومة وتعاقداتها مع الشركات الأجنبية وذلك لأن أمريكا تريد أن تبقي العراق غير مستقر ومنقسم شعبياً وسياسياً على أي حكومة هي لا تقدر على تنفيذ أبسط مشروع خدمي وهو مشروع الطاقة الكهربائية ، وبذلك تعطي قواتها مبرراً للبقاء ...

إن صح هذا السبب فمن الخيانة بحق هذا الشعب أن لا يتم التصريح بذلك علانية ، ويبرؤون ذمتهم أمام الهن والشعب ، ومع الأسف فأن هنالك الكثير من السياسيين داخل وخارج الكتل السياسية الدينية والعلمانية ممن لا تصرح بذلك علانية ، أما حباً وخوفاً من أمريكا ، أو وفاءاً لكرسي الحكم والمنصب ، أو كما يسميها البعض بـ(متطلبات اللعبة السياسية) ...

2- فساد الحكومة وأنها مقتنعة بأن جميع الكتل السياسية تم إرضاءها محاصصاتياً بتوزيع وإستحداث مناصب لكل كتلة إنتخابية (وكل حزب بما لديهم فرحون) ، وهم مقتنعون بأن الشعب سوف لن يغير شيئاً ولو تظاهر وندد لأن الكتل القيادية الفائزة بالانتخابات سوف لن تشارك بتك المظاهرات ، وأي مظاهرة تخرج فسيتم إتهامها بأنها مظاهرات (مسيسة) و (مغرضة) و (ذات أبعاد سياسية) ...

إن صح هذا السبب فسوف يبقى حالنا على حاله فلا خير يرجى من الشعب لأن قياداته متقاعسة ومتخاذلة وتم إسكاتها سياسياً ومحاصصاتياً ، فمثلاً أن التيار الصدري كان دائم الخروج بتظاهرات لتحسين الخدمات ولتحسين الواقع المزري للكهرباء ، ولكن ما إن فاز (فلان) بمنصب (رئيس لجنة الطاقة) بمحافظة (عراقية) فلم يراهم أحد يتظاهر ومنذ سنتين !!
والغريب أن واقع الكهرباء اليوم هو أسوأ بكثير عما كان عليه الوضع قبل سنتين ، حينما كانوا يتظاهرون عليه . 
طبعاً كل الأحزاب والتوجهات السياسية كذلك .
فلا حزب الدعوة سوف يشارك ولا يطالب (مثلاً) بإقالة أو التظاهر ضد (رئيس الوزراء) لأنه قائد حزب الدعوة .
ولا كتلة العراقية سوف تشارك ولا تطالب (مثلاً) بإقالة أو التظاهر ضد (رئيس كتلة العراقية) لأنه رئيسها .
وهكذا دواليك ، حتى جعلوا المجتمع في دوامة من النزاعات والصراعات وتقديم المصالح الفردية على مصالح ومقدرات بلد بكامله .

3- دول الجوار تضغط على الشركات لعدم تنفيذ مشاريع الطاقة في العراق لكي لا يستقر العراق ، وكذلك تضغط هذه الدول على كتل سياسية داخل العراق معروفة بعلاقتها مع تلك الدول أكثر من علاقتها مع كتل سياسية داخل العراق ، وهم يفعلون ذلك لإعاقة مشاريع الطاقة مما يسبب غضب شعبي مستمر ، والحيلولة دون أن يصبح العراق نموذجاً ديمقراطياً ومثالياً للتغيير في سلطة الحكم .

إن صح هذا السبب فهو بسبب تقاعس وتخاذل السياسيين وبيعهم العراق لدول ومخابرات أجنبية وكذلك تخاذل من الحكومة بعدم تفعيل دور سفاراتها في الخارج لإقناع تلك الشركات وإعطائها علاوات إضافية لتنفيذ تلك المشاريع من دون أي تلكؤ .

4- عدم كفاءة المسؤولين في العراق وعدم معرفتهم وقدرتهم على التعاقد مع الشركات ، فمن لديه القدرة فهو أما مستقل غير منتمي لا إلى كتلة سياسية ولا إلى حزب فائز بالانتخابات فتراه جالساً أما بمكتب ليوقع على أوراق أو في دائرة مقبور فيها .

إن صح هذا السبب فهو درس للشعب أن ينتخب من يعرفه ويعرف كفاءته ونزاهته لا كما رأينا في الأنتخابات السابقة التي صوّت الناس فيها كراهة بهذه الكتلة فصوت ليس حباً بالكتلة الأخرى ولكن كرهاً بمن يقابلها ...
أو ممن إنتخب على أساس طائفي ، أو فئوي أو حزبي فليغير تفكيره وأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين ولقد تعثر الشعب بالفعل مرتين سابقتين بتجربتين انتخابيتين في بعض إختياراته ، فلكي لا يصبح الشعب أغبى الأغبياء بأمتياز .

5- عدم كفاءة المهندسين والعلماء داخل العراق ، أو حتى ممن لديه الكفاءة على التطوير والأبتكار فلا يتم النظر بمشاريعه لعدم تبعيته لجهة حزبية أو كتلة سياسية .

وإن صح هذا السبب فكما في النقطة الرابعة يكون الحل ...

6- إن وزارة الكهرباء نفذت مشاريع كبيرة ورفعت سقف الإنتاج للكهرباء ولكن بسبب ارتفاع درجات الحرارة صيفاً وإنخفاضها شتاءاً مما يزيد الإقبال على أجهزة التدفئة والتبريد مما يسبب عدم إمكانية الوزارة على توفير الطاقة الكافية لتشغيلها .

إن صح هذا السبب فلا خير في هكذا وزارة ولا بكوادرها ولا بمستشاريها ولا بوزيرها إن لم تستطع توفير الكهرباء لأجهزة هي تعمل على الكهرباء كبقية دول العالم الفقيرة وليست الغنية .
وإن لم تكن وزارة الكهرباء قادرة على توفير الكهرباء وهي وزارة مخصصة لتوفير الكهرباء (فقط) وليس شيئاً آخر ، فلماذا لا يقدمون إستقالاتهم ويبرؤون ذممهم أمام الله والناس الذين يلعنوهم يومياً عند مجيء الكهرباء وإنقطاعها ، ولكن يبدو أن وزارة الكهرباء ليست ببعيدة عن مراكز الفساد المستشري في الدولة .

7- إن تركة النظام البائد كانت ثقيلة ، فلقد ترك العراق بلداً مهدماً مع محطات توليدية قليلة وقديمة وغير كافية ...

إن صح هذا السبب فأن المحطات التوليدية الغير كافية التي كانت في زمن النظام البائد فهي نفسها التي تعمل اليوم والتي لولاها لما كان هناك كهرباء في العراق أساساً ، وقد بقت تلك المحطات على حالها بعد سقوط الصنم وإلى العام (2011) ولازالت تغطي أغلب إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق .
أي أن وزارة الكهرباء وفي ثمان سنوات أعقبت سقوط النظام البائد ولحد العام 2011 لم تستطع توفير أي شيء يذكر من إنشاء محطات عملاقة كالتي أنشأها النظام البائد .     

8- إن المواطنين لا يقتصدون بإستهلاك الكهرباء ، فلو أطفأ كل مواطن مصباح كهربائي واحد -كما تقول وزارة الكهرباء (رض)-  فسيوفر ذلك كماً هائلاً من الطاقة (ويعطونك رقماً كبيراً يساوي حوالي "ربع – نصف" قدرة إنتاج الوزارة) ، لا بل يعلنون في صحف الدول الرسمية وفي سبتايتل قناة (العراقية) عن مناقصة تقوم بها الوزارة للجهات الإعلامية لوضع برنامج عنوانه :
(نشرة الكهرباء اليومية) !!
لماذا لا تبنون محطات ولو بسيطة بالنقود التي تنفقونها على مثل هذه الخزعبلات ودعوا الشعب يرى أفعالكم على الأرض لا نشراتكم الإعلامية البائسة.

إن صح هذا السبب فأين هي الكهرباء حتى نقتصد بها ...!!
طبعاً كلام الوزارة صحيح علمياً لأنهم قرءوه في مجلة أجنبية لعالم أجنبي وهم نقلوا الخبر فقط ، لأني متأكد من عدم وجود خبراء ولا علماء ولا باحثين في وزارة الكهرباء كما في الكثير من وزارات الدولة ، وإلا لما بقت وزارة الكهرباء على هذا الواقع المتهرئ والبائس وبقت وزارة الكهرباء بلا كهرباء توفرها ...
بالإضافة الى أن المواطن هو فاقد الثقة بكم وبكلامكم ولا يشعر بأنكم صادقين معه ، ولا حريصين عليه ، لأنه وبكل بساطة لا يثق بكم .
ففي الوقت الذي يتنعم به وزير الكهرباء بالتكييف والإنارة ووسائل الترفيه داخل قصره فهو يطالب الشعب أن يقتصد بها ..!!
كما أن الكهرباء متوفرة وبخط حرج وخط ذهبي لا ينقطع ولا (يرمش) (رمشة) له ولعائلته الكريمة ولحمايته وكذا جراً بأعضاء الحكومة والبرلمان والرئاسة ومجالس القضاء ومؤسسات الدولة الكبرى ودوائرها (ليس حباً بالمراجعين ولكن حباً بالمدير) ، فيوفرون الطاقة لها وكذا بأكثر بيوت ومكاتب المحافظين وأعضاء مجالس المحافظات ...
وكل هذا ويطلبون من المواطن أن يقتصد بالكهرباء وهي تأتيه ساعتين تشغيل متقطعة بضمنها في أحيان كثيرة إنطفاء الى  ثلاث إنطفاءات في هاتين الساعتين مع اربعة ساعات إطفاء تام لا تأتي ضمنها الكهرباء ولا رمشة ولو سهواً ...
 
يا أيها الرجل المعلم غيره   ...   هلا لنفسك كان ذا التعليمُ
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى   ...   كيما يصح به و أنت سقيمُ
و أراك تصلح بالرشاد عقولنا    ...   نُصحاً و أنت من الرشاد عديمُ
إبدأ بنفسك فأنهها عن غيها    ...   فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ
لا تنه عن خلقٍ و تأتي مثله    ...   عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ

127
أحلام الحرية كوابيس (قصيدة)

حيدر محمد الوائلي

((قصيدة أزعم أن فيها شيئاً من الشعر))

بعسرٍ يولد النصرْ ...
بمعاناةٍ وهمٍ وقَهَرْ ...
وقد تنقضي الأعمار .. حتى يولد النصرْ ...
من رحم المعاناة الطويلة .. بكفاحٍ وترحالٍ وسَفرْ ...
يولد القـَدَرْ .. بقدر العطاء يكون القدرْ ...
لا تنتظرْ .. فالانتظار مرٌ .. والصبر عليه أمرّ ...
والله مع الصابرين .. صبر من يعقلون .. لا صبر من يتقاعسون ...
يتخاذلون .. يُجبّن بعضهم بعضاً صبراً ...
ولا يرتجى النصر مع الخذلان .. ولا مفرْ ...
ومن المفر أين فراراً .. أمن المفرْ مفرْ ...
دثريني في شعرك الداكن ِ .. خذيني في الأحضانْ ...
قبليني بإشتياقٍ وحنانْ ...
أريد أن أغفو بين وسائد الرمانْ ...
لا توقضيني .. دعيني .. أريد أن أنسى آلامي ...
فها هو الليل سجى ...
أريد أن أُخفي في الظلام ظلمي ...
وأبثُ في سواده الحالك همي ...
ها هو الليل أتى مرتدياً ثوب السواد ...
حزينة تمضي الليالي .. واختفى من وجهها ضوء القمرْ ...
قلتي لي يا حلوتي من قبل أيام السهرْ ...
بأنك تعشقين القمرْ ...
وتنتظرين منذ ليالٍ بزوغه ...
أراك تشكين بهمٍ وقهَرْ...
أما ظَهَرْ .. مرَّ أسبوعِ .. مرَّ شهرْ ...
وفوق الشهرِ شهرْ ...
طالت السنين أين هذا الشهر ْ ...
أنقضى العمْرْ .. وما أتى هذا الشهرْ ...
معلناً ضوء القمرْ ...
أيا قمرْ .. لا زال حرٌ ينتظرْ ...
من خلف السحاب وكثبان الرمال .. ثمة أملٌ مُنتَظَرْ ...
إصبري وصبِّريني .. فثمة أملٌ مُنتَظَرْ ...
ها هو الليل طويلاً .. بثي في حلمي العزيمة ...
ودعيني من حكايتنا القديمة .. وذكرى أيامِ أليمة ...
تحكي الجبن والهزيمة ...
تحكي الظلم فينا .. عشعش فينا .. فأصلاب الثائرين عقيمة ...
وأحلامنا والطموح أكثر عقماً ...
وحالنا منذ أبحرت السفينة ...
باق على حالهِ .. لترسو على حالها بل أسوأ حال ...
ليقبروها بسبابٍ وشتيمة ...
أيا حكايتنا القديمة ...
من قدمها مات راويها .. وفي توثيقها طال السندْ ...
ولا يزال الظلم ممتدٌ .. وزاد المدّ مدْ ...
في غياهب جبها طال الأمدْ ...
والشعب يبكي الظلم ...
فالتغيير متروكٌ للأجنبيّ ...
فصفوفنا ناقصة العددْ ...
وتفرَقنا .. فزاد النقص نقصاً ...
والعهدُ .. لا عَهَدْ ...
لم يحفظ العهد أحدْ ...
ومن يموت لحفظ العَهَدْ ... 
فهو لم يولد بَعدْ .. من يوفيّ بالوعيد والوَعََدْ ...
آه يا هذي الجماهير العريضة ...
عرضها في لغوها والثرثرة ...
وحينما الوضع إتقدْ ...
أخلوا الميدان لم يبقى أحدْ ...
رغم أن الوضع سهلٌ .. كيف لو جاء الأشدْ ...
هذه العهود ملقاة على الأرض ...
هذه عهودكم من قلتم بأن العهد باق .. قد نكثتم بالعهدْ ...
يكيدونكم في كل يومٍ كيداً جديداً ...
فما فعلتم حينما الكيدُ أتكدْ ...
كفوا من عيش العبيد .. قل هو الله أحدْ ...
كفوا من مهانةٍ .. فالله فرداً وصمدْ ...
لا تذكرينني .. أريد أن أنسى ...
ولكن كيف أنسى ...
وهو يتكرر أمامي كل يوم ...
عار حكامنا وسياسيينا وجهل شعوبنا .. يتكرر أمامي كل يوم ...
لا تعبدوا السياسات .. أيا عبيد الدول العظمى ...
تُسيرهم السياسة أينما .. كيفما .. حيثما شاءت ...
والأشراف من قادتنا والسياسيين ...
يشحذون حقوق الشعب من لصوص السلطةِ ...
ولصوص السلطةِ يشحذون البقاء من أمريكا ...
تتكرم عليهم بالبقاء المسبق الدفعِ ...
والشريف منا يشحذ حقه ...
والشعب يشحذ من الأشراف حقه ...
آه يا قوم شحاذين ...
يا قوم دين العزة وأعراف الكرامة .. قد تلطخ بعار الشحاذة ...
يؤخذ الحق أخذاً .. لا يسمى حق من يشحذه بالذل شحذاً ...
والمسؤولون في بلادنا .. إتخذوا الأوطان غابة ...
البقاء للأقوى .. للأدهى .. للأمكرِ ...
لمن يكذب أكثر .. لمن يحتال على الشعب أكثر ...
السلطة غاية .. ليست السلطة وسيلة ...
ليست السلطة وظيفة .. بل غنيمة ...
وما أطول خطابات الزعماء لو صدرت ...
ولطولها .. ما غطت الجيفة ...
بل زادت الجيفة جيفة ...
والمواطنون مغفلون ...
يعلمون بذلك جيداً .. ورغم ذلك ساكتون ...
رغم طول الحروبْ ...
رغم أن القتلى قد ضاقت بها حتى الدروبْ ...
رغم أن النار تلفح في دياجير القلوبْ ...
رغم أن دم الشهيد يصرخ بالشعوبْ ...
كفوا أيديكم من الذلَّ ...
توضئوا بماء الكرامةِ ...
هيهات من الذلِّ .. كفاكم عيشة الذلِّ ...
فالعدو أمامكم .. لا تلتفتوا للخلف ...
لا يُجبّن بعضكم بعضاً .. فالعدو من خلفكم أيضاً ...
لا تدوروا حول أنفسكم .. فالعدو في وسطكم أصلاً ...
لا تبحثوا عن بحرٍ تُلقون به عار الهزيمة ...
بل إبحثوا عن جبهةٍ للقتال ...
ها هو العدو في مرمى العيون ...
مالكم مسيّرون .. مجبورون على ما تفعلون ...
ما باليد حيلة .. فيد الحيلة تصفعكم على الوجه ...
لكي لا تصرخون ...
ما لكم موتى .. ما لكم في يقظة النهار أنتم نائمون ...
والسياسيين يتعاركون .. لا على حق الشعب يتعاركون ...
لا مع أمريكا لأخذ حق الشعب يتعاركون ...
فيما بينهم يتعاركون .. يتقاتلون ...
يغتال بعضهم بعضاً .. يُسقط بعضهم بعضاً ...
وأمريكا من تصالح بينهم لله وللمسيح ...
وسياسيينا أمامها خاضعون ...
يعتذرون لها لا إلى الشعب على ما يفعلون ...
ففي زمن العلم والذكاءْ ...
دورنا أن نبقى دوماً أغبياءْ ...
ومن لديه ذكاءْ .. يتظاهر بالغباءْ ...
مالها هذي الجماهير نيام .. وقادتها في سبات ...
فمتى تستيقظون ...
تتثاؤب ملئ فكيها الجماهير .. لا تقوى على الوقوف ...
بلا تفكير تسير .. فأمريكا وما شاءت يكون ...
وجودنا كالعدم .. بالحضور لا نُعّد .. وبالغياب لا نفتقدْ ...
ما شاءت أمريكا كان .. وما لم تشأ لم يكن ...
هكذا صيروها إلهاً دون الله ...
أمريكا وما شاءت يكون .. ودورنا في أن يكون ..
مغفلون .. فنحن قومٌ مسيرون ...
ولا قرار .. فقادتنا مسيرون أيضاً ...
لا نقوى على الصراخ ...
وإن صرخ البعض صراخاً أفسد العقل ...
هرجٌ صاح ليزداد المَرَجْ ...
فليس على المجنون حَرَجْ ...
ليعلوا صراخ الرعاع الهمَجْ ...
وتسكت أصوات العقول .. فمتى يأتي الفرجْ ...
حتى لو صرخ البعض (كلا أمريكا) ...
وأمريكا تردد معهم أيضاً .. (كلا كلا أمريكا) ...
وما نفع الصراخ .. وامريكا من تعطي الجماهير العريضة ...
مكبرات الصوت حتى يصرخون ...
كي يهتفون .. (كلا كلا أمريكا) ...
فالقرار ها هنا .. والسياسة ها هنا ...
بيد أمريكا تقرر ما تشاء ...
ويتفاوض قادتنا على أرضنا ...
من أجل أن تعطينا أمريكا حقنا في أرضنا ...
ويراعون .. أن لا تزعل أمريكا عليهم ...
(كلا كلا أمريكا) .. تردد الجماهير العريضة ...
(كلا كلا أمريكا) .. وهم ينتخبون ...
جاهل أو إنتهازي أو سياسي يشحذ حقه ...
يشحذ من أمريكا حقه ...
يشحذ حقه .. ونسى بالشحذ شعبه ...
فهَمُه سالب لُبّه ...
نصنع الظلم بأيدينا .. وندعو الله أن يكفينا شر الظلم ...
نشكو لله ولوسائل الأعلام ...
شاجبين .. مستنكرين .. بقاء الظالمين ...
والناس من صَنَعَ الظالمين ...
والناس تبقيهم على العرش سنيناً وسنينْ ...
من صنع الظالم غير الناس ...
غير تخاذل الحراس ...
غير من طأطأ هامته العليا ذلاً .. قد أحنى هذا الراسْ ...
وسنبقى على الذل ...
إن لم يعلن الضمير صرخته .. بأني أنا الحرْ ...
هل لي أن أبقى حراً .. فقررْ ...
أن الحر يختار مصيره ويقررْ ...
أحراراً أم عبيد ...
خلقكم الله أحراراً فهل صرتم عبيد ...
ليس الموقف أن تكون أو لا تكون .. بل تريدْ أو لا تريدْ ...
هل تريد أن تكسر أغلال الحديدْ ...
هل تريد أن تحيى طويلاً من جديدْ ...
هل تريد أو لا تريدْ ...

128
السجن حُرية ... الأمام الكاظم من جعله كذلك

حيدر محمد الوائلي

منذ مئات السنين لا عشراتها ...
والسنين طوال ...
وأيام تمضي لتحكي الحكايات وتروي العبر ...
وأغبى الأغبياء من ينسى ويتناسى ولا يتذكر ...
فهي أيام مضت لكي تبقى بالبال ويتذكرها اللبيب على الدوام ...
وكل لبيبٍ بالإشارة يفهمُ ...
وتلك الأيام نداولها بين الناس ...
في كثير من الأيام ، والشهور ، والسنين التي قاربت الثمانية عشر عاماً ... 
كانت صرخة حق عند سلطان جائر ، وأعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ...
وإن كان السلطان الجائر يسمونه فيما مضى وحتى اليوم (خليفة مسلمين) هو ليس منهم فمن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم كما قال الرسول (ص) و (أمير المؤمنين) لم يكن مؤمناً فصيروه أميراً لهم !! ، والله يقول (إنما المؤمنون إخوة) ...
أولئك هم سلاطين بني أمية وأتبعهم فساداً سلاطين بني العباس الذين أجرموا وقتلوا وأفسدوا بأسم الله وخلافة الرسول (ص) ...
فيالله من إله صنعوه بما يتماشى مع أهوائهم ، ورسولٍ جعلوه حيثما تمضي شهواتهم وتروح ...
والدين الذي أفسدته السياسة ، ولم يُصلح ذلك الدين في السياسة شيئاً ...

كانت صرخة حق من إمامٍ ، عابدٍ ، زاهدٍ ، مثال الأخلاق والعفة والطهارة ، حفيد من أحفاد رسول الله الذين ما منهم إلا مقتول أو مسموم ولم يمت منهم أحد ميتة عادية ، فكان القتل لهم عادة ، وكرامتهم من الله الشهادة ...
ذاك هو الأمام موسى الكاظم (ع) ...
   
كانت صرخة حق من زاوية من زوايا سجن من سجون بغداد ، والبصرة ، والمدينة المنورة ، التي أبت إلا أن تكون ممتلئة بمساجين من خيرة الأرض وأمجد أمجادها ...
فالمفسدين واللصوص والقتلة قد تسنموا الحكم وجلسوا القصور وخيرة الناس وأطهرهم من سكن السجون ...

في أحد زوايا سجنٍ صغيرٍ مُظلمٍ خربة ، كان هنالك أنين وحنين وحزن وبكاء تحول بمرور الأيام إلى صرخة تُلهب الجماهير أن قولوا (لا) للظالمين كائناً من كانوا فصارت صرخة ترعب الظالمين ...

في أحد أيام التاريخ المملوءة بالقيح والدم والألم والأنين ، وقتل الطيبين ، كانت هنالك صرخة (لا) ضد الظالمين ...

في الخامس والعشرين من شهر رجب الحرام إنتهكوا الحرمات ولم يكن لحرمة الشهر ولا لذرية الرسول (ص) أي حرمة ... فما إكتفوا بسجن الأمام الكاظم لحوالي ثمانية عشر عاماً بجريمة الدفاع عن الحق ونهج الرسول (ص) ، ليدسوا له السم ليموت شهيداً ، فيشيعونه بإستهزاء وإزدراء ، وقاتليه من يشيعونه ويرموا جثمانه على الجسر متروكاً غريباً ...
ولجده الحسين (ع) قصة مشابهه مع أكثر من سبعين من أهله أنصاره الذي تركوهم عرايا ، مسلوبين ، مقطوعي الرؤوس على رمضاء كربلاء ولثلاثة أيام ...

في الخامس والعشرين من شهر رجب الحرام كانت جنازة مرمية على الجسر ولم يتصدى لتشييعها أحداً فالناس مشغولون بالبطون والفروج أكثر من العقول والأيمان ...
لم يعرفوه في حينها وعرفه الملايين في يومنا هذا وهم يبكون لفقده ولسجنه ويتزاحمون على زيارة قبره الشريف في المدينة المسماة على إسمة اليوم (الكاظمية) ببغداد ...

ما منع الأمام موسى الكاظم من قول (نعم) لهارون العباسي (اللارشيد) ولأصبح ملك زمانه ، وممن سكن القصور ، وممن إكتنز الأموال ... !!
ولكن الأمام الكاظم عقيدته بالمال هو أنه مجرد قوت للحياة قلّ أو كثر وليس رباً يُعبد ...
وليس كعقيدة الظالمين الذين عدوا المال والسلطة والشهوة رباً مُطاعاً تُشترى فيه الذمم والأخلاق والدين !!

قال (لا) بأعلى صوته ليُسمع العالمين أجمع أن يا ناس قولوا (لا) للظالمين ...
أن قولوا (لا) للفاسدين ...
كقولكم (لا) إله إلا الله ...

يا إمامي يا موسى بن جعفر الكاظم ...
سأسر لك شيئان : سيسرك الأول وسيحزنك الثاني .
الأول : أن الملايين ذهبوا إلى قبرك اليوم وأكثر منهم ممن يلفهم الحزن اليوم لفقدك وشهادتك ، ولم يستطيعوا الذهاب .

الثاني : أن اليوم من شيعتك حتى قادة كبار يدعون حبك والولاء لك ، ولكنهم يعيشون كعيشة هارون العباسي (فساد إداري ، ورشوة ، وسرقة ، ووساطات ، ومحاباة ، وعدم مساواة بين الناس وظلم آخرين ، وعدم مداراة حقوق الناس ، وعدم الاجتهاد بخدمتهم) ...
ويقولون بأنك إمامهم ...
يعيشون قبل أن ينتخبهم الشعب الذي أنخدع بهم عيشة الشعب ومن وسط ما يأكلون ، وبعد أن جلسوا على كراسيهم التي أسكنهم الشعب بصوته عليها ، ليصبحوا اليوم في سهل جميل والشعب في وادٍ سحيق ...
يعيشون وسط أجمل الخدمات ، والشعب وسط أسوأ الخدمات ...
بعضهم بنا القصور ويقبل الهدايا المليونية والذهبية من أجل تمشية مقاولة أو مشروع بحجة أن الرسول قبل الهدية وهم يعرفون أن الرسول (ص) قبلها من دون مقابل أو لتمشية أمر ما ...
وآخرين يبنون ويسرقون من دون حاجة لتبرير فهو (صلِف) ولا يزيله إلا صرخة مظلوم ... وكلمة حق عند سلطان جائر ...
والكافر العادل خير من المسلم الجائر ... كما قالها من بعثه الله رحمة للناس أجمعين ذاك هو الرسول الأمجد من هو على خلق عظيم المصطفى محمد (ص) ...
وهنالك جمهور كبير من الشعب من هو خانع ، وجاهل ، وذليل ، وفاسد ، وممن يتبع على عمى وجهل جهات دينية وسياسية جعلته دمية وجماد يحركونه متى ما شائوا وأينما شائوا ، فساهموا بذلك بصنع الظالمين من رجال دين وسياسيين ...
وجهل الناس وتقاعسهم يصنع الظالمين ...

هذه دروس لنا ، ولو كان هنا وبيننا الأمام الكاظم (ع) لنادى بها وطلب منا أن ننتخب الصالحين بغض النظر عن أحزابهم لا من يزيد عدد ساعات قطع الكهرباء والماء وتقليل الخدمات وتحويلها إلى بيته وأهله وبطنه .

لو كنت بيننا ... يا سيدي ها هنا ...
لقلت لهم (لا) ولقلناها بعدك ملاييناً وملاييناً لأننا نشكو فقد القائد من يُلهم الناس من دون إكراه ولا إجبار ولا تهديدات ولكن بالحكمة والعقل والموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن ...

لو كنت بيننا ... يا سيدي ها هنا ...
معنا اليوم لسكنت السجن حتى يُحققوا مطالب الشعب المشروعة وترفض الخروج حتى تحقيقها ...
ألست أنت القائل :
(من لم يكن له من نفسه واعظ تمكن منه عدوه –يعني الشيطان-)
وأيضاً قلت يا سيدي يا موسى بن جعفر :
(وجدت علم الناس في أربع ... أولها أن تعرف ربك ، والثانية أن تعرف ما صنع بك من النعم ، والثالثة أن تعرف ما أراد منك ، والرابعة أن تعرف ما يُخرجك من ذنبك) 

أتتك الزوار اليوم ملاييناً تشكو وتبث همها لله عند قبرك ، في أحد البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه ، وتقول :
يا موسى بن جعفر لقد ظلمك من قبل هارون الرشيد بأسم خلافة المسلمين ، ونحن نرفض أن يعود الظالمين ، والظالمين يبقون ويُصنعون إذا سكت الشعب عليهم وعلى مفاسدهم ...

السلام عليك يبن الإمام جعفر الصادق وأبو الإمام علي الرضا ...
السلام عليك يا رهين السجون ويا مكبلاً بالقيود ، ويا مطموراً بمطامير السجون ، فالسجن أحب إليك مما يدعونك إليه ...
إنا بك إستشهدنا وإستشفعنا وقدمناك بين يدي حاجاتنا ...
يا وجيهاً عند الله إشفع لنا عند الله ...

اللهم نسألك بحقك موسى بن جعفر عليك ...
أن تُلهمنا صبره وعزيمته في مقارعة الظالمين والفاسدين وسارقي قوت الشعب والسياسيين الفاسدين وأن تُلهمنا الصبر على مواجهتهم والتخلص منهم بالعقل لا بالسلاح كما بعضهم يفعلون ...

تعـالـيـت َ لـم تـخضـع ْ لسيف ٍ وحاكم ِ  ...  وحــــاشـاك َ أن تـمـددْ يـديـكَ لـظـالـم ِ
تـجـاوزتَ بـالصبـر ِ الجمـيـل ِ مكابدا ً  ...  إســـاءة مــأفــون ٍ وغــُـلـظـة ِ نـاقـــم ِ
يـُـعِــدّ ُ لكَ الاعــــداءُ كــلّ َ عـظـيـمـة ٍ  ...  وعــزمـــُكَ عــزمٌ لا يـلـيـنُ كـصــارم ِ
تعاليت َ لم تـألفْ سكوتـا ً على الـخـنـا  ...  ابـنـت َ حـقـوقـا ً لـسـتَ تـصغي للائم ِ
هـي الـنـفـس ُ تـسمو فوقَ كلَ ّ دنيئة ٍ  ...  إذا كـانـت الاخــلاق إحدى الدعائـِـم ِ
إمام الهدى نـابــذتَ بـالـفـكر ِ داحضا ً  ...  أراجـيـفَ جـــهـال ٍ وبـدعـة َ عـالــم ِ
كــتـــابـكـم الـقـــرآن خـيــرُ مـنــزّل ٍ  ...  عـلـى خـيـر ِ هـاد ٍ فـي قـديم ٍ وقـادم ِ
صبورونَ حـتـى يـنـجزَ الله ُ وعـــده ُ  ...  عـلـى كـيد ِ اعـراب ٍ وغـدر ِ أعاجم ِ
كـرامـاتُ حـقّ ٍ من فـضائـل ِ جـدَ ّكم  ...  تـغـيـضـون فـيـها قـلبَ كـل ّ مخاصم ِ
سئمنا من الــدنـيا ونـهــش ِ كِـلابــها  ...  لعوبٌ كما كانتْ بـعـقــل ِ البهــائـــم ِ

129
التفكير أولاً والعمل ثانياً والتقوى ثالثاً

حيدر محمد الوائلي

إتقى فلان السيف بالدرع ، أي أن الدرع كان وسيلة (تقوى) للحيلولة دون تلقي ضربة السيف ... ولابد من حركة و(عمل) ليتنسى صناعة ومسك الدرع الذي يقي من الضربة ، وقبل ذلك كله يجب أن يكون هنالك (تفكير) في أن الدرع يحمي من ضربة السيف ...
(التفكير) هو الذي يقودنا لمعرفة أن الدرع يقي من ضربة السيف و(التفكير) يقودنا لصناعة درع من مادة أقوى وأصلب من السيف للوقاية من ضربة السيف ، و(التفكير) يقودنا لمعرفة كيفية مسك الدرع للوقاية من ضربة السيف ومعرفة من أين يهاجم الضارب بالسيف وكل حركة لها ضوابط  وكيف يضرب .
إذاً (التفكير) يأتي أولاً ...
من ثم يأتي (العمل) وهو أن تمسك الدرع ، و(العمل) على مسكه جيداً وإحكام مسكه كي لا يقع ، ومن ثم إختباره وتجريبه لمعرفة هل (يعمل) أو لا (يعمل) ومن ثم يأتي (العمل) على تحريك الدرع للوقاية من الضربة .
إذاً (العمل) يأتي ثانياً بعد (التفكير) ...
ومحصلة ونتيجة للتفكير والعمل فستكون هنالك نتيجة (التقوى) وهي الحيلولة دون تلقي ضربة ، فالتقوى إذاً تأتي ثالثاً بعد التفكير والعمل ...
وهذا بنظري وفهمي البسيط هو المعنى الأساس للتقوى وهو عدم تلقي ضربة ومثال عليه مسك الدرع وإتقاء ضربة السيف .

أما التقوى  لغة : فهي مأخوذة من الوقاية وما يحمي به ألإنسان  نفسه .
والتقوى إصطلاحاً وفقهاً : أن  تجعل  ما بينك وبين ما حرم ألله حاجباً وحاجزاً .

كان ذلك مجرد مثال توضيحي للمتقين ولمن يوصي الناس بالتقوى ليل نهار !! من خطباء ورجال دين وعلماء ومفتين وقنوات وصحف كي لا يذهبوا للتقوى ويقفزوا عليها قفزاً فتتزعزع تلك (التقوى) لاحقاً وتصاب بالتمزق لأنها لم يتم التفكير بها أولاً ، والعمل عليها وإختبارها ثانياً ، فلا تقوى بنظري البسيط ورأيي المتواضع جداً وأنا لست بأفضل منكم بشيء سوى كتابة هذه السطور وأتصور أن لا تقوى بلا تفكير وعمل يسبقها ...

وبالأستعانة بمحرك البحث (Google) وبعض المنتديات والمواقع المتخصصة بالقران الكريم ، وبحث وقراءة حول موضوع (التفكير والتقوى) في القران الكريم فجاءت النتيجة مذهلة ، ولو كانت متوقعة بالنسبة لي ولكن ليس بهذا الشكل اللافت ...
نسبة آيات التفكير ومرادفاتها (التفكير ، التعقل ، التذكر ، التبصر ، النظر ، الاعتبار ، التفقه ، مخاطبة أهل الألباب) هي ( 10،3 %) من مجموع آيات القران الكريم !!
أكثر من عشرة بالمائة ...!!
وهي نسبة عالية بالنسبة لمنهج احتوى الحياة كلها وبهذه النسبة العالية أعطى رب العزة حرية كاملة للتفكير واختيار طريقة الحياة .
والله يقول : (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا)

وبالنسبة للتقوى في القرآن (جمعاً ، ومثنى ، ومفرداً) فجاءت بـ(256 آية) ، وورد لفظ التقوى بـ (65) سورة من سورة القرآن الكريم .

طبعاً أحياناً هنالك تداخل في مواضيع التفكير والعمل والتقوى يصعب فرزها ، ولكن لا يهم فالمهم الفكرة ، وقد بذلت جهداً بسيطاً ممتعاً في الحساب والجمع والبحث وتوصلت لنتائج قرآنية ليست دقيقة مئة بالمئة ، ولكن المهم عندي هو أن تكون الفكرة واضحة وقد تم فهم المقصود من المقالة ومؤداها وليس قصدي أرقام ودقتها مائة بالمائة وما شابه ...

المهم هو أهمية فهم أن التفكير والعمل والتقوى تتابعياً ... يؤدي الغرض الأسمى والأمثل لتحقيق كل علم وفهم وعمل وتقوى ...

وإذا كان التفكير مهماً لهذه الدرجة فما هو التفكير ؟! ... وما المقصود بأن يفكر شخص ما ... وكيف يفكر ؟!

الجواب : أن أنـواع التفكير يميزه أهل المنطق بين ثلاثة أنواع وهي :
1- الاستنباط : وهو تفكير بالاستدلال والاستنباط (الأستنتاج) والاختيار بعد تحليل ودراسة من دليل ما فيقودك لفكر وحكم معين . وهو يخص العلماء والمفكرين وأهل الدراية والمعرفة .

2- الاستقراء : وهو الأستبيان ومطالعة الأفكار والبحث فيها ودراستها والنظر فيها وتقليد ما تستنتج منها أنه الأكمل ، مما يقودك لفكر وحكم معين . وهو يخص الدارسين والباحثين والمثقفين .

3- التمثيل : وهو تقليد ومحاكاة  مفكرين وعلماء وأهل دراية وفكر والسير على ضوء أفكارهم وتقليدها وإقتفاء أثرها ، مما يقودك لفكر وحكم معين . وهو لعامة الناس ولمن لديه معرفة وثقافة ولو بسيطة .

هذا هو التفكير بكل بساطة وبدون تعقيد ..!!

وبالنسبة للعمل فهو التطبيق العملي لمصاديق التفكير وبذل الجهد في تحصيلها وتطبيقها على الواقع ، أو تصحيح خطأ ، أو تقوية صحيح ، والذي يؤدي للحصول على (تقوى) وحماية من أشياء تضر بالتفكير وتنشر الجهل ...

التقوى في كل شيء تقوى (دينية) وتقوى (نفسية) وتقوى (عقائدية) وتقوى (أخلاقية) فالتقوى وسيلة وليست غاية ...
ويجب علينا فهمها هكذا ، بأن التقوى وسيلة وليست غاية ، والمهم الغاية بعد أن يتم ضبط الوسيلة المؤدية لتلك الغاية . ولا يمكن تحقيق أي غاية بدون وسيلة جيدة ومحكمة ...

لا يوجد جهل وتقليد أعمى ومحاكاة بلهاء للأمور وقياس تافه للقضايا أو تحكيم وإستنتاج بائس بلا تفكير ولا تدبر ولا تعقل ولا تبصر ...
لا يوجد شيء هباءاً أو عبث أو متروك للصدفة والحظ أو للآخرين لتختار الصدفة والحظ والآخرين لك وليس أنت .
يا هذا ويا هذه ويا هؤلاء ويا أولئك ويا هم ويا هن وبكل أسماء الإشارة أخاطبكم ... فأنتم المسئولين أولاً وأخيراً ...
هذه حياتكم أنتم لا حياة غيركم ففكروا بها أنتم ، فأنتم المسؤولين عنها لا غيركم ...
(فقط الفاشلين من يؤمنون بالحظ) قالها الممثل الكوميدي الأمريكي الشهير (بل كوسبي) ...

هي حياة واحدة فكن أو لا تكون ... كما قالها (وليم شكسبير) في مسرحيته الرائعة (هاملت) ...
وما بعدها حياة أخرى الله العالم بها بعد أن علمنا الله ومهد لنا كيفية ووسيلة معرفة سبيل النجاة في تلك الحياة التي الله عالماً بها ، وتلك الوسيلة هي التفكير والعمل والتقوى ...
وتكون أكرم الناس عند الله القائل :
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)
فخلقنا الله من ذكر وانثى وجعلنا شعوب وقبائل (لنتعارف) (لنتعايش) (لنتفاهم) ...
وبالنسبة للأكرم عن الله فهو الأتقى ، ولقد بينت هذه المقالة المتواضعة كيفية و آلية تحصيل تلك التقوى برأيي ...

لكن يجب أن تقرر مصيرك بنفسك والآن ما دام لديك عقل ... وإلا ... فإغلق هذه الصفحة وإنس مقالاتي وغيّر الموضوع فأنت إن لم تفهم قصدي وقد أتعبت نفسك في قراءة هذه السطور لا أكثر ولا أقل فأذهب وإنسى ما قد كتبته لك !!
فهنالك الكثيرون وُلِدوا للطعام والشراب وللضحك فقط ومن ثم يموتون فيحزن عليهم بعض الأقارب والأصحاب لأيام معدودة ومن ثم يتم محيهم من الذكرى وللأبد ولا يتم ذكرهم بشيء بعد أن تنتهي وتموت .
وهنالك من هم موتى رغم أنهم أحياء ... ولكن أحياء لأنهم يأكلون ويشربون فقط ...
يجب التفكير في كل شيء قبل عمله وتنفيذه ، وحتى بدين الوراثة الذي ورثناه من الآباء والأجداد كما ورثنا الشكل والعقار والدار ...
ورثنا الطوائف والأديان وراثة ولم نعرفها ولم ندرسها ونقارن بغيرها لنفهم ديننا ودين غيرنا وطائفة هذا وذاك ، فيجب البحث والدراسة لتثبيت الحق ، وما هو ثابت إن كان حقاً وثابتاً ، وإبطال الباطل إذا كان للباطل وجود ، وحينما لا يسعفك تفكيرك بعد تجريب وسائل التفكير ومصاديقه الثلاث الواردة ذكرها في مطلع المقالة فأسأل وأطلب العون ممن لديه فكر ودراية ومن هو ذائع الصيت ومعروف بذلك ، ومن ثم يأتي العمل ولا خير في تفكير لا يعقبه جهد وعمل ...

في حديث للنبي محمد (ص) يقول فيه : (إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تأبهوا به حتى تنظروا كيف عقله) .
وقال ايضاً (ص) : ( إذا بلغكم عن رجل حسن حال ، فانظروا في حسن عقله فإنما يُجازى بعقله) .
وقال أيضاً (ص) : (إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصوم ) .

وفي يوم من الأيام دخل النبي (ص) ذات يوم لمسجد المدينة ، فشاهد جماعتين من الناس ، كانت الجماعة الأولى منشغلة بالعبادة والذكر والأخرى بالتعليم والتعلّم ... فألقى عليهما (ص) نظرة فرح واستبشار وقال للذين كانوا برفقته مشيراً للفئة الثانية –فئة التعلّم- : (ما أحسن ما يقوم به هؤلاء) !!
ثم أضاف (ص) قائلاً : (إنما بعثت للتعليم) !! ثم ذهب (ص) وجلس مع الجماعة الثانية –جماعة التعليم- .

وروي عن الاصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال :
(هبط جبرائيل على ادم (ع) فقال : يا ادم إني أُمِرت أن أخبرك واحدة من ثلاث فإخترها ودع اثنتين ... فقال له ادم (ع) : يا جبرائيل ما الثلاث ؟
فقال : (العقل، والحياء ، والدين) ...
فقال ادم ( ع ) : (اني قد اخترت العقل)...

وقوله (ع) في ضرورة الفكر وكونه أهم من العبادة والأمام علي (ع) الذي كان دائم التفكر والتعقل والتدبر والتبصر وهو القائل :
(تفكير ساعة خير من عبادة سنة)

130
ويمن عليك الموظف إن أدى واجبه

حيدر محمد الوائلي

القصد من فتح هكذا مواضيع هو التربية والتعليم ولفت الانتباه للسلبيات ليتسنى معالجتها ما دام هنالك فرصة سانحة .
واغتنموا الفرص فأنها تمر مرور السحاب ...
وكم ضاعت علينا فرص لا ينفع الندم على ضياعها أبداً ... ولكن عزائنا أن هنالك فرصة لإصلاح ما أفسدناه جميعاً بتصرفاتنا حتى ساء زماننا ، ورغم ذلك :
نعيب زماننا والعيب فينا   ...   وما لزماننا عيب سوانا

قد أفسد الشعب كثيراً ، وأفسد المسئولين والسياسيين ورجال الدين والأحزاب أكثر وأكثر ...
أفسدوا أما جهلاً أو بتصرف غير مدروس أو بسكوت أو بتقاعس أو بفساد صريح ...
وبمجموعهم وهم جمع كثير ، فقد أفسدوا أكثر مما أصلحوا فيه ، بل كثير منهم ممن أفسد ولم يصلح شيئاً ...

لماذا حينما يؤدي الكثير من الموظفين الحكوميين وخصوصاً في الدوائر الخدمية الواجب المناط بهم إنجازه ، والعمل الذي يقبض عليه راتباً ورغم ذلك تحس به أو هو يجعلك تحس بذلك بأنه يمنن بعمله عليك ، ومنهم من يتذمر أو يتثاقل أو يتعجرف أو يطرد أو يصرخ بالمراجعين وكأن مكان عمله ملك له ولمعارفه ، ولمن يعجبه !!
ملك له ولأهله ولأصدقائه  ... ولمن لديه واسطة !!

فمن لديه واسطة فستكتمل مراجعته ومعاملته بشكل ناعم كالحرير ، ومن ليس لديه واسطة فتمشي معاملته كحركة المشط الصغير كومة صوف كبيرة ...
 
قال من جعله الله قدوة للناس أجمعين فما جعله الناس قدوة بل مجرد شعار لا يقتفى أثره في أخلاقه الحسنة في كثير من الأحيان ، ذاك هو الأسوة الحسنة والقدوة الرسول الأكرم محمد (ص) القائل :
(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) ...
أي عمل وأي وظيفة فأن الله يحب أن يتم إتقانها وتأديتها على أحسن وجه وسيجلب لك ذلك حب الله ، وأكيداً فسيجلب لك حب الناس أيضاً ...
عكس من لم يتقن عمله بأي وجه من الوجوه أو أي تقاعس أو تثاقل فستكون دلالة الحديث : (إن الله يكره إذا عمل أحدكم عملا ولم يتقنه) ...
وشتان بين الحب والكراهية ، فهذي جنة وتلك نار ...

أيها القراء الكرام ...
نحن ينبغي علينا جميعاً أن نؤسس لثقافة جديدة مثمرة وتخلصنا من الواقع المرير ،  ونريد أن نتخلص من تلك الثقافة الظالمة الفاسدة التي ترعرعت –رسمياً- في دوائر الدولة .
وكلنا مسئولين عن ذلك ... ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مسئُولونَ * مَا لكمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَل لَّمْ تَكونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كانَ لَنَا عَلَيكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كنتُمْ قَومًا طَاغِينَ ) 24-30 الصافات

ليس الفساد بأن تأخذ رشوة أو هدية مقابل أداء عمل أو غض النظر عن الفساد فحسب ، بل الفساد أيضاً هو أن يتقاعس الموظف عن أداء وظيفته أو يتثاقل أو يتهرب منها بحجج واهية وكاذبة ...
متى نتخلص من فكرة مكرمة فلان ومنحة فلان ...!!
متى نتخلص من تراكض الأقدام لدى زيارة مسؤول ووزير أو قيادي ، تتراكض له الأقدام تملقاً ومدحاً وتقبيلاً ، وينسون هموم الناس ومشاكلهم ولا يفصحون عن الحقيقة ...
أليس هو موظفاً ايضاً يؤدي عمله ويتقاضى أجراً عليه ...

يجب أن تؤدي عملك على أكمل وجه ... إن كنت مسلماً متديناً أو مؤمناً ولم تؤدي عملك ووظيفتك على أكمل وجه ، فهو حرام ومنكر وكل حرام ومنكر في النار ، ولا خير في صلاة لا تنهى عن حرام ومنكر ...
و(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) كما قال الرسول (ص) ... وهو خلاف الذوق والأخلاق والتعامل الحضاري المثقف والأنساني بين الناس ...

وإن كنت علمانياً أو غير ملتزم دنياً ولم تؤدي عملك ووظيفتك على أكمل وجه فهو خلاف الذوق والأخلاق والتعامل الحضاري المثقف والأنساني بين الناس ...
 
العزة والكرامة أن تؤدي عملك يا موظف كائناً من كنت عامل بلدية .. مدرس ..  مهندس .. طبيب .. مدير .. وزير .. رئيس وزراء .. أن تقوموا بعملكم الذين تتقاضون لأجله رواتب خيالية ...
اما خيالية لكثرتها أو خيالية لقلتها !! أو التفاوت بينهما ، وهذا داء آخر في مؤسسات الدولة أن تشاع هكذا فوارق طبقية ، ومميزات اجتماعية ...
وأن نلفت لها نظر من ليس لديه نظر ...

العزة والكرامة أن تفكروا أنكم موظفين تؤدون عملاً تتشرفون أن تقوموا به ، ولا تمنن وتتثاقل وتتكبر وتتشدق وتتعجرف ، وتعطل عمل الناس بمزاجك ، لأن هذا يشعر المراجعين من الناس بالذلة ...
وهيهات منا الذلة ... 

131
إهمال .. استهزاء .. حرب .. انتصار 

حيدر محمد الوائلي

عندما ولدتَ كانت خلايا مخك تقدر بمائة مليار خلية عصبية وتتركز هذه الخلايا العصبية في طبقة يبلغ سمكها (2 ملليمتر) على السطح الخارجي للحاء مخك والمعروف بمادة الدماغ السنجابية ، وعلى مدار حياتك يتعين على عقلك أن يعالج (3 مليارات) محفز كل ثانية لتبقى مستيقظاً !!
والآن فكر في هذه الحقائق وهي إن مقياس ذكاء العقل البشري المتوسطة يكون (100) وفي الشخص العبقري (160) ويستخدم الشخص المثالي ما نسبته (4%) فقط !! من إجمالي القدرة العقلية المتوفرة لديه ، وعليه فانه من الواضح إن هناك سببا واحدا جيدا لتطوير قدرتك العقلية وهو :
أن هناك ما نسبته (96%) !! من قدرة عقلك هي جاهزة في انتظارك من اجل التطوير .
فهل أنت مستعد للتطوير ؟!!

سلسلة الإصلاح الذهبية التي مر بها كل نبي ومرسل وحكيم وعالم ومصلح اجتماعي وسياسي وكل ثائر وثورة وكل صاحب فكرة ...
الإهمال ثم الاستهزاء ثم الحرب ثم الانتصار ...
وهل يوجد أجمل من الانتصار وتحقيق غاية نبيلة تعبت عليها وصبرت الليالي لتراها تتحقق ... والصبر مفتاح الفرج .
ولا تتصوروا أن إذا قُتِل المصلح والمفكر والثائر بسبب ثورته وإصلاحه فقد تم هزيمته ...
أكيداً (لا) ... وإلا لما لكنا نقرأ ونقتدي ونقتفي أثر موتى ألهمونا الحياة .
وهو حال كتاب المقالات والكتب والبحوث وهذا حال أكثر أصحاب الأفكار السليمة لا العقيمة اليوم إهمال واستهزاء وحرب ... والنصر قادم .

فكثيراً من الموتى أحياء بيننا يلهموننا الصبر والثبات على الحق رغم أنهم قُتِلوا شر قتلة ... وهنالك كثيراً من الأحياء اليوم من أصحاب قرار وأملاك وسياسيين وقادة وحكام ومدراء ... لا تميزهم عن الحمير سوى أنهم ليس لديهم آذان طويلة كالحمار ويمشون على رجلين بينما الحمار يمشي على أربع وما عداه فالكل متشابه ...
نبهوا الناس يا كتاب ويا باحثين على أن لا يرثوا الدين والأفكار والمعتقدات كما يرثوا الدار والعقار ، فليفكروا جميعاً قبل الاختيار ، وليبحثوا عن الحق والحقيقة ، وسيبان الحق لذي عينين ...
فهنالك دين وفكر ومعتقد فساد ودين وفكر ومعتقد صلاح ...
وكلاهما يؤدي طقوس وحركات عبادية وفكرية وعقائدية ، ولكن بالبحث الموضوعي والعلمي سيبزغ نور الحقيقة في الأفق ...
نبهوا الناس أن يتخلوا عن أحقادهم وكراهيتهم المسبقة جانباً عند التفكير بمواضيع الأيمان ومواضيع البحث عن الحقيقة ...
وتذكروا ...
لا يقاس دين الله بالرجال ، ولكن يُقاس الرجال بدين الله ... كذا السياسة والمجتمع والأفكار ... تقاس بما هي نظرية لا بمن يطبقها .

هنالك البعض من رجال دين ومفتين وحكام وسياسيين ممن يكره تلك التعددية وتلك التنوعات ومن يستغلها لإثارة بعضها على بعض لتغطية مفاسده وعيوبه ، أو لأشغال الناس بأمور جانبية وإشغالهم بها ويتركون الأساس والأهم وحقوق الناس وهمومهم ومشاكلهم ...
هؤلاء لم يعرفوا أن الله لا يدعو إلى الإكراه في الدين فهو القائل :
(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة 256
ولم يعرفوا أسلوب الدعوة الذي أكد الله عليه بقوله سبحانه :
(أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) النحل 125
وهم لم يعرفوا أن الطوائف والأديان سيفصل بينها الله يوم القيامة وهو من يجازي العباد لا أنتم بقوله سبحانه :
(إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفُ عليهم ولا هم يحزنون) البقرة 62
من العار أن يعلوا صوت العقول العقيمة ووسائل إعلامها وتلفزيوناتها وجرائدها ومجلاتها ، والعقول السليمة يتم التغطية عليها ...
من العار ترك بعض رجال الدين وبعض المتصنعين يبثون الأحقاد والكراهية والحرب والقتل ويشغلوا الناس بمواضيع جانبية وترك اللب والأصل دون أن تتصدى العقول السليمة لا العقيمة لهم ...
لقد أكثرت من قول العقول (السليمة والعقيمة) ولكن ما هي تلك العقول :
سأجيب لا فضلاً ولا لأفضلية عليكم :
العقول التي تفكر من جانب واحد ، ولا تفسح المجال للآخرين ، والتي تفكر بحقد مسبق وكراهية مسبقة وتفكير على ضوء إرث ديني وفكري ورثته وراثة دون التحقق والتفكر به والتي لم تنظر لمن خالف وتسأل لماذا خالف ، والعقول التي تنسى هموم الناس وتنشغل بأمور جانبية وتترك مشاكلهم ومصائبهم فتلك جميعاً عقولاً عقيمة ...
والذي يفكر بأنصاف وبالبحث عن الحقيقة والتي يفكر قبل أن يتكلم ويكتب والذي يفكر ويترك ويستغني عن الحقد والكراهية ويفكر بموضوعية وبهموم الناس ومشاكلهم فتلك جميعاً عقولاً سليمة ... 
ومن العار السكوت عن الخطأ وعلى الباطل ...
ولكن كيف يمكننا التمييز بين الحق والباطل في زمن المتاهات ...
في أحد الأيام دخل احدهم على أحد أئمة المسلمين وسأله نفس هذا السؤال –التمييز بين الحق والباطل- فقال له : -ما مضمونه- : (زن الأمور بميزان الحق والباطل وانظر أيهما ترجح كفته)
ولربما ستسألني ما هو ميزان الحق : فهو أن تعرف ما هو الحق لكي تعرف ميزانه ؟!!
لا أعقدها كثيراً عليكم ولكن ما هو الحق ؟!!
الحق هو شيء يجب أن تبحث عنه وستجده موجوداً في كل أمور دينك ودنياك (حق سياسي واقتصادي وديني وفكري واجتماعي وتاريخي ... الخ) هنالك في كل شيء حق وباطل وهو دورك أن تجده ...
لا يمكن التصريح بمن هو الحق قبل أن نعرف الطريق السليم للوصول للحق ...
وستجده واضحاً صريحاً بعد أن تفكر بالعقل السليم الذي وضحته سابقاً (عقل يفكر بجدية وبدون حقد ولا كراهية وببحث علمي ويفكر بمن خالفه ولماذا خالفه ، وبالدين الذي يرثه أكثر الناس وراثة كما يرثوا العقار والدار ، ومن يفكر بهموم الناس ... )
 ستجد المتعة والراحة والسكينة والطمأنينة بعد أن تجد الحق ، بتعبك وبنفسك وبجهدك ...
قيل : (If you want something done , DO IT YOUR SELF)
(إذا أردت أن يكون الشيء تام الإنجاز ، فأنجزه بنفسك)
وستتنصر ...
فمهما تطاول الشر ومهما على صوته فهو لا يعلى على صوت الحق الذي لا يُعلى عليه ... والحق نور والحقد والكراهية والباطل ظلام ...
يقول الدكتور الفسيولوجي (اندرو كونواي ايفي) :
(ولكي يُفكر الإنسان فيه تفكيراً مستقيماً لا عِوَجَ فيه ولا نفور، عليه أن يُحرر عقله من الأنانية والأحقاد ومن كل ما يعوق التفكير الصافي السليم حتى يتسنى له أن يصل الى الله ويُحِبَه ... فلقد إقتضت حِكمة الله أن يستخدم الإنسان عقله وإرادته وحُريَته في إتخاذ القرارات اللازمة لمحاربة هذه الشرور حتى يصير حُكم الله في الأرض مثل حُكمه في السماء ...)

سيضل طريق الحق ويضيع عليه الطريق ما دام حاقداً مبغضاً مليء بالكراهية وتتطاير من عينيه شرر الأحقاد ...
ورجاءاً فمن ضاع عليه الطريق فلا يدمر كل طريق يصادفه وعَلِم به ... ولا تدمروا الطرق المؤدية للحق وتزرعوا فيها الأشواك لكي لا يتسنى للمارة الباحثين عن الحق المرور ...
ومتى كان طريق الحقيقة معبداً بالورود ... !!
دعوا طريق الحق واركنوا أنفسكم جانباً قرب الصخرة حتى لا يميز المارة بينكم وبينها ...
وتفرجوا عن الباحثين عن الحق ولا تقتلوهم ولا تفجروهم ولا تؤذوهم ولا تحاربونهم ولا تفتون بقتلهم وفسادهم ، ولا تسلطوا وسائل إعلامكم ضدهم ، ولا تنشروا الشائعات والأكاذيب حولهم ...
فمنهم سيكون الجمع المنتصر ... (ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدّكر)
وللكتاب والباحثين أصحاب الفكر السليم لا العقيم فأقول :
واصلوا الكتابة والبحث عن الحق وفي حال وجدتموها فلا تخفوها ونوروا الناس بها ... وكونوا مثل المهاتما غاندي صاحب القول :
(أولاً يهملونك ثم يستهزئون بك ثم يحاربونك ثم تنتصر)
وبذات الفكر طرد بريطانيا العظمى من ثان أكبر بلد من حيث السكان في العالم (الهند) ...
فهل تتمكنوا من فضح وطرد الفاسدين ... وما أكثرهم !!

132
أجراات أمنية مشددة 

حيدر محمد الوائلي

في كل دائرة ، ومديرية ، ووزارة ، وفي كل مراجعة روتينية مملة (لا تدفع فساداً ولا تلغي تزويراً) لدائرة رسمية ، وكلما تغتدي وتروح لدائرة خدمية وحكومية ، إلا وتستقبلك إجراات أمنية مشددة وموظفي إستعلامات وحمايات وأمن منشئات وحراس خاصين وسيطرات ونقاط تفتيش أكثر شدة .

هذي كلها وغيرها تستقبلك بوجهك في الصباح ... (وأصبحنا وأصبح الملك لله) ، في يوم جديد مثل يوم الأمس الماضي وسيبقى على حاله في اليوم التالي إن لم يكن أسوأ في المستقبل ...
 
تستقبل وجهك وجوه تراها أحياناً مرحبة ، وأحياناً مستبشرة ، وأحياناً معتذرة ، وأحياناً غليظة ، وأحياناً مستهترة ، وأحياناً عبوسة ، واحياناً كئيبة ، وأحياناً طاردة ، وأحياناً قليلة الأدب ...

ارجاء مراجعة كم (أحياناً) قد أوردتها عن قصد وعمد ، لتعرفوا كم هي الأحيان الجيدة وكم هي الأحيان السيئة وهذا واقع .
ومن أمن العقوبة أساء الأدب عموماً على كل من أساء من المراجعين من المواطنين وكذا برجال الأمن والشرطة والحمايات والأستعلامات جميعاً وليس على المواطن قوانين الغضب وعليهم قوانين الرحمة ...
والشعب في خدمة الشرطة !! أولاً وأخيراً .

لا أعرف ما هو الغرض من مصادرة الهاتف النقال لدى المراجعة لدوائر مرموقة والسماح للبعض الأخر بالدخول بهواتفهم !!
هل هم يخافون أن ترسل إحداثيات معينة لتنظيم (القاعدة) الأرهابي أو للأتصال ببقايا النظام السابق الذين لا يعرفون شيئاً ولا يعرفون كيف يفجرون يومياً وكيف يغتالون كما فجروا وزارت وسط بغداد وإغتالوا الشهيد علي اللامي ... وهربوا من سجون القصور الرئاسية في البصرة ، وإختطفوا وسيطروا على مبنى مجلس محافظة صلاح الدين !!
هم لا يعرفون شيئاً  إذاً بالرغم أن الهواتف النقالة تصادر في تلك المؤسسات ولكن تم التفجير بدقة ، وكذا بأغتيال شهيد المبدأ علي اللامي بدقة ودراية ...
تصادر بعض الهواتف دون البعض الأخر لدى مراجعتك مضطراً لمديرية الـ.... أو مديرية الـ... أو مديرية ....الخ .

وما الداعي من تفتيش (الخصر) و (البطن) فقط !! لدى المراجعة ولا أعرف ألا يمكن إخفاء السلاح في الحذاء !!
أو في قبعة الرأس أو تحت عباءة إمرأة أو في (إحححم) !! (مكان لا يصح التصريح به علانية) !!
أما أن يتم التفتيش لغرض معين وبصورة تامة أو لا يتم التفتيش أصلاً وليحافظ المراجع على كرامته وعزته وأناقته .

ولماذا إذا كان لابد من ذلك ، أن تجلبوا أجهزة ألكترونية للتفتيش بصورة سريعة وبدون حرج على المراجعين ألا يستحق المواطن ذلك على الأقل ، وهي اجهزة توفر الدقة والحيطة والحذر أكثر ...

وأما موظفي الأستعلامات كما في دائرة ..... ومديرية ...... و..و..و..و.. الخ . يصرخون بك ممنوع الدخول أو السؤال والأستجواب لغرض وماهية المراجعة وسرد تفاصيل مملة وأحياناً محرجة واحياناً تكون مراجعتك خاصة لا يصح التصريح بها لأي أحد ...
ولكن ...!!
وما إن تأتي مراجعة أنثى جميلة !! بقوام جميل وممشوق !! مع مكياج وعطر فرنسي (كلاوات) !! حتى تدخل بسلام وامان ، وتلغى جميع الأجراات الأمنية المشددة ...
فما حدا مما بدا ولماذا السؤال إذا كان البعض يدخلون من دونه أصلاً !!
وما هو ذنبنا أن خلقنا الله وجوهنا (مدوحسة) وليست جميلة !!

أنا لا أقصد إلغاء الأجراات الأمنية أبداً وهذا ضرب من الغباء في هذه الظروف الصعبة ، ولكن إلغاء الأجراات التي لا داعي لها ولا مبرر لها ...
أو الأجراات التي كانت ذات نفع فيما مضى واليوم لا داعي لها ...
أو الأجررات السخيفة والتافهة والتي لا تدفع شراً ولا تأتي بخير ، ويرحمكم الله لا تضيفوا ذلاً للمواطنين فوق ذلهم ولا تضيفوا إهانة فوق إهانتهم من قلة الخدمات وإنقطاع التيار الكهربائي وغيرها .

وكذلك تقليل السيطرات الداخلية ، وتعليم موظفي الأستعلامات والحمايات ونقاط التفتيش وغيرها ممن هم ذوي علاقة أدب التعامل وضرورة تحمل جميع المراجعين وضرورة الأستقبال الحسن لهم والتعامل معهم بطيب وأخلاق وكرامة ...
ومن يسيء يتم أخذه أخذاً جميلاً لمكان على انفراد وإفهامه بالتي هي أحسن ...
طبعاً ذلك يحصل إذا أكد مسؤول وحدة الأستعلامات وآمر السيطرة وضابط الأمن ومسؤولي الحماية مثقفين مؤدبين وأصروا وراقبوا على سير العمل على أفضل وجه وواضبوا عليها وعاقبوا المسيء  .

هنالك من يستغل زيه وملبسه العسكري للصراخ والعياط وأهانة سائق أو مراجع أو الكلام بتثاقل وبأسلوب بذيء أو التهجم على المراجعين ، طبعاً المراجع يتعوذ بالله لدى حصول ذلك و(ويتجنب الشر) ويتحمل الأهانة لا لضعفاً فيه ولكن ما أن يهين هذا اللابس لزي حكومي رسمي أو حتى يضربه بما هو يستحق ، إلا وأنقلب عليك ركضات البساطيل والأحذية ركضاً ورفساً بحجة (التهجم على منتسب حكومي) !!

طبعاً هؤلاء قلة قليلة أكيداً ...
ولابد أن القارئ الكريم صادف بعضهم ولكننا نصرخ ونطالب بمسؤوليهم وقياداتهم أن يعلمونهم أصول المعاملة والأدب فلربما لم يتعلموا ذلك من بيوتهم ومدارسهم ولم يتربوا عليها ، فربوهم أنتم يا قيادات ويا مسؤولين وتذكروا أن :
( من أمن العقوبة أساء الأدب) !!
وطبقوها على المنتسبين الحكوميين أولاً قبل تطبيقه على المواطنين ...
وإذا لم يطبق القانون من هو وظيفته حارس للقانون فلا خير في القانون ...
وتذكروا أن القانون يُحترم ولا يفرض فرضاً ، ولا خير في قانون يتم فرضه بالقوة ، فعلموا المنتسبين ممن ذوي العلاقة بتطبيق القانون على أساس ثقافة وإحترام القانون ليكونوا قدوة للناس بذلك فيقلدونهم ويبدأ الناس بحب القانون واحترامه وحتى يصبح من العيب مخالفة القانون ...

133
تعلم الصبر من علي بن أبي طالب لتنال الظفر (الحلقة الخامسة والأخيرة 5/5)

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الخامسة والأخيرة)
ولا زلت يا علي صابراً حزين ...
تخفي البكاء والأنين لأنك تأبى بكاء الرجال ...
تخفيه لأنك لو بحت به وأعلنته صراحة وأردت البكاء عليه لبكيت حتى تبيض العيون ...
ونبي الله يعقوب (ع) لضياع نبي الله يوسف (ع) وهو يعلم بأنه حي وأن الله سيرده إليه ، وتراه يبكي وأبيضت عيناه من الحزن ، ولما عاد إليه يوسف عاد إليه ملكاً على مصر وأهلها ...
ولكنك يا علي قتلوا ولديك كما قتلوك ، وظلموك كما ظلموا زوجتك ، ومن ثم قتلوا أصحابك وسبوا نسائك سبياً مهيناً ، وقتلوا وسجنوا من يعلن حبك أو حب وولاء البقية الباقية من أهل بيتك ، حقداً وغيضاً وغضباً وغصباً وكراهية بك يا علي وإن كان بعضهم لم يعلنها على الملأ ...
ولليوم يفعلون ذلك يا علي فما لك لا تبكي يا أبا الصبر فقد بكت منا رجال كثير ...
وقد جزعت من الصبر رجال أكثر ...
ولكنك لازلت صابراً وتوصي بالصبر ...
صابراً وحزيناً لما يجري لنا ... والله يحب الصابرين .
 
لم يكن القصد من إيراد هذه السلسلة من المقالات كسرد تاريخي قديم ، بل تحليل إجتماعي معاصر ...
مشاكل إجتماعية وعقد نفسية تعاني منها الناس في حياتهم اليومية وتحدد طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع الآخرين ...
أوردت القصص والسرد التاريخي لرمزيته ودلالته ، ليفهم من هو ذو عقل وفكر ومن هو صاحب علم ...
عليك بالعلم لا تختر عليه بدلاً  ...  فالناس موتى وأهل العلم أحياء
 
وخطابي للأحياء لا للموتى ...!!

يا علي إنظر بمن يسميك خليفة رابع من الأخوة السنة فقد جفاك ولم يعطوك حقك الذي أعطاك إياه الرسول بأحاديث صحيحة متواترة كثيرة لم يكن لصحابي ما نسبته (1%) من أحاديث الفضل بحق علي ، وقد جعلوك في الخلف عندما تتضارب المصالح والشهوات ...
لا يبينوا فضلك وحقك كي لا يقووا طائفة تدين بإمامتك وحقك ...

وتعال لمن يسميك اليوم إماماً من الأخوة الشيعة فتراهم جعلوا إسمك غطاءاً لا شعاراً واتخذوا كلماتك متعة وبلاغة لا منهج يتبعوه ...
ومن يقولون أنهم جعلوك إماماً فقد صرت خلفاً عندما تتضارب المصالح والشهوات لدى البعض مع الأسف الشديد ...
تعال فلقد ضيعوا الحق ، رغم أن الحق واضح ولكن لا يوجد له مناصرين ، رغم حشود الملايين الملايين  من المسلمين ، المصلين ، الصائمين ، الحجاج ، ولكن بنصرة الحق والحقيقة والعقل متخاذلين منافقين طائفيين ...

في أحد أيام حرب صفين كان هنالك أولاد عمومة إثنان أحدهما بجيش علي (ع) والأخر بجيش معاوية ، فصادف أن التقى سيفاهما معاً أثناء الحرب فنظر أحدهما لوجه الأخر فعرف كلاً أبن عمه ، ولنزعة عشائرية لا دينية !! فقد تركا الحرب وجلسا جانباً ليتحادثا ، فقال الذي في جيش معاوية :
إنني قلق ومحتار في حربي ضدكم فلقد سمعت حديثاً عن النبي (ص) يقول فيه لعمار بن ياسر :
(تقتلك الفئة الباغية) ... واني أرى عمار معكم وإني خائف ومتردد في حربي لكم لكونه في جيشكم ويحارب معكم !!
فقال له الذي في جيش الأمام علي (ع) :
(ويحك !! معنا علي وتقيس بعمار)!!
فتخيلوا مقدار الحقد والتمويه الإعلامي والأغراء المادي وسياسة التحريف والتزييف للسنة النبوية وتشويهها بفعل معاوية لجيشه والذي يجعل الناس يتحدثون هكذا ويقيسون على جندي في جيش علي (ع) ولا يقسوا بقائد الجيش نفسه !!
وتصوروا أن بعدما قتلوا عمار حدثت ضجة في جيش معاوية ، وبدهاء ومكر إشتهر به معاوية فقال :
أن الذي قتل عمار بن ياسر هو علي الذي أخرجه للحرب ...!!
سكت الناس واطمأنوا لجواب معاوية ...!! ، فلكل داء دواء إلا الحماقة فقد أعيت من يداويها ، ولليوم الحمقى يقتنعون بمثل تلك التبريرات ، بل ويفرحون بأمثالها ويسمونهم علماء ، وبداية النفاق تبرير مخادع ...
وصل الخبر لعلي (ع) وما قد قاله معاوية فقال الأمام علي (ع) حينها ما مضمونه : وكذا النبي (ص) بدم الحمزة فبسبب النبي قد قتل الحمزة في معركة أحد ...

في حرب الجمل ، ولما كانت الحرب قائمة ، جاء رجل للأمام علي (ع) متسائلاً عن سؤال قد أثقل تفكيره ... و السؤال هو :
إني أرى في طرفي النزاع أناس إشتهروا بصحبة الرسول (ص) والقرب منه ؟!!
ففي جيشك أراك وأنت أخو رسول الله ووصيه من بعده ، وأرى الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة ، وأرى أبو ذر الغفاري ، وأرى سلمان الفارسي الذي قال فيه النبي (سلمان منا أهل البيت) وأرى عمار بن ياسر ....
وفي جيش الجمل أرى عائشة زوجة النبي ، وأرى الزبير وهو من أوائل صحابة النبي (ص) ، وأرى طلحة الذي سُمِي (طلحة الخير) ... فمن أتبع ومن أحارب ؟!!
فأجابه الأمام علي ( ع ) بجواب لو عرفه الناس عموماً لاهتدوا لخير الدنيا والآخرة ، فقد كان الجواب بكلمات قصيرة :
(إعرف الحق تعرف أهله)
خير الكلام ما قلّ ودلّ أليس كذلك ...
نعم إعرف الحق ، وما هو الحق ، ليتسنى لك أن تعرف من هم أهله ...
إعرف أن الحق هو العدالة والإنصاف وأداء حقوق الناس ...
إعرف أن الحق هو أن تتبع الله وقرانه والنبي وسنته الصحيحة ...
إعرف أن الحق هو العقل والفكر السليم ...
إعرف أن الحق بالتفكير المستنير لا بدين وعقيدة موروثة من الآباء  كوراثة الدار والعقار ...
إعرف أن الحق هو التصرف بحكمة في أمور الأمة ...
إعرف أن الحق هو عدم الخضوع للفتن ولو كثرت وعدم التراخي مع الحق رغم دهاء الباطل ...
إعرف أن الحق ليس ما تريده نفسك وهواها بل ما يريده الله ونبيه والعقل السليم والفكر الجميل ...
إعرف أن الحق هو علي (ع) ...
وها هو النبي محمد (ص) يقول : (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار) ...

كان الناس ولا يزالون من علماء ومثقفين في المؤتمرات واللقاءات وغيرها يراعون أن يبرزوا عن وحدة ظاهرية بين السنة والشيعة ...
وأما بالنسبة لي فقلد راعيت أن أبين مساوئ الطرفين وكما في السطور السابقة فقد راعيت توجيه النقد بصورة عامة ، وتبيان العيب للطرفين وبصورة عامة لكي تكون هنالك وحدة في العيوب ...
وعندما تصلح العيوب ستصفى القلوب وتخلص النية ومن الممكن أن يكون الناس صادقين حين ذكر الوحدة والتوحيد ...

لأن أصبح من يقول الحق طائفياً ، ويبين فضل علي الذي بينه الرسول مراراً وتكراراً حتى قال الأمام أحمد بن حنبل (لم يكن لأحد من أحاديث الفضل بحقه مثل علي) .
جعلوا من يبين فضلك يا علي وحقك ودورك الأساسي في بناء الإسلام ، طائفياً وشعاره رافضياً !!
وممن يرفع حبك زوراً ورياءاً ونفاقاً شعاراً تراه أما مفسداً أو طائفياً أو منافقاً ...

أنت يا علي من لم تقنع أن يقال لك (أمير المؤمنين) فلعل بالحجاز أو اليمامة (اليمن) من لا عهد له بقرص الشعير ، وكان مقر حكمك يومها في كوفة العراق ...

تبقى يا علي للأبد صابراً ، فصبرك نتيجته أن يبقى للأسلام بقية وأثر وأن لا تطمس معالم الدين فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ترى تراثك نهبا ...
ولكن الذي المك وأحرق فيك القلب أن يستورثه ويعده مغنماً وحكماً وسلطة ولليوم أشر الناس وأجهل الناس وأظلم الناس ...
وأن يحكم الناس شر الناس لا خير الناس ...
وأن تصبح السلطة مغنماً لا مسؤولية ، وأن تصبح غاية لا وسيلة ...
وما زاد في القلب حرقة أن يوجد علماء وسياسيين وأحزاب من يبرر للفاسد فساده وينافق ويزور الحقيقة ويزيفها ...

سنبقى صابرين كما صبرت ولكن أن يكون صبرنا كصبرك ...
صبر العاقلين لا صبر الجاهلين ...
صبر الأحرار لا صبر العبيد ...
صبر الحكماء لا صبر الأغبياء ...
صبر النبيه لا صبر السفيه ...
صبر الواعين لا صبر المغفلين ...
صبر لهدف ولسبب لتحقيق نتيجة لا صبر تقاعس وخذلان ونوم عميق ...
 
والى الصابرين بالحق ، هذا علي (ع) يقول لكم :
(ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا قطع الرأس بار الجسم) ...
ثم رفع صوته (ع) فقال : (إنه لا إيمان لمن لا صبر له)

(إنتهت السلسة وعذراً للإطالة)

134
تعلم الصبر من علي بن أبي طالب لتنال الظفر (الحلقة الرابعة 4/5)

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الرابعة)
ولا زلت يا علي صابراً رغم مرارة المحنة ، وطول الهم والحزن ...
صابراً والله يحب الصابرين ...
ومنك نتعلم الصبر صبراً مراً لنيل الظفر ، وخير الصبر أمرّه ... صابراً مظلوماً فأنتصر ، وخير النصر نصر المظلومين على الظالمين ...
ولا يتصور أحداً أنه ليس بظالم ، فمن قال أن الظالم هو الحاكم والمسؤول فقط !!
الكل منا مُعرّض أن يكون ظالماً بحكم حاقد على آخرين يظلمهم به  ، ظالم أهله وزوجته ، ظالم من يعارضه بالفكر ، ظالم من يتكلم على الآخرين بسوء ، ظالم من لا يرحم من في الأرض إنساناً وحيواناً ونبات ومؤسسات عامة فأستحق سخط وعقاب من في السماء ، ظالم من لا يحترم النظام وحقوق الآخرين ...
ظالم نفسه وأسوأ الظلم من يظلم نفسه بفكرة وتصرف وحكم ، فيقودها إلى حتفها ، حقداً وكراهية وغضب وحماقة والإصرار على الخطأ ...
لا يتصور أحداً أنه بعيداً أن يكون ظالماً ... (وَمَنْ أَظلَمُ مِمَّنِ افترَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهم وَيَقولُ الأشهَادُ هؤلاءِ الذينَ كذبُوا عَلَى رَبهم ألا لَعْنَة اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) 18/هود ...

حاربوا علياً (ع) ظلماً وعدواناً بأن أخفوا فضائله التي رواها النبي (ص) بأحاديث صحيحة جاوزت المئات والتي لم يكن لصاحب ولا لمقرب ما نسبته (1%) منها ... ولليوم يتهمون من يروي تلك الأحاديث بأنه مغالياً رافضياً صفوياً خارجياً طائفياً ...
أخفى محبوه وأنصاره ومواليه فضائله تقية وخوفاً من القتل والسجن والتعذيب على مر التاريخ ولليوم حيث يفجرونهم ويقتلونهم ويتشفون بقتلهم ويتم سجنهم ومصادرة حقوقهم بسبب حبك والموالاة لك يا علي لا غير ...
بينما لا يوجد من يقتل ويفجر ويحقد على سيخي يعبد بقرة ، ولا على بوذي يعبد صنم سمين مترهل ...!!
طبعاً ليس قصدي سوءاً بهم فلكل دينه وعقيدته (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) ، ولكن قصدي سوء تصرف وطريقة تفكير من يسمون مسلمين مفتين معممين وأصحاب قوفية وخطباء وكتاب ، وكيف يحكمون وكيف يظلمون ، (الا لعنة الله على الظالمين)...
ألذكر فضائل قالها النبي محمد بنفسه نكون كذلك ... فبالأحرى أن توجه تلك التهم لشخص النبي محمد (ص) نفسه فهو من قالها وبينها وأكد عليها ... 
قال الخوارزمي مقدمة كتاب (المناقب) نقلاً عن أحد الفضلاء وأظنه الأمام أحمد بن حنبل أو الأمام الشافعي حيث يقول :
(ما أقول في شخص أخفى أعداؤه فضائله حسداً ، وأخفى أولياؤه فضائله خوفاً وحذراً ، وظهر فيما بين هذين ما طبقت الشرق والغرب) .

كل ذاك وأنت صابراً يا علي على شيءٍ أمرّ من الصبر ، لأن الصبر شجاعة وعقلانية وكرامة ...

حاربوا علياً (ع) من أجل الدنيا وزينتها ، وعلي (ع) حاربهم نصرة لله والرسول والعدالة والحق ... لذلك خلد التاريخ علياً كأحسن ما يكون ، وفضح التاريخ أعدائه ومن حاربه رغم محاولات من ركبوا الدين بالسياسة ليجملوا ويبرروا لمن حارب علياً بتبريرات منافقة ... ولكنهم بائوا بفشل وخسران مبين ...

نازعوا علياً وحاربوه من أجل منافع مادية ، ومميزات اجتماعية ، وأحقاد شخصية ولعدالة الأمام علي (ع) الذي ساوى بين الناس جميعاً بينما أراد من حاربه (ولليوم) أن يكون مميزاً في كل شيء فلا يوجد شيء إسمه الناس سواسية ...
فدام لعلي الخير كله ، وضاع من أعدائه ومن حاربه الخير كله ، مع الفرق بين الخيران ... فخير علي الذكر الحسن والجنة والرضوان وصوت العدالة والحق ، والخير الذي ضاع من أولئك خير دنيا وملذاتها .
واليوم يحاربون من يريد أن يعدل في الناس ويجعلهم سواسية ...
يحاربون العدالة والأنصاف والحق والأنسانية ، بأسم الدين ، ولا أعرف أي دين يحارب تلك الأساسيات الأنسانية الربانية ؟!
ذلك هو دين السياسة ، ومن ركب الدين في السياسة فأفسدت السياسة دينه ، ولم يصلح دينه في السياسة شيئاً ...
بأسم السياسة والدين قتلوا ، فجروا ، حقدوا ، كرهوا ، زوروا ، كذبوا ، ظلموا ... (ألا لعنة  الله على الظالمين)
حاشى لله أن يكون في دينه قتلاً ، وتفجيراً ، وحقداً ، وكراهية ، وزور ، وكذب ، وظلم ... وإن وُجد ذلك فهو من عند دين الناس لا دين الله ... دين السياسة لا دين الله ... دين الطائفة لا دين الله ...
والله بريء منهم جميعاً ولو قضوا الليل صلاة ، والنهار صياماً ، ولو طالت لحاهم أو قصرت فلا خير في صلاة وصيام ولحى يتبعها أذى ...
         
لذلك حاربوك يا علي فيما مضى واليوم ... فقد حاربك فيما مضى أناس عرفوك وعرفوا حقك ومنهم من أحبك ولكن حاربك لشهوة ومنفعة وسياسة ...
واليوم يحاربك من يحبك ويدعي نصرك وينقلون أحاديثك على اللسان ومدحك في الكلام ، ولكن من نفوس سوداء مظلمة بظلام الحقد والكراهية والنفاق ...

حاربوا علياً في الجمل وصفين والنهروان لأجل دنيا هم يعلمون جيداً أن علي طلقها ثلاثاُ لا رجعة له فيها ... واليوم يحاربونه حرباً خفية ، نفسية ، نفاق حقد ، طائفية ... ليست لله ولا قربة اليه بل لخلجات نفسية ، ومشتهيات ، وأهواء ، ونزعات دنيوية ...
وها هو علي يقول :
ومن لم يرى الدنيا فأني رأيتها  ...  وسيق إلينا عذبها وعذابها
فما هي إلا جيفة مستحيلة   ...    عليها كلاب همهن إجتذابها
فأن تجنبتها كنت سلماً لأهلها  ...  وإن تجتذبها نازعتك كلابها

قيل أن : (الناس أعداء ما جهلوا) ... فكلما كلما كان الإنسان جاهلاً فهذا يجعله عدواً لأصحاب العقول الراجحة ...
فكيف لا يصبح الإرهابيين والطائفيين وسياسيين وأحزاب وحكام ومسؤولين ومخابرات وعلماء دين من مفتين وباحثين وكتاب وشعب وهم خلق كثير ...
كيف لا يتجمع اولئك القوم اليوم جميعاً ويناصرون أقذر خلق الله على الأرض وأشدهم إجراماً من قادة الإرهاب وقادة التفجيرات وقادة البعث ويدعمهم بعض حكام الخليج والعرب ليس حباً بهم بل كرهاً بمن يفجرونهم .
ما فرق أن يسبوك على المنابر ويشنوا حرباً عليك بجملها وصفينها ونهروانها وبين أن يقتلوا من والاك اليوم ... أو يحقدوا عليه .
 
وكذا بمن رفع شعار وإسم علي (ع) عالياً ، وإذا به فاسد مرتشي طائفي إنتهازي سارق ... فكلهم سواء !!

يا علي أراك صابراً محتسباً يسبوك من على منابر المسلمين ثمانين عاماً ... ولقد عرفت بذلك لعلمك بأن الحال سيؤول لحكام فاسدين ينصرهم شعب فاسد ، فقلت لأصدقائك ومخلصيك (أما السب فسبوني وأما البراءة لا تتبرأوا مني) فقد عرف علياً أن من سيأتي بعده سيلحق القتل والدمار بكل محب لخليفة الأسلام وأمام الزمان علي بن أبي طالب ...
قال لهم ذلك ليقينه أن من سيأتي بعده سيشترط على الناس أن يسبوا علياً ومن يمتنع فيقتل رغم كونه مسلماً يشهد أن لا اله ألا الله وأن محمداً رسول الله ...

ثمانون عاماً يبتدئ خطيب منبر الإسلام وينهي خطبته بسب علي (ع) وبأمر مباشر صادر من رأس السلطة الأموية يومها (معاوية) الذي إستسلم يوم فتح مكة أكثر من كونه أسلم ، فيسمونه ولليوم أمير المؤمنين وخليفة المسلمين والكتب المزورة والأحاديث المفبركة ونسبتها للرسول و(كعب الأحبار اليهودي ومجاهد) جاهزين لكل ما يشتهيه الخليفة ويريد ...

ثمانون عاماً وخليفة أموي يسلم عرشه لأخر ، وبدعة سب علي (ع) سارية المفعول حتى أوقفها العادل عمر بن عبد العزيز ، وما إن توفى حتى يعيدها من جاء بعده وسموه (محي السنة ومميت البدعة) لأنه أحيا سنة سب علي (ع) من جديد !!

يسبوك يا علي على منابر المسلمين وأنت الذي لولاك لما صار للمسلمين منابر يخطبون عليها ، بل لما كان هنالك مسلمين أصلاً ، وهاهو النبي محمد (ص) يوم الخندق يصيح : (يا رب إن شئت أن تعبد أو لا تشاء) ، فعمر بن ود قد أخرس الحشود وبلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا كما وصفهم القران بسورة الأحزاب حيث شكوا بالله يومها !! ، فسدد أيمانهم وقواه وثبت دعائم الدين علياً (ع) بضربة منه عدلت عبادة الثقلين .
وهذا النبي (ص) يقول : (لم يستقم الدين إلا بثلاث : أموال خديجة ونصرة أبي طالب وسيف علي)
ثمانون عاماً يسبوك على المنابر ولم يحرك أحداً ساكناً يومها ، ولليوم رغم أنهم يكفرون ويفسقون كل من يسب صحابياً ويطعنوا بأسلام كل من يسب صحابياً للرسول ولو كان صحابياً وثق التاريخ عليه معالم فسق وظلم وتجاوز على الأسلام والله والرسول ، فبالرغم من ذاك يعدوه تاريخياً ولليوم (صحابياً) ومن إنتقده فاسقاً بل خارجاً على الأسلام ...
ولكن مع (علي) فالأمر مختلف !! فبالرغم من أن علي هو الصحابي الوحيد الذي مدحه الرسول وبين فضله بعشرات العشرات من الأحاديث الصحيحة ... فلم يشفع ذلك لعلي بشيء فقدره أن يبقى صابراً محتسباً ...
ولكن مع من سب علي فقد أفتى علماء الأسلام تاريخياً ولليوم بأن معاوية إجتهد فأخطأ كأبنه يزيد الذي قتل سيد شباب أهل الجنة (الحسين) ، ومن إجتهد وأصاب فله حظان من الثواب ومن إجتهد وأخطأ فله حظ واحد من الثواب ...
أي أن لمعاوية له ثواب في سب علي سيدخله هذا الثواب لجنة ... ومن يلعن معاوية ففي النار !!
يا أبا الحسن أراك صابراً ترى إبنك الحسن يقتله معاوية بالسم في العسل عن طريق زوجته جعدة ويقول (أن لله جنود من عسل) !!
أولم يكن الحسن صحابياً وسيد شباب أهل الجنة بنص حديث الرسول ؟!!
وقد أوصى الأمام الحسن (ع) وهو الخليفة الخامس بأن يتم دفنه قرب جده الرسول محمد (ص) فرشقوا نعشه بالسهام حتى صار النعش كالقنفذ ، وحدثت موقعة شهيرة طردوا على أثرها جثمان الأمام الحسن (ع) ليدفن في البقيع !!
لم يحترموا حتى وصية الميت ...!! 

يا أبا الحسين أراك ترى يزيد (رضي الله عنه) يقتل الحسين (رضي الله عنه) ولا أعرف كيف يرضى الله عن الأثنين معاً !! القاتل والمقتول !!
أراك ترى الحسين (ع) يقتلونه تقتيلاً ويقطعونه تقطيعاً ويطوفون برأسه وروؤس أنصاره وعائلة البقية من ال علي وفاطمة وأنصارهم في المدن والقرى وتركوا أجسامهم عارية بكربلاء العراق بلا غسل ولا كفن وبلا أي واجب من واجبات الأسلام الواجب فعلها عند موت أي إنسان .
نالوا لذلك حظاً واحد من الثواب لأنهم أفتوا وأخطئوا !! 
أي أن الصحابي معاوية سيدخل الجنة لحربه الصحابي علي بن أبي طالب ولقتله إبنه الصحابي وسيد شباب أهل الجنة الحسن بن علي ...!! ويزيد التابعي سيدخل الجنة لقتله الصحابي وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي ...!!   

وهاهي فاطمة (ع) توصيك يا علي (ع) أن تدفنها ليلاً وأن تخفي مكان قبرها ...
ولليوم لا يعرف أحد أين قبر فاطمة التي ماتت غاضبة والنبي يقول فيها أن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ...
تعال يا رسول الله (ص) لتراها مدفونة بليل وبسر كما أوصت بغضب على ذلك ... ولا يعرف أحد ولليوم أين مكان قبر فاطمة !!
أم المؤمنين خديجة (ع) زوجة النبي التي ماتت بحصار مكة لها قبر معروف ويزار رغم تهديمه من قبل علماء وسلطات المملكة السعودية قبل بضع سنوات قليلة ... ولكن لها قبر موجود !!
وأما سيدة نساء العالمين فلا أحد يعرف أين قبرها ولليوم ...
ربما أرادتنا فاطمة (ع) أن نتساءل ... لماذا ؟!!
 لماذا لا قبر لها ؟!!
لماذا ماتت غاضبة ؟!!
( يتبعها قريباً الحلقة الخامسة والأخيرة)

135
تعلم الصبر من علي بن أبي طالب لتنال الظفر (الحلقة الثالثة 3/5)

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الثالثة)
قد ساووك يا علي بمن عادوك ...
ساووا من رضي الله عنه واول الناس اسلاماً بمن غضب الله عليه وآخر الناس من إسلامه إستسلاماً من طلقاء يوم فتح مكة ...
فعلوا ذلك بالأمس بغضاً لك ولحقك ولعدالتك ، واليوم يكررونها كي لا يقووا طائفة على أخرى تدين بأمامتك وولائك وحبك ونهجك القويم ...
وأراك يا علي تقول بحسرة وصبر مر مرير :
(أنزلني الدهر .. ثم أنزلني .. ثم أنزلني .. ثم أنزلني .. فقيل علي ومعاوية)
كررها علي ذو البلاغة والحكمة أربع مرات متتالية ...
أي أنزله الدهر أربع نزلات وفي النزول الخامس كانوا قد ساووه بمعاوية الذي أعلن بدعة (شتم) علي على منابر المسلمين ومآذنها بأمر من معاوية نفسه ، يسبوه جهاراً ولمدة ثمانين سنة ...
إييه يا علي ...
لم تصرح وتعلن ما هو النزول الأول وما هو النزول الثاني وما هو النزول الثالث وما هو النزول الرابع ...
وللقارئ الكريم أن يتخيل أن من حاربه وأعلن سبه وعاداه وجيّش جيوش الفتنة والمكر والحيلة والسياسة والأغراء ضده كل ذلك وعلي (ع) يعده بالنزول الخامس ...
فما هو النزول الأول يا أبا الصبر والصابرين يا علي ...

تعودنا من كلامك أن نرى جراح الكلمات تنزف حروفاً ، من فاه تجرع المر من جراحها ونزفها ودفنها بقلبه عشرات السنين ...
عشرات السنين والقلب مملوء قيحاً وغصة ومرارة ، وتصبر يا علي ...
تصبر لأنك تعلم أن الله مع الصابرين ...
تصبر لأن الصبر يجعل العاقلين يفهمون معنى الصبر ... ودع الجاهلين ، فهم موتى وأهل العلم أحياء ... وفقط السفيه من يكلم ميتاً ، فالكلام للعاقلين ...   
هذه ضريبة الحق والعدل والأستقامة يا علي ، أن يهدونك ويكافئونك بحرب وعداوة وسب وشتم وتزوير التاريخ ، وإخفاء ذكراك التي لم يرد لها الرسول (ص) إخفاءاً بل أعلنها جهاراً صارخاً (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله) ...
وكم يا رسول الله من خذله ... فهم بالملايين ولليوم ، وحتى ممن إدعى حبه ، ليوهم نفسه قبل غيره ، فالحب الذي لا إيمان فيه لا يسمى حباً ...
وكيف يكون الحب صحيحاً إذا كان الطريق اليه خاطئاً ، كما قالها وليام شكسبير ...
ليجلس علي داره ويخذلوه ويحاربوه ، بسبب العشرات تلو العشرات من الأحاديث التي بينت فضل علي وحقه من فاه الرسول (ص) ...
ليتحمل بقدر تلك الفضائل والمكارم مرارة وغصة وألم ...
مرارة الأحرار .. وغصة الأبرار .. وألم الصابرين ...

في أحد أيام حرب الجمل التي شنوها على خليفة الأسلام يومها علياً ، جيشوا جيوشاً عبرت الصحاري والقفار ونبحتها كلاب الحوأب فلم تتوقف ...
قال رسول الله (ص) لنسائه : ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فينبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ثم تنجو بعد ما كادت)
مضت وحولها الأجانب لقتال خيرة الأصحاب وسيدهم وأخو رسول الله (ص) ...
حصلت الفتنة التي أرادوها بعد أن صدهم الأمام علي وبعد نصائح كثيرة وغزيرة صموا عنها الأذان ، فقاتلهم صابراً في بصرة العراق ...
ألا في الفتنة سقطوا ومعهم جملهم وسادة حربهم وشهوات أنفسهم من داخلهم ، سقطوا تساقط الجراد أمام حق علي والحق معه حيثما دار ... والله يقول :
(ومنهم من يقول إئذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) 48/التوبة .
سقط الآلاف من القتلى في معركة الجمل ...
تصوروا أن الرسول (ص) ولتثبيت الأسلام تطلب (1000) قتيل فقط ومن الطرفين (المسلمين والكافرين) ...
ولكم أن تتصوروا أيضاً كيف عبئوا عقائدياً ومادياً جيش الجمل ليهاجم مقر الخلافة الأسلامية في كوفة العراق ويعبرون الصحارى بعدة وعدد وجيش عرمرم ، لمجرد أن الأمام علي (ع) ساوى في العطاء بين الصحابة والناس العاديين ، ولكون علي إختار من يشتهر بالتقوى والدراية لقادة الجيش والمناطق والمدن لا لمعرفة ولا لمحاصصة ولا لقرابة هذا وذاك ...
ولليوم يحاربون من يفعل ذلك يا علي ...

وبعد أن إنتهت الواقعة ، مر الأمام علي (ع) حزيناً على جثث القتلى المترامية ، ولم تنفع النصائح التي إسداها الأمام لطلحة ولعائشة ولكنها نفعت مع الزبير الذي ترك الحرب باكياً لدى سماعه إحدى نصائح الأمام علي قبيل الحرب ، وترك الجيش رغم تحريض إبنه عبد الله بن الزبير وحثه أباه لعدم ترك الحرب ومقاتلة علي (ع) ، ولكن الزبير ترك الحرب وتخلف عنها هارباً نادماً باكياً ، فيرتاح من سفره الوحيد في الصحراء فينزل عليه قطاع طرق فيقتلونه ...
ولكن طلحة أصر على الحرب والقتال ، وتصوروا من قتله ، ليؤلب الكراهية أكثر ...؟!!
قتله مروان بن الحكم وقد كان في صف جيش الجمل وبصف عائشة وطلحة ومعاوية ، وقتله بأن رماه بسهم كما يذكر المؤرخون لتلك الفترة ...
ليزيد من لهيب الحرب لهيباً أكثر هو المنتفع منه ومعاوية ، والحكم في البال والنية لا لقربة هذا ولا ذاك وليست قربة لله أكيداً ...
مروان بن الحكم الذي حرم الرسول عليه دخول المدينة وأباه ، فأعاده الخليفة الثالث وسموه صحابياً رغم نهي الرسول وطرده إياه ...
فكل من رأى الرسول (ص) بعينيه يسمى صحابياً ، وأصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم كما قالها الرسول ...
هكذا قالوا من قبل لأن سياسة الحكم وبطش القوة تطلبت ذلك ، واليوم يكررها الببغاوات لأنهم وجدوا أبائهم عليها عاكفون ...
كل من رأى الرسول يسمى صحابياً ولو كان منافقاً أو مزوراً أو قاتلاً أو لصاً ...

لما مر الأمام علي على جثث القتلى في حرب الجمل ، وجد جثة مرمية بسهم ، حولها بعض أنصار الأمام علي (ع) ، فقال لهم الأمام : (من هذا) !!
فقيل له : أنها جثة طلحه !!
فقال الأمام علي : اااه !! ، وطلب منهم أن يجلسوه ، وخاطبه الأمام علي قائلاً : (أبا محمد أعزز عليّ أن أراك قتيلاً) ...أبا محمد –طلحة- أعزز علي –ليس بالسهل عليّ- أن أراك قتيلاً ...!!
أي نبل عندك يا علي وأية أخلاق كريمة !! 

لمّا دخل الحجاج بن يوسف الثقفي مكة ليقضي على (عبد الله بن الزبير) جاءه (عبد الله بن عمر) ليلاً وقال للحجاج : (أعطيني يدك لأبايع لعبد الملك بن مروان)- كان عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير مُعارضين لحكم عبد الملك طمعاً في الرئاسة والحكم – ويكمل عبد الله بن عمر قوله للحجاج : (ولأني سمعت رسول الله (ص) يقول : (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميته جاهليه) !!
فمَدَّ الحجاج رجله اليه وقال له : (بايع الان، يدي مشغولة عنك الان)!!
فقال (ابن عمر) : (أتستهزئ بي)؟!
فأجابه الحجاج : (يا أحمق بني عدي !! ألم يكن علي بن ابي طالب إمام زمانك ؟! لماذا لم تبايعه ، وقد جئت اليوم بحديث : (من مات ولم يعرف إمام مانه ...)، والله ما جئتني لهذا الحديث وإنما جاء بك الخشبة التي فوقها عبد الله بن الزبير !! –ويقصد هنا إنك أتيت لرؤيتك عبد الله بن الزبير مقتولاً مصلوباً على الخشبة-

وروي أن عبد الله بن عمر قال حين حضرته الوفاة : (ما أجدني ٱسى على شيء فاتني من الدنيا إلا أني لم أُقاتل مع علي بن ابي طالب (ع) الفئة الباغية كما أمرني الله)

ليأتي اليوم من يفتي بحرمة الخروج على الحاكم ولو كان ظالماً وفاسداً !!
ليأتي اليوم من يغطي عن فساد الحكام بفتاوى وأحاديث زور نسبوها للنبي وبآيات قرآنية فسروها بمزاجهم !!
ليأتي اليوم الذي تتدخل فيه رجال الدين اليوم في السياسة ، فأفسدتم السياسة ولم يصلحوا فيها شيئاً ...
دين سياسة ... دين طائفية ... لا دين الله .
عالم يفتي بفتوى ضد حاكم كثيراً ما باركه ، فثار الناس ضد حكام المسلمين الفاسدين لا بسبب فتوى المفتين المنافقين بل بسبب وعي الشباب .
ليأتي اليوم من يفتي بأحلية ثورة وحرمة ثورة أخرى !! وما هو حلال في سوريا وليبيا واليمن وتونس ومصر من ثورات الشباب المباركة ، فهو حرام حرام حرام في البحرين والسعودية ... !!
دين الأهواء والمزاج والنفاق ... هو دين بعض رجال الدين اليوم ممن صفتهم مفتين ورجال دين ومنهم حملة الدكتوراة  ...
دين السياسة والطائفة ... وما دخلت السياسة على دين إلا وأتلفته ، لأن السياسة اليوم لعبة قذرة ، والدين صافي نقي ...
يحللون ويحرمون ليقووا طائفة ويضعفوا أخرى ولو كان الحق مع الطائفة المضادة التي أفتوا ضدها والباطل مع الطائفة التي أيدوها ...
وحتى لو علموا فهم لم يغيروا ويحركوا ساكناً ، فهم يخافون على الطائفة من أن تضعف ولا يخافون على الدين ولا يخافون من رب الدين ...

والمقاومة ضد أمريكا حلال في العراق فقط ، وأما الجهاد ضد القواعد الأمريكية في الخليج فلا تجوز مقاومتها ولا المساس بها ...!!
ويا ليتها كانت ضد أمريكا وضد قواعدها في العراق ولكنها كانت ضد العراقيين سنة وشيعة ومسيحيين وصابئة وأيزديين وعرب وأكراد وتركمان ...
ضد المارة من الأبرياء من الأطفال والشباب والشيوخ وضد السوق والمحال التجارية والشوارع العامة والبنايات والمؤسسات وضد الجيش العراقي والشرطة ...
   
ولماذا يفتي علماء بهكذا فتاوى مضلة ... ولماذا يدافعون عن حكام دون آخرين ؟!! ولماذا يناصرون ثورة ضد فاسدين ظالمين دون ظالمين وفاسدين آخرين ؟!!
وكذا سياسيين وأحزاب وأقلام وكتاب وقنوات ؟!!
الجواب : أنهم يعبدون الطائفة ولا يعبدون الله ... يعبدون السياسة ولا يعبدون الله ... يعبدون هوى النفس وما تشتهي ولا يعبدون الله ... يعبدون الحكام ولا يعبدون الله ...

وسيأتي الفرج ... بالوعي والحكمة والشجاعة والصبر ...
(يتبعها في الأيام القادمة الحلقة الرابعة)

136
تعلم الصبر من علي بن أبي طالب لتنال الظفر (الحلقة الثانية 2/5)

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الثانية)
ولازلت يا علي صابراً ، تلهم الصبر ، وهذا قصدي من إيراد صبرك مثالاً ...
هو أن صبرك يلهم الصبر ...
صبر الأحرار لا صبر العبيد ...
صبر العاقلين لا صبر المتخاذلين ...
 
أراك في يوم من أيام الكوفة تتفقد الرعية كعادتك ، فترى شحاذاً يشحذ فترتعد فرائصك وتهتز ، وأنت الذي لم تهتز عند مواجهة أبطال العرب وأرديتهم صرعى أمامك ...
أراك تهتز يا علي لأنك رأيت شحاذاً يشحذ وعلي حاكم !!
تأمر له بالعطاء الفوري ولم تسأل من هو ، لتعلم لاحقاً أن الشحاذ كان (يهودياً) سكن بـ(سلام تام) بجوار مسلمي الكوفة فلم يغير ذلك بالأمر شيئاً ولم يعر له علياً أدنى إهتمام ... فعلي يعامل الأنسان على أنه إنسان كرمه الله أولاً وأخيراً ...
وهو القائل (ع) : (الناس صنفان : أما أخ في الدين أو نظير في الخلق) ...

تعال ها هنا في يومنا يا علي لترى الجوع والفقر والتمييز بالعطاء والمناصب ، وعوائل تحكم وتبطش بالناس على قفا من يشيل ...
تعال لترى البعض يحقد ويصيبه شيء في قلبه لدى معرفته أن فلاناً من طائفة ليس كطائفته ، فأصبح الدين مدعاة للكراهية أكثر من الحب ...
دين طائفة اليوم لا دين الله ، ويعبدون الطائفة لا يعبدون الله ...

دخل عقيل بن أبي طالب على أخيه علي (ع) يوم كان الخليفة الرابع ، وكان عقيل أعمى ويطمع بزيادة في راتبه ومستحقاته من بيت مال المسلمين ، فقال له علي : لو كنت تحتاج للباس فسأعطيك من إستحقاقي الخاص ولا أزيدك فلساً ليس بحق لك.
فقال عقيل لأخيه علي : يا علي إني بحاجة !!
فقال له علي مؤدباً : خذ بيدي وأذهب بي الى سوق الصرافين لأسرق لك !!
فقال له عقيل : لم أقل لك ذلك !!
فقال له علي : وما فرق أن أسرق من بيت المال (الميزانية ، عوائد النفط ، مميزات حكومية ، ومخصصات مسؤولين وأحزاب ، وفلل وسيارات وسفرات على حساب الشعب) أو أسرق من سوق الصرافين !!
لم يقتنع عقيل وألح على علي (ع) ، فأراد الأمام أن يهذبه بأكثر مما تهذب العامة من الناس ، فأحمى حديدة وطلب من عقيل الأعمى أن يمد يده ، فمدها ، فوضع علي الحديدة بيده فأن لها عقيل متألماً ، فقال له علي :
(يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، وتجرني الى نار سجرها جبارها لغضبه ، أتئن من أذى ولا أئن من لظى)
 
الأمام علي (ع) في أيام حكومته كان يراقب مسؤوليه على المدن ويبعث لهم بالنصائح والتوجيهات ، وهذا ليس بمعجزة ولا مستحيل لكي يتذرع ويحتج من رفع إسم علياً بكلامه وإدعى حبه والأقتداء به وفور تسنم مسؤولية أو إدارة تراه يلقي تلك الحكم والمواعظ في الدرج قرب مبالغ الرشوة وملفات المحاصصة والمحسوبية والفساد والتقاعس والأهمال واللامسؤولية في التصرف ...
يقول الأمام علي (ع) في إحدى رسالاته لأبن حنيف وهو عامله على البصرة - نهج البلاغة شرح الأمام محمد عبده خطبة رقم (283) :
 " أما بعد يبن حنيف !! ... فقد بَلَغَني (تصوروا أن الأمام من كثرة سؤاله ومراقبته يقول بلغني) أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك الى مأدبة فأسرعت اليها ... تستطاب لك الألوان وتُنقَل إليك الجفان وما ظننت أنك تُجيب إلى طعام قومٍ عائلهم (أي فقيرهم)  مَجفوّ (أي مطرود) وغَنيهم مَدعوِّ فأنظر الى ما تقضمه من هذا المَقظم (الفكين) فما إشتبه عليك عِلمه فإلفظه (أي إتركه) وما أيقنت منه فنل منه ...
أأقنع من نفسي أن يُقال "هذا أمير المؤمنين" ولا أشاركهم في مكارة الدهر أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة (أي خشونة) العيش ... فما خُلِقتُ ليشغلني أكل الطيبات ، كالبهيمة المربوطة ، همها عَلَفها ، أو المُرسلة (أي الغير مربوطة) شُغلُها تقممها (أي أكلها للقمامة) تكترش(أي تملأ كرشها) من أعلافها وتلهو عمَّا يُراد بها ...

الملاحظ أن الأمام علي (ع) يقول : (أأقنع من نفسي أن يُقال "هذا أمير المؤمنين" ولا أشاركهم في مكارة الدهر أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة (أي خشونة) العيش ...الخ ) ، فهو يقول أنه لا يقبل بأن يقال له أمير المؤمنين بوجود ناس جياع أو يعيشون حياة صعبة وقاسية ولا يساعدهم عليها ، أو على الأقل يشاركهم بمكاره العيش ...
ولم يذكر الأمام أأقنع أن يقال " هذا أمير المؤمنين " بوجود مفاسد أخلاقية مثلاً ، لأن الأمام علي (ع) يعتقد بأن مداراة الناس ، وقضاء حوائجهم ، ومتابعة أحوالهم هو الغاية القصوى للحاكم العادل وللمؤمنين جميعاً ...
لم يقل الأمام علي (ع) : (أأقنع أن من نفسي أن يقال "هذا أمير المؤمنين" ... الخ) ... رغم حروبه الثلاث التي خاضها ضد عشرات الآلاف من القاسطين والمارقين في الجمل وصفين والنهروان والذين خرجوا ضد حكومة الأمام علي (ع) فهو أمير المؤمنين رغم كثرة الأعداء ...
لم يقل الأمام علي (ع) : ( أأقنع أن من نفسي أن يقال " هذا أمير المؤمنين " ... الخ) ... رغم وجود مفاسد أخلاقية كشرب الخمر أو الزنى أو السرقة .... الخ فهو أمير المؤمنين ولو أرتكب بعض الناس هذه المفاسد ...
ولكنه لا يقبل أن يقال له أمير المؤمنين ولعل في –وعلى نص قوله – ( بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص (أي لصعوبة حصوله على قرص الخبز فأنه لا يطمع بأكثر منه) ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً (أي شبعاناً) وحولي بطونٌ غرى (أي جائعة) وأكباد حرّى (أي عطشانة) ... )

يا علي ...
أراك وحيداً صابراً (وصبرك يلهمنا الصبر) لم يترك لك الحق لا صاحباً ولا صديق ، وتمشي بطريق الحق وحيداً حتى إستوحشت طريق الحق لقلة سالكيه ...
أراك يحاربك الأصحاب ويشنوا عليك الهجوم فلم تتردد في محاربتهم رغم حزنك على حالهم والى ما صاروا إليه ...
هم مع الحق مادام الحق يدر عليه ربحاً وشهوة ومناصب ، ولما طردهم ذات الحق من مناصبهم وحرمهم من شهواتهم أصبح الحق باطلاً ، والمعروف منكراً ...
وكم من أمثالهم ها هنا اليوم يحكمون ويديرون مؤسسات الدولة ، ومعهم سياسيون ورجال دين ومواطنين مغفلين أو همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ...
 
السيف الذي قتل مرحب وعمرو ابن ود والوليد وأخرس قريشاً وجبروتها ، وجعل العرب تخفي الرقاب .. وتضع الرؤوس في التراب .. لدى ذكر إسم (علي) أبي تراب ...
أراك مثلما حاربت المشركين نصرة لله والرسول (ص) فأراك تحارب من ألقابهم مسلمين ممن شنوا عليك حرباً بأسم الأسلام ضد دين الأسلام ...
حاربتهم وفي قلبك حسرة ولكنك حاربتهم ولم تتردد ...
حاربتهم رغم كل النصائح التي أسديتها لهم وطلبت منهم أن يكفوا ولكنهم أبوا وأستكبروا إلا أن يحكموا بسيف الجهل وسيف الحرب في رقاب المسلمين ...
حاربتهم يا علي ولم تتردد في نصرة الله والرسول (ص) مرة ثانية ...
فبالأمس حاربت لتثبيت دعائم القران وتنزيله ، واليوم تحارب على حماية القران وتأويله من المفسدين بأسم الله والرسول ...
ولا أعرف فرقاً بينك يا علي والقران ، سوى أنك ونهجك وحكمك وسيرتك كانت  قراناً ناطقاً بالحق ...
وما فائدة تجويد وترتيل وقراءة القران من دون فهم وفكر وتدبر ...
ولا خير في قراءة لا تدبر فيها ، كما لا خير فيمن قرأ هذه المقالة ولم يتدبر ويفكر فيها جيداً وفهم مغزاها جيداً ...   

ليزور التاريخ والسنة النبوية ويحرفها ، سلاطين بني أمية وبني العباس ليؤسسوا أساس حكمهم الباطل ويزوقوا حكمهم ويشرعنوه ولليوم علماء ومفتين وسياسيين وأحزاب يزيدون الزور زوراً والمكر مكراً ويقولوا (اليوم) برضا الله عمن لا يرضاه الله ...
ونسوا حديث الرسول محمد (ص) بعلي (ع) قائلاً : (ويلٌ لمن سل سيفه عليك ، وويلٌ لمن سللت سيفك عليه)
ولم يحارب علي (ع) أحداً ورضي الله عنه !! وعلياً أصلاً لم يحارب أحداً وبفكره أن الله راضياً عنه ...
فمالكم ترتضون لله ما لا يرضاه !!
أم هي السياسة وهوى النفس إتخذوها إلهاً من دون الله ... !!

وإذا زور سلاطين بين أمية وبني العباس بعض التاريخ وبعض السنة النبوية ، ليفرقوا بين الناس بمدأ (فرق تسُد) ، وليضفوا على عروشهم شرعية وهمية ، وليكون كل من حاربهم وخرج عليهم خارجاً على الدين لا عليهم ...
فمالكم يا شعوب اليوم ومسلميها خصوصاً ، تنجرون لسياسة أسس أساسها سياسيين وسلاطين ليبقوا بالعرش وكرسي الحكم مهما كان الثمن ولو بتزوير أحاديث الرسول محمد (ص) ...
هنالك تاريخ صحيح مبحوث علمياً شاهد على فظاعة التزوير والتزييف فأقرؤه على أقل تقدير ، لو كنتم تعقلون .
أو دعوه ولا تنجروا وراء سياسة القوم ... والعلم يُكتسب ويُتبع ، ولا ينجر اليه إنجراراً كالحمير ...

((يتبع في الأيام القادمة الحلقة الثالثة ))

137
تعلم الصبر من علي بن أبي طالب لتنال الظفر (الحلقة الأولى 1/5)

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الأولى)
(سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري ، سأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري ، سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيء أمرّ من الصبر)
ما هو الشيء الأمرّ من الصبر الذي دعاك لقول ذلك يا أبا الحسن ...
أم هي كلمات خرجت من قلبٍ مليء بالجراح والألم والحسرة ...
وكلمات تخرج من قلبٍ مجروح هي أصدق كلمات وأجمل الكلمات ...
كلمات خرجت من قلب محترق ، ومن غير القلوب المحترقة بدواهي ومحن السنين تتكلم بالحق ...
كانت حقاً من رجل يدور الحق معه حيثما دار ، فعلي (ع) مع الحق والحق مع علي (ع) يدور معه حيثما دار ...
والنبي محمد (ص) يقول بحق علي موصياً أصحابه : (إذا سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً فأسلك وادي علي وخل عن الناس)
وعلي (ع) نفسه يقول : ( لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجمانها على المنافق على أن يحبني ما أحبني ، وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الأمي (ص) أنه قال ( يا علي لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق) ...

ولكنهم أبغضوا عدله وأنصافه وحكمه العادل الذي كان مثالاً لأرقى أنظمة الحكم ... فكانوا منافقين وكثيراً ما هم ولليوم ...
حاربوه لأنه حق ، ولليوم يحاربون الحق يا علي ... وحتى من يدعي حبك وولائك فأصبح كثير منهم في الصف الأول من المحاربين لك ... ويبدون حباً ويبطنون بغضا ونفاق ...
 
كلماتك يا علي أحس بها حزنك ، وأراك تعاني متألماً ...
متألماً يا علي لا من الآلاف جراح الحروب ، وطعن الرماح ، ووخز النبال ، وضرب السيوف ، ورشق الحجارة حتى تأسس للأسلام أساسه بفجر وضحى وظهر وعصر الإسلام ، فضربت خياشيم الخلق بالحق ووضعت رؤوس المتجبرين بالتراب وجعلت الأبطال ممن إستعبدوا الناس يفرون أمامك كالفراش المبثوث وبفتح مكة وبأمر الرسول (ص) دخلت لداخل الكعبة المشرفة ببيت الله الحرام وكسرت الأصنام ولعلك تتذكر يا علي (ع) أنك أول وأخر من ولد داخل الكعبة المشرفة ، ويشهد الركن اليماني على ذلك الذي إنشق وبقيت أمك فاطمة بنت أسد فيه ثلاثة أيام وخرجت من نفس الشق وهي تحملك ونورك يسطع للسماء ...
وهذا الشاعر عبد الباقي العمري قالها شعراً :
أنت العلي الذي فوق العلا رُفعا  ...  ببطن مكة وسط البيت إذ وُضِعا

من بيت الله الى الله ، وكرم الله وجهه وعليه السلام ، لم يسجد لصنم قط ... وحتى جاء نصر الله والفتح ، ودخل في الأسلم من دخل من مسلمين مؤمنين ، ومسلمين منافقين ، ومسلمين مستسلمين لا مسلمين بالله والرسول ...

تلك الحروب التي جاوزت الثمانين حرباً كان علي (ع) فيها رافع لوائها وشجاعها وليثها المغوار ، وكان فيها كالقطب من الرحى فيما عدا (تبوك) حيث جعله النبي محمد (ص) حارساً على المدينة وقال فيه حديثه الشهير : (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه ليس نبي بعدي) ...
لم تؤذي علياً تلك الجراحات يوماً وهو لم يكترث لها أصلاً  ، ولكن ما آذاه جراحات الخنوع والخيانة ممن حصدوا ما زرع النبي محمد (ص) بدمه وعرقه وجراحه وسنين المحنة وأيام الحصار ، ومنذ السنة الأولى للهجرة وحتى سنة 1432 هـ (2011) م. تاريخ كتابة هذه السطور ...
ولأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ويشاهدون ويعلمون ويتألمون ... فهو يتألمون وصابرون على شيء هو أمر من الصبر ...

من ألم ومرارة كثرة الأعداء أيام لم يكن للنبي (ص) ناصراً ولا معيناً غيره وثلة من الأصدقاء الكرام ، كان وقتها علي (ع) مستأنساً وفخوراً رغم قلة وخذلان الناصر ...
أراك بالأمس واليوم حزيناً صابراً لكثرة الأصحاب وقلة الأصدقاء !!
وكثرة الأخوة الأعداء (إخوة يوسف) وكراهة القريب ومكره ...
أرى (ذو الفقار) الذي بضربةٍ واحدةٍ قدت عمر بن ود نصفين وعدلت تلك الضربة عبادة الثقلين (الجن والأنس) حينما بلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا ، وتقاعس الناس وخافوا وزلزلوا زلزالاً شديدا ...
القران الكريم وصفهم بذلك في سورة الأحزاب ... لكي لا يتم تكفيري وإخراجي من الملة ... !!
عمر بن ود يتغطرس ويستهزأ بالله وبمحمد (ص) ، ولا من ناصر ، وساد الهدوء إلا من ضجيج إبن ود فأخرسه علي بضربة صاح لها المسلمين من بعد سكوت طويل : (الله أكبر) !!! ...
تلك الضربة التي لولاها ما صاح (الله أكبر) أحد بعدها أبدا ... (ولليوم) !! بشهادة النبي (ص) الذي دعا الله يومها : (يا رب إن شئت أن تعبد أو لا تعبد) ...

أرى (ذو الفقار) في غمده بعد أن رأى (البعض) (وكثيراً ما هم) من القردة والكلاب والخنازير والمغفلين والفاسدين والجهلة والهمج الرعاع الناعقين مع كل ناعق والمنافقين تحكم وتخطب و(لليوم) على تلك المنابر والمحاريب والصروح التي شيدها النبي محمد (ص) بآلامه وجراحه ودمه وعرقه وصبره وهو القائل (ص) : (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت) ، ليصلح حال الناس أجمعين ويكرمهم ويخلصهم من ظلام وقسوة الجاهلية وليعدل فيهم ويحكم بالأنصاف وليركبوا سفينة النجاة التي ربانها محمد وشعارها (لقد كرمنا بني ادم) و (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ...
لا لتتعاركوا ولا لتتباغضوا ولا لحقدوا على بعضكم بعضاً لمجرد الأختلاف ولا لطائفية ولا لقومية ولا لعنصرية ولا لما يصرخ به (البعض الكثير) من خطباء الأسلام اليوم ولا حكامهم ولا سياسييهم فهم جميعاً أصل البلاء ... ومن المغضوب عليهم ومن الضالين ... رغم أنهم يرددون كالببغاء تلك الآيات العظيمة من سورة الفاتحة في كل صلاة ... وكم من قارئ للقران والقران يلعنه كما قالها النبي محمد (ص) وهو بحالنا عالم من لدن رب عليم ...
حتى صارت المجتمعات الأسلامية اليوم وحكامها وسياسييها أفسد واظلم المجتمعات في العالم على الأطلاق !!
فحينما يصعد ويرتقي تلك المنابر والمحاريب والصروح والعروش وكراسي الحكم ويتسنم إمارة المسلمين من جعل همه ما في بطنه فكانت قيمته ما خرج منها ... فعلى الدين والدنيا السلام ...
ولا خير حينها في عقول .. ولا في عمائم دينية .. ولا ربطات عنق وبدلات رسمية .. ولا بدراسة .. ولا بدين .. ولا بصلاة ... فبحكم أولئك الفاسدين الظالمين الجهلة الحاقدين قد صرتم عبيد والله يكره العبيد الخانعين ويحب الأحرار العاقلين ...
عبيد السلطان وعوائد الحكم ووجاهة السلطة وهيبة الكراسي وبذخ القصور لا عبيد الله ... 

أراك يا علي اليوم حزين ...
أراك تبكي وأنت الذي تأبى بكاء الرجال ...
أراك تبكي علينا وعلى حالنا ...
مالنا وكيف صرنا ...
ولماذا غرنا الأمل وكلٍ في شغلٍ فاكهون ... يضحكون .. يلعبون .. بينما هم مستغفلون ومغفلون ، والله يحب المسلم النبيه ووصف الرسول (ص) المؤمن بأنه كيّس فطن ...
حزيناً يا علي ترى السنابل ذات الرؤوس الفارغة اليابسة تحكم وتهيمن ، والسنابل المملوءة والمخضرة ضائعة ومغيبة ...
وأنت ياعلي القائل شعراً :
ملئ السنابل تنحني بتواضعٍ  ...  والفارغات رؤسهن شوامخُ
تواضع لأنهم معطلين ولا يوجد من يكترث لهم ولا بقولهم ، وشوامخ الفراغات تحكم وتتحكم بأمور الناس ...
أراك حزيناً ترى قوماً خلفوا نهج النبي محمد (ص) الذي بذلت دونه الدم والجرح والتعب ومرارة الأيام حتى يتحقق ...
أراك ترى قوماً يخلفوه ليلعبوا في الحكم والدين والسياسة ما يحلوا لهم أن يلعبوا ، ولما لم يكفهم اللعب فعاثوا فيه تخريباً ودماراً وعبثوا بكل مرتب ونظيف وكامل من أمور المسلمين بما تشتهي النفس وتريد ...
وأنت الذي لم تلعب وتعبث يوماً بأمور المسلمين ومن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم كما قالها محمد (ص) قبل مئات السنين وطبقتها حرفياً وواظبت عليها كما  واظب المخلصين على تطبيقها من صحبه الكرام المنتجبين ، ليحرفها اليوم قوماً سموهم (علماء .. مفتين .. حاكمين ..  سياسيين .. أحزاب .. الخ) وعناوينهم (مسلمين) وأخذوا يعبثون بالمسلمين ذات اليمين وذات الشمال أهواءاً وحيثما تشتهي النفس وتروح ...

 ((يتبعها قريباً الحلقة الثانية))

138
تعال لنا ... يا رسول الله محمد (ص) لترانا .. مسلمين ولا اسلام  (الحقلة الثالثة والأخيرة 3/3)

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الثالثة والأخيرة)
أراك يا رسول الله تبكي على سوء حالنا ... وأنا صرنا لا ما أردت لنا أن نصير .. وأردنا لا ما أراد الله والرسول ، وأنا رجعنا القهقرى من بعدك ، وعدنا نعبد (هبل واللات والعزى) جدد بمسميات الطائفة والسياسة والقومية والنفس وما تشتهي ...
ونقول لا اله إلا الله وننافق ، وأنت تكره المنافقين ... وأنت حرباً ضد المنافقين ، فالمنافقين أشد خطراً من المشركين لذلك أسكنهم الله الدرك الأسفل من النار .
تصوروا أن لليوم هنالك من يسمي هكذا فاسدين ظالمين فضحهم التاريخ بأسامي (خلفاء إسلام) و (أمراء مؤمنين) ، لا بل يمجدوهم ، لا بل يحرم من يخرج عليهم وعلى أمثالهم من حكام فاسدين ولليوم !!
لذلك كان الظلم والفساد هو الميزة الأبرز لأغلب الحكام المسلمين قديماً وحديثاً والعرب خصوصاً ، فمطالعة بسيطة لتاريخ بني امية وبني العباس تراها تلهم الظلم والعدوان وسفك الدماء وملأ السجون لأجل كرسي الحكم ...

سوّل لهم الشيطان فأعمى أبصارهم ... وكما زينوا لدكتاتور الأمس فهم زينوا لدكتاتور اليوم (حفظه الله ورعاه) !! 
بالرغم من أن تلك الحقائق مثبتة في الكثير من الكتب التاريخية المعتمدة ، ولكنهم اليوم يبررون لهم جرائم التاريخ التي كررها بعض حكام المسلمين اليوم وما فرق اليوم عن البارحة .
وبداية النفاق تبريراً مخادعاً ...
ها هو الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة كان مخطئاً وشق عصى الطاعة على مولاه يزيد بن معاوية السكير العابث بالقرود والكلاب والغواني وخليفة مسلمي اللهو والمرح ...
هكذا يفتي كبار العلماء اليوم ، والمفتين ...

لكن الشباب اليوم وفي العام (2011) عام الثورات المباركة ضد الأنظمة الغير المباركة ، قد ضربوا تلك الفتاوى والآراء والتاريخ المنحل المزور عرض الحائط وأخرسوا علماء السوء .. وحكام السوء .. وحاشية السوء .. ووسائل إعلام السوء .. وثاروا ضد الحكام الظالمين (المسلمين) وأنظمتهم (المسلمة) الفاسدة في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والسعودية وسوريا والأردن وعمان ...
أضطر بعض اولئك العلماء وتلك الأنظمة وتلك العصابات للتنازل والإفتاء بجواز ثورات الشباب ضد الحاكم (ليس كلها) فبعض الثورات ظلت حراماً لأنها ثورات من غير طائفة المفتي والعالم الأسلامي الجليل !!
ولكن لم تزيد فتاواهم من عزيمة الشباب ولا من إرادتهم ... لأن الشباب ثاروا من دون الحاجة إليها فهم يتبعون الفكر السليم الذي كان معطلاً عشرات السنين ... كتعطيل وتغييب ذكر علماء دين عاقلين مفكرين ...

تعال يا رسول الله محمد (ص) لترى بعض علماء الدين المسلمين اليوم تناصر ثورات ضد حكام أيدوها من قبل بفتاوى مباركة !! ليعود اليوم نفس من أفتى بتأييد ثورة فحرم ثورات أخرى ضد حاكمين بنفس فساد ذاك الحاكم ... ولكن الفرق طوائف وتوجهات وأن هذه الثورة ليست من طائفة هذا المفتي ... (وكلها طوائف إسلامية) !!
أراك يا محمد (ص) تأمر بلالاً أن يتسلق ويرتقي أشرف مكان على الأرض ، ليؤذن بالناس لأقدس صلاة ...
لم يلتفت محمداً (ص) يومها أن بلال عبداً أسود !! ولم يعر أدنى إهتمام لذلك ، فالمرء على قدر عطائه ومساهمته في المجتمع ...
رغم أن العبودية كان متفشية يومها في الجزيرة العربية وما حولها بل في كل أغلب بلدان العالم ، فجاء محمداً ليخلص العبيد ويجعلهم أحراراً رغم أنف الملوك والرؤساء والقبائل ولم يكترث للتيجان والعروش والقصور ...

تعال يا رسول الله (ص) لترانا نقرب (الشريف) ونقصي (الضعيف) رغم نهيك وقولك (ص) :
(إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)
وكم في يومنا من سارق مكرم ومحترم وممدوح ، وكم من شريف ونزيه مذموم ومكروه ...
تعال لترانا نقرب ونكرم الشريف (الغني .. المسؤول .. الحاكم .. المدير .. الموظف الكبير في الدولة ) رغم فساده وظلمه وجهله ، ونقصي ونطرد الضعيف (النزيه .. العاقل .. المؤدب .. الخلوق .. الناصح .. الناطق بالحق .. الفقير) رغم كرامته وعلمه وأدبه ... فالتعامل بمحسوبية رسمية ونسمي أنفسنا مسلمين ...

كتب المستشرقين أن محمداً كان شغوفاً بالنساء ، فثار ذلك إمتعاض بعض الباحثين المسلمين المطلعين ... لماذا يسمون النبي محمداً (ص) كذلك ؟!!
ولماّ راجع اولئك الباحثين كتباً تسمى (الصحيح) وأسانيد معتبرة عند البعض ولليوم ، وجدوا أن النبي كما وصف المستشرقين ... مع الأسف !! ثبتوا التزوير في كتب أثرت فيها  السياسة أكثر من الدين .
كتب الكاتب المصري (صالح الورداني) كتابين فيما يخص هذا الموضوع ، الكتاب الأول أسماه (الخدعة) والكتاب الثاني أسماه (تصحيح العبادات) في الكتاب الثاني ترى المأساة والتزوير والتلفيق وبدعم مباشر من أئمة الزور ومن خلفهم السلاطين المسلمين والخلفاء المسلمين وأمراء المؤمنين ...
في أحد الأحاديث بأختصار شديد أن النبي (ص) كان سائراً فوقع في قلبه شيء من إمرأة مرت من جنبه في الطريق فأكمل النبي طريقه وكان معه مجموعة من أصحابه فسار هنيئة فأستأذن من أصحابه لدى وصوله لمنزل أم سلمة ليواقعها ، فدخل ليواقع ام سلمة وترك أصحابه منتظرين بالباب !!!
سامحني يا رسول الله لنقل هذا التزوير نقلاً عن كتاب (الخدعة) ولكني يجب أن أنقل ما أعرف وأترك النتائج على الله ...
رواية مذهلة وأكثر ما أذهلني فيها أنها موجودة في صحيح  (.....) .
أي عاقل يصدق  ذلك ... ؟!!
وماذا تركنا للأنجيل والتوراة المحرفتين واللتان تصفان أنبياء بني إسرائيل ومغامراتهم الجنسية علانية ...!!
نبي يسترق النظر على نساء ، أمام مرأى أصحابه ، ويغير مسيرته ليذهب ليواقع زوجته ويترك أصحابه منتظرين بالباب !!
يقول الكاتب المصري (صالح الورداني) بعدة إيراده عدة روايات مشابهه في أسانيد كتاب (مسلمين) : (ولا غرابة أن نرى المستشرقين يصفون النبي بزير نساء فبصحاح المسلمين أحاديث مزورة ومدسوسة تثبت ذلك) !! –مع الأسف- !!
تخيلوا أن ما ذكرت هي رواية واحدة فقط !! ولكم أن تكملوا وتطالعوا بقية الكتاب !!

ينسبون تلك الأفعال للرسول والرسول منها براء بلا نقاش ، لكي يكون حلالاً لخلفاء بني امية وبني العباس والملوك والأمراء والوزراء أن يعبثوا بما يحلوا لهم ، ويحلوا لهم ما يعبثون ، فقد صوروا للناس أن الرسول مثلهم ...!!
ولكن يبقى الرسول الأكرم محمد (ص) ورغم أنفهم أعظم خلق الله أخلاقا  وأكثرهم أدباً وسماحة ... ما دام للعقل السلم بقية وإلا فلا ...
هكذا صوروك يا رسول الله محمد في كتبهم ولما بانت الفضائح اليوم لباحثين وكتاب تصوروا أنهم لم يطعنوا بتلك المؤلفات ولا بمؤلفيها ولكن أخفوها ... (لأنها صحاح) !!
يستحون ويخافون من كتاب وكتابات مزيفة ومحرفة ولا يستحون منك يا رسول الله ... لأنها كتب ومؤلفات معتمدة (كلياً) لدى طائفة معينة ويخافون على الطائفة من أن تضعف أو يصيبها الهوان ولا يخافون على الرسول الأكرم وكرامته !!
هذا هو دين اليوم ... دين الطائفة لا دين الله .
لترجع وتثور ثائرتهم ضد الدنمارك ورسام كاريكاتوري دنماركي صور النبي أنه إرهابي ، لكثر ما رأى من بشاعة أخبار وصور الذبح والتفجيرات والتفخيخات وفتاوى التكفير وتحليل سفك الدم بأسم (الله) و (محمد) وبعلامات وشعارات المجاهدين والمقاومين كما يسمونهم والتي كثيراً ما بثتها قناة العربية السعودية المسلمة والجزيرة القطرية المسلمة ...
ثاروا ضد رسام كاريكاتوري جعلوه مشهوراً فهو لم يكن ولا رسموه معروفات ، ولم يثوروا ضد من إستغل الأسلام بصورة بشعة وقذرة ومن زيف وزور الدين ، بل ثاروا ضد من فهم الأسلام مما يراه اليوم من مساوئ غطت المجتمعات الأسلامية ...

يا رسول الله أراك حزين على حالنا وغبائنا وسذاجة تفكيرنا وأكيداً لم تعر إهتماماً لرسم كاريكاتوري لرسام دنماركي كما لم يؤثر بك أبا لهب ولا أبا سفيان ولا أبا جهل ولا جراح السنين ...
وما أقول فيمن قلب الدنيا من سياسيي الخليج وأعضاء برلماناتها الخرساء ورجال دينهم ذوي القوفية البيضاء والحمراء والتي تخفي عقولاً سوداء ، حينما صرح رجل دين كويتي ناقداً ومتهجماً على أم المؤمنين عائشة ، ليشعلوا فتيل الحرب ويصبوا جام غضبهم على رأي رجل دين لا معروف ولا بارز ولا مشهور وقد سفهه أصحابه قبل من ناوئوه ...
لم يحركوا ساكناً لواقع الأمة الأسلامية السيئ وحكام السوء الجالسين على رقاب الناس غصباً وقهراً ، وعلى تاريخنا المزيف والمحرف والمسيس ...
بل ثاروا ضد تصريح من رجل دين في قناة لا معروفة ولا مشهورة ..!!

تعال لنا يا رسول الله (ص) لترى أن أرقى جامعات ودراسات العالم لا في أرضي أجدادنا العلماء بل عند أحفاد السحرة والمشعوذين والمتخلفين في أوربا يوم كان المسلمين مخترعين ...
تعال لتراهم اليوم أسياد العالم بالأختراعات والعلم والمعرفة وحقوق الأنسان ... ونحن وطوائفنا وحكامنا المسلمين ورجال الدين والسياسيين فيقتلون بعضهم بعضاً وبالآلاف ...
تمتلأ السجون عندنا لمجرد التكلم برأي يخالف هوى ومزاج الحاكم المسلم الجائر ، ولمجرد مظاهرة ضده فهي كفيلة بألغاء حياة عشرات الآلاف من الناس رغم أن حرمتهم عند الله أشد من حرمة الكعبة ، كما صرح بذلك الرسول (ص) ...
تعال لترى لجوء المسلمين من اللاجئين سياسياً ودينياً لبلدان أوربا وأمريكا الغير مسلمة ، ففي بلداننا ميزة مصادرة الحريات وتقييدها وقوانين الطوارئ وحضر التجوال والبراعة بالتعذيب والسجون ...
 
هل سمع أحد منكم يوماً لجوء أوربي أو أمريكي أو كندي الى بلد إسلامي و (عربي) حصراً  !!
طبعاً غمرتني الضحكة لدى ذكري فكرة أن يطلب أوربيون اللجوء مثلاً في السعودية بلاد المشاعر المقدسة وبيت الله الحرام ومحل مرقد خاتم الأنبياء والمرسلين ...!!
حقيقة فكرة مضحكة ومستحيلة ...!!
ها ها ها !!! أوربي يطلب لجوء في السعودية ليمارس كامل حريته الدينية والسياسية (فقط لا غير) في المملكة السعودية !!! 
في أرض فيها طوائف إسلامية محاربة ومراقبة ومسجونة لكونها طائفة تخالف مزاج علماء الدولة في المملكة ، فيصادرون حقوقهم لهذا السبب الشنيع ، ولكم أن تتخيلوا كيف سيكون الحال مع غيرهم من غير المسلمين ؟!!
تخيلوا المفاجأة !!
سيكون حال غير المسلمين في بلاد المسلمين أفضل بكثير من علاقة طوائف إسلامية ومسلمين فيما بينهم !!
فدين اليوم جعلوه دين (كراهية .. وبغض .. وحقد .. وغضب) لا دين (سلام .. ومحبة .. وتآخي .. ومسامحة .. والتعامل مع الناس على أنهم بشر أولاً وأخيراً وإحترام الأختلاف) وهذا ما أكد عليه النبي الكريم محمد (ص) مراراً وتكراراً ...

تعال لترى رجال الدين المسلمين يلعبون بالدين كلعب الطفل بالكرة ، ولا يحرصون عليه وأنت الحريص يا رسول الله ووصفك الله بأنك : (حريص على المؤمنين)             
تعال لترى علماء الدين عبيد السلطان والأمير والحاكم على مر السنين  ...
أراك تبكي علينا أننا لا شيء ... أننا أصفاراً في معادلة الحياة ، والصفر لا شيء ... وعار علينا أننا لا شيء ...
تبكي علينا ترى المسلمين أيام كانت أوربا غارقة في وحل الجهل والتخلف وكان علماء المسلمين يبدعون في الكيمياء والطب والجبر والفيزياء والترجمة والتأليف والطباعة وبالمكتبات ...
فتعال لترانا اليوم مستهلكين مستوردين لكل شيء وصناعاتنا الوطنية فاشلة وليست أصلية ومغشوشة ...
وأكثر إعلاناتنا التلفزيونية في القنوات ذات المشاهدة الجماهيرية وإعلاناتها حول (البطن) فقط !!
دعاية نستلة وعصير ومشروبات ومأكولات (ومش حتئدر تغمض عينيك) !!
ومن كان همه ما في بطنه كان قيمته ما يخرج منها . 

دين اليوم دين طوائف لا على أساس أن الطائفة منهج يسلكه العباد لعبادة الله ، بل على أساس أن الطائفة تعبد من دون الله وبغض النظر عن رضا الله ...
نعم هكذا يفكر البعض (وكثيراً ما هم) اليوم ... 
((أنتهى ... وسيتبعها في الأيام القادمة سلسلة مقالات جديدة بعنوان "تعلم الصبر من علي بن أبي طالب لتنال الظفر" أرجو متابعتها))

139
تعال لنا ... يا محمد لترانا .. مسلمين ولا اسلام (الحلقة الثانية 2/3)   

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الثانية)
دين اليوم يا محمد (ص) هو دين (طائفة) لا دين (الله) !! ... يعبدون (الطائفة) لا يعبدون (الله) !! وكل طائفة تحب وتكره الآخرين تبعاً للطائفة والدين ، وما أنت يا محمد بطائفة بل أمة للنهوض ...
وما أنت غطاء لمفاسد الدول الإسلامية الكبيرة من حاكمين وسياسيين ورجال دين التي ترفع كلمات الله وتنسى الله ...
وترفع الأذان بصوت (الله أكبر) ولكن الله ليس أكبر من شهواتهم وأحقادهم ومفاسدهم !!
يرفعون (الأذان) صوتاً ويصمون (الأذان) عن أصوات المظلومين وأصوات الحق وأصوات النصيحة ...
تضج الجوامع بالصلوات في مجتمعات إسلامية كثيرة تغط بالوساخة والنتانة رغم أن (النظافة من الأيمان ) كما أكد على ذلك النبي محمد (ص) ...
مجتمعات تعج بالفساد الإداري والاجتماعي وحاكمين لهم متملقيهم ومغطي مفاسدهم ممن يأمون الناس بتلك الصلوات ...
أنت حربٌ لهم يا محمد ، وما فرقهم عن المشركين !! فاليوم يشركون بالله بأسم السياسة والشهوة والمال والطائفة والقومية ...
من جعل القومية العربية سيدة العالم ... ومن جعل الفارسية أو التركية سيدة العالم ...
لماذا يتفاخرون بلغاتهم وقومياتهم وينسون واقع الناس ودين الله الذي يحرم القومية والعنصرية ... ويحب الأنسان بما هو إنسان ، ويحب الناس بما هم ناس ... ويكرم العقل والأخلاق بغض النظر عن الجنسية والقومية ...
أبصر بحالنا لترانا قوماً يقتلون قوماً ويتشفون بقتلهم وأذاهم لأنهم أتباع (طائفة إسلامية) ويفجرونها تفجيراً ...
ألست يا محمد (ص) من كان صاحبك (سلمان الفارسي) من قال فيه محمد (ص) : (سلمان منا أهل البيت) وقربه ... وبذات الروح ولكن عكسياً طرد النبي (ص) عمه (ابو لهب) فالنبي محمد (ص) للناس جميعاً لا لقرابة هذا ولا لصلة ذاك ...
تعال لترى القومية والمحسوبية والعنصرية والطائفية داء تفشى في المسلمين ... بل اصبح أكثر ما يميز المسلمين عن غيرهم ...
أقول مسلمين ولا أقول إسلام ، فاليوم الأسلام شعاراً ولقباً وقليلاً هم (المسلمين) حقاً !!
كم هو أسفك يا رسول الله (ص) على حالنا وأنت من بعثك الله لإتمام مكارم الأخلاق فقلت حينها (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ... وأنت ترى الكثير جداً من المسلمين بالماضي والحاضر يجتهدون ويبرعون في سوء الأخلاق ونسوا الأخلاق أصلاً وناسي الأخلاق لا يعرف محاسنها ...
تعال لترى أن من يتبع أخلاق الأسلام الكثير من مسيحيي أوربا ويهودها وبوذيي أسيا وسيخها في مؤسساتها وشوارعها وحياتها اليومية رغم عدم إيمانهم بالأسلام !!
ونحن من نسمي أنفسنا مسلمين وأن النظام والأخلاق والعلم من أساسيات الدين الأسلامي وترى فينا الظلم والتخلف والفساد والجهل والطائفية والكراهية والمحسوبية والقومية والفئوية والوساخة وسوء الخدمات أمراض متفشية فينا وفي مجتمعاتنا ولأبعد الحدود ...

سافر إمام الأزهر الشريف الشيخ (محمد عبدة) الى أوربا ورأى الحياة هنالك وعاد لبلد الأسلام قائلاً قولته الشهيرة قبل عشرات السنين : (ذهبت لأوربا فوجدت إسلام ولم أجد مسلمين ، ورجعت إلى بلدي فوجدت مسلمين ولم أجد إسلام) !!
رحم الله الشيخ محمد عبدة الذي توفاه الله قبل عشرات السنين ، وأقول له :
(يا سماحة الشيخ زدنا على سوء الماضي سوءاً أكثر ، بل أسوأ بكثير !! وتحسن حال أوربا عمّا رأيته حسناً كثيراً بل أحسن بكثير !!)
   
أيا من صلى عليه وعلى اله الله وكذا صلى الذين أمنوا وسلموا تسليماً ... صلى الناس عليك يومها فأوقفتهم وقلت لهم لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا وما الصلاة البتراء ؟!!
فقلت : تقولون اللهمَّ صلى على محمد وتسكتون بل قولوا : (اللهمَّ صلِّ على
محمد وآل محمد) لم يضف النبي محمد (ص) لآل محمد اخرين ...
والقران وهو كلام الله وقول النبي شارحاً وموضحاً ، فمثلاً لم يذكر لله عدد ركعات الصلاة فوضحها النبي (ص) بأحاديثه ...
بعض من رواة هذا الحديث (الصلاة على النبي محمد واله وسلم) : (ينابيع المودة لذوي القربى) و (جواهر العقدين) و (الصواعق المحرقة) و (صحيح البخاري)...

تعال لترى من مشمولين بصلاة (اليوم) على النبي ولإضافات الصلاة عليك !!
ومنهم من لدى ذكر النبي (ص) يقول : (صلع سلم) !!
لكي يتجنوا ذكر ال محمد !! لكي لا يحسبوا على طائفة هذا ولكي يبينوا أنهم من طائفة ذالك !! أو يذكروا الصلاة ويحذفوا (ال محمد) لكي لا يحسبوا على طائفة إسلامية تضيف (الآل) لصلواتها كما أوصى النبي بذلك ، وما ينطق النبي عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ...
الى هذه الدرجة دقيقين بالطائفية !!
وأنا أرمز للصلاة بالحرف (ص) لكي يصلي كل من يقرأ مقالتي هذه حسب طائفته !! لأن الحرف (ص) يرمز للصلاة ودلالة ضمينة للصلاة على النبي محمد واله ، وليصلي كل على شاكلته من أراد أن يصلي ...   

ليدخلوا حديثاً على النبي ويا كثر ما زوروا احاديث ونسبوها للنبي ولكن أهل العلم يعرفون أنها مزورة ... (أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديم) ... قالها محمد (ص) ... يا ترى وما هو تعريف الصحابي ؟!!
هو كل من شاهد النبي محمد (ص) !! –طبعاً الكثيرين ممن عاصروا الرسول وصحبوه هم إشتهروا بالعدل والأخلاق الأسلامية الجليلة وهم نور يقتدى به-
والغريب أن كل ذي عينين يشاهد النبي محمد حتى ولو كان زنديقاً ومنافقاً وسكيراً ...
أتعرفون لماذا فعلوا كل ذلك ؟!!
لكي لا يسمون رافضيين لسلطة وحكم بني امية وبني العباس (وقتها) فكانوا يزوقون ويزورون لملوك بني امية وبني العباس ويزينون لهم سلطانهم وكل من رفض حكمهم فهو : رافضي .. خارجي .. شق عصا الطاعة .. خرج على امام زمانه -يقصدون الحاكم- .. خرج على الحاكم مفترض الطاعة ولو كان ظالماً ...!!
ونسبوا بذلك أحاديث للرسول ... لأن من رواها صحابياً شاهد الرسول بعينيه !!

كان المعنى السائد من (التسليم) في زمن الرسول محمد (ص) هو التسليم (لله) ، ولكن تحول معنى التسليم فيما بعد وفاة الرسول محمد (ص) الى التسليم (للخليفة)...!! حتى لو كان فاسداً .. ظالماً .. مجحفاً .. مزوراً .. ضعيفاً .. مغفلاً .. شهوانياً !!

ها هو التاريخ يأبى إلا أن  يحدثنا بمفاسد الأمة الأسلامية الكثيرة ، رغم كونها أمة سيد الأنبياء وخيرهم وخاتمهم محمد (ص) ...
حروب الفتوح الأسلامية وسيل الدماء وقتل الناس وإكراههم على الدخول في الأسلام رغم أن الله يقول (لا إكراه في الدين) ... ليعود في حد المرات قائد أحد جيوش الفتوحات الأسلامية من غرب الأرض ومعه (1000 جارية) !! له فقط !!
( 1000) جارية كانت غنيمته لفرض الأسلام بتلك الأراضي التي لا تدين به ، وهذه الألف فقط لقائد الجيش ، ولكم أن تتخيلوا كم إستحوذ بقية العشرات الآلاف من الجنود ...!!
أليس هذا إحتلالاً ، يا من تدعون أنكم حرباً للأحتلال اليوم !!
وإن كانت الجواري (1000) لقائد الجيش فقط فكم سيكون عدد القتلى !!
أسيكون مثل عدد قتلى الحروب الصليبية التبشيرية (المقيتة) التي قتلت في امريكا الجنوبية فقط (20 مليون إنسان) بمباركة البابا وقتها لتحويلهم للمسيحية !!
أليس رجال الدين المسلمين ينتقدون الحروب الصليبية ، فما بالكم تباركون فتوحات إسلامية قتلت الالاف من الناس ...
ضعوا هذا الرقم بالبال وساتيكم برقم جديد وهو (1000) قتيل من المسلمين والكافرين هو حصيلة (25) سنة من رسالة رسول الأنسانية والسلام محمد (ص) ...
بخمسة وعشرين سنة سقط (فقط) (1000) قتيل حصيلة جميع حروب الرسالة الإسلامية بقيادة النبي محمد (ص) وجميع حروبه كانت (دفاعية) ولصد هجوم مسلح على المدن الأسلامية ...
حروب دفاعية ولم يبدأهم النبي (ص) يوماً بقتال ...

تخيلوا أن معاوية حشد (60) الف مقاتل لقتال علي خليفة رسول الله في حرب صفين فقط !!
وأبن معاوية (يزيد) قتل فقط في واقعة الحرة الشهيرة حوالي (12) الف انسان من المسلمين حتى سالت الدماء ولامست أستار الكعبة !!
 
غيروا معالم الأسلام وقواعده بما يتماشى مع شهواتهم وبقاء سلطانهم ... كما غيروا معنى التسليم من تسليم لله الى التسليم لخليفة الله ...
ويا لله من خليفة هو يكون في صدارة من يهدر ويبذر ويفسد ويحطم مبادئ وأركان التسليم لله ...
كان أغلب من امن برسول الله محمد (ص) في بادئ الأمر من المحرومين والمستضعفين ومن ضحايا الأرستقراطية والأسترقاق والتعصب القبلي ، وكان كبراء العرب مستهزئين بمحمد ويؤذوه ...
ولا أعرف كيف يحكم الأسلام ويسمونه خليفة الأسلام من (قصره) فاق نظيره ما لأباطرة أوربا وملوكها ... وثروته لا حد لها ...
أحد الصحابة ممن امن بمحمد (ص) وكان لا يمك شيئاً ولكن بعد وفاة الرسول (ص) قد عاصر هذا الصحابي الخلفاء الأربعة وحارب الخليفة الرابع (علي بن ابي طالب) بمعركة الجمل ، ولما قُتِل تبين أن له (1000) عبد يعملون تحت سلطته وهو يدفع أجورهم يومياً ... !!
تخيلوا حجم ثروته ...!!  ... وكيف جمع تلك الثروة ... !!

أول من بنى قصراً في الأسلام هو معاوية بن أبي سفيان ، وقد إهتم ببنائه غاية الأهتمام وإستخدم معماريين من الروم وإيران وكان يشرف عليه شخصياً ويحضر هنالك يومياً يطيل النظر إليه تلذذاً ، وكان الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري (رض) يحضر عنده كل يوم –وكان أبو ذر يوماها منفياً الى الشام لكثرة إعتراضاته على فساد الخلافة الأسلامية وولاة المدن وقتها-
كان أبو ذر يصرخ بمعاوية الواقف قرب قصره قائلاً :
(إن كان هذا من مالك فقد سرقت ، وإن كان من مال الناس فقد خنت)
لم يكترث معاوية الذي أستسلم يوم الفتح أكثر من كونه أسلم ولم يعر أدنى إهتمام لأقدم الصحابة ومن أكرمهم عند رسول الله (ص) ولا لنصائحه ... وأكمل معاوية بناء القصر وسماه القصر الأخضر نسبة الى لونه ... فلم يدم له ولم يطل حكمه فيه ...   
وكم من معاوية اليوم (وما أكثرهم) من حكام ومسؤولين وأحزاب ورجال دين وكم (أبو ذر) يصرخ بهم ناصحاً ويعطونه (الأذن الطرشة) ...
 وها هو أحد أمراء المؤمنين وخليفة المسلمين كان قد أهدى لزوجته (نائلة) قلادة تفاخرت هي بها بأن قيمة تلك القلادة تعادل قيمة ثلث خراج أفريقيا ...  !!
هذا ما يحدثنا به التاريخ وكتب الحديث وهي موجودة في كتب معتبرة فقط راجعوها ..!!
واليوم ... وما إن توضح تلك الحقائق التاريخية الغير مزورة والمحققة والمدروسة علمياً حتى يتهموك بالطائفية ...!! وما أن توضح فساد التاريخ ، وفساد الحكام المسلمين الماضيين حتى يسموك فاسقاً ...!!
وفي الكثير من الأحيان القتل أو التفجير أو هدر الدم !!
وما إن تفصح عن الحقيقة حتى تصبح كلباً ابن ستين كلب ..!!
((يتبع في الأيام القادمة إنشاء الله الحلقة الثالثة والأخيرة))

140
تعال لنا ... يا محمد لترانا .. مسلمين ولا إسلام (الحلقة الأولى 1/3)   

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الأولى)
(ما أوذي نبي مثل ما أوذيت) ...
حديث قاله النبي محمد (ص) متأذياً من ألم الرسالة وأن شر الناس تسيء لخير الناس وتؤذيه وتهينه ، وما من يوم عاد لمنزله (ص) في ماضي الزمان ، ولما يراه بحالنا بحاضر الزمان إلا وهو مليء بجراح الروح والجسد ...
جراح الجسد أيام الدعوة السرية والعلنية من قريش والمشركين والمنافقين ...
وجراح الروح اليوم من المسلمين قبل غيرهم ...

ما من ساعة يرانا محمد (ص) اليوم وما نفعله وما يقترفه الكثير من الحكام المسلمين .. والمسؤولين المسلمين .. والسياسيين المسلمين .. ورجال الدين المسلمين .. والمفتين المسلمين .. وأحزاب المسلمين .. وقيادات المسلمين .. والناس المسلمين .. من مساوئ كثيرة ، وإنتهاكات كبيرة في حق الدين والناس والآخرين ، وكثيراً مما ملئت قلب النبي جراحاً ...
لذلك لم يؤذى نبي كما أوذي محمد (ص) في أمته وهو خاتم الأنبياء والمرسلين وسيدهم ...
 
أن يصبح الحاكم (المسلم) وخصوصاً في جميع البلدان (العربية) في ماضيها وحاضرها دكتاتوراً ظالماً ...
والدكتاتور يصنعه الناس ، بسكوتهم عنه وعن مساوئه مرة أولى ... وبالتملق له مرة ثانية ... وبجهلهم بمخططاته وظلمه مرة ثالثة ... وبعدم التصدي لإيقاف ظلمه مرة رابعة ...
حينما يصبح الحاكم والمسؤول والوزير والقائد لا أسوة حسنة يُقتفى أثرها ، بل حالة سيئة أعاذانا الله من شرها  ...
بل يصبح ظالماً فاسداً عنيفاً قاسياً مبذراً قاتلاً مجرماً وهو يصلي ويصوم .. وحاشيته تصلي وتصوم .. وحزبه ومسؤوليه وملحقاتهم يصلون ويصومون ..
جميعهم يصلون فرائض الصلاة ويصلون على النبي لدى ذكره ويدعون وصلاً برسول الإنسانية والخير والمحبة وحب الإنسان ...
ولم يرسل الله محمداً (ص) ليجعل الناس تصلي وتصوم وإنما بعثه ليتمم مكارم الأخلاق ، وبعثه للتعليم ، وبعثه لتخليص الأنسان من ظلم الأنسان ...
يقول (ص) : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، ويقول (ص) أيضاً : (إنما بعثت للتعليم) ...
أرسله الله ليخلص الناس من ظلام الجاهلية ومن الظلم والعبودية والفساد وينصر المظلوم ولو كان عبداً حبشياً (بلال) ويحارب الظالم ولو كان سيداً قريشاً (عمه أبو لهب) ...
جاء محمد (ص) لأجل الأنسانية ولنشر الخير والفضيلة وطلب العلم والأخلاق الحسنة والأمانة والعدالة والحرية ... وما الصلاة والصيام والزكاة والحج والخمس والصدقة وغيرها من العبادات إلا منهج إختباري .. تهذيبي .. تقويمي .. عبادي .. ولن ينال الله منها شيئاً ولكن يناله التقوى منكم ...

التقوى أي أن تكون تقياً في حدود الله التي أتى من أجلها محمد (ص) ، لا صلاة تبكي بها أو تتباكى وفي داخل نفس النفس التي تبكي تلقاها نفس سوداء قاسية قاتلة سارقة بغيضة محترقة بنار الكراهية والعدوان والسلطة والطائفية والقومية والعنصرية والمحسوبية ومصادرة حقوق الناس .
من الممكن البكاء لأي موقف عاطفي ...
محمد (ص) أرسله الله للناس كافة كرسول خير ورحمة لا أن يقتل ويتحارب ويتعارك بسبب إسمه الناس اليوم مما جعل الإسلام ينظر اليه بأنه دين الكراهة والقسوة والعنف والقتل ممن قاسوا الأسلام بتصرف الناس ولم يدركوا معنى الأسلام الحقيقي الغير مطبق اليوم ...
من ذلك تأذى ... وسيتأذى .. ويبقى متأذياً !!
إن بقيت حالتنا هذي الحالة ... وحتى نغير سوء حالنا الى أحسن ما أراد لنا (ص) ...
متأذياً مما نفعل ومما نريد ، وأن ما نفعله لا ما كان محمد (ص) يفعل ، وأن ما نريد لا ما أراد محمد (ص) ... !!
وأحاديث محمد (ص) التي كانت دستوراً وواظب بنفسه (ص) وأهل بيته (ع) وأصحابه (رض) على أدائها وتطبيقها ، أصبحت فيما بعده أحاديث للاستئناس وزينة القول ، وزوراً ونفاقاً وسلعة تباع وتشترى لا منهج يتم التقيد به ...
آذته (ص) أن يصبح المعروف منكراً ويصبح المنكر معروفاً ...
آذته (ص) أن يأمر الناس بالمنكر وينهوا عن المعروف ...
آذته (ص) أن يكره الناس الحق ، وأصحاب الحق ، وقول الحق حتى صار (أكثرهم للحق كارهون ) ...
آذته (ص) أن تصبح السلطة مغنماً لا مسؤولية ، وأن تصبح غاية لا وسيلة ...
آذته (ص) أن يحكم الناس أسوأ الناس لا خير الناس ... وأن تصبح الناس عبيد الدنيا ، وإذا مُحصوا بالبلاء قلّ الديانون ...
تعال يا محمد (ص) لنا ... يا من كنت متواضعاً ، وكان الغريب يدخل مجلس الرسول (ص) قائلاً أيكم محمد !!
لأن لا يوجد ما يميز النبي عن غيره لا في جلسته ولا لبسه ولا هيئته .
تعال لترانا نقدس اللباس .. ونحترم الناس على مقدار اللباس في أحياناً كثيرة لا على أساس العقل والأخلاق وهي أساس الأحترام ...
نحترم المعمم لعمامته ، ونحترم ذو الملابس الرسمية والرباط لربطته ونحترم ذو القوفية والعقال لعقاله ولا يجلسون إلا في صدر المجلس ويزعلون لو لم نفعل ذلك .. وذوي العلم والأخلاق لو كانوا عاديي اللباس أو (كجوال) لم يعبئ بهم أحد ولا لقولهم ...
ونحترم المسميات والألقاب والعناوين الوظيفية لا الأخلاق والعلم والعطاء ...
تعال يا من كنت سمحاً خلوقاً طيب القلب جميل الكلام ، لترى رجال الدين المسلمين قبل الناس ، تراهم ذوي غلظة وفضاضة وقسوة وخشونة ...   
تعال لنا لترى بلداننا المسماة إسلامية ... ترى المساجد تغص وتضج بالمصلين من مسؤولين ومواطنين ... وإذا محصوا بالبلاء قل الديانون ... فالناس عبيد الدنيا لا عبيد الله ، والدين لعق على ألسنتهم ...
تمتلئ المساجد بأناس تلعنهم قبل غيرهم ... وبأقل إختبار تلقى الصلاة وراء الظهور ولا خير في صلاة تلقى وراء الظهر .. كما لا خير في صلاة يؤديها من لا يعرف قدرها أو يؤديها إسقاط فرض .. ولا خير في صلاة لا تنهى عن فحشاء أو منكر ...
وأشد الفحشاء والمنكر ما كان فيه أذى الأخرين وضرر الأخرين ، وها هي أمتنا الأسلامية و(العربية خصوصاً) من أكثر الأمم ضرراً بالأخرين وبأنفسهم أيضاً قتلاً وأحقاداً وطائفية وفساداً ورشوة وظلم ودكتاتوريات وسوء خلق ... جميعهم معنونين (مسلمين) ...
سوء خلق بالوساخة وعدم الألتزام بأدب الطريق وعدم الألتزام بطلب العلم وعدم التمسك بالسلوكيات العامة وعدم تمسك الموظف بأداء واجبه على أحسن ما يكون ، وعدم فعل أي فعل ديني أو دنيوي يسبب ولو ضرر بسيط لفرد واحد ... حتى لو كان الضرر دخاناً من سجارة أو صوتاً عالياً ولو كان يصدح بنشيد ديني أو قراءة قران ...
سوء الخلق عدم مواساة الناس في أحزانهم ، وعدم الفرح لفرحهم ، وأن تحب لأخيك (لا) ما تحب لنفسك ، وخير الناس من نفع (نفسه) لا خير الناس من نفع الناس ...
هذا سوء الخلق لا ما يتصوره أغلب الناس في مجتمعاتنا بأن سوء الأخلاق شابة  تلبس خليع وشاب يلهث ورائها ... وهذا سوء خلق أيضاً ولكنه فرع صغير تحت العناوين المهمة المذكور أعلاه ...
هذا سوء الخلق الذي حاربه الأسلام وقد بعث الله النبي ليتمم مكارم الأخلاق وهي عكس مساوئ الأخلاق المذكور بعضها مثالاً في هذي المقالة .

إسلامك يا محمد خير وإسلامهم شر ...
أسلامك يا محمد نور وإسلامهم ظلام ...
إسلامك يا محمد خلاص وحرية وإسلامهم سجون وعبودية ...
إسلامك يا محمد بالعقل والأخلاق وإسلامهم بالشهوة وقلة الأدب ...
إسلامهم إسلام ما تشتهي النفس وتريد ... ولو علمت يا محمد بما في نفوسهم وما تريد تلك الأنفس ...
لصرت حرباً كحربك أبا لهب وجهل ...
لصرت حرباً لهم لأنك تأبى أن يكون إسمك مرفوعاً بمكبرات الصوت وبشعارات قطع القماش ليغطي مفاسد دكتاتوريات وشعوب ورشاواهم وأحقادهم وشهواتهم ...
أنت تريد أن تكون مبادئك وتعاليمك مرفوعة لا قطع القماش ومكبرات الصوت ...
وها هي أحاديثك الشريفة تتداولها الألسن لا العقول ...
تتداولها الألسن لمتعة الكلام ولهو الحديث وفي التطبيق صفر...
صفر اليدين تطبيقاً عملياً ومائة بالمائة كلاماً نظرياً ...
مساجد وشعائر وطقوس عبادية أكثرها أفرغها من يؤديها من مغزاها ومقصدها وسبب تشريعها من الله سبحانه ...
شعائر وطقوس عبادية لا تؤثر بالواقع ولا بالمجتمع ولا بالحكم ولا بالسياسة ولا تهذبه ولا تزيد خيراً ولا تدفع باطلاً ولا تزيد بالتقوى ولا تحصل علماً ينتفع به ولا إصلاحاً من مفاسد كثيرة لا في المجتمع ولا بمن يؤديها ...
ولا خير في عبادة وطقوس لا تحقق ذلك ...
   
أعرفتم لماذا لم يتأذى نبياً كما أوذي محمد خاتمهم وأفضلهم ...
تأذى (ص) حينما رأى الناس تشرك بالله وهم يعبدون الله ويصلون ويصومون ممن أتخذ إلهه هواه وأضله على عمى ...
وما فرق عبادة الأصنام عن عبادة السلطة والكراسي والخضوع للظالمين وعدم الأهتمام بأمور الناس و(من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم) كما قالها (ص) الذي كان يهتم بأمور المسلمين ويتأذى لأذاهم ويفرح لفرحهم بغض النظر عن قربهم وبعدهم له وعنه (ص) ...
أو ممن جعل مقر حكم الأمة الإسلامية مرتعاً للراقصات العاريات والجاريات الفاتنات وشرب الخمور وطقطقة الأقداح على أصوات غناء وعزف ألحان الغلمان في الصباح والمساء ... ويمون أنفسهم (خلفاء مسلمين) و (أمراء مؤمنين)
كانت كذلك مقرات الخلافة الأسلامية ، والتي ألهمت دكتاتوريات اليوم فسادهم وطغيانهم ...

مظاهر فساد يحدثنا التاريخ بها ولا نعرف كيف نغطي الفضيحة ...
هم أنفسهم من حكموا حاولوا تزييف وتزوير التاريخ والسنة النبوية وأشتروا الأقلام الرخيصة وقتها أيام حكم سلاطين (آل أمية) و (بني العباس) وأحفادهم (لليوم) ... لتثبت لهم أحقية عرشهم وسلطانهم (وتحريم الخروج عليهم) وتغطية فسادهم بمبررات واهية ، وتزييف التاريخ وتحريف الأحاديث وأن يجعلوا الباطل حقاً .. والشر خيراً .. والرذيلة فضيلة ...

علماء ووزراء وسياسيين كانوا يصلون ويصومون وقاموا بذلك في التاريخ القديم واليوم يكمل المسيرة علماء ووزراء وسياسيين يكملوا مسيرة السوء الماضية بشكل جديد ولكنهم باقين يصلون ويصومون أيضاً ...
وأنطلت الحيلة على الجهلة والهمج الرعاع في الماضي واليوم ، ولكن وعاها وفهمها الواعين المتفكرين والله يحب المتفكرين  ويمقت الجهلة والمزورين ...
كانت مقرات حكم المسلمين وبعضها (لليوم) فاسدة بل أكثر فساداً من فنادق وصالات وبارات مدينة الملاهي (لاس فيغاس) ...
هل رأى أحداً منكم اليوم وعلانية حاكماً أوربياً أمريكياً أسيوياً أفريقياً يحكم وبجنب كرسي حكمه وأمامه راقصات شبه عاريات ترقص ، وقدح خمر يحتسى لا يفرغ إلا لدى نوم (خليفة المسلمين وأمير المؤمنين) وفي العلن وفي مقر الخلافة والحكم حتى في أكثر الأنظمة الأوربية والأمريكية إنفتاحاً ...
بل تسمي الأنظمة الأوربية والأمريكية المنفتحة من يقترف ذلك بأنه فاسد ، وفي صحفهم يسمون من يفعل ذلك اليوم فضيحة (فضيحة مونيكا لوينسكي مع الرئيس الأمريكي بيل كلنتون ، فضيحة برلسكوني اليوم مع فتاة شابة وقد إستدعي للمحاكمة ...!!)
ونحن نسمي من يفعل أتعس وأدهى من تلك الأفعال المسماة اليوم (فضيحة) نسميهم (أمراء مؤمنين وخلفاء مسلمين) وبالنسبة للحكام فيحرم الخروج عليهم بفتوى علماء مسلمين ماضين وحاليين ، فلا يجوز الخروج على الحاكم الظالم ولو كان فاسداً ... !!
ولما حلت الثورات ببلاد العرب والأسلام وهي أكثر البلدان دكتاتورية ترى المفتين ورجال الدين يحللون ثورة ويحرمون أخرى بما تشتهي النفس وتريد ...
((يتبع في الأيام القادمة إنشاء الله الحلقة الثانية ))

141
قالوا مات العراق فقلت من أحيا العظام وهي رميم (الحلقة الرابعة والأخيرة 4/4)

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الرابعة والأخيرة)
كانت هذه الكلمات مطلع الحلقة الأولى من المقالة وثانيها وثالثها وأحببت أن يكون مسك ختامها بمطلعها ، فهي كلمات لا ينفع أن تقال لمرة واحدة بل لتكرر كي تذكر من أصابه نسيان أو لم يتأمل بها جيداً ... فأحببت تكراراها تذكيراً بروعتها مرة أخيرة ...
فقد قال الجاحظ قبل (1143) سنة من تاريخ اليوم :
(إن العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء هي أنهم أهل نظر وفطنة ثاقبة ...ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث ...ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء ...ومازال العراق موصوفاً بقلة الطاعة وبالشقاق على أُولي الرئاسة)

وبعد ...
فيا شعوب العرب وأضعكم أولاً قبل أن أخاطب حكامكم لأنكم أشرف وأنظف وأحكم وأنزه وأكثر نبلاً من حكامكم ... ويا باقين من حكام ثانياً ويا مخلوعين ثالثاً ...
سأخبركم من هم العراقيين ...
لا تعريفاً بهم فهم معروفون ...
ولا وصفاً لهم فوصفهم واضح للعيون ...
ولا شرحاً بحالهم ، فحالهم معروف لمن هم يعقلون ...
ولكن سأذكركم بهم فهل أنت على الأقل تتذكرون ...

هم من قالوا (لا) للحكام الظالمين قبل عشرات السنين من ثورات اليوم ، قالوا (لا) للظالمين لما سرق حزب البعث الظلم السلطة من اخر زعيم للفقراء الشهيد (عبد الكريم قاسم) أخر الزعماء العادلين ...
قالوها وحيداً رغم قلة الناصر وخذلان الأصحاب ومكر الأعداء ...
قالوها وحيدين فتعجب فرعون العراق كيف علت صرخة ثوار العراق وأحراره على كل ما دفعه من أموال لقنوات تلفزة ومحطات راديو وصحف ومجلات وكُتاب وممثلين وشعراء وفنانين قد إشتراهم البعث ببخس دراهم معدودة ليغطوا دخان الأيام .. ونتانة الساعات .. وقبح الدقائق .. مما كان يحصل في العراق يومها فتفاجئوا بصرخة العراق التي طهرت الأرض من الأرجاس ...
والصرخة تطهر أيضاً ...
ولكن جائت أمريكا لتنصر نصيرها وصنيعتها كبقية أكثر الحكام العرب ، جاءت لترضيه من جديد بعد أن راضاها وتملق لها وعقد معهم إتفاقية في خيمة سفوان بالبصرة جنوب العراق ووقعوا على موت الشعب العراقي ، فقمعت أنتفاضة العراق في سنة 1991 وقتلوا الآلاف من الناس وسجنوا أضعافهم وهرب من العراق أضعاف أضعافهم .
خانت أمريكا كعادتها عهد الحرية والتحرير ... وتناست أمريكا أن نصب الحرية قائم بعاصمتها نيويورك ...     
لتعود أمريكا اليوم لتسقط صدام لأحتراق ورقته بالنسبة لهم ، وقد أسقطه العراقيين قبلهم بسنين طوال ولكن دافعت  عنه جميع حكام العرب وأمريكا من خلفهم فعد من بعد السقوط ..
وأسقطوه ثانية في 2003 بتركه وحيداً ولم يدافعوا عنه ، ولم يرحب الشعب العراقي بأمريكا أيضاً ولم يوافق الشعب على تواجدهم على أراضية وفرضوا الأنسحاب عليهم من العراق ...

قتلوا العراقيين بفتاوى الجهاد .. وبيانات المقاومة .. وتحاليل السياسيين .. ونشرات الصحف .. وتغطيات الأخبار .. كلها تجمعت فيما بعد سقوط الصنم عام 2003 كما تجمعت قنوات تلفزة ومحطات راديو وصحف ومجلات وكتاب وممثلين وشعراء وفنانين قد إشتراهم البعث ببخس دراهم معدودة سنة 1991 لتشويه الأنتفاضة ومنع نشر وسائل القمع الوحشية التي إستخدمت لكل من صرخ بالحرية في زمن حكم صدام ...
لكن هذه المرة كان الموقف بحلة جديدة ، فبالمقاومة مرة وبالجهاد مرة أخرى وبالتحرير مرة ليست أخيرة لتتوالى المرات والهجمات من ذوي الضمائر المعروضة للبيع لمن يدفع أكثر على شعب العراق من جديد ...
وهذه المرة كانت المبالغ المدفوعة أكثر فاليوم انترنت وفضائيات ... و (facebook)
كلها تجمعت ضد العراق ... رغم رفضه للأحتلال وبقائه داخل أراضيه رغم أن كبرى القواعد الأمريكية الثابتة موجودة قرب بيت الله في السعودية وقرب منامة البحرين ودوحة قطر وسلطنة عمان وصنعاء اليمن وعمان الأردن واسطنبول تركيا ...
والعراق رغم ضعفه وكسر جناحه قال لا نريد للمحتلين البقاء أكثر ... لوم يرحب ببقاء قواعدهم على أراضيه رغم قسوة نظام الظلم السابق ...

ورغم عدم تدخل العراق بشؤون الآخرين فترى جميع اولئك الآخرين يتدخلون بشؤونه ...

ولكن بقت كلمة النفي وصرخة (لا) التي أطلقها من كربلاء العراق سيد شباب أهل الجنة الأمام الحسين ضد الظالمين المسمين أنسهم (أمراء مؤمنين) قائلاً :
(لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد)
كلماتك يا حسين تلهم الأحرار أن قولوا (لا) للظالمين ... 
وإستمرت صرخة (لا) وتناقلتها طوابير طولها مئات الآلاف من الأحرار منتظرين تنفيذ الإعدام والقتل والدفن أحياء والتقطيع بالمثرامات البشرية وبسم (السيانيد) وبأحواض الأسيد (التيزاب) وبضربات الكيمياوي والطائرات والدبابات والمدافع .
لم تتوقف صرخة (لا) ضد ظلم البعث وبأعلى الأصوات ...
ليسمعوا من عاش ومن مات ...
بأنا ماضين على الأثر ، وحتى سقوط الصنم في سنة 2003 ...
ولكن عشرات الالاف من شهداء العراق قدموا أرواحهم فداءاً لله والحرية ، لا لتصبح اليوم فيما بعد سقوط الصنم كسلعة تاجر في سوق المتعة ...
جعلوا من دماء الشهداء أرباحاً لهم ووسيلة لتحصيل المناصب والغنائم ...
وهم من كانوا يسمون أنفسهم من قبل معارضة ...!!
 
أحتفل بالحرية والتحرير ، وإستهجن الشعب حالات السلب والنهب والسرقة فتطوع الشباب وأتشرف أن أكون أحدهم للدفاع عن مؤسسات الدولة أيام لا نظام ولا شرطة ولا جيش ... وحتى إنقضت المحنة ...
ولما ظهر الفساد في من إنتخبهم الشعب من برلمان وحكومة ورئاسة ، فصرخ الشعب (لا) للفاسدين ...
وتواصلت صرخة (لا) حتى بعد سقوط النظام السابق وهذه المرة ضد ظالمين جدد ...
وفاسدين جدد ...
فالحر الواعي الفطن لا تهمه الأشكال والأزياء والمذاهب والمظاهر ...
فالمظاهر في أكثر الأحيان خادعة ...
ولو كانت بزي عمامة رجل دين ، أو بربطة عنق جنتل مان أو خلف حجاب إمرأة أو خلف حل شعر أخرى ...

العراقيون من ذاقوا مرارة مناصرة الأخوة العرب لأنظمتهم وحكامهم في عدم مساندة العراق والأخذ بيده ومعونته بعدما ذاق الويلات والحسرات من نظام الظلم السابق ...
فهذا من لا يعترف بالعراق الجديد ، وهذا من يغلق سفارته ، وبعضهم (لليوم) لا توجد له سفارة في العراق بينما توجد سفارات أكثر الدول الأوربية والأمريكية في العراق ، وهذا من يشترط أن يعطوه نفطاً عراقياً خالصاً ورخيصاً لكي يدعم العراق وحريته ...
وهذا من ينفذ مشاريع سدود على منابع وممرات دجلة والفرات لتحصل في العراق جفاف وشحة مياه ويموت الزرع ...
هذان النهران الذي لم يذكرهما التاريخ على أنهما تركيان و سوريان بل نهران عراقيان وسموا العراق (بلاد الرافدين) وحضاراته (حضارة ما بين النهرين) ... ليستغل اليوم القوم ضعف العراق فلا يكتفوا بأذى شعبه ودعمهم لفصائل مسلحة تخرج من أراضي سوريا وبقايا عصابات نظام ظلم صدام تفتح مقراتها وبكل صلافة في سوريا ... ويساهمون بشكل مباشر بقتل العراقيين يومياً ...
لم يكفيهم كل ذلك القتل ليقتلوه عطشاً هذه المرة أو تعطونا نفطاً !!
 
بعدما ذاق العراقيون الويلات والحسرات ، ليذوقها مرة أخرى بفضل سكوت ومساندة وتأييد من بعض من هم يصرخون بالثورة اليوم ضد الحكام الظالمين ...
العراق رغم تفجيرات المراقد والمساجد والكنائس والحسينيات لم تحصل فيه فتنة طائفية ما عدا بعض الجماعات المسلحة فقط ، فترى علماء دينه البارزين من مسلمين سنة وشيعة ومن مسيحيين وصابئين ويزيديين وجميعهم ذاق مرارة التفجير والقتل ، ولكن قياداتهم الدينية بقوا ذوي فطنة ودارية وصبر وأخلاق وأتباعهم من الشعب بالملايين ...
فلم ينخرطوا في الفتنة حتى بذلك الكم الهائل من العنف الطائفي ...
بينما لتفجير كنيسة وحدة في مصر حدثت فتنة ومطالبات بحقوق وحتى قبل أيام قليلة بين مسلمين ومسيحيين (طبعاً الأزهر الشريف والقيادة المسيحية القبطية منهم براء أكيداً) ...

سيبقى العراق عاصمة الأحرار وليخسأ من يعارض ذلك وليموت بغيضه حاكماً كان أو محكوم ، وتبقى (بغداد والشعراء والصور) التي كتبها اللبنانيان الأخوان رحباني وغنتها السيدة فيروز ، تبقى كلمات تصرخ أن إبقى شامخاً يا عراق ...
فيما يلي مقتطفات من القصيدة الرائعة :

بغداد و الشعراء و الصور           ذهب الزمان و ضوعه العطر
أنا لوعة الشعراء غربتهم             و شجي ما نظموا و ما نثروا
أنا حب أهل الأرض يزرعني             وتر هنا و يشيل بي وتر
عيناك يا بغداد أغنية                    يغنى الوجود بها و يختصر
لم يذكر الأحرار في وطن                إلا و أهلوك العلى ذكروا

ولا أنسى أن أنادي بمن يحكم العراق اليوم من أحزاب وقيادات ومؤسسات ومحاصصات ورئاسات ثلاث (برلمان وحكومة ورئاسة) ...
أقول لكم وأصرخ فيكم يا محافظين ومجالس محافظات ومدراء ومسئولين الذين لم يحكموا ولم يصلوا للحكم إلا بفضل دماء شهداء العراق وتضحياتهم وصبر العراقيين رغم المحنة ومرارة الأيام ورفضهم لصدام وظلمه ، وتحاملوا على أنفسهم وتضوروا جوعاً وشبعوا فقراً ولم يقبلوا بصدام وزبانيته ولا بحزبه ولا بأنقلابه ...
إليكم جميعاً أقول :
لو حضر الشهداء من هم أحياء عند ربهم يرزقون وأنتم بأسمائهم تسترزقون ... فكلفة ساعة واحدة يجلسها برلمانيو العراق ومن هو غائب عن حضور الجلسات أصلاً ولا يوجد من يحاسبه ... فمثلما تشرعون ما يصب في مصلحتكم ورواتب أحدكم (22,500) دولار شهرياً نقلاً عن الأسيوشيتد برس رواتب (فقط) لا منافع إجتماعية ولا نثريات ولا سيارات ولا بيوت ولا سفرات ولا شيء من هذا القبيل ، فقط رواتب مجلس النواب العراقي ككل يكلف العراق كل ذلك ...
فلا تنسون الشعب المظلوم المحروم الذي أنتخبكم وأوصلكم لا لتشرعوا مميزات رواتبكم بل لتشرعوا وتسرعوا بتشريع وتسهيل قوانين لخدمة الشعب .

لو حضروا وتجمعوا اليوم ليروكم يا سياسيي العراق الجديد (عراق الحرية) تحكمون بهذا الشكل المزري وبهذه اللامسئولية ووجود هذا الكم الكبير من الفساد وقلة الخدمات والمحاصصات في توزيع المناصب والوزارات فماذا سيكون جوابكم ؟!!

أجيبوا ضمائركم وأعلموا أنكم لو أجبتموها بصدق سيسمعكم الشهداء حينها .   

142
قالوا مات العراق فقلت من أحيا العظام وهي رميم (الحلقة الثالثة 3/4)

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الثالثة)
كانت هذه الكلمات مطلع الجزء الأول السابق من المقالة والثاني اللاحق منها فارتأيت تذكيركم بروعتها مرة أخرى ، وكأنه أصبح لابد من التذكير بها ...
فقد قال الجاحظ قبل (1143) سنة من تاريخ اليوم :
(إن العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء هي أنهم أهل نظر وفطنة ثاقبة ... ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث ...ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء ... ومازال العراق موصوفاً بقلة الطاعة وبالشقاق على أُولي الرئاسة)

وبعد ...
فشعب العراق شعب توالت عليه ذئاب الفلوات ، وضباع الجيف والأموات ... لتنهش في لحمه وأرادت قتله فوجدته لا يموت !!
لأنه شعب وُجِد ليحيى بل ليلهم الحياة ...
فشعب فيه وبضميره ووجدانه يعيش (علي) و (الحسين) هو شعب لا يموت ...
شعب قتلوه وشنقوه وسجنوه لكي يؤيد نظام الظلم السابق فأبى وقال (لا) للظلم والظالمين ، رغم قسوة ظلم ذاك النظام وبشاعة وسائل تعذيبه وشدة سجونه وبطشه ...
قصفوا الشعب الأعزل بالمدافع والدبابات والطائرات ولم يمت ولم يسكت ، بل زاد الصراخ بالحرية ...
فهو شعب وُجد ليعيش حراً أو يموت محارباً لنيلها ...
ولما سقطت الأصنام ووضعوا الفأس برأس كبيرهم ... وكسرها الشعب لأنه شعب يعبد الله ولا يشرك بعبادته لا صنماً ولا هبل ولا اللات ولا العزى ...

ولما سقطت الأصنام جائت وحوش وبأسم التوحيد من تكفيريين أرهابيين وبدعم من بقايا نظام الأصنام السابق ومخابرات الدول العربية المسلمة ومعهم المسلمة إيران ورؤوس أموال الخليج وكلاً يدعم بميليشيات طائفته ومن تسير بهواه لتلملم وتبني الأصنام المتكسرة فوجدتها لا تبني على تربة طاهره ...
حاولوا ولكن لم يرتفع بناينهم يوماً ولم يعلوا القواعد ...
جائت غربان تنقر في جراح العراقيين وتشرب دماه تشفياً وتقول له سأشافيك !!
وتقطع أوداجه تفجيراً وتقول له سأعافيك !!
وتقتله شر قتلة وتمثل بجثته تمثيلاً وتقول له سأآتيك بالمساعدة سأآتيك !!
وهكذا دواليك .. دواليك !!
وسياسيين العراق الجدد والمعارضين القدامى والحاكمين اليوم أشد خبثاً ومكراً وفساداً ...
وهذا الشعب صابر والله يحب الصابرن العاقلين لا الصابرين الجاهلين المغفلين ...
حتى مات من مات ، وقُتِل من قُتِل ، وإستشهد من إستشهد ، وجُرِح من جُرِح ، وتشوه من تشوه ...
طبعاً عبارات (موت) (قتل) (شهادة) هي مصطلحات كانت متداولة قبل سنوات من الآن لدى ذكر خبر تفجير أو حرب فقناة تسمي الضحايا (موتى) وقناة أخرى تسمي نفس الضحايا (قتلى) وقناة تسمي نفس الضحايا (شهداء) وبالنسبة للمنفذين القتلة ، فقناة تسميهم (مقاومة) وأخرى تسميهم (فصائل مسلحة) وأخرى تسميهم (ميليشيات) وأخرى تسميهم (مجرمين) وأخرى تمسهم (إرهابيين) وأخرى تسميهم (مجاهدين) ...
ومن بين هذا الكم الهائل من (نفاق) المصطلحات إستشهد الآلاف العراقيين ولسان حالهم يقول : (ما ضر الشاة أن تسلخ بعد ذبحها) !!
ولازال بعض تلك المصطلحات متداول وأحياناً من طرف خفي في الكثير من القنوات ...
 
غصت بيوت العراقيين بالأرامل والأيتام ومجالس العزاء وهو الذي أصلاً كان ممتلئاً بالحزن والألم من ويلات وظلم النظام السابق ...
إمتلئت بيوت العراقيين من ويلات حربٍ كان وقودها شعب العراق ، والسبب أنه تحرر من قبضة الظلم والفرعون الذي جعل من نفسه رب العراق الأعلى ...
لترجع أبواق إعلامية وتسميه شهيداً مرة وقائداً مرة  وبطلاً مرة وهو الذي لم يضاهي ظلمه حتى رموز الظلم في التاريخ كالحجاج والمنصور والرشيد ويزيد بن معاوية ...

وها هي ثارات العراق وأنهار دماءه الزكية التي سالت على مذابح الحرية ...
أراها في إنتفاضته الشعبية سنة 1991 في الأنتفاضة الشعبانية ضد الطاغية ...

إني لأرى تلك الدماء تعانق سيل دماء شهداء تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن والسعودية وعمان وسوريا والأردن التي طالبت (اليوم) بالعدالة والحرية ...
إني لأراها ...
أرى تلك الدماء التي سقت دجلة والفرات دماً صافياً كريح المسك والعنبر ، يلتقي بالخليج ونهر النيل والبحر الأبيض والبحر الأحمر حيث سالت قرب تلك الأنهر والبحار دماء زكية طالبت بالحرية أيضاً ...

ولكني أناشد تلك الدماء الطاهرة ، كما أناشد الشعوب العربية التي تحرر بعضها وبعضها في قيد التحرير وأقول :
أين كنتم عندما ثار العراق ضد طاغيته (صدام) وما لكم نصرتم الطاغية ضد ثورة شعبه ؟!
هل كنتم تجهلون أم كان طعم الثورة مرّ يومها بينما أصبح اليوم حلواً كطعم الشهد ...
أعرفتم الآن لماذا ثار العراقيون قبل ثوراتكم بسنين طوال ...
كانت جميع أسباب الثورات العربية اليوم ومطالباتها وشهدائها لا تعادل سوى نسبة ضئيلة من مجموع مطالب وشهداء العراق بثورته ...
أعرفتم يا حكام مصير من يناصر الظالمين الحاكمين على المظلومين المحكومين ...
وهل عرفتم يا شعوب طعم وحلاوة الثورة ، ولماذا يخلد الله الشهداء في الجنة (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءاً عند ربهم يرزقون)

وإذا لم يميت العراق وشعبه حلبجة والقصف الكيمياوي ، وتجفيف الأهوار والإعدام في الشوارع وقصف المدن والقرى والأرياف بالمدافع والدبابات والطائرات ، لا بل تجد هذا الشعب صابراً محتسباً مبتسماً لم ينقاد لا لحرب أهلية أرادوها حكام ومخابرات ورجال دين من عرب وخليج وإيران وتركيا وأمريكا وإسرائيل وبوقود عراقي خالص ، أن تصير فما صارت ، فهذا العراق لا يموت ...

وإذا لم يميت العراق وشعبه تفجيرات الإرهابيين العرب والأبناء ، وسيارات مفخخة وعبوات ناسفة وتصفية جسدية على الهوية ، وإغتيالات لكفاءات علمية ، وتدمير مراقد أولياء الله ، والحسينيات والمواكب والمساجد والكنائس ، وبالرغم من ذلك تراهم يذهبون للأنتخابات بنسبة قاربت الـ(70%) من حيث المشاركة وفي نفس السنة كانت نسبة المشاركة بالأنتخابات الأمريكية ذات العدد مشاركين سموه (قياسي) و(مرتفع عن كل سنة) والتي أوصلت (أوباما) للحكم فكانت نسبة المشاركة قد تجاوزت الـ(50%) من حيث المشاركة !!
فأعلموا أن هذا العراق لا يموت ...

وشعب سجل تاريخيه بعشرات سنين حكم البعث فقط من الشهداء ما يعد بالملايين فهذا شعب حر وأبي ولا يموت ، وخلود الأمم بشهدائها ...
وكلما كثرت شهداء أمة زاد في خلودها ومجدها ...

فموتوا بغيضكم فالشعب يعرفكم ويعرف نيتكم ، ونية المرء خير من عمله إن كانت خيراً ، ونية المرء شر من عمله إن كانت شراً ، ولم أعهد منكم خيراً ...   

ورغم كل الذي جرى على العراق من ضيم وظلم وفقر وعوز رغم غناه وثروته ...
رغم كل ذلك تجد شعبه لليوم صاراً محتسباً وكلمته الدائمة التي لا تغيب عن شفاهه (الله كريم) و (إنشاء الله) و (على الله) و (الحمد لله) ...
هل عرفتم أي شعب هو شعب العراق ...
هل عرفتم أن تلك العظام الرميم التي دفنوها بعشرات المقابر الجماعية وهم أحياء ، هي حية لا تموت ...
هل عرفتم أن من أحيى تلك العظام الرميم لتعيش ويشهد حاضرها وتاريخها عليها أنها صابرة محتسبة ...
ولو حصل الذي حصل على العراق من ظلم على أي دولة أوربية لرأيتها تهجر وتلجأ ولأصابها الموت والزوال ...

ورغم الذي جرى على العراق تراه صابراً محتسباً ، ولكن يجب أن يكون الصبر بعبرة وموعظة وتفكر ، حتى يعقب الصبر الظفر ، والصبر مفتاح الفرج ...
تلك العظام الرميم من ضحايا الظلم السابق وضحايا الأرهاب وضحايا السياسيين الجدد هي حية لا تموت ...
وقل من يحي العظام وهي رميم !!
قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ...

بعدما ساند صدام أنظمة وحكام العرب والكثير من شعوبه (وليس جميعهم أكيداً) وأعانوا الظالم على ظلمه ، لا بل تفاخرت به الأعراب ومدحوه والأعراب أشد كفراً ونفاقاً ...
فقد أغراهم صدام وحزبه بكوبونات النفط وأموال العراق التي جوّع الشعب ليطعم به كتاب ومطربين وصحفيين وقنوات وراديو وفنانين وسياسيين وبرلمانيين ، ليزيفوا الحقائق ويأمروا الناس بالمنكر وينهوهم عن المعروف .
وكذا اليوم فيما بعد سقوط النظام السابق فيحصل مع الأسف ولكن بلا كوبونات وليس بالسوء الذي كان عليه النظام السابق ولكن يبقى أسمه فساد وهدر لأموال الشعب ...
ولم يثن كل ذلك أحرار العراق وثوارها من مواصلة رفض الظلم والعدوان وحتى زواله ...
رغم الجوع والمهانة والبطش والقسوة والتعذيب والقتل والإعدام والسجون ...

((يتبع في الأيام القادمة الحلقة الرابعة والأخيرة))

143
قالوا مات العراق فقلت من أحيا العظام وهي رميم (الحلقة الثانية 2/4)

حيدر محمد الوائلي

(الحلقة الثانية)
كانت هذه الكلمات مطلع الحلقة الأولى السابقة من المقالة وسأكرره للفائدة ...
فقد قال الجاحظ قبل (1143) سنة من تاريخ اليوم :
(إن العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء هي أنهم أهل نظر وفطنة ثاقبة ... ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث ... ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء ... ومازال العراق موصوفاً بقلة الطاعة وبالشقاق على أُولي الرئاسة)
وبعد ...

في العراق نهرين منذ بدء الخليقة يشقانه ويرويانه دجلة والفرات ، يسقيانه مجاناً سبيلاً ماءاً سائغاً شرابه ولذة للشاربين ...
وبجنب النهران واحات الأهوار الممتدة على طول وعرض جنوب العراق ولم يتصدى ظلماً لتجفيفها وقطعها من قبل كما فعل بالأمس النظام الوحشي البعثي المقبور ... حيث جففوا حاكم العراق أهوار وسط وجنوب العراق نكالاً وعقاباً لمن ثار ضده ورفض نظام حكمه ...
ولازالت الأهوار لليوم تعاني وأهلها منها أكثر عناءاً بالرغم أن الذين يحكمون اليوم أغلبهم جلسوا على الكرسي بفضل شهداء الأهوار ومجاهديهم وثوراهم ... ولكن كما جرت العادة فكرسي الحكم وبهارج السلطة تنسي أصحاب المبادئ مبادئهم وتنسي أصحاب الضمائر ضمائرهم وتنسي ذوي الثورة ثورتهم ومبادئ مجاهديهم وشهدائهم ...
 
وكما يفعل اليوم الأخوة (أخوة يوسف) من مسلمي تركيا وعرب ومسلمي سوريا حيث بنوا السدود الاصطناعية على منابعه ومجاري النهرين العظيمين الطبيعية وها هو اليوم دجلة والفرات والهور يعانين من شحة المياه وجفاف الكثير من أجزاءه ، كما يعاني العراقيين من ظلم وقسوة التفجيرات والقتل بمباركة وتأييد ودعم مادي من علماء مسلمين وفتاوى مسلمة وتأييد من حكام ومخابرات عربية وبقايا نظام الظلم السابق ...
هذا غير من ركب الموجة من فاسدين ومرتشين وانتهازيين من أحزاب وحكومة وبرلمان وسياسيين عراقيين ...
كلهم تجمعوا ومن كل قبيلة رجلاً لقتل العراق حتى يضيع دمه بين القبائل ...
كلهم تجمعوا كالبعوض لمص دم العراق ...
ولكنهم وجدوا عروق العراق لا ينفذ منها الدم الذي ينضح غيرة ونخوة وحب الأرض ...
     
ولبعثة الأنبياء والرسل في العراق صدارة ...
العراق بلد الأنبياء ومقرهم ومستودعهم ومحل سكناهم وترحالهم كأنبياء الله (ادم ونوح وهود وصالح ويونس وإبراهيم وأيوب وعزير وذي الكفل والخضر) عليهم السلام جميعاً ومنها ما هو قبرهم قائم لليوم ومحل مزار الناس كقبر نبي الله يونس(ع) بنينوى شمال العراق ، وقبر هود وصالح (ع) في النجف الأشرف وسط العراق ، وقبر عزير (ع) في محافظة العمارة جنوب العراق وبيت نبي الله ابراهيم في مدينة الناصرية جنوب العراق ...

يروى أن حدث طوفان نبي الله نوح (ع) في أرض ما بين النهرين ، وهنالك فار التنور ويحتمل على أثر فيضان دجلة والفرات ، وبالفعل فقد إكتشفت أخيراً طبقات رسوبية ضخمة هناك .
وجبل الجودي الذي صرح القران بأستواء سفينة نبي الله نوح (ع) عليه يقع في سلسلة جبال (ارارات) في الشمال الغربي من ايران اليوم على حدود العراق الغربية مع ايران ...
في مدينة الناصرية جنوب العراق حيث ولد أبو الأنبياء إبراهيم الخليل (ع) وهنالك كسر الأصنام ووضع الفأس برأس كبيرهم وقال لقومه سلوهم ان كانوا يفقهون وانه لكبيرهم من فعل ذلك ...
وفي العراق قبر دانيال النبي (ع) ومحل ملك وعدل ونفوذ ذو القرنين ، وفيه صابئة يحيى (ع) ...
وفي العراق طاق كسرى وبقاياه شاهدة على نبوءة خير الأنبياء وخاتمهم محمد (ص) ...
وفي العراق المدائن التاريخية وقبر واليها أيام خلافة الأمام علي بن أبي طالب حيث ولاها لسمان الفارسي وقبره لازال فيها لليوم رغم محاول التكفيريين تفجيره ...
 
العراق بلد أئمة وأولياء الله الصالحين ولا تزال قبورهم شاهدة فيه ...
بلد الأئمة الهادين والعترة الطاهرة من ال الرسول محمد (ص) وهم (علي بن أبي طالب والحسين بن علي وموسى الكاظم ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري) عليهم سلام الله اجمعين ، ومحل سفراء الأمام المهدي الأربعة وسرداب غيبة الأمام المهدي (عج) المنتظر ...

وقبور ومحال الكثير من شوامخ ومشاهير التاريخ كالعباس بن علي بن ابي طالب  (ع) وهاني بن عروة وميثم التمار وكميل بن زياد ورشيد الهجري وزيد بن علي  وابراهيم بن مالك الأشتر ومحل خطوة الأمام علي في الناصرية والبصرة اثناء توجهه لصد الخارجين عليه في حرب الجمل ...

والعراق محل صاحب المذهب الشهير والمتبع في أرجاء كثيرة في العالم الأسلامي ألا وهو قبر الأمام الأعظم أبو حنيفة النعمان ... في بغداد ويفصله عن قبر الأمام الكاظم والأمام الجواد نهر يعبره جسر شامخ بينهما .
وقبر الحسن البصري والصحابي طلحة بن عبيد الله في قضاء الزبير في البصرة ...

العراق بلد المشاهد المعظمة كالمساجد الأثرية التي يتجاور عمرها الألف سنة كمسجد الكوفة ومسجد السهلة ومسجد براثا ومحل الجامعة العريقة والتي تأسست قبل أكثر من الف سنة وهي الجامعة المستنصرية ومحل دار الحكمة حيث كانت تعقد الندوات والحوارات العلمية قبل أكثر من الف سنة ... وغيرها من معالم الحضارة والعلوم ...
واليوم ...
فقد بقيت آثار حضاراته شاهداً على سوء حاله وواقعه فلا راحة لشعبه ولا خدمات تنقذ واقعه المرير ، فلقد ساهم النظام السابق بجعل العراق دولة عصابات ومنظمات سرية واغتيالات وسجون وزنازين تعذيب ...
ليسقط ذلك النظام الدموي لا مأسوف عليه ولا محزون ولتأتي صفحة جديدة أرادت لهذا الشعب الموت فوجدته لا يموت !!
حاولوا فبائوا بفشل وعار ....
فقد ساهم السياسيون الجدد فيما بعد سقوط نظام الظلم السابق في 2003 ، وحتى الشعب بسكوته عنهم بجعله بلد المفخخات والعصابات والاغتيالات واللصوص والفاسدين والانتهازيين ... !!
وكما فسد (البعض الكثير) من السياسيين ولا أقصد (البعض القليل النزيه الشريف) ... فقد ساهم بتردي الوضع أكثر تدخل دول إقليمية في المنطقة ساهم بدمار العراق فوق دماره أضعافاً مضاعفة ...
تلك الدماء التي ستأتي ربها شاكية صارخة :
أي رب خذ بحقي ممن أهدرني وسفكني ظلماً وعدواناً ... وقد أصبح من يحصد الأرواح وحوشاً كاسرة ملثمة وذوات لحى وذوات ربطات عنق أنيقة ، لا الله قابض الأرواح الذي يتوفى النفس حين موتها ...

ذاك التقاعس والتخاذل والخيانة والجهل والفساد جعل علماء دين وسياسيين وحكام جميع الدول التي تتمركز بأراضيها قواعد أمريكية دائمة وسفارات وقنصليات إسرائيلية ترفرف شعار الصهاينة والنجمة السداسية من على أراضيها وعلى بناياتها وفنادقها ، فتركوها وشأنها ونفخوا شواربهم في أرض العراق ، ذبحاً وتفجيراً ...
فعالم يفتي بالجهاد في العراق فقط !!
وسياسيي يحلل تحليلاً سياسياً بضرورة رحيل أمريكا من العراق فقط !!
وأخر يستهجن وجود سفارة أمريكية في بغداد وفي بلده سفارة أمريكية وقربها إسرائيلية والعراق وهو محتل رفض تواجد إسرائيل على أراضيه !!

إنتحاريين غسلوا دماغهم لينتحروا في العراق !! بهائم مفخخة (معذرة يا أيتها البهائم).
ومنظمات مولتها المخابرات العربية ودربتها ودعمتها رؤوس أموال خليجية وعربية لزعزعة إستقرار العراق ، وعدم نهضته ، وقتلوا عشرات الآلاف من الأبرياء من نساء ورجال شيوخ وشباب وأطفال ورضع في شوارع عامة ... وأسواق شعبية ... ومحال تجارية ... ومدارس ... وجامعات ... وثكنات عسكرية ... ومراكز شرطة ... ومزارات دينية ... ومساجد ... وكنائس ...
قتلوا من كرمهم الله وحملهم في البر والبحر ...
قتلوهم جميعاً بدم بارد وبكل إستهتار ، ووفي نشرات الأخبار العربية المسمومة يسمونهم (قتلى) ويبخلون بتسميتهم (شهداء) (مظلومين) (ضحايا) ...
ولما سقط في مصر وتونس وليبيا متظاهرين لقلب نظام الحكم سموهم شهداء على الفور ...
واما قتلى أمريكا في العراق فتجاوزوا الأربعة آلاف بقليل على حساب عدد ضحايا تجاوز المائة الف من العراقيين ... و (99%) منهم قضوا (شهداء) من جراء أعمال التفجير والتفخيخ وحرب العصابات والميليشيات المسلحة الطائفية فيما بينها ...
بأي وجه يا منافقين ستواجهون الله يوم القيامة ... !!
وبأي وجه ستواجهون التاريخ ... !!
أراكم تقابلونه بوجوه عليها غبرة .. ترهقها قترة وذلة ... أولئك هم الكفرة الفجرة ...
ولم ينجوا في قتل العراق ...
((يتبع في الأيام القادمة الحلقة الثالثة))

144
قالوا مات العراق فقلت من أحيا العظام وهي رميم (1/4)

حيدر محمد الوائلي

ملاحظة : كانت النية لدى تفكيري بكتابة هذه المقالة أن أنشرها دفعة واحدة ، ولكن ما إن انتهيت من طبعاتها وجدتها لا يصح نشرها دفعة واحدة لكبر حجمها ...
كان قد وردني ردود من الأعزة متابعي مقالاتي حول طول بعضها فقررت تقليل حجم المقالة (وأنا بالخدمة) ولكن صدقوني أيها الأعزة فأحياناً لابد من طول بعض المقالات لإستيعاب مفهوم معين أو لتوضيح فكرة ، وربما تحتاج طولاً أكثر من ذلك ...
غرضي من كتابة كل مقالة أكتبها هو لمساهمة ولو بسيطة في نشر وعي وفهم وتوضيح ولا أزعم أني بأفهم وأوعى ولكن هي أفكار تلوح بالذهن فأفرغها في ورق ، ولعل بعضها وأحياناً أكثرها في البال والخاطر فأعتبروها تذكيراً لكم وفي الذكرى نفع وفائدة ...
ولا نريد منكم لا جزاءاً ولا شكورا ...
وبالنسبة لهذه المقالة فقد راجعتها كما جرت العادة بالنسبة لي لدى كتابة أي مقالة أكتبها فأراجعها أكثر من مرة للتأكد من تكامل جميع جوانبها الفكرية واللغوية والأدبية والكمال لله ، وأحياناً لحذف بعضها ، وما في القلب من حسرات وشجون أكثر لزيادتها ...  فقررت تجزئتها لأربعة أجزاء لا يتكامل فهم أولها إلا بثانيها وثالثها ورابعها فأرجو متابعتها وقراءتها توالياً لتعميم الفائدة منها ، ولا فائدة لي منها سوى فائدتكم أولاً وأخيراً ...

(الحلقة الأولى 1/4)
يقول الجاحظ : (إن العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء هي أنهم أهل نظر وفطنة ثاقبة ... ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث ... ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء ... ومازال العراق موصوفاً بقلة الطاعة وبالشقاق على أُولي الرئاسة)

قال الجاحظ المتوفى سنة (868 م 255هـ) عن عمر ناهز الـ(90) سنة تلك الكلمات الخالدة والتي وصفت مجتمعاً عصياً على حاكميه ... وأغلب حاكميه فاسدين ظالمين ...
وها هو العراق مسرحاً لثورات وإنتفاضات وشهداء وقبورهم شاخصة لليوم يعانق دماء شهداء أحرار الماضي دماء شهداء أحرار الحاضر وبين هذا وذاك ظالمين قتلة من حكم وسياسيين ...
فلم تثبت سياسة في هذا البلد يوماً ، ولم تستقم عروش حكم فيها إلا بعد سيلن دماء زكية رفضت الظلم مع قوافل ممتدة على مر الأيام ، وزنازين وسجون ممتلئة برافضي الظلم عنوانه الحكم والرئاسة ...
كان هذا تاريخ العراق ، كما وصفه عمرو بن بحر الكناني البصري الملقب بالجاحظ (لجحوض عينيه) (شبه عيون الماليزي والاندونيسي الأسمرفي يومنا) ، وقد ولد في البصرة جنوب العراق وتوفي فيها ، وتعود أصوله للزنج (أسود) فلقد كان جده من عبيد شرق أفريقيا . وقد سمي بالجاحظ  وذاعت شهرته في الآفاق وترك كتباً كثيرة يصعب حصرها ... وقد كتب في علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة والنساء وغيرها ...

وها أنا أقولها لك يا جاحظ ، فلليوم ونحن كذلك !!
يا من قلت هذه المقولة قبل (1143) سنة من العام 2011 ، ونحن لازلنا كذلك ،  وسنبقى كذلك ، ونوصي أولادنا أن يعملوا بذلك ، وأن يوصوا أولادهم بذلك ... وكفى بمن يقرأ تاريخنا ليعرفنا أنا كذلك على الدوام ...
نعم يا جاحظ !!
قد قتلونا وسجنونا وظلمونا منذ تاريخ قديم شابه ظلمه ظلم تاريخ حديث وتاريخ معاصر ... ولكنا بقينا على الأثر نقول (لا) للظالمين مهما علا صوتهم ، ومها قسى عنفهم ... ويشهد لنا التاريخ أن العراق لا يموت ...
في العراق كانت بداية الحياة ، وفيه تكون النهاية إذا قُدِّر لها نهاية ، ونحن على قيد الحياة لنشهد ذلك ...

في العراق كانت بداية الخليقة بملتقى دجلة والفرات حيث الشجرة الحجرية الأثرية شاهدة لليوم في منطقة (الكرنة) في البصرة حيث يلتقي دجلة بالفرات حيث تقول روايات أن هذه الشجرة هي مكان هبوط النبي ادم للأرض ... وبالنسبة للأعزة المسيحيين فالمطلع فيهم يؤمن بما ورد في الإنجيل حول تلك الشجرة ووصفها بوضوح ...
صادف أثناء عملي في البصرة تواجد شركة بناء وخدمات كان بعض موظفيها من جنسيات مختلفة وفي نفس الموقع الذي أعمل فيه ، ولكوني أستطيع التحدث بالأنكليزية الى حدٍ ما ، فيجرنا الفضول للتحدث والتحاور حول ثقافات الشعوب ، فأصبح شخص يكبرني سناً من جنوب أفريقيا صديقاً لي ...
وقد كان مسيحياً ملتزماً نوعاً ما بتعاليم المسيحية لغزارة المعلومات التي يتحدث بها عن المسيحية ... ولازال صديقي وأتشرف به الى الآن صديقاً عزيزاً ... ولا ينساني من سؤاله عني لدي إرساله بريداً الكترونياً (إيميل) في عيد الفطر أو الأضحى ومناسباتنا ، وأنا أبادله نفس الشعور في مناسباتهم وأعيادهم ...

جرنا الحديث في أحد المرات عن حضارة العراق ، فقال لي : (إنا نقرأ في الأنجيل عن مكان مبارك في البصرة عند ملتقى دجلة والفرات وحدائق عدن ، وأمي لما عملت بعملي في العراق فأوصتني بذلك ، وفرحت أني ذاهب للعراق حيث الشجرة المباركة ...)
في الحقيقة أنا لم أعرف بهذا الأمر من قبل ، لا شجرة ولا ادم ولا أي شء من هذا القبيل ... تخيلوا !!
فأخبرت شخصاً يعمل معي من سكنة منطقة (الكرنة) حول الموضوع فقال :
نعم موجودة الشجرة وهي منطقة سياحية يزورها منذ زمان طويل الكثير من السياح المسلمين والمسيحيين ومن مختلف أنحاء العالم ...!!
وأكمل : ألا أنها أصبحت في زمن النظام السابق (صدام) الى مكان يرتاده الخمارة ومرتع للسكيرين بسبب الإهمال الذي لحق بالمكان ... !!
طبعاً هي اليوم منطقة سياحية ومنتجع ومتنزه جيد الى حد ما وفيه عمران جيد ...
طلب هذا الجنوب أفريقي –الأبيض- صوراً للشجرة ، ليبشر بها أمه !! ، فوعد صديقي من (الكرنة) بجلبها له ، وفعلاً فعل ، ففي اليوم التالي أحضر مجموعة من الصور لمحل الشجرة ومنطقة ملتقى دجلة والفرات وبعض المرافق السياحية المرافقة ... وبالتأكيد صورة للشجرة الأثرية المتحجرة .
طبعاً لا تصدقوا فرحة هذا المسيحي بها ، حيث وعد أن يرسلها لأمه التي سوف لن تصدق أن أبنها بذلك المكان المكرم في الأنجيل ...
طبعاً فرحت بذلك أيضاً لعلمي بهذا الموضوع ، وها هو العراق بداية الحياة ...
وها هو العراق يحكي أنه أول موجود وجد ...
وها هو العراق يشهد حاضره على بؤسه رغم شموخ أنفه في التاريخ ...

وفي العراق أيضاً بداية الحضارة وأول حضارة عرفتها البشرية والتي نورت التاريخ بأنجازاتها  وابتكاراتها والتي يشهد لها التاريخ ...
أول حضارة في العالم على الأطلاق وهي الحضارة السومرية والتي تمركزت في وسط وجنوب العراق ولا زال الكثير من آثارها المهملة والمتهرئة والمتسخة والغير منقبة والغير مهتم بها أحد ، قائمة ومنها ما هو معروض في متاحف عالمية كمتحف لندن ومتحف اللوفر بباريس ومتحف جامعة بنسلفانيا الأمريكية وغيرها من المتاحف العالمية  ...
طبعاً لو أن (5 %) فقط من أثار العراق الغير منقبة اليوم والغير مهتم بها أحد موجود في أي دولة أوربية أو أمريكية أو شرق أسيوية لكفت تلك الدولة عائداتها السياحية عن موارد النفط لدى دول غنية بالنفط ...
وفي العراق نفط غزير ، وكثير ... كما فيه نسبة فقر وصلت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر أكثر من (30 % من مجموع سكان العراق) أي ثلث الشعب يعيش تحت خط الفقر تبعاً لإحصائية وزارة التخطيط العراقية قبل فترة ...
تحت خط الفقر لا في خط الفقر ولا فوقه ... تحته !!
 هذا غير ما يحويه المتحف العراقي والذي يعتبر أحد أقدم المتاحف في منطقة الشرق الأوسط ، والذي افتتح عام 1966، ويحتوي على مجموعات أثرية نادرة من حضارة وادي الرافدين تبلغ نحو 200 ألف قطعة ، وقد تعرض بعضها للسلب والنهب أثناء أحداث عام 2003 وقام بتلك الجريمة جهات مختصة ومنها خارجية .
طبعاً هذا غير النفائس من الآثار والتحف التي لا تقدر بثمن والتي قام بتهريبها وبيعها بشكل منظم في زمن النظام السابق ، حيث كان المدعو (أرشد) وهو من كبار حماية الرئيس المقبور صدام الخاصين ومشرف على هذه التجارة بشكل مباشر ، ومنها ما قام هو بتهريبها بنفسه ...

أترون كيف يجرنا الحديث على العراق من هذا وذاك ربطاً معقداً بين المواضيع ، ها هو العراق عصياً حتى في مقالتي التي أكتبها تمجيداً لتاريخه فيجرني ماضيه وحاضره أن أكون عصياً وناقماً على السلطات التي حكمته ، ولليوم ...
أترون لماذا قال الجاحظ ما قال ...؟!!

في العراق أوائل أكثر الأشياء التي لو وجدت واحدة منها فقط في بلد من البلدان لكانت كافية ليتفاخروا بها ويجعلوها شعاراً رسمياً للدولة على مر السنين ...
في العراق أول كتابة وخط (الخط السومري) ...
وأول إستخدام للنظام الستيني (الدقيقة 60 ثانية والساعة 60 دقيقة) (واليوم 24 ساعة) كان في الحضارة السومرية ...
وأول إستخدام للعجلة وربطها على الحمير والخيول والأبقار لنقل البضائع ...
وأول تكتيك حربي (استخدام الخيول والرماح والعربات الحربية) ...
وأول تصميم هندسي وقوس هندسي (القصور السومرية والزقورات الشامخة لليوم وقوس باب قصر الملك شولكي قرب زقورة أور في مدينة الناصرية جنوب العراق وهو أول قوس هندسي في التاريخ) ...
وأول سوق منظم عن طريق البيع والشراء وتدوين السلع والواردات ، السوق السومرية ...
وأول إستخدام للبصمة كتوقع على ألواح وسندات البيع والشراء حيث كانوا يرطبون منطقة أسفل اللوح الطيني السومري ويمهرونها ببصمة الأصبع ، ويجددونها في حال تغير البصمة بترطيب منطقة البصمة ووضع بصمة أصبع جديدة ...
وأول سباق رياضي وهو سباق الخيول السومرية ...
وأول دستور مسنون ومكتوب قانون حمورابي ومسلته الشهيرة (مسلة حمورابي) ...
وأول نظام ري زراعي معقد (نظام الري البابلي) ...
وفي العراق أحد عجائب الدنيا السبعة وهي (الجنائن المعلقة) ، ويسري الماء من الأسفل إلى الأعلى ليسقي الأشجار والنباتات المغلفة لقصر الملك البابلي يومها ومن دون ماطورات ماء ...!!
وغيرها من أوائل الحضارات التي كانت القيادة منفردة لبلاد الرافدين ... !!

((يتبع في الأيام القادمة الحلقة الثانية))

145
حينما يعبث من بالأرض يلعبون بدماء من عند ربهم يرزقون

حيدر محمد الوائلي

لماذا ضحى الشهداء بأرواحهم وهي الروح العزيزة ؟!
هم ضحوا من أجل الكرامة والعدالة والأنصاف وحرباً ضد الفساد ومصادرة حقوق الناس وعدم خضوع للظلم والظالمين ... هذا جواب ما قد تساءلت عليه في مطلع مقالتي وكلكم تعرفون ذلك أكثر مني وبتفاصيل أكثر ...
ولكن ليس جواب التساؤل هو المقصود ولكن فهم الجواب بعد أن يسأل ضميرك ويصرخ بك سائلاً ...

ضحى الشهداء لتراب الوطن وكرامته وعزته وحرباً على الظالمين الذي أهلكوا الحرث والنسل وقتلوا الإنسان وأذلوه بعدما كرمه الله ...
وخلود الأمم بشهداءها ومن ضحى لترابها وسكانها ، ومن لا يخلد شهداءه سيكون مصيره الفشل والنسيان والخذلان ...
فما عاشت وخلًدت أمة من دون شهداء ...
والأمة التي تخلد شهداءها لا تموت ، بل تبث الروح في الساعات والأيام والشهور والسنين وتصيرها دروساً وعبر ومنارات تضيء الدرب كي لا ننسى لماذا إستشهد الشهداء ولماذا رغم موتهم هم أحياء ...
هم أحياء عند ربهم يرزقون ، وفي الأرض لأهل الحق يناصرون ، وضد الباطل والظلم يحاربون ... 
ولكن وياليتها لم تكن (لكن) ، ولكنها صارت (لكن) ، ولكن ما باليد حيلة سوى أن تأتي (لكن) في أمور لم أتمنى أن تكن ولكنها كانت وصارت وستصبح وتمسي وسيتم كشفها رغم كونها مكشوفة ...
وكم من أمور مكشوفة وواضحة ولكن لا ترى ، وليس الخلل بالأعين وإنما بالعقول التي بها يثيب الله ويعاقب ... والله يعلم زائغة الأعين وما تخفي الصدور .
 
فحينما يعبث ويلهو من هم بالأرض يلعبون بدماء أولئك الذين هم عند ربهم يرزقون ، فأنا لله وإنا إليه راجعون ...
وحينما يسترزق بدماء من هم عند ربهم يرزقون أناس جعلوا ممن عند ربهم يرزقون شعاراً لتغطية فساد ما عندهم وحولهم ، فأنا لله وإنا إليه راجعون ...

ونال من عند ربهم رزقهم بعد عطاء وبذل وأثر ونتيجة وجود بالنفس وتضحية لمبادئ نبيلة وأهداف سامية ، ولكن من هم بالأرض يحكمون بتلك الأسماء ، فلم يرى منهم بذل ولا أثر ولا عطاء ولا نتيجة بل فيهم الفاسدين والمغفلين والجهلة والحاكمين الناس بأسم الحزب لا بعطاء الشهداء الذين بذلوا الأرواح كي ينصف الفقير المظلوم ويذل الغني الظالم ويتساوى الناس وينصفون ، ولكن البعض من أولئك الذين حكموا بأسماء الشهداء ودمائهم تلاقفوا الحكم كتلاقف الطفل للكرة ...
 
ونحن لازلنا صابرين محتسبين والله يصف الصابرين : (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )
ونحن لازلنا مهتدين ولا نحسب شهداءنا أمواتاً كمثل بعض المسئولين والسياسيين والناس الذي عدوا شهداءهم أمواتاً رغم قول الله :
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءاً عند ربهم يرزقون )
فمالكم حسبتموهم أمواتاً ولا يعلمون ما تفعلون بالحكم والسلطة من لا مسؤولية وإهمال وعبث وعدم جدية بالعمل والخضوع للحزبية والمجاملات السياسية على حساب الحق والعدل ومحاربة الباطل والفساد ...
والناس كذلك ...
ولولا الناس لما وقع الفاس بالراس ... وقل أعوذ برب الناس من الناس ... ومن كل وسواس وخناس ...
شهداء بأسمهم وبفضل دمائهم أنتم تحكمون ... فمالكم كيف تحكمون !!
ببركات دماء شهداء العراق طوال سنين حكم البعث الظالم ، قد وعى الشعب وثار ضد ظالميه بثورات وإنتفاضات قبل سنين وسنين من ثورة تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وعمان والتي ثارت اليوم بعد أن سطر العراق أول ثورة ضد حكم صدام حوالي العام 1978 بأنتفاضة شهر صفر ورجب ، وبعدها الأنتفاضة الشعبانية المباركة العام 1991 ومن ثم إنتفاضة ساعة الصفر في العام 1998 ولم يقدر للشعب أن يسقط نظام الحكم بيده لكثرة مؤيدي حكم صدام من شعوب عربية وحكومات ومخابرات وهو الذي فتك بالشعب فتكاً وقتل عشرات الالاف لمجرد مطالبتها بحقها في الحرية والعدالة ...
فليسمع من يطالب بالثورة اليوم ومن يؤيد الثورات وليعي وليسأل نفسه أين كان عما يحصل في العراق أيام سنين المحنة وأيام الحصار ...
واليوم ببركة دماء تلك الشهداء تحكمون اليوم يا حاكمي العراق والتي من المفترض أن تعطيكم دروساً في الحرية والعدالة بحق الشعب ، فما دهاكم لمّا إستلمتم السلطة ببركة دماء الشهداء والشعب إنتخبكم لأنه تصور أنكم تمثلون تلك الدماء ولكن لم تكونوا كذلك ...
بل حتى صرتم تستنكفون من الشعب الذي إنتخبكم وتتقاعسون عن أداء واجباتكم التي تتقاضون عليها الملايين من أموال الشعب ...   
ليأتي اليوم مسئولون وسياسيون يحكمون وهم يتاجرون بتلك الدماء ويحسبونها دعاية إعلامية وإنتخابية وسياسية لا قدوة ومنهج يتبع ...

هنالك مسئولون وسياسيون ورؤوس سلطة اليوم أقول أنهم : (مثلهم كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث)-من آية قرآنية- ، تناقشهم فيحرفون الكلام ويذروا الرماد في الأعين ويخادعون أنفسهم ويغمضون أبصارهم عن هموم الناس ومشاكلهم ومتطلباتهم ، وأن تنصحهم يلهثون ويتغابون وإن تتركهم يلهثون ويتغابون أيضاً .

وهنالك مسئولون وسياسيون ورؤوس سلطة اليوم ، أقول فيهم : (كونوا قردة خاسئين) -من آية قرآنية- ... لكثرة فسادهم وفساد من هو تحت سلطتهم وحزبهم لا بل يدافعون عن الفساد ويغطونه ويحلون السرقات ويستبيحون أرزاق الناس ويتصرفون بلا مسؤولية بالأموال العامة ويهدرونها على تفاهتهم ومصالحهم الشخصية والحزبية .

وهنالك مسئولون وسياسيون ورؤوس سلطة اليوم لا يساوون عندي (عفطة عنز) –من قول للأمام علي- لا يساوون شيئاً ولا يستحقون حتى الذكر والعتاب والخطاب فهم أصغر من يعاتبوا وحتى يخاطبوا بكلمة .

هنالك وهنالك وهنالك الكثير من هاهنا وهنالك في أرض الأمجاد والمهالك ...
في أرض كل من يحكمها يحسب أنه لها مالك ...
ويعدها ثروة وعوائد له وممالك ...

يتاجرون بتلك الدماء التي بذلها أصحابها فداءاً مجاناً وبلا مقابل في سبيل الله والوطن والحرية والكرامة وحق الأنسان الذي لم يقبلوا ورفضوا أن يذل ويهان ...
يتاجرون اليوم بدماء الشهداء التي غطت ثرى الأرض وسقته بالدم الطاهر عزاً وكرامة لكي يلهموا الأجيال حب الأرض ... وحب الوطن من الأيمان .
بذلوا الدماء لكي يروا تورد سنابل الخير والعطاء من تلك الأرض ، وليلهموا الأجيال أن قولوا لا والف لا للفاسدين من المسؤولين والسياسيين ورؤوس السلطة كائناً من كانوا .

وليأتي البعض ممن يتاجرون بتلك الدماء من أجل مكاسب سياسية وحكومية ...
إجتثاث ... رفع إجتثاث !!
منصب سيادي ... ومنصب غير سيادي !!
منافع إجتماعية ... ورواتب خيالية !!
سيارات مصفحة ... وفلل فارهة ... وحمايات وهمية ورواتبهم خيالية تسكن الجيوب وتستر العيوب وتفرح بها قلوب ساكنيها وتتورم ألماً وحسرة من هدرها الشعوب !!
وزراء ... محافظين ... أعضاء برلمان ... أعضاء حكومة ... مدراء ... قيادات عسكرية ... سفراء ... سفرات ... عزائم ... ولائم ... ايفادات ... مجاملات على حساب رزق الناس ومعايشهم ... تزوير شهادات ... رحلات سياحية لهم ولعوائلهم على نفقة الشعب ... سكن على نفقة الشعب ... كهرباء وخدمات ذهبية  للمسئولين فقط يتحمل ضريبتها الشعب ...
وكلما إنتعش المسئول بلقمة وفندق خمس نجوم وسفرات سياحية فقد عانى وتأذى وتحسر بقدرها الالاف المؤلفة ممن أساء الأنتخاب والأختيار .
وما جاع فقير إلا بقدر ما مُتِع به الغني ... 
وما تأذى مواطن من سوء الخدمات إلا بقدر ما مُتع به المسئول ...
كلها بأسم يا شهيد ... والذين لم يذكرونك بنصب تذكاري عملاق ، ولا ببناء مؤسسات خيرية ، ولا بأتباع نهجك الذي عليه إستشهدت ، فلقد إتبع البعض الشيطان فأظلهم وأعمى أبصارهم ...

إستثمروا تلك الدماء الزكية لا كمشاعل للحرية وتنير لهم درب الحرية والحق والعدالة ومراعاة هموم الشعب بل كوسيلة لملأ الجيوب ونيل المناصب ومواكب الحمايات وقطع الشوارع والجلوس في المكاتب ووضع العراقيل لعدم مقابلتهم ووضع أنفسهم بمعزل عن هموم الناس ومشاكلهم ...
لا بل يستنكفون حتى من مقابلتهم والاستماع لهم ...
رحمك الله يا شهيد وكم باسمك اليوم تقترف الآثام ...

146
أرواح الشهداء ... وأرباح المسؤولين

حيدر محمد الوائلي

شهداء العراق ليسوا ككل الشهداء ، وهل مثل العراق شيء حتى في شهداءه وفساده أيضاً ...
فهم شهداء النضال والحرية ومرارة التعذيب وغياهب السجون وقطع الأعناق والأرزاق أيام أخرست فيه الألسن وجفت الصحف وكممت الأفواه إلا أفواه شهداء العراق الذين صرخوا بالحق فطارت أرواحهم مزهوقة على مذابح الحرية ...
يومها كان فرعون العراق وحزب بعثه يعيثون في الأرض فساداً ولا من مستنكر ولا من مغيث ونصير لا من إخوة ولا من أعراب ولا أجانب ولا دول ولا منظمات ولا حقوق إنسان ولا أمم متحدة ...

شهداء العراق تميزوا بعدم تبعيتهم لحزب ولا لدين ولا لطائفة ولا لقومية فهم قاتلوا من أجل الحرية والوطن والعدالة ، صحيح أن بعضهم منظم حزبياً وقاتل ضمن تنظيم حزبي معارض ، ولكن قاتل لا للحزب ولا لسمعة الحزب ولا لنصرة الحزب بل قاتل لله والوطن والشعب والحرية والكرامة ...

طارت لبارئها كحمامات الصباح تصرخ بهديل الأصوات أي رب ما خرجنا بشر ولا بباطل ولكنا طلبنا الحرية والعدالة والكرامة فرفضوا أن يعطوننا إياها ، ولم يكتفوا بالرفض فقتلونا جزاء ما طلبنا ...
مضت تلك الأرواح الأبية والنفوس الحمية ولم تقل نعم للظلم والدكتاتورية ...
صرخت بـ (لا) للظلم حتى من داخل السجون والمعتقلات وناشوطات الأعدام وزنازين التعذيب ، كما صرخت بـ (لا) اله إلا الله في الآذان والصلاة .
ولا فرق بين هذي الـ(لا) وتلك الـ(لا) ...
بذلوا تلك الأرواح مجاناً لنيل الحرية والعدالة والكرامة والأنصاف للشعب المظلوم ، ولم يبذلوها لمنافع إجتماعية ورواتب خيالية ومحاصصة حزبية وصراعات سياسية ، ومشتهيات طائفية ، وبرلمان لا يحقق مطالب الشعب ولا يشرع قوانين وبالسرعة المطلوبة بما يكفل ويحمي ويحق حقوق الشعب ...
ولم يبذلوها للحكومة ومسمياتها ، فحكومة وحدة وطنية ... بل حكومة مشاركة وطنية .. بل حكومة إستحصال إنتخابي ... بل حكومة تكنوقراط ... بل حكومة وحكومة وحكومة ...
يجتهدون بالتسميات والعناوين ، وينسون التنفيذ والتطبيق ...
مضت علينا لحد الآن سنين ثمان يابسات أكلهن عجول عجاف فصارت سمان جداً ...

مسؤولين وأحزاب وجهات سياسية وحكومية توزع دماء الشهداء كأسهم محاصصة ،  ويهدرون تلك الدماء الزكية لنيل مكاسب سياسية وحكومية ...

شهداء العراق الذين تميزوا عن كل الشهداء ، فهم أول من أسس لحرب الحكام الظالمين بعدما إنتهت حربهم مع الأحتلال الأنكليزي للعراق وثورة العشرين المجيدة التي زعزعت بريطانيا العظمى ... ليواصل الثوار والأحرار والشهداء ثورتهم ضد من ركب كرسي الحكم ركوباً وعده مغنماً وإرثاً وصادر حقوق الشعب لتتابع الثورات والأنتفاضات ضد كل حاكم ومسئول ظالم ...
ولا خير في حكومة ومناصب تصبح غاية لا وسيلة ...
ولا خير في حكومة ولا مناصب تصبح غنيمة لا مسؤولية ...
 
ثاروا أيام كانت جميع الدول خاضعة وخانعة لحكامها سنين الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى سقوط الصنم بالألفية ، وقد حاربوا الفساد والظلم مع قلة الدعم وخذلان الناصر وعدم مساندة أغلب دول الجوار والدول العربية والإسلامية لتلك الدماء التي نزفت سنين وسنين في حربها الطويلة المباركة للظلم والظالمين ...
بل يباركون الظالمين ويساندونهم ويدعموهم على حساب المظلومين ، فلعنة الله على الظالمين ومن كان لهم ظهيرا باليد واللسان والرضا ...

ليأتي خبر جديد في يومنا وساعتنا التي لا تنقضي إلا عن مفاجأة ، كالكثير من أخبارنا الجديدة التي تنبؤنا بشرور ومفاسد جديدة وعاجلة وقليل منها الخير والصلاح .
جاءنا الخبر القديم بحلته الجديدة ...
فقد ورّط المسئولون والسياسيون ورؤوس السلطة حتى الشهداء بفسادهم ورشاواهم وإهمالهم ولا مسئوليتهم وعدم أجدريتهم وأحقيتهم بالمسؤولية والسياسة والسلطة ...
جاء الخبر وسأتلي عليكم من نصه ذكرا ...
فهل تستطيع معي صبرا ...

الخبر :
((أعلنت هيئة النزاهة حلول (مؤسسة الشهداء) بالمرتبة الثالثة في تعاطي الرشوة في شهر كانون الأول عام 2010 بعد حلول (وزارة النفط) بالمركز الأول و (وزارة العدل) بالمركز الثاني و (مؤسسة الشهداء) بالمركز الثالث في الأستبيان المنشور)) !!
إنتهى الخبر ...
وعساه لم يبدأ وما كان ولم يكن ... 

مؤسسة الشهداء بالمرتبة الثالثة في الفساد ... أي تغض الطرف عن ظالمين ويصادر حق شهداء وأيتام الشهداء وذوي الشهداء ، وأن يحسب على الشهداء وذويهم كل من هب ودب !!
طبعاً مبروك !! لوزارة النفط وحظ أوفر لوزارة العدل ومؤسسة الشهداء ، وبقية الوزارات والدوائر في سعي دائم للوصول للمركز الأول ما دامت هيئة النزاهة ضعيفة ولا يوجد لديها صلاحيات مفتوحة وعامة !!
ومن أمن العقوبة أساء الأدب ...وستستمر الإساءات ما لم تصبح هيئة النزاهة في العراق من أعلى وأقوى السلطات ، وأنت كون مستقلة وحيادية وبكادر قضائي مهني وبميزانية مستقلة وبصلاحيات مفتوحة وبتشريع فقرة في الدستور يكفل كل تلك الواجبات ...
هي مسؤولية من يدعي أنه نزيهاً من رئاسة وحكومة وبرلمان وأحزاب وهيئات ومنظمات وجماهير حتى يحققوا ذلك وبأسرع وقت ...

أعيد ذكر طرفي المعادلة (فساد) و (شهداء) ، جمعهم المسئولون والسياسيون ورؤوس السلطة معاً رغماً عن أنف الفلاسفة القائلين (النقيضان لا يجتمعان) .
جمعوهما رغماً عن أنوف الشهداء التي لم تطأطئ للظالمين والفاسدين من سياسيين ورؤوس سلطة حتى نالوا الشهادة على مذبح الحرية ...
تلك الأنوف الأبية التي لم تهن ولم تنكل ولم تجيب الظالمين يومها ولم تطاوعهم ولم تتذلل لهم ورفضت فسادهم وطغيانهم طوال سنين المر واللوعة والحصار والسجون والتعذيب وحكم الحزب الواحد وللكرسي رب يسمى صدام عَبَدَه من دون الله من لا يعرف الله ولا يخاف الله ...
فأذا بتلك الأنوف الأبية ، والرؤوس الحمية ، يذلوها بكرسي الحكم والمسؤولية ، أناس حكموا البلاد بدماء اولئك الشهداء من إسلاميين وعلمانيين ...
وشهداء العراق لا تجمعهم لا هوية ، ولا طائفية ، ولا قومية ، ولا فئوية ، فهم شهداء الحق والحرية .

تلك الأنوف التي رفضت الظالمين وحاربتهم وبذلت الغالي والنفيس للتخلص من الفساد والرشوة والظلم وسوء الخدمات ومن ظلم الظالمين الحاكمين ... ليأتي اليوم البعض ممن رفعوا تلك الأنوف الشامخة شعاراً لتغطية سواد ونتانة فسادهم وظلمهم ...
رحمك الله يا شهيد وكم بأسمك اليوم تقترف الآثام وتملأ الخزانات والجيوب والبيوت ...
يتاجرون اليوم بأسمك اليوم يا باقر الصدر ويا صادق الصدر ويا حكيم ويا صاحب ويا سلام ويا فهد ويا عبد الكريم وعبد العزيز ويا بنت الهدى ويا ميسون ويا انتفاضة رجبية وشعبانية وساعة الصفر ويا حصار ويا سجون ويا تعذيب ويا مقابر جماعية ويا ضربات كمياوية ويا حلبجة ويا مقاومة ويا جبال ويا أهوار ...
إشهدوا عليهم جميعاً فالبعض اليوم يتاجر بتلك المسميات ...

وكل من يعارضهم فهو مسيس ومسيسة وهم على الدوام (صحيح) ، فهم اليوم حاكمين ...
وهم الذين كانوا يكرهون أن يطلق عليهم ذلك أيام كانوا معارضين ، فما حدا مما بدا أم هي دواليك الردى ...
رحمك الله يا شهيد ... وأسأل الله بحقك وبدمك الطاهر أن تشكو هذا (البعض) الى الله وأن يذلهم ويفضحهم في الدنيا قبل الآخرة التي سيفتضحون بها أكيداً .

كما لم تخف يا شهيد وبذلت الدم الطاهر على مذبح الحرية وحاربت الظالمين باليد واللسان والقلم والروح ، فها نحن قادمون ... فلقد علمتنا أن لا نخاف .

قال من لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ناصر المظلومين على الظالمين وأرجو التمعن والتفكر بمعنى الآيات ففيها القصد والمضمون ولا خير في قراءة لا تفكر فيها ولا تدبر :
 
(إِنما ذلكمُ الشيطانُ يُخَوِّف أوليَاءه فلا تخافوهُم وخافونِ إِن كنتم مؤمنين *
ولا يَحزُنكَ الذينَ يُسارعُونَ في الكفرِ إِنهُم لن يَضرواْ الله شيئاً يُريد الله ألاّ يَجْعَل لهُم حَظاً في الآخرة وَلهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ *
إِنَّ الذينَ اشتروا الكفرَ بالإيمان لن يَضُرواْ الله شَيئا ولهُمْ عذابٌ أليمٌ *
ولا يَحسبَنَّ الذِينَ كفروا أنما نُملِي لهُم خيرٌ لأنفسِهم إِنَّما نُملي لهُمْ ليزدَادُواْ إِثماً ولهُمُ عَذابٌ مهينٌ *
مّا كانَ الله لِيَذرَ المُؤمنينَ عَلى مَا أنتمْ عَليهِ حَتىَ يَميزَ الْخَبِيث مِنَ الطيِّب وَمَا كان اللهُ لِيُطلِعَكم عَلَى الْغَيبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجتبي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فآمنواْ باللهِ ورُسُلِهِ وإن تؤمنواْ وَتتقواْ فلكم أَجرٌ عَظِيمٌ *
وَلا يَحْسَبَنَّ الذِينَ يَبْخَلونَ بمَا آتاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُم سَيُطوَّقونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلونَ خَبِير) . صدق الله العظيم ... آل عمران الآيات 175-180 .

خبر عاجل آخر وهو انهيار سقف مرقد سيد شهداء عراق الحرية السيد محمد باقر الصدر ... فبعد فترة قليلة من بناءه بسبب فساد وخلل في التنفيذ من قبل الشركة المنفذة للمشروع !! وهذا رابط الخبر :

http://www.iraqcenter.net/vb/62102.html 

147
إتحاد الأدباء والكتاب في العراق واقع مرير وصمت وتقاعس أكثر مرارة

حيدر محمد الوائلي

قيل فيما قبل بأن مصر تؤلف ، ولبنان تطبع ، والعراق يقرأ ...
وصلتني رسالتين من مسؤول في إتحاد الأدباء والكتاب طلب عدم ذكره إسمه لأن المعلومات الواردة معروفة للجميع كما أكد لي ...
وبما أن الجميع على علم بها ورغم ذلك لم يكتب عنها أحد من قبل فقررت أن أنضم لقائمة الجميع ولكن أن أكتب عنها ولنرى بأي وادٍ يهيم المسؤولين ...

فبعد أن فاتحت إتحاد الأدباء والكتاب في العراق حول كتاب لي رمت طباعته ليرى النور كتاباً فيه فائدة مرجوة للقراء الكرام وهذا الكتاب يتضمن بحثاً في قضايا عراقية ...
فجاءني الجواب الكريم وأشكر كاتبه عليه رغم أن كان جواباً مؤلماً لي كثيراً وليزيد من تصوري حول ألم ومرارة العراق مرارة وألم أكثر ...
وبدون مقدمات كثيرة إليكم الرسالة الأولى :
(الاخ حيدر محمد الوائلي ... السلام عليكم
وصلتنا رسالتك المؤرخة في 17 / 3 / 2011 والتي تطلب فيها أن يُسهم إتحادنا في طباعة كتبك التي تقول أنها تتكون من (19) كتاباً ونود أن نبين لك الآتي :
1- أن اتحادنا لا يحضى بأي دعم لا من الحكومة المحلية ولا من الحكومة الاتحادية ولا من وزارة الثقافة .
2- أن اتحادنا منظمة مهنية غير ربحية .
3- ان اتحادنا يسهم بشكل محدود في طباعة الكتب التي تصدر في _____ من خلال تسهيل بعض الامور الادارية لاعضاءنا .
4- ان اغلب ما يصدر من كتب في محافظتنا من جيوب الادباء الشخصية .
5- ان اتحادنا اصدر ثلاثة كتب على نفقته خلال عام 2010 الاول عن المشهد القصصي في ______ والثاني عن المشهد المسرحي والثالث عن المشهد الشعري وقد اسهم في الكتب الثلاثة اغلب ادباء ______ بنصوص قصصية وشعرية ومسرحية .
6- ان اتحادنا قد وضع في سلم اولويات عمله مساعدة الادباء على طباعة كتبهم على نفقة الاتحاد وقدمنا اكثر من مشروع حول هذا الامر ولم نحصل الى الان على اية موافقة من الجهات التي قدمنا لها ذلك .
7- يسرنا ان تكون احد ضيوف اتحادنا في امسياته الثقافية التي تقام بين خميس وآخر في _______ .
أمنياتنا لك بالابداع المتواصل _______ . رئيس اتحاد الادباء والكتاب في ________ . )

الرسالة نصاً وكما وردت لي ولكن قمت وبضع ______ بدل أسماء ومؤسسات قد ذكرها وقد خشيت أن لا يوافقني على نشرها .

ومن ثم ارسل رسالة ثانية :
( الاخ العزيز حيدر محمد الوائلي ... السلام عليكم
ليس غريبا أن يعيش المثقف العراقي مأساة حقيقية في بلد الثقافة والحضارة مادام يحكمه الجهلة والأميين والانتهازيين .
ولكن هذا هو الواقع الذي علينا جميعا ان نعمل على تغييره بالقدر الذي نستطيع ، أما بالنسبة لطبع كتبك فبإمكانك عمل الآتي :
1- تقديم كتبك الى دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد وهي المؤسسة الحكومية الوحيدة التي تطبع للأديب العراقي وتابعة الى وزارة الثقافة وعند تقديم كتابك لهم سيقومون بتحويله الى خبير في الدار ليبت في إمكانية طباعته أو لا ، وبعد الموافقة عليه يدخل في سلسلة طويلة من الاجراءات الروتينية تستمر من سنتين الى اربع سنوات حتى يرى كتابك النور ، وعندما يتم طبع الكتاب يقدمون لك خمسون نسخة مجانية منه مع مكافأة نشر قدرها ثلاثمائة الف دينار !!!!!!! وبعدها لا يحق لك تقديم كتاب آخر الا بعد سنتين من صدور كتابك الاول ، أما اذا كان كتابك الثاني من غير جنس الكتاب الأول فيمكن تقديمه بعد سنة من صدور الكتاب الاول ، وهذه الدار موجودة في حي تونس في بغداد .

2- اذا رغبت بنشر كتابك في دور النشر العراقية فسوف يكلفك ذلك ثمناً كبيراً يتراوح بين مليوني وثلاثة ملايين دينار ويطبعون لك الف نسخة فقط ولا انصحك بذلك لان اصحاب هذه الدور قفاصة ويغشون بنوعية الورق والحبر المستخدم في الطباعة فضلا عن المبلغ الكبير الذي يأخذونه منك .

3- بامكانك ان تتوجه الى دور النشر العربية في سورية مثل دار الينابيع ودار رند وهي دور لا بأس بها ونحن كإتحاد نطبع لديها يأخذون منك مبلغاً يتراوح من 350 - 400 دولار ويعطوك 200 نسخة من الكتاب وانت تدفع اجور الشحن التي تصل الى 40 دولار وهي طباعة جيدة .

4- الدور العربية ينظرون الى الكتاب كسلعة تجارية فاذا كان كتابك ( ماشي في السوق ) يطبعونه لك مجانا ويعطوك مكافأة تتراوح من 300 - 400 دولار مع خمسين نسخة وهو يأخذون النسخ البقية ويبيعونها وتكون العوائد المالية للدار .
امنياتي لك بالتوفيق) ...
(إنتهى) ... وشكراً لكاتبها على هذا التوضيح ووفقه الله لكل خير . وقد كنت إستأذنته في نشر الرسالة فوافق على ذلك مشكوراً ...

طبعاً قبل أن أوجه ندائي لأتحاد الأدباء والكتاب كنت قد خاطبت حول هذا المشروع الذي حظا بمباركة مزيفة ممن تكلمت معهم ورموه وراء ظهورهم لدا التفاف ظهري راجعاً منهم متصوراً أنهم سيمدون لي يد العون ...
تكلمت مع أحزاب ومؤسسات وشخصيات من ذوي النفوذ والتمويل البارز (يعني عدهم خير من الله) ... وإلى الله المشتكى .
كلهم لم يقدموا العون ولو بفلس واحد ، ولا بنصيحة حتى ، ماعدا مباركات تبين فيما بعد أنها مزيفة !!

ما يحرق القلب أن في فترة الأنتخابات رأينا كيف تقيأت الشوارع من كثرة الملصقات والمنشورات ونسبة قراء تلك المنشورات والدعايات قليل جداً لأن أكثرها (دعايات) لن تنطلي حيلها ووعودها على الشعب ... هذا غير الهدايا والولائم والسفرات الأنتخابية !!
من مولها بملايين الدولارات !!
هو نفسه الذي لم يمول مشاريع دعم المثقفين والأدباء والكتاب ... وهو نفسه الذي لم يساهم بتحسين واقع الخدمات والمعيشة في العراق ، لكي لا نظلم غالبية الشعب المظلوم أو ننسى ذكر مظلوميتهم في كل حين ومناسبة فهم مغزى ومراد ما تجود به هذي الأنامل الضعيفة والروح التي أضعفها القهر والحسرة والألم و(شوغات) الزمن الصعب .

ومن سكت أو تقاعس أو ساهم في هدر أموال الشعب ، فهو نفسه من وافق على مناصب حكومية لا داعي لها وميزانيات ومميزات ضخمة وخاصة ، ووزارات لا فائدة من كثرتها قد تجاوزت الأربعين تقل الميزانية بمميزات ومخصصات لبضعة أشخاص ، ونواب برلمان قاربت جلساتهم وتخاصماتهم وزعلهم ورضاهم أكثر من سنة والمحصلة تشريع قانونين فقط !!
الله أكبر !! وهم يستحصلون رواتب خيالية ، وإمتيازات أكثر خيالاً ، ومنافع إجتماعية ، وسفرات سياحية على نفقة الشعب لترفيه عائلة وأصدقاء وشخص المسؤول (طبعاً عدا المسؤولين مزدوجي الجنسية فهم بحث اخر ) . و عدا الغائبين عن حضور الجلسات بالعشرات ، ولليوم !! وعدا السيارات ، والفلل ، وتمليك قطع أراضي مميزة ، ومقرات أحزاب بإيجارات زهيدة وفي مواقع مميزة داخل المدن والأقضية والنواحي والأرياف ...

طبعاً إتحاد الأدباء والكتاب العام وفروعه في جميع المحافظات في تقاعس مستمر أيضاً (وليقبلوا النقد فنصفهم ناقدين) ، ولم ألمس كمتابع أي أثر لوجوده (وأثر الشيء يدل على وجوده كما قولون) ولا أثر لمساهمته  في معارض كتب أو منتديات ولقاءات ومهرجانات ومشاريع وعقد لقاءاات في المحافظات مع مبدعين ومبدعات وإستقطاب العقول المهاجرة أو عقد ندوات حولهم أو نشر و طبع أو مظاهرة أو إعتصام أو أي شيء مما يجب على المثقفين والكتاب القيام به في مساعدة أبناء شعبهم ...
لكي لا نقول غبناً فهنالك محاولات لهم لا تسمن ولا تغني من جوع ...

وأسأل بدوري القراء الكرام أن يصححوا لي إذا لمس الجهور أو الشعب أو المتابعين أي أثر لوجود إتحاد أدباء وكتاب في المحافظات العراقية ...
إلا اللهم وجدت أثراً له في حلقة تلفزيونية تقدمها قناة (الحرة عراق) تقدمها يوم الخميس وليس دائماً ولمدة ساعة لرصد بعض الجوانب الثقافية ...

طبعاً الوجود الأبرز والمكثف لأتحاد الكتاب كان نزوله للشارع والتظاهر والمطالبة بالأعتصام والحقوق والحريات العامة لدى حدوث طارئ أيقظهم جميعاً ...
الطارئ هو قرار مجلس محافظة بغداد إغلاق البارات (بارات  بيع وشرب الخمور) وبضمنها نادي إجتماعي ضمن إتحاد الكتاب ...
هنا رأيت وجود لأتحاد ولكثرة أعضائه ووسائل الأعلام تصورهم ، ويافطات مرفوعة ، وشعارات تمت صياغتها ببراعة شديدة ... ولا أعرف أين كانوا قبل قرار إغلاق البارات !!
هذا الحدث الأبرز إعلامياً منذ 2003 والى 2011 لأتحاد الأدباء والكتاب ...
 وسكت إتحاد الأدباء والكتاب كما سكت الجميع ...

سكت الجميع من أحزاب دينية وعلمانية ورجال دين وسياسة وأحزاب معارضة ذات رصيد من الشهداء ممن يقبضون اليوم عوائد وأرباح تلك الدماء الزكية ...
نسوا لماذا قضت تلك الأرواح الزكية ، والنفوس الأبية ، التي قضت رافضة للظلم من على مذابح الحرية ، على يد العصابة البعثية ...

سكت الجميع اليوم السكوت المطبق وهم الذين كانوا لا يسكتون عن فضح جرائم النظام السابق فيما قبل في المحافل الدولية وفي المؤتمرات والندوات والمؤلفات والكتب والمطبوعات والمنشورات وخطب الجمع وخطب المواليد والتعزيات ...
سكتوا اليوم عن هدر تلك المليارات من أموال الشعب ... و ما فرق جرائم الماضي السابق عن ما يحدث اليوم ...
 
وأين أصواتكم وكلامكم وكتاباتكم التي كنا لدى قرائتها نصدقها حرفياً ويقشعر لدى سماعها وقرائتها جلودنا وفكرنا مما كنتم به تجودون من عطاء ثر وغني أيام كنتم معارضة !!
فها أنتم اليوم في الحكم ، فماذا أنت فاعلون ؟!! ومالكم كيف تحكمون ؟!!
سكت الجميع ... والسكوت ها هنا عار !! لأنه وضع لا يصح السكوت عنه ...
 
ولكن مع دعم لكتاب ومثقفين بما فيه مصلحة للوطن والشعب ووجع راس لكاتبها ، فلا يوجد تمويل بملايين الدنانير لهم (فقد يسبب هدراً لأموال الشعب !!!!!)

طبعاً عدا المنشورات الحزبية والمؤلفات ذات لطابع الحزبي والمنشورات والصحف الحزبية ذات التمويل العالي والتي تطبع بشكل يومي وأسبوعي وشهري وفصلي !! على نفقة الحزب وبجودة عالية !!
س : من أين تمويلها ؟!!
ج : الله والشعب يعلم بذلك جيداً .     

148
قناة الشرقية وما أدراك ما هي 

حيدر محمد الوائلي

صورة شهيرة ... وغيرها مخفيات كثيرة ...
وما خفي كان أعظم ... في هذا العراق العظيم بسره وعلنه ... بخيره وشره ... بحبه وحربه.
توثق هذه الصورة لقطة لذكرى مفرحة بالنسبة لقناة الشرقية ورئيسها وكادرها ، ونفس اللقطة تصور ذكرى معاناة وألم وبؤس وفاقة وحرمان وأيام مريرة للعراقيين ولكل منصف وحر وعادل  ...
 
صورة توضح شبل الرئيس المخلوع صدام ألا وهو البروفيسور في العلوم السياسية (وكما صرح بذلك مشرف رسالته بعد الأنتهاء من قراءتها أن شبل الرئيس الأستاذ عدي يستحق تخصيص وتسمية شهادة خاصة به تسمى ما فوق البروفسور !!)
طبعاً عدي كما يعرف العراقيين الذي عاشوا أيام توليه تلفزيون (الشباب) ولقاءاته في هذا التلفزيون أن الأستاذ (ما فوق البروفيسور !!) لا يستطيع قراءة صفحة كاملة بصورة صحيحة من كتاب باللغة العربية (الفصيحة) –العربية الحديثة- وليس (الفصحى) –العربية القديمة- ...
وليتخيل القارئ الكريم كيف قرأ رسالة دكتوراه في العلوم السياسية –طبعاً أنا متأكد أنه منحوه الدكتوراه في ايام قلائل وقبل أن يمنحوه الماجستير ليصبح أول صاحب دكتوراه بدون ماجستير- !!

هذه الصورة توثق جلوس الأستاذ ما فوق البروفيسور الدكتور (الكعو) عدي صدام الذي لا تفهم من كلامه لغة ، ولا من فصحته معنى ولا من عاميته مفهوم وكل خطاباته ولقاائته التي تبث بين فترة وأخرى على قناتي العراق الأولى وقناة الشباب الخاصة به كله كلام فارغ (إتسربت بتسربت) !!
طبعاً كنا مضطرين لمتابعتها لعدم وجود غيرها وكنا ننتظر متى تخلص الساعات الطويلة للقائه السخيف لمشاهدة فلم أو مسلسل تتكرم به القناة علينا .

هذه الصورة وهو في عز شبابه قبل أن يصيبه ثوار محافظة ذي قار جنوب العراق بأحدى وعشرين إطلاقة أجلسته مشلولاً وعاجزاً جنسياً وهو الذي كان ينتقي النساء من حديقة الزوراء ببغداد إنتقاءاً وله (قووايد متخصصين بذلك) وفي الجامعات والأذاعة والتلفزيون والشوارع العامة كان ينتقي هذا العاجر جنسياً ما يشفي به ساديته من أعراض الناس الشريفة والعفيفة التي كثيراً ما إستشهدت ولم ينل هذا السادي مراده ، وحتى ألف شبيه (عدي) الذي إتخذه عدي واجهة له لتغطية بعض زياراته لمناطق حساسة وساخنة في العراق أبان الحرب مع أيران وغزو الكويت ولمدة خمس سنوات ...
ألف هذ الشبيه كتاباً أسماه (خمس سنوات إبناً للرئيس) قرأته وإقشعر جلدي لكل جريمة (جنسية) كان يرتكبها هذا الشبل (عدي) إبن ذاك الأسد (صدام) كما كان يسمونه في الأعلام والصحف العراقية والعربية المدفوعة الأجر مسبقاً  ...
جرائم قتل وإغتصاب يقشعر لها جسم كل حر ويعرق غيضاً من سماعها كل جبين شريف ، طبعاً سوف لا يهتم ولا يبدي إمتعاضاً لذلك من كان يقود له ومن كان لعدي درعاً وغطاءاً وناصراً وضاحكاً وكل من لا يسعه أن يكون هذا (العدي) مقبوراً ...
 
كان تلفزيون الشباب التابع لعدي محطة لأبن الرئيس يحلو له ما يفعل ويفعل ما يحلوا له ، ولم يحلوا له شيئاً إلا وأغاض كل شريف غيور على دينه ووطنه وشعبه ...  وقد تحولت هذه القناة والكثير من كادرها للخارج بعد سقوط الصنم وفتحوا قناة جمعت من هذا وذاك وأسموها قناة (الشرقية) ، وهو الشيء الوحيد الصحيح فيها وهي أنها ذات إتجاه شرقي (بعثي) وليس ذات إتجاه يحاكي الجهات الأربع الشمال والجنوب والغرب من أفكار ورؤى وتيارات ...

سؤال من القراء الكرام : والله دوختنة يحيدر وشصار بالصورة مو كتلتنة !!
جواب من حيدر : ها الصورة !! خوش خوش !!

نرجع لموضوع الصورة الشهيرة التي تصور عدي صدام جالساً فاغراً فاه في مسرح وبجنبه (سعد البزاز) رئيس قناة الشرقية الحالي ، ويظهر هذا (البزاز) فاغراً فاه ضاحكاً أيضاً ولا أعرف من إبتدأ الضحك أولاً ، وعلى ماذا كانا يضحكان ؟!!
لكن الذي أعرفه أنه ما ضحك عدي إلا وبكى الملايين من العراقيين الشرفاء ، وما فرح عدي إلا وحزن الملايين من الأحرار ، وما إرتاح عدي إلا وتألم بقدر راحته الشعب ...
وما ضحك عدي لشيء إلا وأغضب الله ، ومن جالس عدي كان مثله ، ومن وصل لأن يجلس بكرسي جنب عدي فهو مقرب ، وما كان منهم مقرب فهو أبعد المشرقين عن الله والوطن والشعب والحرية والعدالة وكل مفاهيم الأنسانية التي إنتزعت من هؤلاء القوم حتى باتوا كالوحوش البشرية شراهة وقسوة ...

ترأس (سعد البزاز) قناة الشرقية وهي قناة بتغطية ممتازة (من حيث جودة الصورة) و (التمويل) (التغطية) و (إستوديهات البث) و (كاميرات البث المنتشرة الهاي كوالتي في جميع الأنحاء في العراق وما حوله) ، حتى فاقت تغطية هذه القناة المسيسة للأخبار والتقارير (قنوات رسمية) و (قنوات عالمية) لها باع كبير بالأعلام ، وبقدرة مالية وميزانية هائلة وبرامج ذات دعم مالي باهظ ، ولا سؤال من أين لهذا (البزاز) كل هذا المال في ليلة وضحاها ...

طردت الحكومة العراقية قناة الشرقية لمخالفتها قواعد وقوانين المهنة المعمول بها في أرقى ديمقراطيات العالم ،  فأستقبلتها دولة الأمارات بالأحضان (وربما بعد الأحضان أشياء أخرى) –لا أظن أن هنالك موقع الكتروني ولا صحيفة تسمح لي بالتصريح بذلك عناً - !!
وكما رحبت بأحتضانها دول خليجية التي ما رحبت يوماً بعراق حر بدون صدام إلا بعد ويلات وتفجيرات وحسرات وقتل ودمار ومقاطعات وتشويه وتزييف وجميع ذلك مصادره منهم ...
بينما طردت دولة الأمارات قناة (الفيحاء) من أراضيها (لرفضها أحضان الأمارات) ولرفضها (الأشياء الأخرى التي تتبع الأحضان) فتعلمون أن كل حضن وراءه مصيبة ...
ولرفض هذه (الفيحاء) سياسات مناهضة لحرية الأنسان وكرامة العراقيين  ولتغطيتها الحيادية البسيطة لمشاكل وهموم الناس وتعرية من يدعم الإرهاب ومن يصدر الفتاوى الداعمة لزعزعة الأوضاع في العراق ولفضحها سياسيي الخليج وحكامه الأباطرة ... 
فحينما تطرد (فيحاء) شر طردة ويأتون بـ (شرقية) ويزينوها أحسن تزيين وأجمل دعم فأعلم أي رقص (شرقي) ستأتي به هذه (الشرقية) لإرضاء كروش الخليج وأموالها ...

ولا نقول من يجمع النقطة الملقاة على رأس هذه (الشرقية) لدى هزها بطناً ، وعرضها لفخذاً و.... احححم ... إحووو إحووو –كحة- !!
–تم تشفير هذا المقطع لاحقاً- !!

الجمعة يوم خير وراحة وعطلة للناس أجمعين ، ألا (للشرقية) التي تجتهد بتسمية أيام الجمع هذه الأيام بتسميات لم تأخذ بها يوماً (فجمعة حق وحرية ووووو)
ولكن نست هذه القناة (الشرقية) ، وتتبعها بالأثر قناة (البغدادية) وقناة (البابلية) وقناة (الرافدين) وهذه (الرافدين) بعثية بأمتياز من دون نقاش حتى بعلمها الدائم الظاهر خلفها بعبارة (الله أكبر) بخط مرحومهم وشهيدهم وظالمنا وقاتلنا (صدام) ...

أقول لهم وهو قول كل حر منصف ... نحن شعب (لا لم لن ما) يموت وبكل أدوات النفي سننفي موت العراق العظيم بأيديكم وألسنتكم ...
ولعن الله قاتلي العراق بالأيدي والألسن ...
العراق وجد كي لا يموت ... ولن يميته مفخخات القوم ولا فتاواهم في الجهاد والمقاومة والقتل وتحليلهم لقتل مئات الآلاف من المدنيين العراقيين بحجة المقاومة ، وفي العراق فقط !!
فلا تميته ولا تنشر الفتنة فيه قنوات تلفزيونية ...
وإذا لم يميت العراق ولم يقتله مئات السجون لصدام وعشرات الآلاف من رجال امن ومخابرات والحرس الخاص والفدائيين والبعثيين وإختصاصيي التعذيب ، ولم يميتوا عزة وكرامة هذا الشعب ، فلا تميته تغطيات إعلامية مسيسة ومحرضة للفتنة ...
فمتى يفهمون أن العراق بلد لا يموت ، وشعبه شعب لا يموت ، بل يبث الحياة في الموتى وتصيرهم أحياء بأذن الله ، والناس موتى وأهل العلم أحياءُ ...

نعم وبعالي الأصوات نصيح أن هنالك فساد ورشوة ومحاصصة ولا مهنية في عمل  الحكومة والرئاسة والبرلمان والمؤسسات والوزارات والأحزاب وهنالك الكثيرين من الأشخاص الغير مناسبين في أماكن لا يستحقونها وتعساً لمن أوصلنا لهذا الواقع المزري ...
ولكن لا تنسوا أن الشعب من إنتخب كل هؤلاء ، والشعب يسقطهم إن شاء وبكل حرية ولا يوجد من يمنعهم لفعل ذلك .

ولكن أن تأتي جهات ومخابرات وقنوات ودول جوار وبقايا نظام صدام ومن ركبت الموجة وتجعل من مطالب الشعب المشروعة ظهراً ليركبوه لتحقيق مآرب أخرى خطيرة ، فهذا أخطر ما يكون !!   

ولا تنسون تلك الجهات السياسية قبل الأنتخابات الأخيرة التي تمسحت بحكام العرب الذين بدأوا يتساقطون الواحد تلو الأخر ...
تلك الجهات السياسية التي طالما سافروا للقاء الحكام العرب وأمراء الخليج (لا حفظهم الله) ومن جنب تلك العروش الظلمة كانوا يشنعون على سياسيي العراق وأحزابه ، وبطبيعة الحال فحكام العرب وأمراء وملوك الخليج يعشقون الحرية ويحبون الديمقراطية  جداً كلش ، ولكثر ما يعشقوها فقد حرموا كل مواطن عربي وخليجي منها طوال حياته !!

ولذلك حاربوها في العراق عن طريق بعض المرشحين العراقيين للأنتخابات بعدما بائت مخابراتهم وإعلامهم وأرهابييهم وفتاوى رجال دينهم وسياسييهم ورؤؤس أموالهم من خلق حرب أهلية في العراق ومن خلق فتنة سنية شيعية ومن جعل الشعب لا يشارك بالأنتخابات ...

لا تنسوا تلك الجهات التي ياما تمسحت وقبلت وتوددت وجلست جلسة الخروف الوديع قرب الراعي من سياسيين عراقيين قبل الأنتخابات الأخيرة ذهبوا لحكام العرب وملوك الخليج ، ولما سقطت تلك الأنظمة بثورات شعوبها التي لا زالت نيرانها متقدة ... تصوروا سمعتهم يباركون تلك الثورات ضد الأنظمة التي كانوا يتملقون لها !!

لا تنسون اولئك السياسيين وضعوهم في الحسبان دائماً ، وأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين ...
لا تنسون السياسيين والبقايا من جهاز الأمن والمخابرات والفدائيين وقيادات البعث وأذنابها ومتملقي السلطة وقواد العهر والسهر والبذخ وكل أولئك المطرودين من العراق الجديد والمطلوبين بدماء العراقيين أيام حكم صدام وحزبه وأكثر من خمس وثلاثين سنة هم المسيطرين والفاسدين والحاكمين والساجنين والقاتلين ، وأكيداً حين سُلبت منهم السلطة وتمت مطاردتهم لما إقترفوه بحق الشعب من مجازر وجرائم وظلم مدقع ، هربوا وهم أولي الأموال وأسسوا جمعيات وقنوات ومنظمات وأحزاب وصحف ومجلات ومواقع الكترونية من أجل (الشعب) ومطالبين بحق (الشعب) ومحاربين (الفساد) الحكومي ...

اولئلك يدافعون عن شعب قتلوه ، وعن دمه الذي أهدروه ، ويحاربون الفساد الذي أسسوا أساسه وبنوا بنيانه وزادوا عليه ... هذا يوم كانوا حاكمين مطلقين على الشعب لا للشعب .
 تذكروهم فالذكرى تنفع يوم لا ينفع مال ولا بنون !!

149
نقاط السيطرة على الإنسان

حيدر محمد الوائلي

بالصدفة !!
ولرب صدفة خير من ألف ميعاد ...
عثرت في موقع الفديو الشهير (Youtube) على سلسة حلقات لبرنامج إسمه (القادمون) (THE ARRIVALS) وهو يتكون من (51) حلقة بوقت عرض مقداره حوالي العشر دقائق لكل حلقة ...
تابعتها بالكامل ، رغم صعوبة التحميل ورداءته أحياناً (الخلل بالشبكة كالعادة) ، ولأيام وليال وفي كل حلقة يُكتشف لي شيء جميل ويتنور في ذهني نور آخر وكل يوم تكشف لي حقيقة مؤثرة .
هذه السلسلة لم يقم بتوليفها وتأليفها ومونتاجها سوى مجموعة شباب عادي حالهم حالنا ، لا علماء ولا من مرتدي الأزياء المميزة أو الرسمية ...
وكم من شباب عادي خير من مرتدي عمائم وربطات عنق وأزياء رسمية ، وأفضل من جالسين على كراسي ومنابر هم ليسوا أهلاً لها ولكن شباب منسي من هو أهل لها ولكنهم منسيون . 
 
تميزت هذه السلسلة بعذوبة موسيقاها كعذوبة أفكارها ، وجمال مونتاجها ، وطريقة تجميع الرموز والدلالات من مقاطع الأفلام العالمية وتوظيفها بشكر بارع الى أبعد الحدود . يجلب التشويق ويزيح الملل ...
سلسلة ذات أسلوب منمق ، وجميل ، تكشف الكثير من الأسرار وتوضح الكثير من الأفكار ... واظب على جمعها وتوظيفها مجموعة شباب -كما قلت-  (كاجوال) (casual) بكاميرات ووسائل إنتاج بسيطة  ورغم ذلك فلدى مشاهدتها تثير في المشاهد التشويق وحب الاستمرار لمعرفة ما يلي من الأفكار ...

تصوروا أن عدد مشاهدي الحلقة الأولى من هذه السلسلة وصل ليوم كتابة هذه السطور الى (1,989,766)  (مليون وتسعمائة وتسعة وثمانين الف) . طبعاً وفي تزايد ...
طبعاً غير الأقراص الدي في دي التي تجمع السلسلة كاملة وتم نشرها بعد إشتهار السلسلة من على الأنترنت . 
 
لم يهدأ لي بال حتى قمت بمشاهدتها وتخزينها بالكامل على كمبيوتري لأني متأكد بأني سأعيد مشاهدتها ثانية للقيمة العالية التي تحتويها ...
وأنا ولو إني أصغركم عمراً وشأناً فأنصح القراء الكرام بمتابعتها ... وتحميلها وفهما ، وسبر أغوارها .

أحدى تلك الحلقات ألهمتني كتابة هذه المقالة لذا إقتضى التنويه من باب حفظ حقوق الأقتباس العلمية ، وضرورة الإشارة الى مصدر الاقتباس وهي امانة لكي لا تصبح كتباتنا مسروقة ... كعدد ليس قليل من الأفكار والكتابات المسروقة .

في أحدى الحلقات الجميلة وكل الحلقات جميلة تمت مناقشة نقاط القوى أو الطاقة في الإنسان وهي كما يلي :
طاقة الجنس وشهوته ...
طاقة الطعام والمعدة ...
طاقة القلب والعاطفة ...
طاقة الكلام ...
طاقة العقل والتفكير ...

وللأسف الشديد وكم نأسف على حالنا في هذه الدنيا المؤقتة ، فلقد تم فساد هذه الطاقات أو تعمد سيطرة المفسدين على الوسائل التي تساعد على إفسادها ...
وبهذه الطاقات يكمن صلاح الأنسان وفساده ... وكل طاقة تفسد وتصلح تبعاً للوسيلة التي تستخدم بها في إشباع وتغذية تلك الطاقة ...

فطاقة الجنس موجود لدى الأنسان ، لذلك كانت من اللازم لقوى الظلام إفسادها للسيطرة عليه بها  وإشغاله بها ، لذلك ترى كثرة المواقع الأبحاية على الانترت ، ومواقع الأغراء والفضائح ، وقنوات التلفزيون التي تعرض ما هب ودب ، والمشاهد يسيل لعابه لما يعرضون ، مما يثير الرغبة في الزنى والعادة السرية ...
بينما وضع الله لنا متنفس سليم وصحي لها وهو الزواج والمعاشرة الجنسية الشرعية بنوعيها الدائم والمؤقت ...
وكذا بمتابعة أمور جعلوا الأنسان مهووس بها كالحيوان الذي لا هم له سوى غريزته ، وكم من إنسان اليوم كل همة غريزته لا صلاح نفسه وصلاح إسرته ومجتمعه ... 
هذا فضلاً عن الفساد الفكري والديني والعقائدي والذي هو أشد ضرراً من الفساد الجنسي ...

وبالنسبة لطاقة الطعام والمعدة فقد أفسدتها قوى الظلام بالأكلات الحرام والخمر وتحصيل الأموال الحرام والربا ، بل الكثيرين مشغولين ومهووسين بالطعام والشراب وهمه ما يملأ بطنه أولاً وأخيراً ، مع العلم أن الله وضع لنا مكاسب محللة بالبيع والشراء والتوظيف وتحصيل الحلال وحرم الرشوة والربا والسرقة والأحتيال فمالكم تتركون الحلال ويسيل لعابكم على ملأ معدة من الحرام رغم أن الحلال متاح ...

وكذلك ما يوصي به الأنبياء والرسل وبعضهم يكمل بعضاً وخاتمهم الرسول محمد (ص) بضرورة مراعاة الأعتدال في كل شيء وحتى في الأكل ...

وبالنسبة لطاقة القلب فلقد إستطاعت قوى الظلام من جعل القلوب قاسية بالنزاعات الطائفية والقتل وبث روح الكراهية ، وحتى أصبح البعض يتلذذ لقتل شخص ما فقط لأنه يخالفه في الفكر والعقيدة ، ويفرح لدى تفجير مجموعة من السكان الذين يخالفهم بالمعتقد ، مع العلم أن الله أسس التشريعات على أساس كونها تشريعات محبة ومودة وخير وسلام ...
وأوصى بحقوق النبات والحيوان كم أوصى بحقوق الأنسان ... فمالنا لا نراعي حقاً لا لحيوان ولا لأنسان ولا لنبات ...
وكذلك بزرع الكراهية والعنصرية والطائفية والقومية والمظهر والتبعية ... فأصبح هم البعض لا الرقي بهذه الحياة بل في إنحطاطها ...

وبالنسبة لطاقة الكلام فتلوثت بالكلمات البذيئة والسب والشتم والقذف والتهجم والطعن لمجرد الأختلاف ، وكذلك الأغاني الوضيعة وكلماتها السخيفة والتي يرددهها البعض كالببغاوات ، مع العلم أن الله أكد على ضرورة أحترام الاخرين والالتزام بالذوق العام ، وعدم التفوه بالتفاهات والطعن والتجريح ...

وهل يوجد في الأغنيات سوى فلان أحب فلانة مع رقصات فاضحة في فديو كليب ...
وأي كلمات تغنيها ويغنيها المغني والمغنية سوى تفاهات من تسطير حروف وموسيقى وضيعة تتراقص لها الأرداف المنحطة وتقف منذهلة لسخافتها الأرواح العذبة ...
ولا خير في مجتمع تنتصر أردافه على أرواحه ...

وبالنسبة لطاقة العقل فقد شغلوها بكل شيء لا يصح التفكير به ، فهي مشغولة بالملاهي واللهو والمخدرات وحبوب الهلوسة والكتب المضللة والمسلسلات الخادعة والبرامج التافهه وبرامج التسلية ، فجعلوا تفكير البعض مشغول بها لا مشغولاً بصلاح النفس والعائلة والمجتمع ، أو تحقيق تغيير ايجابي في حياة الفرد والمجتمع ... 
طبعاً إن التسلية هي وسيلة للترويح عن النفس ، والغرض من التسلية هو كذلك فلماذا يجعل الكثيرين من الناس التسلية هدفهم ومقصدهم وكل ما يرومون ...
 
حتى أصبحنا كما يقول صاحب كتاب (أحجار على رقعة الشطرنج) الكاتب الأمريكي (وليم كاي كار) (William Guy Car) كأحجار الشطرنج التي يتم تحريكها من طرف خفي ، فالشعب هم أحجار الشطرنج ، ورقعة الشطرنج هي الأرض التي نعيش عليها ، وأما بالنسبة للاعبين فمخفيين ... !!
يحركونا كيفما شائوا ، متى ما شائوا وأينما شائوا ...
ونحن عبيد !! سمعاً وطاعة !!

فيما يلي رابط الحلقة الأولى وعلى صفحة المقترحات في يمين شاشة العرض بقية الحلقات وأرجو متابعتها :

 http://www.youtube.com/watch?v=le_ySMrOkFU



150
أخذوا ثأر القدس المغتصبة في شوارع المنامة

حيدر محمد الوائلي

كل الشعب العربي والخليجي خصوصاً ، أيد ثورة تونس ومصر وليبيا في المطالبة بحقوق الشعب المشروعة بالحرية والعدالة ، وكذا مطالبه بتغيير نظام الحكم المشروعة ...
وتسابقت وسائل الأعلام ذات الكادر العربي والتمويل (الرسمي) في إطلاق تسميات (الثورة والتغيير والحرية وجمعة الغضب وجمعة الكرامة حتى أصبح لكل جمعة إسم) ...
وفجأة وبلمح البصر تحولت المطالبات في (البحرين) و (السعودية) وهي نسخة من تلك التي حصلت في تونس ومصر وليبيا وبلدان عربية أخرى ، فتحولت في البحرين والسعودية حصراً إلى (حرام) وتم إخفائها إعلامياً ، والاكتفاء بالإشارة إليها وعدم تغطيتها على مدار الساعة كما حصل في بقية البلدان ...
لا بل وأصدر بعض رجال الدين في السعودية فتوى (بحرمة المطالبات والمظاهرات المطالبة بالإصلاح والتغيير) وفي (البحرين والسعودية) فقط !!

في موقع الكتروني إسلامي يوجد إعلان عريض في رأس الصفحة بضرورة عدم المشاركة في مظاهرات البحرين ... !! وفي يسار الصفحة يوجد إعلان طويل بضرورة المشاركة في مظاهرات ليبيا ... !!
لماذا ؟!! ... ولكي لا تصير (حزورة) سأجيب :
1- لأن أكثرية المطالبين بالحرية من المتظاهرين في (السعودية والبحرين) هم من الطائفة (الشيعية) وما ذنبهم في ذلك أنهم تم ظلمهم !! طبعاً وهنالك الكثير من الأخوة (السنة) مشاركين أيضاً ، وفي المتظاهرين من (العلمانيين) الذي لا يؤمنون لا بشيعة ولا بسنة ... 
وما دخل الحريات والحقوق العامة لكل إنسان بدين وطائفة !! ولو كان بوذياً أو سيخياً يهودياً كان أو مسيحياً ، فهي حقوق (إنسان) !!
2- لأن المطالبات في البحرين (خليجية) وقد تطيح بعقال وعرش (آل خليفة) و(آل سعود) ... والحاكم الظالم (يحرم) الخروج عليه لأنه ولي أمر كما أفتى بذلك علماء دين (وهابية) ، ولكن (حلال) الخروج على زعماء تونس ومصر وليبيا ...!!
مالكم كيف تحكمون ؟!!
3- خشية من إيران التي يخافوها لكونها ذات نظام حكم (شيعي) ...

طبعاً من منا لا ينسى كيف أيدت السلطات السعودية الحرب الإسرائيلية على حزب الله ، وتمنوا إبادة المقاومة الإسلامية هنالك لكونها (شيعية) قاومت إسرائيل ...!!
لا بل أصدر علماء دين من السعودية (ليسوا علماء سنة أكيداً) بل علماء سلطة (وهابية) فتاواهم بعدم أحقية الجهاد في (جنوب لبنان) وأضعفوا جانب المقاومة  وكسروا جناحها ولم يباركوا أو يعلنوا تأييدهم للمقومة في جنوب لبنان ضد الاجتياح الإسرائيلي للجنوب ، وقد صرح علماء (الوهابية) بذلك علناً ...
 
لا بل ترسل الدول الخليجية تقودها السعودية والأمارات جيشاً لدحر المتظاهرين في البحرين ... كما في حربهم ضد ثوار اليمن قبل شهور طويلة وتوغلهم في الحدود اليمنية لإبادة الثوار (الشيعة) في اليمن (ولكنهم فشلوا) ، لتعود السعودية اليوم لتقود جيوشاً خليجية وتخصص لها الأموال الطائلة لإبادة المطالبات والاحتجاجات في البحرين رغم سلميتها وأحقيتها ...
وما شأنكم والبحرين ؟!!
ولماذا تعقد ندوات للجامعة العربية لمناقشة قضية (ليبيا) ويتركوا (البحرين) وكأن شيئاً لم يحصل في (البحرين) !!
وكلا (البحرين وليبيا) عضوين في الجامعة العربية !!

حصيلة أربعة أيام من الرعب وارهاب الخليج في البحرين تم تسجيل حوالي (4000) جريح لحد الآن كما صرح بذلك أحد المراقبين البحرينيين وهو (يوسف المحافظة) ... رغم أن تعداد السكان في البحرين ككل أقل من مليون نسمة ، ومساحة أرض صغيرة جداً ...
هذا العدد من الجرحى أقل مما كانت عليه حصيلة الجرحى والقتلى في مظاهرات وثورة مصر التي أزاحت الدكتاتور حسني مبارك رغم أن تعداد مصر أكثر من (80) مليون نسمة ومساحتها أكبر بكثير ...

ورغم الفرق أيضاً بين (ليبيا) و (البحرين) ألا أن علماء وسياسيي الخليج والعرب يباركون مطالبات ليبيا ويقمعوا ويحرموا البحرين منها ...
يغطون تغطية إعلامية شاملة لما يحصل في ليبيا وفي نفس الوقت يغضون النظر عن البحرين ...
في ليبيا مظاهرات (مسلحة) وهي معدودة شرعية بنظرهم (وبنظري كذلك فالقذافي ظالم أرعن) ولكن في البحرين (سلمية) محرمة وغير مشروعة (وهي بنظري أكثر شرعية من تلك التي في ليبيا لأن الغالبية من الشعب تقودها) ...
في ليبيا تم (تسليح) المظاهرين ... وفي البحرين متظاهرين عزل من السلاح ، اكدوا على (سلمية) المتظاهرات رغم قتلهم وقمعهم ورغم أن من يقتلهم دول (محتلة) خليجية ، وليس من بلادهم ...
في البحرين يتم اعتقال الجرحى من المتظاهرين لا بل تقوم السلطات بتعيين (قادة عسكريين منهم محتلين سعوديين) لأحدى المستشفيات وإقالة الأطباء الاختصاص المسئولين عن إدارتها ...
وفي ليبيا قوات ولجان مؤيدة وجماهير معارضة ، وفي البحرين أغلبية معارضة مسالمة وأقلية حاكمة ظالمة ...   

وماذا عن إخراس وقمع المتظاهرين داخل المملكة السعودية في مدن الإحساء والقطيف (الشيعة) والمطالبين بالإصلاح ...
وما دخل الطوائف في الحقوق والحريات العامة ... وما دخل الأديان بالتظاهرات ، ولو كانوا بوذيين وهندوس ... هي حقوق إنسانية عامة أولاً وأخيراً ...

دول الخليج تقود جيشاً عرمرماً لقمع متظاهرين ، وتستخدم الرصاص (الحي) وعنف واضح ضد متظاهرين (عزل) وتريد أن تفرض بقوة السلاح أمراً هم يريدوه لا غالبية الشعب من أراده ...
تلك الجيوش التي لم تتجرأ يوماً لنصرة فلسطين نصرة حقيقية وإرسال تلك الجيوش لتحرير القدس ... أو لدعم مقاومة فيها ...
قوات خليجية مدججة بالسلاح ومعبأة عقائدياً ليس لطرد قنصليات إسرائيل والقواعد الأمريكية (الدائمة) المتمركزة في السعودية وقطر والبحرين والكويت والأمارات وعمان واليمن ، وفي العراق كما هو معروف فقد تم تسليم أكثر من نصف القواعد الأمريكية للجيش العراقي (بإرادة عراقية) ، وسيكون هنالك انسحاب نهائي للأمريكان نهاية العام 2011 ، بعد أن رفض الشعب العراقي تواجد تلك القواعد على تربة عراقية ...

توجهت قوات الخليج لا لطرد عشرات الآلاف من جنود أمريكا تستخدم أراضيها لما يحلو لها ، ولكن لقمع متظاهرين بحرينيين طالبوا بحقهم الإنساني والسياسي بالحرية والديمقراطية ...   
دبابات وطائرات وأسلحة ثقيلة تتوجه لبلد صغير طالب بحرية وسلمية ، وما أنتم وشأنكم بهم ، وما هذا الاعتداء السافر على كرامة دولة ذات سيادة ، تجتاحها قوات دول مجاورة لقمع متظاهرين طلبوا بحقوق عامة .
هنيئاً لإسرائيل في هكذا زعماء عرب وخليجين تركوا شرفهم (القدس) يغتصب أمام عيونهم لتنتصب شواربهم في (المنامة) لتأخذ بثأر القدس من محتليها في البحرين ... !!

قبل شهور وأيام ، والأيام تترا تروي عبرة لكل عاقل ومن هو بالإشارة يفهم ، فكيف لو كان أمراً واضحاً كالشمس ...
أغتيل (المبحوح) في فندق أماراتي ، وطالبوا بمتابعة من قتله وعرفوهم وكاميرات المراقبة صورتهم أنهم (عملاء مخابرات إسرائيلية) قتلوا (المبحوح ) القيادي في المقاومة الفلسطينية ...
وكعادة قادة العرب وسياسييهم ومخابراتهم ، فلم يدافعوا عن أمر كشفوه ، ولم يصبروا لينالوا حقاً طلبوه ... فرضخوا كعادتهم لمطالب إسرائيل ومن خلفها أمريكا ...

أخفى الأعلام الخليجي القضية ، وكأن ما كان لم يكن ، بعد أن هولوا القضية وصوروا رئيس شرطة دبي (كقائد مقاومة) في مطالبته المخابرات الأسرائيلية في تسليم عملائها المطلوبين بقضية قتل واضحة كوضوح لشمس ، فسكت كسوت قادته الذين ربما أخبروه بأن يصمت لكي لا تسيء العلاقات مع إسرائيل في الخفية ، ودع الناس يفهموا أننا نعادي إسرائيل في العلن فقط ...

مجموعة من الأخبار العاجلة المشرفة :
الخبر الأول : مجلس النواب العراقي يستنكر ما تفعله القوات الخليجية من مجازر في البحرين . وعدم إنعقاد الجلسة احتجاجاً على إحتلال قوات (درع الخليج) للبحرين ، وتظاهرات في أنحاء متفرقة في العراق نصرة لإخوانهم ثوار البحرين وأحرارها . وهناك أخر ستنطلق يوم السبت  19/3/2011 في محافظات عراقية أخرى.
الخبر الثاني : الكويت تسحب قواتها من (درع الخليج) وتعلن عدم مشاركتها في المجازر التي تقوم بها قوات (درع الخليج) في البحرين .
الخبر الثالث : إستمرار ثوار البحرين وأحرارها بمطالبهم ومظاهراتهم المشروعة ، رافعين شعار (إخوان سنة وشيعة ... هذا الوطن ما نبيعه)

فيما يلي مقتطفات من قصيدة الشاعر الكبير: إبراهيم اليازجي فلعل وعسى تحرك ضمير البعض وتسهم بصحوة ونهضة وضغوط ومظاهرات لنصرة البحرينيين والسعوديين في مطالباتهم المشروعة كمطالب أحرا وثوار الوطن العربي في بقية البلدان :
 
تَنَبَّهُـوا وَاسْتَفِيقُـوا  أيُّهَا  العَـرَبُ        فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ
فِيمَ  التَّعَلُّـلُ بِالآمَـال  تَخْدَعُـكُم        وَأَنْتُـمُ بَيْنَ  رَاحَاتِ  القََنَـا  سُلـبُ
اللهُ أَكْبَـرُ مَا هَـذَا  المَنَـامُ  فَقَـدْ        شَكَاكُمُ  المَهْدُ  وَاشْتَاقَتْـكُمُ  التُّـرَبُ
كَمْ تُظْلَمُونَ  وَلَسْتُمْ  تَشْتَكُونَ  وَكَمْ        تُسْتَغْضَبُونَ  فَلا  يَبْدُو  لَكُمْ  غَضَـبُ
أَلِفْتُمُ الْهَوْنَ حَتَّى صَارَ  عِنْدَكُمُ  طَبْعَاً        وَبَعْـضُ  طِبَـاعِ  الْمَرْءِ  مُكْتَسَـبُ
وَفَارَقَتْكُمْ  لِطُولِ  الذُّلِّ   نَخْوَتُـكُمْ        فَلَيْسَ  يُؤْلِمُكُمْ  خَسْفٌ  وَلا  عَطَـبُ
فَشَمِّـرُوا وَانْهَضُوا لِلأَمْـرِ وَابْتَدِرُوا        مِنْ دَهْرِكُمْ فُرْصَةً ضَنَّتْ بِهَا  الحِقَـبُ
لا  تَبْتَغُوا  بِالْمُنَى فَـوْزَاً لأَنْفُسِـكُمْ        لا يُصْدَقُ الفَوْزُ مَا لَمْ  يُصْدَقُ  الطَّلَبُ
خَلُّوا التَّعَصُّبَ عَنْكُمْ  وَاسْتَوُوا  عُصَبَاً        عَلَى  الوِئَـامِ  وَدَفْعِ  الظُّلْمِ   تَعْتَصِبُ
هَذَا الذِي قَد رَمَى بِالضَّعْفِ قُوَّتَـكُمْ        وَغَادَرَ الشَّمْلَ مِنْكُمْ  وَهْوَ  مُنْشَعِـبُ
وَسَلَّـطَ الجَوْرَ فِي  أَقْطَارِكُمْ  فَغَدَتْ        وَأَرْضُهَا دُونَ أَقْطَـارِ  الْمَلا  خِـرَبُ
مِنْ كُلِّ وَغْدٍ  زَنِيمٍ مَا لَـهُ  نَسَـبٌ         يُدْرَى، وَلَيْسَ لَـهُ  دِيـنٌ  وَلا  أَدَبُ
وَكُلِّ ذِي خَنَثٍ فِي الفَحْشِ  مُنْغَمِسٍ        يَزْدَادُ بِالْحَـكِّ فِي  وَجْعَائِـهِ  الجَرَبُ
سِلاحُهُمْ فِي  وُجُوهِ  الخَصْمِ  مَكْرُهُمُ       وَخَيْرُ  جُنْدهُمُ  التَّدْلِيـسُ  وَالْكَـذِبُ
وَالْحَقُّ وَالبُطْـلُ فِي مِيزَانِهِمْ شُـرَعٌ        فَلا  يَمِيل  سِوَى  مَا  مَيَّـلَ   الذَّهَبُ
فَصَاحِبُ الأَرْضِ مِنْكُمْ ضِمْنَ  ضَيْعَتِهِ        مُسْتَخْـدَمٌ  وَرَبِيبُ  الدَّارِ   مُغْتَـرِبُ
وَلَيْسَ أَعْرَاضُكُمْ  أَغْلَى  إِذَا  انْتُهِكَتْ        مِنْ عرْضِ  مَمْلُوكِهِمْ  بِالفِلْسِ  يُجْتَلَبُ
بِاللهِ  يَا  قَوْمَنَـا  هُبُّـوا  لِشَأْنِـكُمُ        فَكَمْ  تُنَادِيكُمُ  الأَشْعَـارُ  وَالْخُطَـبُ
أَلَسْتُمُ مَنْ سَطَوا في  الأَرْضِ وَافْتَتَحُوا        شَرْقَـاً وَغَرْبَـاً وَعَـزّوا  أَيْنَمَا  ذَهَبُوا
وَمَنْ أَذّلُّوا الْمُلُوكَ الصِّيدَ فَارْتَعَـدَتْ        وَزَلْـزَلَ الأَرْضَ مِمَّا  تَحْتَهَا  الرَّهَـبُ
وَمَنْ بَنوا لِصُـرُوحِ العِـزِّ  أَعْمِـدَةً        تَهْوِي الصَّوَاعِـقُ عَنْها وَهْيَ تَنْقَلِـبُ
فَمَا لَكُم  وَيْحَكُم  أَصْبَحْتُـمُ  هَمَلاً        وَوَجْـهُ  عِزِّكُمُ  بِالْهَـوْنِ   مُنْتَقِـبُ
لا  دَوْلَـةٌ  لَكُمُ  يَشْتَـدُّ  أَزْرَكُـمُ        بِهَا، وَلا  نَاصِرٌ  لِلْخَطِـبِ   يُنْتَـدَبُ
فَيَا لِقَوْمِي وَمَا  قَوْمِـي سِوَى  عَرَب        وَلَنْ يُضَيَّـعَ  فِيْهُم   ذَلِكَ   النَّسَـبُ
وَمَنْ  يَعِـشْ  يَرَ  وَالأَيَّـامُ  مُقْبِلَـةٌ        يَلُـوحُ لِلْمَـرْءِ  فِي أَحْدَاثِهَا  العَجَبُ


     

151
ثار العراق قبل عشرين سنة من موضة ثورات اليوم فأين كنتم يومها يا عرب

حيدر محمد الوائلي

فجر الثاني من آذار 1991 كان فجراً عبوساً بائساً كتلك الأيام الخوالي والتوالي من أيام حكم الوحوش لدول الإنسان ... بعد سنين عجاف لحروب ومغامرات كان وقودها الشعب وثرواته ، وقتل وترهيب وإهلاك للحرث والنسل لمن يعارض أو يعترض أو ينبس ببنت شفة ...
كنا وكان يا ما كان ، في حاضر الزمان ، في عراق الحضارة والأمان ، الذي حوله عصابة البعث ولصوص الحكم وإنتهازيي السلطة الى عراق المخابرات والسجون والتعذيب وفقدان الثقة بالجار والصديق والأخوان ...
في فجر اذاري ملبد بدخان عار إنسحاب الجيش العراقي من مغامرة صدام في الكويت ليحصل في الجيش العراقي البطل مجزرة ومذبحة ألقى بها صدام بشعبه بعد تهلكة الحرب مع إيران خدمة لمصالح أمريكا ، والشعب وثروته وقودها والعرب وحكامه دعامتها حيث وصفوا الصنم يومها بحامي البوابة الشرقية للوطن العربي وسيف العرب ، وقادسية صدام ، وشعراء العرب تنظم وكتابها تؤلف وسياسيها تحلل بفكر القائد الضرورة ، وحكام العرب تدعم بالمال لأستمرار حرب وقودها نفط العراق وشعبه .
حرب لنقض إتفاقية الجزائر التي عقدها صدام بكامل قواه العقلية مع الشاه ليعود بكامل قواه الإرهابية والعسكرية لينقضها ويحارب ايران التي للتو إنتصرت ثورتها الأسلامية ... ومالنا ولأيران .   
في فجر الثاني من اذار 1991 قام جندي عراقي بائس ومحروم وبطل أهلكته حروب صدام ومغامراته ، وكان عائد من مهزلة صدام وغزوه لدولة الكويت وفي (ساحة سعد) في البصرة حيث يوجد صنم لصدام كمثل مئات غيره في بقية محافظات العراق ، فقد فتح هذا الجندي نار بندقيته على الصنم ... وهشمته تهشيماً كما هشمت حروب صدام الشعب تهشيماً ...
وكما ألهت نيران جسم (محمد بو عزيزي) لثورة تونس نهاية سنة 2010 وقلدتها من بعد مصر بداية سنة 2011 وكذا ببقية الدول العربية ، فقد كانت تلك الرصاصات كفيلة بأشعال فتيل الأنتفاضة الشعبانية في العراق ... لتلتهم تلك الأنتفاضة معاقل البعث وزبانية صدام وأوكار الظلم في جميع أنحاء العراق ، وحررت الشعب مؤقتاً من حكم الصنم ... كيف لا وهم أحفاد ثورة العشرين التي ثارت ضد الأنكليز في حزيران 1920 وساهمت بتحرير العراق لاحقاً من قبضة الاحتلال الأنكليزي ، فحتى بثوراته ضد الأحتلال كان العراقيين سباقين للثورة ...

قبل عشرين سنة من (موضة) ثورات العرب اليوم التي قلد بعضها بعضاً وكأنهم كانوا موتى قبل ذلك فأحياهم (محمد بو عزيزي) لما أحرق جسمه غاضباً على مصادرة البلدية لأغراضه التي كان يبيعها في السوق ويسترزق منها (على باب الله) ، فألهمت نيران جسمه وموته ثورة تونس وثار الشعب ضد نظام كان يحكمه لأكثر من أربعين سنة ولم تسجل ثورة كتلك التي ثاروها يوماً !!
وقلدت مصر الثورة وثارت اول ثورة على حاكم حكمها لأكثر من ثلاثين سنة !! ولم تسجل لهم ثورة قبلها كتلك أبدا !!
ومن بعدها وتبعاً لـ (موضة) و (صحوة) الثورات والمظاهرات والمطالبات فقلدت اليمن الثورة وليبيا والبحرين والسعودية والكويت والأردن والجزائر وكأنهم كانوا موتى من قبل !!
أنا مع الثورة ضد الظالمين لكي لا يتوهم البعض أمراً مريباً ، ولكني أقول أين كنتم قبل هذا ؟!!
(الشعب يريد إسقاط النظام) أصبحت إنشودة الأحرار اليوم ولكن قالها العراقيين بالأمس البعيد ... قالوها بصوت واضح حينما إنتفض الشعب بأنتفاضة كانت منتصرة لولا قمعها بطائرات ومدافع ودبابات صدام والعرب تدعمه ومن خلفهم أمريكا ...
قبل عشرين سنة صرخ العراقيون (الشعب يريد إسقاط النظام) ولم يردده أحد معه لأن الذل والهوان والجهل والخيانة كان مسيطراً على حكام العرب ومحكوميه ، وهم بذلك مرتاحين ما دام هناك طعام وشراب ... واللقمة مع الحكام أدسم .
مالكم ألم تسمعوا بشعب إنتفض بأنتفاضة أرعبت أكبر طاغية عرفه التاريخ المعاصر وأرعبته وهزت أركان حكمه قبل عشرين سنة ...
ما لكم ووسائل إعلامكم وصحفكم ومجلاتكم وسياسييكم وأحزابكم ومعارضتكم ، ألم يبلغوكم بثورة العراقيين من قبل أم كنتم وقتها مع نظام الحكم الذي ثرتم عليه اليوم !!
إنتفض العراق وشعبه قبل عشرين عام من اليوم قائلاً (لا) للظالمين ، ولكن نظام الحكم إستخدم مع الشعب أخس وسائل القمع بعد أن عقد إتفاقية سميت بأتفاقية (خيمة صفوان) في البصرة مع القادة الأمريكان وسمح له الأمريكان بقمع الأنتفاضة وفتح مجال جوي لزبانية صدام وقد كان محظوراً عليه الطيران ، بعد أن قدم لهم تنازلات كبيرة ، وأمريكا تسير حيث مصلحتها كما هو معروف .
تحول بيت المرجع الديني الأعلى وقتها السيد المرحوم آية الله العظمى أبو القاسم الخوئي (قدة) الى مركز لأجتماعات الكادر القيادي للانتفاضة وقد أصدر بياناً دعا فيه للمحافظة على الأمن والاستقرار وتعيين لجنة من تسعة علماء تأخذ على عاتقها إدارة شؤون البلاد ...
سقط صدام وإنهار نهائياً لولا سماح أمريكا له بتطيير طائراته لقمع الأنتفاضة ومن خلفه دعم ومساندة الدول العربية وسكوتها عن المجازر التي كان يقوم بها ... وكذا كانت شعوبها .

قصف النظام الصدامي مدن مزدحمة بالسكان بالمدافع والدبابات . فقُمِعت الأنتفاضة مع خذلان الناصر والمعين من الأخوة العرب الذين أيدوا صدام على شعبه وكما كان حكام العرب يومها متخاذلين مع ثوار العراق كذلك كان الكثير من شعوبها مع الأسف الشديد ...
وواأسفاه اليوم ينتقدون كل من لا يناصر ثورة تونس ومصر وليبيا وبقية البلدان العربية فما حدا مما بدا ... أم موضة الثورة حان حينها ، وحلا لباسها ...
أفلم تعلموا وأنا متأكد أنكم تعلمون أن لو حكم بلد عربي كل من (حسني مبارك)  و (زين العابدين بن علي) و (معمر القذافي) و (احمد عبد الله صالح) و (ال خليفة) و (ال سعود) و (بشار الأسد) و (الملك عبد الله بن الحسين) وكل من تظاهر الشعب العربي عليهم اليوم ، لو حكموا سوية  بلداً من البلدان مجتمعين لما وصلوا لربع نصف ربع ما فعله الطاغية صدام وحزبه بالشعب العراقي .   

وهيهات ... هيهات ... وبعد اللتيا واللتي ... بعث صدام مجرميه ليحضروا له السيد الخوئيالذي كان بمثابة القائد الروحي للأنتفاضة الشعبانية ، ليتشفى كما هي عادته ، فأدخلوا السيد الخوئي على صدام رغم مرضه وكبر سنه وأجلسه رغماً عنه على كرسي وجلس أمامه قائلاً :
(هو هذا الأسلام) يقصد إهانة الأنتفاضة فأجاب السيد الخوئي قائلاً : (المثلة حرام) وسكت !! 
والمثلة هي تشويه الجثة والتمثيل بها بعد موتها ، فسكت الطاغية الذي ظن أنه أجبر السيد الخوئي على ذم الأنتفاضة ولم يعلم أنه غبي وأحمق ، فالسيد الخوئي قصد أن الحكم الشرعي لمن مثل بالجثث حرام ولكن من إنتفض وقتل الظالمين وقاتلهم هم ليسوا كذلك !!
وهنالك مقطع فديوي شهير يوثق الحادثة .

ومن ثم قام صدام بقتل ابن السيد الخوئي وكذا فعل بطلابه الذين قضوا بين قتل وسجن ومراقبة امنية ، حتى فاضت روحه بعذاب والم وتعذيب ووحدة ولا يزوره أحد ... تصوروا أن أخر أيام حياة السيد الخوئي وهو من كبار علماء العراق ومؤسساته الخيرية والدينية ملئت أنحاء العالم ، لا يوجد من يسليه في منزله سوى أهله فقط والجلادين ورجال الأمن يحومون داخل بيته وحوله ... كما صرح بذلك شهيد عراق الحرية وشهيد محراب الصلاة وجمعة الفقراء السيد آية الله العظمى محمد باقر الحكيم (قدة).

وفي مقطع فديوي اخر يصور قيادات بعثية في إجتماع في منطقة جنوب العراق قال أحد من يتمسكنون بالمحاكمة اليوم من قيادات صدام ويدعي أنه وطني وبريء كما هي عادة المتهمين تصوروا ماذا قال هذا الذي اليوم في المحكمة الخاصة بجرائم الأنتفاضة الشعبانية يدعي أنه بريئاً وليس له علاقة بجرائم النظام السابق  كان يقول نصاً : (حتى مهدور دمهم الى عشرين سنة) يقصد من قام وأيد الأنتفاضة !! ويقاطعه قيادي اخر قائلاً : (إي ولازم نسويهم درس للأخرين) وقيادي بعثي اخر يوجه عصابته في قمع الأنتفاضه قائلاً : (كون ذبح ذبحوهم ذبح هيج بالحربة وشك كلبة شك)
عمركم سمعتم نذلاً يقتل لعشرين عاماً بسبب حادثة ، وفعلاً فعلوا ذلك حتى سقوط الصنم على يد أسياده ومن إتخذهم سلطاناً من دون الله سنة 2003 ، ونال الشعب حريته على من يد من حرمه منها سنة 1991 .
طبعاً أراد صدام ونظام حكمه تشويه سمعة الأنتفاضة بقوله أن إيران خلفها ، طبعاً هو نفسه ونظام حكمه يعرف أنها كذبة وأن الأنتفاضة عراقية بحتة ، ولكن للنجاحات التي حققتها الأنتفاضة أراد زعزعتها فما إستطاع ، فلجأ بعدها لأمريكا وقدم تنازلاته فوافقت أمريكا السائرة حيث مصلحتها . وأمريكا التي حاولت تهريب صدام وطلبت تأجيل حكم إعدامه سنة 2006 ولكن سبقهم قرار رئيس الوزراء المالكي لما سرب له البعض الأمر وصادق على قرار إعدامه على الفور ...
وأما (سلطان هاشم) وزير دفاع صدام وأحد قواد جيشه في ايام الأنتفاضة وكبير المتفاوضين في اتفاقية (خيمة صفوان) فلليوم تريده أمريكا وتطلب سراً خروجه وإلغاء قرار الأعدام الصادر بحقه من المحكمة الجنائية العراقية العليا ، ومنذ سنوات صدر قرار الأعدام ولم ينفذ بسبب ضغوطات أمريكية كبيرة .

وزيادة في التشفي ولقمع الأنتفاضة أكثر ومن يفكر بها فقد قصف قبة الأمام علي (ع) أمام المسلمين وأمير المؤمنين وكذا قصف قبة أبنه الأمام الحسين (ع) وقبة أخيه العباس (ع) تشفياً بهم وبمن لاذ بهم وتصور أن لهم حرمة تقيهم من بطش فرعون ، ولم يعلموا أن فرعون علا في الأرض ويتخذ أهلها شيعاً ويذبح أبنائهم ويستحي نسائهم ويبغي في الأرض ...
لم توقف الصنم هيبة أخو رسول الله من كان منه النبي محمد (ص) بمنزلة هارون من موسى وكذا بحفيده سيد شباب أهل الجنة ولا صوت (الله أكبر) الذي علا من المآذن ليخرسوا صوت (الله أكبر) بأصوات المدافع والرشاشات ... رغم أن المنتفضين اللائذين في الحرم المقدس لم يكن لديهم ل ذخيرة ولا مئونة ، ولكن فعلوا ذلك تشفياً !!
ومن ثم تجفيف الأهوار وهي بقعة مائية عملاقة يعيش عليها عشرات الآلاف من السكان وقد غير بيئة طبيعية عاشت عليها حضارة سومر وأور قبل آلاف السنين ، ولم يجرأ أحد الى فعل ذلك من قبل وفعلها صدام ... ولم يتضور جوعاً على إثر التجفيف ويتأذى الأنسان فحسب بل حتى الحيوان براً وبحراً هاجر من العراق للبلدان المجاورة طالباً اللجوء .
تلك الحيوانات التي تقام لها محميات في أفريقيا لم يفكر بها صدام كعائد طبيعي وسياحي للعراق ...
ما هذا الذي أتفوه به يا ربي فالذي يهلك الأنسان هل سيفكر بالحيوان !!
ودع عنك الضرب بالأسلحة الكيميائية وزنازين التعذيب لنساء ورجال يعذبون شر تعذيب قبل أن يُعدموا بمحاكم صورية ...

يروي شاهد إسمه (حيدر العطار) أن امرأة أنجبت وليدها في سجن التعذيب ، فأخذوا منها طفلها وفي الصباح التالي قدموه في صينية مقطعاً على أساس أنه فطور لأمه ... !!
ودع عنك صورايخ ارض ارض التي استخدمها صدام في قمع شعبه التي لم تحرك لا جامعة عربية ولا دول جوار ولا امم متحدة ولا قيادات مجلس الأمن التي تحرك العالم لا امريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا روسيا ولا الصين ... ولا فيتو ولا عقوبات ولا منظمات إنسانية .
لا بل يعاقبون الشعب بحصار إقتصادي لم يؤثر بصدام ولا بحزبه ولا زبانيته مقدار أنمله ، لتسدي الأمم المتحدة خدمة لصدام وهو يتشفى بشعبه يتضور جوعاً ويموت وهو بحسرة الدواء ويتذكر سنين المر تلك من كان في العراق ومن عاش تلك المحنة وذلك الحصار الذي جعل بلد التمر في حسرة نصف كيلو تتعارك عليه العائلة لدى شرائه ، ودع عنك الخبز الذي لم نذق من حنطته نعومة ولا من شعيره خشونة ...
بحسرة لقمة الطعام كبر جيل يترك المدارس ليجلب لقمة عيش لعائلة ، ومعلمين ومدرسين براتب يعادل دولار بالشهر وكيلو الطماطة بنصف دولار يومها فكيف يعيش كيف !! وكيف يدرس الطلاب ، وكذا ببقية رواتب موظفي الدولة لتبدأ مرحلة جديدة من الرشوة والفساد ويعيش موظفي الدولة عهداً من الفساد لم يعهدوه من قبل فقد كانت رواتبهم مجزية فيما قبل وفجاءة أصبحت في الحضيض ففسدوا وإستمر الفساد لليوم ...
رحم الله شهداء العراق ، ولعن الله من قتلهم بالأيدي والألسن .
ويا عرب ... إنا فرحين بثورتكم ضد الحكام الظالمين ويا رب ينصركم عليهم وعلى زبانيتهم وعصاباتهم ولكن أقول : أين كنتم يا شعوب من تتفاخر بالثورة ونصرتها ، ومن يساند التظاهرات والمطالبات بالأصلاح والتغيير ...
أين كنتم لمّا إحترق وأعدم وأذيب بأحواض الأسيد (التيزاب) وبالمثرامات البشرية وبقطع الرؤوس والأيدي والألسن والأذان مئات الآلاف من العراقيين على مذابح الحرية ... منذ أكثر من أربعين سنة وحتى سقوط الصنم في 2003 .
بأي وادٍ كنتم تهيمون، ويتبعكم الغاوون، ولم تكونوا تناصرون، لا بقول ولا بفعل.

152
رموها برأس نوري المالكي وأخفوا رؤوسهم

حيدر محمد الوائلي

قيل : (ليس من الضروري أن يكون كلامي مقبولاً  ، وإنما أن يكون كلامي صادقاً)
نعم ... فلا يقبل الجميع الكلام رغم صدقه ومنطقه (وأكثرهم للحق كارهون) ، فالناس أهواء ومذاهب وأفكار وإرضاء الناس غاية لا تدرك ، ولكن الحمد لله الذي رضاه وهو خير من الناس جميعاً غاية يمكن إدراكها وهو من رزقنا نعمة العقل التي بها نفكر لننال به ذلك الرضا ...
ولكن في السياسة والفكر فمن الصعب إرضاء الله والناس معاً ...!!

لماذا كل هفوة وكل خطأ وكل فساد وكل خرق وكل زلة تحصل في العراق اليوم يتم تحميل مسؤوليتها لشخص واحد ومعروف ومميز (أبو نظارة) نوري كامل المالكي ...
وأنا أحمله المسؤولية أيضاً حول ما يحصل ولكن الفرق هنا إنني احمله بعض المسؤولية أحياناً ، ولا أحمله وحده المسؤولية ، وأحياناً لا يتحمل المسؤولية على الأطلاق  ...

قد نحمله مسؤوليته وضرورة الحزم في قراراته كرئيس للوزراء ، وضرورة الأجتهاد والجد في معالجة الأخطاء ، وقد نحمله جميعاً وبشكل رئيسي مسؤولية فساد بعض المنتمين لحزبه (حزب الدعوة) وفساد بعض المنتمين لكتلته (دولة القانون) وكثير منهم مشترك في مجالس المحافظات ومنهم محافظين وفيهم الغير مهنيين والفاسدين والمرتشين والمتقاعسين والمغفلين ممن  يغطون على المفسدين مثلما فيهم الجيد والنزيه والكفوء ...
ولكن حاله وحزبه وكتلته بذلك كحال الجميع من المشتركين في العملية السياسية (المحاصصاتية) من الذين أنتخبهم الشعب ... فبعضهم فاسدون (منتخبون) !!
ويلام الشعب الذي إنتخب هؤلاء الفاسدين المتقاعسين المغفلين ومنهم الغائبين عن جلسات البرلمان بشكل مستمر ، ومنهم الغائب الحاضر الجالس في البرلمان كجلستنا نحن في المقاهي والمجالس ، ونرى هذا البرلماني (وما أكثر أمثاله) يتابع مداخلات برلمانيين كما نتابعها نحن على شاشة التلفزيون ، والعتاب لمن إنتخبهم وأوصلهم لكراسيهم ...

في المظاهرات التي حصلت في عموم أنحاء العراق من شماله وجنوبه ووسطه لمناهضة الفساد وخرجوا بالآلاف ، ومن الملايين ممن أذعن لتحذيرات وجود مندسين ومخابرات دول وبقايا نظام صدام ممن يريدون أن يركبوا موجة المظاهرات السائدة فجلس غالبية الشعب تحسباً من مكر أولئك وهؤلاء ...
كانت المظاهرات كما هو مطلب كل الشعب وهو المطالبة بالحقوق العامة والخدمات والتعيينات ومحاربة الفساد المستشري ومطالب أخرى مشروعة .
ولكن يجب الالتفات هنا لنقطة مهمة قد حصلت ومرت مرور الكرام على بعض الكرام واللئام معاً ... فقد قام رئيس الوزراء نوري المالكي وتحقيقاً لمطالب المتظاهرين ولمطالب من احترموا التحذيرات من وجود مندسين وكانت مطالبهم كمطالب المتظاهرين أيضاً ... قام بتغييرات في المناطق التي فازت فيها كتلته بمناصب المحافظين فأقال محافظ البصرة ومحافظ بابل المنتميين لكتلته ومحافظ ذي قار الذي توجد هنالك تسريبات حول إقالته أيضاً وهم جميعاً منتمين لكتلة المالكي (كتلة دولة القانون) ...
وبنفس الوقت أذعن المحافظين المقالين لرأي رئيس كتلتهم وتركوا مناصبهم ليتنازع عليها من جديد مجلس المحافظة ليحاصصوها ويحوسموها فيما بينهم ...!!

لم يعلق أحد حول هذا الموضوع وباركه القليل وسكت عنه الكثير ، وفي نفس اليوم والوقت والساعة ولدى إحتدام المواجهات في محافظة نينوى وسقوط قتلى وجرحى  وسط المتظاهرين المطالبين بتغيير محافظ نينوى (أثيل النجيفي) طالب المالكي (أثيل النجيفي) بأن يتنحى عن منصبه كما فعل بعض المحافظين ، تلبية لمطالب المتظاهرين .
فجاء الجواب من رئيس البرلمان العراقي (أسامة النجيفي) التابع لكتلة (العراقية) بأن دعوة المالكي باطلة ومسيسة وأن المتظاهرين أشاعوا الفوضى والعنف وأن أخوه المحافظ (أثيل النجيفي) باق بمنصبه ...
والأخوة لبعض كما يقولون ، فمن شجب دعوة رئيس الوزراء لإقالة (أثيل النجيفي) ليس (أثيلاً) بل أخوه (أسامة) رغم أن منصبه في الجمهورية العراقية (رئيس مجلس النواب العراقي) وليس (رئيس أسرة ال النجيفي في العراق) !!
ليس المحافظ صاحب الشأن بل أخوه رئيس البرلمان العراقي التابع للقائمة العراقية ، من ندد بالمطالبين بإقالة محافظ نينوى ...
بربكم أي الموقفين أجمل وأفضل ...
   
كلنا يعرف أن البرلمان مذاهب وأحزاب (وكل حزب بما لديهم فرحون) فمتى رأيتم حزب وتجمع ينقد بعضه بعضاً ... أو يصرخ بأفعال خاطئة يفعلها زملاء في الحزب والتيار وإنما يتم غض الطرف عنها ولكن ذات الأخطاء ونفسها وأحياناً أهون منها بكثير ولكن من يرتكبها ليس من حزب وتيار البرلماني فتراه يصرخ بها وينادي ويتداخل وينصح ويعقد مؤتمرات صحفية ليبينها على الملأ !!
هل نوري المالكي يتحمل ذلك أيضاً !!
من قول للنبي محمد (ص) في وصف المؤمنين وأنه لا يكمل الأيمان إلا بتكامل تلك الصفات ومنها :
(لا يقبل الباطل من صديقه ، ولا يرد الحق من عدوه)
 
وبالنسبة عن توزيع الحقائب الوزارية (محاصصة حزبية) لا (محاصصة كفاءة على الأقل) ، فكل كتلة وحزب وتيار تضع أسماء وتجبر رئيس الوزراء على الاختيار منها ، طبعاً ليس للمالكي سوى الاختيار من هذا وذاك رغم وجود من هو أصلح منهما بكثير جداً ولكن لو عشرة أمثال المالكي يجتمعون سوية لا يستطيعون إقناع رؤوس كتل أصابها الجمود وفلا حكومة إلا بالرضا بوزراء مرشحين من كتلة وحزب وتيار برلماني .
هل نوري المالكي يتحمل ذلك أيضاً !!

متى ما أختار رئيس الوزراء في العراق وزراءه بنفسه وبإرادته (كما يحصل في الديمقراطية الصحيحة) ، فسيتم محاسبته حساباً عسيراً لدى تقصيره وتقصير وزراءه ، ولكن بهذا الشكل المزري الذي هي عليه اليوم من (محاصصة) الوزارات العراقية ، فأخرسوا جميعكم يا برلمانيين ويا كتل ويا أحزاب برلمانية فالخطأ فيكم جميعاً ولوموا أنفسكم أولاً ولا تنافقوا ...

وماذا لو تدخل المالكي وفضح فساد وزير أو مسئول وقام بإقالته ، ألا تقوم كتلة هذا الوزير والمسئول بشن الحروب على المالكي أم تؤيده رغم وضوح فساد ذلك الوزير والمسؤول ... أترك الجواب لكم فأنتم تعرفونهم !!

وما هذا الهجوم الذي يشنه بين الفترة والأخرى نائب رئيس الوزراء التابع للقائمة العراقية (صالح المطلك) فيشنع على رئيسه ويتهمه وهو نائبه !!
 أما أنت نائبه وأما أن لا تشترك وتكون معارض ...

ولماذا تم تغييب دور المعارضة في البرلمان والكل يريد حصة من (عائدات الدولة والحكومة) وليس المشاركة لأداء خدمة ...
طبعاً لو حصل إنجاز للحكومة تسارعوا وادعوا أنهم طرف رئيسي فيه ، وما إن يحصل تقصير في العمل وفساد من نفس الحكومة التي أدعوا أنهم طرف رئيسي فيها فإذا بهم يتملصون من المسئولية ...
لا بل ويتهمونها (عينك عينك) بأنها المسئولة عن الفساد وسوء الخدمات والبطالة ، ورئيس الوزراء المالكي الذي طلب ميزانية تعزيزية (كبيرة) لتحسين واقع الكهرباء والقضاء على مشكلتها نهائياً فجوبهت دعواه بالرفض من البرلمان العراقي الذي رفض الفكرة ولم يصرف الأموال التعزيزية ...
ربما تحولت فيما بعد لمنح وسفرات وإيفادات وأثاث مكتبي ...
 
وماذا عن إولئك الشركاء في العملية السياسية ولكن لدى حصول مظاهرة أو مطالبة بأصلاح فتراهم يخفون رؤسهم وراء مطالب الجماهير المشروعة بمحاربة الفساد والبطالة وحقوقهم بالعدالة والخدمات وغيرها ...
يخفون روؤسهم ويطالبون من طرف خفي بأقالة هذا وذاك وأحياناً يصرحون بذلك علانية وينسون أنفسهم أقصد (يتناسون) أنهم طرف رئيسي في الحكومة والبرلمان والرئاسة ومجالس المحافظات التي يدعون أنهم يحاربون الفساد واللامسئولية فيها .
فلماذا لا تصلحون أنفسكم أولاً ، وتوجهون كتلكم وكلٍ منهم له منصب ولجنة داخل البرلمان ... فأصلحوهم !!
وكل حزب وتيار وكتلة له لجنة يرأسها أو هو عضواً فيها في مجالس المحافظات ، فأصلحوهم !!
وكل كتلة لها وزير ووزارات العراق حطمت الرقم القياسي فحتى الصين ذات التعداد السكاني الذي تجاوز المليار نسمة لا يوجد فيها عدد وزارات العراق !! ومن أقر ذلك العدد من الوزارات ، وأقترحها ، وخطط لها ، أليس الكتل السياسية جميعاً !! وساهمت بذلك بهدر أموال طائلة للدولة ومنافع إجتماعية خيالية (تصوروا مجلس رئاسة العراق الذي يديره ثلاث أشخاص فقط له منافع إجتماعية تتجاوز ميزانية محافظة السماوة العراقية والبالغ تعدادها أكثر من (500,000) خمسمائة الف نسمة !!
ثلاثة يقبضون منافع إجتماعية بما يعادل حقوق 500,000 إنسان !! وهؤلاء هم (كردي) رئيس جمهورية ونائب رئيس (شيعي) وأخر (سني) ، وتخيلوا لو تمت الموافقة على نائب رئيس رابع كما هو مطروح ... فكم ستعادل منافع أربع أشخاص ربما ميزانية محافظتين هذه المرة !!
من سكت عن هذا وشرعه ووافق عليه ... ؟!!
أليس البرلمان وأعضاءه وبعضهم من الغائبين عن الجلسات بعشرات العشرات ولا يوجد من يحاسبهم ورغم ذلك يقبضون رواتب خيالية ومنافع أكثر خيالاً شرعوها لأنفسهم ونسوا شعبهم ...
نعم هم أقروا قوانين تحصنهم وتحميهم وتنفعهم بأيام وساعات قلائل (كقانون تقاعدهم لا تقاعدنا ) ، وأما قوانين الأستثمار والنفط والغاز وقانون حماية الصحفيين وقوانين توزيع رواتب الخريجين وقوانين إستنزاف الميزانية لتنفيذ مشاريع إنفجارية لتطوير المدن والنهوض بالخدمات ، فكل ذلك لا يوجد من يثيره ومن يشرعه ويصادق عليه لا بالساعات ولا بالأيام ولا بالشهور ولا حتى بالسنين !!
وبعدها يخرجون ليغطون على فسادهم وتقاعسهم ويحملون الحكومة وجهة معينة المسؤولية ...

لا تنسون تلك الجهات السياسية (ولم يكن يومها لهم منصب حكومي ولا رسمي ولا رئاسي) فهم مجرد مرشحين أنتخابات فقط قبل الأنتخابات الأخيرة ، ونراهم يجوبون مكاتب حكام العرب الذين بدأوا يتساقطون الواحد تلو الأخر ...
تلك الجهات السياسية التي طالما سافروا للقاء الحكام العرب وأمراء الخليج (لا حفظهم الله) ومن تلك الأماكن يشنعون على سياسيي العراق وأحزابه ، وبطبيعة الحال فحكام العرب وأمراء وملوك الخليج يعشقون الحرية ويحبون الديمقراطية  جداً جداً ، ولكثر ما يعشقوها فقد حرموا كل مواطن عربي وخليجي منها طوال سنين حياة الرئيس والملك والأمير وأوصى بها من بعده !!
لذلك حاربوها في العراق عن طريق بعض المرشحين العراقيين للأنتخابات بعدما بائت مخابراتهم وإعلامهم وأرهابييهم وفتاوى رجال دينهم وسياسييهم وروؤس أموالهم من خلق حرب أهلية في العراق ومن خلق فتنة سنية شيعية ومن جعل الشعب لا يشارك بالأنتخابات ...

لا تنسون تلك الجهات التي ياما تمسحت وقبلت وتوددت وجلست جلسة الخروف الوديع قرب الراعي من سياسيين عراقيين قبل الانتخابات الأخيرة الذين ذهبوا لحكام العرب وملوك الخليج ولم يكلفوا أنفسهم عناء السفر للمحافظات العراقية المرشحين فيها ...!!
ولكن وما إن سقطت تلك الأنظمة العربية الظالمة بثورات شعوبها التي لا زالت نيرانها متقدة ... أسمعهم يباركون تلك الثورات ضد الأنظمة التي كانوا يتملقون لها !!

كلكم مشتركين بهذا الفساد ، وإذا إنهار يوماً فسينهر على رؤوسكم جميعاً ، لا على رأس رئيس الوزراء المالكي وحده ، بل لعله يسلم وأنتم تحرقون .

153
ليست المسألة إقالة وكيل إداري لوزير التربية العراقي وإنما ...

حيدر محمد الوائلي

حينما يُهان المدرس والمعلم علانية من مسئول ذو منصب رفيع ويصفهم بأوصاف ما كان يجدر بطالب مدرسة أن يتفوه بها فكيف بوكيل وزير التربية الإداري ، فأعلموا حينها كيف توزع المناصب ومن يتسنمها ومن يشغل الحقائب والمناصب والإدارات ...
وحينما لا يُتم إقالة الوكيل الإداري لوزير التربية العراقي المدعو (علي الأبراهيمي) إلا بعد مطالبات بالإضراب من نقابة المعلمين العراقية !!
ومطالبة من السيد مقتدى الصدر بإقالته ... ليتم إقالة هذا (الأبراهيمي) بتوجيه من قبل رئيس الوزراء !! لا وزير التربية !! لاحقاً !!
فأعلموا بعد ذلك كله أيها السيدات والسادة أن كبار المسئولين والمدراء وذوي السلطة لا يعلمون بمسئوليهم الموزعين محاصصة بين الكتل والأحزاب وماذا يفعلون ، ولا يتحركون بما يتوجب عليهم فعله إلا بعد مطالبات ودعوات ...

ليست المسألة أن مسئول رفيع المستوى قال أن المدرسين (مطاية) وقد قالها (جفصة) أو (زلة) أو (إستهزاء) أو (إستهتار) ... وإنما المسألة وضع أشخاص غير مناسبين في أماكن ومناصب هم لا يستحقونها بالمرة ولا يوجد ما يؤهلهم لشغل تلك المناصب سوى تزكيات الأحزاب ومباركاتها ...
ومتى باركت الأحزاب الشخص النزيه المهني صاحب العطاء والمستقل بعمله قدر مباركتها للحزبي الوفي لحزبه وكتلته ومن ثم تأتي النزاهة والمهنية والعطاء ثانياً ...

ليست المسألة أن الوكيل الإداري لوزير التربية يستهزئ بأكبر شريحة مثقفين  وموظفي دولة في العراق وهي شريحة المعلمين والمدرسين ويصفهم نصاً : 
(أكلج –مخاطباً إمرأة- همة المدرسين هم مطاية الحجي بيناتنة –بيننا-) ، ثم يلتفت سائلاً إستاذ نافع وهو مسئول اخر جالس قربه قائلاً :
(مطاية لو مو مطاية تلث ترباعهم -ثلاث أرباعهم- إستاد نافع ...)
فيصيح بعض الحضور للفت إنتباه الأستاذ نافع لتساءل وكيل الوزير المهم ، فيجيب إستاذ نافع قائلاً :
(أكثر من تلث ترباعهم -ثلاث أرباعهم-) ، كما أكد على ذلك الأستاذ نافع !!
(إنتهى تنزيل المقطع الفديوي والموجود رابطه أسفل المقالة)
أي حتى مستشاري هذا المسئول على شاكلته فتخيلوا بقية الإدارات والمدراء ماذا سيفعلون ؟! ومن يحيط بهم ، ومن يجالسهم ويتم إستشارتهم !!
وإذا كانت (التربية) كذلك ، فيا ترى ماذا يحصل ببقية الوزارات والمؤسسات ... وإذا أوكلت المناصب والمهام بهذا الشكل السيء والمتهرئ في مؤسسة (التربية) فتخيلوا ما سيحصل ببقية الوزارات والمؤسسات والدوائر !!

ليست المسألة أن مسئول رفيع المستوى أهان شريحة كبيرة من المجتمع بل من أرقى الشرائح وأكثرها نفعاً للمجتمع ، ولكن المسألة أن ماذا كان في السيرة الذاتية (C.V) لهذا الوكيل الإداري غير تزكية حزبية وسياسية محاصصاتية وتمت الموافقة عليه مسئولاً رفيعاً في الدولة ... أفهكذا توزع المناصب والمسئوليات ...
بدلاً من أي يسارعوا ببناء المدارس النموذجية كما يبنون بيوتهم الفارهة في داخل وخارج العراق ، وبدلاً من التخطيط للنهوض بواقع التربية وطبع المناهج وتوزيعها على أكمل وجه وببداية العام الدراسي لا بعد شهر ونصف على بدء الموسم الدراسي ... وتغيير وتعديل بعض المناهج بما يتلاءم مع الواقع والتطور ... وهنالك الكثير مما يستحق تغييره ...
وبدلاً من أن يسارعوا  بصرف المخصصات المهنية للمعلمين والمدرسين ، ويرفعوا سلم رواتبهم وكذا ببقية موظفي الدولة بل يتم تخديرهم بوعود كاذبة وتسريبات مغلوطة يضحكون بها على الذقون ... وإنما يهينوهم ويضحكوا عليهم ، ولما لا فالمنصب يساعد على ذلك ...

وإذا كان المدرسين والمعلمين لا يستحقون ذلك فأصرفوا لهم على الأقل مخصصات علف (كونهم مطاية) ...!!

ليست المسألة إقالة هذا الوكيل وإنما يجب إعادة النظر بطريقة والية توزيع تلك المناصب والإدارات والقيادات ويجب إقالة الكثيرين ممن يجلسون على كراسي ومناصب لم توصلهم كفاءتهم ونزاهتهم ومهنيتهم بالعمل إليها ، بل أوصلتهم تزكيات ووساطات ومعارف ومحاصصات ... 

ليست المسألة أن مقطع تسرب للقنوات ومواقع الانترنت لوكيل أداري لوزير ، وإنما المسألة كم هنالك من إهانات واستهزاءات وفساد وتقاعس عن العمل يحصل داخل المكاتب العملاقة المغلقة والإدارات ذات الأثاث الفاخر وداخل الجدران المحصنة ولم يتسرب لا فديو ولا صورة عمّا يحصل فيها ...

نحن نرصد العيوب ... ونشخص الذنوب ... لكي يسارع بالتوبة والندم من لديه ضمير وأراد أن يتوب ... ولا توبة إلا بتصحيح العيوب ، ليتسنى حصول غفراناً للذنوب ... فلا غفران ولا مسامحة إلا بالتصحيح .
وكذا يجب على الناس أن يعرفوا ويفكروا ويلتفتوا لما يحصل حولهم وأمام أعينهم وخلفهم ، فالجاهل والمغفل في هذا الزمن الفاسد هو مذنباً وصاحب عيب كأصحاب تلك الذنوب والعيوب ... فعلى الأقل فكروا أنكم أنتم من إنتخبوا أمثال هذه التيارات والأحزاب والكتل وأوصلتموها لما هي عليها ...
وفكروا بأن لدينا وسيلة ديمقراطية وهي الأنتخاب لتنتخبوا في المرة القادمة النزيه المستقل المهني المعروف بين الناس وأنت تعرفه بأنه شخص نزيه وذو صيت وسمعة حسنة وأسأل عنه على الأقل وجرب التغيير ...

فيما يلي رابط المقطع الذي يوضح الوكيل الإداري وهو يتفوه بتلك العبارات ، ويليه مقطع الخبر العاجل على قناة العراقية وتوضح أن الإقالة جاءت بعد توجيه من  رئيس الوزراء لا وزير التربية ...

http://www.youtube.com/watch?v=EurEui7tVFQ
http://www.youtube.com/watch?v=L0wLCxzjCJA

154
يا من تظاهر ولم يتظاهر ... وماذا بعد ؟!! وسأخبركم بوسيلة لتحقيق المطالب

حيدر محمد الوائلي

كثرت التحذيرات والإشاعات ووسائل إعلام تحرض والحكومة رفعت السقف الأمني للتهديدات لمستوى فوق الخطر ، وحظر تجوال وقطع طرقات ودعوة لمظاهرات شارك بها البعض وحذر منها البعض الأخر ومن لم يشارك كان يتابع الأخبار ومن شارك فبعضهم هتف وأخر نادى والأخر طالب واخر يرشق بالحجارة واخر يحرق واخر يهرب واخر يشجب واخر يستنكر ... واخر واخر الى الى اخره ...

الناس تريد أن تتظاهر ضد الفساد والرشوة واللامسئولية في التصرف الحكومي المركزي وكذا على صعيد المحافظات ... وأرادوا التظاهر ضد شخصيات غير جديرة بالحكم والإدارة ... وأرادوا التظاهر ضد نقص الخدمات وعدم القضاء على البطالة ... وضد الإهمال والسذاجة بالتصرف وعدم الجدية وحرقة القلب والحرص في التعامل مع واقع الخدمات المتردي ...
وتظاهروا ضد من رفعوا رواتبهم الخيالية كأعضاء البرلمان ومجالس المحافظات والحكومة ومدراءها ومنافعهم الأجتماعية الخيالية التي أهدرت أموال الدولة التي لو خصصوها للشعب لأنجزت له الكثير من متطلباته ...

وكان هنالك البعض ممن إستغل المظاهرات ليس لتلك المطالبات وإنما لحاجات ونوايا أرادوا من خلالها أن يجعلوا الشعب ظهراً ليركبوه فما إستطاعوا ولو حاولوا ولكن فشلوا ...
وجاءت التحذيرات الحكومية والعشائرية والدينية والسياسية والأعلامية من الحذر من الأنخراط من الفتنة والخديعة وهنالك من يتربص بتلك المظاهرات الدوائر ومن المشاركة فيها ...
تلك التظاهرات التي لولا تلك التحذيرات لكانت مليونية ، لأن الشعب سئم من الفساد والرشوة واللامسئولية في الحكم وصراع الأحزاب فيما بينها وتقديم مصالح الجهات والتوجهات على مصالح الشعب ...
ولأن الشعب خشى الفتنة وتسييس تلك المظاهرات من جهات تكره الشعب العراقي وتريد لهم ليس ما أرادوا ، فلقد إنصاع لتلك التحذيرات أكثر الشعب ولم يشارك الكثيرين ممن إكتووا بنار الفساد والفقر وقلة الخدمات وأجّل مطالبه وتظاهره لفرصة أخرى وتظاهرة أخرى ...
ومنهم من تظاهر والحمد لله عدت على خير رغم إصابات في المتظاهرين والشرطة رغم أن الدعوة كانت سلمية وأن الحكومة أكدت أنها ستحمي المتظاهرين ... !!

وبعد اللتيا والتي وبعدما كان يا ما كان ... فهل نسكت على مطالب الشعب المشروعة أم ماذا ؟!!
وهل يسكت الحر والواعي عن حقه المسلوب ... ورزقه المنهوب ... ومعاشه المنكوب ... وحسرات والآم تحرق القلوب ...
ما .. لا .. لم .. لن .. نسكت ، وبجميع أدوات النفي سننفي السكوت ...
وسأقول لكم ماذا بعد ... لا لفضل ولا لأفضلية عليكم فنحن في الهواء سواء ، ولكن لفكرة لاحت بذهني وسأتلي عليكم من فكرها ذكرا ... فصبراً معي صبرا

أيها الناس ...
يا أيها الذين تتبعون مرجعية دينية إذهبوا لوكلاء تلك المرجعية وإضغطوا عليهم وإنقلوا لهم هموم الناس ومشاكلهم وإفضحوا الفاسدين والمفسدين حيث ثقفتموهم ووجدتموهم ، وإطلبوا منهم أن يوصلوا تلك المطالب للمرجعيات الدينية لتصرح بها علانية بعد التأكد من صحتها وأكثرها صحيح (بشهادتي المسبقة ولحجم الفساد المستشري) ... وليحدثوا بها كل مسئول سياسي وحزبي وحكومي وبرلماني يزورهم أو يأتي ليحدثهم فبلغوا تلك الجهات الدينية التي تتصلون بها أن تقول لهم ذلك وتنقل لهم هموم الناس وملفات الفساد والإهمال واللامسئولية ولا تبرئوهم الذمة حتى يفعلوا ذلك ...
ولا تنسوا التلميح بأسماء الشخصيات الجيدة النزيهة والكفوءة المعطلة والمستقلة التي لم يكن لها حظ في الفوز في الأنتخابات أو لكونها مستقلة رغم أجدرية تلك الشخصيات بالأدارة .
والكثير من المدراء والوزراء لم ومحافظين ومسئولين لم يأتوا عن طريق الأنتخاب بل الترشيح .

يا أيها الذين تتبعون جهات عشائرية وعلى إتصال مع شيوخ العشائر ووجهائها إذهبوا إليهم وحدثوا من يجالسهم ليحدثوا شيوخهم وقادتهم بهموم الناس ومشاكلهم وإفضحوا الفاسدين والمفسدين حيثما ثقفتموهم ووجدتموهم ليصرحوا بها حين يجالسوا كل مسئول حكومي وحزبي وبرلماني ولا وقت للمجاملات ولا حتى لـ (الله بالخير) ...

يا أيها الذين تتبعون أحزاب وجهات سياسية وبرلمانية وحكومية أخاطب شريفكم ونزيهكم أن يصرخ بأسم المظلوم ويوصلوا هموم الناس ويبلغوا عن أخبار الفساد وأحاديث الناس حول المسئولين فلعل وعسى ...

يا أيها الذين تجالسون المثقفين والوجهاء والشخصيات فألفتوا نظرهم لتلك المشاكل وإثيروا تلك المواضيع عندهم وحدثوهم بها ...

يا أيها الكتاب إستمروا بكتابة ما يحلوا لكم من مواضيع تمس هموم الناس ومشاكلهم وفضح الفاسدين بالتي هي أحسن وإلفتوا نظر الناس والقراء الكرام لكل شاردة وواردة وتصرفوا بمسئولية وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ...

يا أيها الناس جميعاً أوصيكم ونفسي بمواصلة الحديث حول المواضيع التي تمس هموم الناس ومشاكلهم وقضايا الفساد واللامسئولية والأهمال والتقصير بالأعمال وقلة الخدمات والمشاريع وتذكروا قول الرسول الذي لم يخضع يوماً للفاسدين والمتقاعسين والظالمين حيث قال :
(من لم يهتم بأمور المسلمين فيس منهم) وقوله : (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ...

يا أيها المسئولين ويا قادة ويا أحزاب ويا حكومة ويا برلمان ويا رئاسة ويا مدراء فكل ما أريد منكم أن تسمعوا وتعوا وتقرؤوا ما نكتب على الأقل ، ولا داعي لهذا الخوف الشديد على الشعب من الأنخراط في الفتنة أو الخوف من وقوع إصابات في صفوف المتظاهرين فإذا كنتم تحبون الشعب لهذه الدرجة فلماذا لم تنفذوا للشعب ما وعدتم به وإذا رأيتم باطلاً لماذا سكتم عنه وإذا لم تكونوا راضين بالوضع فلماذا لم تستقيلوا وتلفتوا نظر الناس لذلك كما فعل النائب السيد جعفر محمد باقر الصدر.

يا أيها الناس ممن يريدوا أن يستمروا بقيام المظاهرات فأوصيكم بسلميتها وعدم تسيسها خيراً ، وبتشكيل لجان حماية تحول بين المتظاهرين والشرطة وأن يكونوا واضحين ويلبسون زي موحد وقبعات ذات لون واضح ...
وأن تكون هنالك قيادات معروفة للمظاهرات ومراقبة من تلك القيادات على الشعارات المرفوعة والهتافات التي يتم الهتاف بها وأن يتم تحديد أشخاص معينين لوضعهم على مكبرات الصوت لترديد هتافات واضحة الأهداف ...
وكذلك أن يتم توزيع باجات يتم لبسها وتكون باجات متفق عليها قبل أيام قلائل من التظاهر وتكليف لجنة بطبعها وتوزيعها في التظاهر لمنع تزويرها وتوزيعهم داخل المتظاهرين لمنع المندسين ومن يريد تحويل مسرى التظاهرات من سلمية الى حربية ... ومراقبة أي أوراق ومنشورات يتم توزعها أو لا فتات وصور يتم رفعها ...

وبعد هذا كله لا يوجد داعي لا لجهات حكومية ولا سياسية أن تصرح وتتخوف وتتربص بمطالب الجماهير ... ومن وقوع الفتنة ، ومن التسييس ...
ولا أظنكم تخافون علينا بل تخافون على أنفسكم ...

أتصور أن هذه الطرق والوسائل سوف لن يمنعها حظر تجوال ولا مندسين ولا فتنة ولا داعي للحكومة ولا البرلمان ولا مجالس المحافظات ولا وسائل الأعلام أن يجر كل منهم مطالبه لجهته وترك اللب وصلب الموضوع وإشغال الناس بتوافه الأمور من رشق الحجارة وهراوات وشرطة وإطلاق رصاص وقناة الش.... وقناة الب.... وقناة الر.... وقناة ال....  تصور مظاهرات لم يقدر لها أن تكون مليونية ولا ألفية وبالرغم من ذلك صورتها بأن الملايين تطالب بأسقاط النظام وسقوط جرحى وقتلى وكأن الحرب على الأبواب ...

يا أيها الناس ...
فكروا وأعبدوا الله بالتفكير ، فالتفكير أجل وأسمى وأرقى عبادة الله يحب المتفكرين ويا من توصون الناس بالتقوى فأوصوهم بالتفكير الذي هو أساس التقوى ، وعلي بن أبي طالب (ع) الذي فكر كثيراً وكان دائم التفكير يقول :
(تفكير ساعة خير من عبادة سنة)

وللحكومة والبرلمان والمحافظين ومجالس المحافظات والمجالس البلدية والسياسيين والأحزاب أقول ، لقد إنصاع الشعب للتحذيرات وإحترم الأراء المنادية بوجود تسييس للمظاهرات وما شابه ولم يشاركوا ،  ومن شارك بالمظاهرات والتي كان بعضها سلمياً إيجابياً ، والأخر حربياً سلبياً ...
فيا حكومة وبرلمان ويا محافظين ومجالس محافظات ومجالس بلدية ويا سياسيين ويا أحزاب فأقول لكم إستغلوا هذه الفرصة وإحترموا الشعب وإبدأوا بصحوة ونهضة بالواقع الخدمي والإصلاح السياسي والإداري وكفى مجاملات وإرضاء خواطر لهذا وذاك وكونوا أو لا تكونوا فالحياة أن تكون أولا تكون ...

أعتقد أن القادم من الشعب سيكون جدياً ولا يمكنكم وقفه ولا تأخيره وسيقول الشعب حينها كلمته التي ستخرسكم جميعاً لو واصلتم واستمررتم بالتخاذل ووضع الشخص الغير مناسب في مناصب وإدارات إرضاءاً للخواطر والأحزاب والمجاملات على حساب الآم وحسرات وويلات وآهات الشعب الذي لا يريد منكم سوى أن تؤدوا مهامكم ووظائفكم التي يجب عليكم أن تؤدوها وتأخذون عليها رواتب خيالية من أموال الشعب ...
فقط قوموا بالواجب الذي عليكم أن تقوموا به ولا نريد منكم أكثر من ذلك ...
 
هي مجرد أفكار للفت الانتباه ولتحقيق الهدف النبيل بتنفيذ مطالب الشعب ومحاربة الفاسدين والظالمين والمتقاعسين والمغفلين من بعض  السياسيين وحاكمين وأحزاب ، وهم يظنون أن الشعب لا يعرفهم ...
هي مجرد أفكار ولا أزعم أني إكتشفت الذرة ...

155
إذا طالب عدوك بحقك فأعلم أن في الأمر خدعة

حيدر محمد الوائلي

حينما يطالب بحقك بحصة تموينية وكهربائية وخدماتية ومعاشية أناس وجهات لم تكترث لدمك المهدور بتفجيرات إرهابية وإنتحارية ففكر طويلاً فمطالباتهم خدعة ...

وحينما تغطي وسائل إعلام وقنوات فضائية وصحف ومجلات عربية وخليجية مطالبك اليوم بالتظاهر وهي لم تغطي وتعلن مظلومية الشعب أيام حكم وظلم صدام وزبانيته وأيام الهجمة الأرهابية الشرسة على العراقيين جميعاً ، لا بل وناصرت كل المظاهر المسلحة رغم ما كانت تقترفه من قتل ودمار بحق الشعب ، ومن ثم نفس تلك الجهات حاولت تشويه إنتخابات الشعب بشتى الوسائل وفجاءة اليوم أصبحت تناصر مطالب الشعب وتغطي كل شاردة وواردة حول نيته بالتظاهر فأعلم أن في الأمر خدعة ...

وحينما تتغاضى جهات سياسية وحزبية ودولية عن مظلومية الشعب العراقي ودم الشعب المباح رسمياً طوال أيام حكم صدام والتي فاقت جرائمه جرائم جميع الحكام العرب مجتمعين !! وبالرغم من ذلك فلليوم يمجدونه وبعضهم يعده شهيداً وأخر يمتدحه ويلمح بضرورة عودة البعثيين كبارهم وصغارهم للحكم ، ويثقف لذلك كتاب ووسائل إعلام وأحزاب ومنظمات دولية وسياسية واليوم نفس تلك الجهات والكتاب ووسائل الأعلام تريد منك اليوم أن تتظاهر وتصرخ بحق الشعب فأعلم أن في تظاهرهم هذا خدعة ...

وحينما تطالب جهات يا ما ويا ما أججت للفتنة الطائفية ودست سمومها من أج حصول حرب أهلية في العراق ولكن باءت محاولاتهم بالفشل ، واليوم ذات الجهات تدعوا (للوحدة) في المشاركة في التظاهرات ، فأعلم أن في الأمر خدعة ...
وحينما تتباكى قنوات وجهات سياسية ودينية على محرومية الشعب وقلة خدماته وعدم الإيفاء بحاجاته اليوم وتلك الجهات نفسها لم يهمها ولم تعر هماً لسيل دماء العراقيين رسمياً أيام حكم صدام وبمسميات المقاومة والتحرير والأرهاب والسياسة والحكم فيما بعد صدام ، والغريب أنهم اليوم يتباكون على قلة الخدمات المقدمة للشعب وهو نفسه الشعب الذي تم قتله وسجنه وتعذيبه فيما مضى وتفجيره فيما بعد  ولم يوجد من يحزن ويبكي أو يتباكى عليه ، فأعلم أن في الأمر خدعة ...

وحينما يتظاهر من يكرهك مطالباً بحقك فتوقف وفكر في الأمر طويلاً ... وحينما يطالب بالحرية والتحرير أناس صادروا الحرية أيام كانوا مسئولين وحاكمين فتوقف وفكر في ذلك طويلاً ...
وحينما تصرخ قنوات وتطالب وتغطي لبوادر تظاهرات في العراق وذات القنوات تجاهلت دماء العراقيين المهدورة بعبوات ناسفة وسيارات المقاومة المفخخة التي لم تقتل محتلاً ولم تساهم بخروجه ولا تعطيل عمله بل حصدت أرواح أطفال وشباب وشيب ورجال ونساء ومسلمين وصابئة ومسيحيين وأيزديين في الشوارع والمدارس ومحال العبادة ...
وتلك القنوات التي تجاهلت مشاعر الشعب وتقاليده وحاربت طقوسه ومراجعه ووطنيته ومدحت صدام ونظام حكمه ونصرته على الشعب باليد واللسان والأموال وحاربت الشعب بكل ما يؤمن به ، وفجاءة أصبحوا يطالبون بحق الشعب في التظاهر والمظاهرات فتأمل في ذلك طويلاً ...

أنا لا أقول لا تتظاهروا (لا سامح الله) ، فالتظاهر السلمي ثورة لنصرة المظلوم وأنا أعشق ثورة المظلوم وأنا منهم ولي فيها مقلات ، ومتابع مقالاتي يعلم بذلك جيداً ...
ولا أقصد عدم المطالبة بالحقوق والخدمات وكل شيء مشروع (لا سامح الله) فأنا مع المطالبين بحقوقهم وأكره الساكتين والمتخاذلين ومتابع مقالاتي يعلم ذلك جيداً أيضاً ...
ولا أقصد عدم فضخ الفاسدين من حكومة وأحزاب وبرلمان ومدراء ومسئولين (لا سامح الله) ، ولي في ذلك رصد وقول واضح ومتابع مقالاتي يعلم بذلك جيداً أيضاً ...

بل أنا أقول ما أقول لكي نحمي مطالب الشعب من المندسين ، ومن الفاسدين الذي يريدون أن يغطوا مفاسدهم بإثارة القلاقل والمشاكل ، ومن المأجورين الذين لم يراعوا دم العراقيين وذبحوه بالسكين ومن ثم بالعبوات ومن ثم بالسيارات المفخخة ومن ثم بالعبوات الناسفة ومن ورائهم أنظمة ومخابرات دول وبقايا نظام الظلم السابق الذي لم ولن يريد ويريدوا خيراً للشعب ، فكيف يسخروا وسائلهم للتظاهر للمطالبة بحقه !!
فقصدي أن نحمي التظاهرات من المندسين وأن يتم كشفهم ما إن يلاحظ عليهم أي أحد نية مبيته أو عمل غير لائق ، أو من يريد حرق وسلب ونهب والمساهمة بالتحرش لأثارة الغضب وما شابه ...
والتظاهر السلمي حق مشروع للجميع أولاً وأخيراً ... ولا يستطيع كائناً من كان سلبه أو مصادرته والشعب يعلم ذلك جيداً ولا نريد عواء الذئاب ولا ضباح الثعالب ولا نباح الكلاب لتوضح لنا ذلك ... التي كثيراً ما عوت وضبحت ونبحت لتثير الفتنة في العراق ولتثير الأنشقاق والنزاع ولكن باءت بالفشل ولو ليس تماماً ...
ولكن لو رأيت من كان بالأمس وحتى اليوم قاتلي ومن هو مناصر قاتلي ومن يكرهني ولم يرد لي خيراً يوماً فأراه يناصرني في التظاهر (حصراً) فهذا الأمر يدعي للتوقف والتفكر طويلاً ففي الأمر خدعة ...

نعم ... فلقد نافق المسئولين والسياسيين (المنتخبين) الذين أساء الشعب إنتخاب بعضهم وأحياناً أكثرهم ، وكان كثير منهم منافقين الذي علاماته ثلاث كما نص على ذلك النبي محمد (ص) القائل :
(آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخل وإذا أؤتمن خان)
 وهم حدثوا الشعب وكذبوا عليه ، ووعدوا الشعب ولم يوفوا بوعودهم ، ولقد إإتمنهم الشعب على حقه فخانوا الأمانة ...
 
وأنا أسأل المسئولين اليوم الذي وضعوا الشعب في هذه المعادلة المحيرة الصعبة وجعلوه جسراً للهموم والحزن والفقر وقلة الخدمات وجسراً أيضاً لأنظمة مخابرات عربية ووسائل إعلام خبيثة وبقايا نظام الظلم من صدام ... تأخذه ذات اليمين وذات الشمال ...
أسألهم لماذا أوصلتمونا لهذه الزواية الحرجة ولم توفوا بحقوق الشعب الذي إنتخبكم رغم محاربة أغلب دول الجوار والدول العربية التي بدأ تساقط أنظمتها تباعاً لهذه الأنتخابات واستهزأت وطعنت وشوهت الأنتخابات المنتظمة التي واظب الشعب على حضورها مرات ومرات ولم يثني عزيمته من الذهاب للإنتخاب بل وإستشهد كثيرون على مذبح الحرية في سبيل ذلك ...
أسألكم يا من تدعون أنكم كنتم حرباً لظلم صدام ونظامه السيء الصيت والظالم الذي لم يقتل بقدره ولم يصل الى نصف ربع من قتلهم صدام لا زين العابدين بن علي تونس ولا حسني مبارك مصر ولا معمر القذافي ليبيا ولا أحمد عبد الله صالح اليمن ولا خليفة البحرين ولا أنظمة السعودية وعمان والأردن وسوريا والسودان والجزائر كلهم مجتمعين ، فضحايا نظام حكم البعث وصلت لقرابة العشرة ملايين إنسان طبقاً لإحصائية قامت بها منظمة حقوق الإنسان العراقي وبالرغم من ذلك لم يطالب أحداً بحق الشعب ولا ناصر مظلوميته من عرب ولا من جوار ولا من وسائل إعلام وغيرها ... بل ناصروا صدام ونظام حكمه بوسائل الأعلام والمخابرات والأموال والتضييق على العراقيين الهاربين من ظلمه ... ومن هم في الداخل والذين بقوا أيام حكمه فقد ضاقوا الأمرّين ...
أسائلكم يا مسئولي اليوم وحاكمي الشعب ... لماذا تكررون مفاسد كان يقوم بها ظالمي البعث ...
لماذا لم تجعلوا جلّ تفكيركم الأخذ بيد هذا الشعب المنكوب المظلوم وتفرجون همه وتساعدونه على نسيان الماضي وجرائمه وأن لا أزعم أن تركة صدام والبعث كانت بالشيء الهي ولا بالقليل ولكن لماذا لم تعوا كل سعيكم وتبذلوا كل جهدكم لمساعدة الشعب على ما ألمّ به ...
لماذا لم تعينوا الشعب وتناصروه وتسخروا جميع موارد الدول بل حتى تستنزفوها من أجل توفي السكن للموطنين وتوفي الكهرباء والماء والخدمات العامة والتعيين وتوفير الوظائف ولا خير في مال وموارد ونفط لا يغني الشعب ولا يرفهه ...
لماذا تقاعستم عن العمل وجعلتم من الشعب جهة كراهية لبعضكم الفاسد وبعضكم الأخر المغفل الساكت عن الفاسد وبعضكم الأخر الذي لم يعرف كيف يحكم ويتصرف وبعضكم النزيه الذي لم يحرك ساكناً ويصرخ بكلمة الحق المطالبة بحق الشعب والبعض الأخير الذي يتكلم ويطالب رغم قلة الناصر ...
لماذا أوصلتمونا لتلك المخاوف والمخاطر التي تتوجسون منها خيفة اليوم من خوف انضمام مندسين للمظاهرات وتفجيرات وبقايا نظام الظلم السابق ومخابرات الدول العربية ووسائل إعلامها التي كلما سنحت لها فرصة لزعزعة الوضع في العراق تستغلها لتأجيج الفتن والأحقاد وسيل الدماء وعدم الاستقرار ...

هي دعوة للتفكير لنا جميعاً ، وعلي بن أبي طالب (ع) يقول :
(تفكير سعة خير من عبادة سنة )
فأعبدوا الله في التفكير وفكروا جميعاً يرحمكم الله ...

156
كم بأسمك يا قانون تقترف الآثام

حيدر محمد الوائلي

يقول تعالى : (وَلتكُن مِّنكم أُمَّة يَدْعُونَ إلَى الْخَيْر وَيَأمُرُونَ بالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ الْمُنكر وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفلِحُونَ) ال عمران/104
وبعد ...
فهو الأمل من يصنع الحياة ... بل ويبث الحياة في أجسام الموتى فتصيّرهم أحياء بأذن الله ... وترجع الأبصار لعمي العقول الذين هم أشد عمياً من عمي الأبصار ... وترجع السمع للأذان (الطرشة) التي أطرشها الجهل والإهمال واللامسؤولية وقلة الوعي ولا زالت أصوات الوعي والتفكير تهمس همساً ولا ينفع الهمس للأطرش فهو (أطرش) فمتى تعلو أصواتكم يا واعين ؟!!
هو الأمل من يجعل السواد بياضاً ، ويحول الدخان والدمار لمروج خضراء ويحول الحرب الى سلام ...
والأمل حياة وليس موت ... واليأس موت ، ومن رحمة الله كبيرة فاليأس من رحمة الله من كبائر الذنوب ...
فمال أمالكم وتطلعاتكم تقتلونها وتدفنوها في داخلكم ولا تبثون فيها الحياة ... ولا خير في روح ميتة بتابوت جسم حي . ولا تصرخون بها وتصرحون وتعلن ولادتها ، وبداية الحياة صرخة ... وبداية الحياة نطق لا سكوت ...
هو الأمل الذي يجب أن تصرخ به وتنادي به ، فلا خير في أمل يموت في الأذهان ويتعفن في العقول ولا يبان ولا يتم كشفه بينما ترى الفساد والخيبة يصرخ وينشر سواده ودخانه العفن بين الناس ...
الأمل هو الصحيح بينما الفساد والخيبة خطأ ، والأمل حق والفساد والخيبة ظلال ... والأمل وعي وتفكير والفساد جهل وتجاهل وشهوات ...
ومن العار السكوت عن الخطأ وعلى الباطل ... والموت أولى من ركوب العار .
مالكم ترون بعض الفاسدين ممن يحكمون الناس ، ويتحكمون ، بأسمك يا دستور ويا قانون ...
والقانون والنظام على الناس غضباً ، وغصباً ، وطرداً ، ، ونزاهة ، ولا يقبل النقاش !!
وذات القانون والنظام عليهم راحة وسكينة ، وغض النظر ، وواسطة ، وهدية ، وضحكة ، وغمزة ، ورفاهية ، ولا نزاهة ، ولا من شاف ولا من دري !!
ولا خير في قانون لا يحمي شعبه ولا يصرخ بحقوقهم ويدافع عنهم ...
وبرغم ذلك تسكتون !!
قانون عليّ لا عليهم ، وحقوق إنسان لهم لا لي ... ورفاهية وراحة وبيوت فارهة وسيارات وسفرات سياحية بأسم السياسة والقانون الذي يكفل التكاليف الخيالية لسفراتهم وسياحتهم ولمجاملاتهم ...
بينما ينام ابن الخايبة على إنقطاع التيار الكهربائي ، ورائحة المجاري الطافحة التي فضحها الله بمطرة واحدة بأحد مطرات الشتاء الشحيحة ...
مطرة واحدة !! كانت كفيلة بتبيان الفساد ، والمطر من السماء بركة وخير ، وعلى الأرض تغسل الذنوب وتكشف العيوب أيضاً !!
فضح الله مشاريعكم ووسائل إعلامكم بمطرة واحدة كانت أبابيل !!
مطرة واحدة كانت كفيلة بأن نتمشى للدوام كالتزحلق الفني على الرصيف !!
هذا على الشارع العام الذي فيه رصيف ، وفي الدرابين والفروع فلا مجاري ولا تبليط ولا رصيف فلا تزحلق فني ولا هم يحزنون ، وإنما رياضة القفز العريض !! ، للمحافظة على أناقة الملبس المتوجهين به للدوام الرسمي . 
فكم بأسمك يا قانون تقترف الآثام !! ، وكم بأسمك يا حرية تقترف الآثام !! ، وكم بأسمك يا ديمقراطية تقترف الآثام !! ، وكم بأسمك يا دستور تقترف الآثام !!

قانون لا يرقي سلم الرواتب ولا يقوم بتعيين العاطلين الذين وصلت نسبتهم 30% ولا يقضي على فقر مواطنين يعيشون تحت (خط الفقر) بلغ عددهم (7) ملايين إنسان كما جاء في إحصائية رسمية لوزارة التخطيط (والله العالم بما هو غير رسمي) ، ومدارس قديمة ومتهرئة ومتهالكة وبدوام ثنائي وثلاثي ، وشوارع مختنقة ومرور مزدحم طوال اليوم ، وخدمات ومرافق عامة معطلة غيرها وغيرها مما سيملأ القلب غيضاً وألماً لدى تعدادها ...
كل هذا ولا يسمح (القانون) بإستنفار كل واردات النفط وعوائده لكي تجلب لنا الكهرباء وتحسن منها !! وإنشاء الشوارع والأنفاق والجسور للقضاء على أزمة الأزدحام ، ولبناء المجمعات السكنية العملاقة للقضاء على أزمة السكن والبيوت التي يسكنها الأب وأولاده الأربعة المتزوجين بنفس البيت ومساحته (200) متر يزيد وينقص !!
في روسيا وفي موسكو تحديداً تم بناء (8) وحدة سكنية في سنة واحدة فقط في تسعينيات القرن الماضي !! وليس في روسيا ربع ما عندنا من خيرات وصادرات وموقع سياحي واستراتيجي ...
 خيرات لم تأتي بالخير بل بالنقمة !! فهي على العكس ، فكلما زاد سعر برميل النفط وكلما زادت صادرات النفط زاد الأنقطاع في التيار الكهربائي ، وتراجعت الخدمات ، وقلت الحصة التموينية ، وقلت حصة التعيينات !!
والمضحك أن يتم رفع سعر الوقود وضريبة الكهرباء والماء وحتى الاتصالات رغم سوء خدماتها !!
وكلما زاد الاستقرار والصادرات والسياحة ، قلّت وساءت الخدمات !!
تفاخر الجميع وأولهم المسئولين والسياسيين بعدد زوار الأربعينية والذي بلغ أكثر من (16) مليون زائر لكربلاء المقدسة منهم أكثر من (500) الف سائح أجنبي من أكثر من (25) دولة طبعاً هذا في أسبوعين فقط ، وعلى طول السنة فالسياح بالملايين للمشاهد المقدسة في العراق !!
والحمد لله فالسياحة لتلك المشاهد المقدسة (دينية) ومن يأتي لها فلا للترويح عن نفسه ولا للترفيه فلا يوجد ما يسمح للترفيه ولا للترويح عن النفس من مؤسسات ومباني ولا شيء من هذا القبيل ، ولكن يأتي للزيارة (ويشلع) !!
لا مبان فخمة ، ولا خدمات ، ولا شوارع نظامية ، ولا حدائق نظامية ، ولا متنزهات ، ولا وسائط نقل كافية ومريحة ، ولا ولا ولا ... الخ ، رغم ازدياد عدد السائحين القاصدين تلك المشاهد كل عام ...
ولكن كما قلت فهم يقصدون الله في تلك الزيارات ، لا السياحة ...
ووسائل النقل وما أدراك ما حدث للزائرين لدى عودتهم من مشاكل وسائل النقل ، وشكراً للجيش العراقي الذي نصر الناس وسخر ما يستطيع من وسائل نقله العسكرية لنقل الزائرين وإلا لم يصل الزائرين لبيوتهم لليوم !!

فساد يتم تغطيته بالسياسة والمصالح السياسية والتي أوصلت محافظين ووزراء ومدراء لمناصب لا يفقهون بها شيئاً ولا يعلمون منها سوى (جرة قلم) وتوقيع وفخفخة وتباهي بالمنصب ، ممن ليس لديهم الخبرة الكافية حولها مما جعلهم أما فاسدين أو مغفلين يغطون عن فساد من هم تحت مسئوليتهم ...
وهذا فساد أكبر من الفساد الصريح ...
واليوم يتم توزيع المناصب والمدراء لا على أساس الكفاءة والعطاء في العمل ومعدل الخدمة المقدمة للشعب ، بل على أساس الحزب والانتماء وإرضاء الخواطر والعناد وتغطية الفضيحة والفساد لكي لا يمس الحزب والجهة السياسية ...
وهذا فساد أشد من الفساد الصريح ...
والقانون يحمي ويكفل ، وكم بأسمك يا قانون تقترف الآثام وترتكب المظالم وتغض الأبصار عن مفاسد وتقصير في العمل وتقاعس عن الخدمة ...

ها هو محمد النبي (ص) الذي أصبح إسمه وأقواله شعارات لا منارات للفكر والوعي وللثبات على الحق والحقيقة ولشد العزيمة ، ففكروا في القصة التالية :
في يوم من الأيام سرقت امرأة مخزومية (من قبيلة مخزوم) وإهتمت قريش لشأنها وأرادوا أن يغض الرسول النظر عنها وعن إقامة الحد عليها (محسوبية ومعارف وعلاقات) ، فقالت قريش : من يكلم فيها رسول الله (ص) !!
فقالوا : من يجترئ عليه إلا (أسامة بن زيد) حب رسول الله (ص) . (أي أرسلوا أسامة بن زيد كواسطة لحب رسول الله لأسامة وتصورا أن ذلك يؤثر على قرار الرسول الأكرم محمد (ص) ، فكلمه أسامة ، فقال رسول الله (ص) : ( أتشفع في حد من حدود الله ؟!) ثم قام (ص) فخطب فقال :
( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .

وبرلمان أتمنى يوم من الأيام أن يكتمل مقاعده ويجلس جميع من أنتخبهم الشعب في مقاعدهم ، وأتمنى يوم واحد أن لا يتغيب برلماني عن جلسات البرلمان ...
فها هي جلسات البرلمان تبث ويشاهدها الناس وهي تشهد تغيب العشرات بل حتى تجاوزوا المائة بعشرات وعشرات ولا يوجد من يوقفهم ويحاسبهم على هذا التغيب رغم تكراره وعدم وجود مبرر له ...
والغريب أنهم يقبضون منافعهم الخيالية التي تفوق راتبهم الخيالي دون كد وعناء وحتى حضور جلسة !!
بربكم لو غاب موظف حكومي صغير ألا يقطع راتبه ويتم سؤاله ويعاقب إن تكرر ذلك ...
ألم أقل لكم (كم بأسمك يا قانون تقترف الآثام) ...
فهذا درس لكم جميعاً لإعادة النظر في (بعض) من انتخبتموهم وراجعوا فكركم فالتفكير عبادة بل أرقى عبادة ... فكل من تنددون بهم وتتظاهرون عليهم وتشهرون بهم وتطعنون بهم (اليوم) قد انتخبتموهم في انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات مجلس النواب . بنسبة إنتخابات وصل نسبتها تقريباً للـ(70 % ) .
إنتخبتموهم أما عن إستعجال ووعود كاذبة وتوجه ديني فئوي لجهة معينة بغض النظر عن مرشحيها أو عن جهل ، فهذا ما جنيتموه على أنفسكم بانتخابكم إياهم ، ففكروا بذلك وأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين .
وهذا كله لا يعني الخضوع والرضوخ للفاسدين والمهملين والغير صالحين للإدارة والحكم من سياسيين وأحزاب ، وعدم التظاهر ضدهم (سلمياً) لئلا يستغل الفاسدين الوضع لتشويه سمعة المظاهرات ومظاهر والاعتصام والحيلولة دون لفت أنظار العامة لتلك الملفات الواجب تبيانها وفتحها وفضحها . 
وهذا يكون بالتنظيم والترتيب والقيادة السليمة والحكيمة لتلك المظاهر .

157
أوقفوا المسئولين قبل أن يوقفوكم 

حيدر محمد الوئلي

الله يقول ولنردد معه : (قفوهم إنهم مسئولون) !!
ومن هو أفضل من الله لنردد معه هذا القول ...
قفوهم !! قفوهم !! إنهم فاسدون ... فمن العار على الأمة أن يحكمها السياسيين في المكاتب الفاخرة والسيارات آخر موضة والأملاك الكبيرة ، وممن استغل الحكم والسلطة ليملأ خزائنه من خراب الدنيا ، فيعمر القصور والفيلات ، بينما يبات في البيوت المتفطرة وبيوت الإيجار العائلات ...
وليملأ البطن مما لذ وطاب من شرق الأرض وغربها ، ويسافر ويجوب الدول ، ويصرفون ملايين الدولارات على سفرياتهم ورفاهيتهم ، والشعب يعاني من سوء الخدمات وقلتها ومن كل شيء حتى مشاريع الأعمار التي أكثرها أخطاء وفساد (ومطرة واحدة كانت كفيلة بفضح تلك المشاريع وطفح المجاري في المشاريع المنجزة حديثاً خير شاهد على فسادها) .

شعب المرضى الذين لا يملكون كلفة العملية الجراحية التي لم يوفر لا أجهزتها ولا كادرها المسئولين والحاكمين فهم مشغولين باللهو والمجاملات والقمة العربية ...
بينما الشعب مات ... من قلة المستشفيات ... ومواعيد العمليات بعد ثمانية أشهر فتضطر لعملها في المستشفى الأهلي (وتستجدي وتستدين الأموال من هذا وذاك لكلفة العملية الخيالية)
وها هي المستشفيات (الأكسباير) التي هرمت وصابها الكبر وشاخت بها الفايروسات وتنتظر أن تطمر !!
مستشفيات بُنيت منذ عشرات السنين ولا تسد حاجة 10 % من الحاجة الفعلية لكل محافظة !!   
وتلك المستشفيات القديمة والأكسباير هي أفضل بكثير من مباني حديثة الأنشاء والبناء !!
قال لي أحد العاملين في مستشفى القلب أنه في النظام العالمي الحديث هو أن يتم توفير وبناء مستشفى للقلب لكل مائة الف نسمة !!
تخيلوا أن في العراق ثلاث مستشفيات للقلب فقط ، واحدة في بغداد وثانية في أربيل وثالثة في الناصرية بأنتظار أن تكتمل البناء !!
تخيلوا ذلك أن لكل حوالي (11 مليون) عراقي مستشفى للقلب ، فراجعوا المعلومة لتعرفوا كم الحاجة التي يحتاجها الشعب وكم هو النقص !!
وعاش عاش عاش ...!! حكمك يبو كلاش !!
أعود وأقول ، قفوهم ... قفوهم ... إنهم مسئولون !! ، إياكم أن تتركوهم ، فهم مسئولون !!
قفوهم !! قفوهم !! فأنتم تعرفوهم !!
لا تتركوهم فتصبحوا كالعبيد بعد أن خلقكم الله أحراراً ...
من العار أن يحكم الشعوب أمثالهم ... وأشد عاراً أن تطأطئ وتتملق وتتذلل لهم رؤؤساً طمعاً وطلباً للحسب والمال والأحترام ...
والاحترام يُكتسب ولا يُستجلب ...
ومن العار أن تكرر إنتخابهم بعد أن بان فسادهم ... وأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين .
ومن العار على أصحاب العقول السليمة لا العقيمة  أن تسكت عنهم ولا تعريهم أمام الناس ، فالفاسدين عورة ...
وهي العورة الوحيدة التي يستحب فضحها على عكس جميع عورات الإنسان المادية التي يجب سترها ...
ومن العار عدم لفت نظر الناس لمشاكل الدين والمجتمع والسياسة والخدمات والناس لكي يلتفتوا لها ويفكروا ... والتفكير عبادة ... بل أرقى وأجلّ عبادة ...

نصف ثورة مصر كانت بسبب سوء الخدمات والفساد الإداري والفقر ، والنصف الثاني الذي أججها أكثر هو الإعلان عن ثروة أعضاء بارزين في الحزب الوطني الحاكم في مصر وشركاتهم وثروة عائلة حسني مبارك وثروة وزراء في الحكومة المصرية ...

وسأورد لحضراتكم تقرير رسمي لوزارة المالية العراقية جاء فيه ما يلي :
تخصيصات (2009) : (مجلس النواب  202 مليار)  (رئاسة الجمهورية  98 مليار)  (رئاسة مجلس الوزراء 384  مليار) .

تخصيصات (2010) : (مجلس النواب 267 مليار)  ( رئاسة الجمهورية      119 مليار)  (رئاسة مجلس الوزراء   551   مليار) .

ومن الجدير بالذكر ان الهيئات الرئاسية الثلاث خالفت قانون الموازنة المالية لعام  2010  المادة (26) والتي قضت (على الهيئات الرئاسية الثلاث "رئاسة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ") اعداد قانون ينظم الملاك ورواتب منتسبيها يقدم الى مجلس النواب في موعد لا يتجاوز 1\6\2010.(إنتهى التقرير)
- ولم ينجز هذا القانون الذي ينظمها لحد الآن-

ولي تعليق هنا حول الأرقام الواردة فالزيادة الحاصلة في عام واحد على منافعهم الاجتماعية والتي تضمنت دعاياتهم الانتخابية وهداياهم الانتخابية وسفراتهم الانتخابية وغيرها كما يلي :

تخصيصات مجلس النواب عام 2009 (202 مليار) وفي العام 2010 (267 مليار) أي بزيادة (65) مليار . الله العالم بزيادة العام 2011 .
تخصيصات رئاسة الجمهورية عام 2009 (98 مليار) وفي العام 2010 (119 مليار) . أي بزيادة (17 مليار) . الله العالم بزيادة العام 2011 .
تخصيصات رئاسة مجلس الوزراء عام 2009 (384 مليار) وفي العام 2010 (551  مليار) . أي بزيادة (167) مليار . والله العالم بزيادة العام 2011 .

ويخصصون للشعب بعد جذب وشد ، ونوم وإستيقاظ مبلغ خيالي جداً جداً وكبير جداً جداً مقداره (15 الف دينار) ولشهر واحد فقط !! لكل مواطن عراقي ما يعادل تقريباً (13 دولار) .
لشهر واحد فقط !! وليس ببلاش ولكن عوضاً عن الكمية التموينية (طحين ، رز ، سكر ، زيت ، شاي ، صابون ، تايد ، ملح ، بقوليات ، حليب أطفال) وطبعاً تأخير الحصة التموينية وتأجيل توزيعها سيؤجج السوق المحلية لشراء المواد المذكورة وسيتضاعف سعرها وما عسى الـ (15 الف دينار) أن تجلب سوى ما مقداره مصرف معيشة يومان أو ثلاثة لا أكثر ونست الحكومة والبرلمان أن الشهر يتكون من (30) يوماً ... ولشهر واحد فقط وبعدها ؟!!

قال النبي محمد (ص) الذي أصبح إسمه شعاراً لا تطبيقاً :
(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يمس ويصبح ناصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم) ، وغالبيتكم مسلمين ...

إن العراق هو البلد الوحيد بالعالم والذي تصرف به عشرات المليارات كمنافع اجتماعية للهيئات الرئاسية الثلاث بدون ضوابط  حيث بينت المادة 34  ص (12) لسنة 2010 :
( تعد الرئاسات الثلاث "رئاسة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ) ضوابط لصرف المنافع الاجتماعية بالتنسيق مع وزارة المالية الاتحادية وديوان الرقابة المالية الاتحادي وعلى ان يجري الصرف وفق إحكام المادة (29) من قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2008 رقم (20) لسنة \2008 لحين إصدار هذه الضوابط .

من المعلوم ان وزارة التخطيط أعلنت أن (7 ملايين ) عراقي يعيشون دون خط الفقر .
ونسبة بطالة تجاوزت (30 %) .
وخريجين بعشرات الآلاف ولا تعيين .

للتأكد من صحة الأرقام الواردة للتخصيصات مراجعة هذا التقرير في موقع النهرين على الرابط التالي :
http://nahrain.com/d/news/11/01/110113bb.htm

فماذا أنتم فاعلون ؟!!

158
إهمال .. استهزاء .. حرب .. انتصار 

حيدر محمد الوائلي

عندما ولدتَ كانت خلايا مخك تقدر بمائة مليار خلية عصبية وتتركز هذه الخلايا العصبية في طبقة يبلغ سمكها (2 ملليمتر) على السطح الخارجي للحاء مخك والمعروف بمادة الدماغ السنجابية ، وعلى مدار حياتك يتعين على عقلك أن يعالج (3 مليارات) محفز كل ثانية لتبقى مستيقظاً !!
والآن فكر في هذه الحقائق وهي إن مقياس ذكاء العقل البشري المتوسطة يكون (100) وفي الشخص العبقري (160) ويستخدم الشخص المثالي ما نسبته (4%) فقط !! من إجمالي القدرة العقلية المتوفرة لديه ، وعليه فانه من الواضح إن هناك سببا واحدا جيدا لتطوير قدرتك العقلية وهو :
أن هناك ما نسبته (96%) !! من قدرة عقلك هي جاهزة في انتظارك من اجل التطوير .
فهل أنت مستعد للتطوير ؟!!

سلسلة الإصلاح الذهبية التي مر بها كل نبي ومرسل وحكيم وعالم ومصلح اجتماعي وسياسي وكل ثائر وثورة وكل صاحب فكرة ...
الإهمال ثم الاستهزاء ثم الحرب ثم الانتصار ...
وهل يوجد أجمل من الانتصار وتحقيق غاية نبيلة تعبت عليها وصبرت الليالي لتراها تتحقق ... والصبر مفتاح الفرج .
ولا تتصوروا أن إذا قُتِل المصلح والمفكر والثائر بسبب ثورته وإصلاحه فقد تم هزيمته ...
أكيداً (لا) ... وإلا لما لكنا نقرأ ونقتدي ونقتفي أثر موتى ألهمونا الحياة .
وهو حال كتاب المقالات والكتب والبحوث وهذا حال أكثر أصحاب الأفكار السليمة لا العقيمة اليوم إهمال واستهزاء وحرب ... والنصر قادم .

فكثيراً من الموتى أحياء بيننا يلهموننا الصبر والثبات على الحق رغم أنهم قُتِلوا شر قتلة ... وهنالك كثيراً من الأحياء اليوم من أصحاب قرار وأملاك وسياسيين وقادة وحكام ومدراء ... لا تميزهم عن الحمير سوى أنهم ليس لديهم آذان طويلة كالحمار ويمشون على رجلين بينما الحمار يمشي على أربع وما عداه فالكل متشابه ...
نبهوا الناس يا كتاب ويا باحثين على أن لا يرثوا الدين والأفكار والمعتقدات كما يرثوا الدار والعقار ، فليفكروا جميعاً قبل الاختيار ، وليبحثوا عن الحق والحقيقة ، وسيبان الحق لذي عينين ...
فهنالك دين وفكر ومعتقد فساد ودين وفكر ومعتقد صلاح ...
وكلاهما يؤدي طقوس وحركات عبادية وفكرية وعقائدية ، ولكن بالبحث الموضوعي والعلمي سيبزغ نور الحقيقة في الأفق ...
نبهوا الناس أن يتخلوا عن أحقادهم وكراهيتهم المسبقة جانباً عند التفكير بمواضيع الأيمان ومواضيع البحث عن الحقيقة ...
وتذكروا ...
لا يقاس دين الله بالرجال ، ولكن يُقاس الرجال بدين الله ... كذا السياسة والمجتمع والأفكار ... تقاس بما هي نظرية لا بمن يطبقها .

هنالك البعض من رجال دين ومفتين وحكام وسياسيين ممن يكره تلك التعددية وتلك التنوعات ومن يستغلها لإثارة بعضها على بعض لتغطية مفاسده وعيوبه ، أو لأشغال الناس بأمور جانبية وإشغالهم بها ويتركون الأساس والأهم وحقوق الناس وهمومهم ومشاكلهم ...
هؤلاء لم يعرفوا أن الله لا يدعو إلى الإكراه في الدين فهو القائل :
(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة 256
ولم يعرفوا أسلوب الدعوة الذي أكد الله عليه بقوله سبحانه :
(أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) النحل 125
وهم لم يعرفوا أن الطوائف والأديان سيفصل بينها الله يوم القيامة وهو من يجازي العباد لا أنتم بقوله سبحانه :
(إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفُ عليهم ولا هم يحزنون) البقرة 62
من العار أن يعلوا صوت العقول العقيمة ووسائل إعلامها وتلفزيوناتها وجرائدها ومجلاتها ، والعقول السليمة يتم التغطية عليها ...
من العار ترك بعض رجال الدين وبعض المتصنعين يبثون الأحقاد والكراهية والحرب والقتل ويشغلوا الناس بمواضيع جانبية وترك اللب والأصل دون أن تتصدى العقول السليمة لا العقيمة لهم ...
لقد أكثرت من قول العقول (السليمة والعقيمة) ولكن ما هي تلك العقول :
سأجيب لا فضلاً ولا لأفضلية عليكم :
العقول التي تفكر من جانب واحد ، ولا تفسح المجال للآخرين ، والتي تفكر بحقد مسبق وكراهية مسبقة وتفكير على ضوء إرث ديني وفكري ورثته وراثة دون التحقق والتفكر به والتي لم تنظر لمن خالف وتسأل لماذا خالف ، والعقول التي تنسى هموم الناس وتنشغل بأمور جانبية وتترك مشاكلهم ومصائبهم فتلك جميعاً عقولاً عقيمة ...
والذي يفكر بأنصاف وبالبحث عن الحقيقة والتي يفكر قبل أن يتكلم ويكتب والذي يفكر ويترك ويستغني عن الحقد والكراهية ويفكر بموضوعية وبهموم الناس ومشاكلهم فتلك جميعاً عقولاً سليمة ... 
ومن العار السكوت عن الخطأ وعلى الباطل ...
ولكن كيف يمكننا التمييز بين الحق والباطل في زمن المتاهات ...
في أحد الأيام دخل احدهم على أحد أئمة المسلمين وسأله نفس هذا السؤال –التمييز بين الحق والباطل- فقال له : -ما مضمونه- : (زن الأمور بميزان الحق والباطل وانظر أيهما ترجح كفته)
ولربما ستسألني ما هو ميزان الحق : فهو أن تعرف ما هو الحق لكي تعرف ميزانه ؟!!
لا أعقدها كثيراً عليكم ولكن ما هو الحق ؟!!
الحق هو شيء يجب أن تبحث عنه وستجده موجوداً في كل أمور دينك ودنياك (حق سياسي واقتصادي وديني وفكري واجتماعي وتاريخي ... الخ) هنالك في كل شيء حق وباطل وهو دورك أن تجده ...
لا يمكن التصريح بمن هو الحق قبل أن نعرف الطريق السليم للوصول للحق ...
وستجده واضحاً صريحاً بعد أن تفكر بالعقل السليم الذي وضحته سابقاً (عقل يفكر بجدية وبدون حقد ولا كراهية وببحث علمي ويفكر بمن خالفه ولماذا خالفه ، وبالدين الذي يرثه أكثر الناس وراثة كما يرثوا العقار والدار ، ومن يفكر بهموم الناس ... )
 ستجد المتعة والراحة والسكينة والطمأنينة بعد أن تجد الحق ، بتعبك وبنفسك وبجهدك ...
قيل : (If you want something done , DO IT YOUR SELF)
(إذا أردت أن يكون الشيء تام الإنجاز ، فأنجزه بنفسك)
وستتنصر ...
فمهما تطاول الشر ومهما على صوته فهو لا يعلى على صوت الحق الذي لا يُعلى عليه ... والحق نور والحقد والكراهية والباطل ظلام ...
يقول الدكتور الفسيولوجي (اندرو كونواي ايفي) :
(ولكي يُفكر الإنسان فيه تفكيراً مستقيماً لا عِوَجَ فيه ولا نفور، عليه أن يُحرر عقله من الأنانية والأحقاد ومن كل ما يعوق التفكير الصافي السليم حتى يتسنى له أن يصل الى الله ويُحِبَه ... فلقد إقتضت حِكمة الله أن يستخدم الإنسان عقله وإرادته وحُريَته في إتخاذ القرارات اللازمة لمحاربة هذه الشرور حتى يصير حُكم الله في الأرض مثل حُكمه في السماء ...)

سيضل طريق الحق ويضيع عليه الطريق ما دام حاقداً مبغضاً مليء بالكراهية وتتطاير من عينيه شرر الأحقاد ...
ورجاءاً فمن ضاع عليه الطريق فلا يدمر كل طريق يصادفه وعَلِم به ... ولا تدمروا الطرق المؤدية للحق وتزرعوا فيها الأشواك لكي لا يتسنى للمارة الباحثين عن الحق المرور ...
ومتى كان طريق الحقيقة معبداً بالورود ... !!
دعوا طريق الحق واركنوا أنفسكم جانباً قرب الصخرة حتى لا يميز المارة بينكم وبينها ...
وتفرجوا عن الباحثين عن الحق ولا تقتلوهم ولا تفجروهم ولا تؤذوهم ولا تحاربونهم ولا تفتون بقتلهم وفسادهم ، ولا تسلطوا وسائل إعلامكم ضدهم ، ولا تنشروا الشائعات والأكاذيب حولهم ...
فمنهم سيكون الجمع المنتصر ... (ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدّكر)
وللكتاب والباحثين أصحاب الفكر السليم لا العقيم فأقول :
واصلوا الكتابة والبحث عن الحق وفي حال وجدتموها فلا تخفوها ونوروا الناس بها ... وكونوا مثل المهاتما غاندي صاحب القول :
(أولاً يهملونك ثم يستهزئون بك ثم يحاربونك ثم تنتصر)
وبذات الفكر طرد بريطانيا العظمى من ثان أكبر بلد من حيث السكان في العالم (الهند) ...
فهل تتمكنوا من فضح وطرد الفاسدين ... وما أكثرهم !!



159
ما هي مسؤوليتك غير الأكل والشرب والنوم والاستيقاظ لتكرار ذلك 

حيدر محمد الوائلي

(سيكون المستقبل لأولئك الذين يستعدون له اليوم) قالها (مالكولم أكس) أحد زعماء نهضة تحرير العبيد السود ومن المطالبين بأعطائهم حقوقهم في أمريكا في القرن الماضي (مات مقتولاً قبل أن يرى رئيس أمريكا أسوداً)

الكثير يشكو من ملل الحياة اليومية ... والضجر من الوضع الحالي ومن كل شيء ، وكأننا لسنا المعنيين بذلك ...
الكثير منا يشكو من الحيرة والتردد والتراجع عن إتخاذ قرار وتقرير مصير ...
الكثير منا كماكينة تعمل يومياً ، وهمها بطنها !! لا تغيير في واقع شخصي أو عائلي أو على صعيد أصدقاء ومعارف أو فكر أو تحصيل ثقافي وإجتماعي .
ودائماً السبب هم وليس نحن ؟!!
ومن هم ؟!! الله بـ(هم) أعلم ... !!
خذوها مني فأن أول طريق للأنهزام والنفاق هو رمي التهمة على الغير أو التبرير لتهمة التقاعس بعذر أقبح من فعل ...
وأعيد السؤال الذي جعلته عنواناً لمقالتي هذه (ما هي مسؤوليتك غير الأكل والشرب والنوم والاستيقاظ لتكرار ذلك) ؟!!

يقول أحد الباحثين : (ولا غرو إذن أن نجد في القرآن آيات تتساءل : (أفلا تعقلون) ؟ (أفلا ينظرون) ؟ (أفلا تتدبرون) ؟ (أفلا يعلمون) ؟ (أفلا تتفكرون) ، ولا غرو إذن أن يرد في القرآن المجيد ما يقارب من ثماني مئة (800) آية تتحدث عن العلم ومشتقاته : (علماء ، يعلمون ، تعلمون ، ...الخ.)

ويقول باحث آخر : (ونجد أن نحو (750) آية قرآنية ترتبط بالقضايا العلمية بينما لم تتجاوز آيات الأحكام في القران (400) آية من هنا يتضح أن القران الكريم وضع الإنسان على طريق المسار العلمي وكشف حقائق عالم الوجود بالتفكير وهي أساس الحضارة والتمدن من خلال نفس السبيل الذي أيقظ فيه الفكر الوحدوي ولابد ان نعترف بان العلم في القران الكريم هو توأم الأيمان والعقيدة ...)

ما هو التفكير ؟ :
أنـواع التفكير يميزه أهل المنطق بين ثلاثة أنواع وهي :
1- الاستنباط : وهو تفكير بالاستدلال والاستنباط والاختيار من دليل ما يقودك لفكر وحكم معين .
2- الاستقراء : وهو الأستبيان ومطالعة الأفكار والبحث فيها ودراستها مما يقودك لفكر وحكم معين .
3- التمثيل : وهو تقليد ومحاكاة  مفكرين وعلماء وأهل دراية وفكر والسير على ضوئها مما يقودك لفكر وحكم معين .

لا يوجد شيء هباءاً أو عبث أو متروك للصدفة والحظ والآخرين لتختار الصدفة والحظ والآخرين لك وليس أنت .
أنت المسئول أولاً وأخيراً ...
(فقط الفاشلين من يؤمنون بالحظ) الممثل الكوميدي الأمريكي الشهير (بل كوسبي) .

تأملوا معي في قول الحق سبحانه :
( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا)
ركزوا على كلمة (أمانة) و (ظلوماً) من (الظلم) و(جهولاً) من (الجهل) ،
وكأن صياغة القول بلغتنا الحالية سيكون كذلك (لا يحمل أمانة الله لا ظالم ولا جاهل)
ظلوم جهول مما يؤدي به للتقاعس عن حمل أمانة التفكير والعلم والعمل ... وأتعس ما يحصل لك أن تكون ظالماً لنفسك ويزيدها تعساً أن تكون جاهلاً من حملة الشهادات !!
ليس قصدي التفسير فله علمائه ونجومه اللامعة ... بل قصدي التوضيح .

والسؤال لي ولك :
هل لديك الجرأة أن تغير سوء حالك لأفضل مما أنت عليه ، وهل لديك الشجاعة للتفكير الذي لم يمنعك من مشاهدة فلم أو مسلسل أو مباراة كرة قدم ...
يمكنك تحقيق كل ذلك ولا زلت تؤدي وظيفتك الحكومية المناط بك عملها ، وإن كنت كاسباً لا يؤدي تحصيل ذلك نقصاً في عمل ولا في رزق ...
والعمل عبادة على أن لا يضيع عليك العبادة الحقيقية ... وهي العلم ومن ثم العمل .

كثيراً ما نسمع أن الفتنة وقعت ، وهذا العمل (فتنة) وفي الأخبار تتداول النشرات (فتنة) المظاهرات والمطالبات والحكومات والسياسات ، (فتنة) حرب أهلية أو طائفية ، وفي الدين و(فتنة) العراك والجدال و(الفتنة) التي بسببها تقتل الأبرياء بتفجيرات يباركها البعض ويكفرها البعض الأخر ... (فتنة) في فلم وتقرير يؤدي لـ(فتنة) في المعتقد والتفكير ...
(فتنة) أن يكون القتيل شهيداً والقاتل المقتول مجرماً ومن جانب اخر يكون ذات القتيل مجرماً والقاتل المقتول شهيداً ...
والفتنة أشد من القتل ...
سياسة ونشرات أخبار وحروب وأحقاد وكراهية وتكفير وفتاوى وإنتخابات ودعايات ووسائل إعلام ودعارة وهوس جنسي ونهم للطعام غير محدود وتحصيل أرباح لا يعرف حداً ولا ينصف أحداً ...
حسنات وسيئات فضائل ورذائل ...
كلها وغيرها نراها ونسمعها ونتابعها حاصلة أما فينا أو في قادة وسياسيين وأحزاب ومسئولين ... ونزيهين أصبحوا فاسدين ، وصالحين تغيروا لمسيئين وهكذا دواليك ...
الكثير من الحكايات والسوالف وقيل وقال ...
وكثيراً منا قال فيما مضى والبعض لا يزال يقول وسوف يتكاثر من مضى على بعض ممن هم باليوم الحاضر الممتد للمستقبل الذي سيكون أتعس من الحاضر ليقولون أن إسرائيل وأمريكا مصدر الفتنة ...
ونحن بريئين مساكين (مغفلين) !!

ما هي (الفتنة) ؟!
هي أن تشتبه عليك الأمور فتتبع أمراً غير متيقن وغير متحقق منه فيؤدي بك لوقوعك في محذور معين وشيء محرم (هذا تعريفي الشخصي للفتنة) ...
ولكن لماذا تنطلي الفتنة على الكثيرين ؟!! ولماذا يسير بتيارها الكثيرين ؟!! (طبعاً السائرين بها لا يسموها فتنة !!)

تنطلي الفتنة ويسير عليها الظالمين والجهلة والحاقدين على جهة معينة لمجرد كراهية نفسية لها (هوى نفس) وبيئة حاضنة للفتنة ...
هذا بكل بساطة المسبب الرئيس للفتنة برأيي : (ظلم + جهل + حقد (هوى نفس) + بيئة حاضنة)
ولو عرفنا السبب سيسهل علينا كثيراً معالجة الأمور في حياتنا ويتبين لنا أن دورنا في هذه الدنيا أكبر من الأكل والشرب والنوم والاستيقاظ لتكرار اليوم الذي مضى بيوم سيكون مثله ...
(ومغبون من تساوى يوماه) كما في المأثور من القول ، فكيف بمن يكون أمسه أفضل من يومه ومن سيكون يومه السيئ هذا أفضل من مستقبله) 

وللوقاية من الفتنة ومن الوقوع بها (والوقاية خير من العلاج) ، فما عليك سوى عمل العكس من أسبابها :
عكس (الظلم) هو : العدل والحرية والأنصاف ، ظلم الأنسان لنفسه بأن يؤدي بها للهاوية بتفكير أو تصرف ...
عكس (الجهل) هو : العلم والفهم والتعقل والدراسة  ...
عكس الحقد (هوى نفس) وقصدي به أن تحقد على مكون معين (دين معتقد قومية فكرة ...الخ) ليس بعد دراستها وفهمها أو حتى مطالعتها أو أقلها الأعتراف بوجودها كما هي ... ولكن بالحقد الموروث تجاهها فيولد حقد (هوى نفس) ضد هذا المكون فما أن تسنح الفرصة حتى يتم نهشه والتهجم عليه (قتله أحياناً) ...
وأما كيف نعمل عكس كل ذلك فهو : احترام الآخرين وفهم أفكارهم والتعاطي مع الأفكار على أساس أن الكمال لله والنقص موجود في كل فكرة على العموم .
البيئة الحاضنة هي أما شلة الأصدقاء والأصحاب والنفس ذاتها ... ومن رافق القوم أصبح منهم ، ومن أحب عمل قومٍ حشر معهم .
الاعتراف بوجود خطأ وهو أهم عامل للوقاية ومن دونه لا يمكن تغيير أي واقع ، فبمجرد إحساسك بأنك على خطأ فسابق وأعترف به وقر بوجوده في نفسك ... فهذا سيؤدي بك إلى إدراك جميع وسائل المسببة للفتنة وهي الظلم والجهل والحقد والبيئة الحاضنة وأكيداً سيقودك لصلاح ذاتك ... وهذا مبدأ نفسي اجتماعي ثابت أن : (الإصلاح يبدأ من الذات) .

سيقودك إصلاح ذاتك لإصلاح الآخرين ... وأحياناً مجرد كونك شخص صالح سيؤدي بك لتكون قدوة لغيرك وأن يُقتفى أثرك وأنت لا تعلم ...
ولا تقل فتنة وأنها فتنة وأن الفتنة واقعة ، فأنت أما طرف بها أو أنك ضدها ...
كن حصيناً ضد كل (فيروس) فتنة يريد أن يصيبك أو يحاول التغلغل لفكرك ، فتصبح بعد ذلك كما ورد في المأثور من القول :
(كن في الفتنة كأبن اللبون ، لا ظهراً يركب ولا ضرعاً يُحلب )
الأبن اللبون هو ولد صغير للناقة ، ليس لديه ظهر فيفكر أحد بركوبه وليس لديه ضرع أي ثدي فيفكر أحداً بحلبه ، فهو محصّن ...
فهل أنت لبون أو ظهر أو ضرع ... ؟!!
فكر بما قلته لك وهو آتٍ عن تجارب وقعت بها شخصياً ، ولا زلت في طور معالجتها ...
تحياتي ودعائي لكم بالموفقية والنجاح   

 
 

160
أين كنت قبل هذا يابو عزيز

حيدر محمد الوائلي

(إن من يعتقد أن نجم الثورة قد أفلّ ، فهو أما متساقط أو خائن أو جبان ، فالثورة قوية كالفولاذ .. مشتعلة كالجمر .. حامية كالسندان .. والطريق مظلم وحالك . إن لم تحترق أنت وأنا فمن سيضيء الطريق ) ... أرنستو تشي جيفارا .
 
من نار جسمك ولهيبها التي ألهمت الناس أن الثورة نار تسعر ... وعرف ناس اليوم حينها أن النار برداً وسلاما للمظلومين ، وعذاباً وسعيراً للظالمين ...
من نار روحك تصرخ بلقمة العيش بعدما رأيت الكروش تتدلى تتدلى تتدلى حتى فجرتها نيران جسمك ...
رأى بو عزيز وجوه نسائهم تنعم وتتجمل بينما زاد فيه جشوبة العيش وسواد الظلم وفقر الحال سواداً وسمرة وخشونة حتى لفحت نيران جسمك تلك الوجوه التي تتجمل بالملايين من الدولارات بينما تنام على الحزن والضيم والفاقة ملايين الناس ...
وحتى خدش ومزق خشونة ذلك الجلد الذي لم يعهد من حاكميه خيراً ولا كرامة ، كل أقنعة المكياج وكواليس التلفاز وقصر الرئيس ...
يا بو عزيز خذها مني وأنت عزيز ... ويا من أبيت إلا أن تلاقي العزيز عزيزاً ...
والموت أولى من ركوب العارِ ...
يا بو عزيز وأنت حي عند ربك ترزق ... ونيران جسمك التي ألهمت الشعوب حب النار ... عشق النار ... وعلمتها أن لا توجد أمة تطهرت إلا ولفحها حر النار ...
فالنار تطهر الأرواح وتحرق الأجسام ...
ألم تسمعوا من قبل وترددوا (نار الثورة ) و (الثورة نار) ... لماذا لم تعوها كما وعاها بو عزيز ...

بكل بساطة يا بو عزيز ... لو مت محروقاً من حريق طباخ منزل أو حريق نار عرضي لم يذكرك أحد ولمت كما يموت الملايين من الناس من دون أن تكون لهم ذكرى سوى بحزن ساعات !!
ولكنك عرفت أن النار ستلهم ثورة ... وعرفت أن النار ستدق لها لا صفارات سيارات الإطفاء بل صراخ الجماهير وهي تشتعل ثورة ... لتشتعل تشتعل حتى عبرت لمصر واليمن والجزائر وليبيا والحريق مستمر ...
ولم يطفئ برد الشتاء نار الحريق ...
نار جسمك تشتعل وتساعد على الاشتعال يا بو عزيز ... ولم تطفئها لا الحرس الجمهوري ولا الحرس الخاص بالرئيس ولا كلابه السائبة .

أين كنت قبل هذا يا بو عزيز ... وماذا كان يدور ببالك حتى طال الانتظار ...
هي العفوية والبساطة في التفكير التي جعلت منك مناراً للثورة ، ولو عقدّت تفكيرك بالفلسفات والسياسات والحوارات لصرت (لا شيء) ، بينما اليوم بأسمك وبفعلك صار كل شيء ...

ماذا كنت تفكر وأنت تدب فيك النار ...؟!!
أنا شبه متأكد أنك صرخت (بس) (كفاية) (كافي) (لا) (حتى متى) ولم تعرف أن تلك الأمنيات التي أحرقتك قد تحققت ...
تحققت يا بو عزيز ...
فها هي تونس ومصر ومن بعدها بلدان وبلدان تصرخ بتلك الكلمات ...
(بس) للحاكمين الذين جلسوا بالكرسي لعشرات السنين الحاسبين الحكم ملكاً لهم ...
(كفاية) (كافي) سجون وتعذيب وفقر وفساد .
(لا) لكل ظالم وظلم .
(حتى متى) السكوت عن كل ذلك ...

نم عزيز العين يا بو عزيز وأعلم أن حريق جسمك سيبقى ناراً تلهب الشعب العزة وحب العزة والثورة وحب الثورة وستبقى على الظالمين سعيراً هم فيها خالدون ...

من قلب مليء بالضيم والهموم كانت هذه الكلمات إليك يا بو عزيز التونسي ، وهي ثمن بخس جداً جداً لحريقك الذي أحرق الظالمين ...
 وها هي تونس اليوم تحررت بعد أن طهرتها نيران جسمك الصارخة بالكرامة والحرية ولقمة العيش ...
وها هي مصر تصرخ بلقمة العيش والحرية والكرامة وعساها تظل وتعبر الحدود ، يا مصر لا تكفي ولا تكلي وتذكري الأيام الخوالد وحرب الأيام الستة ...

محمد بو عزيزي تولد العام 1984 في تونس ، وولد مرة أخرى ناراً حامية في العام 2011 في كل قلب حر ثائر .

161
قبل التكلم عن الدين هل نحن مؤمنين ؟!! الحلقة الثانية 2/2
حيدر محمد الوائلي

ملاحظة 1 : كم ذكرت في الحلقة الأولى فإن هذا الكلام موجه لي بالدرجة الأولى ومن ثم للقراء الكرام لتعميم الفائدة ...
ملاحظة 2 : أرجو قراءة المقالة بتأني ولا يفوتكم سطر منها رجاءاً كريماً ، لتكامل الفكرة ...
ملاحظة 3 : الرجاء مراجعة الحلقة الأولى من المقالة .

أكيداً أن الحوار والجدال حول الطوائف والأديان أمر محمود ، وبالتي هي أحسن يكون محموداً أكثر والله يأمر بقوله : (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)
ويأمر الله النبي ويحدثه بتلك النعمة العظيمة التي كانت سبباً في تثبيت الدعوة الإسلامية بقوله تعالى : (فبما رحمةٌ من الله لِنتَ لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)
ووصف الله المؤمنين بأنهم (يسمعون للقول فيتبعون أحسنه) ...
قبل الحوار أوصي المحاورين ، وقبل النقاش أوصي المتناقشين أن يلتزموا بالأساسات الإيمانية والأخلاقية أعلاه (في الحلقة الأولى) والتي ذكرت قليلها القليل جداً وأترك البحث عن كثيرها الكثير جداً في الضمائر الواعية النظيفة ... قبل أن يمكر بكم الماكرين بأسم الله ، والمنافقين الذين يصطادون بالماء العكر ، والمؤمنين وما هم بمؤمنين والذين يؤلبون بعضكم على بعض ...
فلا البعض باقي ولا كله ... وسنصبح لا شيء بعد أن يستحوذ الشر على كل شيء يريده ...
ونصبح قلة متناحرة ، رغم كثرتنا الكثيرة جداً من حيث العدد ...
لأن هذا (البعض) سيكون قليل جداً ورغم قلته متفرق ، فيسهل عليهم التحكم بكم والسيطرة عليكم من قبل قوى الشر والظلام ، وتصبحوا عبيداً لا لله بل لهم ولسياساتهم ونفاقهم ووسائل إعلامهم ومكرهم (والله خير الماكرين) ...  وتنسون أنتم المسمين (مسلمين مؤمنين متدينين رجال دين) جميع الأساسات والأصول والفروع المتشابهة بينكم ويؤلب عدوكم عن طريق بعض المتدينين المنافقين رغم كثرة صلاة بعضهم  وصيامهم ورغم وساخة قلوبهم وضمائرهم الذين ركبوا الدين بالمقلوب وتم تنظيمهم وتوجيههم سياسياً لتفريق الأخوة ليصبحوا أعداء ...
ما الغرض من الحوار والنقاش والجدال في أمور الدين حصراً ؟!!
أليس لنيل رضا الله وإثبات الحق أم ماذا ؟!!
فيا ترى هل فكرتم بمدى رضا الله عنا عند كلامنا وحواراتنا وطريقة تصرفنا ؟!!
والله يقول : (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)
لا خير في كثرة قراءة القران وفي كثرة الصلاة وفي طول اللحية وقصرها وفي لقالق اللسان وعبارات الكلام من دون تدبر وعقل وحكمة .
دخل النبي (ص) ذات يوم لمسجد المدينة ، فشاهد جماعتين من الناس ، كانت الجماعة الأولى منشغلة بالعبادة والذكر والأخرى بالتعليم والتعلّم ... فألقى عليهما (ص) نظرة فرح واستبشار وقال للذين كانوا برفقته مشيراً للفئة الثانية –فئة التعلّم- : (ما أحسن ما يقوم به هؤلاء) !
ثم أضاف قائلاً : (إنما بعثت للتعليم) ! ثم ذهب (ص) وجلس مع الجماعة الثانية –جماعة التعليم- .
من قول للإمام علي : (صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم)

نعم نحن قوم نخاف الله ونعصيه !! ونحن نعرف أن أساس التشريع عند الله هو حفظ حقوق الناس ومراعاتها !! فــ (حرمة عبدٍ مؤمن أشد من حرمة الكعبة) ، و (الناس صنفان أما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق) .
ونحن قومٌ أوصانا الله بأهمية حفظ حقوق الناس وأدائها ونحن أو من إخترق تلك الحقوق ولم يحافظ عليها !!

ونحن قومٌ أوصانا الله بحفظ الحق العام ونحن أول من هتكناه !!
ونحن قومٌ أوصانا الله بحفظ حق الناس وأداء حق الطريق وإحترامه ونظافته ، ونحن أول من قمنا بتوسيخه وهتك حرمته !!
نعم ... نحن قومٌ نظيفين في داخل بيوتنا ونرمي الأوساخ في سلة القمامة – السطل -  ولكن ما أن نخرج حتى نزبل في كل مكان نمشي فيه ونجلس فيه !!

لقد أكثرت من تكرار كلمة الضمير الواعي النظيف  فيما سبق ...
وصدقوني أيها الأخوة والأخوات أن هنالك الكثير من الضمائر الوسخة والمتسخة والملوثة والنتنة وهنالك الكثير من الضمائر الجاهلة المتجاهلة الغير واعية والتي لا ينفع معها لتنظيفها ولا ألف علبة منظف (FAIRY) أو مسحوق غسيل (ARIAL) ...
ما لكم حتى لو أساء أحدكم –طبعاً قصدي الإساءة المعقولة- فهل تعتبر الإساءة حجة لمحوا اسم الله ودعوة محمد من قلوبنا وعقولنا ونتحول من ملاك أراد محمد أن يصنعنا على شكله إلى وحش وغورزيلا تريد الفتك بالمسيء ... مالكم كيف تحكمون !!
النبي أكد على ضرورة أن يكون المؤمن (كيّس وفطن) أي نبه وواعي ... فهل نحن كذلك ؟!!
وهل أتبعتم أوامر الله التي تقول (أدفع بالتي هي أحسن) ... فلماذا نرى البعض الكثير منكم يدفع بالتي هي (أسوأ وأقبح) ... ما لكم كيف تحكمون وبأي ربٍ أنتم مؤمنين !!
طبعاً كان قصدي من كلمة الإساءة المعقولة هو أن هنالك إساءات غير معقولة وحتى الله لا يرضى بالسكوت عنها ... وكل لبيب بالإشارة يفهم ، والعاقل والمتفكر سيفهم القصد ، والله من وراء القصد ... وقال أهل الكلام بأن (التلميح أبلغ من التصريح) !!
كل إنسان لديه ذنوب وأخطاء ، والحياة مدرسة ودائماً منعقد الامتحان ، وفي الامتحان يُكرم المرء أو يُهان ، وتذكر دائماً وأبداً ما جاء في الحكمة الجميلة : (ليس الفخر أن لا تسقط ولكن الفخر أن تنهض من بعد السقوط) ...

كانت هذه خواطر كتبتها بليل ، ونقحتها بنهار  ...
وكلمت نفسي بها قبل أن أنشرها لحضرتكم لقراءتها ... والتفضل بالإطلاع عليها ...
وفقكم الله جميعاً لكل خير ومعروف وحشركم الله وجمعكم سويةُ مع من تحبون ، ومع من تؤمنون به ، ومع من تدافعون عنه ، ومع من تناصرونه ، ومع من تتبعونه والله عليمٌ بذات الصدور .
وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائمُ   ...   وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

أيها الأخوة ... صدقوني إن جميع من صنع تلك الأحقاد والكراهية ومن أسس لها بين الأخوة في الدين والأنسانية لم يكن مؤمناً بالله ، وكان مستفيداً من كثرة تلك الخلافات والكراهية ...
أقول الأخوة في (الدين) و (الأنسانية) فـ (الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) كما قالها علي بن أبي طالب .
أي إسلام أوصى بالظلم ، والتاريخ الإسلامي يروي الكثير الكثير من قصص الظلم والنفاق ممن رفعوا شعار الله ونبيه على الملأ ، والله يلعنهم قبل غيرهم  ... والله يكره ويمقت ويلعن الظلم والنفاق !!
وهو القائل سبحانه : (ألا لعنة الله على الظالمين)
أي إسلام أوصى بالحروب والقتل وسفك الدماء وجميع قتلى المسلمين في 80 غزوة ومعركة خاضها رسول الإنسانية محمد (ص) كان عدد قتلاها جميعاً ومن الطرفين (المسلمين والمشركين) على أكثر الروايات 1400 شخص فقط !!
وكانت أكثرها حروب دفاعية ولم يبدأهم النبي محمد بقتال أبداً !!
النبي محمد (ص) يفهمنا معنى كلمة المسلم بقوله : (المسلم من سَلِمَ الناس من يده ولسانه) ... فهل نحن كذلك ؟!!
أترك الجواب للضمير الواعي النظيف ...
وقال من نروي أحاديثه على اللسان يومياً ولا نطبقها على حياتنا وتصرفاتنا ذلك هو الرسول الأكرم محمد (ص) القائل : (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)
أرحمونا وكما قال سيد الكون وناصر الفقراء والمحرومين والمطالب الدائم لنصرة الإنسان وتحقيق كرامته ذاك هو النبي الأكرم محمد (ص) القائل في خطبه الوداع :
(أيها الناس لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبه نفسه فلا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا) ...
فكانت هذه الخطبة وداع للنبي (ص) أم وداع لما أوصى به !!
وقوله (ص) : (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته )
وقوله (ص) : (لحرمة عبدٍ مؤمن أشد من حرمة الكعبة)
وقوله (ص) : (المُلك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم)
وقوله (ص) : (الكافر العادل خير من المسلم الظالم) ... طبعاً هذا يعني أن المسلم العادل خير من الأثنان الكافر العادل والمسلم الظالم أكيداً .

فما هذا الذي نسمعه بالتاريخ من حروب دموية ومن قتل وتهجير وسفك دماء ومن فساد وهتك أعراض وحرق مدن بأسم الإسلام .. !!
وما هذا الذي نسمعه اليوم من فتاوى وخطب ومنشورات قتل وتهجير وسفك دماء وتفجيرات  بأسم الإسلام في اليوم الحاضر .. !!
والله يكره ويمقت الحرب ويحب السلام ومن أسماءه الحسنى (السلام) ،وتحية الأسلام (السلام).
يقول تعالى : (ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر)

ولكن يقول بعض مدعي الأسلام اليوم : (سنذل بني ادم وندفنهم في البر والبحر)
نذلهم بالقتل والسب والشتم والرشوة والفساد الإداري والغبن والوساطات والتمييز بالمعاملة وملأ البطون لا من كد ولا تعب ... بل من حق الشعب ... الذي كسبوه وما لهم فيه خير ولا ولا علم ولا حسب ..
ومصادرة الحريات ولجم الأفواه الناطقة بالحق ، وزجهم بالسجون بحجة القانون !!
فيا لله وللقانون ...
ولا خير في قانون لا يحفظ حق شعبه  ويدافع عنه ...
قانون يحفظ حق السياسي والوزير والحاكم والأمير والرئيس والملك ورؤوس الأموال ... لا الناس ..
وقل أعوذ برب الناس ... من شر الخناس ...
وممن يحكم الناس وهم ليسوا من خيرة الناس بل من والى ولاء الحزب والثورة والتوجهات الفكرية والعقائدية للحاكم ...

أكرر مقالة العادل عمر بن عبد العزيز : ( إن هذه الأمة لم تختلف في دينها ولا في نبيها ولا في كتابها وانما اختلفت في الدينار والدرهم)
وكما قلت فهذا الكلام موجه لي أولاً ومن ثم للقراء الأكارم حفظهم الله ووفقهم لما يحب ويرضى ..


162
قبل التكلم عن الدين هل نحن مؤمنين ؟!! الحلقة الأولى 1/2
حيدر محمد الوائلي

ملاحظة 1 : هذا الكلام موجه لي بالدرجة الأولى ومن ثم للقراء الكرام لتعميم الفائدة ...
ملاحظة 2 : أرجو قراءة المقالة بتأني ولا يفوتكم سطر منها رجاءاً كريماً ، لتكامل الفكرة ...

يقول عمر بن عبد العزيز : (إن هذه الأمة لم تختلف في دينها ولا في نبيها ولا في كتابها وإنما اختلفت في الدينار والدرهم)

كثر الحديث بالآونة الأخيرة عن الدين والتدين والسنة والشيعة ، والكل يثبت ويصحح ويضعّف ويقوّي ويحرّف ويروي الروايات ويحكي الحكايات في محل العمل والأماكن العامة وفي المنتديات ومواقع الانترنت وفي التلفزيون ...
كثر الحديث عن الأخوة السنة المؤمنين بمدرسة الصحابة ، والإخوة الشيعة المؤمنين بمدرسة أهل البيت ...
أساسات التشريع لدى السنة وهي القران والسنة والإجماع والقياس (مع الاختلاف في بعضها لدى بعض المذاهب السنية) ، وأساسات التشريع لدى الأخوة الشيعة وهي القران والسنة والإجماع والعقل ...
وأصول الدين لدى السنة وهي :
1- التوحيد : (بالله) وأنه عليم بكل شيء و ليس كمثله شيء وعن تجسيمه أو تشبيهه وتنزيهه سبحانه عن كل ما يسيء إليه . وأن أنزل القران الكريم على حبيبه محمد (ص) وحفظه من كل تحريف وتزييف (إنا نزلنا الذكر وإنا له حافظون) وهذا القران هو الموجود عندنا وبين أيدينا ، ليس فيه خطأ ولا تحريف بتاتاً .
2- النبوة : (بمحمد ص) وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين وأنه معصوم لا يصح له الخطأ وأن كل فعل له وحديث وتقرير إذا ثبت بالطرق الصحيحة والموثوقة والغير مزيفة والمحرفة فيعتبر سنة .
3- المعاد : وهو الأيمان بالبعث والحشر والحساب والعقاب والجنة والنار يوم القيامة .

وأصول الدين لدى الشيعة وهي :
1- التوحيد : نفس العقيدة .
2- النبوة : نفس العقيدة .
3- المعاد : نفس العقيدة .
4- الإمامة وهي أن النبي أوصى لعلي بعده بالخلافة والأمامة لنصوص ثبتت عنه (ص) وهذي الأمامة تتألف من 12 امام (خليفة) يبدؤون بعلي بن أبي طالب وينتهون بالمهدي المنتظر وهو الأمام الغائب الذي سيملأ الله به الأرض قسطاً وعدلا كما نص النبي (ص) بذلك وهو حاضر غائب . ولقد حالت عدة أمور سياسية ودينية دون تمكين أهل البيت من إستلام الأمامة والخلافة بعد وفاة النبي (ص) .
5- العدل : وهو إن الله عادل غير ظالم في كل تشريع وحكم وواجب ... وإن الله جل جلاله عادل لا يظلم أحدا ولا يفعل ما ينافي الحكمة، فكل خلق أو رزق أو عطاء أو منع، صدر عنه هو لمصالح ، وإن لم نعلم بها ، كما أن الطبيب إذا داوى أحدا بدواء علمنا أن فيه الصلاح ، وإن لم نكن نعرف وجه الصلاح في ذلك الدواء .

وأما فروع الدين فهي متشابهة بنسبة كبيرة جداً (صلاة صوم زكاة حج خمس جهاد امر بالمعروف والنهي عن المنكر ... الخ) وغيرها من فروع الدين التي هي من أساسيات السنة والشيعة وكثير منهم يعملون بها ويواظبون عليها ...
وكذلك كبائر الذنوب فمتفق عليه بين الطرفين السنة والشيعة على حدٍ سواء وإختلفوا بتعدادها ليس إلا ، فبعض عدها 80 وأخر قللها قيلاً وأخر زاد عليها قليلاً ...
وكما رأيتم فأن أغلب أساسات التشريع لدى السنة والشيعة متشابه  , وأغلب أصول الدين لدى السنة والشيعة متشابه ، وأكثر فروع الدين متشابه (مع اختلاف بالطريقة) ، وأكثر الذنوب المحرمة متفق عليها بين الطرفين ...

ولكن ... ويا ليتها لم تكن ولكن !!
هل نحن مؤمنون بكل ذلك أم ماذا ؟!!

أنا هنا بحاجة للضمير الواعي النظيف أن ينتبه وعلى صاحب الضمير الحاقد الجاهل الوسخ أن يغلق الصفحة ويتابع شيء آخر  ...
يقول جل جلاله :
(إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم تُرحمون * يا أيها الذين امنوا لا يسخر قوم ٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنّ خيراً منهنّ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الأيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون * يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم إثمٌ ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه وإتقوا الله إن الله توابٌ رحيم * يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبير) سورة الحُجرات – الآية 10 - 13.

والله لو لم يقل الله في أدب الحديث والمعاملة سوى تلك الآيات الأربع من سورة الحجرات لكفتنا الخير كله ، ولجعلتنا جميعاً أخوة في الله والإنسانية ... ولكن (على قلوب أقفالها) !!

قال تلك الكلمات النورانية الله في قرانه الحكيم آمراً الجميع بضرورة الإصلاح بين الأخوة وضرورة عدم السخرية من الآخرين وضرورة عدم التنابز بالألقاب وضرورة عدم إتباع الظن والتأكد والتحقق قبل التكلم في جميع الأمور والمواضيع وعدم تزييف الحقائق إرضاءاً للنفوس الحاقدة الكارهة لكل من يخالفها في الفكر والعقيدة ...
أوصانا الله بوجوب عدم التكلم بالغيبة ، والغيبة التكلم بصدق وبشيء واقع حول شخص بكلام يكرهه ذلك الشخص ، وهل تجنبنا البهتان وهو التكلم بكذب وبأمر غير واقع حول شخص بكلام يكرهه ذلك الشخص ... فهل نحن لم نغتب ولم نتكلم بهتاناً !!

فهل نحن مؤمنين بالله ؟!!
وعلى الضمير الواعي النظيف الرد ...

يقول النبي (ص) :
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
قالها النبي محمد (ص) بصريح عبارته (لا يؤمن أحدكم) بحديث صحيح ، فهل تحبون لإخوانكم في الدين والإنسانية كما تحبون لأنفسكم ، أم تتكلمون بحقد وتتصرفون بكراهية وتؤمنون ببغض وعداء !!
(من غشنا فليس منا) قالها محمد (ص) في حديث صحيح بأن كل من يغش الناس بكلامه وبسلعته ومن غشهم بتظليلهم ومن غشهم بعدم تقديم النصيحة الصحيحة ومن غشهم بعدم تقديم المشورة بصدق وأمانة ... فهل أنتم لم تغشوا في ذلك كله !!
بعث الله النبي محمد (ص) ليتمم مكارم الأخلاق بشهادة النبي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علّمه شديد القوى بقوله (ص) :
(إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق) في الحديث الصحيح .
وهذا ما اتفقت عيه جميع الطوائف والمذاهب الإسلامية ، فهل سئلنا أنفسنا ما هي مكارم الأخلاق تلك التي ما بعث النبي محمد إلا ليتممها وهل حاولنا تطبيق أكثرها ، وحتى لو بعضها على أقل تقدير ...
والأدهى والأمرّ والأتعس أن لم تكن هنالك أخلاق أصلاً فضلاً عن مكارمها ...

فهل نحن مؤمنين بنبوة محمد (ص) ؟!!
وعلى الضمير الواعي النظيف الرد ...

كانت هذه خواطر كتبتها بليل ، ونقحتها بنهار  ...
وكلمت نفسي بها قبل أن أنشرها لحضرتكم لقراءتها ... والتفضل بالإطلاع عليها ...
وفقكم الله جميعاً لكل خير ومعروف وحشركم الله وجمعكم سويةُ مع من تحبون ، ومع من تؤمنون به ، ومع من تدافعون عنه ، ومع من تناصرونه ، ومع من تتبعونه إنه عليمٌ بذات الصدور .
وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائمُ   ...   وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

يتبع الحلقة الثانية في غضون أيام إنشاء الله لتتكامل الفكرة للقراء الكرام .


163
رفحاء سعودية جديدة

حيدر محمد الوائلي
haidar691982@gmail.com

كل اللاجئين العراقيين في العالم ودول جوار العراق تمتعوا بحقوق جيدة مثل اللاجئين إلى سوريا والأردن وإيران ولبنان وتركيا ... وتمت ضيافتهم وحمايتهم إلى حدٍ ما ...
وتمتعوا بحقوق متميزة في دول أوربا وأمريكا ، وتمت معاملتهم بكرامة وتقدير وإنسانية ...
ولكن في السعودية يتم إلقائهم في عرض الصحراء وإذلالهم وإسكانهم في بيوت لا يسكنها حتى الحيوانات الضالة ... طبعاً ليست حيوانات الحاكمين السعوديين المكرمين أكثر حتى من المواطنين السعوديين أنفسهم فكيف بالعراقيين اللاجئين إليهم ... !!
تم إذلال اللاجئين العراقيين كما لم يذلوا أمثالهم من قبل عندما هربوا من ظلم نظام الحكم السابق في العراق ليلجئوا لبلد الله الحرام وليلجئوا لبيت الله ومنزل رسوله الأكرم ولكنهم تفاجئوا بأغلاق أبواب الله ومنزل رسوله لا بأمر من الله ولا بقول من رسوله ولكن لأن النفس وما تشتهي ... !!
ولو علمتم أي نفوس تلك النفوس لأصابكم الغثيان مما يشتهون !!

كان ذاك قبل سنين مضت ، أبان حكم نظام صدام ، في رفحاء ... حيث لاقى المهجرين واللاجئين العراقيين الذين لم ولن ينسوا ما فعلته السعودية بهم من إذلال وإهانة التي هربوا منها ...
تصوروا أنهم لجئوا لأرض عرفها التاريخ بالكرم وحسن الضيافة ...
لجئوا لآل ها شم وال مناف وعبد شمس وللأوس والخزرج  وطي ، ولكنهم لم يجدوا حاتم الطائي وكرمه أو هاشم وال عبد المطلب الذين اشتهروا بخدمة الوافدين الغرباء وبضيافتهم وإكرامهم حتى ولو كانوا مرتكبي جرم فيتم التفاوض نيابة عنهم مع الأطراف المتنازعة معهم ، وحل المشاكل العالقة وحماية اللاجئين إليهم ...
ولكن ذلك الحديث والقصص الجميل قد مضى وانقضى منذ زمان بعيد فتلك أمة قد خلت ونسيت ومحيت وما بقي منها ومن ذكرها وأصالتها وقيمها وأخلاقها إلا لقالق حنجرة وحشرجة لسان وكلام للتسلية لا أكثر ولا أقل ...

كتب الكاتب العراقي ( طارق الحربي ) كتاباً وضّح فيه فصول المأساة أسماه : (جمهورية رفحاء) كتاب جدير بالمراجعة كي لا ننسى ظلم الماضي وقسوته ليكون لنا شاهداً وعبرة في المستقبل ...

واليوم ... ها هي رفحاء تبعث من جديد ...
ولكن لم يكتفوا بإذلال العراقيين في صحراء رفحاء وتجويعهم وسجنهم والقسوة عليهم كما حصل قبل سنوات طويلة ، ولكن اليوم تضرب أعناقهم ...
نعم أنا لا أسرد لكم إحدى حكايات الحجاج أو الزير سالم (المهلهل بن ربيعة) ولا قصص كليب وحرب البسوس أو ما شابه من حكايات التاريخ التي تتفاخر بضرب الأعناق ...
نحن في عام 2011 وكل عام وأنتم بخير ...
وسنة خير ومحبة وموفقية عليكم أجمعين ...
ولازالت الأعناق تضرب وتتطاير لا لجرائم بغي ولا لجرائم قطع الطريق وقتل المارة كما يفعل أتباع بعض علمائهم في شعب العراق ، ولا لجرائم القتل الجماعي وقتل الأبرياء والتفجيرات التي تقتل المسلمين والمسيحيين والصابئة من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال ... وهذا الفكر وتمويله تم تدبيره من أناس تم تغذيتهم فكرياً ومادياً من أراضي المملكة ...
ليس ضرباً لأعناق أولئك بل ضرب لأعناق العراقيين فقط !!
وما هو الجرم ؟!!
جرائم تتعلق بتهريب أغنام وخمر (عرك) أو تهريب أشخاص للعمل وأحياناً مخدرات وأحياناً أهل رعي لا ذنب لهم أو لأناس أخذوا بجريرة غيرهم أو لسكنى مناطق حدودية لسوء حضهم وقعوا بيد شرطة الحدود السعودية ، والبدو لا يلتزمون بالحدود فهم ولدوا في الصحراء ليسكنوا فيها ...
هؤلاء أجمعين يتم مسكهم على الحدود العراقية السعودية التي شهدت خيانة الجار وتنكره للجار وحمى الجوار ...
طبعاً ذات التهم لو كان المتهم بها إسرائيلي أو أمريكي أو بريطاني فلا يتم معاقبته ولا يتم معاتبته بل لا يتم حتى سؤاله ... !! 
طبعاً شرطة الحدود تغض النظر لا عن عورات الناس بل عن المتسربين من حدودها ليفجروا أنفسهم أو يقوموا بأعمال قتل وتخريب ...
إحصائية ...
ليس بعدد من تمسكهم المملكة من إرهابيين يهلكون الحرث والنسل بمباركة بعض رجال دين تصرف عليهم المملكة وتداريهم وتطبع مؤلفاتهم التكفيرية والتحريضية والحاقدة ، وتبني لهم ما يشاءون من مساجد (ضرار) ليفرخوا (فراخاً تقتل بلا رحمة) وكله لله ولله وعلى ملة رسول الله !!
إحصائية ...
ليس بعدد الفتاوى التي تكفر من يخالف فكر بعض علماء المملكة من الـ .............. الذين يكفرون من يخالف عقيدتهم بل حتى فقههم ، بل يفتون بقتله وراجعوا بعض فتاوى التكفير والقتل الخاصة بهم والموجود في كتبهم التي تطبعها لهم المملكة بالآلاف  سنوياً ...
ليست الإحصائية بعدد المقبوض عليهم من أولئك فعددهم صفر !!
ولكن الإحصائية هي أن في السعودية ( 600 ) معتقل عراقي تم قطع رؤوس ( 40 ) منهم بالسيف و (30 ) آخرين محكومين بقطع الرأس ولا زالوا أحياء –ربما بعدما أنهي المقالة تكون رؤوسهم قد طارت إلى بارئها- ولكن ليس طويلاً ليتم دفنها بعرعر وهي منطقة حدودية مهجورة تسكنها الكلاب والذئاب تقع بين العراق والسعودية وليعملوا بالمأثور وهو :
(إكرام الميت رميه للذئاب والكلاب) !!
تصوروا أن حدثت اتفاقية بين الحكومة العراقية على أن يأخذ السعوديين الإرهابيين الملقى القبض عليهم في عمليات قتل وتفجير في العراق مقابل إطلاق سراح بعض المقبوض عليهم  الحدود السعودية من سجناء عراقيين تهمتهم (كعيبر) أي عابر حدود تهريب وأغلبها تهم كيدية طائفية !!
طبعاً الأرقام التي ذكرتها هي أقل من تلك الأرقام الصحيحة التي لا يعلم بها إلا الله والمملكة السعودية ... !!
كل هذا ولا زالت الحكومة العراقية صامتة ولا تطالب بتدخل الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية أو تحريض وسائل الأعلام ضدها لكي تكف عن قتل أبناء العراق بالإرهاب وبالسيوف !!
ولكن يبدو أن الحكومة مشغولة بالتحضيرات للقمة العربية التي لم تحقق شيئاً للعرب وللمسلمين منذ تاريخ تأسيسها والى اليوم وحتى في المستقبل ، ولا تريد للعائلة السعودية المالكة أن تنزعج لكي لا ترفض حضورها للقمة المزمع انعقادها في بغداد في آذار القادم !!


164
من قلب مسلم أقول : ميلاد مجيد للأخوة المسيحيين

حيدر محمد الوائلي
haidar691982@gmail.com

(ولتجدن أقربهم مودّة للذين امنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون) القران الكريم/المائدة/82
سكن المسيحيون في العراق سنة 59 م أي أنهم سكنوا العراق منذ 2011 – 59 = 1952 سنة ... سكنوا العراق قبل 1952 سنة ولم يتناول ذكرهم التاريخ إلا بكل خير وطيبة ... ولم يساهموا لا بدمار ولا بخراب ولا بإرهاب ...
وكان تواجدهم في العراق ليس بحرب صليبية ولكن بحركة تبشيرية هادئة كما يذكر الاستاذ رشيد الخيون بكتابه (الأديان والمذاهب بالعراق) ص145 .
وقد سكنوا وسط المسلمين وتعايشوا معهم وتواصلوا معهم في الأفراح والأحزان وليس في العراق وحسب بل أيضاً في مجتمعات إسلامية كبرى كأيران وفلسطين ولبنان وسوريا ومصر وغيرها من الدول ... بل كانوا يتواصلون مع المسلمين حتى في المناسبات الدينية الأسلامية مثل مناسبات الفرح : كميلاد النبي محمد (ص) وعيدي الأضحى والفطر والزيارة الشعبانية المليونية في 15 شعبان في ذكرى ميلاد الأمام المهدي ويحترمون قدسية شهر رمضان المبارك ...
وكذلك في مناسبات الأحزان كمناسبات مقتل الأمام علي ومقتل الأمام الحسين ومقتل الأمام موسى الكاظم وزيارة أربعينية الأمام الحسين  ...
طبعاً تلك المناسبات جماهيرية ويحييها الملايين في العراق وليس لي علم ببقية البلدان الأسلامية ...
طبعاً جميع تلك المناسبات كما هو معلوم مناسبات إسلامية بحتة ، ورغم ذلك تراهم يتفاعلون معها ولم يشهد لهم التاريخ أن قام مفتي أو قسيس بإصدار فتوى تكفير لمسلم أو أحلوا دمه في التاريخ المعاصر على أقل تقدير –طبعاً عدا الحروب الصليبية التي شهدت دموية وقتل والحمد لله فقد إنتهت منذ زمان طويل- ولم يقوموا بتصدير البيانات الحاقدة وتوزيع منشورات فتنة وقتل وتصدير فتاوى حقد وكراهية وتكفير ...
خذ مثلاً ما أراد الكاهن جونز القيام به من حرق للقران الكريم الذي لم يقرأ منه شيئاً كما صرح بذلك ، فأول من تصدى لحملة الكاهن الأميركي الذي أراد حرق القران هم المسيحيين أنفسهم !!
ومن منا لا يذكر ذلك المشهد الرائع من فلم الرسالة الذي يصور لجوء المسلمين بقيادة جعفر بن ابي طالب (الطيار) الى النجاشي المسيحي في الحبشة (أثيوبيا) وقرأ له :
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ) سورة مريم
وكيف أن عمرو بن العاص كان يكذب ويخادع ويغرر بالنجاشي ليفتك ويطرد المسلمين اللاجئين للحبشة ، فلما سمع النجاشي قراءة جعفر الطيار لتلك الآيات العظيمة من سورة مريم فقال بعدها النجاشي مخاطباً المسلمين :
(إن ما بين المسيحية والإسلام هذا الخط –وخط خطاً على الأرض-) وخاطب النجاشي عمر بن العاص قائلاً –ما مضمونه- : (لو تعطوني كنوز الأرض لما أعطيتك هؤلاء المسلمين)
وتصوروا أن يُقتل المخرج العبقري (مصطفى العقاد) مخرج لفلم الرسالة الخالد بتفجيرات إرهابية لفنادق في الأردن !!
وأما مقوقس مصر فأستقبل رسول النبي محمد (ص)، وبعث بهدية اليه ومنها الجارية (مارية) القبطية –المسيحية- والتي أصبحت زوجة للنبي محمد (ص) فيما بعد ، فأصبحت بذلك أماً للمؤمنين ، كبقية زوجات النبي محمد (ص) ...
طبعاً ومسيحوا نجران كذلك وقصة المباهلة الشهيرة معهم والتي ذكرها التاريخ بالتفصيل عندما باهل النبي (ص) ونفسه متمثلاً بعلي ونساءه متمثلة بفاطمة وأولاده متمثلين بالحسن والحسين ، فامن مسيحيو نجران بدعوة النبي ودعوه أن ما أتى به الحق والآية الكريمة توضح ذلك :
(فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ سورة ال عمران
فبقى مسيحيو نجران على حالهم وكُتِبَ عهد لهم بذلك ، وكان عهد رسول الله (ص) لهم :
(..... ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم ، وأنفسهم ، وأرضهم ، وملتهم ، وغائبهم ، وشاهدهم ، وعشيرتهم ، وبيعهم ، وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير ، لا يُغير أسقف من أسقفيته (هكذا وردت) ، ولا راهب من رهبانيته ، ولا كاهن من كهانته وليس على دينه ، ولا دم جاهلية ، ولا يخسرون ولا يعسرون ولا يطأ أرضهم جيش (.... الخ) –ثم ورد- شهد أبو سفيان بن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف من بني نصر والأقرع بن حابس الحنظلي ، والمغيرة بن شعبة ، وكتب لهم هذا الكتاب عبد الله بن أبي بكر) . أبو يوسف الخراج ص72-73 .
وقد كان ورقة بن نوفل الذي تكهن بنبوة النبي محمد (ص) مسيحياً ، وكانت ام المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد قريبة ورقة بن نوفل هذا .
طبعاً لم يشهد التاريخ للمسيحين حرابة للأسلام ولرسول الأسلام وهم لا زالوا ذميين وأفتى علماء الإسلام البارزين بجواز الزواج منهم والتواصل معهم ...

كما اليهود الذين يشاركون المسيحيين بذلك ، طبعاً يجب علينا التفريق في الكلام ما بين اليهود والصهاينة ، فاليهود ديانة سماوية ولهم كتاب سماوي وهو التوراة وقد صابه التحريف ... وأما الصهاينة فهي حركة سياسية عنصرية فاسدة تتخذ من اليهودية شعاراً كاذباً لها وأغلب معتنقيها وسياسييها هم علمانيين مؤمنين بتعاليم مؤتمر صهيون وكتاب التلمود وليسوا يهوداً مؤمنين ...
وبعد هذا كله وأخلاق النبي (ص) معهم ، وأخلاقهم معنا فسؤالي هو :
هل قام أحد منكم أو من رجال الدين المسلمين أو من السياسيين بتهنأتهم والتواصل معهم في مناسباتهم ومجاملتهم والذهاب لكنائسهم كرد واجب الزيارة التي قاموا بها لمساجدنا وحسينياتنا أم ماذا !!

لقد ذاق المسيحيون الم الجراح في العراق كما ذاقه المسلمين من تفجيرات وارهاب وقتل ودمار ، وكما سالت دماء الني محمد (ص) التي أهرقها القوم بفتواهم وتفجيراتهم وسط حشود المسلمين فقد لاقتها دماء النبي عيسى (ع) التي أهرقها ذات القوم بفتواهم وتفجيراتهم وسط حشود المسيحيين ...
تصوروا أن هؤلاء المسيحيون الـ (2 %) من سكان العراق تجعل الـ (97 %) المسلمين من سكان العراق يحترمونهم ويقدرونهم طبعاً (1 % اخرى كيهود ويزيديين وصابئة وغيرها) ، وما الضرر في ذلك فكما جاء في الحديث عن النبي محمد (ص) : (إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تأبهوا به حتى تنظروا كيف عقله) ، وقوله (ص) : ( إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصوم )

ويبقى الدين لله والوطن للجميع ، والله يقول (ولو شاء لجعلكم أمة واحدة) وقوله (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)
الحقيقة رأينا في العراق من أخلاق المسيحيين وكرمهم وطيبتهم ما أنسانا قساوة وعنف بعض من ينتمون إلينا ولملتنا ...
كل هذا والأخوة وأولاد العم ساكتين عن النصرة  ، بل غير مكترثين ... واهٍ من ظلم الأخوة وأولاد العم ... فظلم ذوي القربى أشد مضاضةً ...
وهم يرون أن رسول الله محمد (ص) يبكي على ضحايا الكنائس ، ويبكي عيسى (ع) على ضحايا تفجيرات المساجد والحسينات والمواكب ...
رأيت محمداً يبكي على ضحايا كنيسة النجاة وتفجيرات الكنائس السابقة ، ورأيت عيسى يبكي على ضحايا تفجيرات سامراء والكاظمية وكربلاء والنجف والأعظمية  ...
ولكن أنتم أولاء لا تبكون ولا تحزنون فقلوبكم كالحجارة بل أن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار لكن قلوبكم أقسى ...
قد قست قلوبكم وويلٌ للقاسية قلوبهم من عذاب النار ...
وفي اليوم الحاضر قد برهن الأخوة المسيحيين والصابئة كما هو دأبهم في العراق وعبروا عن سماحتهم ولطفهم فقد أصدر القساوسة المسيح توجيهاً بضرورة الأحتفال داخل المنازل في احتفالات رأس السنة الميلادية وذلك مراعاةً لحرمة شهر محرم وإحتراماً ومواساة للمسلمين بالمصاب الحزين لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) ... وقد إكتفوا بأقامة قداسات داخل الكنائس فقط ...
نفس هذا التصريح نضعه قبالة فتاوى بعض العلماء المسلمين القاضي بتكفير كل من يؤدي تلك الشعائر وعدهم أهل فتن ويجب وأد فتنتهم أي –قتلهم- !!
(والمؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم) قالها الله في كتابه ورأينا المسيحيين يطبقونها بينما أعرض عنها البعض القليل من لقبهم في هوية التعريف (مسلم) !! 
طبعاً بعض وسائل الأعلام العربية تناولت التصريح لقساوسة المسيحيين بعدم الأحتفال في رأس السنة وحللته ونقلته بالشكل التالي :
(المسيحيون في العراق لن يحتفلوا بأعياد رأس السنة وذلك خوفاً من التهديدات الأرهابية) !!
شكراً لوسائل الأعلام على دعمها الدائم ، ونصرتها الدائمة المتواصلة المتصلة لروح المحبة والأخوة لجميع بني الأنسان ونشرها الدائم جداً جداً للحقيقة كما هو دأبها دائماً وأبداً ولا يخافون في الله لومة لائم بتاتاً وأبداً !!
وسأكتفي بوضع علامتي تعجب فقط مراعاة لضوابط الكتابة ومراعاة لضوابط وضع العلامات وفي الحقيقة ففي القلب أريد أن أضع الف علامة تعجب وإستنكار حول ما قد قلته حول وسائل الأعلام ...
ميلاد مجيد للأخوة المسيحيين ، وأدعو الله أن يحفظهم ويوفقهم لكل خير ومعروف ويهديهم الصراط المستقيم ويحميهم من كيد القتلة والمجرمين والإرهابيين ...
آمين رب العالمين



165
حينما يلبس الزور لباس التقوى

حيدر محمد الوائلي
haidar691982@gmail.com

يقول رادها كريشنان : (إذا إرتدى الزور لباس التقوى ستقع أكبر فاجعة في التاريخ)
وبعد ...
فبعد أن أشرقت من كربلاء ... شمس التضحية والعطاء ... لتنير عالم مليء بالقيح والدماء ... وتضيء شمعة بعد أن أطفأ القوم مشاعل الهداية والأباء ... ومن كربلاء لجميع الأنحاء ... وصل أنين الحسين وصوت آلامه وحسراته لجميع العالم ...
أن يا ناس لا تركنوا وتتملقوا للظالمين والفاسدين من علماء ومفتين وسياسيين وحاكمين ومدراء ومسؤولين وأن ترفضوا الظلم والظالمين والذلة والهوان من حكام وملوك وامراء ورؤساء ووزراء فتمسكم جميعاً النار والله يقول :
(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنصرون) هود/113
لذلك فضح الحسين من يلبس لباس التقوى زوراً لأن خطر المنافق أشد من خطر الكافر ...
يقول تعالى :
(وَعَدَ الله المنافقين والمنافقات والكفّار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولَعَنَهم الله ولهم عذابٌ مقيم) التوبة/68
وقوله سبحانه :
(إن المنافقين في الدَّرْك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) النساء/145  وفي وصفه يقول سبحانه :
(إن المنافقين يخادعون اللهو وهو خادعهم وإذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) النساء/142 - 143 .
نعم ... ان المنافقون هم من أشد الناس اذىً وتدميراً وفساداً في كل عصر وزمان وفي كل جيل وفي كل بلد ... فمن هو المنافق :
المنافق :  هو من يُظهِر خيراً ويكتم الشر في داخله ، أي إن له شخصيتان : الاولى ظاهرية يتعامل بها مع الناس ، وأُخرى باطنية ، له ولنفسه ولمعتقداته الخاصه ولنظرياته التي يتّبعها ...
واما لماذا يُظهر ظاهراً مزيفا فهو من أجل التصنع والبقاء ولتدمير اكثر وهدم اقوى وهذا يقيه من كلام اوأهانه او ضرر من قِبَل من هم مؤمنون بحقيقة وعقيدة صحيحة هو أراد تدميرها .
لذلك نرى البعض اليوم ممن يتكلم بأسم السنة وهم في الحقيقة ................. بل لا يؤمنوا بما يؤمن بها الأخوة الأعزاء من أهل السنة والشيعة .
المنافقون هم من ناصروا عيسى (ع) في البداية وآذوه في النهاية !!
المنافقون هم من ناصروا محمداً (ص) واعدوا له العدة لاحقاً لقتل منهجه ولتدمير دعوته !!
المنافقون هم حملة القران على الرماح في وجه علي (ع) يوم صفين والجمل والنهروان ، وهم يعلمون أنه خليفة المسلمين وامام مفترض مفترض الطاعة ...
المنافقون هم من ناصروا الحسين (ع) وكتبوا له بالبيعه ولما وصل لكربلاء قال قائلهم : (أن قلوب الناس معك وسيوفهم عليك) !!
المنافقون من جعلوا من الدين سلعة تباع وتشترى !!
المنافقون من جعلوا من الدين رخيصاً وسهلاً شراؤه وبأبخس الرشاوى والنقود !!
المنافقون من يرتدون زي الدين وهم جهلة وهمج ورعاع وسائرين بشهوات انفسهم .. وجهل عقولهم !!
المنافقون من يرون ما يحصل من مفاسد وضرر في الناس ولا يكترثون ولا يُحرّكون ساكناً بل يزيدون الطين بلة !!

من حسرة أن تكون الأمة يقودها الجهلة الحاسبين الحكم ملكاً لهم يبذرون مبادئ محمد وصرخة الله على الراقصات العاريات في مجالس السكر والعربدة ... ومن هوان الدنيا وسخرية الأقدار أن يخلف نهج رسول الله منذ ذلك الزمان والى الان !! من لم يعرف من الله لا حكماً ولا علماً ولا فهماً ...
ومن هوان الدنيا أي يتصدى للفتوى والشريعة الناعقين مع كل ناعق ، الحاقدين الكارهين الميّالين مع كل ريح ... وأن يسمى الجاهل الحاقد المنافق عالماً بل ومفتياً فيا لله وللفتوى ... !!
وأن يخدم بيت الله من ليس له معرفة بالله إلا بحروف أبجدية يلهجها الأمي قبل المتعلم الأبتدائي ... وأن يحكم العقول النيرة واولي الألباب من ذوي العلم والفهم يحكمهم الجهلة الوارثين الحكم لا لميزة ولا لحكمة ولا لغرض البرستيج بل أخذوه عنوة وغصب وتحكم وهم ليس لهم عهداً بعلم ولا بفهم ولا بحكمة ...
من هوان الدنيا أن نراكم تحكمون بينما الخيرة من الناس أقعدتموهم وعطلتموهم قهراً وغصباً ، وتحكمون الشعوب بالحديد والنار لا بالمصير والقرار ... 
من آهات وآهات لجمرات في حشاشة القلب التي أرادت وتريد وستبقى تريد للأمة أن تنهض بحالها لخير حالها ويا حسرة على العباد فما يأتيهم من نذير إلا كانوا به يستهزئون ...
ولكن مع الحسين وال رسول الله ومن ناصرهم اليوم فما كانوا به يستهزئون فحسب بل كانوا لهم قاتلين ومن ثم بقتلهم يستهزئون ...
صرخة الدم والفداء من كربلاء أرادت أن تطعم العقول مبادئ الثورة والحكمة وحسن المعاملة بعد أن ملأها القوم جوراً وظلماً وأشبعوا بطوناً من خراب الدنيا وشهوات الليالي الحمراء ... فقد سلبهم الحسين شهوتهم وسطوة حكمهم وتسلطهم وظلمهم فأعدوها حرباً عليه وثأراً لبدرٍ وأحد وخيبر ...
لم يهنئوا بعده لا بمال ولا بشراب ولا بليالٍ حمراء ولا صفراء ولا راحة ولا سكينة  ... ولم يهنئ اليوم كل من أنتهج نهج الظالمين والفاسدين فتراهم يضحكون ثم تصيبهم الكآبة والحزن ... وعند النوم يستيقظ ليجد نفسه لا شيء ...
صفراً في معادلة الحق والعقل والحكمة حتى لو ملك الدنيا وما فيها من مال وحكم وسلطة وشهوة ...
والصفر لا شيء ... وعارٌ عليك أن تكون لا شيء في هذي الحياة ... وهل بعد حياتك هذي سوى حياة الحساب والعتاب والعقاب على ما اقترفته في حياتك الدنيا وهل فكرت بجواب الأسئلة ... وهل فكرت بنتيجة الأمتحان وهي الصفر ...
والصفر لا يساوي شيئاً ... والمضروب بالصفر يساوي صفراً ...  والمقسوم على الصفر يساوي نفسه ... والمضاف على الصفر لا يزيد منه شيئاً ... والمطروح من الصفر باقٍ نفسه ...
ولذلك ينزعج الأصفار اليوم من أسم الحسين وممن يبكيه لينصره وممن يحزن عليه كي يناصره وممن يصرخ بأسمه ...
ينزعجون من ذكر اسم الحسين لأن أسمه ثورة ...   
والثورة تغيير وإصلاح وصلاح ... والكثير يخافون من التغيير ، لأنهم ألفوا آبائهم عليها عاكفين !!
ولأن البعض سيكون ضحية هذا التغيير الذي سيطالهم لو نورت العقول وسمحوا للنور أن يتوغل في ألأذهان المظلمة لا جهلاً بل تعتيماً على الحقيقة ، والحقيقة مرة ، وأكثرهم للحق كارهون ...
لماذا لا يتم فضح فساد السياسات والحكومات والمخططات الصهيونية في العالم ؟!!
الجواب : أن علماء ومفتين أقنعوا قومهم أن الخروج على الحاكم ولو كان ظالماً وفاسداً فهو حرام فهو ولي الأمرّ !! ، بينما ينشغل القوم قتلاً وتجريحاً وتقريعاً بعضاً ببعضِ ...
ويسمون أنفسهم سنة وهم ليسوا بسنة ولا مالكية ولا شافعية ولا حنفية ولا حنبلية بل هم قوم لديهم إعتقاد وفكر لا يفصحون به ولا يقولون به لأنهم أصفاراً ............ والصفر لا يساوي شيئاً !!
لا بأس بالنقاش والجدال ولكن فليحترم ويقدر بعضنا بعضاً فعلى الأقل أن نكون مؤدبين والرسول الأكرم قد بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق ...
يقول الكاتب الفرنسي الكبير فكتور هوجو : (مهما فعل أولئك الذين يحكمون عندهم بالعنف و عند غيرهم بالإرهاب ... مهما فعل أولئك الذين يعتقدون أنهم سادة الشعوب و ما هم في الحقيقة سوى إرهابيون لدى الضمير البشري ... فالإنسان الذي يكافح من أجل العدالة و الحق يجد دائماً السبيل  إلى أداء واجبه كاملا غير منقوص ... إن قوى الشر الأعظم في العالم ، لم تتمكن في النهاية سوى من تبديد جهودها أدراج الرياح ...
إن الفكرة تنجو دوماً ممن يريد خنقها، بحيث تصبح غير مرئية لأعدائها ، فهي تتحول من شكل لآخر، والشعلة تظل تشع إذا أطفأناها ، أوغطيناها بالظلمات !!! فالشعلة تصبح صوتا، و لا يمكن فرض الليل البهيم على الكلمة . فلو أغلقنا فم المتكلم سرعان ما تتحول الكلمة  إلى نور و لا يمكن حجب النور)


166
تعمد إخفاء ذكرى عاشوراء الحسين في الأعلام العربي

حيدر محمد الوائلي
haidar691982@gmail.com

كل هفوة وخطوة وندوة وسطوة تحصل في العراق تبثها القنوات الأعلامية البارزة والعربية خصوصاً ولا يبقون شيئاً إلا ويذكروه ويحللوه ويفصلوه ويثبوا سمومهم فيها طبعاً أثناء الخبر والتحليل والتقرير فكلٍ يعمل على شاكلته وعلى الجهة التي تدفع أكثر ...
قناة العربية السعودية التابعة لأحد امراء العائلة الحاكمة ... وقناة الجزيرة القطرية التابعة لأحد أمراء العائلة الحاكمة ... وقناة الأم بي سي (mbc) السعودية التابعة لأحد امراء العائلة الحاكمة ...
وقنوات عراقية فضائية محلية في بعض المحافظات ...
والقنوات المصرية التابعة للجمهورية المصرية كقنوات النيل والقاهرة وغيرها ...
والقنوات الامارتية كأبو ظبي ودبي والشارجة وغيرها ...
والقنوات الكويتية الاخبارية كالرأي والكويت الاولى وغيرها ...
وقنوات التقارير كقناة ناشينال جيوغارفيك ابو ظبي (national geographic ABUDHABI) والجزيرة الوثائقية ... التي بخلت حتى بتقرير وثائقي حول الواقعة أو عادات الشعوب حولها ...
وقنوات اخرى عربية تابعة للدولة ولأشخاص وسياسات ممولين لها ... إشتركوا بشيء واحد قبل أيام وهو التغطية على تغطية ذكرى عاشوراء الحسين (ع) إعلامياً وتعمد إخفاء وطمس الذكرى وعدم التلميح لها أصلاً ...
في يوم العاشر من المحرم قد وصل عدد الوافدين الزائرين لمرقدي الحسين والعباس (ع) في كربلاء أكثر من ثلاثة ملايين وخمسمائة الف زائر (3.500.000) منهم مائة وخمسين الف أجنبي (150.000) من خمس وعشرين (25) دولة عربية واجنبية ...
مراسيم امتدت من اولى ساعات الفجر من يوم العاشر من المحرم ولغاية حوالي الساعة الرابعة مساءاً ، لم يتم نقلها ولا ذكرها ولا حتى التلميح لها بالسبتايتل الأخباري ...
بينما يذكرون حتى الهفوة الصغيرة لما يحلو لهم من شيء حصل في العراق ...
قنوات تغطي كل تصريح وحدث ولو بسيط ... ولكن لشعائر مليونية في مختلف البلدان لم يتم ذكرها ولا نقلها ولا حتى بدقائق في نشرة الأخبار ...
بينما ذات القنوات تنقل وتغطي لساعات مراسيم تنصيب بابا الفاتيكان بينيديكت ، وكلام للدالاي لاما زعيم البوذيين وطقوس وشعائر دينية لدول لا تمس لواقعنا بصلة ... ولكن مع شعائر حسينية لا والف لا ...
فهي خط أحمر حتى للإعلامي الحر الذي لا يتسنى له كسر سياسة القنوات ...
وما أداراك ما سياسة القناة ..؟!!
أنا لا أقول هنا بأن هذه الشعائر تمثل الأسلام أو لا فهو ليس موضوع مقالتي ... ولا أقول أن جميع المسلمين يطبقون تلك الشعائر ... ولا أقول أن جميع المسلمين يؤمنون بقضية الأمام الحسين وشعائر عاشوراء ...
ولا أقول أن جميع تلك الشعائر صحيحة ... ومتى كان هنالك شيئاً جميعه صحيح وكله جميل ويتم نقله على هذا الأساس !!
ولكن هنالك عشرات الملايين خرجوا في يوم وحد في جميع قارات العالم لأحياء ذكرى قتيل سنة 61هـ أي إحياء ذكرى قتيل قُتِل قبل 1371 سنة ولازال ذكراه تثير الدمعة والحزن وتلهم الدروس والحكمة ...
ألا يستحق كل ذلك برنامج خاص لتغطيتها ، أم أن سوق الأسهم وتغطيتها كل رأس ساعة أهم !!
في تركيا تجمع عشرات الآلاف لأحياء ذكرى عاشوراء الحسين وحضر التجمع وألقى الرئيس الأيراني الأسبق علي أكبر ولايتي كلمة بالمناسبة كما القى كلمة كلٍ من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وئيس الوزراء عبد الله غول وقال معلومة مهمة وهي (أنه سيعيد النظر كلياً بطريقة صياغة المناهج التاريخية الأسلامية وسيتم تعديلها بعد أن تفاجئ بحقيقة الأمام الحسين (ع) ...)
وكذلك أحيت ذكرى عاشوراء الحسين الحزينة دول باكستان وافغانستان واذريجان وايران والعراق والكويت والبحرين والسعودية ولبنان وسوريا والاردن ومصر والهند والصين ودول آسيوية وافريقية وأوربية وفي امريكا وكندا واستراليا ...
وفي العراق ألقى رئيس الوزراء السيد نوري المالكي كلمة مهمة بالمناسبة الحزينة لمقتل ابي عبد الله الحسين ... ولم يتم نقلها أو التلميح لها ...
وكذلك ايران بمشاركة الرئيس الدكتور احمدي نجاد ...
طبعاً سيتم تغطية خبر تفجير حصل لتلك الشعائر وسيكونون السبّاقين بذكر أعداد القتلى ، وتهويل الحدث ، وترويع المشاهدين بصور دماء الضحايا وصور قتلاهم وسحابات الدخان ...
ولكن إن مرت الشعائر الحسينية المليونية من دون حادث إرهابي ، فسيتم إخفائها وعدم تغطيتها ... !!
كلها تم إخفائها وعدم تغطيتها عن عمد وقصد ... ولماذا ؟!!
ولا أعتقد أن صاحب الضمير وصاحب العقل الواعي والقلب السليم سيكون جواب (لماذا) صعباً عليه ... بينما سيتغابى ويتجاهل الحاقد المعاند ...   
طبعاً إسجل شكري هنا لقناة (الرسالة) الخليجية والتي بثت تقريراً وفلماً تسجيلياً من إعدادها بالمناسبة وقد شاهدته فشكراً لهم طبعاً كان المعد والمقدمين من الأخوة شيوخ السنة ... وانا أكره أن أقول سنة وشيعة ولكن جرت عليّ الدواهي التكلم بتلك المسميات فالعيون عبرى والقلوب حرى ...
بينما ألمح لتلك الشعائر قنوات ليس لها وصلاً بالمنطقة ولا بدينها كقنوات البي بي سي (bbc) البريطانية و السي ان ان (cnn) الأمريكية ...

فلا يتم تغطيتها على أساس أنها ثقافة شعوب ، ولا تنقل على الأقل كعادات وتقاليد مليونية ... كما ينقلون أخبار حول العالم من عادات هندوسية وبوذية ومهرجان الطماطة والبرتقال والثيران وغيرها من تقاليد وعادات الشعوب التي نراها من على قنواتكم ...
لم يغطوا الشعائر المليونية ، وركضة طويريج المارثونية التي دامت لأكثر من ثلاثة ساعات متواصلة ولكيلوات المترات شباباً وشيباً وأطفالاً ونساءاً ورجالاً يهرولون وهم يبكون تجاه مرقدي الحسين وأخيه العباس بكربلاء ...
ولكنهم يخشون هذه الشعائر لأن فيها إحياء للثورة وإحياء للثبات على الحق ... ونبكي عليه لأن في البكاء عليه إحياء ونهضة وخلود لذكرى العزة والكرامة والثبات على الأيمان ...
وهذا لا يعني أن كل من يحيي تلك الشعائر مؤمن ملتزم ...!!
ومتى كان الكل في الأمور قياس فالكمال لله سبحانه ...
أنا لا أريد التكلم بالمذهبية ، فأنا أكره ذلك النوع من الكلام ... وصدقوني وأقسم لكم أني رأيت مواكب أنشئها مسيحيين وصابئة فيها يجلس السنة والشيعة كلهم سواء يعزون بقتل حفيد رسول الله ...
أيييه يا وسائل الأعلام ويا حكام حكمت خيرة الناس بالفساد والظلام والجهل ...
ولعنت زماناً خصى العقل فيه تقود فحول العقول !!
ايييه يا وسائل اعلام محكومة بسياسات وتوجيهات دول عظمى وتوجيهات حكام فاسدين وشهوات من يحكم الناس بالحديد والنار والظلال والظلام ، فقد صرتم يا كتاب وإعلاميين عبيداً بعد أن خلقكم الله أحراراً ، وقد جرت عليّ الدواهي مخاطبتكم ... فالعيون عبرى والقلوب حرى ...
ألا يتساءلون لماذا يزداد هذا الخط الحسيني في كل عام ولم يوقفه ويؤخره لا حاكم ظالم حينما قتل وآذى وملأ السجون بأنصار الحسين ... فإذا بهم يزدادون في كل عام ...
ألا يتساءلون لماذا يزداد هذا الخط الحسيني في كل عام ولم يوقفه ويؤخره تفجيرات العبوات الناسفة والسيارات المفخخة والانتحاريين والدول التي تضيق وتحارب من يناصر ويظهر النصرة لمقتل سيد شباب أهل الجنة ... فإذا بهم يزدادون في كل عام ...
قتل من نوعان قتل تنفيذ وقتل باللسان والقلم ...
لماذا فسدوا ولم يعيروا أهمية للقران الذي قرأوه وتعلموه وقوله تعالى :(من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) !!

من قتل الحسين بالسيوف والألسن في السابق والحاضر ... لم يفعل ذلك جهلاً منهم بالحسين أو اشتبهت عليهم الأمور فهم يعرفون من هو الحسين ولذلك قتلوه ، لأنهم يعرفون من هو الحسين ...
عرفوه كما عرفوا أن ما بقي الإسلام ومبادئ الخير والعدالة إلا وزالت عروش الظالمين ...

تفجيرات في مناطق متفرقة تستهدف مواكب عزاء لشهادة أبي عبد الله الحسين (ع) ووسائل إعلام تغطيها ولكن تخفي نشر تلك الشعائر ولا تعير لها أدنى أهمية ... والسؤال هنا :
ما الخطر الذي يخاف منه هؤلاء وسياسييهم والدول العظمى التي تدعمهم وتمولهم وتناصرهم  فما الذي يخشوه ويخافوه من كثرة المد الحسيني وخط نصرة الحسين (ع) في العالم !!
ألا يتسائلون لماذا لا يفجر القوم الجيش الإسرائيلي الغاصب لفلسطين ولأجزاء من لبنان ومن سوريا والجيش الإسرائيلي الذي يذل ويقتل يومياً بالمسلمين والمسيحيين ... ؟!!
هم لا يفعلون ذلك لأنهم تم توجيههم سياسياً وتم صرف الأموال الباهظة لأجل حصرهم بهذا الاتجاه وغسل أدمغتهم وتوجيهها بهذا الاتجاه الطائفي لكي لا ينتبهوا لفساد الحكام والأمراء والملوك والرؤساء والسياسيين والدول العظمى في العالم التي تدعمهم بأموال السحت والربا والشبهات هم ومن ناصرهم ورضي عن عملهم وعنهم ...
الحسين ألهم الناس المعروف وحب الخير ...
الحسين نصير نهج الله وعدواً لكل فاسد ومرتشي ومستغل لحقوق عمّاله ومن ينشر الشهوات والخلاعة في الأفلام والأغاني والبرامج والشوارع وحياتنا اليومية ليسيل لعاب البعض لا لشهوة طعام بل لشهوة الحيوان ...
والحسين نصير لنهج الله ومن يساعد الفقراء ويسدد ما بذمته من حقوق لله من زكاة وخمس وصدقات ... والحسين نصير لنهج الله ومن يفضح الفاسد ولا يتملق له ولا يناصره على حساب من ليس له ناصراً إلا الله ... 
والحسين حرباً ضد كل من يسرق المال العام والحق العام والممتلكات العامة وأموال الشعب ويملأ بها بطنه وبطن عائلته بينما يجوع الفقراء ممن يدعون عليه بالويل والأنتقام في الليل والنهار ...
والحسين ثورة والثورة تغيير ، والبعض يخاف من التغيير لأن هذا البعض سيكون أول من يطرد بفضل هذا التغيير ...
والحسين ثورة ، والثورة صلا ح إجتماعي وها هو الحسين صارخاً بكربلاء :
(لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً ولكن خرجت لطلب الأصلاح في أمة جدي رسول الله)
نحن في عالم مظلم وظالم وأسود كالح ... تباح فيه الدماء وتنتهك فيه الحرمات وإطفئت فيه أنوار الهداية والعلم عن علم وقصد ، فنحتاج الى مصباح يضيء لنا دربنا ولسفينة لتنقذنا من موج الظلال العاتي وفيضانات الفساد وتسونامي الهيمنة العالمية الجديدة والحاكمين الناس بالحديد والنار ...
فبحثنا فتعبنا من سياسات ومن فتاوى ومن أنظمة عالمية ومن تقارير وأخبار وبحوث ونسينا حديث رسول الله (ص) في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه وأحمد بن حنبل في مسنده وأثبته الكثيرين من علماء مسلمين بقوله (ص) :
(الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)
نتخذه قدوة ، لقول رسول الله فيه كذلك فهو المصباح في عالمٍ مليء بالظلام والفتن ...
أراد يزيد أن يقتل مبادئ رسول الله في كربلاء بقتل الحسين فبث مقتل الحسين الروح في الأمة وأحيتها من جديد بعد أن زاغت العيون وتعطلت العقول عن التفكير ...
كل من ذكر عنده اسم الحسين وانزعج أو ضجر أو لم يرتح لذكره فأعلم أنه فاسد أو ظالم أو قاتل أو جاهل بحقه ...
فالحسين مصباح هدى وهم يكرهون أن يفضح نور المصباح ظلم وسواد لياليهم الفاسدة ...
يقول الكاتب الفرنسي الكبير فكتور هوجو :
(مهما فعل أولئك الذين يحكمون عندهم بالعنف و عند غيرهم بالإرهاب ...
مهما فعل أولئك الذين يعتقدون أنهم سادة الشعوب و ما هم في الحقيقة سوى إرهابيون لدى الضمير البشري ...
فالإنسان الذي يكافح من أجل العدالة و الحق يجد دائماً السبيل  إلى أداء واجبه كاملا غير منقوص ...
إن قوى الشر الأعظم في العالم، لم تتمكن في النهاية سوى من تبديد جهودها أدراج الرياح ...
إن الفكرة تنجو دوماً ممن يريد خنقها، بحيث تصبح غير مرئية لأعدائها، فهي تتحول من شكل لآخر، والشعلة تظل تشع إذا أطفأناها، أوغطيناها بالظلمات !!! فالشعلة تصبح صوتا، و لا يمكن فرض الليل البهيم على الكلمة. فلو أغلقنا فم المتكلم سرعان ما تتحول الكلمة  إلى نور و لا يمكن حجب النور)

صفحات: [1]