عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - سامان سوراني

صفحات: [1]
1
إقليم كوردستان و إرتداد الفكر الفدرالي في العراق
من المعلوم بأن الممارسات الفكرية تتغير مع الوسائط الجديدة، فلكل عصر تقنية و لكل تقنية أثرها علی الفكر.
فالتفكير في عصر السلطة الناعمة ببعدها الإفتراضي و مخيالها السِبراني، القائم علی التشكيلات الرقمية والتراكيب العددية اللامتناهية، ليس كالتفكير في عصر الكُتّاب و النَسخ والشفاهة.
فبتغير الثقافة تتغير العلاقة بالمعرفة و الإرتباط بالنصوص القديمة والموروث الجامد. وهذا التغيير يؤثر علی أنماط السياسة والسلطة والديمقراطية و يضع الهويات، التي تدعي براءة الإختراع في مجالات العلوم الغيبية و أفكار ماوراء الطبيعة موضع التساؤل و يفتح في الوقت نفسه فضاءات تبدو أقوی أو أولی من العقائد والإيديولوجيات، التي لا تستطيع أن تفتح علی تعدد الأمكنة والعوالم والإنتماءات.
التعامل مع الفكر الفدرالي و علی كيفية ممارسته هو رهن لقراءته الخصبة والفعالة، بعقل تواصلي تبادلي و بفكر تركيبي و بمنطق تحويلي توليدي يفسح المجال للمساهمة في تكوين المشهد والحضور علی المسرح الإنساني.
ما نلمسه اليوم في العراق من إرتداد في الفكر الفدرالي و تحسين في تدمير النبتة الديمقراطية اليانعة وتشويه صورة الفدرالية، تارة بإسم القومية و تارة بإسم المذهب أو الدين، شاهد صارخ علی النوايا الخفية عند البعض من الذين يتربعون اليوم بصفة الدولة العمیقة علی عرش السلطة في العراق ويريدون أن يكونوا صاحب القرار الأول والأخير في القضايا الجانبية والحساسة لممارسة النهب والإستمرار في أعمال الإرهاب و لإعادة ثقافة التجويع، غير مهتمين بالمهالك والأخطار والنتائج المدمرة.
هذه النوايا إن تطبق علی أرض الواقع لا تجلب معها سوی ولادة الفقر و التفاوت والإستبداد، بقدر ما تعزز النزاع والعنف والإختلاف الوحشي.
نرجسيتهم تدفعهم إلی ممارسة الأستذة علی إقليم كوردستان لتذكيره و تهديده، بأنه‌ من العسير عليه أن يخطوا خطوات نحو الإنفتاح و الديمقراطية والمجاهدة في سبيل التنمية والرقي علی جغرافيته السياسية و العمل علی توسيع رقعة المواطنة لدی حكومته من غير أن ينال العقاب بضربة تشریعیة قاسية و فرض الحصار علی ساكنيه و ذلك بعدم إرسال حصة الإقلیم من الموزانة وقطع رواتب موظفيه وإیقاف إرسال نفط كوردستان بححج واهية، لإعادة العلاقة السابقة التي كانت تطبق علی أساس الإستبعاد بعقلية الإصطفاء و أحادية القرار ومنطق المدافعة والمحافظة ونظرية التخوين المؤامرة لضرب الفكر الأخر والرأي المخالف، تاركاً إختلاف الألسن والطبائع والأفكار طي النسيان.
إنه التهوين والتهويل، الذي يجعلهم يعتقدون بأن "إنقاذ العراق" و خلاص العراقيين و نهضة شيعة العراق مرهونة بالعودة الی تجربة عراق ماقبل ٢٠٠٣ في المركزة والقيادة والإستخلاف و "التقدم والرفاه"، لتحقيق ما لم ينجح الطغاة والعسکر في تحقيقه طوال فترة حکمهم الفاشل.
إن المهتم بالشأن الكوردستاني يعلم بأن حكومة السيد مسرور بارزاني في إقلیم كوردستان تعمل بسياسة تركيبية تواصلية تتعاطی مع الأمور بديناميكية خلاقة و منهجية فعالة، لتحليل الواقع من أجل الإنخراط في صناعة الحاضر و المراهنة علی ما يمكن أن يحدث في المستقبل و تسعی في كسر الجمود و فتح المجال للتبديل والتغيير، مهتماً بالتحولات التي يشهدها العالم في الأفكار والوقائع، من نماذج الرؤية الی أنماط العيش، ومن سلم القيم الی منظومات التواصل.
رئیس حکومة الإقليم قام بدعم رئيس الوزراء الاتحادي و تمنی لە النجاح في مهامه، بهدف دفع العراق نحو الأطر المؤسساتية وحل المشاكل العالقة بين اربیل و بغداد وفقاً للدستور والقوانين و بغية إلتزام العراق الاتحادي بالقيم الإنسانية السامية و الدیمقراطية و النظر للإقلیم کشریك فعال، لکننا اليوم نری وللأسف في أكثر من حالة فشل العراق في السير نحو نظام دیمقراطي تعددي مؤمن بالفدرالية، لذا سوف يفعل السيد مسرور بارزاني ما بوسعە لحل القضايا بما يخدم مصلحة شعب إقليم كوردستان والعراق دون التنازل عن الحقوق الدستورية لشعب إقليم كوردستان و سوف يستمر كوردستان في تجربته الديمقراطية نحو أهدافە المرجوة.
ما نحتاجه هو كشف أوجه العجز والقصور في ما هو مستخدم أو مستهلك لتحديث أفكارنا و مفاهيمنا و ممارسة عقلانيتنا ومواقفنا التنويرية بصورة مثمرة و إيجابية لإقامة علاقات منتجة، فعالة وراهنة مع ذواتنا ومع فلسفة الشراكة الحقيقية والتعايش السلمي والواقع والعالم المعولم ونبذ تلغيم القضايا المنتجة للعجز والتخلف والإستبداد.
و لتعلم الدولة العميقة في العراق أنه في عصر الشعوب لا تقرأ لغة الإتهام والإستعداء ولا تنبني الدولة علی أساس التمييز والإصطفاء و لا يحتاج الإصلاح الی عقل مرکزي، تحكمي، طائفي، وإنما يحتاج الی عقل وسطي، تعددي، تداولي و لامجال لمصطلح الديكتاتور في قاموس هذا العصر.
وختاماَ: الدفاع عن الهويات والعناوين بالثوابت و القيم والمفاهيم المنتهية صلاحیتها أو بالطرق والأساليب المجربة في العراق، كما تمارسه أصحاب الدولة العميقة في بغداد بدعم من قوی اقلیمية معروفة هو سلاح مفلول، مآله خسارة ما ضحی من أجله العراقيين و ما أرادوا بناءه من دولة ديمقراطية تعددية فدرالي، لأن شعب كوردستان لاینتظر كثيراﹰولایترك زمام أموره بيد اللامنتمين للوطن.
الدکتور سامان سوراني
دکتوراه فلسفة، جامعة هایدلبرغ- المانيا


2
حكومة إقليم كوردستان والدبلوماسية العامة
بما أن الدبلوماسية العامة مجال حيوي وأساس متين لبناء العلاقات الدولية خلال القرن الـ21، تستخدم فیها أدوات عصرية مبنية علی التفاهم والتعاون بين الشعوب لتحقيق أهداف طويلة المدى، وتبادل المعرفة وتجارب الكفاح، وبناء الصور الذهنية الإيجابية للشعوب، فأنها تحفّز أفراد المجتمع لتحمل مسؤولية بناء علاقات دولتهم الخارجية بشكل غير رسمي بهدف إدارة حوار مع مواطنين في الدول الأجنبية عبر وسائل الإعلام والنشر عن طریق الإنترنت، لذا يطلق علیها دبلوماسية المواطن الغير رسمية والتي لاتهدف الی عقد اتفاقيات أو معاهدات.
هذه القوة الناعمة تبنی بالعلم والثقافة العالية، لذا تهتم حکومة إقلیم كوردستان أهتماماً كبيراً بهذا النوع من الدبلوماسية، فما سمعناه من رئیس الحکومة السيد مسرور بارزاني عندما القی بتاريخ ٣-١١-٢٠٢١ کلمته في مراسم حفل تخرج طلبة جامعة كوردستان – هولير في العاصمة أربيل، قائلاً بأن "علی الشباب أن یلعبوا دوراً ریادیاً في تحقيق الخطط الاستراتيجية وبرنامج عمل الحكومة لأنهم المحرك وأصحاب هذا البلد"، فبقدراتهم يمكن أن تصبح كوردستان مركزاً اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً للعراق والمنطقة، دلیل علی هذا الإهتمام بالدبلوماسية العامة لیستنی للجميع أن ينعموا بمستقبل أفضل. 
إن الاهتمام بالدبلوماسية العامة عل مستوى الجامعات والتخصصات أمر ضروري، لأنه بالدبلوماسية العامة يمکن تحسين صورة الحکومة ولاسيما في الخارج، فتوفير المعلومات للأفراد والمؤسسات العامة والخاصة والصحافة وغيرها من وسائل الاتصال والإعلام، التي تربط سياسات وأهداف وأنشطة الحكومات ببعضها، تؤثر بصورة إيجابية على المواقف العامة، وعلى تشكيل وتنفيذ السياسات الخارجية للدول. إنها يشمل أبعاد العلاقات الدولية خارج الدبلوماسية التقليدية وتوجيه الرأي العام في بلدان أخرى، والتفاعل من المجموعات الخاصة والمصالح لدولة ما في دولة أخرى وتعزيز عمليات الاتصال الفعال بين الثقافات. فهي دبلوماسية غير مركزية تتسم بالمرونة والمقدرة على التشكل بصور مختلفة. والدبلوماسية العامة الناجحة تقوم بالاتصالات في اتجاهين رئيسين، وهما حل النزاعات وتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الحكومة والجمهور.
وانتشار وسائل التواصل المختلفة خاصة و خاصة وسائل التواصل عبر الإنترنت وما إلى ذلك من مختلف الوسائل الحديثة ساعدت في زيادة العلاقات الاجتماعية وتناقل الثقافات المجتمعية. الدبلوماسية العامة الذكية تتطلب فهماً سليماً للمصداقية، والنقد الذاتي، ودور المجتمع المدني في توليد القوة الناعمة، وإذا ما هبطت الدبلوماسية العامة إلى مستوى الدعاية، فإنها لن تفشل في الإقناع فحسب، بل إنها قد تقوض القوة الناعمة أيضاً. 
حکومة الإقليم وبحکم تطبيق السياسة الحکیمة للقيادة الكوردستانية لم تدخل في متاهة سياسة ردة الفعل على كل ما واجهه ولم ينجر وراء سياسة المحاور، فالدبلوماسية الهادئة والدبلوماسية العامة أعطت الإقليم بعداً خاصاً في ترجمة القول إلى الفعل وإستقطاب دول الجوار، بعيداﹰ عن التوترات والخلافات السياسية، للوصول الى حلول للقضايا التي تهم السلام والأمن والاستقرار في الإقليم والمنطقة. 
الدبلوماسية العامة إذن وسيلة تجعل الإنسان قادراً أن يفکر بعقل تداولي ليتغير ويسهم في تغيير سواه علی نحو مثمرٍ وخلّاق. والتاريخ علمنا بأن الأفكار الخصبة والتجارب الفذة والنماذج الناجحة في مكان ما، تغدو ملك البشرية جمعاء، أياً كان مصدرها والتفاعل بين الحضارات منذ أقدم الأزمنة شاهد علی مانقول.
وختاماً: "إن هویتنا ليست مانتذكرە ونحافظ علیه أو ندافع عنه. إنها
بالأحری ما ننجزه و نحسن أداءه، أي ما نصنعه بأنفسنا وبالعالم، من خلال
علاقاتنا ومبادلاتنا مع الغير".
الدکتور سامان سوراني




3
أيقونة السياسة الألمانية آنجيلا ميركل تغادر منصبها بهدوء
اليوم ٢٦-٩-٢٠٢١ تغادر السيدة Angela Merkel، أو ما تسمی عند البعض بـ"المرأة الحديدية"، المولودة عام ١٩٥٤ في مدينة هامبورغ، التي حظيت بإهتمام سياسي بارز خلال أحداث العقود التاريخية الثلاثة الماضية والتي حکمت لمدة کمستشارة لألمانيا مايقارب ١٦ سنة علی رأس أكبر اقتصاد أوروبي منصبها بهدوء، تارکة بصمة مؤثرة في السياسة الداخلية و الخارجية للبلاد.
هذه المرأة الصعبة المراس و الكتومة علی نحو غير معتاد حاصلة علی شهادة الدكتوراه في الفيزياء و ستة عشرة دکتوراه فخرية من جامعات مشهورة في العالم امتازت بذكاء و دینامیكية وإنخرطت دوماً في صناعة الواقع و قامم بتواظب بخلق وقائع تخرق الحدود المرسومة والشروط الموضوعة و كسرت القوالب الجامدة والنماذج المستهلكة، التي تشل طاقة الفكر على ابتكار الحلول بصورة غير مسبوقة.
بدأت نجمة هذه السياسية الأهم في العالم تتصاعد عام ١٩٨٩بعد هدم جدار برلين الذي كان الحد الفاصل بين دولة المانيا المقسمة الی الشرقية الإشتراكية والغربية الرأسمالية وكان عمرها آنداك ٣٥ عاماً.
انضمت ميركل عام ١٩٨٩ لـ"حزب نهضة الديمقراطية" بالألمانيةDemokratischer Aufbruch  وبعد أول انتخابات حرة جرت في المانیا الشرقية أصبحت هي المتحدثة باسم الحكومة المنتخبة تحت رئاسة لوثر دي ميزيير.
أما بعد الوحدة الألمانية فانضمت ميركل بسرعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي يشدد في مقدمة قانونه الأساسي على أنه حزب ديمقراطي ليبرالي ومحافظ يلتزم بقيم عصر التنوير الأوروبي والذي ترأسها منذ عام ٢٠٠٠ لتصبح بعد ذلك أول سيدة و بروتستانتیة ترأس حزب مٶسس عام ١٩٤٥ من الكاثوليك بهدف تجميع قواهم المسيحية الخارجة من أتون الحرب العالمية الثانية في كیان واحد، الحزب الذي طالما اشتهر بكونه عالماً للذكور و للعلم أشغلت ميركل منذ عام ٢٠٠٥ الی هذا اليوم منصب المستشارة في بلاد الشعراء الفلاسفة أمثال "يوهان فولفغانغ فون غوته" (١٧٤٩-١٨٣٢) و "يوهان كريستوف فريدريش فون شيلر"  (١٧٥٩-١٨٠٥).
خلال 16 عاماً من عملها كمستشارة لألمانيا ساهمت ميرکل في تنامي الدور الألماني في العالم و واجهت تحديات عالمية كبيرة وهي القائلة بأنه "لا يمكن اعتبار أي شيء بديهياً. حرياتنا الفردية ليست أمراً بديهياً ولا يمكن اعتبار الديمقراطية أمراً بديهياً ولا السلام ولا الازدهار".
حققت ميرکل أشياء عظيمة و کانت تعلم بأن المانيا لها مصالح عالمية، من جهة، لكن المانيا أصغر من أن تحقق الأشياء بمفردها، ومن جهة أخری فإنه ونظراً لحجمها ودورها في أوروبا، فإنه محكوم عليها بتولى دور القيادة. وقد کانت میرکل دائماً معنية بالحفاظ على الموجود بالدرجة الأولى.
اللحظات العظيمة لميركل جاءت بشكل أساسي خلال مواقف الأزمات التي مرت بها المانيا والعالم، وكان هناك عدد كبير منها في فترة مستشاريتها الطويلة. لم تكن أبداً متحدثة تثير الحماس. لكن خلال الأزمات، ظهر لدى ميركل "مزيجاً من البراغماتية والحزم وقوة الشخصية".
على مدى أربع ولايات ترأست فيها ميرکل حكومات ائتلافية رائدة، دافعت من خلالها عن الاعتدال وعن رؤية عالمية  مبنية علی التعاون لا المواجهة، لكنها تعرضت لهجوم من القوميين في جميع أنحاء العالم. لقد أعطی وجود ميركل في المنصب مدة طويلة استقرارا لألمانيا ولأوروبا في الوقت ذاته، وقد شهدت تلك الفترة أزماتٍ اقتصادية في دول الجنوب الأوروبي، والخروج البريطاني من الاتحاد، لکنها مارست قيادة هادئة ومتعقلة، وراكدة أحياناً، بالحفاظ على ما تحقق، ومحاولة تعزيزه وترسيخه أطول فترة ممكنة.
ختاما تقول آنجیلا میرکل: "نحتاج إلى الصمت لنتمكن التحدث بذكاء، ففي مواجهة الحائط بالرأس سوف يکون الحائط دوماً هو الفائز. فالديمقراطية ليست دائمًا مسألة اتخاذ قرارات منعزلة؛ إنها عادة مسألة تكوين رأي بمشارکة الآخرين".
نتمنی لمنطقة الشرق الأوسط التي تعیش منذ عقود الحروب المزمنة واللاإستقرار الكثير من السياسيين ورؤساء للحكومات أمثال آنجيلا ميركل و نأمل لهذه المرأة الحديدية دوام الصحة والعافية في حياة بعيدة عن السياسة و صخبها.
الدکتور سامان سوراني

 



 

4
أبعاد زیارة رئیس اقلیم كوردستان الی فرنسا
في إقليم كوردستان هناك حقيقة لا يختلف عليه اثنان وهي أن السيد نیجيرفان بارزاني شخصية سياسية ودبلوماسية بالمعنی العصري من طراز رفيع، يتعامل مع الهم الكوردستاني بالعقل والحکمة وهوعنصر هادیء، باسم، إيجابي، ودود، ساهم بشکل فعال في کسر الطوق الإقليمي على شعب إقليم كوردستان بهدف خنقه وإجباره علی إلغاء نتائج الإستفتاء من أجل الإستقلال، الذي أجري في ٢٥ أیلول ٢٠١٧ وقد أستطاع هو بحکم فطنته السیاسیة الخروج من تلك الأزمة، التي خلقها القوی الإقلیمیة، بأقل خسارة.
لقد لعب السيد نیجيرفان بارزاني کرئیساً للحکومة دوراً أساسياً في بناء وتعزيز قدرات المؤسسات الرسمية في الإقليم وهو الداعي دوماً إلى الحوار البناء والمثمر مع حکومة بغداد في إطار الدستور العراقي لتخفيف حدة التوتر المفتعل من قبل أطراف شيعية متحزبة لجهات خارجية، لاترید أن تری العراق وشعبه يعيشان في إستقرار و رفاهية و إزدهار. 
لفرنسا علاقات تاريخية مع حکومة و شعب إقلیم كوردستان، حيث كانت باريس من الدول الداعمة للشعب الکوردستاني في الكثير من المحطات والمراحل الصعبة، خاصة  خلال فترة الانتفاضة الربيعية عام ١٩٩١ ضد نظام صدام و دعم منطقة الحظر الجوي على كوردستان و تحرير العراق عام ٢٠٠٣. 
السياسة الخارجية الناجحة لرئیس إقليم کوردستان هي مصدر مهم لاكتساب تأييد ومساندة المواطنين في الإقلیم، وفي الوقت نفسه یمکن إستغلالها من أجل التنمية ورفع هيبة الإقلیم ومكانته في المجتمع الدولي.
وهو الذي يؤکد دوما في لقاءاته و خطبه علی تسليط الضوء علی الإمکانية الواقعية للشراكة الحقيقية في العراق وانعكاساتها على الاستقرار والسلام والتنمية بعيدا عن  سياسات القمع والإقصاء والتهميش، بغية تطور الحقوق‏ والحريات التي يمكن لها توسيع وزيادة المضامين القيمية للمواطنة‏.
رئیس جمهورية فرنسا يتعامل اليوم مع رئیس إقلیم كوردستان کالصديق المقرّب، فالزيارة الأخيرة لرئیس الاقلیم نیجيرفان بارزاني الی قصر الإليزيه بباريس کانت بدعوة شخصية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حیث تم البحث حول سبل تنمية علاقات إقليم كردستان مع فرنسا والأوضاع في العراق والإقليم والمنطقة بصورة عامة ووباء كوفيد 19 وتداعياته، ومخاطر الإرهاب ومهام التحالف الدولي، فضلاً عن أهمية تعاون ومشاركة جميع الأطراف في مواجهة داعش، إضافة إلى جانب مجموعة مسائل أخرى مثل ملف غرب كوردستان التي تحظى باهتمام الجانبين.
زيارة رئیس الإقلیم الی فرنسا لها أبعاد سياسية وأمنية بامتياز، لکن لایمکن تجاهل البعد التاريخي و كذلك البعد الإقتصادي والتجاري للزيارة. ففرنسا تدرك مدی أهمية و دور إقلیم كوردستان اليوم في تعزيز المصالحة والإستقرار في العراق و المنطقة.
إذن المنطقة والعراق بالذات، کما أكد علیه الرئیسان خلال لقاءهما، بحاجة ماسة الی إعادة الاستقرار السياسي والامني.
حکومة إقلیم كوردستان أثبتت للرأي العام العراقي والدولي من خلال جهودها المستمرة في الحوار و التفاوض في سبيل الوصول الی حل دائم مبني علی الدستور مع حکومة بغداد في جميع القضايا العالقة بینهما، بأنها لیست سبب ولادة الجمود والتراجع أو إضمحلال مشروع العراق الإتحادي الفدرالي، فبفضل قيادتها الحکيمة تعتبر الإرادة في التعاون، حتی مع الدول الأخرى الجوار، من ضروريات المرحلة، بشرط أن يصب هذا التعاون وهذا العمل المشترك في مصلحة الجميع، لحفظ کرامة الشعب و صون سيادة البلد.
ختاما نقول: "هناك شيئين يفعلهما العظماء دائماً، وهو أنهم يُقررون ما يُريدون ثمّ يفعلوا ما يرُيدون، لأنهم يُدركون أهمية حياتهم على كوكب الأرض وأنّ لديهم رسالة خالدة لإسعاد أنفسهم والبشرية كلّها."
الدکتور سامان سوراني


5
سلاح الميليشيات لا تصنع القوة فالسلام هو الحل
بالأمس نفذت جماعة مسلحة مختلفة نوعا ما عن بقية الجسد السياسي المطروح في مضمار الفعل السياسي العراقي  تطلق على نفسها “ربع الله” انتشاراً مسلحاً في عدد من مناطق بغداد بعد أن قام أحد عناصرها الملثمة بقراءة مجموعة نقاط تهديد ضد الحكومة  الفدرالية و حكومة إقليم كوردستان، وهي نفس الجماعة التي قامت باقتحام مقر الفرع الخامس  للحزب الديمقراطي الكوردستاني في (17 تشرين أول 2020) وأضرم النار فیه .
في الماضي شاركت هذه العناصر تحت مسميات أخری في ضرب الحراكات الشعبية العراقية الرافضة للوضع المأساوي في العراق، فهي متورطة في عمليات قنص المحتجين أو اغتيالهم أو خطف الناشطين المدنيين وتغييبهم.
هؤلاء وللأسف هم نتاج المشروع الإسلامي الذي يستمد منه الدور الإقليمي مشروعيته، رغم فشل برنامجه بعد تطبيقه في داخل الدولة التي صنعته أو في خارجها. هذا المشروع أعاد إنتاج التخلف والفساد والاستبداد و قام بتحويل المنطقة الی مصنع للإرهاب وذلك لخلق حالة من التمزق والاضطراب داخل المجتمعات الإسلامية و إشعال الفتن المذهبية والأهلية وتوليد المزيد من النزف والقتل والتشريد والدمار والفقر والفساد في كل من العراق و سوريا ولبنان واليمن.
إن الهدف الرئيسي لهذه الجماعة المسلحة هو تحويل العراق الی نظام ديني شمولي يهيمن علی مختلف مناحي الحياة المعاصرة بفقه العصور السالفة، بعد أن قامت باستجماع مساویء مشاريع الجماعات الإرهابية السابقة.
من الواضح أن القوة لا تصنعها اليوم فقط الأسلحة والجيوش والصواريخ والترسانة النووية، أو إرادة الهيمنة والغطرسة، بل يصنعها بالدرجة الأولى القادرون علی خلق ما تحتاج اليه مشاريع النهوض والإصلاح والتحديث والتنمية والسلم من اجتراح المعادلات والصيغ والأطر والشبكات والأسواق والأدوات، وأنه لامجال لبناء حياة أو صناعة مستقبل بأدوات قديمة من الدعوات والنماذج والتقاليد أو الأحكام المستهلكة أو البائدة أو المستحيلة وبممارسة الوصاية الدينية علی شؤون الشعوب الآمنة.
التجارب المريرة والأزمات المتلاحقة شهدت بأن القوة والهيمنة والاحتكار والصدام والغزو لم يعد يجلب أمنا أو يصنع سلاما أو يصون هوية.
إن دق إسفين العداء بين حکومة الإقلیم والحکومة الفدرالية بأجندات سياسية أو إنتخابية وتوظيف العناصر المتسببة لزعزعة التعايش السلمي بهدف التفکك والانحلال المجتمعي لايکتب له النجاح.
حکومة اقليم كوردستان تدعم السلم والأمان في العراق و تسعی جاهدا في سبيل ضمان الحفاظ على التعايش السلمي المجتمعي.
القيادة الكوردستانية الحکيمة المؤمنة بالشراکة الحقيقية تؤکد بإستمرار علی تعضيد أواصر الشراكة والعمل السياسي المشترك وتعزيز مرتكزات بناء دولة المواطنة ومنع تغليب ثقافة القوة و سياسة تکميم الأفواه، التي تجسدها الميليشيات الولائية المسلحة على الحوار، لکي لا تولد دولة موازية أو سلاح موازٍ و ميليشيات خارجة عن القانون.
علی حکومة السيد مصطفی الكاظمي العمل الجاد من أجل إيقاف تصاعد نفوذ هذه الجماعات المتشددة وبروز هذه الظاهرة المقيتة، التي تريد نشر الرعب والخوف والهلع بين صفوف العراقيين والتعدي على حرياتهم الشخصية، بحجة تطبيق الشريعة والقانون. أفعالها هذه تقود العراق بالتأكيد الی المزيد من الدمار والهلاك. 
وختاما نقول، لاننسی بأن المشروع الاسلامي و ظاهرة سلاح اللادولة في العراق أدت في السابق الی صراعات طاحنة، منها حروب الجوامع والمراقد و تمزيق أجساد الأبرياء وتفجير مقرات مدنية، علیه أن نعرف بأن الطريق الوحيد للعيش بسلام هو فهم الآخر المختلف و اعتماد لغة الحوار والتسامح في ما يخص الهويات الثقافية والخصوصيات المجتمعية و الابتعاد عن الطائفية التي ستقود العراق الی المزيد من الدمار والعنف. 
فالحلول يجب أن تجري بلغة المفاوضة والتسوية، من غير احتکار أو مصادرة ومن غير وکالة حصرية أو أحادية.
الدکتور سامان سوراني


6
الرئيس مسعود بارزاني يقطف ثمار سياساته في السلام والتعايش
بالأمس عندما زار بابا الفاتيكان فرنسيس إقليم كوردستان وأدی القداس في ملعب فرانسوا حريري وسط العاصمة أربيل كنشاط ديني مع أكثر من عشرة آلاف مواطن أثبت للعالم بأن إقليم كوردستان هو الملاذ الآمن للمسيحيين والإيزيديين والمسلمين واليهود وهو الحضن الدافیء لكل المكونات القومية والدينية.
لقد حظي البابا في هذه الزيارة التاريخية باستقبال جماهيري ورسمي كبير، اذ استقبله باني قيم و أسس التعايش السلمي في الإقليم، الرئیس الزعيم مسعود بارزاني و معه رئیسي الإقليم والحکومة الإقليم كل من السيدان نيچيرڤان بارزاني و مسرور بارزاني بحفاوة بالغة وكذلك كبار مسؤولين آخرين في المطار ومن ثم آلاف الناس في شوارع المحافظة.
هكذا وصلت رسالة الرئيس مسعود بارزاني الی العالم، بأن التعايش هو ضربٌ من التعاون القائم على أساس الثقة والاحترام وأن الحوار هو أحد المعطيات الأساسيّة للوجود الإنسانيب وأن المساهمة في إبتكار صيغ حضارية، لإدارة الحياة المشترکة، بصورة سلمية، مدنية، ديمقراطية، منتجة، سواء علی مستوی الإقليم أو علی مستوی العراق هي مهمة إنسانية وهدف إنساني نبيل، کالمشاركة في صناعة الحضارة وتدبر المصائر علی المستوی العالمي.
قداسة البابا فرنسيس تمکّن من خلال هذه الزيارة المهمة أن يشاهد بنفسه جهود القيادة الكوردستانية في كسر وحدانية الذات في المجتمع الكوردستاني علی نحو نموذجي فتح للفرد الكوردستاني إمكانية قبول الآخر بوصفه مختلف عنه بالدين والمذهب ولكنه مساوﹴ له‌ في الحقوق والكرامة والهوية.
لقد تعامل الرئيس مسعود بارزاني مع المواثيق الدولية، تلك التي تعكس عالمية القيم و خصوصية الثقافة والعقائد الإيمانية والتطور والرقي و وحدة الضمير الإنساني، التي ترفع من شأن قبول الحوار الخارج عن الاحتفال البروتوكولي والمبني علی قضايا أساسية ومحاور حاكمة، كدستور يملأ فضاءات التعايش والحوار و العقلانية.
کل هذا أدی بالنتيجة الی ترسيخ قيم المواطنة الفاعلة و معالجة المتناقضات السلبية و الخلافات الدينية والمذهبية بين المكونات والكيانات المختلف في الإقليم.
لايمكن العيش في هذا العالم المتعولم دون الإيمان بالتعددية أو دون الإيمان بالحريات الدينية و حقوق المرأة والأقليات، فالترويچ لثقافة السياسات المتهافتة واليقينيات المطلقة ولّی عهده، والإيمان بالدولة الشمولية، التي تنوي الهيمنة علی المقدّرات و إحصاء الأنفس وإخضاع البشر بالقوة العارية من أجل تجنيد المواطن و تسخيره لدعوات مستحيلة أو عقائد مدمرة تحوّل الوعود بالفردوس أعراساً للدم يستحيل أن يدوم، خاصة في زمن الثورة الرقمية والإنسان الرقمي الذي ولد خلال طفرة التكنولوجيا.
هنا نقول لأصحاب السلطة في العراق الفدرالي: بدون إستبعاد النصوص والأحکام التي تتعامل مع الإيزدیین والمسیحیین الكاثوليك منهم و الأرثودوكس والصابئة المندائیة والیهود، کمشرکین أو ضالین وبدون إطلاق حریة الإعتقاد بإلغاء قاعدة الارتداد لایمکن مواجهة الذات ومکافحة ممارسة التشبیح أو الشعوذة ونشر الفتن ولایمکن صناعة مجتمع مدني تتعدد فیه الثقافات والإعتقادات، التي تمحي التحجر الإجتماعي والسکون الثقافي. فمن يريد أن يخرج العراق من المأزق فعليە العمل علی التمرس بإستراتیجیة فکریة جدیدة من مفرداتها :  الإعتراف المتبادل، لغة التسویة، عقلیة الشراکة، البعد المتعدد، ثقافة التهجین والعقلانیة المرکبة. فمن لا يعترف بما يقع تهمشه الوقائع ومن لا يقوم بتشخيص الواقع لا يقاومه ومن لا يستخدم لغة مفهومية جديدة لا يساهم بشكل إيجابي في تغييره.
وختاماﹰ نقول: الاحترام والإصغاء وقبول الاختلاف والإنتقال من الموقف الإقصائي (تكفير) Exclusif  إلى الموقف العلائقي  Relationel  أو الحواري، کما يؤکده الرئیس مسعود بارزاني دوماﹰ، هو الحل.
الدکتور سامان سوراني

7
سلاح الدولة الموازية لايستطیع كسر إرادة شعب كوردستان في البناء
 
بالأمس أعلنت مجموعة إرهابية تطلق على نفسها "سرايا أولياء الدم"، مسؤوليتها عن الهجوم الصاروخي الذي استهدف مطار أربيل السلام، مما أسفر، بحسب إعلان لاناطق بأسم القوات الأمريكية عن مقتل متعاقد مدني أمريكي وجرح ستة آخرين، بضمنهم جندي أمريكي. وهي نفس المجموعة التي طفت على السطح في الأشهر الأخيرة، يربطها المراقبون بكتائب حزب الله العراقية الموالية لإيران والتي تبنت هجمات سابقة في بغداد وبعض المحافظات، إستهدفت أرتال منسحبة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ماهي الرسالة التي يريدون توجيهها من خلال هذه العملیة اللاإنسانیة؟ الهدف من هذه الهجمات الميليشياوية المدفوعة  بعقلیة الثأر والإنتقام هو إذلال الحکومة العراقية وإرسال رسائل سياسية أجنبية بصواريخ الجبن المأجورة ونقل الفوضی والإرهاب الی مدن إقليم كوردستان الآمنة و إلحاق الأضرار بالمواطنين والمدنيين و محاولةنيائسة لزعزعة أمن واستقرار المدينة لإثبات عجز السلطات في بغداد عن حسم ملف السلاح الموازي، علی أساس أن هذه الميليشيات هي من تتحکم في المشهد الأمني العراقي و الكوردستاني، بحيث لن يسلم أحد من صواريخها.
لكنهم يجهلون الحقيقة، بأنهم لا يستطيعون تفكيك وحدة الصف الكوردستاني وإفشال طموحاتە في الإستقلال والعيش في الحرية، فشعب كوردستان أثبت للمنطقة والعالم بأنە قادر وحده بالدفاع عن أرضه ومقداسته وحماية الأمن والإستقرار والتعايش السلمي و أن الحكومة الكوردستانية بقواتها الدفاعية والهجومية سوف تستمر مع حلفائها وأصدقائها في الحرب علی الإرهاب أينما وجد، و أنها سوف تقوم بتنظیف المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم من الميليشات الخارجة عن القانون لإنهاء خطرهم بغية إعادة الأمن والإستقرار الی كافة المناطق الكوردستانية. إن الهجوم علی قوات التحالف الدولي هو بمثابة هجوم علی قوات البيشمرکة والمجتمع الكوردستاني، الذي سوف مسيرته في النهوض والإصلاح والتقدم ليشارك في صناعة الحضارة القائمة، علی سبيل التطوير والإضافة أما حكومة الإقليم فسوف يقاوم بکل قوة فايروس الإرهاب وجرثومة الطائفية المقيتة والغارقة في السكونية المطلقة والسائرة عکس التاريخ و عکس حركة الزمن. لقد آن الأوان لشن حملة بلا هوادة علی سلاح الدولة الموازية، الذي لايخيفنا، فنحن تربينا في الخنادق و خرجنا من بين الصخور والجبال وأخذنا الوديان طريقاﹰ للمقاومة، لينعم شعب كوردستان والعراق بالأمن.
إن إقليم كوردستان بالنسبة لنا ليس وطناﹰ نعیش فیه، بل هو وطن يعيش فينا أینما نکون، لە الفضل علینا، نعيش به بكرامة ونشعر به بالأمن و الأمان والتعايش السلمي و هذا الشيء لايعوض وعلی المجتمع الدولي أخذ مخاطر الهجوم الأخير علی أربيل السلام بجدية.
الشعب الكوردستاني بكل أطيافه وتنوعه وأحزابه وتنظيماته وإعلامه لعبوا دوراً مهماً في حفظ أمن الإقليم على مر السنوات السابقة وإجتازوا مراحل صعبة ليكون هذا الأمن محل إفتخار حكومة الإقليم وقيادته السياسية الحکيمة قبل أبناء شعبه، بحيث صار هذا الأمن نقطة تحول في استقطاب الاستثمار الأجنبي اليه وأصبح الإقليم منطقة تسعى الدول الى إقامة ممثلياتها الدبلوماسية طمعاً في لعب دور في بناء هذه التجربة الديمقراطية الفريدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
"سرايا أولياء الدم" أو ما يسمی بسلاح الدولة الموازية (parallel state) والذي صاغه المؤرخ الأمريكي (Robert Paxton) هي إفراز طبيعي نتيجة الضعف و الفشل الذي يصيب النظام السياسي الرسمي في العراق، بالإضافة الی الفساد الاداري والاقتصادي والأمني والثقافي والسياسي وضعف الرقابة، هذا السلاح الموازي يدار من قبل مجموعة من الاحزاب والتيارات التي لاتؤمن بالدستور، ومنهم الشخصيات الخارجة عن القانون والمليشيات التي تملك المال والسلاح والرجال وتمتلك القوة والقدرة وتعمل على تحقيق مصالح وأجندات أجنبية، الهدف من نشاطاتهم هو نخر الدولة من الداخل لكي يستفحل سلاحهم فينقض على الجسد الحقيقي ويصادره تماماً.
علینا جميعا ككوردستانيين أن نوحد صفوفنا و نعزز جهودنا بمساعدة الدول الصديقة في المجتمع الدولي و قوات التحالف الدولي لكسر شوكة الإرهاب والخارجين عن القانون و إجهاض جميع المحاولات الرامية للزج بكوردستان في الفوضی العارمة.
ختاماﹰ نقول، هذه الأنظمة المبنية أساساً علی الخطأ والخلل أو إعتقادات و تصورات و قناعات و سياسات إستهدفت الجهود الوطنية لحماية أمن الإقليم وسلامة المواطنين، لکنها إستنفدت نفسها و بالأخير لا تولد سوی المساویء والمخاطر والكوارث. وليعلموا بأن التحدي الأكبر ليس في الهدم بل في البناء.
الدکتور سامان سوراني

8
الزعيم الكوردستاني مسعود بارزاني لايستغيث إلا بالله
في الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني ٢٠٢١ عرض في إيران فيلم دعائي بعنوان "توكل" من ٩ دقائق  يظهر قاسم سليماني  قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، الذي قتل في الثالث من کانون الثاني عام ٢٠٢٠ في ضربة أمريكية بالقرب من مطار العاصمة العراقية بغداد، مشرفاﹰ على عملية عسكرية تنتهي بإستعادة قضاء مخمور، الذي يقع ضمن نطاق (المناطق المتنازع عليها) بحسب تعريف الدستور العراقي، من قبضة "تنظيم الدولة الإسلامية"،  زاعماً أن الزعيم البيشمركة مسعود بارزاني "إستغاث بسليماني لصد خطر التنظيم"، وينتهي الفيلم الذي لايمُت للحقيقة بصلة هبوط طائرة ينزل منها أشخاص على أنهم قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وعسكريين آخرين في أربيل عاصمة إقليم كوردستان.
لو أمعنا النظر في محتوی الفيلم، تكشف لنا بأن الهدف من نشرە في هذا الوقت هو من الناحية السيكولوجية (التقليل من شأن الآخرين).
إنه أسلوب نفسي يلجأ إليه الإنسان إستجابة لما لحقه من إحباط نتيجة عدم قدرته على تحقيق دافع لديه، أو حين يصاب بصدمة نتيجة لفشله في مجال ما، فيبدأ بتقصي أخطاء وضعف الذين نجحوا حيث فشل، بل وفي إختلاق أخطاء وضعف لهم غير موجودة أصلاﹰ، والبحث عما يقلل من حجم شأنهم ونجاحهم، وتفسير ذلك النجاح بأسباب تحطُّ من قدرە، هذا بالفعل هو الأسلوب الذي يلجأ الیه أصحاب الفيلم الدعائي المذکور أعلاه.
الذین حالفهم الحظ أو سنحت لهم فرصة التعرف بالرئیس مسعود بارزاني عن كثب یؤیدون قولي، فهو کقیادي کان ولايزال مستعداً ليموت في سبيل قضية شعبه، إنه قائد من هذا الزمن يحمل في داخله  منذ مرحلة  مبکرة من عمله کبيشمرگه والی حین تمسکه زمام القیادة رؤیة وهدف إنساني نبیل، ألا وهو الوصول الی الحریة التامة لشعبه وإستقلالە، لايستغيث إلا بالله. 
وللتاريخ نقول، لقد بقي الزعيم مسعود بارزاني في مدة عام وخمسة أشهر من الحرب ضد داعش ١٩٨ يوماً في جبهات القتال، کان يشرف بنفسه على قوات البيشمركة، وقد زار عدة مرات جبهات القتال في جميع المحاور. 
بالتأكيد هناك جهات تعتقد أن بٳمكانها ٳرغام الشعب الكوردستاني علی التنـازل عن قیمه و ٲهدافه، عن طريق التضليل والإعلام والأفلام الدعائية والسلاح والمال، لکن هذه الجهات لاتعلم بأن هناك الملايين من الشباب الكورد المؤمنين بالقيم والأهداف العليا للبارزاني الخالد، یحمون كرامة وسيادة شعبهم ولا يستنجدون بالأجنبي للدفاع عن حقوقهم الشرعية، لأنهم يعلمون أن المثابرة لا القوة، هي التي تصنع الاعمال العظيمة.
نحن في كوردستان لانريد لبيتنا أن يكون محاطاً بالاسوار ولا أن تكون نوافذه مغلقة، بل نريد أن تهب على بيتنا ثقافات كل الأمم.
الرئيس مسعود بارزاني کمهندس كبیر بالسياسة على مستوى المنطقة والعالم يمتلك ويحظی بکافة الصفات الشخصية للقائد، کالثقة بالنفس والإتزان الإنفعالي والسیطرة والذکاء والمبادءة والطموح والمرونة والحماس والبشاشة والمرح والحساسیة الإجتماعیة والشجاعة والإبتكار والابداع واللباقة والموضوعیة، يعزز بسياسته الحکیمة فلسفة التعایش السلمي کصناعة مفهومية في كوردستان، فهو یرید أن ینقل هذه التجربة الكوردستانیة الناجحة الی کافة أرجاء العراق والمنطقة لأنه یدرك جیداً بأننا الآن في زمن الكتروني لا يمهل كثيراً بل هو يهمل اذا لم نحسن التعاطي مع ادواته، لذا نراه یستجیب بتعقل ورؤیة وهدوء للمثیرات المختلفة، ونتیجة لذلك يؤکد علی مبدأ التّسامح الإنساني والأخلاقي لیشكل حجر الأساس لمبادئ الديمقراطية و يحفّز الحوار الثقافي المتحضر بين الطوائف والقوميات والاديان المختلفة وكذلك یقرر بموضوعیة تضمن رؤیة ومصلحة الشعب العراقي بشکل عام والشعب الكوردستاني بشكل خاص، بعيداﹰ عن نشر روح العداء و الكراهية والتبخيس في التقليل من وزن وقيمة الناس، لتبرير العدوان تجاههم، مدركاً العلاقات والإرتباطات بین الأشیاء والوقائع، مستخلصاً العوامل البارزة من خبرات عقود من الکفاح المسلح والنضال الوطني للإنتفاع بها في إلقاء الضوء علی المشکلات الحاضرة.
وختاماﹰ نقول: الإحتماء والتشبث بالهويات المسيّجة والسيادات المصطنعة لاتجدي ولاتسهم في بناء علاقات التعايش والتواصل.
الدکتور سامان سوراني

9
دبلوماسية كوردستان الهادئة وتنمية ثقافة السلام
من الجدير بالذكر أن إقلیم كوردستان منذ عام ١٩٩١، أي بعد إبعاد النظام السابق من بعض المناطق الكوردستانية، شاهد تطور تدريجي بحيث إستطاع إحداث شبكة مصالح إقتصادية تربطە بدول المنطقة والعالم، بعد أن تجاوز الماضي وقام بالتركيز على ما هو مطلوب، حتی أصبح الإقليم اليوم وبعد مرور ثلاثين عاماً علی تجربته الناجحة وبسبب الإستقرار الأمني فیه و تطورە الإقتصادي و السعي الدؤوب من قبل حكومته المنتخب بشكل شرعي في إفساح المجال أمام التنافس السياسي الحر، وعدم تسخير المجال الديني لأغراض سياسية، قبلة لكل ابناء العراق والمنطقة في سياحتهم اليه بكمال الحرية واقامتهم فيه.
هكذا تبلورت الهوية الكوردستانية و تحولت اللغة والثقافة الكوردستانية الی لغة وثقافة حية والفضل عائد الی السياسة الحكيمة للقيادة الكوردستانية المعتصمة بقيم الديمقراطية والمؤمنة بالدبلوماسية الهادئة لغرض تنمية ثقافة السلام.
لاشك أن مجتمعاتنا هي محصلة تواريخه والتاريخ البشري عبارة عن مشاكل و قضايا و سعي نحو حلها، فنحن لاننسی بأن الإقلیم واجه أزمات سياسية و إجتماعية في علاقته مع دول الجوار علی مدار الثلاثين سنة الماضية، لأن طفرته الحضارية و إندماجه في المعادلات السياسية والإقتصادية في المنطقة تغضب بالتأكيد الاعداء وتسر الاصدقاء، لکن لا أحد يستطيع أن ينکر المسألة الكوردستانية، والتي أصبحت مع التحولات والتغيرات السياسية والإقتصادية مطروحة علی المشهد السیاسي والاجتماعي لا فقط في المنطقة بل في جغرافية أوسع.
الهدف الأساسي من إستخدام الدبلوماسية الهادئة، التي يتميز بها الإقليم، هو التوفيق بين المصالح المتعارضة وخدمة المصلحة البشرية بالطرق والأدوات السلمية والسعي الی تجنب التوتر أو تخفيفە.
إن هندسة الأمن الداخلي والإقليمي يجب أن ينبع من الحوار ولا شيء سوى الحوار و يجب أن يتم تبني صوت الاعتدال المبني على المقاربات الأسرع لتحقيق الإجماع بين الجهات المتنازعة، هکذا نستطيع أن نكسب إحترام الشركاء والعالم من حولنا. وبالتالي على السياسة أن تلعب الدور الأمثل في تقريب وجهات النظر في كل الخلافات سواء داخل الإقليم أو في العلاقات البينية بعيداﹰعن إستعمال لغة العنف والسلاح.
وما يُسجل للسياسة الخارجية للإقليم  بشهادة دول و جهات عالمية وقوفها على مسافة واحدة من جميع ملفات النزاعات الإقليمية والدولية، لا تحيد عنها في عصر صارت كثير من الدول تغذي دبلوماسيتها بالنهل من أجندات معلومة لقاء مصالح آنية ولو كان ذلك على حساب الأمن الاقليمي.
ولحسن الحظ تقف الجغرافية السياسية للشرق الأوسط اليوم الی جانب الكوردستانيين، فإقليم كوردستان من الناحية الأمنية هو بالتأکید القطب الهادیء في هذه المنطقة.
وإن التواصل المستمر للرئیسان نجیرفان بارزاني (رئيس الإقليم) و مسرور بارزاني (رئيس الحکومة) وإستخدامهم النمط الفکريّ النابع من الإیمان العمیق للرئیس المناضل مسعود بارزاني بالسلام، کأفضل طريق للوصول الی حقوق شعب كوردستان وإعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة، إستطاع أن يحوؔل لغة العنف السياسي في كوردستان الی لغة إنسانية للحوار و أدی هذا التواصل الی أرتقاء إقليم كوردستان وإعلاء قيم الإنتماء والولاء لە ورفع رايته في كل المحافل رمزاً للحكمة والسلام والخير والعطاء.
فالرئیسان يسعيان بکل جرأة و ثبات الی تشكيل حقل معرفي لتنمیة ثقافة السلام، تتحول معه الأزمات والمآزق الي مواضيع للدرس والتحليل أو التشريح والتفكيك وذلك لتقوية أسس فلسفة السلم ومذهب اللاعنف، فنری تلقيح العناوين والمفاهيم والقيم القديمة والحديثة بعناصر ومقاصد وأبعاد جديدة، علی سبيل التطوير والتجديد أو الإغناء والتوسع، سواء تعلق الأمر بالأدارة والديمقراطية أو بالحرية والعدالة أو بالتنمية والعولمة، هکذا نستطيع أن نقوِّض جدران الكراهية ونمدُّ جسور السلام والمحبة، فالمصالح المشتركة والمنافع التجارية هي مَن تجمع الدول، لا الابتزاز السياسي، والمراهقات الدبلوماسية.
وأخيراﹰ يمکننا القول و بکل وضوح بأن الإقليم لم يدخل في متاهة سياسة ردة الفعل على كل ما واجهه ولم ينجر وراء سياسة المحاور، فالدبلوماسية الهادئة أعطت الإقليم بعداً خاصاً في ترجمة القول إلى الفعل وإستقطاب دول الجوار، بعيداﹰ عن التوترات والخلافات السياسية، للوصول الى حلول للقضايا التي تهم السلام والأمن والاستقرار في الإقليم والمنطقة.
الدکتور سامان سوراني

 

10
أمريكا وإقليم كوردستان من الشراكة الی التحالف
بما أن الشراكة هي وسيلة أو أداة لتنظيم علاقات مستقرة ما بين وحدتين أو أكثر  بهدف التقارب والتعاون المشترك على أساس الثقة وتقاسم المخاطر بغية تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة. والتحالف ماهو إلا اتفاق رسمي بين فاعلين اثنين أو أكثر للتعاون بعضهم مع بعض بشأن قضايا أمنية مشتركة مدركة، من خلاله يشعر الجهات المتحالفة بحاجة بعضهم إلى دعم بعض دبلوماسياً في تنفيذ سياساتهم الخارجية، فأن هدف إقلیم كوردستان هو مواصلة تنسيقه القوي مع أمريكا لتوثيق شراکته وعلاقاته الثنائية بغية حماية الإستقرار والتنمية في الإقليم والمنطقة.
من الواضح بأن السياسي الفعّال ينخرط في التجارب و ينغرس في التاريخ بقدر ما يتجاوز تاريخيته أو مشروطيته، لكي يُغيّر من شروط الواقع والإنجاز.
فهو يفعل بقدر ما ينفعل و يشتغل بقدر ما ينشغل، إنه نتاج للبنی والآليات والمؤسسات ولکنه يعمل في الوقت نفسە علی المساهمة في خلق الأفكار وفتح المجالات لإعادة إنتاج بنی وآليات ومؤسسات.
والقيادة الكوردستانية الحکيمة تعلم بأن الديمقراطية لاتأتي من الباب الخلفي كما يسعی الیها البعض، بل يجب أن تنبع من قرار سياسي واع و مقصود بتأسيس الديمقراطية، فالتحول والتغير الديمقراطي لا يأتيان إلا من خلال إصلاح واع و جريء.
نحن نعلم بأن الإقليم شريك قوي للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق لمحاربة داعش، ولرفع مستوی هذه الشراكة الی تحالف مبني على أساس الشراكة والندية، علینا أن نفهم مايجري لکي نساهم في صناعة علاقات راهنة، حية، متجددة و قوية و نتغير عما نحن علیه لخلق آليات جديدة تنسج تلك العلاقات بشكل أفضل ولحماية مصالحنا الوطنية علیه توظيف تلك العلاقات بحکمة و عقلانية ليس فقط مع أمريکا، بل مع نظم ديمقراطية أخری تمتلك مؤسسات ناضجة، لها القدرة علی إصلاح نفسها بنفسها و تصحيح ذاتها بذاتها لتخرج بعد كل أزمة بشكل أقوی. 
أما إذا أردنا أن نعرف ما قد تحمله  السياسة الخارجية الأميركية في المرحلة المقبلة من عناصر التغير والاستمرارية، فلابد أن نرجع الی السجل التاريخي للتطورات في السياسة الخارجية الأمريكية طوال العقود الماضية. فهذا السجل التاريخي يكشف لنا بسهولة طغيان عناصر الإستمراية علی عناصر التغير، دون أن تتأثر مسألة إنتقال السلطة من رئیس الی آخر، أو من حزب الی آخر إلا في حدود ضيقة.
فإهتمامات و أولويات صانع القرار الجديد في واشنطن في عامه الأول هي الترکيز على ترتيب البيت الداخلي الأمريكي، ومحاربة فيروس كورونا، والعمل على الملفات الاقتصادية، وتهدئة الشارع الأمريكي المنقسم وإعادة ضبطه، أما فيما يخص الملفات الخارجية فأنه سوف يتعامل كما تعامل الرئيس باراك أوباما، خلال حقبة رئاسته، وهذا يعني أنه سوف لن يخرج عن عباءة سلفه في كثير من الملفات سواء الداخلية أو الخارجية.
صانع القرار في الإقليم يؤکد دوماﹰ علی مسيرة السلام والأمن والتعايش السلمي في الإقليم وأولوية مصالحه، لذا نراه يعمل بعقلانية و واقعين و رؤية إستراتيجية بعيدة المدی لحماية تلك المصالح، فهو يدرس مواقفه لتجنبيب نفسه نتائج الأزمات والصراعات القائمة في المنطقة ويمارس استراتيجية فاعلة وواضحة للتعامل مع الإدارة الامريكية الجديدة ويؤکد إستمرار التعاون في مكافحة الإرهاب. 
القيادة الكوردستانية تدرك مکان الإقليم، كمرتکز مهم في حماية السلم والأمن الإقليميين، بين أمريکا و خصومه في المنطقة وحجم التحديات والعقبات التي تقيد إرادة الإقليم، لذا تعمل بكل الوسائل الممكنة للمساهمة بشكل إيجابي في منع تطور الأوضاع المحلية والإقليمية بشكل يلحق الضرر بمصالحه العليا.
إقليم كوردستان تتبع سياسة الدبلوماسية الهادئة والهادفة الی إقامة أوثق العلاقات مع محیطه الإقليمي ودول الجوار، بعيداﹰ عن سياسات توتير الأجواء و خلق المحاور المتناحرة والتدخل في شؤون الغير وتكديس الاسلحة وشحن الاجواء بمفاعيل الاحتراب، ما يرتد سلباﹰ علی الإستقرار والإقتصاد والأوضاع الداخلية.
الدکتور سامان سوراني



11
المجتمع الكوردستاني لايؤمن بالخلاف العربي الكوردي
قبل أيام شاهدنا وللأسف إقدام ثلة من المخربين ومثيري الشغب علی مهاجمة عدد من من السيّاح القادمين من بغداد والمحافظات العراقية الأخرى الذين قصدوا إقليم كردستان لقضاء عطلة رأس السنة.
بالتأكيد لاتمت هذه السلوكيات الدخيلة الی قيم المجتمع الكوردستاني وأخلاقە النبيلة بصلة، فشعب كوردستان و حکومته قدموا في السنوات الماضية خير مثال للعالم بإستقبالهم لملايين النازحين واللاجئين من المحافظات العراقية والدول المجاورة، وهكذا أصبح أرض كوردستان  ملاذاً آمناً لهم وستبقی أبواب الإقليم دائماً مشرعة على مصراعيها أمامهم وأمام السيّاح والزائرين.
ومن يتصفح تاريخ الحرکة الكوردستانية فسيجده حافلاﹰ بالكثير من المواقف الداعية للأخوة بين الشعبين العربي والكوردي.
ففي عام ١٩٤٣ أصدر القائد الخالد مصطفی بارزاني بياناﹰ بإسم الثورة الكوردستانيةآنذاك قائلاﹰ: "أننا لانقاتل ولا نحارب الشعب العراقي والعربي بل نقاوم حملات القوات العسكرية والبوليسية البريطانية والعراقية"، وهذا إن دلّ علی شي فيدلّ علی أن المجتمع الكوردستاني و قيادته الحکيمة يتحاشون النزاع العربي الكوردي وهم دوماﹰ مع التآخي والتآزر والتفاهم والتواصل الثقافي والإجتماعي.
هذا المفهوم إنتهجه وحافظ علیه القيادة الكوردستانية حتی اليوم، رغم معاداة الشوفينيين وضيقي الأفق من العرب وغيرهم، الذين کانوا دوماﹰ يجاهدون في سبيل زرع الشقاق والفتنة و "صهر الكورد" و يشجعون حکوماتهم المستبدة والشمولية علی مواصلة القتال والتنكيل و ممارسة التهجير والقتل الجماعي ضد شعب كوردستان الآمن.
وما إصدار رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني في ٢-١-٢٠٢١ من بيان، أدان فيه وبأشد العبارات حوادث الإعتداء على السيّاح، متوعداﹰ بإتخاذ أشد الإجراءات ضد من يحاول تشويه الثقافة الرفيعة للمجتمعن الكوردستاني، إلا دلیل آخر علی إيمان القيادة الكوردستانية بأهمية الحفاظ علی فضاءات التعايش السلمي والحرية. 
حکومة إقليم كوردستان مقيدة ومحکومة بدستور و مباديء وقيم وتراث كبير للتاريخ القريب والعلاقات التضامنية بين الشعوب و تبذل المزيد من العطاء لتقديم نموذج جيد عن الممارسة الديمقراطية وتهيئة الأرضية لإنتصار الحرية والديمقراطية علی عقلية الإقصاء والتهميش والشحن والتبغيض.
وجه التعقل والحکمة والمسؤولية الوطنية تدفعنا أن نعمل دوماﹰ علی أساس قواعد العمل الديمقراطي والتعايش السلمي المطلوب وبناء علاقات ديمقراطية بين كافة القوی المجتمعية و صيانة التضامن المتبادل وتعميقه بدلاﹰ من التوترات والنزاعات وإحترام المؤوسسات الدستورية وسيادة القانون الحريات وحقوق المواطنة. وعلینا أيضاﹰ أن لانسمح بظهور الإنعزالية والشعور بالتهميش في صفوف أي مكون عراقي.
ختاماﹰ: کفی العراق والمنطقة نزاعات وخصومات ومآس ودمار ولتتحول المنطقة الی واحة سلام و رخاء ورفاه وتقدم للجميع، ولنبحث عن حلول سياسية سلمية لمشاکلنا بعيدة عن التطرف والعنف والطائفية في العمل السياسي.   
الدکتور سامان سوراني


12
سقوط العُملة والديمقراطية في العراق
في عام ١٩٩٢ کتب المفكر السياسي فرانسيس فوكوياما عن “نهاية التاريخ” مبشّراﹰ بهیمنة النيوليبرالية بمعنی إنتصار الحضارة الغربية والديمقراطية الليبرالية ونهاية عصر الأيديولوجيا وبزوغ عصر ما بعد العقائد السياسية والدينية، لکن الظهور الجديد لأصحاب فكرة اليوتوبيا والمجتمعات المثالية والعقائد الجامدة علی المسرح الكوني و الإحتجاجات المستمرة في العراق و دول أخری ضد الأزمات سواء کانت إقتصادية کالإنهيار المالي و سقوط العملة المحلية في غير مکان أمام الدولار الأمريكي، أو  غيرها کفشل النظام النيوليبرالي الأ‌مريكي في دمقرطة العراق، الذي هو موضوع مقالنا هذا، يدفعنا الی التساؤل، هل التاريخ يسير الی الآن على عكس توقعات فوكوياما؟
نحن نعلم بأن الديمقراطية الغربية متميزة بظواهر تجعلها تكسب الصراع، منها التوازن الإعتقادي الناصع بين الحرية والمساواة و الحضور المتميز للديمقراطية الجذرية في الكثير من دولها، لکن الديمقراطية الفاشلة في عراق مابعد عام ٢٠٠٣ تقترن  الی حد كبير بمؤشرات خطيرة و بائسة تدلّ علی أن هذا البلد ذاهب الی السقوط في شراك التطرف والعنف الفكري والاجتماعي والسياسي، خاصة بعد أن فقد الشعب ثقته بها وبعد أن إنهال علیها المتطرفون وأصحاب الأجندات الخارجية من جميع الجوانب بالضربات المبرحة.
إن سطوة القطاع الإستهلاكي المستورد في العراق ولّد فساداﹰ متعدد الأبعاد و أدی الی خسائر مالية كبيرة و شلّل الإقتصاد الإنتاجي بقطاعيه العام والخاص و کان أيضاﹰ سبباﹰ في ضعف الاستثمار المستدام وإيقاف المعامل والمصانع في القطاعين العام والخاص. أما إنتشار وباء كورونا (کوفید ١٩) فقد أضاف علی مشكلة الاقتصاد العراقي الريعي غير المنتظم والمعتمد علی الإستيرادات لتلبية الإستهلاك مشاكل أخری، أدی الی إرتفاع الأسعار و ونقص التمويل الحكومي لدعم رواتب موظفي الدولة والقطاع الخاص.
وبعد إطاحة إستقلالية البنك المركزي العراقي بالکامل صار العملة العراقية عاجزة عن الصمود أمام الدولار، وقد تخسر هذه العملة في العام ٢٠٢١ قيمتها أكثر وأكثر وقد يكون هذا الموضوع مرتبط بالوقت فقط.
نحن لانعرف لماذا لم تقم حکومة السيد مصطفی الكاظمي في بداية مشوارها الحکومي بتعديل سعر الصرف ولماذا قامت بدل ذلك بإستنزاف الإحتياطي النقدي؟
إن حقن الإقتصاد العراقي بالإبر ومسألة القروض الداخلية والخارجية لايمكن أن تکون حل مستديم للأزمة الإقتصادية والمالية، فمن الممكن أن تؤدي تلك القروض في المستقبل الی إنهماك و هلاك هذا الإقتصاد الريعي.   
 لقد صار الفساد في العراق جزء من بنية النظام السياسي وفقدت الديمقراطية في العراق كما ذکرنا أعلاه ثقة الشعب العراقي، بعد أن ذهب ضحية الولاءات الخارجية والطبقة السياسية الشيعية الحاکـمة والساعية الی تحقيق مصالح الجهات الخارجية الداعمة لها فقد أستغلت مرة أخری کل هذه الأزمات لفرض رؤيتها من جديد بهدف تقاسم النفوذ و قتل الوعي الإحتجاجي أو السيطرة علیه بشكل کامل، وهذا يؤدي الی دفع العراق بشكل سريع نحو السقوط في شراك التطرف والعنف الفكري والاجتماعي والسياسي.
لقد أصبح الطوفان في العراق مسألة وقت، فنحن لانری حلول للوضع الحالي في العراق، مادام الطبقة السياسية الشيعية الحاکـمة في بغداد تُقاتل في سبيل إدامة وجودها في السلطة وهي وللأسف في أهب الإستعداد لإستخدام العنف المفرط.
ختاماﹰ: إن قيادات أحزاب السلطة الشيعية في بغداد مأزومة بوعيها المذهبي والطائفي وهي غير مؤمنة أصلاﹰ بالديمقراطية وبالممارسات والسلوكيات الديمقراطية، فكيف يمکن أن ننتظر منها تصحيح مسار بناء النظام السياسي؟
الدکتور سامان سوراني 


13
بالفوضی الممنهجة و عقلية الهدم لاتبنی الأوطان
بعد إسبوع من احتجاجات دامية شهدتها محافظة السليمانية والمدن المحيطة بها شارك فيها الی جانب أصحاب حقوق مشروعة على خلفية تأخر مرتباتهم مجاميع فوضوية إستهدف  مؤسسات حکومية و مدنية و إقتحم مقار أحزاب السلطة والمعارضة بلا إستثناء و أشعل عمداﹰ النيران فیها مهدداﹰ بالتصعيد بغية الوصول إلى حالة من الخِواء السياسي العام يسمح بإعادة تركيب الأمور على نحو يتناسب والمصالح الإستراتيجية لجهات إقليمية، مما أوقع وللأسف عدد من القتلى والجرحى.
إن بروز ظاهرة العنف والهدم هذه خلال التظاهرات والاعتصامات بسبب الأزمة الإقتصادية التي يمر بها الإقليم منذ سنوات وإستخدام أسلوب التعبئة الإعلامية الرخيصة يدفعنا للسؤال، من هي الجهات المستفيدة من  هذه الفوضى العارمة لتتدخل بالنتيجة في أمور الإقليم؟
حكومة الإقليم إيماناﹰ منها بمبدأ المواطنة والشراكة تؤمن بالحق الشرعي للمواطن في المشاركة في تظاهرات سلمية مدنية لإبراز مطالبها، حيث رأينا كيف أن رئیس الحکومة أبدی علی الفور دعمه للمتظاهرين السلميين وأكد في الوقت ذاته واجبه کمسؤول السلطة التنفيذية في الحفاظ على استقرار الإقليم من نوايا الجهات التي لاتريد الخير للإقليم، بل تعمل علی الإطاحة بكيانها إن أمکن علی ذلك.
بالتأكيد سوف تدعم شعب كوردستان توجهات هذه الحکومة الفاعلة و تساندها في سبيل المحافظة علی تجربتها اليانعة، لإنهم غير مستعدين لخسارتها أو السماح لأي شخص أو جهة بأن تعمل على إحداث ضرر بهذا الكيان الشبه مستقل.
في المقابل سوف تستمر حکومة الإقليم  في إجراء مفاوضات مع الحکومة الإتحادية و تنفذ كل واجب والتزام يتعلق بە في إطار الدستور للوصول الی إتفاق شامل لغرض تأمين الحقوق المالية لمواطني كوردستان، لکن هناك جهات و تیارات موالية لجهات خارجية تنوي تدمير أي تقارب يحصل بين بغداد وأربيل. ولقطع الطريق أمام الجهات التي تسعی الی الهدم تواصل الحکومة بشكل جاد خطواتها في الإصلاح علی المستوی الداخلي، فالإنتعاش الإقتصادي بحاجة الی إستقرار أمني بعيداﹰ عن الفساد والصراعات الحزبية العقيمة.
إن تقدم ورقي وبناء الوطن يعتمد بالأساس علی جهود وأيادي أبناء المخلصين، الذین يؤمنون بحب الوطن وتقديم كل ما بوسعهم من جهد علمي و فکري و عملي لتطويره و تعميرە و بناؤە.
أما صناع الدمار والهدم، الذين لايهابون في العمل علی هدم أوطانهم ويلحقون الأذی بأبناء جلدتهم و يسعون علی تمزيق وحدة الصف والنسيج الكوردستاني سيلاحقهم التاريخ ويصورهم بأبشع الصور، التي ستطاردهم وذويهم علی مر الزمان.
إن إثارة الفوضی وتأجيج الأحقاد لاتخدم الوطن ولاتبنيه وإنما تبنی الأوطان من خلال تعميق روح المحبة والتآخي والتسامح والإحتكام لمبد‌ حب الوطن والعمل علی ترسيخ الوحدة الوطنية.
نقوله بکل صراحة، لامکان في كوردستان لأصحاب المشاريع التدميرية والتخريبية، فكوردستان اليوم بأشد الحاجة الی أناس يقدمون مشاريع تصنع الحياة و الإستقرار والرفاهية و التعايش السلمي.
الدکتور سامان سوراني
 


14
حقوق شعب كوردستان والوعي الاستراتيجي لإدارة الحكم في العراق
بعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على التصويت  لصالح الدستور أو مايسمی بالقانون الفيدرالي الذي يتم حكم العراق به حالياً ما زال الخطاب السياسي السلبي والخاطیء لدی بعض الکتل السياسية  (شيعية أو سنية) تجاه حقوق شعب كوردستان قائماً کما هو، في وقت تشهد المنطقة والعالم مرحلة تحول تاريخي استراتيجي بالغ الدقة والحساسية، يحتاج لوقفات تأملية يشترك فيها صناع القرار والمسؤولون والمستشارون على مختلف المستويات عن وضع الاستراتيجيات والقيام بإعداد بحوث وتقارير ودراسات وذلك لتحليل البيئة الخارجية والبيئة الداخلية للعراق من أجل وضع رؤية إستراتيجية مناسبة تبنى على ضوئها السياسات الداخلية والخارجيةوذلك  للحفاظ علی سيادة الدولة ومصالحها العليا والشراكة القائمة بين مكونتها.
التفكير الاستراتيجي الحقيقي يحدد الاتجاه لجميع الطاقات البشرية، إذن علی المسؤولين عن وضع الإستراتيريجية التوصل الی التوجيه الصحيح وإلا تنحرف العلمية السياسية عن مسارها السليم ولا تصبح جميع مجهوداتهم في هذا المضمار سوى سرعة متزايدة في الاندفاع إلى الاتجاه الخاطئ والسير خلف مسارات خاطئة غير محسوبة العواقب في إدارة الحکم.
علی ساسة بعض الكتل الشيعية، التي لم تتحرر طائفتهم الی الآن من عقدة المظلومية السياسية بسبب تهميشهم و إقصائهم وحرمانهم من ابسط حقوقهم السياسية وطمس أصولهم القومية في الفترات السابقة قبل التغيير السياسي الذي حصل في ٩/٤/٢٠٠٣ في العراق، أن يدركوا بأن ما أقره الدستور العراقي لشعب إقليم كوردستان و الحقوق القومية الكوردستانية هو تحصيل حاصل للتطور السياسي منذ أواسط القرن العشرين وصولاﹰ الی إنتفاضة عام ١٩٩١. 
فالتضحيات الجسيمة لشعب كوردستان و كفاح القوی العراقية الديمقراطية من أجل حصول الشعب الكوردستاني الی حقوقه المشروعة هي التي أرغمت المجتمع الدولي علی إتخاذ قرار (٦٨٨) و بقية القرارات حتی موافقة مجلس الأمن الدولي علی تحرير العراق في نيسان عام ٢٠٠٣ وماحصل حتی صدور الدستور.
للأسف لم يوافق أي جانب من الدولة العراقية (نحن لانقصد الخييرين من العراقيين الذين ساهمو في إنضاج مواد وفقرات الدستور) علی ماتقرر في الدستور طوعاﹰ، ولم يأت أي جانب عراقي من الدولة ليقول للشعب الكوردستاني "هذا هو حقك وهذه حدود مايمكنك التمتع به، هذه صلاحياتك وهذه هي حقوقك وواجباتك"، رغم أن الشعب الكوردستاني يطالب بحقوقه طوال القرن العشرين و مقتبل العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين.
نعم العراق الجديد، عراق مابعد سقوط الطاغية، بتکوينه الفدرالي، الإتحادي و بتوازناته وتوافقاته وبرامجه طويلة المدی هو ثمرة قرار دولي، لايمکن لبعض الکتل السياسية (شيعية أو سنية) التلاعب به، وليس من حق أي طرف التطاول علیه أو محاولة الإنفراد بالأمور و التعامل معه بعقلية الأغلبية السياسية واللعب بقواعد وأحکام لاتناسب الحکم الديمقراطي التعددي الفدرالي. علی هذه الكتل أيضاﹰ التأكيد علی إستقلالیتهم عن السياسات الإقليمية وتمثيلهم لمصالح شعبهم و بلدهم وجعلها فوق كل إعتبار آخر. إن فرض إرادة الأغلبية الشيعية في إقصاء وتهميش المكونات الأخری سوف يدفع الی مزيد من النفور والرفض للديمقراطية من بقية مكونات الشعب العراقي وسيشجع المتصدرين للحكم من الشيعة على تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبها حكام العراق السابقون وسيفتح الباب مشرعاﹰ مستقبلاﹰ أمام دكتاتورية في الحكم منطقها استبدادية الأكثرية الشيعية.
إن مستقبل العراق مرهون بمدی وکيفية إنسجامه مع إرادة المجتمع الدولي والخط العمودي الصاعد للمجتمع الدولي وليس بمقدور کتلة سياسية ما، إعادة عقار الساعة الی الوراء.
لايمکن للعراق الجديد أن يستقر ويتقدم علی أيدي أناس يعتبرون أنفسهم وحدهم ورثة العراق وكل مافيه أو يتصورون أن إرسال حصة الإقليم من الموازنة  منّة و أعطية منهم، ينبغي علی هذه الكتل السياسية الإقلاع عن هذه الذهنية النكرة.
فإدارة الحكم في العراق ليست بالأمر البسيط، بحيث يمكن تركه للصدفة والمغامرات السياسية الطائشة وغير الواعية، بل هو عملية معقدة وصعبة وكثيرة التحديات والمخاطر، تحتاج أن يتصف الساسة فيها بمستوى عالﹴ من الوعي الاستراتيجي الذي يؤهلهم إلى أن يكونوا رجال المرحلة بالنسبة لشعبهم لقيادته إلى شاطئ السلم والأمان والرفاهية من خلال بناء الدولة المدنية التي تحتوي كل أطياف الشعب، وتضمن تحقيق كل طموحات وأحلام أبناءه.
ختاماﹰ نقول، بدون ترسيخ مبدأ التعايش السلمي في العراق لن يكون هناك إستقرار سياسي أو أمني، ولن يكون هناك نهوض اقتصادي ومجتمعي، كما لا يمكن لطرف ما عدﹼ نفسه رابحاﹰ وغيره بالخاسر، بل إن جميع الأطراف ستكون خاسرة في لعبة شد القوى بين الطوائف والقوميات المتنازعة.
الدکتور سامان سوراني

15
مبدأ الأغلبیة السیاسیة في العراق و زيف الشراكة
بما أن الشراكة السياسية في عصر العولمة هي أقرب الطرق وأقصرها لتحقيق إستقرار المجتمع والذي ينتح عنه تنمية ونهضة، قوامها فتح المجال أمام إستيعاب آراء المکونات والکيانات المختلفة وتنظيمها، ليشعر كل مكون أو كيان بأن له دور في بناء المجتمع الذي يعيش فیه،  شاهدنا أن غياب نظرية الشراكة والمشاركة السياسية عن الواقع العراقي أدی إلى نتائج سلبية للغاية على مستوى الدولة والأحزاب والنخب السياسية، إضافةً إلى مؤسسات المجتمع المدني.
نعم الشراكة السياسية هي أحد تجليات الأنظمة السياسية المعاصرة، يوسع مفهوم وآثر الديمقراطية، بشرط القبول بالتعددية و تبادل السلطة عبر صناديق الاقتراع، بالإضافة الی إحترام القانون وحرية التعبير وحرية الإعتقاد، ولم تكن الشراكة السياسية ولا مصطلحها متوفراﹰ في النظام الدکتاتوري البائد، الذي لم يؤمن بالتعددية بحکم تطبيق فکرة الحزب الواحد والقائد الأوحد.
رئاسة إقلیم کوردستان و منذ بناء العراق الفدرالي الجدید أكدت في أكثر من مناسبة علی إلتزامها بالدستور العراقي المصدق في عام ٢٠٠٥، إضافة إلی مبدأ الشراکة السیاسیة في إدارة البلاد، بل عارضت وحاربت بشتی الطرق والوسائل فکرة الأغلبية العددية والأغلبية السياسية في العراق.
إن تهميش دور ممثلي الشعب الكوردستاني بأديانه و طوائفه و قومیاته المتنوعة في إدارة العراق الإتحادي و تمرير قرارات سياسية و قوانين مثيرة للجدل في البرلمان (كقانون الإقتراض و التصويت علی فقرة الدوائر المتعددة ضمن قانون الإنتخابات الجديد و منح الثقة لعدد من وزراء حکومة السيد الکاظمي و قانون إخراج القوات الأمريكية في العراق) بشکل منفرد من قبل طائفة أو قومية معینة من دون مراعاة المكونات الأساسية الأخرى و إستخدام لغة التهميش و فرض الإرادة عن طريق الأغلبية العددية تهديد صریح لمسألة التوافق والشراكة بين المكونات و الكيانات، بالتأكيد هذا يضعف الکيان الإتحادي و لايخدم بناء الدولة العراقية الحديثة.
إقليم كوردستان يتمتع منذ عام ١٩٩١ بإستقلال واقعي شبه تام، لە حکومة منتخبة و سلطات و صلاحيات واسعة في إدراة شؤوونه و رسم سياسته.
من حق الإقليم، خاصة بعد أن أخذت صلاحياته بمصادقة الدستور عام ٢٠٠٥ طابعاﹰ دستورياﹰ و قانونياﹰ وبعد أن حصل علی ورقة الإستفتاء من أجل الإستقلال عام ٢٠١٧ الحفاظ علی صلاحیاته و تعزيزه في المجالين الداخلي والخارجي.
إقلیم كوردستان، کما يؤکد علیه رئیس حکومة الإقليم مسرور بارزاني،  کیان إتحادي ودستوري داخل دولة العراق الإتحادية، له حقوق و واجبات، لكن عدم تطبيق الدستور كما يجب هو الذي جلب المشاکل التي يشهدها العراق الیوم.
مانراه اليوم في العراق هو فشل التجربة الحداثية للدولة و فقدان إمكانات البناء الذاتي، بعد أن وصل أمور العبث الی مرحلة شتت کل الخطط التي تهدف الی إعادة بناء الدولة.
إن إدارة العراق بروح طائفية و مذهبية مقيتة جعلت من المجتمعات العراقية تعيش في مأساة سياسية وإقتصادية وثقافية وطائفية متقاتلة ومتصارعة فيما بينها وفق مبدأ الأفضلية لهذا المكون أو لتلك الطائفة، هذە الفلسفة جعلت من العراق أن يغرق اليوم  في حالة من التنافر المجتمعي، الذي وصل ذروته في السنوات الأخيرة وما نعيشه من فوضى سقوط هيبة الدولة وضعف في أداءها خير دليل علی مانقوله.
إذن كيف يمكن لشعب کوردستان في ظل حکم العقلية الاقصائية المتواجدة، التي لا يعترف فيها أصحاب الأكثرية العددية بشركائهم في الحکم، أن يؤمن بأنه يعيش في عراق إتحادي فدرالي؟
لقد وصل مسار العملية السياسية في العراق إلى طريق مسدود، فهناك إحتقان شعبي و هناك عدم الرضی بالنظام السياسي الحالي بسبب تجاهله حقوق المکونات، حالة عدم الرضی تعمّ الشارع الشيعي والسني والكوردي على حد سواء.
الطبقة السياسية الشيعية بالتحديد،  التي تسلّطت بفعل الأمر الواقع المتسم بالانهيار المجتمعي الشامل، مستندة إلى حالة اجتماعية مستحدثة، قوامها طبقة طفيفة من المستفيدين من مميّزات السلطة، ونهب المال العام الذي وصل إلى مستويات قياسية، لم تستثمر الفرص الكبيرة التي أُتيحت لها لبناء العراق ديمقراطي فيدرالي تعددي وتعويض العراقيين عما مرّوا به من حروب وحرمان طيلة اكثر من خمسة عقود، بل قامت ببناء دولة موازية و سلاح موازي، عن طريق تسليح ميليشيات خارجة عن القانون والدستور لزعزعة الإستقرار وإقصاء مستقبل العلاقة بين الدولة والمجتمع والإطاحة بالتجربة الديمقراطية.
التظاهرات الشبابية التي انطلقت في الأول من تشرين أول/أكتوبر ٢٠١٩ التي أرادت في البداية إصلاح النظام و تغييره بالكامل أخيراﹰ، بعد أن فقدت الأمل بالإصلاح، لإعادة ترتيب الوضع السياسي من جديد، تعکس  الفشل الاقتصادي والأمني بالطبيعة الدينية للأحزاب الحاكمة، التي لا تمتلك سوى الخطاب الطائفي والغيبي، لتغطية فشلها وفسادها وتبعيتها.
حکومة إقلیم كوردستان، رغم كل ماذکرناه من عوائق، تؤمن بالحوار والوفاق والتفاهم وإستخدام الدبلوماسية والطرق السلمية لحل المشاكل العالقة بين الإقليم والحکومة، فالتوافق والتوازن والشراكة هي أدوات حيوية و ضامنة للعيش المشترك و السير نحو التغيير الإيجابي بعيداﹰ عن الصراعات والحروب والإنهيار المجتمعي الشامل و لایمکن للعراق أن يحصل علی الاستقرار السياسي والأمني ولایمکن له أن يبني اقتصادە،إذا ما لم تعمل الحکومة في بغداد بجدية علی خلق هذا التوازن والحفاظ علیە.
ختاما نقول: لا بديل عن التعاون والشراكة والتضامن. فالتعددية نعمة وليست نقمة والسياسة هي منذ قرون فن إدارة الإختلاف، وعلی صانعي القرار في بغداد أن يعرفوا بأن القيادة الكوردستانية تمتلك إنضباط أخلاقي وعقلاني و روحي و إرادة التعايش، تغرسها بالتعلیم والتربية.
فلا شيء يدمر القضايا والمشاريع أكثر من أحادية المرجع والقطب والرأي والصوت والطاغية دوماً تصنعها الثقافة، وسیبقی التحقيق بین الثابت والمتحول هو المحنة والمهمة لکل الشعوب عبر التاريخ، للوصول الی الانسجام والتکامل بین الثابت والمتحول.
الدکتور سامان سوراني




16
قرار البرلمان العراقي ومحاولات نسف الشراكة مع شعب كوردستان
بالأمس رأینا كيف حاول البعض مسك الحقيقة من ذيلها، إذ قاموا بإخضاع نصوص الدستور للتأويل اللاموضوعي، من أجل التحوير والتحريف، غير مهتمين بالركن الأساسي في حكم عراق ما بعد سقوط تلك الدكتاتورية، ألا وهو التوافق السياسي، إذْ أن فقدان هذا التوافق سوف ينهي في العراق ما نسميه نحن الشراكة الحقيقية في الحكم. 
ففي فجر يوم الخميس المصادف ١٢ تشرین الثاني ٢٠٢٠ تم تجاهل حقوق شعب كوردستان بعد أن صوّت نواب تابعين للقوی الشيعية والسنية في البرلمان الإتحادي على قانون الإقتراض الداخلي تجاوز بشكل صریح علی مبادئ الشراكة والتوافق والتوازن بين مكونات العراق، التي تأسست علی ضوئها العملية السياسية، تم بموجبه حجب حصة الإقليم من قانون الاقتراض، في وقت بدأت فيه الحکومة الإتحادية کخطوة إستفزازية بصرف رواتب موظفيها لشهرين متتالين. 
نحن نعلم جيداً بأن الذين يستفردون بإقرار قانون تمويل العجز المالي من دون التوافق مع ممثلي شعب كوردستان و يتصدرون واجهة الدفاع عن طوائفهم ومذاهبهم ومعسكراتهم بالأفكار السائدة والأنظمة المتحكمة والشعارات الخاوية والمقولات المستهلكة لا يستطيعون القيام بمهام قضية العيش المشترك وبناء الدولة الناجحة والحکم الرشید.
إن إغفال مطالب الإقليم بهذا القانون من قبل نواب من الطائفتين السنية والشيعية وتجاهل إنسحاب نواب کافة الكتل السياسية في الإقليم بلا إستثناء من الجلسة البرلمانية عبر إتفاق مبرمج ومدعوم من قبل شبکات عنکبوتیة تابعة لجهات غير مجهولة عقوبة مالية و غبن مكون أساسي في العراق و ورقة ضغط سياسية علی الإقلیم و خطوة خطيرة هدفها نسف مبدأ التوافق والشراكة، لأن حصة الإقلیم من الإيرادات الإتحادية حق يکفله الدستور وليست هبة من طرف أو آخر. 
فالعلاقات التضامنیة الكوردستانیة العراقیة المتبادلة والمواطنة والمساواة والتعایش المشترك یجب أن تعتمد علی فهم مبدأ التوافق لا العمل بمنطق الأکثرية والأقلية، إذ بدون ذلك یصعب المضي الی الأمام، لایکمن للعراق أن یستقر أو یتقدم علی أیدي أناس یعتبرون أنفسهم وحدهم ورثة العراق وکل مافیه، مهملين تحقيق المصالحة العامة والإنسجام مع إرادة شعب كوردستان.
إن تهميش شعب كوردستان وإقصائه والحط من مرتبته وقيمته والعودة الی أجواء التوتر والشکوك المتبادلة وقرع طبول التهدیدات وعودة شبح الدكتاتوریة والإستبداد لا ينفع بناء "العراق الموحد" أو إخراجه من براثن الجوع والفقر والبطالة والجهل. إن الإصلاح في جمهوریة الفساد يقتضي إعادة النظر في مسألة المصداقية المعرفية، بعيدة عن التعامل مع المعرفة بصورة أحادية نخبوية و هو يقتضي أيضاً أن تشكل ثقافة مضادة للهدر، تفتح الإمكان لاستغلال الموارد بصورة مثمرة و فعالة، بالإضافة الی خلق الفرص لأفراد المجتمع للمشاركة في إغناء و تطوير صيغ العقلنة وقيم التواصل و قواعد الشراكة الحقيقية.
فبدل العمل علی اجتراح الإمكانات لتأمين فرص العمل و أسواقه و شبكاته ، أو لتحسين شروط العيش لأوسع الفئات من الشعب العراقي يتهم نواب من الکتل السنية والشيعية الكورد بأنه هو السبب في فشلهم السياسي والإقتصادي، إذ يحملون المسؤولية علیه و يستخدمون الميزانية كسلاح سياسي لإضعاف أربيل وتحريض مواطني الإقليم على الاحتجاج ضد حكومته، هاربين من استحقاقات الكورد أو إيجاد الحلول للمآزق والكوارث والإفلاس و البطالة وعدم تحسين البنية التحتية وشروط العيش لأوسع فئات من الشعب العراقي. بمواقفهم و قراراتهم السلبية هذه سوف يدفعون عجلة تفاقم المشكلات واستعصاء الحلول نحو الأمام، لکنهم لايستطیعون التأثير علی مواقف شعب كوردستان المناضل و إيقاف سعي قيادته الحکيمة في الدفاع عن حقوقهم المشروعة والسير  بسفية الإقليم نحو برّ الأمان.
ختاماً: في زمن ثورة المعلومات والعصر الرقمي لاتنفع الدولة الفاشلة وأصحاب الرؤی الرجعية إستخدام النماذج السياسية المستهلكة والبعيدة عن الشعور الإنساني العميق، المدرك لحكم المأساة وطبيعة الحياة وثقافة الحوار والتعددية والتعايش وقبول الآخر المختلف، ولاتنفعها النماذج القائمة علی فلسفة الاقصاء والتهميش وحرب الآخر والداعمة لهواجس وحسابات الربح والخسارة.
الدکتور سامان سوراني


17
عملية حرق علم كوردستان و نوايا فصائل اللادولة

الدکتور سامان سوراني

إن عملية حرق الأعلام و إقتحام المکاتب السياسية و مقار البعثات الدبلوماسية و إضرام النيران فیها بغية حرق محتویاتها من أساس و وثائق و رفع شعارات تجسد روحاً عنصرية أو شوفينية بقلوب ملیئة بالحقد والکراهية دلیل علی إبتعاد الفاعلين عن الأسلوب الإنساني والحضاري في التعبير السلمي عن إحتجاجات أو غضب.

هذه الظاهرة السلبية والخطيرة، التي تدفع الی المزيد من التطرف في التعامل مع القضایا السياسية والإجتماعية تثير الأحقاد والكراهية والنعرات والصراعات بين مکونات المجتمع.

في الدول المتحضرة تقوم الحکومات بتشریع قوانين تعاقب بالسجن لمدة تصل الی ثلاث سنوات أو بالغرامة المالية من يحرق الأعلام ويسيء للرموز الرسمية أو السيادة الوطنية المعترفة بها دستورياﹰ و دولياﹰ.

صحیح بأن النخبة العراقية المؤمنة بالديمقراطية و السلم الإجتماعي و عدد من القوی السياسية إعتبرت هذا الهجوم تهديداً “للعملية الديمقراطية في العراق” المبنية على التعددية الحزبية وحرية التعبير عن الرأي و دعت من أجل في ايقاف لهيب فتنة حرق علم كوردستان في العراق والحد من التصعيد ضد شعب كوردستان وإستنکرت الإعتداء الذي تعرض له الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد و تدنيس علم الإقليم الدستوري على يد مجموعة شبه عسكرية منضوية تحت غطاء ما يسمى بـ (الحشد الشعبي)، التي ارتكبت في أماکن أخری من العراق من الفظائع والجرائم ما يندى له جبين الإنسانية، إلا أننا نؤمن بأن النقاش العقلاني و التوعية والاعتدال والعمل علی ترسيخ مفاهيم العيش المشترك هو الطريق الأمثل للتأثير علی وجهة نظر المقابل، لا الإعتداء علی الأملاك الخاصة والعامة والتصعيد و حرق الأعلام في الشوارع و تفجير البنایات وقتل الأبرياء.

إن دق إسفين العداء بين حکومة الإقلیم و الحکومة الفدرالية بأجندات سياسية أو إنتخابية و توظيف العناصر المتسببة لزعزعة التعايش السلمي بهدف التفکك و الانحلال المجتمعي لايکتب له النجاح.

ولضمان الحفاظ على التعايش السلمي المجتمعي نری أنه من واجب حکومة السيد مصطفی الكاظمي اليوم فرض القانون وبسط سيطرتها وحماية المشاركين في العملية السياسية والترکيز علی نشر ثقافة التعددية والديمقراطية و تعضيد أواصر الشراكة والعمل السياسي المشترك وتعزيز مرتكزات بناء دولة المواطنة ومنع تغليب ثقافة القوة على الحوار، والتخاصم على التحاور وإيقاف أعمال الحرق والتخريب وسياسة تکميم الأفواه التي تمارس من قبل فصائل اللادولة العاملة لأجندات خارجية و الإستمرار علی برنامج إنهاء وجود البیئة الحاضنة للدولة الموازية والسلاح الموازي والميليشيات الخارجة عن القانون. 

ختاماﹰ: إن كان النظام السياسي العراقي الحالي ليس قادراﹰ على التعامل مع هذه الهجمات والمشكلات التي تهز استقرار البلاد وإذا إستمر الوضع القائم على ما هو عليه ولم تحاسب الجناة وتقدم الی العدالة علی وجه السرعة، فلابد أن نقرأ “الفاتحة” علی روح المشروع المستقبلي لحکومة السيد الكاظمي والسلم الإجتماعي و بناء الإتحاد الفدرالي في العراق.   

 

18
نعم التسامح هو روح كوردستان
بما أن التسامح هو، کما يراه الفیلسوف الفرنسي François-Marie Arouet المشهور بـ "فولتیر"، نتیجة ملازمة لكینونتنا البشرية وليست سبب، يظل التسامح رغم الإقتتال والتعصب والتطرف في الأفكار والرؤى المسيطر علی عالمنا المعاصر المبدأ الرئيسي لأي مجتمع منفتح، بل هو مقوم أساسي من مقومات التفلسف والديمقراطية وحقوق الإنسان.
فشعار التسامح، الذي يرفع اليوم عالمياً لمواجهة ما يتصف به عصرنا من مواقف وسلوكيات تميل إلى التطرف وتمارس العنف هو من الشعارات الإيجابية، بعد أن تراجع الإتجاهات الفكرية والسياسية الأحادية، التي کانت تقترن بالوثوقية أو الدوغمائية وتغلق باب الإجتهاد ولا تسمح بالإختلاف وتمارس الإستبداد وإقصاء الآخر.
لقد كان "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" سنة 1948 بمثابة تغيير في براديغم النقاش حول التسامح، وهذه المرة على مستوى الإنسانية.
ففي الفقرة 18 منه يذکر بأن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة."
اليوم يتسع الإقرار بالتعدد، وينتشر ثقافة الحوار والمشاركة، التي هي أساس كل بناء ديمقراطي سليم في الكثير من مناطق العالم.
أما التراث التاريخي للقائد الخالد مصطفی بارزاني کمصدر إلهام ومنبع للدروس والعبر فقد أغنی المجتمع الكوردستاني بمفاهيم قومية ووطنية مليئة بالتسامح والإنفتاح علی أتباع الدیانات وقبول الآخر والصداقة والتعايش بين الأقوام والأديان والمذاهب والحوار السمي والتعاطف مع محنة المرأة الكوردستانية ونصرة الفقراء وإحترام معتقدات وطموحات الشعب المشروعة. 
لذلك نری تأكيد الرئیس مسعود بارزاني، الحامي لهذا التراث العظيم، في أكثر من مناسبة علی التسامح والسلام والتعايش المشترك والتفاهم حول الأهداف والغايات والتّعاون على العمل المشترك من أجل تحقيقها، بإعتبار كل تلك  المفاهيم رسالة شعب كوردستان الأسمی في مواجهة التطرف والعنف المفرط و سلب الحرية و بروز النهج الدکتاتوري والإستبدادي.
هکذا إستطاع إقلیم كوردستان أن يتحول من ساحة إقتتال وحرب الی موطن للتعايش والتسامح والحقوق والحريات لكل مكوناته القومية والدينية وصار معقلاً للتعددية الدينية والقومیة. إذ أصبح إقلیم كوردستان ملاذاً آمناً لمئات الألاف من النازحين واللاجئين والوافدين من المحافظات العراقية الأخرى و من سورية بسبب الهجمات الإرهابية والعنف والإقتتال الداخلي، فراح شعب الإقلیم بمساندة حکومته يطلق الحملات، وينظم الفعاليات بهدف تقليص الآثار السلبية عليهم، عبر إيوائهم في أماكن مخيمات سكنية لائقة، حیث قدم لهم المعونات والمساعدات الطبية والعينية والمالية، بما يعينهم في تخطّي أزمتهم وتجاوزها.
صحیح أن الإيمان يحصل بالاقتناع الذاتي، ولا يمكن أن يُفرض من الخارج والقيادة الكوردستانية الشابة والطموحة تعرف بأن التسامح هو روح كوردستان، فهو ليس فضيلة فحسب بل هو ضرورة وجودية اجتماعية وثقافية وسياسية.
فمن أجل تحصين واقعنا أمام كل مخاطر الدوغمائية والتعصب الأعمى الذي يمكن أن يحيط بنا ويستهدف وجودنا وتطلعاتنا، تعمل هذه القيادة في هذا الزمن المليء بالتحديات مع شعب كوردستان کفريق واحد علی تعزيز وتعميق ومحافظة ثقافة التسامح، لأنها تدرك بأن المجتمعات البشرية، خاصة مجتمعات منطقة الشرق الأوسط، تعاني من تفاقم مظاهر التعصب والعنف واللاتسامح.
هذە المظاهر تؤدي بدورها الی إحداث خلل في الأسس والمبادئ والقيم التي تحكم العلاقة بالآخر لدرجة إقصائه فكرياً وسياسياً ودينياً وإنسانياً، لأن مآل غياب التسامح أو تغيبه هو سيادة عقلية التحريم والتجریم.
إنّ الشعوب والأمم العظيمة هي التي تدرك أنّ سرّ قوّتها في محبّة أبنائها وتسامحهم فيما بينهم، فتحمي بذلك مجتمعاتها ومكتسباتها، وتصنع لأجيالها حاضراً ومستقبلاً أفضل، بل تشكّل من خلالها جسوراً متينة بين مختلف الثقافات والحضارات.
وختاماً يقول فولتیر: "التسامح قيمة إنسانية، يجب أن تسود العالم، على اختلاف أشخاصه ولغاته وأماكنه ودياناته وعاداته، أي يجب أن يكون التسامح تسامح مطلق، ويجب أن يعم سلام كلي ودائم للكون"، وهذا ما نتمناه للمنطقة وللعالم أجمع.
الدکتور سامان سوراني

19
كوردستان وسياسة التوازن والتضامن
ماتشهده منطقة الشرق الأوسط بما فیها إقلیم کوردستان من تطورات متسارعة في حرکتها و إنعکاساتها في ظل ظروف معقدة علی الصعیدین الإقلیمي والدولي والمحلي، مع بروز تداعیاتها علی الساحة العراقية من خلال التوازنات الجديدة المتوقع حصولها في هذه المنطقة الحيوية من العالم و إدعاء القوى الدولية والإقليمية مواصلة سعیها ليکون الشرق الأوسط ومن ضمنه إقلیم كوردستان مستقرًّا و منطقة واعدة، مع إزدیاد تركُّز القواعد العسکرية الأجنبية فیها (قواعد أميركية وبريطانية وفرنسية وروسية وتركية وإيرانية، بل وحتى صينية موجودة في منطقة القرن الإفريقي) للوصول الی مایقارب خمسين قاعدة.
في الوقت الذي ينأی حکومة إقلیم كوردستان بالنفس عن سياسة الأحلاف والمحاور، بعد قرأته الواقع والتفاعلات السياسية المتسارعة في المنطقة، يسعی القيادة السياسية الحکيمة بشكل متواصل الی بناء علاقات متوازنة مع دول الجوار والدول الفاعلة عالمياً بما يحقق المصالح العليا للإقلیم والأخذ بشعب الإقلیم لبر الأمان والإستقرار ویعمل علی مشاریع مرتبطة بالتضامن الحقيقي من الناحیة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية ونشر سياسة التضامن، والتعاون، والتوازن لا في العراق فقط، بل في المنطقة کافة، للتخلص من عقدة التوسعیة علی حساب الآخر والتحلي بفلسفة الإنسجام والتسامح، تكريساً للعدل والمساواة بين شعوب المنطقة والعالم.
ساهم الإقلیم کبوابة الشرق الإقتصادية الآمنة من خلال قدرته على صناعة توازن أمني داخلي وخارجي بشکل فعال في بناء توازن استراتيجي مستقر في هذه المنطقة، حتی أصبح اليوم عنصر رئيسي لقياس مدى استقرار المنطقة، لأن حکومة الإقلیم يعمل کما ذکرنا أعلاه بسياسة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة وينبذ سياسة المحاور والتكتلات والاستقطابات. لقد أصبح الشرق الأوسط في السنوات الماضية منطقة جاذبة للقوة الخشنة والقوة الناعمة والقوة الذكية والقوة القاسية، لکننا نعتقد بأن ممارسة القوة وإتباع النهج المبني علی تحالفات علاقات هجينة وتواطؤ الأضداد غير قابل للإستدامة، والتوازن لايتحقق إلا عن طريق قدرة نظام الأمن في توليد طاقات متعادلة ومتماسكة ضمن جميع الاتجاهات السياسية. القيادة السياسية الحکيمة في كوردستان تعلم بأن للموقع الجغرافي لإقلیم كوردستان، الواقع عند حافات إمبراطوريات تأریخية منتهية صلاحیتها وفي ملتقی طرق الحضارات الإنسانية الرفيعة أثر بلیغ علی مصير سکانه و مستقبلهم السياسي وأن لقیمته الجيوستراتیجي والجيوبولیتیکي المتحکم بقلب الشرق الأوسط و ممراتها ومفاتیح إجتیازها تبعات من النواحي الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة والسلوكیة والجیوبولتیكیة، لاننسی أن هناك منطقة ضمن إقلیم كوردستان تحتل مركز الصدارة في ربط أكثر الدول أهمية ببعضها البعض (إيران – العراق – تركيا) وأن التوازن الإقليمي هو الذي يؤثر على التوازن الدولي، وذلك كونه ينظم علاقة القوى الرئيسة المسيطرة على سياسة العالم.
يعتبر مفهوم الأمن في الشرق الأوسط من المفاهيم المعقدة في السياسة الدولية، کونه مازال يخضع في معظم مناطق الشرق للسياسات الدولية، فهو مرتبط بشكل أساسي بالوضع السياسي واستراتيجية القوة الاقتصادية، لکن القدرة السياسية والعسكرية، المدعومة منذ عام 2014 من قبل قوات التحالف ضد الإرهاب العالمي، والقدرة الاقتصادية والاجتماعية لإقليم كوردستان، جعله ينتصر عسکرياً علی تنظيم داعش ليصنع بُعداً سلوكياً أمنياً.
إن هذا البعد السلوکي الأمني يرتبط إرتباطاً وثيقاً بمصالح العالم، وهذا بدورە يعزز قدرة الإقلیم في التغير الحقيقي لبسط معادلة السلام والأمان ضمن جميع المناطق المحيطة بە ويجعله أكثر مرونة وحركة وفاعلية خاصة ضمن معادلة التوازن الدولي والإقليمي.
إن قدرة قيادة الإقلیم، المدركة لحجمها ودورها، على توظيف هذا الموقع الجيوستراتیجي وفق مصلحته العلیا والمصالح المشتركة مع البيئة العراقية والاقليمية والدولية سوف تحقق المبدأ المهم والاساس وهو عنصر التوازن في التعاطي مع مختلف دول العالم، ولهذه القيادة الرؤية الاستراتيجية لاستثمار كل إمكاناته لبناء إقلیم حديث بمعنى الكلمة يقود منطقتها نحو التطور والنمو الحضاري.
وختاماً: ستبقى إستراتيجية التوازن والتضامن والتكافؤ في التعاطي الإقليمي والدولي هي الانسب لإقلیم كوردستان في سياستها الداخلية والخارجية.
الدکتور سامان سوراني

20
إستفتاء شعب كوردستان في الميزان
فلسفياً يقال بأن العقل الجدلي ليس إلا دینامية الفکر، والفکر يکون جدلياً إدا ما کان يمیل بإستمرار الی أن يتجاوز نفسە سواء في ذهابه الی أقصی حد تسمح به المتضّمنات المنطقية لما سبق له أن أکتشفه، أو بإنتقاله الی وجهات نظر جديدة تعارض القضايا التي کانت قائمة في البداية.
مسألة إستفتاء شعب كوردستان بقيادة الرئیس مسعود بارزاني (الذي أجري في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول 2017 بمشاركة 27% من أصل 4.5 مليون ناخب من الإقليم وخارجە، حيث بلغ عدد المصوتين بـ"نعم" 29%)،  هي بجانب حقوق طبيعية لشعب ناضل زهاء قرن من الزمان مجرد تفاعل شعب كوردستان مع الواقع السياسي والأمني غير المستقر في محيطها.
من حق الکوردستانیین، الذين يتمتعون بلغة وحضارة وتاريخ وعادات تختلف عن البقية الباقية من الشعب العراقي، أن يسعوا إلى المحافظة على هويتهم وحقوقهم ويظل حلم الدولة الكوردستانية المستقلة حاضراً في أدبيات ذاكرتهم السياسية.
نعم لايزال شعب كوردستان متسمك بمخرجات الاستفتاء المذکور وليس من حق أیة جهة رسمية (حكومة وبرلمان الإقليم) أن تلغي نتائج الإستفتاء وبطلانه، بل تجميده فقط، هذا الذي حدث.
قانونياً لایمکن أن تلغی النتائج إلا بإستفتاء جديد، لکن هل تجرؤ جهة ما أن تقف ضد رغبة هذا الشعب المناضل، الذي يمکن أن يطالب بتفعیلها في المستقبل؟
بعض نظريات العلاقات الدولية تقول لاتحارب الديمقراطيات بعضها البعض و نحن نقول أن السلم والإستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي مهما كان نوعه وشكله لن يعم في العراق وفي الشرق الأوســط دون إيجاد حل سياسي جذري ونهائي للقضية الكوردستانية، التي إتخذت طابعاً دولياً وتحولت إلى قضية ساخنة في الشرق الأوسط والأدنى، أو دون الإعتراف الکامل بحقوق شعب كوردستان، الذي وصفهم المفكر الأرمني خجاتور أبوفيان (1805ـ1846) في مقالته تحت عنوان "الأكراد"، بـ"فرسان الشرق".
يعتبر إقلیم كوردستان الواقع في قلب الشرق الأوسط اليوم نقطة إلتقاء المصالح الدولية والإقليمية بسبب موقعها الجيوبوليتيكي، وهو عامل مؤثر أساسي في التحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط، حیث يشکل طاقة أساسية إقتصادية وبشرية، لايمكن الإستفادة منها إلا بعد حل قضيتها القومية.
أما قادة الإقلیم رئاسةً و حکومةً، فلهم بحکم عقلانتیهم في التعامل مع الواقع و سياستهم المعاصرة وعلاقاتهم المتعددة والمتشعبة في المنطقة وعلی الصعيد الدولي، تأثيرهم على الفواعل الدولية ومراكز صنع القرار الاقليمي والدولي والنفوذ السياسي.
إذن من مصلحة الأطراف الداخلية في العراق والإقليمية والدولية الإستفادة من هذه العلاقات التاريخية وحل هذه القضية ليعم الأمن والسلام والإستقرار في المنطقة.
نعم إن إستمرار تحکم الأنظمة الإقليمية بالسلطات القائمة بالعراق وسيطرتهم علی القرار السياسي والامني والعسكري العراقي، وعلى كافة المستويات الحكومية والحزبية والعسكرية والامنية والاقتصادية والتجارية وضياع السيادة و إستقلال الدولة والحکومة فيە، کلها عوامل غير مساعدة لتهیئة الظروف والمناخ الملائم لحل المشاکل العالقة بين الإقلیم والعراق الإتحادي، لکن مع کل هذا نری بأنه من الضروري الآن الإتجاه إلى مفاوضات سياسية للاتفاق على إعادة تعريف العلاقة بين الإقليم والإتحاد والاتفاق على تنظيم العلاقة بين حكومة العراق الإتحادية وحكومة إقليم كردستان للحفاظ على النموذج الفدرالي للعراق وإخراجه من بُوتَقة ونفوذ وتدخلات الدول المجاورة وارساء مقومات نهضة تنموية وصحوة تقدمية وفق منظور استراتيجي جديد وفق معطيات واقعية ودستورية وإقامة نظام ديمقراطي وإقتصادي عادل يخدم الشعوب في العراق الإتحادي.
ختاماً: علی الفاعل الكوردستاني في عصر التکامل الذي يضاعف الفرص وطاقات القيادة الشجاعة والحکيمة في تسطير تاريخ زاهر العمل علی تماسك الجبهة السياسية الداخلية و بناء هيکل سياسي متين قادر علی ترشيد إدارة الإقليم و دفعه نحو عقلانية وبراغماتية سياسية أكثر للوصول الی التمثيل الداخلي القوي و إرساء العلاقات الجيدة بدول الجوار والدعم الدولي المبني على المصالح المتبادلة للحفاظ علی مکتسبات الإقلیم الدستورية والتقرب من حلول ناجعة تدعم مطالب شعب كوردستان والاستقرار والسلام.
الدکتور سامان سوراني


21
إقليم كوردستان وأهمية فلسفة التجديد الثقافي الوطني
بما أن التجديد سنة الحياة و قانون الطبيعة و تجسيد للوعي، يهدف الی صنع الحاضر وتطوير الواقع وتغييره بمعايير وشرائط متوفرة وطرائق مختلفة، إلا أن التجديد في ميدان الثقافة هو بمثابة تجديد في الحياة الإنسانیة كلها، لأن الأنشطة البشرية كالصناعة والزراعة والتکنلوجيا هي نتاج الثقافة، فالسياسة مثلاً، هي ثقافة الحکم. 
البراديغم الثقافي "cultural paradigm" من المنظور السوسيولوجي يعكس فلسفة الإنسان و فلسفة الجماعة، ويشكل نسقاً متكاملاً ورباطاً عضوياً بين الإنسان والإطار الذي يحويه وكذلك النظام الذي يحكمه ضمن مجتمعه. العقل لا يزدهر إلا بمقدار ازدهار الثقافة التي ينشأ عليها فهي رحم العقل وهي قالب العواطف وموجه السلوك وأن ما يبنی على افتراض صحيح سيؤدي الی نتيجة صحيحة.
للأسف تأتي الثقافة في إقلیم كوردستان بعد السياسة. السبب يعود بشکل أساسي الی الظروف الموضوعية المحبطة و هیمنة السياسة في تاريخنا الحاضر، رغم كل المحاولات الجادة من قبل القيادة الكوردستانية في تلقيح العناوين والمفاهيم والقيم القديمة والحديثة بعناصر ومقاصد وأبعاد جديدة،علی سبيل التطوير والتجديد أو الإغناء والتوسع، سواء تعلق الأمر بالأدارة والديمقراطية أو بالحرية والعدالة أو بالتنمية والعولمة.
صحیح أن الجغرافية السياسية للشرق الأوسط تقف اليوم ولحسن الحظ نوعاً ما الی جانب الكوردستانيين وأن إقليم كوردستان من الناحية الأمنية بقي بفضل السياسة الحکيمة لهذه القيادة قطب هادیء في هذه المنطقة، إلا أنّ العمل علی تجديد الثقافة الوطنية مقارنة بالتحديات الجسيمة التي يواجهه شعب كوردستان وقضيته العادلة کان وللأسف ضعیفاً. أما عن المثقف الكوردستاني ودورە في تجديد الثقافة الوطنية، فقد کان بحسب رأینا ضعیفاً في أدائه الثقافي، لا يفكّر بآلياته و لم ينظر الی المسؤولية الوطنية بأفق أو برنامج.
نحن نعرف أنَّ لكل مثقف منشغل بالشأن الثقافي تصوّرات أو مقترحات حول الشأن العام، لأنه، شاء أم أبی، فسوف يبقی شَريكاً فـي إنتـاج المفاهيم والتّصوّرات، بما يعود على جميع مجالات الحياة الإنسانية بالتنوير و التطوير والإبداع.
إن عدم الإهتمام بالتجديد الثقافي الوطني في الإقليم بالشکل اللازم سوف يوقف، في ضَوء ما تجري من انقلابات في الأفكار، توليد الجديد والمبتكر والأصيل والخصب من الصيغ والنماذج والقوانين والتشريعات.
علينا قراءة الحدث للمساهمة في عملية الخلق من أجل توسيع آفاق الوجود و إثراء إمكانات الحياة وأن نحول الثقافة الوطنية الی نمط وجود تتجذر في اللاوعي وتستقر في قعر الذاکرة، لتغدوا هوية يأتلف المرء الكوردستاني معها و يعتاد عليها و يشعر بالنقص والفراغ والوحشة والخواء إذا ما إفتقدها.
من خلال التجديد الثقافي والفكري نستطيع الوصول الی مفاهيم وقيم ومنظومات معرفية لاستجابة التحديات، وتحويلها إلى فرص وكذلك نستطيع تجسير الفجوة بين المفكر وصانع القرار وإعادة الروح الواثقة، والمفاهيم الناصعة، لكي نضع حداً للتخلف والتراجع الاقتصادي والتقني والثقافي ونعزز إقلیمنا ونتعامل بإبداع مع متطلبات العصر وتحولاته, ونواجه الفساد وهبوط المستوی التعليمي والتربوي، ونملك الرؤية النافذة، والإرادة والآليات اللازمة.
إذن لنجدد الثقافة الوطنية في النصوص والخطابات أو في المؤسسات والمشروعات أو في التصرفات والممارسات وليعمل المثقف الكوردستاني في عصر الوسائط، وهو وسيط بين الناس يسهم في خلق وسط فكري أو عالم مفهومي أو مناخ تواصلي، بإعادة التفکير في نظام الفكر وقيمه و نتاجاته بعيداً عن التوظيف السياسي الأيديولوجي، بغية تركيب ثقافة المجتمع الکوردستاني من جديد. علیە أن لا ينشغل باللعن والترجيم أو التسبيح والتعظيم، فبعد العولمة الرقمية والعالم الإفتراضي لا تفيد هذه الثنائیات الکلاسیکیة ولن تعود الأشياء کما کانت عليه.
ولتکن من أولويات التجديد الثقافي الوطني العمل على تغيير نمط التعامل مع القضايا والأمور ونقل النمط من واقعه القائم على الفردية أو المصالح الحزبية والفئوية الضيقة إلى نمط مؤسسي وطني، بحيث أن المؤسسة الوطنية هي التي تدير أمورنا في مختلف الحقول والجوانب.
يقول Édouard Marie Herriot (رجل دولة فرنسي بارز، 1872 – 1957): "الثقافة هي الشيء الذي يبقى في الإنسان عندما ينسى كل ما هو سواه."
الدکتور سامان سوراني

22
مسرور بارزاني وترسيخ منهج الحوار من أجل الإتفاق الشامل مع بغداد
بما أن الحوار کفعل ثقافي رفيع المستوى هو الآلية المثالية لترويض المشكلات والصراعات والحؤول دون إرتدادها على المجتمعات والدول شراً وحروباً وإنقسامات وأن فلسفة "العراق الجديد" کدولة ووطن بُنيت بعد سقوط النظام السابق علی أساس التوازن والتوافق والشراكة والحوار والوفاق والتفاهم على العيش الواحد، إلا أن السلطات المتعاقبة في بغداد ومنذ بداية صياغة الدستور وإقراره عام 2005 عملت بالضد من ذلك ولم یقدم علی أية خطوة تؤدي الی "التوازن والتوافق والشراكة"، حیث بدأت وللأسف بالتعامل بأنتقائية مع الدستور وقامت بتعطیل الكثير من مواده المستجيبة للمفاصل الحیویة والضامنة للعیش المشترك، لغرض إخراجه عن أنْ يكون عقداً مشتركاً.
لقد أكد رئیس حکومة إقلیم كوردستان، السيد مسرور بارزاني، في مجالات متعددة علی أهمية الحوار مع الحکومة الإتحادية لغرض الوصول الی حلول شاملة للمشاکل العالقة بین الإقلیم والحکومة الإتحادية بالطرق السلمية، لأن الهدف من الحوار برأیه هو من أجل كسر الجمود السياسي وإعادة إرساء حد ّ أدنى من التوافق السياسي، من خلاله يمكن الحديث والتفاوض حول الإصلاحات والخطوات الأخرى لتحقيق التغيير الایجابي علی مستوی الإقلیم والعراق. 
 وفي مقابلة تلفزيونية مشتركة مع الإعلام العراقي والعربي (کالعراقية، والعربية الحدث، والشرقية، والجزيرة، والحرة عراق، وزاگروس) أُجریت، لە يوم الأربعاء 26 آب (أغسطس) 2020  شدّد السيد مسرور بارزاني أيضاً علی أن "لإقلیم كوردستان ککیان إتحادي ودستوري داخل دولة العراق الإتحادية حقوق و واجبات، لكن عدم تطبيق الدستور كما يجب هو الذي جلب المشاکل التي يشهدها العراق الیوم".
إذن الحکومة الكوردستانية مستعدة لحل جميع المشاكل مع بغداد بشكل جذري والإيفاء بما عليها من التزامات مقابل تأمين الحقوق والمستحقات الدستورية لشعب كوردستان، والوصول إلى إتفاق شامل يرضي الطرفين ويحدد حقوق والتزامات كل طرف.
في السابق أدی عدم الإهتمام بالشراكة في صنع القرار وإدارة مؤسسات الدولة وإجتیاز التوازن بين المکونات والتوافق في اتخاذ القرارات والتشريعات في النهاية الی زيادة الهوة وتقليص الثقة بين الاقليم وبغداد.
لایمکن للعراق أن يحصل علی الاستقرار السياسي والأمني ولایمکن له أن يبني اقتصادە،إذا ما لم تعمل الحکومة في بغداد بجدية علی خلق هذا التوازن والحفاظ علیە.
بالطبع يأتي إعداد الحوارات علی مستوی الإقلیم والحکومة الإتحادية كإستجابة للأوضاع التي يمر به العراق والمنطقة وهو مطلب ضروري من أجل التعامل مع الأزمات ذات الأهمية المشتركة، التي لها انعكاسات على المجتمع العراقي ككل.
نحن نعلم أن العراق کدولة إتحادية بحاجة ماسة الی بلوغ اتفاق ّ سياسي مع حکومة الإقلیم، أو حتى (إعادة) تأسيس إطار مؤسسي جديد بما يستوفي وظيفة إدارة الأزمات (الأزمة الصحية والأزمة الإقتصادية وأزمة السلاح المنفلت و نفوذ عناصر اللادولة، التي ترید اللاإستقرار والفوضی العارمة) وتخفيف حدة التوترات، من أجل بناء نظام سياسي جديد ووضع عقد إجتماعي جديد لإنهاء الشعور بالإستياء العارم والفجوة المتنامية بين المواطنين والنخبة الحاكمة في بغداد.
کل هذا لایمکن أن یحدث، إذا کانت النية من الانفتاح السياسي ليس خدمة الشعب، بل محاربته وإذا ظل الإطار السیاسي الجامع الذي یحتکم الیه الجمیع غائباً وإذا لم يصبح الدستور العراقي إطاراً جامعاً وإذا لم تُفعّل جمیع مواده.
التعددية نعمة وليست نقمة والسياسة هي منذ قرون فن إدارة الإختلاف، وعلی صانعي القرار في بغداد أن يعرفوا بأن القيادة الكوردستانية تمتلك إنضباط أخلاقي وعقلاني و روحي و إرادة التعايش، تغرسها بالتعلیم والتربية.
نعم هناك أكثر من تکامل بین الإقلیم والعراق، خاصة اليوم ونحن نعیش بسبب العولمة في قرية واحدة ومصير مشترك، نتحاور ونقبل التغيير في وجة النظر، التغيير في النظرة للحياة والمشاکل الأساسية الاستراتیجية وغير الاستراتیجية، أما المنهج الأساسي للأقلیم في التعامل مع بغداد فهو عقلاني، متفتح، سلمي، حضاري وليس منهج ردود أفعال غيرعقلانیة أمام اللادستورية و نقائض القرارات، التي کانت تصدر من قبل السلطات السابقة في بغداد.
لا بديل عنِ التعاونِ والشراكة والتضامن، فمستقبل العراق مرهون بالعلاقة بين الإقلیم والحکومة الإتحادية والحکمة والعقلانية تطلب منا أن نتحاور بلاحدود وبلا شروط في إطار حوار سياسي، لأن التعايش مرتبط بالتعرّف والحفاظ علی الأصالة والمساهمة مع الآخر في إطار تحريك التاريخ المشترك والبحث عن عراق جديد يدار بالعقلانية والحکم الرشيد، بعيداً عن التطرف والطائفية والتعصب المذهبي والجمود الفکري وسوء التصرف ومنطق السوق.
وختاماً نقول، من يريد الإندراج في زمنه للمساهمة في صناعة عراق ديمقراطي فدرالي بصورة بناءة، عليه أن يمارس کرئیس حکومة الإقلیم فلسفة الحوار وأن يتمرس بالمداولة العقلانية المنتجة للصيغ المبتكرة و يبتعد عن منطق النفي والضد والتفكير بعقلية أصولية إصطفائية، لكي ينخرط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش السلمي والتبادل علی أسس مدنية أو حضارية في أطار دولة دستورية تؤمن بالمنطق العلائقي الوسطي التواصلي السلمي وتعترف بالآخر المختلف حق الإعتراف.
فلا شيء يدمر القضايا والمشاريع أكثر من أحادية المرجع والقطب والرأي والصوت والطاغية دوماً تصنعها الثقافة، وسیبقی التحقيق بین الثابت والمتحول هو المحنة والمهمة لکل الشعوب عبر التاريخ، للوصول الی الانسجام والتکامل بین الثابت والمتحول.
الدکتور سامان سوراني

23
تساؤلات مشروعة حول زیارة الكاظمي الی واشنطن
هل نحن بحاجة الی إستقبال رئیس مجلس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض، بعد تحديد موعد للقاءە بالرئیس الامريكي دونالد ترامب في العشرين من آب الحالي، لكي ندرك نتائج الحوار حول آلية تجديد اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية؟
بحسب الفيلسوف الألماني الشاب والمنظّر في الواقعیة الجديدة ماركوس غابريـل بأن الواقع هو مركب من علاقات، وأن کل تعامل مع الواقع هو قراءة له، وکل قراءة تشكل واقعة جديدة تترك أثرها ومفاعيلها في المجريات.
فالعراق، کمنطقة صراع بین تیارین متعارضين لایلتقيان، تیار یسمی نفسه بمحور المقاومة (منهم لبنان، حزب الله تحديداً، سوريا کنظام، العراق، أحزاب وفصائل ومیلیشیات موالیة لإیران تحديداً، روسیا) رغم إختلاف وتعارض أنظمته السیاسية، لکنە متماسك و مترابط في مواجهة عدو مشترك، الذي في نظرهم هو الولایات المتحدة الأمریکیة،  والتیار الآخر المتعارض أیضاً فیما بینه والمنضوي تحت لواء الفاعل الأمريكي الذي في يده زمام الأمور بالکامل (منهم إسرائیل وترکیا الی حدٍ ما، ودول خلیجية ومصر)،  لا یتعامل مع الدول الإقلیمیة بمعايير العلاقات الدولية، بل يتخذ الی حد هذه اللحظة من نموذج قاعدة صاحب الأفضلية أسلوباً للتعامل مع دول الجوار.
فقبل مجيء حکومة السيد الکاظمي، التي تشكّلت في 7 مايو 2020 لتسير العراق لمرحلة إنتقالية، کانت العقلية التي تسنمت زمام الامور في العراق بعد سقوط نظام البعث تحکم بعُقد الماضي وتعيش المعارضة السلبية رغم تسلمها الحکم، لذلك لم يتمکن أصحاب هذه  العقلیة فرض رؤیتهم وإرادتهم، هذا إذا كانوا يمتلكون بالفعل رؤية أو إرادة.
لکن هل هذه العلقية تفهم کل تلك التغيرات التي طرأت علی الشرق الأوسط و تعرف بأن التفاعل مع "الآن وهنا" يفيد المستقبل وأن العلاقات بين الدول لا تبنی علی أساس القيم والأخلاق والنیات الحسنة، بل علی أساس المصالح؟
مانلاحظه اليوم في حقل العلاقات الدولية، هو ظهور مبدأ جديد، تبناه الرئیس الأمريکي دونالد ترامب منذ وصوله الی هرم السلطة في الولایات المتحدة الأمرکیة لتوضيح طبیعة النظام الدولي، به تحول الإقتصاد الی عامل أساسي في السياسة الدولية. لذا قد تکون فترة حکمه المصبوغة بالطابع الإقتصادي في نظرنا محكومة إلى حد بعيد بالصفقات الاقتصادية والتجارية.
فالرئیس ترامب هو رجل أعمال بإمتیاز ولیس رجل سياسة، وهو يرغب في کل محاولاته الوصول لصفقات سياسية ذات طابع اقتصادي بشكل سريع. من وجهة نظرنا هذا ما سوف يحدث في لقاءه المزمع مع رئیس الوزراء العراقيّ في واشنطن.
صحیح أن العراق، كما أشرنا الیە، هو منطقة صراع وأن أمریكا بسعیها الی ضرب إيران وسلاحه المتألف من أتباع و وکلاء وقوات میلیشياوية موالیة، تريد إنهاء الهیمنة والتدخل الإيراني في شؤون بلدان المنطقة على كافة الأصعدة العسكرية والاقتصادية والثقافية  وتفکیكها وتغيير خارطها السکانیة، إن لم نقل تدأب الی إنهاء المشروع الإيراني القومي المتستر تحت يافطة الدعوة الدينية والكليشيهات الإيديولوجية، إلا أنّ هذا لايعني أن السيد الكاظمي يجب أن ينتظر من دولة عاجزة أن تصنع المعجزات وأن لا يقوم علی إنشاء قوة دافعة لقطع خطوط المجال المغناطيسي لرجال الدين، الذين صنعوا دولة فاشلة، سواء من حیث نظام الحکم، أو من حیث نموذج النمو، أو من حیث النمط الحضاري والمدني.
نعم حکومة السيد الكاظمي تهدف من خلال الحوار في الجولة الثانية حول "اتفاقية الإطار الاستراتيجي" في واشنطن إلى مساعدة العراق على الدفاع عن نفسها ضد جميع التهديدات وليس فقط ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، لکن هل بإستطاعة هذه الحکومة إقامة حوار بناء مع أمریکا لتوطيد العلاقات بين الطرفين علی أساس التبادل المثمر والبنّاء، قبل انحسار الدور الإيراني القوي في العراق، الذي يرفض جهاراً دعوة بعض القيادات في العراق الی "الحيادية" ويؤکد دوماً عزمه على تثبيت قواعد الاشتباك مع الولايات المتحدة عبر العراق؟ هل من الممكن إصلاح الفكر الديني قبل هزيمة المشروع الإسلامي السياسي؟
لايزال العراق يعاني من التهکير السياسي والأمني من قبل الدول الأقلیمیة، لایزال العراق قابع تحت وطأة التخلف والعجر الاقتصاديين، ولايزال الجهل والفقر والبطالة أمراض مزمنة ومتفشية ولازالت الديمقراطية في حقيقتها مُكَبَّلة، ولایزال هذا البلد يتقدم قوائم الفساد العالمي والمديونية والعنف والإرهاب، ويتذيل قوائم الديمقراطية ومؤشر الحريات.
فإيقاف مسألة فقدان السيادة والهیمنة الإقلیمیة علی القرار العراقي أمر ضروري، لکن هذا بحاجة الی إرادة سياسية.
إن إيقاف خرق الدستور وضمان الحقوق الدستورية وإعادة هیبة الدولة والجيش والشرطة وتطهير هذه المؤسسات من نفوذ عوامل اللادولة وتحرير المناطق المخطوفة من قبل المیلیشيات المسلحة، التي لازالت تعاني من تبعات العمليات العسكرية لتحريرها، وإعادة النازحین الی مناطقهم وتأمين الإستقرار يتطلب قراراً وطنياً مستقلاً عن الطبقة السياسية، شجاعاً  ونابعاً من استحقاق الشعب وحقه في اختيار حكومة وطنية مستقلة ومتماسكة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
السؤال هو، هل الولايات المتحدة الأمریكية فعلاً مستعدة لرسم معالم علاقة جديدة يمكنها أن تؤدي إلى شراكة استراتيجية دائمة، وهل تقوم بمساعدة حکومة الكاظمي وأجندتها الإصلاحیة على بناء عراق مستقر وقوي بعیداً عن  نظام سياسي زبائني، لردع الطموحات الإقلیمیة والضغوط العسكرية التي تمارسها الحرس الثوري وسلطة طهران الاستراتيجية في المنطقة؟
لقد آن الأوان لرؤية إقتصادية إجتماعية تنقل العراق من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج وتحدد حجم ودور القطاع العام، رؤیة تندرج لتحقيقها الموازنات للخمس سنوات المقبلة ضمن مخطط إصلاحي مستدام وعلیه أن لا تکون الموازنات مجرد بيانات رقمية يتصارع عليها الکیانات السياسية على "القطعة" وفق منطق المحاصصة.
ختاماً نقول: النهوض والإزدهار لاتحدث من دون أفکار جديدة، ومن یفشل في إمتحانات المعرفة والديمقراطية والتنمية ويستمر في سياسة التبعية لمشاریع "محور المقاومة" والمحاصصة السياسية والمحميات السياسية ويقيّم الخطوات علی حساب ربح وخسارة، کائن من يکون، لایستطیع أن يقدم أي شيء.
الدکتور سامان سوراني

24
العراق بين موت النظام السياسي وإنهيار شرعية الطبقة السياسية
من الواضح أن مآل اليأس من النظام السياسي في العراق بسبب بقاءه ضمن دائرة الأزمات رغم التحول الذي شهده البلد من الناحية السياسية هو التمزق، خاصة إذا إستمر زعماء القوی السياسية، الذين لايستطیعون التخلي عن ثنائیة الفشل والفساد، علی نهجهم في إبقاء المنظومة السياسية في إطار قاعدة التخادم المصلحي والترويج عبر ماکیناتهم الإعلامية لنظرية المؤامرة الخارجية، التي تسعی "بحسب إدعائهم" للإنقلاب علی الطبقة السياسية والنظام السياسي المشکل أساساً لمصالحهم الشخصية، بعيداً عن مصلحة الجميع.
واقع اللادولة و ديمومة الفوضی العارمة في العراق يثبتان مدی صحة موضوع إنهيار شرعیة الطبقة السياسية الشيعية التي حکمت العراق بعد عام 2003.
في هذا الصدد يمكننا وبكل بساطة تصور الموت المفاجیء للنظام السياسي القائم، بدلاً عن القول بإنهاء الفجوة السياسية أو التفکير بحلول لمواجهة أزمة الشرعية عن طريق تحشيد مجموعة من الناخبين، يرتبطون بمصالح مع أصحاب القرار ضمن تلك الطبقة، وإجراء إنتخابات مبكرة والعمل علی إرجاع السيادة وإيجاد المرونة وتمتع المؤسسات السياسية بقدر من السلطة. 
إن مُحصَّلة الإنسداد السياسي وجمود المؤسسات السياسية وإستمرار اللاإستقرار وعجز الطبقة السياسية في تقديم حلول وإن كانت رمزية أو بسيطة لتجاوز الأزمات هو بحسب المنطق نوع من الإنحلال السياسي.
إن إستمرار حرکة الإحتجاجات الشعبية والمساهـمة الفعالة للنخب المعارضة التي ترفع شعارات سلمية تحت مظلة "الحراك التشريني"، قد لاتنطفىء بعد عام من اندلاعها حتى التغيير الفعلي‮ ‬التام‮،‬ والتأکيد علی ممارسة الحقوق الدستورية، بعد أن إنعدم عنصر الثقة بين المجتمع والنظام السياسي بسبب سلول الطبقة السياسية، کان من العوامل الرئیسیة والمساعدة في إعادة الإعتبار للشعب، الذي أستخدم في السابق کأرقام من قبل الطبقة السياسية في فترة الإنتخابات.‬‬‬‬‬‬‬‬
لکن إذا أراد هذا الحراك أن لا تُأکل من قبل النخب السياسية الفاسدة، فلابد له أن يبدأ بالعمل علی تنظيم نفسه بشکل سياسي للدخول في معترك التنافس و يضغط علی البرلمان للإسراع بإجراء التعديل المطلوب لقانون الإنتخابات قبل أن يقوم هذا الأخير بحل نفسه، ليضمن  إجراء انتخابات ذات مصداقية وحرة ونزيهة وشاملة بشكل صحيح بعيدة عن تأثير المیلیشيات والسلاح المنفلت.
نحن علی يقين بأنه لایمکن أن يتم التغييرعلی يد الفاعل السياسي الشيعي الذي حکم العراق بعد سقوط نظام البعث وفشل في توثيق علاقته مع الجمهور، لکن بالرغم من ذلك قد يکون تغيير النظام مدخلاً لبناء ركائز تبنى عليها الثقة بين الشعب والنظام السياسي.
الفاعل السياسي الشيعي المیهمن علی الدولة والحکومة في العراق والمحتکر للقرار السياسي في بغداد أخفق خلال عقدين من الزمان في إيجاد حلول وخطط إصلاحية مناسبة للتفرقات والتشتتات التي نالت وما زالت تنال من مشروع الدولة الإتحادية والديمقراطية في العراق. بالمقابل کان هذا الفاعل السياسي ناجحاً بعقلیته التقليدية المتصلبة في أبقاء العراق علی حال ليعيش في دوامة من الفشل والشلل السياسي بعيداً عن مشروع دولة حقيقي أو تبني رؤية عقلانية للإصلاح السياسي والاقتصادي.
إن إطلاق وعود خاوية وتهميش حقوق المواطنين وسلب إرادتهم وهدر المال العام ونهب ثروات البلد کانت من جملة المشاريع التي تبنتها تلك الطبقة السياسية، التي لاتمتلك أحزابها الی اليوم برامج سياسية مکتوبة، لکنها تستخدم أسلوب القمع والإقصاء بحق المنتقدين والمعارضين، للإستمرار في ثقافتها الأوليغارشية لغرض إدارة السياسة والقرار العسکري والأمني بإزدواجية وبشکل فوضوي.
لقد فقد النظام السياسي في العراق خيوط الإدارة والطبقة السياسية الفاقدة للشرعیة والتي لا تولي أية أهميةً لقيم الديمقراطية و حقوق الإنسان وحُكم القانون، تسعى جاهداً، بعد إعلان السيد مصطفی الكاظمي تحديد يوم  6 يونيو/حزيران من عام 2021 موعداً للإجراء الإنتخابات البرلمانية، لإستخدام آخر ما لديها من كروتها الرخيصة وهي تصارع الموت.
الدکتور سامان سوراني


25
التصوف الفلسفي والعودة الی الذات في زمن الكورونا والحروب
بما أن التصوف الفلسفي هو عبارة عن نظرية فلسفية أو الأساس المیتافيزيقي، من خلالە يسعی الصوفي وقت الصحوة تفسير أو تعلیل مایجده أثناء الوجد أو في حالة السکر.
يوصف التصوف بأنه طریق خالص لإشباع العاطفة و تغذية القلب وتصفية النفس بالمجاهدة والرياضة والإنتقال بها من حال أو مقام الی حال و مقام آخر والترقي بها للوصول الی مايسمی بوحدة الشهود أو الوجود (أي القول بأن هذا العالم المختلف في الأشكال ليس سوی مظهر من مظاهر متعددة لحقيقة واحدة هي الوجود الإلهي)  أو الفناء والحلول (أي نزول إله في شخص من الاشخاص) والاتحاد (أي شيوع الألوهية في العالم كله).
الصوفي الذي يجيد فن النزوح صوب المتعاليات، يخوض غمار تجربته الروحیة بحثاً عن الوجود، فهو لایترك مجالا للتمنطق بل يکتفي بالتخيل، والعودة الی الذات کما يراه فيلسوف الظاهرياتي/الفينومينولوجي إدموند هوسرل، صاحب كتاب "تأملات ديكارتية"، هو سعي الإنسان ليصبح حقاً فیلسوفاً، يحاول في داخل ذاتِــه قلب جميع المعارف المسلّم بهــا إلى حدِّ الآن.
إن الوجود، عند  الفیلسوف الوجودي الدانمارکي، سورين كيركجورد، الذي آﻣن ﺑﻘدرة اﻟﻌواطف واﻟﻣﺷﺎﻋر اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻋﻟﯽ ﻗﯾﺎدة اﻟﻌﺎﻟم ﻟﺑر اﻟﻧﺟﺎة، هو أن يختار الإنسان ذاته، فالواقع هو أن الإنسان لا يختار إلا نفسه، فكل اختيار "خارجي" إنما يكون مرتبطاً باختيار داخلي، بنسبة شيء أتبعه فأحقّق ذاتي.
ففي زمن تکالب الناس علی الثروات والشهوات وفساد الأخلاق وإنحطاط المجتمع مع وجود الإقتصاد اليائس المؤدي الی إضمحلال الفضائل الأخلاقية ينسحب الصوفي بروحه المتعالية علی المادة الی داخلە وعالمه الكبير المختص بالحرية والخيال و لذة السؤال عن المجهول بهدف بلوغ الغايات السامية والحقيقة المتعالية، حیث الأمن والجمال ونزعة الحب الكوني.
إن إلإيمان بحقيقة الوجود الفردي بل بمعنى الوجود هو البديل عن الفراغ واليأس والمعاناة والقلق ويتفق الفیلسوفان الفرنسي جان - بول شارل ايمارد سارتر، صاحب کتاب "الوجود والعدم"، والألماني مارتن هايدغر، صاحب کتاب "الوجود والزمان" بأن كل فرد يتميّز بالـ"فرادة"، التي تجعله قادراً على الاختيار والعيش بحريّة وإرادة.
صحیح بأن التصوف شاع قبل الإسلام في الأديان والأمم كلها، في الوثنية والمجوسية واليهودية والنصرانية ، ولقد عرفه في بعض أشكاله البابليون واليونان والرومان والهنود والصينيون، لکن يمکن أن نقول، أنه نتاج مشرقي لايخلو من الغاية وغايته دائماً روحية،  أصلە هو العكوف علی العبادة والإنقطاع الی الملأ الأعلی والاتصال به والفناء فيه والإعراض عن زخرف الدنيا و زينتها.
إذن الصوفية في أصلها رياضة نفسية تخلق في الإنسان إرادة فعالة وتخلق للمجموع المتصوف شخصية ثابتة. فهي ترمي الی إثبات الناحية الإجتماعية في وجه القوی الإجتماعية والطبيعية أحيانا، لذا يمكن أعتبارها ناحية جليلة من نواحي علم النفس.
في البناء الثيوصوفي يتجلی الحب كـ"ثيمة" مرکزية فيجعل من الإله کما المرأة موضوعا لە،  لذا لا نری وجود للصوفية من دون حب أو محبة والمحبة عند أهل التصوف هي أصل الموجودات. الحب کحالة قصوى من حالات الشرط البشري، وشكل من أشكال ممارسة الإنسان لذاته وبقائه، هو أسمى وأرقى أنواع العلاقات في الوجود، يتأتى نتيجة صفاء القلب ونقائه مما فيه من شوائب مختلفة الألوان.
أما الحب لدی المتصوفة فهو نابع من الصفاء أي صفاء القلب ونقاء أسراره، فيذکر بأن قلب الصوفي لا يعرف إلا الحب ولسانه لا يلهج إلا بلغة الحب وصدق من قال بأن "لقلوب العارفین عيـون ترى ما لايراه الناظرون".
ماأحوجنا الیوم إلى لغة الحب ونحن نعيش في زمن الكورونا والکراهية والعنف والحروب.
الدکتور سامان سوراني

26
حكومة الكاظمي وسياسة إحتواء فصائل اللادولة
بعد تراكم حلقات الفشل الحکومي خلال العقود الثلاثة الماضية بسبب تحکم السياسة التقليدية والدين السياسي العاجز والغير مؤهل إدارياً بمستقبل ومصير العراق و بعد تدهور الوضع الاقتصادي والخدماتي بشکل مزري إندلع في تشرین من العام2019  حراك إحتجاجي يقوده شباب مغترب عن كل أنواع الايديولوجيا والمنتمي لفكرة الوطن المرتجى والحق المستلب في بغداد ومحافظات الجنوب بهدف التغيير وإبعاد المنظومة السلطوية الفاسدة وإنهاء الشبكات الزبائنية القابضة على عنق الدولة.
هذا الحراك الشعبي الذي تمکن بديمومته وثباته وسلمیته و تنظيمه المحکم أن يفرض على السياسيين سماع صوته، لم يكتفي فقط بإستقالة رئیس الوزراء السيد عادل عبدالمهدي، بل أصر علی "تنحية جميع رموز الفساد" في حکومته.
وحتی حکومة السيد مصطفی الكاظمي، التي جاءت نتیجة هذا الحراك والمظاهرات والإنتفاضة العراقية الغير متحزبة، تلك التي فرضت واقع جديد في العملیة السياسية، لكي یکون هناك رئیس وزراء عراقي غیر تابع للأحزاب الدينية أو لأية کتلة أو حزب سياسي آخر، رغم أن حکومته أتت أخيراً من رحم النظام الإثنو- طائفي أو مايسمی بنظام المحاصصة والمغانـمة الحزبية لتحقيق مصالح تلك الأحزاب، يری نفسه اليوم أمام نفس المعضلة أو الفخ الذي وقع فیه حکومة السيد عادل عبدالمهدي. فالسيد الكاظمي اليوم، رغم المدة التي منحت لە لإجراء التغيير المطلوب وتحقيق المطالب الشعبية، غير قادر علی تحديد موعد لإنتخابات مبکرة ولا بإستطاعته الكشف عن أسماء قتلة المتظاهرين أو علی الأقل القيام بإلقاء القبض علی بعض منهم.
فالخطوات التي قام بها حکومته لإصلاح النظام السياسي، مثل فرض سيادة الدولة على المنافذ الحدودية والموانئ، ومنع سيطرة المتنفذين على المال العام وبعض التغييرات في مفاصل الأجهزة الأمنية، لاتعتبر کافية بالنسبة للمتظاهرين العطشی للحرية والأمن والإستقرار ليثبت من خلالها جدیته في تنفيذ مطالبهم. فإعادة احياء نظام حكم مستقر ومستدام وإعادة تشكيل مفردات السياسة الخارجية العراقية من أجل الدخول في تفاعلات أمنية واستراتيجية مع دول الجوار الجغرافي وتفعیل الدستور المعطل منذ عام 2010 وإيقاف الخروقات القانونیة وحل المشاکل العالقة بين إقلیم کوردستان والحکومة الإتحادية بالحوار وحصر السلاح بيد الدولة وإنهاء نفوذ الفصائل اللادولتية الموالية للقوی الإقليمية المنتهکة لهيبة الدولة، وعلی رأسها حزب الله، وسيطرتها علی الكثير من مفاصل الدولة وإبعادهم عن سلطة القرار العراقي والإسراع بتشريع قوانين تحمي حرية التعبير وتقديم الفاسدين للعدالة و محاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين هي مطالب مشروعة من قبل الجیل المنتفض، قد تؤدي تحقيقها و ضمانها الی إلتفاف قاعدة إجتماعیة وجماهيرية وفاعلين سياسيين بل وحتی مثقفين عضويين حول حکومته.
هناك من يری أن حکومة السيد الكاظمي لاتبادر بإستیلاد الجديد ولاتمهد السبيل الی ذلك، فيوصفون زیارته الأخيرة الی طهران برحلة نحو المجهول وسط متغيرات عاصفة معلومة، بأعتبار أنها كشفت عجزه الإدراكي لاستيعاب مفهوم السيادة الوطنية أو الدولتية.
أما التخاذل والتواطؤ حیال أجندات خارجية مفروضة، بدل إقامة علاقات مع الفواعل الاقليمين والدوليين، بما يتناسب مع مصالح وقدرة العراق وإستخدام أوهام ورقة الإحتواء الفاشلة بدل واقعیة سياسة التصدي الحازم و العودة الی التفاوض مع أقطاب الفساد وفصائل اللادولة والنخب السياسية التي نهبت ثروات العراق و ساهمت في هدم بناءه بحجة إستخدام سياسة الإحتواء بدلاً من تفكیك المنظومات الفاسدة، هو نوع من الإرضاء السیکولوجي للذات، قد يکون مآله الإستسلام وإنهاء مفهوم الدولة الوطنية لأمد غير محدود.
فالمنظومات الفاسدة تعتبر سياسة الإحتواء، التي يريد السيد الكاظمي أن يتبناها، فرصة ذهبية لإعادة هیکلتها. فبواسطتها تستطيع العیش لمدة أطول وتمدد سلطتها وتنجح أخيراً في عملیة إحتواءها الحکومة لا العکس.
إذا أراد السيد مصطفی الکاظمي أن ينجح في مهمته وأن لاتکون حکومته حکومة هدنة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، علیه أن يتخذ قراراته بأسم العراق ودستوره وسلطته القضائیة وقوة المتظاهرين العراقيین لإنهاء مهزلة اللادولة، فإنه بحسب المعطيات الحالية سوف يجد آذان صاغيَة ودعم كبير ليس فقط من جماهير العراق والجيل الشبابي المتنتفض، بل من جميع بلدان العالم الحر أيضاً. 
الدکتور سامان سوراني 

27
إقليم كوردستان وإشكالية نموذج اللادولة في العراق
بحسب تقارير صادرة من جهات معترفة، مثل التقرير السنوي لصندوق السلام التابع للأمم المتحدة (Fund For Peace) بالإشتراك مع مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy) وصف العراق منذ 2005 والی الآن في دائرة الـ"High Alert" أي الدول في حالة خطرة من الفشل/الهشاشة.
لکن العراق بقی بسبب عجز وفشل القيادات السياسية في إدارة أزمات النظام السياسي بعد 2003 علی حاله، لذا وصفوه أخيرا بالدولة الفاشلة ''Failed State''. 
لقد قامت الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا دائماً بتصنيف أنواع المجتعات إلى نوعين: مجتمعات الدولة ومجتمعات اللادولة.
لکن هل يمكن في حالة العراق تحديدا الحديث عن الدولة بمفهومها المعاصر؟ لأن مانراه هو أن مؤسسات الدولة أصبحت بعد 2003 بؤرة للصراع الاجتماعي، لاتعمل وفق أسس الاستقلالية والحيادية وأن تنظيمات ما قبل الدولة كالقبيلة والطائفة والقومية هي من تدير شبكات العلاقات الاجتماعية فيها.
هناك عوامل اللادولة تستغلها أطراف إقلیمیة لتوسيع نفوذها، منها الأيديولوجيات الثورية التي لا تهتم بالحدود و لا تعطي قيمة للدولة الوطنية، بل تتحدث بإستمرار عن هوية عابرة للحدود، و زوال الحدود الفكرية و القومية وهناك خطط مبرمجة لإضعاف الهوية الوطنية الجامعة التي تحصن المجتمع من الإختراق و منع بروز المرجعية السياسية الواحدة، التي تمنع الإقتتال والتنازع و تعزيز عوامل اللادولة المیلیشیاوية لتنفيذ انتماءات ضيقة كالعشائرية و المناطقية و الطائفية لغرض تفكيك مفهوم الهوية وإختزال الدولة وتطبيق التمييز المؤدي للإستبداد.
أما النخب السياسية الحاكمة في بغداد فکانت لاتهتم بسيادة العراق، بل تسعی الی فرض السيطرة على المجتمع والبحث عن مخرج يؤمن له مكتسبات معينة، بدلا من إدارة شؤونه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبالمقابل لم نری المحاسبة المؤسساتية على الماسكين بالسلطة، الذين حولوا الانتخابات إلى وسيلة لضمان ممارسة السلطة والنفوذ، بدلاً عن غايتها الرئيسة في تحقيق التداول السلمي للحكم.
السؤال هو، کیف يستطيع إقلیم كوردستان، الذي يتضامن مع حکومة السيد مصطفی الکاظمي ويراقب خطواته، التعامل مع هذا الواقع ونحن نری اليوم العراق يتصدر تصنيفات الدول التي تعاني من انخفاض في جودة الحكم والاستقرار السياسي، وحكم القانون، حسب تصنيف البنك الدولي ويتصدر قائمة الدولة الأكثر فسادا حسب منظمة الشفافية الدولية مع الإستمرار في مهزلة التعددية المفرطة للقوی اللادولتية وسيطرة القوى الموازية للدولة على المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية والغياب التام للدولة، وهيمنة “مافيات سياسية” في ظل إقتصاد ريعي على کافة مفاصل الحياة العامة؟
هل يکفي أن يرفع السياسيين في بغداد شعارهم الخطابي الفوقي في بناء دولة العراق الإتحادي الفدرالي دون أن يتقدموا الی فعل قانوني لکي یکتسب شعارهم المصداقية وينهوا بذلك أزمة القيادة والوعي بمفهوم الدولة وأزمة الوعي الطاغي علی إلتفافهم حول السلطة لا الدولة؟
ففي ظل هذا النظام الفوضوي القائم في بغداد لا تستطیع حکومة السيد مصطفی الكاظمي أن تصل الی حل للخلافات والمشاکل العالقة بين إقلیم كوردستان والعراق، بحلول دستورية وقانونية صحيحة وممكنة التطبيق مؤدية الی الإستقرار، أو تستمر، بل یمكن أن تنتهي مدة حکمها في غضون الأشهر القادمة، إذا ما لم تبدأ اليوم بدعم مؤسسات الدولة، وحماية حقوق الکیانات المختلفة في العراق وما لم تقوم بخطوات رادعة ضد رؤوس الفساد وتحجم دور المیلیشيات وتلغي مکاتبهم داخل المدن وفي المناطق المحررة وتنزع عنهم أسلحتهم الثقیلة والمتوسطة وتسلمها الی قوات الجيش والشرطة، خاصة تلك المیلیشيات التي لاتوافق مع الحکومة ولا ترید إنفتاح العراق على العالم الحر من منطلق العلاقات والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل، بل تساند أجندات ومشاريع خارجية، هنا نقصد بالذات عناصر الدولة الموازية. 
وختاماً نقول: في مجتمع متعدد، إن کان الوطن وطن، فأنه للجميع. إذن علیه ممارسة الشراكة الحقيقية مع شعب كوردستان، سواء كان ذلك في شکل فدرالي أو کونفدرالي لصنع المستقبل علی نحو إيجابي وعلیه أن تنتهي حروب الوكالات وتنتهي معها عملية جعل العراق ساحة لعب للميلیشيات العازمة علی إبقاء حالة الفوضی وحالة اللادولة.
الدکتور سامان سوراني

28
إقلیم كوردستان في ظل التوترات الإقلیمية والدولية
من الواضح أن للتوترات الإقلیمية والدولية في المنطقة تداعیات سياسية وإستراتیجية علی علاقة إقلیم كوردستان بعالمه الإقليمي والدولي، فمستقبل الإقلیم من ناحیة التهديدات والفرص مرهون بتضارب وتناغم مصالح القوی الإقلیمیة والدولية.
إقلیم كوردستان، کجزء من خارطة العراق الفدرالي و القرية الكونية الصغيرة التي نعیش فیها، تعلم بأن الترابط والتشابك بين مصالح المجتمعات الإقتصادية والثقافية لافكاك بینها، لذا تطمح حكومته الى الحفاظ على علاقاتها الدولية على أساس التفاهم والأحترام المتبادلين وتؤمن بأن إستخدام الوسائل الديمقراطية السلمية هو الطريق الناجع لحل القضايا الداخلية والإقلیمیة والکونية.
هذە الفلسفة ساعدت نوعا ما بشکل إيجابي في تنامي وتطور الوعي السياسي والإجتماعي لدی المواطن الكوردستاني ومكّنه ليحسن الإفادة من الماضي والتاريخ و يُجدر إستقبال الآتي من الزمان ويؤمن بزرع القيم الديمقراطية أو ما تسمى بالقوة الناعمة.
ومن الجدير بالذکر أن حكومة إقليم كوردستان تعمل على تعزيز علاقاتها في مجالات عديدة مع الدول الصديقة و خاصة مع قوی التحالف الدولي بقیادة الولایات المتحدة الأمریکیة، التي ساندت الإقلیم في حربه ضد التنظيمات الإرهابية ومعارکه ضد الجهات التي أرادت النیل من سيادة الإقلیم و أمنه وإستقراره وحریته.
فعندما تستمر بوصلة السياسات الأمریكية بإتجاه توسع الصراعات مع إيران أو تصاعد الخلافات المتفاقمة مع ترکیا مثلاً، نری بروز أهمية إقلیم كوردستان کمنطقة تؤمن المصالح الأمريکية، بحيث تزداد إمکانية تشکيل عمق إستراتیجي لها، خاصة في حالة إستمرار إقفال أبواب بغداد و أنقرة و طهران و دمشق بوجه واشنطن.
 إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول بأن الإقلیم يساهم بقدر إمکانیته المحدودة في خلق توازنات إيجابية و يتبنی في سياسته نحو الخارج، خاصة خلال مشارکتە في الحوار الإستراتیجي الجاري بين بغداد و واشنطن، نهج نزع فتیل التوتر في العراق والمنطقة.
إن بروز قوة عظمى في قدراتها وسلوكها الجيوسياسي تهيمن على النظام الدولي، يُظهر تحالفات وشراكات جديدة هدفها المحافظة على أمنها ومصالحها من يحفز إلى أو يخلل نظام متوازن مع تلك القوة التي تحاول السيطرة. وعلى هذا النحو فأن القوى الكبرى والعظمى تكون على قدر عالٍ من إدراك طبيعة التوازنات الدولية والإقليمية من جهة، وطبيعة المحاولات الرامية إلى السيطرة وتوسيع دائرة النفوذ على حساب محاولات التغيير الجيو- استراتيجية للقوى المسيطرة على التوازن على وجه الخصوص من جهة ثانية.
صحیح أن الولايات المتحدة الأمريكية کقوة عظمی في العالم لم تکن لها تاريخياً علاقة مع أي “منطقة” أو كيان داخلي تابع للدولة فيدرالية، إلا أن أحد خطوطها للإستراتيجية العامة في المنطقة هي إبعاد أو تحجيم دور كل من روسيا والصين وإیران من العراق والإقلیم و تعزيز سيادتهما و إزدهارهما بما يخدم المصالح الأمريکية، لذا يمکن أن نسمی علاقتها بإقلیم كوردستان بعلاقة فريدة من نوعها في العالم.
من جانبها تؤکد حکومة الإقلیم علی الإيمان بالإستراتيجية القائمة علی أساس التعايش المشترك بعيداً عن المبادیء المطلقة و الإرادات الفوقية المتعالية، التي تدفع البشرية في غير مكان ثمن مصائبها و كوراثه وتسعی مع مراعاتها لحساسية ديناميكيات الأمن العالمية والإقليمية، الی بناء علاقات إقتصادية وتجارية متبادلة ومثمرة مع أعضاء التحالف الدولي وعلی وجه الخصوص مع الولایات المتحدة الأمريكية و تدعیم أمن الطاقة بالنسبة لها و حلفائها وضمان إستمرار الطاقة الی الأسواق العالمية.
إن الأمن المجتمعي والسلام هو الرکيزة الأساسية لبناء الدول وضمان مستقبلها، لکن  وللأسف خلال العقود الماضية کانت ظاهرة الصراعات الجيوسياسية علی المشهد في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في العراق هي الطاغية، حتی أصبح لتلك الصراعات تأثيرها السلبي علی واقع مستقبل الأمن المجتمعي والسلام في كل من العراق والإقلیم. ومن المعلوم أیضا أن  الأمن المجتمعي والسلام فی دولة دون أخرى لایتحقق، لأن إضطراب الأمن والسلام فی دولة ما ینعکس سلباً على بقیة دول الإقلیم الجیوبولتیکي، تبعاً لمعادلة التأثیر والتأثر. وهناك معادلن تقول، کلما إرتفعت شدة الصراعات الجیوسیاسیة بین القوى الدولیة والاقلیمیة وتزاید التنافس الدولي على تحقیق المصالح الجیوبولتیکیة والجیوستراتیجیة في هذه‌ المنطقة، کلما تصاعدت النزاعات الفئویة "العرقیة والعنصریة والطائفیة والجیوسیاسیة" بصور وأشکال متعددة في مجتمعات الدول الضعیفة فیها.
إقلیم كوردستان یملك غنیً في المعطیات کما یملك فائضاً في الموارد، ولکن مقابل هُزالٍ في الإنجازات الإستراتیجية، مرده النقص الفادح في الأفکار الحیّة والخصبة والخلاقة. ولهذا فإن أحوج ما یحتاج الیه هو أن یمارس حیوته الفکریة، بالتحرر من جملة من العقد والحساسیات الحزبیة والهوس النضالي والهذر الثقافي والآفات التي عرقلت مشاریع التقدم والرفاه و حضور العدالة الإجتماعية والمشارکة في صناعة القرارات المصیریة.
یجب الإستمرار في ترسیخ ممارسات الإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي، بتعاون کافة الجهات وتكامل جهود الجميع بعيداً عن الفردية الهدامة والشخصنة المؤلمة وسلوكيات الاتهامية والعدمية والتشكيك.
علینا أن نتغير لکي نسهم في تغيير سوانا، أو في تحویل واقعنا، بقدر ما ننجح في تغذیة العناوین المطروحة وتحویل المفاهیم السائدة في ضوء التحدیات والمستجدات.
وختاماً نقول: "إذا أراد إقلیم کوردستان التنمیة والإزدهار، لابد أن يُحفّز و يعدم العراق للتحرك بإتجاه نحو الفدرالية الحقيقية أو تطبيق التجربة الفنلندية بحذافيرها ويحول شراکته مع التحالف الدولي بقيادة الولایات المتحدة الأمریکية الی تحالف قوي و يتمسك بالإتجاه الکبير للتنمیة العالمیة و یتقدم معه و إلا سیترکە التاریخ."
الدکتور سامان سوراني

29
السياسة الخارجية لإقلیم کوردستان في عالم ما بعد جائحة کورونا
بما أن جائحة كورونا سوف تسهم في تقوية دور الحکومات وتعزيز الوطنية، لکن الدخول في المسرح الدولي بحاجة الی عمل صانع القرار في حل الخلافات الداخلية، لأن السياسة الخارجية الفعؔالة، التي تعبر عن الإرادة الشعبية، تطلب دوماً أن یكون الشعب متحد حول سياسة خارجية متحدة.
نحن نری بأن السياسة الخارجية هي جزء مهم من النشاط الحكومي نحو الخارج و جزء من السياسة الوطنية الناتجة من قرارات وأفعال صادرة من أصحاب القرار لمعالجة مشاکل تطرح ماوراء الحدود بهدف تحقيق أهداف بعيدة أو قريبة المدی.
أي أن السياسة الخارجية هي المفتاح الرئیسي في العملية التي تترجم بها الدولة أهدافها ومصالحها بعد أختيار ماينبغي علیها أن تقوم بە فيما يخص الشٶون الدولية وفي إطار حدود قوتها و واقع بیئتها الخارجية.
فیروس کورونا الذي أدی الی تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة التوتر بين الدول وعدم الإستقرار  و ساهم في حصول نزاع واسع النطاق داخل بعض الدول وفيما بینها، يجبرنا أن نؤمن بإستبعاد عودة العالم مرة أخری إلى فكرة العولمة ذات المنفعة المتبادلة، التي اتسم بها مع بدايات القرن الحادي والعشرين.
السؤال هو، ماهي الثوابت والمرتکزات التي تقوم علیها السياسة الخارجية لإقلیم كوردستان في ظل التغيرات المحورية في التعاون الدولي و تغيير خریطة السيطرة والصراع والوسائل المستخدمة في عالم متعدد الأقطاب "Multi polar" بشكل متزايد؟
وکیف تؤثر السياسة الخارجية أو في حالة الإقلیم ما يسمی بالـ"Para diplomacy"،  التي هي ليست فقط وصفاً لما تقوم به حکومة الإقلیم ولكنها أيضا تفسير لما تفعلها، في عالم الغد و مکان و دور الإقلیم في هذا العالم وهل بإستطاعتها عن طریق إستخدام الحياد الإيجابي و حماية التوازن ومبادرات ذاتية القیام بتألیف نقطة جیو-إستراتیجیة شديدة الحساسية في الدائرة الکبری للأمن القومي للقوی العظمی، لکي لایتم التعامل مع الإقليم بسياسة التعامل مع الوضع "Situation based policy" أو في إطار الـ"Grand strategy"؟
ما نتصوره هو أن الدول والحکومات التي تنجو بفضل نظمها السياسية والاقتصادية والصحية الفريدة، هي من ستفوز على الدول والحکومات التي خرجت بنتائج مختلفة ومدمرة في معركتها ضد كورونا.
إن الوضع المتميز الذي يتمتع به إقليم كوردستان من الناحية السياسية يدفع السياسة الخارجية في الإقلیم الی التوجه نحو وضع خطة إستراتيجية شاملة للتعامل مع الوضع الحالي والمحاولة الجدية للحفاظ علی الوضع الامني والعسكري المستقر وذلك لتحقيق الاهداف السياسية والاقتصادية والأمنية المتعلقة بالحفاظ علی بقاء الکيان السياسي للإقلیم، الذي علیه أن يبقی محترماً علی المستويين الدولي والإقليمي.
فمن أجل تحقيق مستقبل أفضل لهذا الاقليم، الذي يعتبر من الناحية الأمنية القطب الهادیء في المنطقة، علیه تجاوز المعوقات التي تعترض طريق وضع الخطة الاستراتيجية لتفعیل العملية الديمقراطية ومکافحة الفساد الاداري والسياسي والاقتصادي ووضع حد للتدخلات الخارجية من قبل دول الجوار الاقليمي.
فالظهور بمظهر متحد في السياسة الخارجية المتعلقة بالأمور الصحية والمالية والإقتصادية والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان والمطالبة بالسلام والسعي نحو الرفاهية والأمن أصبح وربط السياسة الخارجية بالداخلية من الأهمية بمكان، خاصة في هذا العصر الذي أصبحت فيه نبرة التعامل أكثر خشونة، والنظام العالمي أقل استقراراً.
علی السياسة الخارجية في الإقليم العمل الجاد والإستمرار في حثّ الحلفاء والدول الصديقة لدفع الحکومة الإتحادية بإتجاه تطبيق بنود الدستور و إرساء حكم القانون وإستقلال القضاء وإحترام  مبادیء الشراكة و رأي الشعب والتقلیل من المعضلات التي أدت في الماضي الی خلافات حادة مع الإقلیم و تعقيد العملية السياسية وبروز الاحتجاجات وإعتصامات في أغلب المناطق الجنوبية بالعراق.
وعلی السياسة الخارجية في الإقلیم أیضاً التأکيد علی الإيمان بالإستراتيجية القائمة علی أساس التعايش المشترك بعيداً عن المبادیء المطلقة و الإرادات الفوقية المتعالية، التي تدفع البشرية في غير مكان ثمن مصائبها و كوراثها، فاستقطاب المصالح الاقتصادية و الطاقة لدول العالم و ربطها بأسواق إقليم كوردستان وتأمين المصالح و صنع المصائر هو صناعة مشتركة يساهم فيها كل مواطن كوردستاني من موقعه و حقل عمله. 
أما الأحزاب السياسية التي تمارس في ظل الفضاء الديمقراطي المتواجد في الإقلیم عملها بحرية كاملة وتمتلك الی درجة الصوت في تكوين السياسات الخارجية فعلیهم أن يکونوا فعلاً بمثابة العمود الفقري للنظام السياسي الديمقراطي وأداة ربط المواطنين بحكومة الإقلیم، لا أن يستمرون في التعارضات الخانقة وذلك بهدف شل عملیة صناعة التنمية وهندسة العلاقات السياسية، تلك العلاقات التي تٶمن مستقبل زاهر للإقلیم و تؤدي الی الحرية والإستنارة والعقلانية وتحمي في النهاية الأهداف الوطنية النبيلة.
وختاماً: إن الإصرار علی الفضاء العالمي، الذي هو مدی حيوي لإقليم كوردستان وإتقان فن التعايش والتبادل لإزالة العوائق و حلحلة العُقد يصنع السوق ويُنمي الإقتصاد،  فهو عنوان الحضارة وأساس بناء العلاقات الدولية وسيادة الدولة.
الدکتور سامان سوراني


30
نعم إقلیم كوردستان يدعم سياسة التعایش السلمي في العراق
بما أن عملیة صنع السياسة العامة (Public policy) هي عبارة عن أداة تحلیلیة داخل النظام السياسي وذلك لتحديد الأنماط والعلاقات داخل المجتمع، وهي تخلتف من نظام سياسي الی نظام سياسي آخر وفي النتيجة تظهر علی شکل قرارات و سياسات، رغم إختلاف صانعیها. حیث أن السياسة العامة وظیفة لایمکن للأنظمة السياسية المختلفة التخلي عنها.
فیما يخص العراق بعد 2003، نری أن سياسة التعايش السلمي على اساس الحرية والاختيار الطوعي في الدولة العراقية المتصارعة قومياً وثقافياً وتاريخياً نشأت بعد فترة طویلة بشكل ضعیف، لکنها وبسبب السياسات العامة الخاطئة للنخبة السياسیة التي وصلت بعدها الی سدة الحکم أصبحت مسألة التعایش شبه غائبة.
هذه النخب السياسية لم تستطع صياغة هوية الجماعة الإجتماعیة عن طريق صوغ مشترکات عامة، بما ينسجم مع المنطلق العقائدي والتاريخي والثقافي للکیانات، أي أنها وبسبب سوء الإدارة فشلت في تسوية الإشكالات الأساسية للنظام السياسي، لأنه وکما معروف أن الولاء الإفتراضي يبقی دوماً مرتهناً بالقدرة علی تشکیل هوية وطنیة إندماجية، علی قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات في دولة الحقوق والعقل أو کما يسمی بالألماني بـ "Rechtsstaat" ناهیك عن إشاعة ثقافة الحوار والتسامح قبول الآخر المختلف وتفعیل النظام الفدرالي وإعتماد منظومة الدیمقراطية بهدف تحقيق التعایش السلمي والمصالحة الوطنية بین مکونات المجتمع العراقي.
فيما يخص إقلیم كوردستان، فإن شعب كوردستان الذي مرّ بمحن وأزمات تاريخية من أجل التکوين والصیرورة وتحقيق أحلامه في السيادة والإستقلال، أختار بشكل طوعي الإتحاد والإندماج مع الهوية الإتحادية، بعد تم إيجاد صيغة تفاهم عن طریق قيادات كوردستان تضمن حقوق الاطراف والمكونات في العيش بحدودها وتمثيلها الجديد، بعیداّ عن لغة التهديد والوعيد أو دق طبول الحرب أو إستعمال سياسة الإنتقاص من حقوق شعب الإقلیم.
إقليم كوردستان خطت كحصيلة للأستقرار الذي يتمتع به على المستويين السياسي والديمقراطي وكنتيجة لممارسة سياسة حكيمة مطلية بالدبلوماسية والشفافية والإيمان الكامل بالسلام والتعايش وإحترام الدستور، خطوات كبيرة نحو بناء نوع من التكامل الأقتصادي والتجاري، أکد غير مرة علی إستخدام الحوار البناء في حل مشاکله العالقة مع الحکومة الإتحادية بحیث توافق المصالح السياسية والإقتصادية بين الطرفين وتبرز رٶی مشتركة لقضايا وتطورات سياسية داخلية أو في المنطقة.
إن التأكيد علی تطبيق الشراكة الحقيقية في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العراق أمر ضروري لإعادة الإستقرار والسيادة لهذا البلد، فالأزمة الحالية تحتاج الی فكر مركب لمواجهة الوقائع وإعادة تشكيل المشهد و ترتيب القوی علی المسرح، ولكي نعيش أحسن، عليه‌ أن نحسن العيش سوياً.
في السابق حاولت جهات غير وطنیة الإنقلاب علی الدستور داخل البرلمان ومنهم من حاول فرض حصار مالي علی الإقلیم والإسنتجاد بقوی خارجية لمقارعة الفكر التجددي المعاصر في إقلیم كوردستان و خلق أزمة سياسية وإجتماعية، بدلاً من العمل في سبيل الإستقرار الأمني والسلام الحقيقي بين المکونات والمذاهب والبدء بخطوات لتصفير المشاكل الداخلية برؤية شعبية عراقية، رغم معرفتهم بأن الدستور العراقي بنيَ على التوافق في التعايش بين هذه المكونات، لا علی أساس فرض إرادة السياسيين من الاسلاميين والقومويين ممن أرادوا إفشال الدستور الدائم بأي ثمن کان وذلك لتحقيق رغبات أولیائهم.
إقليم كوردستان المتمسك الی حدٍ ما بفصل الدين عن السياسة يسعی الی لأم الشروخ و دعم التعاون داخل المجتمعات الكوردستانية لإجتياز الحدود و رفع القيود المصطنعة علی شعب كوردستان.
لقد جمع شعب كوردستان تجارب في الدفاع والسياسة،  إنه يستوعب المعادلات الداخلية والإقليمية و الدولية، يرسم خططه التكتیكیة والإستراتيجية بوعي وإدراك علی ضوء تلك النتائج التي يتوصل اليها، بعد تقييم واقعه و ظروفه الذاتية والموضوعية ليضمن الحفاظ على منجزاته و مسيرته.
لذا يدعم شعب إقلیم کوردستان وقيادته السياسية کل سياسة حکيمة تمارس من قبل الحکومة الإتحادية من أجل التعايش السلمي والشراکة الحقيقية وإنتصار إرادة الشعب العراقي في الحياة وفي العيش بحرية وشرف وکرامة، التي سوف تسود في النهاية، والتاريخ يٶكد أن إرادة الشعوب لاتقهر ولاتهزم ولاتخدع ولو بعد حين.
الدکتور سامان سوراني



31
مداخل وأسس الاستقرار في إقلیم کوردستان والعراق
ستظل سنة 2003 بارزة في تاريخ العراق المعاصر كونها شهدت سقوط نظام استبدادي تسلُّطي أمعن في قمع شعبها وكبح طموحها نحو الحرية والتقدم.
كان يُرجى من «العراق الجديد» فتح صفحة جديدة في تاريخە مفتوحة على الكثير من الاحتمالات المتفائلة بغدٍ عراقي أفضل، لکن الحقيقة جاءت وللأسف بخلاف وعکس ذلك.
 القيادة الكوردستانية کانت والی الیوم مع بناء عراق جديد يؤمن بنظام توزيع السلطات و مؤسسات دستورية تمارس الحكم الديمقراطي، علی أمل أن‌ تبتعد بغداد عن الشمولية والحکم المرکزي و حکم الحزب الواحد ولغة الحرب، التي کانت اللغة الوحيدة والسائدة لعقود من الزمن في العراق و أن تمارس الفدرالية بعيداً عن تهميش و إقصاء و لغو الآخر المختلف وتطبيق نظريات الإصطفاء العقائدي والفرز العنصري و التطهير العرقي.
کان الهدف من مبادرات القيادة الكوردستانیة في حینه هو العمل مع القوی الوطنية في سبيل توظيف طاقات هذا البلد البشرية نحو البناء و التنمية الإقتصادية والإجتماعية المنتجة و القيام بنبذ فلسفة عسكرة المجتمع و خطاب التهديد و سياسة التحشد والتجند و تکتیکات حصر إمکانات الدولة من أجل الهجوم علی الآخر المختلف. 
الرئيس مسعود بارزاني ، الذي يحمل رسالة قومية و ينثر بأفعاله و أقواله المحبة بين أفراد الشعب الكوردستاني والعراقي ويشيع التفاهم مع المحیط الإقلیمي و يخاطب العالم بلغة انسانية بليغة، حمل عام 2003  شعلة السلام الكوردية الی بغداد، مع إیمانه الکامل بأن السلام هو مدخل و أساس من أسس الإستقرار وأن العنف هو من صنع البشر.
ففي خطبه ومناقشاته العلنية يٶكد الرئیس بارزاني دوماً بأننا قادرين على تفكيك هذا القضاء، لإعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة.
هذه القناعة هي إستراتيجية عمل وسياسة لحلِّ النزاعات. المنطق يقول، من يستطيع التفكير بعقل تداولي يكون قادر علی أن يتغير لكي يسهم في تغيير سواه علی نحو مثمر وخلاق.
إن هذه المعادلة خلقت الاستقرار السياسي في إقليم كوردستان وبفضلها تمكن الإقلیم أن يواجه التحديات التي تفرزها شبكة العلاقات الاقليمية المعقدة في منطقتنا بشكل مستمر.
وتحت هذه المظلة من الاستقرار السياسي والقدرة على اتخاذ القرارات السياسية الحكيمة قدمت القيادة السياسية في إقليم كوردستان وما يزال الدعم السياسي اللامحدود لإنجاح عملية الحوار مع بغداد و ذلك لحل القضايا العالقة معها في إطار الدستور بشکل مدني و عقلاني أولاً وخلق أجواء مليئة بالأمن والإستقرار ثانیاً.
فمن خلال تثبیت الأمن والإستقرار وصون السيادة يمکن لکل من الإقلیم والعراق أن يكونا فاعلين حيويين في مسيرة البناء والتنمية على مختلف الصعد و أن يحافظا معاً، بحسب سياسة التفكير والعمل معاً ومنطق التبادل وفلسفة التعايش والتواصل، على وحدة وسيادة العراق.
فالاستقرار بصورة عامة، فضلاً عن التماسك الاجتماعي، يمثل صمام الأمان في أي مجتمع بما يمنحه من فرص للنمو والتطور وقدرة على مواجهة مختلف التحديات الداخلية منها والخارجية.
ففي هذا الزمن المعولم وفي ظل أزمة تفشي وباء کورونا لم يعد من الممکن تأجيل القضايا العالقة والمزمنة  أو إهمال إقامة ديمقراطية حقيقية قائمة على الحوار والتعددية والاحترام تضمن نشوء دولة الإنسان، تلك الدولة التي تمارس الحياد الإيجابي تجاه قناعات ومعتقدات وأيديولوجيات مواطنيها وتضمن الأمن الإنساني والسياسي ونحن نعيش مرحلة الفوضی واللاإستقرار السياسي في المنطقة والعالم والتي من الممکن أن تؤدي الی تغيير جذري في النظم السياسية والإجتماعية علی المستوی الأقلیمي والعالمي.
ختاماً، علینا بخلق و بناء آفاق واعدة لمداخل وأسس الاستقرار في إقلیم کوردستان والعراق، من خلالها يکمننا أن ننتج ونحقق في النهاية مجالات واسعة لحرية الإبداع والتفكير وتكريس الديمقراطية والحكم الرشيد و نکون أيضا قادرين علی رفع الحجر عن الفكر باسم الدين، ونشر ثقافة الحوار والاختلاف والمسؤولية والمحاسبة وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وترسيخ ثقافة الاحترام والتسامح والنزاهة والكفاءة وتداول السلطة وتقوية عوامل التماسك الاجتماعي بين مختلف الفئات المجتمعية في الإقلیم والعراق.
الدکتور سامان سوراني


32
إقلیم كوردستان وآفة الشعبوية في زمن الأزمات
ما نلاحظه منذ سنوات على الساحة السياسية في الإقلیم هو تفشي ظاهرة الشعبوية، التي من الممکن إن تعمق وإتسع مدی إنتشارها وإزدات تفاعلها في الساحة السياسية أن تؤثر بشکل سلبي علی مستقبل الکيان السياسي في الإقلیم.
لکن بسبب هشاشتها وعدم إمتلاکها لأسس إيدیولوجية متینة أو ثقل عقائدي أو عقلاني قوي لاتستطیع آفة الـ "Populism" أن تصيغ لنفسها كأية أيديولوجيا أخرى مساراً سياسياً واضحاً أو تضع حلول أو مبادرات في عالم السياسة والمجتمع والاقتصاد وجوانب النشاطات البشرية الأخرى.
إن رؤیتها السياسية والمجتمعية غير المترابطة تقتصر علی نطاق محدود جداً من القضايا التي تتبناها على الأصعدة المختلفة، لذا نراها عندما توضع علی محك الواقع متانثرة المفاهيم أو غیر متناسقة و وأحياناً متناقضة، تسعی دوماً الی خلق حالة من فصام أو تناشز في المجتمع بهدف الفصل بين قطبين، إحدهما متناغم معها وآخر معادٍ لها.
الشعبوييون ينظرون الی قضايا الوطن و مصير الشعب بمنظار نسبي ضيق وفق معادلة "الأبيض والأسود" والعداء السافر مع الآخر المختلف معهم فكراً و عملاً.
ولعدم قدرتهم علی التصالح في التعامل السياسي يقومون بإثارة مشاعر الشعب وجلب إنتباهه، وهم يمیلون الی المبالغة والتوسع في إستخدام اللغة الدارجة والبسيطة، تلك التي يتقبلها ويفهمها ويتأثر بها رجل الشارع البسيط وبالشكل الذي يثير مشاعر الخوف والكره والغضب ضد الآخر المختلف، الذي يقف ضد مشروعهم و يسعی الی إبطال سحرهم المؤقت.
 
خطابهم المسموع والمقروء علی قنواتهم التلفزيونية الرخيصة أو علی صفحاتهم الألکترونية المستغلة للإنترنت والتقنيات المتعلقة به بهدف التشهير بالرموز القومية بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية أو علی الشبکات الإجتماعیة البعيد عن أسس التغيير أو الإصلاح ذات أطر متینة يدور في فلك التغيير من أجل التغيير، غير مهتم بالعواقب المحتملة لهذا التغيير.
أصحاب هذا المشروع الطُفيلي، المأجورين عادةً من قبل جهات داخلية وخارجية معادية لقضية شعب كوردستان ونموذجه السياسي الناجح في المنطقة، لاينظر بارتياح إلى المؤسسات الرسمية، لديه سيطرة طاغية علی أتباعه، يتعامل بشكل أبوي صارم و موجه له، يطرح نفسه علی أنه الحامي والراعي لمصالح تلك الفئة التي يقودە أو التي يدّعي تمثیله، حیث يخلق لنفسه صورة علی أنه شخصية من عامة الشعب، قولاً وفعلاً.
لو أمعنا النظر الی الهیاکل التنظيمية لأحزاب وتنظيمات و حراکات الشعبوية، نراها بسيطة، فهي عادة تقاد بشكل مرکزي من قبل صاحب المشروع أو الحلقة القريبة والمحيطة به، حیث تتخذ القرارات فیها بشکل مائل الی التفرد.
وعند تسلم الأحزاب والحراکات الشعبوية مواقع مسؤولية اتخاذ قرارات نراها تواجه الحرج، لأنها لاتستطيع أن تحقق من خلال تلك المواقع مطالب جماهيرها، لذا تسعی بعد صياغة شعارات تضخم مخاوف الشارع في مواقفها و تصريحاتها اليومية الی توجيه أسباب فشلها إلى جهات جديدة تتصارع معها.
إقلیم کوردستان، الساعي الی بناء کيان دولة، الذي يعيش بسبب الأزمة الإقتصادية و الصحية في ظروف لا يمكن ان نجد مثيلاً لها في اي بقعة من العالم،  بحاجة الی التركيز على وحدة الصف والتکاتف المجتمعي و السعي في مکافحة الفوضى السياسية ومشاريع القوی السلبية، التي تعمل علی تغذية مشاعر الخوف والارتياب بين المجتمع وداخله، ليجعلنا أشد انقساماً ويزيد من مستوى الخطاب السام والسلوكيات السامّة التي أفسدت المجتمع الكوردستاني وشلت جزئياً قدرتە الجماعية على التصرف بكفاءة. علینا الاعتماد على الذات في توفير ما يمكن ان نهيء به الارضية المناسبة لتحقيق الاماني و الاهداف السامية وتعديل المسار والإستعانة ببوصلة الواقع و رفع العراقيل أمام تحقيق تلك الأهداف و الأماني المقدسة، الذي قدم شحب كوردستان الكثير من اجلها.
نعم الجماعات الشعبوية تعمل علی نخر الکیان السياسي للإقلیم وهي تندفع بتلهف نحو ملذات السلطة في حال إذا توفرت لها فرصة،  لکنها لاتقدر. والوقت وحده هو ما سيقنع من يؤيدون حراکهم حالياً بفشل مقترحاتهم ويکشف عن خواء جعبتهم وسقوط کل شعاراتهم.
الدکتور سامان سوراني


33
أسس الاستقرار في إقليم كوردستان
ستظل سنة 2020 بارزة في التاريخ المعاصر لأن النصف الأول منها شهدت إنتشار الفيروس التاجي (كورونا) في العالم بسرعة فائقة وکشفت خلال مدة وجيزة تداعياته الصحية، والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي باغت الحکومات في غير مکان و هددت حياة ومعيشة مئات الملايين من البشر، هکذا تنذرخطرهذه الجائحة بأزمة اقتصادية عالمية قد تستمر لسنوات و بتحديات قد تواجهنا بشكل مضاعف، بجانب صراعات وخلافات إقليمية سياسية وإضطرابات تعم المنطقة بسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
بقراراتها الصائبة وإجراءاتها الصارمة تمکنت حکومة إقليم كوردستان في النصف الأول من سنة 2020 أن تحمي مواطنيها وتعزز الثقة بینها وبين المواطن وتحد من إنعکاسات هذه الجائحة الخطيرة، لأنها تعلم بأن ضمان أمن الفرد يعني ضمان أمن باقي المجموعات. من جانب آخر تعتبر هذه الکارثة العالمية بمثابة فرصة للحکومة في العمل الجاد علی برنامجه الإصلاحي و تعزيز الحوکمة الرشيدة وعدم الارتماء في أحضان السلطوية والإستثمار في الإنسان والصحة والتعليم، بأعتبار هذه القطاعات من أساسيات تعزيز صمود المجتمع ککل وإستمراریته.
نعم الجائحة العالمية کشفت لنا مرة أخری بأن بناء مجتمعات قادرة على المواجهة والصمود والتكيف والتواصل الشفاف والتعامل مع المخاطر على نحو متكامل وشامل وفعّال والإستثمار في البحث العلمي والتطوير في الجوانب التعليمية والصحية والعسکرية ماهي إلا ضرورة وأولوية لحاضرنا ومستقبلنا ، خاصة في ظل كل هذه‌ التطورات الصناعية والتكنولوجية والمعلوماتية التي يشهده العالم.
إن الكثير من الإشکاليات الإقتصادية التي يواجهه الإقليم اليوم ولها انعكاساتها على كل الصعد الاجتماعية والسياسية هي من مخلفات الحکومات الدکتاتورية، التي کانت متسلطة علی أرض وشعب كوردستان والتي طبقت سياسة الأرض المحروقة ضد الشعب الكوردستاني و سدّت أمامها معظم الطرق المؤدية الی الإحتمالات المتفائلة بغدٍ كوردستاني أفضل والتي دمّرت الكثير من إمکانيات هذا شعب المناضل لمنعه و حرمانه من وجوده الشرعي وتحقيق حریته و کرامته الإنسانية ومواكبة التقدم والرفاهية. 
 لكننا اليوم وبعد تحقيق جزء بسيط من مطالب هذا الشعب في إطار النظام الفدرالي المطبق في عراق مابعد الدکتاتورية نری ثمار جهود الحکومة الكوردستانية في تفعيل الوظيفة التطويرية وإقامة ديمقراطية حقيقية قائمة على الحوار والتعددية والاحترام، والعمل على القضاء على التطرف والعنف بصفة آلية، کما نری الجهود المبذولة في سبيل الحفاظ علی الأمن الإنساني بمفهومه العام كالعدالة الاجتماعية والأمن الغذائي والأمن الثقافي وهي التي تعتبر في الواقع اللبنات الأساسية التي من شأنها أن تضمن التماسك الإجتماعي والأمن السياسي الذي يطمح إليه شعب كوردستان.
إن التنمية مرتبطة بالتنظيم البنيوي للمجتمع لا بالمساعدات الإقتصادية وأن الإستقرار النابع من التماسك الإجتماعي هو صمام الأمان للمجتمع الكوردستاني، الذي يمنحه فرصة للنمو والتطور والقدرة على مواجهة مختلف التحديات الداخلية منها والخارجية وتحقيق التوازن واستيعاب الأوضاع الاجتماعية الجديدة بشکل سلمي.
ختاماً: إذا أردنا الحفاظ علی هذا الإستقرار القائم في الإقلیم وذلك في إطار العراق الفدرالي، حتی بعد تجديد الإتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية أواسط حزيران 2020، علینا أن نرکز علی تبني نموذج الدولة الإنمائية التي تتحمل مسؤوليتها في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في ظل تحقيق المواطنة الكاملة والتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات وتهدمها.
الدکتور سامان سوراني


34
إقليم كوردستان وخطاب المعارضة السلبية في زمن الكورونا
بما أن الأحزاب السياسية ناتج من نتائج الديمقراطية ومبدأ سيادة الشعب وأن وجودها في النظم الديمقراطية بمثابة رکيزة أساسية للحیاة السياسیة وضرورة مُلحة، إلا أن الدساتير والقوانين المعمول بها في تلك الأنظمة تفرض علی أحزاب السلطة و أحزاب المعارضة الإيجابية رزمة من الشروط والإلتزامات، منها إحترام قواعد النظام الديمقراطي وإحترام الرأي الآخر وحقوق الإنسان والعمل على دعم وإدامة دولة القانون والمؤسسات الدستورية و...
في النظام الديمقراطي تتمتع الأحزاب السياسية المؤمنة ببناء الدولة بالحرية التامة في ممارسة نشاطاتها السياسية، بما في ذلك نشاط مراقبة عمل الحكومة من خلال ممثليها في البرلمان والهيئات المنتخبة، حيث تقوم بتوجيه النقد لها وإظهار أخطائها للرأي العام، بعيداً عن اللجوء إلى العنف اللفظي والفكري بكل أشكاله.
في المقابل هناك  معارضة سلبية تسعی الی خطاب الإثارة وتصيّد العثرات، لا تمارس تحمل عبء وظيفتها کمعارضة بنزاهة وإخلاص للصالح العام، بل تعمل للصالح الحزبي أو لصالح مؤسسیها، وهم ينفذون في الغالب أجنداتهم الضيقة و أجندات خارجية تملأ علیهم.
المعروف في النظم الديمقراطية أيضاً هو أن الأحزاب السياسية تنظر الی السلطة کوسیلة لتنفيد برنامجها المخطط لها مسبقاً، لا لإمتلاکها. فالسلطة کما یراه المفکر الفرنسي Claude Lefort “غير قابلة للامتلاك”، ومجالها فارغ “غير قابل للاستحواذ”.
هنا لا نرید أن نقيم دور المعارضة السياسية في بناء الديمقراطية في إقلیم كوردستان، لأنها لم تتكون ولم تنمو وتبرز في جو سليم وعاد، بل سنحاول أن نقدم رأياً في أداء المعارضة السلبية في فترة الأزمات المالية، خاصة بعد إنتشار وباء كورونا. إن هدف هذه الأحزاب والمجاميع السلبية هو خلق نوع من الفوضی وعدم الثقة لدی المواطن العادي بالحکومة القائمة و نفي أداءها وإن كان ناجحاً أو مميزاً.
هذه الأحزاب المولودة من خلال ولادة قيصرية فشلت في السابق في تقديم برنامج واضح و محدد، وهي غير غير قادرة علی التجديد والتغيير السياسيين والتعبئة البناءة وبلورة مواقف سياسية حول الشأن العام و المشاركة في تسييرها بشکل تخدم رصيدها، لتتحول أعمالها الی قوة دفع واقتراح وتغيير إيجابي في المجتمع.
إقلیم کوردستان، الذي يمر بمرحلة مابعد الحرب علی داعش و يعيش الآن فترة التصدي  و مکافحة إنتشار فيروس كورونا المستجد، بحاجة الی تجند أوسع لکل طاقات الشعب الكوردستاني. نحن نری بأن المعارضة السياسية الإيجابية الواعية والبناءة يمكنها المساهمة وبقوة في إعادة "تشكيل" المجتمع وتقديم الاقتراحات البناءة وخلق فضاء فكري تناقش في إطاره كل القضايا المطروحة على الساحة الوطنية. فالنقاش و الاختلاف في القضايا الأساسية يجب أن يتم في إطار سلمي متزن مع احترام كل الاختلافات التي يسمح لها بالتعبير عن رأيها في إطار الفضاء القانوني.
مانشاهده في هذه المرحلة الحساسة، التي تعیشها المنطقة بشکل عام و الإقلیم بشكل خاص أن المعارضة السلبية، التي تبني شرعيتها من عمق التناقضات والتوترات الاجتماعية والسياسية، تعمل بکل ما تحملها جعبتها الملوثة من نوایا خبيثة ضد أية محاولة لصيانة الوحدة الوطنية أو تعريف للمواطنين بالرموز الوطنية الإيجابية أو إستغلال لحماس الشباب ورغبته في بناء وطنه لدعم كل ما من شأنه أن يوثق عرى اللحمة الوطنية وإيجاد مخرج من التناقضات الاجتماعية العميقة التي تخلق بؤر الخلافات السياسية الحادة.
إنها لاتريد أن تعرف بأن أمام المعارضة السياسية مسؤولية تاريخية في إعادة بناء المجتمع على أسس السلام  والديمقراطية والتسامح وتقبل الآخر وحقه في الاختلاف في إطار ما يسمح به القانون والقيام بغرس مجموعة من القيم والسلوكيات الديمقراطية في وجدان الجيل الشبابي و المساهمة في تنمية البلاد من خلال البحث العلمي وتقديم الاقتراحات البناءة، لذلك نراها تشجع الناس بسیاساتها التحريضية الديماغوجية و أحياناً العدائیة والعدمية وتحفزهم في أكثر من مکان الی القيام بالمظاهرات المناوئة للقرارات والقوانين الحکومية التي تم إطلاقها بهدف حماية المواطنين من مخاطر إنتشار جائحة فيروس كورونا وذلك لعرقلة المجابهة و تأزيم الأوضاع.
المعارضة السلبية لاتبني الوطن و تريد أن تمارس الدور الرقابي على أعمال الحكومة ومراجعة الأغلبية في بعض الاقتراحات التي تتقدم بها، ولا هي مستعدة لتقديم البدائل التي تستطيع أن تحل محل اقتراحات الحكومة لتكون تحت نظر الناخبين في الانتخابات القادمة ولاتساعد الحکومة بتقدیمها الحلول لعلاج مشكلات واشكاليات الإقلیم لدفع تيار التقدم والرخاء والاستقرار لكل عناصر الدولة. فالهدف من المعارضة هو صون الحياة السياسية من الإضطراب و مدّها بأسباب الإستقرار، لأن وجودها يعني قوة توازن ضرورية في الحيز السياسي أو المجال العمومي، لا أن تصبح عبء أو مصدر إزعاج لإستقرار السلطة.
وختاماً يقال: إن فاقد الشيء لا يعطيه وأن الحزب المطعون في ديمقراطيته الداخلية لا تملك أن تقدم للمجتمع بديلاً ولا مشروعاً ديمقراطياً. إذن البون شاسع بين المعارضة البناءة والمعارضة الهدامة غير المسؤولة.
الدکتور سامان سوراني

35
ما المطلوب کوردستانیاً من حکومة الكاظمي؟
بعد إستهداف القوات الأمريكية النظام السياسي الدکتاتوري في العراق عام 2003 وحل الجیش والأجهزة الأمنیة التابعة له أنهارت الدولة العراقیة بالکامل.
لقد استفادت الولايات المتحدة الأمریكية من المناخ الذي خلّفته أحداث 11 ايلول داخل الولايات المتحدة وخارجها لكي تنفذ سیاستها الهجومیة التدخلية من أجل إحلال نظام حلیف للولایات المتحدة في بغداد یقوم بتلبیة مطالب واشنطن بغیة ترتیب أوضاع المنطقة بشکل إجمالي. إستخدمت الولایات المتحدة هذا الأسلوب الجديد بعد تراجعها عن سياسات الاحتواء والردع، التي كانت تمارسها منذ الحرب الباردة وامتداداً الى ما بعد حرب الخليج الثانية عام 1991.
من المنظور الكوردستاني کان سقوط النظام  الشمولي القمعي ذو النزعة الدموية، الذي کان متسلطاً لأكثر من ثلاثة عقود  ونیف علی رقاب الشعب الكوردي والذي أرهق وأتعب المنطقة برمتها يعني تحرير العراق و إعتبارە الفرصة الوحيدة للخلاص من الحروب  والإبادة الجماعية وعسكرة المجتمع والعوز والحصار والهجرة وبداية تغييرات كبيرة على مستوى البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدخول في مرحلة التحول الديمقراطي.
القيادة الكوردستانية عملت علی إيجاد قواسم جامعة لذا أنتخبت الشراكة الإختیاریة مع النخبة السياسية في العراق الجديد وساهمت في صياغة الدستور ذلك إیماناً منها بالحرية السياسية ولغة الاعتراف والحوار والتوسط والتعدد والمباحثة والشراكة المتبادلة والتعددية السياسية والممارسة الديمقراطية لضمان الإستقرار والتنمیة والتعایش السلمي، لکن قيادة شعب كوردستان و بسبب خرق بغداد للكثير من المواد الدستورية أصيبت بالإحباط، منها التخلي عن مبدأ الشراکة الحقيقية وعدم تطبيق المادة 140 من الدستور بإنتهاء عام 2007 والبدء بقطع میزانیة الإقلیم  والتحول نحو دولة دينية طائفية.
اليوم وبعد مرور عشرة أیام علی أداء مصطفی الكاظمي اليمين الدستورية في البرلمان العراقي ومنح مجلس النواب العراقي الثقة لحكومته ورغم تمتعه بالترحیب من قبل أمریکا وروسیا وأوروبا والدول الأقلیمیة لایمکن أن ننتظر من شخصه تحويل العراق الی محطة تفاؤلية، لأن السياسات الأقلیمية والدولية تجاه العراق مازالت کما هي و أن أمریکا و أیران لم يصلا الی تسوية وحسم النزاع القائم بینهما، وهو ما يجعل ساحة العراق هشة ومفتوحة علی المآسي واللاأستقرار.
من المرجح أن تتمتع حکومته بفترة قصيرة مدتها عام واحد أو أكثر، لکن السؤال هو، هل يمکن لهذه الحکومة في تلك الفترة المحدودة توفير مساحة للانتخابات البرلمانية المبكرة، بالإضافة إلی حسم موضوع قانون الموازنة لعام 2020 وإجتیاز الأزمة الاقتصادية و تنفيذ مطالب المتظاهرين لتحسين ظروفهم المعیشية والنجاح أمام تحدي فيروس کورونا؟
نحن نعلم بأن الرهانات في العراق كبيرة ونتوقع بقاء تحديات مثل النفوذ الأقليمي وسلطة المیلیشیات، التي تنفذ أجندات خارجية وتقوم على التهديد و القتل والتخويف، لکننا نأمل بأن تعمل الحکومة المؤقتة علی إيقاف الخطوات السلبية، التي تهدف الی إنهاء شراکة شعب كوردستان في إدارة دولة العراق الفدرالي.
وأن أي تفرد في إتخاذ القرارات والسير نحو بناء العراق السياسي بعقليات و نماذج و مفردات سائدة وقديمة أو بسرديات كبری وأساطير مذهبية بالية، سوف يؤدي الی دفع المجتمع العراقي لقاءها أثماناً باهضة، دماءاً و دمارا.
السيد مصطفی الكاظمي ، الذي عمل سابقاً کمدير تنفيذي لمؤسسة الذاكرة العراقية، وهي منظمة تأسست لغرض توثيق جرائم النظام السابق، لديه رصيد يصل إلى 15 عاما في حل النزاعات، يعلم جيداً بأن شعب كوردستان سوف يستمر في نضاله من أجل حقوقه المشروعة ولايبقی مکتوف اليدين، لأنە لا يريد أن يصب نضال آبائه التاريخي في بحار العدم.
نؤکد هنا بأن إسراع الحکومة المؤقتة في إنهاء الملفات العالقة بين بغداد و أربیل منذ سنوات وتطبيق الدستور والقانون والاتفاقات المبرمة بين الطرفين أمر ضروري. أما تأجیلها فسوف يضر الطرفين، لأن الاستقرار لايتحقق إلا بحلول دستورية وقانونية صحيحة وممكنة التطبيق.
وختاماً: "إن الإلتزام بالدستور یحفظ للعراق إتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادة".
الدکتور سامان سوراني


36
إقليم كوردستان وإستراتيجية التنمية الإقتصادية
مع إنتشار فيروس كورونا التاجي الأصعب في تاريخ البشرية المعاصر تطرح الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية إعادة الاعتبار لمسؤولية ودور القطاع العام في النشاط الاقتصادي لاستعادة النهوض وتجاوز الركود الذي يشهده العالم ونحن جزء منه.
في ظل کل هذه الظروف الإستثنائیة لم تکن حکومة إقلیم كوردستان قادرة علی إخراج الإقتصاد الوطني في الإقلیم من إقتصاد قائم علی النفط والغاز الی إقتصاد نشط في القطاعات غير النفطية أو عدم الإرتكاز على النفط كمصدر وحيد للتنمية.
عندما استشرفت المتغيرات فى الخارطة الاقتصادية الدولية بعد هبوط أسعار النفط فى عام 2014 إلى مستويات غير مسبوقة وإنشغل الإقلیم في الحرب ضد داعش و بعد أن مرّ بمرحلة التهديد والحصار والعقاب الجماعي الممارس من قبل الحکومة المرکزية في بغداد و الضغوطات السياسية والإقتصادية من قبل دول الجوار بسبب الاستفتاء التاريخي حول استقلال إقليم كوردستان کان علی حکومة الإقلیم أن تقوم بتغيير سياساتها وتجديد أهدافها، وتعمل بجدية على وضع استيراتيجيات تنقل الإقلیم إلى مرحلة ما بعد النفط، بالاعتماد على تحسين الإنتاج وتعزيز القدرات البشرية والمالية والتكنولوجية، والاعتماد على العلم والمعرفة والابتكار، وتحول اقتصادياته من الاعتماد على سلعة واحدة، إلى التنوع، باعتبار ذلك خيارًا استراتيجياً وطريقاً إجبارياً، بما يجعلها بعيدة عن أية أزمات قد تنتج عن انهيار أسعار البترول أو ظهور بدائل أخرى للطاقة فى العالم، فالنفط سلعة قابلة للنضوب، فضلاً عن تقلب أسعاره والأخطار المتنوعة التى تهدد عمليات إنتاجه وتصديره.
لقد أعتمد الإقلیم بشكل أساسي علی موارد النفط الخام كإقتصاد إستخراجي ريعي وإنتهج سياسة الباب المفتوح أمام إستيراد بضائع إستهلاکية ذات نوعية هابطة وسلع زراعية تؤثر بشكل سلبي علی ضرورة التصنيع وتحديث الزراعة من أجل تنمية الدخل القومي.
في السابق أنتجت سياسة التدخل الحزبي في شؤون توظيف المنتسبين في القطاع العام عدم تطبيق فلسفة "الشخص المناسب في المكان المناسب". أما في السنوات الماضية فلم نری سعي جاد من قبل القطاع الخاص نحو الإستثمار بشکل كبير في القطاعين الصناعي والزراعي وفي الخدمات الإنتاجية والدراسات الفنية والمهنية والبحث العلمي، رغم وضع حکومة الإقليم شکلياً الإهتمام بالصناعة والزراعة والسياحة من أولويات أجندة عملها، کإستراتيجية تنمية غير دقيقة الی حد ما.
أما فيما يخص البطالة المقنعة المكشوفة، المتراوح عددها تخمينياً بين %50 الی %60، فإن إقليم كوردستان لم يسعی في السابق حل هذه المعضلة الإقتصادية بوضع حلول وبرامج إقتصادية تقلل من بروز هذه الظاهرة، التي تستنزف الدخل القومي وخزينة الإقليم بشكل واضح.
إن تبني سياسة التقشف المالي بهدف معالجة العجز في الموازنة العامة وتخفيض معدلات التضخم أمر ضروري، وهي ترتبط بشكل مباشر بتخفيض النفقات العامة ذات الطابع الاجتماعي، مثل نفقات الدعم للسلع التموينية وتعيين الخريجين والتعليم والصحة ومحاولة تحصيل رسوم عن هذه الخدمات وهذه السياسة يجب أن يتضمن رفع أسعار خدمات المرافق العامة كالمياه والكهرباء وذلك من أجل زيادة الإيرادات العامة بالرغم من أن الخطوة الأخير سوف تضرّ بفئات واسعة من الشعب الكوردستاني، لأنه يقلل من الإنفاق الإستثماري والإستهلاکي  ويؤدي بالنتيجة الی مزيد من البطالة ويقلل من حصة الفئات ذات الدخل المحدود من الحاجات الأساسية.
لابد في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة من تقليص دور القطاع العام أيضاً وبيع بعض أجزائه الی القطاع الخاص، لان عملية الخصخصة هي جزء أصيل من برامج الإصلاح الاقتصادي، فهي تمثل تغييراً جذرياً للسياسات الاقتصادية من اجل المشاركة في تعبئة الموارد المحلية اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من الضروري السير نحو سياسة زيادة الطاقة الإنتاجية في الأمد الطويل في القطاع الخاص وإضعاف العوامل المعيقة لنشاط هذا القطاع وتشجيع الإستثمار الأجنبي الخاص والدعاية لە من خلال المزايا والإعفاءات والتيسيرات الضريبية والجمركية بالتزامن مع تطوير السياسات الضريبية وتوسيع الوعاء الضريبي، والحد من الإعفاءات الضريبية.
علی حکومة الإقليم السعي الجاد لتخفيف الاعباء التي تتحملها ميزانية حکومة الإقليم نتيجة استمرار دعمها للمشاريع والشركات التي اثبتت التجربة عدم جدواها اقتصادياً، وتوجيه الإنفاق العام نحو دعم البنى الاساسية والمنشآت الاقتصادية ذات الاهمية الاستراتيجية.
عليها أيضاً تمويل برامج العمل العامة لخلق فرص عمل للشباب وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقديم الدعم المالي لها وتدريب وتأهيل الشباب للعمل في القطاع الخاص.
لابد للإصلاح أن يشمل القطاع المالي والمصرفي بهدف إيجاد انظمة مالية ومصرفية سليمة وتنافسية من اجل تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي والاسراع في وتيرة النمو الاقتصادي وتمكين الاقتصاد من التكيف مع الصدمات الخارجية.
لابد من تقدير العواقب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من جراء الإصلاحات الإقتصادية بصورة دقيقة لأن الوضع العام في الإقليم مازال مثقل باعباء ومخاطر سياسية وأمنية واقتصادية.
وختاماً علی حکومة الإقليم أن تتعامل وفق إستراتيجية مدروسة وذکية مع ثروة كوردستان لإستخدامها كأداة فاعلة من أجل توفير حياة أفضل لكل المواطنين الکوردستانيين، والعمل على تطوير مستدام ومستمر للاقتصاد من خلال 3 مبادئ أساسية هى الاستدامة والعدالة والتنافسية والتأکيد علی أهمية التوزيع المتوازن للتنمية على المحافظات بما يتناسب مع حجم واحتياجات كل محافظة، خاصة بعد تطبيق مشروع اللامرکزية الإدرایة، فالثروة كما يقال تأتي كالسلحفاة وتذهب كالغزال.
الدکتور سامان سوراني

37
إقليم كوردستان وفلسفة التكنولوجيا
ما تعلمناه من التاریخ هو أن الحضارة نتاج تفاعل الإنسان مع الطبيعة والمجتمع وأن التکنلوجیا هي جزء من دینامیکیة الإنسان مع الطبیعة، تقدم عناصر صنع التاریخ، لکن الإنسان یبقی دوماً الکائن الذي يصنع الحریة.
التکنلوجیا کنشاط لایوجد بمعزل عن السياسة والاقتصاد والتربية والتعليم والإعلام، وتحقيق التقدم التكنولوجي للمجتمع الکوردستاني لا يتم إلا من خلال تقدمه الحضاري الشامل.
إن حب الشعب الكوردستاني لقياداتها السياسية الفاعلة يزداد بإزدياد قدرة القيادات علی تحمل المسؤوليات وإشراك الشعب معها في إدارة الأزمات.
فحکومة إقليم كوردستان تستجیب للتغيرات والتقدم الحاصل في مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصالات وتأخذ بالتخطيط في هذا المجال، مستخدماً التكنولوجيا الذكية، کما شاهدناه في محاربة إنتشار فایروس کورونا وتعزيز الأمن الصحي وتوفير المعلومات الضرورية بخصوص التطورات والخدمات المقدمة من قبلها.
صحیح أن فلسفة التكنولوجيا تأخرت كثيراً  وأدبياتها ظهرت في منتصف القرن العشرين، أما أهمیتها کقوة لایمکن إغفالها أو التغاظی عنها، تحتل مکان الصدارة وهي بدأت مع قيام الحرب العالمية الثانية. 
الفیلسوف الألماني إرنست کاب نشر عام 1877 کتابە المعروف "أسس فلسفة التقنية" (بالألماني  Grundlinien einer Philosophie der Technik) أستخدم لأول مرة عبارة فلسفة التکنلوجیا في البيئة والمجتمع والوجود الإنساني ، وهي حقل فرعي من فروع الفلسفة الذي يدرس طبیعة التکنلوجیا وتأثيرها. ومنذ ذلك الحين فوض الغرب مستقبله للتقنية الی حین وصول آلالات الرقمية. وخلال عقود معدودة إستطاعت الثورة الرقمیة إعادة هیکلة کل مفاصل النظام التکنلوجي المعاصر.
ولقد أصبحت منظومة وجودنا الإنساني ومستقبلنا مرهونة بالروبوتات و النانوتکنلوجي والذكاء الإصطناعي وعلی فلاسفة التکنلوجیا القیام بمهمة مناقشة ما إذا کانت التکنلوجیات ضارة من الناحیة السياسية والثقافية أم هي سمة حیاة معاصرة نافعة ومهام  أخری تحلیلیة و توجیهیة.
علی حکومة إقلیم کوردستان إدراج فلسفة التکنلوجیا في برامج و نشاط الدولة والسعي في تغيير القيم وأنماط السلوك التقليدية و الإستمرار في دفع النخبة الشابة المسلحة بالمعرفة التکنلوجیة، أصحاب مقومات التحديث، للقیام بإعادة الهياکل المؤسسية الی مؤسسات فعالة في الدولة تساهم في علمنة الحياة وعقلانية البنی في السلطة و ترسيخ ثقافة الابتكار في بيئة العمل المؤسسي، فبقدر مايعيش الناس تحت رعاية العقل، کما يراه الفيلسوف الهولندي باروخ سبینوزا (1632-1677)، فإنهم يکونون فاعلين، يقومون بالضرورة بما هو خير بالنسبة للطبيعة الإنسانية.
الدکتور سامان سوراني


38
شعب كوردستان لاینسی عمليات الأنفال وجرائم الإبادة الجماعية
في ذکری مرور ٣٢ عام علی مسالخ الأنفال والمجازر الجماعية التي نفذها نظام البعث بحق الكوردستانيين خلال الفترة من 23 شباط 1988 الی السادس من أيلول نفس العام والتي تعّرف بواحدة من أكثر صفحات القمع الحكومي وحشيةً وعنفاً في تاريخ العراق الحديث، لابد القول بأن تلك الممارسات لم تکن إلا نتیجة التعامل الضدي والسلبي مع الآخر المختلف من قبل النظام الشوفيني الظالم، الذي  تمترس وراء الهويات وعسكرة المجتمعات ومارس التهويل الايديولوجي بأعتبار الآخر المختلف "جيب عميل" أو مصدر "المصائب والشرور".
نعم، نظام صدام حسين المقبور، الذي حرق البلاد والعباد تحت شعار "أنا أو لا أحد" و مارس العنف المنظّم و قام بسفك الدماء كأي نموذج ديكتاتوري آخر، بدأ بالحروب ثم بعمليات الإبادة الجماعية ضد شعب كوردستان وقام بتدمير البنية الإقتصادية والنسق الإيكولوجي في کوردستان وترك بإرتکابە لأكثر من ثلاثة عقود جرائم شنیعة ومرعبة جرحاً عميقاً في جسد المجتمع الکوردستاني وذاکرته اليقظة، هذا الجرح وللأسف لم يندمل الی الآن.
لکن شعب كوردستان يستمر من خلال قنوات مختلفة في مساعیه للتعريف بجريمة الأنفال كقضية دولية. أما قیادته الكوردستانية المناضلة فيدعوا المجتمع الدولي للإقرار بأن تلك العملية جريمة إبادة عرقيّة.
وفي الوقت ذاته يطالب هذه القيادة حکومة بغداد تحمّل مسؤولية تعويض ضحایا الأنفال والإبادة الجماعية، بأعتبار تحسين الأوضاع المعيشية لذوي الشهداء وضحاياها مسؤولية دستورية وأخلاقية وتاريخية.
الیوم وبعد كل هذه التجارب المريرة مع حكومة بغداد لايعقل أن نستغفل بالشعارات والوعود الكاذبة ولايستطیع صانعي القرار في بغداد أن يدعوا بالهشاشة الفكرية والحمل المفهومي الخادع ما يسمی بالشراكة الوطنية مع شعب إقليم كوردستان أو أن يطلبوا دعمه للإستمرار في السياسات الخاطئة.
المنطق يقول، التعامل مع الإقليم وقضایاه بعقل إستعلائي و عدم بلورة قيم جديدة للشراكة تعيد إنتاج المآزق و صناعة الكوراث وتدعم ثقافة المقابر الجماعية.
فالشراكة، کما هو معلوم، تلزم أصحاب القرار في بغداد أن يبدوا إستعدادهم "ولو بشكل نظري" الإهتمام بضاحايا الأنفال وإبداء النية الصادقة للنطق بكلمة "الإعتذار" عن ما تعرض له هذا الشعب المناضل في سبيل حقوقه المشروعة من المآسي.
المجتمعات العراقية اليوم بأشد الحاجة الی ساسة يعملون علی إنتاج ثقافة جديدة منفتحة مدنية وسلمية مبنية علی عقلية المداولة والشراكة الحقيقية لا علی الدعوة والترويج لعقلية الضد ومنطق الإقصاء.
لقد ولیّ زمن سماح الشعب الكوردستاني للحكومات في العراق ببسط الهيمنة، بعد لبس جلباب ديني أو قوموي أو دیمقراطي أو علماني والتعمد إلی تفتيت ديموغرافيته علی أساس أقوام وطوائف وقبائل وإستغلال نزاعاتها وتوظيف صراعاتها وإستثمار نعراتها بهدف إبقاءها خاضعة سياسياً وعليلة إجتماعياً للترويض بإرادتها ونهب ثرواتها وتوزيع أسلابها وتعطيل ديناميات الارتقاء الحضاري عندها وكبح تطلعات التواصل الإنساني لديها.
من يفكر علی هذا النحو لايغير واقعاً ولايصنع وحدة بين المكونات المختلفة في العراق، بل ترتطم أفكاره المثالية و نظراته التبسيطية علی أرض الواقع العنيد، لكي ترتد علیه، كما ترتد الكرة عندما تصطدم بأرض صلبة ملساء. والمآل هو إنتاج واقع أسوأ و أكثر كارثة مما أنتجه نظام البعث و علّامة التفرّد و الدكتاتورية، صدام حسين.
نحن في کوردستان نفتخر  بعوائل الضحايا لأنهم لم يرفعوا شعار الثأر لضحاياهم، بل طالبوا الجهات المؤمنة بالدستور في الحکومة العراقية بتنفيذ قرارات المحاكم العراقية ومجلس النواب بتعويض ضحايا الانفال والابادة الجماعية ومحاكمة کل من شارك في هذه العملية الإجرامية وكل من مهّد الطريق لتنفيذها بشكل عادل.
وختاماً نکرر و نقول: "إذا ظل ثقافة و سياسة تدمير الحس والوجود الكوردستاني قائمة في العراق الفدرالي، فسيكون التعبير عن الديمقراطية و حقوق الإنسان والشراكة والإعتراف بالآخر المختلف في هذا البلد ضرباً من ملاعبة الأفاعي السامة".
الدکتور سامان سوراني

39
فيروس كورونا المستجد وفرصة إقليم كوردستان الی المستقبل

بالرغم من أن الأزمات العالمية هي بمثابة محرکات ضاغطة تحمل في طیاتها فرصاً للتغيير ، تساعدنا علی الإنتقال الی عالم جديد، نشعر اليوم بأن فیروس کورونا المستجد تغير ثقافتنا السیاسية، بعد أن تخطت حصیلة الإصابات المعلنة من قبل الجهات الرسمية في العالم عتبة المليون.
فمن يری هذا العالم داخل الکل الأنطولوجي الكوني يعمل بفکرة التضامن المجتمعي العابر للحدود وینتصر في مواجهة الخطر الداهم. فالمؤمن بفلسفة تضامن الشعوب بإعتبارها درس جوهري لازم للحياة، یهتم بالحوكمة الجيدة ويتعامل بحرفية و مهارة عالية مع أسوأ التهديدات.
إن تعامل حکومة إقلیم كوردستان وإستجابتها الجدية مع فیروس کورونا المستجد، بعد تفشي هذه الجائحة بدایةً في کل من الصين و إیران، وذلك بأستخدامها إستراتیجية فاعلة وتدابير إستباقية لمواجهتها عن طريق قیامها بحملات توعية صحیة وتطبيق تدابير المتابعة والسيطرة المرنة، أثبت هذه الحکومة للمنطقة والعالم ، رغم قلة خبرتها في التعامل مع أزمة تفشي هذا الوباء، أنها قادرة علی قيادة شعب الإقلیم بشکل عصري و یمکنها إنقاذه من هذا التهديد الراهن لإیصاله الی بر الأمان،  حیث أستطاعت خلال فترة زمنیة محددة تهیئة شعب كوردستان، بعد عقد مؤتمرات صحفية يومية والتواصل المستمر وبعد نشرها لمعلومات جاهزة من غرف إعلامية و مراکز لتحلیل بیانات مستمدة من مدن وأقضية و نواحي الإقلیم، للتجاوب بشکل إیجابي مع أسلوب أحتواء تلك الأزمة. لایمکن التقليل من شأن الإنجازات الإيجابية لرئیس حکومة إقلیم کوردستان و طاقمه الوزاري في هذه الفترة الحرجة، رغم إمکانيتهم المالية والتكنولوجية والصحية المحدودة،  لأنهم بجدیتهم وشفافيتهم تمکنوا من تعزيز الأمن الصحي وتمهيد الطريق لتقوية العلاقة بین کافة مکونات المجتمع الكوردستاني و رفع معنوياتهم تجاه مفهوم المواطنة وحب الوطن، وهکذا التزم الأکثرية الساحقة بالعزل الذاتي والحجر الصحي، وهذا مادعی منظمة الصحة العالمية للإشادة بمساعي الإقلیم نموذجه الناجح في التصدي لهذه الأزمة، رغم وجود قيود كثيرة ومعروفة تعيق عمل هذه الحکومة، إذا ما تم مقارنتها بدول إقلیمة أو متقدمة في العالم.
بالتأكيد سوف تشرق شمس عالم مابعد كورونا علی الأفق، و سوف تتبلور ملامح جديدة تعيد النظر في طبيعة العلاقات بين الدول والشعوب وتخلق أشکال جديدة من المنظمات والمؤسسات الدولية یمکن أن تقوي قبضة الحکم الرشيد و سيادة ظروف مستقرة والقدرة على التأقلم والاستجابة للمتغيّرات المختلفة وتعزز مفاهيم الإنسانية والعدالة الإجتماعية وحب الوطن والإنسان والطبيعة.
نتمنی أن تستمر حکومة إقلیم كوردستان القوية بعد خلو الإقلیم من كورونا في ترسيخ ثقافة الابتكار في بيئة العمل المؤسسي وتقوم بإعادة تحريك الاقتصاد الداخلي وتنويع الأنشطة الاقتصادية وتعميم التطبيقات الذكية المميزة بقيادة كفاءات وطنية وفقاً لمعايير الإبداع والابتكار والتميز العالمية واقتصاديات المعرفة وخفض النفقات وزیادة السيولة بيد الناس وخلق الثقافة التي تمكن الحفاظ على صحة وسلامة العاملين والمتعاملين وتأمين رواتب منتسبي الحکومة والحد من غلاء السلع، لتخرج من هذا الإختبار بنجاح وأمتیاز.
وختاماً: "العقل يملي عدم المبالغة في الحديث عن الخطر؛ فلا يزال الفيروس مقلقاً، والشيء العقلاني الواجب القيام به هو الاستجابة بطريقة محسوسة للتهديد. أي نشر فلسفة الاعتدال، مما يعني القيام بالأشياء بالطريقة الصحيحة، لا المبالغة فيها أو التقصير في القيام بها."
الدکتور سامان سوراني

40
الفلسفة الفردانية والدولة الوطنية في زمن الكورونا
يشترط لوجود الفرد شروط ثلاثة ليصبح الإنسان فرد في مجتمع ما، وهي (العضوية - الحياة - التفكير)، ومن دون هذه الشروط لايمکن للإنسان أن يقوم. 
الفرد هو جزء أحادي له صفات خاصة تميزه عن غيره، أما الفردانية فهي سمات خاصة بالفرد لا تتكرر عند غيره كمميزات، منها انتسابه لقومية ما أو أمة محددة.
من جانبه يقول عالم القانون والفيلسوف والمصلح الإجتماعي الإنکليزي جيرمي بنثام، (1748 - 1832) أن "السلوك الصحيح هو السلوك الذي يحدث أكبر سعادة لأكبر عدد ممكن من الناس،" لذا نری بأن عودة الإنسان إلى إنسانيته إنطلاقا من مؤسسة الأسرة مسألة ملحة لكبح جماح الفردانية التي بدأت تزحف نحونا بشكل رهيب.
نحن نوافق الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس نظريتە “الإطار العام ”، عندما يشير الى أن الإطار العام يضمن التفاعل المجتمعي و يساهم في تعزيز التواصل بين الافراد بما يحقق السلام والتفاهم بين المجتمعات  وأن التفاعل المجتمعي هو فعل إتصالي إيجابي مهم في صناعة الفكر الجمعي الذي يخلق الإنسجام والتفاهم في المجتمع، لکن علینا أن لاننسی بأن وسائل التواصل الاجتماعي في عصر الثورة الاتصالية الهائلة تلعب دوراً کبيراً في تعميق الفكر الجمعي وعملية النمذجة والتنميط الجماهيري، لذا نراه من الضرورة بمكان أن يحرص الفرد علی بقاءه هو نفسه و أن لا يتحول الی إنسان آلي غير قادر علی أن يقاد من قبل إرادته، رغم أن غياب مفهوم الفردانية – سياسياً وثقافياً – عن مواطني أي بلد يسهم بصورة رئيسية في تعثر مشروع الحداثة.
أما الإنسان فهو كائن اجتماعي بفطرته، يؤثر ويتأثر بالمحيط. والمواطنة علاقة سياسيّة بين أفراد مجتمع ما و (بين) دولةٍ ما يشاركون في شؤونها العامة، فالدولة الوطنية هي البيئة السياسية الحاضنة للمواطنة، تنجب المواطنین بوصفهم ثمرة سياسية لنظامها المدنيّ المفتوح، المبنيّ على حاكمية الإدارة العامة، فهم يتکونون من خلال مشاركتهم في بناء الدولة الوطنیة والبناء الديمقراطي.
مايفرحني هو أنە مع إنتشار وباء کورونا أتخذت حکومة إقليم كوردستان برئاسة السيد مسرور بارزاني وبمساندة طاقمه الوزاري خطوات وقائية نوعية وعصرية لازمة لمواجهة هذا الوباء العالمي.
أما الشعب الكوردستاني الذي عاش في الماضي حروب مفروضة و إضطهاد و حلت به مآسي كثيرة و رغم أستعداده لقدوم الربيع وأعياد نوروز القومية فقد التزم بالقرارات والإجراءات المنفذةوالتوجیهات الصحية الصادرة من قبل الحکومة ليصبح سنداً لحکومته الفاعلة بهدف إنجاح الحملة الوطنية للحد من إنتشار "كوفید19" القاتل والعابر للحدود وحماية أرواح المواطنين والحفاظ علی سلامتهم.
لقد کشف شعب كوردستان في هذه المرحلة الحساسة بتکاتفه مع حکومته للعالم بأنه قادر علی تخطی الصعاب و مواجهة التحديات والمضي قدماً لإثبات وجوده وتحقيق ذاته والتعبير عن آماله وطموحاته وإعلاء کلمة كوردستان لتصبح هي العليا بين الأمم.
وختاماً: نحن علی يقين بأن مستقبل كوردستان واعد وأن قوة بقاء هذا الشعب علی مدار آلاف السنين، رغم الحروب والإضطهاد التي مورست ضده، هي سر عظمة هذا الشعب وأن وحدة الصف الكوردستاني هي كلمة سر الکوردستانیین في المستقبل وأیقونة التحدي في الحاضر.
الدکتور سامان سوراني


41
المرأة الكوردستانية في اليوم العالمي للمرأة
في عصر تشابك المصالح والمصائر وعولمة الهويات الجندرية، عصرﹲ صنع بيئة مجتمعية دولية مبنية على أساس انتقاء المعلومات، والمعرفة، والاتصالات، عن طريق خلق علاقة فعّالة ومنظمة بين الإنسان والأشياء، وبين الإنسان والدولة، وبين الدولة والبيئة، وبين المجتمعات المختلفة دون النظر إلى الحدود الجغرافية أو الديانة، أو اللغة، أو الآيديولوجية، أصبحت توجهات المرأة الكوردستانية نحو الديمقراطية والسلام مسألة مهمة في تقدم المجتمع الكوردستاني من الناحية الإجتماعية والسياسية، وهي تفتح قنوات الاتصال مع المرأة في العراق ودول المنطقة لنقل خبراتها ومعلوماتها إليهن وذلك لغرض توسيع ثقافة الحرية والديمقراطية والمساواة وتحويل الفضاء المجتمعي الی ورشة دائمة وحية من الحوار والمباحثة والمناقشة والمبادلة، علی مختلف المستويات وفي مختلف دوائر المجتمع وحقوله وقطاعاته وقنواته. هذا ما يتيحه عصرنا السبراني ، عصر الشبكات الإجتماعية والإتصالات والقنوات والفضائية.
يفرحني كثيراﹰ أن أری المرأة الكوردستانية في عالم يشهد النزاعات والحروب والكوارث الإجتماعية ويتعامل مع الأفكار معاملة ماورائية مآله العودة الی الوراء والغرق في السبات، ترفع شعار المساواة، إيماناﹰ منها بالمادة الأولی من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص،"تولد الكائنات البشرية جميعها حرة ومتساوية في الكرامة والحقوق"، وهي تتسلح الیوم بإرادة تشق الجبال وتفتت الصخر لتحقيق ذاتها التي تتحدى العجز والكسر.
في المقابل أثمن جهود الرجل الكوردستاني وهو يسعی الی دعم هذا الدور الخلاق للمرأة الكوردستانية، أنه يعرف جيداﹰ بأن الطائر لايطير إلا بجناحين وأن تقدم المجتمع مبني علی رکيزتین أساستين وهما المرأة والرجل، لذا قام بکسر أغلال التقاليد الرجعية الموروثة، التي سوّغت له في الماضي ممارسة الاستبداد بالمرأة والتحكم في مصيرها وحريتها.
إن مبدأ حرية المرأة هو مقياس التطور الحضاري للديمقراطية والحرية في الإقليم والإنفتاح علی الخارج عبر الندوات والمؤتمرات النسوية، التي تهتم بالدفاع عن حقوق المرأة وتدعم الحريات الديمقراطية يعني فتح آفاق وممكنات جديدة أمام العمل النسوي وتثبيت كيان المرأة في كوردستان، فلا مجال بعد للعزلة.
نحن نعلم بأن وضع المرأة الكوردستانية وشرطها النسوي كان محكوم بظرفه الزماني والمكاني ودرجة التطور الحضاري والثقافي. ولذلك نشعر إن عملية القفز فوق هذه الظروف، تعد مغامرة محفوفة بالمخاطر، وهي تشبه السباحة ضد تيار الحياة الكوردستانية العارم، لكن ما يجب أن نثبته هنا هو الدور المهم للمرأة الكوردستانية في النضال من أجل الحرية ومقاومة الاستبداد والدكتاتورية البعثية، إذ شاركت بجانب الرجل وبشكل فعلي في الساحة السياسية، وهي قطعت بعد الانتفاضة شوطاً كبيراً في التقدم.
وقد وضعت حكومة اقليم كوردستان جملة من القوانين وعدلت البعض الآخر من أجل حماية حقوق المرأة وتفجير طاقاتهن.
أما القيادة الكوردستانية فقد تعرّف عدم تطبيق حقوق المرأة والفيدرالية والديمقراطية بالخطوط الحمراء.
وفي 8 مارس عام 2005 تم الإعلان من قبل رئيس الحكومة الكوردستانية عن سياسة المساواة بين الرجل والمرأة ووضع لها آليات التنفيذ من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية. هذا القرار الصائب من قبل القیادة الكوردستانية هو الذي جعل من إسهام المرأة الحيوي في المجتمع الكوردستاني المعاصر المعتمد علی الآلة والأجهزة الإلكترونية المتطورة أن يصبح لە دلالة في روح المجتمع.
المجتمع الذي يری في الجنس المتنفس الوحيد للرغبة وفي المرأة الأنثی فقط، دون أن ترفعها الی المثل، يبقی متحجر ومغلق وجامد، يعيش في عزلته الحضارية والتاريخية.
بالتأكيد التطور والبناء الحضاري لأي مجتمع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور ثقافة ووعي المرأة ومساهمتها الفعالة بهذا البناء، ليكون المجتمع مدني قائم على أسس ديمقراطية کالمواطنة وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والمبادئ الانسانية. وبتطورها الإبداعي تكون المرأة المحرك الأول الذي يدفع المجتمع الی التخلي عن الجمود في التقاليد والأفكار والمُثل.
وقد أنصف جون ستيوارت مل (1806-1873) نصير الليبرالية علی الساحة الفكرية المرأة عندما قال، بأن المرأة لاتقل عن الرجل في شيء. وهو الذي حمل علی عاتقه مسؤولية إعادة التوازن وإعادة الإعتبار للمرأة وناقش في منتصف القرن التاسع عشر قضية المرأة في كتاب تمرّدي تحت عنوان (استعباد النساء)، أدان فيه المبادیء الوضعية الخاصة التي شكلت من أجل تنظيم العلاقات بين الجنسين.
المرأة إذن هي مقياس حضاري وقلب الإنسانية وأبهج شيء في الحياة، كما يراه المعلم الكبير "كونفوشيوس". وما علی الرجل المعادي لمساواة المرأة إلا أن يتعجل ويمتلك حريته ويكون شجاعاً ويرفع هذا الوهم الذي فرض سطوته عليه، وإفضل طريق للعلاج هو التدريب الفلسفي الاجتماعي وإنشاء علاقة صحية وحميمة مع علوم السوسيوسايكولوجي ومباحثها، إذ إن هذا سيؤدي بالتأكيد الی خفض درجة التوتر والقلق عنده والتصالح مع نفسه.
وعلی الإنسان المتحضر مناهضة الفكر الماسوجيني (ثقافة العداء للمرأة) أينما كان، من أجل إثبات الجدارة وبناء مجتمع حيّ وخلاق لا تكبحه العقائد المغلقة والنخب الفاشلة والإدارات الفاسدة والعقليات الكسولة والثقافة الفقيرة والنماذج الإرهابية القاتلة.
وختاماً: نبارك للمرأة يومها العالمي ونقول، أن المرأة الفاضلة أنفع من الرجل الفاضل، لأنها هي الأساس في تربية الناشئة الجديدة. وعلی التاريخ الإنتظار ليحفظ للمرأة رسالتها الجديدة، في عالم المستقبل الجديد، فأول الغيث قطرة.
الدکتور سامان سوراني

42
إقليم كوردستان مهد التسامح والإنفتاح والتعايش المشترك
في وقت تعیش فیه المنطقة العديد من المخاطر والتھديدات سواء کانت من قبل مجاميع متطرفة أو ملیشيات مسلحة خارجة عن القانون وفي ظل تصاعد حدة عدم التسامح  يسعی قادة إقليم كوردستان داخل وخارج الإقليم الی التلاقي والحوار للتفاهم علی موقف يفيد الإنسانية والسلام لتخليص المنطقة من العنف والتشدد والعنصرية والتفرقة بين الشعوب لأسباب دينية کانت أو أثنية.
في هذا العصر المتميز بعولمة الإقتصاد وبالسرعة المتزايدة في الحرکة والتنقل والإتصال وإنتقال السکان علی نطاق واسع والتوسع الحضري وتغيير الأنماط الإجتماعية يعتبر التسامح أمر جوهري في العالم الحديث أكثر منه في أي وقت مضى.
الزیارات المتکررة لقادة الإقليم الی روما والفاتیکان للقاء بابا الفاتيکان فرنسيس لتکريس التسامح والتواصل والحوار خير دليل علی مدی إهتمام هذه القيادة الحکيمة بقيم التسامح و عملية التواصل و أساليب الحوار بين الأديان في زمن تطفوا فيه الی السطح نوازع التشدد والغلو في صفوف أبناء الأديان والحضارات.
تعتمد حکومة إقليم كوردستان علی فلسفة سياسية وإجتماعية وفکرية قائمة علی الإعتدال والإنفتاح، وهي حريصة علی تجسيد قيم التسامح والحوار وترسيخ قيم التماسك والترابط والاحترام في العالم أجمع. إذ تستقبل مبادرات رائدة في مجال التعاون الدولي والتکامل العالمي وتتبادل مع التحالف الدولي ضد "داعش" الخبرات العسکرية والأمنية في سبيل التصدي لخطر العنف والإرهاب.
نقول وبكل أعتزاز أن إقليم كوردستان هو شريك أساسي في الحرب ضد هذا التنظيم الإرهابي وقد لعب دوراً مهماً في ترسيخ الأمن والسلم في المنطقة وأصبح ملاذاً آمناً لمئات آلاف من النازحين واللاجئين، بعد أن ترکوا دیارهم بسبب الحروب والنزاعات المستمرة في كل من العراق وسوريا.
حکومة الإقليم تؤکد في كل مناسبة التزامها بمكافحة التطرف والإرهاب بكل أشكاله وصوره، إذ تدعوا المجتمع الدولي لمساندتها ومساعدتها من أجل مضاعفة جهود المكافحة الكفيلة بالوصول إلى مجتمعات آمنة وخالية من التطرف والإرهاب.
وإيماناً منه في اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالمياً لعب الرئیس القائد مسعود بارزاني خلال مسيرته النضالية دوراً بارزاً في خلق قنوات التواصل مع شعوب العالم و هو مستمر في تعزيز علاقات الإقليم الدولية وتحقيق السلام العالمي. 
أما نهجه النابع من تعاليم الخالد بارزاني الأب المليئة بفلسفة حب الحياة والدفاع عن حقوق الإنسان وقيم وعادات شعب كوردستان الأصلية فأنه يرسخ العدل والمساواة والتآلف والتسامح واحترام الآخر والتعارف والاندماج الإيجابي بين المكونات والدیانات المختلفة في كوردستان.

وما دعوة رئیس حکومة الإقليم، التي قدمه خلال زیارته الی الفاتیکان في 19 شباط 2020 لبابا فرنسيس، لزیارة إقليم كوردستان، إلا تأكيداً لسماحة الأديان السماوية والقيم الإنسانية المشتركة، والتي تجمع الشعب الكوردستاني والعالم للتعايش في سلام وتعاون ووئام.
ختاماً يقول الفيلسوف الفرنسي Jean-Claude Zarka: "إن التسامح ينبغي أن يتجاوز منطق الشعارات؛ ليصبح محددا، مؤسساً، يؤطر الفكر والسلوك، والتمثلات والممارسات الفردية والجماعية، فينبغي أن يدخل التسامح في العادات والمؤسسات.. وأن يتم التنصيص عليه في الأجهزة القانونية والسياسية".
الدکتور سامان سوراني




43
إقليم كوردستان ومسألة تشكيل حكومة جديدة في العراق
بعد سقوط طاغية العراق صدام ونظامه الفاشي في التاسع من نيسان عام 2003  إثر الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها علی العراق قرر شعب كوردستان بتشكيل الاتحاد الاختياري في الدولة العراقية الجديدة، التي كان من المفترض أن تقوم على الأسس الديمقراطية والبرلمانية والاتحادية (الفدرالية) المثبتة في الدستور الجديد لعام 2005، لتکون تجربة الحكم التعددي في العراق من التجارب الفريدة في المنطقة.
ظن البعض بأن هذه البذرة الأولی سوف تثمر بعد زرعها أسس الديمقراطية، التي يمكن تصديرها لتؤدي بالنتيجة الی تغيير الشرق الأوسط بشكل إيجابي، لکن بسبب السياسات الفاشلة للحکومات المتعاقبة في العراق الجديد طغی وللأسف الإنتماء المذهبي علی المواطنة الدستورية وأصبحت فكرة الديمقراطية القائمة على العمل، والتفاعل والاندماج الاجتماعي في خبر کان.
قراءتنا للواقع تقول أن الإحتجاجات المستمرة في الكثير من محافظات وسط وجنوب العراق هي نتیجة سلطة أوليغارشية بنت سلالة هيکلية في العلاقات بين الدولة والمجتمع لکي تعيش بشکل طفيلي علی حساب الأكثرية المهمشة في مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والخدمية والتي ترفض الوضع الراهن بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها، حيث تطالب بإبعاد الطبقة السياسية الفاسدة و إن أمکن تغيير في نظام التوزيع و السياسة التمثيلية. 
إن إنخراط عدد كبير من خريجي الجامعات والطلاب من کلا الجنسين الی جانب طبقات وشرائح أجتماعية أخری في حركة الاحتجاج خير دليل علی وعي الجماهير والرغبة في بناء دولة مدنية فاعلة لاتبذر مواردها في إشباع رغبات و نزوات نخبة سياسية فاسدة و مليشيات طائفية مسلحة خارجة عن القانون.
المجتمع المنتفض يريد أن يصنع سلطته بيده، سلطة تعمل بعقلانية راشدة متوازنة وتقنیات فائقة وذلك لزرع ثقافات ديمقراطية خلّاقة، لأن الإدارة الفعؔالة هي التي تدير مجتمعاً ، يتصرف فيه أفراده ومجموعاته ، کفاعلين ومسٶولين بقدر ماهم مختصون ومنتجون للثروة أو المعلومة أوالخدمة أو السلطة، بحيث تكون القرارات حصيلة التداولات والتأثيرات المتبادلة. إن بناء الثقة وتحويل الاستشارات المسهبة الی طاولات الحوار وملتقيات النقاش ومنتديات المكاشفة ضروري لإظهار المشكلات في الملفات الأساسية و مكامن الحلول العملية لها وإيجاد القواسم الجامعة بين القوی المجتمعية.
القيادة السياسية الحکيمة في الإقليم تعلم جيداً بأن الرهانات في العراق كبيرة و أن التحديات قائمة، لکنها لاتقبل أن يمنع رئیس الوزراء المکلف، محمد توفيق علاوي، رئاسة و حکومة إقليم كوردستان بإختيار وزراء يمثلون الکوردستانيين في الحکومة الجديدة وترفض سياسة فرض أشخاص علی شعب كوردستان و تعتبر تلك المحاولة بخطوة سلبية هدفها إنهاء شراکة شعب كوردستان في إدارة دولة العراق الفدرالي.
لقد عمل الرئیس مسعود بارزاني دون تقصير من أجل مساندة ودعم أي حراك سياسي من أجل بناء شراكة حقيقية بعيدة عن منطق الصدام، لغرض المساهمة في إدارة التحولات و قيادة المصائر و فهم المستجدات، إذ يعود إليه والی فلسفته و سیاسته الحکيمة الفضل في تحقيق التعايش السلمي والأمن والسلام والإستقرار في الإقليم.
الشعب الكوردستاني لا يريد أن يصب نضاله التاريخي في بحار العدم. نعم الكوردستانيون ما زالوا جزء مهم من العراق ولهم الحق الكامل في التمسك بالوسائل الديمقراطية لمجابهة خصومهم السياسية، إن سعيهم لمصالحهم الذاتية في إطار اللعبة الديمقراطية بإستعمالهم أساليب ديمقراطية ودستورية لا يقلل من شأن حقهم الديمقراطي.
أما العراق السياسي فقد عاش في السابق بسبب ظاهرة التفرد في إتخاذ القرارات إنهيارات و إخفاقات و حروب و كوارث و أزمات عظيمة، مجتمعه لا يمكن أن يُبنی مرة أخری بعقليات و نماذج و مفردات سائدة قديمة أو حديثة أو يصنع بسرديات كبری و أساطير مذهبية بالية، التي دفع المجتمع العراقي لقاءها أثماناً باهضة، دماءاً و دمارا.
فمن يريد الحرية السياسية لابد له من إتقان لغة الاعتراف والحوار والتوسط والتعدد والمباحثة والشراكة المبادلة ومن لايخرج من سجنه الطائفي وولائه الخارجي لايمکن لە بناء صداقة و شراكة حقيقية مع من يريد بناء نظام ديمقراطي تعددي فدرالي.
من واجب الحکومة الجديدة والأطراف السياسية في العراق العمل علی إنهاء النفوذ الإقليمي واحترام الدستور والإلتزام به و إنهاء سلطة الملیشيات التي تنفذ أجندات خارجية وتقوم على التهديد و القتل والتخويف. کما يجب اللجوء الی حكومة تكنوقراط من شخصيات ذات ثقة و كفاءة وإختصاص، تهتم بالقضايا الملحة التي يعانیها المواطنون العراقيون، خصوصاً في مجال الخدمات وتحفيز الإقتصاد، حكومة ذات قاعدة موسعة تلزم جميع الأطراف السياسية التعاون والعمل معاً من أجل إجراء إصلاحات أساسية لتحقيق التنمية والتطور. 
وختاماً: إذا كانت صناعة الواقع و المشاركة في إدارة العالم مهمة تشترط القدرة علی الإبداع والتحول بخلق الوقائع وإنتاج الحقائق، فإن الحوار هي أحوج ما یحتاج الیه الشعبين الكوردستاني والعراقي لكي یتحملوا تکالیف الحیاة السیاسیة والإجتماعیة بالحد الأدنی، المعقول أو المقبول.
الدکتور سامان سوراني

44
مؤتمر ميونخ الأمني والدور الفاعل لإقليم كوردستان
بالتأکيد لكل مؤتمر شعار معين، يحدد الاتجاه أو يثير سؤالاً إستفزازياً يحتاج إلى إجابة. مؤتمر "ميونخ الأمني"، في دورته الـ 56 والذي جری بين 14 - 16 من شباط عام 2020 رفع شعار مايسمی بـ "تراجع الغربية"Westlessness  والتي تعني الاضطراب العام الناتج عن حالة اللايقين بشأن المستقبل ومصير الغرب. شارك في هذا المؤتمر حوالي 40 من زعماء الدول ورؤساء الحكومات وحضر فیه نحو 100 من وزير خارجية أو دفاع وممثلون عن وزارات أخری ومئات من الخبراء و مايقارب 1300 صحفي، لمناقشة الأزمات الحالية والتحديات الأمنية المستقبلية والإستماع الی آراء خبراء السياسة الأمنية الدولية.
المؤتمر الذي تأسس في الأصل عام 1963 كأجتماع الماني - أمريكي لتبادل المعلومات حول القضايا الأمنية لايزال ذا أهمية لکلا البلدين والدلیل علی مانقوله هو المشاركة الكبيرة والفاعلة للوفد الأمريكي المتمثل برئیسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، و وزير الخارجية، مايك بومبيو، و وزير الدفاع، مارك إسبر، ووزير الطاقة، ريك بيري.
وقد کان لرئیس حکومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، علی هامش هذه المنصة الفريدة من نوعها في العالم، فرصة ثمينة لإجراء لقاءات مهمة مع  عدد من رؤساء حکومات دول وكبار المسؤولين العالميين المشاركين في المؤتمر علی مستوی وزراء الخارجية والدفاع والطاقة و ذلك لتبادل الرأي بعيداً عن الخطب التقليدية ومناقشة الوضع الراهن في العراق والمنطقة بشكل تفاعلي و کذلك إمکانية بحث سبل تعزيز العلاقات بين إقليم كوردستان و تلك الدول المتقدمة. 
إقليم كوردستان الذي له، کنموذج ناجح للحکم في المنطقة، دور مهم و فاعل في المنطقة وخاصة في مجال مکافحة الإرهاب والتصدي لهجمات داعش المستمرة ومنع عودته والذي أصبح  ملجأً وملاذاً آمناً للنازحين واللاجئين، يهتم بالقيم الغربية المرتبطة بتطور الديمقراطية والليبرالية واقتصاد السوق والحرية و يتواصل و يتعاون بشكل أوثق مع حلفاءه في قضايا الأمن والدفاع والتجارة والهجرة للمحافظة علی أمن و إستقرار الإقليم و المنطقة من التهديدات التي تطرحها الميليشيات المتطرفة العابرة للحدود علی نحو متزايد.
يعود فضل هذه التجربة الناجحة في إدارة حکم إقليم كوردستان، کما أشار الیه أمين عام جامعة الدول العربية،  في لقاء لە مع رئیس حکومة الإقليم علی هامش هذا المؤتمر، الی حكمة وقيادة الرئيس البيشمرکة مسعود بارزاني.
وفد إقليم كوردستان المتطلع للإصلاح من أجل هوية وطنية كوردستانية واحدة وبيشمركة موحدة عمل خلال هذا المؤتمر بجدية علی إبراز تضحيات قوات البيشمركة في الحرب ضد الإرهاب وقام بإقناع شرکائه الدوليين علی ضرورة مواصلة تدريب و مساعدة هذه القوات البطلة لمواجهة التهديدات الأمنية وتحقيق رؤیة الإقليم وأهدافه المستقبلية المستندة الی القيم الإنسانية العالمية، كالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة، التي تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي وتصون الحريات الخاصة والعامة و تضمن الأمن والاستقرار المجتمع.
ختاماً، يقول الكبير مهاتما غاندي: "فلسفة الحياة ترى أن الغاية والوسائل حدود وعكوس... وإن قيمة الغاية هي قيمة الوسائل، والوسائل كالبذور والغاية كالشجرة والمرء انما يحصد ما زرع ، ولذا فإننا إذا انتبهنا إلى الوسائل وثقنا من بلوغ الغايات".
الدكتور سامان سوراني





45
ماذا يعني إنتمائي لإقليم كوردستان؟ 
يقال بأن فلسفة الشيء هو ماهيته و غایته أي البحث عن وجودە، وما وراء فاعليته، وبما أن الوطن هو المستقبل والإنتماء هو شعور ثابت و عامل من عوامل بناء المجتمع، فإن إنتماء الإنسان لمجتمع ما سوف يشجعه للمحافظة علیه و الحرص علی نموە و إزدهاره بشكل مستمر. إقليم كوردستان الذي ينمو و يزدهر بفضل القيادة الكوردستانية الحكيمة والإدارة الناجحة للحکومة هو موطن أجدادي، والإنتماء لهذا الوطن ليس مجرد شعار يرفع، بل هو تاریخ و حضارة وعمق و مخزون ثقافي وإجتماعي و قيمي.
فعندما أقوم أنا بالمحافظة على انتمائي لوطني، وأرضي،  أتمكن حینها من تحقيق مفهوم ومعنى الانتماء الذي يرتبط بتحقيق مفهوم المواطنة، والتي تشير إلى كافة المبادئ، والحقوق، والواجبات التي يتميز بها المواطن داخل الإقليم التي أعيش فيه.
شعب الإقليم هو جزء من المجتمع البشري، أما تعزيز إنتمائي الیه فيتطلب من سلطة الإقليم الإستمرار في تحقيق العدالة والمساواة وعدم التمييز وتعزيز الشفافية والنزاهة وضمان كل مواطن لممارسة حقوقه المشروعة.
ومن اهم مظهر من مظاهر الانتماء الوطني هو الحفاظ على أمن واستقرار الإقليم ومكافحة الفساد المالي والإداري والأخلاقي، وحماية حرية الرأي والتعبير وتحقيق الأمن الفكري وحماية تماسك ووحدة المجتمع. 
إذن الوطن هو حاجة جوهرية وضرورية في حياة الإنسان وهو في الوقت نفسه حاجة حضارية مستديمة، لا يكتمل معناه وأفقه إلا بالمواطن الذي يعمل على تعميق وجوده وتجربته الإنسانية.
الإنتماء لكوردستان هو التزام ومسؤولية، وكسب متواصل في مختلف الميادين لربط مكاسب الماضي بمنجزات الراهن وصولاً إلى مستقبل وطني جديد، يمارس فيه جميع أبناء الوطن مسؤولياتهم وأدوارهم ووظائفهم وحقوقهم.
من الواضح بأن الشعب الكوردستاني بحاجة إلى إحداث تحول نوعي وتاريخي في مسيرته، حتى يتسنى له الإستجابة الفعالة لهذه التحديات. وبصريح العبارة يمکن القول بأن أحوج ما یحتاج الیه شعب كوردستان هو أن یمارس حیوته الفکریة، بالتحرر من جملة من العقد والحساسیات الحزبیة والهوس النضالي والهذر الثقافي والآفات التي عرقلت مشاریع التقدم والرفاه و حضور العدالة الإجتماعية والمشارکة في صناعة القرارات المصیریة.
نحن نعرف بأن المجموعات البشرية التي تشترك مع بعضها في الجوامع المشتركة، هي التي تعمل على صياغة مفهومها لوطنها، ومن خلال فعلها المتواصل في مختلف المجالات، تتشكل معالم الوطن الفعلية.
إن الشعور والإعتزاز العميق لمواطني كوردستان بإنتماءاتهم نابع من إنجاز الأمة الكوردستانية لواقع المواطنة في واقع حیاتهم.
الإنتماء الی كوردستان و الإعتزار ببطولات وأمجاد البيشمرگة تربية يبدأ غرسها في البيت لثمر في حقول الحياة المختلفة، علیه أن تتبلور معاييرها في کافة مراحل التعليم المدرسي و الجامعي. هكذا يستشعر الفرد مسؤولية الصون والدفاع عن الوطن. أما الإعلام الهادف کالفضائيات الكوردستانية و مواقع الإنترنت و مواقع التواصل الإجتماعي فواجبها تعزيز الإنتماء والولاء للوطن و خاصة لدی النشء والشباب من الجنسين.
فالتربية السليمة هي قاعدة أساسية لتطور الإنسان وإرتقاءه فکرياً و إجتماعياً و سياسياً و المجتمع الكوردستاني بحاجة الی برامج عمل و حقائق مجتمعية متواصلة تساهم في تطوير مفهوم الإنتماء الوطني.
وختاماً: كوردستان الوطن هو الروح الممزوجة بحب الأرض والبشر و هو القلب الكبير لكل أبناءه. فمن ينتمي إلى هذا الوطن ينبغي أن يحترم ويحب وفق مقتضيات الوطن والمواطنة. والمجتمع الكوردستاني یملك غنیً في المعطیات کما یملك فائضاً في الموارد، لذا علینا العمل معاً على صنع حاضرنا وتطوير راهننا وتجاوز محن واقعنا وتحدياته، بالمزيد من الكفاح والبناء والعمران للوصول الی الثالوث القيمي (العدالة ـ الحرية ـ المساواة)،  الذي يمنح مفهوم المواطنة معناه الحقيقي.
الدكتور سامان سوراني

46
إقليم كوردستان والإصلاح الحكومي المتواصل
في کتابه "علم النفس السياسي" المنشور عام 1910 يقول الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون، بأن "معظم القواعد والقوانين الخاصة بحکم البشر وقيادتهم والتي استخلصها ماکيافيلي لم تعد صالحة منذ زمن طويل. وعلی الرغم من مرور أربعة قرون علی هذا الرجل العظيم فأن أحداً لم يحاول إكمال أعماله".
وفي کتابه المشهور والمنشور عام 1895، "سیکولوجية الجماهير" يقول لوبون ، "أن دخول الطبقات الشعبية في الحياة السياسية وتحولها التدريجي الی طبقات قائدة يمثل أحد الخصائص الأكثر بروزاً في عصرنا، عصر التحول...".
الشعب، کما یراه هذا المؤرخ، لايختار مؤسساته، مثلما لایختار لون عيونه أو شعرە، والشعوب ليست محکومة طبقاً لنزوات لحظة ما، وإنما طبقاً لما تملیه طباعها و خصائصها. 
حکومة إقلیم كوردستان، التي تستمد قوتها من إرادة الشعب الكوردستاني والمؤسسات الرسمية والقانونية، قامت برزمة من الإصلاحات تهدف من خلالها تبني العدالة وبما تخدم مصلحة شعب إقليم كوردستان. يترکز مشروعها بداية على إدخال إصلاحات في التقاعد والرواتب والمخصصات والمنح والامتيازات ضمن برنامج عمل الحكومة الجديدة في الإقليم، بعدها تسعی الی تعديل قوانینها لتنتقل من مرحلة مقيدة ببنی تقليدية نحو مرحلة تؤمن ببنی محدثة لمواکبة العصر ومتغيراته من مضامين تدفع نحو بناء المواطنة القانوني المرتبط بالإنتماء الی إقلیم كوردستان والولاء لنظام الحکم فیه، وذلك بخلق ربط المواطن بالإقلیم من خلال قنوات تواصل تلبي الاحتياجات والمتطلبات السياسية والاقتصادية، في سبيل بلوغ الغایات والأهداف التي من أجلها ناضل أبا‌ءنا مایقارب قرن من الزمان.
هدف الإصلاح هو العمل علی عصرنة المؤسسات وعقلنة البنى وتعزيز الإدارات المتخصصة، وإعتماد مقاييس الكفاءة من أجل فاعلية الحکومة في بيئتها المحيطة داخلياً وإقليمياً ودولياً.
أما التأکيد المستمر للسيد الرئیس مسعود بارزاني علی تفعيل قدرة شعب كوردستان من أجل الوحدة والتنسيق المشترك لإغتنام الفرصة التاريخية والفرص السانحة لتغيير فعلي ونقلة نوعية في حیاة هذا الشعب وإعادة صياغة الإنسان الكوردستاني على أسس حديثة تستجيب للقيم الحضارية الانسانية التي تعتمد العقلانية والمنهجية والعلاقات الانسانية بين ابناء المجتمع، فهو خير دليل علی أهتمامه الكبير بعملية الإصلاح الحكومي بأعتبارها "خطوة مهمة" من شأنها أن تعمل على تطور إقليم كوردستان وتقدمه.
أن تجسيد ثقافة توفير الخدمة العامة العادلة والفاعلة للأعمال في منأی عن التقديرات الجزافية والتدخلات هو هدف من أهداف الحکومة الحالية للترکيز علی المضمون بدلاً عن الشکل.
إننا إذ نبارك هذه الخطوة لحکومة إقليم كوردستان نعلم بأننا اليوم أحوج مانکون الی القيام بإصلاحات شاملة في بنیة الواقع الكوردستاني وذلك لتجسيد روح المواطنة واشاعة العدل والمساواة بين مواطني كوردستان دون تمايز.
أما الإنفتاح الكامل للحکومة علی الشعب الكوردستاني في كل السياسات والممارسات ، لإبداء الرأي بتلك السياسات فهو من أهم الخطوات نحو الديمقراطية ، بە يولد الشفافية والمساءلة.
علی الأحزاب السياسية الفاعلة دعمهم المستمر للحکومة والتخلي عن السعي الی دفع المجتمع الكوردستاني نحو خضم صراعات ومواجهات تضعف من قدراته على مواجهة التحديات الجسیمة كحربنا ضد التنظيم الإرهابي الدولي داعش والتصدي للعوامل الأخری المؤخرة لتقدمه وتطوره. علیها نشر ثقافة الدیمقراطية بين أفراد المجتمع الكوردستاني والتي تعني احترام آراء الاخرين وحقوقهم في التعبير عنها في اطار من المساواة والتكافؤ ومکافحة العصبية کرابطة إجتماعیة سیکولوجیة ، شعورية ولاشعورية.
نحن واثقون بأن التنمية لا تحصل بالتمني بل لابد من أن تتوفر الإرادة لدی الجهات المسؤولة لإصلاح الوضع الراهن و لابد من أن تتضافر الجهود للنهوض بالمجتمع إلی مکانة تقتضيها طبيعة العصر الحديث.
وختاماً نقول: “لإجتیاز إمتحان المعرفة والديمقراطية والتنمية ماعلینا إلا أن نمارس هويات عابرة وأن نتعامل مع معدننا كتراث لا كمتراس وأن نتصرف على مستوى إقلیمنا الکوردستاني لكي تكون هويتنا عابرة منتجة مبدعة خلاقة، حتى نتمكن من المساهمة فى منجزات الحضارة الحديثة.”
الدکتور سامان سوراني


47
قمة دافوس الإقتصادية والحضور الكوردستاني الرسمي
من أجل تسليط الضوء على القضايا العالمية المرتبطة بالاقتصاد والسياسة والأمن والاستقرار وتحت شعار "Stakeholders for a Cohesive and Sustainable World" العمل من أجل عالم "متماسك" و"مستدام" أنطلق اليوم (من 21 الی 23 کانون الثاني 2020) أعمال المنتدی الإقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية وذلك بحضور أسماء لامعة من عالم الأعمال والأكاديميين والسياسة. 
إن قدرة المنتدى على الاحتفاظ بمكانته المرموقة لفترة تزيد عن نصف قرن أمر مثير، فهو مكان فريد يضمن التقاء الأفكار بالفرص.
ومن بين القادة المشاركين في هذا المنتدی يلمع أسم فخامة الرئیس نیجيرفان بارزاني، المدعو بشكل رسمي للحضور والمشارکة وذلك لنقل الفلسفة السياسية والرؤية المستقبلية لإقلیم كوردستان عن طريق إلقاء کلمة والتحدث حول الوضع الراهن في الشرق الأوسط المليء بالإضطرابات.
إن حضوره هذا المنتدی الإقتصادي المهم دليل علی ثقة المجتمع الدولي في إقليم كوردستان، ومن خلال لقاءات ثنائية مع عدد من زعماء وقادة العالم وکبار مسؤولي الدول بإمکانه مناقشة قضايا ساخنة وتبادل الآراء ووجهات النظر بشأن مسألة تطوير علاقة الإقليم مع المجتمع الدولي.
الشعب الكوردستاني ينظر بأهمية بالغة الی لقاءه المرتقب بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، لأننا نعلم بأن ديمومة الأزمة الحالية في العراق والمنطقة سوف تکون لها تأثير إستراتيجي علی السلام والإستقرار والأمن في كل من دول الخليج والعراق وسوريا.
يعتبر المنتدی لهذا العام، 2020، للکثیر من المشارکین حدث مزدوج، ففي البدایة هناك برنامج رسمي تناقش فیها القضایا الإقتصادیة والإجتماعیة العالمیة بشکل عام و بعده تسنح الفرص للقاءات فردیة بین رؤساء الدول وأصحاب الشرکات الصناعیة العالمیة لتبادل الآراء في مجموعات صغیرة وإجراء مفاوضات حول قضایا راهنة ومهمة، علی الرغم من التوترات والصراعات العالمية وصعود السياسيين الشعبويين في غير مکان.
يقال بأن النخب تبقی دوماً بعيدة عن الأنظار، لکن هل يوجد عالم من غير نخب؟ نحن نری بأنە من الضرورة بمكان أن يجتمع هؤلاء القادة بإنتظام وخاصة في دورة المنتدی الـ50 لإکتشاف مايفکر کل واحد منهم وللتعرف علی أفکار بعضهم البعض والعمل معاً من أجل الصالح العام.
بالتأکید سوف تکون مواضیع مثل التغييرات المناخية ومساعدة الحكومات والمؤسسات الدولية في مراقبة التقدم المحقق في أهداف اتفاق باريس للمناخ والنمو الإقتصادي وأهداف التنمية المستدامة والشکوك المتزایدة حول تشابك المخاطر الأمنیة التقلیدیة وإصلاح الرأسمالية والعولمة الإقتصادیة والتعاون الدولي والتحولات الرقمیة وتأثیرها علی المجتمعات في العالم وتعزيز الحوار حول تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة وإدارة التجارة، إلى جانب القضايا الجيوسياسية وبناء جسور للتعامل مع الصراعات العالمية، علی جدول الأعمال.
الشعوب أصبحت تقيّم النظم الإقتصادية من خلال المكاسب، لا من خلال الإنغلاق السياسي والإقتصادي أو من خلال نظريات طوباوية و كلمات منمقة و رفع شعارات زائف، لذا يمکن إعتبار مشاركة الرئيس نیجيرفان بارزاني ضمن مجموعة من رؤوساء دول وحکومات في هذا المنتدی دليل واضح علی إهتمام حکومة الإقليم بالفلسفة الجديدة للإقتصاد الليبرالي المعولم وسعيها الدٶوب في الدخول الی منظمة التجارة العالمية من أجل تحقيق مكاسب أكثر علی أرض الواقع.
ففكرة تشجيع الإستثمار الأجنبي لا فقط في نقل رأس المال، كما يتخيله سذجة علوم الإقتصاد، بل في نقل التكنولوجيا والإدارة الحديثة وتطوير ثقافة العمل والإشراك في النهضة العلمية الحديثة أمر ضروري ومهم لإنهاء الأزمة الإقتصادية في الإقليم وبناء وإنهاض وتأمين بنيته التحتية.
وختاماً: “لا سبيل اليوم لمجتمع أن ينمو و يتطور أو أن يتقدم و يزدهر من غير أن يمارس حيويته الإقتصادية، فالهوية هي صيرورة تصنعها العلاقة مع الغير، كما الدين هو المعاملة و العقل هو المداولة و السياسة هي الشراكة كأقرب الطرق لتحقيق استقرار المجتمع.
الدکتور سامان سوراني


48
إنّكم لا تستطيعون الإنتقاصَ من شأنِ ومكانةِ الرئیس مسعود بارزاني
بالأمس تطاول الأمين العام لمليشيا "حزب الشيطان" اللبناني حسن نصرالله في سياق كلمة له بمناسبة ذكرى ماتسمی بـ"أسبوع شهداء محور المقاومة" بأسلوبە الصبياني علی القائد البيشمرگة الرئيس مسعود بارزاني قائلاً، "انتابه الخوف عند هجوم داعش...كان يرتجف حين أقترب داعش من أربيل"، بهدف الإنتقاص من شأن ومکانة زعيم الأمة الكوردستانية، لکن هيهات هيهات لحسن نصرالله ولغيره، لأن الرئیس بارزاني المحترم والمقبول داخلیاً وإقليمياً ودولياً  والمعروف لدى القاصي والداني بالشجاعة والبسالة، يمتلك کافة السمات الشخصیة للقائد، کالثقة بالنفس والإتزان الإنفعالي والسیطرة والذکاء والمبادءة والطموح والمرونة والحماس والبشاشة والمرح والحساسیة الإجتماعیة والشجاعة والإبتكار والابداع واللباقة والموضوعیة، لن يستطيع نصرالله أو غيره إنتزاعه منه.
واللذین حالفهم الحظ أو سنحت لهم فرصة التعرف بالرئیس مسعود بارزاني عن كثب یؤیدونني بأنە کقیادي یمتلك تلك السمات المذکورة أعلاه. هذا وبالإضافة الی تلك السمات الشخصیة، فإنه یحمل في داخله منذ مرحلة  مبکرة من عمله کبيشمرگة والی حین تمسکه زمام القیادة رؤیة وهدف إنساني نبیل ألا وهو الوصول الی الحریة التامة لشعبه وإستقلال دولة کوردستان.
لعب الرئیس مسعود بارزاني کرجل دولة وقائد لقوات البیشمرگة البطلة دوراً رئیساً ومحوریاً في مکافحة فکر التطرف وقتال المتطرفين الإرهابیین وإیقاف المدّ الداعشي في المناطق الكوردستانیة ومن ثم دحره والإنتصار علیه.
ولقد حاول تنظیم داعش مرات عدیدة اغتیال هذا القائد الشهم عن طریق القصف والمفخخات خلال إشرافه على الهجوم لتحریر مدینة سنجار الجریحة أو خلال تواجده شبه المستمر في جبهات القتال مع قوات البیشمرگة في معاركها ضد التنظیم الإرهابي، جمیع تلك المحاولات الجبانة من قبل أعداء البشریة للوصول الی النسر، أبن الجبل، باءت بالفشل.
أین كنت أنت يا"زعيم حزب الشيطان"، إن لم تکن قابع في الأقبية الجنوبية، عندما تمکنت قوات البیشمرگة الباسلة بقیادة الرئیس مسعود بارزاني أن تثبت للعالم بأن الكورد هم الجبهة الصلبة و الحصن المنيع في مواجهة الارهاب والتنظيمات الوحشية وقوى الظلام.
هكذا حصل اقلیم كوردستان علی مکانة متمیزة في الشرق الأوسط وصار له اليوم ثقل كبير في المعادلات السياسية. 
تصريحاتك المزدرية والميئة بالحقد الدفين علی الكورد وكوردستان يا "زعيم الشيطان" لم تعد تجدي نفعاً، فقد أکل عليها الدهر و شرب، لأن الذي يجري في المنطقة وفي عصر ثورة المعلومات يختلف تماماً عن المجريات السابقة، التي عشته أنت في عقدي السبعينيات والثمانينيات من الالفية الماضية، وسوف تعلم قريباً، بأن الحقائق والوقائع على الارض مغايرة تماماً عن التي تکتبه او تسطره أنت في الاقبية والدهاليز والاماکن المحصنة.
نحن نعلم بأنكم تتحركون بالريموت كونترول وتقدمون خدمات اغتيال ودمار شامل. فحزبكم نشأت نتيجة فوضى الحرب الأهلية في لبنان وإرثە الدموي وتاريخە في التفجيرات الإرهابية والخطف والرهائن ومواقفكم اللاوطنية وعلاقتكم القوية بالأرهاب کان دافعاً لإدراجكم وحزبكم من قبل المجتمع الدولي في خانة أبرز المنظمات الإرهابية وفق التصنيف العالمي.
وختاماً نقول: القيادة الناجحة تتطلب إذن أشخاصاً ذوي مواهب نادرة کالقائد  مسعود بارزاني، الذي یؤمن بالحوار والسلام، تجعلهم صالحين للقيادة، لا یدعون بأنهم ینقذون البشریة ولا یعتبرون نفسهم أفضل من بقیة الكائنات، بل یعیشون وسط الطبیعة بوصفه جزءاً من موجوداتها.
الدکتور سامان سوراني


49
الحکم الرشيد في إقليم كوردستان وآفة الإستبداد في المنطقة
من الواضح بأن الاستبداد قمعٌ ومصادرة لحرية الرأي ومنعٌ لكل أشكال الحريات وفرضٌ لأمر واقع مناقض لإنسانية الإنسان، لکنه يظل مرحلة عابرة في عمر الحضارات والشعوب و الدول، لایمکن أن یستتب و يدوم الی الأبد.
تعيش منطقة الشرق الأوسط منذ عقود من الزمن بين آفة الإستبداد و آفات الأصولية الدينية، لکننا اليوم نشهد تعمق الحراك الشعبي المدني في أكثر من بلد، بسبب إنعدام الثقة بين الحکام و المحکومين، هذا الحراك الشعبي يجلب معه تحولات جذرية، تشير حسب قراءتنا الی بدايات إنهيار الأنظمة الثیوقراطية الإستبدادية.
بالرغم من ذلك نری إرتفاع نبرة التهجم و التهديدات و إستخدام العنف المفرط من قبل تلك الأنظمة المائلة الی الإنهيار والزوال للسعي في التغلب علی التحديات التي تواجه قبضتهم علی السلطة.
فبسقوط تلك الأنظمة المستبدة تسقط نظام فکري، نظام الإنتماء للطائفة، و تكون هذا السقوط مقدمة لإعادة صياغة نظام دولي وإقليمي جديد يمهد الطريق أمام الشعوب للإنتقال الی عصر حديث ينهي السياسات الشمولية للدولة الدينية أو مسألة تثوير العوامل الأيديولوجية، ويعالج الكثير من الآفات المجتمعية الخطيرة کالفقر والبطالة وإنتشار داء المخدرات بين صفوف الشباب.
ولا شك أن الحرية الفردية جزء من بنية العصر الحديث لایمكن أن تقتطع من سياق الحريات الأساسي،. فمن أراد قبول الحرية السياسية، لابد له من إتقان لغة الاعتراف والحوار والتوسط والتعدد والمباحثة والشراكة المبادلة ورفض الإنخراط في منطق الإصطفاء والتمييز والتقوقع والعسكرة والصدام.
فيما يخص إقليم کوردستان، فأننا نری بأن القيادة الكوردستانية تمكنت بسياستها الحكيمة المتوازنة، أن تؤدي وتلعب دور رئيسي في نهضة الإقلیم من خلال بناء الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي المساهم في الإعمار والبناء، وأثبتت القدرة علی إدارة الإختلاف والتنوع بعقلية الحوار والإستيعاب وإشتغالها علی المعطی الوجودي بكل أبعاده من أجل تحويله الی أعمال وإنجازات، والواقع شاهد علی مانقول.
وکان للحکم الرشيد في الإقليم دور مهم في إدخال الديمقراطية من الباب الأمامي، بغية تأسيس الديمقراطية والتحول والتغير الديمقراطي، اللتان لا تأتيان إلا من خلال إصلاح واع و جريء.
أما إحترام التميز الفردي کفضاء إيجابي يفسح المجال للإبداع والإبتكار و يكافئ و يقدر المتفوق لتحقيق ذاته فقد أعطی المواطن الكوردستاني حقە الأخلاقي في تحقيق ذاته.
إن حب الشعب الكوردستاني لقياداتها السياسية الفاعلة والمعروفة بثبات مواقفها المبدئیة و الإلتزام بقولها يزداد بإزدياد قدرة هذه القيادات الحکيمة علی تحمل المسؤوليات وإشراك الشعب معها في إدارة الأزمات أو لعب دور في حل الأزمات الداخلية و الإقليمية. 
إن استخدام هويات مغلقة وثوابت معيقة، كما تفعلها آفة الإستبداد، لبناء جدران الأنظمة السياسية المبنية علی أفكار أحادية، إستبدادية، شمولية و أصولية هو العمل علی إعادة الأنظمة الديكتاتورية المغطاة بعباءة الإيديولوجيات المقدسة لممارسة البيروقراطية المركزية الفوقية من جديد التي لا تؤمن بقواعد الشراكة والتوأمة والحماية والرعاية، فكيف بممارسة التقی والتواضع و الإعتراف والزهد.
نحن نعلم بأن الكائن العاقل يقيم في حاضره و يعيش واقعه، بقدر ما يتوجه نحو المستقبل ولايريد أن يکون أداة بيد السلطة لتعزيز عدم الاستقرار الإقليمي أو إنعدام الأمن والأمان.
فالإنفتاح والتعدد والديمقراطية، التي يؤمن بها شعب إقليم كوردستان، تفتح الفرص والآفاق أمام القوی الحية والديناميكيات الخلاقة وتؤدي الی كسر الحدود بين المجتمعات والقارات والثقافات لتنتج أخيراً نظام سياسي عصري قادر علی قيادة المجتمع نحو برّ الأمان.
الدكتور سامان سوراني


50
الحاضر الكوردستاني والمستقبل المجهول للعراق
بعد سقوط الطاغي صدام عام 2003 توقع الكثير بأن يطوي العراق حقبة الماضي المثخن بالدماء والأحزان والجراحات و يودع كابوس القمع والمنع والعزل ليفتح صفحة تطوّر دیمقراطي مطّرد و ثابت و نهائي، لکنهم لم يدرکوا بأن الإنتقال الی الدیمقراطية وإنجاحها بحاجة الی جیش جرار من المناهضين للإصلاح، فهي رهن بتوفير میزان قوی یرفده و یحمیه و يفتح المسارب والأنفاق أمام تدفق حرکته.
ولحسن الحظ تعامل شعب كوردستان مع الواقع الجديد في العراق بمنطق الجد والإجتهاد والنقد، بعيداً عن العُقَد والهواجس، وصار هذا التعامل من الأمور والمُسَلمات الضرورية للخروج من السُبات الفكري والقوقعة التراثية.
الحاضر الكوردستاني المتميز بالسلام والأمن الاجتماعي والقرارات السياسية السليمة للقيادة الكوردستانية الحکيمة وفّر  الأجواء المناسبة للمضي قُدماً نحو بناء الإقليم وبنيته التحتية.
أما فیما يخص الإنفتاح والتواصل و بناء العلاقات بين إقلیم كوردستان ومحیطە الإقليمي والدولي فهذا نابع من السعي الجاد لفهم المتغيرات العالمية الحالية والمستقبلية وقرأة المستقبل القريب والمتوسط والبعيد.
ومن المعلوم أنه لایمکن تحديد موقع الإقلیم في عالم الغد أو إستکمال الخطط والإستراتیجيات الداخلية بدون الإستشراف للمستقبل و تحلیله بشكل ممنهج و موضوعي.
نحن نعتقد بأن التطورات الأخيرة في العراق ماهي إلا نتاج لعدم وجود عقلية الوساطة ومنطق الشراكة والإحساس بالمسٶولية أو بسياسة التبادل والتعارف وكذلك لعدم الكف عن الهيمنة الدينية بمختلف درجاتها والخنوع لأجندات خارجية بعيدة کل البعد عن المصلحة الوطنية.
وبالتأكيد أدت الإستمرار في تكرار الأخطاء الممارسة من قبل الحکومات التي تولت السلطة بعد سقوط النظام الشمولي عام 2003 الی خلق نوع من النفور والتراجع وعدم ثقة الجیل الشبابي الواعي المنتفض بالنخبة السياسية الفاشلة، فما يحتاجه العراق هو مستقبل خالٍ من المفاجآت المؤذية.
للأسف لم تقم الحکومات الفاشلة بترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية لدى أفرادها ولم تلغي مظاهر التمييز والتفرقة القومية والدينية والطائفية والسياسية في يوم ما ولم تسعی في أبداً بالقضاء على الفجوة بين الدولة والمجتمع من خلال الانبثاق الطبيعي للدولة والسلطة من رَحم المجتمع ذاته، وبالتفاني لتطبيق السياسات العادلة والمتوازنة الهادفة لخدمة الاجتماع السياسي والثقافي في المجتمع، فما بالنا من اعتناق الحداثة والأخوة الوطنية والإنسانية، لذا ظلّ مشروع الفدرالية في العراق مجرد مصطلح مهترء وصارت الدولة العراقية في النهاية كيان هش فاقد لسیادته، لم يتخذ من الإقليم الكوردستاني نقطة انطلاق وإشعاع، يغمر منها كل أنحاء العراق.
أما الإحتجاجات الشعبية الأخيرة والتظاهرات السلمية في کافة المحافظات الجنوبية من العراق والتي ترید الوطن، فإنها كشفت للملأ بأن الإنسان العراقي رغم القمع المستمر قابل لاستيعاب روح العصر، وقيم الإنسانية والديموقراطية والحداثة، ومؤهل لخلع عباءة القبلية والطائفية، وما يصاحبها من قيم وعادات وتقاليد تنتمي بالفعل إلى متحف التاريخ و الرافض للبنية السياسية الفاسدة، لکن الأمبراطوریات الفاسدة من الأحزاب الدينية المؤمنة بالمشاريع الدينية والعقائدية الشمولية التي إحتکرت السلطة ونشرت نفوذها طوال 17 عاماً بالقوة والبلطجة من أجل أسلمة الحياة والثقافة علی غرار مشروع ولایة الفقيه المنتهية صلاحیتها غير قادرة علی إستیعاب هذا التحول النوعي، فكيف بالتقليل من الإنقسام المجتمعي المتواجد.
إن ممارسة حق المواطنة من قبل المتظاهرين يعني تفكيك آليات العجز لتغيير قواعد اللعبة ، بتشكيل عوالم ومجالات و إبتكار أساليب ولغات أو خلق موارد و فرص تحدث تحولاً في الفكر وتسهم في تغيير الواقع العراقي نحو الأفضل لاإمتلاك وقائعيتها بعيدة عن ثقافات عاجزة وحداثات هشة وشعارات مستهلكة وتقسيمات فقيرة وخادعة أو النرجسية والمكابرة والمحافظة والتقليد والتحجر والذُعر من المتغيرات وتبرئة الذات لرمي المسٶولية علی الغير.
ما شاهدناه في الأقليم هو إحتذاء حکومة إقلیم كوردستان بنماذج ناجحة في الحکم الرشيد و هي سوف تستمر في نشرها لقيم الحضارة والمدنية والديمقراطية وحماية تجربة التعايش السلمي بين المکونات المختلفة وإحترام حقوق الإنسان.
أما فيما يخص حکومة المستقبل في العراق بعد إنتصار صوت المتظاهرين، فما علیها إلا أن تمارس الشراكة الحقيقية مع شعب كوردستان لصنع المستقبل علی نحو إيجابي وبناء علیه أن تتحمل المسٶولية المتبادلة وتتقن لغة الشراكة والمداولة برٶی ومفاهيم ومفردات المفاوضة والتسوية أو التعاون، ومن غير ذلك فسوف تکون مستقبلها مجهولة ومعها سوف يعيش العراق في مستقبل مجهول.
وختاماً نقول: یجب أن تنتهي حروب الوكالات و تنتهي معها عملية جعل العراق ساحة لعب للميلیشيات العازمة علی إبقاء حالة الفوضی و حالة اللادولة. من يريد بناء عراق جديد مصون سيادته، علیە الإحتکام الی العقل والمنطق و تشجيع الإصلاحات الممنهجة والعمل علی مکافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون وإعادة الخدمات وتطوير البنية التحتية وإضفاء شرعية كبيرة على عملية سياسية جديدة والإبتعاد عن عراق غير ديمقراطي لاتؤمن بحقوق شعب كوردستان أو بفدرالية الإقليم و دستورية مؤسساته الفعّالة.
الدکتور سامان سوراني


51
سيظل إقليم كوردستان عامل إستقرار ومهد للسلام والمحبة
يقال بأنّ فلسفة السلم تحمل في طياتها السلام الظاهري وتری في الدستور والقانون طريق معبّد لضمان النفس والجماعة وأنّ اللاعنف يقوِّض جدران الكراهية ويمدُّ جسور السلام والمحبة، فاللاعنف إذن هو أفضل وأسمى بما لا يُقاس من العنف لأنه يتطلب شجاعة كبيرة وإحتراماً للخصم.
هنا نستطيع أن نشير الی دور القيادة الكوردستانية في نشر ثقافة اللاعنف، فإنها أکدت من خلال مبادراتها الحکيمة والمستمرة بأن سياسة اللاعنف هي الأداة العصري، من خلالها يمکن الوصول الی حلول مقنعة حول كافة القضايا المرتبطة بالآن والمستقبل وأن الحوار الهاديء والبناء هو ذلك الفن المتميّز، الذي یمکن إستخدامە للتواصل وهو أيضاً اللغة الإنسانية السامية والقادرة علی البناء، تمنع الهدم.
هذه القناعة تبنتها القيادة الكوردستانية کإستراتیجية عمل وسیاسة لحل النزاعات بهدف إعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة والسيادة.
إن نسج العلاقات بين المكونات الكوردستانية بعقلية السلم والشراكة و بلغة التسوية وثقافة التعدد والتنوع، علی نحو يفتح آفاق الحوار والتعاون والتضامن علی سبيل النفع المتبادل و الإثراء المتبادل، هو الطريق الذي يخلق القدرة علی تفكيك العنف المصنوع من قبل البشر، إنە وسيلة يجعل الإنسان قادراً أن يفکر  بعقل تداولي ليتغير ويسهم في تغيير سواه علی نحو مثمرٍ وخلّاق.
التاريخ علمنا بأن الأفكار الخصبة والتجارب الفذة والنماذج الناجحة في مكان ما، تغدو ملك البشرية جمعاء، أياً كان مصدرها والتفاعل بين الحضارات منذ أقدم الأزمنة شاهد علی مانقول.
لقد أصبح إقلیم كوردستان في الأعوام الماضية، بسبب بروز ظاهرة الإرهاب وتدهور الأوضاع السياسية في مناطق کثيرة من العراق وإنتشار العنف الدموي الذي أودی بحياة الكثير من المدنيين العزل، ملاذاً آمناً للقوميات و الطوائف الدينية.
وبعد تغلغل العلمانية والعقلانية في الإقليم ترسخ الإيمان بمبادیء الديمقراطية والذي بدوره سهّل مسألة إنتشار الوعي المجتمعي والسياسي بين أفراد الشعب الكوردستاني وقلّل من مرض التعصب المذهبي أو القبلي أو القومي، مما أدی بالنتيجة الی منع ربط المواطنة بأشخاص أو أحزاب أو قوی تعمل من أجل المصالح الضيقة والأهداف الآنية، وهذه بدورها ساعدت علی ترسيخ مفهموم المواطنة وتعزيز ثقة المواطن بالقوى الفاعلة.
وبالإهتمام بتاريخ الديمقراطية والسلطة الديمقراطية والحرية الديمقراطية والمساواة الديمقراطية يمکن خلق توازن في المجتمع و العمل علی تشريع قوانين عادلة، تحقق المصلحة المشتركة للدولة والفرد، بغية تسهيل عملية الاستعداد النفسي والفكري للالتصاق بالوطن تاريخاً وأرضاً وشعباً وقيماً. ففلسفة الحكم ما هي إلا فصول من حيرة الإنسان وحكمة الإنسان عبر حكومة الإنسان.
شعب إقليم كوردستان يدرك بأن مسألة العيش معاً في دولة ما لايقوم بمهامها من يتصدرون واجهة الدفاع عن مذاهبهم وقضاياهم ومعسكراتهم بالعقليات السائدة والأنظمة المتحكمة والمقولات المستهلكة وإنما ينهض بها من یحسّن الاشتغال علی خصوصيته وتحويل هويته لكي ينخرط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل ، علی نحو سلمي تبادلي في أطر وطنية أو إقليمية أو عالمية.
أما القيادة الكوردستانية، التي تسير علی خطی البارزاني الخالد فهي تسعی بأن نخرج نحن من عقلية الثبات والمحافظة، تلك العقلية التي تنتج التراجع والتبعية، لكي نسير نحو منطق التوليد والتحويل بتنشيط العلاقات الدبلوماسية وتفعيل جسور التواصل مع المحيط الاقليمي والدولي، لأنها تعرف تمام المعرفة بأننا به نرفع شأن ومكانة إقليم كوردستان  في المجتمع الدولي ولدی المنظمات العالمية.
وستسعی حکومة الإقليم الجديدة بخطواتها الإصلاحية الجبارة الی تعزيز المؤسسات القائمة لتكون أكثر قدرة على إنتاج تنمية فعلية على أرض الواقع، لتحمي الناس وتحافظ على الأمن والسلام.
هكذا يمکن صناعة واقع كوردستاني جديد يوظف نفسه في خدمة السلم العالمي مناهضاً للعنصرية أو طائفية و سياسة و ثقافة الإقصاء والتهميش وهكذا تهدم جدران الكره والعداء بين المواطنين وتقطع الطريق أمام تحويل الإختلافات الإيديولوجية أو الهويات العرقية والدينية الی زنزانات عقائدية أو الی مصانع لإنتاج الفرقة والفتن.
لقد أثبت إقليم كوردستان للمنطقة والعالم أنه مصدر للإستقرار في الشرق الأوسط، فهو يرتکز في إدارة الحکم علی العلمانية والمواطنة والديمقراطية ونشر ثقافة التعايش السلمي القائم على أساس الثقة والاحترام المتبادلين والهادف الی التعاون والمحبة والسلام.
نحن نعلم بأن لکل عصر شكله في النضال و مفهومه للتغيير، والذي لا يعترف بما يقع تهمشه الوقائع ومن لا يقوم بتشخيص الواقع لايقاومه ومن لا يستخدم لغة مفهومية جديدة لايساهم بشكل إيجابي في تغييره.
وختاماً نذكركم بقول السياسي البارز والزعيم الروحي للهند مهاتما غاندي (1869 - 1948): "ليس هنالك طريق للسلام، بل أن السلام هو الطريق".
وکل عام وأنتم بألف خير.
الدکتور سامان سوراني

52
حكومة إقليم كوردستان وصناعة الإستقرار السياسي في العراق
بالرغم من أن الوعي الكوردستاني عانی لأكثر من  نصف قرن التسلط والإرهاب والمحاربة الدائمة من قبل الأنظمة القمعیة الحاکمة وبالأخص من قبل النظام الدیکتاتوري البعثي المقبور، إلا أن إقلیم كوردستان يعیش مع قدوم العام الميلادي الجديد 2020 حقبة آفاق مفتوحة تسلحه بإرادة إنسانية مستديمة وثقافة تعلي من شأن الإنسان الكوردستاني وحقوقه، وتصون كرامته ومكتسباته، وتجذر وتعمق خيارات الحوار والتعددية والتسامح ونظاماً سياسياً، يستند في إِدارته وحكمه على مبدأِ المشاركة وتداول السلطة وإرساء دعائم الديمقراطية في الحياة العامة.
أما حکومة الإقليم، فإنها قامت في السنوات القريبة الماضية بالعمل الجاد من أجل الوصول الی نموذج الحكم الصالح "Good Governance"و إجتیاز إمتحان المعرفة والديموقراطية والتنمية لكي يستطيع شعب الإقلیم ممارسة هويات عابرة ويتعامل مع معدنه کتراث لا کمتراس، حتی تکون هویته في النهاية عابرة منتجة مبدعة خلاقة، من خلالها يساهم في منجزات الحضارة الحديثة.
بهذه الصفات والقدرات تمکّن الإقليم من أن يلعب دوراً مهماً في مکافحة الإرهاب والتطرف ويصبح عاملاً مهماً في صناعة الإستقرار السياسي في العراق والمنطقة.
نحن لا نقول بأن القدرات الإنسانية للإقليم في المعرفة وفي تمکين المرأة مکتملة، فلازالت حرية تكوين الروابط المدنية وجمعيات النفع العام ضعيفة وأنساق الحکم الإداري شبه مركزية والمشاركة السياسية تدار بأسلوب مركزي جزئي خاضع لتنظيم شديد لايشمل جميع المواطنين.
هنا ينبغي علی حکومة الإقليم الإستمرار في تعزيز ودعم وصون رفاه الإنسان الكوردستاني وتوسيع قدراته وخياراته وحرياته الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، کما ينبغي أن تبدأ بتفكيك آليات وأساليب قديمة متحجرة سائدة، لأن إدارة البشر في عصر العولمة يحتاج الی إبتكار سياسي ومٶسسي جديد يتلائم مع التغير في نمط السلطة.
فالهوية هي ما ننجزه نحن ونحسن أداءه، أي مانصنعه بأنفسنا وبالعالم ، لا ما نتذكره ونحافظ علیه أو ندافع عنه.
أما الفضل في مواجهة التحديات التي واجهت الإقليم في الأعوام السابقة، کتعثّر الحکومة إقتصادیاً وإستنزاف الحد الأقصی من أموالها جراء أعباء الحرب ضد تنظيم "داعش" لأكثر من أربعة سنوات فيعود الی سياسة الحكيمة للقيادة الكوردستانية المعتصمة بقيم الديمقراطية والمٶمنة بالتعایش السلمي بین المکونات و الأدیان.
لذا تبقی حکومة الإقلیم مدعومة ومحترمة من قبل أصدقاء شعب كوردستان لدی الأسرة الدولیة والمجتمع الدولي.
إن العمل الدؤوب من أجل صناعة الواقع والحضور في هذا الزمن بشکل فعال و مزدهر والإيمان بأن إقلیم كوردستان هو جزء من القرية الكونية الصغيرة التي نعیش فیها والإحساس بأن الترابط والتشابك بين مصالح المجتمعات الإقتصادية والثقافية لافكاك بینها، ساعد بشکل إيجابي في تنامي وتطور الوعي السياسي والإجتماعي لدی المواطن الكوردستاني ومكّنه ليحسن الإفادة من الماضي والتاريخ و يُجدر إستقبال آلآتي من الزمان، هکذا  يقف شعب الإقليم ضد کل نظام لایحترم التعددية وحق الاختلاف والتداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير والتطلع الی حياة أفضل.
فيما يخص العراق ، فإننا وللأسف لم نری، رغم مضي 16 عام من الحکم، إرادة للبناء وخلق المواطنة أو الوصول الی مستوی فهم الدولة الحقيقية، لذی بقيت الدولة العراقية علی شکل سلطة ساهمت في هشاشتها و فشلها، ناهيك عن إهمال عملية الإصلاح السياسي والإداري والتخلص من الفساد والرشوة والمحسوبية والمنسوبية في دوائر ومؤسسات الدولة، التي هي ولیدة السیاسة الفاشلة لبعض کتل الإسلام السياسي والأحزاب الطائفية المسيطرة طوال فترة ما بعد سقوط الطاغي صدام علی الساحة السیاسیة العراقية.
يطالب الشعب العراقي المحتج والمنتفض اليوم بإصلاحات جذرية في کافة المجالات السياسية والإدارية والإجتماعية والإقتصادية لتعزیز الإنصاف والعدالة الإجتماعية ومعالجة المسائل المتعلقة بكفاءة أجهزة الإدارة العامة من خلال تبسيط الإجراءات وإعادة هيكلة الجهاز الإداري وتطوير منظومة القوانين والتشريعات الإدارية وتفعیل دور البرلمان لمنع ممارسة الحکومة والنظام إستئثار أو إحتکار و مصادرة وإهانة، سواء في مایخص السلطة والثروة أو الحقيقة والحریة والکرامة.
هذا الشعب يريد بأنتفاضته أن يرسم حدوداً أو ينهي سلطة الأحزاب الحاکمة الفاسدة والغير ملتزمة بالدستور والقوانین و التي شکلت دولة داخل الدولة.
لقد آن الأوان ليتحرر هذا لاشعب من العقد والحساسیات الحزبیة والطائفية والهوس النضالي والهذر الثقافي والآفات التي خلقت اللاإستقرار السياسي وعرقلت مشاریع التقدم والرفاه وحضور العدالة الإجتماعية والمشارکة في صناعة القرارات المصیریة.
هناك إرادة لدی المواطن العراقي المحتج لتغيير نفسه لکي يسهم في تغيير سواە، أو في تحویل واقعە، بقدر ما ينجح في تغذیة العناوین المطروحة وتحویل المفاهیم السائدة في ضوء التحدیات والمستجدات. إنه قادر علی وضع أجندة متماسكة للمستقبل، وتحويل تعبئة الشوارع إلى قوة سياسية منظمة، لإيقاف مشكلة التدخل الخارجي بالشأن العراقي ومنع إسناد المناصب الحكومية لغير الكفوئين والنفعيين وتسلط الاقتصاديات أو سيادة المناهج الطائفية والقبلية في إدارة الدولة.
نحن نعرف بأن الديموقراطية تنمو ببطء، وليس من خلال ثورات عنيفة. ومن أجل کسب شعبه علی الحکومة القادمة في العراق أن تسير علی خطی حکومة إقلیم كوردستان في زرع القيم الديموقراطية أو ما تسمى بالقوة الناعمة. حلیه رسم خارطة جديدة لعلاقة الفرد بالدولة والمجتمع والحیاة المدنية على الصعد المعرفية والسياسية والخُلُقيّة، أي ما يخصّ علاقة المرء بذاته وبالآخر، أو بالواقع والعالم.
ومع قدوم العام الجديد 2020 نتمنی للعراق ولشعبه السلام والإستقرار والأمان ولشعب كوردستان نتمنی النجاح والتوفيق للوصول الی ما يهدف إليه من آماله العريضة وأحلامه التي يطمح الیها.
الدکتور سامان سوراني


53
بزوغ شمس التظاهرات الإحتجاجية المدنية وسقوط أوهام دولة المليشيات

 بعد أن أتجه المسار السياسي في عراق مابعد عام 2003 نحو التخندق الطائفي والقومي وبعد أن تبلور نظرية جمع هياكل النظم التسلطية بشكل مضطرد بيد الأحزاب والقوی السياسية الشيعية القريبة من ولاية الفقيه المسيطرة والماسكة بزمام الأمور بات موضوع تقوية الملیشیات الشیعیة المسلحة من بديهيات الأمور وأول الواجبات وأبسط قواعد المنطق.
وهكذا تمّت قراءة الفاتحة علی النظام الحرّ التعدّدي، الذي کان من الممکن أن يحترم الدستور ليصبح أحد أفضل الأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط.
اليوم ومع إستمرار الإحتجاجات الشعبية يتمسك الكثير من المتظاهرين في العراق بمطلب واحد ألا وهو إنجاز تغيير حقيقي في النظام، بعد أن أستخدمت المليشیات المسلحة العاملة لأجندات خارجية وجهات أخری أمنية مناهج قاسية في التعامل مع المتظاهرين المطالبين بأبسط حقوقهم المعيشية والخدمية.
التظاهرات الأحتجاجية الثورية الجماهرية في العراق والتي يمكن أعتبارها متنفس للأحتقان الشعبي الحاصل نتيجه للسلوك الحكومي الغير مرضي منه جماهيرياً ماهي إلا مظهر بسيط من مظاهر الحياة الديمقراطية، لکنها رغم مقتل أكثر من 500 شخصاً من المتظاهرين وإصابة حوالي 20 ألفاً منهم بجروح أثبتت قدرة الشعب علی تحمل مستويات خطيرة من القمع والعنف المتوحش من قبل جهات تداولت تسمیتها بـ"الطرف الثالث".
إن إستمرار المظاهرات في العراق بالشكل السلمي بغية تحقيق المطالب الشرعیة أمکن  بناء وحدة العراقيين من غير ادعاء أو تنظير. ونجاحها سوف يطوي حقبة الطائفية و يتجاوز عصر الأصوليات الدينية بنماذجها المليشیاوية الفاشلة والتي أشتغلها أصحابها بفبرکة الأوهام وتلفيق نظريات مستهلكة لم تنتج سوی الفساد الإداري والسرقة والعزلة والهشاشة والهامشية علی مسرح الأحداث.  إن هذه النماذج الفاشلة التي إدعت طیلة عقود زمنية خلت بالتحرير والممانعة والمقاومة فقدت اليوم علی المستوی الإقليمي والعالمي کل المصداقية والمشروعية والفاعلية، سواء من حيث فهمهم لقضایا مرتبطة بالعالم أو من حيث برامجهم في تغيير الواقع.
العراق يتغير اليوم علی يد قوى شبابية جديدة كانت مستبعدة أو مهمشة وربما محتقرة من جانب الأحزاب الدينية الغير منخرطة في الحداثة الفائقة والسيالة للعصر الرقمي والواقع الافتراضي. هذه الأحزاب إدعت احتكار الوعي والعلم والمعرفة بأحوال العالم، قامت بتقسيم مصادر الدولة ومأسسة الفساد وخرجت جاهلاً بأمور السلطة والسياسة، رغم أنها الی اليوم لاتعترف بفشلها وإفلاسها.
أن النظام الذي أتبع نهج الطائفية المقيتة منع نشوء حكومة فاعلة تقوم بتطبيق بنود الدستور و حل المشکلات العالقة. هذا النظام أحبط بنهجه المواطنين الشرفاء، الذين قاموا بالحراك الجماهيري خارج أطر القنوات الرسمية لمؤسسات الدولة والذين بطرحهم رؤية جديدة بشأن حقوق المواطنة والديمقراطية وتغيير القيم و بمطالبتهم مستويات حياة جيدة، یشکلون الكتلة الأکبر، آملين الخلاص من کافة الأحزاب الفاسدة المتسربلة بعباءة الدين والتي شاركت في العملية السياسية منذ عام 2003 حتى اليوم.
اليوم وبعد إنهيار النظام الذي تأسس مابعد عام 2003 وضم الفساد والشرذمة ورفض الأسس الأیدیولوجية والطائفية، التي تم علی أساسها تقسيم المجتمع العراقي، يواجه المشهد السياسي العراقي أزمة حادة في اختيار رئيس الحكومة المقبلة، جراء کل الضغوطات الشعبية على ضرورة المجيء بشخصية مستقلة عن أحزاب أو تیارات السلطة أو کل تدخل خارجي، أي من خارج الوسط الحاكم منذ 16 عاماً.
هذه المعضلة لایمکن حلها في فترة وجيزة أو عن طریق إنتخابات مبكرة، دون إستمرار ماكنات القتل والترهيب من طرف وتزايد الرفض الشعبي لهذا النظام من طرف آخر.
صحیح بأن نظام الملیشیات لیس بيت من ورق، بل هو نظام قوي يحتاج لاستراتيجية طويلة الأمد لتدميره بالتمام، لکن إرادة الشعب المحتج وقدرته علی الإستمرار في تظاهراته وثورته المدنية تستطیع إسقاط کافة أوهام دولة المليشيات المسلحة، لیس في العراق فقط بل أیضاً في کل المنطقة.
الدكتور سامان سوراني

54
سفينة إقلیم كوردستان لاتبحر بإتجاه اللاإستقرار السياسي في العراق
في السنوات الماضية کانت الهوية الوطنية الواحدة لإقلیم كوردستان جداراً صلباً ومنيعاً لصد جميع المحاولات الإرهابية البشعة لتنظیم داعش الإرهابي وقوی شوفينية خارجية أخری، و ستظل هکذا.
إن تلك المحاولات والهجمات الشرسة أرادت النيل من وحدة وتماسك وقوة المجتمع الكوردستاني وعملت بکل مالدیها من قوة من أجل هدم إستقرارە وأمنه وإيقاف نهضته الإقتصادية والعمرانية والمدنية، لکنە وبفضل القيادة الحکيمة وإصرار شعب الإقلیم الصامد لم تنجح کل تلك المحاولات البائسة كسر أو قهر هذا التماسك المجتمعي القوي. 
أما أسباب اللاإستقرار السياسي في العراق  فهي عديدة، منها تاريخية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية، ثقافية، قانونية، ودولية. وتلك الأسباب خلقت إضطرابات سياسية عنيفة إنتهت بالقمع الوحشي وانعدام السلم الاجتماعي والمدني وتعدد الولاءات والقيم والمرجعيات الوطنية وكثرة الصراعات والتناقضات. التطورات الأخیرة في العراق تثبت لنا وبکل وضوح بأن التاریخ في الشرق الأوسط یعید نفسه وللمرة الألف.
هناك قوی تعادي التأقلم مع العالم المتحضر وترید العیش في الماضي، أي تريد الإستمرار في سیاسة السلب و النهب والأنفال والتعریب والترهیب، لكي تتوقف عجلة التنمية والحياة المدنية وتغیب الشرعية ويموت الأمل. عراق اليوم بأشد الحاجة لدولة عصرية مؤهلة، دون غيرها، لضبط حدود الحريات والحقوق وتوازن المصالح في مناخ يتسم بالأمن الجماعي والاستقرار السياسي.
نحن الآن في الربع الأول من القرن الواحد والعشرین، وشعب الإقلیم يعرف جیداً بأن عولمة الهوية الوطنیة لا تحدث دون إمتلاك للمعرفة أو لمفاعيل علمية.
أما الشأن العام فهو اليوم لم يعد حكراً علی منظومة خاصة أو نخبة سياسية، بل هو مجال تداولي يمكن لكل فاعل اجتماعي المساهمة في تشكيله و توسيعه أو الدفاع عنه وذلك عبر الإنخراط في المناقشات العمومية أو بتسليط الضوء علی قضايا الساعة أو تقديم مبادرات خلاقة لحل المشكلات وتدبر الأزمات.
الهوية القوية والفعّالة ليست ما يملكه المرء أو يُعطی له ، وإنها ليست كياناً ما ورائياً ، وإنما هي ثمرة الجهد والمراس والإشتغال علی المعطی الوجودي ، بكل أبعاده ، من أجل تحويله الی أعمال وإنجازات ، فهي إنبناء وتشكيل بقدر ما هي صناعة و تحويل.
شعب الإقلیم يريد العيش بسلام ليس مع الشعب العراقي فحسب، بل مع جميع شعوب المنطقة والعالم و يهدف الى بناء علاقات حسن الجوار المبنية علي مباديء الإحترام المتبادل والمنافع المشتركة.
بالتأكيد هناك الكثير من القواسم المشتركة مع اكثرية الدول في العالم، وهو يريد أن يكون مع العراق عضواً فعالاً ومفيداً للمجتمع الدولي. يحترم حقوق الإنسان والأقليات والأديان والمذاهب ويرغب في مد يد الصداقة وبناء جسور الثقة و التعاون المشترك. شعب الإقلیم يتمنی للعراق الإستقرار و لايرغب أن تبحر سفينته بإتجاه اللاإستقرار السياسي في العراق. 
إن الحکومات التي أتت بعد سقوط نظام الطاغي صدام عام 2003 الی الحکم قوضت فكرة المواطنة وألغمت المٶسسات الديمقراطية بإفراغها من مضمونها و تحویلها الی نظام طائفي أو الی جهاز ميليشياوي مهيمن، مارس التفاوت والإقصاء بعد أن آمن بأن التنمية لا تعني سوی النهب والسلب والفساد وأن حرية التعبير يجب أن تحجب وتضلل وتقمع بآليات مدروسة ومنظمة.
وکانت النتيجة خروج الملايين من أهالي وسط وجنوب العراق الشرفاء الی الشوارع لإعلان العصيان المدني بهدف تغيير النظام المتهم بالفساد والفشل. 
اليوم  يريد الشعب المتظاهر والمنتفض في العراق أن يشتغل علی ذاته ليبتكر إنسانيته من جديد، من خلال التمرس بأخلاقية الحقيقة وصناعة الحدث وتجاوز المشروطية وممارسة الإنفتاح الحضاري والتعايش الفكري.
لقد كان شعب كوردستان في الماضي ضحية منطق أحادي تبسيطي مغلق. أما السلطة الحاكمة في بغداد فقد مارست في السابق بسياساتها الفاشية ضده أشد أنواع الإرهاب، ولاننسی أبداً بأنها قامت علانية بتهجيرهم وتعريبهم وإبادتهم جماعياً.
لذا نؤكد هنا بأن الهوية الوطنية الكوردستانية الواحدة والمتشكلة من اللغة والتراث التاريخي للمجتمع الكوردستاني ومن القيم الحاكمة له، بالإضافة الی رٶیته وأهدافه المستقبلية المستندة الی القيم الإنسانية العالمية، كالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة، التي تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي وتصون الحريات الخاصة والعامة وتضمن الأمن والاستقرار المجتمعي سوف تحمي إقلیم كوردستان من اللاإستقرار السياسي في العراق.
الدکتور سامان سوراني


55
الولادة الجديدة للعلمانية في الشرق الأوسط وسقوط أقنعة الإسلام السياسي
بما أن العلمانیة رؤیة کونیة تهیمن علی الإنسان أینما کان وتجرّد الكون من القداسة، فإنها تسطح الأرضیة للنهضة، أي للولادة.
وفي النهضة يتنور الإنسان ويتجاوز مرحلة الطفولة والإعتماد علی التفسير الغيبي وطلب العون من قوی ماورائیة، ليدخل بالتنوير مرحلة الرشد والنضج ويصبح قادراً علی القیادة وتولي أموره بنفسه.
هناك الیوم في العراق و لبنان نهضة جماهيرية جعلت من العصيان والسلم المدني سلاح لإستهداف تغيير الواقع المرير، بعد أن عاش الشعب في کلتا البلدين فترة مظلمة تسلّط فیها أحزاب الإسلام السياسي المسيئة بحکمها الفاسد لکل شيء مرتبط بالقیم والدولة والوطن والسلام والتقدم والأساس الديمقراطي وكذلك بالدين نفسه.
هذه الأحزاب التي مارست بأیدیولوجیاتها الشمولية أو الكُليَّانية السلطوية وفرضت عن طریق میلیشیاتها المسلحة علی شعوب المنطقة حکم الإستقالة من التفکير الحي الخلاق المبتكر.
نحن نعيش اليوم في زمن التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية، التي لم تترك مجالاً في حياة البشر إلا وأثرت فيه بشكل إيجابي من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومة ومراكمتها وتحليلها بدقة أكبر، الأمر الذي حول علم السياسة من علم نظري ضعيف إلى علم دقيق يستعمل لغة الرياضيات ومناهج التحليل.
السؤال هو، هل بإمکان منظّري أفکار العصور الوسطی وحاملي مناهج الثورات الدينية المنتهية صلاحیتها مواجهة تلك القوة السيبرانية القادرة علی الحصول على النتائج المرجوة من خلال استخدام مصادر المعلومات المرتبطة بالفضاء السيبراني وذلك لإيجاد مزايا للدولة والتأثير على الأحداث المتعلقة بالبيئات التشغيلية الأخرى عن طریق أدواتها السيبرانية؟
الشعوب المنتفضة المطالبة لحقوقها المشروعة في العيش بكرامة وحرية و أمان تستخدم في عملها السياسي الوطني وفي تواصلها الإجتماعي وسائط عصرية ذکية لتنشر من خلالها الوعي السياسي، مع القيم کما في التنوير موضوع للإختيار، لايحق لجهة ژوو جماعة فرض قيمة علی أفراد أو جماعة أخری.
النظام الثيوقراطي أو اللاعلماني شرط نافٍ بطبيعته لاستقلالية الإنسان العقلية والأخلاقية.
إن بناء دولة سيادة القانون القائمة على مبدأ المواطنة والتأكيد علی مبادئ الديمقراطية الحقة وأسس العلمانية وانتهاج التعددية السياسية، القائمة على أساس تنوع الفكر السياسي والبرامج السياسية أمر ضروري لضمان التوزيع العادل للثروة وتكافؤ الفرص للجميع والتداول السلمي للسلطة.
أحزاب الإسلام السياسي المأجورة جاءت علیها سكرة الموت بالحق لأنها فشلت منذ 2003 الی اليوم فشلاً ذريعاً في معالجة واقع الفقر، وإشاعة ثقافة التنوع والتسامح والسلام، ونبذ العدوان، ونزع فتيل العنف والإرهاب، وتحقيق العدل والرفاهية والتقدم، والتنمية الاقتصادية المستدامة، فکيف يمکن للشعوب أن تثق بهم لاستئصال الفساد المالي والإداري، ومقاضاة الفاسدين وسارقي أو مهدري المال العام، واسترجاع الأموال المسروقة؟
نحن نعتقد بأن الدين مرتبط إرتباطاً وثيقاً بوجدان الإنسان، وعلى النظام الذي يقود السلطة في المستقبل القريب في کل من العراق و لبنان أو أي بلد آخر منتفض أن يتعامل مع أفراد المجتمع وفق مبدأ الوفاء للوطن وخدمته والعمل على ازدهاره ورقيه في مختلف المجالات، ليس باعتبارهم مسلمين أو سنة أو شيعة أو مسيحيين أو دروز أو غير ذلك.
وختاماً سواء كان المجتمع متعدد الأديان أو غيرها من الانتماءات الاجتماعية أو غير متعدد فإن الموقف العلماني يبقى هو المناسب لتحقيق المجتمع الفاضل أو الأفضل.
الدکتور سامان سوراني



56
العراق والإنتقال من دولة المشروع الی مشروع الدولة
الإحتجاجات والمظاهرات الأخيرة في وسط و جنوب العراق والتي تسمی بـ"ثورة تشرین"، أثبتت بأن الوعي السائد في أجهزة الدولة يعاني من أزمة حادة، تكمن في إنفصالها العميق عن الشعب و إرادته، وبعده عن خياراته وقناعاته الكبرى، مما أدخل المجتمع العراقي في أتون صدامات صریحة و مضمرة مع الطبقة السیاسیة الحاکمة.
لقد فشلت القيادات السياسية منذ أكثر من 16 عام في صوغ مشروع وطني جامع يستهدف البناء وتعميق الحريات والتنمية الشاملة على مستوى المحلي ويبلور مقاصد الجميع على المستوى الحضاري.
هكذا تم إرهاق المجتمع العراقي و جعله على هامش الصيرورة و حركة التاريخ المعاصر.
السؤال هو، هل بأمكان القوی المحتجة صناعة قيادات جديدة تستطيع أن تنجز مشروعاً مدنياً قادراً علی البدء بعملية البناء أو إعادة البناء أو النهوض بالعراق الفيدرالي و تحقيق إصلاح شامل ومتكامل للحقل السياسي الوطني؟
نحن نعلم بأن الشعب العراقي المحتج والغاضب قد أعلن منذ إنطلاقة الثورة بشعاراته طلاقە من جميع الأحزاب السیاسية الدینیة، التي زرعت بذور الطائفیة المقیتة وفشلت طوال مدة حکمها في الإتفاق علی أبسط معالم الوطن، کالعلم الجامع لکافة المكونات والنشيد الوطني الجامع لكافة المکونات، لا النشيد الغير عراقي، وإحترام خصوصیات القوميات وصون الدستور و تنفيذ قوانیها.
إذن العراق الفدرالي الیوم بأشد الحاجة الی إصلاح ثقافة وفكر وسلوك سياسي وهياكل ومؤسسات وقوانين وأطر إرشادية موجهة لبناء الدولة بشكل سليم، حتى تتم إعادة الإعتبار والثقة بالسياسة من قبل المجتمع.
 
يريد هذا الجيل الشبابي المنتفض والحامل لراية مكافحة الفساد والمحسوبية والمنسوبية أن لاتستمر حیاته في العيش تحت اليأس من أداء القوی السياسية الحاکمة منذ سقوط الطاغي صدام حسين، بل التقدم والدخول بتجربة الكفاءة والخبرة والنزاهة في تولي المواقع ووضع آليات لمنع تكرار ماحصل في السابق.
لقد وصل العراق الفدرالي فعلاً لمنعطف تاريخي مهم وهو يمر الآن في مرحلة صعبة جداً بحيث لايمكن إنقاذە سواء بالاستمرار بالطريق الذي سلكە الطبقة السياسية الحالية الفاشلة والمؤمنة بحکم الحشد الشعبي الغير دستوري والمیلیشیات الدموية الخارجة عن القانون أو تراجع عنه، لذا یمكننا أن القول بأن ساعة التغيير قد حانت لغرض صعود أسماء جديدة إلى سدّة الحكم بعيداً عن رموز الفساد والفشل والمحسوبية والإنتماءات الطائفية والإرتباط بأجندات خارجية، و إعمار مؤسسات الدولة بشخصيات قادرة على قيادة العراق نحو تنمية اقتصادية حقيقية.
لایمكن للعنف المسلح للسلطات القمعية المختفية تحت عباءة الطاغوت الثيوقراطي، والتي تقتل المدنيين الابرياء أن توقف التظاهرات السلمية التي تعبر عن رغبة الشعب في تبني إستراتیجية جادة و نزیهة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وضمان الحقوق المشروعة للمواطنين ليتمتعوا بحياة ديمقراطية و حرية و سيادة علی أرضهم في بلد يعد المنتج الثاني للنفط في منطقة الشرق الأوسط.
وختاما نقول، بأن الشعب المنتفض الواعي والثائر من أجل حقوقه المشروعة في الحرية والتقدم والازدهار الاقتصادي تبحث عن الأمن عبر الدیمقراطية الإجتماعية و أنه لايقع مرة أخری في مخالب استراتيجية الهيمنة الإقلیمية الهادفة لنشر نماذج شمولية دينية فاشية، بل یناضل من أجل إیقاف احتكار السلطة و منع استمرار نهب المليارات من ثروات المجتمع التي يفترض انها ملك لأبنائه. إذن عالم المستقبل يضمن العدالة والدیمقراطیة الإجتماعیة بعیدا عن الأیدیولوجیات الدينية والحکم المركزي وتهميش الغير.
علی العراق الجديد بلورة صيغة حضارية تضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع، بحيث تكون العلاقة علاقة تفاعل وتكامل، ‏لا قطيعة وصدام، ومنهج التفاعل والتكامل، يقوم على سيادة مفهوم الديمقراطية والقانون و حقوق القومیات. وعلیه أیضاً الخروج من الشرنقة الأيديولوجية والطائفية، التي تحيل كل شيء إلى قانون إما مع أو ضد.
بعبارة أخری، العراق الفدرالي بحاجة إلى بناء دولة القانون والإنسان والانتقال من دولة المشروع إلى مشروع الدولة.
الدکتور سامان سوراني

57
إستمرار العصيان المدني وغروب شمس الأحزاب الدينية في العراق
یقال بأن الأزمات والكوارث ليس مصدرها الأقدار فقط، فهي تتجسد في الأفكار بشكل خاص والعقليات والمرجعيات والنماذج والمقولات أو التصنيفات والطقوس التي تهيمن علی المشاهد الثقافية وتتحكم في الخطابات فتنتج عوائق ومآزق وتلغم المساعي الوجودية والمشاريع المدنية أو الحضارية.
منذ سقوط الطاغي صدام عام 2003 و وصول أحزاب دینیة لسدة الحکم في العراق، بات شغلهم الشاغل نشر الجهل والتخلف بين الناس لتنجح خطتهم في نشر ثقافة الفساد في جسد المجتمع العراقي لتسیر هذه الثقافة أخیراً في شریانە سریان النار في الهشیم و تغذية الطائفية والمذهبیة المقيتة وإشعال الصراعات والحروب الأهلية بهدف تقوية شبکاتهم المافیوية، التي تسير في فلك الأجندة الأقلیمية وترعی مصالحها العقائدية.
وبعد أن أصبح الفساد السياسي والأخلاقي والإداري والمالي في العراق مؤسسة ذات نفوذ وسطوة تخلت تلك الأحزاب عن شعاراتها الدينية و دعوتها للعدالة والمساواة و تحقيق الأمن و الأمان و الاستقرار  و بناء العراق الجديد على أساس المواطنة والشراكة الحقيقية و ارتكبت كل ما يُعادي قيم منظومتها الدينية.
هكذا شاركت تلك العقلية الدينية التراجعیة في تضخيم حجم تفاقم عدم الثقة بالحياة الديمقراطية والدستورية وإعادة العراق الی الوراء ليكون علی مدار السنوات الفائتة بحسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية من بين أكثر دول العالم فساداً.
إن فشل تلك الأحزاب الدينية في إمتحان السلطة والتماهي والبقاء في دوامة الفساد وهدر أموال الدولة وعدم القيام بمکافحة الفقر والبطالة ومعاقبة المجرمين وإصلاح المدن المهدمة وتطوير البلاد ومنع إنتشار المخدرات أدی الی زیادة الإحتقان الطائفي والحقد والكراهية بين أبناء المجتمع العراقي، لذا يطالب الشعب المنتفض والمحتج في العديد من المحافظات العراقية ذات الأغلبية الشيعية ضد الائتلافات والأحزاب السياسية رحیلهم بعدما تركوا إرثاً من الفشل و الإحباط، لأنهم لم يستطيعوا خلال 16 عام بناء اي مؤسسة حقيقية في العراق ويصححوا أخطائهم ويراجعوا أفعالهم ولا نظن بأنهم قادرين علی تغيير سلوكهم في المستقبل.
يعتبر العصيان المدني السلمي العام، الذي يشمل كل شرائح المجتمع بعد أن مزق أسطورة الطائفية کمبدأ منظم للسلطة السياسية، وسيلة ليقول الشعب كلمته ويرغم السلطة على تنفيذ مطالب شرعية، بعد أن تباطأت الحکومات المتتالية في رسم سياسات لمستقبل العراق وسنحت للميليشيات المسلحة، تستنزف ميزانية الدولة وتسلط علی رقاب الناس وأموالهم و التي يصفها المحتجون بالفاسدة والأسيرة للمصالح الأجنبية.
الی الآن نری بأن المتظاهرين يرفضون إصلاحات الحكومة ويصرّون علی إسقاط الحکومة وتغيير العملية السياسية، بمعنی أنهم يريدون إلغاء النظام من الأساس دون أن يکون لدیهم  خريطة طريق يمكن أن تتحقق من خلالها مثل هذه الآلية.
ومن المتوقع أن تستمر الاحتجاجات الشعبية، التي تقودها جيل جديد منفصل عن النخبة السياسية الحاکمة ولا يعرف النظام الشمولي حتی تغیب شمس الأحزاب الدينية وسلطة المیلیشیات في العراق، أما قرار توقفها فهو بيد الشعب.
وختاماً: "لقد ولی زمن النظريات المركزية والشمولية وزمن القائد والحاکم الذي يدّعي معرفة كل شيء، فعالمنا اليوم إنخرط في أفق فكري جديد أساسه البعد المتعدد، بتعدد القوی والفاعليات وتعدد الإختصاصات والمجالات وتعدد الرهانات والخيارات والحلول. هكذا تجاوز الجيل الجديد المنتفض في العراق مجتمع النخبة والجمهور نحو المجتمع التداولي، بعد أن أستطاع أن يحرق عباءة الطائفية ويخرج من التاريخ بکهوفه وسراديبه من أجل صناعة الحاضر، الذي يهيء لمستقبل يعد بالأحسن ولايثير الخوف أو الفزع من المجهول."
الدكتور سامان سوراني


58
لایمکن للحروب أن تنشر السلام أو تقتل إرادة الحرية لدی الشعوب
بما أن السلام یحمل في طیاته معانٍ إنسانیة عالیة، إلا أن الوصول الیه یحتاج الی عمل دؤوب و إيمان بقيم إنسانية راسخة و قرارات شجاعة مع وجود إرادة قوية و مستقلة لتحقيقه.
نادراً ما نری أطراف تقود الحروب تعتذر للشعوب أو تعمل علی معالجة و بحث القضايا المسببة لنشوب نيرانها عندما يتم فرض السلام.
وللأسف فالكبار من دول العالم والقوی العظمی لاتهتم كثيراً بالمسؤولية الأخلاقية لکبح جماح الحروب الدموية الوحشية و لا تنوي القيام بتغيير السياسات العالمية الراهنة لجعلها تدور في مدار المعادلة التي تقول بأن السلام أقل كلفة من الحروب.
کيف يمکن تسمية أو تعريف أطراف تستعين بجماعات متنوعة من حلفائها المتمردين في قيادة حرب عدواني لغرض إبادة الشعب الكوردستاني الآمن؟
الشعب الكوردستاني المؤمن بالصمود والتعایش السلمي يعيش منذ آلاف السنين في هذه المنطقة، خیاره الإستراتيجي الوحيد هو الحصول علی العدل والحق المغتصب.
وقد قاد هذا الشعب الأبي ثورات كبری ضد الظلم والاستبداد والاضطهاد و حارب نيابة عن المجتمع الدولي والإنسانية جمعاء إرهاب متطرفي داعش و ساهم في تدمير دولته القمعیة البربرية، لكنه اليوم يُخنق، يُحتل أرضه، يُغيير ديموغرافيته و يُجبر علی النزوح والهجرة الجماعية، لكنه يقاوم و يناضل من أجل نیل الحرية والإستقلال.
العدو الذي يغزو اليوم أرض غرب كوردستان و يخرق بأعماله الإجرامية کل القوانين الدولية يستخدم من باب السخرية کلمة "السلام" لعلمياته الكارثیة، فليعلم بأن الحرب ليست فقط نتاج فكرة الحرب، إنه نتاج جنون غير عقلاني وجهل متعمد لا تصمد بشروطها الخاصة.
فهو ينسی بأن السلام هو أساس الإستقرار لا الغزو والقصف والتهجير و زعزعة الاستقرار و تفخيخ العلاقات الإنسانية بين المكونات وترویعهم وتدمير الممتلكات العامة والخاصة. فعن طريق السلام تتحرك عجلة التنمية و يبنی الإنسان، لا بالقتل والدمار وإهدار الطاقات و إبراز الحقد الدفين الذي عُبَر عنه بالقصف بالطائرات و بإطلاق القذائف الصاروخية علی المساكن والمساجد و المؤسسات الصحیة والإجتماعیة. 
ما یحصل اليوم في غرب کوردستان من حرب إبادة لايمكن أن يكون بمعزل عن السياسات الدولية والإقليمية. منطقة "روج آفا" هي اليوم ضحية سياسات القوى الدولية والإقليمية، التي ينبغي أن تضع حداً لفتيل النار والخراب قبل أن تشتعل المنطقة برمتها.
إن السلام لايتحقق إلا من خلال إحترام إرادة الآخر و طریقة عيشه في الحياة وعدم التعدي علیه والدعوة إلى الأمن والأمان والاستقرار.
إذن السلام يستوجب تفكيراً متوازناً وخطوات جدية بالسلم على حساب الحرب، ولا يكتب لمشروع السلام النجاح إلا بعد إخضاع أمور السياسة لقانون الأخلاق والسماع لصوت الضمير، وعلى البشرية أن تختار بين السلام الدائم وسلام المقابر والمدافن.
وأخيرا نقول: تباً لمن يريد جرّ البشرية إلى الانتحار في سبيل تحقيق رغباتە وطموحاتە الأنانية و يستخدم "حرب السلام" لقتل إرادة الحرية لدی الشعوب.   
الدكتور سامان سوراني


59
فلسفة الحب و أصلە عند المتصوفة
يعتقد البعض بأن الحب هو أصل الوجود و مبدأ العالم ومُمِدُّه والإنسان منذ كان أحس به كحاجة عظيمة لە مظاهر شتى تختلف باختلاف الأفراد تعادل في مفهومها معنی الحیاة، بأعتبار الحب عاطفة قوية أو ربط متين بين إنسان وإنسان.
وقد تتعدد أوجه الحبّ وأنواعه تبعاً لاختلاف المراحل التي يمرّ بها الإنسان أثناء حياته، بالإضافة إلى اختلاف الظروف المحيطة التي يعيشها.
فلسفياً یمكن أن يقال بأن الحب كلمة غير مرتبطة بشيء حقيقي أو محسوس، أي إنّه شيء لا يمكن إدراكه بالعقل أو شرحه بالمنطق.
أما القدماء فقد رأو في الحب دعامة من الدعامات الأساسية للفلسفة و شرعوا في بناء نظريات متعددة، طوّرت الحبّ من مفهومه المادي إلى مفهومه الروحي في أعلى سماته، لکونه صفة أساسية تظهر آثارها في سلوك الكائنات الحیة، فمن خلالە یظهر شخصیة الإنسان الحقيقية بعد أن یقوم بإخراج مشاعره التي تتحدی العقل.
الحب إذن هي حالة قصوى من حالات الشرط البشري، وشكل من أشكال ممارسة الإنسان لذاته وبقائه، فهو أسمى وأرقى أنواع العلاقات في الوجود يتأتى نتيجة صفاء القلب ونقائه مما فيه من شوائب مختلفة الألوان.
ولأهمیة الحب في حیاة الإنسان کسب أسماء كثيرة، منها المحبة والهوى والصبوة والشغف والوجد والعشق والنجوى والشوق والوصب والاستكانة والودّ والخُلّة والغرام والهُيام والتعبّد.
عرفه البعض بالمیل الدائم بالقلب الهائم، وإيثار المحبوب على جميع المصحوب، وموافقة الحبيب حضوراً وغياباً، وإيثار ما يريده المحبوب على ما عداه، والطواعية الكاملة، والذكر الدائم وعدم السلوان.
أما علاقة المحب بمحبوبه فتسمو وتظهر وتتشابك لتؤدي إلى تطويع إرادة المحب تحت تصرف محبوبه، وفي نهاية المطاف يمنح المحب أغلى ما لديه وأشرف مايملكه لمحبوبه وهو روحه التي بين جنبيه.
الحب لدی المتصوفة نابع من الصفاء أي صفاء القلب ونقاء أسراره، فيذکر بأن قلب الصوفي لا يعرف إلّا الحب ولسانه لا يلهج إلّا بلغة الحب و صدق من قال بأن لقلوب العارفین عيـونٌ ترى ما لايراه الناظرون.
ما أحوجنا الیوم إلى لغة الحب ونحن نعيش في زمن الكراهية والأحقاد والعنف والحروب.
علینا أن نتعرف علی عالم المتصوف، الذي أنتخب الهجرة فلسفة، وهو يجيد فن النزوح نحو المتعاليات، من الأسفل نحو الأعلی، أي من الأرض نحو السماء‌، للوصول الی الانسان الكامل، الذي يتصف ضمن أعلی مراتب الإرتقاء الصوفي و هذه المرتبة لاتتحقق إلا بالوجد أو الحب، بعد تخليه عن المتع الدنيوية من أجل كشف المحجوب والاتحاد.
ففي نظر سلطان العارفين، جلال الدين الرّومي لايمكن تعليم درس العشق برسائل الفلسفة وعلم الكلام والمنطق، فالعِشق لاتملك الأبجديّة، وكلّ سَعي إلى بيان العِشق وإيضاحه وتفسيره لا طائل من ورائە.
في کتابه "طوق الحمامة" يری ابن حزم الأندلسي أن الحُبّ يبدأ بالهزل وينتهي بالجدّ، وهو شيء لا تُدرَك معانيه ولا يوصَف إلّا بالمعاناة ولاتنتهي إلا بالموت.
أما إبن عربي فيقول: "في النهاية تستولي المشاعر الجيّاشة على صاحبها وتسيطر عليه، لدرجة أنّه لا يشعر بأحد إلّا بمحبوبه الذي يُغنيه عن الكون بأكمله".
الشرط الأساسي للحب هو التخلي عن كل نزوع نحو التملك من أجل محبة الآخر من حيث هو آخر وكما هو موجود.
الحب إذن هو وصال بين الذوات يُحطم قوقعتنا الذاتية، لكي يضعنا وجهاً لوجه أمام الآخر الذي وجدناه، حتى قبل أن نبحث عنه و أياً كان الحب فهو يعطينا دليلاً على أننا نستطيع أن نقابل العالم ونختبره بوعي آخر غير الوعي المنعزل.
الدکتور سامان سوراني


60
السياسة الإئتلافية الجديدة و فاعلية برلمان كوردستان
من المعروف بأن الهدف في تشکيل حکومة أئتلافیة هو ضمان أغلبية برلمانیة لمساندة الحکومة و تمکینها في تنفيذ برنامجها السياسي، الذي یتطلب کما هو مألوف تمرير قوانين داخل البرلمان بأغلبية دون کلل أو ملل.
لکن الأمر في إقلیم كوردستان يختلف بعض الشيء عن ما هو معروف في هذا الإطار، إذ كان بإمکان الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهو الفائز الأول والحائز علی (٤٥) مقعد برلماني من أصل (١١١) مقعد، أن یحصل بسهولة علی أغلبية برلمانية دون اللجوء الی إرضاء أحزاب أخری عنيدة لتشکيل الحکومة القادمة، بعد مفاوضات عسيرة دامت لأكثر من ثمانیة أشهر قدم خلالها مع إیمانها الکامل بالحوار و لغة التفاوض تسهیلات أو تنازلات قد تعتبر مؤلمة عند أعضاء و موالين لهذا الحزب الفائز.
نتائج الإنتخابات عكست إرادة الشعب وميولە السياسية الحقيقية نحو الحزب الوطني المؤمن بحق تقرير المصير  والسيادة.
أن سعي الحزب الأول في كوردستان لتشکيل حکومة إئتلافية في إقلیم كوردستان، یمکن تسمیتها بحکومة الوحدة الوطنية، هو نتیجة للوضع الإستثنائي الذي عاشه و یعیشه الإقليم بعد مرورە وإجتیازه سنوات حرب ضد التنظیم الإرهابي داعش و خروجه منتصراً علی تلك المخاطر الجسيمة و بعد تحمله تبعات الحصار  والعقوبات اللاإنسانية التي فرضت من قبل حکومة بغداد علی شعب الإقلیم بسبب مشاركتهم الفعّالة في عملیة دیمقراطیة، ألا وهي الإدلاء بأصواتهم في إستفتاء جماهيري تاريخي لإستقلال كوردستان، کلنا ثقة بالحکومة الجديدة في الإقلیم فإنها سوف تكون متینة في أدائها و قديرة في تنفيذ برنامجها الإداري.
أما فیما یخص فاعلية البرلمان، فهناك حاجة ملحة إلى أن يؤسس البرلمان قنوات اتصال أفضل بينه وبين الناخبين على المستويين الشخصي والمؤسسي، مما سيعزز من شفافية أكبر ومشاركة شعبية متزايدة في العملية الديمقراطية، الأمر الذي تشتد الحاجة إليه مع تنامي احتمال خيبة أمل الناخبين.

نحن نعرف بأن الإئتلافات النخبوية العابرة للأيديولوجيات بدون قاعدة دعم شعبي لاتنجح. ومن الأهمیة بمکان أن یتخذ البرلمان نهج استباقي مستقل لمتابعة التشريعات و زیادة الشفافية في أنشطة البرلمان و یرکز علی أهمیة عمل النخبة الفاعلة والقاعدة الشعبیة لإعادة الثقة البعض بالآخر و بالمؤسسات السیاسیة و الإجتهاد في أحیاء مسودة الدستور وإعادة صیاغتها بما تناسب التطورات الحاصلة علی مستوی العراق والمنطقة و مسألة نجاح الإستفتاء لتحدید معالم ومسؤولیات إقلیم كوردستان في المستقبل.
بما أن الدستور الجديد هو وثيقة تهتم بحقوق وواجبات كافة المواطنين، فينبغي لعملية الصياغة أن تعكس ذلك  و تحدد دور قوات البیشمرگة البطلة في إقلیم كوردستان أولوية دستورية.
في عالمنا الیوم و مع التطورات التقنیة السریعة في میادین مختلفة أصبحت الدیمقراطیة التمثیلیة، العددیة، الموسمیة، بدائیة، یمکن لها أن تنقلب ضد الحریات و تأتي بالأصوليات الدینیة، لذا علینا ممارسة أشکال جديدة للدیمقراطیة الیومیة والمیدانیة والقطاعیة، في الساحات و عبر الشاشات و الصحافة و شبکات التواصل، بالإضافة الی الدیمقراطیة التي یمارسهما الفاعلون في مناقشاتهم و مداولاتهم في مختلف حقول المجتمع و دوائره وأصعدته.
إذن علینا تطوير نماذج الدیمقراطیة فکراً و ممارسةً، وإبتکار مانحتاج الیه من أعمال الرقابة والمحاسبة والمناقشة والـساركة في صوغ السیاسات والقرارات، من المساحات والأطر والقواعد والآلیات.
فالنماذج الناجحة في إدارة السلطة في العالم ترکز علی كرامة الإنسان والاعتراف الكامل بقدرته وقيمته وخصوصيته من خلال تكوين إنسان عن طريق التربية والتعلیم.
الدکتور سامان سوراني


61
الدبلوماسية الرقمیة و الحرب الدبلوماسية الأمريكية علی إيران
من الواضح أن ثورة الإنترنت والتحولات الرقمیة في عصر العولمة والمعلومة والصورة دخلت في خلایا وأنسجة هذا العالم وأثرت علی جمیع جوانب حیاة البشر، بما في ذلك العلاقات الدولية. إذ إنها تحولت بفضل وسائل الإعلام الرقمیة الی دبلوماسية وأداة تستخدم في السیاسة الخارجیة.
کلنا نسبح الیوم في فضاء سبراني إلکتروني، هذا الفضاء غیر بتقنیاته و ثوراته و تحولاتە خارطة العلاقات بكل شي، بالكائن والحادث، بالمکان والزمان، بالحاضرة والذاکرة، بالفکر والحقيقة، لذا تعتبر الدبلوماسية الرقمیة في هذا الزمن التقدمي التصاعدي علم يجب تعلم قواعده، وهي فن يتعين الوقوف على أسراره.
لقد أستخدم دونالد ترامب لغة التغریدات الإلکترونیة کأداة لأعلان إنسحاب بلاده من الإتفاق النووي و من ثم بدأ بالحصار الإقتصادي ضد إیران لیتبعه حصار عسکري، بعد ذلك قام بتصنیف الحرس الثوري الإيراني کمنظمة إرهابية، ما شكل ضربة مؤلمة للنظام الايراني.
ثم أعلن بعده بأرسال حشد قوة بحرية وجوية ضاربة، تنفيذاً لاستراتيجية "الضغوط القصوى" علی إیران، بأعتباره خطر علی العالم أجمع. التعزیزات العسکریة الأمریكية المرسلة الی منطقة الشرق الأوسط تضم حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن" وخمس سفن حربية أخرى، بالإضافة الی نشر قاذفات استراتيجية من طراز "بي ٥٢" في قاعدة العيديد القطرية التي يتمركز فيها نحو عشرة آلاف جندي أمريكي، إعادة نشر بطاريات صواريخ باتريوت، ك و تعزيز تلك القوات بسفينة هجومية برمائية
بحسب المعلومات العسکریة المنشورة تملك الولایات المتحدة الأمریکیة قواعد عسکرية في المنطقة يعود تاریخ تمرکزها الی فترة حرب الخلیج الأولی عام ١٩٩١. منها قاعدة للأسطول الأمريكي الخامس في البحرين، ومقر الجيش الأمريكي الثالث في الكويت الذي يوجد فيه ١٦ ألف جندي أمريكي، وقوات أخرى في قاعدة الظفرة في الإمارات فيها حوالي ٥ آلاف جندي، إلى جانب قواتها الخاصة في اليمن، هذا بالإضافة إلى أن لديها اتفاقية لاستخدام موانئ ومرافق ومطارات عُمانية. تقود الدبلوماسية الحديثة في عالمنا الحالي ومنذ الحرب العالمية الثانية الساحة الدولية. فالحرب هي أعلى درجات الدبلوماسية، یمکن أعتبارها وسيلة من وسائل التفاوض عندما يتوقف الشكل الطبيعي للتفاوض، ويصبح غير نافع في إيجاد حلول مناسبة. و للحروب أسباب یمکن تلخیصها كالآتي: "الدفاع عن الوجود، جلب مصالح عظيمة، فرض أمور لا تستقيم الحياة إلا بها".
بالحروب الدبلوماسية تستطيع كل دولة أن توطد مركزها وتعزز نفوذها فى مواجهة الدول الأخرى. لذا قام الرئیس دونالد ترامب بتشکیل فریق یسمی "مجموعة العمل الإيرانية"، یرأسه براين هوك، مدير التخطيط في وزارة الخارجية، بهدف تقدير الموقف وإعداد الخطط والبدائل المختلفة لتنفیذ إستراتیجیة تقلل من التهدیدات ولاهجمات المحتملة ضد القوات أو المصالح الأمریكیة.
الهدف القريب من الضغط على إیران هو إلغاء دورها الإقليمي وإلزامها حدودها الوطنية، وأن هذا المعنى ورد في تغریدات الرئیس دونالد ترامب وعلى لسان مستشارە في الأمن القومي جون بولتن و وزير خارجيته مایك بومبیو، الذي هدد بالعمل الجاد علی تصفير صادرات النفط الإيرانية كلياً وتجفيف منابع إيرادات طهران من النفط لحين الامتثال لمطالب واشنطن و لكي تقوم حکومة طهران بکبح برنامجها النووي واختباراتها للصواريخ الباليستية وتدخلها في العڕاق و في الصراعات الدائرة بسوريا واليمن.
فالعمل الدبلوماسي يشتمل على دراسة أرض العمليات والعدو ومقارنة القوات والأسلحة بمقارنة نقاط القوة والضعف فى إمكانيات القوة الشاملة، وبحث مجال المجهود الرئيسي، وتقدير الموقف وإعداد الخطط والبدائل المختلفة.
أما الدبلوماسية فإنها، کما یفسرها الفیلسوف توماس هوبر، أداة تابعة للحرب وتعد لها حيث تستخدم لتقنين عملية الاستسلام دون قيد أو شرط . بحسب رأیه ليس هناك مفاوضات وإن كانت فتكون تافهة وشكلية لان الهدف هو إجبار الخصم.
الدکتور سامان سوراني

62
فخامة الرئیس نیچیرڤان إدریس مصطفی بارزاني الرئیس الأمل
تسلم السید نیجیرڤان بارزاني (٥٢ عاماً) الیوم في ٦ یونیو/حزیران ٢٠١٩  رسمياً مقاليد رئاسة الأقلیم  خلال مراسم  رسمیة فریدة تعتبر الأول من نوعها في قصر المؤتمرات في العاصمة أربیل، ليصبح بذلك الرئيس الـثاني لإقلیم كوردستان، حضرها الرئیس القائد مسعود بارزاني والرئیس العراقي برهم صالح و رئیس البرلمان الإتحادي محمد الحلبوسي و وزیر خارجیة جمهوریة ترکیا مولود جاويش أوغلو و وزیر الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية ثامر السهبان و جمع غفیر من القادة والساسة والدبلوماسیین والمثقفین من داخل و خارج الإقلیم و العراق وكذلك ممثلي القومیات المختلفة و رؤساء الطوائف الدینیة.
وقد ألقی الرئیس الجدید، الذي أنتخب بتاریخ ٢٨ مایو/آیار ٢٠١٩ داخل قبة البرلمان بأكثریة ساحقة للمضي قُدماً الی إنطلاقة جدیدة، خطاباً تاریخیاً أشار فیه الی الدور الكبير والرئيسي الذي مارسه الرئيس القائد مسعود بارزاني في مواجهة الحملة الشرسة التي شنها مسلحو داعش المتشددون عام ٢٠١٤ على إقليم كوردستان وأكد على تضحيات قوات البيشمركة والعمل الجاد من أجل توحید صفوفها و زیادة تنظیمها بغیة إعادة هیکلتها لتكون مؤسسة عصریة تؤمن و تصون تجربة الإقلیم في التعایش السلمي المشترك بین کافة مكونات الإقلیم والدیمقراطیة، ساعیاً الی حث الحکومة في تعزیز الخدمات لكافة مواطني الإقلیم والعمل على تقوية العلاقة والوصول الی أفضل تعاون بين أربيل وبغداد والسعي نحو تصفير الخلافات والحفاظ على علاقات حسن الجوار مع الدول الجارة على أساس المصالح المشتركة، مؤكداً إحترام الدستور و تنفیذه مواده، لأن إهماله يؤدي الی تکرار الكوارث والمصائب التي تسبب دماراً كبيراً لشعوبنا في سنجار والموصل، قائلاً أن موارد اقليم كوردستان الغنية ينبغي أن يتم استثمارها لخدمة شعب اقليم كوردستان
نحن متأكدون بأن فخامته، الذي سُمّي بحق علی مستوی الإقلیم والمنطقة بمهندس الأعمار یسعی على إكمال عمله لبناء مجتمع كوردستاني يكون الجميع فيه أحراراً وسواسية أمام القانون و في ظل رئاسته سیركز علی صون الأمن و الإستقرار من أجل خلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات، واستعادة الثقة والاطمئنان.
الرئیس الجدید المنفتح أمام تطوات العصر والمؤمن بالحوار والسلام سوف یحرض الأطراف المتفرقة الی الحوار والتلاقي و یدعوا للقاء عوضاً عن الإفتراق، إنه مهندس بارع في إدارة الإختلاف و معالجة المشاکل و تدبیر الشؤون السیاسیة والإقتصادية والإجتماعیة فسوف یستغل منصبه و یتفاعل بشکل دینامیکي لیساهم بشكل بناءٍ و مثمر في تطویر مفهوم الدیمقراطیة و فتح ممكنات جدیدة أمام العمل الدیمقراطي من أجل رفع  قدرة الشباب والنساء وتمکینهم على المساهمة بشكل فعال في التنمیة والنمو الإقتصادي.
فخامته الذي ورث الحکمة والتروي والدهاء عن أبیه قادر بصفاته الممیزة و قوته الشخصیة و ذکاءه و جرأته أن یؤثر في وحدة الصف الكوردستاني و تضامنه و تماسکه و حریته و سلوك أعضاء المجتمع الكوردستاني، الذي یمر بسبب التغيیرات الجیوسیاسیة في المنطقة بمنعطف مصيري بغیة ضمان مستقبل الشعب الكوردستاني و الوصول الی أهدافه المرجوة.
إذن فخامة الرئیس الجدید، الذي وقف صامداً كالصخرة التي تتحطم عليها الامواج، هو الأمل لكل الكوردستانیین.
ختاماً نتمنی للرئیس الجدید أن يُعلّم الطريق، ويمضي في الطريق، ويبين لنا ماذا يوجد في هذا الطريق، فأول خطوات القيادة الحکیمة هي الخدمة.
الدکتور سامان سوراني



63
تجسيد إرادة الشطب و الإلغاء لاتولد التعايش السلمي في كركوك الكوردستانية
في ظل الأحداث و التطورات المقلقة في المنطقة و في الوقت الذي یعیش العراق في مرحلة سیاسیة عصیبة و متعبة تقوم جهات لامسؤولة مدعومة من قبل مایسمی بقوات "قیادة العملیات" بنشر الرعب والخوف في قلوب مواطني المناطق الكوردستانیة خارج إدارة إقلیم كوردستان، تلك المناطق المعروفة لدی الحکومة العراقية بالمتنازع علیها أو المشمولة بالمادة ١٤٠ من الدستور، فهناك محاولات مستمرة لطردهم بهدف ممارسة التغییر الدیموغرافي فیها، خاصة في حدود محافظة كركوك الكوردستانیة، حیث أنها تعیش منذ ١٦ أکتوبر ٢٠١٧ واقع مفروض علیها بقوة السلاح والاحتلال.
رغم كل ذلك أنتخبت الوفود الدولية الصمت و لم تصدر الی الیوم أي بیان بشأن تلك الممارسات الشوفینیة المقرفة.
و بالأمس شهدت مدینة كرکوك الجریحة سلسلة تفجيرات بواسطة عبوات ناسفة استهدفت مناطق متفرقة فيها. هذه العملیات الإرهابیة الوحشیة البربریة اللاإنسانیة إستهدفت مرة أخری المدنیین العزل.
منفذي هذه العملیات الإجرامیة یتصورون بهویاتهم الدینیة أو القومیة بأنهم خلفاء الله وسادة الخلق وخیر الأمم، لکنهم في نظرنا أصحاب العقول الملغمة والمسلمات العمیاء والتوجهات المقلوبة والفلسفات الکادبة، إنهم ظلامیون یریدون عن طریق أعمال عنفهم المتفاقم وهجمتاهم الشرسة علی المواطنین المسالمین جعل مدینة كرکوك مدینة الأزمات والاضطرابات تعیش حالة طواریء دائمة.
 هؤلاء القتلة یحملون في عقولهم الجامدة أفکار میتة وبرامج شوفینیة فاشلة و مناهج عقیمة وقاصرة، وهم بدورهم ضحایا لأفخاخ الهویة الموتورة أو لأقانیم العقیدة المقدسة أو لأساطیر الحقیقة المطلقة، یتمرسون وراء الهویات المغلقة أو الجامدة.
من الواضح للعقل المستنیر بأن الولاء للدولة لا يمكن أن يأتي بالتسلح والعنف و نشر الخوف والرعب و إستخدام الجيش في الصراع السياسي والحملات الشوفينية وتجسيد إرادة الشطب والإلغاء و بناء مصانع سلطوية لا تنفك عن إنتاج التفاوت والتفاضل أو الإنتهاكات و الإرتكابات المضادة للقوانين والحقوق، بل بنشر الأمن والأمان والإستقرار، كما الحال في إقليم كوردستان. أما شؤون البلاد فيجب أن تدار بالدستور والقانون، لأنهما المظلة التي يستظل بها كل مواطن.
فالأزمات والكوارث ليس مصدرها الأقدار فقط، فهي تتجسد في الأفكار بشكل خاص و العقليات والمرجعيات والنماذج والمقولات أو التصنيفات والطقوس التي تهيمن علی المشاهد الثقافية و تتحكم في الخطابات فتنتج عوائق و مآزق وتلغم المساعي الوجودية والمشاريع المدنية أو الحضارية.
ولا يمكن البحث عن حلول جذرية للمشاكل القائمة بين الإقليم والحكومة الإتحادية عند دول جوار لم تنجح هي علی أرضها في تحسين شروط العيش لمواطنيها و إحراز التقدم والإزدهار.
لقد حثّ الرئیس الجديد لإقلیم كوردستان السید نيجيرڤان بارزاني الامم المتحدة الى تأدية دور رئيس في تطبيق المادة ١٤٠ من الدستور الخاصة بالمناطق المتنازع عليها بين اربيل وبغداد.
وقال فخامته في رسالة وجهها قبل فترة قصيرة الى الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي، ان المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة بإمكانه ان يؤدي "دوراً رئيساً" كطرف محايد للبدء "بحوار مكثف" بين اربيل وبغداد لحل الخلافات والقضايا العالقة منها تطبيق المادة ١٤٠ من الدستور.
لکن التیارات الفئویة التي ظهرت في عراق مابعد الدکتاتوریة تسعی دون هوادة الی تعزیز سلطاتها الطائفیة المنحرفة والمتطرفة والخارجة عن مسار و نهج المسیرة الدیمقراطیة والمتجاوزة للقوانین و أحکام الدستور المنبثق من العقد الأجتماعي لمكونات العراق الأساسية.
نتمنی في هذه المرة أن تعمل الأمم المتحدة بطريقة مختلفة على موضوع المادة ١٤٠، و نقول لقد حان الوقت لحل هدذا الموضوع ، لأنه أنتظر لمدة طویلة علی الطاولة المنسیة.
إن الذين يتصدرون واجهة الدفاع عن طوائفهم ومذاهبهم و معسكراتهم بالأفكار السائدة و الأنظمة المتحكمة والشعارات الخاوية و المقولات المستهلكة لا يستطيعون القيام بمهام قضية العيش المشترك.
أما الطرف الذي ينهض بهذا المهام فهو من يخلع عباءته الأيديولوجية المقدسة بثوراتها و مقاوماتها و إنقلاباتها و أحزابها و هو من يحسن الإشتغال علی خصوصيته و تحويل هويته للإنخراط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل، علی نحو سلمي تبادلي في أطر وطنية أو اقليمية أو عالمية، ولنا في إقليم كوردستان و حكومته اليانعة نموذج إيجابي نشيط في بناء مجتمع ديمقراطي سلمي التوجه مزدهر بإنجازاته العمرانية والحضارية.
وختاماً: “لا يمكن لمن لا يستطيع التشريع لواقعه أن يصنع حياة أو نمواً أو إزدهاراً.”
الدکتور سامان سوراني



64
شمس كوردستانية كركوك لا تغيب بالتهجير والتعريب
بالأمس، عندما تم القضاء علی دکتاتوریة البعث في العراق فرحنا لنهایة عصر الإبادة والتغيير الدیموغرافي وقلنا بأن سقوط الطاغي صدام سوف یساهم في رفع الظلم والحیف و یخفف من المعاناة المادیة والمعنوية التي لحقت بآباءنا وأجدادنا من جراء عملیات الغدر والقتل والأنفال و الإبادة الجماعیة والتعریب والتهمیش والإقصاء والحرمان من حقوقنا في المواطنة والشراكة والإنسانیة.
الیوم وبعد مرور ستة عشر عام علی تغير الحکم في العراق والقضاء علی الفاشیة نشهد مرة أخری ولادة ظاهرة التعریب والتهجير المنظم في مدینة كركوك و باقي المناطق الکوردستانیة الخارجة عن إدارة حکومة إقلیم کوردستان والمسمی بالمتنازع علیها، تقوم بتنفيذها جماعات مرتبطة بأحزاب سياسية، من أحزاب السلطة في بغداد، الذین جعلوا من العراق دولة فاشلة و مرتعاً للإرهابیین و عصابات الجرائم المنظمة، منهم محافظ كركوك بالوکالة و شلّة من عصابات مسعورة، تعادي الكورد و تناهض كوردستانیة كركوك و تنكر بأن ما تحقق للشعب الكوردستاني في العراق ما كان ليتحقق لولا التضحيات العظيمة التي قدمها هذا الشعب طيلة تاريخه المليء بالتضحيات.
إن قضیة الإیمان بالوطن والذات هو فطرة إنسانیة راسخة في قلوب الكوردستانیین لا یمکن للعنف والقمع والإستیلاب والأعمال اللاإنسانیة واللاأخلاقية والعدوان النیل منها.
أما قضیة السعي لتفریغ كركوك من الشعب الكوردستاني وتوطین قومیات أخری مکانه لغرض التغيير الديموغرافي فمآلها الفشل الذريع وذلك لأن الوطن خلاف لایقبل القسمة علی نصفين من حیث المنطق والعقل والنضال من أجل الإستقلال أمر لا یساوم علیه القیادة الكوردستانیة.
هنا یجب علینا أن نسارع في تحضير مؤتمر وطني جامع للأطراف السیاسیة الكوردستانیة الفاعلة، تضم شخصیات وأطراف أخری من مدینة كركوك لوضع مشروع سیاسي و إقتصادي وإجتماعي مشترك خاص برسم مستقبل مزدهر لهذه المدینة الجریحة.
إن محاولات إدارة كركوك التي فرضتها مليشيات الحشد بعد 16 أكتوبر في طمس هوية مدينة كركوك الكوردستانية والإستیلاء علی أراضي المواطنين الكورد الزراعیة ومصادرة و نهب  ممتلكاتهم وإعادة تنفيذ سياسة التعريب التي كانت تنتهج من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة حیال كرکوك، خاصة في فترة حکم البعث، لا یمكن قبولها من قبل الكوردستانیین.
في السابق قامت أنصار الفكر العروبي القوموي بتدليل المدينة الكوردستانية كركوك و تسميتها بالعراق المصغر، وذلك بسبب تواجد قوميات أخری كالأخوة التركمان والعرب والآشوريين و الأرمن فيها.
واليوم يكشف المحافظ بالوکالة المدعوم من قبل الحشد الشعبي أوراق لعبة جديدة، إذ نراه یحذر الكوردستانيين بأن المساس بهوية كركوك خطر يجب تفاديه ويعيد الوصف العروبي القديم للمدينة بقوله "كركوك عراقیة للعراق ولن نقبل ضمها الی أي أقلیم و لن نسمح برفع العلم (الكوردستاني) أو الإستفتاء فیها".
هنا نقول لە بالحرف الواحد، من قام بنفي الآخر وحاول محو خصوصیته وقفز فوق کل القواعد والمعاییر والحدود، يريد بعمله هذا دعم عملیة تدمير العراق و إنهاء التعایش السلمي في كركوك وذلك من خلال تعزیز الموقف العروبي و إحیاء فكرة الشوفینیة، التي مازالت قائمة في أذهان الكثیرین في الأوساط العربیة ممن یدیرون الحکم العراقي في صراعهم مع الفکر الدیمقراطي الفدرالي، تلك الفکرة التي تنص بأن کرکوك مدينة عروبیة عراقية. 
إن المجاهدة في سبیل إنکار کوردستانية کرکوك والإنشداد الی الوراء، بدلاً من التوجه نحو الحاضر والراهن والمستقبل، بالسعي للخروج من المنطق الإختزالي و السجن العقلي و الحتمیة الأيديولوجية لا تفيد كركوك و أهلها.
لقد تعمدت حکومات كل من المالكي والعبادي عن سبق اصرار في تنفيذ الدستور والمادة 140 المتعلقة بالحل السلمي لقضیة کرکوك وأظهرت نياتها السيئة المبيتة الى العلن لتعقيد المسألة وسعت الی ترحيل هذا الموضوع الى اجندات اقليمية تعرف انها تقف في موقف العداء الكامل الصارم لكل أمر مرتبط بتلك القضية.
الحكومة الإتحادية تعمدت طوال مدة حكمها عن سبق إصرار في تنفيذ المادة 140 من الدستور المتعلقة بالحل السلمي لقضية كركوك والمناطق الكوردستانية الأخری الخارجة عن إدارة إقليم كوردستان.
لذا نطالب الحکومة الحالیة أن لا تنهي هذا لانهج وأن لاتستمر علی سیاسةالقفز فوق الاحداث و نفي المتغيّرات، التي کانت تنفذ في السابق.
إن المكابرة و التهرب من المسؤولية و إنكار الحقائق الصارخة والترويج لجحيم الآلة العسكرية لا تورث سوی النزاعات الداخلیة والهزائم والمهالك للشعب العراقي.
أما تواجد قوات الحشد الشعبي في كركوك والمناطق الكوردستانیة خارج إدارة الإقلیم بحجة حمایتها من الإرهاب فأنە لایزید من نار الأزمة إلّا اشتعالاً.
ولتعلم الأطراف التي تسعی في إحیاء علوم البعث و نشر الفکر الطائفي بأن النظرة الشمولية العنصریة والشوفينية والطائفية المقیتة، عدوة الدیمقراطیة والفیدرالیة في العراق، ولّت عهدها وأن الإعتراف بحق آلآخر وبالفيدرالية والديمقراطية هي لغة العصر والحلول لا تقوم علی نفي الواقع في کرکوك.
و ختاماً نقول: "لندیر الشأن المشترك بصورة تتسع معها مجالات الحق و مساحات الحریة، بقدر ما ننمّي ونعزّز علاقات التواصل والتفاعل بين النظراء أو الشركاء، سیما في هذا العصر، حیث تتداخل المشاغل والمطالب، بقدر ما تتشابك المصالح والمصائر." 
الدکتور سامان سوراني




65
نعم الإرهاب هو أعلی مراحل الأصوليات الدینیة
من الواضح بأن العامل الذي يحد من عملية الإبداع الفكري و يقوي سلطة الرقيب عند الفرد الشرق الأوسطي هو بذور التخلف والتردي التي يحمله الإنسان تحت طيات جلده وفي جيناته الوراثية.
الفرد الشرق الأوسطي، الذي يقضي في أغلب الأحيان طول أو نصف عمرە في بلد ما بشكل إجباري لا يتمتع بالحرية والوعي، بل يعيش الظلم والإستبداد والإرهاب الفكري الهادف الی إفساد كل معتقد أو سلوك باستخدام الوسائل والأساليب المعنوية التي تخلّ بأمن واستقرار البلد و تؤثر بشكل سلبي على المواطنين.
هكذا تولد التقوقع والنزوع الی الأصول العقیمة وبالنهاية الی التخلف من الناحيتين الثقافية والحضارية.
إن وجود عقل ناقد هو حق لكل فرد في المجتمع، فمن الضروري إعمال العقل فيما یخص النصوص المقدسة و تجدید الخطاب الديني، فهذا الأمر لایعتبر حکر علی شخص دون آخر و لا هو ملك للذین یعتبرون أنفسهم مُلّاك للحقيقة المطلقة، بسعیهم لتجرد الإنسان من عقله و قیادته کالقطيع.
الیوم و بعد أن بدأت الأصولیات تزحف منذ سبعینیات القرن الماضي في الزحف علی الأدیان یمکن أن نقول، بأن الأصولية الدینیة ماهي إلا تیار عالمي وصل الی أعلی مراحله المتجسدة في الإرهاب. 
هناك منظومات أصولیة تدعم من قبل دول تعمل لیل نهار علی تدجين صاحب الرأي الآخر وتحويله الی ببغاء يردد مايقال له من كلام غير مفيد، یجعله يصلي خلف "الإمام" ، لکي يقوم و يرکع و يسجد مثله ويكرر ما يقوله ، كالروبوت (إنترنسينالسم) أو ما يسمى بالإنسان الآلي.
وهنا لا أريد أن أدخل في المٶثرات الجانبية للإرهاب الدموي اليومي المتجسد بمشاهد القتل والاغتيال والإبادة والتّفجير والتّخريب والتّدمير والاعتقال والإذلال والظّلم ، التي تزرع الخوف والهلع في النفوس وتجعل الإحساس المستمر بالقلق وإنعدام الأمن والأمان صاحباً ملازماً للإنسان.
إن عدم إتاحة الفرصة للتعبير عن الفكر دون تردد أو قلق يجعل التربة خصبة لنشوء كل أنواع الإرهاب بدءاً بإرهاب الدولة وإنتهاءاً بالإرهاب الاقتصادي والاجتماعي والفكري. إن المدافعة عن الهوية والثوابت أو عن الحقيقة والعقلانية والحرية بعقلية المناضلة تٶدي الی الفشل في النضال والی خسارة القضايا.
الفرد الغربي علی العكس من الفرد الشرق الأوسطي يخضع أفكاره وثوابته للدرس والتحليل، به يخلق لغات مفهومية وأطر نظرية أو مباديء إستراتيجية ، يجدد معها الوجهة والعدة أو المهمة والطريقة ، يتغير و يسهم في تغيير العالم.
أن زوال الآثار النفسيّة للإرهاب من حياة الإنسان مرتبط جوهرياً بزوال الإرهاب نفسه، لذا نری من الضروري أن تتضافر كافة الجهود للتّخلّص منه وذلك بإشاعة الديمقراطية الحقيقية وصيانة الحقوق والحريات العامة واحترام الرأي الآخر والعمل علی محو مفاهيم الاستبداد في المجتمع، التي أصبحت ثقافة سائدة في السياسة والدين ، والبيت ، والشارع ، والجامعة ، وفي كل نواحي الحياة وكذلك مكافحة المفاهيم السلبية الخاطئة في نفوس البشر ، التي تٶدي في النهاية الی قمع الإبداع الفكري والصمت على الظلم والفساد و إكراه الذي يريد العيش بكرامة و الحقد علی المثقف والمفكر بتكفیره.
علينا إذن في عصر العولمة والوسائط العمل علی إبراز مشاریع عقلانیة نهضویة و إصلاحیة قویة بدیلة تدعو الی أفکار حداثیة، کحقوق المرأة و الدستوریة والمواطنة و القیام ببناء دور ثقافیة من أجل ترسيخ مبادیء تربوية تٶدي الی التخلي من دور الإنسان المتأله أو الوصي أو صاحب الدور الرسولي النبوي، نحو الفرد البشري الذي يتعامل مع نفسه بوصفه وسيطاً لا أكثر، وذلك من منطق المسؤولية المتبادلة والشراكة في صناعة الحياة والحفاظ على المصير.
وعلینا أیضاً مراجعة حالة الوعي العام، وعمليات صناعة الأفكار وتاريخها وإعادة الاعتبار بالخصوص للسياسات الثقافية الضرورية في مواجهة الصحوات الأصولية و تثمين دور المثقف من جديد و إعادة الاعتبار  لە کرمز و مصدر للأفکار والتصورات بموازاة الداعیة التنظیمي المحرض، لأن ثمة عبئاً ومسؤولية كبيرة تقع على كاهل المثقف، في هذا السياق من التشظي المعلوماتي والتشتت المعرفي، الذي تستفيد منه تنظيمات وأفكار الأصولية الصلبة.
ختاماً: "الأفكار ليست أيقونات للتعبد ولا هي متحجرات نعود بها إلى الوراء ، من ينظر الیها بهذا الشكل يساهم في إنتاج البٶس والوحشية والدمار."
الدکتور سامان سوراني
 


66


من المعلوم بأنه لا حياة للأفكار من دون الكلمات وأن علاقة الإنسان بوجوده هي علاقة لغوية.
فاللغة لم تعد كما كانت في الماضي مجرد تمثل للأشياء، بل أصبحت إمكاناً للوجود بقدر ما تجسد بيئة للفكر أو وسطاً للفهم.
ففي عصرنا هذا یمكن أعتبار اللغة مؤسسة تختزل فيها الثقافة برمتها، حیث أن الحیاة الیومية للإنسان أصبحت منصهرة في الخطاب التكنلوجي للغات الإصطناعية والذكاء الإصطناعي.
ثم إن الرهانات المتعلقة بفهم اللغة الإنسانية مبنیً ومعنیً أصبحت حاسمة ومصيرية، لاسیما في مجال التواصل الإجتماعي المعقد الذي شکلته مقتضیات مجتمع المعرفة في عصرنا الحاضر.
اللغة ماهي إلا كائن حي قابل للتطور والإستحداث وفق ما يقرره الناطقين بها، كونهم أصحاب مصلحة في هذا التطوير. وهذا التطوير يجب أن يكون إستجابة لتطور المجتمع الكوردستاني ونابعة عن واقعه المعيش.
إن المبادرة القيمة للسيد رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني في ضرورة العمل على طرح لغة كوردية موحدة تأتي من هذا المنطلق وتأكيداً بأن الأمم التي إستطاعت في النهاية من إيجاد لغة موحدة مرّت بتجارب تماثل التجربة الحالية للكوردستانيين.
اللغة هي عنوان الهوية الثقافية ورمز السيادة الحضارية، لذا نراه من الضروري إستلهام تضحيات الخَلَف الذين حافظوا على اللغة الكوردية بعد ما حوربت لأسباب عنصرية وشوفينية من قبل الأنظمة التي سلطت حكمها بسياسة الحديد والدم علی أرض كوردستان لغرض وحدة اللغة.
في هذا العصر، عصر تشابك المصالح والمصائر، بعد أن فتحت العولمة بأدواتها الفائقة وشبكاتها العنكبوتية ووقائعها الإفتراضية إمكانات هائلة أمام الشعوب، نری إنفتاح الكوردستانيين علی المستجدات في العالم، خاصة في مجالات العلوم والتقانة والمعلوماتية وعلوم اللغة بكافة فروعها وحقولها البحثية المرتبطة بها، بعد أن تمكنوا من تحرير أنفسهم من الاستبداد، الذي كان يتجسد في استبعاد العقول والسيطرة علی الأفكار.
فهناك سعي الی الإقتباس والإستفادة من نتائج هذه العلوم بهدف إغناء اللغة الكوردية وربطها بحركة الفكر الإنساني.
ومن أجل نقل المصطلحات العلمية والتقنية الاجنبية الی اللغة الكوردية علينا باستخدام وسائل كالاشتقاق، بمعنی صياغة لفظة من لفظة أخری شرط وجود تناسب بين اللفظ والمعنی، أو المجاز بطريقة إنتقال الكلمة من معناها القديم الی معنی جديد، أو تكريد اللفظ الدخيل مع تغيرات معينة ينسجم مع النظامين الصوتي والصرفي للغة الكوردية.
وفي حالة نقل معنی المصطلح الاجنبي الی اللغة الكوردية، يمكن إستخدام هذا المعنی بشكل مستقل يعيش جنباً الی جنب اللفظ كمرادف وبمرور الزمن سوف يكون أحدهما غالباً علی الآخر، أو يظلان كلفظين مترافين. وفي حالة نحت الكلمات، أي إنتزاع كلمة من كلمتين أو أكثر، يجب أن يكون هناك تناسب بين اللفظ والمعنی بين المنحوت والمنحوت منه، مثل (نشونما) في الكوردية من نشأ ونما.
وهناك وسيلة أخری، هي اختراع كلمة لم توجد من قبل بسبب الحاجة الماسة والملحة لمفردات لغوية جديدة تعبر عما يستجد من أمور ومفاهيم اجتماعية جديدة، هذا الأمر يحتاج الی المبدعين في اللغة.
ليس خافياً علی أصدقاء الكورد والمهتمين بالقضية الكوردية بأن تخلف اللهجات الكوردية وعدم تطورها الى لغة موحدة لايمكن إرجاعه إلا الی أسباب سياسية، ثقافية، اجتماعية تاريخية، جغرافية، عنصرية وإقتصادية. نحن لا نريد أن ندخل هنا في تفاصيل هذه الأسباب، فإنها تحتاج لشرحها وتحليلها الی مجلدات.
فلو أخذنا بلدان أوربية كالمانيا، أو إنكلترا أو فرنسا كمثال، فإننا نری بأن موضوع تبلور اللغة الموحدة بدأ بعد الثورات المجتمعية والاقتصادية والقضاء علی الإنظمة الاقطاعية ومخلفاتها، بعد أن ربط ولايات هذه الدول بعضها ببعض عن طريق المواصلات والمدارس والمراكز الإعلامية وبحكم الواقع تمكنت لغة السلطة الجديدة من فرض نفسها كلغة رسمية في كل من هذه الدول.
 
إن تعدد اللهجات في اللغة الكوردية دليل علی عراقة هذه اللغة وأصالتها، فمن الضروري أن لا نفضل لهجة علی أخری، بل علينا في سبيل خلق لغة كوردية موحدة جامعة الاستفادة من جميعها دون إستثناء.
صحيح بأن هذا الأمر يحتاج الی التفكير بصورة تخرج عن المألوف وتكسر المسبقات ويحتاج الی خيال خلاق وحدس خارق وكذلك الی حدث يكون بمثابة الشرارة أو الولعة التي تحرك القوی الكامنة وتكسر الثنائية الممسكة لدی الكوردستانيين، بحيث توقظهم من سباتهم الثقافي ليكونوا قادرين علی توحيد صفوفهم لمواجهة الأنظمة التي حاولت أن تجردهم من لغتهم.
تلك الأنظمة التي لا تحسن بأساليبها البائدة وسياساتها العنصرية سوی خلق المشكلات وتجديد الأزمات للكوردستانيين والقضية الكوردستانية العادلة.
والعمل لهذه الحملة الوطنية الكبری يجب أن يبدأ بإعداد لجنة علمية دائمية مستقلة مكونة من خبراء اللغة تشرف علی مؤسسة اللغة الكوردية الموحدة.
وإدارة هذه المؤسسة يجب أن تكون بعيدة عن كل هدف أو إتجاه حزبي ضيق ويمكن لإنجاح هذه المهمة القومية الجبارة الإستعانة والإستفادة من خبراء عالميين مختصين بعلوم اللغة.
علی هذه المؤسسة إعداد كوادر لغوية تبعث الی جامعات عالمية لغرض دراسة علم النفس اللساني وعلم الاجتماع اللساني واللسانيات الأنثروبولوجية والجغرافيا اللسانية وجمع طرق صناعة المعاجم والموسوعات اللغوية.
ومن أجل إثراء كنز مفردات اللغة الكوردية بالاستفادة من اللهجات الكوردية المتعددة علیه بتأسيس البنك الـمعلوماتي للكلمات والمصطلحات.
وهناك إجراءات علمية أخری يمكننا إضافتها بعد أن تمكنا من إجتياز المرحلة الأولی وهي تأسيس مؤسسة اللغة الكوردية الموحدة.
ومايفرحنا اليوم هو النية الخالصة لبرلمان وحكومة كوردستان في دعم ومساندة هذا العمل الجبار بصورة كاملة والقيام بتشريع قانون خاص باللغة الكوردية وتنفيذه.
فللمحافظة علی الثوابت والخصوصيات في واقع كوني سمته الحراك الدائم والتغيير المتسارع يجب التعاطي مع القضايا الجوهرية بطريقة نموذجية وفهم المجريات وفك الشيفرات علی المستوی الداخلي والخارجي وإدارة التحولات بشكل يتناسب مع لغة العصر وثوراته.
الهوية القوية والفعّالة ليست ما يملكه المرء أو يُعطی له ولا كياناً ماورائياً، بل هي ثمرة الجهد والمراس والإشتغال علی المعطی الوجودي بكل أبعاده من أجل تحويله الی أعمال وإنجازات. الهوية هي إنبناء وتشكيل بقدر ماهي صناعة وتحويل وهي بُنية يعاد بناؤها باستمرار، وخاصة عند بلوغ الأزمات أو الوقوع في المآزق وذلك بتنظيم المشهد الديمقراطي وتأهيل مؤسساته ودعمها والعناية بأوضاع الموارد البشرية والرفع من شأنها على أساس المبادئ الديمقراطية الكونية القائمة على التعددية والحرية والمسؤولية.
الحكومة الكوردستانية تعمل جاهداً في سبيل خلق نظرية فكرية ترسم ملامح الدولة وثقافة وطنية حديثة منفتحة على منجزات الفكر البشري ومعطيات الخبرة العملية وعلى تقدم العلم والتقانة واستيعاب أثرهما في صيرورة العالم.
وختاماً يقول فيلسوف اللغة لودفيغ فيتجنشتاين (1889-1951) في البند السابع من رسالته المنطقية الفلسفية  (tractatus logico-philosophicus):
"أن كل علامة تبدو في حد ذاتها میتة، فما الذي یهبها الحیاة؟ إنها تکون حیة في الإستعمال، فهل نفخت فیها الحياة هنالك؟ أم أن الإستعمال هو حياتها؟".
"إن ما لا يستطيع الإنسان أن يتحدث عنه، ينبغي أن يصمت عنه".
الدکتور سامان سوراني
 

67
هل یمكن  للقيم العقلانیة مواجهة العنف والتطرف والإرهاب؟
عندما نتحدث عن القيم العقلانية یجرّنا الحديث مباشرة الی دور الفلسفة، کرواق فكري يحتضن التنوع والإختلاف والتعدد و يسهر علی العیش المشترك بين الذوات المتجسدة في العالم، في عقلنة العالم وصوغ التجارب بلغة المفاهيم، من شأنها تحقيق التفاهم بين العقول الباحثة وبناء جسور التواصل بين الكائنات البشرية.
صحیح بأن الإنسان حقق تقدماً مذهلاً في مجال العلوم والتقنیات، بواسطته أستطاع أن يحسن مستوی عیشه، لکنه لم يتمكن من تحقيق تقدم موازٍ لذلك في مجال بناء العلاقات السلمية المدنية الهادفة الی تقليل إستخدام العنف والحد من إنتشار الإرهاب علی المستوی المحلي والإقليمي والعالمي.
تقوم فلسفة العنف والتطرف والإرهاب کسلوك ظلامي ببناء مجتمع فقير من الناحیة الفکرية والسلوكية والمعتقداتية، مجتمع یخضع لتصورات ضيقة الأفق سواء الخاصة بالدين أو حتى الحياة.
أما وظيفة القيم العقلانية، کفاعلية نقدية، فهي تكمن في هتك بداهات الفكر الخاوية و تفكيك أبنیته العميقة وكسر قوالبه الجامدة من خلال تجاوز الثنائیات المزيفة وكشف آليات الحجب والتحوير أو الكبت والاستبعاد الممارس من قبل الخطابات والمؤسسات المنتجة للعنف والتطرف والإرهاب.
هناك معادلة ثابتة تقول، كلما كان المجتمع قريباً من القيم العقلانية، كلما كان بعيداً عن العنف ومن قبله التطرف بصوره المختلفة.
إن مشاريع الإرهاب کلها عملت علی إحتكار المصداقية والمشروعية و خرافة التطابق مع الأصل لصنع هويات ناجزة، مكتملة، تسبق أصحابها و تحشرهم تحت أسم واحد أو في خانة وحيدة، لكي تمارس بصورة عدائیة خانقة و عنصرية و تطبق إستراتيجية الرفض والإقصاء والإستئصال لکل مخالف أو معارض، مستخدماً العنف بکافة أنواعه الرمزية والمادية، لتحقيق الدمار و الخراب.
 نحن نعتقد بأن القيم العقلانية ساهمت أیضاً في تحرير الإنسان من تهويمات الأحزاب السلفية والمنظمات الجهادية والنماذج الإرهابية، ذات الطابع اللاهوتي أو الماورائي أو المتعالي. فاللامعقول والإنغلاق والعنصرية هي مایکمن أن نصفه بالعوالم السفلية للعقول الفردية والذوات الجمعية.
أما التاريخ، كما یراه الفيلسوف كارل بوبر، صاحب كتاب "المجتمع المفتوح وأعداءه"، فهو مایصنعه الأفراد، لا ما يفرض علیهم من عقائد جامدة أو نظريات حتمية أو مشاريع طوباوية.
ومن أجل أن نقوم بتحرير المجتمع من النموذجيات الأصولية والعقلانيات الشكلية واليقينيات الدغمائية علینا إستخدام القيم العقلانية، كنشاط فكري لا يتوقف عن إثارة الأسئلة وإعادة صوغ المشکلات، لتعرية ما یتواری خلف الصلات المنسوجة مع العقل، من آليات اللامعقولة أو الممارسات المعتمة أو الأبنية المعیقة أو القوالب المتحجرة أو الثنائيات الخادعة.
فبتعزيز القيم العقلانية نستطيع أن نضع حداً لعبثية العنف السياسي ونزيل الآثار النفسيّة للإرهاب من حياة الإنسان، لذا نراه من الضرورة بمكان أن نعمل علی تظافر كافة الجهود للتّخلّص من جرثومة الإرهاب والعنف والتطرف، وذلك بإشاعة الديمقراطية الحقيقية وصيانة الحقوق والحريات العامة واحترام الرأي الآخر والعمل علی محو مفاهيم الاستبداد في المجتمع ، التي أصبحت ثقافة سائدة في السياسة والدين، والبيت ، والشارع، والجامعة، وفي كل نواحي الحياة وكذلك مكافحة المفاهيم السلبية الخاطئة في نفوس البشر، التي تٶدي في النهاية الی قمع الإبداع الفكري والصمت على الظلم والفساد وإكراه الذي يريد العيش بكرامة والحقد علی المثقف والمفكر بتكفیره. نعم القیم العقلانية قادرة علی تعرية خطاب التطرف، وإغلاق المسارب والممرات التي توصل إلى التعصّب ومن ثم إلى الإرهاب، لکنها بحاجة الی تعاون تربقي و إجتماعي و ثقافي.
ختاماً نقول: "المخرج ليس في العودة الى الوراء، كما یریدها أصحاب مشاریع العنف والإرهاب والتطرف، بل مواصلة مسيرة النهوض والإصلاح والتقدم للمشاركة في صناعة الحضارة المبنية علی مفاهيم المواطنة والديمقراطية والدولة المدنية والعالمية والتعایش السلمي، لأن الدعوة الى إقامة حكم ديني تحت مسمى دولة الخلافة أو ولاية الفقيه أو الحاكمية الإلهية، فمآلها إعادة إنتاج الأزمات المستعصية التي نسعى إلى تفكيكها والتصدي لمعالجتها."
الدکتور سامان سوراني


68
هل تموت الأفکار الأصولية والسلفية بعد سقوط دولة الخلافة؟
بالرغم من إنقضاء حکم تنظیم داعش علی الأرض بعد أن نجحت قوات الپێشمەرگة لإقليم كوردستان دحرهم و الإنتصار علیهم أولاً وبعد إعلان قوات سوريا الديمقراطیة (قسد) التي يقودها الكورد والتي تدعم من قبل التحالف الدولي بقيادة واشنطن بتاريخ 23 أذار/مارس 2019 علی دحر آخر معاقل التنظيم في باغوز شرق سوريا ثانياً، هناك ثمة إجماع من قبل خبراء في شؤون التنظيمات الإرهابية بأن المنتمين الی هذا التنظيم مازالوا يمثلون تهديداً عالمياً.
وهناك تقارير صحافية تظهر بأن تنظيم داعش يخطط لهجمات في أوروبا عبر مجموعاته "النائمة" في تلك البلدان، والتي يطلق عليها اسم "خلايا التمساح". إذن البركان خامد الآن، لکنه يُمكن أن يَنْفخُ بأي لحظة.
لقد إستمر تنظيم داعش منذ ولادته الی حین التغلب علیه عسکرياً بهجمات إرهابية منظمة تارة و جهنمية ووحشية أعمی تارة أخری علی مناطق في كوردستان والعراق و سوريا، مزّق الأجساد ودمّر الممتلکات وأستهدف کل شيء يخص الشأن الإنساني والحضاري، يعجز اللسان عن ايجاد كلمات تناسب شجبها بسبب تلك الفلسفة البربریة التي وقفت ورائها والتي لا و لن ترید شیئاً سوی إلحاق الدمار بالحضارة والتحضر وإفساد التعايش السلمي والتقدم علی هذه السكينة.
بإیمانه التام بفلسفة الموت، التي تفضل الموت على الحياة، وهي فلسفة كاذبة عنصرية تستند الى المبدأ المتوحش الداعي الى قتل المواطنین الأبریاء لمجرد كونهم مواطنین أبریاء یریدون أن یعیشوا في سلام ووئام مع عوائلهم و ذویهم، لأنهم لیسوا "مجاهدین في سبیل العدم" ولأنهم لیسوا جبناء مثلهم، أراد داعش أن يستولي علی أرض المنطقة و يفرض علی إستمرار خلافته.
فلسفة داعش هي فلسفة مجرمي الحرب وغايتها هي القتل والدمار. أما هدف المنتمين الی هذا التنظيم من الأجانب و المحليين، الذين هم ثمار الأبله الثقافي و سلّموا أوراقهم و شهاداتهم الی مرجعهم أو شيخهم أو أميرهم، الذي بدوره يختم علی عقلهم و يعمل علی قولبتهم، لكي يخلقوا و يمارسوا بعملياتهم الإرهابية سيناريوهارت الأكثر همجية و وحشية، فهو واضح للعیان، إنهم یریدون النیل من المواطن والدولة والمدینة والمجتمع، مدفوعین بعقلیة الثأر والإنتقام من کل من لایشبههم أو لایفکر علی شاکلتهم، هدفهم المراهنة على انفجار ضغائن المكونات المحلية على بعضها ومحاولة يائسة لزعزعة أمن واستقرار المنطقة بأكملها وضرب الأخوة والتعايش السلمي بين البشر جمعاء، یتعاملون مع هویتهم الدینیة أو القومیة بأقصی الغلو والتطرف والإنغلاق ، کعُصاب نفسي هو مصدر للتوتر والتشنّج ، کمتراس عقائدي لشن الحرب علی الغیر، أو کخطاب فکري للنبذ والاقصاء، یستغلون البائسین والمهووسین في مشاریعهم الهمجیة، إنهم یخططون لفعلتهم المتحجرة والأحادیة والعدوانیة والاستبدادیة هذه‌ في السرّ وتحت الأرض، لکنها تمارس تحت سمعنا و بصرنا، وکما تُعمّم نماذجها في الجوامع والمدارس أو عبر الشاشات والقنوات.
یتصور أصحاب الارهاب من الدواعش (أنظر مثلاً الی إبراهيم السامرائي، الذي سمی نفسه “أبو بكر البغدادي”، إلە وخلیفة عصابة الأشرار، وکذلك أتباعه) أنفسهم خلفاء الله وسادة الخلق وخیر الأمم، أو أنهم ملاك الحقیقة وحراس الإیمان، سائرون علی النهج القویم وحدهم دون سواهم، یدّعون بأن الشرائع القدیمة تنطوي علی أجوبة وحلول للأسئلة ولمشکلات العصر، یمارسون الوصایة علی الناس وینطقون بإسمهم زوراً و تشبیحاً، یصادرون قرار الناس ویتحکّمون بأعناقهم وأرزاقهم ویشنون الحرب الإرهابیة نیابة عنهم.
 إنهم لایعترفون بقرار الآخرین في اختیار نمط حیاتهم، بوصفهم مبتدعین ضالین أو کافرین مرتدین. فهُم یستخدمون العنف والإرهاب، قتلاً وتصفیة أو استشهاداً وانتحاراً ، مدفوعین بعقلیة الثأر والأنتقام من کل من لایشبههم أو لایفکر مثلهم ، تحت دعوی سخیفة ومزیفة، هي إنقاذ "الأمة الاسلامیة" في العالم من رجس الجاهلية.
الأفكار الأصولية والسلفية أصدرت مارکة الحجاب والدم والتضحية وعملت  ليل نهار ضد صناعة التنمية والمدنية والحضارة، بقمعها الحريات الفردية وإرجاع أسباب المصائب والکوارث والجهل والفقر في مجتمعاتها إلی الغزو الثقافي الغربي أو إلی العولمة والأمرکة و بإستراتيجيتها القائمة علی الرفض والإقصاء وإرادة التأله والتفرد هي التي تثمر البربرية والهمجية الحديثة والمعاصرة، حيث يتم القتل وتمزيق الأجساد وتدمير الممتلكات بأعصاب باردة وضمير جامد و بعقلية أخروي أو عسكري إرهابي بصفة المناضل والمجاهد والمدافع عن الهوية والثوابت.
فبدل السعي والعمل بمفردات نسبية علی نظريات ثورة الاتصالات والمعلومات قام أصحاب الفکر السلفي الأصولي والقومي الشوفيني بتهافتهم في مواجهة کتاب "نهاية التاريخ" لفرنسيس فوکوياما بتأليف مجلدات مبنية علی لغة الغلو والتهويم اللاهوتي والتشبيح النضالي والعقائدي لتحقيق إستراتيجيتهم التدميرية.
إن أتباع داعش هم ثمرة الأوامر الدينية و الحكومات الدينية و المرجعيات الغيبية و الشعارات الأحادية و الثوابت الأبدية، وسوی ذلك من المشاريع الشمولية، التي يدعي أصحابها إمتلاك مفاتيح الحقيقية المطلقة، لممارسة الوكالة الحصرية علی الهويات والقضايا المصيرية، خرجوا من جين ثقافة الأصولي الإرهابي، الذي يدعي إنقاذ أمة الإسلام بالعودة الی أنماط ونماذج بائدة يستحيل تطبيقها إلا بزرع الرعب و زعزعة الأمن و سفك الدماء و تدمير معالم الحضارة والعمران.
نقوله هنا و بمنتهی الصرائحة، لاینفع دحر هؤلاء الإرهابیین والإنتصار علیهم عسکریاً فقط، علینا تعبئة كافة القوى الحية في إقليم کوردستان من أجل محاربة هذا الفكر ونقصد بالقوة الحية العلماء والكتاب والصحافة ووسائل الاعلام وقادة الراي. فبتضافر جهود الجميع یمکن إرجاع هذا الفكر الى الوراء ليحل محله الفكر الواعي المتزن.
من لا یحترم إرادة الكيانات والشعوب في اختيار من يتولى أمورهم وفي اختيار التشريعات لتدبیر أمورهم لایرید معالجة حقيقية لظاهرة الإرهاب.
فعلّة كل شيء تكمن في مفهومه بالدرجة الأول من هنا نری الحاجة الی مساءلة مفهوم‌ الإنسان لتفكيكه وإعادة بناءه.
إذن علاج الإرهاب يبدأ من معرفة الإنسان لنفسه معرفة حقيقية تضعها في مكانها الصحيح، بحيث يرى الإنسان نفسه من خلال الآخر ويخرج على قوقعته التراثية، لكي يفهم المجريات على الساحة الكونية ويسهم في المناقشة العالمية الدائرة حول المعضلات ويفتح أفاق الحوار، ويتجنب سياسة الإقصاء ويجتهد في سبيل القبول بالرأي والرأي الآخر.
وختاماّ: "مآل كلّ حدٍّ أقصى: أن ينتج ضدّه.
الدكتور سامان سوراني

69
كوردستان بين ضرورة التحديث و إيقاع الحداثة
بما أن الحداثة أمر مختلف كلیاً عن التحدیث، لأن الأخیر هو نوع من الأخذ بالتطور العلمي والتقني وتفعیل البنیة التحتیة للمجتمع حسب الأفكار الأساسيّة المرتبطة بالتطور كنقطة إنطلاق في جوانب الحیاة العمرانیة المختلفة وفي أنماط الإستهلاك والعیش وأدوات وأسالیب المواصلات والإتصالات وغیرها من المنتجات والمخترعات التي وصل إليها العقل البشري.
بالتأكيد هناك مجتمعات فاعلة تصنع التحدیث ومجتمعات غیر فاعلة تطبق وتنقل وتقلد التحدیث، تبقی قاصرة وتلعب أخیراً دور المستهلِك.
أما فيما يخص الحداثة فنری أنه مختلف عن التحديث بشکل كبير، فهي تهتم بالدرجة الأولی بالجوانب الفلسفية والفكرية والثقافية والسياسية القائمة في المجتمعات ومفاهيمها.
هناك مفاهيم جدیدة في الفلسفة تم تقدیمها من قبل الحداثة، التي شددت على تبني العقلانية وتفعيل العقل وأكدت على العلمانية وأحدثت قفزة فكرية شديدة الأهمية في تاريخ الفكر الإنساني وحققت ثورة سياسية من خلال تبنيها أُسُساً جديدة للدولة الحديثة كمفاهيم الحرية و تسليط الضوء علی مفهوم الفردانیة (الفرد الحر) والمساواة والديمقراطية وإصلاح الخطاب الدیني ونقد التراث و الأفكار العقائدية الجامدة.
وبفضل الحداثة تمكنت المجتمعات من الإنتقال من عصر الزراعة الی عصر الصناعة ومن الفكر الإقطاعي الی الدولة القومية ومن الإستبداد والسلطة المطلقة الی الديمقراطية والديمقراطية الجذرية. إذن التحديث هو نتيجة من نتائج المجتمعات الحديثة وتابع الزامي لها.
الحداثة دخلت الی كوردستان عندما تم صدور أول جریدة كوردستانية في الثاني والعشرين من أبریل عام ١٨٩٨، ماضينا يقودنا الی ما نحن عليه في حاضر هذا العصر المعولم.
في أقليم كوردستان هناك ومنذ سنوات سعي جاد من قبل القيادة الكوردستانية الحکيمة في إدخال الديمقراطية من الباب الأمامي، بغية تأسيس الديمقراطية والتحول والتغير الديمقراطي، اللتان لاتأتيان إلا من خلال إصلاح واع و جريء.
هناك بوادر لإحترام التميز الفردي وفضاء إيجابي يفسح المجال للإبداع والإبتكار و يكافئ و يقدر المتفوق لتحقيق ذاته.
إن إعطاء هذا الحق الأخلاقي الطبيعي للمواطن الكوردستاني في تحقيق ذاته هو الأساس الناجح والصحيح لنظام یعمل بعقلية الحکم الرشيد. وحب الشعب الكوردستاني لقياداتها السياسية الفاعلة يزداد بإزدياد قدرة القيادات علی تحمل المسؤوليات و إشراك الشعب معها في إدارة الأزمات.
لقد تمكن السید نيجيرفان بارزاني بسياسته الحكيمة المتوازنة، أن يؤدي دور رئيسي في نهضة الإقلیم من خلال بناء الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي المساهم في الإعمار والبناء وأثبت کرجل دولة ولمرات عدیدة قدرته علی إدارة الإختلاف والتنوع بعقلية الحوار والإستيعاب وبإشتغاله علی المعطی الوجودي بكل أبعاده من أجل تحويله الی أعمال وإنجازات.
نحن نعرف بأن الحوار بالعنف هو عجز عن استخدام لغة العقل والمنطق. أما الحوار المتبادل بين مختلف الفئات والأفكار والاتجاهات بشكل موضوعي يستمع فيه الجميع إلى الآخرين بوضوح وتفهّم فأنه يمكن أن يؤدي بالنتيجة إلى إيجاد قنوات مشتركة تحقق التفاعل الاجتماعي الحيوي وترسم معالم الإصلاح والتحديث بشكل طبيعي مستمر على ملامح الشعب الكوردستاني، وتنشئ أسساً متجذرة من التماسك والتلاحم والوحدة.
هناك ضرورة ملحة للتحدیث والعصرنة في المجتمع الكوردستاني، لأن إستمرار وجود البنيات التحتية القديمة وعدم تطورها وتكاملها مع التغييرات العالمية المتصاعدة تصبح أساس للتخلف المتجذر في قواعد الفكر والعمل.
فالتحدیث مابعد الحداثة تساعدنا علی أن لا تُنتزع منّا أسس الأصالة والثبات في المبادیء الأساسية للثقافة الكوردستانیة وأن لا ندخل في متاهات العصر المتقدم ونضيع في دوامات الانخراط في مظاهر الحضارة الحديثة.
أن ثورة الاتصال والمعلوماتية بفضائها المفتوح في كل الاتجاهات إخترقت كل خصوصيات المجتمع و ايقاع العصرنة يتسارع في كل جوانب الحياة. أما التحديث فلا يتم إلا عبر إصلاح العقول التي صدئت من انغلاقها على نفسها، ورفضت الانفتاح على الآخرين.
ولكي نتمکن من التغلب علی صعوبات العصرنة، علینا أن نحدد العصرنة السياسية و نشجع، كما يعتقد العالم السياسي الأمريكي و منظّر "صدام الحضارات"، صاموئیل هنتنغتون، الإصلاح الإجتماعي والسياسي في نشاط الدولة، بمعنی تغيير القيم وأنماط السلوك التقليدية وتوسيع نطاق الولاء ليصل ولاءنا الی الأمة الكوردستانية، بعد دفع النخبة الشابة من المثقفين، الذين يمتلكون مقومات التحديث لإعادة الهياکل المؤسسية الی مؤسسات فعالة في الدولة تساهم في ترسيخ الديمقراطية و التعایش السلمي و علمنة الحياة و عقلانية البنی في السلطة.
وختاماً نقول مع الفيلسوف الهولندي باروخ سبینوزا (١٦٣٢-١٦٧٧)، "بقدر مايعيش الناس تحت رعاية العقل، فإنهم يکونون فاعلين، يقومون بالضرورة بما هو خير بالنسبة للطبيعة الإنسانية."
الدکطور سامان سوراني
 



70
كوردستان التعایش السلمي في عید نوروز القومي
من المعلوم بأن الوقائع لایمکن معرفتها تجریبیاً إلا بطریقتین: إما مباشرة إذا لوحظت وهي تحدث، أو بطریقة غیر مباشرة بدراسة الآؤثار التي ترکتها. لکن عندما نری آلیة تعامل شعب كوردستان مع ذاکرته و تراثه و خصوصیته کفسحة للتعبير عن هویته وإثبات وجوده القومي بصدق، أو کرأسمال یحتاج الی الصرف والإستثمار، أو كأفق یساعد علی شق طریق وإفتتاح خط جدید، نزداد إیماناً بقدرة هذا الشعب الحيّ علی تجاوز و مواجهة التحدیات والصعاب و هو یقدّس شعاع الأمل في إنجلاء الظلم و بزوغ فجر الحریة.
نوروز هو الیوم الجدید لدی الشعب الكوردستاني، یحمل في أعماقه إنقلاب طبیعي في الطقس، إذ یعلن نهاية فصل الشتاء وبداية الدخول الى فصل الربيع، لذا یمكن أعتباره دلیل علی تجدد الحیاة و إستمراها.
نوروز هو شأن من شؤون الكورد و جانب مهم في تاریخ ثقافته المتوارثة وسمة من أبرز سمات تراثه العریق وقلما نجد حضارة تواصل فیها عنصر من عناصر تراثها كما تواصل نوروز في تاریخ الكورد علی طول ما مرت من حقب موغلة في القدم، فهو جزء من الحیاة الداخلیة لکل فرد كوردستاني، ینفجر من صمیمه ویعبر به عن إشکالات حیاته و معاناته المتجسدة في الظلم والإضطهاد.
أما إقلیم كوردستان، الذي یحتفل الیوم عید نوروز، فقد أصبح بفضل قیادته الحکیمة نموذج یحتذی به في المنطقة، خاصة عندما یتم الحدیث عن التعایش المشترك و حسن الجوار الإنساني.
القائد مسعود بارزاني الذي تنبأ بنتائج أعمال شعبه وإنتصارات مقاتلیه علی داعش، أعداء الإنسانیة من الإرهابیین، بذر بمناسبة عید نوروز مرة أخری في الشعب الكوردستاني بذور ثقافة النظر إلى الواقع كما هو بالفعل، کما بذر فیە بذور ثقافة العمل على تحسين الواقع الكوردستاني من خلال الوقوف دوماً في صف الوطن وهو الذي أكد مرة أخری وبمناسبة عید نوروز علی مبدأ التسامح الإنساني والأخلاقي، لیشكل حجر الأساس لمبادئ الديمقراطية الدستورية المستقبلية وحفّز الحوار الثقافي المتحضر بين الطوائف والقوميات والاديان المختلفة وعزّز بسیاسته الحکیمة فلسفة التعایش السلمي کصناعة مفهومية في كوردستان، هذه الثقافة هي التي أخرج الإقلیم  ولحسن الحظ من الأزمة التي مرّ بها في فترة حملات داعش الإرهابیة و ما بعدها من حملات شوفینیة و جعل هذا الشعب یتواصل و یسعی الی إبتکار أفکار جدیدة في العمل، یعتمد علیها کي یتحقق التنمیة المنشودة و كي لا تتوقف عجلة التطور الذي یشهده الإقلیم الیوم.
نحن نعرف بأن الديمقراطية عملية وصيرورة تراكمية، تنمو مع الزمن و عبر النضال الدٶوب للمجتمعات وأن النهضة والتنوير  تعتبران من الضروریات لخلق الفضاءات الديمقراطية، التي هي مطلب إنساني تحتاج بنية تحتية كخطوة أولی لتسد وتشبع الإحتياجات الأساسية لأفراد المجتمع.
إقلیم كوردستان هو جزء من قريتنا الكونية الصغيرة التي نعیش فیها، فهناك ترابط وتشابك بين مصالح المجتمعات الإقتصادية والثقافية لافكاك بینها، وهذا بدوره يساعد في تنامي وتطور الوعي السياسي والإجتماعي للوقوف ضد کل نظام لایحترم التعددية وحق الاختلاف والتداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير والتطلع الی حياة أفضل.
نوروز هو سنّة من سُنن الحیاة، یعني بالنسبة للكورد النضال المستمر من أجل التخلص من الإضطهاد و القيم التقليدية الموروثة، التي تبقی دوماً حجر عثرة أمام التطور والتغيير.
إن الإنتماء للوطن هو من أهم القيم الواجب غرسها من قبل المٶسسات التربوية في نفوس الناشئة والضروري تنمیتها لدی كل فرد كوردستاني.
فالهویة الكوردستانیة التي تبلورت و تحولت بسببها اللغة والثقافة الكوردستانية الی لغة وثقافة حية وهنا یجب أن نذکر، بأن الفضل عائد الی السياسة الحكيمة للقيادة الكوردستانية المعتصمة بقيم الديمقراطية والمٶمنة بالتعایش السلمي بین المکونات و الأدیان.
وختاماً، لنصنع واقعنا الكوردستاني و نحضر في زمننا بشكل فعال و مزدهر، كي نحسن الإفادة من ماضینا و تاریخنا و نحسن إستقبال الآتي من الزمان.
 الدکتور سامان سوراني


71
تعالیم بارزاني الخالد تزرع حب الوطن وحب الإنسانیة
تمر اليوم ذكرى رحیل الجنرال ملا مصطفی بارزاني، رائد و مؤسس مدرسة الكوردایتي، الذي جعل من الجبل صدیقاً لە و رسخ حیاته في سبیل حقوق شعبه و قارع بشکل میداني لأكثر من نصف قرن الظلم والإضطهاد التي مورست بحق شعبه وأمته الكوردستانية والإنسانية.
بارزاني الخالد کان صاحب فلسفة إنسانیة مبنیة علی الإیمان بالأخوة الإنسانیة، ینظر الی الإنسان کغایة في حد ذاته و یجعله بؤرة الإهتمام، بغض النظر الی إعتبارات أخری تتعلق بالجنس والدین أو النسب.
وفي غمرة نضاله کان دوماً یهدف بشكل عملي الی نشر مبادیء المحبة والسلام بین البشر، متفانیاً في الدعوة الی المثل العلیا والأخوة، معتبراً حبّ الوطن عقيدة، وإنتماء، وبوتقة عطاء، وتضحية، وفداء، وعلم، وإعتزاز بتراث وتاریخ.
نضال هذا القائد التاریخي المليء بتعالیم في الحب و الوطنیة و التسامح و المساواة و إحترام الغیر والمساواة والسعي في سبیل الحصول علی المعرفة، من أجل النهوض بالوطن و إیصاله الی المراتب العلیا في الرقي والتطور و حمایة بیئته، صار نهجاً ينير به درب الاجيال الى يومنا هذا.
لقد ساهم بارزاني الخالد في بلورة الوعي القومي لدى الشعب الكوردستاني في الأجزاء الكردستانية الأخری و تمکن بمشارکته الفعالة في ثورات الكورد ضد الطغاة الظالمین من تسطیر ملاحم بطولیة، لإعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة.
أما مسیرته التاریخیة بعد إجتیازه صفوف جیوش جرارة لثلاث دول وعبوره نهر آراس الی آذربیجان السوفیتیة مع خیرة من الشبیبة البارزانیین بعد القضاء علی جمهوریة مهاباد الفتیة عام ١٩٤٧، حیث کان هو القائد الأعلى لجيش هذه الجمهوریة، فهي ملحمة یجب أن تدون في کتب التاریخ البطولي لهذا الشعب. 

لقد کان هذا القائد الخالد طوال عمره پیشمرگة، عهد علی نفسه بأن ﻳﻜﻮﻥ ﺳﻼ‌حه ﻭﺫﺧﻴﺮته ﺍﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ﻭﺳﺎﺩة ﻭﻓﺮﺍﺵ ﻧﻮمه ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺑﻘﻴﺖ وطنه ﻣﺤﺘﻠﺔ، لکنه کان یؤکد دوماً بأن السلام هو الطريق وأن العنف هو من صنع البشر، هكذا حقق من الانجازات الكبيرة لكوردستان مالم يستطع غيره تحقيقها، إذن کل هذا جعل منه رمزاً یقترن الیوم إسمه بالكوردستاني والكوردستاني بأسمه، حیث صار هو رابط من خلاله تعرفت شعوب العالم علی نضال و تضحیات شعبه في کافة أجزاء كوردستان.
و بسبب نهجه المتسامح في میادین كثیرة تمكن أن یفرض فلسفة حبه للوطن والإنسانیة علی أقوام خارج جغرافیة كوردستان و هم لیسوا من بني جلدته.
الیوم یجني الكوردستانیین ثمار هذا النهج الصادق في إیصال شیفرات الدبلوماسیة الكوردستانیة الی المحافل الدولیة، کل هذا جعل حق تقریر مصیر هذا الشعب یتداول علی طاولة القوی والدول العظمی.
وختاماً نقول: القيادة الناجحة تتطلب إذن أشخاصاً ذوي مواهب نادرة تجعلهم صالحين للقيادة، لا یدعون بأنهم ینقذون البشریة ولا یعتبرون نفسهم أفضل من بقیة الكائنات، بل یعیشون وسط الطبیعة بوصفه جزءاً من موجوداتها.
"ومن لا یصنع واقعه و لایحضر في زمنه، الحضور الفعال والمزدهر، لایحسن الإفادة من ماضیه، کما لا یحسن إستقبال آتیه".
الدکتور سامان سوراني

72
منطق الكشف و مستقبل الدولة الفاشلة
لقد عانی العلاقات الدولية في دول الشرق الأوسط من سمة عدم التوازن وقلة الاستقلالية لأنها لا زالت متأثرة بالسياسة الخارجية للدول العظمى. ومن المؤكد هناك عوامل تاریخیة مهمة ساهمت في ترسیم نمط العلاقات الدولية لدول الشرق الأوسط، لا مجال لذکرها هنا، لکن عندما تفشل الدولة في القیام بوظائفها الأساسیة، منها السیطرة و تطبیق أسس الحکم علی كافة أراضیها و إستغلال الموارد الطبیعیة والبشریة والمادیة بشكل یحمي مصلحتها القومیة و منها عدم إتاحة الفرصة للدول الأخری من السیطرة علیها و نهب خیراتها و مواردها والتحكم في شؤونها الداخلیة والخارجیة، یطبق علیها مصطلح الدولة الفاشلة(Failed State).
هذا المصطلح جدید الی حد ما، حیث تم أستخدمە للمرة الأولى في عهد الرئيس الاميركي، بيل كلينتون، حیث نُعت به الدول التي فشلت في القيام بوظائفها الأساسية، مما جعلها تشكل خطراً على الأمن والسلام العالميين، مثل أفغانستان في عهد طالبان.
هناك في الشرق الأوسط تحولات مهمة تدخل مفاهیم و نظریات جدیدة علی مستوی التحلیل و تهيء أرضیة بروز فواعل و ظواهر سیاسیة جدیدة علی مستوی الممارسة، لکنها لا تستطیع أن تؤثر  في البنية الهيكلية للنظام الدولي.
من المعلوم بأن الدولة الفعالة تنفتح علی الخارج، بقدر ما تنفتح في الداخل علی المجتمع والكيانات المختلفة
یقول أستاذ العلوم السیاسیة الأمریکي صاحب مصطلحي القوة الناعمة والقوة الذكية، جوزيف صموئيل ناي، "إن انتقال القوة من دولة مهيمنة إلى دولة أخرى هو واقعة تاريخية مألوفة، ولكن انتشار القوة هو عملية أكثر جدة. وتتمثل مشكلة الدول كافة فى عصر المعلومات العولمي الحاضر في أن أكثر الأشياء تحدث خارج نطاق سيطرة الدول حتى أقواها."
ففي زمن ثورة المعلومات والعصر الرقمي نری بأن الدولة الفاشلة لایرهن علی تصالح الحكومة مع الشعب من خلال بناء دولة القانون والمؤسسات والشفافية والتنمية، وإقامة قواعد إنتاجية حقيقية وإستخدام الموارد لصالح جمیع طبقات المجتمع، عبر خطط تنمویة و برامج عدالة إجتماعية يستفيد منها كل فرد، و لا یسعی بشكل جاد في التمسك بمقومات الهویة الجامعة، من لغة ودين وتاريخ وحضارة ولا یستخدم القوة الكامنة في كل هذه المقومات الناعمة لتقوية المجتمع ومؤسساتها وسياساتها.
بدلاً عن هذا تنظر الدولة الفاشلة دوماً الی الکیانات الداخلیة و الإقلیمیة و دول الجوار كأعداء و منافسین لا کأشقاء و حلفاء طبیعیین و هذا یؤدي بدوره الی دفع حرکات أو قوی وطنیة للعمل علی هدم بنیانها لغرض تولي موقع المسؤولیة و إعادة بناء الدولة على أسس جديدة.
من صفات الدولة الفاشلة، أنها لاتستطیع لوحدها السیطرة علی حدودها، بل تعتمد على المساعدات التي تأتيها من المجموعة الدولية و لسبب ضعفها تتحول أرضها الی ملاذات آمنة للجماعات الإرهابية و العوامل اللادولتیة الأخری التي تضر بالسیادة.
التطورات والسیناریوهات في الشرق الأوسط لها تأثیرات كبیرة في العالم و في البیئة السیاسیة والإقتصادیة والأمنیة العالمیة. وقد تستمر الفوضی واللاإستقرار إذا ما لم تسعی القوى الدولية في العمل على التغلُّب على صراعاتها مع دول المنطقة وعلى الصراعات بين هذه الدول وبعضها البعض، وعلى الصراعات داخل هذه الدول.
بالطبع لایمکن الوصول الی مصالحات وطنية حقيقية بناءة وشاملة إذا ما لم یتم التوافق حول صيغ تشمل جميع أطراف الصراع السياسي لإیقاف الإعتداءات والتدمیر المتبادل و نزع فتیل الحرب و التشدد في مواقف الأطراف المتنازعة و بناء الثقة بینهم وإعطاء المصالحة طابعاً مجتمعياً يمهد الطريق أمام إجراءات المصالحة التقليدية، عبر عملية تفاوض وتوافق حول عناصر العدالة، وإجراء إصلاحات مؤسساتیة والعمل علی تطوير علاقات أكثر تجانساً وإعداد بيئة حاضنة للمراجعة الدقیقة والتفكير الخلاق في صياغة علاقة إيجابية أبعد.
القوة هي القدرة على تحقيق النتائج التى نريدها و أن عدم القدرة على تجاوز سلبيات الماضي و عدم الإتفاق حول المصالح الوطنیة العلیا تجعل من التعايش بين الأطراف المتنازعة حالة هدنة مؤقتة غير قابلة للصمود. أما إذا کانت للنزاعات الداخلیة إمتدادات خارجیة فستبقی مسألة التعایش بین الأطراف دوماً محل تهدید. لذا یجب أن تکون لقضیة المصالحة ظهیر أو قناعة مجتمعیة و شعبیة یضمن تطبیق قضیة المصالحة و یحفظ دیمومتها. 
لا تنفع الدولة الفاشلة إستخدام النماذج السياسية المستهلكة والبعيدة عن الشعور الإنساني العميق، المدرك لحكم المأساة وطبيعة الحياة وثقافة الحوار والتعددية والتعايش وقبول الآخر المختلف ولا تنفعها النماذج القائمة علی فلسفة الاقصاء والتهميش وحرب الآخر والداعمة لهواجس وحسابات الربح والخسارة.
إن الذين يتصدرون واجهة الدفاع عن طوائفهم ومذاهبهم ومعسكراتهم بالأفكار السائدة والأنظمة المتحكمة والشعارات الخاوية والمقولات المستهلكة لا يستطيعون القيام بمهام قضية العيش المشترك وبناء الدولة الناجحة والحکم الرشید.
منطق الكشف العلمي يثبت لنا بأن حل المشكلات يخلق مشكلات جديدة ومعالجة الأزمات تولد المزيد من التعقيد والتأزم، لذا نقول للعقول السياسية في الدولة الفاشلة، من أراد النجاح للديمقراطية وتجربة العیش المشترك، عليه أن لا يتعامل مع الحقائق والوقائع علی سبيل التبسيط والتهوين أو التهويل والتضليل أو التلفيق والتزييف وعلیه نبذ الشعارات الخاوية والدعوات المستحيلة والاستراتيجيات القاتلة وعليه أيضاً إستخدام أطر وأدوات في النظر والعمل البعيدة عن مذهب القصر والإستهلاك والعقم وهنا يكمن سر النجاح. 
الطرف الذي ينهض بالعیش المشترك هو من يخلع عباءته الأيديولوجية المقدسة بثوراتها ومقاوماتها وإنقلاباتها وأحزابها وهو من يحسن الإشتغال علی خصوصيته وتحويل هويته للإنخراط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل، علی نحو سلمي تبادلي في أطر وطنية أو اقليمية أو عالمية، ولنا في إقليم كوردستان وحكومته اليانعة نموذج إيجابي نشيط في بناء مجتمع ديمقراطي سلمي التوجه مزدهر بإنجازاته العمرانية والحضارية.
وختاماً يقول الفيلسوف الإنكليزي النمساوي المولد كارل بوبر (1902-1994): "نحن نعرف بأنه لا يمكن أن يكون لحجة منطقية تأثيرٌ منطقيٌّ على من لا يريد أن يتبنى أسلوباّ منطقياً."
الدکتور سامان سوراني

73
أهمیة تعاليم الرئيس مسعود بارزاني في مكافحة فكر التطرف والإرهاب
في کتابه المنشور عام ١٩٤٥ تحت عنوان "المجتمع المفتوح وأعداؤه" یشیر الفیلسوف الأبرز في فلسفة العلم، النمساوي المولد، البریطاني الجنسیة، کارل رایموند بوبر (١٩٠٢-١٩٩٤)، الی نبذ العنف و الاستبداد وضرورة سيادة الحوار العقلاني عبر ما أسماه بـ"المجتمع المفتوح"، ذلك المجتمع الذي يفسح المجال لحرية التعبير والنشوء والتغيير الديمقراطي السلمي لغرض النزوع إلى تحقيق ما هو إنساني ومعقول، وتحقيق المساواة والحرية.
لقد لعب الرئیس مسعود بارزاني کرجل دولة و قائد لقوات البیشمرگة البطلة دوراً رئیساً و محوریاً في مکافحة فکر التطرف و قتال المتطرفين الإرهابیین و إیقاف المدّ الداعشي في المناطق الكوردستانیة و من ثم دحره و الإنتصار علیه.
إن جهوده المستمرة في نسج العلاقات في المنطقة بعقلية السلم والشراكة ولغة التسوية و ثقافة التعدد والتنوع، علی نحو فتح آفاق الحوار والتعاون والتضامن علی سبيل النفع المتبادل و الإثراء المتبادل، جعل منه مرجعاً لاغنی عنه في قیادة إقلیم کوردستان و تَثْبيت الأمن و الحکم الرشید. 
لقد حاول تنظیم داعش مرات عدیدة اغتیال هذا القائد الشهم عن طریق القصف والمفخخات خلال إشرافه على الهجوم لتحریر مدینة سنجار الجریحة أو خلال تواجده شبه المستمر في جبهات القتال مع قوات البیشمرگة في معاركها ضد التنظیم الإرهابي، جمیع تلك المحاولات الجبانة  من قبل أعداء البشریة للوصول الی النسر، أبن الجبل، باءت بالفشل.
لقد تمکنت قوات البیشمرگة الباسلة بقیادة الرئیس مسعود بارزاني أن تثبت للعالم بأن الكورد هم الجبهة الصلبة و الحصن المنيع في مواجهة الارهاب و التنظيمات الوحشية و قوى الظلام. هكذا حصل اقلیم كوردستان علی مکانة متمیزة في الشرق الأوسط وصار له ثقل كبير  في المعادلات السياسية .
مع هذا یؤمن الرئیس بارزاني بأن دحر هؤلاء الإرهابیین والإنتصار علیهم عسکریاً فقط لا یكفي ، لذا نراه یدعوا في أكثر من مناسبة الی تعبئة كافة القوى الحية في البلاد من أجل محاربة الأفکار المتطرفة ونقصد بالقوة الحية العلماء والكتاب والصحافة ووسائل الاعلام وقادة الراي. فبتضافر جهود الجميع یمکن إرجاع الفكر الإرهابي الى الوراء ليحل محله الفكر الواعي المتزن. فالسلم في نظره مرتبط بسعادة الجماعة الراهنة التي تبحث عن العيش في سلام، أما الحرب والعنف والتطرف فهي سلوك يعكس ضعف الإنسان في ضبط تعامله وانفعالاته و من الممكن أن تكون الحرب ضرورة حتمية لكنها تبقی حتمية محزنة تبرز ضعف ديناميكية الفكر الإنساني و قصور عقله.
إن مكافحة الإرهاب لا تجدي بأن نردد أقوالاً حول العقول المغلقة، أو تقديس التراث، فيما نحن نتمسك بجذر المشكلة و نمانع من كشف الغطاء عن الداء، كما يتجسم في النصوص والأوامر والأحكام والفرائض التي نعتبرها منزّلة أو مقدّسة أو نهائية.
إن التمسك بنصوص و أحكام من غير معرفة مدی تداعياتها و مفاعيلها السلبية أو المدمرة هو أساس المشكلة ولايمكن وصفها بالحل. فالأصوليات الدينية هدفها التقويض أو تخريب العمران، لأنها لا تقدر على إصلاح أو تحسين بناء.
أما الإرهاب فأنه يبدأ من الفكر، وعندما يغيب العقل ينمو الإرهاب ويتكاثر، لکن عن طریق إشاعة الديمقراطية الحقيقية وصيانة الحقوق والحريات العامة واحترام الرأي الآخر والعمل علی محو مفاهيم الاستبداد في المجتمع یمکن للمجتمع الخلّاق أزالة الآثار النفسیة للإرهاب.
الرئیس مسعود بارزاني عمل دوماً علی ترسیخ فلسفة التعایش السلمي بین القومیات والطوائف و تثبیت مفهوم الوسطية واشاعة ثقافة الاختلاف و الحوار، إنه سلوك حضاري.
القيم المشتركة هي نقطة محورية لبناء التعايش و مآل كلّ حدٍّ أقصى: أن ينتج ضدّه.
الدکتور سامان سوراني

74
الرئیس مسعود بارزاني و صیاغة نظریة التعایش السلمي في كركوك
یقال بأن الأحداث تخلق وقائع جديدة على الأرض، تخلط الأوراق وتغير قواعد اللعبة، فيخسر فيها لاعب ويفوز آخر. على هذا النحو يمكن قراءة التغییرات التي طرأت علی مسار و مصیر مدینة كركوك بعد أحداث السادس عشر من أکتوبر عام ٢٠١٧ وعودة إقلیم كوردستان مرة أخری للعب دوره علی المستوی العراقي والإقلیمي، بعد أن تراجع هذا الدور لمدة محدودة في فترة مابعد الإستفتاء من أجل الإستقلال.
وما زیارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الی أربیل عاصمة إقلیم كوردستان في التاسع من كانون الثاني عام ٢٠١٩ و لقاءه بفخامة الرئیس مسعود بارزاني و المرشحین لرئاسة الإقلیم والحکومة السیدان نیجرفان بارزاني و مسرور بارزاني، إلا تأکید على أهمية ومكانة إقليم كوردستان بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية و دوره الفعّال في المعادلات السیاسیة في الشرق الأوسط.
لقد عملت أطراف محلیة و إقلیمیة بشكل منظم علی مشروع تأجیج الصراع القومي والدیني في كركوك والمناطق الكوردستانیة خارج إدارة الإقلیم و قامت بتهدید التجربة الدیمقراطیة لحکومة إقلیم کوردستان والنیل من تطلعات شعبە لحمایة الأمن و الإستقرار وبالأخص تطلعات الحزب الدیمقراطي الكوردستاني الساعي علی إبقاء هذه المدینة الكوردستانیة كنموذج للتعایش السلمي الأخوي المشترك بین المکونات القومیة والدینیة.
للرئیس مسعود بارزاني دور رئیسي و مؤثر في تقلیل الضغوطات السیاسیة والإقتصادیة الممنهجة التي مورست من قبل جهات خارجیة و داخلیة علی شعب و حکومة إقلیم کوردستان، حیث تمكن بثباته و عزمه و حکمته و دبلوماسیته كمحرك أصلي للتعایش السلمي في كركوك إبطال خُطط من فكّر بشكل مقلوب وحسِب العجز معجزة و المشکلة حلاً.
وكان لموقفه الرافض للواقع العسکرتاري المفروض في كركوك و المناطق الكوردستانیة الواقعة خارج إدارة الإقلیم  وتأكیده المستمر علی عدم التنازل عن كوردستانية كركوك  المحسومة من النواحي التاريخية والجغرافية أثر كبیر علی تفنید الرؤیة الإسترجاعية للحکومات المتتالیة في بغداد، التي تعمدت عن سبق إصرار في تنفيذ المادة 140 من الدستور المتعلقة بالحل السلمي لقضية كركوك والمناطق الكوردستانية الأخری الخارجة عن إدارة إقليم كوردستان.
نحن نعلم بأن النظام السابق في العراق مارس أعنف أنواع العمليات الوحشية و الإبادة الجماعية ضد شعب كوردستان لکنه لم يتمكن من التقليل من إرادتها في الحرية والإستقلال، لذا نقول للجهات التي لم تستفد بعد من دروس الماضي والتي ترید أن تمارس الترويج لجحيم الآلة العسكرية، بأنه مع كل محاولة يائسة للنيل من شعب كوردستان يزداد إيمان الكوردستانيين في تلك المناطق بكوردستانية مدنهم و أقضيتهم و سوف يستمرون في الحوار كقاعدة للعيش و يستخدمون كافة الوسائل السلمية لإسترجاع حقوقهم المهضومة، بعد إدانتهم لكل فکر شوفیني میلیشیاوي  إستعلائي، تروّج ثقافات تراجعیة فاشلة وأساطیر السردیات الکبری، التي ستؤول الى الإنتهاء قريباً بفعل نظام عالمي جدید، تدعمه القوی الديمقراطية.
إن التأکید المستمر للرئیس مسعود بارزاني علی أهمیة السلام والتعایش السلمي و ضرورة تفعیل الهوية الكوردستانية لكركوك كوعاء وطني كبير يعترف ويوثق ويستوعب كل الطوائف ومكونات هذه المدینة  هو من أجل خلق كيان كبير وقوي يمثل الجميع ولايقصي أو يلغي أحداً، بل يقويه وينميه داخل الإطار الوطني العام الذي يقوي كل مكوناته ويهدف الی صنع نقطة تلاق وارتكاز وانطلاق واحدة للمجتمع لينطلق منها لتحقيق أهدافه العليا.
لتکن هذه الهویة التي ینظّر لها الرئیس مسعود بارزاني و یصوّغُه بأقواله و أفعاله دستور ضمني غير مكتوب وغير معلن تتشكل من اللغة والتراث التاريخي للمجتمع الكوردستاني ومن القيم الحاكمة له بالإضافة الی رٶیته وأهدافه المستقبلية المستندة الی القيم الإنسانية العالمية ، كالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة، التي تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي وتصون الحريات الخاصة والعامة و تضمن الأمن والاستقرار المجتمعي، الذي یعد أحد أهم العوامل التي ساعدت على تطور الانسان على مر العصور.
لا جدوی بعد الآن من التشبث والإحتماء بالهويات المسيّجة و السيادات المصطنعة، إذا كانت تفضي الی تقويض معاني الآصرة والرابط بين النظراء والشركاء و الأجدی هو ما يسهم في بناء علاقات التعايش والتواصل أو التعلم والإفادة علی سبيل التداول والتبادل.
ختاماً نقول، نعم للحوار و الشراكة الحقیقیة في سبیل التعایش الأخوي و لا للسعي إلی نفي الآخر و محو خصوصيته.
لنعمل جمیعاً لهذه المدينة الكوردستانية المتآخية حتی وإذا أصرَّ الآخرون علی هدمها.
الدکتور سامان سوراني


75
الرئیسان نجیرفان بارزاني و مسرور بارزاني و مشروع تنمیة ثقافة السلام
بما أن نمط الوجود وأساليب العيش قد تبدّل في هذا العصر بقدر ما تغیّر نظام العالم و منطق الأشیاء نری الرئیسان القادمان نجیرفان بارزاني یعملان بكل جدیة و حزم علی مشروع تنمیة ثقافة السلام. فهما لایریدان للبیت الكوردستاني أن یكون محاطاً بالاسوار ولا أن تكون نوافذه مغلقة ، بل یریدان أن تهب على هذا البیت الآمن و المليء بثقافة التسامح و التعایش السلمي بین القومیات والأدیان المختلفة، ثقافات كل الامم.
مصدر هذا النمط الفکريّ الراسخ لدی الرئیسان نابع من الإیمان العمیق للرئیس المناضل مسعود بارزاني بأن السلام هو الطريق وأن العنف هو من صنع البشر. الرئیس مسعود بارزاني أكد دوماً في خطبه ومناقشاته العلنية بأننا قادرين على تفكيك هذا القضاء، لإعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة.
إذن إنهما یسیران علی خطی ونهج القائد الحکیم الرئیس مسعود بارزاني، الحریص على أرتقاء كوردستان وإعلاء قيم الانتماء والولاء لە ورفع رايته في كل المحافل رمزاً للحكمة والسلام والخير والعطاء.
إن هذه القناعة هي إستراتيجية عمل وسياسة لحل النزاعات، لأن من يستطيع التفكير بعقل تداولي يكون قادر علی أن يتغير لكي يسهم في تغيير سواه علی نحو مثمر وخلاق.
إن مبادرات كل من الرئیسین الجدیدین من خلال تواصلهم المستمر حوؔلت لغة العنف السياسي في كوردستان الی لغة إنسانية للحوار. فاللاَّعنف كما هو معلوم يقوِّض جدران الكراهية ويمدُّ جسور السلام والمحبة.
واللاعنف هو أفضل وأسمى بما لا يُقاس من العنف لأنه يتطلب شجاعة كبيرة واحتراماً للخصم والنصر الناتج عن العنف، كما يقول الزعيم الروحي للهند، مهاتما غاندي، هو مساوي للهزيمة ، إذ انه سريع الانقضاء.
أن السلام الداخلي الكوردستاني اليوم ليس بحاجة الی إثبات وتأكيد لأنه يرتكز على معادلة طبيعية عناصرها واضحة وجلية، تكمن أولاً في الأسلوب الجدید للقیادیین الشابین و التي تحمل في مضمونها رسالة قومية لنثر المحبة بين افراد الشعب وتشيع التفاهم مع محيطنا الإقليمي ومخاطبة العالم بلغة انسانية بليغة.
هذه المعادلة سوف تخلق استقرار سياسي متین، بفضلها یتمكن إقليم كوردستان أن يواجه التحديات التي من الممكن أن تفرزها شبكة العلاقات الاقليمية المعقدة في منطقتنا.
وتحت هذه المظلة من الاستقرار السياسي والقدرة على اتخاذ القرارات السياسية الحكيمة سوف تقدم القيادة السياسية الجدیدة في إقليم كوردستان الدعم السياسي اللامحدود لإنجاح عملية السلام في العراق والمنطقة، تلك العملیة التي تأخذ في السنوات القادمة بعداً إقليمياً  ودولياً.
السلام الداخلي في الإقليم یخلق لشعب كوردستان أجواء مليئة بالأمن والإستقرار ، من خلالها یستطیع الإقلیم أن  يكون فاعلاً وحيوياً في مسيرة البناء والتنمية على مختلف الصعد ویحافظ على الوحدة الوطنية الكوردستانية.
کلنا أمل أن تتشكل الحکومة الجدیدة لأقلیم كوردستان تحت قیادة الرئیسین الجدیدین في بدایة العام القادم، ٢٠١٩، فبمثابرتهم یمکن أن یصنع الأقلیم أعمال عظیمة تخدم الشعب الكوردستاني و الإنسانیة جمعاء.
والجغرافية السياسية للشرق الأوسط تقف اليوم الی جانب الكوردستانيين و إن إقليم كوردستان من الناحية الأمنية هو بالتأکید القطب الهادیء في المنطقة.
ما نلمسه اليوم، هو السعي الدؤوب للرئیسین نیجیرفان بارزاني و مسرور بارزاني من أجل تشكيل حقل معرفي لتنمیة ثقافة السلام، تتحول معه الأزمات والمآزق الي مواضيع للدرس والتحليل أو التشريح والتفكيك و ذلك لتقوية أسس فلسفة السلم ومذهب اللاعنف، فنری تلقيح العناوين والمفاهيم والقيم القديمة والحديثة بعناصر و مقاصد و أبعاد جديدة، علی سبيل التطوير والتجديد أو الإغناء والتوسع، سواء تعلق الأمر بالأدارة والديمقراطية أو بالحرية والعدالة أو بالتنمية والعولمة.
الدکتور سامان سوراني

76
الرئیس مسعود بارزاني وخلق فرصة جدیدة لضمان مستقبل أفضل لإقلیم كوردستان
التاریخ یشهد بأن لکل زمان أسالیبه ولكل عصر أفکارە ولكن في النهایة تبقی المصلحة القومیة هي الأسمی.
أما القيادة الناجحة فتتطلب أشخاصاً ذوي مواهب نادرة تجعلهم صالحين للقيادة، لا یدعون بأنهم ینقذون البشریة ولا یعتبرون نفسهم أفضل من بقیة الكائنات، بل یعیشون وسط الطبیعة بوصفه جزءاً من موجوداتها.
إن ما یقوم به الرئیس مسعود بارزاني وبالذات في هذه الفترة الحسّاسة من نشاطات سیاسیة و دبلوماسیة لإخراج الإقلیم من قوقعة الماضي نابع من إیمانه العمیق بتواجد شعب كوردستان في دائرة العصر.
وهو كمرجعیة وطنية و سیاسية عمل قبل الإستفتاء من أجل الإستقلال بشكل دؤوب في تهیئة شعبه للمستقبل، التي نعتبرە في حد ذاتها خروجاً من شرنقة الماضي وحلاً لأزمات الحاضر. 
إذا کان التاریخ الكوردستاني حافلاً بموجات الصعود والهبوط، إلا أنه يبقى دائماً تاريخاً متجانساً بين مكونات شعب كوردستان، ذلك الشعب الذي إحتضن و حمی مكونات دینیة مختلفة و بالذات المكون المسیحي و إختار الحوار كأداة لحل مشاکله السیاسیة العالقة مع الطرف الآخر.
إن سیاسة القائد بارزاني تتمحور في أعطاء الأفضلیة للوحدة الكوردستانیة و لسیاسة تحتضن الجمیع و رؤیته للمستقبل قائم علی أُسس متينة من التعايش المشترك وحسن الجوار الإنساني والإحساس بأن وجودنا في هذه البقعة منذ آلاف القرون يُلهمنا بتأكيد معاني التسامح ويعطينا الإحساس العميق بالتجانس البشري، الذي عرفناه عبر التاریخ.
هذه القدرة مكّنه من أن یکون واسع الأفق لیتنبأ بنتائج أعمال شعبه وإنتصارات مقاتلیه علی أعداء الإنسانیة من الإرهابیین.
لقد بذر القائد بارزاني فینا بذور ثقافة النظر إلى الواقع كما هو بالفعل و بذور ثقافة العمل على تحسينه من خلال الوقوف دوماً في صف الوطن.
الرئیس بارزاني أكد غیر مرة علی مبدأ التسامح الإنساني والأخلاقي لیشكل حجر الأساس لمبادئ الديمقراطية الدستورية المستقبلية وحفّز الحوار الثقافي المتحضر بين الطوائف والقوميات والاديان المختلفة وعزّز بسیاسته الحکیمة فلسفة التعایش السلمي کصناعة مفهومية في كوردستان، هذه الثقافة أخرجنا من الأزمة التي مرت بها إقلیم كوردستان في فترة حملات داعش الإرهابیة و ما بعدها من حملات شوفینیة و جعلنا نتواصل و نسعی الی إبتکار أفکار جدیدة في العمل، نعتمد علیها کي تتحقق التنمیة المنشودة و كي لا تتوقف عجلة التطور في الإقلیم.
الیوم أمام إقلیم كوردستان فرصة للاندماج في المعادلات السیاسیة والعلاقات الاقتصادیة في المنطقة و هناك زیارات لوفود رسمیة رفیعة المستوی من الولایات المتحدة الأمریکیة و بلدان أخری أوروبیة الی الإقلیم للبحث والمناقشة حول مواضیع تتعلق بالطاقة والإقتصاد و العمل علی آلیة الإستفادة من الإنفتاح علی العالم الخارجي بصورة مخططة وعلى خطوات، لتحقيق مستقبل أفضل ولضمان الرفاهية لشعب كوردستان.
من حق شعب كوردستان بعد العيش في ثورات معرفية و اكتشاف قيمة الحرية والكرامة أن يسعی في رسم مسارات الحياة، مدركاً بالإنتماء الی الجنس البشري و قيمة مسؤولياته.
إذن، إن المستقبل ليس بعيداً وإننا نكاد نمسك الغد بأيدينا، فلنتحرك في جسارة وذكاء ورؤية واضحة ونظرة متكاملة من أجل فك طلاسم المستقبل وإيجاد الشيفرة الصحيحة التي نقرأ بها الکتاب الرقمي للزمن المقبل.
و ختاماً: "من لا یصنع واقعه و لایحضر في زمنه، الحضور الفعال والمزدهر، لایحسن الإفادة من ماضیه، کما لا یحسن إستقبال آتیه".
الدکتور سامان سوراني





77
نعم نیچیرڤان بارزاني رئیساً لإقلیم كوردستان و مسرور بارزاني رئیساً للحکومة
یقال، لن تنهض أمة أو دولة إلا إذا امتلكت حكومتها وقيادتها ثلاثة أمور (الرؤية والرغبة والقدرة)، و یقال أیضاً، لن تتمكن الحکومات والقیادات من تحقيق تطلعات شعوبها إلا إذا طبقت مبادئ الحكم الرشيد.
والحكم الرشيد الذي ننشده هو حُكم يهدف إلى إقامة العدل الذي لا إستثناء معه والحرية التي لا إزدواجية فيها، أي الوصول الی التنمية المستدامة و سيادة القانون و الإدارة القوية والشرعية و فعالية تطبيق القانون و الشفافیة و مجتمع قابل للتغيير والتطور و بناء التوافق و مشاركة فاعلة والمساءلة و الرؤیة الإستراتیجیة مع إستخدام القوة الناعمة.
في الأعوام الأخيرة وضعت التطورات إقلیم کوردستان بين مناطق تشهد صراعات كبرى في منطقة الشرق الأوسط.
ونظراً لموقعه الجغرافي الحسّاس أضطر الإقلیم خوض حرب ضد داعش، أحدی أكبر التنظیمات الإرهابية في العالم، للدفاع عن أرض و كرامة شعب كوردستان. هذا و قد قام الإقلیم قبل و بعد ذلك بإستيعاب مئات الآلاف من اللاجئين والنازحین من سوريا والعراق إلى جانب المحافظة على علاقاتە مع دول الجوار و العراق، الذي عانی من اضطرابات سياسية داخلية.
وكذلك سعی الإقلیم بفضل حکمة قیادته، المتمثلة بالرئیس مسعود بارزاني، المحافظة على علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية –الحلیف الرئیسي في الحرب ضد داعش– حتى مع الانتقال النوعي للإدارة من باراك أوباما إلى دونالد ترامب.
أما فیما یتعلق بالعلاقات بين أربيل وبغداد، فقد كسرت زیارته الأخیرة في ٢١/١١/٢٠١٨ الحاجز النفسي، بعد التأكید على الموقف الثابت للكوردستانیین الداعي الی السلم والساعي الی العمل علی بدء مرحلة جديدة من العلاقات مع الحكومة العراقية الجديدة لتجاوز المرحلة الصعبة التي شهدتها العلاقات في السابق و القیام بتأسيس إدارة البلاد وفق الإطار الدستوري والشراكة الحقيقية .
الیوم وبعد النظر في المؤثرات الجيوسياسية المؤثرة علی الحسابات السیاسیة الداخلیة والخارجیة و لتفضيل المصالح الحيوية على المصالح الأقل أهمية لضمان الأمان والاستقرار في الإقلیم و دفع المخاطر الاقتصادية المحدقة والمعرقلة لمواصلة نمو وتعافي الاقتصاد الكوردستاني، قررت قیادة الحزب الدیمقراطي الكوردستاني بالإجماع، ترشیح کل من  رئيس الحكومة الحالي نچيرڤان بارزاني لرئاسة إقليم كردستان، ومسرور بارزاني لرئاسة الحكومة الجديدة للإقليم.
وقد أستقبل هذا القرار الصائب علی المستویین الداخلي والخارجي بشكل إیجابي. أما الأوساط السیاسیة و الدبلوماسیة و الإجتماعیة الكوردستانیة منها والعراقیة فقد رحبت بهذه الخطوة الجدیدة.
رغم أن إختیار الأشخاص الذین یفهمون عمل الحکومة و الإقلیم ویحترمون الدستور والقانون أمر مهم، إلّا أن الأهم من ذلك هو إقرار و تفعیل القوانین والمؤسسات للتطابق مع العصر و الزمن الرقمي.
أما مواجهة الفساد والقیام بالإصلاحات، فأنها باتت مطلباً شرعياً لجمیع شعب كوردستان وتحضی بالمساندة القوية من قبل الشعب الكوردستاني وهي ليست ترفاً فكرياً ولا مادة للشعارات أو المزايدات.
من المؤكد بأنه لا مجال لإصلاح سياسي وإداري بمعزل عن إصلاح اجتماعي واقتصادي يسير في خطوط موازية. علیه معالجة المسائل المتعلقة بـكفاءة أجهزة الإدارة العامة من خلال تبسيط الإجراءات وإعادة هيكلة الجهاز الإداري وتطوير منظومة القوانين والتشريعات الإدارية.
نحن علی أتم الثقة بأن المرشحین الأثنین سوف یعملان بوثوق معاً في سبيل الحصول علی درجات جيدة في إمتحانات الديمقراطية والتنمية والعدالة والكرامة، لصنع مستقبل جديد للإقلیم، بحيث تنكسر الصور النمطية السلبية، التي ترسمه أعداءهم و أعداء الديمقراطية لهم.
بتوقعنا تستمر الحکومة المقبلة في استراتيجية المشاركة الخارجية لتجنب أي تبعات قاسية للأزمات الإقليمية على المستوى المحلي و التقلیل من فاعلیة الأذرع الخارجیة المنتشرة في العراق سیاسیاً و دینیاً و میلیشیاویاً والتي تقاتل في سبیل مصالح إقلیمیة و لایهمها عدم الاستقرار والفوضى وإعادة الإهارب الی المنطقة.
إن هذه التحدیات الجسیمة تحتاج الی أشخاص یؤمنون بالمبادیء الكوردستانیة الجلیلة، أصحاب الإرادة القویة والخبرة العمیقة في السیاسة والدبلوماسیة أمثال المرشحین نیچیرڤان بارزاني و مسرور بارزاني لمجابهتها و كذلك تحتاج الی دعم قوي و فاعل من قبل أصدقاء شعب كوردستان لدی الأسرة الدولیة والمجتمع الدولي.
وإیماناً منه یأمل شعب كوردستان في أن يكون فاعل قوي في بناء الحضارة و صناعة المعرفة والحداثة والتقدم، لكي ينخرط و يشارك مع بقية الجماعات و الأمم في رسم مستقبل أفضل للمنطقة.
نأمل من الإدارة الجديدة في إقليم كوردستان أن تعمل علی صنع حیاة سویة و مشتركة و تُحفّز الأفکار الخصبة والأطر الملائمة أو المعالجات الناجحة والتدابیر الفعالة و تكون محوراً داعماً لتعزيز الهوية الكوردستانیة.
الدکتور سامان سوراني




78
الرئیس مسعود بارزاني بین خلق الوسط الجامع و صناعة الحیاة المشتركة
إن أزمة تشکیل الحکومة الراهنة في العراق باتت الشغل الشاغل للناس في المرکز والإقلیم من غیر إستثناء، إذ هي تخلط الأوراق و تخربط الحسابات، بقدر ما تمس المصالح والمصائر في المنطقة.
لا مراء بأن الزیارة الأخیرة للرئیس مسعود بارزاني ، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، علی ما شاع في الأعلام المرئي والمسموع والمقروء، بعد أن أستقبل بحفاوة من قبل رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي و رئیس تحالف الفتح هادي العامري و لقاءه برئيس الوزراء العراقي الجدید عادل عبد المهدي، وعدداً من القادة السياسيين في بغداد والنجف، ينفتح علی خيارين كبيرين لكل منهما ثمنه و ثمراته: الخیار الأول هو بناء قاعدة متینة للحوار کحل للمستقبل بدل الحروب و الخیار الثاني هو تشکیل مرجعیة دیمقراطیة بعیدة عن التفرد بفتح آفاق أمام العمل الحضاري والتنمية البشرية في العراق الفدرالي، تكون أقل كلفةً و وطأةً أو أقل تسلطاً و عنفاً، بل أقل عبثاً و جنوناً. فالسلام هو الأمل و مستقبل الإقلیم والمرکز یکمن في الحوار لا الحروب.
الرئیس مسعود بارزاني، الذي وصف بمهندس كبیر بالسياسة على مستوى المنطقة والعالم، قائد من هذا الزمن یؤمن بالحوار والسلام و یعرف جیداً بأن هذا الزمن هو زمن الحوار والتلاقي و الدعوة للقاء عوضاً عن الإفتراق، لذا نراه یؤكد في جمیع لقاءاته السیاسیة مع القیادات العراقیة المختلفة علی أهمیة العمل المشترك بین جمیع الأطراف من أجل بناء الشراكة و معالجة وإنهاء کافة مشكلات العراق المتراکمة السیاسیة منها والأمنیة والإقتصادیة و الدستوریة و قضایا عالقة بین الإقلیم و بغداد خصوصاً مسألة إدارة المناطق المتنازع عليها، وتحديداً كركوك و یصرّ على ضرورة تواجد النوايا الحسنة لبداية جديدة لعملية سياسية تخدم الجمیع. 
الحوار هو ثمرة إعتراف متبادل خارج أي نوع من أنواع النفي و العمل علی الوحدة یحتاج بلا شك الی الإقرار بالواقع، لمعرفة إدارة الإختلاف و معالجة المشاکل و تدبیر الشؤون.
فالوحدة دوماً بحاجة ماسة الی وسط جامع، فهي لیست معطیً فطریاً أو واقعاً طبیعیاً، بل هي عمل ثقافي مؤسسي یقتضي بذل الجهد بالعمل علی الذات وتحویلها لكي تخرج من الدائرة الضیقة أو القوقعة لاخانقة. وذلك بإجتراح مایحتاج الیه العمل المشترك. فالإتحاد مع الآخر هو من أجل خلق ما هو جامع أو مشترك أو عام یتیح أو یوسع من إمکانات الحوار والمفاوضة والشراكة والمبادلة والتداول والتفاعل علی نحو مثمرٍ وبنّاء في عصر تزداد معها إمکانات التواصل بین الناس.
إن الإعتراف بحق الآخر و بالفيدرالية و الديمقراطية هي لغة العصر و كذلك الحلول لا تقوم علی نفي الواقع. والوسطیة هي لیست غیاباً للموقف والرأي ولا هي جمع علی سبیل التلفیق، بهل هي أداة لصناعة حیاة مشتركة و فضاء واسع لممارسة حریات التفکیر، بقدر ماهي بیئة حضاریة خصبة للتبادل، أو وسط للمحاورة والمداولة و السجالات والمناقشات والمفاوضات الدائمة.
علیه أن نذّکر رئیس الحکومة الجدیدة، الدکتور عادل عبدالمهدي، أنه من یرید أن یقود مشروع وطني في العراق واجب علیه أتباع سياسة المساواة وخدمة الكل، لا استخدام سیاسة التهمیش و إثارة الأحداث و علیه أیضاً مراعاة أسس الشراكة الحقیقیة في صناعة القرار والتوافق والتوازن بين المكونات في العملية السياسية العراقية.
بالتأكید نحن اليوم أمام واقع تتحرك معطياته بوتائر متسارعة، إذ لا يمكن التَّعامل مع الوقائع إلا بوقائع مماثلة.
إنّ الرئیس بارزاني أكد غیر مرةٍ علی مبدأ التّسامح الإنساني والأخلاقي لیشكل حجر الأساس لمبادئ الديمقراطية الدستورية المستقبلية وحفّز الحوار الثقافي المتحضر بين الطوائف والقوميات والاديان المختلفة وعزّز بسیاسته الحکیمة فلسفة التعایش السلمي کصناعة مفهومية في كوردستان، فهو یرید أن ینقل هذه التجربة الكوردستانیة الناجحة الی کافة أرجاء العراق، لأنه یدرك جیداً بأننا الآن في زمن الكتروني لا يمهل كثيراً بل هو يهمل اذا لم نحسن التعاطي مع ادواته، لذا نراه یستجیب بتعقل ورؤیة وهدوء للمثیرات المختلفة، ونتیجة لذلك یقرر بموضوعیة تضمن رؤیة ومصلحة الشعب العراقي بشکل عام والشعب الكوردستاني بشكل خاص، مدركاً العلاقات والإرتباطات بین الأشیاء والوقائع، مستخلصاً العوامل البارزة من خبرات عقود من الکفاح المسلح والنضال الوطني للإنتفاع بها في إلقاء الضوء علی المشکلات الحاضرة.
أما الماضي فدروسه علمنا بأن من ینشدّ الی الوراء، بدلاً من أن یتوجه نحو الحاضر والراهن والمستقبل ویسعی للخروج من المنطق الإختزالي و السجن العقلي و الحتمیة الأيديولوجية و المكابرة و التهرب من المسؤولية و إنكار الحقائق الصارخة والترويج لجحيم الآلة العسكرية، لا یورث سوی النزاعات الداخلیة والهزائم والمهالك للعراق. علیه یجب أن تنتهي أزمنة القفز فوق الاحداث و نفي المتغيّرات.
وختاماً نقول للحکومة العراقیة الجدیدة و لأحزاب السلطة جمیعاً، جاهدوا في سبیل جعل الحیاة في العراق وبین المکونات المختلفة أقل بؤساً وفقراً وأقل توتراً وعنفاً، لیکون هذا البلد أكثر أمناً ویسراً وأكثر تواصلاً وتضامناً، سواء علی مستوی القومیات أو علی مستوی الدولة و ساهموا بشكل بناءٍ و مثمر في تطویر مفهوم الدیمقراطیة و فتح ممكنات جدیدة أمام العمل الدیمقراطي.
الدکتور سامان سوراني


79
رحیل إیقونة الأدب الروائي العالمي العصامي الصادق حنا مینه
بالأمس وصلنا نبأ رحیل حنا مینه، عملاق الأدب وشيخ الروائيين وكاتب الكفاح والفرح الإنسانيين عن عمر ناهز 94 عاماً بعد أن ترك وراءه البحر في زرقته المائیة و تجربة إنسان ملئها مشقة الحیاة. إمتهن مینه في حیاته وذلك لضمان قوت العیش أعمالاً عدیدة، فأشتغل حمالاً وبحاراً و حلاقاً و مربیاً و مصلحاً للدراجات وموظفاً حکومیاً الی أن إنتهی به المطاف لیصبح روائياً عالمیاً.
لقد کان هذا الكاتب الأصیل واقعیاً في روایاته شدید الإلتصاق بقضایا مجتمعه، متأثراً بالروائي الأمریکي إرنست همنغواي، ملهماً بتموجات البحر و مسحوراً بزرقتهِ، لذا کان یوصف بحق بـ "أدیب الماء أو كاتب البحر".
تمکن مینه كزملائه في الحرف أمثال المصري نجیب محفوظ و المغربي محمد شكري و بشکل ناجح من إماطة اللثام عمّا یدور في الهوامش وإن کان هو یصف جهوده الرامیة الی كشف الغطاء جهداً و فعلاً تعیساً.
حنا مینه إعتمد علی ساعده، کان ناصراً للفقراء والبؤساء والمعذبین في الأرض و مؤمناٌ في أعماقه بأن إنقاذ البشر من براثن الخوف والمرض والجوع والذل جدیر بأن یضحی لأجله، فقد عانی الراحل الشقاء، أتعبه الحیاة لکنه تمکن من محاربة الشقاء في قلب الشقاء و الإنتصار علیه لیصبح أخیراً سعیداً في حیاته.
أحبّ مینه التجدید ، لم ینتظر كي تقع المصادفة، فقد کان خال الذهن من أي شيء، "يعيش أيّامه بوتيرة واحدة، وإذا المصادفة تنبت زهرة في كفّه، فيتضوّع منها عبق يعطر أيّامه.”
أعماله الروائیة تجاوزت الأربعین، تحول العديد منها إلى أعمال درامية وسينمائية. من أبرز روایاته رواية المصابيح الزرق، الشراع والعاصفة، الياطر، الأبنوسة البيضاء، حكاية بحار، نهاية رجا شجاع، الثلج يأتي من النافذة، الشمس في يوم غائم، بقايا صور، القطاف، الربيع والخريف، حمامة زرقاء في السحب، الولاعة، فوق الجبل وتحت الثلج، مأساة ديميترو، المغامرة الأخيرة، والمرأة ذات الثوب الأسود.
أراد حنا مینه أن یعیش الناس في محبة ووئام وهو القائل في المرأة: "لو خيّروني بكتابة شاهد على قبري، لقلت لهم أكتبوا هذه العبارة، المرأة.. البحر.. وظمأ لم يرتو".
الدکتور سامان سوراني


80
الفکر الكوردستاني بین صناعة الإرادة و تحطیم قیود الإضطهاد في مرحلة مابعد الإستفتاء
یقال بأن الإرادة الصلبة تجعل المُستحيل ممكناً وأن الأحلام والطموحات لا يمكن أن تتحقق بالاستسلام للعجز و الإخفاق، فالأبطال يُصنعون من أشياء عميقة في داخلهم هي الإرادة والحُلم والرؤية.
مانشاهده الیوم علی الساحة الكوردستانیة هو إتفاق أعداء الكورد في مساعیهم للقضاء علی الحلم الكوردي والإستمرار في سلب و نهب خیرات كوردستان، بالمقابل نری أنانیة بعض الزعماء والقادة، الذین لایسعون الی التقارب والوحدة لتجاوز أزمة المرحلة و تعزیز جبهة التصدي والصمود في وجه التحدیات.
الأمة الكوردیة الیوم وللأسف مقسمة ومجزأة الی أقسام وأجزاء بحيث یکون من الصعب قیادتها من قبل حزب سیاسي أو زعیـم واحد قادر علی أن یفرض هیمنة سیاسته الوحدویة علی جغرافیة واسعة من خارطة كوردستان.
وإذا كان التطلع الی المستقبل يعني القیاس علی إحتمالاته الموجبة، فإننا نعیش الیوم مرحلة مابعد الإستفتاء المتمثلة بالإحتلال وتقیید دور سلطة الإقلیم السیاسیة و العسکریة.
إذن من الضرورة بمكان العمل علی إستراتیجیة جدیدة لصنع الإرادة والإتحاد و وضع آلیات العمل علی تحطیم قیود الإضطهاد بإشکاله المتنوعة. إستراتیجیة تقوم علی جمع الطاقات المادیة والمعنویة في إطار فكري و سیاسي وإقتصادي وعسکري وإجتماعي واحد، تقزم دور المشتّت و المفتّت وتعاقب أيّ طرف یسعی الی فرض مصالحه الشخصیة فوق مصلحة الوطن أو ینحني للإملاءات الإقلیمیة الهادفة للنیل من إرادتنا في النضال من أجل تحریر كافة الأراضي الكوردستانیة الواقعة تحت نیر الإحتلال والإغتصاب.
علی الكوردستانیین السعي في تجدید صیغ و حقول و مناهج صنع الإرادة والإیمان بكرامة الوطن والتحرر من فكي الكماشة والقوقعة الحزبیة الضیقة المیئة بالشعارات الخاویة.
ما نحتاجه هو إبتكار طریقة جدیدة ولغة جدیدة في سوس الذات والأفكار وفي إدارة الوقائع و الأحداث وتشخیص المصلحة القومیة، بعیداً عن مصالح فئة علی حساب فئة أخری أو تحویل علاقتنا بتراثنا الحي والغني بالنضال من أجل الحریة الی معرفة میتة أو شرنقة خانقة أو متحجر فكري یفقد مصداقیته بعد أن حاول البعض لمکاسب شخصیة إجهاض أحلامنا وعمل علی إفلاس مشروعنا في الإستقلال و سعی الی وضع هویتنا في المأزق، کما نشر هذا الوباء الفتاك في مدینة كركوك، قلب كوردستان، والذي نخشی منە و نعاني من إنتشاره.
لنجترح أسالیب عصریة في التخطیط للمستقبل تخرج معها الأشیاء مخرجاً یجعلها تزداد قوة و صلابة و تبعدنا من أن نكون أسری ماهیات ثابتة أو هویات مفروضة علینا من قبل المحتلین لتقويض مساعینا في الحریة والإستقلال.
ختاماً: "الأمور لم تعد علی ما کانت علیه، فعصرنا هذا یحتاج الی تغییر العدة القدیمة بمرجعیتها الفکریة وأطرها وآلیاتها، لإعادة البناء، تغذیة وتهجیناً أو صرفاً وتحویلاً أو توسطاً و تسویةً وعبوراً أو إنماءاً وإزدهاراً مع طرح الساسة شعارات الحریة والإستقلال بعقلیة التقدم نحو الأمام دون الخوف من المتغیّرات."
الدكتور سامان سوراني






81
هل یرفض حیدر العبادي منطق الشراکة و یرحب بمنطق الصدام؟
من يتابع المشهد الإقلیمي بصورة عامة والمشهد العراقي بصورة خاصة يدرك غياب وتغييب المبادئ الإنسانية عن الساحة بصورة يندى لها جبين الإنسانية حياءً وخجلاً من مشاهد غياب العدالة ، ومن الظلم والعدوان ، والإقصاء والتهميش، وإلغاء الآخر، ناهیك عن التعذيب والقتل وشيوع ظاهرة العنف بكل صورها وأشكالها، كما يلاحظ تصدر منطق القوة في المعادلة الإقلیمیة، فالقوي يأكل الضعيف، وكأن شرعة الغاب هي التي تحكم البشرية المعاصر.
إن ما تحقق للشعب الكوردستاني منذ ١٩٩١ حتی ٢٠١٧ لم یكن قراراً عراقیاً طوعیاً عن طیبة و حسن تقدیر للجیرة والمواطنة والمساواة والتعایش المشترك، بل کان قراراً دولیاً بناءً علی تضحیات شعب كوردستان، تحول الی قرار عراقي ملزم بعد سن الدستور والإستفتاء علیه من قبل الشعب.
والعلاقات التضامنیة الكوردستانیة العراقیة المتبادلة یجب أن تعتمد علی هذا الفهم، إذ بدون ذلك یصعب المضي الی الأمام. لایکمن للعراق أن یستقر أو یتقدم علی أیدي أناس یعتبرون أنفسهم وحدهم ورثة العراق وکل مافیه. فهذه الذهنیة هي التي دفعت بالحشود الشعبیة التي تتلمذت معظمها في إيران على يد نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية وتعلمت منه أهمية إستخدام القوة ليس ضد الاعداء من الإرهابیین وانما ضد شعب كوردستان.
نحن نأسف عن سیاسة الدول المجاورة لإقلیم كوردستان، التي تتعاون مع بغداد علی بقاء أسباب وأجواء التوتر والعنف والقتال والـاسي بدلاً من البحث عن السلام الشامل، الضروري حتی الآن للعراق وکوردستان والدول المجاورة ذاتها.
علی العبادي أن یتخلی عن إستخدام منطق القوة والعنف ضد شعب كوردستان و إنهاء سیاسة فرض السیادة بقوة الاجواء الميليشياوية والعمالة والتبعية لإيران.
وإذا کان العبادي و من یشاوره یتصور أن بأمکانه التلاعب بحقوق وصلاحیات إدارة إقلیم کوردستان فهو واهم و غافل عن حقائق تثبت بأن الدستور العراقي و بقیة الحقوق لم یکن قراراً عراقیاً طوعیاً ولم یوافق أي جانب عراقي من الدولة العراقیة بشکل طوعي، سواء قبل أو بعد عام ٢٠٠٣ علی ماتقرر في الدستور. إن مستقبل العراق مرهون بمدی الإنسجام مع إرادة المجتمع الدولي الجدید.
أما فیما یخص إشتراط "تنازلات" علی شعب كوردستان بغیة تحقیق المصالحة العامة في العراق، أو العمل علی "تغییر الدستور" لإزالة ما یتعلق بالفدرالیة والمادة ١٤٠، إنه محاولة للتهرب من الواقع وعدم الإقرار بالغبن التاریخي. فهي بحق محنة الإنسانیة وإشکالیة القیم، لا یریدون لنا أن نکون مثلهم، لذا یعملون علی تهمیشنا وإقصاءنا والحط من مرتبتنا وقیمتنا. شعب كوردستان لا یقبل "تنازلات" للعودة الی أجواء التوتر والشکوك المتبادلة وقرع طبول التهدیدات وعودة شبح الدكتاتوریة والإستبداد.
والعبادي یعرف قبل غیره بأن شعب كوردستان متمیّز عن العرب والعراق إن لم تفي بالشراكة بین الشعبین الكوردستاني والعربي علی أساس المساواة ولیس علی أساس هیمنة المركز العربي علی شعب كوردستان سوف تنهار. كركوك کانت دوماً مدینة كوردستانیة و تابعة إدرایاً لكوردستان.
إن عدم حسم مشکلة كركوك و المناطق الكوردستانیة الأخری و إبقاؤها معلقة الی الآن فهي بمثابة تهدید دائم. ففي عام ١٩٧٠ کان ینبغي حل مشکلة كركوك بعد إجراء احصاء سکاني دقیق للتأكد من نسب الترکیب السکاني للمحافظة والمدینة بغیة إتخاذ قرار حول علاقتها بالإقلیم، والنظام المقبور أرجأ الإحصاء دون مبرر، وأدی هذا الإرجاء الی تفجیر الوضع فیما بعد. ویجب أن نذکر هنا بأن النظام البعثي استأجر أنذاك شركة یونانیة محایدة لإجراء إحصاء سري، وكانت نتائج الإحصاء منصفاً و لصالح شعب كوردستان لذا تم إبقاء هذه النتائج في سریة تامة. وكما معروف بأن النظام قام بعد ذلك بسلسلة من إجراءات کالتعریب والتهجیر القسري لسکان المدینة من الكورد أستمرت حتی عام ٢٠٠٣.
حکومة بغداد لم تقم بعد سقوط النظام بالإستفاء الحر حسب المادة ١٤٠ من الدستور، لذا کان الإستفتاء الأخیر أیضا لصالح كوردستان. کل هذا التعنت من قبل بغداد الحقت و سوف تلحق أضراراً بالغاً بمستقبل العلاقات بین الإقلیم والعراق. إن إبقاء الشعور الراسخ بالغبن التاریخي والحرمان في أذهان و قلوب الكوردستانیین یکون عامل ذاتي محرّك یدفع بهم الی الثورة في سبیل التحرر والإستقلال.
وختاماً: التاریخ شاهد علی أن الأنظمة الشمولیة والسلطات الملغومة بالعقائد الطائفیة والنعرات القومیة هي أعجز وأضعف من أن تصمد أو تتغلب علی شعب كوردستان، الذي کسر بأبطاله من البیشمرگة حاجز الخوف من الإرهاب الداعشي ومیلیشیات الحشد وأجمع علی المضي قدماً نحو الکرامة والعدالة والتنویر والتحرر الوطني.
الدکتور سامان سوراني

82
المشروع القومي الكوردستاني بین النظریة والتطبیق!
کان الزعیم البلشفي الروسي فلادیمیر إلیتش أولیانوف (لینین) یردّد دوماً مقولته الشهیرة: "لا ممارسة ثوریة بدون نظریة ثوریة".
لینین إنطلق في وعیه السیاسة والعمل السیاسي من قاعدة مفادها أن العمل السیاسي لایملك أن یكتسب أسباب الفاعلیة والتأثیر إلا إذا کان مستنداً الی مشروع سیاسيّ وإجتماعي یبرّره ویؤسّس لە عوامل النجاح.
قبل عقود من الزمن، أي قبل انطلاق طور الإستنقاع السیاسي والحزبي للقوی الكوردستانیة، کان لأحزاب وتنظیمات المنتمیة لحرکة التحرر الكوردستاني مشاریع سیاسیة وإجتماعیة، بصرف النظر عما شابها من قصور أو أعتراها من وهم أو طوباویة. كان لتلك الأحزاب مشروع وطني شبه استقلالي اشتبكت مع الحکومات الدکتاتوریة بالنضال السیاسي الجماهیري أو بالکفاح المسلح، تمکنت بواسطتها بناء إدارة ذاتیة و بعد ذلك ترسیخ فدرالیة في إطار عراق إتحادي فیدرالي شکلي.
أما المشروع القومي السیاسي الكوردستاني فبقی غائب عن الساحة الفکریة، وهذا الغیاب هو نتاج إنفصال السیاسة عن النظریة و محصلة غیاب المشروع السیاسي-الإجتماعي عن العمل الحرکي الحزبي و هكذا تعرضت السیاسة والعمل السیاسي الی حال غیر مسبوقة من التدهور والتآکل والإنحطاط لم یتمخض عنها -حتی الآن-  سوی الشلل وإنسداد الآفاق.   
ومن منطق الأشیاء و بدیهیات الأمور إعتبار "الاستقلال" کمفهوم إصطلاحي عام من الشروط الأساسیة التي تساعد شعب ما علی تحقيق نهضته وتطوره وتقدمه، لأنه هو الذي يحميە ويحافظ على مقوماته وشخصيته القومية والحضارية ویساعده علی تحقيق نهضته المنشودة في جميع المستويات ومختلف القطاعات.
إن جمهور المؤرخین هم علی کلمة جامعة بأن أي شعب مـن الشعوب لا يمكنه أن ينهض بالفعل ويتقدم نحو الأحسن والأفضل إذا كان استقلاله القومي مسلوباً أو ناقصاً، أو إذا كان في حالة التبعیة.
ففي أوروبا وأمریکا وآسیا لعب الإستقلال کحقیقة تاریخیة دور أساسي في نهوض وتقدم وتطور شعوبها القاطنة هناك وکان لتلك الشعوب حضور فعلي علی الساحة السیاسیة.
وکما معلوم بأن الاستقلال القومي لايكون له أي معنى إذا كان الشعب أصـلاً غائب عـن الفعل السياسي، أي غير مجسد في الكيان السياسي الذي یتجسد في الدولة القومية.
وبما أن الموضوع يتعلق بالشعب الکوردستاني، فيمكننا القول بأن هذا الشعب موجود حقيقة، لكنه غير مجسد على أرض الواقع السياسي.
الشعب الكوردستاني مـوجـود تاريخاً وثقافةً ولغةً ومـقـومـات، لكن هـذا الـوجـود غير محقق وغير مجسد في الواقع السياسي، والقانون الدولي والعلاقات الدولية لأنه ببساطة لا یملك كياناً سياسياً یعبر من خلاله عن وجوده القومي بين الأمم والدول القائمة في عالم اليوم، بمعنى آخر، الشعب الكوردستاني اليوم یعيش بدون دولة.
ومن الواضح أن الوحدة السياسية للشعب هي التي حققت لكل للشعوب استقلالها القومي الحقيقي، والاستقلال القومي أدى بالنتيجة إلى تحقيق أمنها القومي الشامل والـذي بدوره ساعد الشعب على إنجاز نهضته المطلوبة والمنشودة.
الشروط الثلاثة: الـوحدة والاستقلال والأمـن، هي بحق شروط لا غنى عنها لأي شعب ینشد النهضة والتقدم والتحرر، لكن هذه الشروط الثلاثة ضعیفة أو تنقص شعب كوردستان الیوم.
فالوحدة القومية للشعب الكوردستاني غير منجزة وغير محققة، والاستقلال القومي لا وجود له في ظل غياب الوحدة القومیة.
أما الأمن القومي فكما شاهدناه بعد ١٦-١٠-٢٠١٧، مستباح الی أبعد الحدود، وهو نتيجة منطقية لانعدام الوحدة السياسية وغياب الاستقلال. والمنطق يقول بأنه لا أمن قومياً من دون وحدة قومية (أي من دون دولة تحمي هذا الاستقلال وتصونه).
الخلل الآخر یکمن في موضوع الوطنیة الكوردستانیة و ثقافة عدد غیر قلیل من الفرد الكوردستاني وفهمه للسیاسة والدولة والمنصب وحقوق المواطنة وإنصیاعه خلف المصلحة الفردیة بأي ثمن علی حساب المصلحة الوطنیة والبحث عن المناطقیة علی حساب الوحدة الکوردستانیة.
أما ما یسمی بالمعارضة والتي کانت في صلب السلطة فهي تعمل والی هذه اللحظة بعقلیة الشعبویة  والنقد الغیر بناء و لا تتردد في البحث عن المناصب و الثروة  حتی لو کان الثمن تفکیك محافظات الإقلیم.
و من أجل ممارسة العمل السیاسي في إطار نظام سیاسي عصري نحتاج الیوم أكثر من أي وقت مضی الی فریق محترف یمارس السیاسة ویمتلك المهارات والثقافة والمؤهلات للبناء الديموقراطي  ویتقن مفردات السياسة العصرية خصوصاً مع بيئة لاتقدر حدود الديموقراطية.
ومن أجل إنقاذ المشروع الکوردستاني من خطر الإندثار وإعادته الی ساحة الفعل السیاسي لمواصلة مسیرته التاریخیة المستقبلیة یجب أن تکون هناك ضوابط حاكمة ومؤهلات ومهارات للعمل السياسي لخدمة اقلیم كوردستان وشعبه ولا تکون علی أساس منحة وامتياز سياسي توزع بمزاج شخصي. ومن أجل حمایة مکتسباتنا و تثبیت الحکم الرشید تتطلب تواجد التکامل السیاسي وطبقة سياسية مؤهلة وذات خبرة تؤمن أولاً وأخیراً بحقوق شعب كوردستان المهضومة وتعمل بکل إخلاص من أجلها وتمجد التنمية المستدامة وردع الفاسدين وتوحيد المجتمع الكوردستاني. وإذا لم نفعل ونسرع فإن الكارثة قادمة لا محالة وسيصبح المشروع في خبر كان، وما يجري الآن في الظاهر ما هو إلا غيض من فيض. لكن ما خفي أعظم، الخطر قائم والكارثة قادمة.
وختاماً: "الإستقلال لیس حق طبیعي مسلوب ینبغي استرجاعه، کما یتخیله أهل الطوبی من دعاته، بل هو ثمرة العمل المتواصل للمجتمع الكوردستاني علی نفسه، مما یجعله دوماً محتاج الی الرعایة والصیانة أو الصناعة والتنمیة، بالإبتکار والخلق والتحویل. إنه مشروع وهدف یبقی دوماً قید الإنجاز والبناء، توسیعاً أو تعدیلاً أو تطویراً. من غیر ذلك تستحیل علاقة الفرد الكوردستاني بإستقلاله الی ضعف وتبعیة."
الدکتور سامان سوراني



83
إقلیم كوردستان بین حکمة الرئیس بارزاني وخطط قاسم سلیماني
ماحدث بالأمس في مدینة كركوك الكوردستانیة کان مخطط تم تطبیقه من قبل أطراف في القیادة العراقیة الواقعة منذ سنوات تحت إمرة قاسم سلیماني والمنفذة لأوامر الحشد الشعبي الموالي لولایة الفقیه بهدف تغییر العراق الی دولة دینیة طائفیة و كسر إرادة شعب كوردستان بعد إعلان نتائج الإستفتاء من أجل الإستقلال والتي كانت بمثابة تسونامي جیوسیاسي وقرار تاریخي هام في رفض المخططات الإیرانیة في المنطقة، تلك المخططات التي نفذت في السنوات الماضیة علی أرض الواقع بمساعدة نوري المالكي، الحلیف الإستراتیجي لسیاسة إیران، وأنتجت وللأسف کل من داعش والقاعدة بغرض تفكیك العراق.
نعم بالأمس سقطت مدینة كركوك شکلیاً بتصمیم قاسم سلیماني، الذي یدیر مجامیع من المیلیشیات الدینیة المسلحة العابرة للحدود والقائمة ضمن فكر نظام دولي مخالف لنظام الفكر الدولي السائد في القرن الواحد والعشرین. هذا وقد دفع قرار إنفرادي إتخده أفراد تابعین لجهة سیاسیة في كوردستان الی إنسحاب قوات البیشمركة مما أدی الی قبول الرجوع الی خط التماس و آلیة نشر القوات الإتحادیة و قوات الإقلیم، تلك التي تم الاتفاق عليها بین بغداد و أربیل قبل عملية تحرير الموصل في ١٧-١٠-٢٠١٧.
لقد بقیت كركوك بسبب جغرافیتها و دیموغرافیتها و ثرواتها وتاریخها الكوردستاني منذ عام ٢٠٠٥ دون إنتخابات ولم تنفذ فیها المادة ١٤٠ من الدستور لحل عقدتها وخلع رداء التنازع علیها . وبعد إنسحاب القوات الأمریکیة منها في حام ٢٠١١ أشعل الضوء الأخضر للمالكي والموالین الی ولایة الفقیه لإستهداف كركوك و محاصرة كوردستان و خلق أزمات متتالیة فیها، لکن حنكة القیادة الکوردیة وحکمة الرئیس بارزاني أفشل تلك المخططات لصالح إیقاف الفوضی و نشر الإستقرار فیها.
لقد کان الهدف الأول والأخیر للرئیس مسعود بارزاني هو المحافظة علی مکتسبات الإقلیم وحمایة الأمن والإستقرار فيە، لأنه یعرف وکما ذُکر أكثر من مرة بأن الحشد الشعبي ماهو إلا ظاهرة خطیرة مماثلة لظاهرة داعش الإرهابیة، تهدد الیوم إقلیم كوردستان. لقد ظهر جلیاً بأن دیمومة الحشد علی شاکلة الحرس الثوري الإیراني مكّن مشروع التابع لولایة الفقیه بشكل أكبر و مدّد هیمنة الجمهوریة الإسلامیة علی الدولة العراقیة ومقدراتها بشكل أوسع ووضعها علی المحك. إن قیام المالكي وحاشیته بنسف التحالف الكوردستاني الشیعي وإنتهاکاته المستمرة للدستور و ضربه الإتفاقیات عرض الحائط مع إرسال تصریحات وتهدیدات ناریة ضد شعب كوردستان وقطعه حقوقهم من الموازنة العامة وبروز قوة الحشد الشعبي في العراق كل هذا دفع قادة إقلیم كوردستان وشعبه باللجوء الی الإستفتاء كمخرج لمحافظة نفسه من إستهتارات قاسم سلیماني و سیاسات إیران في المنطقة.
الیوم نراه من الضروري العمل الجاد مع القوی المحلیة والإقلیمیة والدولیة المخالفة لفکر النظام الدولي الإیراني علی بناء تحالف یواجه ویعالج خطر ظاهرة المیلیشیات الممتدة من طهران الی بیروت، تحالف یردع سیاسة إیران التوسعیة في العراق والمنطقة.
ولضمان الأمن والإستقرار في المنطقة علی المجتمع الدولي إحترام رأي شعب كوردستان ودعم تفعیل الدستور العراقي، الذي أنتهك لمرات وممارسة الضغط علی القوی الفاعلة المؤمنة بالتجربة الدیمقراطیة في العراق لتفکیك میلیشیات الحشد الشعبي اللادستوریة وإفشال المشروع الطائفي الإقصائي ورفع وصایة إیران عن العراق وتحجیم وجودها فیها وحث الإقلیم وبغداد للجلوس علی طاولة المفاوضات من أجل الوصول الی حل سیاسي سلمي مدني یصب في مصلحة الطرفین.
کفی إستخدام العراق من قبل إیران كوسیلة ضغط في التفاوض مع الولایات المتحدة علی المشاکلة النوویة والنفوذ الإقلیمي. علی القوی السیاسیة في بغداد المؤمنة بالحل السلمي لخلافات والقضایا العالقة بین بغداد وأربیل أن تطمئن بأن القیادة السیاسیة في كوردستان تعمل علی حفظ الأمن والإستقرار كوردستان والمنطقة، فهي تؤمن ببناء علاقاتها على أساس المصالح المشتركة وترید لشعبه أن یلعب دور فعال  وإیجابي في صناعة السلام وإیقاف الفكر الطائفي ومکافحة المد الإرهابي.
ولإنجاح سیاسة التعایش السلمي یجب أن تبدأ الحوار بین بغداد وأربیل لبحث جمیع النقاط العالقة وإزالة جمیع القضایا المتنازع علیها وإیجاد الحلول العملیة الوسطی ذات المنفعة المشتركة حفاظاً علی السلام والأمن و توفیر الرخاء الإقتصادي، علیه بناء علاقات قائمة علی التفاهم والثقة المتبادلة تخدم الطرفین. وإذا كانت صناعة الواقع و المشاركة في إدارة العالم مهمة تشترط القدرة علی الإبداع والتحول بخلق الوقائع وإنتاج الحقائق، فإن الحوار هي أحوج ما یحتاج الیه شعب كوردستان والعراق لكي یتحملوا تکالیف الحیاة السیاسیة والإجتماعیة بالحد الأدنی، المعقول أو المقبول.
وختاماً: نحن نستنکر الحرب كوسیلة من وسائل السیاسة القومیة أو الطائفیة لتدوم العلاقات السلمیة وأواصر الصداقة الکائنة بین الشعوب، وبالتأكید قوة شعب كوردستان الصامد و وحدة صفه یوصله الی حقوقه المشروعة.
الدکتور سامان سوراني

84
من یرفض نتائج الإستفتاء في كوردستان لا یؤمن بمبادیء الحوار
من الواضح بأن التعاطي مع الآخرين فن وعلم قائم بذاته فهو مبني علی فلسفة الأخذ والعطاء. وفي حالة حدوث تعارض في المصالح نری بأن العقل الموضوعي المتجرّد من الآراء المسبقة والافتراضات السائدة ومن جميع العوامل التي تحجب البصيرة عن رؤية الحقيقة یلتجأ الی الطریق الأمثل، طریق الحوار أو الحدیث البناء والمثمر للتوصل مع الطرف الآخر إلى حلّ مقنع أو الی التفاهم. إذنْ العقل الموضوعي يحصّن صاحبه من الانجراف مع تيارات الأهواء والميول والرغبات.
الحوار هو أساساً وسیلة ولیس غایة، أما ترکیز الإنتباه لما يقوله الطرف الآخر ومحاولة فهمه فهماً جيداً فسیقدم للمحاور الفاعل مفاتيح الحل والإدارة بشكل فعّال وبهذا یكون أقدرعلى سد أبواب الخلاف أو ممارسة الضغوط عليه لإقناعه أو لإثبات أن الحق كلّه أو بعضه مع أي طرف.
لقد ظهر في فترة ماقبل عملیة إستفتاء كوردستان من أجل الإستقلال والی الیوم عدد غیر قلیل من الشخصیات القیادیة والسیاسیة في العراق بأسلوب "المعلِّم" أو "الناصح الأول" لقیادة شعب كوردستان تضمّن کلامهم الكثير من التجریح والتهدید والإستعلاء بهدف إستفراز من یهمه الأمر بغیة منع التواصل مع بغداد أو لسدّ أبواب الحوار ومنع الوصول إلى حل.
هؤلاء یتناسون بأن لصوت الشعب في كوردستان قیمة كبیرة لا یمکن لأحد التفریط به، مع أنّە واضح للكثير بأن هذا الشعب ناضل طوال عقود من الزمن في سبیل الحریة و مورس ضده حروب الإبادة الجماعیة وضحی بالغالي والنفیس من أجل الوصول الی حقه الشرعي في تقریر مصیرە.
من یرید محاورة ممثلي شعب كوردستان، علیه أن یعتمد علی العقل والإقناع بالأدلة العلمية والحجج المنطقية ويبتعد عن التعصب والترهيب والتهديد والانفعال العاطفي، فهذا الشعب الأبي المبتكر لعناوین جدیدة للحیاة والتطور، تلك التي أتاحت لمجتمعاتها أن تصنع ذاتها، لایهاب من الموجات اللاحضاریة الهدّامة و لا یفزع من ردود فعل سلبیة أو عدمیة مدمرة و لا یتوّجس من إستخدام الحصار الإقتصادي الظالم وأسلحة الدمار الشامل ضده.
بإقتراب موعد الإنتخابات المقبلة عام ٢٠١٨ في العراق یتجلی مرة أخری لدی أصحاب عقلیة الاتباع والتقلید هاجس القبض علی السلطة والحفاظ علیها بأسالیب التشبیح الإستراتیجي وسیاسة الغطرسة والإستكبار علی هذه الساحة أو تلك، کما فعلت الحکومات الدکتاتوریة الفاشلة من قبل، والتأكید بالسیر بعکس البوصلة بعد هدر ثروات البلاد و حرق ورقة التعایش السلمي المشترك.   
من السذاجة والغفلة أن یطمئن شعب كوردستان الی ما یقوله أصحاب المشاریع والدعوات الی بناء عراق إتحادي لا یُنتهَك فیها مایدّعون الیه، فأصحاب العیون النقدیة في كوردستان لا يُخدعون أو يُؤخذون بالإطروحات والتصریحات والبیانات، بعد كل هذا الإخفاق والإحباط في المشاریع والشعارات، التي ترجمت بأضدادها لدی الحاكم العروبي والطائفي، الذي لعب علی الورقة الطائفیة من أجل زعامته وساهم في تغذیة المخاوف المتبادلة بین الکیانات والجماعات، بإعتباره حارس أمین للیقینیات المطلقة والحقائق المتعالیة والأصنام المقدسة المسيئة لقضیة شعب كوردستان العادلة.
نحن نعلم بأن للدول العظمی المهیمنة علی الإستراتیجیات في الشرق الأوسط و للدول الإقلیمیة المجاورة  الهاضمة لحقوق الكیانات المتواجدة في إطار جغرافیتها السیاسیة مصالح كثیرة في قیام دولة كوردستان من عدمها، لكن ما یؤسفنا هو أن شركاء لنا تقرّ وتعتبر الإستفتاء باطلاً من أساسه ولاترید رفع الظلم التاریخي عن شعبنا لتحقیق الإستقلال والسیادة لە. أن ما یسعی الیه العقول الوحدویة من رفع شعار المحافظة علی عراق موحد هو ما يشکو منه شعب كوردستان من البربریة، فالهوية الكوردستانیة هي منتوج اجتماعي ثقافي تاريخي، يتفرد بها شعب كوردستان من أجل أن يتميز عن باقي المجتمعات، فمن لا هویة أو فكرة عنده یصنع بها نفسه وواقعه، بإستثمارها في مجال من المجالات أو مستوی من المستویات، یشهد علی عجزه و یخسر فاعلیته وسلطتە بقدر ما یعطي الفرصة لسواه لكي یسیطر علیه أو یقرر عنه.
مایریده شعب كوردستان مع العراق و الدول المجاورة هو بناء علاقات الوساطة والشراكة والمسؤولیة المتبادلة في عملیات الخلق والإنتاج أو في أفعال التنمیة والبناء بالتواصل والتعاون أو بالتبادل والتفاعل ولا يقبل من أیة جهة علاقات النخبة والوصایة والأستذة وإعادة خلق المركزیة الفوقیة ومظاهر البربریة المعاصرة.
وختاماً: "ما نحتاج الیه لیس الدخول في التاریخ، كما یحسب أهل العجز والسبات، بل الخروج من التاریخ بکهوفه وسرادیبه من أجل صناعة حاضر كوردستان الذي یهيء لمستقبل یعدّ بالأحسن."
الدكتور سامان سوراني

85
رحیل القطب الهادئ في الشرق الأوسط الرئیس جلال طالباني
بعد صراع لسنوات عدیدة مع المرض رحل عنّا الیوم السید جلال طالباني عن عمر ناهز الرابعة والثمانين عاماً. کان الراحل أحد أبرز الشخصیات السیاسیة في التاریخ الكوردستاني المعاصر، عمل في مجال الفکر  مع شعوره بأن إتنماءه الأول هو للنوع البشري وأن العالم هو المدی الأرحب لفكره، لا النظريات العقيمة أو الهويات المغلقة، كان يفيد من التجارب و ينفتح علی الحقائق و يشتغل علی التراثات والهويات و يفكر نقدياً علی العقائد والفلسفات، من أجل تحديد عالم الأفكار والمفاهيم ومن خلال الوقائع الفكرية السیاسیة التي کان يخلقها، مارس أمیر الدبلوماسیة الكوردستانیة جلال طالباني فاعليته علی ساحته وفي بيئته و في المدی الإقليمي والعالمي.
كل منّا یعلم بأن كوردستان یمرّ الیوم بعد أسبوع من إستفتاء الإستقلال بمرحلة صعبة، حیث تشهد الساحة الإقلیمیة والعراقية أزمة سياسية حادة، تسيطر علیها أجواء الخوف والقلق والترقب، نتيجة الضغوط التي تمارسها دول الجوار علی الأقلیم و الممارسات اللادستورية واللاقانونیة من قبل بغداد و محاولات فرض أنواع الحصار علی كوردستان بحجة الدفاع عن وحدة العراق، ناهیك عن الهجمات الکلامیة المتدنیة من قبل بعض اللامسؤولین من الساسة والنواب في العراق للنیل من ممارسة شعب كوردستان حقه في تقریر المصێر والتجربة الدیمقراطیة الناجحة في كوردستان.
في هذه المرحلة المتشنجة یرحل عنّا وللأسف تلك القوة الخفية، التي أثرت في تاريخ كوردستان السياسي وأنهت في السنوات الماضية الكثير من الأزمات السياسية التي عصفت بالعراق.
بإبتعاده عن الدخول في خندق الخصومة وقيامه كصمام أمان بحماية السلم الوطني من خلال سعيه لتقريب وجهات لأطراف المتخالفة تمكن الرئيس جلال طالباني من كسب ثقة العراقيين، الذين إتفقوا علیه‌ كرئيس رغم تعقيدات المشهد السياسي العراقي.
نعم رحیله أصبح اليوم مدار الكلام و محور الإهتمام و ها نحن نسمع من الرئیس مسعود بارزاني بعد ساعات من نبأ رحیل طالباني یقول، "خسارة قائد كـ مام جلال خسارة كبيرة لشعبنا لايمكن تعويضه بسهولة"، معلناً الحداد العام في كوردستان لمدة أسبوع.
كان السید مام جلال (العم جلال) یعرُف كيف تُلعب اللعبة السياسية وكیف تُبنی القوة وكيف تُنتج الحقيقة وتُقّر المشروعية، هو أول رئيس كوردستاني للعراق، رآه أغلب الجهات المهتمة بالشأن العام، بسبب سعيه إلی تعزيز العيش المشترك بين الكيانات المختلفة في العراق، كقطب هادئ و كصمام أمان، جاء عبر ثقة الشعب بانتخابات ديمقراطية حرة كرئیس لدولة العراق.
مارس الرئیس طالباني السياسة بأسس روحية صافية و واصل العمل السياسي طيلة أكثر من ٦٠ عاماً دون إنقطاع، عاش كمعارض لحكام حصّنوا أنفسهم بإنشاء أنظمة بوليسية كبتت الحريات و منعت التعبير عن الأفكار والآراء و أعتقلت المفكرين و المثقفين، الذين تعارضت أفكارهم المنفتحة مع أفكار أنظمتهم المنغلقة، ليزجوا في النهاية في السجون من دون محاكمة و لتبقی أماكن وجودهم و مصائرهم مجهولة لذويهم، حكام خدعوا شعوبهم بالإدعاء بأنهم أنظمة تؤمن بحقوق الآخرين و تجلب لهم الحريات و الحكم الذاتي وغيرها من الشعارات الخادعة، بينما كانوا في النهاية حكومات فردية تسلطية شوفينية عدوانية بربرية و وحشية، قاوم كقائد وطني تلك الأنظمة القمعية، لذا یمکن إعتبارە واحد من أبرز الشخصيات الكوردستانية في التاريخ العراقي المعاصر، جمع خلال عمله السياسي خبرة كبيرة و جربة عميقة و أکتسب حنكة سياسية موسوعية، لذا نری بأن وفاته سوف يعود بنتائج سلبية على العراق، لکنها تصبح فرصة للجهات السیاسیة المختلفة في كوردستان لرص الصفوف وتوحید الرؤی والکلمة للوصول الی الهدف المنشود و هو إعلان دولة كوردستان.
کان الرئيس جلال طالباني یهتم بشؤون الحقيقة والحرية والعدالة، كمثقف نموذجي متفرغ لمهنته، يحيا وسط الأزمة و يساهم في حقل الإنتاج الرمزي، وکان بحق رجل دولة من الطراز الرفيع و عنوان للإعتدال والوسطية، بحث بعد تسنمه مقاليد رئاسة الجمهورية دوماً عن مخارج للقضايا الشائكة بإستعمال الحكمة وتدوير الزوايا و الجمع بين المتناقضات و رفض التحدي و عمل بسبب كونه كوردستانياً أن لا يتقوقع في قوميته، لكي لا يحجم موقعه الوطني و دوره السياسي و فضّل كداعية وفاق و محبة أن يدفع من أعصابه و صحته علی أن يدفع العراق من سلمه و إستقراره، نقيضاً لمن یحکم العراق الیوم ويؤمن وللأسف بالظواهر الكُلانية، التي لم تعد تنتج سوی عوائقها و فشلها أو الغامها و إنفجاراتها والذي لا يتورع عن دفع المنطقة نحو الهاوية في سبيل مصالح تهدف وللأسف في بناء السلطة الشمولیة.
برحیل السید جلال طالباني فقد شعب كوردستان أحد رموز النضال والتحریر وهو اليوم بأشد الحاجة الی حضوره الفاعل‌.
ختامان نقول: وداعاً وأنت المغادر جسداً والحي فكراً و روحاً بين شعبك ومحبيك.
الدکتور سامان سوراني

86
الرئیس مسعود بارزاني و مسألة إستقلال كوردستان
القیادة کعامل مهم من عوامل التماسك والتضامن والتنظیم في المجتمع هي ظاهرة إجتماعیة منبثقة من وجود الفرد داخل الجماعة.
هذه الظاهرة کانت موضع إهتمام الفلاسفة والعلماء وخاصة علماء السوسیولوجیا والسیکولوجیا منذ زمن كونفوشیوس الصیني (٥٥١ ق. م - ٤٧٩ ق. م) حتی عصر الفیلسوف البریطاني برتراند راسل (١٨٧٢-١٩٧٠) بهدف معرفة الصفات التي تمیّز القادة من غیرهم من الناس.
وإذا أردنا أن نعرّف القیادة، نستنتج بأنه دور سلوکي لإسهامات الفرد والنسق الإجتماعي في تفاعلها الدینامیکي. بکلام آخر، هي عملیة التأثير في الناس في موقف معین، بل هي العملیة التي من خلالها یؤثر القائد في سلوك أعضاء الجماعة بغیة الوصول الی هدف معین.
الیوم يمرّ إقليم كوردستان بمنعطف مصيري هو الأهم في تاريخه حتى اللحظة، حيث یتم إجراء استفتاء شعبي بخصوص استقلاله بعد أسبوعین، أي في الخامس والعشرين من شهر سبتمر ٢٠١٧ بهدف تشكيل دولة كوردستان المستقلّة، التي سوف تکون مصدر للإستقرار في المنطقة، بعد أن صار حق تقرير المصير للشعب الكوردستاني حتمية مطلقة.
إذن نحن اليوم أمام واقع تتحرك معطياته بوتائر متسارعة ولا يمكن التَّعامل مع الوقائع إلا بوقائع مماثلة. القائد مسعود بارزاني کرائد لموضوع الإستفتاء قرر بموضوعیة تضمن رؤیة ومصلحة شعب كوردستان، مع إیمانه بطموحات شعبه في الإستقلال وإدراکه العلاقات والإرتباطات بین الأشیاء والوقائع، یستلخص العوامل البارزة من خبرات عقود من الکفاح المسلح والنضال الوطني للإنتفاع بها في إلقاء الضوء علی المشکلات الحاضرة، یؤکد في کافة لقاءاته مع کبار الدبلوماسیین الأجانب ووفود رفیعة للحکومات بإجراء عملیة الإستفاء من أجل الإستقلال ولایهاب من المجاهرة أمام الملأ والإصرارعلی یوم الإستفاء لتحقیق الهدف الإنساني النبیل والأعلی، ألا وهو ضمان مستقبل شعبه في دولة حرة أبیة. 
رئیس الإقلیم یحسن قرأة المجریات ويستثمر طاقته الفکریة بصورة مبتكرة و بناءة، غیر متحیز لفئة أو جماعة أو جنس أو طبقة أو طائفة أو ناحیة معینة ویسعی الی تدعیم الإتصالات الشخصیة بین أفراد شعبه لیزید من قوتهم ویوحد صفهم و صوتهم وتضامنهم و تماسکهم بغیة الوصول الی الإجماع في الرأي حول القضایا المصیریة لإتخاذ قرارات تصب في مصلحة شعبه أو توصلە لتحقيق حلمه في بناء الدولة الکوردستانیة.  لکنه مع هذا لم یدعي بأنه منقذ للبشریة، بل یعیش وسط الطبیعة الكوردستانیة بوصفه جزءاً من موجوداتها.
الرئیس مسعود بارزاني تبنی مشروء إستقلال الشعب الكوردستاني لأنە لا یرید لشعبه الرجوع الی المربع الأول، أي البقاء داخل تجربة فاشلة عاشها شعب كوردستان طوال قرن من الزمان مع حکومات بغداد المختلفة، تلك الحکومات القومیة والدکتاتوریة والشوفینیة التي قتلت مایقارب ربع ملیون ملیون كوردستاني من خلال تنفیذ حملات الإبادة الجماعیة ضدهم، بدأً بالقصف الکیمیاوي وقنابل النابالم وعملیات الأنفال ضد المدنیین العزل و إنتهاءاً بتدمیر المدن والقصبات والقری الكوردستانیة.   
لماذا الإستقلال، لأن الشعب الكوردستاني یرید أن یصنع واقعه و یحضر زمنه بحضور فعال و مزدهر. لقد تمکن هذا الشعب من خلال حکومته تقدیم خدمات عظیمة للعالم والإنسانیة جمعاء، منها ترسیخ مبدأ التّسامح الإنساني والأخلاقي وتعزیز فلسفة التعایش السلمي کصناعة مفهومية في كوردستان وتحفيز الحوار الثقافي المتحضر بين الطوائف والقوميات والاديان المختلفة وما إنتصار مقاتلیه من البیشمركة الغیاری علی قوی الظلام أعداء الإنسانیة من الإرهابیین إلا صفحة مشرقة في تاریخ هذا الشعب.
إن الإستقلال فرصة ثمینة یحررنا من وهم العراق الموحد والغول الدیني، یسنح لنا الإنفتاح علی العالم المتحضر والدیمقراطیة الجذریة للوصول الی الأمن والإستقرار وبناء العیش الرغيد لمواطني كوردستان علی إختلاف أطیافهم وأجناسهم وحتی ثقافاتهم.
نرید هنا أن نقول للجزئیة الصغیرة وأقـزام ونكرات ھذا الشعب، الذین یتناغمون مع البقاء في حاضنة العراق، إیقاف ھجومھم الغیر مبرر نھائیا على رئیس الإقلیم، علیهم أن یعودوا لرشدھم ویختاروا مصلحة كوردستان على مصالحھم الخاصة، كما نتمنی منھم العودة إلى حضن الوطن والأم كوردستان والوقوف بجانب رائد الإستقلال كي یواصل المسیرة الوطنیة نحو اقامة دولة كوردستان الحبیبة.
وختاماً: "الإنسان الوسیط العددي أو الكوكبي أو المعولم والخالق هو من یتغیر عما هو علیه لكي یحسن إدارة العلاقة بینه وبین سواه، علی سبیل الخلق والإبداع، وبلغة الحوار والمفاوضة والتسویة، أو بعلقیة المشارکة الفعالة والمسؤولیة المتبادلة. بعقله التواصلي و منطقه التحویلي و حسه العملي یتجاوز نرجسیته المدمرة نحو الكوننة المسؤولة السمحة والمسالمة، بها یتصرف بوصفه مؤتمنا علی نفسه وعلی بني نوعه، مسؤولاً عن الطبیعة وكائناتها."
الدکتور سامان سوراني

87
قطار إقلیم كوردستان یسیر نحو الإستقلال
لقد مهدت الثورة الكوبرنیکیة (نسبة الی الفلكي المشهور نیکولاس کوبرنیکوس ١٤٧٢-١٥٤٣)، التي قوت وضع الإنسان بإعتباره ذاتاً مشرعة، للكانطیة (نسبة الی الفیلسوف الألماني إمانوئیل كانط ١٧٢٤-١٨٠٤) بتأسیس أخلاق غیریة، تقوم علی الإعتراف بوجود الغیر بإعتباره كیاناً إنسانیاً مستقلاً. فبحسب كانط لیس هناك ماهو أكثر قداسة في العالم من حقوق الناس الآخرین.
بعد أن أصبح مسار إقلیم كوردستان نحو الإستقلال واضح المعالم لتقدیم نموذج مثالي للدولة المدنیة بكافة معاییرها في المنطقة والعالم، یتهيء شعب كوردستان قیادةً و أحزاباً للإرتقاء الی مقام یسنح له ترتیب البیت الداخلي وإستقلال المجتمع المدني و تحقیق النظام البرلماني و توحید المؤسسات العسکریة والأمنیة و تقویة مقومات التواصل بعیداً عن التجاذبات والكیدیات والهویات المتنافیة.
إن أخطر مایتضمنه إقصاء الآخر هو إنبثاق العبودیة وإمحاء الحریة. هذا الإنبثاق یكشف سیادة نظام شمولي یطمس كل إنفتاح للذات تجاه العالم. فعدم إقرار الحق التاریخي لشعب كوردستان دون إنتقاء في العراق والإجحاف بالواقع الإجتماعي الكوردستاني علی مدی قرن من الزمان أدی في النهایة الی إستفحال القضیة الكوردستانیة و سعي قیادات شعب كوردستان في إیجاد صیغ أخری لتحقیق الهدف المنشود.
الكثير من المهتمين بقضیة شعب كوردستان یتجاهلون نقطة جوهریة مهمة، ألا وهي رأي شعب كوردستان في أحوالهم.
نحن الیوم نعیش في القرن الواحد والعشرین، هناك حق لتقریر مصیر الشعوب مدون في إتفاقیات دولیة، موقعة من قبل الدول الأعضاء في المجتمع الدولي.
إن تأسیس الکونیة هو نتاج لإستقلالیة الشعب الذي یرتهن بالحریة من حیث هي شرط وجودي وأخلاقي للأنا والآخر معاً.
وإذا کانت الکونیة الکونیة قاعدة شرطیة للمساواة بین الشعوب بإعتبار طبیعتهم المستقلة، فإنها لاتعني غیاب الخاصیة الفردیة، التي تجعل الشعب یعیش وفق کیفیته الخاصة.
إن أمراض التعصب اللامتسامح والشوفینیة المقیتة تقود الی الإنسلاخ عن الماهیة الإنسانیة، بوجودها تحل الهویة المصبوغة بالإستعلائیة و إقصاء الآخر المختلف محل الهویة الإنسانیة فتحول الرؤی الثقافیة المؤدلجة طائفیاً والأحکام القومویة دون فهم الآخر وإقامة علاقات مسؤولة مبنیة علی الإحترام تجاهه. 
إن الإختیار الطوعي لإقلیم كوردستان في الشراكة مع بغداد لتشکیل عراق حُرّ دیمقراطي فدرالي لا یمنع الإقلیم في الإستغناء عن هذه الشراکة بعد أن تبیّن لە بأن الشریك لایکنّ أقل إحترام لحقوقه المشروعة في إختیار سبیله في الحیاة.
کیف یطالب من شعب كوردستان أن یتخلی عن خاصیته الثقافیة والتاریخیة و غیریّته الممیّزة و میولاته الخاصة التي تملیها علیه إرادته الحرة لکي یکون خاضعاً لأوامر ونوایا تیارات نكوصیة تعجز عن استیعاب ثقافة التقدیر وإحترام الآخر و تهدد بإستمرار أمن أفراده و فلسفة التعایش السلمي لمجتمعه المدني المسؤول بالإعتراف بكل الإختلافات والإعلاء من كل ممارسة دینیة كانت أو مدنیة تحترم القانون؟
إن وصول الكورد إلى حقوقهم المسلوبة سيکون عاملاً أساسیاً في عیش المنطقة في الاستقرار وتحقیق المساواة بين أهالي المنطقة، التي تضم قوميات وأديان ومذاهب مختلفة، لا العکس.
لاینفع المجتمع الدولي إهمال إرادة وحق شعب كوردستان في الإستقلال وهو الذە یأخذ التطور الميثولوجي، أو ما يمكن تسميته (السوسيومودرنية) المعتمد علی المعايير العالمية الموحدة للحقوق السياسية والمدنية والشخصية للإنسان بجدیة ولا يريد بعد اليوم العیش مع أصحاب العقليات التي تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزية، یقرر بالإستفتاء إستقلاله ولا یرید أن یکون شریكاً مع کیانات و جهات داخلیة وخارجیة تروّج للطائفیة والمذهبیة الدینیة .
و ختاماً: المتغيرات فرصة لا كارثة و الجديد غنی لا فزاعة و من يريد أن يعيد زمن المعجزات ينسی بأنه يعيش اليوم عصر الشعوب. 
الدکتور سامان سوراني




88
الرئیس مسعود بارزاني و مسألة إستقلال كوردستان
القیادة کعامل مهم من عوامل التماسك والتضامن والتنظیم في المجتمع هي ظاهرة إجتماعیة منبثقة من وجود الفرد داخل الجماعة.
هذه الظاهرة کانت موضع إهتمام الفلاسفة والعلماء وخاصة علماء السوسیولوجیا والسیکولوجیا منذ زمن كونفوشیوس الصیني (٥٥١ ق. م - ٤٧٩ ق. م) حتی عصر الفیلسوف البریطاني برتراند راسل (١٨٧٢-١٩٧٠) بهدف معرفة الصفات التي تمیّز القادة من غیرهم من الناس.
وإذا أردنا أن نعرّف القیادة، نستنتج بأنه دور سلوکي لإسهامات الفرد والنسق الإجتماعي في تفاعلها الدینامیکي. بکلام آخر، هي عملیة التأثير في الناس في موقف معین، بل هي العملیة التي من خلالها یؤثر القائد في سلوك أعضاء الجماعة بغیة الوصول الی هدف معین.
الیوم يمرّ إقليم كوردستان بمنعطف مصيري هو الأهم في تاريخه حتى اللحظة، حيث یتم إجراء استفتاء شعبي بخصوص استقلاله بعد أسبوعین، أي في الخامس والعشرين من شهر سبتمر ٢٠١٧ بهدف تشكيل دولة كوردستان المستقلّة، التي سوف تکون مصدر للإستقرار في المنطقة، بعد أن صار حق تقرير المصير للشعب الكوردستاني حتمية مطلقة.
إذن نحن اليوم أمام واقع تتحرك معطياته بوتائر متسارعة ولا يمكن التَّعامل مع الوقائع إلا بوقائع مماثلة. القائد مسعود بارزاني کرائد لموضوع الإستفتاء قرر بموضوعیة تضمن رؤیة ومصلحة شعب كوردستان، مع إیمانه بطموحات شعبه في الإستقلال وإدراکه العلاقات والإرتباطات بین الأشیاء والوقائع، یستلخص العوامل البارزة من خبرات عقود من الکفاح المسلح والنضال الوطني للإنتفاع بها في إلقاء الضوء علی المشکلات الحاضرة، یؤکد في کافة لقاءاته مع کبار الدبلوماسیین الأجانب ووفود رفیعة للحکومات بإجراء عملیة الإستفاء من أجل الإستقلال ولایهاب من المجاهرة أمام الملأ والإصرارعلی یوم الإستفاء لتحقیق الهدف الإنساني النبیل والأعلی، ألا وهو ضمان مستقبل شعبه في دولة حرة أبیة. 
رئیس الإقلیم یحسن قرأة المجریات ويستثمر طاقته الفکریة بصورة مبتكرة و بناءة، غیر متحیز لفئة أو جماعة أو جنس أو طبقة أو طائفة أو ناحیة معینة ویسعی الی تدعیم الإتصالات الشخصیة بین أفراد شعبه لیزید من قوتهم ویوحد صفهم و صوتهم وتضامنهم و تماسکهم بغیة الوصول الی الإجماع في الرأي حول القضایا المصیریة لإتخاذ قرارات تصب في مصلحة شعبه أو توصلە لتحقيق حلمه في بناء الدولة الکوردستانیة.  لکنه مع هذا لم یدعي بأنه منقذ للبشریة، بل یعیش وسط الطبیعة الكوردستانیة بوصفه جزءاً من موجوداتها.
الرئیس مسعود بارزاني تبنی مشروء إستقلال الشعب الكوردستاني لأنە لا یرید لشعبه الرجوع الی المربع الأول، أي البقاء داخل تجربة فاشلة عاشها شعب كوردستان طوال قرن من الزمان مع حکومات بغداد المختلفة، تلك الحکومات القومیة والدکتاتوریة والشوفینیة التي قتلت مایقارب ربع ملیون ملیون كوردستاني من خلال تنفیذ حملات الإبادة الجماعیة ضدهم، بدأً بالقصف الکیمیاوي وقنابل النابالم وعملیات الأنفال ضد المدنیین العزل و إنتهاءاً بتدمیر المدن والقصبات والقری الكوردستانیة.   
لماذا الإستقلال، لأن الشعب الكوردستاني یرید أن یصنع واقعه و یحضر زمنه بحضور فعال و مزدهر. لقد تمکن هذا الشعب من خلال حکومته تقدیم خدمات عظیمة للعالم والإنسانیة جمعاء، منها ترسیخ مبدأ التّسامح الإنساني والأخلاقي وتعزیز فلسفة التعایش السلمي کصناعة مفهومية في كوردستان وتحفيز الحوار الثقافي المتحضر بين الطوائف والقوميات والاديان المختلفة وما إنتصار مقاتلیه من البیشمركة الغیاری علی قوی الظلام أعداء الإنسانیة من الإرهابیین إلا صفحة مشرقة في تاریخ هذا الشعب.
إن الإستقلال فرصة ثمینة یحررنا من وهم العراق الموحد والغول الدیني، یسنح لنا الإنفتاح علی العالم المتحضر والدیمقراطیة الجذریة للوصول الی الأمن والإستقرار وبناء العیش الرغيد لمواطني كوردستان علی إختلاف أطیافهم وأجناسهم وحتی ثقافاتهم.
نرید هنا أن نقول للجزئیة الصغیرة وأقـزام ونكرات ھذا الشعب، الذین یتناغمون مع البقاء في حاضنة العراق، إیقاف ھجومھم الغیر مبرر نھائیا على رئیس الإقلیم، علیهم أن یعودوا لرشدھم ویختاروا مصلحة كوردستان على مصالحھم الخاصة، كما نتمنی منھم العودة إلى حضن الوطن والأم كوردستان والوقوف بجانب رائد الإستقلال كي یواصل المسیرة الوطنیة نحو اقامة دولة كوردستان الحبیبة.
وختاماً: "الإنسان الوسیط العددي أو الكوكبي أو المعولم والخالق هو من یتغیر عما هو علیه لكي یحسن إدارة العلاقة بینه وبین سواه، علی سبیل الخلق والإبداع، وبلغة الحوار والمفاوضة والتسویة، أو بعلقیة المشارکة الفعالة والمسؤولیة المتبادلة. بعقله التواصلي و منطقه التحویلي و حسه العملي یتجاوز نرجسیته المدمرة نحو الكوننة المسؤولة السمحة والمسالمة، بها یتصرف بوصفه مؤتمنا علی نفسه وعلی بني نوعه، مسؤولاً عن الطبیعة وكائناتها."
الدکتور سامان سوراني

89
دولة كوردستان بعد خریف الإستقلال
نعم جدلیة التاریخ ترشدنا بأنە في النهایة سوف یکون الإستقلال قدر الأوطان وأنّ الشعوب الساعیة لإرساء الحقوق الدیمقراطیة یتمکن بعد تقریر مصیر مناطقه و حقوقه خلق السلام والأمان والإستقرار. ومن یعتقد بأن إستقلال شعب محب للسلام، شعب یمد ید التآخي والوئام الی شعوب المنطقة، لاینهي المشاکل التاریخیة فهو أكثر من واهم. واقع الحال یثبت لنا بأنه بعد كل هذه التحولات الجذرية في المنطقة والتي شكلت فرصة وجودية أمام شعب كوردستان لیدلي في یوم ٢٥ من شهر أیلول عام ٢٠١٧ بصوته في استفتاء تاريخي يمهّد لتأسیس دولة كوردستانية لها کافة المقومات الأساسیة. دولة تُبنی علی أسس الفدرالیة والدیمقراطیة والمدنیة و الحریة والتعایش المشترك وفق إرادة شعب.
هذا الإنجاز المرتقب هو مکان إعتزاز و فخر لشعبنا، الذي شقّ طریقاً طویلاً محفوفاً بالصعوبات والتحدیات و سوف یکون لإستقلالنا أثر إيجابي علی السلام والإستقرار الدولي والإنساني.
شعب كوردستان یعیش وللأسف منذ قرن من الزمان، أي منذ إنیهار الإمبراطوریة العثمانیة الفاسدة والمریضة عام ١٩١٨ وبعد تطبیق إتفاقیة سایكس-بیکو المشؤومة إجحاف دولي لا مثیل لە. ففي أطراف كوردستان أجیز إنشاء دول قومیة علی حساب جغرافیتها السیاسیة، حکومات وأنظمة تلك الدول كانت ومازالت الی الیوم دکتاتوریة، قومیة، شوفینیة، فاشستیة و طائفیة.
نحن لا نرید تکرار التجارب المریرة التي مرّ بها شعبنا خلال مئة عام. نرید أن نطبق حقوقنا في تحقیق الذات لنقدم للإنسانیة جمعاء تجربتنا في العیش المشترك وصون حقوق الكیانات وتأصیل التعددیة الثقافیة.
عجبي کل العجب من رؤوساء وقیادات الأحزاب السیاسیة الدینیة الشمولیة الفاشلة في العراق العربي الطائفي بشقّیه الشیعي والسني أن یستخدموا لغة التهدید والوعید یحذرون بها شعب كوردستان من عواقب إصرارهم علی الإستفتاء نحو الإستقلال.
قیادات تلك الأحزاب والتیارات التي تعیش خارج قوامیس الثقافة والحضارة یطالبون شعب كوردستان بالبقاء في إطار شراکة مزیفة بإعتبارهم أشقاء في الوطن، لکنهم جمیعاً وطوال مایقارب ١٤ سنة بعد سقوط الطاغیة في بغداد لم یتحركوا ولا لبرهة الی العمل في كشف المقابر الجماعیة لأكثر من ١٨٠ الف إنسان كوردستاني مؤنفل في المناطق الصحراویة من وسط و جنوب العراق. هذه طبعاً هي خصوصية وجودية تؤهل شعبنا للتمايز والاستقلال. ماذا یعني لتلك الأحزاب الطائفیة الأخوة والشراكة وهي لا تهتم قید أنملة بمتابعة ملفات الاستبداد والطغيان والإجرام وجرائم تاريخية حصلت ضد الأخ الشریك في "الوطن"؟
لقد فقد شعب كوردستان الأمل بحکومات بغداد، التي ترید للطائفیة الشیعیة أن تكون سردية كبرى معادية لکل تطلع نحو الحریة والإستقلال، داعیة لاستنهاض أهل التشّیع تحقيقاً لعزّتهم، من خلال التأكيد على ما يجمع أهل العراق ويميزها عن غيرها. علماً بأن صیغـة الطائفیة لا تنجح في تحديد مقنع وواضح لما هو مشترك بين الشعب الكوردستاني وشعب تحمل أفکار ونعرات طائفیة مقیتة. لقد أصبح الكورد في اقلیم کوردستان وكذلك الكورد والعرب والتركمان وسائر المكوّنات الأخری الساکنة في المناطق الكوردستانیة الخارجة عن إدارة الإقلیم ضحایا عدم التزام حکومات بغداد ببنود دستور عام ٢٠٠٥.
بإختصار، إن عدم الثقة بین الکیانات وصل لمستوى لا يسمح لتلك الکیانات البقاء تحت سقف مایسمی الیوم طوباویاً بالعراق الاتحادي الفدرالي التعددي الموحد. استقلال الدولة يعني سيادتها واستقلالها فعلياً وقانونياً في ممارسة قرارها الدولي بعيداً عن سيطرة أية دولة أخرى أو توجيهها واعتراف الدول الأخرى بها وحقها في التمثيل الدبلوماسي وعضوية المنظمات الدولية وحريتها في اتخاذ القرارات الدولية على الصعيد الخارجي وعلى صعيد العلاقات الدولية من دون قيد أو تردد أو إكراه أو ضغط إلا الالتزامات التي يقرها القانون الدولي والمعاهدات الدولية الثنائية والإقليمية في نطاق الندية والاحترام المتبادل. الإستقلال والسيادة توأمان لايفترقان، فالسيادة كالإستقلال يعني ممارسة الدولة لقرارها السياسي داخلياً وخارجياً وفق إرادتها الحرة أو عدم خضوعها لأي سلطة داخلية كانت أو خارجية ، حيث لا يحق لأي جهة أن تفرض قوتها على الدولة في منطقة نفوذها. صحیح بأن الاستقلال بسبب الظروف المحلیة والإقلیمیة ليس بسهولة الاستفتاء، لکن إیماننا بحقنا في الحریة وحق بلادنا في الحیاة أقوی من كل سلاح وعلی الشعب الكوردستاني، إذا أراد تحقیق حلمه، الإتحاد  و توحید الصفوف والإستجابة للقدر.
وختاماً: المتغيرات فرصة لا كارثة والجديد غنی لا فزاعة و من يريد أن يعيد زمن المعجزات ينسی بأنه يعيش اليوم عصر الشعوب.  رهاننا هو أن تتحول طاقاتنا إلى قوة مجتمعية فاعلة تفتح الابواب والفرص لبناء دولة كوردستان ، متحرّرة من وهم العراق الموحد  والغول الدیني، قوامها الإنفتاح علی العالم المتحضر والدیمقراطیة الجذریة للوصول الی الأمن والإستقرار وبناء العیش الرغيد لمواطني كوردستان علی إختلاف أطیافهم وأجناسهم وحتی ثقافاتهم.
الدکتور سامان سوراني

90
إسرائیلیات نوري المالكي و فلسفة الحقد علی كوردستان
بحسب الفیلسوف الألماني فریدیك نیتشه یمکن للقوی الإرتکاسیة أن تتغلب على القوى الفاعلة عندما يحل الأثر محل الإثارة داخل الجهاز النفسي، ويحل ردّ الفعل محل الفعل ويتغلب عليه. بهذه الطریقة البسیطة یعبر الفیلسوف العظیم  عن الحقد، بإعتباره ردّ فعل يصير محسوساً ويكف في الوقت ذاته أن يكون مفعولاً به، بل إن هذا الحقد في تصور نيتشه هو الذي یحدد المرض بصفة عامة. الحقد إذن هو: اكتساح اللاوعي للوعي، وصعود الذاكرة الأثرية إلى الوعي، بالذات.
وفي علم التفسیر تنقسم الإسرائیلیات الی ثلاث أقسام، منها ما يُعلَم صحته بالنقل وهو صحيح مقبول. وكذا إذا كان له شاهد من الشرع يؤيده. ومنها ما يُعلَم كَذِبه فلا يصح قبوله ولا روايته وأخیراً منها ما یسکت عنه لا هو من الأول ولا من الثاني.
وفي علم التفسیر لنوري المالکي الكثير من الهوامات الأصولیة التراجعیة والخیال المخترع ، نشك في صحة کل ما یقدمه ، رغم أننا علی علم مسبق بأن هذا الشخص مصاب بمرض  الميغالومانيا والبارانويا.
لقد أسهم المالکي بسبب نهجه الطائفي بشکل فعال في تدمیر العراق وأنتج خلال فترة حكمه الدكتاتورية ، مستخدماً سیاسة الإقصاء تجاه الكورد والسنة، حیث جعل دورهما هامشیاً وقام أخیرا ًبتسليم مدينة الموصل ومدن أخری الى تنظيم مایعرف بـ”داعش”. ها هو الآن یأتي بأحادیث جدیدة كاذبة یزعم بأن "كوردستان أصبحت منبتاً لكل الشركات والمخابرات الإسرائيلية" و یتجرأ بالتطاول علی مسألة إستقلال كوردستان بالقول بأن "الشعب الكوردي لایرید الإستقلال" ویقول "إذا اقتضى الأمر يجب أن يُردع نوایا قیاداتهم بالقوة".
هذا السیاسي الفاشل هدر الملیارات من المال العام من أجل تمکین أناس هم أعداء للفهم، درّبهم علی إتقان لغة التصديق و التصفيق والتهليل، كي یستخدموا کأرقام في حشد أعمی أو كأبواق ترجِّع صدی الخطب والكلمات، أو كدمی يتم تحريكها عند إعطائها كلمة السر، وهذا هو مصدر التخلف والفقر والتسلط والإستبداد.
إن هروبه من مجابهة الذات و ممارسته لأقصی درجات المكيافيلية في التهاجم علی الكورد و كوردستان بثنائيات لا يمكن أن تترجم سوی في أعمال القمع والعنف والإرهاب. فهدف المالكي واضح، وهو العمل علی تنفیذ الأجندة الخارجیة وإقامة نظام شمولي نظیر ولایة الفقیه،  يقوض عن طریقه بحزبه و معسكراته العقائدية حيوية الكيانات المختلفة في العراق، التي يريدها هو أن تدين و تنتسب أو تتبع للمرشد الأعلی والزعيم الحاكم بأمره.
فلیعلم المالکي ومن یدور حول أفکاره بأن الشعب الكوردستاني منذ سقوط الإمبراطوریة العثمانیة والی الآن یناضل بکافة الوسائل المدنیة والثوریة دون هوادة من أجل إستقلاله ووحدها قوات البیشمرکة ترسم الیوم حدود کوردستان بالدم.
من الواضح بأن صناعة التاریخ فعل مشترك أسهم فیه کل من له عین تری، وأذن تسمع و عقل یعي وقلب یخفق ممن أثر بصورة أو بأخری في خلق الظروف المناسبة لتغيير مجری التاریخ.
أما محرك التاریخ الحقیقي فهو القلق الدائم والجهد المثابر ، إذا إنطفأ هذا المحرك لم یکن ثمة علم ولم تکن ثمة حضارة. فالحركة تعبر عن الصیرورة التاریخیة المتجهة الی المستقبل "المصیر".
لایمکن إهمال (العامل الشخصي) – الذاتي - في تعلیل الحوادث أو في صناعة التاریخ ولا سیما "للقادة والأبطال" الذین أثروا في مجری التاریخ لامتلاکهم مواصفات القایادة التاریخیة  من جهة وإعتمادهم علی "الجماهیر" في إحداث التغيير التاریخي- العقلاني من جهة أخری. فمکانة رئیس الإقلیم مسعود بارزاني کقائد کوردستاني تترسخ بشكل أكبر يوماً إثر يوم و موقع الإقلیم تزداد قوة في المعادلة الإقلیمیة.
شعب كوردستان وقوات البيشمركه المناضلة يحاربون الیوم بصرامة وعزم الإرهاب والتطرف الديني والسياسي إذا ما أقتربت من أراضيه أو أرادت النيل من أمنه وإستقراره و كرامته.
إن وصول الكورد إلى حقوقهم المسلوبة سيکون عاملاً أساسیاً في عیش المنطقة في الاستقرار وتحقیق المساواة بين أهالي المنطقة، التي تضم قوميات وأديان ومذاهب مختلفة، لا العکس.
عن قریب سوف یتم القضاء علی تنظیم داعش المسلح في العراق و سوف تظهر ولحسن الحظ تغییرات جذریة في الجغرافیة السیاسیة في المنطقة.
نحن نری الیوم ضرورة تجزئة العراق إلى ثلاثة كيانات منفصلة للشيعة والسنة والکورد للحيلولة دون المزيد من إراقة الدماء ولحلّ الازمة السياسية.
إن عدم الثقة بین الکیانات وصل لمستوى لا يسمح لتلك الکیانات البقاء تحت سقف مایسمی الیوم طوباویاً بالعراق الإتحادي الفدرالي التعددي الموحد.
إن لهجة التهديد التي یستخدمها المالکي و التنبؤ بالفوضى بعقل استئصالي إستيطاني لا تنفع ولا تقلل من عزم حكومة الإقليم علی اﻟﻤﻀﻲ ﻗدﻤﺎﹰﻓﻲ ﻤﺸروعها حول الأستفتاء العام بهدف الإستقلال.
فالوجود التاریخي لایمکن أن یکون حقیقیاً إلا إذا کان حالیاً  أي "معاصراً" و لندع التاریخ یتحرك بلا عائق وتسترد الطاقات الحیویة کامل قدرتها و لینشط الفکر بلا قید و لنعرف إتجاه حرکة تاریخنا.
نقول للمالکي ولمن على شاكلته بأن شعب كوردستان  یأخذ التطور الميثولوجي، أو ما يمكن تسميته (السوسيومودرنية) المعتمد علی المعايير العالمية الموحدة للحقوق السياسية والمدنية والشخصية للإنسان بجدیة ولا يريد بعد اليوم العیش مع أصحاب العقليات التي تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزي ولا یرید أن یکون شریكاً مع کیانات و جهات داخلیة وخارجیة تروج للطائفیة والمذهبیة الدینیة .
و ختاماً: المتغيرات فرصة لا كارثة و الجديد غنی لا فزاعة و من يريد أن يعيد زمن المعجزات ينسی بأنه يعيش اليوم عصر الشعوب.   
الدکتور سامان سوراني


91
الهوية الوطنية الواحدة لدولة كوردستان لاتقبل المساومة علی كوردستانیة كركوك
بما أن الهوية الوطنية الواحدة لدولة كوردستان أصبحت اليوم جداراً صلباً ومنيعاً لصد جميع المحاولات الإرهابية البشعة لداعش وقوی شوفينية خارجية أخری، ترغب النيل من وحدة وتماسك وقوة المجتمع الكوردستاني وتعمل من أجل هدم إستقرارە وأمنه وإيقاف نهضته الإقتصادية والعمرانية والمدنية، نری التطورات الأخیرة في العراق تثبت لنا مرة أخری وبکل وضوح بأن التاریخ في الشرق الأوسط یعید نفسه وللمرة الألف. هناك قوی تعادي التأقلم مع العالم المتحضر و ترید العیش في الماضي، أي الإستمرار في سیاسة السلب و النهب والأنفال والتعریب والترهیب. 
إن رفع علم كوردستان على المؤسسات الحكومية والرسمية في مدینة كركوك ، التي هي خط التماس والدفاعي لكوردستان، جاءت متأخرة لکنها خطوة مهمة نحو الأمام.
شعب كوردستان يحب بلدە ويتمنى له الأمن والإستقرار ومسألة كوردستانية المناطق الكوردستانية التي كانت خارجە عن إدارة إقليم كوردستان ، كالمدينة التاريخية كركوك ، بالنسبة له فهي محسومة من النواحي التاريخية والجغرافية والواقعية ولايحتاج في ظل الواقع الجديد وبعد دخول قوات البيشمركة الیها لحمايتها ومنع سقوطها بأيدي الإرهابيين والبعثيين ، بعد إنسحاب القوات الحكومية منها ، أن يحل وفق المادة 140 من الدستور العراقي ، التي بقيت لمدة ١١ سنوات دون جدوی. و يعتبرون هذه المادة اليوم منجزة و منتهية و لن يتحدثون عنها مستقبلاً.  الكورد لایساومون علی كوردستانیة كرکوك و علی الجهات الرسمیة الإسراع لإجراء إستفتاء لإلحاق كركوك بإقليم كوردستان بشكل قانوني.
الهوية الكوردستانية كوعاء وطني كبير يعترف ويوثق ويستوعب كل الطوائف ومكونات المجتمع الكوردستاني ، بهدف خلق كيان كبير وقوي يمثل الجميع ولايقصي أو يلغي أحداً ،  بل يقويه وينميه داخل الإطار الوطني العام الذي يقوي كل مكوناته ويهدف الی صنع نقطة تلاق وارتكاز وانطلاق واحدة للمجتمع لينطلق منها لتحقيق أهدافه العليا.
إن تصميـم الهوية الكوردستانية الواحدة والجامعة للمجتمع الكوردستاني الموحد ضرورة تاريخية ملحة للمرحلة التأسيسية وكذلك لباقي مراحل وعمليات بناء الدولة الكوردستانية الحديثة المسكونة بروح العصر والمطبوعة بالمدنية والديمقراطية والتي تملك العلاقة التفاعلية بين ثلاث مكونات وهي الإقليم كمجال حيوي لوجود الدولة وتحديد وجودها القانوني والسكان ، الذين يتغيرون من ناحية أشكال وجودهم الإجتماعية والسلطة ، التي تتغير باستمرار ومن نواحي عديدة وبإتجاهات مختلفة. هنا نستطيع أن نأتي بتجربة الولايات المتحدة الأمريکية  المستوعبة لأضخم تعدد وتنوع بشري عرفته البشرية لمزجه في كيان واحد موحد ومنظم وموجه لتحقيق المصالح العليا لتلك الدولة ، حالها حال الأمة البريطانية والفرنسية والماليزية وغيرها.
 فالهوية الوطنية الكوردستانية كدستور ضمني غير مكتوب وغير معلن تتشكل من اللغة والتراث التاريخي للمجتمع الكوردستاني ومن القيم الحاكمة له بالإضافة الی رٶیته وأهدافه المستقبلية المستندة الی القيم الإنسانية العالمية ، كالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة ، التي تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي وتصون الحريات الخاصة والعامة و تضمن الأمن والاستقرار المجتمع
 وختاماً: نحن الآن في الربع الأول من القرن الواحد والعشرین، نعرف جیداً بأن عولمة الهوية الوطنیة لا تحدث دون إمتلاك للمعرفة أو لمفاعيل علمية. أما الشأن العام فهو اليوم لم يعد حكراً علی منظومة خاصة أو نخبة سياسية ، بل هو مجال تداولي يمكن لكل فاعل اجتماعي المساهمة في تشكيله و توسيعه أو الدفاع عنه وذلك عبر الإنخراط في المناقشات العمومية أو بتسليط الضوء علی قضايا الساعة أو تقديم مبادرات خلاقة لحل المشكلات وتدبر الأزمات. الهوية القوية والفعّالة ليست ما يملكه المرء أو يُعطی له ، وإنها ليست كياناً ما ورائياً ، وإنما هي ثمرة الجهد والمراس والإشتغال علی المعطی الوجودي ، بكل أبعاده ، من أجل تحويله الی أعمال وإنجازات ، فهي إنبناء وتشكيل بقدر ما هي صناعة و تحويل.
الدکتور سامان سوراني



92
الهوية الوطنية الواحدة لدولة كوردستان لاتقبل المساومة علی كوردستانیة كركوك
بما أن الهوية الوطنية الواحدة لدولة كوردستان أصبحت اليوم جداراً صلباً ومنيعاً لصد جميع المحاولات الإرهابية البشعة لداعش وقوی شوفينية خارجية أخری، ترغب النيل من وحدة وتماسك وقوة المجتمع الكوردستاني وتعمل من أجل هدم إستقرارە وأمنه وإيقاف نهضته الإقتصادية والعمرانية والمدنية، نری التطورات الأخیرة في العراق تثبت لنا مرة أخری وبکل وضوح بأن التاریخ في الشرق الأوسط یعید نفسه وللمرة الألف. هناك قوی تعادي التأقلم مع العالم المتحضر و ترید العیش في الماضي، أي الإستمرار في سیاسة السلب و النهب والأنفال والتعریب والترهیب. 
إن رفع علم كوردستان على المؤسسات الحكومية والرسمية في مدینة كركوك ، التي هي خط التماس والدفاعي لكوردستان، جاءت متأخرة لکنها خطوة مهمة نحو الأمام.
شعب كوردستان يحب بلدە ويتمنى له الأمن والإستقرار ومسألة كوردستانية المناطق الكوردستانية التي كانت خارجە عن إدارة إقليم كوردستان ، كالمدينة التاريخية كركوك ، بالنسبة له فهي محسومة من النواحي التاريخية والجغرافية والواقعية ولايحتاج في ظل الواقع الجديد وبعد دخول قوات البيشمركة الیها لحمايتها ومنع سقوطها بأيدي الإرهابيين والبعثيين ، بعد إنسحاب القوات الحكومية منها ، أن يحل وفق المادة 140 من الدستور العراقي ، التي بقيت لمدة ١١ سنوات دون جدوی. و يعتبرون هذه المادة اليوم منجزة و منتهية و لن يتحدثون عنها مستقبلاً.  الكورد لایساومون علی كوردستانیة كرکوك و علی الجهات الرسمیة الإسراع لإجراء إستفتاء لإلحاق كركوك بإقليم كوردستان بشكل قانوني.
الهوية الكوردستانية كوعاء وطني كبير يعترف ويوثق ويستوعب كل الطوائف ومكونات المجتمع الكوردستاني ، بهدف خلق كيان كبير وقوي يمثل الجميع ولايقصي أو يلغي أحداً ،  بل يقويه وينميه داخل الإطار الوطني العام الذي يقوي كل مكوناته ويهدف الی صنع نقطة تلاق وارتكاز وانطلاق واحدة للمجتمع لينطلق منها لتحقيق أهدافه العليا.
إن تصميـم الهوية الكوردستانية الواحدة والجامعة للمجتمع الكوردستاني الموحد ضرورة تاريخية ملحة للمرحلة التأسيسية وكذلك لباقي مراحل وعمليات بناء الدولة الكوردستانية الحديثة المسكونة بروح العصر والمطبوعة بالمدنية والديمقراطية والتي تملك العلاقة التفاعلية بين ثلاث مكونات وهي الإقليم كمجال حيوي لوجود الدولة وتحديد وجودها القانوني والسكان ، الذين يتغيرون من ناحية أشكال وجودهم الإجتماعية والسلطة ، التي تتغير باستمرار ومن نواحي عديدة وبإتجاهات مختلفة. هنا نستطيع أن نأتي بتجربة الولايات المتحدة الأمريکية  المستوعبة لأضخم تعدد وتنوع بشري عرفته البشرية لمزجه في كيان واحد موحد ومنظم وموجه لتحقيق المصالح العليا لتلك الدولة ، حالها حال الأمة البريطانية والفرنسية والماليزية وغيرها.
 فالهوية الوطنية الكوردستانية كدستور ضمني غير مكتوب وغير معلن تتشكل من اللغة والتراث التاريخي للمجتمع الكوردستاني ومن القيم الحاكمة له بالإضافة الی رٶیته وأهدافه المستقبلية المستندة الی القيم الإنسانية العالمية ، كالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة ، التي تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي وتصون الحريات الخاصة والعامة و تضمن الأمن والاستقرار المجتمع
 وختاماً: نحن الآن في الربع الأول من القرن الواحد والعشرین، نعرف جیداً بأن عولمة الهوية الوطنیة لا تحدث دون إمتلاك للمعرفة أو لمفاعيل علمية. أما الشأن العام فهو اليوم لم يعد حكراً علی منظومة خاصة أو نخبة سياسية ، بل هو مجال تداولي يمكن لكل فاعل اجتماعي المساهمة في تشكيله و توسيعه أو الدفاع عنه وذلك عبر الإنخراط في المناقشات العمومية أو بتسليط الضوء علی قضايا الساعة أو تقديم مبادرات خلاقة لحل المشكلات وتدبر الأزمات. الهوية القوية والفعّالة ليست ما يملكه المرء أو يُعطی له ، وإنها ليست كياناً ما ورائياً ، وإنما هي ثمرة الجهد والمراس والإشتغال علی المعطی الوجودي ، بكل أبعاده ، من أجل تحويله الی أعمال وإنجازات ، فهي إنبناء وتشكيل بقدر ما هي صناعة و تحويل.
الدکتور سامان سوراني



93
داعش هي ثمرة الجينات الثقافية وأوهام الإستراتیجیات الأصولیة
ما أکتشفناه من التاریخ هو أن الهويات الثقافية تتغير و تتحول بفعل صروف الزمن و بحكم التفاعل مع الحضارات السابقة و ديمومتها، منها الحضارة الفارسية، الهندية، الصينية و اليونانية.
أما التفاعل مع الديانات التوحيدية كاليهودية والمسيحية، التي إنشق عنها الإسلام و حاول نسخها أو تطويرها، فله تأثير كبير علی تلك الهوية.
 لقد أصبح من المسلّمات بأن الذي يدّعي التطابق مع الهوية الثابتة لا يمارس إلا زيف وجودي و تهويم عقائدي، لأنه بات في سلعه و أدواته أو في لغته و مفردات وجوده، بمعنی من المعاني أوروبي، أمريكي أو الماني أو ياباني أو شرق أوسطي.
فمن لا يحسن أن يتغير بالرغم من الفرص المتاحة له، فسوف تهمشه التحولات، فيغدو هو آلة لها أو يزداد تبعيته للغير، وهكذا يهدر موارده و ينخرط في دعوات مستحيلة مآلها الهلاك والدمار.
داعش، أو ما يسمی بالوحش الإرهابي، الذي يجد مسوغاته في ثنائية الإيمان والإلحاد أو في عقلية التكفير، التي تقسّم الناس بين مؤمن يراعی حقوقه و يحترم و غير مؤمن يرفض و يقصی لكي يدان و يتهم، يفاجئنا من حيث لا نحتسب. من هو الداعشي؟ إنه نتاج العقول و ثمرات الأفكار.
تربية هذا التنين و رعايته كانت و لا تزال في العقول والنفوس، سوّقت من قبل الصحافة والشاشة و الديسكتوب بعقائد و مقدسات و شرائع و فتاوی وهويات عنصرية و إستراتيجيات أصولية مبنية علی الإستبعاد والإستئصال.
إبراهيم السامرائي "أبو بكر البغدادي"، إلە وخلیفة عصابة الأشرار، يشدّ بعد کل الهزائم التي تلحق به و بعصاباته المجرمين "عزيمة" مقاتليه، یستنهض قطیع الانتحاريين و یدعو من یسمّیهم "قوافل الاستشهاديين" إلى تحويل الدماء أنهاراً، وكأن العراق قد عاش طيلة السنوات السابقة بعيداً عن الإرهاب الحروب والدمار و أنهار من الدماء.
أبو بكر البغدادي و غيره ، الذين أعلنوا حربهم ضد الإنسانية و الحضارة و التعايش السلمي، هم من صنع الدعاة الجدد الذين إحتلوا المنابر والشاشات منذ أكثر من ربع قرن، تحت لافتات الحكومات الشرعية و الصفات اللاهوتية والمهمات الإلهية، وهم ثمار المفسّرين المشّعوذين، الذين يزعمون دوماً، بأن التجارب والأبحاث العلمية في ميادين العلم من المبادیء والنظريات، لا تعطي بالجديد، لأن كتاب الله المقدّس ينطوي علی العلم بكل شيء.
إنهم ثمار الأبله الثقافي، الذي سلّم أوراقه و شهاداته الی مرجعه أو شيخه أو أميره، الذي بدوره يختم علی عقله و يعمل علی قولبته، لكي يخلق و يمارس بعملياته الإرهابية سيناريوهارت الأكثر همجية و وحشية. وهم ثمرة الأوامر الدينية و الحكومات الدينية و المرجعيات الغيبية و الشعارات الأحادية و الثوابت الأبدية، و سوی ذلك من المشاريع الشمولية، التي يدعي أصحابها إمتلاك مفاتيح الحقيقية المطلقة، لممارسة الوكالة الحصرية علی الهويات والقضايا المصيرية، خرجوا من جين ثقافة الأصولي الإرهابي، الذي يدعي إنقاذ أمة الإسلام بالعودة الی أنماط ونماذج بائدة يستحيل تطبيقها إلا بزرع الرعب و زعزعة الأمن و سفك الدماء و تدمير معالم الحضارة والعمران.
لاینفع دحر هؤلاء الإرهابیین والإنتصار علیهم عسکریاً فقط، علینا تعبئة كافة القوى الحية في البلاد من اجل محاربة هذا الفكر ونقصد بالقوة الحية العلماء والكتاب والصحافة ووسائل الاعلام وقادة الراي. فبتضافر جهود الجميع یمکن إرجاع هذا الفكر الى الوراء ليحل محله الفكر الواعي المتزن.
على حكام المنطقة تغيیر اسالیب  تعاملهم مع شعوبهم، ففي العراق وسوریا مثلاً شاهدنا کیفیة إقصاء کیانات مهمة، لم يسمح لهم بالمشاركة السياسية، حیث صار التمييز بين الافراد والطوائف علی أساس المذهب والعرق بعیداً عن تطبیق الشفافية والحكم الرشيد أو العدالة.
إن إحترام إرادة الشعوب في اختيار من يتولى أمورهم وفي اختيار التشريعات لتدبیر أمورهم قضایا أساسية لمن یرید معالجة حقيقية لظاهرة الإرهاب.
من الضروري بعد دحر الدواعش معالجة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية و توفير فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل، لأن البطالة مدعاة للجريمة ولا سيما إذا كان صاحبها عرضة للدعاية والحث على ذلك وليس له من الوازع الديني والعلمي ما يحصنه. علینا ترسيخ مفهوم الوسطية واشاعة ثقافة الاختلاف و الحوار، إنه سلوك حضاري. ونعني بالوسطية والاعتدال التوسط في التعامل مع النصوص وفي التعامل مع الناس. إن مكافحة الإرهاب لا تجدي بأن نردد أقوالاً حول العقول المغلقة، أو تقديس التراث، فيما نحن نتمسك بجذر المشكلة و نمانع من كشف الغطاء عن الداء، كما يتجسم في النصوص والأوامر والأحكام والفرائض التي نعتبرها منزلة أو مقدسة أو نهائية. التمسك بنصوص و أحكام من غير معرفة مدی تداعياتها و مفاعيلها السلبية أو المدمرة هو أساس المشكلة ولايمكن وصفها بالحل.

إن بناء العلاقة بالحقيقة علی أساس الحجب والتعتيم تجعل علاقاتنا بالعدالة تبنی علی الفحشاء والمنكر والفساد، و تجعل علاقاتنا بالحرية مبنية علی المفاضلة و الإستبعاد والطعن والإنتهاك.
و سوف تظل محاولات التقريب والحوار غير ناجحة طالما هناك مفردات كالشرك والكفر أوالبدعة والضلالة، التي هي أخطر من أسلحة الدمار الشامل، تشكل صلب العقيدة والعدسة التي من خلالها يری الواحد الی غيره، لكي يدينه و ينزّه نفسه و يؤول العمل بموجب ثنائية الضال والمهتدي أو المحق والمخطیء والتشبث والإحتماء بالهويات المسيجة والسيادات المصطنعة الی خلق الخداع والضلال و تقلص الأمور الجامعة والمساحات المشتركة من القيم والمعايير والقواعد أو من اللغات والتوسطات والأدوات.
الأنظمة المبنية أساساً علی الخطأ والخلل أو إعتقادات و تصورات و قناعات و سياسات قد إستنفدت نفسها، لا تولد سوی المساویء والمخاطر والكوارث.
فلنبدأ بنقد ذواتنا و نتحدث عن أخطاءنا بشفافية لكي نستطيع أن نولّد تغييرات إيجابية، ولو محدودة و خجولة، علی صعيد الحقوق والحريات الديمقراطية. 
وختاماً: "النسبية والإختلاف، هو الذي يفتح الإمكان أمام محاولات التقريب والإتفاق، بعقلية الشراكة الفعالة والبناءة، بما هي محاورة و محاججة أو مداولة و مواكلة أو مبادلة ومعاونة."
الدكتور سامان سوراني
 



94
إستقلال كوردستان وهذيانات نوري المالكي المَرَضية
في فيلم إنغمار برغمان الختم السابع، الذي بات علامةً فارقة في تاريخ السينما العالمية، حين يواجه البطل نهايته، يدعو ملك الموت إلى مباراة شطرنج بلا أمل! هناك هذيانات أنيقة تأتي من غور الدروب الطويلة وتمضي إلى نهاياتٍ مفتوحة، لکن الأمر هنا مختلف تماماً، فشخصیة نوري المالکي السیاسیة یذکرنا بأفلام سینمائیة بعض أبطالها مصابون بحالة من "جنون العظمة" أو مایسمی باللغة الإغريقية بالـ"ميغالومانيا"، (بالإنجليزية: Megalomania ). الجمیل هو أن الأفلام تبقی أفلام، لکن إذا کان المصاب شخص موجود في الواقع، تسلم مقالید السطة في العراق لسنوات أو یقود حزب كبیر، فسوف تتغیر المعادلات و النتائج. المصاب الحقیقي بهذا المرض يمكن إعتباره مريض عقلي يعيش في حالة ذهانية تتميز بالهذيان الواضح والمستمر أو يعيش أفكاراً متسلطة تسبب له الهذيان. أما الإعتقاد الجازم بفكرة خاطئة يوصف بالبارانويا ، لأن المصاب بهذه الحالة المرضؔية النفسية يملك جهازاً عقائدياً معقّداً وتفصيلياً يتمركز حول أوهام واقعية لها ، هذه الأوهام تقنعه بأنه يُضطهد من قبل الآخرين ، وبأنّ السبب الرئيسي لإضطهاده من قبلهم هو كونه شخص عظيم ومهمّ للغاية.
هذا الشخص المصاب بالمرض المذکور أعلاه  أسهم في تدمیر العراق بسبب نهجه الطائفي وأنتج الدكتاتورية خلال فترة حكمه، مستخدماً سیاسة الإقصاء تجاه الكورد والسنة، حیث جعل دورهما هامشیاً وقام أخیرا ًبتسليم مدينة الموصل ومدن أخری الى تنظيم مایعرف بـ"داعش"، نراه یصف في تصریح لە بأن مسألة استقلال كوردستان مجرد إبتزاز السياسي، ویقول أن "الشعب الكوردي لا يريد الاستقلال ".
فلیعلم المالکي بأن الشعب الكوردستاني منذ سقوط الإمبراطوریة العثمانیة والی الآن یناضل بکافة الوسائل المدنیة والثوریة دون هوادة من أجل إستقلاله ووحدها قوات البیشمرکة ترسم الیوم حدود کوردستان بالدم. وليعرف المالکي جيداً بأنه سيفشل من أراد أن يقف أمام إرادة هذا الشعب. إن وصول الكورد إلى حقوقهم المسلوبة سيکون عاملاً أساسیاً في عیش المنطقة في الاستقرار وتحقیق المساواة بين أهالي المنطقة، التي تضم قوميات وأديان ومذاهب مختلفة، لا العکس.
بعد ظهور تنظیم داعش المسلح في العراق و إکتساحه مناطق واسعة و بعد محاولته الزحف نحو بغداد العاصمة طرأت علی العراق تغییرات جذریة سوف تظهر بعد إلحاق الهزیمة به. نعم هناك الیوم ضرورة لتجزئة العراق إلى ثلاثة كيانات منفصلة للشيعة والسنة والکورد للحيلولة دون المزيد من إراقة الدماء ولحلّ الازمة السياسية. إن عدم الثقة بین الکیانات وصل لمستوى لا يسمح لتلك الکیانات البقاء تحت سقف ما یسمی الیوم طوباویاً بالعراق الإتحادي الفدرالي التعددي الموحد. في السابق تعامل نوري المالكي مع الديمقراطية والفدرالية بعقل أحادي وقام بالجزم بعقل أصولي أقنومي. لقد رأینا مآل عمله حیث أوصل العراق الی المزيد من الفوضى والفشل والإفلاس والخراب.
كوردستان كان في السابق ملاذاً لحماية المعارضة، بما فیهم المالکي، ضد هجوم وحملات النظام الدكتاتوري الصدامي وهو اليوم صار ملاذ آمن لأكثر من ملیون ونصف مليون مواطن هربوا بسبب فشل سیاسات المالكي و إنعدام الأمن والعدالة والمساواة أوالحرب من مدن الموصل وبغداد ووسط وجنوبي العراق ليصبحوا لاجئين في دولة كوردستان المستقرة.
لنعترف بالحقائق لكي نحسن صنع حقيقتنا، فلکل شيء زمنه و لكل سياسي موقعه و دوره و إيقاعه، بقدر ما يسهم بتشكيل خريطة الواقع السياسي بعلاقاته و تراكيبه أو تجاوزاته‌ و تراكباته ومن لايعترف بالحقائق لا يستطيع المساهمة في خلق وصناعة الحقيقة.
المالكي بحیله المكشوفة و تحالفاته الفاشلة لم یتمکن من هدم التجربة الكوردستانية أو كسر إرادة شعب كوردستان، رغم قیامه بحرمان هذا الشعب الأبي من حصته من الموازنة وسعيه في ضرب وجرؔ العملية السياسية في إقلیم كوردستان الی الطريق المسدود.
شعب كوردستان وقوات البيشمركه المناضلة يحاربون الیوم بصرامة وعزم الإرهاب والتطرف الديني والسياسي إذا ما أقتربت من أراضيه أو أرادت النيل من أمنه وإستقراره و كرامته.
ختاماً نقول للمالکي ولمن على شاكلته بأن شعب كوردستان لا يريد بعد اليوم العیش مع أصحاب العقليات التي تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزية.
شعب كوردستان لایرید العیش في ثنايا الإرث الدكتاتوري أو يسير نحو إحياء الترسانة المنطقية المصنوعة بمفردات الكلي والضروري والأحادي والمتعالي والماهوي. شعب كوردستان يرفض السباحة في بحر السبات القومي والحصن الديني ولا یرید أن يعيش مرة أخری في جمهورية الخوف ونهایاتها الكارثية أو يتنفس تحت رحمة القوقعة الإصطفائية والوكالة الحصرية ، التي تجلب الجور والتعسف والتعريب والتهجير والأنفال والإبادة الجماعية ، لذا يقرر مصيره بيده و ينتخب الإستقلال.
الدکتور سامان سوراني

95
أهمیة مشاركة الرئيس مسعود بارزاني في الإجتماع السنوي للمنتدی الإقتصادي العالمي (دافوس ٢٠١٧)
منتدی دافوس الإقتصادي ، الذي إجتذب علی مدی تاريخه أسماء لامعة من عالم الأعمال و الأكاديميين و السياسة والفن، منهم نيلسون مانديلا، بيل كلينتون، أنجيلا ميركل، بيل غيتس، توني بلير، مسعود بارزاني، منظمة غير ربحية، تمول نفسها بالإشتراكات التي يدفعها أعضاؤها، تأسس من قبل كلاوس شفاب، رجل أعمال الماني الأصل، بهدف ربط الصلة بين زعماء المال والأعمال الأوروبيين ونظرائهم في الولايات المتحدة لإيجاد طرق تعزيز التعاون وحل المشاكل.
بدأ المنتدی أعماله عام ١٩٧١ تحت عنوان "منتدى التسيير الاقتصادي الأوروبي". أما المشرفون علی المنتدی يدّعون بأن منتداهم ساهم في الماضي بشكل فعّال في تهدئة الخلافات بين تركيا واليونان، وبين الكوريتين، وبين ألمانيا الشرقية والغربية، وفي جنوب إفريقيا أثناء نظام التمييز العنصري.
یعتبر المنتدی لهذا العام، ٢٠١٧،  للکثیر من المشارکین حدث مزدوج، ففي البدایة هناك برنامج رسمي تناقش فیها القضایا الإقتصادیة والإجتماعیة العالمیة بشکل عام و بعده تسنح الفرص للقاءات فردیة بین رؤساء الدول و أصحاب الشرکات الصناعیة العالمیة لتبادل الآراء في مجموعات صغیرة وإجراء مفاوضات حول قضایا راهنة ومهمة.
بالتأکید سوف یتم الحدیث بین المشارکین، الذین تصل عددهم الی حوالي ثلاثة آلاف شخص ، أكثرهم من الولایات المتحدة الأمریکیة، حول التحولات في منطقة الشرق الأوسط وإعادة الإعمار بعد القضاء علی "الدولة الإسلامیة" المسمی بداعش والمسار الذي تتبعه الإدراة الجدیدة المنتخبة في أمریکا.
ولأول مرة نرئ حضور صیني فعّال في هذا الحدث المهم، حیث یشارك الرئیس الصیني، شي جين بينج، شخصیاً، علی خلاف کل من المستشارة الألمانیة ، أنجیلا میرکل، والرئیس الفرنسي، فرانسوا هولاند، حیث أعلن عدم مشارکتهما لأسباب لم تذکر.
أما الرئیس الأمریکي ، باراك أوباما، المنتهية ولایته فلا یحضر الإجتماع، بالمقابل سوف یحضر کل من نائبه جو بایدن و وزیر خارجیته جون کیري. رئیسة حکومة بریطانیا، تيریزا ماي، فسوف تحسب من الحاضرین في إجتماع المنتدی لهذه السنة.
بالتأکید سوف تکون مواضیع مثل النمو الإقتصادي والشکوك المتزایدة حول تشابك المخاطر الأمنیة التقلیدیة والعولمة الإقتصادیة و التعاون الدولي و التحولات الرقمیة و تأثیرها علی المجتمعات في العالم علی جدول الأعمال.
إن مشاركة الرئيس مسعود بارزاني، الذي يكون ضمن مجموعة من رؤساء دول و حكومات، في منتدی إقتصادي عالمي يحمل عنوان «قیادة مسؤولة و قابلة للتکیف» دليل علی إهتمام حکومة الإقليم بالفلسفة الجديدة للإقتصاد و سعيها الدٶوب في الدخول الی منظمة التجارة العالمية من أجل تحقيق مكاسب علی أرض الواقع و يقينها بأن الشعوب أصبحت تقيّم النظم الإقتصادية من خلال المكاسب، لا من خلال الإنغلاق السياسي والإقتصادي أو من خلال نظريات طوباوية و كلمات منمقة و رفع شعارات زائفة.
فمع تفجير أطر الزمان والمكان بسبب ظهور الإنسان الرقمي و العمل الإفتراضي والفاعل الميديائي و إنتهاء زمن العقل الإمبراطوري، نری اليوم صدارة الإستثمارات الأجنبية في قضايا الإقتصاد المعاصر، التي كانت قبل عقود قليلة موضع الشك والريبة، بإعتبارها كانت تفسر كأداة للتجنيد وممارسة أنشطة مناهضة للإيديولوجيات والنظريات القومية الضيقة، التي إحتلت زهاء نصف قرن عقول النخب السياسية الضالة في العالمين العربي والشرقي و ساهمت مساهمة سلبية في تأخر المجتمع و الإقتصاد القومي. إن فكرة تشجيع الإستثمار الأجنبي لا فقط في نقل رأس المال، كما يتخيله سذجة علوم الإقتصاد، بل في نقل التكنولوجيا والإدارة الحديثة و تطوير ثقافة العمل و الإشراك في النهضة العلمية الحديثة أمر مهم.
حكومة إقليم كوردستان بادرت في السابق  لجذب الاستثمارات الأجنبية و منحها إمتيازات وعرضت مجموعة من الفرص الاستثمارية في الاقليم وتم بفضل هذه المبادرة تنفيذ مشاريع سكنية وفندقية عظيمة و إنشاء عدد من الجامعات الخاصة مثل الجامعة الأمريكية في کل من المحافظتین السلیمانیة و دهوك و مصافي للمشتقات النفطیة ومحطات لتوليد الطاقة الكهربائية ومجموعة أخرى من المشاريع الصناعية.
وسوف يسمح هذا المحفل للوفد الكوردستاني المشارك بالإلتقاء بالأوروبيين والأمريكيين وإبرام صفقات تجارية و طرح مشاكل آنية والبحث عن حلول لما بعد "داعش" و إنهاء الأزمة الإقتصادیة في الإقلیم و إنهاض البنیة التحتیة.   
نتمنی أن يحصل رئیس  الإقلیم، المٶمن بالسياسة الديمقراطية و الحداثة و الإقتصاد الليبرالي المعولم، المزيد من الدعم العالمي لقضية شعبه العادلة وتعزيز وتثبيت المكانة الإقتصادية للأقليم دولياً من أجل ترسيخ مبادیء الديمقراطية الجذرية فيە، لیکون الإقلیم نموذجاً حیاً في المنطقة یحتذی به.
وختاماً: "لا سبيل اليوم لمجتمع أن ينمو و يتطور أو أن يتقدم و يزدهر من غير أن يمارس حيويته الإقتصادية، فالهوية هي صيرورة تصنعها العلاقة مع الغير، كما الدين هو المعاملة و العقل هو المداولة و السياسة هي الشراكة."
الدكتور سامان سوراني






 





96
نوري المالکي و محاکم التفتیش في جمهورية الفساد
رغم أن تاریخ محاکم التفیش أو مایسمی باللاتینیة بـ " Inquisitio Haereticae Pravitatis" یرجع الی أكثر من ستة قرون، محاکم أنشئت أصلاً من قبل الکنیسة الکاثولیکیة لقمع ومحاربة الهراطقة وأصحاب البدع والردة أو المؤمنین بالسحر، إلّا أنها أستخدمت وخاصة في فرنسا كأداة سیاسیة ضد المناوئین لحکم الملك فیلیب الرابع المعروف بـ "Philippe Le Bel" (١٢٦٨-١٣١٤).
هذه الوسیلة إذن لیست من إبداعات نوري المالكي، الذي لا یمُت بصلة الی الإصلاح ، رغم أنه یصرّ بأنه مالك مفاتیح الإصلاح في البلاد ، وظیفته ومهمته الأساسیة هو بناء "العراق الموحد" و إخراجه من براثن الجوع والفقر والبطالة والجهل.
لقد حکم شخصه العراق فترة ثمانیة أعوام (٢٠٠٦-٢٠١٤). أما مدة حکمه فقد کانت ملیئة بالفساد المالي و الاداري وحتى العسکري، إستخدم هو خلالها شبکة مافیویة تنشر ثقافة الفساد في جسد المجتمع العراقي لتسیر أخیراً في شریانە سریان النار في الهشیم. إن سیاسة إستجواب وزراء کفوئین في الحکومة بتهمة الفساد من قبل مجلس الوزراء في بغداد مبرمجة ومدعومة من قبل تلك الشبکة العنکبوتیة للمالکي ، مآلها ضرب الکیانات التي تقف حجر عثرة أمام ستراتیجیتها بغیة تغلیب المصالح الفئویة الضیقة لحزب الدعوة وضمان بقاء سلطتها وإستمرارها. إن الغریب في أمر العراق هو إصدار المجلس الوطني قانون العفو الذي قرر العفو العام عن جمیع جرائم الفساد المالي والإداري في نفس الیوم ، الذي قام فیه المجلس بسحب الثقة من وزیر المالیة و إقالته برلمانیاً.  إن إختیار وزیر المالیة المنتمي الی قیادة الحزب الدیمقراطي الکوردستاني الحامل لرایة إستقلال کوردستان لم یکن ولید الصدفة، فالهدف معلوم للعیان. إنه سعي غير ناجح من أجل إحداث شرخ في وحدة الصف الکوردي المتواضع و توجیه ضربة الی ذلك الحزب المناضل الذي وقف أمام تمدید الولایة الثالثة لنوري المالکي.
ولیعلم القاریء بأن أصحاب المحاکم التفتیشیة في العراق هم من قاموا بإفراغ الخزينة العراقية وهم من سلّموا ثلث العراق لداعش وهم من استوردوأ اجهزة كشف المتفجرات الفاشلة وهم من كانوا وراء عقود وصفقات محطات توليد الكهرباء الغیر منتجة للکهرباء. هؤلاء العصابات قاموا مدة ثمانیة أعوام بالاستحواذ على كل السلطات الثلاث وحتی على المال العام والإعلام، وكذلك على المجتمع، وهم من همشوا الأطراف الکوردستانية والسنية وإحتقرا الدستور والقوانين والأعراف والتقاليد وأهتموا بالعناصر الانتهازية ووعاظ السلاطين والمدّاحين.
ما إستنتجناه من المالکي خلال حکمە هو رغبته القوية في التخلص من کل مناهض له و لحکمه. فهو الذي واجه الحرکات الشعبیة المطلبیة بالغضب والعنف و بدأ یشوه سمعة تلك الحركات و قام بالإساءة الیها و ملاحقة قیادییها. 
أما تحرکاتە السیاسیة الأخيرة ومعه الحشد الشعبي المدعوم عدةً وعتاداً من إیران والفاعل بأمر من إيران أیضاً، لأن مرجعيتهم الدينية ليست بالعراق وليست بالحوزة الدينية بالنجف، ولي، بل بالحوز الدينية بمدينة قم بإيران ، فهي تأتي بعد إعطاه الضوء الأخضر من قبل ولایة الفقیه في طهران. هذه التحرکات الجدیدة محاولات عقیمة لتبییض وجهه الأسود أمام الشعب العراقي بشکل عام والشعب الکوردي بشکل خاص، یهدف المالکي من خلالها ترشيح نفسه مجدداً لدورة جديدة لرئاسة وزراء العراق.
إن الإصلاح في جمهوریة الفساد يقتضي إعادة النظر في مسألة المصداقية المعرفية، بعيدة عن التعامل مع المعرفة بصورة أحادية نخبوية و هو يقتضي أيضا أن تشكل ثقافة مضادة للهدر، تفتح الإمكان لاستغلال الموارد بصورة مثمرة و فعالة، بالإضافة الی خلق الفرص لأفراد المجتمع للمشاركة في إغناء و تطوير صيغ العقلنة وقيم التواصل و قواعد الشراكة الحقيقية. فقولبة و تدجين و تعبئة و عسكرة المجتمع لا تعود بالنفع علی البلاد والعباد و لا يمكن أن يكون هاجس الحفاظ علی الولاية والسلطة أولی من الحقيقة والعدالة.
وختاماُ نقول: من کان قادراً علی إلقاء خطب مليئة بالتهديد والإتهامات الباطلة والشعارات القوموية المستهلكة و من کان مبدعاً في خلق العداء بين الكيانات الرئیسية في العراق و من شنّ في خطبه حرباً ضد حكومة وشعب كوردستان ومن لم یکن خلال ثمانیة أعوام من القیادة والسلطة المطلقة علی اجتراح الإمكانات لتأمين فرص العمل و أسواقه و شبكاته ، أو لتحسين شروط العيش لأوسع الفئات من الشعب العراقي ومن أتی في السابق بحجج مموهة أو مغلوطة أو واهية ترمي الی التغطية والمساویء ، متهماً الغير لفشله السياسي و العسکري ، حاملاً المسؤولية عليه ، هارباً من استحقاقات الكيانات وإيجاد الحلول للمآزق والكوارث والحروب والويلات ، بإختراع أعداء ، سوف یهدف في المستقبل الی دفع عجلة تفاقم المشكلات واستعصاء الحلول نحو الأمام ، فهمّهُ هو إنتاج أناس مدرّبین علی إتقان لغة التصديق والتصفيق والتهليل ، كأرقام في حشد أعمی أو كأبواق ترجِّع صدی الخطب والكلمات، أو كدمی يتم تحريكها عند إعطائها كلمة السر. إنها الثمرة الوحیدة و ما ینتظر من عراق المالکي تحت ظل محاکم التفتیش.
الدکتور سامان سوراني


97
الرئیس مسعود بارزاني و فلسفة القیادة


الدکتور سامان سوراني

بما أن القیادة ظاهرة إجتماعیة تنبثق من وجود الفرد داخل الجماعة وعامل مهم من عوامل تماسكها وتضامنها و تنظیمها ، أصبح هذا الأمر موضع إهتمام الفلاسفة والعلماء وخاصة علماء السوسیولوجیا والسیکولوجیا منذ كونفوشیوس الصیني حتی الفیلسوف البریطاني برتراند راسل وکان الهدف من ذلك معرفة الصفات التي تمیّز القادة من غیرهم من الناس.
رغم هذا الإهتمام بالموضوع المذکور إلا أنه لم یکن حتی نهایة القرن التاسع عشر أي کتاب علمي یتناول هذه الظاهرة خلال مناهج تجریبیة أو ملاحظات علمیة أو شخصیة منظّمة.
لو أردنا تعریف القیادة بإختصار، دون التعمق في نظریات أمثال ما قدمه الفیلسوف توماس کارلیل في القرن التاسع عشر أو ما طرحه علماء آخرون بعد الحرب العالمیة الثانیة ، نقول بأن القیادة هو دور سلوکي لإسهامات الفرد و النسق الإجتماعي في تفاعلها الدینامیکي، أو هي عملیة التأثير في الناس في موقف معین. إنها العملیة التي من خلالها یؤثر القائد في سلوك أعضاء الجماعة بغیة الوصول الی هدف معین.
وإذا أردنا ذکر السمات الشخصیة للقائد بتعبیر علماء الإجتماع والنفس ، نری بأن القائد یجب أن یحظی بالسمات التالیة:
الثقة بالنفس والإتزان الإنفعالي والسیطرة والذکاء والمبادءة والطموح والمرونة والحماس والبشاشة والمرح والحساسیة الإجتماعیة والشجاعة والإبتكار والابداع واللباقة والموضوعیة. 
اللذین حالفهم الحظ أو سنحت لهم فرصة التعرف بالرئیس مسعود بارزاني عن كثب یؤیدونني بأنە کقیادي یمتلك السمات المذکورة أعلاه وبالإضافة الی تلك السمات الشخصیة ، فإنه یحمل في داخله منذ مرحلة  مبکرة من عمله کبیشمرکة والی حین تمسکه زمام القیادة رؤیة وهدف إنساني نبیل ألا وهو الوصول الی الحریة التامة لشعبه وإستقلال دولة کوردستان بعد الإعلان عن تأسیسها.
نحن اليوم أمام واقع تتحرك معطياته بوتائر متسارعة، ولا يمكن التَّعامل مع الوقائع إلا بوقائع مماثلة. بارزاني یدرك جیدا بأننا الآن في زمن الكتروني لا يمهل كثيراً بل هو يهمل اذا لم نحسن التعاطي مع ادواته ، فهو یستجیب بتعقل ورؤیة وهدوء للمثیرات المختلفة، ونتیجة لذلك نراه یقرر بموضوعیة تضمن رؤیة ومصلحة شعب كوردستان، مدركاً العلاقات والإرتباطات بین الأشیاء والوقائع ، مستخلصاً العوامل البارزة من خبرات عقود من الکفاح المسلح والنضال الوطني للإنتفاع بها في إلقاء الضوء علی المشکلات الحاضرة. أما فیما یخص طموحاتە، فإنه یؤمن أكثر من غیره بطموحات شعبه في الإستقلال ، لا یهاب من مجاهرة تحقيق هذا الهدف المرجو أمام الملأ ، لذا نراه یؤكد علیه في کل مناسبة و مناسبة.
وما زیاراته المیدانیة الی جبهات القتال و المشارکة الفاعلة مع قوات البیشمرکة في صد هجوم قوی الظلام من أمثال "الدواعش" إلا دلیل واضح علی الحماسة والغیرة النابعة من ذاته کقائد و بیشمركة وهذه الحماسة ینعکس بشکل إیجابي علی المقاتلین في الجبهات وعلی قوات حفظ الأمن في الداخل.
إن إدراكه لشعور الآخرین وحرصه علی عدم إهانة أفراد شعبه أو القسوة علیهم هو بعد من أبعاد الحساسیة الإجتماعیة ، التي تلعب دوراً هاماً في الروح المعنویة للشعب الکوردستاني للوصول الی غایاته الأسمی.
هو الذي أكد غیر مرة علی مبدأ التّسامح الإنساني والأخلاقي لیشكل حجر الأساس لمبادئ الديمقراطية الدستورية المستقبلية وحفّز الحوار الثقافي المتحضر بين الطوائف والقوميات والاديان المختلفة وعزز بسیاسته الحکیمة فلسفة التعایش السلمي کصناعة مفهومية في كوردستان.
هذه القدرة مكنه من أن یکون واسع الأفق لیتنبأ بنتائج أعمال شعبه وإنتصارات مقاتلیه علی أعداء الإنسانیة من الإرهابیین.
وفیما یخص موضوعیته ، نراه یحسن قرأة المجریات ويستثمر طاقته الفکریة بصورة مبتكرة و بناءة ، غیر متحیز لفئة أو جماعة أو جنس أو طبقة أو طائفة أو ناحیة معینة ویسعی الی تدعیم الإتصالات الشخصیة بین أفراد شعبه لیزید من قوتهم ویوحد صفهم و صوتهم وتضامنهم و تماسکهم بغیة الوصول الی الإجماع في الرأي حول القضایا المصیریة لإتخاذ قرارات تصب في مصلحة شعبه أو توصلە لتحقيق حلمه في بناء الدولة الکوردستانیة.
وختاما نقول: القيادة الناجحة تتطلب إذن أشخاصاً ذوي مواهب نادرة تجعلهم صالحين للقيادة ، لا یدعون بأنهم ینقذون البشریة ولا یعتبرون نفسهم أفضل من بقیة الكائنات، بل یعیشون وسط الطبیعة بوصفه جزءاً من موجوداتها.
"ومن لا یصنع واقعه و لایحضر في زمنه، الحضور الفعال والمزدهر، لایحسن الإفادة من ماضیه ، کما لا یحسن إستقبال آتیه".

الدکتور سامان سوراني

98
السیادة الكوردستانیة و موقع العراق الموحد في الإعراب السیاسي
بما أن السيادة الکوردستانیة لا تعني إلا سلطة عليا ومطلقة وإفرادها بالإلزام وشمولها بالحكم لكل الأمور والعلاقات سواء التي تجري داخل الدولة أو خارجها ، فإن فکرة السيادة مرتبطة إرتباطاً وثیقاً بالفیلسوف السیاسي والمفکر الفرنسي جان بودان (١٥٣٠-١٥٩٦) ، الذي کان مستشاراً لهنري الرابع ومن المعجبین بحکمە ، وهو صاحب "الکتب الستة للجمهوریة" ، نشر من خلالها فلسفته لعالم مضطرب معتل يتلهف على النظام والسلام.
وفي العلاقات الدولیة تعني السیادة الوطنیة الحق المطلق علی الأرض والثروة والموارد بعد الإیمان الواثق نسبیاً بإستمداد سلطة الحاکم من الشعب المتحرر من کل قیود وأسوار القمع المسوغ بالإطروحات الإیدیولوجیة المتزمة والقادرة علی ممارسة حقوق التعبیر والتنظیم وإختیار ممثلین لها للحکم.
 وقد قرر ميثاق الأمم المتحدة مبدأ المساواة في السيادة بأن تكون كل دولة متساوية من حيث التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات مع الدول الأخرى الأعضاء في الأمم بغض النظر عن أصلها ومساحتها وشكل حكومتها، رغم إحتفاظ الدول الخمس العظمی لنفسها بسلطات ، ناقضة بذلك مبدأ المساواة في السیادة ، أما العُرف الحدیث فلا تعرف للسیادة معنیً سوی لفظ إستقلال الدولة.
ومن يتمحص وينظر في الدستور العراقي لسنة ٢٠٠٥ یری بأنە یسمح لكوردستان بحق تقرير المصير، کما یعترف بحكومة  و برلمان إقليم كوردستان وجميع مؤسساتە الرسمية الأخرى ، وبالشكل ذاته يعترف بالبيشمركة كقوة شرعية لحماية حدود إقليم كوردستان باسم ( حرس الاقليم).
لکن الاستقلال يعني تحقيق الحلم التاريخي لشعب كوردستان ، ذلك الحلم الذي قدم الآلاف من ابناءه الغیاری حياتهم لتحقيقه. شعب ناضل و كافح على مرّ السنين و تجرّع أقسى أنواع الظلم والإضطهاد والدكتاتورية والابادة الجماعية لاستقلاله یرید أن یکون فاعلاً علی الساحة الدولیة ومساهماً في إغناء الحضارة الإنسانیة. الیوم یمتلك إقلیم کوردستان کمیات کبیرة من الثروات الطبیعیة ، إذا ماتم مقارنتها بعدد سکانه،  فما لدیه من إحتياطي نفطي يقدر بـ ٤٥مليار برميل و احتياطي الغاز الطبيعي  يبلغ (٥،٧ ترليون متر مكعب )  حيث تشكل نسبة ٣% من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي، بالإضافة الی الأراضي الزراعیة الخصبة والسدود القابلة لتخزين المياه والتي تستطیع أن تخزن أكثر من ١٠،٠٠٠مليار متر مكعب. علی القیادة الکوردستانیة ، رغم معارضة بعض من الدول المجاورة لقیام الدولة الكوردستانیة ومخاوف حرب داعش والجماعات الإرهابیة الموجودة علی حدود الإقلیم ، القیام بالتفکیر الجديّ في قضیة تحديد إسم ونظام الحکم في الدولة المستقبلیة وحسم مصير المناطق الکوردستانیة خارج إدارة الإقلیم وتحديد حدوده أخيراً.
نحن نعرف بأن العلّة ليست دوماً في الخارج، بل إنـّها بالأحرى كامنة داخل العقول، أي في بنـية الثقافة ومنطـق الفكر ، لذا نراه لزاماً علی شعب كوردستان إنهاء العیش تحت رایة خرافة العراق الموحد، فالإختلاف لا الخلاف هو الاصل في يقظة الوعي وتجدد الفكر وتطور الحياة ونحن نؤمن بالإختلاف.
ففي السنوات الماضیة قام الإقليم ومن خلال مؤسساته الفعالة بإتباع سياسة براغماتية نجحت الی حد كبیر في نسج علاقات مع أميركا وأوروبا، وعلى المستوى الإقليمي مع تركيا والأردن ودول الخليج العربي وإلى حد ما مع إيران وبهذه السیاسة تمکن من خلق إستقرار و بیئة هادئة لإحتضان أكثر من ملیون لاجیء ونازح ، ممن فرّوا ونجوا من أیادي الظلم والإضطهاد والإرهاب.
الكثير منّا یعلم بأن الشرق الأوسط الذي كنا نعرفه إنتهی بعد الحروب والتطورات الدراماتيكية التي شهدها وأن المنطقة الجغرافیة التي کانت تسمی بالعراق والتي تواصل وجودها من الناحية القانونيَّة الان عبارة عن ثلاثة مناطق مختلفة للکورد والشیعة والسنة.  بالأمس بعد أن خلقت الدیمقراطیة التوافقیة إشکالات وعمقت الإنقسامات مهّد رئیس الوزراء الشیعي السابق نوري المالکي  ، الذي لم یف في الماضي بوعوده للکوردستانیین، بسياساته الخاطئة الأرضیة لداعش لإستیلاء الموصل و مناطق أخری في الرمادي بعد أن أزاح منافسیه من السنّة جانبا وقام بمقاضاتِهم في المحاكم باتهامات باطلة و دفع البعض منهم لمغادرة العراق وقام بمعاداة الکوردستانین وقطع حصتهم من الموازنة العامة بهدف تجویعهم.
أما الیوم فنری المالکي یلعب دور المحتضن لبعض التیارات السیاسیة في كوردستان والناصح لشعب كوردستان ، الذي يری نفسه أمام فرصة تاریخیة قد لاتتکرر لتحقیق حلمه القدیم الجديد، بأن لایخطوا خطواته الجریئة نحو الإستقلال ، بل یظل تحت رحمة بغداد و إن أمکن تحت رحمة حزبه القابض علی الحکم في "العراق الفدرالي". في ضوء قراءة التطورات في العراق نری بأنه لا أمل في أن تتحسن الاحوال، ما دام الذین یحکمون في بغداد يديرون الشؤون بالمقولات والمعايير أو الأساليب والنماذج نفسها ، دون مراجعة شاملة لفتح  ملف إنسانیتهم ، التي هي مصدر المشكلات والكوارث ومصنع الآفات والفضائح ، من غير ذلك، ستزداد الأمور سوءاً وتدهوراً وتتأجج الصراعات وتتوسع رقعة الحروب وتتفاقم أعمال القتل والابادة والتطهير والتهجير والتدمير، التي ذقناها و شاهدناها في السابق. فحصيلة سياساتهم في هذا العصر الرقمي وسط هيمنة الاحزاب الدينية وتسلط الميليشيات الطائفية کانت الكذب والنفاق والتزوير والإستقواء وانتهاك الدستور والقوانين، وبيع البلد والوطن بثمن بخس. وهل مـن تجاربنا  نتعلم دون الوقوع في أسرها؟
وختاماً: إن الهوية ليست ما نرثه، بل ما نحسن إنجازه وأداءه، نحن لا نرید العودة الی الوراء ، رهاننا هو أن تتحول طاقاتنا إلى قوة مجتمعية فاعلة تفتح الابواب والفرص لبناء دولة كوردستان ، متحرّرة من وهم العراق الموحد  والغول الدیني، قوامها الإنفتاح علی العالم المتحضر والدیمقراطیة الجذریة للوصول الی الأمن والإستقرار وبناء العیش الرغيد لمواطني كوردستان علی إختلاف أطیافهم وأجناسهم وحتی ثقافاتهم.
الدکتور سامان سوراني

100
حکومة إقلیم كوردستان والخیارات الصعبة

عند الحدیث عن إقلیم كوردستان الیوم یخطر بأذهاننا مباشرة جملة من التحدیات، التي تواجهە ، منها خطورة تعثر حکومة الإقلیم إقتصادیاً، بعد أن إستنزفت أعباء الحرب ضد تنظيم "داعش" لأكثر من ١٩ شهراً الحد الأقصی من أموالها.
والخلاف المستمر مع الحکومة الإتحادیة في بغداد والتي حرمت الإقلیم من حصته من الموازنة العراقیة والأستحـقاقات المالية للبيشمركة فهو تحدٍ ثانٍ، أنتج الأزمة المالیة و ظروف معاشية قاسية و ولّد ظاهرة البطالة و موجة رکودٍ تضربُ مختلف الأسواق دون إستثناء.
أما التحدي والأزمة الثالثة فهي ناتجة عن إنخفاض أسعار النفط  العالمیة و إرتفاع عدد سکان الإقلیم بنسبة ٣٠% أو أكثر بسبب تدفق عدد هائل من اللاجئین السوریین و إیواء النازحین العراقیین.
إن هذه التحدیات الجسیمة تحتاج الی إرادة قویة لمجابهتها وتحتاج أیضاً الی دعم قوي و فاعل من قبل أصدقاء شعب كوردستان لدی الأسرة الدولیة والمجتمع الدولي.
لکن الموضوع الأساسي لمقالنا هذا لیس الوقوف عند وصف تلك التحدیات الجوهریة ، بل التطرق الی قضیة أهم، ألا وهي عملیة الإصلاحات الإدارية في حکومة إقلیم کوردستان وکیفیة معالجة الفساد المستشري في الإقلیم.
الفساد الإداري في الحکومة هي وللأسف ولیدة السیاسة الفاشلة لبعض الکتل والأحزاب المتواجدة في الساحة السیاسیة، تلك الأحزاب التي تسنمت مراکز التسلط و قامت دون هوادة بالتصید في عکر المیاه ، إذ تری ولحد الآن بعین المصلحة الفئویة والأنانیة ، أما عین المسؤولیة والمهنیة ، خاصة و شعب الإقلیم یخطو خطوات نحو الإستفتاء العام من أجل الإستقلال والحق في تقریر مصیره ، فقد عمیت ولم تعد تری ما یفترض رؤیته من الأسویاء والأصحاء.
الإصلاح لیس عبارة عن نموذج جاهز أو مسبق ننصاع لأطیافه أو لمعاییره، لکي نقوم بتطبیقه، وإنما هو فکرة نشتغل علیها ونصبح ثمرتها، بحیث نتحول معها ونتخلّق بها، بقدر ما نسهم في إغناءها وإعادة إبتکارها، بصورة لایبقی معها شيء ما هو علیه، سواء من جهة الفکرة أو الفاعل أو الواقع.
إن عملية الإصلاح السياسي والإداري والتخلص من الفساد والرشوة في دوائر حکومة الإقلیم ، ليست سهلة ، خاصة في ظل سیادة أفكار مثل التحزب والتعصب والتبعیة العمیاء و المناطقیة لدی الكثیرین.
أما القرارات الإصلاحیة الجریئة التي أصدرها الرئیس مسعود بارزاني بدءاً بحزبه الدیمقراطي الكوردستاني فقد جاءت ولو بشيء من التأخير لصد و مواجهة المخاطر علی الإستقرار والأمن ومستقبل الإقلیم بسبب تنامي الفساد و هدر الثروات العامة.
نحن لا نشك قید أنملة بأن مواجهة الفساد والقیام بالإصلاحات باتت مطلباً شرعياً لجمیع شعب كوردستان وتحضی بالمساندة القوية من قبل الشعب الكوردستاني وهي ليست ترفاً فكرياً ولا مادة للشعارات أو المزايدات. ورئیس الإقلیم جاد في أمر تمکین السلطة القضائیة و هیئات الرقابة في كوردستان من انجاز العملية الاصلاحية.
فهو یعرف جیداً بأن مصير وارادة الشعب، الذي يريد العدالة والاصلاح ، أهم من أي شخص لذا یصرّ الرئیس بارزاني علی إجراء إصلاحات ومواجهة أي شخص يحاول وضع العراقيل امام عملية الاصلاح او لا يخضع للقرارات و یقر علی عدم إستثناء أیة جهة أو شخص مهما کانت منصبه ومکانته في المساءلة والمعاقبة بسبب الکسب غير المشروع علی حساب المال العام داخل الحکومة. فكثرة الحشرات الثاقبة تؤدي الی كسر الخشب و توسع ثغرة یؤدي الی إنهیار الجدران.
نحن على يقين بأنە لا مجال لإصلاح سياسي وإداري بمعزل عن إصلاح اجتماعي واقتصادي يسير في خطوط موازية. يجب أن يعالج المسائل المتعلقة بـكفاءة أجهزة الإدارة العامة من خلال تبسيط الإجراءات وإعادة هيكلة الجهاز الإداري وتطوير منظومة القوانين والتشريعات الإدارية.
نحن نری بأن تفعیل دور البرلمان ضرورة ملحة لإقرار الإصلاحات و إلزام حکومة الإقلیم بتطبیقها، فمن خلال التطبيق تستطیع الحکومة إن تثبت نوایاها الجادة من أجل تخفیف معاناة الشعب وإعادة الثقة الیهم.
یجب القیام بتعزيز التوعیة الخاصة بمکافحة الفساد والدعوة الی النزاهة ودعم بناء ثقافة النزاهة وإكمال نظام التقييد والرقابة علی عملیة ممارسة السلطة ودعم التشریعات الوطنیة المختصة بمکافحة الفساد و تعمیق الإصلاح في المجالات والحلقات التي تكثر فیها مشاکل الفساد، لضمان ممارسة الدوائر الحکومیة لسلطاتها وفقا للصلاحیة القانونیة والإجراءات الشرعیة.
یجب تعزیز الإنصاف و العدالة الإجتماعیین کقیم جوهریة والسعي وراءها، لکي یشعر الفرد في المجتمع الكوردستاني  بأن حقوقه في الإقلیم تراعی وکرامته تصان وأن القوانین لا تنتهك ولا تکون هناك تمييز في المعاملة بین مواطن وآخر وأن بلده لا تفتقر الی المصداقیة والمشروعیة في نظر العالم. یجب أن لا تمارس الحکومة والنظام إستئثار أو إحتکار و مصادرة وإهانة، سواء في مایخص السلطة والثروة أو الحقيقة والحریة والکرامة. یجب أن تکون الأحزاب الحاکمة رائداً في الإلتزام بالقوانین
لقد اصلحت بلداناً كثيرة اوضاعها، وتجاوزت صعوبات ومشاكل شبيهة بالتي نعيشها باللجوء للعمل المؤسساتي والخطط الجدية المدروسة لمکافحة الفساد و العمل علی التحقيق ومعاقبة الفاسد ومواصلة "صید النمر والذباب معا".
فالمجتمع الكوردستاني یملك غنیً في المعطیات کما یملك فائضاً في الموارد، ولکن مقابل هُزالٍ في الإنجازات، مرده النقص الفادح في الأفکار الحیّة والخصبة والخلاقة. ولهذا فإن أحوج ما یحتاج الیه هو أن یمارس حیوته الفکریة ، بالتحرر من جملة من العقد والحساسیات الحزبیة والهوس النضالي والهذر الثقافي والآفات التي عرقلت مشاریع التقدم والرفاه و حضور العدالة الإجتماعية والمشارکة في صناعة القرارات المصیریة. یجب ترسیخ ممارسات الإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي، بتعاون کافة الجهات وتكامل جهود الجميع بعيداً عن الفردية الهدامة والشخصنة المؤلمة وسلوكيات الاتهامية والعدمية والتشكيك.
علینا أن نتغير لکي نسهم في تغيير سوانا، أو في تحویل واقعنا، بقدر ما ننجح في تغذیة العناوین المطروحة وتحویل المفاهیم السائدة في ضوء التحدیات والمستجدات.   
وختاما نقول: "إذا أراد إقلیم کوردستان التنمیة والإزدهار ، لابد أن تتمسك بالإتجاه الکبير للتنمیة العالمیة و یتقدم معه و إلا سیترکە التاریخ."
الدکتور سامان سوراني

101

الحیاة والموت و ظاهرة الخوف من الشیخوخة

من الملاحظ أیضا أن الکثیرین یتشاکون قصر الحیاة، لأنهم یشعرون بأن أیامهم محدودات، وأن لحظات حیاتهم قطرات في محیط، في حین أنهم یتطلّعون الی الحیاة الطویلة ویطمعون في البقاء المستمر، وفات هؤلاء أنه لیست العبرة بطول الحیاة أو قصرها، بل العبرة بعمق الحیاة أو ضحالتها، وإذا ثمة حیاة تحمل دلالة أو معنی، فتلك هي الحیاة العمیقة الحافلة باللحظات الکبار.
أنا لا أُقاسم رأي الذي یصرّ علی القول بأن الحیاة لا تستحق أن تُعاش وهو لا یرید في قرارةِ نفسهِ سوی المزید من الحیاة. صحیح أن الحیاة لا تخلو من آلام، وشرور، و مخاوف، ومخاطر، وفشل، وعذاب، وشیخوخة، وموت، ولکن کله هذا لم یمنع الکاتب الروسي الکبیر تولستوي (1828-1910) من أن یقول:"ما أمتع الحیاة بین قلوب التي عرفت الحب...ولکن أین الحب؟ إنه في کل شيء حيّ حولي! فأنا أکره الموت، وأکره کل شيء لا ینبض الحیاة." أو قوله بأن "كسب الحياة يكون بخدمة الناس لا باعتزالهم".
ولیس من المستحیل علی إنسان القرن الواحد والعشرین أن ینمي حواسه، ویرهن عواطفه، ویرقي قدراته العقلیة، ویربي فهي نفسه‌ الملکات الیدویة والعملیة، ولکن مثل هذه‌ "التربیة التکاملیة" قد تقتضي منا - أولا وقبل کل شيء- العمل علی إزالة الحواجز التي مازالت تفصل مناحي المعرفة البشریة وعلینا التحرر من الوهم الخادع بأن الأشیاء والذوات تبقی علی ماهي علیه وعلینا القول بأن الحریة، شأنها شأن سائر المسائل. لیست شیئا یکتسب بصورة نهائیة، وإنما هي مراس دائم بقدر ماهي عمل تحویلي متواصل علی الذات والمعطیات.
وربما تکمن الخوف من الشیخوخة في جوهره‌ في تعبیر عن إحساس المرء بأنه لم یستطیع أن یحیا حیاة منتجة، وبالتالي فانه رد فعل یقوم به ضمیر الفرد ضد عملیة التشویه الذاتي التي مارسها في نفسه.
نری في الآونة الأخیرة ثمة ظاهرة غريبة ومستهجنة اخذت في الانتشار في المجتمع الشرقي تستدعي الدراسة وهي ظاهرة إهتمام الرجال وعلی وجه‌ الخصوص السیاسیون منهم بتغییر الشیب بالأسود القاتم، أي تسوید الشعر، من أجل طمس حقیقة معالم الشیخوخة والبحث من دون جدوی عن إكسير للشباب الدائم و أتباع نصائح تجاریة زائفة تساعد علی منع ظهورعلامات الشیخوخة.
من المعلوم بأن الشیخوخة لاتمس الشخصیة، والشخص الذي یحیا حیاة مثمرة منتجة، قبل بلوغه سن الشیخوخة، لن یصاب بأيّ إنحلال نفساني أو أيّ إضطراب عام في بناء الشخصیة، لأن السمات الذهنیة والوجدانیة التي عمل علی تنمیتها في نفسه خلال تطوره‌ الحیوي عبر حیاة مثمرة منتجة لابد من أن تستمر في النمو والترقي، علی رغم من کل وهن جسمي. والشعور بالشیخوخة لدی المرء یقترن في أغلب الأحیان برؤیة صورته في المرآة، وکأن الإنسان لا یهرم إلا من الخارج دون أن یکون قد شعر بذلك من الباطن أو دون أن یکون قد إستشعر ذلك التغیّر في صمیم حیاته الباطنیة. إن رفض الأنسان شهادة المرآة هو في إعتقادي نابع من شعوره بهویته عبر تجاربه الوجودیة السابقة، فیخیل الیه أنه مازال ذلك "الشاب" القوي المتین المتوثب الجبار الذي کان في مرحلة سابقة من مراحل العمر، وکأن من شأن الشعور بالهویة أن یجعله یری نفسه عبر "الذاکرة" لا "المرآة". فالقوة البدنیة أو الجسمانیة لاتخلوا تماما من کل أثر من آثار القوة النفسیة أو الروحیة. والتجربة تشهد بأنه لیس ثمة إنسان - علی ظهر هذه‌ البسیطة - هو بمنجی تماما عن کل إصابة أو فشل. والأشخاص الذین یهرمون بسرعة إنما هم أولئك الذین فقدوا مبررات وجودهم وإن ما یتعب المخلوق البشري ویضنیه إنما هو التکاسل والتقاعد والجمود والرکود، لا الحیاة الملیئة المضطربة، والإنفعالات العنیفة الصاخبة والجهود الشاقة المتواصلة والدراسات الطویلة المستمرة والأعمال المنتجة المثمرة.
أما الحریة ففي نظري لا تعنی سوی فهم الإنسان لنفسه وبذله للجهد الجهید في سبیل الوصول الی ماهو میسّر له‌ بالقوة (والمقصود من القوة، هي القدرة علی تحقیق الذات لا السیطرة).
والإنسان القوي لیعلم إنه لیس مرکز العالم، وإنه لایمثل "المطلق" ولکنه واثق - مع ذلك- من إنه- عن طریق الثقة - بالنفس- أن یزحزح الجبال، وقوة الإنسان نابعة من تواضعه "أو علی حد قول المعلم الیوناني سقراط (469 ـ 399 ق.م) ، إعترافه بنقصه". فالإنسان القوي هو أعرف الناس بنقاط ضعفه وهو أکثرهم إعترافا بعجزه و قصوره، ولکنه في الوقت نفسه أشدهم إیماناً بقوة الصراع من أجل الحقیقة، کما إنه أعرفهم بضرورة العمل من أجل تحقیق المستحیل. وقد صدق الكاتب الروماني وخطيب روما المميز شیشرون (ولد سنة 106 ق.م) قدیما الی حد ما عندما قال بأن "جلائل الأعمال لم تکن في یوم من الأیام ولیدة القوة الجسمیة، أو الرشاقة البدنیة، بل هي قد کانت ولیدة المشورة، والسلطة والخبرة والحکمة الرزینة، وکل هذه‌ المزایا لا تجي‌ء إلا مع الشیخوخة." فنری الفیلسوف الألماني الکبیر إیمانويل كانت أو كانط (1724-1804) یکتب أجل کتبه (نقد مملکة الحکم) في سن السادسة والستین، ویقدم لنا المفکر الفرنسي هنري برجسون (1859-1941)، الذي حظي ابان حياته بشهرة منقطعة النظير، درته الثمینة (منبعا الأخلاق والدین) في الثالثة والسبعین ویطالعنا الفیلسوف الأمریکي وأحد مؤسسي الفلسفة البرغماتیة، جون دیوي (1859-1952)، کتابه الهائل (المنطق أو نظریة البحث) في التاسعة والسبعین وقدم الفیلسوف الكوردي جمیل صدقي الزهاوي (1863-1935) ملحمته الخالدة (ثورة في الجحیم) في الخامسة والستین.
وقد روی عن الرسام والنحات الإیطالي مایکل أنجیلو (1475-1564) أنه رُئی یوما -وکان في ختام حیاته تقریبا- یحث الخطی الی مرسمه، فقال له أحدهم: "الی أین تمض سریعا، وقد غطت الثلوج شوارع المدینة؟" فما کان منه سوی أن أجاب قائلا: "إنني ذاهب الی المدرسة، فلابد لي من أن أحاول تعلم شيء قبل فوات الأوان..!"
وختاماً نقول: لن تکون "إنساناً" إلا إذا عرفت کیف تقضي کل یوم من أیام حیاتك في إجتلاء الجمال والبحث عن الحقیقة والمضي في طریق الخیر والسعي نحو الکمال والتعجب لما في الوجود من أسرار.
د. سامان سوراني

102
هل تنهض عنقاء إقلیم کوردستان من الرماد الإقتصادي؟
بما أن الإصلاح الإقتصادي أو مایسمی بـ "Economic Reform" هو مجموعة أو حزمة من السیاسات ، التي تستهدف إزالة الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية بالإضافة الی إتباع مجموعة من السياسات التي تستهدف الى إعادة تخصيص الموارد لرفع الكفاءة الانتاجية ، في إطار تحرير الاقتصاد المحلي وإعتماده على آليات السوق والحد من دور الدولة في الحياة الاقتصادية ، یمکن القل بأن الإصلاح یتکون من جناحین:
الجناح الأول هو عملیة التثبیت الإقتصادي " Economic Stabilization Policies" الهادف الی إنجاز شروط حالة الاستقرار الاقتصادي في الأمد الزمني القصير ، أي أقل من سنتین ، مع البدء بخفض عجز كل من ميزان المدفوعات والموازنة العامة ، وخفض الانفاق العام وكبح معدلات نموه، وخفض معدلات التضخم بتقييد التوسع في حجم الائتمان المحلي.
 الجناح الثاني یتمثل بعملية التكييف الهيكلي للاقتصاد " Structural Adjustment Policies" الهادف الی إعادة تخصيص الموارد الاقتصادية لانجاز النمو المستدام أزاء بيئة خارجية أكثر سلبية، وهي ترتبط بالأمد الزمني الطويل المتراوح بین ثلاث الی خمس سنوات. وهذه العملیة تشمل أیضاً تعزيز ميزان المدفوعات وإستقرار الأسعار وأداء النمو السليم ، وإعادة التوازن العام الداخلي والخارجي في غضون مدة زمنية معينة لتأهیل الاقتصاد المحلي في نهاية المطاف الى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
لقد تناول واضعي السياسات الاقتصادية والباحثين موضوع الإصلاح الإقتصادي بإعتباره إجراء لازم للوصول الی مستوى مرتفع من الكفاءة والتنافسية من خلال تحقيق علاقة متوازنة بين الموارد المتاحة للمجتمع ومتطلباته في سبیل تصحيح الاختلالات الأساسية في الأقتصاد وإستعادة التوازن الاقتصادي العام.
ما یشهده إقتصاد اقلیم كوردستان الیوم من من قصور في الإيرادات وزيادة في النفقات العامة وجمود إقتصادي وحالة قلق و تململ من تدهور الأوضاع الإقتصادية وهبوط القوی الشرائیة وتراجع أجور موظفي القطاع الخاص وتأخير صرف رواتب منتسبي القطاع العام لأشهر بسبب قطع حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية العامة وإنخفاض أسعار البترول وإستضافة الإقلیم مایقارب ملیوني نازح عراقي ، بالإضافة الی مصاريف الحرب ضد تنظیم "الدولة الإسلامیة" الإرهابي ، کل هذا ولّد لدی عدد غير قلیل من رجال الأعمال والمستثمرين المحلیین في القطاعين السیاحي والتجاري نوع من التشاؤم من المستقبل وحالة من اللایقین لدی المجتمع ، مما جعل الكثير منهم يتخلون عن العقلانیة ویتصرفون بشكل عاطفي بإتخاذهم العديد من القرارات اللاعقلانیة من دون التفكير في العواقب.
من یدرس الجانب الإقتصادي في الإقلیم بشكل منهجي یری بکل سهولة ظاهرة التخلف الإقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي المتميز بسبب السیاسات التي كانت تنتهج من قبل الأنظمة القمعیة الحاکمة في العراق. فبنیة الإقتصاد في الإقلیم إعتمدت كما في العراق بشكل أساسي علی موارد النفط الخام كإقتصاد إستخراجي ريعي وإنتهجت سیاسة الباب المفتوح أمام إستیراد بضائع إستهلاکية ذات نوعیة هابطة وسلع زراعیة تؤثر بشكل سلبي علی ضرورة التصنیع و تحدیث الزراعة من أجل تنمیة الدخل القومي.
أما فيما یخص البطالة المقنعة المكشوفة ، المتراوح عددها تخمینیاً بین ٥٠ الی ٦٠ في المئة ،  فإن إقلیم كوردستان لم یسعی في السابق حل هذه المعضلة الإقتصادية بوضع حلول و برامج إقتصادية تقلل من بروز هذه الظاهرة ، التي تستنزف الدخل القومي وخزینة الإقلیم بشكل واضح. وهي نتیجة لسیاسة التدخل الحزبي في شؤون توظیف المنتسبين في القطاع العام، مما أنتجت عدم تطبيق فلسفة "الشخص المناسب في المكان المناسب". وما شهده الإقلیم في السنوات الماضیة هو عدم سعي القطاع الخاص نحو الإستثمار في القطاعین الصناعي والزراعي وفي الخدمات الإنتاجية والدراسات الفنية والمهنية والبحث العلمي ، رغم وضع حکومة الإقلیم شکلیاً الإهتمام بالصناعة والزراعة والسیاحة من أولویات أجندة عملها ، کإستراتیجیة تنمیة غير دقيقة الی حد ما.
إن تبني حکومة الإقلیم سیاسة التقشف المالي بهدف معالجة العجز في الموازنة العامة و تخفيض معدلات التضخم أمر ضروري. وهي ترتبط بشكل مباشر بتخفيض النفقات العامة ذات الطابع الاجتماعي، مثل نفقات الدعم للسلع التموينية وتعيين الخريجين والتعليم والصحة ومحاولة تحصيل رسوم عن هذه الخدمات وهذه السیاسة یجب أن يتضمن رفع أسعار خدمات المرافق العامة كالمياه والكهرباء وذلك من أجل زيادة الإيرادات العامة بالرغم من أن الخطوة الأخير سوف تضرّ بفئات واسعة من الشعب الكوردستاني ، لأنه یقلل من الإنفاق الإستثماري والإستهلاکي  ویؤدي بالنتیجة الی مزید من البطالة و یقلل من حصة الفئات ذات الدخل المحدود من الحاجات الأساسیة.
الحکومة قامت بإعادة النظر في الأجور والرواتب من أجل رفع كفاءة إنتاجية النفقة العامة و خفض الأجور الحقيقية للعاملين.
لابد في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة من تقلیص دور القطاع العام أیضاً و بیع بعض أجزائه الی القطاع الخاص، لان عملية الخصخصة هي جزء أصيل من برامج الإصلاح الاقتصادي ، فهي تمثل تغييراً جذرياً للسياسات الاقتصادية من اجل المشاركة في تعبئة الموارد المحلية اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. إن السیر نحو سیاسة زیادة الطاقة الإنتاجية في الأمد الطويل في القطاع الخاص وإضعاف العوامل المعیقة لنشاط هذا القطاع وتشجيع الإستثمار الأجنبي الخاص والدعایة لە من خلال المزايا والإعفاءات والتيسيرات الضريبية والجمركية بالتزامن مع تطوير السياسات الضريبية وتوسيع الوعاء الضريبي، والحد من الإعفاءات الضريبية أمر ضروري أیضاً.
ولکي تنهض عنقاء إقلیم کوردستان من الرماد الإقتصادي علی حکومة الإقلیم السعي الجدي في التخفيف من الاعباء التي تتحملها ميزانية حکومة الإقلیم نتيجة استمرار دعمها للمشاريع والشركات التي اثبتت التجربة عدم جدواها اقتصادياً، وتوجيه الإنفاق العام نحو دعم البنى الاساسية والمنشآت الاقتصادية ذات الاهمية الاستراتيجية. علیه تمويل برامج العمل العامة لخلق فرص عمل للشباب وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقديم الدعم المالي لها وتدريب وتأهيل الشباب للعمل في القطاع الخاص.
ولابد للإصلاح أن یشمل القطاع المالي والمصرفي بهدف إيجاد انظمة مالية ومصرفية سليمة وتنافسية من اجل تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي والاسراع في وتيرة النمو الاقتصادي وتمكين الاقتصاد من التكيف مع الصدمات الخارجية. لابد من تقدير العواقب الاقتصادية والاجتماعية والسیاسية من جراء الإصلاحات الإقتصادیة بصورة دقيقة لأن الوضع العام في الإقلیم مازال مثقل باعباء ومخاطر سياسية وأمنية واقتصادية.
وختاماً علی حکومة الإقلیم أن تتعامل وفق إستراتیجیة مدروسة وذکیة مع ثروة كوردستان لإستخدامها كأداة فاعلة من أجل الوصول الی الأهداف المرجوة كالإستقلال ، فالثروة كما یقال تأتي كالسلحفاة وتذهب كالغزال.
الدکتور سامان سوراني



103
رحیل "هلموت شمیدت" المفکر والأوروبي الكبير ورجل الدولة الألماني والمرجعیة السیاسیة


بالأمس رحل عنّا شخص فذ مولود في الثالث والعشرين من ديسمبر/كانون الأول عام 1918 في مدينة هامبورغ عن عمر ناهز الـ ٩٦ سنة. هذا الشخص کان نابع من أحضان أسرة بسيطة ، عاش من أجل السیاسة بعد أن تدرج في مناصب حزبية و سياسية ووصل في عام ١٩٧٤ الی أعلی منصب سياسي في المانیا ألا وهو منصب المستشار ، فصار بعد أستقالة السياسي الإنساني المشهور في الحزب الدیمقراطي الإشتراکي والحاصل علی جائزة نوبل للسلام عام ١٩٧١ فيلي برانت (13 ديسمبر 1913 - 8 أكتوبر 1992) المستشار الخامس لجمهورية ألمانيا الاتحادية حتی عام ١٩٨٢.
هلموت شمیدت الطموح الی الشهرة لا الی السلطة کان صاحب العقل الإقتصادي الأول في بلده وهو صاحب نظريات مستقبلية في السياسة العالمية وأحد رواد الوحدة الأوروبية المسالمة. ترك بصماته الواضحة في تاريخ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية و ترك خلفه بالأخص ثقافة السیاسة بعد زرعه سیاسة التسامح في المانیا والإنفتاح علی العالم.
في فترة حکمە کان الصراع الإیدیولوجي بين الرأسمالیة والإشتراکیة في أوجه ، تمکن هو بحنکته السیاسیة أن یبرز قدرته في التفاوض وإیجاد حلول سلمیة للصراع الدائر بین الشرق والغرب أیام الحرب الباردة.
کان هذا القيادي الاشتراكي الديموقراطي السابق  مفرطاً في التدخين إلا أنە بقی رجل المواقف الصعبة، ففي كارثة فيضان هامبورغ في فيبرایر ١٩٦٢ استطاع کوزير للداخلية بخبرته الاقتصادية والسياسية والعسکرية أن يلعب دوراً هاماً في عملية الإنقاذ وتلافي أثار الكارثة التي هددت حياة ما يقارب ثلاثمائة ألف شخص.
في فترة حکمه واجهت المانیا أزمات أمنیة كبيرة ، منها بروز جماعة أطلقت علی نفسها "جماعة الجیش الأحمر" ، کانت تعرف أیضا بمجموعة بادر ماینهوف ، إحدى أبرز وأنشط الجماعات اليسارية المسلحة بألمانيا الغربية ما بعد الحرب وکانت تسمی تلك الفترة بـ"الخريف الألماني". وقد أستطاع هو بحکم فطنته السیاسیة الخروج من أزمة السبعینیات بذكاء و بأقل خسارة وقد أعلن هو عن عزمه في التنحي عن منصبه فيما إذا أخفقت جهود حكومته في حلّ أزمة اختطاف طائرة تابعة للخطوط الجوية الألمانية لوفتهانزا من قبل إحدى الفصائل الفلسطينية والتي هبط بها في مطار مقديشو عام ١٩٧٧.
إنسحب هلموت شمیدت قبل ثلاثة عقود من السیاسة ، لکنه كان خير مساهم في النقاشات السیاسیة والثقافية علی المستویین الأوروبي والعالمي.
هنا بعض من أفکاره مستقاة من خطاب لە القاه بتاريخ 2012.09.22 بمناسبة تكريمه لحصوله علی جائزة ويستفاليا الألمانية للسلام:
"الألمان فهموا أخيراً بأنهم أوروبيين ولا يجوز لهم الرجوع الى  اللعبة القديمة، أي لعبة ميزان القوى  في أوروبا، بل عليهم أيّاً كانت النوايا والاستراتيجيات العمل بجدية في إستخلاص النتائج الإيجابية اللازمة من تجارب القرون الأربعة الماضية، وهي كما يلي:
أولاً: تجارب التاريخ علّمت الأمم الأوروبية وبالأخص قياداتها، بأن نتائج كل المحاولات السابقة في بناء قوة مركزية أحادي القطب في أوربا كانت فاشلة، لذا لا يمكن أن يكون نصيب المحاولات المستقبلية في هذا الأمر غير الفشل. والمساعي الرامية من قبل الأتحاد الأوروبي لتعزيز قدرته في مجالات السياسة الخارجية، الإقتصادية ، المالية والأمنية عن طريق عقد معاهدات وسن قوانين تبقى  دون فرصة كبير.
 ثانياً: على  الألمان أن يتذكروا في هذه الحالة كل من ونستون تشرشل، شارل ديغول، جورج مارشال، هنري ترومان وجورج بوش الأب لتسديد ما عليهم، لأن هؤلاء كانوا رجال دولة وقاموا بمساعدة الألمان في ظروفهم الصعبة. وهذا يعني أن على  الألمان أن يدعموا الإتحاد الأوروبي بجدية وتكون مبادراتهم في سبيله هي الأولى . فالمادة 23، فقرة1 من الدستور الألماني تبسط الطريق لهذا الأمر، لأنها تسمح بالتعمق والإعتصام بحبل الإندماج  بالطبع يحتاج تبنّي هذا المشروع الى  أموال طائلة وعلى  الألمان البدء به، وإلا كيف تمكنت دولة المانيا الإتحادية بأن تكون المستفيد الرئيسي من قضية الإندماج الأوروبي؟     
ثالثاً: بغض النظر عن الدروس المستخلصة من تجارب القرون الماضية، يجب أن لا يكون الألمان سبب ولادة الجمود والتراجع أو إضمحلال مشروع الإتحاد الأوروبي. فالدول في القارات الأخرى  تنتظر بفارغ الصبر كي يتصرف هذا الإتحاد أخيراً بصوت وحدوي وهذا يحتاج الى الإرادة الكاملة للعمل المشترك مع الفرنسيين والإرادة في العمل مع البولنديين بجدية أكثر. والإرادة في التعاون مع دول الأخرى  الجوار تعتبر من الضروريات. فالألمان تغيّروا من حيث علاقاتهم بالعالم وتعلموا من ماضيهم. فهم يستطيعون إثبات ذلك بعد دراسة العواقب عن كثب وبإمعان بعيداً عن الاطروحات الطوباوي.
 ومن البديهي بأن القارة القديمة تعيش اليوم صراع فكري، كما تشهد المناقشات الخصبة والسجالات الصاخبة حول القضايا الأوروبية المطروحة والأزمات الإقتصادية في بعض بلدانها، لكن كل ذلك لا ينقص من الحقيقة بإن تلك المجتمعات قامت بتغيير عدتها الفكرية ومهماتها الوجودية وعملت بشكل مثابر على إختلافاتها وحولّت فكرة الإتحاد الأوروبي الى واقع تداولي معاش  أثّر في الحياة اليومية لجميع الناس وتجسّد ذلك بشكل خاص في العملة الموحدة، التي تسمى اليورو."
لقد بقی هذا الرجل رغم صراحته الموجعه‌ لخصومه دیمقراطياً الی آخر نفس من سیکارته. ألف شميت نحو ثلاثين كتاباً وكان ناشراً (1983) ثم مديراً (1985- 1989) لصحيفة "Die Zeit" الأسبوعية الألمانية.
وختاما نقول: "هناك شيئين يفعلهما العظماء دائماً، وهو أنهم يُقررون ما يُريدون ثمّ يفعلوا ما يرُيدون، لأنهم يُدركون أهمية حياتهم على كوكب الأرض وأنّ لديهم رسالة خالدة لإسعاد أنفسهم والبشرية كلّها."
الدكتور سامان سوراني

104
إقلیم كوردستان وضرورة الإصلاح السياسي
 

بما أن الإصلاح السياسي هو عکس مفهوم الثورة ويعني تعدیل غير جذري في شکل الحکم أو العلاقات الإجتماعية دون المساس بأسسها ، أي العمل علی تحسين النظام السياسي الإجتماعي القائم ، دون المساس بأسس هذا النظام ، يری بعض المنظرين أمثال الأميركي المعروف صاموئیل هانتغنتون صاحب أطروحة صِدام الحضارات بأن الإصلاح السیاسي ليس إلا "تغيير في القيم وأنماط السلوك التقليدية ، وتوسيع نطاق الولاء ليصل أخيراً إلى الأمة ، أساس هذا الإصلاح هو العمل علی عقلنة الحياة العامة وعقلنة البنى في السلطة وتعزيز التنظيمات المتخصصة ، وإعتماد مقاييس الكفاءة." بموجب هذا التعريف يعني الإصلاح السياسي إذن تطوير كفاءة وفاعلية النظام السياسي في بيئته المحيطة داخلياً وإقليمياً ودولياً.
عملية الإصلاح السياسي يجب أن يمس جوانب عديدة و إيجابية للنظام لإعادة هیکلته عن طريق خلق فاعلين جدد ویجب أن يتم بموازاة مع التغيير الحاصل في المجتمع. إذا أردنا أن نبني دیمقراطية تشارکية حقيقية ، یتحول فیە المجتمع الکوردستاني الی إقلیم القانون وليقوم أعضاءه بواجباتهم ویتمتعون بحقوقهم، فما علینا إلا إحضار الإصلاح السياسي ، ففي غيابه لایمکننا التطرق عن إصلاح اقتصادي واجتماعي وتنمية اقتصادية ، بإعتباره جزء جوهري في الإصلاح الشامل.     
المجتمع الذي يسعی الی تعدیل واقع نظامه السياسي لینتقل من مرحلة مقيدة ببنی تقليدیة نحو مرحلة تؤمن ببنی محدثة لمواکبة العصر ومتغيراته من مضامین تدفع نحو الحرية المستندة الی الإختیار کأساس الدیمقراطية وجوهرها الحقيقي ، يحتاج الی مؤسسات تخضع الی معاییر قانونیة تحکم عملها بمنأی عن الجمود والشخصانية والتحكم أو التسلط. إن وجود المعیار القانوني ضروري لفهم المطالب والقدرة على إدراك التوقعات التي يحدثها الإصلاح، وفي ظل غیابە ینهار النظام السياسي أو يتعرض لحالات انعدام الاستقرار السياسي.
الشرعیة السياسية تبدأ من حیث مراعاة المتطلبات والاحتياجات المادية والمعنوية للمكونات الاجتماعية بعد الوصول الی تطابق قيم النظام السياسي مع قيم الناس وإلا ما الجدوی من الإصلاح.
إن بناء المواطنة القانوني المرتبط بالإنتماء الی إقلیم كوردستان والولاء لنظام الحکم فیه يبدأ بخلق ربط المواطن بالإقلیم من خلال قنوات تواصل تلبي الاحتياجات والمتطلبات السياسية والاقتصادية.
الإصلاح السياسي في الإقلیم يجب أن يكون ذاتياً من الداخل شاملاً لمختلف مناحي الحياة السياسية "البنّوية والتشريعية" وينحى منحى التدرج والشفافية ويركز فيه على المضمون "الجوهر" وليس الشكل.
فالإنفتاح الكامل علی الشعب الكوردستاني في كل السياسات والممارسات ، لإبداء الرأي بتلك السياسات هو من أهم الخطوات نحو الديمقراطية ، بە يولد الشفافية والمساءلة.
نحن اليوم أحوج مانکون الی القيام بإصلاحات شاملة في بنیة الواقع الكوردستاني وذلك لتجسيد روح المواطنة واشاعة العدل والمساواة بين مواطني كوردستان دون تمايز. علینا استئصال الفوارق القائمة على اساس الانتماءات الحزبية او القومية او الدينية او الطائفية او العشائرية. لقد سارت عجلة التحديث والتطوير في كوردستان بسبب الظروف السياسية المفروضة علیه ببطء. إن بلوغ الغایات والأهداف التي من أجلها ناضلنا مایقارب قرن من الزمان يفرض علینا أن نفعل قدرتنا علی التوحد والتنسيق المشترك  لإغتنام الفرصة التاريخية والفرص السانحة لتغيير فعلي ونقلة نوعية في حیاة شعب الإقلیم وإعادة صياغة الإنسان الكوردستاني  على اسس حديثة تستجيب للقيم الحضارية الانسانية التي تعتمد العقلانية والمنهجية والعلاقات الانسانية بين ابناء المجتمع.
علی الأحزاب الكوردستانیة التي تشکل الخارطة السياسية العمل علی إنهاء الإنقسامات والشروخات في المجتمع والسعي نحو مغادرة أفكار التجزئة والتشرذم بما يقوي حب الإقلیم ويعزز الخطاب الكوردستاني لتنمية الوعي الكوردستاني بعد أن عانی هذا الوعي التسلط والإرهاب والمحاربة الدائمة لأكثر من ثلاثة عقود من قبل النظام الدیکتاتوري البعثي المقبور.
علیها نشر ثقافة الدیمقراطية بين أفراد المجتمع الكوردستاني والتي تعني احترام آراء الاخرين  وحقوقهم في التعبير عنها في اطار من المساواة والتكافؤ ومکافحة العصبية کرابطة إجتماعیة سیکولوجیة ، شعورية ولاشعورية وعلی الأحزاب السياسية الفاعلة أن تتخلی عن السعي الی دفع المجتمع الكوردستاني نحو خضم صراعات ومواجهات تضعف قدراته على مواجهة التحديات الجسیمة كحربنا ضد التنظيم الإرهابي الدولي داعش والتصدي للعوامل الأخری المؤخرة لتقدمه وتطوره. التنمية لا تحصل بالتمني بل لابد من أن تتوفر الإرادة لدی الجهات المسؤولة لإصلاح الوضع الراهن و لابد من أن تتضافر الجهود للنهوض بالمجتمع إلی مکانة تقتضيها طبيعة العصر الحديث.
وختاماً نقول: "لإجتیاز إمتحان المعرفة والديموقراطية والتنمية ماعلینا إلا أن نمارس هويات عابرة وأن نتعامل مع معدننا كتراث لا كمتراس وأن نتصرف على مستوى إقلیمنا الکوردستاني لكي تكون هويتنا عابرة منتجة مبدعة خلاقة حتى نتمكن من المساهمة فى منجزات الحضارة الحديثة."
الدکتور سامان سوراني


105
داعش وإرهاب الجماعات الإسلامية الظلامية المجرمة

تشهد باريس اليوم حضوراً كبيراً لرؤساء دول وحكومات العالم ومنها حکومة إقليم كوردستان، للمشاركة إلى جانب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في "المسيرة الجمهورية" للتنديد بالهجمات الإرهابية التي شهدتها فرنسا في الأيام الأخيرة والتي خلفت 17 قتيلاً.
فالعملية الإرهابية التي قادها جماعة إسلامية متطرفة علی مقر الصحيفة الأسبوعية الساخرة ذات التوجه اليساري في السابع من كانون الثاني ٢٠١٥ والتي أودت بحياة ثمانية من الصحفيين ورجل إقتصاد واحد و إثنين من الحراسة الخاص والإستقبال ورجل من الأمن وجرح عشرة آخرين ، كانت بداية دموية مفجعة، إنها هجوم علی حرية التعبير في مجتمع مفتوح.
أما عوائل الضحايا وكذلك الصحفيين والكتاب والفنانين المناضلين بفكرهم من أجل إعلاء الكلمة الحرة هم اليوم بأشد الحاجة الی دعمنا ومساندتنا.
هذه العمليات الجبانة هي ثمرة العنصرية والنرجسية الدينية المقيتة ونتاج تحجر عقلية الأصولية الجهادية أمام جدلية الفكر ودلیل قاطع علی الضحالة الثقافية والخواء الفكري لديهم في عدم تمكنهم بالرد علی الأفكار الحرة بالمنطق الأرسطي أو البراغماتي وآليات العقل.
نحن نعرف بأن العقلية السلفية الجهادية تعيش بیننا وفي مجتمعنا وهي ترفع شعار: "أنا أو الطوفان، أنا أو أحرق الأخضر واليابس". ولغرض كسب الحرب ضد لذا ومن أجل القضاء علی بذور الإرهاب وضمان تأمين العالم من التدمير والتخريب نطالب من الحكومات والأحزاب والمؤسسات المؤمنة بالديمقراطية وحقوق الإنسان القیام بالتنسيق بینهم لمحاربة الإرهاب الذي اصبح خطره لا يكمن فقط في منطقة واحدة بل في العالم أجمع ونطالب تلك الجهات أيضاً العمل بجد في مكافحة جميع أنواع الخطابات الدينية التحريضية ، التي تولد العقل التكفيري الإرهابي. فوباء الإرهاب في عصر الطفرة المعلوماتية خطير جداً فهو اليوم ظاهرة دولية يعبر بسرعة الضوء من مكان الی آخر. إن بشاعة العمليات الإرهابية الجديدة تزداد و تتصاد في كل مرة كماً ونوعاً ، كالعملية الهمجية التي قام بها الطالبانيون (طلاب العلوم الدينية) ، أصحاب الهويات المفخخة والمشاريع المستحيلة في كانون الأول من عام ٢٠١٤ في مدرسة باكستانیة ، راح ضحيتها أكثر من 140 تلميذاً. قتلوا برصاصة في الرأس.
التعليم الديني ، الذي أقتصر علی نشر فنون الحجب والخداع والنفاق والزيف ، أنجب المنظمات السياسية والجهادية ، تلك التي اتخذت من الإسلام عنواناً لعملها بهاجس الوصول إلى السلطة والمحافظة عليها بأي ثمن ، بعد طعن المقدسات والخروج على الثوابت وكان الحصاد هذا العنف وهذا القتل وهذا الدمار.
التاريخ يقول لنا بأن الأديان تأسست علی عنف رمزي إلهي أو قدسي ، أصحابها مارسوها كحد أو رادع ، كتقی أو تحريم أو تسليم ، لکن أصحابها اليوم يمارسون عنفاً فاحشاً ، ينتهكون من خلاله كل الحرمات والحدود والقيم ، كما تشهد حروب آلهة داعش بجنونها وفضاعتها وذبحبها الأبرياء من علی الشاشة بإسم الدين. نسأل أنفسنا ، كيف تبقی ثقتنا بالأديان كمرجع للمعنی؟
شعب كوردستان يقف اليوم مع حکومة فرنسا ويدين هذا العمل اللاإنساني الجبان. أما قواته من البيشمركة الشجاعة ، فهي تمارِس دوراً بطولياً رائعاً جدّاً ونموذجاً تاريخياً عالياً في حربها نیابة عن المجتمع الدولي ضد التنظيم الوحشي المسمی بداعش ، المنتج بدولته المبنية علی الدمار والقمع والتهجير والتنکيل والسبي والإغتصاب وقتل كل من يخالفهم الرأي والمعتقد، أكانوا مسلمين أو غير مسلمين للتخلف والإستبداد والفقر والفكر الإرهابي.
وختاماً: لقد خرج التنين الديني والمذهبي بنزعته التدميرية من دهاليز الذاكرة وكواليس الوعي ، فأنفجر عنفاً وتخريباً ، فلكي لايتحول الدين الی فایروس قاتل والأصولية الی جرثومة مضرّة ولكي لا يغرق الشرق الأوسط  في السكونية المطلقة أو يتحرك عکس حركة الزمن والتاريخ ، علینا محاربة الفكر الأصولي الجهادي أينما كان ونبذ العقلية الإصطفائية القديمة ومنطق التقديس و عبادة الأصول والنصوص وعلينا العمل الجاد علی تطوير مفاهيم المشترك العمومي أو العالمي بين الناس، سواء على مستوى مجتمع معين أو العالم بمجموعه ، فلا مجال في هذا العالم المعولم للتمترس وراء الهويات المغلقة أو الجامدة.
الدكتور سامان سوراني

106
إقليم كوردستان بعد إنهيار الدولة الإسلامية في العراق والشام

صناعة الخراب الذي يتباكی الآن علی أنقاضه من أسهموا في إنتاجه بعقول ملغمة ومسلمات عمياء و توجّهات مقلوبة تتحول بعد الإنتصارات النوعية والمتتالية لقوات البيشمرگة الكوردستانية في أكثر من مكان علی ميليشيات الدولة الإسلامية ، عبدة الأقانيم الوهمية المقدسة ، الی عملة قديمة بعد أن كانت قبل فترة وجيزة أداة للقهر والإستبداد والإرهاب والإستئصال. الكوردستانيون أثبتوا بأن تنظيم داعش ليس غولاً، بل تحدٍّ يمكن لقوات البيشمرگة التصدي له.
هذا التنظيم الذي صار سبب في زعزعة الإستقرار في مناطق واسعة من الشرق الأوسط بتهديها علی كل من سوريا والعراق ولبنان والأردن وأماكن أخری جذب في الماضي آلاف المقاتلين من الغرب الذين إستمدوا وحيهم من الدولة الإسلامية والذين سوف يكونون بعد هزائمهم في كوردستان مصدر تهديد لبلدانهم بعد عودتهم الیها.
نحن مع الرأي القائل بأن الإرهاب سيستمر ، لذا يجب العمل علی إستراتيجية طويلة الأمد لتحديد خطورتها والتصدي لمخططاتها أينما نشأت.
إقليم كوردستان يمارس اليوم مجموعة من الأدوات السياسية بطريقة تكمل بعضها البعض  من أجل خلق الظروف المؤاتية لإرساء الأمن والإستقرار في المنطقة ويشارك بشكل فعال في صياغة إستراجية لتغيير وإضعاف الديناميات التي تنشط المد الإرهابي . ولإعاقة تدفق المقاتلين من مناطق الحرب مع داعش واليها يجب إستهداف الممولين والميسرين والوقوف ضد التحدي الذي يخلقه التنظيم والمؤدي إلى تسرّب عدم الاستقرار عبر الحدود الإقليمية. أما فيما يخص ملاحقة وضرب هذا التنظيم في خارج حدود كوردستان ومكافحة دفع الشباب إلى الأصولية فهذا أمر يحتاج الی التعاون مع الدول المحاذية لكوردستان والتحالف الدولي الداعم للعمليات العسكرية الكوردية.
إن صناعة الموت بإسم الإسلام والقومية هو ماقام به داعش بغزواتە وحروبە وممارساتە الإرهابية ومذابحه الجماعية في الكثير من المناطق الكوردستانية وهو ما أثبت بأن الإنسانية التي يدعونها توّلد الفقر والتفاوت والإستبداد ، بقدر ماتولد النزاع والعنف والإختلاف الوحشي.
العنف الذي أصدمنا بإرهابه ورعبه وقتله وتخريبه ليس مجرد تجسيد لصدام الثقافات ، أو مجرد تعبير عن فشل المجتمعات الإسلامية في ممارشن الديمقراطية والتحديث ، ولا الفاعلون هم مجرد حفنة من الإرهابيين يهددون مصير الشرق والغرب. إنها معضلة إنسانية ، التي باتت عاجزة عن معالجة دائها الأعظم ومشكلة المسلم الحداثي مع نفسه. المسلم الذي لايتعلم من أخطاءه ولايحسن صنع حياته أو إختراع مستقبله. فجذور العنف الداعشي يتجسد في نماذج الثقافة وقيمها وفي مسبقات الفكر ومؤسساته ، إنه يكمن في منطق المطابقة التامة وديكتاتورية الحقيقة النهائية  وفي الحقول المفخخة بالتصنيفات العنصرية والمفاضلات الإصطفائية وكذلك في الخطابات الملغمة من منابر المساجد الملغمة بالإدعاءات المثالية والمزاعم اللاإنسانية. وفوضى الديموقراطية المعبّرة عن مصالح ضيقة والمسيّرة من القوى الخارجية، المتنازعة أصلاً، يجب أن تزول ، كي لا تسمح لنمو العقل الداعشي ، لإن الإحساس بالإحباط يدفع الفرد نحو العـودة إلى صـورة سلفيّة أسطـوريّة مغلـقة من الدين. علی الإقليم الإستمرار في سياسة تعزيز أسس المساواة الفرديّة والاجتماعيّة، أي المواطنة المتساوية والعدالة في التوزيع، وحتّى بعض أسس الإنسانيّة الشاملة.
ويجب التحضير لمرحلة ما بعد إنهيار الدولة الإسلامية والعمل علی تشجيع إيقاف خروج جيل من المتطرفين أكثر وحشية وبربريةً من خلال عدم تهميش التطرف في الإقليم والمناطق الكوردستانية الأخری.
لقد خلق داعش عقل إرهابي مبني  علی الفوضوية وحوّل هذا العقل من مرحلة التنظيم الشبكي المبني على مرجعية شرعية مستقرة نسبياً ترفع شعارات ذات طابع ديني الی مرحلة الإنفصال والإستقلالية المحلية وخرج هذا التنظيم بفعله عن السيطرة الرمزية للمنظرين، الذين لم يكونوا أيضاً معتدلين في الفكر أو منطقيين في تزوير المفاهيم الدينية ، وتحول دولته الإسلامية بخروجها إلى ما يشبه الميليشيات أو عصابات من المرتزقة الخارجة عن القانون.
هذا الخروج يصعب علينا التنبؤ بخطوات العقل الإرهابي القادمة وحدود العنف الوحشي الذي قد يبذره في المنطقة ،  حيث لا قيود ولا شروط ولا انتظار لرؤية شرعية ولا تأييد من قبل المتعاطفين في الخارج. مع كل ذلك علينا العمل علی تغيير "الفكرة العنفية المسيطرة" لتغيير الواقع واستبداله بواقع متخيّل يراد تحقيقه على الأرض قسراً.
وختاماً: مشروع الدولة الإسلامية فقد مصداقيته علی أرض الواقع وفي ضوء التجارب المدمرة. فهذه هي مصائره علی إختلاف نسخه ومنظماته التي تشهد علی أهله، يعني تحويل الفكرة الی مؤسسة للقتل والذبح والترهيب والهوية الی محمية فاشية عنصرية والخلافة الی إستراتيجية قاتلة وكلمة "لا إله إلا الله" الی فتن وحروب ودمار ووحشية.
الدكتور سامان سوراني



107
فلسفة داعش وإنتقال العالم العربي من التاريخ الی ماقبل التاريخ

بالرغم من أن هناك أسئلة كبيرة يمکن للإنسان أن يطرحها علی نفسه اليوم كالسٶال عن الإنسان والوجود والمجتمع الی أين ، إلا أن السٶال الأهم يبقی كما هو ، نحن نعيش اليوم إنفجارات  وتحولات جذرية متسارعة وثورات وصدمات متلاحقة علی كافة الأصعدة منها الحضارية والتقنية والثقافية أو المعرفية والسياسية والإجتماعية ، أما يحدث ويتشكل هو عکس الإدعاءات ، فاليقينيات تنهار والمثاليات تبتلع والأمر يخلق وعياً حاداً بوجود أزمة تطال أشكال المشروعية الخلقية بقدر ما تشمل مختلف مناحي الحياة ، لماذا سقوط مجتمعات العالم العربي في إمتحان الفردية والمواطنة والديمقراطية والمجتمع المدني وتراجعها عما كانت علیه قبل عقود ، بالرغم الدساتیر والقوانين والأنظمة ذات المسميات الجمهورية أو الديمقراطية؟
الدولة الإسلامية في العراق والشام أو مايسمی بـ"داعش" الحاملة نواتها أيديولوجية فاشية دينية هو تعبير عن الأزمات القصوی في الوقت الحاضر ، تضافرت فيها عوامل داخلية وخارجية كثيرة. وهي تعبير عن معاني كثيرة وإرث كبير وواقع سياسي وعسكري موجود في شتی مجالات الحياة بعد فهم الواجب بشكل معكوس و بطريقة مقلوبة وبعد التظاهر بمثاليات وقيم قد تنطبق علی أي شخص إلا هم. داعش كمشکلة كانت موجودة في التاريخ ولايزال وإن لم تكن متبلورة تحت هذا المسمی.
ففي الغرب تمكن العقل الغربي من إحداث ثورة في البنية التحتية للفكر فشهد عصر الميتافيزيقيا و عصر فلسفات العلوم و عاش الحداثة و مابعدها وهو الآن يسعی الی الحفاظ علی الوجود بعد أن صرف وقتاً في دراسته وهكذا تمكن من الإنتقال من الكليات والمطلق البحت الی جمع الأجزاء في إطار كلي واحد.
أما في العالم العربي فنری العقل العربي المتقوقع في عصور الخرافة  وزمن إغتيال الفلسفة بإسم الدين والسياسة خوفاً من النقد والحرية ، الكامن في الجزئیات الشيطانية ، يطلّق التأمل ويهجر التفكير وهكذا تغيب الأسئلة الكبرى عند هذا العقل وهو في حالة اندهاش دائم.
فالمنتمي الی العقلية الداعشية لايعترف بحدود لمكان وتاريخ لزمان وقدسية لأحد ، يسقط الكل تحت المطرقة ولا كرامة لأحد عنده. مذاق المٶسسة الدينية الداعشية ، إن كانت هناك مٶسسة ، يولّد إيديولوجيات مقفلة مناسبة لهوس الزعيم الأوحد ، الخليفة ، الساعي الی تهديد السلام العالمي وتخريب العمران البشري. فجرثومة داعش الإصطفائية تصنع اليوم كل الكوارث والممارسات البربرية.
صحيح بأن الانسان لا يولد داعشياً بالفطرة ، فالفطرة السليمة تتنافى مع مفاهيم وسلوكيات داعش، وأن ظاهرة داعش ظاهرة مؤقتة تصل الى ذروتها  لتنتهي في الهاوية ، لکن ظهور داعش هيأ بيئة خصبة لكل مأزوم نفسي وكل حاقد وسادي ومتنطع يحب البروز وكل منبوذ اجتماعي وكل فاشل في حياته ، يری في التنظيم فرصة ليعوض تكرار فشله وإختيار هذا الطريق، وصار هذا الظهور مكة لزیارة الذين عانوا أزمات الهوية والانتماء والثقافة والتهميش الاقتصادي والفقر. أما الحركات السلفية بدعواتها الی الجهاد القائم علی العنف فهي الأخری شكلت من جابنها أرضية حاضنة للجهادية التكفيرية.
في العالم العربي لاوجود للعمل الدائم علی الإنتماءات والقيود والضغوط لتحسين شروط الوجود أو تغير ظروف العيش ، لأن ذلك يحتاج الی كسر منطق الفرديات المنعزلة والجماعات المغلقة والهويات المتوحدة أو الذوات الوحدانية ، فمنذ زمن بعيد ولی مسألة الخيار بين الفردنة والجمعنة ، أي بين التوحد مع الذات والذوبان في الجماعة.
وختاماً نقول: كفاكم الأمل بحل إسلامي بعد حروب الجوامع ومراقد الأنبياء وغزوات لهتك العروض وقتل الأبرياء، التي فضحت هذا المشروع الكاذب وعلی العالم العربي المنتقل الی ماقبل التاريخ الإعتراف بالواقع ، إذا أرادت أن تبقی في التاريخ ، التشخيص والإعتراف والتعقل والتدبر. ففي ضوء تجارب داعش المريرة والمدمرة فقدت المشاریع الإسلامية مصداقيتها علی أرض الواقع ، لأن دعوتهم كما نعیشها اليوم أصبحت إستراتيجية قاتلة و كلمة "لا إله إلا الله" الجامعة الی غزوات وفتن أهلية وخلافات وحشية ودمار شامل والصحوة الی عتمة دامسة والهوية الی محمية عنصرية شوفينية.
الدكتور سامان سوراني

108
باتريك موديانو بين البحث عن الهوية وفقدان الأمل

الروائي العالمي باتريك موديانو (Patrick Modiano) المولود عام ١٩٤٥ في بولون- بیانكور الواقعة في شمال فرنسا ، الذي يعد أهم كاتب فرنسي منذ التسعينيات القرن الماضي وحتی الآن والذي حصل علی العديد من الجوائز الأدبية القيمة داخل وخارج فرنسا يحصل اليوم علی جائزة نوبل للآداب. فضاءات ومسارح أعمال هذا الروائي هي باريس مكة الحب بشوارعها وحاناتها وحدائقها ومواصلاتها فهي إحدى أكبر مراكز الفن في العالم الحاضنة لبرج إيفل وقوس النصر ومتحف اللوفر وقصر فيرساي ، التي كانت المقر الرئیسي للثورة الفرنسية.
حياته نسيج من أنين الذات وخيال كثير الظل يبحث فیها زمنياً عن سيرته الشخصية الشبه قاتمة والمضطربة وخاصة في فترة طفولتە ومراهقته ومكانياً عن باريس ، باريس الستینات من القرن الماضي ، حيث العتمة السياسية والأمنية. يمکن هنا أن نقول بأن طيف والده الإيطالي من أصول يهودية والذي كان مشتبها به في قضية إضطهاد اليهود في فترة فرنسا الفيشية (١٩٤٠-١٩٤٤) ، الحكومة العميلة للنازية ، قد وسم سيرته الشخصية. كان الوالد يعيش بسبب هذه التهمة في نوع من الإختفاء والهروب المستمر ، الی أن مات بطريقة غامضة لم يعلن بعد ذلك مكان دفنه. وغياب الوالد كان يعني لباتريك غياب الأم لويزا كولبن ، الممثلة من أصول بلجيكية ، أيضاً.
قطع باتريك علاقته بوالده في سن السابعة عشرة ولازم شقيقه الصغير رودي ، الذي مات وهو في العاشرة من عمره وكان لموته أثر شديد علی نفسه. عاش طفولته ما بين الجدة ، والمربيات، وصديقات الوالدة، والمدارس الداخلية و نشأ مفتقداً العاطفة والحضن العائلي. إذن طفولته ومراهقته وحياته كانت مليئة بالحزن والتفرد. وهو القائل بأن الحياة عبارة عن باقة من الصور القديمة في صندوق الذاكرة.
نشر موديانو خلال السنوات الأربعين الماضية قرابة عشرين رواية منها "سيرك يمر، محلب الربيع، بعيداً عن النسيان، مجهولون، الجوهرة الصغيرة، حادث مرير، مسألة نسب، وفى مقهى الشباب" وغيرها من الروايات. ترجمت الكثير منها الی ٣٦ لغة ومنها أربعة روايات "شارع الحوانيت المعتمة، مقهی الشباب الضائع ، مجهولات ، الأفق" ترجمت الی العربية. 
التوحد ، التوحش ، الإنغلاق النفسي ، الحب الضائع، فقدان الذاكرة ، ضياع ، جنوح ، ألم، البحث عن الجذور والهوية ، إخفاء الإسم والهوية ، العذابات الشخصية ، الماضي ، الحرب ، المطاردة ، البحث عن الأماكن والساحات التاريخية منها والحاضرة ، النبش في الماضي والصور لإعادة تركيبها في مشروع عبثي يهدف الى معاودة رسم الحياة هي المواضيع الرئيسية في روايات هذا الكاتب العظيم. إنها معالجة فنية رائعة لفترة الأربعينات من القرن الماضي وأحداث الحرب العالمية الثانية بأبعادها الاجتماعية وتأثيراتها العبثية والفوضوية.
عالم باتريك موديانو حقاً رائع وكتبه حسب قول بيتر إنغلند السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية "تتحاور بعضاً مع بعض ، حيث تتكرر فيها مواضيع الهوية وفقدان الأمل". أما نزعته الروائية فهي تميل الى الشك اصلاً في هوية الكائن والافراد والسعي الی البحث عن الهوية المفقودة والمنسية.
أما لجنة جائزة نوبل للآداب في ستوكهولم فقد أعلنت بأن باتريك موديانو استحق الجائزة بفضل "تمكنه من فن الذاكرة وإنتاجه أعمالاً تعالج المصائر البشرية العصية على الفهم ، وكشف العوالم الخفية للاحتلال". صوت الذاكرة عنده يعلو فوق كل الأصوات ، صوت تغوص في التاريخ والسوسيولوجيا والتحليل النفسي  ، لذا يلقب وبحق بمارسيل بروست (١٨٧١-١٩٢٢) العصر ، الباحث عن الزمن المفقود. بحصوله علی هذا التتويج العالمي تمكن موديانو من تسجيل الفوز رقم 15 لبلاده بنوبل في مجال الأدب.
الدكتور سامان سوراني


109
صفحة جديدة من العلاقات الخارجية بين كوردستان والعالم الغربي

بما أن السياسة الخارجية هي المفتاح الرئیسي في العملية التي تترجم بها الدولة أهدافها المدركة الواسعة ومصالحها في الفعل الصحيح لتحقيق هذه الأهداف والحفاظ علی تلك المصالح ، فالسياسة الخارجية هي جزء من السياسة الوطنية. أما الدولة فيجب أن تختار ماينبغي علیها أن تقوم به فیما يخص الشٶون الدولية وفي إطار حدود قوتها و واقع بیئتها الخارجية.
حكومة إقليم كردستان نجحت في السنوات الأخيرة بصورة فائقة وبخلاف توقعات الكثير من النقاد المحليين والغربيين وفي خضم الفوضى التي يغرق فيها العراق و سوريا والمنطقة برمتها في تكوين واحة آمنة ومنطقة سلمية ديمقراطية مزدهرة اقتصادياً ومستقرة سياسياً بالمقارنة مع غيرها في تلك البقعة ذات التقلبات المتزايدة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ورغم كل المحاولات الدنیئة لحكومة بغداد تحت إمرة رئیسها السابق نوري المالكي في إيقاف هذا الإزدهار الإقتصادي وصعود خطر ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية بعد استيلاءه على مساحة واسعة من الأراضي العراقية وهجومه علی كوردستان لهدم التجربة الديمقراطية اليانعة فيە أو لتحطيم الإنجاز المثالي لحکومة الإقليم ، التي تحتضن اليوم ، رغم الحصار الإقتصادي الظالم علیها من قبل حكومة بغداد ، أكثر من مليون ونصف المليون لاجيء من النازحين والمضطهدين من مناطق العراق و من سوريا وهم من أعراق وأديان و مذاهب مختلفة ، وهذا مثال يجب أن يحتذی به في المنطقة ويستحق كل الثناء والتقدير من الداخل والخارج.
فالقيم التي يٶمن بها حكومة إقليم كوردستان كالتسامح و الديمقراطية و التعايش السلمي المشترك هي تلك القيم التي يٶمن بها المجتمعات المتحضرة ومن هذا المنطلق قامت قوات البيشمرگە ونيابة عن العالم بأسره بالتصدي لهجوم وإرهاب مسلحي تنظيم (داعش) ، أحدی أخطر وأقوی وأغنی التنظيمات الإرهابية العالمية وردعهم عن المساس بأمن وحرية كوردستان.
هذا الصمود وهذه الإرادة الصارمة و الحكيمة لدی القيادة الكوردستانية أدت الی تسارع الدول الديمقراطية العريقة وبهدف حماية الأمن الجماعي والسلم الدولي الى نجدة الشعب الكوردستاني وقوات البيشمرگە في صراعه الدامي مع التنظيم الإرهابي المسمی بالدولة الإسلامية.
داعش ، الذي حشر المنطقة في المأزق الخانق و خلق حالة طارئة إقليمية جعلت المنطقة في غاية التوتر والإضطراب.
أما المجريات فقد فضحت الدعوات و النتائج نقضت المقدمات والوسائل دمرت الغايات و إنفضح مزاعم هذا لاتنظيم الإرهابي في السيادة والسيطرة علی المقدرات والمصائر.
نحن نعرف بأن مصير الشرق الأوسط يتوقف علی نتائج هذا الصراع وأن النصر القريب سيكون للمنطق العقلاني الكوني والمنهج التركيبي التعددي ، الذي يمارسه حكومة إقليم كوردستان. أما الدعم الدولي للإقليم فهو أيضاً من أجل إثبات أنّ بناء مجتمع مستقر، حتى وسط منطقة ينعدم فيها الاستقرار إلى حد كبير، أمرٌ ممكن.
النظام العالمي المعاصر تفسح المجال أكثر من الماضي لتداخل المصالح وتشابكها القائم علی التماييز بين دول كبرى مالكة لقرارها السياسي ومتمتعة بسيادتها ومتحكمة في السياسات الدولية وبين دول صغيرة وضعيفة وغير مالكة لقرارها ولسيادتها ، بالرغم من زوال زمن سيادة الايديولوجيات العالمية أو الأممية ، التي كانت في الماضي شعار إختزل الی مجرد عقيدة لا غير. حکومة إقليم كوردستان المنتهجة لسياسة الإنفتاح والتوازن المرن والمدروس في التعامل مع الجارتين الكبيرتين تركيا وايران مع الحفاظ على استقلالية القرار الكوردستاني  ، استطاعت تأسيس علاقات متعددة الجوانب مع عدد غير قليل من دول العالم والدليل علی مانقولە هو وجود أكثر من 30   ممثلية دبلوماسية في العاصمة أربيل و ١٤ عشر ممثلية للإقليم في العالم و بالأخص في الدول التي تحتضن أكبر عدد من الجالية الكوردستانية كألمانيا والنمسا والسويد وفرنسا وإيطاليا والولایات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملکة المتحدة وأستراليا وغيرها من الدول. 
ومن الواضح بأن الأهتمام الدولي المتزايد بأقليم كوردستان الناهض هو بجانب سياسة الباب المفتوح كوسيلة الإتصال وبناء العلاقات مع العالم الخارجي بناءاً علی المنفعة المتبادلة موقعه الجيوستراتيجي في قلب الشرق الأوسط وإمتلاكه لموارد طبيعية ثمينة كالنفط والغاز معادن نادرة أخری.
أما بالنسبة لإتخاذ الولايات المتحدة الأمريکية بتوجيه ضربات جوية فعالة الى مواقع تنظيم داعش الإرهابي بعد أقل من 36 ساعة من هجومهم علی حدود كوردستان دون الرجوع الی قرار مجلس الأمن الدولي فهو رد فعل إنساني أكثر مما هو سياسي بعد أن تعرض الإيزيديون الکورد في مدينة سنجار الی تراجيديا إنسانية وحملة إبادة جماعية لامثيل لها في التاريخ المعاصر وبعد أن قامت وسائل الأعلام الأميركية والرأي العام الأميركي بلفت الأنظار الی الأعمال الوحشية لداعش والضغط علی البيت الأبيض للإسراع في إصدار قرار للحد من تلك الحملة البربرية. وقد حذت ولحسن الحظ دول الأتحاد الأوروبي حذو الولايات المتحدة الأميركية في تقديم الدعم العسكري المباشر لقوات البيشمركة والمساعدة الأنسانية العاجلة لمنكوبي  سنجار.
لقد تمكنت حکومة إقليم كوردستان بممارستها سياسة الإنفتاح علی الخارج عبر المٶسسات الإقليمية والهيئات الدولية ، السلمية والمدنية ، التي تهتم بالدفاع عن حقوق الإنسان ودعم الحريات الديمقراطية ، أن تضع بصمتها علی التغيير الإيجابي الحاصل في علاقاتها الخارجية  وإستطاعت أن تٶمؔن بالديمقراطية آفاق جديدة ‌أمام الفكر السياسي في ميادين الممارسة أفقياً وعمودياً ، داخلياً وخارجياً ، مما يتيح للديمقراطية أن تغني وتتحدؔد أو تتعزؔز وتتطور وتنفتح ، سواء بالإنفتاح علی الفضاء الإجتماعي المحلي أو الخارجي أو عبر المشاركة في المناقشات العالمية وفي الهيئات والمٶسسات الإقليمية والدولية وكل هذا يفتح المجال للتحوؔل نحو ديمقراطية نوعية ، غير منمؔطة ، جديدة وأكثر فاعلية وديناميكية.
وختاماً: "من يعمل في مايخص العلاقة مع الخارج بعقلية التهويل العقائدي ، كما يفعل أصحاب المشاريع القوموية والدينية والشمولية والأصولية في العراق والمنطقة ، الذين يجعلون شغلهم الشاغل ، الثقافي والسياسي ، مهاجمة الغربنة والعولمة والأمركة ، لتغطية فشهلم وإخفاقهم في داخل بلدانهم ، يهرب من التحديات الجسيمة والإستحقاقات الداهـن  ويخلق أعداء في الداخل والخارج ، لكي يحمل علیهم لغة التكفير والتخوين ، أو لكي يحملهم التبعة عن الأخطاء والمساویء أو عن الهزائم والكواث."
الدكتور سامان سوراني 


110
السلفية الجهادية التكفيرية والصمت العربي ونهایة الحضارة الإنسانية
قبل مدة قصيرة تمكنت التنظيم الإرهابي التي خرجت من جلباب القاعدة والمسمی بـ"الدولة الإسلامية" أو "داعش" سابقاً بالإستيلاء علی المشهد العالمي وتداول هذه الظاهرة بشكل لم يسبق له مثيل بعد عرض مجازرها وأعمالها الهمجية والبربرية في العالم السبراني ، منها قطع الرٶوس و هتك الأعراض والقتل الجماعي وتهجير الأقليات والطوائف و سرقة البنوك وإقامة الحدود.
تلك المشاهد والأعمال الإرهابية الحاملة لأفكار السلفية الجهادية التكفيرية تثير عند الإنسان المتحضر القشعريرة والرعب في آن واحد وهذا ما تهدف اليه هذە المجاميع المنظمة والممولة بشكل مادي ومعنوي من جهات داخلية وخارجية لضمان المصالح اللاإنسانية لأطراف تتاجرعلناً بأسم القيم والديانة والحضارة.   
العقل الإرهابي الراديكالي المنتمي الی العصور الوسطی لا يرى في سبيل تحقيق غايته الدنيئة أي حرج في إراقة الدماء ، سواء كان الطرف الآخر أخذ بالإسلام ديناً أم آمن بديانة أخرى.
أما الشخصيات التي ترسم الأفكار في هذا التنظيم فهي تستنسخ آليات التنظيمات الجهادية التي ظهرت بعد الحرب الأفغانية السوفيتية ، ففي إدارة أدوات الإعلام علی مواقع التواصل الإجتماعي يمکن مشاهدة الشبه بين عمل هذا التنظيم و بين تنظيم القاعدة الإرهابي. فهناك إقتباسات لكتب سيد قطب تستخدم لتطويع الواقع ، كتكفير المجتمعات المسلمة بأعتبار أنها تعيش الجاهلية بإرتدادها الی عبادة العباد وإلی جور الأديان والنكوص عن كلمة "لا إله إلا الله" ، هكذا يٶمن المنتمين الی أفكار سيد قطب والتنظيم بأنهم آخر المسلمين وأن كل من على وجه الأرض كافر حتى ولو نطق الشهادة.
هذا التنظيم الغارق في الغلو والتشدد والحاضن للجيل الثالث من السلفية الجهادية التكفيرية لايستطيع أن يدوم في صيغته الحالية "الدولة الإسلامية" ، بل سيسقط بعد الإنتصار العسكري علیه كما سقطت "الإمارة الطالبانية الإسلامية" في أفغانستان بعد معركة طويلة أم قصيرة ، أما الفكرة المدمرة للحركة فسوف تستمر في الخفاء لتختمر و تنتشر في أمكان أخری بعد عقود.
أما ماكنة تفريخ السلفية الجهادية التكفيرية فهي لاتزال تنتج بشكل نشيط وفعؔال. والعناصر الأجنبية التي التحقت كمقاتلين ضمن هذا التنظيم في سوريا تقدؔر بخمسة وعشرين ألف مقاتل ، أتت من بقاع مختلفة من العالم لتولد بإستهداف الإيزديين الكورد والأقليات الأخری صدمة جديدة.
الصمت العربي المريب والشامل تجاه الهجمات الوحشية واللاإنسانية لداعش علی الأراضي الكوردستانية واقتلاع المسيحيين أهل التاريخ والجغرافيا من الموصل والإيزديين الكورد من سنجار وذبحهم وقتلهم جماعياً وعدم إصدار كلمة أو رسالة إدانة من قبل أية دولة عربية لهذه الجرائم التي تمارس بإسم الإسلام والعروبة مخزٍ الی درجة ، إذ يمكن تفسيره بأنهم مع إنتشار هذا السرطان ، لايريدون المشاركة في إستئصاله أو مكافحتە وإبعاده.
علی الحکومة الكوردستانية دعم فكرة تأسيس مركز علمي كوردستاني لمحاربة الإرهاب لكي لا يکسب الفكر الإرهابي ، الذي لا مكان له في القرن الـ21، أرض خصب في المنطقة ولكي لا يستقر لە مقام وحتی يتم إيضاح خريطته الوراثية DNA والكشف عن الخلايا النائمة ، من الذين يحمون الإرهابيين ويٶيدونهم سراً ويقومون بتعبئة أتباعهم بثقافة الكراهية والحقد المستندة علی التكفير والطائفية المقيتة ، من أجل إلقاء القبض علیهم وتقديمهم للمحاكمة لينالوا جزاءهم العادل والرادع.
هل إنتهت الحضارة الإنسانية ، أم علینا القيام بالتحرر من التعصب وبناء الأرض وتأسيس قيم مشتركة توحد بني البشر في وحدة إنسانية حضارية والسعي نحو الإعلاء من شأن قيمة الفرد على المستوى الكوني لتحقيق وعى أكثر راقيا وأكثر رحابة وشمولاً مما نحن عليه الآن؟
الوحش الإرهابي يتغذى من ثقافتنا ، فهناك علبة سوداء تعشش في العقول بعقدها ومتحجراتها وتهويماتها وخرافاتها وتصنيفاتها العنصرية. علینا بالتحرر من القيود الدينية المتزمتة ، التى تفرضها الجماعات السلفية التكفيرية ، من الذين يدعون بأنهم علی صراط مستقيم ، رسالتهم هذه تتسم بالتعصب وتسعى إلى فرض تعصبها على جميع البشر فى أنحاء الأرض. إذا أردنا نجاة الحضارة الإنسانية من الإنقراض فما علينا إلا إستلهام العقول التنويرية للفلاسفة العظام أمثال الأندلسي إبن رشد (١١٢٦-١١٩٨م) والفرنسي بيير تیلار دی شاردان (١٨٨١-١٩٥٥م) وغيرهم من رسل التعايش السلمي و فلاسفة الإنسانية.
وختاماً: من يريد أن ينتمي إلى حضارة القرن 21، فعليه المشاركة في ثورة ثقافية تفتح آفاقاً جديدة أمام إلإبداع وتعزز إحضار العقل السجالي التناظري ، لمكافحة العقل التكفيري الجهادي عدو الإنسانية  ، الذي أصبح اليوم فيروس قاتل.
الدكتور سامان سوراني

111
عزيمة شعب كوردستان وإحتراق أوراق الطابور الخامس
بالرغم من أن الهجمات والمخططات الدنيئة للمجموعات الإرهابية التي تسمي نفسها بـ"داعش" فشلت فشلاً ذريعاً أمام الإرادة الصلبة لقوات البيشمرگە وصمود شعب كوردستان إلا أن هناك شخصيات صغيرة في نفوسها ومريضة في عقولها وانتهازية في طموحاتها تسمی بالطابور الخامس قامت بنشر إشاعات وأكاذيب حول إنتصارات وهمية للتنظيم التكفيري الوهابي علی القوات الحديدية للبيشمرگه ، التي عقد العزم علی مواجهة كل المخاطر الكبيرة ، بهدف النيل من قامات أبطال كوردستان إرضاءً لعطش الرذيلة عند أسياد الشرؔ أو لتحقيق  أهداف صغيرة مقاس شخصيات كاريتورية دونكیشوتية هذا الطابور. للأسف عملت بعض الجهات الاعلامية مع عدد غير قليل من القنوات الفضائیة وإذاعات وصحف وشبكات التواصل الإجتماعي المناهضة لهذا التنظيم الإرهابي لصالح التنظيم تتمثل في تكرار وعرض دعايات التنظيم وإدعائاتها المزيفة وتظهر مدی وحشية وبربرية وقسوة تنظيم داعش ، التي لا ترحم حتی لاترحم حتی بحلفائها من التنظيمات التكفيرية الأخری ، بشكل بعيد كل البعد عن المهنية والحرفية. 
ماهو الطابور الخامس؟
يطلق مصطلح "الطابور الخامس" على جماعة من الناس تقوم بتقويض أى نظام أو دولة بصورة سرية من الداخل وترجع نشأة هذا التعبير إلى أيام الحرب الأهلية الإسبانية التى نشبت عام 1936عندما أعلنت محطة إذاعية أن قائد قوات القوميين "الجنرال إميليو مولا" يقترب من مدريد بأربعة طوابير من قواته العسكرية ، وأنه سيحظى بالدعم من طابور خامس موجود داخل المدينة بعد الحرب العالمية الثانية اتسع مفهوم الطابور الخامس ليشمل مروجي الإشاعات ومنظمي الحروب النفسية وفي الوقت الحاضر اتسع المفهوم أكثر ليشمل بعض القنوات الإعلامية وبعض القيادات البارزة فسار تعبير "الطابور الخامس" يستخدم للدلالة على أى جماعة تقوم بالتخريب فى دولة ما لمصلحة دولة أخرى.
علی الاعلام الكوردستانية المخلصة العمل علی تحسيس الرأي العام الوطني بالتحدّيات والمؤامرات التي تحاك ضد إستقرار وأمن كوردستان وتماسكها وتقدّمها لحساب جهات داخليّة ذات مصالح ضيّقة و/أو جهات خارجية لها مصالح تتصادم مع المصالح العليا الكوردستانية والقيام بكشف المغالطات و النظريات التي يروّج لها من له مصلحة في التضليل أو نشر البلبلة والفرقة والكراهية بين الناس واعتماد الحرب النفسية لتمرير أجندات معينة أو الانحياز لمصالح أطراف معيّنة داخليّة و/أو خارجيّة على حساب المصلحة العامة.
فحكومة إقليم كوردستان تقوم اليوم بجدية و مثابرة في مراقبة وكشف أشخاص الطابور الخامس ومعرفة ارضيته وجذوره ومنشأه وأسلوب تفكيره وغاياته ومن وراءه  وتحاسب كل من يريد النيل من الأمن القومي وسيادة كوردستان وقضاياه العادلة ومصالحه المشتركة وهويّته الكوردستانية والذين يقومون بأساليبهم المريضة بالتحريض ضد البيشمرگە والرموز الوطنية.
وبعزيمة شعب الكوردستاني وإرداته وحماس البيشمرگه والإصرار علی "إما كوردستان أو الموت" في الحرب ضد القوة الإرهابية السلفية الشوفينية الغاشمة ، أعداء الوطن والديمقراطية وحرية شعب كوردستان أثبتت للمنطقة والعالم بأن الكوردستانيين قادرين وحدهم بالدفاع عن أرضهم ومقداستهم وحماية الأمن والإستقرار والتعايش السلمي. والحكومة الكوردستانية بقواتها الدفاعية والهجومية سوف تستمر مع حلفائها وأصدقائها في الحرب ضد الإرهاب العابر لحدود دول عديدية من أجل تفكيك وحدة الصف الكوردستاني وإفشال طموحات شعبنا في الإستقلال والعيش في الحرية بهدف إسقاط رايات الحکم الداعشي السوداء الغادرة وقلع جذورها في المنطقة  وإعادة الأمان والإستقرار الی كافة المناطق الكوردستانية.
وختاماً: إن سلفيو داعش الإرهابي تمسكوا بكل ما هو ضيق وعسير أو متشدد ومتطرف وسلبي وعدواني في التراث وقاموا بتحويل العلاقة بالهوية الدينية الى محكمة جهنمية تحرم وتعاقب بقدر ما تعمل بمفردات الحقد والثأر والانتقام ، على سبيل الإقصاء أو الاستئصال للآخر، ورفض كل ما أنجزته المجتمعات الإنسانية قديماً وحديثاً ، على الأصعدة الحضارية والمدنية والثقافية. هذا ما تشهد به أعمالهم من تدمير الصروح والمعالم الأثرية في نینوی ، الى منع البنات من التعلّم بسجنهن أو بخطفهن والاعتداء عليهن في غير مكان ، الى التفجيرات الانتحارية التي دمرت الممتلكات وأزهقت أرواح الآمنين على هذا النحو الوحشي والعدمي.
ليعلم الداعشيون و جنود الطابور الخامس المحترقة أوراقهم بأن مجتمع كوردستان المتحد سوف يقف خلف قوات البشيمرگە و يواصل مسيرته في النهوض والإصلاح والتقدم ليشارك في صناعة الحضارة القائمة ، علی سبيل التطوير والإضافة و حكومة الإقليم سوف يقاوم بکل قوة فايروس التطرف والجرثومة الأصولية الغارقة في السكونية المطلقة والسائرة عکس التاريخ و عکس حركة الزمن والمستقيلة من التفكير الحي الخلاق المبتكر. 
الدكتور سامان سوراني

112
سباحة نوري المالکي في بحر الميغالومانيا والبارانويا

المصطلح التاريخي "جنون العظمة" أو ما يسمي باللغة الإغريقية بالـ"ميغالومانيا" ، (بالإنجليزية: Megalomania) توصف حالة من وهم إعتقاد الإنسان بامتلاك قابليات إستثنائية وقدرات خارقة وجبارة أو مواهب مميزة أو قوة عظيمة ليس لها وجود حقيقي. والشخص المصاب بهذه الحالة يمكن إعتباره مريض عقلي يعيش في حالة ذهانية تتميز بالهذيان الواضح والمستمر أو يعيش أفكارا متسلطة تسبب له الهذيان. أما الإعتقاد الجازم بفكرة خاطئة يوصف بالبارانويا ، لأن المصاب بهذه الحالة المرضؔية النفسية يملك جهازاً عقائدياً معقّداً وتفصيلياً يتمركز حول أوهام واقعية لها ، هذه الأوهام تقنعه بأنه يُضطهد من قبل الآخرين ، وبأنّ السبب الرئيسي لإضطهاده من قبلهم هو كونه شخص عظيم ومهمّ للغاية.
بداية نقول ، لکل شيء زمنه و لكل سياسي موقعه و دوره و إيقاعه ، بقدر ما يسهم بتشكيل خريطة الواقع السياسي بعلاقاته وتراكيبه أو تجاوزاته‌ وتراكباته. ومن لايعترف بالحقائق لا يستطيع المساهمة في خلق وصناعة الحقيقة.
فبعد تاريخ ٩/٦/٢٠١٤ والتغييرات التي طرأت علی العراق ، حيث تمكن مسلحي تنظيم داعش السيطرة علی الموصل ثاني اكبر المدن العراقية وعلی الرمادي والفلوجة وتكريت وبعد محاولاتهم الزحف نحو بغداد العاصمة ظهرت أعراض مرض رئيس الوزراء العراقي الفيدرالي المنتهية ولايته السيد نوري المالكي بشکل واضح للعيان. فنراه يردد يومياً رغم هزيمة عساكره وجيوشه بأنه هو المنتصر، إذ لاغالب عليه وهو المقتدر. وما خطابه الاخير وتهديداته اللاشرعية ضد دولة كوردستان، واتهاماته التي لا أساس لها ، إلا دليل آخر علی إصابته بمرض جنون العظمة والبارانويا.
السيد نوري المالكي وضع بسياساته الخاطئة ونرجسيته وتفرده في الحكم والقرار وحدة العراق في مهب الريح ، بعد سعيه بفرض الوحدة بالقوة وتجاهلە مطالب وقضايا المكونات الأساسية الأخری في العراق وحقوق شعب كوردستان في تقرير مصيره ، والذي لم يفهم من المتغيرات والثورات والمفاجآت إلا القليل ، كونه يعيش ولحد الآن في سبات سياسي وجمود عقائدي بعيد عن الثورة المعلوماتية والتقنية الرقمية والتواصل عبر الشبكات الإجتماعية وغيرها يريد اليوم بلغة التهديد والوعيد والاتهامات الباطلة والتصريحات اللامسٶولة كالقول ، بأن عاصمة كوردستان ، " أربيل تحولت الی ملاذ آمن للإرهابيين و الدواعش"، التغطية على فشله وهشاشة دوره وقصوره في السنوات الثمان الماضية.
لقد قام برلمان كوردستان باسم شعبە كما قبله رئیس دولة كوردستان بإدانة تهديدات السيد المالكي ، معتبرا أياها بمحاولة یائسة "للتغطية على فشله السياسي والجماهيري والعسكري الذي تعرض له".
السيد نوري المالكي نسي بأن كوردستان كان في السابق ملاذاً لحماية المعارضة ضد هجوم وحملات النظام الدكتاتوري الصدامي وهو اليوم ملاذ آمن لأكثر من نصف مليون مواطن هربوا بسبب إنعدام الأمن والعدالة والمساواة أوالحرب من مدن الموصل وبغداد ووسط وجنوبي العراق ليصبحوا لاجئين في دولة كوردستان المستقرة. شعب كوردستان الپيشمرگه المناضل يدين بشدة كل عملية إرهابية و يواجه ويكافح بصرامة وعزم الإرهاب والتطرف الديني والسياسي إذا ما أقترب من أراضيه أو أراد النيل من أمنه وإستقراره و كرامته.
السيد المالکي سعی في السابق بلا هوادة الی قولبة المجتمع العراقي لإطاعته و أراد أن يملي أفعاله علی كوردستان ، بإعتبار أقواله وأفعاله نبوغ و إبداع والهام ، ليبرهن سلطته المطلقة ، التي لا تقيده قيود قانونية أو دستورية أو عرفية ، لكن القيادة الكوردستانية جاهرت بالعدل والحق ووقفت في وجه المستبد وأعوانه وبطانته ، وسعت بسحب الشرعية منه ، بعد أن كشفت نوایاه في الحرب علی الشعب الكوردستاني و رأت بأنه تراجع عن المسار الديمقراطي والنظام الإتحادي محاولاً بشكل عدواني هدم التجربة الكوردستانية وكسر إرادة شعب كوردستان بقطع وإيقاف رواتب موظفي كوردستان وسعيه في ضرب وجرؔ العملية السياسية الی الطريق المسدود. 
السيد المالكي ، الذي يعيش أنفاسه السياسية الأخيرة ، يحمل في طيات معتقده الإصطفائي نظرية ولاية الفقيه فهو يری بعد هزائمە السياسية والعسكرية الأخيرة بأن برنامجه الحزبي أو نصه المقدّس يأتي بالفرج والسعادة لكافة العراقيين وهكذا يطغی المحتوی السلفي الإرتدادي علی البعد التنويري والمستقبلي وعقلية الإستبعاد والإقصاء علی لغة الإعتراف والشراكة والتبادل و المآل هو فشل صناعة الحضارة و ممارسة القوة الهادئة.
شعب كوردستان لا يريد بعد اليوم أن يعيش مع أصحاب العقليات التي تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزية ويرفض السباحة في بحر السبات القومي والحصن الديني أو يعيش مرة أخری في جمهورية الخوف ونهایاتها الكارثية أو يتنفس تحت رحمة القوقعة الإصطفائية والوكالة الحصرية ، التي تجلب الجور والتعسف والتعريب والتهجير والأنفال والإبادة الجماعية ، لذا يقرر مصيره بيده و ينتخب الإستقلال.
السيد المالكي الذي لم يلتزم بإتفاقياته مع حلفائه في العملية السياسية وبالأخص مع التحالف الكوردستاني ، التي ساعدت علی تشكيل الحكومة العراقية ، أعاد بفعلته عقارب الساعة الی الوراء و وأكمل الصورة المشوهة للعراق تحت ظل الزعيم الأوحد والقائد الأسطوري المنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال.
في هذا الزمن ، زمن الإنفجارات التقنية والطفرات المعرفية ، يسعی حکومة كوردستان الی العمل علی خلق لغة مشتركة ووسط للمداولة أو مساحة للمبادلة ويرفض الشراكة مع كل من يحاول أن يستغرق في الإستبداد ويعيش في ثنايا الإرث الدكتاتوري أو يسير نحو إحياء الترسانة المنطقية المصنوعة بمفردات الكلي والضروري والأحادي والمتعالي والماهوي.
وختاماُ نقول:
من يکون قادراً علی إلقاء خطب مليئة بالتهديد والإتهامات الباطلة والشعارات القوموية المستهلكة لكي يخلق العداء بين الكيانات الرئیسية في العراق ويشنّ في خطبه حرباً ضد حكومة وشعب كوردستان و لا يقدر علی اجتراح الإمكانات لتأمين فرص العمل و أسواقه و شبكاته ، أو لتحسين شروط العيش لأوسع الفئات من الشعب العراقي ومن يأتي بحجج مموهة أو مغلوطة أو واهية ترمي الی التغطية والمساویء ، بإتهام الغير لفشله السياسي و حمل المسؤولية عليه ، و ذلك للهروب من استحقاقات الكيانات وإيجاد الحلول للمآزق والكوارث والحروب والويلات ، بإختراع أعداء ، هدفه دفع عجلة تفاقم المشكلات واستعصاء الحلول نحو الأمام وهمّهُ إنتاج أناس هم أعداء للفهم ، يدرّبهم علی إتقان لغة التصديق والتصفيق والتهليل ، كأرقام في حشد أعمی أو كأبواق ترجِّع صدی الخطب والكلمات، أو كدمی يتم تحريكها عند إعطائها كلمة السر. وهذا هو مصدر التخلف والفقر والتسلط والإستبداد.
الدكتور سامان سوراني

113
نعم الإستفتاءات الشعبية إرادة كوردستانية وحق إنساني مشروع

بما أن الإستفتاء هو تصويت لجميع المواطنين المٶهلين علی مشروع أو مسودة وضعت من قبل البرلمان أو الحكومة أو أية سلطة حكومية ، فهي إذن آلية من آليات الديمقراطية المباشرة ، عن طريقها يبدي المواطن الناخب وبكل شفافية رأيه في مسألة سياسية أو مصيرية. ولنتائج التصويت علی الصعيدين الدولي والوطني درجة عالية من الشرعية.
صحيح بأن شعب كوردستان إختار وبشكل طوعي ان يكون جزءاً من العراق شرط أن يكون فيه شريكاً حقيقياً وفاعلاً و شرط أن يكون النظام في العراق ديمقراطي تعددي إتحادي فدرالي ، لكن الذي رأە هذا الشعب المناضل هو السياسة الفاشلة للسيد المالكي المصبوغة بالرفض والإلغاء والجهل والخداع ، الذي حكم کرئیس للوزراء مدة ٨ سنوات عجاف ، بعد تحويله الهوية الی فخ وعصاب والعراق الی مصنع للإرهاب و اللاإسستقرار بعد ممارسته  الحكم الفردي والإستبداد بعقليته الإصفائية و ثنائيته الحصرية و منهجه الأحادي و شعاراته المقدسة وإدعاءاته المركزية حول السلطة والحكم ، مهملاً قيم المساواة والعدالة والعقلانية ، مولداً بذلك الحروب الأهلية والإختلافات الوحشية بين عناصر المجتمع وفئاته. 
فالهاجس الوحيد لنوري المالكي في السابق وللآن هو الحفاظ علی الولاية والسلطة والإستمرارعلی العمل في سبيل قولبة وتدجين وتعبئة وعسكرة المجتمع و رفضه لحفظ كرامة الإنسان العراقي إحتكاره للسلطة وممارسته الوكالة الحصرية و خروقاته المتكررة للدستور الإتحادي أنجبت الأزمة الحالية.
من جانبنا لانخفيە علی أحد ، هدف شعب كوردستان هو الاستقلال و هو حق طبيعي لهذا الشعب ، الذي كان في الماضي ضحية السياسات القمعية والوحشية للحكومات المتعاقبة في العراق المصطنع وهو لايستطيع بعد الآن أن يبقی مدی الدهر رهينة مستقبل مجهول ، بل يعزم وبكل جرأة على إجراء استفتاء شعبي على خيار الاستقلال بعد فترة قصيرة من الآن بعد موافقة برلمان كوردستان على ذلك.
في السابق كررنا أكثر من مرة بأننا نريد ممارسة حيویتنا الفكرية و حرياتنا الديمقراطية لنحتل موقع علی خارطة العالم ولانريد أن نمارس علاقتنا بهويتنا علی سبيل العجز والتخلف والضعف والهشاشة. عراق اليوم.
أما التصريحات الأخيرة الغير مسٶولة  لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ، الذي لم يتخذ سياسات كفيلة بوضع حد لحالة الفوضى والعنف التي أغرق العراق على صعيد يومي وبمباركة ودعم واضح لحكومته للنهج الطائفي والإقصائي ضد المكونات الأخری للشعب العراقي ، فهي تحمل في طياتها العدوانية ، خلالها يتهم هو إقليم كوردستان جزافاً وإفتراءً ويقول بأن شعب كوردستان يستغل الأوضاع للسيطرة علی الأراضي ، المسمی بـ"المتنازع علیها".
فالسيد نوري المالكي الذي عاش في كوردستان وأكمل دروسه في جامعاتها يعلم علم اليقين بأن تلك المناطق كوردستانية بحتة وأن الكورد لم ولن يتمددوا أو يتحركو أو يتوسعوا في يوم ما علی حساب الآخر ولم يسيطروا علی أراضٍ غير كوردستانية خارج إقليمهم. فهو بعمله هذه يريد قلب الحقائق وإلقاء اللوم على الآخرين ، لتغطية إخفاقاتە الكبيرة في الداخل ، تلك الإخفاقات التي وضعت العراق تحت خدمة أطراف إقليمية أسهـمت في إذكاء نار الفتنة الطائفية بشكل لم يعهده العراق في تاريخه.
لو كان المالكي مهتماً بالأدب والفن لأقترحنا له أن يشاهد مسرحية «أنريكو الرابع» للكاتب الإيطالي لويجي بيرانديللو ، كي يكشف إزدواجيته في الشخصية و تماهیه بين الممثل ودوره.
نقوله هنا وبكل صراحة أيضاً بأن سياسة المالكي أنتجت كل هذا الخطرعلى العراق وعلى المنطقة. فالعقلية والأيديولوجية المتطرفة والسياسة الأحادية المتهورة هندست مآسي العراقيين والاضطرابات في المنطقة. لو قام هو بتوظيف قدرات الدولة العراقية ، وثرواتها لخدمة تنمية العراق ومصالح مواطنيه ، ولو لم يقم هو بإقصاء السنة و تهميشم أو بقطع ميزانية إقليم كوردستان و لم يفرض علی الكورد والسنة الحصار لكان العراق والمنطقة بألف خير وسلام.
شعب كوردستان يريد أن يساهم مع إخوانە السنة والشيعة في معالجة الأزمة ، التي تمر بها العراق ، لکن التطورات الأخيرة في العراق أثبتت بأن هذا البلد لا يستطيع أن يبقی علی ماكان علیه في السابق. فهو مقسم حالياً وللشعب الكوردستاني الحق أن لايتخلی عن هدفه ومشروعه الأساس المٶدي الی استقلالية إقليم كوردستان. وما علی القيادة الكوردستانية إلا إحترام قرار الشعب والإلتزام بە ، علی أمل أن يحترم الآخرون ودول الجوار والمجتمع الدولي قرار شعب كوردستان.
وختاماً نقول: لا أحد يستطيع هدم التجربة الكوردستانية و كسر إرادة شعب كوردستان أو جرؔهم الی  الطريق المسدود ، فلا يمكن بعد اليوم أن يطغی المحتوی السلفي الإرتدادي علی البعد التنويري والمستقبلي في كوردستان ولا عقلية الإستبعاد والإقصاء علی لغة الإعتراف والشراكة والتبادل. ففي عالم ينهض فیها الشعوب ضد الحکومات المركزية المستبدة لا يمكن للشعب الكوردستاني الأبيؔ أبداً أن يقبل بأن يحكمه طغاة غرباء كما في السابق يطلون الطغيان برأسهم كلما سنحت لهم الظروف. فأهلاً بالإستفتاء ومرحباً بالإستقلال.
الدکتور سامان سوراني


114
دولة کوردستان الحقيقة التاريخية

بالرغم من أن التطورات الحديثة في المنطق الصوري تلقي كثيراً من الضوء على طريقة استعمال مصطلح "حقيقة" في الأنساق الصورية (المنطق والرياضيات) وفي اللغات الطبيعية (الألسن المستعملة في التداول اليومي) ومع أن الحقيقة هي أحد الإشكالات الكبرى في مجال نظرية المعرفة وفلسفة العلم وأن فلسفة المعرفة تهتم إهتماماً بالغاً بالبحث عن حلول للعديد من المسائل الفلسفية المتعلقة بموضوع "الحقيقة" ، إلا أن الحقيقة كما نراها تدل على عدة معان ، منها الواقع في تعارضه مع الوهم.
من المعلوم بأن إعادة تعريف ما هو تاريخي وما هو سياسي في اللحظة الراهنة أمر ضروري، لإن الإستمرار في إنكار الحقوق المشروعة للشعب الكوردي دليل علی عدم تمكن الكثير من النخب الحاكمة والأطياف السياسية في العراق هضم المتغييرات وعدم استخلاصهم العبر و الإستفادة منها و عدم إدراكهم بعد بأن الدلائل کلها تشير الی ان وجوب الدولة الخاصة بالشعب الكوردستاني هو الحل لليوم و المستقبل. أما الواقع فأنه يثبت لنا بأن الدولة الكوردستانية باتت حقيقة دامغة ومٶكدة ، فللكوردستانيين في الإقليم بعد سيطرة قوات الجيش المتمثل بالبيشمرگه علی كافة المناط‌ق الكوردستانية التي كانت خارجة عن إدارة حكومة إقليم كوردستان  دولة قائمة بمٶسساتها ومصادرها الإقتصادية  المستقلة ، بعد أن قامت أخيراً بتصدير نفطها و الحفاظ علی عائداتها لصالح مواطني إقليم كوردستان. كما يأتمر جيش هذه الدولة بأوامر سلطة الإقليم و يرفع علمه فقط. أما رئیس الإقليم ، فله دور في السياسية الخارجية يماثل دور رٶساء الدول.
عقب الأحداث الأخيرة في المحافظات السنية وإنسحاب الجيش العراقي منها نمت هناك فرصة تاريخية للكورد لإعادة المناطق الكوردستانية المقتطعة الی حضن كوردستان و إكتمال خريطة الإقليم. يجب الإقرار بأنها فرصة تاريخية لترسيخ المسؤولية الكوردية في المنطقة. فالكورد هم اليوم جزء من الحل لا المشكلة وسوف يكونوا في وقت قريب عنصراً مهماً لتقدم المسيرة الديمقراطية في المنطقة.
 حكومة إقليم كوردستان المهيئة لتحديات العصر المتفاقمة أثبتت إتقانها للغة الشراكة والمداولة والتحول عما هي عليها للتعايش بأقل كلفة ممكنة ، تسلطاً وعنفاً وتفاوتاً وهي تعمل اليوم رغم كل الصعاب جاهداً علی إعلاء شأن "الهوية المفتوحة والغنية" لتمارس الصداقة مع جميع شعوب المنطقة و تستمر في تفعيل العملية السياسية والحل السلمي في العراق وهي رسمت وخططت سياسة جدية و أخوية تجاه الأقليات المتواجدة علی أرض كوردستان ووجدت آلية جديدة وعصرية للتعامل معهم كمواطنين يمتلكون كافة الحقوق السياسية والثقافية.
إن نشر الوعي السياسي لە أهمية كبيرة في بناء الأنظمة الديمقراطية واعتماد العقلانية والتفكير العلمي أساسا منهجياً لتنظيم التعايش في المجتمع وقبول الآخر. فالمسٶولية التاريخية تفرض علی المخلصين لكوردستان أن يلعبوا دوراً أساسياً في متابعة الظواهر السلبية التي يعاني منها المجتمع وايجاد الحلول والمعالجات الضرورية والبدائل لتلك الظواهر وفقاً لمعيار ومحددات المجتمع. وأن ضعف الوعي المجتمعي والسياسي تخلق أزمة الهوية و الإندماج الإجتماعي وأزمة العزوف عن المشاركة السياسية مما يٶدي في النتيجة الي عدم نضوج التجربة الديمقراطية والتخلف في بناء الدولة.
إن هوية دولة كوردستان المعاصرة ينعكس ويدل علی قدرة أبنائها علي الإبداع والتقدم والانفتاح علي العالم وثقافاته وعلومه وليس العودة إلي الوراء. فالجهاز الإداري اليوم يخضع لقانون موحد والمؤسسة العسكرية أو الجيش أثبتت بأنها مؤسسة ديمقراطية، و البيشمرگه برهنوا بأنهم يدافعون عن الوطن أو التراب وهذا ما بيؔن "الحس الوطني" لديهم.
لقد دمؔرت طروادة بخدعة لعبة من خشب ، ولم يلق أعداٶها فيها خائناً واحداً يفتح لهم أبوابها ، لأن مجتمعها كان مجتمع أناس يحبون الحياة ويتعاونون لأجلها. وشعب كوردستان اليوم هو مصدر مهم للسلطة وشريك كامل في تقرير السياسات العامة عبر ممثليه المنتخبين في المجلس الوطني للإقليم. والهدف من هذا هو خدمة المجتمع الكوردستاني وصيانة مصالحه والارتقاء بمستوى معيشته، وضمان كرامة أفراده وعزتهم ومستقبل أبنائهم، الذين نالوا في عهود الجمهوريات العسكرية جور الحکومات المستبدة ورضا الشعب الكوردستاني هو الحجر الأساس لشرعية سلطة الإقليم الكوردستاني.
لقد تغير وجه العراق والرهان هو إبتكار أساليب و وسائل ونماذج تستجيب للتحديات الجسيمة وتمؔكن من إيجاد أجوبة أو حلول أو مخارج ، فيما يخص المسائل والقضايا العالقة والمشكلات التي تستأثر بإهتمام كافة الأطراف والكيانات في المنطقة علی السواء ، لکي تكون إيجابية بناءة وفعالة ، بقدر ماتكون راهنة ، عالمية و كوكبية ، لتشكل إضافة قيمة علی الرصيد البشري.
وختاماً: "الشعب الكوردستاني المعاصر في أمس الحاجة التاريخية لقيم مطلقة جديدة لا يحدها زمان ومكان. وهذه القيم لم يعد بالإمكان أن تأتیه إلا من عالمه نفسه."
الدكتور سامان سوراني



115
كوردستان ومفهوم استقلال الدولة من منظور الفكر السياسي المعاصر

اليوم وفي ظل النظام العالمي الجديد وفي زمن العولمة يمكننا أن نتحدث بكل سهولة عن "الإنسان العالمي"، الذي لا يسدل الستار علی عقله ، بل يستفيد من كل تلك الإمكانيات الحديثة ، ليتشكل لديه مساحات وأمداء جديدة للفكر والقول والعمل. وعلاقة العولمة مع الواقع هي غير النظرة ، التي كانت تتجسم في زمن سيادة الايديولوجيات العالمية أو الأممية.
فهي لا تحول العالم الی شعار ولا تختزله الی مجرد عقيدة. كما هي ليست تجسيد لفكرة أو إنعكاس لصيغة ، بل هي صناعة واقع جديد عبر الحواسيب وبنوك المعلومات ، التي يتحول معها كل معطی عيني أو ذهني الی كائن رقمي. وهذا الكائن الرقمي العامل عبر الشبكات يشعر وكأنه سائح جوّال عبر كل الأمكنة دون أن يبرح من مكانه.
الفكر السياسي الحديث والمعاصر تهتم بشكل بليغ بمفهوم السيادة وإستقلالية الدولة وسيادتها علی أقاليمها وبما أن لإستقلال الدولة أثر إيجابي علی السلام والإستقرار الدولي والإنساني علینا معرفة شروط ومقومات استقلال الدولة في الفكر السياسي المعاصر.
فالنظام العالمي المعاصر تفسح المجال أكثر من الماضي لتداخل المصالح وتشابكها القائم علی التماييز بين دول كبرى مالكة لقرارها السياسي ومتمتعة بسيادتها ومتحكمة في السياسات الدولية وبين دول صغيرة وضعيفة وغير مالكة لقرارها ولسيادتها ، بالرغم من زوال زمن سيادة الايديولوجيات العالمية أو الأممية ، التي حولت كما ذكرنا أعلاه العالم في الماضي الی شعار وإختزلته الی مجرد عقيدة لا غير. يمكن القل وبكل صراحة بأن المدارس والنماذج ، التي كانت رائجة استهلكت والنظريات ، التي كانت في يوم من الأيام آيات بيؔنات ، أخفقت في تشخيص الواقع العالمي لإيجاد مخارج من الأفخاخ والمآزق. فمن أجل إدارة المصلحة العمومية وصناعة حياة مشتركة نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضی الی تغيير يطال الأفكار والأدوار والمهمات وصور الحياة وأساليب العيش وقواعد المعاملة ، بعيداً عن العيش والممات داخل مقولات مثل الأحادية والقداسة والتأله والنخبة والبطولة والإحتكار والقوقعة والمعسكر.
بالطبع "الإنسان العالمي" ينحو نحو مفاهيم تعكس الإعتراف والتعدد والنسبية والمداولة والشراكة والقوة الناعمة ، يتعامل مع الآخر كشريك فاعل في إدارة المصالح وصنع المصائر . هذا ما تسعی اليه دول الإتحاد الأوروبي بسياساتها وإقتصادها وعلومها الأخری. 
من منظور القانون الدولي يمکن إعتبار استقلال الدولة شرط ضروري للاعتراف بشرعية الدولة بل هو شرط أساسي في تعريف الدولة ، فبعض من أساتذة القانون الدولي يعرؔفون الدولة كـ"وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة اجتماعية لها حق ممارسة سلطة قانونية معينة في مواجهة أمة مستقرة على إقليم محدد. من الواضح بأن الدولة تباشر حقوق السيادة بإرادتها المنفردة ، وذلك عن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها. لحسن الحظ هذا الشرط متوفر في حالة إقليم كوردستان بفضل الجهود الجبارة للقيادة السياسية الحكيمة الواعية والساعية الی حفظ الإستقرار فيه ودفعه نحو إزدهار وتقدم أكثر.
الإستقلال والسيادة توأمان لايفترقان ، فالسيادة كالإستقلال يعني ممارسة الدولة لقرارها السياسي داخلياً وخارجياً وفق إرادتها الحرة أو عدم خضوعها لأي سلطة داخلية كانت أو خارجية ، حیث لا يحق لأي جهة أن تفرض قوتها على الدولة في منطقة نفوذها.
داخلياً تمتلك الدولة امتلاكها السلطة المطلقة على جميع الأفراد والجماعات والمناطق الداخلة تحت حكمها وتستمد شرعيتها من التعاقد بين الحكام والمحكومين وصناديق الإقتراع هي التي تثبت شرعية الدولة وتخولها لتشريع القوانين والنظم وإلزام الناس بها حفظاً لمصالِحهم وصوناً لهيبةِ الدولة كما تخول لها تدبير شؤون البلاد سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتعليمياً وقضائياً. وقوة الدولة و نموها الإقتصادي فتبنی بحكم القانون لا بالخصخصة ، كما يتصوره الكثير من دعاة الإقتصاد الحر.
أما خارجياً فمبدأ استقلال الدولة يعني سيادتها واستقلالها فعلياً وقانونياً في ممارسة قرارها الدولي بعيداً عن سيطرة أية دولة أخرى أو توجيهها واعتراف الدول الأخرى بها ، وحقها في التمثيل الدبلوماسي ، وعضوية المنظمات الدولية ، وحريتها في اتخاذ القرارات الدولية على الصعيد الخارجي وعلى صعيد العلاقات الدولية من دون قيد أو تردد أو إكراه أو ضغط إلا الالتزامات التي يقرها القانون الدولي والمعاهدات الدولية الثنائية والإقليمية في نطاق الندية والاحترام المتبادل.
 مفهوم الدولة يتربع عرش الفلسفة السياسية ، لما يحمله من أهمية قصوى سواء اعتبرناه كياناً بشرياً ذو خصائص تاريخية ، جغرافية، لغوية ، أو ثقافية مشتركة ، أو مجموعة من الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع. والدول لها فلسفة تنطلق منها في بناء مستقبلها السياسي والفكري والإقتصادي والإجتماعي ، وهذه الفلسفة هي التي تحدد مسار الدولة أومدى نجاحها وتقدمها. ولكل دولة أهداف يمكنها الوصول اليها من خلال عملها علی تقييم مسارها في كل مرحلة من المراحل التي تمر بها  أو تعديل مسارها وتحديد نقاط الضعف والقوة، تلك أساليب يمكن إستخدامها لزيادة قوة الدولة إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً وفكرياً.
إن فن بناء الدولة سيكون مستقبلاً المكون الرئيسي للسلطة القومية ، وأهميته كأهمية القدرة على نشر القوات العسكرية التقليدية من أجل المحافظة على النظام في العالم. هنا يسعی إقليم كوردستان الی الحصول علی إعترافات دولية للحصول علی التكافٶ في الإستقلال والتساوي في ممارسة سيادته الداخلية والخارجية وإحتلال المكانة اللائقة بين الأمم ، فهو حق من حقوق الشعب الكوردستاني بعد كل هذه التحولات الجذرية في المنطقة والتي شكلت فرصة وجودية أمامه ، ليشارك بروابطه الأفقية وهويته المفتوحة علی التعدد والإختلاف وإتقانه للغة الشراكة والمسٶولية المتبادلة مع الغير الركب العالمي ويمارس حيوته و يصنع نفسه ويشارك أخيراً في صناعة العالم بصورة إيجابية وبناءة.
وختاماً يقول الخالد نیلسون مانديلا: "إنني أٶمن بحقي في الحرية وحق بلادي في الحياة وهذا الإيمان أقوی من كل سلاح".
الدكتور سامان سوراني 

116
وفاة "غابو" خالق "مئة عام من العزلة" و"الحب في زمن الكوليرا"

بالأمس فاجئنا نبأ رحيل الروائي الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز، الملقب بـ"غابو" ، صاحب الرواية الأشهر في القرن العشرين "مئة عام من العزلة" ، المولود في اراكاتاكا التابعة لمقاطعة ماجدالينا الكولومبية والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1982، في مكسيكو سيتي عن عمر يناهز 87 عاماً.
روايات ماركيز التي أثرت تأثيراً قوياً علی الكتاب في أكثر من موقع جغرافي حملت في طياتها جماليات وخامات سردية قديمة نابعة من التراث الكولومبي الفالتة من الواقع المعيش و ينابيع الأسطورة وطفولة العقل البشري الخارقة لآفاق عجائبية سحرية ميتافيزيقية.
هذا الكاتب العالمي بدأ عمله مراسلاً لصحيفة إلإسبكتادور الكولومبية اليومية (El Espectador) قبل أن يساهم بدوره العظيم في إغناء فن السرد الروائي في العالم الدافع لأدب أمريكا اللاتينية نحو القمة.
في روايته "مئة عام من العزلة" (١٩٦٧) الرائعة ، التي إستغرت مني شخصياً سنوات لقرأتها بسبب (خوسيه اركاديو بوينديا) وهو شخصية رئيسة في الرواية يخلق ماكيز عالم يسبح بين الواقع والخيال ، بشخصيات تتكرر في اسمائها واقدارها ويسافر بنا مع قريته (ماكوندو) ليزرع الاحداث والشخصيات بمنطقية وعبثية ممزوجة ورائعة ثم يمحيها ويقتلها.
الهدف من روايته "مئة عام من العزلة" بنظري هو تعرية الكائن البشري وكشف حقيقتة الباطنه ومشاعره المهيجه الثائرة مهما كان منصبه وجنسه امراة كانت أو رجلاً. أراد الكاتب إيصال القاریء فكرة تقول بأن الزمن لا يسير في خط مستقيم بل في دائرة ، فكلما تلاشت الاحداث من ذاكرتنا اعادها الكون لكن في شخصيات وأزمنة مختلفة وأن الماضي لم يكن سوى كذبة وأن لا عودة للذاكرة وأن كل ربيع يمضي لا يمكن أن يستعاد وأن أعنف حب وأطوله وأبقاه لم يكن في النهاية سوى حقيقة عابرة. غابريل ماركيز كان يردد دوماً بأنه متعلق بشخصيات روایاته حد التعلق ويعزؔ عليه ان يميت شخصية محاولاً أن يبقيها عمر لا ينتهي لتغلبه الشخصية أخيراً وتختار قدرها. رغم أن "مئة عام من العزلة" رائعة مكتوبة بأسلوب بسيط تقودنا نحو نسيان الذات لساعات  وساعات لكنها تمتاز بسمتان لايمكن أن لانراهما ، إحداها هي سمة العزلة التي اتخذها الكاتب عنوانا لروايته والثانية هي حتمية الاحداث. لكن هل ياتری بأن الانسان في هذه الدنيا مسير بالمطلق أو مخير بالمطلق ، أم أنه يعيش بين الاثنين؟ وهل ياتری بأن إشباع الغزائز بلا كبح لايٶثرعلی حياة الإنسان ونجاحه‌ أو أنه بالفعل أمر مقبول من المجتمع؟ 
ماركيز إستمد قوته من الواقع بطريقة غرائبية مشوقة أظهر فيها كمن يمارس الهروب من الواقع نحو واقعية من نوع آخر.
أما روایته "الحب في زمن الكوليرا" بالإسبانية (El amor en los tiempos del cólera)  (١٩٨٥) المليئة بالزخم والأحداث فإنها تربط التباعد بالتنافر. يقدم فیها التحولات في بلده كولومبيا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في مكان لا يسميه قرب نهر ماغدالينا. هنا لايسعنا إلا أن نعيد قول الشاعر الإسباني الشهير وعضو الأكاديمية الملكية للفنون، خوسيه كارثيا نيثيو: "إن أهم ما فى رواية الحب فى زمن الكوليرا هو تلك الحيرة التى نجد أنفسنا غارقين فيها منذ بداية الرواية حتى آخرها، والدهشة التى أصابتنا فى رواية مائة عام من العزلة لكفاءتها العالية تصيبنا مجدداً عند قراءة هذه الرواية بالرغم من إنها قادمة من طرق أخرى، هنا كل شىء ممكن، كل شىء يتحرك إلى الممكن ، ويظهر بعد معرفة الأحداث بأنه لم يكن بالإمكان حدوثها بشكل آخر".
روایتە التي تعد واحدة من أفتن ما كتب الإنسان فى تاريخ الأدب عبر كل العصور، تنقل لنا قصة حزينة في وسط حزين ، قصة رجل وامرأة منذ المراهقة وحتى ما بعد بلوغهما السبعين ، استلهمها الكاتب من قصة حب أبيه لأمه ووضع فيها عصارة موهبته وخبرته ومدرسته الأديبة التى أسس لها في النصف الثاني من القرن العشرين.
وختاماً يقول ماركيز: "تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أن سرّ السعادة تكمن في تسلقه".
الدكتور سامان سوراني




117
العراق بين الخروج من السجن الديكتاتوري والدخول الی سجن الفكر الشمولي

مع نهاية الحكم القمعي لنظام البعث في العراق في التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003 كنا نظن بأن بأن العراقيين سوف يتجاوزون مرحلة الإيديولجيات الشمولية و الأصولية ، التي إستمرت لعقود وأن النموذج النخبوي الفاشل ، الذي يشتغل أصحابه بتلفيق النظريات وفبركة الأوهام ونموذج البيروقراطية العاجزة ، الذي يستخدم أصحابه في الإدارة أساليب مستهلكة بائدة تولد إهدار الجهود والأوقات والثروات و النموذج الجهادي القاتل ، التي تصنعه وتصدره الحركات الأصولية الدينية لتحويل المجتمعات الی سجون أو مسالخ ومقابر ، سوف ينطوي و يرمی في مزبلة النسيان ، لكن بعد مرور إحدی عشر عاماً على نهاية حكم الطاغي صدام حسين ، الـدكتاتور الأكثر دموية في الشرق الأوسط الذي حكم العراق لخمس وثلاثين سنة ، نری بأن المكتسبات الأساسية لحقوق الإنسان ، التي كان ينبغي تحقيقها خلال العقد المنصرم ، فشلت بسبب السياسة الهوجاء للطبقة السياسية العراقية الماسكة بزمام السلطة فشلاً ذريعاً وأن العراق تراجع و تخلف وعاد القهقري الی الوراء في واقع كوني سمته الحراك الدائم والتغير المتسارع.
السياسة الإقصائية الفاشلة للسيد نوري المالكي ، الذي يحكم بعقلية التمسك بالسلطة والاستحواذ عليها بالوسائل المشروعة وغير المشروعة ، أوقفت عجلة السير نحو الديمقراطية والإزدهار والإستقرار ونشر الحرية والعدالة وأدخلت العراق في دوامة عنف لم تنته بعد. علی المستوی البشري نری بأن أعمال العنف المتواصلة أدت الی مقتل أكثر من 2400 شخص منذ بداية 2014. أما عدد ضحايا أعمال العنف منذ دخول القوات الأميركية إلى العراق في 19 مارس/آذار 2003 حسب إحصائية قامت بها منظمة "إيراك بادي كاونت" البريطانية المختصة بالإحصائيات فإنها تبلغ نحو 112 ألف مدني على الأقل قتلوا. إن ظاهرة العنف والهجمات المميتة التي تظهر إزدراءاً لحياة المدنيين مازالت قائمة وأن التدخلات الإقليمية مستباحة ومستمرة وعمل الأجهزة الأمنية القائمة علی أساس العدد وليس الكفاءة مازال يتم وفقاً للإرادات السياسية التي تخضع للعديد من قادة الأحزاب. أما إدارة بعض من الملفات الأمنية العرضة للفساد المالي والرشوة وانعدام المهنية فإنها بيد قيادات من حزب البعث المقبور.
لقد مرؔ عقد من الزمن دون أن يرى العراقيون خدمات عامة ترقى إلى مستوى الطموح الذي شعروا به إثر سقوط النظام البعثي وهم حالمين بأن يصبح العراق الولاية الأميركية الـ51 من حيث الخدمات الأساسية للعيش وتطور البنى التحتية وقطاعات المال والتجارة ليصبح نموذجاً للإزدهار والرقي في المنطقة أسوة بالإمارات وبلدان أخری متطورة. لكن عراق اليوم أشبه بالاتحاد السوفيتي السابق قبيل انهياره وهو اليوم أمام خيار التقسيم أو الحرب الأهلية أو الاتفاق السياسي الشامل الذي لا تؤمن به الكثير من القوى السياسية.
الأحزاب الإسلامية التي عاشت في إيران طيلة ٣٠ عاماً والمتمسكة اليوم بالسلطة ترسخ فكرة الطائفية السياسية ، تعمل تحت المظلة الإيرانية وتمارس المنهج الذي يتوافق مع سياسات إيران في المنطقة وأخری قومية شوفينية لا تحتكم الی الفهم الصحيح للمعادلات القائمة في الوضع السياسي الإقليمي والعالمي.
فغياب دولة المواطنة وإستمرار عمليات التهميش والإقصاء وعدم الإلتزام بقواعد اللعبة الديموقراطية والتخلّـي عن سیاسیة تأزيم الأمور لصالح البحث عن لغة التفاهم والحوار أو الإرتكان الی الدستور لأجل حل المشاكل العالقة مع إقليم كوردستان ينتج بالتأكيد سيناريوهات لمستقبل العراق قد تكون ثورة عارمة علی غرار ثورات الربيع العربي أو إنقلاب عسكري بموافقات دولية ، ناهيك عن حق الإقليم في إعلان إستقلاليتها من تلك الشراكة الملغومة. 
وختاماً: النظر الی العالم ومتغيراته بعين السلب والعداء والغرق في النرجسية الثقافية والتعلق بزعماء وآلهة ليسوا من بناة الحضارة ولا من صناع المعرفة والحداثة والتقدم والتشبث بأفكار و سياسات وعقائد إصطفائية والتفكير بمنطق الإقصاء والإستئصال للمختلف والآخر أو بعقلية الثأر والإنتقام مما هو حديث و وافد خوفاً علی هويات مزورة و ثوابت متحجرة وإحتكار الوصاية علی العدالة والتنمية والحرية وإدعاء إمتلاك الأجوبة النهائية والحلول القصوی للمشكلات يحول المجتمع العراقي الی مجتمع غير منتج ، هزيل ، غير ديمقراطي ويقود العراق مرة أخری الی الدكتاتورية وسجن الفكر الشمولي. 
الدكتور سامان سوراني
 

118
المالكي بين صناعة الأزمات السياسية وبناء الأسس الدكتاتورية

علم النفس السياسي كمجال أكاديمي قائم على فهم السياسة والسياسيين والسلوك السياسي من منظور نفسي يوصف لنا الدكتاتور أو الحاكم المستبد كشخص مريض يری نفسه فوق الناس ، معتبرا نفسه أعلمهم وأفهمهم والناس رعیته وجنده ، يقوم بإستغلال حاجتهم ليلبي حاجته. هدفه هو قولبة الشعب لإطاعته بأفواه مفتوحة أمام كلماته العبقرية المصبوغة بالديماغوغية. والدكتاتور حاكم يملي أفعاله علی الغير ، بإعتبار أقواله وأفعاله نبوغ و إبداع والهام ، ليبرهن سلطته المطلقة ، التي لا تقيده قيود قانونية أو دستورية أو عرفية.
نحن نعرف أيضاً بأن جبن الشعب وميله الی الركون والإنزواء الی الراحة وطلب الأمان علی المجاهرة بالعدل والحق والوقوف في وجه المستبد وأعوانه و بطانته هو الذي يخلق الدكتاتور والشخص المستبد ، الذي يدعي فهم التعليم والسياسة والإقتصاد و الثقافة والأخلاق والأمن.
بالأمس سمعنا المالكي في كلمته الاسبوعية وهو يخاطب البرلمان العراقي بلغة التهديد والوعيد قائلاً بأن "البرلمان ورئیسە خرجوا عن الدستور بتعطيلهم إقرار القوانين" ، لذا يسحب الشرعية عنه. هذا الخطاب يضمن في طياته تدخل في عمل البرلمان ، يعتبره المراقبون السياسيون في المنطقة وأوربا خطوة تمهيدية مكشوفة بإتجاه الدكتاتورية والإستبدادية وضربة قاضية للعملية السياسية في العراق.
أما سياسته العدوانية تجاه شعب كوردستان وتهديداته المستمرة وقيامه بقطع وإيقاف رواتب موظفي إقليم كوردستان فهي من نظر القيادة الكوردستانية بمثابة حرب علی الشعب الكوردستاني وتراجع في المسار الديمقراطي والنظام الإتحادي ومحاولة مكشوفة لهدم التجربة الكوردستانية كسر إرادة شعب كوردستان و سعي في جر العملية السياسية الی الطريق المسدود. 
سیاسة المالكي أو معتقده الإصطفائي يحمل في طياته نظرية ولاية الفقيه فهو يری بأن برنامجه الحزبي أو نصه المقدّس بعد القيام بعسكرة المجتمع وتخصيص ميزانية ضخمة لوزارتي الدفاع والداخلية إذا طبّق فسوف يأتي بالفرج والسعادة لكافة العراقيين وهكذا يطغی المحتوی السلفي الإرتدادي علی البعد التنويري والمستقبلي وعقلية الإستبعاد والإقصاء علی لغة الإعتراف والشراكة والتبادل و المآل هو فشل صناعة الحضارة و ممارسة القوة الهادئة.
أما فيما يرتبط بالحملات الإعلامية الأخيرة التي يقودها السيد المالكي بمساعدة مستشاريه البعثيين القدامی ضد إقليم حكومة كوردستان وبالأخص سعيهم لتعبئة الرأي العام العراقي ضد رئيس الإقليم بغية تحجيم دور الإقليم فهي تحولات سلبية تهدف العودة الی ترويض الأفكار و تهيئة الأذهان نحو السبات القومي و الحصون الدينية. هذه التحولات جرّبت في الماضي و كانت محصلتها قيادة حروب ضد شعب كوردستان المسالم و شعوب دول الجوار وصناعة جمهورية الخوف بنهایاتها الكارثية.
نقول في هذا العصر الرقمي المعلوماتي بمعطياته الجديدة و بعد كل هذه التغييرات التي طرأت في العالم العربي و نهوض شعوب المنطقة ضد الحكومات المركزية المستبدة لا يمكن للشعب الكوردستاني أن يقبل بأن يحكمه طغاة كما في السابق يطلون الطغيان برأسهم كلما سنحت لهم الظروف. القيادة الكوردستانية تسعی اليوم في سبيل ترشيد السلطة في العراق وعقلنتها وطرد القوقعة الإصطفائية فيها تلك القوقعة التي تخفي في أعماقها أسرار إحتكار السلطة وممارسة الوكالة الحصرية لأنها تدرك كل الإدراك بأن فيها تكمن الضمانة المثلی من الجور والتعسف و التعريب والتهجير و الأنفلة. فالحكومات التي لا تنزع الی السلم مع كوردستان والی المصلحة العامة في العراق تبقی حكومات أمر واقع أي غير شرعية ظالمة مغتصبة هدفها تذويب المواطنين في ما يشبه بالقطيع بعد ممارسة الرفض والإقصاء ضدهم بهدف إستئصالهم مادياً و إلغاءهم رمزياً ، أما إقليم كوردستان فيری بأنه في عصر تدويل الديمقراطية والإعتراف بحق الشعوب المتساوي في تقرير المصير لا مكان لعقليات وحكومات تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزية وسوف يكون له بسبب هذه السياسات الشوفينية فصل المقال.
وختاما نقول: إن قولبة و تدجين و تعبئة و عسكرة المجتمع لا تعود بالنفع علی البلاد والعباد و لا يمكن أن يكون هاجس الحفاظ علی الولاية والسلطة أولی من الحقيقة والعدالة.
الدكتور سامان سوراني

119
سياسة التفرد والحرب اللاإنساني للمالكي على إقليم كوردستان

 في عام ٢٠٠٣ سقط أحد أصنام الفكر القومي العروبي في المنطقة ، تصورنا بأنه إنقشع حقبة الحكم الشمولي في العراق و تفاءلنا  بتغيير خارطة العلاقات بالمفاهيم والأشياء وقلنا في نفسنا ، لقد حان الوقت لكي تتأنسن الذوات وتذهب الهويات العنصرية المصبوغة بالأصولية المقيتة الی غير رجعة. كنؔا ننتظر من الأحزاب والتيارات السياسية التي تريد أن تكون لاعباً أساسياً علی المسرح العراقي وفاعلاً قوياً في المشهد السياسي  أن تجرّد فلسفتها في الحكم و الإجتماع من كافة الأفكار والعقائد و الصفات والشعائر و الشعارات الميتة أو المستهلكة التي تبقی دوماً عائقاً أمام بلورة صيغة جديدة للوجود أو مشروع للحياة.
أما من الأحزاب والتيارات السياسية التي ذاقت الإضطهاد والممارسات التعسفية اللإنسانية من قبل أيادي الغدر البعثي فكنؔا ننتظر دعم التركيبة الجديدة للعراق ومساندة القضية العادلة لشعب كوردستان و حقه في تقرير المصير أو بناء دولته الكوردستانية المستقلة أسوة بالشعوب الأخری في العالم والعمل علی إنماء الشراكة والمبادلة والتعاون والتضامن في مواجهة القوی التي تنوي خلق الإنسان الأمبريالي الساعي الی نشر أسمائه وصوره أو سلطته بهدف فتح الإمكان أمام الحرب الأهلية المذهبية والقومية و بناء حكومة الشراكة الملغومة.
كل هذه التصورات إصطدمت بالواقع المرير ، فما نراه هو تحرك العراق نحو إنهاض المشاريع الإنفرادية لتشكيل النموذج الديكتاتوري الفردوي و قولبة و تدجين و تعبئة و عسكرة المجتمع العراقي لتحويل الناس الی شهداء و ضحايا لدعوات مستحيلة أو لاستراتيجيات لا تعود بالنفع علی البلاد والعباد بدافع ردع التجربة الديمقراطية في إقليم كوردستان و إزالة الآخر المخلتف المخالف لهذا النهج و إن أمكن سلب حقوقه. إنها حكومة بغداد التي تطبق فقه نوري المالكي. فما يحصل الآن في العراق هو العمل بعقل تقوده القوة الصرفة والمآل هو إما الحمق أو الجنون.  دولة حکومة المالکي تعمل علی إبتزاز حکومة أقلیم کوردستان وتمارس بأساليب غير دستورية حرب إقتصادية ضد حكومة و شعب كوردستان بعد قطع رواتب الموظفين منذ أكثر من شهرين.
فالحصار الإقتصادي وحجب الأموال هي ليست فقط محاولات للضغط علی الإقليم للتخلي عن خطط تصدير النفط من حقوله الی الأسواق العالمية عبر خط أنابيب جديد يمتد إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط ، بل إنها عقوبة تجويع شعب بأكمله ومقدمة لحرب عبثية عدوانية. في السابق عزم المالكي أيضاً خلال التحالف الوطني طرح قانون لتعديل الفدرالية بما يضر باقليم كردستان، مع التنويه بأن القانون الجيد سيقلل من فرص الاقليم ويزيد من صلاحية "المركز"، هذا هو الاستغراق الاستبدادي بعینه والعيش في ثنايا الإرث الدكتاتوري ، الذي يتفق العراقيون جميعاً على رفضه ومحاربته بكونه علامة سوداء من زمن السلطة المطلقة والعدوانية العنصرية للنظام الفاشستي الذي اسقطته الإرادة الدولية قبل أكثر من عشر سنوات.
كيف يمکن بناء الدولة المتحضرة إذا ما لم يحترم أسس الديمقراطية وبنود الدستور من قبل دولة القانون ورئيس الوزراء  والسيد الشهرستاني ، نائب رئيس الوزراء والمسؤول عن الملف النفطي ، الذي يجب أن يکون قدوة للآخرين. إذ من المعلوم بأن ولادة الاستبداد والدكتاتورية مرتبط بانتهاء سلطة القانون . ومن أُعجب برأيه ضلّ وإن خصال المتفرد في الحكم في غير مكان من العالم هو، إنه لا يحسن سوی الخراب والدمار بثوابته المطلقة و أقانيمه المقدسة ، لأن الوحدة لا تقام إلا علی أساس التعددية. والسيد المالكي إذا لا يغير شاشة رؤيته السياسية و لايوقف قراره المجحف الصادر بحق الشعب الكُردي ولا يعيد النظر بالمسلمات والبداهات و لا يعود بأسئلته الی البداية ، ينتج في النهاية بسياستە هذه إستراتيجيات الرفض والإستبعاد وإستئصال الشريك في الحكم التي تترجم عداءً و بغضاً أو نزعات و حروب بين الحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم.
إن محاولة إشاعة عدم الاستقرار بالإقليم لن تخدم الوضع العام بالعراق، كما إن محاولة إثارة المتاعب في طريق تشكيل الحكومة الجديدة بالإقليم وابتزازها لن يقود إلى توطيد الأمن والسلم الداخلي.
شعب إقليم كوردستان يرفض لغة "حافة الحرب" ضد الاقليم وسكانه وسوف يكون له موقفاً صارماً تجاه القرارت والمحاولات الفاشلة لرئیس حکومة بغداد ، لكنه يعرف بأن السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كوردستان ، الذي يتمتع بخبرة وحنكة سياسية واحترام وتقدير علی الصعيدين الداخلي والإقليمي والدولي والذي يساهم في ابتكار صيغ حضارية جديدة لإدارة مجتمعتنا الكوردستاني على قاعدة الديمقراطية ، قادرعلی حل الأزمة الحالية والمواضيع العالقة مع الحکومة الاتحادية بأسلوبه الموضوعي الفريد والرافض لعودة حکم الفرد في السلطة. 
و ختاما نقول : الحدث العراقي عام 2003 كان فرصة وجودية فتحت أمام شعب العراق الذي يری نفسه الی الآن أمام التحدي الكبير لكي يثبت جدارته في إعادة بناء بلده بعقل حضاري مدني ومنطق تواصلي تداولي لكن محاولات الديناصورات التي تريد ممارسة وكالتها السياسية و العسكرية والدينية علی العراق الفدرالي بصورة إمبريالية و تعمل علی طغيان العقل الأمني علی الدولة والمجتمع والناس هي المانع الأكبر أمام بناء عراق فيدرلي إتحادي تعددي يصان فيه الدستور ويطبق بنوده. أفكارهم و ممارساتهم تتجلّی جهلاً و نفاقاً و تسلطاً و تخريباً.
الدكتور سامان سوراني


120
وظائف بنوك التفكير (Think Tanks) والتخطيط الاستراتيجي وأهمیتها

إن ما ماتدرج تحت إسم الثينك تانكس أو مراكز البحوث والدراسات السياسية ماهي إلا منظمات غير حكومية أو غير ربحية وفي بعض الأحيان شبه حكومية تقوم بأنشطة بحثية سياسية تحت مظلة تثقيف وتنوير المجتمع المدني بشكل عام ، وتقديم النصيحة لصناع القرار بشكل خاص.
وليس من الضروري أن تركز بنوك التفكير فقط علی أمور تتعلق بالسياسات الخارجية أو قضايا عالمية  قوم بالبحث في أمور مرتبطة بالسياسات المحلية منها إقتصادية أو بیئیة أو قضايا الطاقة والزراعة.
في مقال سابق لنا تحت عنوان "إقليم كوردستان و دور مراكز الأبحاث في صنع القرار السياسي" سردنا تاريخ نشٶء مٶسسات الفكر في الولايات المتحدة الأمريكية وذكرنا الدور الفاعل لبعض مؤسسات الفكر والرأي كمؤسسات أبحاث حول السياسة ، التي تقوم بتقويم السياسات السابقة ، لتضعها في إطارها التاريخي والسياسي السليم أو تقوم بتحديد الآثار بعيدة المدى للسياسات المتبعة تجاه الأصدقاء والأعداء.
هناك مٶسسات غربية تناولت في السابق وهي مستمرة الی الیوم في تناول القضايا المتعلقة بإقليم كوردستان. لكنە آن الأوان للباحثين الكورد بصفتهم مراقبين مشاركين ، وبالأخص الذين يعيشون في كوردستان ، أن يتناولوا الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الإقليم وينتجوا البحوث المعمّقة الأكثر موضوعية ، كونهم لايعانون أوجه القصور المنهجيّ والثقافيّ واللغويّ التي تعاني منها المؤسّسات الغربيّة. نری من الضروري الإهتمام بمواضيع عامة تشمل الإصلاح السياسي والإداري، والعلاقات الخارجية للأنظمة والقوّة الفاعلة ، وقضايا الأمن ، والأمن القومي ، والاقتصاد و علیهم بالأخص التركيز علی الأزمة السورية و مشكلة الملف النووي الإيراني والدور المستقبلي لكل من تركيا وإيران في المنطقة وكذلك دراسة التغييرات التي تطرأ علی المجتمع والقضايا السكانية والتعليم والصحة والوفيات والجندر، وقضايا الهويّة ، وفرص العمل للخريجين وغيرهم وأسباب البطالة والحركات الاجتماعيّة ودور المجتمع المدني والتّنظيمات المدنية ، والسّياسات الاجتماعية المتكاملة والاندماج الاجتماعي ، والسّياسات الدولية للتّنمية ، ودور المؤسّسات الدوليّة والإسقاطات السكّانية العالميّة. 
أما من ناحية السياسة والدراسة الإعلامية ودورها واستقلاليّتها وملكيّتها ، وصناعة الرّأي العام وتكنولوجيا المعلومات ، فعلیه إجراء دراسات حول كيفية تناول الغرب لقضايا كوردستان وتقييم أداء الإعلام الأقليمي والمحلي. وفي المجال الإقتصادي يجب متابعة الإقتصاد السياسي للإقليم والعراق والمنطقة وفرص التعاون الإقتصادي المشترك ودراسة سياسات البك الدولي و صندوق النقد الدولي و تدفق الرأسمال الأجنبي والاستثمار والتكنولوجيا وتنمية المشاريع والهياكل الأساسيّة الخدميّة.
مراكز البحث يجب أن تهتم بالقضايا البیئية  لحماية الموارد الطبيعية والأمن الغذائي وتقوم أيضا بتقييم سياسات التربية والتعليم بما في ذلك التعليم العالي وأسباب عدم تطوير مستوی التعليم ومناهج التدريس ولغة التدريس.
فالمجتمع الذي يأخذ مسألة الوعي بالتغيير بعين الإعتبار و يحاول زرع هذا الوعي ويعتنی به بشكل مطلق يستطيع الوصول إلى حالة الإدراك المتبادل بين مصاعب الحاضر ومشكلات المستقبل. أما البحث والإستقصاء في القضاء على عوامل التردي التي خلقتها قوى مضادة متغلغلة في دواخل مجتمعاتنا ، وتجد غذاءها من قوى إقليمية و كبرى، فهو سينقذ مجتمعاتنا من ورطاتها التي يتفاقم خطرها يوما بعد آخر. المعلوم هو أنە من الممكن من خلال بنوك الفكر العمل علی خطط تتعلق بالمستقبل ورٶی من أجل المستقبل ومشروع عمل أو خارطة طريق ، لأننا نعيش زمن يتحرك حركة قوية. علینا معرفة المسار والنطاق القيمي ، فنحن بحاجة عمليّة ونظريّة ماسّةٌ للتدقيق في معاني معظم، وربّما كلّ المفاهيم المستخدمة في التعبير عن المعرفة الإنسانيّة عموماً ، وعن تلك المتعلّقة بالشأن السياسي خصوصاً.  ولابد ترك التباكي علی القيم المنهارة أو علی الحداثة الآفلة ، فالإنسانية تشهد اليوم ولادة جديدة مع العصر الرقمي ومن الواضح بأن لكل عصر تقني شكله البشري ونمطه الوجودي، إذن لابد من ظهور فاعل بشري جديد علی المسرح ، الذي يروع الكتل الدينية بتیاراتها ومعسكراتها ويقلل من بريق شعاراتها ورموزها وقيمها.
وللتأكيد علی الأهمية العظمى لدور المعرفة والعلم والعقلانية في عالم السياسة وفي التجارب السياسية الناجحة والمثمرة والمفيدة نعيد هنا قول الحكيم اليوناني أفلاطون (427-428 ق.م \ 347-348 ق.م) في جمهوريته: 
"يا عزيزي غلوكون ، لا يمكن زوال تعاسة الدول ، و شقاء النوع الإنساني ، ما لم يملك الفلاسفة أو يتفلسف الملوك و الحكام ، فلسفة صحيحة تامة. أي ما لم تتحد القوتان السياسية والفلسفية في شخص واحد ، وما لم ينسحب من حلقة الحكم الأشخاص الذين يقتصرون على إحدى هاتين القوتين ، فلا تبرز الجمهورية ... إلى حيز الوجود و لا ترى نور الشمس. والذي حملني على التردد في إبداء الرأي هو شعوري انه يضاد الرأي العام كل المضادة ، لأنه يعسر الاقتناع بأنه وسيلة لحصول الفرد والدولة على السعادة."
الدكتور سامان سوراني

121
تشكيل حزب سياسي جديد في مدينة كركوك الكوردستانية

بداية لابد أن أذكر الأسباب والدواعي التي أدت الی الكتابة حول فكرة تشكيل حزب سياسي في المدينة الكوردستانية كركوك. ففي العديد من لقاءاتي مع مجموعة من الأصدقاء الكركوكيين القدامی ، أصحاب الرٶی الكوردستانية المعاصرة المهتمين بالفكر والسياسة ، يتم طرح الموضوع المعنون وبحث جوانبە الجدؔية.
فهم يبدون دوماً رغبتهم الشديدة في الدعم المادي والمعنوي لتلك الفكرة ، فيما إذا تم التنظير لە. بعضهم يجاملني ، مادحين مؤهلاتي العلمية القاعدية المتواضعة وقدرتي على التعامل مع العلم والثقافة والسياسة بروح علمية تخضع للعقل والمنطق والتأمل ومازحين بالقول: "لماذا لا تقوم بالتنظير لتشكيل حزب سياسي؟"
إن تشكيل حزب سياسي يمتلك القدرة الفكرية علی قراءة الواقع الكركوكي بإستقلالية تامة والإلمام بالزمانية وإستیعاب المفاعیل الإجتماعية والسياسية وتجنب التعثر والإخفاق في مواجهة المشكلات المزمنة والمتراكمة في مجالات التنمية والمعرفة والسياسة ، بإعتبار المجتمع الكركوكي مٶسسة ثقافية تبنی وتتطور من خلال إنتاج المعاني والقيم والأفكار ومعاصرة هذا العصر الكائن بعد أن تبدل نمط الوجود وأساليب العيش بقدر ماتغير نظام العالم ومنطق الأشياء، بالطبع هو قضية مهمة.
فالحزب السياسي الحي ، الذي يعيش في جو واقعي ويفهم مختلف التيارات التي تعترك في كركوك ويكون قادراً علی التوافق بين حيويته كحزب والجوهر الثابت من الأمور ويٶمن بحرية التعبير، والاجتماع ، والاعتقاد ، ومنح الفرص للمواطنين بشكل متكافئ ، والتوزيع العادل للثروات ، ومحاربة الجهل والأمية ، وطلب العلم والمعرفة ، ومجانية التعليم والعلاج ، وإستفادة الشعب بشكل مباشر من ثروات المدينة ، وإرجاع الأراضي الكوردستانية المستقطعة الی حضن الإقليم ، والعمل على وحدتها مهمة إنسانية أولاً وواجب وطني ثانیاً. فليكن حزب سياسي يحترم مبادیء الدیمقراطية ولايحتضن أعضاء يعيشون في الماضي بعقائد سياسية تقليدية أو نخب فاشلة وعقليات كسولة وثقافات فقيرة ، بل يحکتم الی المٶسسات ويكسر إحتكار المجال التقليدي لصناعة السياسة وإدارة وتدبير شٶون الحكم ويستطيع تشخيص الواقع العراقي الراهن بتحولاته وصراعاته و صداماته وإخفاقاته وخططه المستقبلية المخيفة بمنهجية لصوغ معادلات وأساليب وآليات.
من الواضح بأن الدستور العراق الفدرالي المستفتي علیه في ١٥ تشرین الثاني عام ٢٠٠٥ قد نص في المادة ٣٧ علی كفالة حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية أو الانضمام إليها دون فرض شروط أو قيود قوية وفعلية على تأسيس الأحزاب السياسية ومن ثم على نشاطاتها ، مما ينعكس على دورها الفاعل في حماية القواعد الدستورية من موقعي الحكم أو المعارضة. إذن تشكيل حزب أو تنظيم سياسي ضمن الشروط المذكورة في الدستور مسألة غير معقدة ، يمكن تحقيقها في فترة قصيرة.
والمادة ٧ - أولاً من هذا الدستور لايحد من تلك الحرية بل يحظر تبني أي كيان لأي نهج عنصري أو إرهابي أو تكفيري أو طائفي أو يحرض أو يروج له. نحن نعتبر هذا الحظر موضوعي و واقعي ، لأنه يفعؔل و ينشؔط دور الأحزاب السياسية ولا يشكل قيداً علی نشاطهم. 
الهدف من تشكيل الحزب السياسي هو فهم الترابط بين أجزاء العملية السياسية وبالتالي تفسير ما يدور بالساحة السياسية كمقدمة ضرورية لاتخاذ القرار بشأن التحرك السياسي الملائم وفتح آفاق العقل للتعامل مع الأحداث بطرق حكيمة وبنظرة واقعية قادرة على تحقيق الأهداف بأفضل النتائج بأقل التكاليف.
ولكي يتمتع الحزب أو التنظيم السياسي بالشخصية الاعتبارية من الناحية القانونية فمن المستحسن أن لايقل عدد طالبي العضوية عن ألفين وخمسمائة عضو كحد أدنى عند تقديم طلب التأسيس ، وعلی ان يكون الأعضاء للمرحلة الحالية من محافظة كركوك.
أما مبادئ واهداف الحزب السياسي الجديد فيجب أن لاتتعارض مع الدستور ويجب أن يتم إختيار قادته على اساس الكفاءة ، لا علی أساس تمييزي للدين او العرق او اللون و أن لا يهدف الحزب ببناء تشكيل عسكري ، وعلیه السعي في سبيل الوصول الی الموقف الواحد بعد رص الصفوف والالتزام بالوحدة الكوردستانية.
إذن نحن هنا إزاء مشروع ، فكراً وعملاً ، يسلط الضوء علی الإمكانات التي تبثق مع العقل التواصلي والعمل المعرفي ، سبراً واستغلالاً ، من أجل التحول من مجتمع النخبة والخاصة أو الرعايا والعامة الی مجتمع المهن والإختصاصات والقطاعات المنتجة والفاعلة ، حيث الأفراد والمجموعات يفكرون ويعملون كفاعلین یتحملون المسٶولية عن تشخيص المشكلات ومعالجتها بقدر ما يسهمون في أعمال التنمية والبناء. والذي يٶمن بالتنوع والإختلاف ويرتهن علی المستقبل و يسعی بجهوده الذاتية لترقية مصلحة كركوك علی أساس مبدأ متفق علیه بين المجتمع الكركوكي للإحتفاظ بالإدارة الشرعية والخروج من الماضي البائس وبٶس المجتمع التقليدي ينجح في مهامه.
فالخروج ينقل المجتمع الكركوكي الی مستوی العصر و يقربه من صناعة الوحدة الكوردستانية وتدبير المصلحة العمومية. إن تحقيق العدالة الاجتماعية بتوفير الحد الادنى للحياة الكريمة التي تلبي كل الحاجيات والرغبات الانسانية الضرورية من غذاء ورعاية صحية وتأهيل تعليمي وسكن إنساني وفرص عمل كريمة يجب أن تكون من أولويات عمل الحزب السياسي بعد تعزيز ثقافة الديموقراطية بين المواطنين وطرح التصورات الواقعية لحل مشكلات المجتمع فى كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية والإستراتيجية انطلاقاً من رؤية كركوكية. وهكذا يقع علی عاتق الحزب مسؤوليات جدية في تعرف مشكلات المجتمع الفعلية على نحو موضوعي وتفصيلي ، وتعرف اتجاهات الرأي العام إزاء كل منها، وسبل معالجتها.
الحزب السياسي المعاصر يجب أن يتبنى مفهوم الديمقراطية بأوسع معنى لها، ويعني هذا بصفة خاصة أن الديمقراطية ، حكم الشعب ونفاذ إرادته ، هي القيمة السياسية العليا التي لا تخضع لأية قيود ، والعمل على بناء مؤسسات تضمن سلامة ومشروعية الحكم ، والإنتقال الآمن للسلطة ، وتحقق استقرار العمل العام بما يحقق التداول الطبيعي للسلطة بين التيارات والأحزاب.
ومن المعلوم بأن حيادية مؤسسات الحكومية هي الصمام الرئيسي لسير العملية الديمقراطية بشكل سليم. فالتوجه نحو اللامركزية في إدارة المؤسسات مع المرونة اللازمة لتنوع برامجها ومساعدة المواطنين على إتخاذ القرارات و تعليمهم أساليب أبداء الرأي في كل قضية تحتاج إلى آرائهم حتى يتم إتخاذ قرار سليم بشأنها ، یجب أن يدخل في إطار برامج الحزب.
بالطبع هناك نقاط ومحاور أساسية أخری يمكن أن تطرح بالتفصيل كرؤية الحزب الشاملة وبرنامجه وخاصة محاور السياسة الخارجية والأمن القومي والقضايا الداخلية والإقتصاد والإجتماع والتربية والتعليم والإعلام ومسائل إحترام حقوق الإنسان والحفاظ علی البیئة من التلوث وغيرها ، لكننا هنا أردنا بإختصار أن نشير الی طرح موضوع ضرورة تشكيل حزب سياسي معاصر يخدم قضية كركوك. 
وختاماً: "الحزب السياسي هو البرنامج لا العقيدة. البرنامج الذي يستمد قيمته ومشروعيته ومصداقيته من الجدوى والإنجاز؛ أي من إجابته عن أسئلة الواقع ، بخلاف الحزب الأيديولوجي الذي هو عقيدة ثابتة تستمد قيمتها ومشروعيتها ومصداقيتها من ذاتها فحسب. وفي البرنامج لا شيء ثابت ولا شيء نهائي ولا شيء مطلق ولا شيء يقيني ولا شيء مقدس؛ كل شيء قابل للنقد والمراجعة والتدقيق والتصويب والحذف والتعديل ، بخلاف الأيديولوجية على خط مستقيم."
الدكتور سامان سوراني




122
جذور الإرهاب الفكري والنزعة الإرهابية في الشرق الأوسط

من الواضح بأن العامل الذي يحد من عملية الإبداع الفكري و يقوي سلطة الرقيب عند الفرد الشرق الأوسطي ، الذي يقضي في أغلب الأحيان طول أو نصف عمرە في بلد ما بشكل إجباري لا يتمتع بالحرية والوعي بل يعيش الظلم والإستبداد والإرهاب الفكري الهادف الی إفساد كل معتقد أو سلوك باستخدام الوسائل والأساليب المعنوية التي تخلّ بأمن واستقرار البلد و تؤثر بشكل سلبي على المواطنين ، هو بذور التخلف والتردي التي يحمله الإنسان تحت طيات جلده وفي جيناته الوراثية. فإذا بالشخصية تنجب التقوقع والنزوع الی الباطنية وبالنهاية الی التخلف من الناحيتين الثقافية والحضارية.
دول شرق أوسطية تنظم وتقاد من قبل عناصر ومٶسسات ديكتاتورية لا ينشغل معظمها بحقوق الانسان والديموقراطية الا بالمقدار نفسه الذي يشغل الإرهابي السلفي ، الذي لايملك معنى ثابت او جدول عمل أو محتوى سياسي. فكيف بتحقيق أحلام الفيلسوف التنوير الألماني إيمانوئیل كانت (١٧٢٤-١٨٠٤) ، الذي جاهد بأفكاره في سبيل المواطنة العالمية والحق العالمي الشامل ومفهوم "الجماعة الكونية" و تطبيق أدوات دبلوماسية كالحوار السياسي أو الفلسفي ، التي هي في صميم كل استراتيجية دبلوماسية؟
وكم من مرات شاهدنا فيها محاولات من قبل جهات قمعية لتدجين صاحب الرأي الآخر وتحويله الی ببغاء يردد مايقال له من كلام غير مفيد أو يصلي خلف "الإمام" ، يقوم و يرکع و يسجد مثله ويكرر ما يقوله ، كالروبوت (إنترنسينالسم) أو ما يسمى بالعربية بالإنسان الآلي. وهنا لا أريد أن أدخل في المٶثرات الجانبية للإرهاب الدموي اليومي المتجسد بمشاهد القتل والاغتيال والإبادة والتّفجير والتّخريب والتّدمير والاعتقال والإذلال والظّلم ، التي تزرع الخوف والهلع في النفوس وتجعل الإحساس المستمر بالقلق وإنعدام الأمن والأمان صاحباً ملازماً للإنسان. والمآل هو دوماً بعكس الإدعاء ، فالمجريات تفضح الدعوات و النتائج تنقض المقدمارت ، والحصاد هو تخريب البیئة الإنسانية وقطع العلاقة مع الأرض والتاريخ والذاكرة.
إن عدم إتاحة الفرصة للتعبير عن الفكر دون تردد أو قلق يجعل التربة خصبة لنشوء كل أنواع الإرهاب بدءاً بإرهاب الدولة وإنتهاءاً بالإرهاب الاقتصادي والاجتماعي والفكري. إن المدافعة عن الهوية والثوابت أو عن الحقيقة والعقلانية والحرية بعقلية المناضلة تٶدي الی الفشل في النضال والی خسارة القضايا.
والسذاجة هنا تكمن في أن الفرد الشرق الأوسطي ينتظر الخلاص والإنقاذ ممن لا يحسن الإنتصار إلا علی شعبه و مواطنيه ، كما أثبتت التجارب ، حيث كان الشعب ينتظر من هذا القائد أو ذاك النصر والظفر ، فإذا النتيجة أنظمة للسيطرة ومجتمعات معسكرة ونماذج للتنمية غير فعالة. ومن يحسب الهزيمة نصراً والمشكلة حلاً يقفز فوق جذور المشكلات والأزمات ، لكي يمارس طقوس الإستنكار للعدوان ولكي يصنع قيود الفقر وأدوات الرعب والملاحقة.
الفرد الغربي علی العكس منؔا يخضع أفكاره وثوابته للدرس والتحليل وبه يخلق لغات مفهومية وأطر نظرية أو مباديء إستراتيجية ، يجدد معها الوجهة والعدة أو المهمة والطريقة ، يتغير و يسهم في تغيير العالم. أين الفرد الشرق الأوسطي من كل هذا؟ 
من المعلوم من أن زوال الآثار النفسيّة للإرهاب من حياة الإنسان مرتبط جوهرياً بزوال الإرهاب نفسه ، لذا نری من الضروري أن تتضافر كافة الجهود للتّخلّص منه وذلك بإشاعة الديمقراطية الحقيقية وصيانة الحقوق والحريات العامة واحترام الرأي الآخر والعمل علی محو مفاهيم الاستبداد في المجتمع ، التي أصبحت ثقافة سائدة في السياسة والدين ، والبيت ، والشارع ، والجامعة ، وفي كل نواحي الحياة وكذلك مكافحة المفاهيم السلبية الخاطئة في نفوس البشر ، التي تٶدي في النهاية الی قمع الإبداع الفكري والصمت على الظلم والفساد و إكراه الذي يريد العيش بكرامة و الحقد علی المثقف والمفكر بتكفیره.
وختاماً: "الأفكار ليست أيقونات للتعبد ولا هي متحجرات نعود بها إلى الوراء ، من ينظر الیها بهذا الشكل يساهم في إنتاج البٶس والوحشية والدمار. علينا إذن في عصر العولمة والوسائط ترسيخ مبادیء تربوية تٶدي الی التخلي من دور الإنسان المتأله أو الوصي أو صاحب الدور الرسولي النبوي، نحو الفرد البشري الذي يتعامل مع نفسه بوصفه وسيطاً لا أكثر، وذلك من منطق المسؤولية المتبادلة والشراكة في صناعة الحياة والحفاظ على المصير."
الدكتور سامان سوراني

123
سياسة حكومة إقليم كوردستان وخصائص السياسة الأمريكية 

للسياسة الأمريكية خصائص تستند إلى نظريات تشتق من الواقع الجيو-استراتيجي والمصالح الحيوية في أقليم أو منطقة جغرافية ما. ومن أهم هذه الخصائص أنها تعتمد على الحلفاء الإقليميين والمحليين في تأمين مصالحها. وعندما يتحول حليف من حلفاءها إلى حالة مستعصية ، أو عندما يصبح عبئاً عليها سواء لأنه فقد دوره أو لأنه يتعرض لخطر الإسقاط ، فأنها تغدر به و تتخلی عنه بسرعة البرق لصالح البديل الجديد والقوي.
وفيما يخص حكومة إقليم كوردستان ، فإنها تمثل الشعب الكوردستاني وهي منتخبة من قبلها ، لذلك فهي لاتملك المغامرة بمستقبلها السياسي بتفاهمات خاصة مع الولايات المتحدة بعيداً عن مصالح الشعب الكوردستاني وبعيداً عن الشفافية وهذا ما يوجه صانع القرار الأمريكي إلى تغيير فلسفة التعامل والتفاوض مع القيادة الكوردستانية لتكون تفاهمات بين شعوب وليس بين حكام. فنشر الديمقراطية يجب أن يتم عبر الدبلوماسية ، مثل تنظيم شراكات مٶيدة للديمقراطية ، وعبر دبلوماسية الرأي العام.
في إقليم كوردستان نری بأن الطلب علی الديمقراطية و الإصلاح هو طلب داخلي ، لأن الشعب يری بأن العالم المليء بالديمقراطية هو عالم الأكثر إحتمالاً ليكون عالم إزدهار إقتصادي و سلام من عالم مليء بالديكتاتوريات.
أما العمل علی نشر الديمقراطية فهو عمل طويل الأمد ويعتمد علی الفرص ويتعين علیه أن ينتظر النضج التدريجي لتكون الظروف السياسية والاقتصادية مٶثرة.
والعمل من أجل إنجاح التجارب المستقبلية وولادة الإنسجام المصيري بين حكومة الإقليم والمجتمع الكوردستاني يحتاج الی التضامن والتكتل لرسم خريطة إتحادية معاصرة وصناعة إرادة كوردستانية قادرة علی إعادة الهیكلة السياسية.
المجتمع الكوردستاني أنتابه في السابق تیارات الإنقسام والصراعات المحلية والخلافات الجهوية والعشائرية ، التي كانت عوامل أساسية في فتح ثغرات خطيرة ، ينفُذ من خلالها العدو الرافض لحقوق الكورد المسلوبة. والتحرك الرسمي من أجل التغيير نحو المستقبل، ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة الوعي بذلك التغيير، ومحاولة زرعه ، والعناية به عناية مطلقة، كي يصل هذا المجتمع إلى حالة الإدراك المتبادل بين مصاعب الحاضر ومشكلات المستقبل.

من الواضح بأن أمريكا غير قادرة على منع حركة التاريخ باتجاه التغيير في المنطقة ، ما يدفعها إلى التفكير ببرنامج التعايش والتعاون بدل الصدام مع الحكومات الجديدة وقواها السياسية. ودبلوماسية التغيير و التحول الديمقراطي جاءت في مقدمة سياسات البيت الأبيض، على الأقل على مستوى الأقوال. بالرغم من أن الكورد عانوا الظلم و الإستبداد والإقصاء علی أيدي الذين  موطنهم و ساندوا الغير ليحکمونهم إحتلالاً ، و بالرغم من أن الكورد هم المجموعة العرقية الأعظم عدداً بغير دولة مستقلة معترفة بها دولياً تجمعهم ، فأن القيادة الكوردستانية تسعی ببرنامجها السياسي السلمي جاهداً لتثبت للمنطقة والعالم بأن خطواتها تتسم بالحكمة تنیر درب الديمقراطية علی أرضها.
الشعب الكوردستاني يتمتع بفضل هذه السياسة بأعلى مستويات المعيشة وإقليم كوردستان يتمتع بأفضل معدلات الاستثمار الأجنبي والاستقرار الأمني في العراق والمنطقة.
لقد تمكنت حكومة إقليم كوردستان رغم التجربة الغير طويلة في إدارة الحكم استخدام اسلوب القوة الناعمة في التعامل مع جميع الاطراف وتجنب التصعيد والمواجهات و إستطاعت رغم التحديات الجسيمة اضفاء الطابع الديمقراطي على الحكم من خلال تأسيس عقد اجتماعي جديد بينها وبین المجتمع لتكون فيه المواطنة محور الرابطة  بين الإقليم ومواطنيها ، إستناداً علی احترام حقوق الانسان ، واقرار التعددية السياسية والفكرية ومبدأ الفصل بين السلطات ، والسماح لمختلف القوى والتكوينات الاجتماعية من التعبير عن مصالحها وايصال مطالبها عبر القنوات الشرعية ، وضمان مشاركتها في مؤسسات الأقليم وهياكلها بصورة فعالة ، وافساح المجال امام نمو المجتمع المدني وتوفير متطلبات المشاركة السياسية ، واحترام استقلال السلطة القضائية و إقرار التداول السلمي للسلطة بحسب الارادة الشعبية.
وما المحاولات الماراثونية من قبل الأحزاب السياسية الرئیسیة الفائزة في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة لتشكيل حكومة ذات قاعدة موسعة تضم جميع القوى ليكون بمقدروها تقديم خدمات افضل وتعكس ارادة جميع مكونات الشعب ، بالإضافة الی اتخاذ القرارات الوطنية المصيرية و الحفاظ علی المصلحة الوطنية والنسيج السياسي والاجتماعي للمجتمع عن طريق حوار بناء ومثمر إلا دلیل علی مانقول.
وختاماً: "إن هویتنا ليست مانتذكرە ونحافظ علیه أو ندافع عنه. إنها بالأحری ما ننجزه و نحسن أداءه ، أي ما نصنعه بأنفسنا وبالعالم ، من خلال علاقاتنا ومبادلاتنا مع الغير."
الدكتور سامان سوراني

124
الأختام الأصولية واللامعقول الديني في العراق والشام

لقد بات الإرهاب ، الذي إتخذ اليوم طابعاً يضيف الى القدرة على الظلم النزعة الى الإذلال ، ظلؔ يلازم الأنظمة بعد أن إنتشرعالمياً وتوغل الی أعماق الثقافات التي تحاربه. فهو مشكلة معقدة ونزعة تدميرية ومرض فتاك لايكفي لمكافحته وإخماد ناره الإكتفاء بالإدانة الأخلاقية ونشر بيانات الشجب عن طريق الوسائل الإعلامية المزدوجة ، التي تغازل الدعوة الی اللاأنسنة بإسم الدعوة الی المثل العليا والقيم السامية ، بل بإيجاد تدابير تجتثه من جذوره ، كإنهاء المركزيات الإثنية والدينية والإيديولوجيات التي تهمش تضامن الأفراد و حسن التعايش ضمن منظور ايكولوجي ايطيقي. أصحاب المواقف القصوی والثنائیات العقيمة والخانقة والتنظيمات الباطنية المسلحة لاتحترم الخصوصيات القومية والثقافات المغايرة ، بل تنادي بالإنغلاق الديني والعقل الأحادي الی الإستبعاد والتضاد وتعمل من أجل تطور لامتكافیء بين الدول والشعوب والثقافات.
في عالم الصيرورة والتحوؔل وعصر الإعتماد المتبادل لايمكن أن يتم تشكيل الهوية البشرية بالتعسف والشطط أو بهدم التوازن بين الروح والجسد وبين الفكر والمادة وبين الأخلاق والسياسة أو بإحالة الجماعات الی أدوات وأرقام ، أو الی قطعان بشرية تجري تعبئتها وقولبتها لممارسة العدوان وشن الحروب ، تحت شعارات دينية أو مشاريع التحرر. 
الأسلمة ليست الحل أو المخرج كما تدعي الجماعات الإرهابية ، بل هي المأزق والعائق وهذا ما يمكن قرأته وإستنتاجه من عمل الداعية التراثي أو الجهادي الأصولي ، الذي يتعامل مع الشأن الديني من زاوية التوظيف السياسي ويعمل بذهنية التحريم و يميل الی تغليب الحقيقة الواحدة على نسبية المعرفة أو إقصاء المغايرين وتكفير المخالفين ولايتسامح مع الآراء المتعددة ويرفض التنوع في الأفكار.
للتحرر من الإرهاب ، الذي لايميز بین مذنب وبريء أو بین مدني وعسكري أو بين آمن ومحارب ، علینا أن ندرك الحدود الفاصلة بين المعرفة والمصلحة والقيام بإيجاد علاقة ضرورية بين التلعليم والتربية و بناء مشروع فلسفي لعقلنة الواقع وإدراك حدود هذه العقلنة. أما الحوار السلمي شرط امكان قيام سلم دائم بالنسبة للدول والشعوب والخضوع الی الخيار العقلاني وحكمة المنطق والفعل التواصلي في الفضاءات العمومية من الشروط الضرورية لتجاوز العنف ، ومن لا يقدر علی الحوار ولايجعل من العلاقة التعادلية المنفتحة أساس للإنطلاق ، ينحو نحو منطق الإقصاء الذي لايولد إلا المعارض العدو اللدود.
الأختام الأصولية واللامعقول الديني هي آفة أو ظاهرة متفشية وثمرة من ثمرات الثقافة الدينية الرائجة بمرجعیاتها ورموزها وتعالیمها ، كما بفتاواها وأخطاباتها وأحكامها. فالذي يدين سواه بوصفه غير متديؔن أو لاينطلق من منطلقات دينية ، إنما يفكر بعقلية إرهابية ، هي نفس العقلية التي يعمل أصحابها علی تفجير المدارس أو المطاعم أو المساجد أو الأسواق المكتظة بأجساد الآمنين والأبرياء وهي نفس العقلية التي تسعی في كل من العراق وسوريا الی تعزيز مناطق النفوذ وإقامة دولة تسمی بـ"الإسلامية" علی جانبي الحدود العراقية -السورية.
هٶلاء بدعاواهم المزيفة يزعمون بأنهم يسعون مخلصين الی خدمة دين الله وشريعته ، دعاوی تخرقها وتخرمها دوماً الوسواس والهواجس والشبه والشكوك والأهواء والأطماع. هٶلاء ينتهكون القيم والمبادیء والأحكام التي تتعلق بالعدل والحق. أمراء تلك الجماعات الإرهابية نصبوا أنفسهم وكلاء علی سواهم ، يدعون أنهم وحدهم دون سواهم ينطقون بإسم الله ويسيرون علی الصراط المستقيم. إنهم بحق أسلحة الدمار الشامل ، التي صنعتها الثقافات الدينية المزدوجة علی مدی عقود من الزمن. إنهم من صنع الوهم القاتل المزروع في العقول ، يعتبرون أنفسهم أهل الفرقة الناجية ، الذين أصطفاهم ربهم لكي يختم الوحي علی يدهم وبلغهم آخر ماعنده من رسائل وتعاليم وقرارات. وهكذا أصبحوا آلهة فعلية لارمزية ، مفردات قوامیسهم لاتحتوي علی الإهمال والتمهل ، العفو والغفران ، إنهم يعاقبون قبل اليوم الموعود ، بإستخدام وسائل الرعب وآليات الدمار، لكي تحيل الحياة في العراق والشام الی جحيم لايطاق أو لكي تتحول هواجس الهوية الی فخ يلغم العيش المشترك ويزيد المسلمين عزلة.
وختاماً: "التعصب لايمارس من خارج الدين أو ضد مبادئه ، بل هو صناعة دينية تماماً كما الإرهاب ليس خططاً شيطانية ، بقدر ماهو صناعة بشرية.
الدكتور سامان سوراني


125
إقليم كوردستان ودور مراكز الأبحاث في صنع القرار السياسي

من الواضح بأن للمعرفة كقوة تأثيرعلى السلطة وأن السلطة من جانبها توظف المعرفة لتحقيق السيطرة وضمان المصالح. وهذا ما قاد الدول و جهات إلى الاهتمام بإقامة مراكز الأبحاث القادرة على إنتاج العديد من المشاريع الإستراتيجية الفاعلة علی المستويات السياسية والإقتصادية والعسكرية ،  بل وحتی الإجتماعية والثقافية ، تُستخدم لصنع السياسة والتأثير علی الرأي العام وصناع السياسة. هذه المراكز أصبحت اليوم من خلال النشاطات العلمية التي تقوم بها ، من الأبحاث والمؤتمرات والإصدارات الدورية والكتب والمنشورات التي تنشرها واحدة من المرتكزات الأساسية لإنتاج المعرفة والتفكير العام في الدولة ، تعطي للمختصين وصانعي القرار في الدولة أو في القطاع الخاص بدائل يمكن أن يختاروا أفضلها و تقدم في بعض الأحيان البديل الوحيد ، الذي لابد من الاعتماد عليه في مواجهة التطورات والأحداث المتسارعة.   
في بعض البلدان كالولایات المتحدة الأمريكية مثلاً نری أن مراكز الأبحاث أو مايسمی ببنوك التفكير أو think – tanks هي في الغالب مٶسسات تعلن عن نفسها علی أنها منظمات غير حكومية (NGO) أو منظمات غير ربحية ، تحمل أسماء و تعريفات مختلفة و تطلق في بعض الأحيان على نفسها اسم (مؤسسة foundation) أو (معهد institute) أو (الصندوق fund) أو (الوقف endowment) تقع تحت قطاع ذو نفوذ يتمتع بدور أساس في عملية صنع القرار ، وهي غير مؤسسات اللوبي. 
من منؔا لا يتذكر مدی دور وتأثير نظریتين سياسيتين نشرتا في نهايات القرن العشرين وهما "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" لفرانسيس فوكوياما و "صدام الحضارات" لصاموئيل هنتنجتون، كانتا نتاج الثقافة والفكر الأمريكي النابعة من مراكز الأبحاث والأفكار والمعارف المدعومة من قبل قوة الدولة الأمريكية. 
في إقليم كوردستان هناك عدد قليل من مراكز للبحوث والدراسات الإستراتيجية ، لانعرف إن كانت فاعلة أم لا ولا نعرف أيضا إن كانت هذه المراكز تقوم بتقويم السياسات السابقة ، لتضعها في إطارها التاريخي والسياسي السليم أو تقوم بتحديد الآثار بعيدة المدى للسياسات المتبعة تجاه الأصدقاء والأعداء على حد سواء ، فيما يتعلق بمصالح إقليم كوردستان ومكانتها الإقليمية الخاصةً؟
سٶالنا بالتحديد هو ، هل هذه المراكز تقوم بطرح أفكار وآراء جديدة ، وتقترح السياسات البديلة ، خلال المدة التي تسبق مباشرة انتقال السلطة من إدارة إلى أخرى ، أو بعد حدوث حوادث إقليمية أو بروز ظواهر جديدة أو مستجدات كقضايا الإرهاب مثلاً ، لكي تكون تلك الأفكار والمقترحات تحت تصرف صانعي القرار السياسي الجدد ، و هل تقوم بتزويد الإدارات المتتابعة والأجهزة المختلفة بالخبراء أو تقدم المشورة والنصح لأجهزة مؤسسات الدولة أحياناً بناءً على طلب تلك الأجهزة وهل تفتح دورات تدريبية للجيل الصاعد من القيادات الفكرية والسياسية ليكون جاهزاً لتسلم الإدارات السياسية العامة للدولة؟
فمن خلال عقد الندوات والمٶتمرات ونشر الكتب والدرسات وإصدار النشرات والمجلات أو التقارير وتقديم التحليلات عن طريق الإنترنت لتبرير سياسات معينة أو نقدها أو لترويچ أفكار عصرية سوف تكون لها تأثير في الرأي العام وفي صنع السياسة والقرار السياسي.
إن تنمية القدرات التراكمية في مجالات الفكر والسياسة والإعلام سوف تجسد الذاکرة الجماعية لشعب كوردستان و تبلور مواقفها ومصالحها. 
لايخفی أن مؤسسات الفكر والرأي كمؤسسات أبحاث حول السياسة لها تاريخ المائة عام في البلدان المتطورة ، فمثلا مٶسسة "بروكينغز" ، التي أنشأت عام ١٩٢٧ بعد إندماج مٶسسات فكرية أمثال "معهد الأبحاث الحكومية" لتصبح أيقونة في واشطن أو مؤسسة “راند كوربوريشن” لتعزيز وحماية مصالح الولايات المتحدة الأمنية خلال العصر الذري.
هذه المٶسسات الفكرية كانت ملتزمة بتطبيق خبراتها العلمية على حشد من القضايا السياسية ومع ذلك كانت ترغب في البقاء بعيداً عن العملية السياسية انطلاقاً من التزامها الاحتفاظ باستقلاليتها الفكرية والمؤسساتية. فهدفهم الأول لم يكن التأثير المباشر على القرارات السياسية، بل مساعدة وإعلام صانعي السياسة والجمهور بخصوص العواقب المحتملة عن طريق إرساء الأسس الفكرية والفلسفية والاجتماعية والاقتصادية للبرامج والسياسات الرئيسة لاتباع مجموعة من الخيارات في السياسة الخارجية.
الأجدی في زمن الأعداد والعلامات و تضاعف العالم المحسوس من خلال الشبكات والبيات الإلكترونية ، التي هي أوهن من خيط العنكبوت أن نرحب بجهود القطاعات النشطة والواعية والمثقفة في إقليم كوردستان ، التي تنوي إنشاء مراكز التفكير والأبحاث بعيداً عن الإرتجالية في الأداء أو الأحادية في النظرة والتناول ، بعد تحليل الواقع المعاش ، انطلاقاً نحو تقديم رؤى مستقبلية من أجل النهوض بواقع جديد أو بتطوير الواقع الحالي إلى مستوى أفضل بما يخدم أهداف ومصالح إقليم كوردستان وأمنه القومي ، وفق مرجعيات أكاديمية راسخة ، لتشارك من خلالها في صنع السياسة العامة للإقليم بعيداً عن الأطر حكومية.
وختاماً: من لايقرأ مايحدث لا يحسن التعامل معه والمشاركة في صنعه. فالعولمة كحدث كوني ذو بعد وجودي خلقت واقعاً تغير معه العالم عما كان علیه بجغرافيته وحركته ، بنظامه وآليات إشتغاله ، بإمكاناته و آفاقه المحتملة. فالإهتمام بجمع البيانات والمعلومات وتوثيقها وتخزينها وتحلیلها بالطرق العلمية الحديثة ، والتعاون مع أجهزة إقليم كوردستان ومٶسساته المختلفة في مجالات الدراسات والبحوث المعرفية سوف تساهم بشكل فعال في دفع العملية التنموية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية في الإقليم .
الدكتور سامان سوراني


126
أفخاخ النوايا وشروخات وحدة الأحزاب الكوردستانية في كركوك

قبل أيام أفرحنا نبأ وصول الكتل الكوردستانية الی إتفاق علی خوض الانتخابات البرلمانية (انتخابات مجلس النواب العراقي) في المناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة إقليم كوردستان بقائمة واحدة. لكن هذه الفرحة لم تدم طويلاً بسبب فشل ممثلي تلك الکتل أمام التجربة الأولی وإعلان البعض منهم بالإنسحاب من "قائمة كركوك كوردستانية" لأسباب قد لاترضي ولا تقنع الفرد الكوردستاني الحالم بإتحاد المناطق المستقطعة من كوردستان مع الإقليم ، إتحاد من الممكن أن تٶدي في المستقبل القريب  الی بناء الدولة الكوردستانية المستقلة. 
بالرغم من تنامي الإحتكام الی المٶسسات وكسر إحتكار المجال التقليدي لصناعة السياسة وإدارة وتدبير شٶون الحكم في إقليم كوردستان والسعي الدٶوب من قبل أصحاب الرٶی الكوردستانية المعاصرة الی إضعاف تقاليد الفردية والمزاجية في إدارة السلطة لتكوين الرأي العام الفاعل والقوي علی نحو تدريجي وتزايد المشاركة السياسية مع تزايد السلطة المادية والرمزية للصحافة وقوی المجتمع المدني في مختلف قضايا الشأن العام ، نری وللأسف عدم قدرة ممثلي الأحزاب الكوردية في المناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة إقليم كوردستان في قراءة المجريات وتشخيص الواقع العراقي الراهن بتحولاته وصراعاته و صداماته وإخفاقاته و خططه المستقبلية المخيفة بمنهجية لصوغ معادلات وأساليب وآليات. رهانهم هو الإستمرار علی نفس النهج أو بنفس المنطق الذي أنتج في السابق العجز والفقر أو أفضی الی المآسي والكوارث.
العارف بتاريخه السياسي يفهم ما نعنیه هنا. لأنه إذا لم نشأ تفويت الفرص كما فعلنا في التجارب السابقة ، فالفرصة هي الآن سانحة أمامنا للخروج من المأزق ، بالإنخراط في موجة الإستراتيجيات السياسية الجديدة. علينا الآن إذن إطلاق وتشغيل قوانا الحية والخلاقة التي تكبحها عقائد سياسية تقليدية ونخب فاشلة وعقليات كسولة وثقافات فقيرة. والتركيز علی الفرد يستبعد العمل المٶسسي و يستبعد الحوار الديمقراطي والسلوك العقلاني. 
نحن لا نقرأ السياسة من خلال أخبار اليوم ولا نتهیج بتصريحات مفتعلة من قبل من يدؔعون بأنهم يمتلكون مفاتيح الحلول السياسية ، فإختلاق الارتزاق السياسي والرغبة السلطوية الجامحة تزج بالعصبيات في العمل السياسي وتخرج السياسة عن قواعدها الطبيعية ، لتتحول إلى حرب إفناء ، وإلغاء واستنزاف متبادل ، وتشتيت لجهود أفراد المجتمع، وإحداث التفرقة فيما بينهم.
نحن نری في التنوع والإختلاف قوة وسرؔ تقدم المجتمعات. فالأمم التي تقبل حالة الاختلاف  والتنوع تستطيع أن تؤسس أوطاناً وشعوباً قادرة على صناعة حاضرها ومستقبلها. نحن لسنا ضد الإختلاف والتنوع ومهمتنا تكمن في تخليص مجتمعنا الكوردستاني من الإرتهان للماضي الی الإرتهان علی المستقبل.  والسباحة في المياه العكرة بإفخاخ النوايا وشروخات في الصف الوحدوي لا تجدي نفعاً ، علیه الخروج من الماضي البائس وبٶس المجتمع التقليدي ، لأن الخروج ينقلنا الی مستوی العصر.
إن عقلنة السياسة يعني إتاحة الفرصة لأهل السياسة أن يديروا خلافاتهم بطريقة عقلانية سلمية تفاوضية مثمرة بعيداً عن التحاور بلغة التخوين والمٶامرة ، فمن لا يقوم بإخضاع هويته الوجودية ، سواء أكانت تلك الهوية سياسية أم ثقافية ، للنقد والتشريح والتفكيك والتعرية لا يستطيع أن يخرج من مأزقه الوجودي أو يبتكر إمكانيات وجودية يتغير بها عن ما هوعليه أويغير قواعد اللعبة بينه وبين الآخر.
علی الكتل السياسية الكوردستانية التي تعمل في المناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة الإقليم أن تعلم بأن السياسة يجب أن تٶدي الی فهم الترابط بين أجزاء العملية السياسية وبالتالي تفسير ما يدور بالساحة السياسية كمقدمة ضرورية لاتخاذ القرار بشأن التحرك السياسي الملائم وفتح آفاق العقل للتعامل مع الأحداث بطرق حكيمة وبنظرة واقعية قادرة على تحقيق الأهداف بأفضل النتائج بأقل التكاليف. الموقف الواحد ورص الصفوف والالتزام بالوحدة الكوردستانية ضرورة يجب التمسك بها في مواجهة التحديات المستقبلية وعلی النخبة المثقفة الحزبية والمستقلة في المناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة الإقليم تشكيل لجان عمل مشتركة من أجل إتحاد الكيانات الكوردستانية ودفعهم نحو معترك الإنتخابات بقائمة تعکس وحدة وإرادة الشعب الكوردستاني في تلك المناطق.
وختاماً: الرهان وسط كل المخاوف والمخاطر المحدقة بمصير ومستقبل المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم هو كيف نصنع الوحدة الکوردستانية وندبر المصلحة العمومية ، لأنه لا وجود لإدارة أو تدبير من دون تغيير يطال أطر النظر أو وسائل العمل بوجه من الوجوه ، سواء تعلق الأمر بالإنتخابات والنهوض أو التحديث والتطوير في سبيل الإستقلال.
الدکتور سامان سوراني


127
الفلسفة الوجودية بين إقتحام المجال السياسي ومكافحة الشمولية

بالرغم من أن الوجودية ولدت في ذروة التمثل والتمرس الفلسفيين ، إلا أنها باتت أكثر قبولاً لدی عامة الناس مما هي لدی الفلاسفة وصارت كتیار تحمل عناصر وجوانب عدة تمس مطالب الناس وحاجاتهم وهمومهم وهكذا إبتعدت عن المذهب الفلسفي وغدت موقفاً بلا ضفاف يصعب تحديده.
وقد لعب الفيلسوف والروائي والكاتب المسرحي والناقد الأدبي والناشط السياسي الفرنسي جان بول شارل ايمارد سارتر (1905- 198٠) في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي دوراً كبيراً في تفعيل "شعبية" الوجودية ، فصياغاته الأدبية الرائعة والبالغة القوة توفرت للوجودية صيغ سلكت الی الناس طريقاً أكثر يسراً ووضوحاً لم تكن متوفرة من قبل. 
أما الحرب العالمية الأولی فكانت لها كصدمة أسقطت تفاٶلية القرن التاسع عشر وكلياته الإجتماعية والسياسية والنظرية أثر بليغ في ذلك. إن شيوعها خارج إطار المتخصصين أدی الی ضياع حدودها المميزة وبات من الصعب تعين حد الوجودية بتعريف وافٍ يكون موضع إتفاق أو إجماع. وهذا ما أجبر الأديب الفرنسي غابرييل مارسيل (١٨٨٩-١٩٧٣) ، الذي صُنّف لاحقاً رغماً عنه ضمن التيار الوجودي بالقول: "يكاد لايمضي نهار دون أن يسألني واحد من الناس ، ماهي الوجودية؟...فأقول إنه يطول ويصعب شرحها. كل مايمكنني فعله هو أن أقدم بعض مفاتيحها ، لا صياغة تعريف لها".
وبما أن الوجودية تضرب عمقاً في تاريخ الوعي البشري ، في بدايات تفلسفه مع الإغريق و سقراط بالذات ، لكنها وجدت تجلیاتها الحديثة ، معبراً عن أزمة الإنسان في وجوده ومواجهته وجوده ومصيره كفرد ، أو کـ"أنا" خارج مطلة المجتمع والتاريخ والمٶسسات والمطلق ، منذ سورين كيركغارد (١٨١٣-١٨٥٥) في أواسط القرن التاسع عشر ، مروراً بفردريك نیتشه (١٨٤٤-١٩٠٠) ومارتين هيدغر (١٨٨٩-١٩٧٦) و كارل تیودور ياسبرز (١٨٨٣-١٩٦٩) وصولاً الی سارتر.
هٶلاء يمكن أن نصفهم بمحبي الحكمة لا بممتهنیها ، أستطاعوا توجیه الناس و إنارة دروبهم. فسقراط مثلاً لم يقم في يوم من الأيام بإملاء أحكاماً وطروحات علی الناس ولم يمنع عنهم أشرعة التفكير ، بل حثؔهم علی التفكير ونزع حجب الإستكانة والتقليد ودعاهم لأن يكتشفوا الحقيقة بأنفسهم.
إن بعض من الفلاسفة الوجوديين إقتحموا المجال السياسي لا من أجل أدلجة المعرفة وتسييس الفلسفة ، بل بهدف الاحتكام الى العقل في الخلافات بين وجهات النظر المتصارعة وإعطاء الكلمة الى الفلسفة لفصل المقال بين المخالفين وتحديد وجهة المجتمع عند المنعطفات ووضع برنامج عمل للمستقبل و السعي من أجل المساهمة في البناء. 

من المعلوم بأن الأنظمة شمولية في العالم تصادر الحقوق والقيم وخاصة العدالة والمساواة وتداهم البنية الأخلاقية للمجتمعات والثقافات وتزرع رؤية جديدة للكون تقوم على الأنانية والعنف.
من الواضح أيضاً بأن الصراع ضد الشمولية يقتضي الإقبال علی الوجود بجرأة والسعي لتشكيل رأي عام مضاد متعدد ومختلف جذرياً عن الثقافة السائدة ، رأي يحمل في داخله إبتداءات ممكنة على جميع أصعدة الحياة ، لايتوقف فقط عند إصدار بيانات وخطابات شعرية أو ترديد شعارات تمجيد للحرية والعدالة.  الإنسان قادر علی الإبتداء ، بل هو نفسه الإبتداء والانسان كما يقول اسبیوزا لا يولد مواطناً بل هو يتربى على المواطنة. فالمواطن هو الدولة في الانسان الفرد ، لهذا السبب تشغل التربية مكاناً هاماً في اقتصاد هذا النظام. أما قيم المواطنة فيمكن تفعيلها من خلال رسالة تربوية تٶمن بتنمية البشر من الناحية الفيزيائية والاخلاقية وتدفع المواطنين الی إحترام بعضهم البعض وحسن تدبير الكون وتحملهم مسٶولية الوجود علی الأرض. هذه رسالة يجب أن تخلو من هيمنة ثقافة الميوعة وعقلية الإستهلاك ، لترفض تعليم يركز علی اللغات والمواد الدينية أو يروؔج لأفكار حزبية مغشوشة وآراء الأيديولوجيات الضيقة ومعتقدات ماضوية ودعاوی دينية مطلقة. الفلسفة الوجودية تحاول إعادة الثقة الضمنية لأهل العصر الحاضر في البحث بجدية عن الذات والحقيقة الإنسانية. وكل جهد يبذل في سبيل استرجاع الإيمان الفلسفي الحقيقي ، إنما هو جهد إنساني يحقق للبشرية وحدة حقلية شاملة.
المجتمعات الشرق الأوسطية أحوج ماتكون الی إتجاه عقلاني أصيل. نحن نعرف بأن نزعات عاطفية متطرفة وإتجاهات وجدانية هوجاء سيطرت علی نفوسنا منذ عهد بعيد ، حتی أصبح المحرك الأوحد لكل أفكارنا وأفعالنا وسائر مظاهر نشاطنا. نحن لاننکر دور الوجدان في تحديد الكثير من مظاهر السلوك لدی البشر ، منها الحياة الخلقية ، لكن المواقف الوجدانية غير كافية لخلق روح فلسفية أو إرساء دعائم أية عقلية علمية.  لذا نری بأن الكثير من الأحكام الصادرة من قبلنا ، سواء كانت أحكام تصدر في مجال الفكر ، أم في مجال السياسة والاستراتيجيات، أم في مجال التنظيم الإجتماعي ، أم في مجال التخطەط الاقتصادي، أم في غير ذلک من المجالات ، أحكام عاطفية تغلب علیها صفة الإندفاع الوجداني. النزعة العقلانية ليست هبة تختص بها شعب دون آخر ، بل هي عادة مكتسبة يمكن أن تصبح لدی أي شعب من الشعوب ، تحت تأثير التربية والتدريب والممارسة.
ولابد هنا أن نذكر دور التفكير المنهجي والتحليل المنطقي في كل عمل ودراسة علمية جادة. فعندما لا نتوخی الدقة في إستخدام المصطلحات ولانراعي التسلسل المنطقي في تنظيم الأفكار ولانلتزم قواعد البحث العلمي في التفكير ، فإننا بالتأكيد نبقی نستخرج من المقدمات مايلزم عنها بالضرورة من نتائج و نترك في الإستدلالات العقلية فجوات وثغور وذلك بسبب عدم التزامنا بقواعد البحث الرياضي، تلك التي أشاد بها كل من رينيه ديكارت (1596 –1650) و غوتفريد فلهيلم ليبنتس (1646-1716) و إدموند هوسرل (1859 - 1938) وغيرهم.
الفلسفة الوجودية تهدف الی خلق الشعور بالحرية وإيقان بأن الحق فوق القوة والإعتراف بأن العلاقات البشرية ينبغي أن تقوم علی التفاهم والتسامح ، لا علی التخاصم والتنازع. فالحرية لايعني الإنطواء علی النفس أو قطع وشائج التواصل مع الآخر ، بل تعني الحوار مع الآخر لتحقيق المزيد من أسباب التفاهم بين بني البشر. الوجودية تضع كل الآراء المسبقة موضع البحث وتواجه الشكوك والأكاذيب والخرافات بكلمة "لا" كالمتمرد للفيلسوف الوجودي ألبرت كامو (١٩١٣-١٩٦٠)، فالرفض هنا ليس الهدم لمجرد الهدم  ولا الإنكار لمجرد الإنكار ، بل هو القضاء علی الأساطير الوهمية الكاذبة التي مايزال الناس يرون فيها "حقائق" واضحة بينة. إن مواجهة التفلسف للأشخاص والأشياء تقوم علی احترام حق كل إنسان في التفكير ، لا علی فرض الحقيقة الذاتية فرضاً علی الآخرين. فالإنسان في نظر سارتر هو خالق لنفسه لأنه وحده متصور لها ، فهو مشروع يعيش بذاته ولذاته وهو لايوجد إلا بمقدار مايحقق ذلك المشروع وهو حرؔ يمتلك زمام وجوده ومصيره. فالوجودية هي في النهاية ثورة الأشياء الذاتية الصغيرة ضد كل الشعارات والأسماء الكبری والمذاهب التي تدؔعي الشمول.
وختاماً يقول الفيلسوف الفرنسي شارل لوي دي سيكوندا المعروف بمونتسكيو (١٢٦٨٩-١٧٥٥) صاحب نظرية الفصل بين السلطات: " لا تستفلح البلدان تبعاً لخصوبتها ، بل لحريتها". وإن جاز الإضافة فنقول ، تستفلح البلدان تبعاً لممارسة الأفراد لحرية الرأي والتعبير.
الدكتور سامان سوراني

128
هل الفلسفة مشكلة في عصر الإنسان الرقمي وعالم الإستهلاك؟

بالرغم من أن الفيلسوف الفرنسي رینیه دیكارت (١٥٩٦-١٦٥٠) يری أنه لاجرم أن تكون الحكمة هي القوت الصحيح للعقول ، لأن الذهن حسب رأیه هو أهم جزء فينا وطلب الحكمة لابدؔ بالضرورة أن يكون همنا الأكبر ومع أن حضارة شعب وثقافته تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فیها ، فالمرء الذي يحيا دون تفلسف لهو حقاً كمن يظل مغمضاً عینیه لايحاول أن يفتحهما ، إلا أن للفلسفة في زمن فتوحات العولمة وثورات القوة الناعمة خصوم كثيرون ، يعملون بكل جد ومثابرة من أجل منع الإعلاء من شأنها والإشادة بها أو الثناء علیها. صحيح أن النظام الذي يراد تغييره يترك أثره فينا دون وعي منا، بحيث نستعيد طبائعه الاستبدادية ، لكننا نری بأن تاريخ الفلسفة مدرسة حقيقية يتلقن فیها المفكر دروس الأخاء الفكري والوصال العقلي والتسامح المذهبي وأن هذا التاريخ تقرير لحقيقة عليا تٶكد قيمة الإنسان وحقه في التفكير. فتاريخ الفلسفة لم يكن يوم من الأيام مجرد مقبرة للأوهام البشرية أو مجرد سجل للأخطاء الإنسانية. الفلسفة حوار وجدال ومواجهة والفيلسوف تلميذ قبل أن يكون أستاذاً و علی المفكر أن يتذكر دوماً أن تفكيره هو في صميمه إجابة أو إستجابة. ومن يريد فتح آفاق المستقبل ، علیه أن يخلع الإيديولجيات المقدسة و يكسر عقلية النخبة والبيروقراطية ليمهد الطريق أمام الإنتقال الی الشبكات الآنية والمعلومات العابرة والسيالة للوصول الی مجتمع تداولي فاعل. المقارعة بالحجج و تبادل الآراء أمر ضروري للإستمرار في الحكمة ، فالحقيقة كما يقول الفيلسوف الألماني كارل ثيودور ياسبرز (١٨٨٣-١٩٦٩) ليست ملكاً لأحد ، بل البشر جميعاً ملك للحقيقة. أما الوجود فهو حقيقة غامضة متناقضة ، لايمكن أن ينصاع في قوالب جامدة متحجرة. إذن التعقيد ليس في ذهن الفيلسوف ، بل في قرارة الوجود نفسە. ولو كان الوجود حقيقة بیؔنة متجانسة لما استحال علی الفيلسوف أن يصوغه في قالب محدد. ما نراه هو أن مشكلة الحقيقة تتخذ عند الإنسان وخاصة في عالمنا الیوم ، عالم الإستهلاك ، طابعاً درامياً فيظل الإنسان في صراع دائم ضد الأكاذيب والأضاليل والخرافات والأوهام وأخطاء الحس والعقل ، أملاً أن يصل يوماً الی الكشف عن ذلك النور الأسمی الذي يضيء طريق حياته. ما نستنتجه من الحياة هو أن الكثير من البشر يشغلون أنفسهم ، إن لم نقل طوال حياتهم ، بالعمل علی إكتشاف "راسئلهم" والحرص علی أدائها. المشكلة تكمن في أنهم يشعرون بأن حياتهم "وجوب" أكثر مما هي "وجود". أي بمعنی أنها واجب يدخل في نطاق ماينبغي أن يكون ، أكثر مما هي واقعة تدخل في نطاق ماها كائن. والحق أن الإنسان يشعر بأنه لم يوجد بعد ، وأنە مايزال علیه أن يوجد. هذا الشعور الارستقراطي يحفز صاحبه الی التسامی بحياته الخاصة فوق مستوی الحياة العامة المبتذلة وهذا مايدفعه بالتمسك برسالته ، التي هي في الأساس مشكلة.
أما تجربة الحب ، الذي يدخل ضمن مباهج الحياة والذي يرقي الينابيع الروحية الدفينة الی مستوی الوعي أوالشعور ، فهي حاجة إنسانية ، لا لكي تستمر مهزلة البقاء ، كما زعم فيلسوف التشاٶمية الألماني آرثر شوبنهاور (١٧٨٨-١٨٦٠) ، بل لكي يتحقق المعنی الحقيقي للحياة البشرية ، كما قال مؤسس مدرسة علم النفس الفردي النمساوي ألفرد آدلر (١٨٧٠-١٩٣٧).
هناك من يحمل علی عصر العولمة التقنية والإنفوميديا والشبكات الإجتماعية كالفيس بوك أو التويتر أو الماي سبيس وغيرها من شبكات بدعوی أنه أفسد العلاقات الشخصية بين الأفراد. إننا مهما زعمنا أن الآلة والبرامج الكترونية هي المسٶولة عن تزايد شقة الخلاف بين الإنسان وأخيه الإنسان ، فإننا لن نستطيع أن ننكر أهمية تلك "الوظيفة الحضارية" التي أصبح "التكنيك" يلعبها في صميم الحياة البشرية ، بوصفه ذلك العنصر اللاشخصي ، الذي ينظم العلاقات بين الأفراد في العالم الخارجي. فالإنترنت والآلة الذكية ليست بدعة دخيلة أقحمها الإنسان علی الحياة، بل هي عنصر مكمل للوجود البشري ، الذە هو في جوهره طبيعي وإصطناعي معاً. الإنسان كموجود زئبقي يفلت من بين أصابع الفنان والفيلسوف هو المشكلة. إنە موجود مفارق متعالي ، يواجه دوماً كل ما حققە في نفسه وفي عالمه بكلمة :لا" كبيرة. إنه يستطيع أن يثبت مرة تلو مرة بأن هناك علی الأرض من الأشياء أكثر من كل ما استطاعت أن تحلم به يوماً فلسفة من الفلسفات.
وختاماً: الفلسفة ليست مشكلة ولا تقدم لنا مفتاح الوجود ولا تروي لنا قصة المطلق ، بل هي تظهرنا علی أن الإنسان يَنِدُؔ بحريته عن التاريخ. والحرية الإنسانية تنحصر أولاً وبالذات في إختیارنا لغایاتنا ، فهي ليست خلقاً من العدم أو القدرة الإبداعية المطلقة. أما الفلسفة العملية فهي تقرر أن الحرية هي التي تدخل في الكون كل طرافة وجدة ، لأنها هي التي تمنع الأشياء المتشابهة من أن تتكرر باستمرار.
الدكتور سامان سوراني



129
سياسة الطاقة لإقليم كوردستان من منظور سياسي وفلسفي

ماحصدناه من المٶتمر السنوي الثالث للنفط والغاز في إقليم كوردستان ، الذي إنعقد قبل أيام في أربيل أنه في نهاية هذا العام وبدایة عام ٢٠١٤ يدخل إقليم كوردستان في قائمة الدول الرئيسية المنتجة للنفط والغاز في المنطقة وعلی المستوی العالمي ليلعب دوراً مهماً في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط العالمي من خلال السياسة الإيجابية المتوازنة التي تمارسها حكومة الإقليم. وترتكز سياسة الإقليم في مجال النفط والطاقة بشكل عام على مجموعة ثوابت أساسية تقوم على تسخير الثروة النفطية في البلاد لتحقيق التنمية الشاملة في الإقليم وهو ما تحقق خلال السنوات الماضية وبرز بشكل واضح في النهضة الواسعة التي تحققت في مختلف المجالات .
صحيح بأن الإقليم يسعی الی رفع إنتاج الطاقة الكهربائية ويخطط من أجل إستغلال مصادر بديلة كالطاقة المتجددة وطاقة الرياح الإقليم وإن تطوير البنية التحتية بحاجة إلى أكثر من 30 مليار دولار ، لكن صناع القرار في الإقليم ، الذين يريدون أن يجعلوا من إقليم كوردستان مفتاحاً رئیسياً للطاقة في الشرق الأوسط و تحویلە الى لاعب أساسي في سوق الطاقة العالمي خلال السنوات القليلة القادمة ، يجب أن يقوموا باستغلال الثروة النفطية بشكل علمي مدروس لبناء شبكة واسعة من البنى التحتية المتقدمة تكون أساساً لتنمية اقتصادية ونهضة حضارية شاملة ويفكروا في الوقت نفسه في إعداد دراسات وإنشاء مراكز للإبحاث النووية والتهيء لإنشاء مفاعل لانتاج الطاقة النووية والتي تعتبر من البدائل النظيفة والاقل تلوثاً اذا ما قورنت بالنفط ، فإن تنوع مصادر الطاقة أمر حيوي للإقليم. إن الإنجازات العظيمة التي تحققت خلال الفترة التي أعقبت اكتشاف النفط وإنتاجه والتي انتقلت بالإقليم بسرعة هائلة الێ أخذ مکانه بين المناطق الأكثر نمواً في العالم تشير الی أن مستقبلاً مشرقاً ينتظر قطاع النفط والغاز في الإقليم وأن مسيرة وتطور الاقليم مرتبط بمسيرة وتطور البترول ، وسوف يكون لهذا الارتباط أثر هائل في دفع عجلة التنمية في كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
إن التعامل مع هذه الثروة الطبيعية ، التي تعتبر من أكثر الثروات الطبيعية في العالم قيمة ، لذلك سماه بعض الناس بالذهب الأسود ، بتوجیهات سديدة ومتابعة متواصلة من قبل القيادة الكوردستانية وإستغلالها يجب أن يكون متمشياً مع القدرة على الإنتاج بكميات تتناسب مع طبيعة الحقول النفطية والحافظة عليها الحقول ، بما لا يرهقها أو يضرها من الناحية الفنية ، وتوفير التكنولوجيا المتقدمة في صناعة النفط ، وذلك من خلال التوصل إلى شراكات مع الشركات النفطية العالمية ، والمساهمة في توفير كميات مناسبة من النفط الخام والغاز کمساهمة من الإقليم في خدمة الاقتصاد العالمي ، لأن هذه الثروة هي ملك لهذا الوطن بجميع أبنائه وخصوصاً للأجيال القادمة.
أما فلسفتنا فيجب أن تقوم في توظيف الثروة البترولية لتحقيق التنمية على حسن استخدامها ورشاد إدارتها بحيث يخرج آخر برميل بترول ينتج في العالم من الإقليم. ولتستهدف هذه الفلسفة بناء صرح للرخاء فوق أرضنا تحقيقاً لحياة أفضل للإنسان الكوردستاني.
من نافل القول أن الصناعة البترولية تشمل الی جانب عمليات الإنتاج والتصدير ، عمليات أخری كالحفر والإنشاءات ومد الأنابيب والنقل والتكرير والصناعة البتروكيماوية. فيجب علی الحکومة الكوردستانية وضع إستراتيجية للدخول في مختلف عمليات هذه الصناعة لتكفل لثروتنا القومية قدراً من الكفاءة و لتحقق عوائد مجزية من أجل أبناء كوردستان وتنفيذ مشاريع مستقبلية عملاقة.
أننا نعيش اليوم عصر رقمي يحمل في طياته الإنفجار المعلوماتي والاقتصاد المعرفي والعولمة مشروع كوني قوي و مصائر البلدان باتت اليوم مصائر عولمية بحتة والحلول لم تبقی محلية كما في السابق ، بل دخلت في دوائر محلية، إقليمية ، عالمية. أما التعاليم الاقتصادية الأكاديمية فهي دين قائم على مسلمّات و تعاريف بالية يجب إعادة صياغتها فلسفيّاً و مفهوميّاً ، لکننا مع هذا نٶمن بأن الاقتصاد السليم يجب أن يستمد قوانينه من الأعراف الطبيعية والقواعد البيئية المنسجمة مع قوانين الهندسة و الطاقة ليكون قادراً علی توحيد الإنسان في رؤيا واضحة تنظّم أداءه و تهذب أعماله للسير بمهمته التطورية نحو الكمال ، بعيداً عن نزواته كمخلوق اعتبر أن الطبيعة سُخّرت لرغباته ليسخر منها كما يحلو له. علی حكومة الإقليم العمل على الإهتمام بالعلوم النفطية و التطبيقية ذات الصلة بتنمية تكنولوجيا الثروات الطبيعية بشكل خاص ، لأن هذا المجال يمكن أن يكون العامل الأهم بين العوامل الأساسية للنهضة الكوردستانية ، والاستثمار فيه هو احد العناصر الحاسمة في تحديد مستقبل المجتمع الكوردستاني. فدون وجود مؤسسات تربوية و نظام تعليمي متطور ومتجدد حسب حاجات المجتمع ، لا يمكن بروز كوادر قادرة على أن تصعد سلالم الرقي وتنافس غيرها على تنفيذ برامج التنمية بكفاءة. والإنفاق بسخاء على التعليم والتدريب والتأهيل العملي ، أي الاستثمار في مجال الموارد البشرية هو الاستثمار الأمثل و الأنجع. ولتكن فلسفتنا قائمة علی تنقية المناهج وتطويرها من حين إلى أخر ، مع تركيز شديد على دور المعلم ، والمواءمة الدقيقة ما بين مفردات التعليم واحتياجات المرحلة ، وتشجيع القطاع الخاص على استثمار جزء من أرباحه وموارده في التعليم و التدريب ، وإعادة القوى العاملة المتخرجة إلى مقاعد الدراسة من وقت إلى أخر لتحديث معارفها والتزود بما استجد عالمياً في حقول تخصصها ، مع التركيز  على علوم العصر ، لاسيما المعلوماتية ، التي تعتبر أساس عملية التنمية الاقتصادية.
أما إنتعاش الصناعة النفطية بأفكار وأيادي محلية فسوف تمهد الطريق لأنتعاش الصناعات الاخرى وتنهض بأقتصاد الإقليم وتحقق الرفاه الاقتصادي فيه. وهذا بدوره سوف يؤثر بشكل إيجابي على كافة النشاطات الانسانية الاخرى. فبالقاعدة الأقتصادية القوية والأرضية الصلبة يمكن بناء مؤسسات أجتماعية و خلق مشاريع تنموية تساهم في تغيير المجتمع وتحقيق النهوض الحضاري.
وختاماً: من يريد أن يشارك في صناعة العالم بوصفه المدی الحيوي والفضاء الكوكبي في عصر تتعولم فيه الهويات والأفكار بقدر ماتتجسد وحدة المصير البشري علیه أن يجدد عدته الفكرية و يتقن التداول العقلاني ويجترح سياسة فكرية جديدة معاصرة لإدارة المصائر.
الدكتور سامان سوراني
   


130
الإرهاب وفلسفة الموت في المدينة الكوردستانية كركوك


شهدت مدینة کرکوك الیوم ٤-١٢-٢٠١٣ هجوماً إرهابیاً جهنمیاً وحشیاً أعمی مزّق الأجساد ودمّر الممتلکات ، مستهدفاً مبنی دائرة استخبارات المحافظة ، يعجز اللسان عن ايجاد كلمات تناسب شجبها بسبب الفلسفة البربریة التي تقف ورائها والتي لا ترید شیئاً سوی إلحاق الدمار بأهالي هذه المدينة وإفساد التعايش السلمي فيها. إنها فلسفة الموت ، التي تفضل الموت على الحياة. وهي فلسفة كاذبة عنصرية تستند الى المبدأ المتوحش الداعي الى قتل المواطنین الأبریاء لمجرد كونهم مواطنین أبریاء یریدون أن یعیشوا في سلام ووئام مع عوائلهم و ذویهم ، لأنهم لیسوا "مجاهدین في سبیل العدم" ولأنهم لیسوا جبناء مثلهم. انها فلسفة مجرمي الحرب  وغايتها قتل اشخاص أبرياء.
ماهي الرسالة التي يريدون توجيهها من خلال هذه العملیة اللاإنسانیة؟ هؤلاء کما هو واضح للعیان یریدون النیل من المواطن والدولة والمدینة والمجتمع ، مدفوعین بعقلیة الثأر والإنتقام من کل من لایشبههم أو لایفکر علی شاکلتهم ، هدفهم المراهنة على انفجار ضغائن المكونات المحلية على بعضها و محاولة يائسة لزعزعة أمن واستقرار المدينة وضرب الأخوة والتعايش السلمي.
 نحن نعرف بأن لهذه‌ الأحداث دلالتها الرمزیة وأبعادها الثقافیة ، والذین یقفون وراء هذه‌ العملیة الشرسة واللاإنسانیة یتعاملون مع هویتهم الدینیة أو القومیة بأقصی الغلو والتطرف والإنغلاق ، کعُصاب نفسي هو مصدر للتوتر والتشنّج ، کمتراس عقائدي لشن الحرب علی الغیر، أو کخطاب فکري للنبذ والاقصاء ، یستغلون البائسین والمهووسین في مشاریعهم الهمجیة ، إنهم یخططون لفعلتهم المتحجرة والأحادیة والعدوانیة والاستبدادیة هذه‌ في السرّ وتحت الأرض ، لکنها تمارس تحت سمعنا و بصرنا ، وکما تُعمّم نماذجها في الجوامع والمدارس أو عبر الشاشات والقنوات. یتصور أصحاب الارهاب وأتباعه انفسهم خلفاء الله وسادة الخلق وخیر الأمم ، أو أنهم ملاك الحقیقة وحراس الإیمان ، سائرون علی النهج القویم وحدهم دون سواهم ، یدّعون بأن الشرائع القدیمة تنطوي علی أجوبة وحلول للأسئلة ولمشکلات العصر، یمارسون الوصایة علی الناس وینطقون بإسمهم زورا و تشبیحاً ، یصادرون قرار الناس ویتحکّمون بأعناقهم و أرزاقهم ویشنون الحرب الإرهابیة نیابة عنهم. إنهم لایعترفون بقرار الآخرین في اختیار نمط حیاتهم ، بوصفهم مبتدعین ضالین أو کافرین مرتدین. فهُم یستخدمون العنف والإرهاب ، قتلاً وتصفیة أو استشهاداً و انتحاراً ، مدفوعین بعقلیة الثأر والأنتقام من کل من لایشبههم أو لایفکر مثلهم ، تحت دعوی سخیفة ومزیفة ، هي إنقاذ "الأمة الاسلامیة" في العراق ، هدفهم تغییرالحیاة في مدینة متأخیة ککرکوك الی جحیم ، قتلاً وحرقاً وتدمیراً بصورة عشوائیة ، عبثیة مجانیة.
الأفكار الأصولية والسلفية بتصديرها مارکة الحجاب والدم والتضحية عملت وتعمل ليل نهار ضد صناعة التنمية والمدنية والحضارة، بقمعها الحريات الفردية وإرجاع أسباب المصائب والکوارث والجهل والفقر في مجتمعاتها إلی الغزو الثقافي الغربي أو إلی العولمة والأمرکة.
إن إستراتيجية الرفض والإقصاء وإرادة التأله والتفرد هي التي تثمر البربرية والهمجية الحديثة والمعاصرة، حيث يتم القتل وتمزيق الأجساد وتدمير الممتلكات بأعصاب باردة وضمير جامد و بعقلية أخروي أو عسكري إرهابي بصفة المناضل والمجاهد والمدافع عن الهوية والثوابت.
فبدل السعي والعمل بمفردات نسبية علی نظريات ثورة الاتصالات والمعلومات قام أصحاب الفکر السلفي الأصولي والقومي الشوفيني بتهافته في مواجهة کتاب نهاية التاريخ لفکوياما بتأليف مجلدات مبنية علی لغة الغلو والتهويم اللاهوتي والتشبيح النضالي والعقائدي لتحقيق إستراتيجيتهم التدميرية.
لقد حان الوقت لیعلن علماء المنابر أمام الملأ، أولئك الذین ینطقون بإسم مذاهبهم ویؤثرون في الجمهور الواسع من المتدینین، بأنه لیس کل ماجاء في کتبهم صحیحاً أو صالحاً للتربیة الدینیة ، فبدون إلغاء النصوص والأحکام والفتاوی ، التي تولد الاقصاء المتبادل وتبث العداوة والکره بین الشیعة والسنة من کلیات الشریعة وبرامج التعلیم الدیني، وبدون إستبعاد النصوص والأحکام التي تتعامل مع الیزیدیین والمسیحیین والصابئة المندائیة والیهود، کمشرکین أو ضالین وبدون إطلاق حریة الإعتقاد بإلغاء قاعدة الارتداد لایمکن مواجهة الذات و لایمکن مکافحة ممارسة التشبیح أو الشعوذة و نشر الفتن ولایمکن صناعة مجتمع مدني تتعدد فیه الثقافات والإعتقادات ، التي تمحي التحجر الإجتماعي والسکون الثقافي. فالخروج من المأزق هو العمل علی التمرس بإستراتیجیة فکریة جدیدة من مفرداتها: الإعتراف المتبادل، لغة التسویة، عقلیة الشراکة، البعد المتعدد، ثقافة التهجین والعقلانیة المرکبة ومعالجة الإرهاب تحتاج الی إجراءات أمنیة بقدر ماتحتاج الی تحولات في بنیة الثقافة بثوابتها ونماذجها أو ببرامجها وتعلیمها.
وختاماً: علینا ببناء هذه المدينة الكوردستانية المتآخية حتی وإذا أصر الآخرون علی هدمها.
الدكتور سامان سوراني


131
هل المرأة مقياس حضاري في زمن سقوط الحضارات؟

في الخامس والعشرين من تشرين الثاني ٢٠١٣ بدأ في إقليم كوردستان برنامج حملة الـ16 يوماً الوطنية والعالمية المخصصة لمناهضة العنف ضد المرأة رغم استمرار شكاوى الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة  من مشكلة عدم تطبيق الاستراتيجيات الحكومية أو تنفيذ القوانين الصادرة من برلمان الاقليم ورغم بقاء هذه الحملة داخل قاعة المٶتمرات بعيداً عن إطار الشارع والميدان اليومي.
لا محاجة في أن ثقافة العنف نابعة أصلاً من العُقَد الاجتماعية، كفقدان القدرة علی المواجهة والخوف من عدم التكافؤ الاجتماعي والخوف من السلطة المنشغلة والمهمِلة لفردية الإنسان وكذلك من عقدة العار. ففي ظلِّ تلك الثقافة نری الإنسان يخجل من ذاته، يعيش حياته عاراً وجودياً متأصلاً ونشاهده في حال دفاع دائم من إحتمال إفتضاح أمره وعجزه وبؤسه، إذ يخشى أن ينكشف ولا يصمد في النهاية أمام الحقيقة. فالعنف أمسی وللأسف خبزاً يومياً للإنسان المعاصر والذي يرتبط بالأفراد حيناً وترعاه المؤسسات أحياناً أخری هو رذيلة وهمجية أتعبت العالم ولم تُفِد الإنسانية في شيء.
مقالنا هذا يتناول موضوع المرأة كمقياس حضاري في عالم مليء بالإنهيار في القيم والنظم وإنكسار لنماذج التفكير والعمل ، عالم يشهد النزاعات والحروب والكوارث الإجتماعية ويتعامل مع الأفكار معاملة ماورائية مآله العودة الی الوراء والغرق في السبات.
يقال بأن الضياع الحضاري يكون عندما يعيش دون رغبة ويموتون دون أن تبقی لهم إرادات للعيش من أجل ماهو أبعد منهم. فالضياع يبدأ عندما يبدأ الفرد بالتساٶل عن معنی حضارته ومجتمعه ، ومعنی أعماله وسلوكه وعقائده ، عندئذ تنشط فلسفات التقييم ويكثر التساٶل عن معنی الحياة وقيمة الروابط الإجتماعية.
الوقائع تٶکد بأن إنحلال الحضارات يكون دوماً مواكباً بنشاط العقل ويقظته للتقييم وحك العقائد والأفكارعلی محكه  ، وكأن العقل عدو الحضارة والإزدهار الإجتماعي.
إن إسهام المرأة الحيوي في المجتمع المعاصر المعتمد علی الآلة والأجهزة الإلكترونية المتطورة لە دلالة في روح المجتمع. فالمجتمع الذي يری في الجنس المتنفس الوحيد للرغبة وفي المرأة الأنثی فقط ، دون أن ترفعها الی المثل ، يبقی متحجر ومغلق وجامد ، يعيش في عزلته الحضارية والتاريخية.
من المعلوم بأن المجتمعات البشرية تتطور وتتغير ، وهي تتطور اليوم بسرعة فائقة ، خصوصاً في مجال المعلومات وتقنيات الإتصال ، لكن التقدم لايجري علی مثال سبق أو وفقاً لصيغة جاهزة ، ومن يعتقد ذلك فهو لايحسن سوی التأخر. نحن نری بأنه مع المجتمعات المتحضرة الناشطة بتطورها الإبداعي تكون المرأة المحرك الأول الذي يدفع المجتمع الی التخلي عن الجمود في التقاليد والأفكار والمُثل.
ففي الحضارة الفرعونية الأولی نجد للمرأة شأناً عظيماً وأعمالاً إبداعية كبری صنعت لإجلها ، فقد كانت في ذلك المجتمع ترث كالرجل ، ولها حرية التصرف بأملاك أسلافها ، مما جعل لها شخصية إجتماعية متميزة سعی الرجل لإسترضائها وإحترام وجودها. فالآثار الفنية المنحوتة التي وصلتنا من تلك الحضارة تظهر لنا مقامها ، كما أن الكثير من النصوص التعليمية توصي بمعاملتها كالرجل نداً لند.
فالمرأة في الحضارات القديمة كانت تحفظ للمجتمع قیمه الأخلاقية الطبيعية وبفضل سلوكها ووعيها لمسٶولیتها أمام ذاتها وأمام مجتمعها وقوة شخصيتها كان لها أمر مصيرها مع خطابها ولها أن ترفض أو تقبل وتعمل بكل وسيلة لكسب النصر.
مع هذا لاننسی بأن رحلة التاريخ كانت بأمرة سلطان القوة ومشيئة العنف التي هي من خصائص الرجل. وذلك ما جعل المرأة ، هذا النصف الآخر من الإنسانية، تعيش في كيانها وفعاليتها حركة مد وجذر وتراوح خاضع ، بين مهانة ماحقة لمعنی الإنسان وكرامة مثلی للمشاركة في حياة المجتمع.
وبفضل حركة التمرد علی الأعراف والتقاليد والموروثات التاريخية ، التي لاتزال في حضارتنا ، أخذت المرأة تنشط لتخرج من الجمود. فالتطور والبناء الحضاري لأي مجتمع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور ثقافة ووعي المرأة ومساهمتها الفعالة بهذا البناء ، ليكون المجتمع مدني قائم على أسس ديمقراطية کالمواطنة وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والمبادئ الانسانية.
المرأة لاتقل عن الرجل في شيء ، وقد أنصف جون ستيوارت مل (1806-1873) نصير الليبرالية علی الساحة الفكرية المرأة عندما حمل علی عاتقه مسؤولية إعادة التوازن وإعادة الإعتبار للمرأة و ناقش في منتصف القرن التاسع عشر قضية المرأة في كتاب تمرّدي تحت عنوان (استعباد النساء)، أدان فيه المبادیء الوضعية الخاصة التي شكلت من أجل تنظيم العلاقات بين الجنسين.
المرأة هي مقياس حضاري وقلب الإنسانية وأبهج شيء في الحياة ، كما يراه المعلم الكبير "كونفوشيوس". وما علی الرجل المعادي لمساواة المرأة إلا أن يتعجل ويمتلك حريته ويكون شجاعاً ويرفع هذا الوهم الذي فرض سطوته عليه، وإفضل طريق للعلاج هو التدريب الفلسفي الاجتماعي وإنشاء علاقة صحية وحميمة مع علوم السوسيوسايكولوجي ومباحثها ، إذ إن هذا سيؤدي بالتأكيد الی خفض درجة التوتر والقلق عنده والتصالح مع نفسه.
وعلی الإنسان المتحضر مناهضة الفكر الماسوجيني (ثقافة العداء للمرأة) أينما كان ، من أجل إثبات الجدارة وبناء مجتمع حيّ وخلاق لا تكبحه العقائد المغلقة والنخب الفاشلة والإدارات الفاسدة والعقليات الكسولة والثقافة الفقيرة والنماذج الإرهابية القاتلة.
وختاماً نقول: علی التاريخ الإنتظار ليحفظ للمرأة رسالتها الجديدة ، في عالم المستقبل الجديد ، فأول الغيث قطرة.
الدكتور سامان سوراني


132
الرئیس مسعود بارزاني ورسالة السلام الإقليمي


الفيلسوف ومهندس السلم واللاعنف مهاتما غاندي ، الذي كان مستعداً ليموت في سبيل قضيته دون أن يقتل أحداً من أجله ، قال ذات مرة: " لا أريد لبيتي ان يكون محاطاً بالاسوار ولا أن تكون نوافذه مغلقة ، بل أريد أن تهب على بيتي ثقافات كل الامم." 
اليوم وفي هذا العصر الذي يتبدل معه نمط الوجود وأساليب العيش بقدر ما يتغير نظام العالم ومنطق الأشياء يمارس الرئيس مسعود بارزاني هذه الفلسفة. فزیارته التاريخية الی مدينة "دياربكر" آمد الكوردستانية ولقاءه مع رئیس حكومة تركيا السيد رجب طيب أردوغان وخطابه الإنساني تدخل ضمن إطار محاولاته المستمرة من أجل حفظ السلام وحل القضية الكوردية بالشكل السلمي. فقضية شعب كوردستان في تركيا كانت و ماتزال من أهم القضايا التي واجهتها الحكومات التركية المتتالية منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923. إذ مارست الحكومة التركية في السابق سياسة الإنكار والتهميش والإقصاء ضد المكون الكوردستاني ، من دون أن تعترف بالهوية الكوردية دستورياً وتمنح الكورد حكماً ذاتياً في مناطقهم الكوردستانية. هذه القضية التي أصبحت بسبب كفاح ومقاومة الشعب الكوردستاني و العنف العسكري من قبل الحكومة مصدر تهديد لأمن الدولة و إرهاق للإقتصاد وإعاقة للتنمية الشاملة.     
إن مبادارت الحكيمة للقيادة الكوردستانية وعلی رأسها مبادرة الرئيس مسعود بارزاني من خلال التواصل حوؔلت لغة العنف السياسي الی لغة إنسانية للحوار. فاللاَّعنف يقوِّض جدران الكراهية ويمدُّ جسور السلام والمحبة. واللاعنف هو أفضل وأسمى بما لا يُقاس من العنف لأنه يتطلب شجاعة كبيرة واحتراماً للخصم والنصر الناتج عن العنف كما يقول الزعيم الروحي للهند غاندي هو مساوي للهزيمة ، إذ انه سريع الانقضاء.
الرئيس مسعود بارزاني ، الذي حمل شعلة السلام الكوردية الی مدينة آمد يٶمن بأن السلام هو الطريق وأن العنف هو من صنع البشر، لذا يٶكد دوماً في خطبه ومناقشاته العلنية بأننا قادرين على تفكيك هذا القضاء ، لإعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة. هذه القناعة هي إستراتيجية عمل وسياسة لحلِّ النزاعات ومن يستطيع التفكير بعقل تداولي يكون قادر علی أن يتغير لكي يسهم في تغيير سواه علی نحو مثمر وخلاق.
هناك حقيقة لا بد منها وهي أن السلام الداخلي الكوردستاني اليوم ليس بحاجة الی إثبات وتأكيد لأنه يرتكز على معادلة طبيعية عناصرها واضحة وجلية وتكمن أولاً في القيادة السياسية التي تحمل رسالة قومية وتنثر المحبة بين افراد الشعب وتشيع التفاهم مع محيطنا الإقليمي وتخاطب العالم بلغة انسانية بليغة. هذه المعادلة خلقت الاستقرار السياسي وبفضلها تمكن إقليم كوردستان أن يواجه التحديات التي تفرزها شبكة العلاقات الاقليمية المعقدة في منطقتنا بشكل مستمر. وتحت هذه المظلة من الاستقرار السياسي والقدرة على اتخاذ القرارات السياسية الحكيمة قدمت القيادة السياسية في إقليم كوردستان وما يزال الدعم السياسي اللامحدود لإنجاح عملية السلام في تركيا وحل القضية الكوردية ، التي أخذت في السنوات الأخيرة بعداً إقليمياً  ودولياً.
السلام الداخلي في الإقليم خلق لشعب كوردستان أجواء مليئة بالأمن والإستقرار ، من خلالها إستطاع أن  يكون فاعلاً وحيوياً في مسيرة البناء والتنمية على مختلف الصعد وحافظ على الوحدة الوطنية الكوردستانية.
وهنا يجب أن نشير أيضاً الی السياسة المعتدلة التي تمارسها حزب العدالة والتنمية والإصلاحات وخطة الإنفتاح الديمقراطي التي بدأه السيد رجب طيب أردوغان منذ عام ٢٠٠٩ ، التي أدت الی تحولات إجتماعية و سياسية إيجابية تجاه القضية الكوردستانية في تركيا. فالسيد أردوغان قال خلال زيارته الی آمد بأن الديمقراطية في تركيا تمر عبر القضية الكردية و تعهد بتحقيقها من خلال وضع القضية الكردية على سكة الحل السلمي ، وإدراجها في الدستور الجديد الذي يجري إعداده.
نحن نعرف بأن التوصل إلى حل تاريخي للقضية الكوردستانية في تركيا يحتاج إلى قرارات تاريخية ، وإرادة حقيقة ونية صادقة. والحوار لايرمي الی التطابق في وجهات النظر بين المختلفين ، بل يرمي الی خلق مناخ للتعايش والسلام الأهلي.
إذن فالشعار يجب أن يكون: التفكير والعمل معاً ، أو فن العيش معاً ، بحسب منطق التبادل وفلسفة التعايش والتواصل أو التعارف والتفاهم. ففي هذا الزمن المعولم لم يعد من الممكن تأجيل القضايا الكبری والمزمنة ونحن نعيش ثورات شعوب المنطقة من أجل الحرية والكرامة.
وختاماً  نقول مع الكاتب والناقد والشاعر البريطاني صمويل جونسون (١٧٠٩-١٧٨٤):
"المثابرة لا القوة ، هي التي تصنع الاعمال العظيمة."
الدکتور سامان سوراني
 



133
سيمفونيّة الوداع الأمريكية للسيد نوري المالكي والعزف المنفرد

يقال بأن جوزيف هايدن قام بتلحين سيمفونيّة الوداع (رقم 45) لسيده الأمير نيكولاوس استيرهاز إحتجاجاً على إطالة بقاء عازفي الفرقة بعيداً عن عائلاتهم بهدف ترفيهه في بيته الصيفي. يظهر الاحتجاج في الحركة الأخيرة من السيمفونيّة ، والتي تبدأ بطريقة تقليديّة لنهايات سيمفونيّات هايدن بإيقاع سريع (Presto) وبمبنى السوناتا، ومن ثم وبطريقة مفاجئة تنقطع نهاية الحركة ليبدأ قسم جديد ذو إيقاع بطيء (Adagio). ويعتبر هذا الانتقال الفجائي وتقسيم الحركة الأخيرة لقسمين، خطوة غير اعتياديّة بتاتاً في الموسيقى الكلاسيكيّة. ويتضمّن القسم الثاني فقرات صولو- يقوم كل موسيقي بعزفها، ومن ثم إطفاء الشمعة التي تضيء منصّة ورقة النوتة ويغادر. وهكذا يغادر جميع العازفين حتى يبقى هايدين، الذي يعزف الكمان في السيمفونيّة، مع عازف الكمان الأول ألُويْس لويجي توماسيني لوحدهما. حتى يفهم الأمير الرسالة، ويسمح لأعضاء الفرقة بالمغادرة إلى منازلهم في اليوم التالي.
بالرغم من ذكر هذه‌ القصة كمقدمة ، إلا أننا علی يقين كامل بأن الفرق بين النية الإنسانية لهايدن من عزفه المنفرد والنوايا الخفية للسيد نوري المالكي كبير جداً. فالأخير ذهب قبل أيام الی واشنطن حاملاً جعبة مليئة بالخطايا والذنوب لكسب الثقة والدعم الأمريكي ، متناسياً بأنه هو الذي قام بحمولاته الأيديولوجية و ثنائیاته الخلقية بهدم قدسية الوصايا التسعة لإتفا‌قية أربيل عارض بكل ما لديه من قوة وإيمان الشراكة الحقيقية والمشاركة الوطنية واستهدف معارضيه وخصومه السياسيين بآليات النفي والاستبعاد والإقصاء والإزدراء. أعماله تكشف لنا بأنه لم يتعلم من تاريخ الحكم في العراق أو من أخطاء حكام المنطقة شيئاً. السيد المالكي لم يصل بعد دورتين من الحكم الی النتيجة القائلة بأن مصدر قوة الحكومة يجب أن يكون الشعب في الداخل لا الأنوار القدسية الآتية من دول الخارج. وفيما يخص التقارب بين الولایات المتحدة الأمريكية و جمهورية إيران الإسلامية فإنه سوف لايكون لصالح تخميناتە الغير واقعية والمتعلقة ببقاءه في سدة الحكم في العراق.
العالم يتغير الآن بأفكار وآليات وفاعليات جديدة يعاد معها ترتيب العلاقة بين عناصر القوة الثلاثة: المعرفة والثروة والسلطة ، لکن ما يريد السيد المالكي صرفه في التسليح العسكري كشراء طائرات الأباتشي أو طائرات بلا طيار أو الأجهزة المخابراتية الفاشلة بحجة مواجهة ومكافحة الإرهاب هو هدر للثروات الطبيعية والإنتاج النفطي ، التي هي ملك لجميع أفراد المجتمع والتي يمكن إذا صرفت في البناء المدني والعلمي ببعد إستراتيجي وإجتماعي معاصر سوف تقود البلد الی الإستقرار والأمان. رهانه من أجل الحصول علی الدعم الأمريكي لدورة ثالثة يكون من غير جدوی ، طالما هو بعقلە الأونولوجي ومنطق الإستلاب لا يستطيع قراءة المستجدات المحلية والدولية و واقع المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق.   
إن تبني رئيس الحكومة الأساليب التفردية كمشروع في إدارة السلطة في العراق هو كإعادة عقارب الساعة الی الوراء و سعي لإعادة الصورة المشوهة للعراق تحت ظل الزعيم الأوحد والقائد الأسطوري المنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال. 
إن عدم إلتزامه بإتفاقياته مع حلفائه في العملية السياسية وبالأخص مع التحالف الكوردستاني ، التي ساعدت علی تشكيل الحكومة العراقية ، عقؔد عملية إدارة العراق بشكل يهدد الآن وحدتهم الوطنية المشودة. ومن غير تفكيك الترسانة المنطقية المصنوعة بمفردات الكلي والضروري والأحادي والمتعالي والماهوي ومن غير العمل علی خلق لغة مشتركة أو وسط للمداولة أو مساحة للمبادلة في هذا المجال أو ذاك و ذلك باحياء النصوص الدستورية وتنفيذ موادها وخاصة المادة ١٤٠المهملة حالياً  من قبل بغداد ، لا يمكن الخروج من عنق الزجاجة و لايمكن جعل الحياة في هذه البقعة المليئة بالخلافات المبنية علی أسس الطائفية وامبراطورية المذاهب والعقل القوموي العروبي أقل بؤساً وفقراً أو أقل توتراً وعنفاً. فإدعاءات التأله والقبض في زمن الإنفجارات التقنية والطفرات المعرفية لا تثمر شيئاً والشعارات  تحيل أخيراً الی تنانين فكرية تولد الاستبداد والفساد و تنتج التوحش والخراب. فالعزف المنفرد للسيد المالكي علی أوتار التسلح ، التي تعيد إنتاج النزاع والحروب لا يعني سوی الإعداد لتقديم سيمفونيّة الوداع والإنتخابات القادمة سوف تشهد علی مانقول. 
وختاماً: السياسة هي صناعة شريفة إذا ما أحسن أصحابها سوس البشر علی قانون مقبول أو مجمع علیه ، أو إذا ما أحسنوا تدبير شٶون المجتمع وقودهم نحو الأصلح. لكن هناك من يری فیها مجال لإنتاج القوة والهيمنة والتفاوت أو أداة لإنتهاك الحريات وغصب الحقوق وسوق البشر الی الطائفية أو ومعسكرات الإعتقال أو الی خطف الأبرياء أو البدء في الإستعداد والتجهيز لحروب بأسم الوحدة الوطنية يمكن أن يقع ضحاياها القائمون بها، كما دلؔت التجارب في العراق ماضياً وحاضراً.
الدكتور سامان سوراني





134
دكتور سامان سوراني رجل هذا الزمن وذاك التاريخ ...ثقافة فلسفية يتخللها أنتماء للأرض والحب والدار ...

الحوار دائما مع من تبحر في علم الفلسفة صعب جداً ...لأنه الضيف ..يأتي من خًلجات الحياة والفلسفة والعلم وهنا يكون خصماَ قوياَ في حلبة الحوار ...هذا هو ضيفي الدكتور الاكاديمي سامان سوراني أبن كردستان العراق ..

شيرين : دكتور سوراني درس علم الفلسفة وهذا مجال شاق وطويل ...هل تعتقدون أن المجتمع الأنساني لديه تدرجات معينة في تفسير القيم الاجتماعي ؟؟؟؟
د. سامان : لاشك أن مجتمعاتنا هي محصلة تواريخها ، لكن بداية أود أن أشير الی دور الفلسفة وأثرها العظيم في تطور حياتنا وتقدم البشرية. فلو قمنا بإستقراء الكثير من النهضات الإجتماعية والعلمية في عالمنا نجد أن الفلسفة قد قامت بجانب قيامها بتفسير الحقائق وتعليلها بدور التوجيه المستنير الذي ساعده على النهوض والتقدم في الأسرة الإنسانية وسارت جنباً الى جنب مع الحضارة الإنسانية تضيء لها الطريق وترسم الأهداف والخطوط .
المجتمع الإنساني يتكوّن من عدد من الأنساق كالنسق السياسي والنسق الاقتصادي والنسق الديني... ولكلّ نسق احتياجاته الضرورية التي يجب إشباعها وإلّا فإنّە سوف يفنى أو يتغيّر تغيّراً جوهرياً. يختلف مدلول كلمة قيمة لدى الناس باختلاف استخدامها وحسب استخدامهم لها. فالفيلسوف الفرنسي إميل دوركهايم ، وهو أحد مٶسسي علم الإجتماع الحديث ، يؤكّد على أنّ القيم تماثل كلّ الظواهر الإنسانية ، فهي في نظره من صنع المجتمع وتصدرعن إتفاق إجتماعي ، لذا فهي تتميّز بالعمومية والجبرية ، ولها قوة الإلزام.
الفلسفة الماركسية إعتبرت القيم والأخلاق السائدة في المجتمع إنعكاساً لقيم وأخلاقيات الطبقة الاجتماعية المسيطرة في المجتمع ، علی إعتبار أن طابع العلاقات الاجتماعية يحدّد مضمون القيم والأخلاق. وهناك إتّجاه فينومينولوجي أسسه الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل يؤكّد على أنّ القيم عبارة عن معاني أو مقاصد توجد في عقول الأفراد ، يتمّ إدراكها من خلال الوعي وعن طريق الخبرة بالعالم. والوعي كما نعلم لايوجد في رأس الفرد "الفاعل" بل أيضاً في العلاقات بين الفاعل والأشياء في العالم.
شيرين : هل تعتقدون أن الدولة الكوردستانية باتت ضرورة من ضرورات المجتمع الدولي ولماذا؟؟؟؟؟
د . سامان : إذا كان القصد من "المجتمع الدولي" الدول ذات النفوذ الدولي ، تختار المشاركة في المناقشات العالمية وصنع القرار العالمي ، نعم. فالبعض يری بأن المجتمع الدولي لا وجود له وآخرون يرون في هذا المصطلح إشارة الی جميع الدول عندما تقرر العمل معاً. في السابق كانت الدول ذات السيادة حريصة على تنظيم علاقاتها ، من إنهاء الحروب وترسيم الحدود إلى إنشاء الامتيازات الدبلوماسية وإدارة التجارة ، من خلال المعاهدات. اليوم نری بأن موازين العلاقات والسياسات قد تغيرت. فبعد سيادة سياسة توازن القوی و ظهور الواقعية الجديدة نری لزاماً علی الدولة المستقبلية أن تستوفي مطلبين: إستخدام الجهود الداخلية لزيادة القدرات الاقتصادية وتطوير الاستراتيجيات الذكية وزيادة القوة العسكرية من جهة و إتخاذ تدابير خارجية لزيادة أمنها عن طريق تشكيل تحالفات مع دول أخرى. المسألة الكوردستانية أصبحت مطروحة علی المشهد السیاسي والاجتماعي لا فقط في المنطقة بل في جغرافية أوسع. التحولات والتغيرات السياسية والإقتصادية وبالأخص بعد سقوط نظام الدكتاتوري في العراق والتغیرات الاجتماعیة والاقتصادیة في ترکیا، ساهمت في فتح الباب امام الحرکة القومیة الکوردستانية کي تجد أمامها فرصة للاندماج في المعادلات السیاسیة والعلاقات الاقتصادیة في المنطقة. صحيح بأن هدف شعب كوردستان ليس الفدرالية بل الحق في تقرير مصير، الذي هو حق تاريخي لا يمكن نكرانه. ومن حق شعب كوردستان بعد العيش في ثورات معرفية و اكتشاف قيمة الحرية والكرامة أن يسعی في رسم مسارات الحياة الشخصية والقومية ، مدركاً بالإنتماء الی الجنس البشري و قيمة مسؤولياته. إن العمل علی اجهاض قيام الدولة الكوردستانية في عصر تتعولم فيه العلاقات بين البشر و تقوم علی الإعتماد المتبادل لا يخدم فكرة التعايش السلمي وقيم التعارف بين الشعوب بل يفقر تقوية الأواصر بين الأمم. الاستقلال هو الهدف المطلوب الذي ترجو الشعوب تحقيقه وهي تمارس الحق في تقرير المصير، الذي يعتبر حقاً مشروعاً كرسته وأقرته كل أحكام ومبادئ القانون الدولي العام المعاصر.

شيرين : نعيش اليوم وسط توترات سياسية مهولة الا تثير هذة التقلبات شكوكاً على الاقل لدى المفكريين أن أحداث اليوم مكملة لسيناريو الأمس؟؟؟؟
سامان : برأيى أن التاريخ لا يعيد نفسه، ولكن أحداث التاريخ قد تتشابه. صحيح بأننا في وضعية وجودية تضع الإنسان أمام مأزقه ، ذلك ان إنسانيتنا التي ندافع عنها تولؔد ما نشكو منه ، أي البربرية بالذات ، إذا أردنا أن نری الی وجهنا الآخر الذي نحاول إخفاوءه والتستؔر علیە والعقل السائد ، بأشكاله اللاهوتية المقنعة أو بأنماطه الناسوتية السافرة، قد أمسی لا يعقل وأن العقلانيات بدأت تفقد مصداقيتها في مقاومة العوامل التي تولؔد الفوضی والفساد و الرعب والدمار ، أو تبدوا عاجزة عن مكافحة المرض والفقر والجهل و الحد من آليات الإستبداد و أعمال العنف ، لكن مع هذا أری أن بوسع المستبعد والمهمش والأقل حظاً أن يجري تحويلات علی ذاته و واقعه بالإنتاج والإبتكار بحيث يصنع إمكانا أو يخلق وقائع تتيح له تغيير ظرفه أو تغيير واقعه ، بقدر ما تتيح لە ممارسة فاعلیته و أثره. 
شيرين : هل نعتبر أحداث العراق والشرق الاوسط الجديد هي نتائج للاسلام السياسي؟؟؟
سامان : إن مايحدث في العراق والشرق الأوسط الجديد هي نتاج عدم وجود عقلية الوساطة ومنطق الشراكة والإحساس بالمسٶولية أو بسياسة التبادل والتعارف. وطالما لا وجود لأرضية التدرؔب علی عقل جديد يتجاوز الفكر الآحادي والعقل الماورائي تبقی الهوية أزمة غير قادرة علی صياغة روابط واضحة وثابتة أو المحافظة علی العلاقات البينية الإجتماعية ، بمعنی آخر ، تنعدم الثقة و تعلوا ظاهرة التخّوين والتكّفير و تبقی بنية المجتمع الشرق الأوسطي كما هي غير مبنية بالطريق الصحيح لا يسمح له بسبب وجوده في منطقة غير مستقرة سياسياً ببناء قواعد إجتماعية ثابتة و متماسكة. أن فرض الهوية الواحدة "المقدسة" عن طريق القوة سيكون دوماً مآله نفور الأقليات الدينية والقومية من هذه الهوية ، لأنها لم تأخذ بالاعتبار الحقوق الثقافية والدينية لباقي أطياف المجتمع. أما فيما يخص الإرهاب الوحشي الذي يستفحل يوما بعد يوم ، فهو ترجمة للمبادیء الوحدانية والنصوص المقدسة والعقلية الإصطفائیة والمشاريع الدينية الشمولية ، كالحاكمية الإلهية أو الحکومة الإسلامية أو الدعوة الی أسلمة الحياة والثقافة.
شيرين : متى تتحول الثورات من حديث وحق وحقوق الى دم ونزاع وهتك أوطان
سامان : هناك مثل فرنسي يقول " من السهل ان تبتدئ الثورات ولكن من الصعب ان تنهيها بسلام ". من الواضح بأن العمل على وتر الاستقطاب الطائفي والمذهبي والفكري يحول الحراك الشعبي الذي يحمل في برنامجه وطياته مطالب ديمقراطية شعبية مشروعة وتقف من وراءها الاكثرية الساحقة من الشعب بغض النظر عن المذهب او الطائفة او الدين الی دم ونزاع وهتك للأوطان.

شيرين : هل نعتبر التصوف حالة أجتماعية ام سياسية دخيلة على المجتمع العربي الاسلامي
سامان :  لاريب في أن التصوف نتاج مشرقي لايخلو من الغاية وغايته دائماً روحية ،  أصلە هو العكوف علی العبادة والإنقطاع الی الملأ الأعلی والاتصال به و الفناء فيه والإعراض عن زخرف الدنيا و زينتها. فهو أيضاً فلسفة الإسلام الدينية ، والباحثين في التصوف عرؔفوه بإدراك الحقائق الإلهية. والتصوف شاع قبل الإسلام في الأديان والأمم كلها ، في الوثنية والمجوسية واليهودية والنصرانية ، ولقد عرفه في بعض أشكاله البابليون واليونان والرومان والهنود والصينيون والعرب والعجم، بل وحتی بعض الأمم الفطرية. التصوف الاسلامي ظهر ونما بصورة متداخلة و متوازية مع سائر فروع الثقافية كالفقه والكلام والفلسفة والعلوم ، لايجوز أن يٶخذ كنقيض للعلوم العقلية أو الفلسفة النظرية ، بل هو يتمفصل معها ضمن مجال معرفي واحد. فلو بحثنا التصوف عن كثب نری أنه كان في القرن الثالث الهجري علماً مستقلاً عن العلوم الأخری من فقه وحديث وكلام. والصوفية في أصلها رياضة نفسية تخلق في الإنسان إرادة فعالة وتخلق للمجموع المتصوف شخصية ثابتة. وهي ترمي الی إثبات الناحية الإجتماعية في وجه القوی الإجتماعية والطبيعية أحياناً، لذا يمكن أعتبارها ناحية جليلة من نواحي علم النفس. 

شيرين ..دكتور سوراني أيهما يغير الاخر الذات ...أم الحياة هي من تغير الذات وكيف ؟؟؟؟

سامان : من يريد أن يتغير و يساهم في التغيير ، علیه أن یعترف ، بأن الأزمة ليس مصدرها الغير ، بل الذات والفكر. والفرد كفاعل إجتماعي يعتمدعلی تشغيل قواه الذهنية وإستثمار طاقته الإبداعية ويفكر ويتصرف بصفته مسٶولاً عن نفسه أو صانعاً لحياته ، من غير وصاية نبوية أو وكالة نخبوية أو سيطرة بيروقراطية يستطيع أن يغير. إنني أوافق الرأي القائل بأن المجتمع لا يغيره الساسة والمثقفون وحدهم ، بل يغيره كل المنخرطين فيه ، علی هذا الوجه أو ذاك، سلباً أو إيجاباً ، تخلفاً أو تنمية ، خراباً أو عمراناً. هناك أكاديمات علم النفس تقوم بإعداد خطوات ذاتية لتغيير نمط الحياة والعيش بسعادة.   
شيرين : دكتور سامان كلنا يعلم أن القوانين البشرية هي تجليات من قانون الاله الواحد واعني هي أنحدار ...لماذا نجد هناك تغالطات في تفسير هذة القوانين الالهية من البشر ؟؟؟؟
د سامان :  إن الإدعاءات المثالية والتبجحات المتعالية والمزاعم الإلهية والغطرسة الحضارية والعربدة التقنية في غير مكان كلها نابعة من عدم مسألتنا لمفهوم الإنسان. الإنسان بالوكالة عن الله ، صاحب الدور النبوي يفسر القوانية الإلهية كيفما يشاء ، يبيح لنفسه كل شيء بقدر ما يعتبر نفسه غاية كل شيء. وهكذا نجعل علاقتنا بالحقيقة تقوم علی الحجب والتعتيم بقدر ما نجعل علاقتنا بالعدالة تبی علی الفحشاء والفساد ، أما علاقتنا بالحرية فتقوم علی المفاضلة والإستبعاد بقدر ما نجعل علاقتنا بالعقل تٶول الی كل هذا العبث والجنون والهلاك والخراب. إن الإعتراف بدونیتنا علی المستوی الوجودي هو أساس للأعتراف بحقوق بعضنا البعض علی الصعد السياسية والمجتمعية والثقافية أو حتی المعرفية.

شيرين : مرحلة التفكير هي العبور الى الذات مع خرق المعقول والغير معقول ..من المسؤول عن هذه المرحلة العقل أم القلب ؟؟؟؟
د. سوراني : هناك من يقول بأن الخيال والبداهة قد خلقا قبل أن يخلق العقل ،لكن الذي أعرفه عن الفيلسوف هو تحريه للحقائق المستورة عند الأكثرية بنظره النافذ ليكشف أسرار الطبيعة و يستفيد من قوانينها ويفيد غيره. عندما أعلن داروين نظريته في النشوء والإرتقاء وأهتدی بعقله الی مذهبه الذي الهب الأفكار وأحدث فيها ثورة و إنقلاباً وذكر أصلنا الحيواني خالفه أهله ومقتوە وعادوه ، لأنه خالف عواطفهم. ولكن في النهاية كان هو الفيلسوف ومعارضوە بقوا ذوي عواطف لاغير. أنا لا ألغي ماهو فطري في الإنسان ، لكنني لاأعطيهما تلك القيمة في كشف الحقائق. فلو كانت العاطفة أو القلب هي التي دفعت الحياة الی خلق الحواس ، فمن ذا الذي خلق العاطفة؟ 

شيرين:.الطريقة النقشبندية هل نعتبرها أعلى مراحل التصوف الديني ؟؟؟؟؟

د. سوراني : هناك طرق متعددة في التصوف والنقشبندية طريقة بين هذه الطرق لايمكن وصفها بمرحلة. فمن المعلوم بأن الزهد الإسلامي الذي كان مزدهراً في القرن الأول الهجري قد تحول شيئاً فشيئاً الی مدرسة لها قواعدها ونظمها وأسسها التي يفرضها الشيوخ علی السالكين. وسرعان ماعرف العالم الإسلامي أنواعاً متعددة من الطرق الصوفية ، فمنهم من التزم بالكتاب والسنة و منهم من تفلسف و نادی بنظريات وحدة الوجود ، (أي القول بأن هذا العالم المختلف في الأشكال ليس سوی مظهر من مظاهر متعددة لحقيقة واحدة هي الوجود الالهي) والحلول (أي نزول اله في شخص من الاشخاص) والاتحاد (أي شيوع الالوهية في العالم كله) والشطحيات وذلك في القرنين السادس والسابع الهجريين. أما لفظة الطريقة فهي تطلق علی مجموعة أفراد من الصوفية ينتسبون الی شيخ معين ويخضعون لنظام دقيق في السلوك الروحي. الأسماء تختلف بإختلاف أسماء مٶسسيها والخلافات التي كانت ولاتزال بين الطرق تنحصر في الرسوم العملية فقط.

شيرين : حرية الفرد في العالم العربي لم تكن متاحة كماهي اليوم قبل قرن من الزمن ...لحقتها حرية العلم والمعرفة هل تمكن الأنسان العربي الخروج من بودقة الغفلة العلمية والجهل؟؟؟

د. سامان : مفهوم الحرية هو من إبتكار المحدثين وإن كانت هذه المفردة ترد في الخطابات والمٶلفات قبل الأزمنة الحديثة ، فالمفكر السياسي المحدث اسبینوزا يقرر، أنه كلما زاد قدر مايتمتع به الأفراد في الدولة من حرية و مساواة ، زاد حظ الدولة نفسها من الاتحاد والقوة. هذا الإتحاد وهذه القوة لا نراه في الدول العربية. أما مشكلة الحرية هي مشكلة الوجود الإنساني بأسره. نحن نحيا في عالم ملیء بالعوائق ، ولابد للحرية من أن تصطدم بالعائق حتی تستحيل الی قيمة. والحرية هي كسب لابد لنا من أن نعمل علی إحرازه والكالم هو شكل من أشكال التعبير عن الحرية، بقدر ماهو نمط من أنماط الفعل والتأثير في المجريات ،علی مستوی من المستويات. الإنسان لايتمكن أن يخرج من بودقة الغفلة العلمية والجهل إذا لم يعمل علی تفكيك آليات عجزه ، لتغيير قواعد اللعبة بتشكيل عوالم ومجالات أو فبتكار أساليب ولغات أو إختراع وسائل وأدوات أو خلق موارد و فرص تحدث تحولاً في الفكر وتسهم في تغيير الواقع وإمتلاك الوقائع ، هكذا يستطيع أن يمارس حريته. حرية الفرد يعني إستقلالية الشخص النسبية تجاه الأطر والقواعد والقيود الخلقية والاجتماعية والسياسية ،كيف هذا والعالم العربي يعيش الی الآن في فضاء الجبرية اللاهوتية.

شيرين : هل نحمل غياب الديمقراطية في المجتمعات العربية على عاتق الشعوب أم السلطات ؟؟؟
د. سامان : الديمقراطية لاتولد من العدم ، بل هي عملية وصيرورة تراكمية ، تنمو مع الزمن و عبر النضال الدٶوب للمجتمعات. النهضة والتنوير ضرورية لخلق الفضاءات الديمقراطية. وهذا المطلب الإنساني بحاجة الی بنية تحتية كخطوة أولی لتسد وتشبع الإحتياجات الأساسية لأفراد المجتمع. نحن نعيش اليوم في قرية كونية صغيرة ، هناك ترابط وتشابك بين مصالح المجتمعات الإقتصادية والثقافية لافكاك بینها ، وهذا بدوره يساعد في تنامي وتطور الوعي السياسي والإجتماعي للوقوف ضد الأنظمة المستبدة التي لاتحترم التعددية وحق الاختلاف والتداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير والتطلع الی حياة أفضل. نحن نعرف بأن التطور هو سنة الحياة والديمقراطية تنمو عبر نضال الشعوب من أجل التخلص من القيم التقليدية الموروثة ، التي تبقی كحجر عثرة أمام التطور والتغيير. الأنظمة الجمهورية والملكية في البدان العربية مازالت أبوية المشرب ومطلقة في سلطاتها. أما "وعاظ السلاطين" كما تم تسمیتهم من قبل عالم الإجتماع الكبير علي الوردي فهٶلاء يوجهون المجتمع العربي- الإسلامي كما يشاؤون ، ووفق ما يريد منهم الحكام المستبدون. إذن مسألة غياب الديمقراطية هي مسألة جدلية بحتة وللإسلام السياسي و رفع شعار "الإسلام هو الحل" دور في إعاقة حتمية الديمقراطية. أما منظمات المجتمع المدني ، التي يجب أن تلعب خارج هيمنة السلطة دور الوسيط بين السلطة والشعب بعيدة عن العمل كشبكات تجسس علی الشعب فهي ضعيفة الی حد العدم ، لاتقوم بواجباتها الفعلية لدفع عجلة الديمقراطية نحو الأمام.     

شيرين : الانتماء للوطن والارض من يزرع بذرتها ؟؟؟؟
د. سامان : لامراء أن مسألة الإنتماء للوطن من أهم القيم الواجب غرسها من قبل المٶسسات التربوية في نفوس الناشئة والضروري تنمیتها لدی الطلاب. طبعاً هناك علاقة جدلية حميمة بين المواطن ووطنه ، لكن للأسرة دور مهم في غرس قيم الإنتماء للوطن ، بحكم أن كلاًّ منا يولد ويعيش ويتربى داخل الأسرة أولاً وأخيراً، بل ويتعلم ويتشرب كثيراً من القيم والعادات والسلوكيات من داخل الأسرة. في عالمنا اليوم تلعب وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة دور مٶثر ومهم في عملية التنشئة الإجتماعية وخاصة نحن نعيش عالم الأقمار الصناعية والشبكات العنكبوتية ، والحاسبات الآلية ، ووسائل الاتصال المختلفة كالجوَّالات وغيرها. فللإذاعة والتلفزيون والإنترنت وصحافة الفضائيات تأثير قوي في صناعة الفرد ، بل هي الموجِّه الأول لفكر الفرد. وبالتأكيد إذا سارت العلاقة الجدلية بين المواطن والوطن علی مسار حيوي و صحيح فإن المواطن سوف يكون مستعدا للدفاع عن وطنه مهما كانت مشاربه و توجهاته الفكرية والثقافية والسياسية. علی الإنسان أن ينتمي أولا لنفسه من خلال سعيه ليكون الأفضل وذلك بتنمية مهاراته وقدراتە وبعدها يسعی الی إثبات نجاحه و تفوقه. لأن النجاح والتفوق هما وسيلة من وسائل التواصل مع الغير. وعن طريق الإنتماء الی الاسرة تولد الإحساس بالمسٶولية الجماعية وهكذا تتدرج هذا الإنتماء تصاعديآ من خلال المدرسة والجامعة أو حيز العمل الی  أن يصل الی الإنتماء للوطن. 

شيرين : في فترة الاحتلال الأميركي للعراق ظهرت جماعة صوفية مقاتلة انخرطت في العمل المقاوم للوجود الأميركي عبر كيان سمى نفسه جيش رجال الطريقة النقشبندية.... هل نعتبر هؤلاء  متطرفين على النقشبندية الحقيقة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
د. سامان: بما أن للطريقة النقشبندية كغيرها من الطرق الصوفية أتباع من جنسيات و قومیات متعددة ، فأنه من الطبيعي أن تكون بعض من أتباعها عرب عراقيين. بعضهم قاموا بأدلجة الطريقة و إستغلوها لإقامة علاقات سياسية وتجارية أو تأسيس حركات إرهابية كـ"جيش رجال الطريقة النقشبندية" التي لاتربطها شيء بالصوفية ولا بشيوخ الطريقة النقشبدية. هذه الحركة الإرهابية تهدف أساساً الی إعادة حزب البعث المقبور الى الحكم أو تأسيس نظام اسلامي أشبه بنظام طالبان في أفغانستان بعد أن أفلست أيديولجية حزب البعث القومية. من صفات المتصوف أن يتخلص من عقدة الامتلاك لكي يحرر نفسه الأمارة بالسوء وتزكيتها بالعمل الصالح ، وهل يمكن إعتبار قتل الأبرياء من قبل هٶلاء المتطرفين عمل صالح؟ من يمارس التقديس لمطلق من المطلقات فهو لايحسن سوی إنتهاكه علی أرض الواقع البشري المنسوج من الأهواء والمطامع أو من الوساوس والهواجس. بصراحة أنا لا أری وجود للصوفية من دون محبة والمحبة هي أصل الموجودات.

شيرين : أي حديث لانمر به على العراق هو حديث ناقص لانه الوضع فرض نفسه علينا هل نعتبر العراق مجتمع تعرجات سياسية هشة

سامان : في العراق لا وجود لمجتمع سياسي واحد. سٶالنا هو ، ما الذي يجمع بين الجماعات الاجتماعية أو المجتمعات المحلية في العراق؟ هل قامت الحكومات التي تعاقبت السلطة في العراق والی الآن بترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية لدى أفرادها. هل الغيت مظاهر التمييز والتفرقة القومية والدينية والطائفية والسياسية في يوم ما؟ هل سعت الحكومات العراقية في يوم من الأيام بالقضاء على الفجوة بين الدولة والمجتمع من خلال الانبثاق الطبيعي للدولة والسلطة من رَحم المجتمع ذاته، وبالتفاني لتطبيق السياسات العادلة والمتوازنة الهادفة لخدمة الاجتماع السياسي والثقافي في المجتمع؟ الإنقسام المجتمعي موجود طبعا. أما حقوق المواطنة فهي حقوق مدنية تتعلق بالمساواة مع الآخرين وحقوق سـياسية تتعلق بالمشاركة في اتخاذ القرار السياسي، وحقوق جماعية ترتبط بالشٶون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، لكن المواطنة في مجتمع العراق كانت ومن وجهة نظر الحكام في أنظمة الحكم المتعاقبة للدولة الراحلة ، صفة للجماعة التي ينتمي إليها هؤلاء الحكام. وحتی الملك غازي تطرف في ميوله الإثنية العربية علی حساب الكورد ، لذا أنا أعتبر السٶال المطروح من قبل حضرتك واقعي. 
شيرين :..هل نعتبر الفكر الحر الاهوج هو نتاج لناتج في المعترك العراقي ..ولماذا

د. سامان : الفكر الحر أو التفكير الحر هي وجهة نظر فلسفية ترى أن الأراء ينبغي أن تشكل على أساس العلم، المنطق والعقل ولاينبغي لها أن تتأثر بسلطة أو عادات أو أي من أشكال الدوغما. لكن الذي نراه في العراق هو عدم وجود مراكز علمية للأبحاث والتخطيط الاستراتيجي ومن غير تلك المراكز لايمكن أن تكون هناك تطور معرفي أو تنموي أو نهضوي. بالتأكيد تكون وظيفة هذە مؤسسات العمل علی إعداد دراسات وبحوث موجهة لصانعي القرار، والتي تتضمن توجيهات أو توصيات معينة حول القضايا المحلية والدولية، بهدف ترشيد أو عقلنة القرار السياسي للمسئولين وصناع القرار وتمكين صانعي القرار والمواطنين لصياغة سياسات حول قضايا السياسة العامة. أما احتكار صنع القرار السياسي والأمني من قبل شخص واحد وضرب مبدأ الشراكة عرض الحائط دون الإهتمام بنظام فصل السلطات يجعل من الشراكة حديث خرافة ومن العراق ساحة مفتوحة أو أرض مستابحة للنزوات الاستبدادية و الخطط الجهنمية.
 
شيرين: من لايتفوق على معلمه يكون تلميذ فاشل مقولة دافنشي ...من هو معلم سامان سوراني

د. سامان: من منا ليس له في هذه الحياة مُعلم، يستفيد منه ويتعلم من تجاربه وأفكاره؟ من منا لا يحيا بدون مَثَل، يستوحي منه القيمة ويستلهم منه المنهج الذي يطبقه في عالم الحياة؟
للفيلسوف الوجودي الألماني بيتر فوست رأي حول الإنسان فهو يقول : "الإنسان هو الموجود المتوسط الذي يتراوح وجوده بين الحياة (Bios)  والعقل (Logos) ، أنه لايجد الإشباع التام في الحياة ، ولكنه لايجد الراحة النهائية في العقل." هناك الكثيرون ممن أعتبرهم قدوة ومنار للفكر والإنسانية أمثال فيثاغورس الذي حدد معنی الفلسفة لأول مرة و سقراط الذي قام بدراسة الإنسان وله القول المأثور "أيها لاإنسان: أعرف نفسك" و اسبينوزا و ديكارت الذي مارس قواعد المنهج والشك والقائل: "أنا أفكر فأنا إذن موجود" و كيركجارد الذي ربط الفكر بالوجود و يسبرز الذي اهتم بالتأمل الفلسفي واصطدم بجدران "اللامعقول" وماركوس آوريليوس وباسكال و هيجل و نيتشه و سارتر وكامو و جاكومو ليوباردي وفيتجنشتاين ومن الفنانين العظام أمثال دوناتيلو و ميكيل انجلو و روبنس و ريناتو كاسارو و فان كوخ و سيزان و كليمت و مودلياني ماکس بكمان و اوتو دكس وغيرهم ، لكنني وقعت وأنا شاب يانع تحت تأثير الآراء الإنسانية لفلاح كوردي بسيط ، أراه معلماً لي  والذي كان يردد دوماً القول: "لن تكون إنساناً ، اللهم إلا إذا عرفت كيف تقضي كل يوم من أيام حياتك في اجتلاء جمال الطبيعة والبحث عن الحقيقة والمضي قدماً في طريق الخير و السعي نحو الکمال."

شيرين : كيف يصف دكتور سوراني القائد المستبد هل هناك معايير له ...؟؟؟

د. سامان : يقول الفيلسوف جون لوك بأن الطغيان يبدأ عندما تنتهي سلطة القانون. والقائد المستبد أو الطاغي يقترب دوماً من "التأليه"، يرهب الناس بالتعالي والتعاظم ويسعی في توحد الدولة في شخصه، معتبراً نفسه مصدر الإلهام ، يذل شعبە بالقهر وبالقوة ويسلب أموالهم. فهو لا يعترف بقانون أو دستور للبلاد ، إرادته هي القانون والدستور وما يقوله واجب التنفيذ وما على الناس الا السمع والطاعة. يقوم بتسخير وسائل الإعلام من اجل الإثارة والترغيب والترهيب وتطويع وتخدير الجماهير لإرادته. القائد المستبد يمكن تصنيفه من الناحية النفسية والإجتماعية بكل بساطة بشخصية بارانوية ملوثة بسمات نرجسية وسيكوباتية المستهينة بالمجتمع. لايعرف الإخلاص ولا الصداقة ، فهو دائماً شديد الحسد، شديد الغيرة، لا يطيق أن ينافسه أو يطاوله أحد. وهو يبالغ كثيراً في تقدير ذاته ويسخر كل شئ لتضخيم ذاته وقدراته ولديه شعور بالعظمة والأهمية والتفرد، وفي المقابل يحط كثيراً من قيمة الآخرين ويسفههم ويميل إلى لومهم وإلصاق الدوافع الشريرة بهم.

شيرين : هل من الممكن ان تحكم التعددية المجتمع الصامت الثائر؟؟
د. سامان: انّ فلسفة التعددية هو التنوع، وانّ جوهرها هو التميز عن بعض، ولو تشابهت لانتفت الحاجة للتعددية من الأساس. ما فائدة التعددية الحزبية إذا تشابهت أهداف كل الأحزاب وأدواتها ووسائلها؟ و التكاملية في المجتمع لا يخلقها التطابق. فسيادة قوانين غيرعادلة او سواد افكار سلطوية وشمولية حاكمة تفضل جزء من مكونات شعوبها على الآخر وتلغي وجود الآخر لايمكن أن تزرع بذور التعددية. إن تشجيع الحوار المجتمعي أمر ضروري لإتاحة الفرصة أمام القاعدة الشعبية للتعبيرعن نفسها وبلورة أمثلة لعملية التشاور ، يقوم المجتمع المدني من خلالها بمساعدة القادة والمسئولين على التعرف على ما يجب القيام به ، لضمان التأثير على عملية الإصلاح وتطوير السياسة العامة. الأحادية في التفكير والعمل تحت شعار أوحد ، هي بمثابة أفخاخ تلغم الحريات وتخنق التعددية و تٶول الی عسكرة المجتمعات والسلطات وتختزل الواقع.   
 
شيرين: أقرء لي سياسيا تميز اقليم كردستان وطفرته الحضارية ..
د. سامان : لقد عانى شعب كوردستان من الحکومات العراقية المتعاقبة في السابق الكثير من المآسي المتلاحقة، وكان أبرزها ضرب قوات المقبور صدام حسين لمدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية عام 1988 مخلفاً ما بين 5 إلى 10 آلاف قتيل. أما "حملة الأنفال" (1986-1989) السيئة الصيت ، التي قام بها المجرم علي حسن المجيد، والشهير باسم "علي الكيماوي" ضد شعب کوردستان مستخدما الأسلحة الكيماوية ضد الكورد، مزيلا أكثر من 4 آلاف قرية كردية من على الخارطة ، إذ يقدر عدد ضحايا هذه الحملة بنحو 185 ألف شخص ، فهو مثال آخر لسياسة التمييز العنصري للحكومات المركزية العراقية ضد أهل كوردستان.
لكننا ومنذ عام1991 ، أي بعد بعد إبعاد نظام البعث من بعض المناطق الكوردستانية شاهدنا تطور تدريجي في الإقليم بالشكل الذي اصبح فيه الإقليم اليوم قبلة لكل ابناء العراق والمنطقة في سياحتهم اليه بكمال الحرية واقامتهم فيه. هناك إستقرار أمني و تطور إقتصادي و سعي من قبل حكومة الإقليم المنتخب بشكل شرعي في إفساح المجال أمام التنافس السياسي الحر، وعدم تسخير المجال الديني لأغراض سياسية. لقد تبلورت الهوية الكوردستانية و تحولت اللغة والثقافة الكوردستانية الی لغة وثقافة حية والفضل عائد الی السياسة الحكيمة للقيادة الكوردستانية المعتصمة بقيم الديمقراطية والمٶمنة بالمساوات الجندرية من جانب و من جانب آخر الثورة الإعلامية الجديدة بكافة قنواتها التقنية. هذه الطفرة الحضارية تغضب بالتأكيد الاعداء وتسر الاصدقاء. من الواضح بأن الإقليم واجه أزمات سياسية و إجتماعية في علاقته مع دول الجوار علی مدار الأثنين والعشرين سنة الماضية ، إلا أنه تمكن من الاستمرار وتدعيم سيادته، ومن ثم يمكن القول أن استراتيجية الكورد للبقاء كانت ناجحة. فقد ركزت السياسة الخارجية للإقليم على تحقيق بعض أهدافه بالإعتماد علی الدبلوماسية الاقتصادية وتطوير أجندة قوية لتحقيق الأمن القومي و فتح باب الإقليم أمام المستثمرين والاستفادة من وفرة مواردها الطبيعية واستخدامها كأداة دبلوماسية لممارسة النفوذ على جيرانها، والذين كانوا معادين للإقليم. لقد تمكن الإقليم بحكم سياستها الذكية القضاء علی مشكلة التطرف الإسلامي و قام بدمج القوی الإسلامية المعتدلة في النظام السياسي للإقليم. هذه بعض من النقاط التي يمكن أن نأخذها بعين الإعتبار إذا ما أردنا أن نميز طفرة الإقليم سياسا.   

شيرين :: المجهر السياسي  السوري  هل نعتبر دمشق عين الشرق فيه وأين نضع الموقف كردستان من محنة الشام

د. سامان : إذا كنت تقصدين بالشرق المحاور الثلاثة إيران  و روسيا والصين ، فهذا أمر لايقبل الجدل ، فلهذه الدول مصالح إستراتيجية في سوريا و بالأخص لإيران. موقف إقليم كوردستان من التطورات السياسية في سوريا واضح وجليؔ. صحيح بأن الكورد يهدفون الی تأسيس خطاب قومي موحد وترتيب بيتهم بعد أن تمكنوا بفضل الهزة التي تعرضت لها دولة سوريا منذ بداية ٢٠١١ ولأول مرة في تاريخهم من طرح أنفسهم في الخارطة السياسية في سورية.، لكن حكومة الإقليم تأمل في  بناء دولة ديمقراطية تعددية تضمن حقوق الشعب الكردي وجميع المكونات الأخرى في سوريا.

شيرين : الاقصاء السياسي في العملية السياسية لاي دولة هل من الممكن ان يهز اكبر تاريخ لتلك الدولة كالعراق؟
د. سامان : إن أخطر ما يتضمنه إقصاء الآخر هو إنبثاق العبودية وإنمحاء الحرية. وهذا يكشف نظام شمولي يطمس كل إنفتاح للذات تجاه العالم. بمعنی آخر ، إن ثقافة الإقصاء يعني عدم رؤية الآخر وعدم تقدير مواقفه وآرائه أو التعامل معه وكأنه جرثومة يجب وأده واستئصاله ، هذە السياسة التي مورست من قبل نظام البعث بمنطق حصري ضدي عنصري عدواني إرهابي لعقود طويلة جلب معها الكوارث والآفات والمحن المعنوية والمجازر البشرية. إنه عين السخرية عندما نشاهد في العراق محاولة من قبل الحكومة في تأثيث المشهد السياسي الشمولي بديكور "حداثي" و "ديمقراطي" يغلف علاقات القمع والإقصاء السياسيؔيْن ، ويسبغ بعض أردية الشرعية علی نظام سياسي يفتقر الی أية شرعية. النرجسية المدمرة والاستقواء بالخارج فى مواجهة الداخل خطأ جسيم وإذا استمرت الحکومة الحالية علی السياسة القديمة ، فبالتأكيد سوف يكون تاريخ العراق قراءة الماضي علی قبر كلمات مطوية.

شيرين : دكتور سامان لنترك ضفاف السياسية ونخترق براكين المرأة والحياة لكن بنسمة هادئة الا وهي الجنس ..
  الا تعتقد أن الجنس هو الوسيلة لتحقيق الحياة ...؟؟؟
د. سامان : من المعلوم بأن الحياة تتولد وتتحقق في الوصال الجنسي الذي يتم بين الرجل والمرأة على نحو حبٍّ ومحبة. يهدف كلُّ دافع إلى تحقيق غاية والجنس في الإنسان تعبيرعن فعل الكيان ككل ، يتأثر في الإنسان بعوامل نفسية واجتماعية. الجنس محبة ، فهي الصلة بين قطبي الحياة لتوليد الحياة أو للتعبير عنها ، بها يدرك الإنسان بعده اللامتناهي أو الإلهي. الجنس الإنساني يتكون من عواطف ومشاعر وأفكار ومُثُل وتصورات ، فهو فريد من نوعه ، ذلك لأنه يتجاوز الحاجة البيولوجية ، بواسطته تلتحم أجزاء الكون وتأتلف وتتناغم. بنظري الجنس هو لقاء مع الآخر و تعبيرعن الكيان الواحد و تحقيق للحياة من خلال قطبي الحياة: الرجل والمرأة.
شيرين : أختلفت الاراء الى تفسير عملية الجنس بين الفلاسفة لبني الانسان انتم درستم الفلسفة هل تجدون هناك تفسير معين لوصول البشر للذروة الجنسية؟ الكثير يفسرها على انها شهوة وتنقضي والبعض يفسرها وخصوصا عند العرب على انه شىء مخجل ...أنا ارها هي مرحلة انتقال الى عالم الروح ...فلسفيا كيف وجد د. سامان سوراني هذا المنحى الفلسفي؟

د. سامان: لاجدال في أن الجنس هو أهم شيء في حياتنا ، لكننا عندما نفتح لە الباب علی مصراعيه فسيأتي علی الفحوی والمغزی العميق لوجودنا. وبالمقابل فإننا عندما نضيق الخناق علیه أو نثقله بتصورات الخطیئة والرذيلة فسنشوهه و سنفقد نحن أشياء جميلة ومجيدة، بمعنی آخر، ينبغي للجنس أن ينتظم في مجمل علاقاتنا. الحب والإنسجام هما حصيلة الإحترام المتبادل والمساعدة القائمة في كل نواحي الحياة. بالتأكيد كلما ارتفعت درجة التطور للكائن الحي أصبح كل من الحياة الجنسية والتجاذب بين الجنسين مرتبطا بالإيحائات العصبية. القواعد أو المعايير الأخلاقية لم تكن في يوم من الأيام قانوناً أبدياً وإنما كانت دوماً مختلفة و متغيرة ، لقد وجدت لخدمة مصالح فئات المجتمع المختلفة. الوصال الناجح أو ما تسمینه أنت بمرحلة الإنتقال الی عالم الروح يكسب المرأة سعادة طويلة الاجل ، لذا نجدها راضية حتی وإن أخفقت في مرات لاحقة في بلوغ قمة النشوة أو الذروة الجنسية. أما الشراكة الجنسية فهي في نظري ليست هدية وأنما وظيفة مستمرة  وحلها يتعلق بالتربية وبالمجتمع وبالتالي وقبل كل شيء بالناس الذين يريدون أن يتعايشوا مع بعضهم بعضاً سعداء.

شيرين : ماالفرق بين المحبة والحب من خلال قراءاتي للكثير من الكتب وجدت ان الفرق شاسع بين الاثنين وكبير فلسفيا مثلا الحب يجرنا للشهوة لكن المحبة تردعنا بوجود الله والشريعة واحترام الاخر كيف تجده حضرتكم؟
د. سامان : لو أننا فهمنا الحب علی أنه اهتمام بحياة الآخرين وشعور بأننا جزء من كلؔ وإسهام بنصيبنا من أجل رفاهية البشرية ، لكان في وسعنا القول ، إن الحب هو المعنی الحقيقي للوجود البشري بأسره. الإنسانية في حاجة الی الحب ،لا لكي تستمر مهزلة البقاء ، كما زعم الفيلسوف الألماني آرتور شوبنهاور، بل لكي يتحقق المعنی الحقيقي للحياة البشرية ، كما قال مٶسس مدرسة علم النفس الفردي النمساوي الفرد أدلر ذات مرة. صحيح بأنه في الحب أو الايروس شيء من المحبة لأنه وجهها المادي ، لكنه مع ذلك يشير إلى التجاذب ، إلى الحنين والتوق التلقائي الذي يخلو من الوعي. الحب الحقيقي هو تلك العلاقة الثنائية التي لايستأثر فيها أحد الطرفية بمركز الثقل ، بل يعد كل منهما نفسه مجرد جزء من كلؔ. هنا يمكن القول بأن الحب خـاص والمحبـة عامـة . المحبة هي القوة الواعية الدافعة باتجاه المعرفة والإبداع ، فهي عطاء لاينتهي وأساس التفاعل بين الذات ومايحيط بها. المحبة في اقترانها بالحب وبالقناعة والتجاوب المنطقي مع الفكر والوعي  تمثل قيمة أخلاقية ثابتة و تعكس سمو الروح وكرامة الجسد. فهي جاذبية وانسجام متناغمين ، أداتهما العاطفة ونتاجهما الإبداع.

شيرين : في سورة النساء،الاية 34 "الرجال قوَّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا".
انتم من الذين عاشوا في بلد متقدم كالمانيا درستم وتشعبتم في المجتمع الغير عربي ..واكيد لاحظتم الفوارق الجمة بين المجتمع العربي والاوربي ...الرجال قوامون على النساء .. الاية صريحة ولم يقل أولياء ..والقوامة والولاية امر مختلف تماما فالقوامة تعني الرعاية والحماية أما الولاية فهي أثر من آثار نقص الأهلية في الشخص الذي تسري الولاية عليه..
لماذا نجد المجتمع العربي والاسلامي معتقلاً  نفسه والمراة وفق أنها ناقصة عقل ودين ...هل نستطيع ان نقول ان الرجل العربي رجل اناني متسلط ...ام هو ضحية مجتمع مازال يرى من ثقب ابرة ..

د. سامان : بدایة أود أن أشير الی المادة الأولی من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص: "تولد الكائنات البشرية جميعها حرة ومتساوية في الكرامة والحقوق"، لكن الرجل في المجتمعات العربية المحافظة وبسبب رسفه في أغلال التقاليد الرجعية الموروثة التي تسوّغ له ممارسة الاستبداد بالمرأة والتحكم في مصيرها وحريتها لا يستطيع أن يهضم مضمون هذه المادة.   
لقد أشار عالم الإجتماع الكبير علي الوردي بأن العالم العربي هو موطن البداوة و أكثر المناطق في العالم تأثرا ومعاناة بين قيم البداوة وقيم الحضارة. للأسف يٶثر هذا الصراع الی یومنا هذا علی البنية الثقافية وسمات الشخصية العربية. المجتمع العربي هو مجتمع أبوي ذكوري وعلی المرأة في هذا النوع من المجتمع أن تخضع وتنصاع الی أوامر الذكر ونواهيه. الرجل في الشرق الأوسط لايعترف بأنه بدون المرأة قياس عقيم لاينتج. أما المرأة فهي مثل الرجل إنسان یعقل، إنسان له عواطف وإحساسات، یشترك معه في العمل. ولو أردنا أن نقدر الدرجة التي وصل الیها أي شعب من الشعوب في الحریة فعلینا أن نبحث في الحریة التي یتمتع بها النساء فیه ، یعني أن مقدار التحرر الذي تحصل علیه المرأة من العبودیة السالفة في أي مجتمع هو أضبط مقیاس لتحرر هذا المجتمع.

شيرين : دكتور سامان هل نعتبر الفلسفة الوجودية هي رحلة البحث عن الله؟؟؟؟

سامان : الفلسفة الوجودية تتناول مشكلات وجودية ، مثل مشكلة معنى الحياة، مشكلة الموت، ومشكلة الألم ، لكنها لاتقف عند حد تناول هذه المشكلات. قرأت وأنا إبن العشرين إعترافات اوريليوس أغسطينوس هيبونيسيس أو من يسمی عندنا بالقديس أوغسطين المٶمن بالجبرية و خواطر للفرنسي باليز باسكال و إدراكات الفيلسوف الإسباني الباسكي ميکويل دي أونامونو و روايات الروسي دوستويفسكي وخاصة روايته المشهورة "الإخوة كارامازوف" وأشعار النمساوي المجري راينر ماريا ريلکه ، هٶلاء تناولوا في أعمالهم موضوع الخالق لكن لا بعمق الأب الروحي للفسلفة الوجودية الدنماركي سورين كيرکجارد أو الطلاب المنتسبين له أمثال الفرنسيين غابريل مارسيل و جان بول سارتر و الفلاسفة الألمان أمثال كارل ياسبرز و مارتين هايدغر  ونیتشه والروسي نيکولاس بريانيف. إن معالجة المشكلات الميتافييقية من قبل هٶلاء لعبت دور مهم في نشأة الفلسفة الوجودية. سورين كيركجارد يٶكد في فلسفته أولوية الوجود علی الماهية وهو علی ما أظن أول من أعطى كلمة “وجود” معناها “الوجودي”، فهو بمعارضته للعقل يری أنه لايمكن الوصول الی الإله بوسيلة طرائق الفكر وإن اللحظة هي تركيب يجمع بين الزمان والخلود والوجود يتماشی تماماً ويتطابق مع الزمانية. إن محاولات الوجوديين للوصول الی الوجود في ذاته بإختلاف تجاربهم الشخصية يتم بالتغلب علی النزعة المثالية و تعديها ، فالإنسان أو مايسمونه "الموجود" كحقيقة ناقصة و مفتوحة ومربوطة أوثق إرتباط الی العالم وخاصة الی البشر الآخرين ، يخلق نفسه بنفسه ، أي إنه هو هو حريته هو.
بالرغم من أن مارسيل و كيركجارد أعلنو إيمانهم بالألوهية ، إلا أن هذا لا ينطبق علی ياسبرز ، الذي قال بوجود التعالي  أو المتعالي أو علی الفيلسوف هيدغر الذي أنكر الألوهية . أما سارتر فوضع مذهب صريح ومتسق الأركان في إنكار الألوهية. بصراحة سٶالك هذا عام ويحتاج الی دراسة خاصة. 

شيرين : هل تعتبرون بداية اي وجود  هو الفكر...
د. سامان : لو أخذنا بمذهب الفيلسوف الفرنسي رينيە ديكارت في الـ"كوجيتو" "أنا أفكر إذاً أنا موجود" نری بأن الفكر يسبق الوجود ، لأنه من غير التفكير لا أستطيع القول بوجودي ، بمعنی أن الفكر هو الذي یكشف لي حقيقة الوجود. صحيح بأن الوجود ككيان مادي شاخص كائن ، لكن بدون الفكر لا أحد يستطيع إثبات هذا الوجود المادي الكائن. هل يمکن الفصل بينهما؟
إن مقولة ديكارت شكلت إعلاناً بالتحرر من أطر الفكر المدرسي و خروجاً من قوالب المنطق الشكلي ، فالكوجيتو الديكارتي هو يقظة من سبات الفكر اللاهوتي ونقلة من التمركز حول الله الی التمركز حول الإنسان ، إنە إعلاناً بلغة الفلسفة عن تشكل الإنسان ذاتاً مفكرة تخلق وتبدع بعد أن كان مخلوقاً مترهنا بفكره وإرادته لقوی الغيب ومشيئة اللامرئي. أنا أری أن حال الفكر والوجود، كما هو حال الروح والجسد، فلا الروح قادرة على أن تنفصل عن الجسد إلا بالعدم، ولا الجسد قادراً على أن ينفصل عن الروح إلا بالعدم، فهما في النهاية محكومان بوحدة لا تنفصم، وكذا الفكر والوجود. أما الإدراك والعقل والفكر وآليات الدماغ فهي وسائل للتعاطي مع الوجود والحياة. والبحث في الوجود يعني البحث عن رٶية الإنسان وإحساسه وإدراكه وإنفعالاته. الفكر عندي هو حركة الواقع وقد إنتقل لذهن الإنسان فلو لم يكن هناك حركة للواقع المادي ما كان هناك فكر ولا حياة. بالتأكيد لاتفكير بلا غاية. والفكرة تنشأ من صور مادية تترتب بعدها لتخدم حاجة وجودية سواء مادية أو معنوية تتمثل فى الأمان والسلام.

شيرين : لغة الخطاب السياسي تتحمل جزء كبير من كاهل الامة فالعراق مثلا دولة تفقد الى لغة الخطاب السياسي بسبب النزاع على العروش ...الى اي مدى تحتاج الشعوب ...لتخرج من قوقعة التهتر الواقعي ..واعني العراق

د. سامان : بما أن الخطاب السياسي حقل للتعبير عن الآراء واقتراح الأفكار والمواقف حول القضايا السياسية من قبيل شكل الحكم كالديمقراطية واقتسام السلطة والفصل بين أنواعها ، إلا أننا لانری أن في العراق أحزاب تمتلك لغة الخطاب السياسي المقنع والهادف إلى حمل المخاطب على القبول والتسليم بصدقية الدعوى عن طريق توظيف حجج وبراهين. الخروج من قوقعة التهتر الواقعي يتم إذا ترك المجتمع عقلية الإعتماد علی زعيم أوحد أو قائد ملهم أو مهدي منتظر ، يختزل مجتمعاً بكامله أو يستبد بلد بأسره بهدف تشكيل حشود بشرية أو قطعان عمياء تصفق وتطرب و تعد وتتوعد ، لكي تقع في النهاية ضحية من تقدسه وتبجله من زعماء وأئمة وآيات الله وحجج المسلمين. وللعراقيين تجارب في هذا المجال.
   
شيرين : يمر العالم العربي في مرحلة خطرة وهي نتاج لسيناريو لابد ان يكون هذه التغيرات ، هل نستطيع ان نضع ضمن اطار الثورة الوجودية ؟؟؟؟؟
سامان : هناك رأي للكاتب الجيكي القدير فاتسلاف هافل حول الثورة الوجودية، فهو يقول بأن الثورة الوجودية عبارة عن إمكانية إعادة هيكلة المجتمع أخلاقيا ، بمعنى تجديد جذري لعلاقة الإنسان بما أطلقت عليه "النظام البشري". إن الأمر يتعلق بهذا المسار، خبرة وجودية جديدة،  تجديد الارتباط بالعالم، الالتزام المتجدد بالمسؤولية العليا، إعادة اكتشاف العلاقة بالآخر والتضامن مع المجتمع.
العالم العربي والإسلامي تواجه أزمات ومآزق ، فهو يحتاج الی إعادة النظر في الكثير من المسائل الجوهرية ، منها القوة وفي مصدرها و أوجه إستخدامها. في الواقع الکوني الجديد لم تعد القوة هي قوة عسكرية محضة ، كما يراها السيد نوري المالكي وأمثاله من الكلاسيكين العرب، أصحاب عقلية ماقبل الزراعة، بل قد تكون إقتصادية  عبر إنتاج السلع والتقنيات والمواد الصلبة ، وقد تكون ناعمة عبر إنتاج الثقافة والرموز من الأفكار والقيم والمثل والمعارف والمعلومات. أين العالم العربي من كل هذا؟ المجتمعات العربية سقطت للمرة الثانية في إمتحان الفردية والمواطنة والديمقراطية والمجتمع المدني ، وتراجعت وللأسف عما كانت علیه قبل عقود.
شيرين : هل توجد في الحب فلسفة؟؟؟
د. سامان: موضوع الحب أثير في كل الثقافات وعند كل الأمم، وأصبح في حياتنا المعاصرة ثقافة ودواء لعلاج أمراض الإنسان المعاصر من الوحدة، ومن أمراضه العضوية وهناك ثمة مقولة صوفية مفادها أن الحب "لا يكون موجوداً، حتى تخاطب الـ أنت بـ ألـ أنا". بما أن الحب هو المعنی الأسمی لكل ما يحيط بنا، فأن مفهوم الحب وتعريفاته قضية أثارت منذ البدء جدالاً وإختلافاً لدی المفكرين والفلاسفة. الحب فلسفة وهو كشعور أسمی للإنسانية ونور يفتح كنوز العالم لايمكن جمعه وتفسيره وتحديده بمقال. لقد أشار أفلاطون علی لسان أرسطوفان الی أن  الحُبّ جاء ليعيدنا إلى نشأتنا الأولى التي خرجنا منها، إنه يفعل كل شيء في سبيل إعادة وصل النصفين المشطورين واستعادة تلك اللُحمة الأصلية التي جسدَّت كمالنا الحقيقي. جوهر الحب هو البراءة والبساطة ، فهو بداية المعرفة رغم أنه يجلب لنا بجانب الغرق في  بحر العواطف والأحاسيس الجراح والآلام، وفي التعبير عن العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة يمكن القول بأن الحب هو كيمياء متبادلة بين أثنين وهو حالة قصوى من حالات الشرط الإنساني كالخوف والقلق والموت.
شيرين : يراودني شعور ان قلم سامان سوراني يجيد العوم في دنيا الانثى  واعني القوافي كما هو في زوبعة الفلسفة
سامان : أنا لا أری بأن دنيا القوافي رفاهية أوغياباً عن الواقع ، بل هو الحضور الأعمق فى قلب العالم. الشعر في

135
هل العلاقات بين تركيا واقليم كوردستان هي حصيلة السياسة الحكيمة؟ 

شكل العام ١٩٢٣ تحولاً تاريخياً هزؔ أركان الخلافة العثمانية بعد أن تم خلع آخر السلاطين محمد السادس والغي السلطنة وأعلن بقيادة مصطفی كمال الجمهورية. التجربة الكمالية ، التي  تأسست على خلفية قيادة فردية ، وحزب أوحد ، ونظام جمهوري لكنه تسلطي توتاليتاري حوؔلت السلطنة العثمانية إلى تراث ماضوي ، لكنها أثبتت قدرتها ، رغم معارضة الكورد والأرمن لها ، علی الصمود لقرابة المئة عام.
اليوم تعيش تركيا في زمن الحقبة الأردوغانية ، تنتهج خطاب سياسي ذو حدين. من طرف تنادي بسياسة إحياء الوحدة العثمانية والتمجيد بتاريخ السلاجقة الأتراك ، بعد تبني شعارات إسلامية دوغمائية تجعل من الإسلام السياسي مقولة سحرية ، ومن طرف آخر تنحو في اتجاه تأسيس وترسيخ السلام وزيادة الاستقرار والسلام في العالم وخاصة في محيطها القريب. صحيح بأن التحول السياسي العالمي السريع، الذي بدأ في أوائل التسعينات من القرن الماضي، أدی إلى إنعاش أمل سلام دائم في العالم ، لكنه جلب معه أيضاً بعض الغموض بشأن المستقبل ، لذا تحاول تركيا رسم صورة قوية يزداد تأثيرها باستمرار في مجال السياسة الخارجية عن طريق انفتاحات جديدة تقتضيها المشاكل الإقليمية وإسهامات هامة لتطوير الحوار.
فيما يخص العلاقات بين تركيا وإقليم كوردستان فإنها تعيش اليوم مرحلة لم تكن متوقعة أن تصل اليها قبل عام ٢٠١٠.  إقليم كوردستان خطت ، كحصيلة للأستقرار الذي يتمتع به على المستويين السياسي والديمقراطي و كنتيجة لممارسة سياسة حكيمة مطلية بالدبلوماسية والشفافية والإيمان الكامل بالسلام والتعايش وإحترام حسن الجوار بينه وبين تركيا ، خطوات كبيرة نحو بناء نوع من التكامل الأقتصادي والتجاري مع الرغبة المتبادلة في الاستفادة بعد توافق المصالح السياسية والإقتصادية و بروز رٶی مشتركة لقضايا وتطوات سياسية في المنطقة.
حكومة تركيا لاتری الآن بأن تغير التركيبة الفدرالية الحالية التي يعيشها إقليم كوردستان الى الكونفدرالية تهديد علی أمنها وسيادتها ، بل تقرأها كسبيل لتنظيم الأمور وإدارتها بشكل أنجع. فهي مستمرة في سياسة تقديم الدعم المالي والفني والسياسي للشركات الترکية التي ترغب في الاستثمار في إقليم كوردستان ، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والإقليم أكثر من ١١ ملیار دولار أمريكي و حجم الشركات التركية العاملة في الإقليم تبلغ أكثر من 50% من بين الشركات الأجنبية العاملة فيه. مع هذا لا يمكن معرفة مدی قدرة الإقتصاد التركي على النمو والتوسع والوقوف أمام الأزمات الإقتصادية التي تلازم بعض البلدان الأوروبية منذ سنوات.
أما فيما يخص حل القضية الكوردية في تركيا ،  فلا يمكن لتركيا أنْ تتحول الى نموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط أو تدعو لها مالم تحل القضية الكوردية حلاً جذرياً واقليم كوردستان سوف يكون العامل المساعد في حل القضية سلمياً من غير التدخل في شؤون تركيا الداخلية.
إقليم كوردستان المتمسك الی حدٍ ما بفصل الدين عن السياسة يسعی الی لأم الشروخ و دعم التعاون داخل المجتمعات الكوردستانية لإجتياز الحدود و رفع القيود المصطنعة علی شعب كوردستان. والشعب الكوردستاني بدأ بعد جمعه التجارب في الدفاع والسياسة يستوعب المعادلات الإقليمية و الدولية ليرسم خططه التكتیكیة والإستراتيجية بوعي وإدراك علی ضوء تلك النتائج التي يتوصل اليها بعد تقييم واقعه و ظروفه الذاتية والموضوعية ليضمن الحفاظ على منجزاته و مسيرته.
في الماضي كانت الأنظمة الإقليمية في المنطقة تؤثر بشكل سلبي على مصير و مستقبل شعب كوردستان الذي واجه أقسی أنواع حملات الإبادة الجماعية و الممارسات العنصرية والاستراتيجيات السلطوية الاستبدادية و بشكل عام واجه تحديات جسيمة و لم يكن أمامه خيار آخر سوی الكفاح المسلح لتحقيق مطامحه القومية و الإنسانية المشروعة. لکن السياسة الحکيمة التي تمارس من قبل القيادة الكوردستانية استطاعت أن تحوّل الكورد الی لاعب نشط وديناميكي من شأنه أن يغير الخارطة الجيو- سياسية في الشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين.
وختاماً: أن إرادة الشعوب في الحياة وفي العيش بحرية وشرف وكرامة هي التي ستسود في النهاية والتاريخ يٶكد أن إرادة الشعوب لاتقهر ولاتهزم ولاتخدع ولو بعد حين.
الدكتور سامان سوراني


136
إقليم كوردستان وتحولاته في زمن عولمة الهوية

في العقدين الماضيين شهدت البشرية الكثير من التطورات والتحولات التي طالت كل شيء تقريباً ، بحيث دخلت الإنسانية في مرحلة تاريخية جديدة على مختلف الصعد والمستويات.
السٶال هو، هل يمكننا أن نستوعب تلك التطورات والتحولات أو نستفيد منها إذا بقيت أوضاعنا الداخلية غير موحدة ؟
فعصر العولمة يتطلب منا إرادة إنسانية مستديمة وثقافة تعلي من شأن الإنسان وحقوقه، وتصون كرامته ومكتسباته، وتجذر وتعمق خيارات الحوار والتعددية والتسامح ونظاماً سياسياً، يستند في إِدارته وحكمه على مبدأِ المشاركة وتداول السلطة وإرساء دعائم الديمقراطية في الحياة العامة.
بالرغم من أن إقليم كوردستان يعيش حقبة آفاق مفتوحة لايزال هناك نقص القدرات الإنسانية في المعرفة ونقص في تمكين المرأة ومازالت حرية تكوين الروابط المدنية وجمعيات النفع العام ضعيفة و أنساق الحکم الإداري الطابع مركزية والمشاركة السياسية تدار بأسلوب مركزي جزئي خاضع لتنظيم شديد لايشمل جميع المواطنين.
العمل الجاد من أجل الوصول الی نموذج الحكم الصالح "Good Governance" من أجل تعزيز ودعم وصون رفاه الإنسان وتوسيع قدرات البشر وخياراتهم وحرياتهم الإقتصادية والإجتماعية والسياسية يجب أن تبدأ بتفكيك آليات وأساليب قديمة متحجرة سائدة. فإدارة البشر في عصر العولمة يحتاج الی إبتكار سياسي ومٶسسي جديد يتلائم مع التغير في نمط السلطة.
إن مواجهة تحديات العولمة علی صعدها المختلفة والمتعددة تبوح بالفشل إذا كنا عاجزين عن خلق الأفكار وفتح المجالات أو قمنا بالهروب من المواجهة والإبتعاد عن إبتكار المهام وتغيير الأدوار. فالهوية هي ما ننجزه ونحسن أداءه ، أي مانصنعه بأنفسنا وبالعالم ، لا ما نتذكره ونحافظ علیه أو ندافع عنه. 
أما الماضي فيتحول الی عائق يصرفنا عن فهم الواقع وصناعة العلم إذا لم نستثمره بصرفه الی أعمال ومنجزات. فالماضي يقودنا الی مانحن علیه في حاضرنا ، بالرغم من أن البعض مازال يظن بأننا لم ندخل بعد عالم الحداثة ، مع أننا ننتمي الی الزمن الحديث منذ صدور أول جريدة كوردستانية في الثاني والعشرين من ابريل 1898.
من المعلوم بأن الديمقراطية لاتأتي من الباب الخلفي كما يسعی الیها البعض ، بل يجب أن تبنع من قرار سياسي واع و مقصود بتأسيس الديمقراطية ، والتحول والتغير الديمقراطي لا يأتيان إلا من خلال إصلاح واع و جريء. أما فيما يخص إصلاح الأخلاق الوظيفية فهذا لايتم برفع الرواتب ولا حتی بمجرد تطبيق نظام صارم من العقوبات والمحاسبة. علی الرغم من حتمية وبداهة هاتين الناحيتين في قطاع أي عمل ، إلا أن الأهم من هما هو إحترام التميز الفردي والإفساح في المجال للإبداع والإبتكار ومكافأة وتقدير المتفوقين عن طريق إفساح المجال لتحقيق الذات.
فالعمل علی إعطاء المواطن حقه الأخلاقي الطبيعي في تحقيق ذاته هو الأساس الناجح والصحيح لنظام لايعمل بعقلية فوقية تقول: "إن الدولة أهم من أفرادها وإن الأمة أهم من مواطنيها". 
إن حب شعب كوردستان لقياداتها السياسية يزداد كلما كانت هذه القيادات قادرة على تحمل مسؤولياتها بما فى ذلك أشراك الشعب الكوردستاني معها في إدارتها لأزماتها.
الديقراطية ليست عقيدة والعبرة بالنتائج والحوار قيمة إنسانية وحضارية كبرى تتجلى في الدوائر والمجالات كافة ، والاجتهاد وتطوير مؤسسات البحث والتفكير وصياغة ثقافة سياسية جديدة لا تنحبس في قوالب ماضوية ولا تلقي خصوصية أوضاعنا، ولا تقفز في المجهول وإنما تبني حياة سياسية جديدة ترتكز على إطلاق الحريات السياسية لكل القوى والمكونات لكل القوى والمكونات، وإدارة الاختلاف والتنوع بعقلية الحوار والاستيعاب ، لا بعقلية الصمت والإلغاء . أما المجتمع الذي تضمحل فيه إمكانية ممارسة النقد والمساءلة ، فليس بإمكانه استيعاب التحولات والإفادة القصوى من منجزات العصر والتقنية الحديثة.
وختاماً: إن عولمة الهوية لا تحدث دون إمتلاك للمعرفة أو لمفاعيل علمية. أما الشأن العام فهو اليوم لم يعد حكراً علی منظومة خاصة أو نخبة سياسية ، بل هو مجال تداولي يمكن لكل فاعل اجتماعي المساهمة في تشكيله و توسيعه أو الدفاع عنه وذلك عبر الإنخراط في المناقشات العمومية أو بتسليط الضوء علی قضايا الساعة أو تقديم مبادرات خلاقة لحل المشكلات وتدبر الأزمات. الهوية القوية والفعّالة ليست ما يملكه المرء أو يُعطی له ، وإنها ليست كياناً ما ورائياً ، وإنما هي ثمرة الجهد والمراس والإشتغال علی المعطی الوجودي ، بكل أبعاده ، من أجل تحويله الی أعمال وإنجازات ، فهي إنبناء وتشكيل بقدر ما هي صناعة و تحويل.
الدكتور سامان سوراني


137
دور الوعي المجتمعي والسياسي في بناء الدولة الكوردستانية

يمثل الوعي إدراك الإنسان العاقل للواقع والأشياء و للتجارب والمتغيرات المحيطة والقدرة علی تحديد موقف تجاه الواقع والأشياء، إذ بدونه يستحيل معرفة أي شيء.
الوعي المجتمعي والسياسي هي رٶية ومعرفة عقلية لما يحيط بأفراد المجتمع السياسي من أفكار وممارسات واختلافات سياسية وركيزة أساسية لبناء النظام السياسي والإجتماعي الذي تشمله سلطة الدولة ، بدونها لايمکن لأي نظام أن يصمد أمام أزمات قد تمر بها الدولة أو المجتمع مهما كان حجم البناء السياسي أو العمراني.
فالوعي السياسي لە أهمية كبيرة في بناء الأنظمة الديمقراطية واعتماد العقلانية والتفكير العلمي أساساً منهجياً لتنظيم التعايش في المجتمع وقبول الآخر.
المسٶولية التاريخية تفرض علی النخبة المثقفة ، التي تمثل القيم العليا لثقافة المجتمع والتي علیها أن تلعب دوراً أساسياً في  متابعة الظواهر السلبية التي يعاني منها المجتمع وايجاد الحلول والمعالجات الضرورية والبدائل لتلك الظواهر وفقاً لمعيار ومحددات المجتمع.
إن إشاعة الوعي المجتمعي والسياسي تتم عن طريق مشاريع نهضوية تتوجه الی المواطنين بقدر ما تتوجه الی السلطة والقيادات الحاكمة دون إنحياز وتملق علی حساب الشعب. المرحلة التاريخية التي يمر بها إقليم كوردستان تجاوزت طرح أسئلة بسياقها الإجتماعي والسياسي مرهونة بفكر وثقافة فترة النضال المسلح ضد الدكتاتورية والأنظمة الشمولية المستبدة والبائدة التي هضمت كافة الحقوق المشروعة لشعب کوردستان.
إن قراءة الواقع الكوردستاني الجديد باستقلالية تامة والقدرة علی إجتراح الحلول والمخارج إنطلاقاً من لحظة توصيفنا الحاضرة والمستقلة لذاتنا ، بغض النظر عما تنبأ بها أسلافنا أو ما أبدعه قياداتنا الوطنية الخالدة في الماضي ، تكشف لنا مدی حاجة المجتمع الی العدالة وتأمين الحريات الفردية للتعمق في الثقافة السياسية كالدستور والحقوق والواجبات وصلاحية السلطة الی جانب الأمن والغذاء لبروز أسس الوعي السياسي ومحو حالة الإستغفال والتخلف والإتكالية وسياسة التجويع فيه. فضعف الوعي المجتمعي والسياسي تخلق أزمة الهوية و الإندماج الإجتماعي وأزمة العزوف عن المشاركة السياسية مما يٶدي في النتيجة الی عدم نضوج التجربة الديمقراطية والتخلف في بناء الدولة.
إن العمل علی نشر الوعي المجتمعي والسياسي بين أفراد الشعب الكوردستاني بعيداً عن التعصب المذهبي أو القبلي أو القومي وبعيداً عن ربط المواطنة بأشخاص أو أحزاب أو عن المصالح الضيقة والأهداف الآنية ، يٶدي الی ترسيخ مفهموم المواطنة ويعزز ثقة المواطن بالقوى الفاعلة ويخلق التوازن في المجتمع بعد تشريع قوانين عادلة تحقق المصلحة المشتركة للدولة والفرد و يسهل أخيراً عملية الاستعداد النفسي والفكري للالتصاق بالوطن تاريخاً وأرضاً وشعباً وقيماً.
المجتمع الكوردستاني يجب أن يبدأ رحلة بناء الدولة الديمقراطية للوصول الی مكاسب برلمانية علی حساب سلطة الأحزاب المطلقة ونضوج الفكر الديمقراطي بجهود مفكرين يعملون من أجله لتقييد حركة السلطة وعدم السماح لها بان تعمل بشكل مطلق في الساحة الداخلية وحتى على المستوى الدولي ، بعد إشاعة مبدأ العدالة الاقتصادية من خلال حل المشاكل المعيشية للمجتمع كالبطالة والفقر والعدالة في توزيع الثروة ، تلك الرحلة التي ساعدت الشعوب الغربية في التخلص من قيود الظلام والاستبداد والسلطة المطلقة وكل ما يتعلق بغلق الفكر والحرية الإنسانية.
من الواضح بأن الإستبداد السياسي هو السبب الرئيسي وراء التخلف في المجالات الاجتماعية، والثقافية ، والاقتصادية. والطريق الأمثل للتخلص منه هو معرفة الشعب لما له وما عليه، أي لحقوقه وواجباته وليس معرفة ما عليه فقط دون التفكير فيما له، وان الشعوب المتقدمة قد تغيرت وتطورت نتيجة لنمو الوعي السياسي.
الدولة الكوردستانية الحديثة هي الواقعية الروحية التي يتعين فيها حقوق الأفراد وحرياتهم و واجباتهم ، لذا نراه من الواجب أن تكون عقلانية ، مرتكزة علی العلمانية والمواطنة والديمقراطية ، أي مدنية ومٶسسة علی فصل الدين بالسياسة رافضاً استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية ، وإقحام الدين في عالم المصالح الدنيوية الضيقة ، فالدين في الدولة المدنية ليس أداة للسياسة وتحقيق المصالح.
الإعلاء من شأن الانتماء للدين على حساب الانتماء للوطن فمآله التقليل من شأن مفهوم قيم المواطنة وحقوق الإنسان والتعددية السياسية والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات واحترام القانون وسيادته. فـ"الدولة"، بوصفها العقلي الكلي، لا تستمد وجودها من ، "التصور الديني" ، و "العاطفة الإيمانية" ، كما يعتقد البعض ، ذلك أن "الدولة" ، هي" الروح الضاربة بجذورها في العالم" قاعدتها ومبدأها العقلي ، هو "الحرية"، على خلاف "الدولة الدينية" ، اللامبالية حيال العالم الدنيوي.
إن هوية دولة كوردستان المعاصرة ينبغي ان تكون انعكاساً ودليلاً علی قدرة أبنائها علی الإبداع والتقدم والانفتاح علي العالم وثقافاته وعلومه وليس العودة إلی الوراء. فالجهاز الإداري يجب أن يخضع لقانون موحد والمؤسسة العسكرية أو الجيش ، يجب أن تكون مؤسسة ديمقراطية، وعلی البيشمرگه الدفاع عن الوطن أو التراب مما يُبين "الحس الوطني"  لديه.
أما الموظفين في الدولة فيجب إنتخابهم علی أساس مباراة مفتوحة ، تعتمد على مفهوم "الإستحقاق"، من شأنه أن يخلق تكافٶ لافرص والجهاز التعليمي يجب أن يكون مٶمم و تطبيقي النوع  يعتمد علی اللغة الموحدة وإقتصاد السوق الموحد يعتمد علی الإنتاج. أما أيديولوجية الدولة فيجب أن تكون في عالم تتعدد فيه النزعات العقائدية دولوية لضمان الإستقرار. بإختصار يجب أن تكون الدولة الكوردستانية مبنية على منطق الإنسان الإجتماعي الذي يحاور ويناقش ويصوت في شؤون الجماعة مقيداً فقط ببنود والبعد التنموي يجب أن يكون حاضراً وفاعلاً كمكونات سياسية وثقافية لشعب الدولة الكوردستانية الحديثة وليس مجرد شعارات جوفاء.
وختاماً: الإنسان لا يولد مواطناً، بل هو يتربى على المواطنة وإن أفضل دولة هي تلك التي يقضي فيها الناس حياتهم في وئام و تبقى فيها القوانين محفوظة من كل تجاوز.
الدكتور سامان سوراني



138
الأدوات السياسية المعاصرة للتفاوض و خفايا النجاح الدبلوماسي

بالرغم من أن  ثنائية الحوار والتفاوض تشكل المكوؔن الأساسي للحل السياسي وهي قديمة قدم التاريخ
يظل التفاوض مسٶولية من مسٶولیات العمل الدبلوماسي في السياسة الخارجية للدول. فالتاريخ البشري عبارة عن مشاكل و قضايا و سعي نحو حلها.
الهدف الأساسي للدبلوماسية هو التوفيق بين المصالح المتعارضة وخدمة المصلحة البشرية بالطرق والأدوات السلمية والسعي الی تجنب التوتر أو تخفيفە. والتفاوض هو فن لحل الخلافات الدولية بالطرق السلمية، بل هو علم التعرؔف على أفضل وسائل تكوين الأرضيات المشتركة والتفاهم الفعؔال بين بني البشر، رغم اختلافاتهم وثقافاتهم وعقائدهم، يحكمه قواعد تطورت مع تطور العلوم السياسية والاجتماعية.
البعض يعتبر التفاوض وظيفة شكلية بإعتبار أن وراء كل تسوية قوی موضوعية وهذه الوظيفة الشكلية ماهي إلان تغليف الأوضاع بالغلاف القانوني. وهناك آخرين يعتبرون بأن للمفاوض تأثير علی محصلة التسوية ، لأن قدرة المفاوض علی إقناع الطرف المقابل وإدراكه ومهارته في حل مسائل الصراع المتشابكة لتحقيق أفضل عائد ممكن من المفاوضة تلعب دوراً مهماً في مسألة التلاقي أو التنافر بين المفاوضين. فالتفاوض اداة نلجأ اليها للمحافظة على المصالح المشتركة ولكن وجود تلك المصالح من الاصل او الامل في تحقيقها شرط في نشأة الحاجة الى التقاوض واستمرارها.
صحيح أن معرفة استراتيجيات ومهارات التفاوض في المجال الدبلوماسي والإتصال بالآخرين أمر لابد منه ، لكن دور التفاوض يجب أن لا يقتصر مجرد علی كسب الوقت أو جمع المعلومات عن الخصم أو إستعمال المبادیء التقليدية كـ"خذ ثم طالب" مثلا أو "أطلب المزيد تحصل علی ماتريد أو يزيد" أو "إستخدم ورقة الضغط الداخلي والخارجي" فهذا كلها لاتنفع ونحن نعيش عصر المعلومة والإنسان الكوكبي بعد أن ولؔی زمن الفحولة السياسية والحنكة المغلؔفة بالتحايل والخدعة. 
من يؤمن بأن إدارة الصراع السياسي والاجتماعي لا تحتمل حلولاً وسطاً ، بحاجة إلى دروس إضافية في ثقافة التفاوض، وقبلها ثقافة الحوار وقبول الآخر. فالتفاوض يجب أن يبنی علی أساس التعاون بين الأطراف لا باستخدام أساليب التحايل والغبن والشخص المفاوض يجب أن يكون على مستوى عالي من دماثة الخلق، وعذوبة ‏البيان، وبراعة اليراع، وغزارة العلم، والصبر وسعة الصدر ونابذ للتمسك بيقينيات كاذبة.
أما نجاح الدبلوماسية ، التي هي أداة سلام ، فهو يكمن في السير وفق مبادئ قويمة تضمن لها تحقيق الغايات السامية التي وجدت من اجلها، كالإيمان بالتفاهم مع المختلف و إمكانية التعايش السلمي مع الأطراف الأخری المختلفة . 
إن تعيين الهدف وإدراجه في قائمة الأولويات ، التي يجب ‏الاعتماد عليها بوصفها أساساً للتواصل والتقارب‏ والحوار ، هو من الأمور الملحة التي يجب عدم تجاهلها في مسألة الحوار. أما التعارف المسبق بين طرفي التفاوض وحسن الظن المتبادل ، التي لا يمكن الحصول‏ عليها الا بعد ان يعرف كل طرف من طرفي الحوار الطرف الآخر معرفة دقيقة ، يبسط من أمر التسوية.
ومن الشروط الأساسية الواجب تواجدها في الشخص المفاوض أيضا هو تحري الموضوعية وتجنب الشخصانية أو التقوقع داخل الذات ، هذا بالإضافة الی تنمية حاسة الاستماع الجيد للآخرين، بلا افتراضات مسبقة والاعتراف بالخطأ في حال الوقوع فيه ، واستيعاب ما يقال وتخزينه في الذاكرة لاسترجاعه في الوقت المناسب في الحوار ومقاومة قابلية تصديق أفكار الآخرين بتسرع دون برهان قوي والقدرة علی إقامة الحجج، واستخدامها إيجابياً لصالح التفاوض، لا لصالح هزيمة الخصم وتجنب التفكير الأحادي أو عدم التكييف مع المستجدات. الحوار مع الآخر يتطلب الحوار مع النفس أولاً بعد التحرر من اليقينيات والهويات الماضوية والمسلّمات المُسبَقة، التي لا تقبل الشك و المراجعة و الاستبدال. والتجارب تكشف لنا بأن ترك الانطباع الأخير طيباً قد تكون له نفس دلالة الانطباع الأول.
إن إيجاد الجو التفاوضي المناسب و تحريك الأطراف للتطور في المفاوضات وكسر الحاجز النفسي بعد التعرف علی مواقف الآخرين وعرض الموقف المطلوب بوضوح مع التحلي بهدوء الأعصاب والتنازل عن بعض الأهداف لغرض الوصول الی تسوية مع الآخر كخطوة أولى نحو تحقيق أهدافنا كافة في وقت لاحق. أما الفلسفة القائلة بأن "لا نتفاوض أفضل من أن نتفاوض بدليل أن التفاوض والحوار قد يصل بنا إلى تغيير مواقفنا ، والتغير عندنا أمر غير مرغوب"، تٶدي بالنتيجة الی اغتيال التفاوض والحوار ، لكن اغتيال التفاوض والحوار ليس سوى قتل إنسانية الإنسان.
وختاماً: التفاوض هو تفاعل بين الأفراد و اختبار الحوار مع الآخرين. و التفاوض الناجح هو التفاوض الإنساني والتفاوض الإنساني هو الذي يعتمد على اعتبار الآخر ليس سوى الذات و الأنا.     
الدكتور سامان سوراني

139
التصوف والفن والقدرة علی توليد المتعة الاستيطيقية (الجمالية)

في كتابه "سيكولوجية الفن" يقول عالم الجمال الألماني المشهور ريشارد مولر- فراينفلس (١٨٨٢-١٩٤٩) بأن الفن هو شتی ضروب النشاط أو الإنتاج التي يجوز أو "ينبغي" أحيانا أن تتولد منها آثار جمالية (استيطيقية) وإن كان هذا الأثر ليس هو بالضرورة المعيار الأوحد. أما عالم النفس الفرنسي الكبير هنري دولاكروا (١٨٧٣-١٩٣٧) فهو يری بأن الفن لايبدأ إلا في اللحظة التي يتمكن فيها المرء من الإنصراف عن الطابع النفعي للحياة العملية ، لكي يحرر نفسه من حضارة المنفعة وإرادة الحياة.
في التصوف كما في الفن يحاول الإنسان أن يرحل في عالم متغير و محاصر بحدود الزمان والمكان بذاتیته الی السعادة المطلقة ليعيش تجربته الفنية أو الصوفية أو ليصل الی المتعة الجمالية. فالجمال عند الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون هو موضوع محبة النفس لأنه من طبيعتها فنراه يقول في كتابه حوارية فيليبوس: “عندما تصادف النفس ما هو جميل تندفع نحوه لأنها تتعرف إليه إذ إنه من طبيعة مشابهة لطبيعتها أما حين تصادف القبيح هي تنصرف عنه وتنكمش على نفسها لأنه مغاير لطبيعتها." سٶالنا هو ، كيف يستطيع الفنان إدراك الجمال المثالي والمتصوف إدراك الكشف الربؔاني؟
المذاهب الصوفية والفنية المعاصرة في مجموعها تجتمع في مفاهيم روحية وعناصر شكلية مشتركة ، تعمل للوصول في أدائها الى تحقيق الشكل الجوهري الذي يمثل المضمون دون ذلك الشكل السطحي الذي يعبر عن عالم الظواهر القابلة للتحويل والتغير والزوال. المضمون إذن هو الحقيقة الميتافيزيقية الخالدة المتمثلة في الشکل الجوهري. والجانب الحسي هنا يجتمع مع الجانب العقلي في توليد اللذة الجمالية وتذوق العمل الفني أو التجربة الصوفية ليترك الأثر الملموس على الاداء التكويني والروحي.
فالباحث في الشعر المقطعي والفن الغنائي والموسيقي الأندلسي يری بأن التصوف لە أثره الأول والأخير في فن الموشحات والزجل وأن المتصوف والشيخ الأكبر محي الدين بن عربي الأندلسي (١١٦٤-١٢٤٠) الذي رسم مناهج بلوغ السعادة المطلقة وسعی من أجل إلتقاء النسبي بالمطلق كان أول من إستعمل كلا الفنين معاً.
التصوف كما الفن ظاهرة جمالية وعملية مركبة يتناول المسائل النفسية والإجتماعية  ويمثل ظاهرة فلسفية معبرة عن رٶية فلسفية معينة ويستوعب جوانب الفكر والإجتماع والدين الأدب والفن ، تعد الأبعاد الروحية من عمدها الرئيسية ، ومن توابعها التدريب عليها في شعاب الحياة.
وسيبقی في الفن والتصوف تذوق الجمال هو الهدف ، جمال الخالق وتجليات المطلق في المخلوق، والإعتناء بجمال القول وجمال اللحن وجمال الصورة و كذلك الخروج من عبثية النظر إلى الجمال لأنه جمال. والجمال بهذه الصفة لغة مشتركة بين جميع أفراد الأسرة الإنسانية ، وبهذا يمكن أن تكون لغة الجمال والنظر الجمالي جسراً للتواصل الإنساني، ذلك أن العقلاء مشتركون في النظر الإجمالي للجمال وإن اختلفوا في وظائف النظر الجمالي. فالتداخل واضح وكبير بين الفن والتصوف لكونهما يعتمدان على العقل والقلب كوسيلة لتوليد الجمال والأخذ بالذوقيات والوجدانيات والاشتراك في مباحث اللذة بالرغم من أن تلقي المعرفة الشهودية وإستجلاء الحقيقة عند المتصوفة يعتمد علی القلب أولاً كوسيلة ولا يقف عند حدود العقل. يذكر شيخ الافلوطينية الفيلسوف الرواقي المشائي نومينيوس (ولد في أفاميا عام 135 ق.م) بأن الوصول الی الجمال لا يأتي إلا عبر المعرفة ، معرفة النفس وأصلها، والانفصال عن كل شيء والتحرر من كل شيء ، المعرفة التي هي عبارة عن رؤية مباشرة يتحد فيها الرائي والمرئي إتحاداً تاماً. العبقري كما يراه الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل (١٧٧٠-١٨٣١) هو من يملك المقدرة العامة علی الخلق الفني ، وكذلك الطاقة الضرورية لممارسة هذه المقدرة بأقصی النجع والفعالية. والعبقري الحقيقي هو من يتمكن من تقنية فنه الخارجية في وقت مبكر ويتعلم كيف يرغم أفقر المواد وأقلها مطاوعة في الظاهر علی تجسيد إبداعات تخيله الباطنة وتمثيلها. والسهولة المكتسبة بالممارسة وحدها لاتنجب أبداً عملا فنيا حياً.
الفن والتصوف يستحثان قوانا علی التسامی وكلاهما درس رائع في الإخلاص والفنان أو المتصوف الحقيقي يعبر دائماً عما يجول في ذهنه حتی ولو أدی به الأمر الی أن يطيح بشتی الآراء الذائعة، وهو بذلك يلقن أشباهه من الناس درساً في الصراحة. وللموضوع الجمالي المنبثق من أحضان الموجود البشري قدرة هائلة علی الترقي بالناس الی مستوی "الإنسانية". الصوفية هم الذين إختصوا أكثر من غيرهم بالتأول والغوص علی الباطن. الفكر الحق ينحو دوماً الی إعادة تعريف الأشياء ، لذا نأسف حينما نری البناء النظري في فكرنا لايزال غير محكم و المعارف المشتركة مشوشة و المصطلحات العلمية مختلطة في الأذهان، فعلی العقل في محيطنا القائم الوصول الی مرحلة التجلي والإشراق والتجديد في الرٶية الأصلية ، فمن غير ذلك لا يمكن إستخدام العقل في توليد اللذة الاستيطيقية ، بل يظل إستخدامه قاصر علی إستعماله كأداة استبدادية لرفض المغاير والمختلف أو كنسق مغلق يضيق إستيعاب الجديد. فمع العرفان والفن يتقاطع البيان والبرهان والحدس والإستدلال والوحي والنظر وبهما يتصالح الرمزي والواقعي ويطل الظاهر علی الباطن ويظهر الحق في الحقائق في عالم ثار فيه العقل علی الوجدان وتمرد علی المكان والزمان وصار القانون ضد المصير والحقائق غير الواقع والطبيعة في مقابل التاريخ.
وختاماً: "لن يكون أروع من ذلك التقدم الذي لابد من أن تحرزه الإنسانية لو قدر للصدق أن يسود بين الناس".
الدكتور سامان سوراني

140
خطوات نحو تشكيل حکومة الكفاءات والوحدة الوطنية الكوردستانية


في عالم سمته السيولة والتسارع باتت الأزمات تحصل علي إيقاع سريع وعلي غير صعيد كما تشهد الحروب والإنتفاضات في الشرق الأوسط والفضائع الإرهابية في غير مكان.
بالرغم من أن إقليم كوردستان الآمن والمستقر محاط بمناطق ساخنة أو بعواصف بركانية، لكن هذا لا يمنعنا بأن نٶمن بالنظرية القائلة "أن المجتمعات تبني قطعة قطعة ، في كل قطاع أو حقل بحيث ينخرط جميع الفاعلين في أعمال التنمية والبناء". أي أن الإدارة الفعؔالة هي التي تدير مجتمعاً ، يتصرف فيه أفراده ومجموعاته ، کفاعلين ومسٶولين بقدر ماهم مختصون ومنتجون للثروة أو المعلومة أوالخدمة أو السلطة، بحيث تكون القرارات حصيلة التداولات والتأثيرات المتبادلة. فالسلطة السياسية إذن لاتصنع المواطنين ، بل المجتمع هو الذي يصنع سلطته ، سواء أكانت هذه السلطة تعمل بثوابت متحجرة و معيقة ملئها الإستبداد أم  بعقلانية راشدة متوازنة وتقنيات فائقة  تزرع ثقافات ديمقراطية خلؔاقة.
هناك وللأسف تيارات وجهات تريد تشويه مسار العمل السياسي والحكومي في الإقليم وتركز كل جهودها كمعارضة حزبية أو مستقلة أو ثقافية علي مهمة وحيدة وهي خلق الأزمات والنيل من الوحدة الوطنية أو التقدم المزدهر الذي يشهده الإقليم في الكثير من المجالات. 
نتائج الإنتخابات البرلمانية في إقليم كوردستان أتاحت الفرصة للأحزاب السياسية التي تعيش لحد الآن في تحالف إستراتيجي أن تشكل حکومة الأغلبية السياسية لكن الذي يراه الكثيرون هو اللجوء الي الخيار الوطني للمرحلة التي تمر بها كوردستان اليوم وذلك لإحتواء أحداث ، قد تهدد بقاء المجتمع والحکومة معاً ، والتوافق بين معادلة الديموقراطية وتحقيق تغليب المصلحة الوطنية.
نحن نري بأن من أهم مسٶوليات الحکومة التي تتشكل هي تثبيت سيادة الأقليم و بسط الشرعية علي كافة الأراضي  الكوردستانية وتعزيز القدرات العسكرية والأمنية الرسمية وتحقيق العدالة الإجتماعية و الإنماء المتوازن وبسط اللامركزية الإدارية الغير متعارضة مع القانون. السياسة العامة للإقليم يجب أن تتجه نحو بت المشكلات والأمور العادية دون الرجوع الي الإدارة المركزية ، أي لامركزية الإدارة ، وترسيخ الوحدة الوطنية والتركيز علي تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي من قبل الحکومة الإتحادية.
أما المعارضة التي ترفع سقف مطالبها للمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية فعليها أن تدرك بأن الحکومة الجديدة ستواجه ملفات مهمة و ساخنة منها العلاقة مع حكومة بغداد ، التطورات التي تحدث علي الساحة السياسية السورية ، الملف المالي والإسراع في تنفيذ إصلاحات جذرية في هذا المجال والمحافظة علي الإستقرار الأمني والوحدة الوطنية، التي بدورها تٶدي الي تحريك عجلة الإقتصاد وإنعاش السياحة والإستثمارات وتوفير فرص عمل جديدة وعودة بعض الكفاءات الي الإقليم لتساعد في تقدمه وإزدهارە وتقوية البنية التحتية وتحسين الأوضاع الإجتماعية و تفعيل التأمين الصحي والضمان الإجتماعي ومكافحة البطالة ورفع مستوي جامعات الإقليم والإهتمام بالبيئة ، التي لم نسمع عنها شيء في فترة الدعاية الإنتخابية رغم تزايد عدد المصطافين والسواح العرب والإيرانيين ، الأمر الذي يتطلب تشريع قوانين مختصة بالبيئة وتطبيقها للحفاظ علي البيئة النظيفة بشدة وصرامة.
إن تحقيق المشاركة السياسية و تفعيلها في إقليم كوردستان هو شرط تحقيقها للتنمية الشاملة وأن النقد البنؔاء من قبل الجهات الغير مشاركة في السلطة هو المنهچ الفعؔال. وبناء الثقة وتحويل الاستشارات المسهبة الي طاولات الحوار وملتقيات النقاش ومنتديات المكاشفة ضروري لإظهار المشكلات في الملفات الأساسية و مكامن الحلول العملية لها وإيجاد القواسم الجامعة بين القوي السياسية والحزبية.
إن الرهانات كبيرة والتحديات قائمة، لذا عليه اللجوء الي حكومة تكنوقراط من شخصيات ذات ثقة و كفاءة وإختصاص ، تهتم بالقضايآ الملحة التي يعانيها المواطنون، خصوصاً في مجال الخدمات وتحفيز الإقتصاد ، حكومة ذات قاعدة موسعة في الإقليم تلزم جميع الأطراف السياسية التعاون والعمل معاً من أجل ترتيب البيت الكوردستاني من الداخل وإجراء مزيد من الإصلاحات في الإقليم لتحقيق التنمية والتطور. فبدون التنمية والإرادة القوية في العمل علي توسيع القدرة على استثمار الموارد البشرية والطبيعية في إقليم كوردستان وتهيئة ممارسة ثقافية فكرية تشتغل على مشاريع الإصلاح والتغيير النهضوية لايمكن أن يكون هناك ديمقراطية. الديمقراطية التكاملية، التي تعبر عن إستراتيجية في إدارة النزاعات من خلال التعاون والوفاق بين مختلف النخب بدلاً من التنافس واتخاذ القرارات بالأكثرية تحتاج الي جهد ومثابرة.
أما العمل علي استراتيجيات دفاعية مطلوبة لحماية الإقليم من محاولات النيل من مكتسباتها و تداعيات الصراعات الإقليمية والدولية علي الساحة الداخلية وطرق حمايتها من التدخلات الأجنبية فيجب أن تكون من أولويات الحكومة المستقبلية.
وختاماً: المتغيرات هي فرصة لا كارثة والجديد هو غني لا فزاعة والشباب طاقة لا عبء. ومن لايتقدم يتراجع لامحالة و من لا يحسن أن يتغير يهمشه المتغيرات أو تنتقم منه الوقائع.
الدكتور سامان سوراني

141
الثورة المنهجية في السياسة وتخليص المجتمع الكوردستاني من الإرتهان للماضي

بالرغم من أن بعض الفلاسفة أمثال الإنكليزي الفرد نورث وايتهد (١٨٦١-١٩٤٧) يقارنون نتائج التفكير الفلسفي بأعمال بعض رجالات السياسة ويضعون أفلاطون وأرسطو وديكارت وهيجل في مصاف رجال من أمثال الاسكندر وقيصر ونابليون وغيرهم مع إعترافهم في الوقت نفسه بأن كل نجاح يحرزه الفيلسوف لايمكن مطلقاً أن يبدو في الظاهر جليل الشأن واسع المدی ، كالنجاح الذي يحرزه رجل الدولة أو القائد الحربي ، لكن هل يمكن أن ننسی الأثر الضخم الذي خلفه المذهب السياسي للفلسفة الهجلية علی حركات سياسية متباينة أمثال الفاشية والاشتراكية الوطنية والشيوعية بل وحتی علی القوی التاريخية التي تصنع المستقبل وتوجه البشرية.
بكلام آخر إن التفكير الفلسفي هو قوة جبارة وحاسمة تقترن بكل تغير يطرأ علی الحضارة وتكمن وراء شتی الانقلابات الاجتماعية الهائلة والتغييرات الحاسمة. وما يتمخض عنه الغد من تطورات تمهد دوماً عن طريق النظريات الفلسفية والمذاهب السياسية.
التفكير الفلسفي يعمل علی تفكيك الأصول والماهيات ، لا للوصول الی الفراغ ، بل لفتح الإمكان الذي يتيح فهم المآزق وتسليط الضوء علی الأزمات والعوائق. ومهمة الفيلسوف هي شق توجه وجودي يتيح بلورة مفهوم جديد للإنسان ينفتح علی معاني الشراكة والوساطة أو المداولة والمبادلة.
سياستنا اليوم بحاجة الى ثورة منهجية في نظرتنا وممارستنا لها. ومهمة السياسي الحداثي والليبرالي المعاصر هو تخليص مجتمعه من الإرتهان للماضي الی الرهان علی المستقبل وإخراجه من الماضي البائس المليء بالشك من الآخر ومن نوایاه الإيجابية ونقله الی مستوی العصر. فالشك والبٶس المجتمعي متأت من العيش في بٶس الماضي وفي بٶس المجتمع التقليدي، أما تغيير المجتمع بشكل جذري وواقعي هو مايمكن إخراج المجتمع الكوردستاني من التخلف الی التقدم ومن عالم الأحلام والخيالات الی عالم الواقع والرهانات.
إن حماية مكتسبات شعب كوردستان من الإنتكاسة والإنحراف عن الهدف الأسمی وهو بناء دولة كوردستان عصرية نموذجية في المنطقة والسير بالإقليم الی بر الأمان لا يتأسس دون بناء ديمقراطية حقيقية تقوم على تحديد مسؤولية كل من المواطنين والسلطات لإرساء قواعدها ، في تجربة يمكن أن تعمم على العراق والبلدان المجاورة. نحن لا نستطيع أن نتحدث عن أي مشروع سياسي يسعى لبناء مجتمع أكثر ديموقراطية دون الخوض في فكرة تعزيز وتفعيل دور المواطنة التي تعتبر الأرضية الخصبة لقيام مجتمع تقدمي.  فالمواطنة التي تعتبر المبدأ الأساسي يجب أن لايغيب عن المشاريع السياسية ولو للحظات وأن مشاركة الشعب في الممارسة السياسية ورسم المستقبل السياسي للبلاد حاجة ضرورية وملحة أكثر من أي وقت مضی. فلا وجود للمواطنة دون ديمقراطية تمنح للشعب حق المشاركة السياسية واختيار ممثليه في الحكومة والبرلمان والتعبير عن رأيه بشكل حر، ليمارس مسؤوليته تجاه وطن عبر المشاركة في رسم معالم الديموقراطية. والقادة السياسيين هم اليوم أفراد من المجتمع يتم إختيارهم في انتخابات عامة شبه مفتوحة. وبقاءهم او ذهابهم رهينان الی حد ما بارادة الشعب الكوردستاني. ويتوجب علی الأحزاب ان تمارس السياسة ممارسة ايجابية ولا يجوز  استنكرر فسادها باتخاذ موقف سلبي منها وبالدعوة للابتعاد عنها لان هذه الدعوة الى السلبية هي التي تحول الديمقراطية الى استبدادية. فتفادي المشاركة العامة في السياسة يتيح للاقلية المتفرغة لها ان تتصرف بها كما تشاء.
صحيح بأننا نعيش اليوم في عصر إضطراب فكري من صفاته عدم الإهتمام بالعمل علی مناقشة آلأفكار أو تعقل المذاهب أو مواجهة الفلسفات بعضها البعض الآخر كما في الماضي ، لكن الذي يجدر الإشارة إليه هنا هو عدم إهتمام الأحزاب السياسية بمناقشة آراء الخصوم بل القيام قبل كل شيء و بالإستناد الی تحليل المصالح وحدە والإستعانة بالتفسير النفعي الضيق بالطعن فيها والإنتقاص من قيمتها وهذا ما يجرؔ العملية السياسية الی هاوية المحال أو الی دائرة اللامعقول. إن الخروج من النفق الأزلي الذي استراح اليه الأحزاب السياسية ضروري لتواءم اللغة السياسية مع مفاهيم العصر بعد خوض صراع بناء مع الذوات واللغة بهدف عدم التشرنق في كهوف الأزمنة الغابرة أو الوقوع في هوة الثيوقراطية السحيقة أو الإتيان بالماضي الشمولي.
إن النقد بناء للإمكان و أن كسر التعارضات الخانقة وإتقان صناعة التنمية وهندسة العلاقات الإجتماعية بفتح خطوط التعايش والتواصل يجب أن تكون من أولويات عمل الأحزاب السياسية لخلق قيم للتداول والتبادل لكي يتيح لنا إخراج اختلافاتنا وإدارة واقعنا علی سبيل المساهمة في إنتاج المعرفة والثروة والقيمة. ومن يعتقد بأن هناك فرداً متنوراً أو نخبة متقدمة تصنع للشعب الكوردستاني تقدمه و حريته يعيش في خرافة يسهم في تدمير مشروعات التقدم والتحرير والإستقلال. وختاماً يقال: "تاريخ التفكير الفلسفي هو مرآة صادقة لتطور المجتمع البشري وترقي الروح الإنسانية في صيرورتها المستمرة. والرهان هو اختراع سياسة معرفية تتگير معها خارطة الواقع بقدر ما تتغير خارطة الفكر حتی لانظل نفكر بالمقلوب ونعود الی الوراء."
الدكتور سامان سوراني

142
هذيان الأحزاب السياسية الكلاسيكية أمام سلطة المعلومة في عصر الوسائط

من المعلوم بأن المشروعية السياسية المتعلقة بممارسة الحرية لاتتحقق من خلال التمثيل الديمقراطي ، بل بقدرة كل فرد علی تشكيل سلطته وممارسة فاعلیته علی مسرح وجودە. العالم يعيش اليوم تراجع العقل الأكاديمي الحديث أمام العقل المُحَوْسَب أو المُعَولم بعد أن تم ردم الفجوة بين الإنسان والآلة وبعد أن ازدادت التغييرات وتراجع العقل النخبوي أمام العقل الميديائي لنشطاء الإعلام المرئي والمسموع و المختصين علی الشبكات الإلكترونية والآلات الإفتراضية. 
في ظل المتغيرات الجديدة كما تشهد الخريطة السياسية في غير مكان بدأ حق الاختلاف والاجتهاد والتمايز بين القوی السياسية والاجتماعية المختلفة يتجلؔی لإنهاء مبدأ التنظيم الواحد وحقبة الصوت الواحد أو الزعيم الأوحد وتدريم أظافر وسائل التنشئة بأساليب التعبئة والحشد الخالي من الاختيار الطوعي والإقناع السياسي والتي كانت تعتبر التعددية نوعاً من الإنقسام والشرذمة والفرقة والحريات الفردية والعامة مسألة غير مشروعة بإعتبارها لاتخدم الهدف القومي الأسمی أو الأكبر.
الأحزاب القديمة أو الکلاسيكية تعيش اليوم في قمقم الماضي المتخلف وفي عزلة عن التطورات ، بداخلها خوف نابع من الموروث القديم والتقاليد المعتادة والأساليب المجربة ، بغض النظر عن مستوی صحتها أو فعاليتها أو حتی تكيفها مع الواقع المعاصر المتجدد ، بعيدة عن التواصل مع الشارع ناهيك عن التواصل مع القوة الثقافية الطليعية الشابة أو القدرة علی إقتحام أي جديد أو تجربة ما هو مخلتف.
إن مراجعة القواعد الثابتة المستقرة بشكل مستمر وكسر حاجز التقاليد القديمة في عصر الوسائط أمر ضروري للتقدم والأحزاب التي لا تخضع أفعالها وتاريخها السياسي للمراجعة والمحاسبة أو للجدال والمناقشة ولا تستطيع أن تتحر من قيود الماضي تكون مصيرها بشكلها و تكوينها الغير متحول إما التفكك والضمور والزوال و دخول متاحف التاريخ أو التحول الی أرصفة تجارية للقيادة والحاشية أو الی زوايا وصومعات يتجمع فيها المخضرمين من كوادرها لإستذكار الماضي التليد والحاضر المأزوم.
التاريخ لن يعيد نفسه وإرث الماضي مهما ثقل لايستطيع أن يتحكم في صياغة الحاضر ولا في سجنه أو تقييده ، لذا نراه من الضروري أن تلعب الأحزاب السياسية التقليدية دوراً فاعلاً في عمليات الإصلاح والتحديث والتطوير الديمقراطي والتي تستوجب تغيير أو مراجعة الكثير من المنطلقات الفكرية والسياسية وكذلك التنظيمية والمؤسسية. فالعمل علی إدماج أجيال جديدة من الناحية العمرية لا تعني شيئاً إذا لم تكن تلك الأجيال مجهزة بأفكار نيرة وإختيارات وبدائل جديدة عصرية لكي يكتسب التجديد الی جانب محتواه الجيلي معناه الفكري والسياسي. الحزب الذي يفكر بالمشكلات بعد إستحكامها و يأتي الی المسرح بعد فوات الأوان ويستخدام العدة المستهلكة لمعالجة قضايا راهنة وينفي الوقائع ويتحجر ويذعر من المتغيؔرات و يبرأ ذاته ليرمي المسٶولية علی الغير يهمشه التحولات والتغيؔرات.
نحن نعلم بأن الأحزاب السياسية في العالم الغربي كانت الوليد الطبيعي للمرحلة الصناعية وللحداثة ، عاشت الثورة الصناعية والتغيرات الإجتماعية والإقتصادية الجذرية التي رافقتها بجانب التكوين المٶسساتي الحديث والمتين للدولة مما أدت الی تزايد أسباب و عوامل المشاركة السياسية بعد إجتياز وحدات الانتماء الأولية مثل العائلة أو القبيلة أو العشيرة أو المذهب والطائفة ، بعد ترسيخ الإنتماء السياسي وإنتشار الثقافة الليبرالية والدستورية القانونية ومبادئ الحقوق والحريات المدنية وهذا من جانبه عزز البنية المؤسسية للدولة. إن العبور الی مرحلة حزبية جديدة يحتاج الی رٶية جديدة متكاملة ترسم معالم الطريق القادم بخطاب سياسي جديد يعبر عنها.
المتغيرات علی المسرح الدولي والإقليمي والمحلي تطورت واختلفت جوهرياً في شكلها ومضمونها ونظمها وقوعدها عما ساد من قبل ، اليوم مع إزدياد سلطة المعلومة لا يمكن تعامل مع القضايا الاقليمية بالمنطق القديم أو عدم التواءم مع روح العصر الجديد. حتی الصورة الداخلية تغيرت الكثير من ملامحها ولم تعد هي ذات الصورة الساكنة أو الباهتة التي تجمدت لسنوات في الماضي سواء القريب أو البعيد فالمرونة والقدرة علی التكيف مع الواقع المتغير والتجدد تضمن نجاح الحزب السياسي وتفتح الآفاق للإنطلاق نحو مستقبل أفضل. 
وختاماً: هناك دوماً فرص سانحة أمام الأحزاب الكلاسيكية لدرس أزماتهم للإسهام في تجديد شبكات الفهم وصياغة العقلنة بعد التحرر من خرافة المماهاة وعقيدة الإصطفاء وعقدة الضحية وعقلية المٶامرة أو من جرثومة التضاد.
علی الأحزاب التقليدية التي تريد الإستفاقة من سباتها تشكيل علاقات تكون أقل عنفاً وتسلطاً وتفاوتاً بل أقل عبثاً وجنوناً. فالإنفراد والطغيان والإستقواء لا تعالج شيئاً ، لأن المعالجة تكمن في عقلية المشاركة ومنطق المداولة وسياسة الإعتراف ، إنطلاقا من الوعي بالمسٶولية المتبادلة عن الحياة والمستقبل والمصائر.
الدكتور سامان سوراني.





143
إتجاهات إقليم كوردستان نحو العلاقات الدولية و سيادة الدولة

بما أن السياسة الخارجية هي جزء مهم من النشاط الحكومي نحو الخارج و جزء من السياسة الوطنية  الناتجة من قرارات وأفعال صادرة من أصحاب القرار لمعالجة مشاکل تطرح ماوراء الحدود بهدف تحقيق أهداف بعيدة أو قريبة المدی يمكن القول بأن السياسة الخارجية هي المفتاح الرئیسي في العملية التي تترجم بها الدولة أهدافها ومصالحها بعد أختيار ماينبغي علیها أن تقوم بە فيما يخص الشٶون الدولية وفي إطار حدود قوتها و واقع بیئتها الخارجية.
والعلاقات الدولية هي تفاعل بين وحدات المجتمع الدولي لدفع الدولة حتی تصبح فاعل نشيط علی المسرح الدولي. أما السيادة كرمز لوجود الدولة وهیبتها فهي تعني بأن للدولة الكلمة العليا واليد الطولي على إقليمها وعلى ما يوجد فوقه أو فيه ، أي إستقلاليته وهذا يجعلها تسمو على الجميع وتفرض نفسها عليهم باعتبارها سلطة آمرة عليا و منبع للسل0طات الأخری ، أي مِسبارٌ لە حق الشرعية في ‬الحكم وفرض السيطرة أو السلطة الشرعية على السكان أو الشعب.
إن الثورة في وسائل الإتصال والتطور المُذهل في وسائل الاعلام صَغؔر من حجم العالم وجعله قزماً يمكن مشاهدته من فوق رأسە وإن معرفة خصائص ودور الوحدات المعنية في العلاقات الدولية ودور الأخلاق والقانون والأيديولوجية والقوة وكذلك معرفة العلاقة بين الأهداف الآنية والمتوسطة المدی ، التي من الواجب الحفاظ علیها ، أمر ضروري جداً. فصانع القرار يجب أن يكون علی دراية وعمق واسع بالمعرفة والمهارة العالية في صياغة و تنفيذ سياسة الدولة الخارجية ليتمکن من إنتقاء الخيار الملائم من بين البدائل المختلفة في سبيل تحقيق وحماية الأهداف الوطنية النبيلة.
فيما يخص اقليم كوردستان فهناك أحزاب سياسية ، هي بمثابة العمود الفقري للنظام السياسي الديمقراطي وأداة ربط المواطنين بالحكومة ، تمارس عملها بحرية كاملة وتمتلك الی درجة الصوت في تكوين السياسات الخارجية. نحن نری بأن الخلافات يجب أن تكون متواجدة أو قائمة بين الأحزاب المختلفة حول قضايا داخلية مع إحترام المنهج الديمقراطي لكن السياسة الخارجية الفعؔالة تطلب أن یكون الشعب متحد حول سياسة خارجية متحدة وصانع القرار يجب أن يعمل علی حل الخلافات الداخلية قبل الدخول في المسرح الدولي. السياسة الخارجية يجب أن تعبر عن الإرادة الشعبية ، فهذا يثير مسألة الديمقراطية والمساهمة الشعبية في صنع القرارات.
بالرغم من أن التناقضات والتساؤلات وعدم اليقين أصبحت ميزة المسرح الدولي "الوليد" وأن التمييز بين الداخل والخارج أصبح نسبياً، إلا أننا نری أنه من حق الإقليم أن تبرم علی الصعيد الدولي معاهدات في سبيل تطوير وتطور الإقليم وتقوم بعملية تبادل التمثيل الدبلوماسي للغرض نفسه وإثارة المسؤولية الدولية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتها إبان حكم الأنظمة الدكتاتورية المتتالية في العراق والتي سعت بسياساتها الفاشية والقوموية وأعمالها الإجرامية وبدعم من بعض البلدان لها لوجستیاً إبادة الشعب الكوردستاني من علی الخارطة الكونية. على المستوى الداخلي فللإقليم حق التصرف في مواردها الأولية وثرواتها الطبيعية ، كما يمكنها اتخاذ التدابير التي تراها مناسبة حيال الأشخاص المتواجدين على إقليمها بغض النظر عن صفتهم كمواطنين أو أجانب.
رغم أن مرحلة نمو الاعتماد المتبادل الشامل والتي معها برزت التدفقات العبر- قومية المعرؔف من قبل النظام الدولي الراهن بظاهرة العولمة تنزع معها رويداً رويداً سيادة الدولة الوطنية لصالح كيانات جديدة فوق وطنية أو تقوم بتفكيكها إلى كيانات إثنية عصبوية دون وطنية  ورغم تفقد الدولة في ظلها طابعها كممثل حقيقي للقوى الاجتماعية المتجددة ، إلا أن الحقيقة تكشف لنا بأن قیام الدولة الكوردستانية بات من ضروريات هذا العصر وخاصة بعد أن بدأت حكومة إقليم كوردستان تأخذ بسبب سیاستها العصرية والمتزنة وتزايد نمو الإقتصادي السريع للإقليم تلعب دوراً سیاسياً فعالاً لا فقط علی المسرح الإقليمي بل العالمي أيضاً. وما إحتضان وإيواء حكومة الإقليم لربع ملیون لاجئ سوري وتعاملها المتحضر والنبيل معم إلا مثال بسيط لما تظهرها من الإحتراف في التشخيص لركوب الإمكانيات و إجتراح الوسائل لتحسين الأوضاع أو لحل المشكلات، حيث تدار الشٶون بعقل مركب يجمع بين التقليد الديني والتحديث الاقتصادي أو بين الهوية القومية والبعد العالمي.
حکومة إقليم كوردستان تۆمن بالإستراتيجية القائمة علی أساس التعايش المشترك بعيداً عن المبادیء المطلقة و الإرادات الفوقية المتعالية ، التي تدفع البشرية في غير مكان ثمن مصائبها و كوراثها وإن تأمين المصالح و صنع المصائر هو صناعة مشتركة يساهم فيها كل مواطن كوردستاني من موقعه و حقل عمله.  فالقوة يصنعها القادرون علی خلق ما تحتاج اليه من مشاريع النهوض والإصلاح والتحديث والتنمية والسلم من اجتراح المعادلات و الصيغ والأطر والشبكات والأسواق والأدوات.
علينا أن نقرأ الواقع الكوني الجديد، فالتجارب المريرة والأزمات المتلاحقة في العراق أثبتت بأن القوة والهيمة والإحتكار والصدام والغزو والعقلانيات القاصرة والفاشيات القومية لم تجلب أمناً لهذا البلد و لم تصنع سلاماً ولم تصن هوية بل سحقت في سعيها وراء الأحلام المستحيلة الشعوب و دمرت المجتمعات. فلا توجد شراكة حقيقية علی هذه السكينة من غير الإعتراف الكامل بالآخر المختلف.
وختاماً: إن الإصرار علی الفضاء العالمي ، الذي هو مدی حيوي لإقليم كوردستان وإتقان فن التعايش والتبادل لإزالة العوائق و حلحلة العُقد يصنع السوق ويُنمي الإقتصاد،  فهو عنوان الحضارة وأساس بناء العلاقات الدولية وسيادة الدولة.
الدكتور سامان سوراني

144
إقليم كوردستان بين رهانات التحديث وتحديات المستقبل

الحکومات الدكتاتورية السابقة التي حکمت علی العراق بسياسة الحديد والنار والأرض المحروقة قوؔضت فكرة المواطنة و ألغمت المٶسسات الديمقراطية بإفراغها من مضمونها و تحویلها الی نظام إستبدادي أو الی جهاز مخابراتي مارست التفاوت والإقصاء بعد أن آمنت بأن التنمية لا تعني سوی النهب والسلب وأن حرية التعبير يجب أن تحجب وتضلل و تقمع بآليات مدروسة ومنظمة.
والدولة العراقية المصطنعة التي تشكلت بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولی و زوال الحكم العثماني وبداية الإحتلال والإنتداب ورثت نظام ديمقراطي طبؔق بعض التطبيق في ظل الحکومة الملكية ، لكنها لم تكن قادرة لخلق وبناء الأشكال والطرز والمهمات المٶسساتية العادلة أو لفتح مجالات وآفاق ديمقراطية تضمن الحرية والعدالة وتصون الهوية والذاكرة. وهكذا بدأت بعد سقوط الملكية و هيمنة العسكر تلعب نظرية الوصاية دورها ليمارس كيان معين وصايته علی الآخر المخلتف غير مهتم بمبدأ المسٶولية المشتركة في البناء والحکم وتشكيل مجتمع مفتوح ومرن يٶمن بالتعدد والتنوع بقدر ما يعمل علی الإستيعاب والدمج لتفعيل الوحدة. وهكذا لم تسنح للإختلافات أن تتجلؔی علی نحو تواصلي أو بصورة فعؔالة و مثمرة ، فوضع المجتمع أمام خيارين أحلاهما مرؔ: إمؔا نظام فاشي أو مجتمع طائفي ، إمؔا وحدة القطيع أو الإرهاب القومي العقائدي.
لقد أصبح شعب كوردستان في الماضي ضحية هذا المنطق الأحادي التبسيطي المغلق وعاش أشد أنواع الإرهاب من قبل السلطة الحاكمة ، التي مارست بحقهم سياسات فاشية  وقامت بتهجيرهم و تعريبهم وإبادتهم جماعياً.
اليوم وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمان يعيش شعب اقليم كوردستان حريته بعيداً عن سياسات الإستبعاد والإستبداد والإرهاب والبربرية ، تمكن بفضل قيادة حکيمة بعد فترة قصيرة أن يشتغل علی ذاته و يبتكر إنسانيته من جديد، من خلال التمرس بأخلاقية الحقيقة و صناعة الحدث وتجاوز المشروطية وممارسة الإنفتاح الحضاري والتعايش الفكري.
الحرية لاتعني عند هذا الشعب مجرؔد الخلاص من قيود المركزية الفوقية التي كانت تجربة مرؔة أو العيش في عقدة الضحية بل تعني سوس الذات وصناعة الحياة عبر خلق الوقائع وصناعة الحقائق في المجالات المعرفية والتقنية و الإقتصادية والسياسية بل وحتی الجمالية.
ممارسة الحرية يعني للفرد الكوردستاني تفكيك آليات العجز لتغيير قواعد اللعبة ، بتشكيل عوالم ومجالات و إبتكار أساليب ولغات أو خلق موارد و فرص تحدث تحولاً في الفكر وتسهم في تغيير الواقع الكوردستاني نحو الأفضل لاإمتلاك وقائعيتها.  أما التقدم العمراني و إرتفاع المستوی المعيشي في الإقليم والسعي الأكثر من قبل الحكومة الكوردستانية لإستثمار الموارد الطبيعية لغرض بناء البنية التحتية و إيجاد فرص العمل للجميع وتحقيق العدالة الإجتماعية وصنع المعجزة التنموية من غير تقليد وإحتذاء بنماذج ناجحة مسبقة ، بل لإستثمار تلك الأعمال كإمكانات خصبة لإنتاج صيغ ومفاهيم جديدة فحـدِّث ولاحرج. لا يمكن اليوم بناء الوطن أو تدبير الدولة العصرية عن طريق مشاريع أصولية خانقة و مسبقات معيقة و ثقافات عاجزة وحداثات هشؔة وشعارات مستهلكة وتقسيمات فقيرة وخادعة. فمن يريد ممارسة الشراكة الحقيقية مع شعب كوردستان لصنع المستقبل علی نحو إيجابي وبنؔاء علیه أن يتحمل المسٶولية المتبادلة ويتؔقن لغة الشراكة والمداولة برٶی ومفاهيم ومفردات المفاوضة والتسوية أو التعاون ويتجاوز النرجسية والمكابرة والمحافظة والتقليد والتحجر والذُعر من المتغيرات وتبرئة الذات لرمي المسٶولية علی الغير ، فمن دون ذلك لا يمكن مجابهة الفوضی والإرهاب أو نشر قيم الحضارة والمدنية والديمقراطية.
فسياسة الإنفتاح علی الخارج التي تمارسها إقليم كوردستان عبر المٶسسات الإقليمية والهيئات الدولية ، السلمية والمدنية ، التي تهتم بالدفاع عن حقوق الإنسان ودعم الحريات الديمقراطية ، تفتح للأحزاب الكوردستانية التي تٶمن بالديمقراطية آفاق جديدة ‌أمام الفكر السياسي في ميادين الممارسة أفقياً وعمودياً ، داخلياً وخارجياً ، مما يتيح للديمقراطية أن تغني وتتحدؔد أو تتعزؔز  وتتطور وتنفتح، سواء بالإنفتاح علی الفضاء الإجتماعي المحلي أو الخارجي عبر المشاركة في المناقشآت العالمية في الهيئات والمٶسسات الإقليمية والدولية . وهكذا ينفتح المجال للتحوؔل نحو ديمقراطية نوعية ، غير منمؔطة ، جديدة وأكثر فاعلية وديناميكية. مادام من المستحيل إلغاء الفروق الفكرية في السياسة إذن علی الأحزاب الكوردستانية أن تبحث عن الوسط الجامع ، کفضاء للمباحثة والمحاورة أو المداولة والمبادلة لتشكيل صيغة للتعايش أو لغة جامعة أو مساحة مشتركة أكبر للوصول الی تحقيق الأهداف السامية لشعب كوردستان و لتتشكل حكومة وحدة وطنية تعكس كالمرآة الوجه الجميل لهذا الاقليم النموذجي وتغذي التواصل والتعايش بين الأطراف المختلفة لإطلاق طاقات و تحريك قوی وإستثمار رموز مبدعة و نماذج متفوقة في أعمال و مشروعات تعود بالنفع والنماء علی عموم المجتمع الكوردستاني بفئاته وشرائحه. إن تعامل الأحزاب الكوردستانية مع الواقع الكوردستاني الجديد بمنطق الجدؔ والإجتهاد والنقد بعيداً عن العُقَد والهواجس بات من الأمور والمُسَلمات الضرورية للخروج من السُبات الفكري والقوقعة التراثية. من غير ذلك لايمكن أن نصل الی حقؔنا في تقرير المصير أو نواكب الجديد والعصري في هذا العالم الرقمي المعولم.  وختاماً: "الواقع السيؔال لا يواجه بأسلوب المحافظة والتقليد ، بل بمنطق التحويل الخلاق والإستثمار البناء"
الدكتور سامان سوراني

145
إرادة شعب اقلیم كوردستان أقوی من مخططات الإرهاب وآلهة الدمار

شهدت مدینة السلام والتعايش السلمي أربيل الیوم ٢٩-٩-٢٠١٣  في الساعة ١:٢٤ دقيقة بعد الظهر هجوماً إرهابیاً جهنمیاً وحشیاً مدبؔر و مخطط ومبرمج من قبل جماعات اسلامية إرهابية متطرفة تسمي نفسها "الدولة الإسلامية في العراق والشام" استهدف دائرتي الأمن والأمن العامة في عاصمة إقليم كوردستان  أودی بحياة ستة أشخاص من منتسبي الأجهزة الأمنية و الی جرح أثني أربعين شخصاً من رجال الأمن و الشرطة والدفاع المدني. 
هذه العملية الوحشية التي يعجز اللسان عن ايجاد كلمات تناسب شجبها بسبب الفلسفة البربریة التي تقف ورائها والتي لا ترید شیئاً سوی إلحاق الدمار بالشعب الكوردستاني وإفساد الوحدة الكوردستانية والتعايش السلمي في أربيل. إنها فلسفة الموت ، التي تفضل الموت على الحياة. وهي فلسفة كاذبة عنصرية تستند الى المبدأ المتوحش الداعي الى قتل المواطنین الأبریاء لمجرد كونهم مواطنین أبریاء، مواطنین یریدون أن یعیشوا في سلام ووئام مع عوائلهم و ذویهم، لأنهم لیسوا "مجاهدین في سبیل العدم" ولأنهم لیسوا جبناء مثلهم. انها فلسفة مجرمي الحرب ، وغايتها قتل اشخاص يعملون ليل نهار في سبيل حفظ الأمن في بلدهم و أناس أبرياء يسيرون ببراءة في الشوارع أو يٶدون واجبهم كمواطنين في أماكن عملهم.
بالأمس كانت الإنتخابات البرلمانية في كوردستان التي أجريت في أجواء مليئة بالأمان والفرح وفضاء يفوح منه عبير الديمقراطية ونفح الحرية وهذا ما يريد التيارات الإسلامية المتطرفة حرماننا منه بإعتبار الديمقراطية والقانون الوضعي و سيادة الشعب نوع من أنواع الكفر الأكبر.
یتصور أصحاب الارهاب وأتباعه انفسهم خلفاء الله وسادة الخلق وخیر الأمم ، أو أنهم ملاك الحقیقة وحراس الإیمان، سائرون علی النهج القویم وحدهم دون سواهم ، یدّعون بأن الشرائع القدیمة تنطوي علی أجوبة وحلول للأسئلة ولمشکلات العصر ، یمارسون الوصایة علی الناس وینطقون بإسمهم زوراً و تشبیحاً ، یصادرون قرار الناس ویتحکّمون بأعناقهم و أرزاقهم ویشنون الحرب الإرهابیة نیابة عنهم.
إنهم لایعترفون بقرار الآخرین في اختیار نمط حیاتهم و شكل حكوماتهم ، بوصفهم مبتدعین ضالین أو کافرین مرتدین الخ... فهُم یستخدمون العنف والإرهاب ، قتلاً وتصفیة أو استشهاداً و انتحاراً ، مدفوعین بعقلیة الثأر والأنتقام من کل من لایشبههم أو لایفکر مثلهم ، تحت دعاوی سخیفة و مزیفة، منها إنقاذ "الأمة الاسلامیة" في العراق و سوريا ،هدفهم تغییرالحیاة في مدینة المحبة والسلام أربيل الی جحیم، قتلاً وحرقاً وتدمیراً بصورة وحشية و مدروسة، لإستحالة الحياة الی جحيم لايطاق.
نحن نعرف بأن إرادة شعب كوردستان الأبيؔ في البناء وترسيخ الديمقراطية والتعايش السلمي لممارسة الحقوق والحريات الفردية أو الجمعية بصورة مدنية عقلانية تداولية أقوی من كل تلك المحاولات الفاشلة التي تمارس من قبل القوی الظلامية وأصحاب فلسفة الجُبن ، الذين لايٶمنون بمنطق الحوار ولا بالشراكة.
لهذه العملية الشرسة واللاإنسانية دلالتها الرمزیة وأبعادها الثقافیة. والذین یقفون وراءها والذين يٶيدونها سرؔاً ، وهُم للأسف غير قليل في العدد ، یتعاملون مع هویتهم الدینیة أو القومیة بأقصی حدود الغلو والتطرف والإنغلاق ، کعُصاب نفسي هو مصدر للتوتر والتشنّج ، کمتراس عقائدي لشن الحرب علی الغیر ، أو کخطاب فکري للنبذ والاقصاء ، یستغلون البائسین والمهووسین في مشاریعهم الهمجیة ، إنهم یخططون لفعلتهم المتحجرة والأحادیة والعدوانیة والاستبدادیة هذه‌ في السرّ وتحت الأرض ، لکنها تمارس تحت سمعنا و بصرنا ، وکما تُعمّم نماذجها في الجوامع والمدارس أو عبر الشاشات والقنوات.
إنهم یریدون برسالتهم "الجهادیة" هذه‌ أن ینصاع المواطنین المدنیین المسالمین و مأموري الحکومة إلی أوامرهم ویتخلوا عن کونهم أُناس عاقلین مستقلین، قادرین بالفکر الحي والعمل الصالح أن یفعلوا ویؤثروا في صناعة كوردستان نموذجي وآمن في المنطقة ومجتمع كوردستاني متقدم بصورة خلاقة و ایجابیة. إنهم یریدون إدخال الناس الی سجنهم العقائدي وضّمهم الی القطیع البشري، کي ینفذوا بصورة آلیة مایملي علیهم من الفتاوی والأحکام، إنهم مع العماء والإرهاب.
فهل هناك أکثر عدوانیة وجهنمیة أو أشد ظلماً وجُحوداً و کفراً من مجموعات یدّعي افرادها الإیمان ، وینصّبون أنفسهم وکلاء علی الأکثریة الساحقة من بني البشر، لکي یدینوا ویعاقبوا ویذبحوا الأبریاء بإسم شرع الله أو للفوز برضوانه وجنته؟
أتمنی من أهالي أربيل والمدن الكوردستانية الأخری بمختلف بقومياتها وطوائفها الدينية المتعددة التضامن مع البعض والوقوف صفاً واحداً ضد الإرهاب والفتنة و تقف بالمرصاد لكل المحاولات الفاشلة من طرف القوی الغاشمة التي تريد النيل من تجربتنا الفتية للحفاظ على أمن كوردستاننا الغالي.
الدكتور سامان سوراني   

146
الطريقة النقشبندية بين الظاهر والباطن أو الممنوع والممتنع

إذا إنطلقنا من فهم للحقيقة مبنية علی التطابق بين الفكر والواقع ، بين العقل والمعقول ، بين الكلمات والأشياء فسوف نقع في أفخاخ اللغة ، لأن الحق يمتلك فوق الدلالة المنطقية الإبستمولوجية (المعرفية) دلالة أنطولوجية (وجودية) و دلالة حقوقية أيضاً ، لأنه هو الوجود الذاتي واليقين العقلي والحكم العادل. المعنی الانطولوجي يجرنا للقول بأن الحق يُشهد و لا يُعلم ، ينكشف ولا يُثؔبت، يتأول ولا يُبرهن، أي أنه يعرف بالكشف والمشاهدة ، لا بالبحث والنظر.
الباحث في التصوف يدهش كثيراً عندما يری النهج الذي يسلكه المتصوفون للوصول الی الحقيقة العليا دون أن يعرفوا ماهو التصوف ومتی نشأت هذه العبادة. فالتصوف يشبه الی حد كبير الصورة الروحانية التي إنفردت بها الروحانية الهندية. وهي مرتبطة أحكم ارتباط بمذهب "الفيدا" ، كتاب الهند المقدس ، و بمذاهب الهنود المختلفة في تلك العصور. للأسف هنا لا مجال للبحث العميق في الأصول الغربية والشرقية للتصوف وكيفية إنتقاله الی المجتمع الإسلامي وأسباب تطرفه. مايهمنا ذكره هنا هو مجاهدة الإنسان الهوی و الإشتغال علی الذات لتغير نمط الحياة وإستثمار الطاقات الإبداعية للتحول من كون الإنسان مجرد ذات أو موضوع نفساني الی كونه ذاتاً راغبة تفحص عن الحقيقة والإنتقال الی الصعيد الحقاني والتحول من لذة الجنس الی لذة الفكر والنص ومن متع الايروس الی متع اللوغوس للتخفيف من المركزية و النرجسية والإدعاءات المثالية والمتعالية بنزع عباءة القداسة والعصمة والألوهة والكف عن ممارسة الوحدانية والوصاية وإحتكار المعنی.
نحن نعرف بأن المجتمعات المعاصرة لاتعاني اليوم من نقص في القيم المتعالية والمبادیء الروحانية ولا تعاني من غياب الله وبقية المقدسات الأخری كالتراث والوطن والهوية، التي تكاد تحول الحياة في أكثر من مكان الی أفخاخ و كمائن إن لم نقل الی مصائب و كوارث. والعملات العقائدية التي هي مصدر مصائبنا وكوارثنا تباع و تشتری وتتاجر في أسواق البورصة والهرج ، فما علینا إلا أن نفكر بطريقة مغايرة لمعالجة أزماتنا.
فما نظنه هو الحل نراه هو العلة والمشكلة. فنحن اليوم أحوج من أي زمن مضی الی عدة فكرية و روحية جديدة ، بمفاهيمها و طرقها و حقولها واستراتيجياتها. ومن غير إهتزاز في البنی الفوقية والمنظومات الرمزية والقواعد الخلقية لايمكن أن ننتظر أي تغير لأسباب الحياة وطرق المعاش وأنظمة التواصل المجتمعي.
تعرؔف النقشبندية من قبل مشايخها بأم الطرائق ومعدن الأسرار والحقائق ، تضع هذه الطريقة، التي هي من أكثر الطرق الصوفية إنتشاراً في الوقت الحاضر، أمام سالكیها أصول جامعة ، علیهم ممارستها للوصول الی درجات التوحيد بدعوات الی العبودية التامة ظاهراً و باطناً. من الأصول مثلاً إطلاع المُريد علی إستمرار الزمن وعلمه بالأحوال التي يمرؔ بها من حضور مستوجب للشُكر و غفلة مستوجبة للمعذرة. وشعور الذاكر عند ذكره بعدد الذكر و توجه قلبه الی المذكور و الإستمرار في المراقبة من دون الإلتفاف الی الغير وعدم النظر الی الآفاق أثناء السير وحفظ النفس عن الغفلة والتخلؔي عن الخلق للتوجؔه بسفر ظاهري وباطني الی الحق والإنعزال مع الذكر المستمر بالنفي الإثبات وملاحظته والرجوع الی المذكور حتی يتمكن القلب أن يحضر مع المذكور و مشاهدة الأنوار الأحدية. أما عن الطريق المراقبة فيستطيع قلب السالك أن يلازم معنی اسم الذات الالهية فبفضلها يتمكن من تنوير باطنه بنور الهداية. وبدون المراقبة، التي هي علی شکل درجات، لا يصح الكشف حسب رأیهم. فالنقشبندي، الذي ينقش الذات والصفات والأسماء والأفعال والأحكام ، يتوق الی معانقة الحق لأنه يری فیه الوسيلة الوحيدة لخلاصه من الواقع المرفوض وغاية الطريقة هي الوصول الی الفناء.
التفكير يبقی دوما إختراق للحدود وإجتراح للإمكان بالطرق علی أبواب الممنوع و إقتحام مناطق الممتنع. فالممنوع هو في نظرنا خارجي متمثل في القيود المفروضة من قبل جهات أو سلطات سواء كانت سياسية أم دينية ، مادية أو رمزية. أما فيما يخص الممتنع فهو علی شكل عوائق متمثلة بعادات الذهن وآليات التفكير وقوالب المعرفة. فالتحرر من سلطة الأفكار تتحقق بممارسة إختراق "الممتنع الذاتي" وهكذا يستطيع الفرد أن يمتلك حرية الفكر. والمقاومة التي تمارس ضد "الممنوع الخارجي" تولد الحرية التي تنجب التحرر من علاقات السيطرة. نحن نعرف بأنه لا يمكن أن تمارس شیئاً من غير نظرية ولا فاعلية من دون شكل من أشكال العقلنة للنشاطات والتصرفات، يتيح الحصر والضبط والتنظيم، نمذجةً أو قولبةً أو برمجة. لا يصح النظر الی الطريقة النقشبندية علی أنها نقيض للعقل، فهي محاولة للتعبير عن مأزق هذا العقل الذي لم يتح له إمكانية أن يتعقل مايحصل و يُحس و يرغب، فمجال العقل هو المجال المحسوس والعيني فقط ولا يمكن الخلاص من مأزق العقل حسب تعاليم الطريقة إلا بالفناء عن الذات أو الإنفلات من عالم الواقع. للإنسان إرادة كما للخالق إرادة والعقل علیه أن يبرر الرغبة البشرية مادام لايستطيع أن يقهر رغبة السلطان القادر.
وختاماُ نقول: لاتلغی الإرادة فهي بحسب تعاليم العالم والمحلل النفساني النمساوي سيغموند فرويد (١٨٥٦-١٩٣٩) تتسامی و ترغب في الخلود والأبدية والخروج من زمن الأشياء. وهذا هو معنی التوحد مع الحق والجمع به. وما العارف إلا ذلك الإنسان الذي ينطق عن سرؔك وأنت ساكت.
الدكتور سامان سوراني


147
المرأة الحديدية الجديدة و نتائج الانتخابات البرلمانية في المانيا

بالرغم من أن حق الإنتخاب علی حد تعبير الفيلسوف الألماني إيمانویل كانط (١٧٢٤-١٨٠٤) يمكن أن يٶدي الی التعبير من خلال ممارسة الاقتراع العام الی إرادة عامة تقريبية ، إلا أن الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (١٧١٢-١٧٧٨) يخالف هذا الرأي بحجة أن شعباً من الآلهة قادرعلی أن يحكم نفسه بصفة ديمقراطية وحكم كامل لا يتلاءم مع البشر. مع هذا عليه العمل في سبيل المزيد من التطور نحو إحترام أفضل للإرادة العامة لأنه به تقاس الديمقراطية.
في يوم ٢٢-٩-٢٠١٣ توجه نحو 62 مليون ناخب ألماني إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية. نتائج هذه الإنتخابات تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشرعلى مستقبل دول أوروبية أمثال بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان والكثير من الدول الاوروبية الأخرى ، وإن كانت هذه الدول لا تملك حق التصويت بالطبع في هذه الانتخابات، نظرا لكونها انتخابات ألمانية صرفة وسوف نشاهد في المستقبل القريب هذا التأثير علی تلك الدول ، لأن بعضها لم تتعافی بعد من الأزمة المالية التي مرؔت بها ، وكيفية تناول حكومة المانیا للمرحلة التالية من تلك الأزمة.
السيدة التي حظيت بإهتمام سياسي بارز خلال هذا الحدث التاريخي هي المستشارة انجيلا دوروتیا ميركل (المولودة عام ١٩٥٤ في مدينة هامبورغ) أو ماتسمی عند البعض بـ"المرأة الحديدية الجديدة" والتي فازت بولایة ثالثة من أربع سنوات علی رأس أكبر اقتصاد أوروبي.
هذه المرأة الصعبة المراس و الكتومة علی نحو غير معتاد حاصلة علی شهادة الدكتوراه في الفيزياء ، تمتاز بذكاء و دینامیكية ، تنخرط دوماً في صناعة الواقع و تقوم بتواظب بخلق وقائع تخرق الحدود المرسومة والشروط الموضوعة وتكسر القوالب الجامدة والنماذج المستهلكة، التي تشل طاقة الفكرعلى ابتكار الحلول بصورة غير مسبوقة.
بدأت نجمة هذه السياسية الأهم في العالم تتصاعد عام ١٩٨٩بعد هدم جدار برلين الذي كان الحد الفاصل بين دولة المانيا المقسمة الی الشرقية الإشتراكية والغربية الرأسمالية وكان عمرها آنداك ٣٥ عاماً.   
انضمت ميركل عام ١٩٨٩ لحزب نهضة الديمقراطية (بالألمانية: Demokratischer Aufbruch) وبعد أول انتخابات حرة جرت في المانیا الشرقية أصبحت هي المتحدثة باسم الحكومة المنتخبة تحت رئاسة لوثر دي ميزيير.
أما بعد الوحدة الألمانية فانضمت ميركل بسرعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والذي ترأسها منذ عام ٢٠٠٠ لتصبح بعد ذلك أول سيدة و بروتستانتیة ترأس حزب مٶسس عام ١٩٤٥ من الكاثوليك بهدف تجميع قواهم المسيحية الخارجة من أتون الحرب العالمية الثانية في كیان واحد ، الحزب الذي طالما اشتهر بكونه عالماً للذكور و للعلم تشغل ميركل منذ عام ٢٠٠٥ منصب المستشار في بلاد الشعراء الفلاسفة أمثال يوهان فولفغانغ فون غوته (١٧٤٩-١٨٣٢) و يوهان كريستوف فريدريش فون شيلر (١٧٥٩-١٨٠٥). 
الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي يشدد في مقدمة قانونه الأساسي على أنه حزب ديمقراطي ليبرالي ومحافظ يلتزم بقيم عصر التنوير الأوروبي تقدم في الإنتخابات علی الحزب الإشتراكي الديمقراطي يريد بعد تشكيل حكومة إئتلافية، لأنە لم يحصل علی الأكثرية المطلقة ، تنفيذ برنامج إصلاحي. 
انجيلا ميركل ، المنتصرة الآن في موقع قوة للتفاوض حول ائتلاف ، بعد حصول حزبها علی (٤٢،٣) في المئة من الأصوات أي (٣٠٢) مقعداً من أصل (٦٠٦) مقاعد برلمانية، و علی الأكثر مع الاشتراكيين الديموقراطيين (25,7 في المئة) كما في ولايتها الاولى بين 2005 و 2009.
أما حلیفها السابق، الحزب الديموقراطي الحر أو الليبرالي، فخرج من البرلمان بعد فشله للمرة الاولى ما بعد الحرب في الحصول على نسبة الـ 5 بالمئة اللازمة حيث لم يحصد سوى 4,8 في المئة.
والحزبين الخضر واليسار المتشدد ، الذين تراجعا بحصولهما علی (8,4 في المئة للخضر) و (٨،٦ لليسار المتشدد) بسبب سوء استراتیجية حملتهما الإنتخابية ، فيأخذان لا محالة دور المعارضة لمدة أربع سنوات.
وهنا لابد من ذكر حزب جديد معارض لليورو يحمل إسم "البديل من أجل المانيا" تأسس قبل أشهر قليلة من الإنتخابات يٶكد علی الخروج من منطقة اليورو لينقذ الألمان حسب إدعائه من "خطر الأزمات الإقتصادية" التي تلازم العديد من الدول الأوروبية، الذي أثار بسبب قفزته النوعية والكبيرة بحصوله علی ( 4,7  في المئة) من الاصوات حالة من الإندهاش والتساٶل لدی الكثيرين. 
فهذا الحزب تمكن في خضون ٤٨ ساعة من جمع مايقارب ٤٣٢،٦٧١ یورو من تبرعات المٶيدين لبرنامجه ، منه ١٣٦،٢٢٧ يورو جمع بواسطة نظام PayPal الإلكتروني. "البديل من أجل المانيا" يعمل من أجل الخروج في انتخابات برلمان أوروبا ، التي تجری في مايس ٢٠١٤، برصيد مرموق رغم إستخدامه لبعض مصلحات سلبية تعود الی زمن الرايخ الثالث و رغم تحفيزه المشاعر القومية لدی شريحة معينة من الشعب الألماني المخالف لفكرة الإتحاد الأوروبي.
هنا نری بأن القوی والكيانات المتعثرة في هذه الإنتخابات سوف تتوجه منذ الآن نحو بناء الذات السياسية و تقوم بتجهيز کيانها الحزبي للإستحقاقات الإنتخابية القادمة.
إن دمقرطة البلدان تتم بتنشيط الفضاء المواطني والمساهمة البناءة ، لا بهجر النزاهة والإبتعاد عن التواضع الوجودي وعدم إحترام الرأي المعارض. فمن دون الإختلاف في عصر الاعتماد المتبادل والتشابك في المصالح والمصائرلا وجود للتحالف والوحدة و العقل التواصلي والتبادلي يمهد الطريق للإنتقال بسلام و تعايش نحو المستقبل.
وختاماً قالت هذه القيادية الحكيمة الفائزة في الإنتخابات ، بعد أن عم الفرح والسرور أرجاء صالة حفل حزبها "المنتصر": "كما ترون من حقنا ان نحتفل ، لكن كفانا إحتفالاً بهذه المناسبة العظيمة فأمامنا الكثيرمن العمل غداً."
الدكتور سامان سوراني

148
رحيل عميد الأدب الألماني مارسيل رايش - رانیتسكي

بالأمس (١٨-٩-٢٠١٣) رحل سيد الكتب و "بوب ستار" الأدب ، المٶلف والناقد الألماني مارسيل رايش - رانيتسكي (١٩٢٠-٢٠٠٣) عن عمر ناهز الـ ٩٣ سنة. 
تعامل هذا الناقد البارع والحصيف مع اللغة كوسيلة الی غاية بغض النظر الی الطريقة المستخدمة كونها غاية بذاتها، نصوصه كانت تخاطب ذكاءنا وتحسسنا بالتناقض الإنساني الظاهري وكيف لا وهو الذي كان معجباً حد الإفراط بالفنان وعبقري اللغة الألمانية توماس مان. وهو القائل عن رواية "الجبل السحري" التي نشره توماس مان بعد نحو ربع قرن من نشر روايته "آل برودنبروك"  بـ"إنها قمة لم يصل إليها أحد من قبل في تاريخ الأدب والفكر والثقافة بألمانيا".
تقيمه لتوماس مان موضوعي لا مبالغة فيه، لأن هذا الكاتب البارع هو صاحب الروایات العالمية المهمة مثل "الموت في البندقية"، "الدكتور فاوستوس"، "لوته في فايمار"، "يوسف واخوته" (بأربعة أجزاء)، "طونيو كروجر"، "البطة السوداء"، "فيلكس كرول"، "ماريو والساحر" وغيرها.
عمل مارسيل رايش - رانتسكي في العديد من كبريات الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية المتخصصة ودار لعقدين من الزمان “ الرباعية الأدبية” وهو برنامج تلفزيوني شعبي جداً و حصل بسبب مٶلفاته و بحوثه الأدبية والنقدية الغزيرة و مساهماته في إدارة العديد من الانطولوجيات الأدبية علی الكثير من الجوائز الأدبية المرموقة في داخل و خارج المانيا.
لم يكن مارسيل رايش - رانتسكي ، الذي عاش و مات من أجل الأدب ، يرفع صوته عالياً مدافعاً عنها، هاباً لنصرتها، عندما تهددها قوى الجهل والبطش والبربرية ، صاحب نظرية جديدة في الأدب ولم تكن كتبه فتحاً مبيناً في النقد الأدبي، لكن براهينه النقدية و لغته التهكمية كانت رقيقة و دقيقة التكوين ، رصينة التعبير ، مصونة في جمل ثورية تعليمية و هادئة في آن واحد و متينة البنيان وواضحة بوضوح يجانف المعميات بفهم يتعارض مع الإبهام و تخرج علی یدیه غالبية مسؤولي الصفحات الثقافية الألمانية اليوم.
كان يكره النازيين بشكل قاتل ، لأنه فقد أقارب له في معسكرات الإبادة النازية ، لكنه يحب الشعراء الألمان أمثال غوته و شيلر حد الجنون. أما هجماته وأحكامه النقدية علی كتاب و شعراء كبار أمثال غونتر غراس الحاصل علی جائزة نوبل للآداب (١٩٩٩) بسبب روايته المشهورة "الطبل الصفيح" أو رولف ديتر برنكمان المجدد الأدبي الثوري فقد كانت بمثابة طلقات مسدس يجرح بها من طرف المعنيين و يجذب من الطرف الآخر مئات الألوف من القرؔاء.
لذا قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في نعيها له ، "بوفاتك نفتقدك  أيها لاصديق، الذي لا شبيه له في الادب ولا في الدعوة للحرية والديمقراطية".
إذن سيبقی مارسيل رايش - رانتسكي ، الذي أشادت كبار الشخصيات العامة في ألمانيا بمناقبه ، حتی بعد رحيله لدهر طويل أسطورة النقد في المانيا و صحراء النار في الأدب الألماني ، لأنه استطاع ببحوثه النقدية أن يصهر الكتب الأدبية والحياة في بوتقة واحدة، بوتقة الأدب والحياة.
و ختاماً لكم مثله الشهير القائل: "المال لا يجلب السعادة، ولكني حين أكون حزيناً أفضل البكاء في التاكسي وليس في المترو."
الدكتور سامان سوراني

 

149
السلطة و المعارضة السياسية و غياب المشروع السياسي

من النافل القول أن هدف كل معارضة سياسية في كل مكان و في كل الأزمان هو الوصول الی السلطة أي سلطة الدولة ، فلا وجود لحزب أو تيار سياسي هدفه الحصري التبشير بفكرة علیا أو الدفاع عن مبدأ أجتماعي أو ثقافي إلا بمقدار مايكون هذا التبشير و هذا الدفاع جزءاً من عملية سياسية مشدودة الی الهدف النهائي وهو السلطة.
السياسة هي مرآة المجتمع ، لا يمكن أن ينظر اليها كفاعلية سلطوية و سلطانية أو حزبية فقط بل هي قبل كل شيء فاعلية اجتماعية ومجتمعية. أن نشأة المعارضة في المجتمعات الإنسانية ، كأداة من خلالها يتم كبح جماح اي سلطة ما ، مرتبطة بنشأة السلطة. وللمعارضة السياسية علاقة وثيقة بالديمقراطية فهي تُعد جزء أساسي وشرعي من النظام السياسي الديمقراطي.
ففي الديمقراطيات الغربية، التي تجاوزت الی حدؔ ما الديمقراطية التمثيلية نحو الديمقراطية الميديائية، نری بأن السلطة والمعارضة هما قطبان جدليان في وحدة تناقضية يحمل كل منهما إمكانية أن يصير الآخر. فهما تنتميان إلى مجال سياسي مشترك ، هو المجال الذي ينتجه المجتمع ، ويعبر عن فاعليته السياسية الحرة الواعية والهادفة. وهناك طلب متزايد ومستمر علی دور المعارضة وفاعلیتها. الهدف منه هو صون الحياة السياسية من الإضطراب و مدؔها بأسباب الإستقرار. فوجود المعارضة يعني قوة توازن ضرورية في الحيز السياسي أو المجال العمومي لأنها لا تصبح عبء أو مصدر إزعاج لإستقرار السلطة. فالسياسة كالطبيعة في المنظور الأرسطي تخشی الفراغ والمعارضة هي الأثير الذي يملي هذا الفراغ الناجم من وجود سلطة منفصلة عن المجتمع و لو بشكل جزئي، لذا علیها بوصفها البديل السياسي للسلطة القائمة أن تصون الصورة الإعتبارية التي لديها عن نفسها أو لدی الجمهور عنها.
أما فيما يخص السلطة و أحزابها فإنها إن عجزت عن التأقلم مع تحولات الفكر والسياسة والواقع في عالم إعتاد علی التحول المستمر فسوف تنكمش بالنتيجة علی نفسها و تجترؔ بداهتها دون مراجعة و تدقيق وكأنها حقائق مطلقة منزؔلة أو مسطورة في كتاب مبين وهكذا تعجز عن التأقلم مع التحولات المجتمعية وموجات أجيالها الجديدة لاخارجة من رحم حقبة من المآسي والكوارث. وهنا نری استمرار خطاب المعارضة الشعاراتي في ترديد أوراده و أذكاره الغير منسقة حول التغيير الشامل و الأهداف الكبری تُزيد من هربها نحو الأمام في مفارقة صارخة تشبه مفارقة التلازم بين الهزيمة والبطولة في الوعي المجتمعي، كأنه التوازن بين ما يجب ، فيدعو للفيل إن حوصِرَت النملة.
إن تكرؔس البيروقراطية والتسلط الإداري وإنعدام آلية التداول الديمقراطي للمسٶولية داخل الأحزاب تمنع إمكان تجدد الدورة الدموية في شرايين الأجهزة الحزبية.  و بهذا لا يصل الغذاء الكافي الی أعضاء تلك الأجهزة فيقع مايشبه التصلب القاتل في شرایینها. و المآل هو غياب الديمقراطية في الحياة الحزبية الداخلية لتلك القوی.
ففي ظل غياب الديمقراطية تتعرض الوحدة الحزبية الی خطر التمزيق و الإنشقاق ، بعد أن لا يجد الرأي المعارض إمكانية التعبيرعن نفسه في الأجهزة التنظيمية و في الإعلام الحزبي أو حين يتعرض أصحابه الی التهميش أو التعتيم أو الإبعاد أو الطرد أحياناً و یبقی الملاذ الوحيد كما ينتظر الإستقلال التنظيمي أو الإنشقاق عن الحزب. أما فيما يخص الإستتباع السياسي فمن الضروري أن يمتلك الحزب قراره السياسي المستقل وهنا لا نعني بالإستقلال إمتلاك الحزب استقلاله التنظيمي فقط بل تمثيله السياسي الصادق لمصالح قسم أو جزء كبير من المجتمع ، فبدون صون الإستقلال السياسي يفقد الحزب المعارض والمتواجد في السلطة مصداقية التعبير عن القاعدة الإجتماعية التي يفترض أن يمثلها ، و هكذا ينحو بإتجاه تزوير وظيفته السياسية-الإجتماعية و يسقط في آلية من الإستبدال الوظيفي ليتحول الی قوة تعبر عن مركز أو موقف خارج عن التمثيل الأصلي الخاص به.
علینا أن لا نستسلم للتفسيرات التي تحجب و لا تفسر بثوابتها القديمة و عناوينها الحديثة، لأن بناء الوحدة الوطنية و إنهاض الخطاب الوطني الموحد ينظم بمشروع سياسي ذو رٶية متماسكة يقلل من أهمية الشعارات السياسية الخاوية ويزيد من نظرية النظام الديمقراطي. فالعمل السياسي لا يملك أن يكتسب أسباب الفاعلية والتأثير إلا إذا كان مستنداً الی مشروع سياسي و إجتماعي يبرؔره و يٶسؔس له عوامل النجاح. لنعترف بالواقع إذا شئنا معالجته أو تدبيره ، فطريق التغيير الديمقراطي لايمكن أن يقتصر من خلال ركوب موجة الضغط المنطلقة من حماسات الجهات المعارضة والمركبة علی حوامل خارجية تشتغل ببطاريات أجنبية  والنضال الديمقراطي يقتضي نفس طويل و ماعداه يجلب الإنتكاس و الإخفاق. الديمقراطية ليست الترياق الشافي من جميع الآفات بل هي نظام من بين الأنظمة داخل الفضاء الاجتماعي المركب ، قد لايصلح لمختلف دوائر المجتمع و مٶسساته، فهو نظام لإنتاج الفاعلية السياسية و لممارسة السلطة و إن نجاح الديمقراطية رهن بتوفير ميزان قوی يرفده و يحميه و يفتح المسارب و الأنفاق أمام تدفق حركاته. والنظام الديمقراطي يستحيل الی الضد مالم يتعامل الناس، أفراداً و جماعات ، مع أنفسهم بوصفهم فاعلين إجتماعيين يعبرون عن فاعلیتهم السياسية عبر التفكير الحي والعمل المتقن.
وختاماً يقال: إن فاقد الشيء لا يعطيه وأن الحزب المطعون في ديمقراطيته الداخلية لا تملك أن تقدم للمجتمع بديلاً ولا مشروعاً ديمقراطياً.
الدكتور سامان سوراني

150
مستقبل الفلسفة بين المراجعة التاريخية والسياجات الدغمائية

عندما سئل الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون (1859 - 1941) ذات یوم عن أحسن كتاب سيصدر بعد عشر سنوات ، كان جوابه كما ينتظر من فيلسوف، "لو كنت عرفته لكتبته أنا". هذا ما يدفعني أن أقول، لو كنت أعرف مستقبل الفلسفة بالشرق الأوسط لسعيت اليوم في تهیئة الجو لها، لكن هیهات، فمستقبل الفلسفة في هذه البقعة من السكينة المليئة بالحروب والصراعات العقائدية والطائفية والنفسية الدنيئة مرتبط بمستقبل الثقافة والتطورات السياسية  والإقتصادية والإجتماعية.   
بما أن الفلسفة هي الفكر الذي يجلب نفسه الى الوعي و يجعل نفسه موضوعا لنفسه ، بل هي عرض لتطور الفكر كما هو في ذاته لذاته ، دون أية إضافة ، وأن تاريخ الفلسفة مع الجهود التي بذلت آلاف السنين وما أنتج فيها ، هي محصلة كل ما حدث في الماضي ونتيجة ما سبقها إلا أننا نراها كبحث عقلي عن حقائق الموجودات لمعرفة البداية والنهاية والحاجة إليها اليوم أشد من أي وقت آخر. هذه الحاجة مرتبطة طردياً بالأسئلة التي تواجه الفكر والعقل.
يری الفيلسوف الألماني جورج ويلهلم فريدريش هيجل (١٧٧٠-١٨٣١)، أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، أن أساس الحاجة إلى الفلسفة هو حاجة الحداثة إلى الوعي بذاتها وبمظاهر حدتها وبأسسها المعيارية.
 فالفلسفة مدعوة إلى أن تتعقل زمنها Penser son temps وأن تترجم عصرها وزمنها إلى أفكار.
أما المعرفة الفلسفية هي معرفة شمولية تسعى باستمرار لتصور القضايا بكل مظاهرها و أبعادها. في الشرق الأوسط نری بأن التخلف كمشكلة متجذرة یغطي جميع مناحي الحياة والفكر لا يمكن حله من دون السعي الی إيجاد حل قطعي للتزيف الايديولوجي الساعي الی قصر مشاكل التخلف بإستمرار والتردي في بعد واحد.
التفكير الفلسفي لا يعرف مناطق محرمة فهو منفتح علی كل المنافذ والأسئلة و يرفض الإخفاء والتستر و جمود الإجابات أو قمع الأسئلة أو المكابرة المرضية التي تعانیها الثقافة في الشرق الأوسط، تلك الثقافة التي منعت المنطقة من التطور في العلوم والبحوث و جعلتها منطقة فكر ديني ولغوي دفاعي تكراري واجتراري قائم على التلخيصات والتهميشات.
ولم يشذ تلك الثقافة الشمولية عن هذا الإطار طيلة قرون من الزمن بحيث جعلت غياب الحكمة من أبرز سماتها و أدت في النهاية الی سيادة نمط واحد محدد من أنماط التفكير أو شيوع التفكير اللاعقلاني وغياب المنطق وحضور الخرافة  المٶدية الی منع تغلغل التفكير العلمي السليم في أذهان الناس وحياتهم العامة على المستويات والطبقات كافة والمعمِّقة لمشاعر الإستنقاص ونزعات الفرار من الذات.
 إن نشر الفكر الحديث وإشاعة الحداثة الثقافية و وعي حداثي مبني علی أسس فلسفية للإنتقال من فكر التكرار والإجترار والنقل والتذكر والسرد الی فكر التحليل والتعليل والنقد و هجر الدغمائیات والحقائق القبلية الجاهزة والمسلمات الفكرية والثوابت الظلامية‏ ‏يمهد الطريق لتبنؔي التفكير النقدي المعتمد علی المناهج والمفاهيم الحديثة للوصول الی باب توسيع دائرة المفكر فيه لا دائرة المهمش والمنسي والمقموع فقط ، بعد مسح السياجات الدغمائیة التي تحرسها قوی التقليد والمحافظة الواعية بذاتها.
إن توجيه التفكير إلى الماضي و العيش في النهج الأبوي التقليدي القديم لا تفيد في حل قضايا العصر المستجدة. علینا بالدعوة إلى الاهتمام بالحاضر والآني والمتحول أو بما أسماه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926 ـ 1984) أنطولوجيا الحاضر أو الراهن  وهو الذي تتبع في دراسة له حول فلسفة الأنوار (سنة 1983) جذور فكرة ارتباط الفلسفة بالآن، لأنه كان مٶمن بأن العالم الجديد يبنی بالتفكيك و يستمد مشروعیته من ذاته. 
وأن تنازل الإنسان عن أستخدام عقله في بناء المجتمع والدولة و المٶسسات يتحتم علیه العيش في ظل وصاية من يقوم بالأشياء بدله فلا عجب من أن يتحول هذا الإنسان الی شخص تابع، عديم الإرادة والحرية . فالعقل هو مرادف للحرية والإرادة والذي يستخدم عقله صاحب إرادة حرة، أما مهامه فيجب أن يتعدی المهام الكلاسيكية لتكون عالمية و إنسانية و خاصة في المجالات المرتبطة والمختصة بالقيم  والغايات الأخلاقية والمثل والأحلام والأهداف المستقبلية التي يمكن الإجماع علیها ليستطيع المحافظة علی عریته والدفاع عنها وإلا سيكون المآل السقوط في الهاوية كسقوط فلسفات سيئة الحظ التي تبنتها سلطات ارهابية في ظل النظم الأيديولوجية المتحجرة والنظم الطاغية المتخلفة.
وختاما نقول مع المفكر المصري الدکتور فٶاد زكریا (١٩٢٧-٢٠١٠)، الذي كان متحصناً بالعقل النقدي‏ و عاش ومات مناضلاً من أجل سلطة العقل:
«العقول لا تتغير من فراغ، فلا معنى لدعوة تغيير طرق التفكير عند الناس أولاً، ثم بعد ذلك تغيير الظروف والأوضاع، لأن الدعوة بهذا الشكل دعوة معكوسة، فالعقول لا يعاد تشكيلها بقرار فوقي أو خطة طويلة المدى، العقول لا تبدأ التغير إلا بعد أن تتغير الأوضاع من حولها».
الدکتور سامان سوراني

151

المٶتمر القومي الكوردستاني في زمن الفيروسات المعلوماتية والحروب السيبرانية

ما نلاحظه اليوم هو وقوف منطقة الشرق الأوسط بسبب الأحداث المتلاحقة مع الربيع العربي والمشاهد المتوترة علی مفترق طرق و تواجدها أمام حالة من السيولة السياسية غير مسبوقة.
الولايات المتحدة التي انتعشت آمالها في دور جديد بسبب تلك التغيرات لا تستطيع أن تحدد دورها بسبب غياب إستراتيجية واضحة المعالم و العجز الظاهر في تقييم المجريات بشكل دقيق ، لذا نراها تتبع سياسة خارجية متمثلة في عمل لاشيء و انتظار ما قد تقدمه التفاعلات الداخلية من نتائج. بالرغم من سعيها الدائم الی التربع على زعامة وقيادة العالم كما تشاء من دون أن يشاركها أحد في ذلك و إدعاء الی توجيه
ضربات ضد نظام الاسد المتهم بتنفيذ هجوم فتاك بالسلاح الكيميائي ضد مواطنين أبرياء.
أما روسيا و حلفاٶها فتأثيرهم واضح في المناطق الشبه مفككة من الشرق الأوسط، يعملون لیل نهار بجدية و فعالية لرفع ثمن تعاونهم التكتيكي. 
الی جانب كل هذا هناك بلدان تسعی في التأثير علی الفضاء الإلكتروني ، الذي يمثل التهديد الأكبر في المستقبل، بعد أن أصبح هذا الفضاء ميداناً جديداً للحرب والوعيد. فالولايات المتحدة تسير نحو استراتيجية تمكنها بواسطة الفيروسات المعلوماتية من شل البنية التحتية لبلد ما بشكل يفوق ما تحققه القنابل وهناك هجمات تقودها الصين الشعبية تسمی بالقرصة الحاسوبية تهدف التجسس واكتشاف الثغرات ومواطن الضعف عند الآخر أو التخريب. ولقد قامت في الآونة الأخيرة ما لا يقل عن ثلاثين دولة بتشكيل وحدات متخصصة مهمتها التصدي للهجمات وأيضا القيام بشن هجمات الكترونية مماثلة. وهناك دول تشارك بعضها البعض المعلومات للحد من المخاطر و التهديدات، وبالإضافة إلى الصين والولايات المتحدة، هناك أيضاً روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسرائيل والهند، كلها تقوم بأنشطة في المجال.
أين كوردستان و "المٶتمر القومي الكوردي الأول" من كل هذه التطورات علی الساحة السيبرانية؟ 
بداية نقول: من يقف ضد مفهوم الدولة في الفكر الكوردستاني يفتقر الی المصداقية والمشروعية والفاعلية في ما يرفعه من الشعارات، إذ هو لا يحسن سوی طعن الديمقراطية ولا ينجح في الاسهام الايجابي في الحداثة، فضلاً عن كونه أبعد ما يكون عن العالمي.
فبعد الاجتماع الموسع بتاريخ 22 تموز ٢٠١٣ تم تشكيل لجنة تحضيرية متضمنة ٢١ عضواً للمٶتمر القومي الكوردي بهدف تهیئة الأرضية المناسبة للعمل علی مشروع يتضمن التخطيط الاستراتيجي الدقيق لإسترجاع كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والتراثية واللغوية والثقافية المسلوبة للشعب الكوردستاني و طرح حلول ديمقراطية عصرية هادفة الی بناء مجتمع كوردستاني مدني ، حرّ و ديمقراطي للوصول الی الإعتراف بتلك الحقوق من قبل القانون والمجتمع الدولي. ما لا يجوز أن يكون له حضور في المٶتمر هو السعي الی مكاسب و مصالح حزبية ضيقة.
فالشعب الكوردي الآمن بوحدته والمٶمن بالتعايش السلمي بين شعوب الشرق الأوسط والنظام الديمقراطي كبديل للأنظمة الشمولية ينظر الی ذهنية التجزئة ونفسية الغنيمة السائدة عند بعض القوى السياسية بعين الذلّ والعار و يتطلع كباقي الشعوب الی خطوات بناءة للتخلص من الحيف التاريخي والاعتراف بهویته و التمتع بحريته. ومن اجل الوصول الی تفاهم حضاري علیه التعالي عن الصغائر، فالتحديات المستقبلية لا يمكن مواجهتها من غير السعي الی الموقف الواحد ورص الصفوف والالتزام بالوحدة الكوردستانية.
ومن لا ينهض من تخلّفە الفكري و من لا يشخص الواقع ولا يكسر عقليات البيروقراطية الفوقية لإدارة شؤونه بعقل أفقي، تواصلي، تبادلي لا يستطيع أن يجد مخارج من الأفخاخ والمآزق.
المٶتمر يجب أن يصب جلّ إهتمامه علی شخصية الفرد الكوردستاني ذاته و المجتمع من جميع النواحي لغرض تحقيق العزة و الكرامة و السعادة و الرفاهية لشعبه ولشعوب المنطقة و يجعلها دائماً تعيش في أمن و اطمئنان و رخاء و عيشٍ رغد. وكذلك توفير المناخ الديمقراطي و الأسس العلمية لدعم مشاركة المواطنين و توجهاتهم في أمور حياتهم، بالإضافة الی التخطيط الواعي و إلتزام القيادات بالأهداف الإستراتيجية المٶدية الی كسر التعارضات الخانقة، لإتقان صناعة التنمية و هندسة العلاقات السياسية والدبلوماسية بشكل يٶمن حق تقرير مصير الشعب الكوردستاني ، بعد فتح خطوط للشراكة الإستراتيجية المٶدية الی الحرية و الإستنارة والعقلانية.
نحن كشعب نعرف بأن الماضي هو زمن من أزمنتنا المتداخلة والمتعاصرة بشكل إهليلجي، بل هو طبقة من طبقات وعينا المركب الذي يمكن قراءته علی نحو جيولوجي، نمتلك إرادة التضحية والتاريخ شاهد علی مانقول. لكن الذي نحتاجه اليوم في عصر التغيير هو خلق إرادة المجازفة، لمواجهة التحولات والإستحقاقات و الإشتغال علی الهوية والذاكرة والتراث من أجل تحويل ذلك الی عمل منتج أو الی ممارسة إبداعية تتجسد في صناعة الإستقلال و نسج علاقة مع العالم راهنة و فاعلة، سيما أن العالم لم يعد كما كان عليه، بل هو يتغير بصورة جذرية و بنيوية متسارعة.
علينا بتثوير الإدراك وحرية الفرد الكوردستاني وإمتحان القِيَم قبل تبنِّيها، فثورة الإنسان على داخله، كما يراه الفيلسوف والكاتب الياباني المعاصر (Daisaku Ikeda)، هي الشرط الضروري للتقدم والمساهمة الفعالة في سبيل بناء الوطن.
أما قضايانا الوطنية والمصالح العمومية فيجب أن تدار بسياسة جديدة من مفرداتها ومفاهيمها و قواعدها الخلق والتحويل والتجاوز بعد أن سجلت نهاية لنظرية المؤامرة والأجندات الخارجية. علينا بشحذ العقول الكوردستانية و إنشاء مراكز البحث والإشتغال علی الذات بالمراجعة والمحاسبة أو بالنقد و الفحص.
الضرورة تدفعنا الی الإعتراف بالقوة الناعمة و إنشاء مراكز دراسات ومعاهد بحوث ومتابعة ، التي هي بمثابة مفاتيح الفكر وصناعة القرار المتخصص في المجالات الاستراتيجية ، لإنتاج دراسات و بحوث علمية رصينة لمعالجة الأزمات والمواقف وفق منظور علمي ومنطقي وموضوعي بهدف تجنب المفاجئة والأزمات.
وختاماً يقال: "إذا طعنت من الخلف فاعلم أنك في المقدمة."
الدكتور سامان سوراني



152
سقوط إخوان المسلمين و انقشاع عهد الشعارات الدينية السياسية الخاوية

 من الواضح بأن الدولة العصرية و تنمية المجتمع العصري لا يمكن أن تبنی بأفكار الماضين و نماذجهم و أدواتهم. فالحكم بالإستناد الی الشريعة الدينية بغض النظر الی المصدر للوصول الی الحاكمية الإلهية أو الخلافة الإسلامية وسلطة المرشد الآمن بوجود طليعة إسلامية تقود البشرية إلى الخلاص، يٶدي الی عجز الإدعاء و مآله الفشل. 
"حزب الحرية والعدالة" الذي إدّعی بأن وراءه حشد بشري كـ"خميس بشرق الأرض والغرب زحفه وفي أُذن الجوزاء منه زمازم تجمع فيه كل لسن وأمةٍ" بدأ بالتهويل و رفع الشعارات الإسلامية و طرح المفاهيم و الأفكار والأنماط المستقاة من نظريات سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي و هدد بسيفه بدايةً غرق في سحر السلطة من غير أن يقدر حجمه الحقيقي ووزنە السياسي. فإذا به مكون من مكونات المجتمع المصري لا غير وإذا ببطلان شعارات المشروع الأصولي الفارغة والخادعة حول شرعية الرئيس المنتخب بالأكثرية عبر الوسيلة الديمقراطية. فالفكر الأصولي القابع في عقول هدامة لا يمكن أن ينجح في تجارب المعرفة والديمقراطية والتنمية.
بعد ثورة ٢٥ ینایر ٢٠١١، التي جرت من غير قائد تاريخي أو بطل ملهم أو زعيم أوحد، يمارس الوصاية على الثورة ويحتكر السلطة ، تم مشاهدة أداء نواب جماعة الإخوان وسلوك قادتها ورموزها وتنصلهم من وعودهم التي أطلقوها أو اتفاقات أجروها مع قوی وأطراف أخری بالإضافة الی إعتماد الإخوان تحالفاً مع جماعات سلفية جهادية أو راديكالية و تعظيمهم مصالح الجماعة على مقدرات الدولة و فشلهم في إدارة أمور أكبر بلد عربي لمدة سنة.
إن بقاء "الإخوان" في واجهة المشهد سوف يٶثر فیه سلباً و المهتم بأوضاع مصر أو مايسمی بأرض الكنانة يعلم جيداً بأن عودة الجماعة مرتبطة بإنهيار الدولة و مٶسسات الجيش والشرطة أو عبر تدخل خارجي عسكري يأتي بها إلى القصور والبرلمان وهذا ما لا يمكن تصوره في المستقبل القريب.
من لا يريد أن يخدع نفسه يعرف بأن فشل تجربة "الإخوان"  لە آثاره و تداعياته علی الأحزاب الإسلامية في البلدان الأخری و حتی علی الأحزاب الاسلامية في کوردستان، التي لا تهتم بمصير أبناء جلدتها في غرب كوردستان أو ما يسمی بكوردستان سوريا بل تبكي علی عزل الرئيس محمد مرسي و سقوط نظامه ، الذي أراد أن يقبض علی الأمر في مصر ، فهي بذلك فقدت مصداقيتها و شعبيتها و أخفقت في حمل الأمانة و إدارة الدفة لتكون مرجعاً ومثالاً ومع هذا يعاند قادتها و رموزها و يستخدم الأساليب المتنوعة تحدياً للفشل الذي وقعوا فيه ومارسوه.
في تصورنا هناك قواعد حاكمة يجب أن يخضع لها الجميع و خاصة إخوان المسلمين والذي يسعي متطرفوهم وراء شهوة إقصاء كل طرف آخر إلا الحلفاء من دعاة العنف وأصحابه لفرض قواعد شاذة من خلال العنف والإرهاب في مواجهة النقاش المتعقل والحوار الصريح البناء و كلام قادتهم يعيدنا إلى ما قبل الثورة، أي إلى نظام الاستبداد الذي طوت صفحته ثورة يناير.
و مشروع إقامة الدولة الثيولوجية ، الذي سعی الیە الدكتور محمد مرسي والذي ركؔز على «الأخونة» من دون التنمية وخلق المشاكل وفجؔرها بدلاً عن حلها، و يسعی اليه آخرون في غير مكان من غير جدوی ، فانه يحمل الإسلام ما لا طاقة له على حمله، ويسيء إليه بقدر ما يؤدي إلى انتهاك القيم الدينية على يد حراسه وحماته.
الرصاصة التي خرجت من السلاح بعد بيان الفريق عبد الفتاح السيسيوإقرار عزل الرئيس مرسي لن تعود اليه، لذا من المستبعد أن ننتظر عودة الرئيس المخلوع مرسي الی سدة الحكم في مصر، فالعجلة تدور ولاتتوقف حتی وأن أصرؔ الجماعة علی الموت في سبيل الشرعية، كما جاء علی لسان المرشد محمد بديع.
وختاماً يقال: "إن من يملك حساً نقدياً وعقلاً منفتحاً، لا يركن إلى ما يطرح من الشعارات، سيما من جانب الذين يمارسون الوصاية على الناس بوصفهم ملاك الحقيقة وحراس القضايا والأوطان والبلدان، فضلاً عن ملاك الدين الذين يوظفون الاسم والرمز والفكرة، لأهوائهم وأحقادهم، أو لنفاقهم وفسادهم، أو لإرهابهم ووحشيتهم."
الدكتور سامان سوراني

153
موقفنا من بربرية أعمال الجماعات الإسلامية المتطرفة في غرب كوردستان

من الواضح بأن الهجمات البربرية التي تقودها الجماعات الإسلامية التكفيرية الإرهابية منذ العام الماضي في بعض مدن غرب كوردستان أو ما يسمی سهواً بـ"كوردستان سوريا" ضد المدنية والمجتمع الكوردستاني والتي اشتدت في الأيام الأخيرة لتتحول الی مجازر دموية رهيبة بحق مدنيين عزل من أطفال ونساء وهدم منازل و بيوت لأناس مسالمين بعد سلب و نهب أموالهم وممتلكاتهم ماهي إلا إرهاب أعمی بإسم الدين و عنف فاحش ذو طابع عدمي يدّمر كل ما يدعو اليه و يريد بعمله هذا ترك الأثر الأقوی والأبلغ في‌ نفوس المواطنین.
هٶلاء هم اعداء الحرية والديمقراطية ، اعداء الحضارة والانسانية ، یمارسون دیکتاتوریة الحقیقة و یشتغلون بوصم الآخر من خلال تُهم الکفر والارتداد أو التحریف والرجعیة والعمالة أو الخیانة، یریدون إدخال الناس في السجن العقائدي والایدیولوجي المستهلك ، لإنضمامهم الی القطیع البشري، حیث کل واحد هو نسخة عن سواه، لتنفیذ ما یملي علیهم من الفتاوی والاحکام و المناهج الشوفینیة بصورة آلیة لتدمیر الحیاة والعمران.
الشعب الكوردستاني عاش بسبب شمولية الحكم في سوريا واستبدادية النظام طوال عقود من الزمن مسلوب ومنتهك الحقوق والحرية. اليوم نراه يتوحد في سبيل حقه في حياة حرة كريمة ويتمرد في وجه الظلم والقسوة ويناضل من أجل التخلص من كل أشكال العبودية، التي مورست في السابق وتمارس اليوم ضده ويسعی من أجل الحرية ، حريته و حرية الآخرين علی دروب التكاتف الإنساني.
الكوردستانيون هم مسئولون عن مستقبلهم و مصيرهم وعليهم ان يقرروا ويختاروها بأنفسهم وهذه هي الحرية المسئولة. أما من الناحية الإنسانية فنراه من حق إقليم كوردستان / العراق كعمق استراتيجي وحيد أن يدعم الكوردستانيين والتشكيلات الكوردستانية في سوريا التي تقوم بإدارة المناطق المحررة والمدن الواقعة تحت تصرفها لتسيير حياة الناس وحماية أرواحهم وممتلكاتهم لوجستياً و عملياتیاً ، لأن الكورد اليوم يواجهون أبشع أنواع حملات الإبادة المنظمة من قبل تلك الجماعات الإرهابية الجهادية.
الجماعات الاسلامية تعيش منذ فترة غير قصيرة أزمة الهوية والمعنی المصابة في قيمها و ثوابتها ومألوفاتها وفتاواها لاتمتلك صيغة للعيش المشترك و حياة بعيدة عن العنف و الإرهاب. تريد بشعاراتها الأحادية و ثوابتها الأبدية و عقل مغلق أن تأخذ زمام تسيير أمور البشر بيدها و تملأ علیهم نوع العيش و لون الحياة. فهي تتغذی من عقدة المماهاة مع الذات و جرثومة التضاد مع الغير.
وهذا الخرق من جانب الجماعات الاسلامية الإرهابیة التي تعمل بمنطق متحجر وتصدر الفتوی والتکفیر ضد کل منطق یملك قدرة النقد والتنویر وهذا البروز بالشكل الحالي علی الساحة السورية هو ثمرة من ثمار الصراعات السیاسیة العقیمة بین القوی والأطراف الأنانیة التي تعتبر نفسها معارضة للنظام السوري والتي ترید أخذ زمام الحکم بالقوة ولاتتکاتف مع نظائرها من أجل البناء والتطور.
نحن نری بأن المشروع الإسلامي فقد مصداقيته علی أرض الواقع ، فعلی القوی الوطنية الكوردستانية في كافة أجزائها أن تتوحد أكثر من ذي قبل و تقف صفاً واحداً و تعترف بأن مصائرنا و مصالحنا مشترکة ومسؤولیتنا باتت متبادلة و جسیمة في مواجهة سفاکي الدماء وبیت الداء. الديمقراطية و الفدرالية هي الحل في سوريا و نشر ثقافة الاحترام والتعايش المدني المشترك وفق مباديء الاعتراف والقبول بالآخر وتشجیع الطاقة الشبابیة الكوردستانية علی المشارکة في الخدمات الانسانیة والأنشطة البنائیة، هو الطريق العصري للوصول الی الحلم الكوردستاني، لأن المحك هو تدبیر أمر العیش سویاً وخلق لغة مشرکة ووسط للمداولة وساحة للمبادلة في مجالات مختلفة ولیس ممارسة الرعب والنرجسیة والتأله بشن هجمات أرهابیة جهنمية و حملات بقصد الابادة الجماعية. ولكي ندفع مركب الحكم الذاتي في غرب كوردستان الی بّر الأمان علینا بفتح نوافذ المشاركة السياسية او التعبير السلمي ، فالكيان الكوردستاني القائم في المنطقة سيكون كياناً فاعلاً و مفيداً، لأنه یريد البناء في حين الآخرون يصرون علی الهدم.
وختاماً: إن تحويل الدين الذي يسميه البعض بـفيتامين الضعفاء من صيغته المركبة والمزدوجة التي كانت تٶمّن نوعاً من التوازن بين التقی والإنتهاك و الوازع الخلقي والسلوك الهمجي وبين الرحمن الرحيم والجبار المنتقم الی مٶسسة لإطلاق الوعيد والتهديد أو الی إستراتيجية قاتلة تنتهك كل قيم التواصل والتعارف و التراحم والتكافل وتقتل الديمقراطية و تحجب العقلانية أثبتت اليوم في سوريا وفي غير مكان بأنها لا تساعد علی خلق مساحات و لغات و آليات للتعايش والتبادل علی نحو إيجابي و بناء.
الدكتور سامان سوراني
فرانكفورت / المانيا في ٧-٨-٢٠١٣

154
سكوت شاعر الحرية و بركان الشعر الكوردستاني شيركو بيكەس


يقال بأن الشعراء هم "جهاز الحس في الجنس البشري، ومن مخاوفهم وشكوكهم نستطيع أن نحكم بأن العالم لا يسير في طريق الإنسانية، وإنما في طريق اغتراب إنسان واستلاب إنسانيته."
شيركو بيكەس هذا الشاعر الكوردستاني الذي سعی الی السهل الممتنع ووصل و الذي رسم جمال جبال كوردستان وتمكّن. أما كلماته الجميلة المشبعة بالبوح و الرٶی المعرَّفة بالسرمدية و المليئة بالقيم النبيلة  وكل ما هو بهيّ وإنساني في هذه الحياة فهي بمثابة بركان يحمل في طياته سمفونيات شعرية تبرز فيها فلسفة الحياة بأشكالها الإنطباعية والواقعية و الرمزية والسريالية والمستقبلية وتجريد المجسّد بكل أدواتها وإلماحاتها الفنية و إيحائاتها الزمانية والمكانية ، التي وظفها هذا الشاعر المناضل البيشمركه لخدمة شعبه ووطنه المجزء بأفضل و أعلی أشكالها.
أمضى شيركو بيكەس ، المولود عام ١٩٤٢في مدينة السليمانية ، العاصمة الثقافية لجنوب كوردستان ، سنوات من عمره في الجبل والسجن والمنفی والغربة. مارس الترجمة والسياسة وتقلّد المناصب العامّة حيث عين كوزير للثقافة وغيره ولكن قصائده هي التي يعوّل عليها في معرفة مواقفه المختلفة أكثر من الخطب والمقالات.
أعماله التي أتسمت في بدایة رحلته الشعرية بالرومانسية تحولت فيما بعد الی رسم فضاءات مليئة بالدخان والبارود والنابالم ودوي قصف الطائرات والكيمياوي بعيداً عن عهد العشق تحت وميض الليالي المقمرة والهدوء والإستقرار و حطّمت جليد الستينيات واستطاعت أن تتوّج اللغة وتصبح صرخة تمرّد و دفاع عن الوجود. 
شارك شيركو شعبه أفراحهم و أحزانهم كل هذا بأكثر من ١٨ مجموعة شعرية تجريبية متنوعة بسيطة الأسلوب و بعيدة الرٶی وله نثر ثوريّ جميل ومميّز جداً ولكنه لا يُعدّ أداته لممارسة الحياة بطولها وعرضها ، فملاحمه الشعرية في حلبجة والأنفال ‌ماهي إلا نصب تذكاري مشيّد للشهداء وضحايا جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الكوردستاني.
لقد تأسست حركة "المرصد" في السبعينيات علی یده وتمكنت تلك الحركة أن تمثل بداية الحداثة الفنية والشعرية في الثقافة الكوردستانية بعد أن عجزت الأساليب والقوالب القديمة في التعبير الإبداعي أمام الواقع الكوردستاني الجديد المتمثل بتعقيداته السياسية والإجتماعية وثوراته الغارقة في الإنكسارات والخيبات أمام النظام الإستبدادي الظالم والصمت الإقليمي والدولي عما كان يجري في كوردستان.
السياسة أغنت أدبه و كيف لا وهو ابن الشاعر الفيلسوف الوجودي الوطني و الليبرالي فائق بيكەس ، الذي كان من الشعراء الوطنيين الكورد في الثلاثينات و الأربعينات من القرن الماضي. احب الحرية وعشقها ودافع عنها بالكلمة.
وهو القائل:
"وضعت أذني على قلب الأرض
حدثني عن حبه للمطر
وضعت أذني على قلب الماء
حدثني عن حبه للينابيع
وضعت أذني على قلب الشجر
حدثني عن حبه للأوراق
عندما وضعت أذني على قلب حبيبتي حدثني عن الحرية".
لقد نال شيركو بيكەس عام ١٩٨٨ جائزة "كورت توخولسكي" السويدية الأدبية العالمية و تُرجمت منتخبات من قصائده فيما بعد على شكل دواوين إلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والسويدية و الدانماركية والمجرية والفارسية والتركية والعربية.
بالأمس سكت نسر جبال كوردستان شيرکو بيكەس أما بركان شعره فهو خالد كنيران باباكوركور الأزلية.
الدكتور سامان سوراني
السويد في ٥-٨-٢٠١٣

155
فلك الدين كاكائي و حلاجيات كوردستانیة

يقال بأن الأديب يفترض أن يكون لديه مبدأ يؤمن به يحلق به يميناً وشمالاً باحثاً عن الحكمة مؤصلاً لها في موروثه الأدبي و الأدب أداة مثلى لمعرفة أحوال المجتمع ،  تقيس بدقة التحوّلات الإجتماعية مهما كانت محدودة ، لأن نصوصه يكتبها مبدعون من رحم تلك المجتمعات، يعبّرون من خلالها عما تشاهده أعينهم وتسجّله مشاعرهم ، وتلتقطه آذانهم. هكذا كان المثقف والسياسي الكوردستاني البارز فلك الدين كاكائي ، الذي رحل أمس الأربعاء في أربيل عن عمر يناهز الـ 70 عاماً، إثر مرض مفاجئ لم يمهله وللأسف أن يستمر في حلاجياته. هذا الكركوكي الكوردستاني بدأ حياته الثقافي ضمن حركة اليسار و أنتمی في مطلع الستينيات للحزب الديمقراطي الكوردستاني ليصبح قيادياً فيه ، مساهماً عبر أسلوبه الواضح ذو النهج الهادف بفاعلية و نشاط في تأسيس إعلام الحركة الكوردستانية التحررية وإثراء الثقافة والفكر والسياسة الكوردستانية ليصبح فيما بعد إسماً في الوسط الثقافي الكوردستاني و العراقي والعربي. وهو الذي ترأس تحرير صحيفة "التآخي" منذ صدورها ولسنوات متأخرة.
التصوف هو إشراق في القلب و الصوفي هو من يتعامل مع عصره من خلال تفاعله مع واقعه و فلك الدين كاكائي الزرادشتي كان معروفاً بتواضعه الوجودي و نزعته الصوفية و بحثه الدائم في أحوال العقل الواعي وفي ماهية الوجود وفلسفته ، مٶمناً بالإنقلاب الروحي ، قائلاً بأن الإنسان أدنی شأناً بكثير ممّا يدّعي ، سواء من حيث علاقته بالمبادئ والقيم والمثل، أو من حيث قدرته على السيطرة والتحكم في الأهواء والأشياء والأحداث ، مقارناً محنة شعب كوردستان بمحنة الحسين بن منصور الحلاج ، الذي ذهب ضحية المظالم والالتباسات والافتراءات كما كان حال الثورات الكوردستانية وقادتها الخالدين.
لقد طبع فلك الدين كاكائي أسمه في ذاكرة الزمن الكوردستاني بأحرف ذهبية مضاءة بالمحبة والنضال و الإصرار علی التسامح والتعايش و البناء وكان يحاسب نفسه بإستمرار لتقويم أعماله و يغذيه بالفضائل ليجعل حياته معتدلة. التقيت به لأول مرة عام ١٩٨٦ مع قيادي كوردستاني في غرفة ضيقة  في أحدی "مسافرخانات" طهران القديمة وهو جالس علی أرض مرطوبة وحوله أوراق مبعثرة ، يكتب في السياسة والنضال.
هذا العارف  المجاهد أفنی كل زهرات عمره و شبابه بالنضال و ترك بصمة و تاريخ ناصع بياض. كان الراحل الخالد يٶمن بعدالة قضية شعبه وحقه بمقاومة الطغيان والدكتاتورية و يبحث  بناصية اللغة الرمزية الممزوجة في بیانها بين التعبير والمعنی الی حدّ التماهي ويكتب في معنى الجسد والظلام و معنى النفس والروح والنور ومعنى الموت والتجرّد والحياة لينتج نصوصاً كأجنحة الملائكة ساعياً في بيان المعرفة الحسية.
حاورته في مسائل أدبية و سياسية، أثبت لي من خلالها أنه مثقف إجتماعي متواضع صانع تاريخه بنضاله وإنسانيته و مٶلفاته و ثقافته ، يحب التواصل بعيداً عن الحواجز التي قد يصطنعها البعض ، شجاعاً في الإدلاء بآرائه و أفكاره يقول الحق ولا تأخذه فيه لومة لائم.
وختاما نقول: أن البعض قد ينسی هذا الحلاجي الثائر لكن التاريخ لن ينسی مواقف الثوار والمناضلين.
أتمنی لأهله وإخوانه في النضال الصبر والسلوان ولنفسه المطمئنة السعادة الأبدية.
الدكتور سامان سوراني


156
الوحدة الكوردستانية بين عولمة الهوية و عقلنة السياسة

من الواضح بأن الهوية هي ما ينجزه الإنسان و يحسن أداءه ، أي ما يصنعه بنفسه و بالعالم ، من خلال علاقاته ومبادلاته مع الغير ، لا ما يتذكره أو يدافع عنه. ومن المعلوم بأن اللاوعي والوهم أو الخداع لها دورها في تشكيل الوعي وقرارات العقل وسير التاريخ وأن المنظومات الإيديولوجية و فلسفات التاريخ قد تكون مصدراً للوعي أو أداة للتثقيف و التنوير ، لكنها قد تكون أداة للتزييف و التضليل.
أما الوحدة الكوردستانية والوفاق الكوردستاني فلا تأتي من العدم ، بل هي نتاج موضوعي وضروري لتكامل الشعب والدولة والمؤسسات الحقوقية والشرعية الهادفة الی بناء الهوية الوطنية ، لا ربط لها بلعبة الوفاق السياسي أو المساومة السياسية. ومن أجل تحقيق الهوية الوطنية الكوردستانية ، لابد من العمل علی مشروع وطني للوحدة و الاتفاق على عقد اجتماعي يتجاوز ويذلل ذهنية التجزئة ونفسية الغنيمة السائدة عند بعض القوى السياسية ولابد من تطوير البعد الثقافي لهذه الهوية في مجال الوطنية والقومية والدين والاجتماع.
في الماضي كانت الأنظمة الإقليمية في المنطقة تؤثر بشكل سلبي على مصير و مستقبل شعب كوردستان ، الذي واجه أقسی أنواع حملات الإبادة الجماعية و الممارسات العنصرية والاستراتيجيات السلطوية الاستبدادية و بشكل عام واجه تحديات جسيمة و لم يكن أمامه خيار آخر سوی الكفاح المسلح لتحقيق مطامحه القومية و الإنسانية المشروعة. أما اليوم فيقوم هذا الشعب بتظهير صورة جديدة للهوية ، معنی و معاشاً ، نظرية وممارسة ، يسهم في إخراجها مخرجين مٶمنين بالوحدة الكوردستانية والعيش المشترك و السلم الدائم ، يملكون قوة و فاعلية غنية ، يكرسونها في سبيل الإنبناء والتكوين والتنمية والتواصل بعيداً عن علاقات مبنية علی النفي والإستبعاد والإزدراء أو مطلقات يقينية أو كليات مجردة و مليئة بمبادیء المفارقة و الأقانيم المقدسة. إنهم لا يهدفون التعامل مع الواقع كنسق محكم أو كرسالة متعالية ، بل يستخدمون التحاور والتفاهم كوسط  و التدوال و التواصل كمجال بعيداً عن التعبد للأسماء والنصوص ، يٶمنون بضرورة الأخذ بالخيار الديمقراطي و إحترام قواعد النظام الفدرالي.
الشعب الكوردستاني بدأ بعد جمعه التجارب في الدفاع والسياسة يستوعب المعادلات الإقليمية و الدولية  ليرسم خططه التكتیكیة والإستراتيجية بوعي وإدراك ، علی ضوء تلك النتائج التي يتوصل اليها  بعد تقييم واقعه و ظروفه الذاتية والموضوعية ليضمن الحفاظ على منجزاته و مسيرته.
إن عولمة الهوية لا تحدث دون إمتلاك للمعرفة أو لمفاعيل علمية واليوم نری بأن الشأن العام لم يعد حكراً علی منظومة خاصة أو نخبة سياسية ، بل هو مجال تداولي يمكن لكل فاعل اجتماعي المساهمة في تشكيله و توسيعه أو الدفاع عنه وذلك عبر الإنخراط في المناقشات العمومية أو بتسليط الضوء علی قضايا الساعة أو تقديم مبادرات خلاقة لحل المشكلات وتدبر الأزمات ، بإختصار يمكننا القول بأن الأحزاب السياسية ليسوا أولی من غيرهم بشأن المجتمع أو الهوية المجتمعية.
بعد عقلنة السياسة نری بأن الفرد يكون قادراً علی تحمل المسٶولية عن نفسه و حريصاً علی استقلالیته بحيث يصنع نفسه عبر المشاركة في تدبر مشكلاته وهذا الفرد لا يقبل الوصاية علیه وعلی حقوقه من قبل أحزاب تريد ممارستها باسم قيم علیا و ضرورات تاريخية.
وعقلنة السياسة يعني إتاحة الفرصة لأهل السياسة أن يديروا خلافاتهم بطريقة عقلانية سلمية تفاوضية مثمرة بعيداً عن التحاور بلغة السيف والمدفع، فمن لا يقوم بإخضاع هويته الوجودية ، سواء أكانت تلك الهوية سياسية أم ثقافية، للنقد و التشريح والتفكيك والتعرية لا يستطيع أن يخرج من مأزقه الوجودي أو يبتكر إمكانیات وجودية يتغير بها عن ما هو عليه أو يغير قواعد اللعبة بینه و بين الآخر.
التحولات في عصرنا هذا هائلة و جذرية وهي شاملة و متسارعة والشبكات الاجتماعية والأسواق الحرة والهجرات الطوعية تعولم الهويات والمجتمعات والأوطان وهي كما تكشفه التطورات الحاصلة في السنوات العشر الأخيرة تبدو أقوی و أولی من العقائد والايديولوجيات. وهكذا نری أنفسنا أمام واقع بلا حدود نهائیة أو هويات متميزة. 
وختاماً نقول: من يريد الوحدة الكوردستانية وترسيخ صيغة التعايش والسلم الأهلي بين الكوردستانيين فعليه تشكيل حكومة شراكة ووحدة وطنية ، بعد التعالي عن الصغائر من أجل الوصول إلى تفاهم حضاري، فالموقف الواحد ورص الصفوف والالتزام بالوحدة الكوردستانية ضرورة يجب التمسك بها في حفاظ الأمن و مواجهة التحديات المستقبلية.
الدكتور سامان سوراني


157
سقوط أقنعة الإخوان في عصر الثورات غير المنتهية في الشرق الأوسط

عندما قلد الرئيس المصري محمد مرسي في شهر أكتوبر من العام الماضي الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات "وسام النيل" بمناسبة حرب تشرين الأول /أكتوبر 1973 ، أو ما عرفت "بحرب العبور" فيها استطاع الجيش المصري أن يحطم خط بارليف الحاجز ، الذي أقامته إسرائيل بعد انتصارها في حرب 1967 ، تساءلت في قرارة نفسي ، هل من المعقول أن يتجلّی معنی المثل العربي السائد " قتل القتيل ومشى في جنازته" بهذا الوضوح؟
فالذي يعرفه الرأي العام والذي نقل علی شاشات التلفاز في حينه هو أن محمد أنور السادات قتل في السادس من اكتوبر ١٩٨١ في عرض عسكري متعلق بالمناسبة المذكوره أعلاه بيد خالد الاسلامبولي ، أحد أعضاء حركة الإخوان المسلمين، التي دبرت حسب ما جاء في الإعلام المصرية آنذاك تلك العملية الشنعاء.
قبل أیام قام الجيش بإطاحة محمد مرسي من رئاسة الجمهورية الذي إستشاط غضباً بعد أن علت أصوات الثورة والتغيير مرة أخری و بعد أن استمرت التحركات الشعبية ضده للدفاع عن مكاسب ثورة ٢٥ ینایر والوصول الی تحقيق الأهداف الاجتماعية التي قامت أصلاً من أجلها.
محمد مرسي الإخواني رفض فكرة الدولة المدنية كما رفض الاتفاق على الدستور الذي انفرد هو و جماعته بكتابته و سعی بعد أشهر من الحكم الی فرض سيطرته علی القوات المسلحة والمخابرات و تصرف خلال السنة الماضية و كأنه هو الزعيم الأوحد و القائد الأعلى للبلاد و  وارث الأرض و العباد و خارج عن دائرة المساءلة السياسية أو القانونية.
صحيح بأن حياة البشر و أوضاعهم تتغير وتتبدل بفعل أحداث و تطورات تنبثق من داخل المجتمعات وأن الاعتدال والعدالة سمة الديمومة في الحكم في القرن الواحد والعشرين و أن أكثریة شعب مصر اليوم ترغب في بناء نظام سياسي يهدف إلى رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء ، في ظل مجتمع مدني ديمقراطي يحمي الحرية ويسمح بالتعددية لكن السٶال هو ، هل يخضع الإخوان لإرادة الشعب وينضمون إلى صفوف المعارضة ليشاركوا في صنع مستقبل هذا البلد؟
اليوم و بعد ظهور ميليشیات مسلحة من شباب الإخوان المسلمين - التي ينتمي الیها الرئيس المطيح - المتحالفة مع جماعات جهادية والتي تقوم حسب الأخبار بإسم الدفاع عن الشرعية و الرئیس بالقتل والخطف في صفوف المدنيين ،  وصلت مصر الی مرحلة حرجة يصعب التنبؤ بتاریخ انتهائها ، مع العلم بأن الوضع الأمني الغير مستقر يجلب معه انهيار الاقتصاد و تفكيك النسيج الاجتماعي و ولادة حروب أهلية تفتك بالمجتمع المصري و غيره من المجتمعات. فالأصولية هي موجة إرتدادية تحكمها الذاكرة الموتورة والعقيدة الإصطفائیة يفكر صاحبه بعقلية الثأر والإنتقام أو بمنطق الإقصاء والإستئصال للمختلف و الآخر.   
صحيح بأنه لا يجدي اللعب علی المخاوف والهواجس لكن الإخوان عجزوا عن المشاركة الفعالة في بناء مصر ما بعد مبارك وإن فلسفتهم السياسية المبنية علی استغلال الفرص للقضاء علی الخصوم و إقصاء المنافسين و الشركاء و سعیهم الدؤوب بعقلیتهم البرجماتية النفعية الی السلطة دون مراعاة قواعد اللعبة الديمقراطية أنجبت الديكتاتورية بعد وقت قصير من تسنمهم زمام الحكم و إغتصابهم سلطات الله و تنزیههم للقرارات و منعهم الطعن فیها بحجة "حماية الثورة" وهكذا أحرقو لفظ "المدنية" بعد أن رفعوا شعارهم الداعي الی "مدنية ذي مرجعية اسلامية".
بالرغم من أن أقنعة الإخوان قد سقطت في مصر، إلا أنها لا تريد أن تقتنع بالحقيقة الجلية كل الجلاء بأن ثورات "الربيع العربي" لم تأت من العقائد الدينية و لا من الإيديولوجيات العلمانية، بل هي ابنة العصر الرقمي بتقنیاته و معلوماته، بقدر ما هي صنيعة فاعلين جدد هم الشباب والمدوّنون من عمال المعرفة الذين يشتغلون بقراءة المعلومات و بث الصورة علی الشبكة في هذا العصر عصر الحداثة الفائقة والسيّالة.
بالأمس كان الصراع في مصر بين الشعب والنظام و بالأخص الرئيس أو الزعيم، الذي أعتدی علی مصالح شعبه ببرامجه الداعية الی الدكتاتورية و حكم الزعيم الأوحد. أما الحدث الأخير فهو يترك بالتأكيد أصداءه المدوية و آثاره العميقة في النفوس و يشعل الفكر المتكلس و يحرر العقل المستعبد في ظل الحضارة الكونية الواحدة.   
وختاماً نقول: "الايديولجيات الاسمنتية و المنظمات الجهادية الارهابية لا تستطيع أن توقف الثورات في الشرق الأوسط و تخطف الرؤی والمصالح الإنسانية المشتركة من الجيل الجديد الصاعد الشاب الفتي الذي يتعاطی مع النماذج والتجارب بلغة الخلق والتحويل والتجاوز لتوليد نماذج جديدة، وفقاً لسيناریوهات مغايرة." 
الدكتور سامان سوراني
 

158
الشرق الأوسط الجديد بين الفردوس السماوي و الجحيم الأرضي

في الرواية الجديدة للكاتب الأمريكي دان براون تحت عنوان "انفرنو" يعيش البطل في صراع بين الخير والشر، نمط حياة مستوحاة من رائعة دانتي العالمية "الكوميديا لالهية" فصل "جهنم" ، التي تعتبر من أهم الملاحم الشعرية في تاريخ الأدب الايطالي.
بالرغم من أن كتاب دانتي عرف تأويلات عديدة من قبل النقاد ورجال الدين وذلك انه يصوّر بأسلوب مجازي الحياة بعد الموت في إطار جمع الديانة المسيحية الى فلسفة القرون الوسطى، ذهب البعض الى اعتباره النسخة الأوروبية لكتاب "رسالة الغفران" لضرير معرَّة النعْمان، أبي العلاء وفي النهاية لا شيء، سوى الظلمة.
لقد مضی أكثر من عامين علی الربيع العربي، الذي بدأ حسب رأي المفكر اللغوي الأمريكي نعوم تشومسكي، لأول مرة في نوفمبر عام 2010 بالصحراء في المغرب، عندما انتفض سكانها بسبب أحداث "اكديم إزيك" قرب العيون، لكن الآراء الأخری تقول بأن نار الثورة إمتد من جسد الشاب التونسي محمد البوعزيزي المحترق بهدف التخلص من الظلم والإستبداد و الفساد المطبق علی المجتمع منذ عقود من الزمن.
لقد شاهدنا نزول الناس في أكثر من بلد إلى الشارع للتنديد بالأنظمة والعمل على إسقاطها و في النهاية أسقطت الأنظمة لتٶسس أنظمة دينية أخطبوطية جديدة غير واضحة الموقف من الديمقراطية على غرار مختلف الأحزاب الدينية في المنطقة التي لم تصل بعد إلى مرحلة تقبّل الديمقراطية، فكيف إذن بفصل الدين عن الدولة أو الوصول الی الحرية الحقيقية؟
من الواضح بأن مسألة إعادة البناء ليس بالأمر السهل، فهي مسار متعثر و معرض دوماً للإنتكاسات. أما الثورات فهي كانت في الأصل ثورات للحرية أكثر من أن تكون للديمقراطية، أي أنها كانت تشكل تمهيداً لانفلات الآراء من القيود وأشكال القمع للدخول في نقاش سياسي حقيقي، لكننا وللأسف لم نری بعدها أیة منافسة شريفة بين نخب لإنتاج البرامج السياسية من أجل إلى الديمقراطية.
إن دخول الإسلاميين إلى ميادين الثورة و لعبهم بأوتار الولاءات المذهبية ليكونوا بعدها النماذج المسيطرة علی الساحة الثقافية أو السياسية أعادت الی الحياة نظريات المطلق و المقدس و الثابت و الكامل و الأحادي و النهائي لتحويل فئات كبيرة من المجتمعات الی الآت عمياء و اتخاذهم رهائن لبرامج و مشاريع تتحول معها الأفكار والقضايا الی أدوات لممارسة الحجب و الاستبعاد أو المصادرة و الاحتكار أو الاستئصال والخراب و محت بلعبتها مساحات و صيغ و قواعد التعايش السلمي، بعد إعلانها أمام الملأ بأن الأفكار محاريب مقدسة علیه أن نضحي من أجلها. وهكذا بدأت وصاية المٶسسة الدينية علی عمل التشريع و التنظيم الذي يعود للدولة لتترجم أفخاخاً و مآزق و تنتج مزيداً من الاستبداد و الفساد والفقر والتخلف والبٶس. 
الأحزاب الدينية لا يعاملون الفرد كفاعل بشري له أبعاده المحلية والوطنية أو الاقليمية والعالمية، بل یعاملونه كقاصر لا يستطيع أن يفكر و يتصرف كمسٶول عن نفسه بقدر ما يساهم مع سواه في صياغة المصائر.   
فما تشهده المنطقة من إراقة الدماء وما تحدث من خراب بسبب حروب الأسماء والرموز والأفكار والهويات حول قضايا العقيدة والإيمان للحصول علی مقعد في الفردوس السماوي تدخل في باب المفارقات لأنها تخلق جحيم أرضي و هي من صناعة أصحاب المشاريع و الدعوات بشعاراتهم الدينية القديمة و عناوينهم السلفية الحديثة و ليست من صنيعة المرتدين والزنادقة أو من إنتهاك المارقين والخارجين. فالعنف المتصاعد أعاد الشرق الأوسط الی نقطة الصفر و أطاح بمنجزات الحضارة والمدنية، إن كانت هناك حضارة أو مدنية من قبل.
الأصوليات الدينية التي تعمل بلغة التحريم والتأثيم و حراس الإيمان، عباد النزوات والأهواء والأحلام المجنونة والخطط الجهنمية و نواب الله و خلفائه والناطقون بأسمه و أصحاب الأحزاب الشمولية الفاشية المتمترسة وراء الهويات المغلقة أو الجامدة، التي تقود الحروب في سوريا علی سبيل المثال أو في أماكن أخری، تقاوم كل واقع جديد و تعمل علی نفيه و تسعی الی تعميم العنف و تحويله الی ظاهرة معولمة لإدخال البشرية في نوع من الحرب الأهلية الكونية. فكيف نستطيع إذن أن نٶسس في ظل هذه الفضاءات الإرادة الحرة للاعتراف بالكينونة الإنسانية و بحقها في أن تكون كينونة مغايرة، لا مماثلة مع ما يقابلها من ذوات أخر وفق نمطيتها الخاصة في الحياة؟
وختاماً: "ما لا يختلف لا ينفتح و كل حياة مشتركة خلاقة هي التعايش الأصيل الضامن للوجود الإنساني في الكون".
الدكتور سامان سوراني   

159
الشرق المتوسط بين آفة الإستبداد و آفات الأصولية الدينية

بما أن الإستبداد هو إستعباد للعقول والسيطرة علی الأفكار نری الأصول الغير عقلانية، التي لا تخضع للجدل والنقاش، هي أمر و تسليم و إمتثال بقدر ما هي نص و إيمان و إعتقاد.
في الإستبداد هناك إدعاء للحاكم بأمره للألوهية يمارس المصادرة والإستكبار و الإنتقام كيفما يشاء و متی ما يشاء، بصورة تحول المجتممعات الی معسكرات و العكومات الی أنظمة شمولية تهیمن علی العياة في مختلف مجالاتها. أما فيما يخص الأصولية الدينية فهناك شعار يطرح مفاده الحاكمية الإلهية أو الحكومة الإسلامية. هذا يعني إقامة حكومات أو أنظمة علی أساس ديني تجمع فيها السلطة السياسية و الدينية أو المادية والرمزية و لنا في المنطقة أمثلة علی ذلك. و الحصيلة في كلتا الحالتين هي إستبداد مضاعف و حجب مركب يمارسه أصحاب السلطة، يدّعون بأنهم حملة صفات أو مهمات إلهية أو أنهم ناطقون بإسمه بها ينتهكون الثوابت بتغيير الإتجاهات من النقيض الی النقيض وهكذا يتستطيعون تنفيذ مشاريع مستحيلة تعود عليهم وعلی المجتمع ضرراً ووبالاً أو قهراً و ظلماً أو خراباً و دماراً، كما شاهدناه بالأمس في كل من افغانستان و السودان و ليبيا و دول أخری ونشاهده اليوم في سوريا.
في عالمنا الحديث بفلسفاته العلمانية و رواياته العقلانية أو بأدلوجاته العالمية و تهويماته الإنسانوية لايمكن للحكومات ممارسة السلطة بإستخدام أقنعة مزورة فقدت المصداقية و المشروعية بالأخص في إطار مواجهة التحديات الداخلية أو في إدارة العلاقات و الصراعات مع الخارج.
فعندما يشعر الفرد في مجتمع ما، بأن كرامته لا تراعی و لا تصان ليس فقط بسبب الفقر و العوز، بل بسبب إنتهاك القوانين والتمييز في المعاملة بين مواطن و آخر و الشعور الدائم بالإنتماء الی بلد يفتقر الی المصداقية والمشروعية في نظر المجتمع الدولي ينبثق في داخله إحساس بالمهانة يدفعه للثوران و الإنتفاضة و هكذا يكسر عقدة الخوف و جدار الصمت ليطالب بالحد الأقصی من حقوقه، الأمر الذي يفسر ميلاد ثورات في أكثر من بلد عربي يسميه البعض جهلاً بـ"الربيع". بالثورة يستعيد المرء ثقته في نظر نفسه و يمارس جدارته لينتزع الإعتراف بمشروعيته في نظر الآخر والعالم.
الكائن العاقل يقيم في حاضره و يعيش واقعه، بقدر ما يتوجه نحو المستقبل. إن استخدام هويات مغلقة و ثوابت معيقة لبناء جدران الأنظمة السياسية المبنية علی أفكار أحادية، إستبدادية، شمولية و أصولية هو العمل علی إعادة الأنظمة الديكتاتورية المغطاة بعباءة الإيديولوجيات المقدسة لممارسة البيروقراطية المركزية الفوقية من جديد التي لا تؤمن بقواعد الشراكة والتوأمة والحماية والرعاية، فكيف بممارسة التقی والتواضع و الإعتراف والزهد.
الحركات الأصولية بدعاواها المزيفة بأنها تتماهی مع السلف و زعمها الباطل بأنها تسعی بإخلاص الی خدمة دين الله و شريعته لا تقتنع بالإستنارة واللبرالية في مجال القيم والحريات و لا التشابك والتواطؤ بالرغم من الفتح الكوني المتجسد بثورة الأرقام والإتصالات، التي تغيرت معها شيفرات التفكير و برامج العقول و خرائط المعرفة وقواعد المداولة.
كيف يمكننا تفسير كل هذا الخراب و الإفلاس في الشرق المتوسط، مادامت مبادیء الأصوليين و المستبدين مثلی وقيمهم سامية و زعاماتهم ملهمة و قياداتهم فذة؟
الأولی أن يحملون المسؤولية عن أنفسهم، بعيداً عن التهويمات اللاهوتية والتشبيحات الغيبية، للتعامل مع الماضي بوصفه تجارب و خبرات بشرية يمكن العمل عليها و إستثمارها، لا كسلطات تمارس الأحادية والإحتكار أوالوصاية و المصادرة أوالهيمنة و الإلغاء، تلغم و تسمّم صيغ التعايش بين الناس لإعادة المجتمع الی الوراء بعد قرن و نيف من الإندراج في عصر النهضة و رفع شعارات التحديث والتنوير والتقدم.
وختاماً: لكي لا تذهب مصالح العباد والبلاد الی الجحيم ولكي لا تتواطأ الأنداد علی صناعة الدمار لحصد المآزق و الخسائر و الكوارث علی أفراد المجتمع أن لا تذوب في حشود تؤله الزعماء و تتعبد القادة علی سبيل التحزب والتعصب و لاتدعم التفكير الطائفي الكاريكاتوري المتحجر و العقيم، التي تنصب جدران الكره و الحقد فيما بين المجتمع وتصوغ قواعد الفكر العنصري الفاشي والعدواني. فالإنفتاح والتعدد والديمقراطية تفتح الفرص والآفاق أمام القوی الحية والديناميكيات الخلاقة وتؤدي الی كسر الحدود بين المجتمعات والقارات والثقافات لتنتج أخيراً نظام سياسي عصري قادر علی قيادة المجتمع نحو برّ الأمان.
الدكتور سامان سوراني       



160
العراق بين سباق اللامعقول في السياسة و السقوط الثقافي

من الواضح بأن الثقافة الغربية المعاصرة تمكنت بفضل علاقتها النقدية بذاتها من ممارسة حيويتها و تفوقها من خلال قدرتها الفائقة علی نزع جلدها و تغيير ذاتها باستمرار، فأتاحت لها قابلية توليد الصيغ والنماذج و الأطر و القوالب أو الطرق والمناهج أو الأساليب والأنماط أو الأنظمة والأنساق وحتی القوانين والتشريعات.
أما الحقيقة المرة فهي، أن العراق قد تأخر و للأسف عن الإنخراط في العالم الجديد لفتح آفاق المستقبل الدينامیكي. فلا النخبة السياسية، التي لم تخرج و ليومنا هذا من سجونها العقائدية والقوموية أو الطائفية، تمكنت من بناء مجتمع فاعل و غني بإنتاجه أو قوي بأقتصاده أو ديمقراطي بحكومته أو سلمي بتوجهه أو مزدهر بإنجازاته الحضارية و لا التيارات السياسية التي تدعي بأنها العلمانية استطاعت فصل مجالي الإيمان و العقل أو مجالي السياسة و اللاهوت، لكي يحقق من خلاله المزيد من الحرية. أما فيما يخص المجال العلمي فلا يمكننا أن نصفه إلا بما أشار اليه أحد الفلاسفة في القرن الثاني عشر ويدعى بيتر أبلار Peter Ablard في أسوء حالاته بقوله " إن العلم من دون ضمير هو موت الروح". وإن البحوث العلمية تكمن أساساً في بعث الأمن والسلم لدى المجتمع، لكن ماالنفع من تشكيل دولة فدرالية دون استغلال نبراس العلم والمعرفة في الطريق المرسوم له علمياً وتقنياً وفنياً؟
إن السباق نحو اللامعقول في السياسة بعيداً عن قواعد الشراكة والتوأمة والحماية والرعاية بعقليات بيروقراطية مركزية فوقية غريباً عن قيم التقی والتواضع و الإعتراف يحمي عقلية النخبة المتقوقعة لكي لا يصل الی المجتمع التداولي، حيث كل الناس هم فاعلون و مشاركون في أعمال البناء والإنماء.
الثورة المعلوماتية، التي بزغت في أواخر القرن العشرين المنصرم و الدولة الكوكبية المفترضة التي تفجرت و التجارة الرقمية المتعددة الجنسيات التي شاعت شكلت ظواهر إجتماعية جديدة من قبيل العولمة وصراع الحضارات والاستنساخ والهندسة الوراثية بقت بعيدة عن الفضاء الفكري للمجتمع العراقي، الذي كان و لايزال محاصراً بثقافة الإستهلاك الديني، التي أعطت للعمل الديني مهام ممارسة حكومة إلهية ترجمت أفخاخاً و مآزق، بقدر ما أنتجت الكثير من الإستبداد والفساد والفقر و التخلف والبؤس. ما نشاهده يومياً من كوارث علی شاشات التلفاز ماهي إلا صورة من السياسات البربرية الإنتقامية، التي تثبت لنا غلبة ثقافة الإصطفاء والإقصاء و الإستعداء والشحن و الإنتقام و الإستئصال في هذا البلد، الذي يدعي بأنه مهد للحضارة الإنسانية.
و من أجل إيجاد منهج علمي و عقلاني قادر علی التمحيص والتفسير الدقيق لإختلال المعايير الإجتماعية، التي لا تتجاوب مع العقل و التقليل من الإنحراف الغالب في هذا المجتمع علينا الرجوع الی علوم السوسيولوجية المعاصرة وإستخدام أدواتها بغية فهم الصيرورة الاجتماعية والتحديات المستقبلية وأنماط التداخل التاريخية و هدم إمبراطورية الفوضى المجتمعي.
إن إنتهاج سياسة إعلامية تكيل بمكيالين علی ما يجري علی الساحة العراقية‌ والترويج لمنطق العنف والإرهاب و نصب المتاريس و خلق الأعداء لا يغير الأوضاع و لا يؤدي الی تحسين الأحوال، بل توّلد الحروب الأهلية و العجز والهشاشة. إن إحتكام البعض الی الغرائز و المصلحة القوموية أو الطائفية أو الفردية يؤدي الی إنهيار المصلحة العامة، التي يجد في ظلها كل واحد أمنه و سعادته. فالحياة الاجتماعية بما هي امتداد للحياة الأخلاقية لا تتحقق إلا داخل الدولة كإطار يتحقق فيه التضامن ويسود فيه الأمن و الفضيلة. يقول لنا سبينوزا في الحق الطبيعي، "إن المسؤولية المباشرة للدولة على المستوى الاجتماعي و السياسي، هي ضمان أمن الأفراد و حريتهم" و " الهدف النهائي للحكم ليس السيطرة على الأفراد و قمعهم بالخوف و ليس فرض الطاعة عليهم، و إنما هو بالعكس من ذلك تحرير كل شخص من الخوف حتى يعيش في اطمئنان تام و بعبارة أخرى تأكيد حقه الطبيعي في أن يعيش و يعمل دون أن يلحق غيره ضرر."
وختاماً نوجه كلامنا الی النخبة "السياسية المثقفة" بالقول: "واقعنا الحي و عالمنا المعاش من حيث الحركة والصيرورة أو من حيث الزمن والتراكم أو من حيث البنية والتشابك هو في غاية التعقيد والإلتباس، لذا علينا مواجهته والتعامل معه بفكر مرن و عقل متحرك يفيد من تعدد الإختصاصات و فروع المعرفة و ينفتح علی التجربة الوجودية بعيدا عن الإقصاء والإستبعاد."
د. سامان سوراني

161
حديث دستور إقليم كوردستان و آفة القصور

يقال بأن الأفكار ليست مجرد صور أو مرايا، بقدر ماهي إستراتيجيات معرفية لفهم العالم والتعاطي معه وأن كل فكرة هي عبارة عن قرأءة، لتفسير الواقع، أو تأويل حدث، أو صرف لفظ، أو شرح ظاهرة، أو تحليل تجربة، أو فك شيفرة، أو تفكيك بنية، أو صوغ مشكلة، أو معالجة قضية، أو تحويل علاقة، أو ترتیب صلة.
والأفكار تختلف و تتفاوت من حيث معقوليتها و مصداقيتها، أو من حيث أهميتها و فاعليتها، كذلك من حيث القدرة علی النفوذ والإنتشار.
فالدستور لا يكتب إلا لدولة وطنية، والدولة الوطنية بطبيعة الحال بحاجة الی المواطنة والمشاركة الفاعلة في كافة الميادين. فهو إذن وثيقة خالصة من صنع البشر لتحديد طبيعة العلاقة وكيفية التعامل بين مؤسسات الدولة الوطنية بعضها بعضاً وبين الحكام والمحكومين على وجه الخصوص. فالوثيقة الدستورية لا تمتلك أية قيمة إذا لم تتوفر شروط ثلاث: الدولة الوطنية، المواطنة، والمشاركة.
الذي نعرفه بأن الدستور يكتب بالتزامن مع تشكل وترسخ الدولة الوطنية كهيكل سياسي مستقل ليعکس المساواة الكاملة بين المواطنين بصرف النظر عن الاختلاف في العرق أو لون البشرة أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي في الحكم. و مواد الدستور تصميم معماري يجب أن تتسق مع بعضها البعض لتبنى معا كياناً متكاملاً له فلسفة أو رؤية تعكس تصور الشعب لنفسها في هذه المرحلة المحورية من تاريخ كوردستان و مشواره الديمقراطي. الهدف الرئيسي من كتابة دستور إقليم كوردستان كان الإسراع في بناء كيان وطني مستقل و تنظيم و حماية و تطوير هذا الكيان.
نحن نأمل أن يحضی موضوع نظام الحكم فيما يخص صلاحيات سلطات الدولة الثلاث وتوزيعها واستقلالها وتقاطعها وتعارضها بالإهتمام الكامل من قبل النخبة المثقفة في الإقليم لإغناء هذا النظام بفكرة "التوازنات والمراجعات" علی غرار النظام الذي تبناه الدستور الأمريكي من أجل منع تغول أي سلطة علی الأخری بهدف عدم التفرد بالسلطة من قبل طرف واحد يحكم البلد بقبضة حديدية.
في النهاية يجب أن تكون عمل السلطات الثلاث في ظل تناغم و رضا عن بعضها البعض لمنع الطغيان أو حدوث شلل في أحدها، لكن هذا لا يعني أبداً دعم فكرة بعض الجهات المعارضة، التي تريد النيل من الدستور و نظام الحكم الحالي في الإقليم من أجل مصالح سياسية ضيقة تفوق المصلحة العليا لكوردستان و الهدف الذي من أجله سُطّر بنود الدستور الكوردستاني. 
النظام الأمريكي هو نظام رئاسي بامتياز فللرئيس سلطة تعيين الحكومة ولكن هذا لا يعنى بتاتاً أن يتمتع الرئيس بصلاحيات تسمح له بالتحكم فى البرلمان أو القضاء أو حتى اختيار من لا يرضى عنهم البرلمان والقضاء لأسباب موضوعية تتعلق بالصالح العام وللسلطة التنفيذية في هذا النظام حق الإعتراض على القوانين، كمنع إقرار أية ميزانية و تعيين القضاة وكل المناصب الرسمية و إبرام المعاهدات و للسلطة التشريعية حق سن القوانين و تعيين قضاة المحاكم ما عدا المحكمة و حقوق أخری.
أما السلطة القضائية فهي تفسر القوانين الصادرة من البرلمان و لها حق اعتبار أى قانون أو قرار تنفيذى باطل دستورياً و التأكد من حسن سلوك أعضاء البرلمان و حقوق أخری.
المادة 117 من الدستور الدائم للعراق الفدرالي تقول بأن لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتعديل تطبيق القانون الاتحادي.
في الثقافات الديمقراطية نری بأن الشعب هو الأصل في كلّ السلطات و لشعب كوردستان حق اختيار رئيس الاقليم عن طريق الاقتراع المباشر و أن شعب كوردستان بتجربتها الجديدة (21 عاماً) صاحب الكلمة الأخيرة بشأن الدستور عندما يعرض على الاستفتاء الشعبي.
الأطراف التي تعارض هذه الفكرة لاتهتم بالتشنجات الإقليمية علی المستوی السياسي والعسكري و تنسی موقع الإقليم الجغرافي علی الخارطة السياسية.
هذا دأبهم، إنهم يحسبون المشكلات حلاً، ولا يحسنون سوی التستر علی الأخطاء والمساویء لكي تفعل فعلها بصورة مضاعفة، هذا ما تشهد به مآلات المشاريع والشعارات التي تقدمها تلك الجهات في المعارضة، لذا نراها تطالب لمصالح حزبية في اتخاذ القرار بدلاً من المواطنين حول مسودة الدستور- التي صوغت بحضور و موافقة أكثر من 20 حزباً سياسياً من قبل لجنة لترسم مستقبل كوردستان- من أجل التقليل من الوحدة الوطنية، التي نحن اليوم بأشد الحاجة اليها. 
علینا أن ندرك بأن عملية تغيير المجتمعات والعالم، أيا كان الشعار والعنوان هي مصير مشترك. فلكل فاعل الحق في المشاركة بفكره و عمله أو بمعرفته و درايته أو بمبادرته و إقتراعه، فالإنسان كما يقال هو فاعل فكري بالدرجة الأولی، أيا كانت التجليات و القطاعات أو المهن والأعمال والصناعات.
إن عملية إعادة البناء هي عمل نقدي تحويلي و إيجابي، علی الذات، يمس شكل الوعي والتوجه الوجودي، كما يمس منطق التفكير فضلاً عن الأسماء و منطوق الخطابات وأن إعتقاد تلك الجهات في المعارضة بأنها تمتلك وحدها الحقيقة لإحتكار المشروعية هو نوع من الإلتفاف علی الحقيقة أو لفلفة القضايا لإنتاج الفتن عبر تعبئة النفوس ضد الحكم أو الغير، بدلاً عن تغذية اللغة و الخطاب بمقاصد و مفاهيم و قيم تدعم الوحدة في دولة وطنية لها دستور يضمن المواطنة والمشاركة.
وختاماً: "علينا أن نعترف بواقع التداخل و التشابك بيننا و بين الآخرين، لكي نندرج في حركة العصر و نتقن لغة التواصل مع العالم و فيما بیننا."
الدكتور سامان سوراني 

162
إعادة تعريف العلاقات الأمريكية تجاه إقليم كوردستان

صحيح بأن تبني "القوة الناعمة" في التعامل مع القضايا الدولية أصبح من مسلمات القرن الـ٢١، لأن القوة العارية بعنفها و حروبها و أبطالها وكوارثها لم تعد تغري العقلاء أو الذين أفادوا من دروس الحروب، التي لا تنتج في هذا الزمن المعولم سوی الدمار المتبادل.
ومن المعلوم بأن الشراكة في ظل عصر المعلومات الذي نعيشه يعتمد الی جانب سياسات الحکومات علی القوة المدنية و مواقف الناس أيضاً، لكي تستطيع أن تصمد و تحافظ علی متانتها. والدبلوماسية هي بمثابة العمود الفقري للسياسة الخارجية والعمل بالجهود الدبلوماسية الفعالة لمعالجة التحديات والأزمات هو من الأمور التي تمهد الطريق أمام الاستقرار.
جورج بوش الابن حاول أن يضع أساس فلسفي لـ"إستراتيجية الحرية المستقبلية" في الشرق الأوسط و أعتقد هو كـ"مناصر" للديمقراطية بأن الديمقراطية ليست السبيل الی عالم مثالي، لكنها السبيل الوحيد الی النجاح والكرامة الوطنيين، أما الإدارة الأمريكية  فقد كانت و لا تزال متناقضة السلوك في بعض المسائل، منها القضية الكوردية. فهي للأسف لا تشدّد علی تعميم التجربة الكوردستانية في الديمقراطية في كل أنحاء العراق من دون إستثناء. فقضية حقوق الإنسان و التمثيل السياسي و تقبل الآخر و حكم القانون و حقوق المرأة و شفافية صنع القرارات الحكومية ، كلها أمور يجب أن تدعم من قبل الولایات المتحدة الأمريکية لتثبت من خلالها عمق التزامها بقضية الإصلاح والتغيير في المنطقة. والتكتيك التي تستخدمه الولايات المتحدة لتعزيز دور المالكي وترددها في إنتقاد سياساته السلبية تجاه إقليم كوردستان لن يكون لصالح الفدرالية أو لصالح المدّ الديمقراطي في العراق.
واشطن تعلم جيداً بأن الجغرافية السياسية للشرق الأوسط تقف اليوم الی جانب الكوردستانيين و إن إقليم كوردستان من الناحية الأمنية هو القطب الهادیء في المنطقة وإن فرض سلطة المالكي علی الإقليم سوف يٶدي الی زحزحة كل من الإستقرار و الأمن فيە و يكون حجر عثرة أمام التقدم و النمو الإقتصادي. 
نحن نعرف بأن السياسة الخارجية تصنع في البيت الأبيض  والولايات المتحدة تجاهد في سبيل منع ظهور منافس عالمي آخر في المنطقة ، لكنها في الوقت نفسه تهمل فرصة القيام بتحالفات مع منطقة حيوية تحتوي علی موارد إقتصادية و بشرية كإقليم كوردستان لتمنع الهيمنة المعادية علی هذه المنطقة الحساسة أو لتكسب التأييد المحلي لزعامتها و لا تحثّ بغداد علی تطبيق بنود الدستور و إرساء حكم القانون و إستقلال القضاء و إحترام  مبادیء الشراكة أو عدم السماح لإستخدام المحكمة العليا كمجرد أداة  تعمل علی ترسيخ سلطة الفرد. إن محاولات بغداد في السير نحو الهاوية ولدت معضلات أدت الى تعقيد العملية السياسية وبروز الاحتجاجات في أغلب المناطق بالعراق.
وإن تمرس أمريكا الدور الاستشاري بعد انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من العراق وعدم سعي إدارة أوباما بجدية في حل اخلافات بين الحكومة الإتحادية و الإقليم الفدرالي دليل آخر علی ممارسة الإزدواجية في السياسة، مآل هذه السياسة هو إفشال  مشروع الشرق الأوسط الكبير للمحافظة على الأمن القومي الغربي و على التقدم الحضاري العالمي.
حكومة الإقليم تعمل في سبيل ربط استقلاليتها الاقتصادية بالفكر الديمقراطي و الإنساني المتسامح و المنفتح ، الذي يعترف بالآخر و يقبل الرأي المختلف ، لأن حرية و رفاهية الإنسان هي الهدف من الإستقلال و التقدم. هذه الحكومة هي اليوم عامل إستقرار في المنطقة و سياستها تدعم وحدة العراق و تساهم في تثبیت الفدرالية، لذا نری بأن عقود الشراکة الاستراتیجیة بین واشنطن و أربيل يجب أن تبنی علی أساس المنفعة المشتركة ، لا أن تبقی الأخيرة اسیراً في دائرة المصالح الامیرکیة الاقلیمیة.
وختاماً: "ما نحتاجه بعد كل تلك الطفرات المعرفية والتحولات الفكرية هو إعادة تعريف علاقاتنا و كسر التعارضات الخانقة، لإتقان صناعة التنمية و هندسة العلاقات السياسية بشكل يٶمن حق تقرير مصير الشعوب بعد فتح خطوط للشراكة الإستراتيجية المٶدية الی الحرية و الإستنارة والعقلانية."
الدكتور سامان سوراني
كاتب سياسي و باحث أكاديمي







163
العراق بعد عشر سنوات على كسر العقليات الدكتاتورية والمركزية الفوقية

قد تكون المنظومات الإيديولوجية و فلسفات التاريخ مصدراً مهماً من مصادر الوعي و أداة للتثقيف والتنوير، لكنها قد تكون في المقابل أداة للتزييف والتضليل، خاصة عندما نعرف بأن اللاوعي والوهم أو الخداع لها دورها في تشكيل الوعي وقرارات العقل و سير التاريخ.
فقبل عشر سنوات كانت النرجسية العقائدية والإيديولوجية القوموية طاغية علی ممارسة الهوية في العراق. تلك الإيديولوجية التي كانت مبنية علی منطق العنف والإرهاب والقتل والدمار، لا تؤمن بسبب عقليتها المركزية الفوقية و لو بشكل نظري علی قواعد الشراكة و التوأمة والحماية والرعاية.
و بعد سقوط الطاغية في التاسع من نيسان 2003 كانت هناك محاولات للتوصل الی تسوية مقبولة من جميع المكونات في هذا البلد المصطنع (العراق)، لكنها ضعفت و وصلت الی حد الشلل والإنسداد بعد أن نهض البعض في بغداد من سباته الديني ليعلن  الدكتاتورية من جديد. إنها سياسة مآلها إزدياد حدة الأزمة بدءاً بأعمال العنف و إنتهاءاً بعدم الإستقرار السياسي، إن لم نقل الی السير نحو الحرب و الإقتتال داخلي، فبدلاً عن السعي في سبيل دمقرطة حقيقية جذرية للمجتمع العراقي وترسيخ العدالة الإجتماعية وسيادة القانون ودولة المؤسسات عوضاً عن دولة الشخص والعين يعمل رئيس الحكومة في بغداد من أجل أجندات شخصية ومصالح ضيقة ضارباً عرض الحائط مستقبل الشعب العراقي والشراكة والدستور.
إن بناء الديمقراطيات هو من أجل بناء البلدان وسعادة الشعوب، بعد تثبيت ثقافة أحترام كل بند من بنود الدستور، أما التغيير فيجب أن يشمل البنية السياسية القائمة واستئصال رموز الفساد المهيمنين على مراكز القرار في بغداد.
ومن المعلوم بأن الحرية هي صراع و محرك الوجود، التي تبدأ بالإعتراف المتبادل  و أن الشخص المستبد أو الدكتاتور لا يؤمن بالحرية، لأنه يبقی أسير ضرب من الأنا و حدية من العزلة والإنغلاق النرجسي حول ذات، لايمكن أن تتواجد إلا من خلال الآخر. فبروحه السيكوباثية المضادة للمجتمع يريد هو أن يملي بشكل جبري سياساته و مواقفه علی الآخرين و يعيد إستعمال الترهيب والتصفية والترغيب بعد نشر الفساد في كل مرافق الدولة و جمع المتملقين والمتسلقين حوله، لإستخدامهم كمادة خام في سبيل إنجاح مهامه و مشروعه الإستبداي، الذي تتمعن في تفكيك البنى والروابط المجتمعية وتسعی في تدمير جميع الفئات الاجتماعية ولا سيما المنتجة منها لمصلحة أوليغارشية طائفة عسكرية تستأثر بقوة عمل الجميع.
"دولة القانون" برئيسه و هو رئيس مجلس للوزراء و قائد عام للقوات المسلحة و المسؤول الوحيد عن الأمن في العراق بعد أن أخضع جميع المؤسسات العسكرية والأمينة والاستخباراتية مباشرة لسلطته تريد اليوم إذابة الشعب العراقي في بوتقة فكرية واحدة أي إذابة الأفراد والمؤسسات والجماعات في كل اجتماعي واحد حيث الشعب والدولة والمجتمع المتجانس و هذا يعني بأن توجهات حزب الدعوة المقولبة في دولة القانون ستكون لها كلمة الفصل في التوجه العام للدولة والمجتمع.
فبدلاً عن نسج علاقات صداقة ومصالح مشتركة متوازنة تخدم قضية السلم والتعايش القومي والعملية الديموقراطية وحل الخلافات العالقة بين الإقليم والحكومة الإتحادية بشكل سلمي عن طريق الحوار البناء، تسعی رموز بارزة في "دولة القانون" في تقليص موقع الكوردستانيين ككتلة قومية ثانية الى جانب كتلة القومية العربية و تعمل بجدية علی إفشال التجربة الديمقراطية اليانعة في الاقليم الكوردستاني الفدرالي الآمن. فالذي يشتغل علی تغيير مواد الدستور و الإنقلاب علی النظام الديمقراطي الفدرالي يقوم بجرّ العراق نحو العباءة الخمينية، لكي لا تتأهل المجتمعات العراقية لممارسة الديمقراطية و لكي تنضج بنيتها و ثقافتها.
إن المراهنة علی المنطق الشمولي و فتح جبهات سياسية أخری على طريقة التدخل السيادي للدول إقليمية بهدف تجييش الحالة السياسية هي نوع من أنواع العمل علی إفشال التجربة الفدرالية السعي لتقليل إستحقاقات الشريك الأساسي في العراق. 
نقول بأن الثقافة الديمقراطية هو حق الجميع في النقد و طرح مشاریع بديلة. والحريات الديمقراطية تقوم على أساس المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون وهي تكسب معناها ووظيفتها العضوية عندما ينتمي المواطنون إلى جماعات تمثلهم. و التعددية السياسية كما التعددية الثقافية والاجتماعية لها أهميتها. أين نحن اليوم من تلك الثقافة بعد عشر سنوات من سقوط الدكتاتور صدام. 
وختاماً لقد صدق من قال: "أعدنا بناء العراق على أساس مبادئ ثلاثة وهي  الشراكة، واالتوافق، والمشاركة في القرار السياسي، ولم نتفق علی أن يذهب ديكتاتور ليأتي آخر محله."
الدكتور سامان سوراني

164
أسطورة الإسلام السياسي بين التشبيح الثوري و وهم النصر الإلهي

بالرغم من أن الإنسان حقق علی صعيد العلوم و التقنيات، التي فتحت أمامه أبواب المستحيل في غير مجال و ميدان، كما في الجينة والذرة أو في الفضاء والمجرة أو في الإتصال العابر لحواجز المكان و حدود الزمان، تشهد البشرية علی عجزها عن معالجة أوهامها التاريخية ومعضلات الإستبداد والعنف النابع من الأصولية والتطرف الديني والوعي الأحادي. صحيح بأنه لا انفكاك للعقل عن الوهم و أنه لا شيء يعود كما كان عليه، بحرفيته أو بحذافيره، إلا علی النحو الأردأ والأخطر أو الأرهب، لکن الإنخراط في ممارسة فكرية نقدية هو مصدر إغناء وتوسيع للمفاهيم و مفتاح نسج علاقات جديدة مع العقل والتنوير.
إنها الطوبی التي تجعل أصحاب التشبيحات الثورية يقفزون فوق الواقع البشري بما ينطوي علیها من التعقيدات و الإلتباسات والمفارقات. الأصوليون الدينيون يحلمون بالفردوس الموعود و يمارسون في الوقت نفسه أعمال مضادة للقانون والدستور والحقوق والقيم الجامعة و يمارسون في غير مكان الوصايا علی شؤون القضايا المجتمعية و يتدخلون حيث أمكنهم ذلك. أما تهويمهم الإلهي ووصاياتهم النبوية فيتجسد في إعتقادهم بأنه إذا تمكنوا من أخذ زمام الحكم في غير مكان فسوف يعود للمسلمين مجدهم و تستعاد مبادرتهم التاريخية لإقامة دولتهم أو خلافتهم وعندها سوف تنقذ البشرية و يكون رفع الظلم و إحقاق الحق، أي تحقيق ما عجز عنه "الأنبياء والرسل" عن تحقيقه وهم كانوا استثناء. ولا عجب أن تكون الحصيلة المزيد من الأزمات والمحن والكوارث ، مادام قادة فكر الإسلام السياسي يفكرون و يعملون علی هذا النحو. وإن عدم قدرتهم في معرفة إستغلال تراثهم و تعلقهم به تعلقاً أعمی ينتهي بهم في إستعادة الماضي بشكل هزلي كاريكاتوري لكي يمارسوا علاقتهم به فقراً و مسخاً و تشويهاً.
إن الخضوع لمنطق الفتوی الأعمی والتخلي عن الطاقة الفكرية والقدرة علی الخلق والإبتكار أو علی التجديد والتغيير، التي هي ميزة مهمة من مميزات الإنسان، يفسر لنا أسباب تراجع العلم والتعليم في بلدان الشرق الأوسط و الباعث لنشر الوباء بعد إجتياح الثقافة الدينية بشاشاتها و معارفها الميتة و نماذجها المتحجرة لمؤسسات التعليمية في المدرسة والجامعة.
من لا يتعامل مع الدين كوازع معنوي أو سلطة رمزية أو مهنة خلقية لا غير، هدفه تفعيل تلك العلبة السوداء التي تعشعش في عقله، بعقدها و متحجراتها و تهويماتها و خرافاتها و تصنیفاتها العنصرية لإجبار الدولة علی العمل في قضايا التشريع والتنظيم  بوصاية المؤسسة الدينية. لكن الدولة العادلة والفعالة يجب أن تعمل بقوانين و خطط و سياسات قادرة في أن تكون حصيلة المجتمع بمختلف قطاعاته و فاعلياته و مشروعياته. فالمهام التي أعطيت للدين تُرجمت في العالم العربي والإسلامي أفخاخاً و مآزق، إذا لم نقل بأنها قامت بشحن النفوس و تعبئتها بمشاعر العداء والكره.
لقد علمنا الثورات الجديدة، التي لا تزال تسعی في إزالة آثار ما خلفته الثورات السابقة من المساوێء والمفاسد و الكوارث، بأنه‌ من الممكن أن يتحرر المجتمع من خلال الثورة السلمية والمدنية من ديكتاتورية الشعارات و المقولات و عبادة الأشخاص والأبطال، لأن تقديس الثورة لا يعني سوی قتل أهدافها و عبادة الأشخاص تفسدهم. أما الإنسداد فإنه يولد الإنفجار و الشعارات المقدسة والأيديولجيات الحديدية تعمل علی تقويض الحريات و إستعباد العقول.
نحن رأینا تغيرات طرأت في مشهد العالم و خريطته، وهذه بدورها جلبت تغيرات في جغرافية العقل و شبكات الفهم و صيغ العقلنة و قواعد المداولة. فهل من المعقول أن تبقی الترسانة الفكرية القديمة المستهلكة و الصدئة و المتجسدة في أفكار و برامج الأحزاب الإسلامية، التي أكتشف في الدين فيتاميناً تحول الی داء فتاك و سلاح قاتل، كما هي من غير تفكيك ثقافتها و أنماط تفكيرها؟
إن تشبيحاتهم الثورية الهامشية المتخلفة و الرجعية و سياساتهم الإلهية الإنتقامية ليست إلا أحابيل جهنمية تتردد بين أساطير الأولين و أقانيم المحدثين، بين الشعوذة الفكرية والتفكير الحي، بين فتاوی الشريعة و كهنة الإستنارة، بين الأشباح الأنتروبولوجية و أطياف الأيديولوجية، تشهد علی جهلهم و عجزهم. أصحاب إدعاءات التأله والعصمة والرشد ينسون بأنهم ينمون الی أصناف البشر المصاب بالجهل والنسيان والنقص والخطأ والحمق والجنون. ماالنفع من رمي التهم علی الغرب و تحميلهم مسؤولية المصائب والفشل و التحصن وراء متاريس العقائد والقناعات والهويات الثقافية والمنظومات الفکرية، إذا لم نعتبرها مجرد معلومات أو معارف أو وجهات نظر تشكل مقترحات للحوار و المباحثة من أجل الوصول الی الأمر الجامع أو الشيء المشترك؟
وختاماً نقول: لا تنجح محاولات التقريب والحوار، طالما هناك مفردات مثل "الشرك والكفر" أو "البدعة والضلالة" تشكل صُلب العقيدة والعدسة، التي من خلالها يری الواحد الی الآخر المختلف، لكي يدينه و ينزّه نفسه.
الدكتور سامان سوراني









165
أربيل و المؤتمر الدولي حول الإبادة الجماعية ضد شعب كوردستان

في عالمنا اليوم كما الأمس تتواطأ الأضداد لتسهم بعقول ملغمة و مُسلّمات عمياء و توجهات مقلوبة في صناعة الخراب، فيا لفضيحة الأفكار والمشاريع و منطق العداء، الذي ينتهك بالعنف والدمار و البربرية كل الحقوق والحرمات.   
في الـ 14-3-2013 إحتضنت أربيل، عاصمة كوردستان – العراق، مؤتمر دولي حول الإبادة الجماعية ضد شعب كوردستان بحضور جمع غفير من شخصيات سياسية، دبلوماسية، عالمية ومحلية و ذلك بمناسبة مرور 25 عاماً علی القصف الكيمياوي علی مدينة حلبجة الكوردستانية وإحياء ذكری عمليات الأنفال البربرية، التي لا تقل من ناحية الفظاعة والهمجية عن جرائم الهولوكوست. المؤتمر هدفَ الی جمع طاقات قوی محلية و عالمية لتعمل علی إستراتيجية فكرية جديدة و مساحات عقلية و مفهومية جديدة و مغايرة بتوجهاتها و أولوياتها و مفرداتها و تراكيبها لگرض الوقوف يد بيد ضد كل جريمة بربرية، لاإنسانية تمارس ضد البشر. إن تدويل جريمة الإبادة الجماعية ضد شعب كوردستان كان أحد أهم مواضيع المؤتمر، بعد أن دخل هذا الموضوع مرحلة المناقشة الجدية والتأييد اللازم لدی عدد من البرلمانات الأوروبية لكي تغيّر و تؤثّر وتحارب و تقلص مساحات قدرة الطاغية والمفسدين أو المخربين و العنصريين و البربريين الذين هدموا و يهدمون جدران التعايش السلمي ويمارسون العنف الوحشي ضد من لا يتماثل معهم.
جريمة إبادة الجنس البشري Genocide، التي مورست عن قصد التدمير الكلي و بشكل منظم من قبل نظام البعث الفاشي في نهاية الستينات و أواسط السبعينات و أواخر الثمانینات و بداية التسعينات من القرم الماضي ضد ابناء شعب كوردستان بسبب أصلهم العرقي، هي من نمط الجرائم ضد الإنسانية، تخضع للمسؤولية القانونية، لم تنحصر آثارها على الوضع الداخلي للعراق و إنما إمتدت حتى الى الأسرة الدولية بسبب أثارها الشاملة، فهناك دول و أنظمة مهدت طريق تنفيد تلك الأعمال الوحشية و الجرائم الشنيعة و غضت الطرف عن كل تلك الجرائم الوحشية، التي إرتكبها أجهزة صدام خلال تسلطه لأكثر من ثلاثة عقود.
نحن نعلم بأن مجلس النواب العراقي أقرّ في عام 2008 بأن عمليات الأنفال و جريمة قصف حلبجة، التي نفذتها القوات العراقية في العام 1988 ماهي إلا جريمة إبادة بشرية ضد الشعب الكوردستاني و نحسب التوجه الدولي و إقرار برلمانات كل من السويد والنرويج و بريطانيا والمانيا بأن الشعب الكوردستاني تعرض بالفعل لحملات الإبادة الجماعية، بخطوة جبارة نحو إنتزاع إعتراف دولي شامل بتعرض هذا الشعب الأبي الی الجينوسايد، تلك الخطوات تمهد الطريق للعمل على اعتماده وتعميمه على الصعيد الدولي العام.
من هنا أرای أنه من واجب الأطراف الكوردستانية الرسمية والخاصة العمل الدٶوب و تقديم الدعم المالي اللازم في سبيل تحقيق هذا الهدف الإنساني. أما ممثلي حكومة إقليم كوردستان في الخارج فعليهم وضع هذه القضية في مقدمة أعمالهم والبدء في إعلام الرأي العام في الدول الموفدة اليها و الترويج لها و جمع التواقيع و الإتصال بمراكز القرار و إشراك منظمات دولية و الإتحاد الأوروبي و المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ومنظمات ومراكز معنية بالإبادة الجماعية في العمل علی تعريف جرائم الأنفال كونها جرائم إبادة جماعية. وعلی الفرد الكوردستاني أينما كان بذل قصاری جهده من أجل دعم كافة المبادرات الرامية الی إدراج جرائم الوحشية، التي مورست ضد شعب كوردستان كجريمة إبادة جماعية ضد الإنسانية.   
فالحكومة في بغداد، تعمل بمنطق الرفض، الذي يٶدي دوماً الی تضييع الفرص وحصول الأسوأ، فهي تحيا دوماً علی نحو خرافي تكشف اليوم بأفعالها الماورائية و منطقوها اللاعقلاني بأنها دخلت حقل الألغام و تعدت الخطوت الحمرو لا تنوي تعويض ذوي الشهداء والمٶنفلين ولا تهتم بالتعاون مع المجتمع الدولي لتعريف جريمة حلبجة بالجينوسايد، فكيف ننتظر منها أن تجعل من يوم 16/3 مناسبة رسمية في العراق الفدرالي. فهي بتعامیها المستمرة علی الحقائق و ممارستها سياسة التجاهل تنوي التقليل من شأن هذه الجريمة النكراء، التي مورست من قبل النظام السابق ضد شعب كوردستان.
الشعب الذي ينوي بناء نفسه، عليه بتفجير طاقاته المعطلة و إطلاق قواه الحيّة أو استثمار مقدّراتها المهدورة. أما من أراد العمل بشكل أحادي فعمله يتحول إلى لغم، سيما في بلد ذات التركيب المتعدد الطائفي أو المذهبي، سواء تعلق الشعار بالتنمية أم بالوحدة، لأن العمل العام، على المستوى الوطني، يتم بمنطق التعدد وقواعد المداولة والشراكة، لا بمنطق الاحتكار أو الاستئثار والانفراد.
وختاماً: "من أراد فرض الوصاية على القضايا و إحتكار الشعارات للسيطرة علی المجتمع أو لقمع الشعب و تهديدهم، فمنطقه هذا لا يحقق الغاية المرجوة، بل يرتدّ ضده و مشاريع حكومة بغداد المدمّرة واستراتيجياتها القاتلة شاهد علی مانقول."
الدكتور سامان سوراني


166
الكرادلة والكونكلاف، أزمة الفاتيكان و العقيدة في زمن العولمة

لا يهمنا هنا فشل أو نجاح الكرادلة الكاثوليك الـ115  في جولتهم الأولی للتصويت السري في المجمع المغلق (الكونكلاف) في الفاتيكان علی إنتخاب بابا جديد، بعد أن إستقال بنديكتوس السادس عشر في موقف مفاجيء من منصبه، فإنهم أكثر تجربة ووعياً من الحكومة العراقية المنتخبة و يستطيعون إجتياز جمرة عقبتهم هذه بتحضر، دون إنتصاح، بالرغم من إنتظار الملايين من الكاثوليك في العالم مشاهدة تصاعد الدخان الأبيض من مرجل كنيسة سيستين و سماع دوي أجراس كنيسة القديس بطرس إيذاناً بإعلان إنتخاب الحبر الأعظم الجديد للفاتيكان.
لنتصفح المرحلة التي سبقت إنتخاب خلف للبابا الراحل يوحنا بولس الثاني كي نتعرف عن كثب كيف بدأت الصحافة والاعلام بتردد إسم الكاردينال الألماني جوزيف راتسنغر كخلف محتمل له، و كيفية القيام بشكل منظم في تصنيفه بسبب بعض آرائه و مواقفه في مجموعة من القضايا الدينية والإجتماعية و السياسية في خانة المحافظ المتشدد و كيف أن البعض وصفه بـ "بابا الردة" بسبب إختلافهم معه في المعتقد و الإجتهاد والرأي.
لكن بندكتوس المٶمن بعمل الفرد علی نفسه، ليخطو نحو الآخر علی سبيل الإنصات و التعلم والإفادة بصورة متبادلة، تمكن من دحض آراء معارضيه من خلال إعترافه بالحدود، بمعنی الوعي بالتناهي و هذا يثبت بأنه لا صداقة بلا حرية، حرية الاخرين في أن يحتفظوا بغيريتهم.
وهو الذي قام بإنتقاد الذات و خضع الأزمات، التي مر بها لمبضع النقد والتشريح، بحثاً عن المخارج و إعترف بأن الحوار هو السبيل الناجع نحو كسر الحواجز و تعدی الخطوط الحمر، علی نحو يتيح لكل واحد أن يتحول عما هو عليه، لكي يسهم في تحويل الآخر.
أقول أين "بابا الردة"، الذي اتخذ القرار التاريخي بالاستقالة وأدخل شرخاً في  التقليد المتبع بتولي منصب أي بابا يتم إختياره مدى الحياة، وهو أول حبر أعظم يقرر بملء حريته الاستقالة خلال سبعة قرون، من الساسة و الحكام في منطقتنا، الذين لا يٶمنون بالإستقالة أو التنحي و يتعاملون بصورة لاهوتية أو قوموية مع الديمقراطية والعلمانية والحداثة والذين لا يملكون الجرأة من نقد الذات علی نحو يكسر السياجات الشوفينية أو العقائدية، من أجل العبور نحو الآخر، بل يهربون من المواجهة النقدية والمحصلة هي، كما الآن في العراق، تفاقم المشكلات و تراكم الأزمات.
قبل تسلمه سدة البابوية دخل الكاردينال راتسنغر عام ٢٠٠٤ في مناظرة فلسفية مع يورغن هابرماس، فيلسوف عصر مابعد الماورائیات، وكان عنوان موضوعهم "في ما يسبق الأسس السياسية للدولة الديمقراطية"، تبین من خلال مناظرته بأنه ناقد للأديان، بقدر ماهو ناقد للعقل، مدرك لحدوده، كونه ينتمي الی العالم الغربي، معترف بمنابع الثقافات الأخری كالهندوسية والبوذية والإسلام و الأفريقية. لقد تمحورت مناظرته حول قضايا فكرية مثل "الديمقراطية والحق والدين" و هنا أثبت إنتماءه الی جماعات التنوير و قدرته علی تفكيك آليات عجزه، علی نحو يتيح أن يفهم ما كان يمتنع عن الفهم. فبعد إستعراضه لنظريات حول الحق الطبيعي، والحق العقلي و حقوق الشعوب أو مايسمی بالحق الثقافي و حقوق الإنسان، إعترف راتسنغر بوجود أزمة تطاول العقل بقدر ما تطاول الدين و لاحظ بأن الدين يعاني من أمراض هي في غاية الخطورة، كما تتجسم في إنتشار الإرهاب، الذي يتغذی من التعصب الديني.
فالتحاور عند بندكتوس في هذا الزمن المعولم لا يعني أبداً السعي لمعرفة من المخطیء ومن المصيب، أو من الضال ومن المهتدي، بل هو لكسر الحواجز و تعدي الخطوط الحمر.
الدين ليس البديل ولا الحل، كما يطرحه دعاته وكما يعتقد الكثيرون من الذين يبشروننا بأن القرن الحادي والعشرين سوف يكون قرناً دينياً بإمتياز ونحن نعيش كل يوم تحول الدين علی ید دعاته وحماته من الجهاديين و الأصوليين المتطرفين الی سياسة للإستئصال وآلة للخراب.
"بابا الردة"، الفيلسوف المستقيل، تعهد بإظهاره الطاعة والاحترام الغير مشروطين لخليفته في الكرسي الرسولي، تخلی عن حذائه الأحمر الشهير وعن الخاتم الممهور بإسمه، ليقضي وقته في سماع الموسيقى الكلاسيكية والعزف على البيانو. فهو يری بأن التعبير الفني الأصيل هو خبرة مؤثرة تحمل القلب إلى الجمال الحقيقي.
وختاماً: "من لا يدافع عن أشكال العيش المشترك علی الأرض لا يساهم في مواجهة الأخطار والكوارث التي تكاد تهدد الأرض بمن عليها و ما عليها". و ما المنفع من التصارع علی حطام البيض الذي لا وجود له؟
الدكتور سامان سوراني







   


167
أفخاخ النوايا و منابع سياسة الإبادة الجماعية ضد الشعب الكوردستاني 

التاريخ بجدليته العلمية أثبت بأن مآل كل حدّ أقصی هو إنتاج الضد وإن الأنظمة التي كانت ترعب شعوبها أصبحت هي الخائفة و المرعوبة من التظاهرات السلمية علی ممارساتها من الإستئثار و الإحتكار للسلطة و الثروة أو المصادرة و الإهانة للحرية، بعد أن إنتقلت تلك التظاهرات أو الإحتجاجات في أكثر من مكان من مجرد حشود بشرية الی ثورات تهدد أنظمة الحكم و تؤول الی سقوطهم. 
في عصر تشابك المصائر و المصالح لا يمکن ترجمة السياسة، التي تسمح لحكومة ما عملية إبادة جماعية ضد شعب آمن، بفن الممكنات و لا يمكن التحدث عن الإنسان و إنسانیته، ذلك الكائن الذي يبقی أسير أفخاخ النوايا ليفاجئه بربريته و يبعده عن التطابق مع ذاته، لينتج إنتهاك ما يدعو اليه.
ما الفائدة إذن من تقدمه في مجالات أشواطاً، لكي يتراجع في مجالات أخری عصوراً الی الوراء؟
نظام صدام حسين، الذي حرق البلاد و العباد تحت شعار "أنا أو لا أحد" و مارس العنف المنظّم و سفك الدماء كأي نموذج ديكتاتوري آخر، بدأ بالحروب ثم بعمليات الإبادة الجماعية ضد شعب كوردستان و قام بتدمير البنية الإقتصادية و النسق الإيكولوجي في کوردستان، ليجبرنا أن نعيش اليوم ذكری مرور ربع قرن علی فاجعة مدينة حلبجة الكوردستانية و مذابح الأنفال و التجارب اللاإنسانية، التي كانت مدعومة من قبل الكثير من رؤوساء العرب و خصوصاً الأمين العام للجامعة العربية و بعض الدول الأخری، التي ساهمت في الدعم اللوجستي و كذلك من قبل أحزاب و منظمات و حركات أصولية و ظلامية، التي أيدت و شجعت بعمائها الفكري النظام المقبور في تنفيد تلك الأعمال الوحشية و الجرائم الشنيعة و غضت الطرف عن كل تلك الجرائم الوحشية، التي إرتكبها أجهزة صدام خلال تسلطه لأكثر من ثلاثة عقود.
حكومة بغداد، بهشاشتها الفكرية و الحمل المفهومي الخادع تدّعي الشراكة الوطنية مع إقليم كوردستان و تطلب دعمه لتستمر في سياساتها الخاطئة، لم ولن تكن مستعدة و لو بشكل نظري أن تولي الإهتمام بضاحايا الأنفال و حلبجة و لم و لا تنوي أن تنطق بكلمة الإعتذار عن ما تعرضوا له من المآسي. 
هل يعقل أن نستغفل بعد كل هذه التجارب المريرة مع الحكومة "الفدرالية" مرة أخری بالشعارات والوعود الكاذبة و نتخلی عن إرادتنا الحرة وحقنا في الإستقلال الكامل أو علی الأقل في الإستقلال الإقتصادي في هذه المرحلة لتنمية و تطوير إقليمنا؟
وما تمرير الموازنة الإتحادية من قبل مجلس النواب دون موافقة كتلة التحالف الكوردستاني إلا دليل آخر علی إمرار نهج التسلط وتكريس سياسة الانفراد والاقصاء و النوايا الخفية لحكومة بغداد للعودة الی أيام الحكم الشمولي.
والذي يزيد الأزمة السياسية الحالية أكثر تعقيداً هو الدور الكبير للماكنة الإعلامية لرئيس الوزراء بممارسة تزييف وعي الإنسان العراقي والعربي وتحريف الحقائق والعمل علی تشويه وجه السياسة المعتدلة في الإقليم و التقليل من أهمية الإنفتاح الكوردستاني علی التجارب الدولية الناجحة في الحكم الرشيد و الإقتصاد الحر و أهمية تحفيز الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحقيق إقتصاد مزدهر، وغرس روح المبادرة والمنافسة وتشجيع وجذب الاستثمارات من خلال هذا المجال الهام.   
فما نلمسه من الحكومة الحالية في بغداد هو التعامل مع الإقليم و قضایاه بعقل إستعلائي، تارة بإسم العروبة و أخری بإسم الإسلام، بعد رفضها دعم و تطبيق الحقوق‌ الدستورية. لقد آن للإقليم كسر هذه الدائرة الخانقة، التي يحبسنا فيها دعاة الشمولية وأصحاب إمبريالية المبدأ الواحد و فاشية العقيدة المغلقة و كهنة الرجوع الی ثقافة الجمود، التي لا تريد أن نتمكن من تفكيك الحاضر أو أن نتحرر من المسبقات و إستباق المجهولات.
من يفكر علی هذا النحو لا يغير واقعاً و لا يصنع وحدة بين المكونات المختلفة في العراق، بل ترتطم أفكاره المثالية و نظراته التبسيطية علی أرض الواقع العنيد، لكي ترتد علیه، كما ترتد الكرة عندما تصطدم بأرض صلبة ملساء. والمآل هو إنتاج واقع أسوأ و أكثر كارثة مما أنتجه نظام البعث و علّامة التفرّد و الدكتاتورية، صدام حسين.
من هنا لا تجدي معالجة الأزمات بما هو مسبق أو محقق أو سائد من الصيغ والقواعد والأنظمة والنماذج و لا حلول بإستكمال ما لم يستكمل بعد. الأجدی هو عدم نفي الواقع بإسم ماض مزعوم أو مستقبل موهوم و التمرس بسياسة فكرية جديدة تتعامل مع المعالجات والحلول بصفتها تخييلات خلاقة و تراكيب جديدة، لكن أين رئيس الحكومة في بغداد من كل هذا وهو الذي يٶمن الی اليوم بالمسبقات المعيقة و الدغمائیات الخانقة و التقديس والتسبيح للذوات والأشخاص والشعارات الخاوية، التي كانت منبع من منابع سياسة الإبادة الجماعية ضد الشعب الكوردستاني.
و ختاماً: "من لا يعمل علی تفكيك الممتنعات من الداخل، يدعم أفراد أو جماعات من الناس يدّعون بأنهم يجسدون قيمة القيم، لإنتاج آليات المصادرة و منطق السيطرة علی النفوس و الوصاية علی العقول".   
الدكتور سامان سوراني




168
التعايش السلمي بين الأديان في إقليم كوردستان و النوايا الخفية للجماعات الدينية المتطرفة

من المعلوم بأن التعايش هو ضربٌ من التعاون القائم على أساس الثقة والاحترام المتبادلين و الرغبة في التعاون لخير الإنسانية، الهادف الی غايات يتفق عليها الأطراف التي ترغب في التعايش بشكل طوعي و بإختيار كامل بعيداً كل البعد عن خلط الأوراق ومزج العقائد وتذويبها وصبّها في قالب واحد.
والتعايش الذي يهدف الی سلب الهويات و يٶدي الی إختلال توازن الأفراد و إهتزاز كيانهم و يخدم أهدافاً سياسية خطيرة تتعارض مع الأهداف الإنسانية النبيلة، لا يمكن تسميته بالتعايش، بل هو ضرب من الغشّ والإحتيال والتضليل. إذ لا يمكن أن يطالب فئة من فئة أخری بالتصديق علی إيمانها هي، جاهلاً الأختلافات بين الأديان.
أما المواثيق الدولية الإنسانية التي تعكس عالمية القيم و خصوصية الثقافة والعقائد الإيمانية والتطور والرقي و وحدة الضمير الإنساني و التي ترفع من شأن قبول الحوار الخارج عن الاحتفال البروتوكولي والمبني علی قضايا أساسية ومحاور حاكمة، فيجب أن تعامل كدستور يملأ فضاءات التعايش والحوار و العقلانية من أجل ترسيخ قيم المواطنة الفاعلة و معالجة المتناقضات السلبية و الخلافات الدينية والمذهبية بين المكونات المختلفة.
نحن نظن بأن لكل مواطن كما لكل رجل دين رسالة في الحياة. فالذي يؤمن بالتعددية بشكل عام له رسالة، يستطيع أن يعلن عنها بالقول والعمل و يؤكد على الوحدة في التعددية. والمحاولات التي تجري بإتجاه تقويض وتجريد المواثيق الحقوقية من مضمونها و محتواها فيما يتعلق بالحريات الدينية وحقوق المرأة و الأقليات، مآلها كسب الشهرة و الترويج لثقافة السياسات المتهافتة و اليقينيات المطلقة.
هناك وللأسف في الإقليم جماعات دينية تؤمن بالدولة الشمولية، التي تنوي الهيمنة علی المقدّرات و إحصاء الأنفس و إخضاع البشر بالقوة العارية من أجل تجنيد المواطن و تسخيره لدعوات مستحيلة أو عقائد مدمرة تحوّل الوعود بالفردوس أعراساً للدم.  تلك الجماعات المتطرفة لا تؤمن بعمل منظمات المجتمع المدني ولا وجود للحوار السلمي مكانة في قواميسها العملية،  لكنها تنوي تحت يافطة تأصيل القيم الدينية في وجدان الأفراد والجماعات في وضع السياسات العامة والخطط والبرامج بما يقلل من ترسيخ قيم المواطنة الكوردستانية والحكم الرشيد في العمل الحكومي و يزيد من نشر بذور العنف الفكري و إشاعة روح العداء بين المواطنين بعد السيطرة علی المؤسسات الدينية و دور العبادة بدافع الإشراف عليها. و صونها من العناصر الثقافية الغريبة.
المجتمع الكوردستاني اليوم بأشد الحاجة الی كسر وحدانية الذات علی نحو يفتح الإمكان لقبول الآخر بوصفه مختلف عنه باالدين والمذهب و لكنه مساو له‌ في الحقوق والكرامة والهوية.  من يريد التعايش في ظل دولة راعية أو وطن جامع أو بلد آمن أو مجتمع مفتوح أو عالم أوسع فما عليه سوی الخروج من المأزق. لقد حان الوقت لیعلن علماء المنابر أمام الملأ، أولئك الذین ینطقون بإسم مذاهبهم ویؤثرون في الجمهور الواسع من المتدینین، بأنه لیس کل ماجاء في کتبهم صحیحا أو صالحا للتربیة الدینیة، فبدون إلغاء النصوص والأحکام والفتاوی، التي تولد الاقصاء المتبادل وتبث العداوة والکره بین المذاهب و الأديان من کلیات الشریعة وبرامج التعلیم الدیني، وبدون إستبعاد النصوص والأحکام التي تتعامل مع الإيزدیین والمسیحیین الكاثوليك منهم و الأرثودوكس والصابئة المندائیة والیهود، کمشرکین أو ضالین وبدون إطلاق حریة الإعتقاد بإلغاء قاعدة الارتداد لایمکن مواجهة الذات و لایمکن مکافحة ممارسة التشبیح أو الشعوذة و نشر الفتن ولایمکن صناعة مجتمع مدني تتعدد فیه الثقافات والإعتقادات، التي تمحي التحجر الإجتماعي والسکون الثقافي. الخروج من المأزق هو العمل علی التمرس بإستراتیجیة فکریة جدیدة من مفرداتها: الإعتراف المتبادل، لغة التسویة، عقلیة الشراکة، البعد المتعدد، ثقافة التهجین والعقلانیة المرکبة.
و ختاماً: "لكل عصر شكله في النضال و مفهومه للتغيير. فمن لا يعترف بما يقع تهمشه الوقائع ومن لا يقوم بتشخيص الواقع لا يقاومه ومن لا يستخدم لغة مفهومية جديدة لا يساهم بشكل إيجابي في تغييره."
الدكتور سامان سوراني
 

 



169
الإتحاد الأوروبي و إمكانية التوصّل إلى حل للأزمة السياسية في العراق الفدرالي

من المعلوم بأن الأزمة السياسة المزمنة في العراق ليست وليدة اليوم بل هي ثمرة تراكمات و ترسبات السياسة الإتكالية العقيمة، التي أنجبت الديكتاتورية العسكرية المٶمنة بالحروب و المدافعة عن العقلية القوموية الكامنة في ظلال العتمة الفكرية المتسمة بالشوفينية تارة و بالعنصرية المقيتة تارة أخری و التي أدت الی هدم الثقة بين كيانات المجتمع العراقي المختلفة و تهشيم نوافذ المواطنة.
صحيح بأن العراق مرّت بسبب تلك السياسات العوجاء بمآسي و صعوبات تخصها مثل حرب الخليج الأولی والثانية و الإقتتال الداخلي الدموي بين جهات شيعية و سنية بعد سقوط الطاغية في بغداد والتي أستمرت لسنوات عديدة، لكننا لم نری أيّة إرادة سياسية قوية من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة في إنهاض هذه الدولة و إعادة بناءها بعد نشر فلسفة المواطنة و تطبيق بنود الدستور الفدرالي لتتضائل الفوارق الإستراتيجية القديمة التي كانت تهتدي بها سياسات الحقبة الماضية. ما لمسناه هو هيمنة الفكر الطائفي العروبي علی مٶسسات الدولة و إحتكار السلطة من قبل رئيس الحكومة بصفته الشخصية و إنتهاج سياسة التفرّد في إصدار القرارات و إهمال نصوص الدستور و تجميد عمل المٶسسات الرقابية الأخری و توظيف بعضها كأداة مجندة لتعزف أناشيد الرضی لرئيس الحكومة و تروّج لإستيراد عدم الإستقرار و تصدير الديكتاتورية من جديد.
قبل أيام زار وفد الإتحاد الأوروبي متكون من سفراء كل من بولونيا والتشيك واسبانيا والسويد وسلوفاكيا ورومانيا وبريطانيا والمانيا واليونان وفرنسا وايطاليا وهولندا و سفيرة الإتحاد الأوروبي لدی العراق الی إقليم كوردستان لـ "يراقب من كثب" تطور الوضع  المتأزم في العراق و يبحث العلاقات الثنائية والتوترات السياسية التي يعيشها العراق، كيف يصل الی معرفة السبيل في مساعدة جميع الأطراف للتوصل إلى معالجة الأزمة الحالية.
نحن نعرف بأنّ ألمانيا و بريطانيا وفرنسا تشكل القوى العظمى في الاتحاد الأوروبي وأنّ لكل دولة من تلك الدول رؤية ومصالح مختلفة في دول الشرق الأوسط و بالأخص في العراق و إن هذا الإتحاد يريد دوماً الجلوس في المقعد الخلفي فيما يتعلق بالشأن السياسي في المنطقة، لكن هذا لا يعني بأنه لا يريد أن يلعب الدور الريادي في الترويج لإقتصاد ليبرالي وتعددي يساهم في بناء الفضاء الديمقراطي و ترسيخ مبادیء الفدرالية و سيادة القانون و الديمقراطية البرلمانية الضامنة للتعايش السلمي. بكلام أخر إن جلّ إهتمامات الاتحاد الأوروبي اليوم هي اقتصادية و أمنية  أكثر من كونها سياسية.
ما نريده من الإتحاد الأوروبي هو إتخاذ موقف أقوى سياسياً  في المنطقة ، لأنه من الصعب فصل السياسة عن الاقتصاد كلياً.
واليوم يحظی إقليم كوردستان بجانب علاقاته مع شركات عملاقة متعددة الجنسية، التي تعتمد بالإضافة الی السياسات الإقتصادية، الی سياسات مالية و إجتماعية و أحياناً أمنية تفضي الی زيادة نفوذها الدولي، بالوضع المتقدم في علاقاته مع الإتحاد الأوروبي و هناك نوايا جديّة و رصينة من قبل الإتحاد الأوروبي لدعم الإقليم في المجالات الإقتصادية والتقنية.
ما يفرح الإتحاد الأوروبي هو طلب الأطراف السياسية العراقية من الرئيس مسعود بارزاني شخصياً، الذي ينطلق دوماً من نظرية الديبلوماسية الوقائية، تفادياً لوقوع إقتتال داخلي و تهديد الأمن والسلم في المنطقة، ليبدأ بمبادرة تاريخية ثانية و إستعداد أربيل، عاصمة إقليم كوردستان، إحتضان مٶتمر موسع لقادة الكتل السياسية العراقية نهاية شباط ٢٠١٣ لدراسة الوضع و إتخاذ الخطوات اللازمة للدخول في حوار جديّ و الوصول الی حلول سليمة لإحتواء الأزمة الراهنة. هناك ملفات ساخنة كثيرة، لكن الذي يهم الطرف الكوردستاني هو حسم النقاط الجوهرية و وضع حد لسياسة التأجيل والمماطلة المتكررة، التي تمارسها حکومة بغداد مع سبق الإصرار والترصد.
فمن حق إقليم كوردستان وضع شروط للحصول على ضمانات تنفيذ مقررات المؤتمر قبل الشروع به، إذ انه لا يريد أن يلدغ من جُحرٍ مرّتين  ليتكرر ما حصل في اتفاقية اربيل بعد تنصل بغداد و هروب السيد المالكي من تنفيذ موادها. يتطلب صوغ أساس منطقي واضح للعلاقات بين الكيانات الرئيسية مبنيّ علی الشراكة الحقيقية والإحترام المتبادل، إذ لا يحتمل أن يسود السلام و الإستقرار الدائمان في العراق دون إيجاد تسوية مقبولة للنقاط الساخنة.   
وختاماً: إن تعاملنا مع السلطة السياسية كمحصلة قانونية أو إجرائية للحراك الإجتماعي والنشاط الإنتاجي أو الإبداعي لكل الفاعلين الإجتماعيين في مختلف القطاعات والحقول و إخضاعها للمناقشة العمومية والمداولة العقلانية والمراجعة النقدية، شأنها شأن أي حكومة ديمقراطية فعالة، يعزز تجربتنا في الديمقراطية، فالديمقراطية ليست نموذجاً يُنقل عن بعض الدول، ولكنها هدف ينبغي أن تحققه كافة الشعوب.
الدكتور سامان سوراني

170
فلسفة الاستقلال الإقتصادي و مستقبل إقليم كوردستان

من المعلوم بأن فلسفة الاستقلال الاقتصادي المبنية علی أساس العقل والتعقل و الفكر والتفكير تلعب دوراً مهماً في زمن التواصل والعولمة والتحولات المجتمعية الكبرى و الانتشار التدريجي لثقافة "ميركانتيلية" قوامها تحويل كل "شيء" إلى بضاعة، أي إلى شيء معروض في السوق قابل للبيع والشراء. 
ما يفرحنا اليوم في عصر التعدد، تعدد المناهج والنماذج، أو الأقطاب والمراكز، سواء على صعيد العلاقات بين الدول، أو داخل كل دولة، هو مشاهدة الحضور القوي لإقليم كوردستان علی الساحة الإقتصادية العالمية، بعد أن قامت حکومته بعقلنة التدبير الإقتصادي و بعد أن قام المجتمع الكوردستاني بالعمل علی نفسه في مختلف الحقول والقطاعات و بمختلف قواه و فاعليته لإجراء التحولات البنيوية يطال اللغات والعقليات والشيفرات و أنظمة الحقوق وقواعد المعاملة و التي ينتقل معها إلى وضع جديد و بعد إجتياز الكثير من العيوب والمساویء والتناقضات التي إنكشفت بعد سقوط النظام الديكتاتوري في العراق و إنهيار سلطته القمعية و بعد تحرره من المفاهيم والنماذج والقيم والأساليب التي كانت متأصلة و راسخة لعقود من الزمن، تلك المفاهيم و النماذج التي كانت مبنية على حجب الوقائع وتزييف الحقائق، بقدر ما كانت تمارس الخداع والتضليل للذات وللغير و التي كانت تٶمن بأن المجتمعات العراقية يجب أن تتغير من خلال ذوبانها في فكرة العروبة و الثورة القومية و قائد الضرورة، لا عن طريق الإبتكارات الخلّاقة و الإستعارة بالأفكار المعاصرة لصنع الحياة و المشاركة في صناعة الحضارة.
إن عمل الإقليم علی فلسفة إقتصادية تمهد الطريق لإستقلاله و تٶثر بشكل إيجابي علی مستقبل و أمن المنطقة و تطور العملية الديمقراطية فيها و تضمن في الوقت نفسه أهداف حكومته في الحرية والعدالة والكرامة من أجل إقامة مجتمع تعدّدي، مدني، تداولي، ديمقراطي، هو الذي جهّز لشعب كوردستان هذه الرفاهية و هذا التقدم الملحوظ، بعد سنوات من النضال ضد الجرثومة السرطانية البعثية الفتّاكة و القوی القوموية، التي مارست الإستبداد والفساد والتخلف و سعت في تشليل طاقات شعب كوردستان الحيّة والخلاّقة على تحديث أبنيته واستغلال مقدّراته، لمنع ضمان نجاحه في صنع نموذجه في التنمية. عالمنا اليوم والعالم المستقبلي هو عالم التكتلات، عالم الشركات والاستثمارات الكبرى، عالم الثقافة والمعلوماتية والمتغيرات الإقتصادية للعولمة، تتركز فيە نظرية 'الليبرالية الجديدة"، التي تری في رفع الحواجز والحدود أمام انتقال رأس المال وتحرير التجارة وخصخصة المشروعات الحكومية والتقليل من شأن الدولة من التدخل في النشاطات الاقتصادية تمهيدَ طريقٍ أمام الإنتقال من منطق القرار الاقتصادي لسلطة الدولة المركزية إلى منطق القرار الاقتصادي المعولم، الذي تديره المؤسسات والشركات العابرة للقومية.
بالرغم من ظهور ملامح (دولة الإقليم) التي تتشكل من منطقة اقتصادية تربط بين أجزاء من بلدان مختلفة تهمش الولاءات الوطنية، نری السيد المالكي، رئيس الحكومة في العراق الفدرالي، يمارس الی الآن وللأسف منطق القرار المركزي و يحاول بشكل بائس الی إعادة تطبيق نظام مركزية القرار بإعتبار أن الأحقية والمشروعية تابعة للمركز، بعد أن تغلب عندە الاعتبارات الايديولوجية والاستراتيجية المذهبية على هموم الإقتصاد ومشاغل البنية التحتية. فهو يرفع من شأن منطق "المنظومة" الأيديولوجية الحديدية التي تشتغل بالقولبة والتطويع والتدجين أو بالشحن والتعبئة و يرفض فكرة إقامة هيئات إستشارية ثنائية "كوردستانية-عراقية" في مجالات السياسة و الإقتصاد والإجتماع، مهمتها تقييم واقتراح السياسات المستقبلية في هذا المجال و تحديد الاختلافات وسبل معالجتها، أو وضع استراتيجية بناء القدرة التنافسية والتي تعد من أهم عناصر الاستراتيجية العليا للتنمية الشاملة، بعد تبني اللامركزية الإدارية من أجل تفعيل الديمقراطية المحلية. إذ لا نفع في الكلامي و التهديدات لمنع حكومة الإقليم في الاستمرار بالتعاقد مع شركات الطاقة العالمية أو منع الشركات النفطية العالمية للتعامل مع إقليم كوردستان والسعي في مقاضاتهم.
و إنه من التبسيط والغفلة أن نصدّق برنامجه الإقتصادي و سياسته النفطية العقيمة، التي تٶول الی الإخفاق، بعد صنع كل هذه الأزمات و ممارسة الانتهاكات و الدعوات التي تشدّد من رٶاه الخاصة و تفسيراته القاصرة علی الوحدة الوطنية المزيفة و بناء الترسانة العسكرية، تلك العملة، التي تعيدنا إلى الوراء ولا تصنع نمواً أو ازدهاراً، بل تحول القوة إلى غطرسة. إن دينامية الحداثة وفّرت شروط سوسيولوجية متربطة باستقلالية أكبر للفرد و لوعيه بذاته و بمسؤوليته و لتمتعه بقسط أكبر من حرية الاختيار، لينبثق كذات فاعلة في كل المجالات وبخاصة في المجال السياسي كمواطن فاعل، ذي حقوق. ففي ظل العراقيل التي تضعها الحكومة الفدرالية أمام جهود شعب كوردستان في تعزيز بنية و فاعلية مؤسساته الكوردستانية سوف يرقی و يعزز الحكم الرشيد و يرسخ الی منزلة الهدف الوطني في حد ذاته. 
وختاماً يقال بأن "المشروع الذي لا ينتج مؤسسة ينتهي بوفاة صاحبه و المشروع الذي لا يبدع منهجاً لا يستحق أن ينعت بالفلسفي". 
الدكتور سامان سوراني

171
الرئيس مسعود بارزاني و المنتدی الإقتصادي العالمي في دافوس

مع تفجير أطر الزمان والمكان بسبب ظهور الإنسان الرقمي و العمل الإفتراضي والفاعل الميديائي و إنتهاء زمن العقل الإمبراطوري، نری اليوم صدارة الإستثمارات الأجنبية في قضايا الإقتصاد المعاصر، التي كانت قبل عقود قليلة موضع الشك والريبة، بإعتبارها كانت تفسر كأداة للتجنيد وممارسة أنشطة مناهضة للإيديولوجيات والنظريات القومية الضيقة، التي إحتلت زهاء نصف قرن عقول النخب السياسية الضالة في العالمين العربي والشرقي و ساهمت مساهمة سلبية في تأخر المجتمع و الإقتصاد القومي. 
بعد سقوط نظام الجمود العقائدي و الفكر الإستبدادي في العراق، نمت فكرة تشجيع الإستثمار الأجنبي لا فقط في نقل رأس المال، كما يتخيله سذجة علوم الإقتصاد، بل في نقل التكنولوجيا والإدارة الحديثة و تطوير ثقافة العمل و الإشراك في النهضة العلمية الحديثة. حكومة إقليم كوردستان بادرت في إصدار قانون الإستثمار، کخطوة مهمة لجذب الاستثمارات الأجنبية و منحها إمتيازات وعرضت مجموعة من الفرص الاستثمارية في الاقليم وتم بفضل هذه المبادرة تنفيذ مشاريع سكنية وفندقية عظيمة و إنشاء عدد من الجامعات الخاصة مثل الجامعة الأمريكية ومحطات توليد الطاقة الكهربائية ومجموعة أخرى من المشاريع الصناعية.
في هذا الزمن الكوكبي لا مجال للفصل بين الداخل والخارج، فهناك تداخل في الأنشطة الإقتصادية و تشابك بين الميادين والحقول المختلفة و ترابط في المصالح و مشاركة فاعلة بين الأطراف المختلفة بعيدة عن فكرة الطرف القوي والطرف الضعيف، بل هناك مفاوض ضعيف و مفاوض قوي. فآراء الجهات المختلفة تٶخذ بعين الإعتبار لكي لا تخلق إختلال في البنية الإقتصادية المشتركة ولكي تتحقق أهداف الأنشطة الإقتصادية بشكل كلي.
إن مشاركة الرئيس مسعود بارزاني، الذي يكون ضمن ٥٠ رئيس دولة و حكومة، في منتدی إقتصادي عالمي يحمل عنوان «الدينامية المثابرة» دليل علی إهتمام حکومة الإقليم بالفلسفة الجديدة للإقتصاد و سعيها الدٶوب في الدخول الی منظمة التجارة العالمية من أجل تحقيق مكاسب علی أرض الواقع و يقينها بأن الشعوب أصبحت تقيّم النظم الإقتصادية من خلال المكاسب، لا من خلال الإنغلاق السياسي والإقتصادي أو من خلال نظريات طوباوية و كلمات منمقة و رفع شعارات زائفة. 
اليوم، ٢٣-١-٢٠١٣، سوف تبدأ دورة المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السياحي شرق سويسرا، التي تحولت من مجرد ملتقى مصغر لمسيري مؤسسات اقتصادية غربية كبرى، إلى محفل دولي بارز لكبار قادة العالم، اضطر للإنفتاح شيئاً فشيئاً على حكومات دول الجنوب والإقتصاديات الصاعدة. ومن المتوقع أن ينصب التركيز هذا العام على عدد من القطاعات الإجتماعية، وفي مقدمتها القطاع الصحي بعد تقييم التطورات والتغيرات الحادثة في العالم. وسوف يسمح هذا المحفل للوفد الكوردستاني المشارك بالإلتقاء بالأوروبيين والأمريكيين وإبرام صفقات تجارية و طرح مشاكل آنية والبحث عن حل للصراعات القائمة في المنطقة. ففي المجتمعات التي تنوي التنمية و البناء، تكون القرارات علی المستوی الأعلی حصيلة التداولات و التأثيرات المتبادلة، علی مختلف المستويات و في كل الإتجاهات.
أما المنتدی، الذي إجتذب علی مدی تاريخه أسماء لامعة من عالم الأعمال و الأكاديميين و السياسة والفن، منهم نيلسون مانديلا، بيل كلينتون، أجيلا ميركل، بيل غيتس، توني بلير، مسعود بارزاني، فهو منظمة غير ربحية، تمول نفسها  بالإشتراكات التي يدفعها أعضاؤها، تأسس من قبل كلاوس شفاب، رجل أعمال الماني الأصل، بهدف ربط الصلة بين زعماء المال والأعمال الأوروبيين ونظرائهم في الولايات المتحدة لإيجاد طرق تعزيز التعاون وحل المشاكل بدأ أعماله عام ١٩٧١ تحت عنوان "منتدى التسيير الاقتصادي الأوروبي". المشرفون علی المنتدی يدّعون بأن منتداهم ساهم في الماضي بشكل فعّال في تهدئة الخلافات بين تركيا واليونان، وبين الكوريتين، وبين ألمانيا الشرقية والغربية، وفي جنوب إفريقيا أثناء نظام التمييز العنصري.
نتمنی أن يحصل الوفد الكوردستاني، المٶمن بالسياسة الديمقراطية و الحداثة و الإقتصاد الليبرالي المعولم، المزيد من الدعم العالمي لقضية شعبه العادلة و تعزيز و تثبيت المكانة الإقتصادية للأقليم دولياً من أجل ترسيخ مبادیء الديمقراطية الجذرية في العراق و إستدعاء مفهوم التعددية وإستبعاد مفهوم المطابقة والإنفراد و منع ظهور فكرة الزعيم الأوحد و القائد الملهم أو المهدي المنتظر، الذي يهوی حراسة ثوابت معيقة و مقولات مستهلكة و نماذج بائدة أو يريد أن يختزل المجتمع بأكمله و يستبد العراق بأسره، لأن الهدف وراء هذه الفكرة هو تشكيل حشود بشرية و قطعان عمياء تصفق وتطرب و تعد و تتوعّد، لكي تقع في النهاية ضحية من تقدسه و تبجّله.
وختاماً: "لا سبيل اليوم لمجتمع أن ينمو و يتطور أو أن يتقدم و يزدهر من غير أن يمارس حيويته الإقتصادية، فالهوية هي صيرورة تصنعها العلاقة مع الغير، كما الدين هو المعاملة و العقل هو المداولة و السياسة هي الشراكة."
الدكتور سامان سوراني
 

172
كركوك بين عمليات دجلة اللادستورية والعمليات الإرهابية الجبانة


شهدت مدینة کرکوك وقضاء طوزخورماتو صباح یوم 2013.01.16 هجمات إرهابیة جهنمیة وحشیة عمياء مزّقت الأجساد ودمّرت الممتلکات، راح ضحیتها ما لايقل العشرات من المواطنين المسالمين و أعضاء لمنظمات مدنية كوردستانية فاعلة في المدينة وأصيب أكثر من 200 آخرين بجروح، يعجز اللسان عن إيجاد كلمات تناسب شجبها، بسبب الفلسفة البربریة التي تقف ورائها والتي لا ترید شیئاً سوی إلحاق الدمار بالشعب الكوردستاني وإفساد الوحدة الوطنية والتعايش السلمي في كركوك. إنها بحق فلسفة عنصرية صادرة من عقول مجرمي الحروب، التي تفضل الموت على الحياة والتي تستند أساساً الى المبدأ المتوحش الداعي الى قتل المواطنین الأبرياء و تعريفهم بالأعداء الألداء والنيل منهم، لمجرد عدم إنتمائهم الی حضيرتهم و رفضهم قرارات خاطئة صادرة من قبل القائد العام للقوات المسلحة، مثل تواجد قوات عمليات دجلة اللادستورية في مناطقهم والتي أدت تمركزها الی تأزيم الوضع السياسي و ساعدت تحركاتها العدمية الی إحياء الفوضی الأمني في المنطقة.
من المعلوم بأن العنف لم یقُد یو‌م من الأیام الی تحقیق الأهداف الطوباویة والمشاریع المستحیلة، إذن ماهي الرسالة التي يريدون توجيهها من خلال هذه العملیة اللاإنسانیة؟
لا المسؤولين الأمنيين في الحكومة الإتحادية و لا رئيس الوزراء الإتحادي، الحائك لخيوط الدكتاتورية و لغة العنف، أبدوا إهتمامهم بهذه الفاجعة اللاإنسانية أو إتصلوا بالجهات الحكومية في كركوك أو قاموا بزيارة الجرحی للإطمئنان علی أوضاعهم الصحية أو لإعلان الأسف و إدانة هذه العملية الوحشية، التي تهدف أساساً الی تغییرالحیاة في كركوك من التآخي الی الجحیم، قتلاً وحرقاً وتدمیراً. هذه هي و للأسف فلسفة الحكومة الإتحادية، التي لا تضع للمواطن، ذلك العنصر الأساسي المساهم في تحویل العراق الی مجتمع مدني ديمقراطي تعددي متحضر، أي إعتبار يذكر.
الحكومة الإتحادية تعمدت طوال مدة حكمها عن سبق إصرار في تنفيذ المادة 140 من الدستور المتعلقة بالحل السلمي لقضية كركوك والمناطق الكوردستانية الأخری الخارجة عن إدارة إقليم كوردستان. فهي تسعی الی إقناح الرأي العام في العراق، بأن القوات الأمنية الكوردستانية ضعيفة، لا تستطيع حماية مواطني كوردستان ولكن رؤيتها الإسترجاعية هذه لا تقودها الی النجاح، بل تنتهي بها الی القعود ولیس الی النهوض.
لقد مارس النظام السابق في العراق أعنف أنواع العمليات الوحشية و الإبادة الجماعية ضد شعب كوردستان ولم يتمكن من التقليل من إرادتها في الحرية والإستقلال، لذا نقول للجهات التي لم تستفد بعد من دروس الماضي والتي تمارس اليوم الترويج لجحيم الآلة العسكرية، بأنه مع كل محاولة يائسة للنيل من شعب كوردستان يزداد إيمان الكوردستانيين في تلك المناطق بكوردستانية مدنهم و أقضيتهم وسوف يستمرون في الحوار كقاعدة للعيش و يستخدمون كافة الوسائل السلمية لإسترجاع حقوقهم المهضومة، بعد إدانتهم لكل فکر شوفیني بعثوي إسلاموي إستعلائي، تروّج ثقافات العروبیة الفاشلة وأساطیر السردیات الکبری، التي ستؤول الى الإنتهاء قريباً بفعل حركة حضارة الانسان.
ولا جدوی بعد الآن من التشبث والإحتماء بالهويات المسيّجة و السيادات المصطنعة، إذا كانت تفضي الی تقويض معاني الآصرة والرابط بين النظراء والشركاء و الأجدی هو ما يسهم في بناء علاقات التعايش والتواصل أو التعلم والإفادة علی سبيل التداول والتبادل.
أصحاب الثقافات المتحجرة الأحادية العدوانية والإستبدادية لا تؤمن ببناء المؤسسات، التي تستطيع أن تكافح داء الإرهاب أو أن تجمع القوی المتحضرة لتسهم في بناء دولة مبنية علی أساس الشراكة الحقيقية، دولة تؤمن بالدستور و القانون و تعزز الفدرالیة الدیمقراطیة و التعددیة الإتحادیة.
ومعالجة الإرهاب تحتاج الی إجراءات أمنیة بقدر ماتحتاج الی تحولات في بنیة الثقافة بثوابتها ونماذجها أو ببرامجها وتعلیمها. أما نحن كإنسان، فمن واجبنا محاربة كل تطرف ديني أو قوموي للتخلص من فلسفة الارهابيين الخاطئة. و لتعمل المؤسسات الأمنية الكوردستانية علی تفکیك مفهوم هذه الفلسفة، لکشف بنیته‌ الفکریة وتبیان آلیات عمله، من أجل قلع جذور المعتقد الإصطفائي الشوفيني، الذي یزّین لأصحابه أنهم ملاك الحقیقة و خیر أمة و سادة الخلائق، المعصومون عن الخطأ، أهل الفرقة الناجیة.
وختاماً نقول: لا للإرهاب و لا للعنف و لا لعقلیة الثأر والأنتقام تحت يافطات سخیفة و مزیفة، مثل إنقاذ "الوطن من التقسيم والوحدة الوطنية" و لا للسعي إلی نفي الآخر و محو خصوصيته. فلتتضامن أهالي مدینتي، بکورده‌ وعربه وترکمانه و کلدانه وآشوره وأرمنه، مع البعض و تقف صفاً واحداً ضد الإرهاب و العنف للحفاظ على أمن كركوك المجروحة و أرواح مواطنيها المسالمين.
الدكتور سامان سوراني



173
أوهام الثورة الإسلامية الشمولية في باكستان و أعطال الديمقراطية

ظاهرة تفاقم المشكلات علی المسرح الكوني، في غير مكان و علی غير صعيد و توالي الدعوات و إصطراع الهويات و صعود أنبياء جدد بين ليلة و ضحاها، يدعون بأنهم أصحاب مهمات إلهية و منازع إسلامية تهدف الی إحتكار المشروعية و ممارسة الوصاية علی الشأن الكوني أو إدارة الشأن الإسلامي بمنطق الدين، دليل علی إنهيار المشاريع الديمقراطية الكارتونية السطحية، التي صادرت حرية التفكير و أنتجت الأخطاء و الأوهام و الأصنام و المحرمات أو المقدسات.
الحل هو المشكلة، فقبل فترة وجيزة ظهر نجم "محمد طاهر القادري" في سماء السياسة الباكستانية، الذي يلقب نفسه بـ"شيخ الإسلام" و الذي إكتسب شعبية فور عودته من كندا إلى بلاده منذ أسابيع، فهو مٶسس منظمة إسلامية كبيرة في بداية الثمانينات من القرن الماضي تسمی "منهاج القرآن العالمية"، تملك فروعاً في أكثر من تسعين دولة في العالم.
صحيح بأن محمد القادري، الداعي "للسلام العالمي"، قام في الماضي بإصدار فتاوی عديدة منها فتوی ضد الإرهاب و المتورطين في العمليات الإرهابية، معتبراً إيّاهم بالخارجين عن "الملة القويمة" أو بـ"كفار"، واصفاً تنظيم القاعدة بـ"شرّ قديم بإسم جديد"، لكنه اليوم يريد أن يحول إسلام آباد الی "ميدان التحرير"، بعد أن أعلن بشن حرب على الفساد و سوء الإدارة، داعياً الی تنفيذ إصلاحات انتخابية، منادياً الی تظاهرات مليونية ضد الحکومة الحالية، تشارك فيها أتباعه "القادريين" ومن النشطاء في "حركة منهج القرآن" التي تضم شبكة من المؤسسات الدينية والتعليمية في باكستان والعالم، لخلق "ثورة ديمقراطية" و حل البرلمان الحالي المنتخب من قبل الشعب الباكستاني بشکل ديمقراطي.
لكن من هو محمد طاهر القادري؟ هذا الرجل ذو اللحية البيضاء و النظارات المطلية بماء الذهب، عاش في السنوات الماضية في أمريكا الشمالية، يحمل بالإضافة الی الجنسية الباكستانية، جواز سفر كندي. رجع القادري في شهر كانون الأول عام ٢٠١٢ الی باكستان، قام بعده بجمع الآلاف من أتباعه في مدينة لاهور ليطالب معهم بالإصلاحات الإنتخابية و إنتخابات جديدة يسمح فقط لمرشحين يثبتون بأنهم دفعوا ضرائبهم الی الحكومة، لكي يحتل، علی حد قوله، "أناس أمناء و نزهاء" مقاعد البرلمان.
المعروف بأن هناك إنتخابات يحتمل إجراءها في الربيع من هذا العام و إذا تمت الإنتخابات، فإنها سوف تكون أول إنتخابات تجري بشكل ديمقراطي بعد ٦٦ عام من تاريخ هذا البلد. لكن بسبب مطالبته من الجيش تقديم المشورة لتشكيل حكومة إنتقالية، يعتقد الكثيرون بأنه يدعم من قبل الجيش و بالأخص من قبل الدكتاتور العسكري السابق برويز مشرّف.
السٶال الذي يطرح نفسه و الذي يدعوا الی الإستغراب، هو من أين لـ"شيخ الإسلام" محمد القادري            كل هذا التمويل المالي للقيام بحملته الانتخابية، وهو الذي تحول في غضون أسابيع قليلة من لا أحد الی هذا النجم السياسي الساطع؟
أتباعه يقولون بأن مٶسسته، "منهاج القرآن" هي التي تقوم بتمويله مادياً لهذه الحملة بعد حصولها علی تبرعات من قنوات مختلفة و هي التي أجّرت أكثر من أربعين الف حافلة لنقل المتظاهرين ولها رجال أمنها الخاص والتي تعمي المشاركين في التظاهرات. و هو كإنتهازي يلعب بحبل المدافع لآراء المحافظين تارةً و يقبل الرجم كحد شرعي من الحدود الشرعية و يدعم تارة أخری مساواة المرأة في حقوقها المتعلقة بديتها.
سٶالنا، هل يملك محمد القادري القدرة الكافية لتحريض الشارع في عموم باكستان للقيام بالثورة هناك وهل تكون هذه الثورة إسلامية، أم إنها تبقی أقرب الی التهويم والتشبيح أو الی الشعوذة والهذيان؟
المآل هو دوماً عكس الإدعاء والوسائل تدمر الغايات والمشروع الإسلامي يفقد مصداقيته و يحرق الأوراق التي يلعب بها، لذا يمكن الإدعاء بأن منطق التقديس والتسبيح للأشياء والذوات والأشخاص أو للأفكار الشعارات، التي يرفعها "شيخ الإسلام" اليوم هو الذي سوف يولد الإستبداد والإستلاب و العماء والإرهاب أو الفساد والخراب. أما التسبيح بحمد الحقيقة والحق أو الحرية والديمقراطية فلا يقود باكستان الی برّ الأمان. فالأجدی لهم، خاصة و أننا نلج الی عصر كوكبي تتعولم فيه الهويات والثقافات، كما تتعولم المشكلات والكوارث، أن يصنعوا صور جديدة عن أنفسهم و عن علاقاتهم بسواهم و عن مكانتهم في العالم، لا أن يعمل نعض منهم تحت یافطة ما هو مطلق و مقدس و ثابت و كامل و أحادي و نهائي، لتحويل البشر هناك الی آلات عمياء أو إتخاذهم كرهائن لبرامج و مشاريع "شيخ الإسلام" الشمولية لتطهير الأرض من المخالفين في العقيدة والحصيلة سوف تكون دوماً إستحكام الأزمات و إعادة إنتاج المآزق. 
وختاماً: إن تحويل الدين، الذي يسميه البعض بـ"فيتامين الضعفاء"، من صيغته المركبة والمزدوجة التي كانت تٶمّن نوعاً من التوازن بين التقی والإنتهاك و الوازع الخلقي والسلوك الهمجي وبين الرحمن الرحيم والجبار المنتقم، الی مٶسسة لإطلاق الوعيد والتهديد أو الی إستراتيجية قاتلة تنتهك كل قيم التواصل والتعارف و التراحم والتكافل، سوف تقبر الديمقراطية و تحجب العقلانية، لا تساعد علی خلق مساحات و لغات و آليات للتعايش والتبادل علی نحو إيجابي و بناء.     
الدكتور سامان سوراني

.

174
مخيلة آلهة القتل و التصفية الوحشية لرموز سياسية كوردستانية


لا شك أن جريمة الإغتيال والتصفية الوحشية التي ارتكبتها أيادي الغدر والهمجية المحرضة الصفراء ضد ثلاثة ناشطات كوردستانیات نهار التاسع من شهر كانون الثاني 2013، في إحدی مراكز الإعلام الكوردستاني في قلب العاصمة الفرنسية باريس شأنها شأن سائر الجرائم التي تقام منذ عقود بحق الشعب الكوردستاني و رموزه السياسية نابعة من عقليات فاشية إصطفائية دغمائية ثبوتية لاإنسانية تؤمن بعمائها الإيديولوجي بالتطهير العرقي و الإستئصال الإرهابي.
هذه الجريمة ارتكبتها أطراف تسعى لعرقلة مرحلة الحل الراهنة، مرحلة المفاوضات المباشرة بين الحكومة التركية و حزب العمال الكوردستاني و الحوار من أجل الحل السلمي لقضية أكبر شعب يناضل بوسائله الدفاعية ويسعی إلی تحديث الدول التي تمارس العنف ضده لعصرنة قوانينها و تحويلها من دول تحكمها الأجهزة العسكرية والأمنية الی دول تحكمها القانون وتسود فيها الديمقراطية والتعددية، و ذلك من أجل إرجاع حقوقه الأساسية في العيش علی هذه البسيطة.
إن التصفية الدموية التي تعرضت لها كل من ليلی سويلميز، فيدان دوغان و ساكينه جانسيز لا تقلل من  عزيمة الكفاح التحرري السلمي و ثبات الشعب الكوردستاني المؤمن بمستقبله المشرق و حريته و إستقلاله بعد هذه المحنة الخطيرة، بل تجلب معها صفحة و شعلة جديدة من النضال التحرري الدؤوب والمشروع.
ساكينه جانسيز (55 عاماً)، كانت ضمن مجموعة صغيرة من الناشطين الكوردستانيين، الذين أسسوا "الحزب العمال الكوردستاني". تعرضت هذه المناضلة في الثمانينات من القرن الماضي للتعذيب في سجون دياربكر (آمد) بتهمة ميولها "الإنفصالية". إستردت حريتها عام 1991 و توجهت أواخر عام 1992 بتعليمات من رئيس حزبها الی المانيا بهدف تنظيم أنشطة حزب العمال الكوردستاني هناك.   
وبمرور الزمن اصبحت ساكينه كادراً مهماً لحزبها في أوروبا،  خصوصا لقربها من القائد العسكري الأساسي لحزب العمال الكردستاني مراد "قره ايلان" الذي كان متمركزاً مع نحو الفي مقاتل كوردستاني في جبال قنديل. والأخير أصبح رمزاً لـ"حزب العمال الكوردستاني" تم إعتقال مؤسس الحزب عبد الله اوجلان عام 1999 المتواجد ولحد الآن في سجن جزيرة إيمرالي، شمال شرق تركيا.
التعامل مع القضية الكوردستانية بلغة التهديد والوعيد للتخلي عن الحقوق المشروعة في تقرير المصير و الإنصياع الی أوامر الشوفينيين رسالة تحمل في طياتها ثقافة التحجر و العدوانية و الإستبدادية، لايمكن أن يقبلها شعب يعيش في عصر كوكبي من سماته الإعتماد المتبادل و التأثير المتبادل.
القتلة هم من صنيعة العقلية العنصرية المقيتة التي عشعشت لعقود في الذاكرة التركية بسبب فرض أيديولوجيات عمياء و ممارسات تعصب فاشية رفضت وجود الكورد علی أرض أجدادها و لم تكن مستعدة لمجابهة ظاهرة نشوء حزب العمال الكوردستاني و فاعليتها بعقلية التعددية الفكرية والثقافية أو بإستخدام لغة وسيطة و هوية مفتوحة و هجينة، تؤمن بالحرية في الإعتقاد والتعبير و الإختلاف.
و ليعلم أصحاب العقل الإمبراطوري بأن زمنهم قد ولی في عصرنا هذا، عصر الإنسان الرقمي والعمل الإفتراضي والفاعل الميديائي و لابد الإعتراف بكامل حقوق شعب كوردستان السياسية  و الإقتصادية والثقافية و فك الوصاية علی القيم والحقوق والحريات.
نحن نرفض العنف والإرهاب أياً كان مصدره و ندين و نفضح تلك الممارسات اللاإنسانية. وعلی الجهات التي تؤمن بالحل السلمي للقضية الكوردستانية نزع الألغام التي تفجر مشاريع التقريب والحوار والتوحيد والإهتمام ببناء المعادلات و خلق الصيغ الحضارية التي تتيح للمجتمع التركي والكوردستاني التعايش والتواصل أو التعارف والتبادل، بعقلية الشراكة والوساطة و بصورة مدنية تداولية.
وختاماً: نقول لديناصورات الفكر العنصري الشوفيني، التي تفبرك الأوهام الخادعة أو الأحلام المستحيلة علی حساب الشعب الكوردستاني لإنتاج مزيد من الكوارث، بأن حصيلة أعمالهم الإرهابية الهمجية هي مضاعفة الأزمة والورقة الأخيرة بأيديهم، التي هي في طريقها الی الإحتراق.
الدكتور سامان سوراني



175
لماذا التحوّل نحو الحكم التسلّطي أو حكم الفساد والاستبداد في العراق الفدرالي؟

لقد كان سقوط نظام الطاغية في بغداد عام 2003 علامة تاريخية فارقة للعراق، بعدها بد‌أت عملية سياسية مركّبة ومعقّدة، كنا نظن بأنها قد تسجل إنتصار للشعب العراقي بمكوناته المخلتفة لا يحتمل التعثر والتراجع، بعد أن إنكسرت شوكة تجربة المدّ التحرري عام 1991 في نيل غاياتها في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية.
اليوم و بعد مرور مايقارب 10 سنوات من هذا الحدث الفريد، نری تحول ديكتاتورية فوضی التوافق والمحاصصة الی ديكتاتوريّة العسكر المصبوغة بالصبغة الدينيّة تارة و لدغة الشوفينية تارة أخری يوحي بأنّ البلد إندفع مرة أخری نحو حكم تسلّطي جهوي فاسد و مستبد يهدف الی تهميش الكيانات و الشعب و إرادته النبيلة و يمارس العداء للحريّة في الداخل وفي المحيطين الإقليمي والعالمي، بعد أن جثم هذا النوع من الحكم على صدر العراق طوال عقود و قام بالأنفال و الإبادة الجماعية و مارس جرائم كبری ضد الإنسانية لا يعد و لا يحصی.
بعد فشل عملية سحب الثقة من رئيس الوزراء، الذي يمكن إرجاعه الی أسباب مختلفة، لا مجال هنا لذكرها، والتي كانت حسب رأينا من أنجع الطرق السلمية لحل الأزمة الحالية علی الأقل و قطع الطريق أمام معضلة الحكم الفاسد المائل نحو الإستبدادية، ترتفع بسبب التسويف والمماطلة المتنطعة في تنفيذ مواد دستورية و تحقيق مطالب الكيانات أصوات متظاهرين في محافظات مختلفة و تتصاعد المطالب الی سقف "إستقالة رئيس الحكومة" لرفع الحيف و الخيمة الطائفية و تقليل الترهیب والإعتقالات العشوائية والأساليب القهرية، فهل ياتری بدء المتسلّط  بالفكاك و إستيعاب الدرس من الأنظمة السابقة أو يكون عقله خال من التعسف كي لا يفسد الضمير أو أن لا يضمر العنصر الأخلاقي في السلطة أو يغيب؟
كالعادة يبدأ الاستبداد بسيطرة السلطة السياسية على المجال الثقافي و كذلك سيطرتها على مجالات الإنتاج الاجتماعي بعد استتباع المثقفين واستمالتهم أو تهميشهم والتنكيل بهم. لماذا يجب أن تسيطر السياسة على الثقافة وتستتبعها، ولماذا يجب أن ينظر رئيس الحكومة إلى المثقفين و حتی المتحالفين معه على أنهم فائضون عن الحاجة، سوى المنضوين منهم في مؤسساته الطائفية والعسكرية والأمنية.  لماذا يجب أن يكون الولاء الخالص له هو المعيار للوطنية و الإخلاص لا الكفاية العلمية والثقافية، ولا الجدارة الأخلاقية. إنها الفضيحة والكارثة بل الخديعة و الأكذوبة، التي تهدف الی تعطيل الدستور و إن أمكن الی تجريد المخالفين من المناصب والسيادة لكي يتألّه رئيس الحكومة، الذي يری نفسه بأنه أكبر من بلده و لكي يمارس سلطته المطلقة، لا يسأل فيها عما يفعل. أدواته تريد حل البرلمان، لأن سيادته لا يطيق أعواناً يناقشونه أو يتبادلون معه الرأي ولأن البرلمان لم يعد مجرد عبد ينفذ أوامره و يستجيب لنزواته، كما القضاء الأعلی في العراق.
فالإنسداد يولد الإنفجار وأن النوم علی الهدنة و الإفاقة علی الفتنة والترجح بين موجات من العنف الكلامي و جولات من الإضطراب الأمني دليل علی أن عوامل الإحتراب الطائفي والقومي و الفاشية المذهبية والشعوذة العقائدية مازالت شغالة و لم تنتف.
ولا شيء يلغم المشاريع والسياسات أكثر من أحادية التفكير، كما يمارسه اليوم رئيس الحكومة لينتقض من شأن الآخر المختلف، فإدعائه إحتكار مفاتيح الحلول و أبجدية الوطنية بفضل تملك حزبه الثروة والسلاح، الذي يغدو مشكلة و لغم ينتظر ساعة الإنفجار، يعود ضررٌ علیه و علی دولة القانون وعلی العراق و المجتمع. من لا يعمل علی فتح ممكنات جديدة أمام العمل الوطني، العابر لحدود الطوائف، والمستوعب لحراك المجتمع ومتغيرات العالم يظل غارقاً في عالم الشعارات و يفقد مع مرور الزمن مصداقيته.
علينا أن لا ننتظر حلولاً قصوی من المساعي العاجزة، بعد كل هذه التطورات علی الساحة السياسية في العراق الفدرالي، كي لا نصطدم و نفجع بالواقع، فالفيدرالية، كما الديمقراطية تبقی دوماً رهناً لما نفكر فيه و نصنعه، فهي صيرورة مفهومها علی مستوی الفكر، بقدر ما هي ثمرة التجارب الفذة والغنية، علی أرض الواقع البشري الملغم دوماً بالأهواء والمطامع أو بالجهل والنسيان. و الرهان هو أن لا تسمتر الحكومة في هذا البلد علی نفس النهج أو بنفس المنطق الذي أنتج العجز والفقر و الحروب و أفضی الی المآسي والكوارث بعد إستخدام القوالب والآليات الفكرية القائمة علی البعد الأحادي والمعتقد الإصطفائي و الإستبداد السياسي والتهويل الأيديولوجي و قصة المؤامرة و عقلية التهمة التي تستعدي المختلف والآخر هنا وهناك. 
وختاماً: "علينا أن نتعامل مع السلطة السياسية كمحصلة قانونية أو إجرائية للحراك الإجتماعي والنشاط الإنتاجي أو الإبداعي لكل الفاعلين الإجتماعيين في مختلف القطاعات والحقول و نخضعها للمناقشة العمومية والمداولة العقلانية والمراجعة النقدية، شأنها شأن أي حكومة ديمقراطية فعالة."
الدكتور سامان سوراني



176
رئاسة إقليـم كوردستان ولغة التفاوض الدبلوماسي

من المعلوم بأن التفاوض الدبلوماسي هو وسيلة من  وسائل تسوية النزاعات بهدف صياغة إتفاق مشترك بين أطراف النزاع في إطار رعاية المصالح المتبادلة سواء علی المستوی الداخلي، الإقليمي أو الدولي.
و هناك فرق بين الحوار و المفاوضة. فالحوار يسبق التفاوض و يمهد له الطريق و تلعب الثقة المتبادلة دور مهم في توفير فرص جيدة لحل الخلافات  بشكل جذري بعيداً عن حشد القوات العسكرية و ذلك من أجل تعزيز التوافق.
لقد آمن رئاسة إقليم كوردستان بنظام توزيع السلطات و مؤسسات دستورية تمارس الحكم الديمقراطي في العراق، لكي‌ تبتعد بغداد عن الشمولية في الحكم. وما الفدرالية، التي ينادي بها الإقليم إلا حق ثابت لشعب كوردستان. ذلك الشعب الذي عانی الكثير من الويلات بسبب الحكم المركزي، الفردي و حكم الحزب الواحد، بعد أن غاب الدستور والقانون و صارت حقوق الإنسان مفردة ممنوعة و بعد أن أصبحت لغة الحرب، اللغة الوحيدة والسائدة لعقود من الزمن في العراق. 
لقد مضی وقت طغت علی الخطاب السياسي في العراق مصطلحات عروبية كالوحدة والحرية والإشتراكية، لا من خلال تصور تعددي و إختلافي، بل في سبيل تهميش و إقصاء و لغو الآخر المختلف وتطبيق نظريات الإصطفاء العقائدي والفرز العنصري و التطهير العرقي.
فلكي لا تعني السياسة في العراق من اليوم فصاعداً السيطرة علی قول و أعمال الآخرين، بسبب تعارض الإتجاهات حول قضايا مهمة، و لكي لا تكثر التهديدات و تحشد و تجند و تنحصر إمكانات الدولة في سبيل الهجوم علی الآخر المختلف، علی الحکومة الإتحادية العمل في سبيل توظيف طاقات هذا البلد البشرية نحو البناء و التنمية الإقتصادية والإجتماعية المنتجة و القيام بنبذ فلسفة عسكرة المجتمع و الإسراع في إيقاف إستقدام ضباط الاركان والحركات في الجيش العراقي السابق، الذين يتمتعون بخبرات عسكرية نجومية في مجال حروب فاشلة مضت، لدفعهم في حروب مستقبلية فاشلة أيضاً، تخطط لها في السر و العلانية.
سياسة الإقليم تؤمن بأن المؤسسة العسكرية يجب أن تستخدم للأغراض الدفاعية فقط، لا الهجومية و تری بأن إنخراط العسكر في العمل السياسي والحزبي هو تهديد علی النظام الديمقراطي الفدرالي التعددي. وما الإقرار بحقوق الشعب الكوردستاني المشروعة في الاتحاد الفيدرالي إلا السعي لتلبية المطالب الدستورية لهذا الشعب والإلتزام بالمادة 140 من الدستور تطبيقاً لحقه في تقرير مصيره، بعد أن صار شعب كوردستان عامل الاستقرار في العراق و المنطقة.
علی الحكومة الإتحادية أن تعرف بأن التصورات والنماذج والخيارات و الرهانات تتعدد و لا وجود لحل واحد من قبل الجهة الإتحادية و إن الأفراد والجماعات مختلفون في أذواقهم و ميولهم و بيئاتهم و رغباتهم و مشاريعهم و إن زمن إستخدام آليات التمايز والتفاوت و إستراتيجيات التوسع والسيطرة أو ممارسات العنف والتوحش ووسائل الحجب والآليات التمويه أو التلاعب قد ولّی وإنّ الآمال والأحلام الجماعية لم تنتج سوی قطعان بشرية و أنتجت أنظمة تعمل علی قهر البشر و جعلهم رهينة المشاريع المستحيلة والأحلام المدمرة.
فالمفهوم الإختلافي يتيح قيام وحدة مركبة تجمع المفترق وتؤلف بين المختلف، أما المفهوم الأحادي فلا ينتج سوی الإختلاف والشرذمة، بل هو ينتج وحدة مجتمعية مفخخة تنتظر دوماً لحظة الإنفجار.  وعلی هذا الأساس قام وفد إقليم كوردستان بزيارة بغداد، حاملاً معه منهاج عمل تحريري حدد فيه خطط و أسس العمل المشترك مع وفد الحكومة الإتحادية و الذي أكد خلال لقاءه بالوفد الإتحادي بأنه من الضروري تنفيذ نقاط هذا المنهاج، للوصول الی  إنهاء السياسات الإستفزازية ضد إقليم كوردستان، التي مورست وللأسف من قبل السيد رئيس وزراء العراق الإتحادي، لکن كيف لنا أن نؤمن اليوم بأن الحكومة الإتحادية تعمل علی التعديل من سياستها التصعيدية، إذا لم تتسرع في سحب قوات دجلة اللادستورية من محافظة كركوك و مناطق كوردستانية أخری خارج الإقليم، لكي نطمئن و يطمئن معنا شعب كوردستان بأنها مع المبادرة السلمية.
الرهان أمام الحكومة الإتحادية هو الإنتقال من سياسة الإستثمار في التجهيزات و المعدات العسكرية و الحروب و سفك الدماء و تخريب العمران، للإستثمار في الموارد والطاقات، بخلق ما يحتاج اليه الإنماء والبناء والتقدم والإزدهار، من النماذج و الصيغ والوسائل والأدوات، بعد محاربة الفساد و لجم الأهواء والنزوات. فلا يمكن للحكومة الإتحادية أن تسحق أمال شعب كوردستان مهما طال أمدها أو تقف كحجر عثرة أمام قرار شعب كوردستان في المناطق الكوردستانية خارج الإقليم الی مالا نهاية. 
وختاماً: لا أحد يستطيع تحرير سواه. إذ الحرية هي أن يخلق كل فرد من أفراد المجتمع عالمه و مداه، لكي يظهر إبداعه و يمارس حضوره، أو لكي يلعب لعبته و يُشكّل سلطته."
الدكتور سامان سوراني
 
 

 




177
الرئيس جلال طالباني القطب الهادئ في العراق الفدرالي

من المعلوم بأن السياسي العامل في مجال الفكر، هو من يشعر بأن إتنماءه الأول هو للنوع البشري و أن العالم هو المدی الأرحب لفكره، لا النظريات العقيمة أو الهويات المغلقة. فهو يفيد من التجارب و ينفتح علی الحقائق و يشتغل علی التراثات والهويات و يفكر نقدياً علی العقائد والفلسفات، من أجل تحديد عالم الأفكار والمفاهيم. ومن خلال الوقائع الفكرية التي يخلقها، يمارس السياسي المفكر فاعليته علی ساحته وفي بيئته و في المدی الإقليمي والعالمي.
في حين تشهد الساحة العراقية أزمة سياسية حادة و تسيطر علیها أجواء الخوف والقلق والترقب، نتيجة الممارسات اللادستورية لرئيس الحكومة في بغداد و الهجمات الشرسة لرجال دولة القانون علی المخالفين لسياسته التفردية و تحشد قواته العسكرية في مناطق كوردستانية للنيل من التجربة الديمقراطية، يمر الرئيس طالباني بنكسة صحية خطيرة و ينقل الی دولة المانيا الإتحادية بغية العلاج وبذلك تبتعد و للأسف تلك القوة الخفية، التي أثرت في تاريخ كوردستان السياسي وأنهت في السنوات الماضية الكثير من الأزمات السياسية التي عصفت بالعراق الفدرالي. بإبتعاده عن الدخول في خندق الخصومة و قيامه بحماية السلم الوطني من خلال سعيه لتقريب وجهات لأطراف المتخالفة تمكن الرئيس طالباني من كسب ثقة العراقيين، الذين إتفقوا علیه‌ كرئيس رغم تعقيدات المشهد السياسي العراقي.
السيد جلال طالباني، الذي أصبح اليوم مدار الكلام و محور الإهتمام والذي عرف كيف تُلعب اللعبة السياسية و تُبنی القوة و كيف تُنتج الحقيقة و تُقّر المشروعية، هو أول رئيس كوردستاني للعراق، يراه أغلب الجهات المهتمة بالشأن العام، بسبب سعيه إلی تعزيز العيش المشترك بين الكيانات المختلفة في العراق، كقطب هادئ أو كصمام أمان لهذا البلد، جاء عبر ثقة الشعب بانتخابات ديمقراطية حرة. مارس السياسة بأسس روحية صافية و واصل العمل السياسي طيلة 50 عاماً دون إنقطاع، عاش كمعارض لحكام حصّنوا أنفسهم بإنشاء أنظمة بوليسية كبتت الحريات و منعت التعبير عن الأفكار والآراء و أعتقلت المفكرين و المثقفين، الذين تعارضت أفكارهم المنفتحة مع أفكار أنظمتهم المنغلقة، ليزجوا في النهاية في السجون من دون محاكمة و لتبقی أماكن وجودهم و مصائرهم مجهولة لذويهم، حكام خدعوا شعوبهم بالإدعاء بأنهم أنظمة تؤمن بحقوق الآخرين و تجلب لهم الحريات و الحكم الذاتي و غيرها من الشعارات الخادعة، بينما كانوا في النهاية حكومات فردية تسلطية شوفينية عدوانية بربرية و وحشية، قاوم كقائد وطني تلك الأنظمة القمعية، هو واحد من أبرز الشخصيات الكوردستانية في التاريخ العراقي المعاصر، جمع خلال عمله السياسي خبرة كبيرة و تجربة عميقة و أکتسب حنكة سياسية موسوعية، لذا نری بأن غيابه سوف يعود بنتائج سلبية على العراق.
الرئيس جلال طالباني المهتم بشؤون الحقيقة والحرية والعدالة، كمثقف نموذجي متفرغ لمهنته، يحيا وسط الأزمة و يساهم في حقل الإنتاج الرمزي، هو بحق رجل دولة من الطراز الرفيع و عنوان للإعتدال والوسطية، بحث بعد تسنمه مقاليد رئاسة الجمهورية دوماً عن مخارج للقضايا الشائكة بإستعمال الحكمة وتدوير الزوايا و الجمع بين المتناقضات و رفض التحدي و عمل بسبب كونه كوردستانيا أن لا يتقوقع في قوميته، لكي لا يحجم موقعه الوطني و دوره السياسي و فضّل كداعية وفاق و محبة أن يدفع من أعصابه و صحته علی أن يدفع العراق من سلمه و إستقراره، نقيضاً لرئيس الحكومة الحالي، الذي يؤمن وللأسف بالظواهر الكُلانية، التي لم تعد تنتج سوی عوائقها و فشلها أو الغامها و إنفجاراتها و الذه‌ لا يتورع عن دفع العراق نحو الهاوية في سبيل مصالحه الفردية الضيقة. 
علی الساسة العرب في العراق، لإكتساب المصداقية السياسية و ممارسة الفاعلية المجتمعية، تسليط الضوء علی المناطق المستبعدة من نطاق التفكير السياسي و التکلم علی العلاقات اللاديمقراطية و الممارسات المعتمة داخل القطاع السياسي و بين النخب السياسية و الأخذ من هذه‌ الشخصية الكوردستانية نموذجاً للعمل السياسي و عليهم عدم إعتبار أنفسهم متماثلين تمام التماثل، بمعنی عدم قبولهم التنوع و الإختلاف في الرأي والموقف، بإستخدامهم منطق الإستبعاد و إستراتيجية الرفض المتبادل، بهدف تجميع البشر والسيطرة علیهم. 
و أخيراً نتمنی أن يعيد إقامة الرئيس طالباني في المانيا له الصحة ويشافيه بأسرع وقت ممكن من مرضه ويعيده الى وطنه ومسؤولياته وأهله وشعبه، فهم اليوم بأشد الحاجة الی حضوره الفاعل‌.
الدكتور سامان سوراني

178
الرئيس مسعود بارزاني و بداية العصر الكوردستاني الجديد

لا مراء بأن المشهد المتشنج في كركوك اليوم، علی ما شاع صورته، ينفتح علی خيارين كبيرين لكل منهما ثمنه و ثمراته‌: التبسيط والتطرف والإقصاء لصنع الحروب والكوارث و إستعداء العالم و عدم الإعتراف بالآخر، كما يعمل له السيد المالكي، صاحب الأفكار المستهلكة و المحالات العقائدية والحتميات المعيقة  مع نفر من رعاع غثرة متكونة من بقايا نظام البعث المنقرض، أو تحمل المسؤولية المتبادلة و إتقان لغة الشراكة و الحوار و المداولة في معالجة المشكلات و إدارة العراق، كما يسعی له السيد مسعود بارزاني، من أجل تشكيل مرجعية ديمقراطية مختلفة بعيدة عن التفرد، بفتح آفاق أمام العمل الحضاري والتنمية البشرية في العراق الفدرالي، تكون أقل كلفةً و وطأةً أو أقل تسلطاً و عنفاً، بل أقل عبثاً و جنوناً.
من المؤسف أن نری بدل بذل جهود ترمي الی تحقيق الأمن و التنمية والإزدهار، إنغماس حكومة بغداد في لعبة سياسية، مآلها إضعاف العيش المشترك و الإستقرار الأمني. علاقة السيد المالكي بمحيطه، هي من أسباب الأزمة السياسية في العراق، فهو يعمل في سبيل إرتباط أزمة حكومته بأزمة المنطقة، لتصبح الساحة الداخلية في العراق ساحة للصراعات الإقليمية و هو لا يهدف الی تنفيذ برامج إنمائية و إصلاحية و إجتماعية برفع الغطاء السياسي عن العناصر المتقاعسة الفاسدة داخل حكومته و إرساء علاقات متوازنة تراعي مصالح العراق و العراقيين مع إقليم كوردستان الفدرالي و دول الجوار، بل يدلي بخلاف ذلك بتصريحات تعزز إقتناعنا بأن بغداد تعمل اليوم أكثر من أي وقت مضی لتمييع كل ما تم التوافق عليه في أربيل، من خلالها يكرر فشله‌ في تحقيق الوفاق و يحوّل سلطته التنفيذية الی طاولة للمناكفات السياسية و تبادل الحملات و وسيلة لتعطيل العمل بالدستور و سلب الحريات العامة.   
مواطني كوردستان يعيشون اليوم عصرهم الذهبي بعيداً عن الحكومات الدكتاتورية و حكومة إقليم كوردستان تعمل الی تقوية اللحمة الكوردستانية و إنتعاش الاقتصاد و إزدهار السياحة و تعزيز الإستثمارات و توفير فرص عمل جديدة و عودة الكفاءات الی الوطن لتساهم في تقدمه و إزدهاره، لذا لا تسمح قيادة الأقليم، التي تعمل بنفس الحماسة في سبيل ترسيخ أواصر المحبة والوئام بين الشعبين الشقيقين، أن يجرها المالكي بسياسته الإستفزازية الفاشلة الی حرب تهدد بتخريب منجزاته الإعمارية والإنمائية و تعيد مشاريعها التطويرية والتحديثية الی نقطة الصفر. لتصل الی هدم السلم الأهلي و الإستقرار الأمني.
إن قبول القيادات الكوردستانية بالمادة 140 من الدستور العراقي لم يكن في يوم من الأيام من باب الشك في كوردستانية المناطق المستقطعة من كوردستان، بل كان من أجل معالجة القضايا العالقة مع الحكومة الإتحادية عن طريق الدستور، لكن تهرب السيد المالكي من تطبيق هذا الدستور و رفضه القاطع بكوردستانية تلك المناطق و إستعراضه القوة و توسله الإستقواء بالسلاح و إتباعه سياسة التهديد المسلح و الترهيب لتغيير خارطة تلك المناطق، بعد بسط سلطته علی أكثرية مفاصل الحكومة في بغداد و تهميشه للشركاء  بفرديته الإستئثارية أجبر رئاسة الإقليم حفاظا للطابع الكوردستاني السكاني و الارث الثقافي المتنوع لهذه المناطق، من إصدار قرار رسمي باستخدام عبارة (المناطق الكوردستانية خارج الاقليم) من الآن و صاعداً للدلالة على المناطق الكوردستانية المشمولة بالمادة 140 من دستور جمهورية العراق.  علی السيد المالكي أن يعلم، بأن عهد الإدعاء بالوطنیة علی حساب حملات الابادة والتهجیر والتعریب التي قام بها الطاغي صدام قد ولیّ الی غير رجعة.
کوردستانیة کرکوك تعني إثراء العراق، لا التقسیم أبداً، لأن الذي قسّم العراق هو السياسات الطائفية والعنصرية التي مارستها الانظمة السابقة. شعب كوردستان ومن خلال برلمانه المنتخب أقر بأن ممارسة حقوقه يكمن في عراق ديمقراطي إتحادي فدرالي، لذا وجب علی المشروع الوطني في العراق اتباع سياسة المساواة وخدمة الكل، لا سیاسة التهمیش و إثارة الأحداث، التي يعمل من أجلها‌ السيد المالكي ليل نهار، بهدف حجب الأبصار عن الحقائق التاريخية و تغليفها بالأفكار السوداء، التي لا تنتج سوی نشر رائحة العنصرية البغيضة والتعصب و الإنغلاق والتطرف و الإشتغال بمنطق الرفض والصدام. إنّ الممارسات الصبیانیة من قبل بغداد لا تقود العراق نحو الأفضل و إنّ عسکرة المجتمع وتسلیح الجیش بالطائرات الأمریکیة لا تبشر بالخیر لدولة ترید أن تطبق النظام المدني لا الشمولي الدیکتاتوري. أما الإنشداد الی الماضي فیقود العراق الی التراجع والتهرب من الواقع وعلی الساسة العراقيين، الذين يدعمون اليوم سياسة السيد المالكي، الترجل من صهوة الغرور القومي وأمتطاء صهوة التعددیة الفکریة وإحترام مطالب الكوردستانيين، شرکائهم في الوطن، ولیعلموا بأن بعد سقوط الطاغي صدام إنتهی عصر یقدّر فیه لفرد أو حزب أو معتقد أن یقهر شعباً بکامله و لتعل حكومة بغداد بأن الكوردستانيين لم ولن يتحاوروا حول كوردستانية كركوك، لانها بالنسبة اليهم مسألة محسومة تاريخياً وجغرافياً و واقعياً.
وختاماً: المجاهدة في سبیل إنکار کوردستانية کرکوك والإنشداد الی الوراء، بدلاً من التوجه نحو الحاضر والراهن والمستقبل، بالسعي للخروج من المنطق الإختزالي و السجن العقلي و الحتمیة الأيديولوجية و المكابرة و التهرب من المسؤولية و إنكار الحقائق الصارخة والترويج لجحيم الآلة العسكرية، كل ذلك لا تورث سوی النزاعات الداخلیة والهزائم والمهالك للعراق. و الإعتراف بحق آلآخر و بالفيدرالية والديمقراطية هي لغة العصر والحلول لا تقوم علی نفي الواقع في کرکوك. سؤالنا هو،  الی متی القفز فوق الاحداث و نفي المتغيّرات؟
الدكتور سامان سوراني 

179
العودة المرعبة للدکتاتورية في العراق والنهايات الكارثية

من ينظر الی العالم يراه يتغير بمحركاته و نوابضه و أدواته و خريطته‌ و الفاعلين علی مسرحه‌، فيما يجد الإتجاه السياسي الحاكم في بغداد ما زال ثابت أو جامد أو متحجر، بل مدمّر أو مرعب. هذا الإتجاه الذي يسعی باللف والدوران الی دفن روح الوطنية العراقية و إحياء الإستبداد الطائفي أو المذهبي والتعالي القومي. خير دليل علی ما نعنيه‌ هنا هو قيامهم بحشد قوات عسكرية بإسم "عمليات دجلة" في مناطق مستقطعة من إقليم كوردستان بهدف النيل من التجربة الديمقراطية و التطور الإقتصادي والعمراني في الإقليم الفدرالي. ومن الواضح بأن عقلية القطيع البشري، التي تعجز عن رفع "لا" بوجه الديكتاتور بقول أو بفعل يشهد علی إرادة التغيير، تصنع دوماً حكومات إستبدادية و أنظمة شمولية أو فاشية، لأن الجماهير تتماهی مع القادة الملهمين و تفنی في شخص الزعيم الأوحد الذي يحول الناس الی مشاريع قتلی في زمن الحرب أو عبيد لتألهه و جبروته و عذابه في زمن السلم.
صحيح بأننا نقف ضد الحرب، سواء جرت بطائرات الـ 16 أو بالصواريخ الروسية والدبابات أو في قصور النهاية و أقبية الخطف والتعذيب والتصفية، لأن ما عانيناه جراء الحروب المدمرة ضدنا طوال أكثر من 100 عام لا يمكن وصفها بالقلم، لكننا مع كل ذلك لا نقف ضدها لكي نتخلی عن التفكير المستقل و ننخرط في القطيع دونما رؤية أو تمييز. هدفنا بناء المستقبل لأبنائنا بعيداً عن لغة السلاح والحروب، التي أشعلت نيرانها ضدنا لينتصر "القائد الملهم" علی شعبه و ينهزم أمام أعدائه. لقد بدأنا بتعليم الجيل الصاعد في كوردستان لغة الحوار والتفاهم لحل مشاكلهم مع الآخرين، ليتواصلوا و يتفاهموا و يتعايشوا و يتبادلوا بين البشر بعيداً عن منازع العنف و ظروفه ووسائله. 
لا شيء يحيي العظام و هي رميم، دعونا نستمر علی خطانا ولا تجلبوا لنا أمراء الظلام الذين يعيشون فساداً في العراق مع كل الحصانة والرعاية و وجوه إنتخبتموه كقادة لقواتكم المحتشدة في مناطقنا الكوردستانية، لتذكرنا بأياديهم الملطخة بدماء أباءنا و أمهاتنا في عمليات القتل الجماعي و التهجير القسري والأنفال السيئة الصيت.
نحن لسنا سذجة، كي ننتظر الخلاص والإنقاذ ممن لا يحسنون الإنتصار إلا علی شعوبهم و مواطنيهم. و التجارب السابقة أثبتت بأن نتيجة أفعالهم لا تصنع سوی أنظمة للسيطرة و مجتمعات معسكرة و نماذج للتنمية غير فعّالة. فالقفز فوق جذور المشكلات و الأزمات، التي استفحلت الى درجة المرض العضال،  لممارسة طقوس الإستعداء ضد الكوردستانيين، كما كان يفعله نظام صدام المقبور طوال عقود بعقلية شوفينية و بربرية، معتبراً الهزيمة نصراً والمشكلة حلاً، تاركاً وراءه قيوده وفقره و أدوات رعبه أو حتفه، لا يفتح الفرص والإمكانات لتشكيل قوی و فاعليات تفكر و تعمل لبناء مجتمعات مدنية بعقول تداولية، عراقية و لا يبني جسراً نسير فوقه نحو فضاءات مغايرة نتجاوز فيها ما يعمل علی إنتاج المآزق والكوارث.
نقوله بكل صراحة، بأنه ليس هناك أمل في بناء دولة مدنية، طالما الصوت الاول في ادارة الدولة العراقية يدعم فكرة إعادة بناء الجيش والسماح لحمل السلاح تكريساً لعسكرة الشارع العراقي أو لإنهاء الحرية الفردية للمواطن بعد إحياء النزعة العشائرية وتكريسها عرفاً، بعد جعل شيوخ العشائر العربية والوجهاء موظفين بدون دوام لدى الحكومة الحالية، لدعم رئيسها في الانتخابات وتسخير طاقات تلك العشائر للمصالح الذاتية و بعد أن إختزل السيد المالكي الحكومة و مسك بيده الوزارات الأمنية كالداخلية والدفاع والإستخبارات و بعد أن تجاوز هو علی القضاء و جرده من حياديته و صار مالك القرار السياسي و المالي و استغل الهيئات المستقلة بالرغم من حماية الدستور لها، فهل يعيش هذا السيد في الخوف و إنعدام الثقة و جنون الإرتياب؟
الإتجاه السياسي الحاكم في العراق يجب تتخطی عوائقها الايديولجية المستهلكة و أن تتمرّس بعقلانية جديدة مرنة و مفتوحة، مركّبة و متحرّكة، تصدر عن الإحساس بالمسؤولية المتبادلة بقدر ما تشتغل بلغة الحوار والتسوية و منطق الشراكة والمداولة، لا بلغة العنف و السلاح والعسكر وبخلاف ذلك ليس لديه الحق في إنتقاد المواقف المضادة للصف الكوردستاني الموحد تجاه تلك السياسة اللاواقعية، التي تعكس علی أرض الواقع الحي والمعاش أوهام و مهاوٍ أو عن أفخاخ و كوراث.
وختاماً: "لا يمكن لنا أن نحضر في هذا العالم الحضور القوي الفاعل الخلاق، إلا إذا نجحنا في تغيير أنفسنا و قمنا ببناء العراق الفدرالي علی أسس ديمقراطية جذرية تضمن حقوق الآخر المختلف و تحترم كيانه و تؤمن بالشراكة الحقيقية. فالديمقراطية هي تجربة سياسية تُعانی و تُبْتَدع بإبتكار ممارسات سياسية جديدة أو بتشكيل واقع جديد أو بخلق مناخ فكري مؤات."
الدكتور سامان سوراني


180
حكومة إقليم كوردستان و حملة مناهضة العنف ضد المرأة

لا محاجة في أن العنف، الذي أمسی و للأسف خبزاً يومياً للإنسان المعاصر والذي يرتبط بالأفراد حيناً و ترعاه المؤسسات أحياناً أخری رذيلة وهمجية أتعبت العالم ولم تُفِد الإنسانية في شيء، فهو يتجسد في إستعمال القوة بشكل غير مشروع لإلحاق الضرر و الأذی بشخص ما أو جماعة من الأشخاص.
العنف، الذي كان يُنظر اليه في الماضي كصفة غريزية أو مكتسبة والذي نقسمه اليوم علی أساس التحليل النفسي الفردي أو علم النفس التحليلي التجريبي الی العنف الدفاعي أو التدميري ما هو إلا قانون يحكم النوع الحيواني لا الإنساني و ثقافة العنف تقوم على منظومة فكرية مركزية عقائدية وأخلاقية تستند إليها، لذا يمكن مناهضته بإستعمال العقل في الإقناع الحجاجي والبرهاني و تفعيل قيم الفلسفة والحوار، إبتداءً من الأسرة ثم من قاعة الدرس، بعد إعداد الأساتذة والمعلمين بقيم العقل والتفكير المنطقي و الإنفتاح علی الآخر، ليقوموا هم بدورهم لإيصال تلك الثقافة الی الطالبات والطلاب، كي يستطيعوا من خلالها أن ينظروا بشفافية و علمية الی ذواتهم لإكتشافها، ثم إلى واقعهم المهووس بقيم الخرافة والتفكير اللامنطقي. فالمجتمع الذي يربِّي أطفاله على العنف، ولو لجيل واحد، بحجة البناء أو بذريعة الدفاع ضدَّ العدوان، لا يستطيع، فيما بعد، تلافي توريث هذا العنف للأجيال اللاحقة إلا بجهود شاقة وكبيرة.
اليوم 2012.11.26 وبحضور السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة اقليم كوردستان وأعضاء من برلمان كوردستان وعدد من الوزراء وممثلي الأمم المتحدة و المكاتب والقنصليات الأجنبية في إقليم كوردستان إنطلقت حملة مناهضة العنف ضد المرأة في أربيل العاصمة، التي تستمر 16 يوماً تقام خلالها العديد من النشاطات والفعاليات لتوعية المجتمع في هذا المجال. و ما أسعدني بعد هذه الإنطلاقة كلمة السيد رئيس حكومة إقليم كوردستان، الذي أكد فيها دعم حكومته لكل عمل يناهض العنف ضد المرأة، معرّفاً المجتمع الذي يدعوا الی العنف ضد المرأة بمجتمع خالٍ من الأسس و القواعد الديمقراطية و معتبراً عدم المساواة الحقيقية بين الرجل والمراة في المجتمع بمصدر من مصادر العنف ضد المرأة. و الذي نعرفه بأن حكومة إقليم كوردستان تشارك منذ عام 2007 في الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة و ذلك من أجل توعية و زيادة الوعي الاجتماعي للوقوف ضد كافة أنواع العنف وهي من ضمن الدول الـ 122 المتقدمة في العالم، من حيث مكافحة العنف ضد المرأة وقانون العنف الاسري.
ثقافة العنف نابعة أصلاً من العُقَد الاجتماعية، كفقدان القدرة علی المواجهة والخوف من عدم التكافؤ الاجتماعي والخوف من السلطة المنشغلة والمهمِلة لفردية الإنسان و كذلك من عقدة العار. ففي ظلِّ تلك الثقافة نری الإنسان يخجل من ذاته، يعيش حياته عاراً وجودياً متأصلاً و نشاهده في حال دفاع دائم من إحتمال إفتضاح أمره وعجزه وبؤسه، إذ يخشى أن ينكشف و لا يصمد في النهاية أمام الحقيقة.
أما الأطر الثقافية التي تقوم على التمترُس الماضوي و العقيدة المركزية التوتاليتارية و النرجسية، ورفض الآخر، والانغلاق، والارتداد إلى السلف، القريب أو البعيد و تقدم دعماً و تبريراً للعنف ضد المرأة يمكن حصرها في العادات والتقاليد والقيم الإجتماعية البالية، بالإضافة الی القيم العشائرية، التي تساند الثقافة الذكورية و ترفع من شأن الرجل، الذي يتعامل مع المرأة بشكل دوني إقصائي عدواني لتكون هي عبداً لنزواته و نرجسيته أحاديته و إصطفائيته. و بممارسة هذه الثقافة في المجتمع تُسلب حقوق و دور المرأة في الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية و تنتزع منها مكانتها الإنسانية، مما تؤدي الی تقوية سلطة الرجل و تعطيه التبريرات في ممارسة العنف ضدها.
نحن نعرف بأن الاعلان العالمي لحقوق الانسان أكد عام 1948 في مادته الثانية رفضه الكامل للتمييز على أساس الجنس و في مادته الرابعة ترفض الإسترقاق والاستعباد. أما مادته الخامسة فترفض التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية و في المادة 16 إشارة على سن الزواج، الذي هو سن البلوغ، والتساوي في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
أما المادة الثانية عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فتنص: لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات.
فعلينا اليوم بتطوير التشريعات والإجراءات في الإقليم أكثر و أكثر و تشجيع إجراء الدراسات والبحوث المتعلقة بالعنف ضد المرأة لنبذ منطق الإحتكار والمصادرة الذكورية أو الإستئثار للهيمنة وأن لا نتعامل مع العناوين الوجودية والحضارية بمنطق الثبات والجمود وعلی المؤسسات التربوية و الثقافية و الإعلامية أن تلعب دوراً أكثر بروزاً في  مواجهة العنف و الحد منه بتفعيل مراكز الإرشاد القانوني و مكاتب شكاوی المرأة وتنشيط وترويج ثقافة عدم التسامح مع العنف ضد المرأة في الاسرة والمدرسة وفي المجتمع و علی المجلس القضاء الأعلی و وزارة العدل في الإقليم تفعيل دور القضاء و أعضاء الإدعاء العام للحد من ظاهرة الإفلات من القضاء  والتسليم باحتياجات الضحايا والتجاوب معها، وتعزيز التعبئة الاجتماعية والتحول الثقافي وعدم جواز في أن يكون العرف أو الدين أو التقاليد تبريراً للعنف المرتكب ضد المرأة. و علی الجهات الحكومية العمل برسالة السيد رئيس الحكومة في تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة في القيمة والكرامة الأصيلة، لكي تستطيع المرأة أن تتمتع بكامل حقوقها كإنسان ولكي تمارس دورها في في التنمية علی أحسن وجه. فإن القيمة العميقة لأية حضارة تكمن في المكانة التي تعطيها لكرامة الإنسان و ليکن الهدف ممارسة السلام في الأسرة للوصول الی السلام في المجتمع.   
وختاماً نراه من الضروري إعادة كلمات العظيم مهاتما غاندي في إستهجان العنف لنقول: "إن اللاعنف هو القانون الذي يحكم النوع الانساني و سيظل العنف ذلك القانون الذي يحكم النوع الحيواني."
الدكتور سامان سوراني



181
العراق الفدرالي بين الدولة المدنية و عسكرة المجتمع

ما نعرفه بأن فكرة إنشاء دولة مدنية قائمة علی مبادئ المساواة و رعاية الحقوق إنطلاقاً من قيم أخلاقية في الحكم و السيادة بدأت بعد محاولات من قبل فلاسفة التنوير.
فالدولة هي إرادة المجتمع و مدنيتها يجب أن تنبع من إجماع المواطنين ومن إرادتهم المشتركة في إرساء مبادئ العدل و عدم خضوع الأفراد الی إتهاكات لحقوقهم من قبل أطراف أخری أو سلطة عليا، المتمثلة بالدولة، التي عليها تأسيس أجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثير القوى والنزعات الفردية أو المذهبية لتطبيق القانون و البنود الدستورية.
والدولة التي لا تؤسس علی نظام مدني من التبادلات، التي تقوم أساساً علی السلام و التعايش السلمي و قبول الآخر المختلف والمساواة في الحقوق والواجبات و الثقة في التعاقد والتبادل، لا يمكن أن توصف بالدولة المدنية.
في العراق الفدرالي نشاهد "دولة القانون" و رئيسه "المنتخب" في سعي مستمر الی تحديد صور التبادل قائم علی الفوضی و العنف كأسلوب ووسيلة لتحقيق الأهداف الطوباوية والمشاريع المستحيلة و العيش الفردي والقيم المبنية علی إستراتيجية الرفض والإقصاء للمختلف، بالعمل علی إتهامه و نبذه أو استبعاده و إلغائه والنزعة المتطرفة، لا النظام والسلام و العيش المشترك و القيم الإنسانية العامة، ناهيك عن العمل في سبيل الحقوق المهضومة لشعب كوردستان في المناطق المستقطعة منه.
وما الديمقراطية، التي هي سمة من سمات الدولة المدنية، إلا الوسيلة، التي تتبعها الدولة المدنية، البعيدة عن خلط الدين بالسياسة، لتحقيق الإتفاق العام والصالح العام للكيانات المختلفة، كما إنها الوسيلة الأنجع للحكم العقلاني الرشيد وتفويض السلطة وانتقالها. والديمقراطية جسر لإلتئام الأفكار والتوجهات السياسية المختلفة بهدف إيصال المجتمع الی الرقي وتحسين ظروف المعيشة فيه و تعزيز نوعية الثقافة الحاكمة لعلاقات الأفراد وتفاعلاتهم نحو الأحسن. أين نحن من ذلك. إن السير في سلوك الجانب العسكري المشدد و العمل علی خضوع الدولة بسائر مؤسساتها لقرار المنظومة العسكرية تخطيطاً وتنفيذاً، لتغييب الواقع المدني و الإستعداد لخوض حروب داخلية من أجل جعل المجتمع عجلة تدور في فلكها، دليل آخر علی أن سياسة الحكومة الحالية غير منضبطة وغير محسوبة.
الشعب العراقي عانی الكثير من الظلم و الإستبداد من جراء العسكرة، التي شكلت حالة من الكبت النفسي لديه‌ و طوقته بأسوار متعددة إبتداءً من مرحلة التنصت السري و المتابعة الظلية و إنتهاءاً بالقتل الجماعي و الأنفلة، لذا يرفض القوی الديمقراطية المؤمنة بالفدرالية و التعددية من هذا الشعب نظرية عسكرة المجتمع جملةً و تفصيلا ويعمل علی عزل  وإبعاد أصحاب هذه النظرية من علی السلطة و مراكز القرار بأسلوب مدني متحضر. فالعنف والسلاح و لغة الطائرات الحربية و المدفع أو الحشد المرصوص والجمهور الأعمی و نشر "قوات عمليات دجلة" والتحركات العسكرية في المناطق المستقطعة لم يعد يثمر في هذا العصر، بعد أن أصبحت المصالح والمصائر متشابكة و متداخلة. أصحاب الهويات المغلقة و العقول المفخخة، الذين يستنكفون من ممارسة التقی والتواضع بالثورة علی الذات للتخفيف من أمراضهم النرجسية و مركزيتهم الإصفائية و إستبداديتهم يهدفون دوماً تمزيق الوحدة الوطنية و تخريب العمران محاولة وتصدير أزماتهم الداخلية نحو اقليم كوردستان.
ولكي لا نبقی علی الهامش أو في مؤخرة الركب العالمي علينا العمل علی إيقاف محاولات خرق الدستور من قبل رئيس الحكومة الإتحادية و دفع مخاطر التفرد ومنع عودة الدكتاتورية ، التي تخنق الشراكة الوطنية.
ولا يمكن البحث عن حلول جذرية للمشاكل القائمة بين الإقليم والحكومة الإتحادية عند دول لم تنجح هي علی أرضها في تحسين شروط العيش لمواطنيها و إحراز التقدم والإزدهار.
الدول المتقدمة أثبتت بأن الولاء للدولة لا يمكن أن يأتي بالتسلح والعنف و نشر الخوف والرعب و إستخدام الجيش في الصراع السياسي والحملات الشوفينية وتجسيد إرادة الشطب والإلغاء و بناء مصانع سلطوية لا تنفك عن إنتاج التفاوت والتفاضل أو الإنتهاكات و الإرتكابات المضادة للقوانين والحقوق، بل بنشر الأمن والأمان والإستقرار، كما الحال في إقليم كوردستان. أما شؤون البلاد فيجب أن تدار بالدستور والقانون، لأنهما المظلة التي يستظل بها كل مواطن.
وختاماً: يقول المفكر الأمريكي جورج هربرت ميد (1863-1931)، صاحب نظرية التفاعل الرمزي،"لا يمكن أن نطور وعي الذات بدون الاعتراف بالأخر"، فالمكابرة والغطرسة والإستكبار هي التي تولد العنف و تنتج الفتن و الحروب الأهلية و الإعتراف المتبادل يعزز و يبلور قيم التقی والتواضع أو التبادل والتضامن.
الدكتور سامان سوراني


182
سياسة السيد مسعود بارزاني و مسألة تلغيم المشروع الفدرالي في العراق

من الواضح بأن "والعصر إن الإنسان لفي خسر" هي ثمرة الإيمان بالإنسان بشکليه اللاهوتي أو الناسوتي، فما ذكره‌ السيد رئيس إقليم كوردستان في خطابه الأخير، من أن "دماء كل فرد عراقي، بإعتباره إنسان، هي غالية مهما كانت قوميته أو ديانته أو مذهبه" نابع من القناعة التامة بمركزية الإنسان و علو مقامه ورفيع درجته. فالأطراف الكوردستانية تری في ممارسة سياسة ضبط النفس والتهدئة والعمل علی تعزيز أواصر الصداقة بين الكورد والعرب بشكل عام والكورد والشيعة علی وجه الخصوص و تثبيت أسس الشراكة الوطنية بروح المساواة من أجل إفشال المخططات التي تستهدف الكورد في المناطق المستقطعة من كوردستان وحسم موضوع المناطق المستقطعة من كوردستان وفق المادة 140 من دون مزيد تأخير ضمان للسلم في العراق و من أولويات العمل السياسي في هذه المرحلة.
إن غزو الحقل السياسي و التحكم بالقرارات من قبل رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي و المواقف السياسية عن طريق زرع النزعات الطائفية والقومية و الترويج لسياسة الإحتراب و الإقتتال و الأنفراد بالسلطة  بعد إحتكار المواقع الرئيسية للدولة، فهو العمل علی تهيئة مخاطر بنيوية لتتغلب لغة التهديد والوعيد علی لغة الحوار.
و التجربة التاريخية في العراق كشفت لنا المآسي النكراء لإستخدام هذا السلاح، الذي لايجلب معه سوی المزيد من الهزائم و الخسائر والكوراث. أما التصرفات الاستفزازاية لمديري قوات عمليات دجلة، التي تشكلت أساساً خارج الأسس الدستورية بعيداً عن مبدأ الشراكة والاتفاقات الرسمية المعقودة، فهي ناتجة عن فقدان البوصلة، لذا نری أصابحها الغارقين في تهويمات السلطة لا يسيرون إلا في الإتجاه المعاكس لسير العالم و مجری الأشياء و منطق العصر، الذي يؤمن بالسلام والديمقراطية والتعايش السلمي و يرفض الاستبداد والتحشدات العسكرية. ممارساتهم الأمنية الشرطوية أو العسكرية المرفوضة في المناطق المستقطعة من كوردستان سوف تلغم المشاريع السلمية بقدر ما تعيد إنتاج الأفخاخ و المآزق و تكون في النهاية ضربة مدمرة للمشروع الفدرالي في العراق، الذي لا يمكن أن يُدار بعد اليوم إلا بالشراكة الحقيقية. 
نقوله بكل صراحة، أنّ من يريد اليوم أن يضرب شريكه السياسي عسكرياً و يسعی الی هضم حقوق شعب كوردستان، الذي هو مكون رئيسي في العراق، فسوف لن يتوقف غداً من إحالة الهويات الی سجون فكرية و لا يقف فقط عند تلغيم العقول المقفلة لإستبداد المكونات الأخری بطوطمات لاهوتية و مواقف قوموية، التي دمرت علی مر العصور صيغ التعايش و حرقت مشاريع الحوار، التي لن تصل اليوم إلا الی الباب المسدود، طالما هناك نفوس تقوم علی بناء سدود منيعة من الحقد والبغض بين المكونات بقدر ما تسهم في صنع ذاكرة عدائية موتورة تحوّل الهويات الی محميات عنصرية بأسمائها و رموزها و طقوسها و أحكامها.   
تداعيات هذه السياسة العوجاء و الغير سليمة للسيد نوري المالكي سوف تخلق حالة عدم الإستقرار في المنطقة و تؤدي الی فقدان الثقة لدی القوی الديمقراطية الكوردستانية بالعملية السياسية في العراق مما يفضي كل ذلك وغيره الى نهايات ليست في صالح الجغرافية السياسية لعموم العراق.
إن إهمال الدستور الذي كان وسيطاً و ضماناً بين الشركاء و العمل بنهج التصعيد العبثي و إطلاق التصريحات النارية من قبل ممثلي رئاسة الحكومة ببغداد ومن قبل أمراء مايسمی بـ"قوات دجلة" لإشعال نيران حرب بين إقليم كوردستان المسالم والحكومة الفدرالية و لدعم مشاريع التمحور الأقليمي لا تقلل من ضبط النفس لدى قوات البيشمركة أو مثابرة الكوردستانيين في سبيل حقوقهم المصيرية.
فشعب كوردستان، الذي ساهم بشكل فاعل في تشكيل و بناء دولة ديمقراطية حديثة، تؤمن بالتمثيل السياسي والمناطقي المتوازن في العراق و تدعم حق الشعب الكوردستاني في تقرير مصيره، يری نفسه اليوم أكثر من ذي قبل على أهبة الاستعداد للدفاع عن مكتسباته‌ التي تحققت بدماء الشهداء.
في عصر الإعتماد المتبادل تكون المسؤولية متبادلة. فالكوردستانيون يشتغلون اليوم علی وقائع حياتهم بإستثمار طاقاتهم الذهنية و إطلاق قواهم الحية علی نحو مبتكر، هادفين بذلك دفع عجلة الديمقراطية في العراق الی الأمام، فهم لا يريدون أن يعيشوا زمن الإستبداد و نصب المتاريس مرة أخری، لأن يعرفون بأن من يقع في أسر الماضي و كهوفه، لا يستعد لمواجهة المستقبل بمفاجآته و تحدّياته الجسيمة.
وختاماً: من يفكر بعقلية التهمة و الإدانة يعطل لغن الفهم الخلاق والحوار و ويشل إرادة المعرفة الحية الثمية و يعرقل الأعمال المفيدة الصالحة، فلا يعترف بالخطأ و الفشل والهزيـمة، ولا يستفيد الدرس و لا يتعلم كيف يخرج من المأزق، فتراه يتهرب من حمل المسؤولية و يرمي التهمة علی إقليم كوردستان، فيشهد بذلك علی مكابرته و معاندته و يرسف في عجزه و يغط في سباته الحضاري بأوهام الهوية الخاوية والسيادة المصطنعة. 
الدكتور سامان سوراني 




183
الحكومة الاتحادية و ممارسة التهويل الايديولوجي ضد إقليم كوردستان
الدكتور سامان سوراني
من المعلوم بأن ممارسة التهويل الإيديولوجي هي من مفاعيل التعامل الضدي والسلبي مع الآخر المختلف. هذا التعامل هو الوجه الآخر للداء السياسي في العراق، المتجسد في تجنيس الإعلام المدفوع من خلال أجندات خاصة تعمل لصالح أصحاب الدعوات الدينية القوموية، مدّعياً إمتلاك الحقيقة والعدالة والمثابرة في الدفاع عن مصالح "الجماهير" الشعب بالوسيلة و التمثل و العمل من أجل العراق الوحدوي، هذا يجلب معه التمترس وراء الهويات الدينية القوموية وعسكرة المجتمعات العراقية، علی نحو يعزز العداء القومي وصدام الثقافات المختلفة أصلاً بشكل سلبي.
صحيح بأن إستخدام سياسة التقسيم المنهجي يطوّل مدی حكم الذين يمارسون السلطة في العراق، السائر حسب قراءاتنا نحو المركزية، و يمهّد الطريق أمامهم للإستقواء علی الشعب العراقي بكياناته المختلفة بدافع الوصول الی الإستبدادية و إعلان الحرب علی المخالف والمعارض للمذهب الموالي والمطبّل للسلطة. 
إن قاموس الحكومة الحالية في العراق الإتحادي لا يحتوي بعد الآن علی مفردات مثل التنمية والبناء والتطور والبحث عن حلول للمشاكل العالقة وتبادل أفكار و أخذ البنود الدستورية والإتفاقيات السياسية بجدية، واضعاً جلّ إهتماماتها في محاولات یائسة لإيجاد منافذ لتوجيه التهم الباطلة ضد حكومة إقليم كوردستان بكثير من السطحية و الديماغوغية و ملقيةً سبب فشل تجاربها علی عاتق الكوردستانيين، بعد أن حاولت إحراق دفاترها اليومية المليئة بأوصاف كالفساد والسرقة والإختلاس، كي لا يتمكن أية جهة معارضة لا الآن و لا في المستقبل من إستجوابها و معاقبتها و كي لا تُمارس هي التقی والتواضع الوجودي للإبتعاد عن دفة السلطة.   
حكومة السيد نوري المالكي أعلنت نواياها في إحتكار المشروعية لممارسة الوكالة الحصرية علی شؤون الشعب العراقي، لأنها تعتقد بإمتلاك مفاتيح الحلول، التي تكمن في عسكرة المجتمع و رفض الآخر المختلف و إقصاءه و إلغائه بشكل رمزي و إستئصاله إن أمكن بشكل مادي، كي تنتهي دوره الإيجابي، الذي مارسه بشكل فعّال في بناء عراق ما بعد غياب العملة الدكتاتورية عام 2003 و أخيراً في مبادرته التاريخية في تشكيل الحكومة الإتحادية.
إن إستخدام سياسة القواقع الفكرية الخانقة و نشر فيروس المركزية من قبل حكومة السيد نوري المالكي من أجل تغليب الإعتبارات المذهبية أو القوموية علی الصناعة المفهومية والمشاغل المعرفية و سلب الهوية والإرادة بعد تشعب أذرع رأس تيار التفرّد كالأخطبوط لا يبشر للعراق والعراقيين بخير. و ما نلمسه اليوم في العراق هو مراكمة المشكلات المزمنة كالمماطلة في تطبيق بنود المادة 140 من الدستور، بهدف التهوّن لعدم إنجاز شيء إيجابي يذكر والتهوّل بالمشكلات للقعود عن المطالبة و الهروب من حمل المسؤولية. الحكومة الحالية متفق مع الأطراف السياسية الأخری فيما لا يحتاج الی تنفيذ، فكيف بالمطالب الإصلاحية والتحديثية.
إن العمل علی قتل الروحية المتحركة والفكر المتطور في الكيانات العراقية و إحاطة النفس بهالة من الحصانة والعصمة هي من مميزات هذه الحکومة، التي تقف حجر عثرة أمام التوجه نحو الديمقراطية و بناء الدولة وفق مؤسسات مستقلة و تضرب الفدرالية عرض الحائط. وإن الغفاء على أمجاد التاريخ المعتق بالأساطير والمخترق بالخرافات و عدم التجرأ علی كسر هذه النرجسية سوف يعيد العراق الی المركزية وإن التجارب السابقة برهنت بأن القوة العمياء والهيمنة الفئوية وإحتكار السلطة، کل ذلك لم يجلب أمناً أو يصنع تعايشاً سلمياً بين المكونات الأساسية في هذا البلد أو يصون حرية و كرامة الفرد.
فالسعي في تنفيذ الخطة الجهنمية و تحقيق الحلم المجنون مآله كسب حماقات تاريخية ترتد دوماً علی العراق خراباً و دماراً. المجتمعات العراقية اليوم بأشد الحاجة الی ساسة يعملون علی إنتاج ثقافة جديدة، منفتحة، مدنية و سلمية مبنية علی عقلية المداولة والشراكة الحقيقية، لا علی الدعوة و الترويج لعقلية الضد و منطق الإقصاء. 
لقد ولیّ زمن سماح الشعب الكوردستاني  للحكومات في العراق الإتحادي ببسط الهيمنة بعد لبس جلباب ديني كان أم قوموي و التعمد إلی تفتيت ديموغرافيته علی أساس أقوام لإستغلال نزاعاتها و طوائف لتوظيف صراعاتها أو قبائل لإستثمار نعراتها، بهدف إبقاءها خاضعة سياسياً وعليلة إجتماعياً، للترويض بإرادتها و نهب ثرواتها و توزيع أسلابها وتعطيل ديناميات الارتقاء الحضاري عندها، وكبح تطلعات التواصل الإنساني لديها.
ختاماً: من لا يعمل علی تحرير الوعي الثقافي السياسي من كل تصور دوغمائي قوموي، الذي يبقی دوماً حجر عثرة أمام الإنفتاح والتلاقح الخصب والمنتج، بعيداً عن كل وصاية مسبقة تمنع تطوره وارتقاءه نحو فضاءات أغنى وأرحب، لا يستطيع أن يستقبل كل ما هو جديد في مضامير الفكريات والثقافات والحضارات والديانات والهويات، فكيف ننتظر منه أن يقوم بإستدخال كل ما هو مستحدث في حقول المؤسسات والممارسات والعلاقات والتشريعات؟ 

 


184
الفلسفة السياسية للرئيس باراك أوباما و تحقيق الحلم الأمريكي

لا جدال أنه مع إنتخاب باراك أوباما للمرة الثانية كرئيس لقيادة أقوى دولة في العالم تحقق ذلك الحلم الذي تحدث عنه الزعيم التاريخي لحركة الحقوق المدنية الأمريكية والحائز على جائزة نوبل للسلام مارتن لوثر كينج (1929-1968).
لقد أثبت بذلك بأن الناخب الأمريكي لا يمكن إخضاعه وكسب صوته إلا بالإقناع الفعلي و تطبيق الوعود الإنتخابية. فالولايات المتحدة الأمريكية، التي يعتبرها البعض "الشيطان الأكبر"، هي بلد التعدد الأول من حيث تنوع الأعراق والألوان والأديان واللغات وهي التي اخترعت أصلاً مفهوم التعددية من أجل تشخيص الظاهرة والسيطرة عليها أو الإفادة منها و حسن توظيفها. فالذي يتعامل مع التعدد بعقل تداولي و فكر تركيبي ومنهج وسطي، يستطيع أن يجعل منه مصدر تنوعٍ وغنی، بعد أفول العصر الايديولوجي بعقائده و مدارسه و خططه‌ و إستراتيجياته و أحزابه‌ و مؤتمراته.
إنتخاب شخصية من أصول أفريقية للبيت الأبيض كرئيس و للمرة الثانية على أساس شخصيته وكفاءته ورسالته يثبت أيضاً إفلاس العدة القديمة والمنظومة الأيديولوجية، التي تبنی علی أساس الفكر الأحادي العنصري والسجن العقلي والتصنيف البربري. 
والذي نعرفه عن السياسة الخارجية بأنها مجموعة من الأهداف السياسية لبلد ما تحدد كيفية تواصل هذا البلد مع البلدان الأخرى في العالم، ساعياً عبر تلك السياسة حماية مصالحه الوطنية وأمنه الداخلي وأهدافه الفكرية الأيديولوجية وإزدهاره الاقتصادي. أما فيما يخص حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية، فإنها تسير في سياستها الخارجية علی خطوط إستراتيجية مدروسة لا تتغير بتغير الرئيس، وهذا ما يعکس قوة أمريكا السياسية في العالم.
هذا الرئيس الناشط و الحاصل علی جائزة نوبل للسلام، العامل بتواضعه الوجودي علی إستلهام و إستثمار مقولات الفلاسفة و أساطين حقوق الإنسان في السلم والحرية والديمقراطية علی نحو جديد، تمكّن من كسب النخبة من الطبقة المتوسطة والبسيطة و إنتشالهم من شبح البطالة والكارثة الإقتصادية التي واجهت الولايات المتحدة الی الفضاء الوظيفي و قيادتهم بعد الإنتعاش الإقتصادي نحو الأحسن. فله‌ يعود الفضل أيضاً في تنفيذ قرارات حاسمة و مصيرية تصب في مصلحة الداخل وذلك بتنفيذ قوانين تحمل بصمته لاصلاح الرعاية الصحية والقطاع المالي وقد يؤدي إصلاحه الی زيادة الضرائب على الأثرياء في إطار الجهود الرامية لتقليص العجز. وكان له‌ الدور الأول في إنجاح العملية الجراحية لتعديل ما قام به الجمهوريون من سياسات خاطئة لسنين عديدة في كل من أفغانستان والعراق، بالطبع من منظور أمريكي. لعل هذا ما جعله يفوز بفارق كبير من الأصوات قبل أن تعلن النتائج النهائية للإنتخابات.
أوباما واصل مكافحة تنظيم القاعدة، دون عنونة تلك الوظيفة بالحرب على الإرهاب و ركز في الوقت نفسه على تحسين علاقة بلده بالعالم الإسلامي، إذ قام بتنشيط الدور الأمريكي في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والاستجابة للربيع العربي بأشكال متنوعة، منها قيادة الجهد العسكري الدولي ضد الطاغي المقبور "معمر" قذافي وسعی في إقناع كل من سوريا وإيران بتغيير سلوكهما و كان الی حدٍ ما ماهراً في حشد الضغوط الدولية على إيران، متفادياً التورّط في تدخل عسكري في سوريا وفيما يخص اليمن فأكتفی هو بالمساعدة في نقل السلطة فيه.
أما إعادة النشاط لمجموعة الدول العشرين واستخدامها للإفلات من ركود اقتصادي محدق في عام  2009 و إنفتاحه علی آسيا و إجتذابه للصين للتعاون في القضايا الإقليمية والعالمية وضبط علاقاته مع روسيا فتلك الخطوات كانت نقاط إيجابية أخری تمكَّـن هو من خلالها إقناع الرأي العام الأمريكي بأنه قادر على إدارة دفّـة السياسة الخارجية الأمريكية بجدية و معقولية أو أنه‌ مساهم فعّال في تجديد شبكات الفهم و صيغ العقلنة و بفلسفته السياسية يستطيع أن يكون منقذاً لأمريكا من جرثومة التضاد و منطق الصدام و حامياً جيداً للمصالح الأمريكية.
صحيح بأن لفظة التغيير تحمل في طياتها سحر و بديع خادع يخلب و يستأثر و لايدع مجالاً للخيار، لذا ينطلق أكثرية الساسة من هذه اللفظة باعتبارها أفعل الألفاظ توظيفاً في كسب المعارك وبلوغ ذروة السلطة، لكن هل يسعی أوباما الی إعطاء هذه اللفظة معنی عالٍ و هو الذي يتفكر في معطيات الواقع و يقيس إمكانية التغيير بأهلية التغيير؟ 
إن توليه مقاليد السلطة في أمريكا للمرة الثانية يمثل فتح آخر لأولئك الذين يتوسمون بإنتهاج واشنطن نمط سياسات مغايراً لذلك الذي كان، فهم يرغبون في إحتواء كيمياء السياسة الأميركية علی الكثير من عناصر القوة الناعمة، والتي تتجسد في اللعبة الدبلوماسية بدلاً عن القوة الصلبة التي تنبع من الثقل العسكري. فالعسكرية والحروب ماعادت تنتج اليوم سوی الدمار المتبادل وتواطؤ الضد مع الضد.
سياسة أوباما تعمل لمصلحة البُنيات المفتوحة و اللغات المطعّمة والوحدات المركبة والهويات الهجينة والتحوّلات المستمرة والعلاقات الأفقية وسياسة الإعتراف المتبادل، بعيداً عن العدة القديمة و المتقادمة أو الصدئة والمفلسة و بعيداً عن السياسة، التي يتعامل أصحابها مع الحاكم بصفته النبي المخلّص أو البطل المحرر أو الأب القائد أو الزعيم الأوحد.
وختاماً:  علی المكفلين بإدارة دفة الحكم في العراق أن يبتعبدوا عن القوة الغاشمة و الطغيان و التسلط و يحتذوا بسياسة أوباما في الحكم و أن يقفوا موقف الإعتراف و الإحترام والرعاية والحماية إزاء كل مواطن و كل كائن. إذ لكل شيء حقيقته و قسطه و مشروعيته ولكل كائن قوّته و جماله وأثره. من غير ذلك ترد عليهم نرجسيتهم و مرکزيتهم البشرية، لكي تنتقم منهم الأشياء والكائنات و من لا يعترف بنا، الآخر المختلف، فكيف ينتظر منّا، الآخر المختلف، أن نعترف به؟   
الدكتور سامان سوراني 


185
سياسة المجتمع الكوردستاني في البحث عن جذور العنف من منظور سايكولوجي


من المعلوم بأن الوجود الإنساني هو إختيار لماهيته، أي توصله الی إختيار "الشخصية" التي يريد أن يكونها، لذا يمكننا القول بأن الماهية لاحقة للوجود، لأنه لكي نختار لابد أولاً من أن نكون "موجودين".
والوجود يعني حمل المسؤولية والأمانة لإعادة البناء بالتفكير والتصرف كبشر، بإستخدام الطاقة الفكرية والقوة الذهنية للفهم والتشخيص أو للتعقل والتدبير في النطاق الكوردستاني وعلی المستوی العالمي، لأن من ينجح في إصلاح نفسه و يعيد بناء ذاته، إنما ينفع نفسه بقدر ما يفيد غيره.
و من الواضح بأن العنف يبدأ في الرؤوس قبل إستخدام الفؤوس، هذا ما علّمنا المنظّر و عالم النفس السلوكي بوروس فريدريك سْكِنر (1904- 1990). وهناك حقيقة سيكولوجية تقول، بأن ما وراء الإرهاب هو فكر الإرهاب و مايحصل للمجتمع هو من صناعته، لذا علينا أن نكف عن الحديث بعقلية التهمة والمؤامرة والإدانة وأن نعمل بكسر ثنائية الداخل والخارج، لأنه لا إنفصال بين الأنا والآخر، كما لا إنفصال بعد الآن بين المحلي والكوني، بدليل أن ما يعني الغير يقع في صلب إهتمامنا، وأن ما يهمنا يستأثر بأهتمام العالم الأكبر. العنف هو سلوك بعيد عن التحضر والتمدن تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية إستثماراً بدائياً لإكراه الخصم وقهره. وللعنف اتجاهه‌ الإجتماعي و المادي الجدلي و الوظيفي و التفاعلي الرمزي وقد يختلف كل اتجاه في تفسيره للعنف انطلاقاً من الأرضية التي يعتمدها في تفسيره. وهناك إتجاه سوسيولوجي يفسر العنف کحالة اختلال التوازن التي قد تصيب المجتمع أو الجماعة حيث تتحطم المعايير وتسود الفوضى فيندفع الأفراد نحو العنف. و يمكن أن نری في جوهر القيم الروحية والمادية المستخدمة في الحرب مثلاً ، بما فيها الأشعار والقصائد الحربية والتماثيل واللوحات والرقصات كنسيج فكري ومادي متكامل، العنف والتدمير. و لايمكن أن نضع العنف تحت مفهوم و مصطلح الثقافة، لأن الثقافة تبقی دوماً علی خلاف تام مع الغرائز العدوانية التدميرية. لكن هناك من يفسر العنف بنسيج ثقافي سلبي عظيم الحيلة والمهارة والمقدرة على التكييف والابتكار والتجدد بديناميكية مبدعة و عالية في صناعة ذاته وإنتاجه وترقية فاعليته على نحو يجعل اللاعنف عاجزاً و مرتجفاً كطفل خائف. لكننا نحصرالثقافة في الجانب الإيجابي، في الحياة، في اللاعنف، رافضين كل النوازع التدميرية والعدوانية و لاندعم أفكار الفلاسفة المسلمون القدامی، الذين وقفوا أمام هذه المعضلة حائرين و أرجعوا مسألة صدوره‌ الی الخير المطلق و خلقوا ثنائية ماورائية شبيهة بإزدواج الشخصية أو الإزدواج الثقافي، بإعتبار العنف موجود عرضيّ، يؤدّي وظيفة ما في خدمة اللاعنف و هذا ما لا يقبله اللوغوس أو المنطق. 
في مراسلة كتابية بين العالم النفساني الشهير سيغموند فرويد (1856-1939) الی الفيزيائي البارع البرت أينشتاين (1879-1955) نستطيع أن نحصل علی بعض التأملات، التي يمكن وصفها بفرضيات أو مبادیء أولية حول ظاهرة العنف يری فرويد بأن لجوء البعض الی إستخدام العنف يهدف الی حل النزاع بين الأطراف المتنازعة حول مصالح معينة. اليوم و بعد التفوق الفكري علی القوة العضلية البهيمية، نری إستخدام القدرات العسكرية المتطورة لحل النزاعات و سيادة عنف الجماعات علی الأفراد. و بالمقابل بإمكان الأفراد الضعفاء صنع القوة عن طريق الوحدة و بناء وقوة الجماعة للوصول الی الحق، الذي ينظر اليه كعدالة طالما هناك شرط سايكولوجي، ألا وهو ثبات و دوام وحدة الأكثرية. و إن الجدلية القائمة بين التحريض والكبح تثمر العدوان و بالتالي العنف. فالعنف إذن وللأسف هو قدر البشر، يجسد غريزة العدوان و منطق التفاضل أو إرادة التسلط و عقلية الإقصاء والإستئصال والساحة العالمية يشهد بأن العنف يزداد و يتصاعد كمّاً ونوعاً، كما تفاجئنا المنظمات الإرهابية و السلطات القمعية، بأعمالها الهمجية في غير عاصمة و مكان.
فتزايد الأصولية الدينية بمناهجها الايديولوجية السلبية القاطنة بين أنياب الإيمان الأعمی و جحيم الحلول القصوی يزيد من القوقعة العقائدية بتناسب طردي و لا يسمح للفرد الكوردستاني أن يعمل علی تكوين ذاته أو إعادة بناء الثقة واليقين بـمعناه المعرفي مع سواه في عالم دائم التحول.
نحن نعلم بأن الدين هو في أعلی السُلم من منظومات القيم، لكن لا ينبغي أن ننخدع بهذا‌ التزايد. ففي الماضي تم ممارسة الدين كحدٍ أو رادعٍ، أو كتقی أو تحريم أو تسليم، لكننا نری اليوم بأن الأصولية الدينية تمارس عنفاً فاحشاً تنتهك كل الحرمات والحدود والقيم، كما تشهد حروب الآلهة والنصوص بجنونها و فظائعها. يكفي أن يشاهد مؤمن متدين تقي إنساناً يذبح من علی شاشة التلفاز أو علی شريط اليوتيوب بإسم الدين، أو التمييز ضد المرأة وتدمير روحها وجسدها و قتلها وإستباحة الأطفال باسم الدين، حتی تنهار ثقته بالأديان، كمرجع للمعنی. علی المجتمع الكوردستاني العمل علی عدم عودة الأصولية لتمارس بعقول ملغمة و مُسَلمات عمياء و توجهات مقلوبة ذرورة العدمية أو الهمجية، ولا يفسح المجال لدعاته و حماته ليمارسوا التأله أو لكي يصبحو عبيداً لنزواتهم أو أهوائهم و أحلامهم المجنونة أو خططهم الجهنمية.
ومن الواضح بأن تدبر الشأن البشري اليوم بحاجة ماسة الی إستراتيجية فكرية جديدة في إدارة الهويات والقضايا و الدول والعلاقات، بالإستعصاء علی القولبة والمصادرة والتجسد في القدرة الفائقة علی الفهم الخارق والتخيل الخلاق والعمل المثمر، بصورة تؤدي الی تغيير في مرجعيات المعنی و صيغ العقلنة أو في قواعد المعاملة ونماذج التنمية، فلنبدأ في بناء هذه الإستراتيجية العصرية.
وختاماً يقول مارتن لوثر كنج جونيور (1929-1968): "لم يعد الأمر اختياراً بين العنف واللاعنف في هذا العالم؛ بل بين اللاعنف واللاوجود."
الدكتور سامان سوراني 

186
سياسة دولة المانيا الإتحادية و مستقبل الإتحاد الأوروبي

من المعلوم بأنه‌ لا وجود لمعايير ثابتة أو لحلول حتمية و نهائية، فكل نموذج يشكل تجربة حية تبقی قيد الدرس والبناء والإستكمال، علی سبيل التعديل والتحسين. فما حصل في السنوات الأخيرة من تقلبات وإنهيارات إقتصادية بل و حتی سياسية شكل مدعاة لإعادة النظر في منظومة التعاريف المتعلقة بالإقتصاد بشكل خاص و الحرية والعدالة و المساواة علی وجه العموم، بعيداً عن لاهوت التحرير الذي يجعلنا نقفز فوق واقع الإجتماع والعالم المعاش و بعيداً عن التعامل مع الديمقراطية كمدافع و مناضل يستخدم المفاهيم التقليدية المستهلكة.
إن ما نطرحه هنا من الأفكار مستقاة من خطاب للمستشار الألماني السابق، هلموت شميت، القاه بتاريخ 2012.09.22 بمناسبة تكريمه لحصوله علی جائزة ويستفاليا الألمانية للسلام، فهو العقل الإقتصادي الأول في بلده و صاحب نظريات مستقبلية في السياسة العالمية و أحد رواد الوحدة الأوروبية المسالمة.   
كما نعلم بأن الأفكار ليست إيقونات للعبادة والتقديس ولا هي قيم مفارقة تعلو علی الظرف والشرط، بل هي عوالم من العلاقات ننشئها علی أرض الصراع وفي بوتقة المواجهة، بعقلية المداولة والمفاوضة، لإنتاج صياغات ومواقف جديدة، عبر المساهمة في إنتاج المعلومة والمعرفة.
لو أخذنا الإتحاد الأوروبي كمثال لما نطرحه، لرأينا بأنه يعمل منذ أكثر من نصف قرن علی تنمية تشكيلته. ففي الثامن عشر من نيسان عام 1951 إجتمعت ست دول أوروبية، هي فرنسا و ألمانيا و بلجيكا و لوكسمبورغ وهولندا و إيطاليا، لتضع حجر الأساس في بناء الاتحاد الأوروبي و بعد أربعين عاماً من تأسيس هذا الإتحاد وصل عدد أعضاءه في إجتماع بهولندا الی أثنتي عشر دولة أوروبية. وفي السابع من من شباط عام 1992 تم التوقيع علی معاهدة ماستريخت والتي تم بمقتضاها تم تجميع مختلف الهيئات الأوروبية ضمن إطار واحد هو الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح فيما بعد التسمية الرسمية للمجموعة. واليوم وبعد إنضمام كل من  رومانيا و بلغاريا عام 2007 يبلغ عدد أعضاءه 27 دولة متخذاً العاصمة البلجيكية بروكسل مقراً دائماً لأمانته العامة والمفوضية الأوروبية، ومدينة ستراسبورغ الفرنسية مقراً لبرلمانه الأوروبي.
بالرغم من كل هذا لم يكن بإمكان الإتحاد لا عن طريق معاهدة ماستريخت و لا بالمحاولات الغير ناجحة لوضع دستور أوروبي دائم و لا بواسطة معاهدات لشبونة أن يخطو خطوات مؤسساتية مؤثرة نحو الأمام. نحن نعرف بأن للمفوضية في بروكسل 20000 منتسبين، يعملون بجدية في إدارتها، لكنهم علی ما يبدو منشغلين بوظائف ثانوية.
والجهة الوحيدة التي يمكن أن يقال بأنها تعمل بشكل مُرضٍ هو البنك المركزي الأوروبي، ولكن الی متی يمكن لهذه الجهة أن يرضي الجميع؟
لذا نستطيع أن نتحدث اليوم بشكل واضح و صريح عن إمكانية فشل هذا الإتحاد ويمكن أن يعود سبب هذا الفشل الی الألمان أنفسهم، لأن دولة المانيا الأتحادية برهنت للجميع بأنها أكبر قوة إقتصادية في القارة الأوربية، وهذا موضوع يثير الإستغراب حتی لدی الكثير من الألمان قبل الآخرين. و المانيا الإتحادية تمارس هذا الدور و تعمل علی إيقاظ هذا الشعور لدی البلدان الأخری.
لذا نری بأن المحكمة الإتحادية الألمانية العليا و البنك المركزي الألماني و المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يتعاملون بتعالٍ و حضورٍ و تطابقٍ وقصدٍ و سيادةٍ و كأنهم هم المركز والثقل الأكبر في أوروبا. أما الرأي العام الألماني فهو وللأسف مصبوغ بصبغة قومية- أنانية، يحمل في طياته فلسفة "أنا قبل كل شيء و لا أحد غيري". وإذا أخذنا فترة أطول بعين الإعتبار فإننا نستنتج بأن هناك إمكانية رجوع الدول الأوروبية الی اللعبة القديمة، أي لعبة المركز والأطراف، من غير الوعي بأنهم يتحركون نحو الحافة الخارجية للسياسة العالمية والاقتصاد العالمي. فدولتان من دول الأعضاء، تمتلكان مثل كوريا الشمالية القوة النووية.
والسلاح الذرّي اليوم هو القدرة و الشارة، و هو أيضاً أداة يمكن إستخدامها للتهديد و في الحرب. أما إذا نظرنا اليه من الناحية الإقتصادية والإجتماعية، فأن السلاح الذرّي مضيعة للإنتاجية. ومن الناحية الأخری يمكن إعتبار عدم السماح لدولة المانيا الإتحادية بأن تمتلك أسطول الغواصات المجهزة بالأسلحة النووية إحدی أهم الأسباب التي أدت الی الإزدهار النسبي في هذا البلد. الألمان فهموا أخيراً بأنهم أوروبيين و لا يجوز لهم الرجوع الی اللعبة القديمة، أي لعبة ميزان القوی في أوروبا، بل عليهم أيّاً كانت النوايا والاستراتيجيات العمل بجدية في إستخلاص النتائج الإيجابية اللازمة من تجارب القرون الأربعة الماضية، وهي كما يلي:
أولاً: تجارب التاريخ علّمت الأمم الأوروبية و بالأخص قياداتها، بأن نتائج كل المحاولات السابقة في بناء قوة مركزية أحادي القطب في أوربا كانت فاشلة، لذا لا يمكن أن يكون نصيب المحاولات المستقبلية في هذا الأمر غير الفشل. والمساعي الرامية من قبل الأتحاد الأوروبي لتعزيز قدرته في مجالات السياسة الخارجية، الإقتصادية ، المالية والأمنية عن طريق عقد معاهدات و سن قوانين تبقی دون فرصة كبيرة.
ثانياً: علی الألمان أن يتذكروا في هذه الحالة كل من ونستون تشرشل، شارل ديغول، جورج مارشال، هنري ترومان و جورج بوش الأب لتسديد ما عليهم، لأن هؤلاء كانوا رجال دولة و قاموا بمساعدة الألمان في ظروفهم الصعبة. وهذا يعني أن علی الألمان أن يدعموا الإتحاد الأوروبي بجدية و تكون مبادراتهم في سبيله هي الأولی. فالمادة 23، فقرة1 من الدستور الألماني تبسط الطريق لهذا الأمر، لأنها تسمح بالتعمق و الإعتصام بحبل الإندماج.  بالطبع يحتاج تبنّي هذا المشروع الی أموال طائلة وعلی الألمان البدء به، وإلا كيف تمكنت دولة المانيا الإتحادية بأن تكون المستفيد الرئيسي من قضية الإندماج الأوروبي؟
ثالثاً: بغض النظر عن الدروس المستخلصة من تجارب القرون الماضية، يجب أن لا يكون الألمان سبب ولادة الجمود والتراجع أو إضمحلال مشروع الإتحاد الأوروبي. فالدول في القارات الأخری تنتظر بفارغ الصبر كي يتصرف هذا الإتحاد أخيراً بصوت وحدوي وهذا يحتاج الی الإرادة الكاملة للعمل المشترك مع الفرنسيين و الإرادة في العمل مع البولنديين بجدية أكثر. و الإرادة في التعاون مع دول الأخری الجوار تعتبر من الضروريات. فالألمان تغيّروا من حيث علاقاتهم بالعالم وتعلموا من ماضيهم. فهم يستطيعون إثبات ذلك بعد دراسة العواقب عن كثب و بإمعان بعيداً عن الاطروحات الطوباوية.
ومن البديهي بأن القارة القديمة تعيش اليوم صراع فكري، كما تشهد المناقشات الخصبة والسجالات الصاخبة حول القضايا الأوروبية المطروحة و الأزمات الإقتصادية في بعض بلدانها، لكن كل ذلك لا ينقص من الحقيقة بإن تلك المجتمعات قامت بتغيير عدتها الفكرية و مهماتها الوجودية وعملت بشكل مثابر علی إختلافاتها و حولّت فكرة الإتحاد الأوروبي الی واقع تداولي معاش، أثّر في الحياة اليومية لجميع الناس و تجسّد ذلك بشكل خاص في العملة الموحدة، التي تسمی "اليورو". 
وختاماً نقول: لا مكان من بعد اليوم لعقليات و حكومات تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزية، فدكتاتورية المركز تلوث الفضاء الفكري و تبتلع المجتمع المتفتح الساعي الی تثبيت التعددية و توسيع مدارات الفدرالية و تشجيع الاستثمار في العقل البشري و التخلص من الوصاية النبوية عن كل ما يمكن أن يضيف شيئا جديد.
الدكتور سامان سوراني


187
متاريس الأصولية الدينية بين التحجر العقائدي والفقر المعرفي

من المعلوم بأن عبادة الأصول، أيّ كانت منابعها، مآلها تحويل الأفكار الی أصنام و شعارات خاوية و ثنائيات خانقة و تدمير إرادة الخلق و مصادر القوة، بعد الوقوع في فخ العقل التقليدي بكل رؤاه الرافضة والمتزمتة. وأن إحتكار المعنی و المشروعية والتمثيل و تأليه الذات لا تولد إلّا الإستبداد أو الإقصاء والأرهاب.
قبل فترة وجيزة ظهرت في إقليم كوردستان مرة أخری أصوات متعصبة، تری بأن طريق الحراك قد سدّت أمامها و أن آمالها قد أحبطت في مسعی للعودة الی طريق الحياة الطهرانية المساواتية، لذا بدأت تنادي الی حجب مقدمي البرامج من النساء و المذيعات الجميلات في القنوات التفزيونية، لأن التجمّل حسب تفسيرها محرّم و جمالهن تؤدي الی ثوران شهوات الرجال، أولئك الذين لا يرون في المرأة إلا الجانب الجنسي فقط. هذه الأصوات تواصل دعواتها للتحريض على العنف والتمييز ضد النساء تحت راية الدين والسنة والأخلاق وتحاول تسييد أنماط معينة من الملابس ومنح صاحباتها فرص أكبر للعمل والظهور الإعلامي.
أما في ما يخص الديمقراطية والأنظمة البرلمانية فإنهم ينظرون اليهما كبدعة محرّمة لا تقلص الفجوة الإجتماعية. عقلهم التقليدي هذا هو الذي يمهد الطريق، برأي رائد حركة ما بعد الحداثة الفيلسوف الفرنسي جان بودرّيار (1929-1997)، لنشأة العقل الإرهابي بين الجماعات المتأسلمة، الذي يدفع صاحبه للعنف، فهو يری بأن عنف الخطاب لا يعادله إلا عنف الإرهاب.
الإنسان في عقله و إنسانيته الحرة و كرامته و الأخلاق المتربطة بها و إختيار الغيتو النفسي و الذهني والفكري كبرنامج للتعامل اليومي و قيادة المجتمع ينتج النّظر إلى النّفس و إلى الآخر  المغاير باستعلاء مضمر أو إحتقار.  ولغة التحريض علی العنف ضد كل من لا يريد أن يبقی داخل إطار الثوابت و القوالب و النماذج الدينية الموروثة هي نوع من أسلحة الدمار الشامل، مآلها تلويث فضاءات التعايش السلمي و الأفكار والممارسات الحية، التي تعمل علی كسر الأيقونات المقدسة والأصنام النظرية.
الأصوليون الدينيون يريدون بهرطقتهم و مواقفهم المصبوغة بالتبريرية الذرائعية التلفيقية أن يصبحوا ملوكاً علی حقول من الجثث بعد تحويل الحياة بأساليب غير متوقعة الی جحيم لا يطاق ولنا في الحركات الأصولية الدينية المتطرفة في أكثر من مكان من هذا العالم نماذج بارزة ليصبحوا لنا خير دليل و أعظم برهان. أصوليتهم الدينية يمكن تحليله ثقافياً من خلال تعريف مفهوم رؤيتهم للعالم. ولا يمكن إخترال أسباب ظهورهم فقط في الفقر والقهر السياسي، بل في تحجرهم العقائدي و فقرهم المعرفي وتزّمتهم الفكري، لأن من لا يعمل في تحقيق مصالحة وإنسجام مع مفهوم الحداثة من خلال قيم الحرية و أصالة حقوق الإنسان و قبول الاختلاف و التعددية لا يستطيع أن يساهم في نشر مفاهيم منفتحة عقلانية أو إنسانية. نحن لا نأمل بأن يعود الدين ليمارس ذروة العدمية والهمجية أو ليتأله دعاته و حماته، لكي يصبحوا عبيداً لنزواتهم و أحلامهم المجنونة و خططهم الجهنمية أو لكي ينتهج أصحابه الهيمنة الشمولية على تفكير الرأي العام والسيطرة على ردود افعاله. إن الخروج من القوقعة العقائدية يفتح الإمكان لملاقاة الآخرين و يتيح للإنسان تكوين ذاته و إعادة بناء الثقة مع سواه و هذا بدوره يتيح التعارف الوجودي أو التعايش السلمي أو التبادل المتكافیء من المساحات واللغات و الأدوات أو الصيغ والأطر.
فمن يؤله رموزه‌ فقط و يجحد رموز الآخرين يعيش في تكاذب مشترك و يتحول كلامه الذي يعلنه عن الوحدة الكوردستانية مجرد خداع، يكون مآله الخلاف والإنشقاق. نهجه‌ الآيديولوجي السلبي القاطن بين أنياب الإيمان الأعمی و جحيم الحلول القصوی يسعى لنصرة معتنقيه وحمايتهم على اساس استثارة معاداتهم.
أما حكومة إقليم كوردستان الفعّالة فهي تسعی اليوم الی تنظيم الإقتصاد و الإنفتاح علی الخارج، بقدر ما تنفتح في الداخل علی المجتمع بمختلف قواه و مستوياته و هيئاته و عناصره، بهدف بناء معادلة مركبة تؤلّف، علی نحو خلاق و مثمر، بين الأهلي والمدني أو بين الخصوصي والعمومي، أو بين الوطني والإقليمي، أو بين المحلي و الكوكبي، وهذا هو الرهان، تحويل عدم الثقة والخوف الی مجالات و مساحات و أسواق للتعايش السلمي والتبادل الغني. 
نحن نعرف بأن وراء كل منظومة تقدم قيماً ومبادئ، كالتربية على الحرية والمساواة، وحق الشعب في إختيار حكامه، وحرية التعبير والصحافة، وسيادة القانون والمساواة، وهذا ما نناضل من أجله، فلا مجال بعد اليوم للجُبن الثقافي، الذي كان وللأسف تحت ظل النظام الشمولي الدكتاتوري في العراق التخصص الأساسي.
وختاماً نقول، بأن من يريد بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل علی نحو سلمي تبادلي في إطار إقليم كوردستان هو من يحسن الإشتغال علی خصوصيته و يقوم بتغيير عدّته الفكرية، سواء من حيث التوجه الفكري أو من حيث شبكة المفاهيم وقواعد المداولة، بتركه العقليات السائدة والمقولات المستهلكة ولا يستخدم المنابر والساحات والشاشات لإعادة عباءة الفقيه و الحجاب والبرقع و لنصب جدران الكره و العداء للتمترس في المعقل الأصولي أو لتحويل الدين الی أداة أو محاكم للإدانة و الإقصاء.
الدكتور سامان سوراني

188
إعلان الدولة الكوردستانية  بين طبول حرب المالكي و جغرافية السياسة الكونية

من المعلوم بأن حياة البشر و أوضاعهم تتغيّر أو تتبدّل بفعل أحداث و تطورات تنبثق من داخل المجتمعات التي تتجاوز واقعها و تغيير شرطها الوجودي أو الحضاري، قد تكون علی شكل دعوات أو ثورات و لنا في الثورة الفرنسية العظمی خير شاهد وبيان.
في عهد الدكتاتورية كان هناك  وللأسف "مثقفين" يعملون كأبواق تسبّح بحمد المستبدّ والطاغي صدام حسين، وتبرّر استكباره وبشاعاته بمختلف الذرائع القوموية و الدينية، و تنفي وجود حروبه الهمجية ضد شعب كوردستان المسالم، بالرغم من أنها كانت تعلم بيقين بأن أهل كوردستان تتعرض طوال سنين لكل أنواع التنكيل و التعذيب، إذ قام النظام البعثي الهمجي بزجّ مئات الألوف من الكوردستانيين في غياهب السجون والمعتقلات و قتل آلاف منهم و طمر جثثهم في مقابر جماعية بقيت أماكن الکثير منهم مجهولة لأهاليهم.
و بعد بزوغ فجر عصر تعميم المعلومات، الذي صار أكبر زلزال يدّمر أركان سياسات الاستبداد والإقصاء والإلغاء و بعد أن تحرر العراق من قبضة صدام و أبناء القتلة و مليشياته الأمنية المجرمة، كنا نؤمن بأن المؤسسة الجديدة سوف تنظر الی نهاية صدام الدموي كرسالة موجهة الی كل مستبد متمسك بالسلطة و رافض تداولها، الذي يقهر شعبه و يعتقل أحراره و يكبل بهم و يقمع المحتجين المنادين بالحرية والكرامة والتغيير، لذا ساهمنا في تشكيل و بناء دولة ديمقراطية حديثة، علی أمل إنها تؤمن بالتمثيل السياسي والمناطقي المتوازن و تدعم حق الشعب الكوردستاني في تقرير مصيره، لكن للأسف لم يعمل رئيس الوزراء الحالي، الذي كان أحد المعارضين للنظام الدكتاتوري، منذ تسنمه الرئاسة الی يومنا هذا لإزالة التشنجات الطائفية والمذهبية من النفوس قبل النصوص و ذلك لإخراج العراق من هذا النفق المظلم، و ما محاولاته في تشكيل هيئة وطنية شاملة لإلغاء الطائفية السياسية إلا مناورة منه هدفها التغطية عن أهدافه الطائفية، فكيف ننتظر منه أن يساهم في بناء دولة مدنية حرة مستقلة باسطة شرعيتها علی العراق الفدرالي ويكون له‌ مكان في صنع تاريخ هذا البلد، بعد أن أصبح أسلوب الضغط و الترهيب والتهديد جزء من سياسته الفاشلة؟ نسأله متی كانت المطالبة بالحقوق الدستورية والعدالة تنذر بالفتنة و التفرقة؟ لماذا السعي وراء ممارسة الهيمنة والقهر والإستبداد والعنصرية واللاعقلانية و الأحادية و جعل هذه الآفات تصبح خبزاً للمجتمعات العراقية و أبجدية لثقافاتها؟
نحن نعرف بأن مكونات الشعب العراقي ما يزال عازم على بناء دولته على أسس الحداثة ودولة المواطن، لكن نقوله بصراحة بأن قيادات بعض الأحزاب الدينية لا تؤمن بمبدأ الديمقراطية وممارستها و لا تضع مصلحة العراق وسيادته وقراره الوطني المستقل في مقدمة أولويات عملها السياسي و يعطي لورقة الإصلاح أهمية و لا ترغب في الأنفتاح على المكونات الأخرى.
لذا نستنتج اليوم بأنه لم تعد للشراكة الحكومية في العراق الإتحادي معنیً، بعد أن أصبح الدستور الذي كان وسيطاً و ضماناً بين الشركاء، مهملاً و بعد أن أصبح خرق الدستور أمر طبيعي يعيد نفسه بإستمرار و بعد أن دخلت إتفاقية أربيل في زمن النسيان و بعد أن قرر رئيس الوزراء نوري المالكي بتمحوره الإقليمي البدء في تنفيذ مخططاته‌ و هجماته الغير مشروعة ضد إقليم كوردستان و دئبه‌ بعد تفرده بالسلطة و فرض نفسه عنوة في العاصمة العراقية لإحداث الثغرات في صفوف القوى الكردستانية و في النهاية جرّ العراق بإتجاه الدكتاتورية ودفعه نحو الهاوية. من سيدفع الثمن؟
إن تداعيات سياسات المالكي الغير سليمة أوجدت حالة من غير الاستقرار والقلق ومخاوف حقيقية لدی القوی الديمقراطية الكوردستانية بحيث يفضي كل ذلك وغيره الى نهايات ليست في صالح الجغرافية السياسية لعموم العراق.
الحكومة الإتحادية يجب أن تعرف بأن الكوردستانيين اليوم يعيشون ثورات معرفية، ثورات اكتشاف قيمة الحرية والكرامة، يلتزمون بالدستور و بإنسانيتهم، يمتلكون الإنسانية و يدافعون عنها و بقدر إمتلاكهم لإنسانيتهم يمتلكون الحرية في إصدار القرار، يسعون في رسم مسارات حياتهم الشخصية والقومية، مدركين إنتماءهم الی الجنس البشري و قيمة مسؤولياته، لا يتقبّلون بعد اليوم ساسة مستبدين، يخدعونهم بأبواقهم و ترّهاتهم و تهوراتهم المتخلفة.  نقول لا جدوی من إنقضاض خريجي المعاهد الشمولية علی تطلعات و آمال الشعب الكوردستاني و أخيراً لن يصمد أصحاب الفكر الأحادي والنزعة الشمولية أمام إرادة شعب كوردستان.
وختاماً يقول فيلسوف الإرادة الألماني فردريش نيتشه (1844-1900): "لا تمشِ في طريق من طرق الحياة إلا ومعك سوط عزيمتك وإرادتك لتلهب به كل عقبة تعترض طريقك."
الدكتور سامان سوراني


189
ما هي التداعيات الإيجابية من المؤتمر العلمي الكوردستاني العالمي؟

من المعلوم بأن الحداثة بموروثها الإجتماعي، إبتداءً من العناصر الإيجابية والفاعلة في المجتمع، تعني ديناميكية إجتماعية يمكن توظيفها في حركة مستمرة لتطوير المجتمع بكل فئاته وطبقاته ومناطقه وقواه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والإدارية وغيرها. و من غير الممكن أن تكون الحداثة نوع من التقليد أو الإستعارة أو الإنغلاق علی الذات و رفض الآخر بغرض الحفاظ علی الهوية والأصالة أو عقائد ما ورائية جوهرانية ثابتة أو أوهام التوافق الفكري و جدلية التماثل.
ففي الخامس عشر من هذا الشهر إنتهت أعمال المؤتمر الكوردستاني العلمي العالمي الثاني بعد أن أفتتح بتاريخ 2012.10.12 من قبل رئيس إقليم كوردستان السيد مسعود بارزاني، الذي أكد أمام الباحثين و الاكاديميين الحاضرين مدی حاجة الإقليم الی أعمال و إختصاصات المشاركين لسد الثغرات والنواقص الموجودة و مدی جديّة الحكومة للإستماع اليهم و العمل بنصائحهم، لأن العلم في نظره يلعب اليوم دور الفاعل الأساسي في حياة هذه الحضارة، التي نعيشها على كل المستويات و يفتح آفاقاً لم تكن الإنسانية تحلم بها من قبل. سيادته‌ يؤمن بأن للعلوم أثر إيجابي على الأفكار والتقنيات والأنظمة السياسية والاجتماعية و أن شيوع العلم في إقليم كوردستان ضرورة ملحة لتخطي الحروب و التأخر والجهل.
شارك في هذا المؤتمر العلمي مايقارب 600 أكاديمي و باحث كوردستاني من المقيمين في الخارج وكذلك من الفاعلين في جامعات اقليم كردستان ومؤسساته الحكومي بهدف تطوير كوردستان بالعلم والتراث، وكانت الأكثرية منهم قادمة من الدول الغربية و أمريكا الشمالية و القارة الأسترالية قدموا بحوث ومحاضرات قيمة حول طرق تطوير تطوير البنية التحتية لإقليم كوردستان في المجالات المختلفة منها التربية و التعليم العالي والبحث العلمي والزارعة والصحة.
العلم كما يصفه الشخصية التنورية البارزة والمصلح الإجتماعي فرانسوا ماري أرويه المعروف بإسم فولتير (1694-1778) كالأرض لا يمكننا أن نمتلك منه سوى القليل، لكن المؤتمر كان بداية جيدة لاقامة جسر للتواصل مع الخبرات الكوردستانين و القابليات المبعثرة والمفيدة الموجودة في الخارج و القادرة علی نقل الخبرات والتجارب من الدول المتقدمة الی إقليم كوردستان.
إن تعاطي الكوردستانيين مع التراث والحداثة بطريقة عصرية يفسح لهم الطريق للإنخراط في المشكلات الفكرية والعلمية لهذا العصر و فهم الحياة المعاصرة. فالحداثة هي جهد و إجتهاد، مراكمة و تكديس، عمل و مراس، صناعة و تحويل، بناء و تركيب، علی نحو متواصل، بصورة نتغير بها بتغير صورتنا علی أنفسنا والعالم، عبر المشاركة في ورشة الخلق والإنتاج.
فلكي ننخرط في أعمال التحديث و التطوير و نزداد إنتاجية و إستهلاكا و قدرة و فاعلية، علينا بالإبتعاد عن الحريات الشخصية، التي يمارسها الفرد في المجتمع الكوردستاني، بصورة إستبدادية أو عشوائية أو عقيمة أو كسولة.
أما النماذج الأصولية الدينية، التي كانت تهدف في إقحام الدين بطريقة فجة وملتوية وقسرية في كل مفاصل الحياة العصرية والتي إتجهت في التسعينيات من القرن الماضي بكامل طاقاتها وأدبياتها إلى شرعنة الحياة وأصلنتها في كل مفاصلها، تركت بنفيها الوقائع و قفزها فوق الحقائق أصداء سلبية، ساعدت علی سد الكثير من الخطوط للمساهمة في ورشة الإنتاج و صوغ المصائر.
من جملة البحوث التي قدمت في المؤتمر، كان بحث أكاديمي كوردستاني حول اللغة الكوردية و مسألة توحيد اللهجات المختلفة. معلوم بأن اللغة الكوردية تكون قادرة علی هضم و إمتصاص العلوم الحديثة، إذا تم تبسيطها و تقريبها من الحياة المعاصرة و إذا تمكنت من مسايرة إتجاهات العلوم الحديثة و إتجاهات التطور الحديث. من غير ذلك تصبح اللغة وسيلة متحفية لا تصلح للتفاعل مع الحياة بإنسيابية ومرونة مطلقة. و لكي نحرر اللغة من قيود الماضي، حتی يقوم الأصوب بإحتلال العقل لا الأسبق ولكي تنطلق الإنتاج الثقافي للتفاعل مع الحداثة، عليه أن ينفتح الفرد الكوردستاني و يتحرر من أسر التفاسير الدوغمائية المنغلقة ويتعاطی بعقلية إنفتاحية عصرية مع صيرورة الثقافات وتموجاتها المتحركة، بحيث يكون قادر علی على التجاذب الحي والمرن مع كافة التداخلات الفكرية التي أصبحت اليوم سمة العصر الرقمي، الذي نعيشه.
إن تشكيل قواعد جديدة للعمل العلمي الكوردستاني المشترك تسهل الطريق أمام الإنخراط في المناقشات العالمية و تساهم في بلورة قيم جديدة للشراكة البشرية.
و ما القدرة علی الخلق والإبتكار في مجالات العمل والإنتاج، العلمية و التقنية، أو السياسية والإقتصادية، أو الإعلامية و المجتمعية، أو الأدبية والثقافي، إلا نوع من الإصلاح، الذي يؤدي الی ممارسة سياسة الإعتراف و إتقان لغة التوسط و فن التعايش و ممارسة الهوية علی سبيل التنوع و التفرّد. إذن علينا بشحذ العقول الكوردستانية و إنشاء مراكز البحث والإشتغال علی الذات بالمراجعة والمحاسبة أو بالنقد و الفحص. 
و ختاماً: الحياة ليست نظريات ثابتة وأقاويل مقدسة غير قابلة للتغيير، لكن لا تدع غيرك يلون حياتك فربما لا يملك بيده سوى قلم أسود.
الدكتور سامان سوراني 

190
آراء كوردستانية في زمن ثورات القوة الناعمة و سباق العقول

من المعلوم بأن التفكير هو ميزة الإنسان ورأسماله الأول، الذي يستثمره في مساعيه ومشاريعه و أعماله و سائر أنشطته‌، فما توصل اليه العالمان الفرنسي سارج اروش والأمريكي ديفيد واينلاند هو الوصول الی قياس جسيمات الكم المراوغة دون تدميرها، وهذا يعني التلاعب بالجزيئات الأحادية دون التأثير على الطبيعة الميكانيكية للمادة، مما يسهل الأمر في صنع نوع جديد من أجهزة الحاسوب أقوى بفارق أكبر من كل الأجهزة السابقة و بسبب إكتشافهم النادر هذا فازوا بجائزة نوبل للفيزياء لعام 2012.
نحن نری في أدوات العولمة الفائقة و الشبكات العنكبوتية والوقائع الإفتراضية معطيات لا غنی عنها في فهم الواقع و إدارته و تغييره، فهي، إن شئنا أم أبينا، قد غيّرت نظرتنا الی أنفسنا و بدّلت موقعنا في العالم.
بعد هذه التحولات الجذرية، التي هي بمثابة فرصة وجودية أمامنا، علينا في كوردستان بالتقدم و نخطوا خطوات كبيرة نحو الأمام و نتخلی عن قصورنا الثقافي و ننهض من تخلّفنا الفكري و نكسر عقليات البيروقراطية الفوقية لإدارة شؤوننا بعقل أفقي، تواصلي، تبادلي، ومن لا يشخص الواقع لا يجد مخارج من الأفخاخ والمآزق.
أما في العراق فنحن لا نعرف متی يخرج "شركائنا" في هذه الدولة "الإتحادية الفدرالية" من سجونهم العقائدية القومومية، لينخرطوا في تغيير واقعهم و يشاركوا في التحولات العالمية علی غير مستویً و صعيد.
فبعد سقوط الطاغوت الأكبر في المنطقة عام 2003 كنّا نأمل بأن التحولات في هذا البلد سوف تتجه نحو الدولة الديمقراطية، التي تحافظ علی الإرادة العامة و تنهض بفيدرالية عادلة و حرّة، بعد أن إنتهی من دكتاتورية البعث،. ما لا يفاجئنا بالمرّة هو المحاولة الجديدة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في التقارب العسكري مع موسكو و تعزيز تنسيقه معها لتشكيل محور للتعاون الامني والعسكري الإستراتيجي المستقبلي مع بلدان ديكتاتورية أخری في المنطقة.
رئيس مجلس الوزراء ينظر الی الدستور الإرضائي، الذي يعطي الشيء و نقيضه، من زاوية أفكاره وعقائده ومرجعياته ومصالحه الشخصية، لذا نراه يقوم بالتجهيز و شراء أسلحة ثقيلة، منها طائرات مقاتلة. هدفه هو استعباد العقول والسيطرة علی الأفكار و قمع كل من لا يرقص علی تصنيفاته الموسيقية المزخرفة بتقاسيم الحروب.
السيد نوري المالكي، الذي يريد بنزعته الإنفرادية الإستئثارية أن يتحول من ضحية الی مستبد، يسعی اليوم علی تقوية الحكومة الإتحادية وقراراته على حساب الإقليم الى الدرجة التي تصبح فيها عدد غير قليل من هذه القرارات إستبدادية، يشحن الأجواء و لا يترك مجالاً لتنامي صفاء النيات والتفاهم بما يعزز الشعور لدی الكوردستانيين بأنه‌ عليهم السعي في سبيل إنجاح التجربة الفيدرالية. و في ظل غياب الإرادة الوطنية عنده في حل الأزمات الفيدرالية و المماطلة في تطبيق بنود الدستور يخسر العراق فرص كثيرة للبناء والتقدم، فكيف بتفهّم المشكلات وإجتراح الحلول الجذرية المناسبة لها.
نقول للذين يشهرون سيف الدفاع عن الهويات والمذاهب بعقلية القوقعة والمحافظة، أنتم بزيفكم الوجودي جنود تقاتلون من أجل أسوأ التقاليد و أكثرها عمقاً، لا تستطيعون تحقيق تنمية أو تغير واقع، بل تتجهون نحو التراجع و تنتهكون ما تدعون اليه، مآل عملكم هو تدمير الحاضر وإفتراس المستقبل.
زمننا هو زمن ثورات القوة الناعمة، تتعولم الأفكار و الثقافات و تتغير شيفرات التفكير و برامج العقول و خرائط المعرفة وقواعد المداولة، لذا نراه من الأولی ممارسة التقی والتواضع بالثورة علی الذات للتخفيف من أمراضها النرجسية والمركزية الإصطفائية والإمبريالية والإستبدادية. فالتأله والتقديس ينشر الشعوذة و يزرع الخراب و يولّد البربرية.
فالثورات الحاضرة لا تلغي مكتسبات الثورات التنويرية والسياسية والتحررية، لكنها تتجاوز ما استهلك منها، تختلف عما سبقها في رموزها و لغتها و عناوينها، فهي تحمل في طياتها أدوات تقلل من سلطة الأنظمة الشمولية بقدر ما هي تفضح المحاولات العسكرية الفوقية، التي لا تنتج سوی التخلف و الإستبداد. 
و حكومة إقليم كوردستان و أحزابها الوطنية تعمل بوثوق في سبيل الحصول علی درجات جيدة في إمتحانات الديمقراطية والتنمية والعدالة والكرامة، لكي تصنع مستقبلاً جديداً، بحيث تنكسر الصور النمطية السلبية، التي ترسمه أعداءهم و أعداء الديمقراطية لهم. أما شعب كوردستان فهو يأمل في أن يكون فاعل قوي في بناء الحضارة و صناعة المعرفة والحداثة والتقدم، لكي ينخرط و يشارك مع بقية الجماعات و الأمم في رسم مستقبل أفضل للمنطقة. 
و ختاماً نقول، لا لديكتاتورية السلاح و لا للاستقواء علی الدولة و إذا كان إقليم كوردستان حسب تفسير رئيس مجلس الوزراء العراقي جزء من العراق الفدرالي فإن الدفاع هو أمر مشترك، وما هو مشترك يخضع دوماً للمناقشة المفتوحة، العلنية والعمومية.
الدكتور سامان سوراني

191
دولة كوردستان المستقلة بين التحدي والإستجابة

المؤرخ و الفيلسوف البريطاني المشهور أرنولد جوزف تُوينبي ( 1889-1975)، الذي إستلهم نظريته في "التحدي والإستجابة" من عِلم النَفس السلوكيّ لمؤسس علم النفس التحليلي السويسري كارل غوستاف يونغ (1875-1961) والذي كان متأثراً في فكرته حول دور الاقلية المبدعة في بناء التقدم الحضاري بمفاهيم الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون (1859-1941) يقول:
"إنَّ الفَرد الذي يتعرَّضُ لصدمةٍ قد يفقدُ توازُنَه لفترةٍ ما، ثمَّ قد يستجيبُ لها بنوعَين من الاستجابة: الأُولى النكوص إلى الماضي لاستعادته والتمسُّك به تعويضًا عن واقعه المُرّ، فيُصبح إنطوائيّاً؛ والثانية، تقبُّل هذه الصدمة والاعتراف بها ثمَّ مُحاولة التغلُّب عليها، فيكون في هذه الحالة انبساطيّاً. فالحالة الأولى تُعتَبرُ استجابةً سلبيَّة، والثانية إيجابيَّة بالنسبة لعلم النفس".
الكوردستانيون، الذين يمثلون كيان تاريخي، له هويته القومية الواضحة، يربو عددهم الآن أكثر من 40 مليوناً، هُم حسب منطوق نظرية تقرير المصير أكبر شعب في العالم ليس لديهم دولة، تعرضوا الی أقسی المجازر وحشية وأعنف قصف بالغازات السامة و مورس ضدهم أساليب لاإنسانية في تهجيرهم بشكل جماعي قسري من مناطقهم الجغرافية و سياسة التمييز اللغوي لكسر شوكتهم وحسهم الوطني، لكنهم و بحكم إمتلاكهم لحركات قومية قوية باتوا في الآونة الأخيرة أحد العوامل الأساسية في السياسة الداخلية والخارجية لتلك الدول التي تحتل الی يومنا هذا أجزاء كبيرة من وطنهم كوردستان.
بناء الدولة الكوردستانية ليست مجرد فكرة تقتبس أو صيغة تطبق، وإنما هو عمل شاق ومتواصل يقوم به كل فرد من أفراد المجتمع الكوردستاني علی نفسه، علی غير مستوی أو صعيد، من أجل تحويل الإختلافات الفطرية أو العصبيات الجمعية أو التكتلات الفئوية الغير مسؤولة الی علاقات وطنية تتيح التعامل مع السلطة الوطنية في جميع دوائرها و مستوياتها.
فالقوَّة الخلاَّقة و الوعي بالذات تصنع الوحدة في كيان المُجتمع، الذي هو بمثابة وسط للتعدد و فضاء للمداولة بقدر ماهو شبكة من التأثيرات المتبادلة والعلائق المتحوّلة. الوعي بالذات يسهم في تكوين طبيعة الدولة المستقلة، و من ثم الانتماء إلى إشارات ثقافية و جغرافية. 
لقد ولّی زمن المثل القائل، بأنه ليس للكورد صديق غير جباله، أو ذكر ححج واهية من قبل المثقف الأبله، الذي يُرجع أسباب عدم بناء الدولة الكوردستانية الی التضاريس الأرضية، كون معظم أراضي كوردستان جبال و سهول أوالموقع الجغرافي والظروف الإقليمية والدولية. فالذي لايعرف الرقص يقول دوماً بأن الارض ليست معتدلة.
نحن كشعب نعرف بأن الماضي هو زمن من أزمنتنا المتداخلة والمتعاصرة، بل هو طبقة من طبقات وعينا المركب الذي يمكن قراءته علی نحو جيولوجي، نمتلك إرادة التضحية والتاريخ شاهد علی مانقول. لكن الذي نحتاجه اليوم في عصر التغيير هو خلق إرادة المجازفة، لمواجهة التحولات والإستحقاقات و الإشتغال علی الهوية والذاكرة والتراث من أجل تحويل ذلك الی عمل منتج أو الی ممارسة إبداعية تتجسد في صناعة الإستقلال و نسج علاقة مع العالم راهة و فاعلة، سيما أن العالم لم يعد كما كان عليه، بل هو يتغير بصورة جذرية و بنيوية متسارعة. علينا بتثوير الإدراك وحرية الإنسان وإمتحان القِيَم قبل تبنِّيها، فثورة الإنسان على داخله، كما يراه الفيلسوف الياباني المعاصر دايساكو إكيدا، هي الشرط الضروري للتقدم والمساهمة الفعالة في سبيل بناء الوطن. فالقضايا الوطنية والمصالح العمومية يجب أن تدار بسياسة جديدة من مفرداتها ومفاهيمها و قواعدها الخلق والتحويل والتجاوز بعد أن سجلت نهاية لنظرية المؤامرة والأجندات الخارجية.
ومن المعلوم بأنه لا ينهض و لا يتقدم من لا تفضي به تجاربه إلی تغيير مفاهيمه عن النهوض والتقدم ولا ممارسة بلا نظرية، و لا فاعلية من دون شكل من أشكال العقلنة، للنشاطات والتصرفات، يتيح الحصر والضبط والتنظيم، نمذجةً أو قولبةً أو برمجةً. وعقلية العصر الرقمي تطلب منّا بناء أفراد لهم الإيمان الكامل بذواتهم، أحرار قادرين علی بناء مجتمع قوي قادر، أفراد لا يؤمنون بالإقصاء الذي يلازم كل فكر ضعيف أو متستر أو مداهن، ليستمد قوته من تهميش الآخرين.
الهدف من بناء الدولة الكوردستانية المستقلة، التي هي حقيقة وسلطة الواحد علی الآخر والتي نبنيه اليوم بجهودنا و عقولنا ليعترف بها الآخرون غداً، هو تحرير الأفراد و الحفاظ على أمنهم و تمكنهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية ممارسة عقلية و حمايتهم من كل أشكال العنف و التسلط و تنمية قدراتهم الجسدية و الذهنية، شريطة عدم إلحاق الضرر بالآخرين. لنصرف الإنتباه إلى عالم ما تحت الوعي الكامن وراء الأعمال والأفكار والرغائب البشرية و لنعشق السلام و نناضل من أجله  ولنجعل القرن الحادي والعشرين فضاء للأمل والسلام والحياة الحرة الكريمة لشعوب كوردستان والمنطقة ولنخرج من قوقعتنا الفكرية و نهتم بكل ما يجري في هذا العالم من تغييرات و أحداث ونصنع حداثتنا و حقيقتنا من خلال خلقنا ما نتفرد به من التجارب التاريخية ونجدد أدواتنا في الفهم و التفكيك و نقتحم العالم بفكرنا الجديد. الفرد الكوردستاني قادر علی هذا، لأنه صاحب إرادة، عليه أن لا يهاب المجازفة، من غير ذلك يسهم الواحد في إنتهاك شعاراته و إعادة إنتاج مأزقه و خسارة قضايا والتواطؤ مع ضده، لإنتاج المساویء والتهم المتبادلة أو الدمار المتبادل. وختاماً: " إن الثورة العظيمة في حياة فرد واحد قادرة على تحويل مصير مجتمع بأسره، لا وبل على تغيير قدر البشرية جمعاء."
الدكتور سامان سوراني

192
الرئيس مسعود بارزاني  والدعوة الصادقة الی إنتهاج سياسة اللاعنف

من المعلوم بأن العنف يرجئ الإيجابية إلى زمن مجهول و يضيف إلى الخسارات خسارات جديدة و يقطع جسور السلام والمحبة و يخلق جدران الحقد والكراهية. الفيلسوف و المؤلف الشهير و مؤسس حركة الإيكولوجيا الأمريكي Henry David Thoreau (1817 - 1862)، الذي إستخدم فلسفة اللاعنف كمنهج لحياته، كونه يبني غايته عبر أنشطته ذاتها، كان أول من حرّض على العمل بأسلوب العصيان المدني، لإنتزاع الحقوق ورفض الظلم. وكان لأعماله و كتبه في اللاعنف أثر بليغ علی شخصيات معروفة أمثال الروائي العالمي الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي (1828-1910) و معجزة السلم الأسطوري موهانداس كرمشاند غاندي (1869-1948) و الخطيب التاريخي، قائد مناهضة التمييز العنصري مارتن لوثر كنج جونيور (1929-1968).
شهدت الآونة الأخيرة زيادة ملحوظة حول العالم في حركات اللاعنف، التي أثبتت بأنها إرادة الشعب وقوته في إستهداف تعزيز حقوق الإنسان و التحرر من أسر التاريخ و حتمياته و تفكيك الديكتاتوريات والأصوليات و الإطاحة بالأنظمة المستبدة الغاشمة. 
اللاعنف هو قديم قدم البشرية، لكنه السلاح الأقدر على بناء المجتمع المدني المتحضر، الذي تُحترم فيه إنسانية الانسان وتُحفظ كرامته وحقوقه من خلال اعتماد المسؤولين علی سياسة التفاهم والتواؤم والانسجام ومعالجة التناقضات عبر المنافذ التحاورية المتحضرة التي غالباً ما تضع الأمور في نصابها وتتعاطى مع الإشكالات بحكمة وروية وهدوء.
ومن الواضح بأن فتح ممكنات جديدة أمام العمل في سبيل حق شعب كوردستان العابر لحدود الإقليم و المستوعب لحراك المجتمع الكوردستاني و متغييرات العالم يحتاج الی فكر جديد تتغيّر معه المفاهيم والمواقف والممارسات. ففي الخطاب التاريخي الذي القاه الرئيس مسعود بارزاني باللغة الكوردية بتاريخ 2012.09.30 في المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية التركي، بحضور جمع غفير من أعضاء هذا الحزب الحاكم في تركيا و وأمام وفود أكثر من 90 دولة مشاركة، تم إستعراض الوضع الراهن في اقليم كوردستان وتأريخ العلاقة بين تركيا والاقليم ومختلف الشؤون المحلية والاقليمية والدولية.
لكن الذي نحن هنا بصدده، هو تأكيد سيادته علی أن اللاعنف هو الطريق الأمثل لإدارة المصالح العمومية بعقلية السياسي المحترف و للوصول الی اﻟﻬدف اﻟﻤﺒﺘﻐﯽ وإستعمال فن الحوار الهادیء كوسيلة للتواصل و منها نستنبط قناعته‌ التامة بسياسة اللاعنف، كأداة للوصول الی حل القضايا الكوردستانية مع الدول التي تحتل اليوم وللأسف أجزاء من أراضي كوردستان و تسلب من هذا الشعب الخالد الحقوق الشرعية في تقرير مصيره و تنكر بسبب التفكير بمنطق الضد و الإقصاء في بعض من مناطقه وجوده. هذه القناعة هي إستراتيجية عمل وسياسة لحلِّ النزاعات.
بديهي بأن العنف من صنع البشر و الرئيس مسعود بارزاني يؤكد بأننا قادرين على تفكيك هذا القضاء و لنا القدرة علی إعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة. ففلسفة السلم تحمل في طياتها السلام الظاهري وتری في تثبيت الديمقراطية الحقيقية طريق معبّد لضمان النفس والجماعة.
في عصر تشابك المصائر والمصالح وعولمة الحروب والهويات تثبت التجارب بأن من يستطيع التفكير بعقل تداولي يكون قادر علی أن يتغير لكي يسهم في تغيير سواه علی نحو مثمر وخلاق و يتمكن من أن يقرأ و يشخص لكي يركب الإمكانات و يجترح الوسائل لتحسين الأوضاع أو لحل المشكلات. فالأفكار الخصبة والتجارب الفذة والنماذج الناجحة في مكان ما، تغدو ملك البشرية جمعاء، أياً كان مصدرها، كما يشهد التفاعل بين الحضارات منذ أقدم الأزمنة، فلتنسج العلاقات في المنطقة بعقلية السلم والشراكة و لغة التسوية و ثقافة التعدد والتنوع، علی نحو يفتح آفاق الحوار والتعاون والتضامن علی سبيل النفع المتبادل و الإثراء المتبادل.
و السلم مرتبط بسعادة الجماعة الراهنة التي تبحث عن العيش في سلام، أما الحرب والعنف والتطرف فهي سلوك يعكس ضعف الإنسان في ضبط تعامله وانفعالاته و من الممكن أن تكون الحرب ضرورة حتمية لكنها تبقی حتمية محزنة تبرز ضعف ديناميكية الفكر الإنساني و قصور عقله.
علينا إذن بتبني سياسة اللاعنف للإنخراط في المناقشة العالمية، وللمساهمة بشكل بناء و مثمر في تطوير مفهوم الديمقراطية و فتح ممكنات جديدة أمام العمل الديمقراطي.
و ختاماً: فإن الديمقراطية تبقی دوماً رهناً لما نفكر فيه و نصنعه، فهي صيرورة مفهومها علی مستوی الفكر و ثمرة التجارب الفذة والغنية علی أرض الواقع البشري الملغم دوماً بالأهواء والمطامع أو بالجهل و النسيان أو بالخداع والأوهام ومن لا يتقدم يتراجع لا محالة ومن لا يتغير تهمشه المتغيرات أو تنتقم منه الوقائع.
الدكتور سامان سوراني


193
جرائم النظام البعثي في سوريا و سكوت الآلهة!

من المعلوم أن الحرية ليست سوی بحث عن القيم و سعي وراء الممكنات و جهد متواصل من أجل العمل علی تحقيقها. فهي تعبّر عن قدرة المرء علی العودة الی ينبوع نشاطه والرجوع الی مصدر فاعليته، وهذا الينبوع هو مصدر كل شيء، لأنه أصل كل ما في الوجود. الحرية ‌هي الأصل في نشأة المجتمع و لا يمكن أن يقوم المجتمع إلا علی أساس الحرية.
فمع ولادة "البعث" في أربعينيات القرن الماضي بدأ المأزق الحضاري بعناوينه و نسخه في سوريا و بدأت طريقة التعاطي مع الحقوق والحريات تبنی علی شعارات تراجعية مستهلكة كالتحرير والمقاومة و الممانعة و تبطن برفض المفاهيم و النظم، التي كان من السهل إستثمارها في أعمال التحديث و الإنماء أو تجسيدها في إحترام الحقوق وإطلاق حريات التفکير والتعبير و التنظيم.
الدولة الشمولية في سوريا، التي تحولت بساديتها و فاشيتها الی كابوس يجثم علی العقول والأجساد، لم تقم في يوم من الأيام بتسليط الضوء علی الآفات والأخطاء بل إستخدمت فنون التمويه والشعوذة لتحويل الكوارث والهزائم الی نصر و بطولات و قاعدة التستر علی الأخطاء والمساویء، لكي تفعل فعلها بصورة مضاعفة فساداً و إستبداداً.
واليوم يشغل النظام الاستخباري الاستبدادي العنصري الدموي في سوريا بتعتيم شامل و إصرار سلطوي أبشع الآلات الجهنمية التطهيرية ليحصد كل يوم أرواح المئات من المدنيين. نحن لا نری أي تراجع عن الإستمرار في جرائمه و إقترافه المحظور والمجتمع الدولي والشعوب الحية والحرة والضمائر الإنسانية لا تتحرك لإيقاف الهجمات الجوية والميدانية و الممارسات اللاإنسانية من قبل هذا النظام الطاغي، الذي يعيش تداعيات النهاية الحتمية، ضد الشعب الحر المنتفض، الذي يراهن على العالم لنصرته، وتخليصه منه‌.
نحن اليوم إزاء ثورة عابرة في سوريا متحررة الی حدّ ما من القوالب الإيديولوجية التي تختزل الحياة و تستعبد الشعوب لكي تصادر الحريات و تُفقر المجتمعات، فلا مجال بعد للتصورات الفردوسية والطوباوية والخلاصية و لا مكان للنماذج التي تدّعي تقمص دور الزعيم الأوحد والقائد الملهم والبطل المنقذ فيها. 
وهناك دول أقليمية إنتهازية المشرب و شوفينية المطلب تدعم هذا النظام الشمولي و تنسی بأنها سوف تكون في يوم من الأيام مسئولة أمام التاريخ أو تمر بنفس المرحلة، التي يمر به النظام السوري اليوم.
و نظن بأن سرّ سكوت الآلهة الغربية التي تحكم اليوم بمصائر العالم علی كل هذه المجازر الوحشية تكمن في أن لا يقرر الشعب السوري مصيره، ويختار نظاماً يمثله. والدول ذات الفيتو كالصين وروسيا، التي تخادع الشعب السوري بشعارات مستهلكة و تساند النظام، الذي فقد المصداقية والمشروعية بسبب أعماله البربرية، يضعون منافعهم الإقتصادية و أطماعهم الطفيلية فوق أرواح الضحايا والأبرياء. هذه الدول منشغلة اليوم بالتنافس حول الامتيازات الممكنة بعد سقوط النظام الفاسد، الذي كان يرعى مصالحها بشكل أو بآخر.
نحن نعرف بأن للثورات أبعادها الطوباوية أيضاً، لكن أملنا أن تستثمر طاقات هذه الثورة علی نحو إيجابي لصياغة العلاقات بين المكونات في مناخات الإعتراف المتبادل و التلاقح والتعاون، بصورة تتيح للخصوصيات أن تتجلی علی سبيل النفع المتبادل وأن لا تأكل هذه الثورة بالذات أبناءها و لا تسعی في إنتاج أشكال جديدة من العبودية ولا تتحول الی مجرد ثورة دينية إرتدادية تعمل بمنطق الإرهاب و تهتم بقولبة العقول و تعبئة الحشود و تخلق أعداء للمواجهة و المحاربة والإستئصال و تحول العمل الديني من أفيون مخدر الی فيروس قاتل يفتك بالمجتمعات السورية لتجعل من الهوية فخ و عصاب و مأزق.
الرهان، هو أن لا يكون إسقاط النظام مسيرة نحو الأسوء والأخطر لتزداد الإنتهاكات و الإساءات و تقطع جسور التواصل و تسمم نظام التعايش بين الكيانات المختلفة في سوريا وتبرز استراتيجيات الرفض المتبادل و تسود لغة العداء، بل تجاوز التقسيمات الحاسمة والنهائية، لصنع قوی هادئة، مدنية، تواصلية و بناءة.
و ختاماً: إن الدولة الكلانية تسحق الفرد دوماً و تبتلع المجتمع المدني و مؤسساته و واقع التاريخ يقول بأن لكل ظالم و مستبد نهاية و لا شك في أن عصر الدکتاتورية الأسود في سوريا قد ينقضى ولا يكون هناك مجال للعودة الى الوراء مطلقاً.
الدكتور سامان سوراني


194
فِقه المالكي في التفرّد وثقافة عدم الإعتراف بحكومة إقليم كوردستان

ﺒﻌد اﻨﻘﺸﺎع ﺤﻘﺒﺔ اﻟﺤﮐم اﻟﺸﻤوﻟﻲ في العراق و سقوط أحد أصنام الفكر القومي العروبي في المنطقة كنّا نأمل بأن خارطة العلاقات بالمفاهيم والأشياء سوف تتغير والذوات تتأنسن و الهويات العنصرية المصبوغة بالأصولية المقيتة تذهب الی غير رجعة و الأحزاب والتيارات السياسية، التي تريد أن تكون لاعباً أساسياً علی المسرح العراقي و فاعلاً قوياً في المشهد السياسي سوف تجرّد فلسفتها في الحكم و الإجتماع من كافة الأفكار والعقائد و الصفات و الشعائر و الشعارات الميتة أو المستهلكة، التي تبقی دوماً عائقاً أمام بلورة صيغة جديدة للوجود أو مشروع للحياة. وكنّا نظن بأن تلك الأحزاب والتيارات السياسية، التي ذاقت الإضطهاد والممارسات التعسفية اللإنسانية من قبل أيادي الغدر البعثي سوف تدعم التركيبة الجديدة للعراق و تساند القضية العادلة لشعب كوردستان و حقه في تقرير المصير أو بناء دولته الكوردستانية المستقلة أسوة بالشعوب الأخری في العالم وتعمل علی إنماء الشراكة والمبادلة والتعاون والتضامن في مواجهة القوی التي تنوي خلق الإنسان الأمبريالي الساعي الی نشر أسمائه وصوره أو سلطته بهدف فتح الإمكان أمام الحرب الأهلية المذهبية والقومية و بناء حكومة الشراكة الملغومة.
تفائلنا بالخير لم يجلب معه شيء إيجابي لنا، فالواقع اليوم العراق الإتحادي تقودنا نحو حكومة تطبق فقه نوري المالكي و تسعی في  إنهاض المشاريع الإنفرادية لتشكيل النموذج الديكتاتوري الفردوي و قولبة و تدجين و تعبئة و عسكرة المجتمع العراقي لتحويل الناس الی شهداء و ضحايا لدعوات مستحيلة أو لاستراتيجيات لا تعود بالنفع علی البلاد و العباد بدافع ردع التجربة الديمقراطية في إقليم كوردستان و إزالة الآخر المخلتف المخالف لهذا النهج و إن أمكن سلب حقوقه.
فقه المالكي أو معتقده الإصطفائي يحمل في طياته نظرية ولاية الفقيه، فهو يری بأن برنامجه الحزبي أو نصه المقدّس، بعد القيام بعسكرة المجتمع وتخصيص ميزانية ضخمة لوزارتي الدفاع والداخلية، إذا طبّق فسوف يأتي بالفرج و السعادة لكافة العراقيين، وهكذا يطغی المحتوی السلفي الإرتدادي علی البعد التنويري والمستقبلي و عقلية الإستبعاد والإقصاء علی لغة الإعتراف والشراكة والتبادل و المآل هو فشل صناعة الحضارة و ممارسة القوة الهادئة.
التحركات العسكرية الإستفزازية في المناطق المتاخمة لحدود إقليم كوردستان والهجمات الهمجية المتتالية علی مقرات المجتمع المدني و المكتبات المتواجدة في شارع المتنبي بالعاصمة بغداد و التصريحات السامة لأعضاء في إئتلاف "دولة القانون" كالأسدي و المطلبي ضد رئيس إقليم كوردستان خير دليل علی سعي أجهزة السلطة المالكية في جس نبض الشارع والأحزاب السياسية المتواجدة علی الساحة و معرفة إنعكاساتها. البارز في المشهد العراقي ليس الإختراع والإبداع، بل التجييش والحشد و الخطب النارية و المواقف الإستفزازية و لغة الوعد والوعيد و إن أمكن تصدير ماركة الحجاب والدم والتضحية. هل كان هذا ما يتمناه مؤسس حزب الدعوة، الشهيد المفكر محمد باقر الصدر؟ أين حكومة المالكي في تفعيل دور المواطن، وبث الروح الايجابية فيه؟
المجتمعات العراقية تحتاج الی الفرد القادر والفاعل الذي يمارس حيويته إنتاجاً و إبداعاً أو تميّزاً وتفرداً، وليس الفرد الذي يكون مجرد نسخة عن غيره أو صدی لزعيمه، كما يجري في نظام فقه المالكي. من يشيع العنف و يتبنی ممارسة خياراته، لا يحترم الدستور، بل يخرقه من بابه الواسع و من لا يغير شاشة الرؤية السياسية و يعيد النظر بالمسلمات والبداهات و لا يعود بأسئلته الی البداية ينتج إستراتيجيات الرفض والإستبعاد و إستئصال الشريك في الحكم، التي تترجم عداء و بغضاً أو نزعات و حروب بين الحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم. نسأله، أين أوراقك في إصلاح أنسنة العلاقات بين المكونات في العراق، لتحل محل العصبية الإيمانية المغلقة و علاقات النفي والإستبعاد والإزدراء.
و ختاما نقول : الحدث العراقي عام 2003 كان فرصة وجودية فتحت أمام شعب العراق، الذي يری نفسه الی الآن أمام التحدي الكبير، لكي يثبت جدارته في إعادة بناء بلده بعقل حضاري مدني و منطق تواصلي تداولي، لكن محاولات الديناصورات التي تريد ممارسة وكالتها السياسية و العسكرية و الدينية علی العراق الفدرالي بصورة إمبريالية و تعمل علی طغيان العقل الأمني علی الدولة والمجتمع والناس هي المانع الأكبر أمام بناء عراق فيدرلي إتحادي تعددي، يصان فيه الدستور ويطبق بنوده. أفكارهم و ممارساتهم تتجلّی جهلاً و نفاقاً و تسلطاً و تخريباً.
د. سامان سوراني




195
دور سياسة التعليم في بناء المجتمع الكوردستاني المعاصر

تعود فكرة التعليم بوصفه إطلاقاً و تنشئة إلی بدايات الفلسفة الإغريقية، التي كانت تهدف إلی تكوين الإنسان عقلاً و شخصاً و ذهناً و نفساً و تمكينه من الدخول الی فضاء العقل العام، أي فضاء البحث الفكري و النقد الإجتماعي. 
فمن المعلوم بأنّ بناء مجتمعات حيّة يبقی ضرب من الخيال إذا ما تُرك العلم والمعرفة جانباً و أنّ المعايير التي تقاس بها عصرية أيّ‌ مجتمع هي تطوره التقني ومستواه العلمي والتربوي. فالبحث العلمي هو نتيجة تعليم مزدهر و هكذا بالنسبة الی عمليات التحديث والنمو الاقتصادي والاجتماعي، إذ لا يمكن وقوع التحديث من دون أن يأخذ العلم والتقنية دورهما في أيّ مجتمع يرنو إلى التقدم والمعاصرة.
ويمكن إعتبار البحث العلمي بآلية ضرورية للوصول الی حلول ناجعة لمشكلات و قضايا حياتية كالإسكان والتربية و الصحة و تأمين المياه والزراعة والنقل والبيئة والتلوث أو أمور أمنية كالحرب والسلام، ناهيك عن قضايا مرتبطة بالتنمية والخطط المستقبلية في دراسة الفضاء و الغور في علوم الحاسوب و البرمجة و علم الهندسة الوراثية. و هو وسيلة مهمة لتنوير المجتمعات البشرية للأخذ بأسباب المعرفة والاستفادة منها. و بإمكان التقنية أن تحوّل التراكم المعرفي للمجتمع، الذي هو عنصر فاعل في الحياة المعاصرة، الی منفعة ملموسة بهدف التحكم في الطبيعة وعناصرها لصالح الإنسان.
إن عدم ممارسة البحث العلمي أو إهماله سوف تنعكس بشكل سلبي علی عملية التعليم الجامعي و في النهاية تجعل من الجامعات مراكز لتفويج خريجين غير قادرين على تلبية متطلبات سوق العمل و هكذا يتحول الخريج، الذي لايستطيع اليوم أن يواكب كل مستجد في علوم تخصصه بعد إنفصاله من الجامعة، الی عاطل عن العمل و الی عالة علی المجتمع الذي يری نفسه في طور النشوء والنمو.
التعليم هو عملية إعادة إنتاج للمجتمع ذاته و لا يمكن لمجتمع أن يعلّم أبناءه سوى ما يعلمه أو يؤمن به. إقليم كوردستان بحاجة الی نهضة علمية مبنية علی الرؤية المستقبلية والعدل، فأساس النهضة، التي نحن بأشد الحاجة اليها، هو إعلاء الثقافة والحفاظ على الهوية الكوردستانية أولاً وأخيراً والاهتمام بالتعليم والبحث العلمي وتهيئة المناخ والحياة الكريمة للباحثين والعلماء وتقدير عملهم والسعي في تعميم العدل و تطبيق القوانين علی الجميع. فالمجتمع الذي لا يدرك بأن العصر الذي نعيشه هو عصر العلم والمعرفة، لا يستطيع أن يبني دولة ثابتة الأقدام.
و من الصعب علی مجتمع إذا كان ممسوس بالتطرف الديني و محاط بالخيوط العنكبوتية الناعمة للتيارات الإخوانية أن  يمنع نفوذ تلك المشاعر الی قلب المؤسسات التعليمية، فعلی المؤسسات التربوية في إقليم كوردستان إذاً إرساء دعائم ومبادئ الفلسفة التربوية بما يتلائم مع النهضة الإنسانية والديمقراطية التي يشهدها العالم والعمل الدؤوب في سبيل تغير المناهج الدراسية في مختلف المراحل الدراسية بشكل تدريجي لكي تترسخ نواة الديمقراطية و مفاهيم المواطنة و حقوق الإنسان والتعايش السلمي و المساواة والحرية والحق في الحياة وحق الحياة الكريمة لدی الجيل الجديد و المجتمع العصري بهدف مسايرة المتغيرات الاجتماعية والفكرية  في العالم المتحضر.
فالتعليم يجب أن يبتعد عن التلقين، الذي يؤدي في النهاية الی تشكيل عقل أصم يعمل كمخزن للمعلومات وليس كطاقة رائعة للتفكير. أما النظام المدرسي الحكومي  فله‌، بالرغم من سعي الحكومة في تطويره، مشكلات شتی، منها بؤس الأبنية وقصر الوقت المتاح وتدنى مستويات المدرسين والحشو المبالغ في المقررات التعليمية وقلة الصلة بين التعليم وحاجات ومهارات العمل المتاح وإنفكاك الصلة بين المعرفة والأخلاق الرفيعة فضلاً عن الشعور بالمسؤولية الاجتماعية.
الأجيال القادمة بحاجة إلى بناء ثقافي صحيح. فلكي لا نظل نفكر بالمقلوب و نعود الی الوراء أو نتأخر عن الإنخراط في العالم الجديد بثوراته و تحولاته و إنعطافاته التقنية أو المعرفية أو الثقافية، نری من الضروري عقد ندوات تربوية و فتح ورشات تدريبية خاصة للمعلمين والمدرسين، كونهم حلقة الوصل بين الفلسفة التربوية والمتلقي، بغية تجهيزهم بمفاهيم جديدة يتناسب مع أهداف خلق ثقافة لمجتمع مدني يؤمن بالمفاهيم الديمقراطية والإنسانية، تلك المفاهيم التي تنبني علی تعزيز فكرة المواطنة الكوردستانية بأساليب تواصلية بعيدة عن المنازع والممارسات و المؤسسات الأصولية والنرجسية النخبوية.
وهكذا سوف يكون الفكر في إقليم كوردستان قادراً علی إجتياز مراحل متعددة الحقول والإتجاهات للمساهمة في إتقان صناعة التنمية و هندسة العلاقات الإجتماعية بفتح خطوط للتعايش والتواصل أو خلق مجالات للتداول والتبادل. ومن لا يحسن فهم حاضره لا يحسن توظيف الماضي من أجل الإعداد للآتي.
وختاماً يقول جبران خليل جبران: "الشعوب العظيمة تبدع أفكاراً عظيمة، لكن الأفكار العظيمة لا تبدع شعوباً عظيمة."
الدكتور سامان سوراني

196
هل أن تنظيم القاعدة أو الوحش الإرهابي ثمرة الجينات الثقافية؟

من المؤكد بأن الذي يدّعي التطابق مع الهوية الثابتة لا يمارس إلا زيف وجودي و تهويم عقائدي، لأنه‌ بات في سلعه و أدواته أو في لغته و مفردات وجوده، بمعنی من المعاني أوروبي، أمريكي أو ياباني أو شرق أوسطي.
ومن المعلوم بأن الهوية الثقافية تتغير و تتحول بفعل صروف الزمن و بحكم التفاعل مع الحضارات السابقة و ديمومتها، منها الحضارة الفارسية، الهندية، الصينية و اليونانية. أما التفاعل مع الديانات التوحيدية كاليهودية والمسيحية، التي إنشق عنها الإسلام و حاول نسخها أو تطويرها، فله تأثير كبير علی تلك الهوية.
فمن لا يحسن أن يتغير بالرغم من الفرص المتاحة له، فسوف تهمشه التحولات، فيغدو هو آلة لها أو يزداد تبعيته للغير، وهكذا يهدر موارده و ينخرط في دعوات مستحيلة مآلها الهلاك والدمار.
تنظيم القاعدة، أو ما يسمی بالوحش الإرهابي، الذي يجد مسوغاته في ثنائية الإيمان والإلحاد أو في عقلية التكفير، التي تقسّم الناس بين مؤمن يراعی حقوقه و يحترم و غير مؤمن يرفض و يقصی لكي يدان و يتهم، يفاجئنا من حيث لا نحتسب، هو نتاج العقول و ثمرات الأفكار.
تربية هذا التنين و رعايته كانت و لا تزال في العقول والنفوس، سوقت من قبل الصحافة والشاشة و الديسكتوب بعقائد و مقدسات و شرائع و فتاوی و بهويات عنصرية و إستراتيجيات أصولية مبنية علی الإستبعاد والإستئصال. 
فقبل أيام سمعنا بأن تنظيم القاعدة يستعد بتوجيه من "أبي بكر البغدادي"، رئيس عصابة الأشرار، لتنفيذ "أكبر" عملية إرهابية له منذ عام 2003 في العراق، بعد طلبه التمويل من جميع مصادره في الخارج وكثف عمليات جمع التمويل بالداخل. وكأن العراق قد عاش طيلة السنوات السابقة بعيداً عن الإرهاب الحروب والدمار.
أبو بكر البغدادي و غيره من المجرمين، الذين أعلنوا حربهم ضد الإنسانية و الحضارة و التعايش السلمي، بعد أن تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء، هم من صنع الدعاة الجدد الذين إحتلوا المنابر والشاشات منذ أكثر من ربع قرن، تحت لافتات الحكومات الشرعية و الصفات اللاهوتية والمهمات الإلهية، وهم ثمار المفسرين المشعوذين، الذين يزعمون دوماً، بأن التجارب والأبحاث العلمية في ميادين العلم من المبادیء والنظريات، لا تعطي بالجديد، لأن كتاب الله ينطوي علی العلم بكل شيء. وهم ثمار الأبله الثقافي، الذي سلّم أوراقه و شهاداته الی مرجعه أو شيخه أو أميره، الذي يختم علی عقله و يعمل علی قولبته، لكي يخلق و يمارس بعملياته الإرهابية سيناريوهارت الأكثر همجية و وحشية. وهو من جين ثقافة الأصولي الإرهابي الذي يدعي إنقاذ أمة العراق والعالم الإسلامي بالعودة الی أنماط ونماذج بائدة يستحيل تطبيقها إلا بزرع الرعب و زعزعة الأمن و سفك الدماء و تدمير معالم الحضارة والعمران. 
ما النفع من تشكيل لجنة أمنية لملاحقة مجاميع مسلحة بأمر من القائد العام للقوات المسلحة، إن لم نسعی مخلصين إلی تطبيق بنود الدستور خدمة للعراق الفدرالي و نحل كافة القضايا العالقة بيننا بأسلوب ديمقراطي و حضاري محترمين بعملنا هذا صوت الفرد العراقي الذي إنتخب هذه الحكومة و جعل من أمرها ممكناً. فمكافحة الإرهاب لا تجدي بأن نردد أقوالاً حول العقول المغلقة، أو تقديس التراث، فيما نحن نتمسك بجذر المشكلة و نمانع من كشف الغطاء عن الداء، كما يتجسم في النصوص والأوامر والأحكام والفرائض التي نعتبرها منزلة أو مقدسة أو نهائية. التمسك بنصوص و أحكام من غير معرفة مدی تداعياتها و مفاعيلها السلبية أو المدمرة هو أساس المشكلة لايمكن وصفها بالحل.
تنظيم القاعدة أو الوحش الإرهابي هو إذن ثمرة الأوامر الدينية و الحكومات الدينية و المرجعيات الغيبية و الشعارات الأحادية و الثوابت الأبدية، و سوی ذلك من المشاريع الشمولية، التي يدعي أصحابها إمتلاك مفاتيح الحقيقية المطلقة، لممارسة الوكالة الحصرية علی الهويات والقضايا المصيرية. و هو ثمرة السعي لأسلمة الحياة والثقافة، بذريعة الإدعاء بامتلاك الشرائع الدينية الأجوبة الشافية والنهائية علی كل شؤون الحياة المعاصرة و قضاياها و مشاكلها.
إن بناء العلاقة بالحقيقة علی أساس الحجب والتعتيم تجعل علاقاتنا بالعدالة تبنی علی الفحشاء والمنكر والفساد، و تجعل علاقاتنا بالحرية مبنية علی المفاضلة و الإستبعاد والطعن والإنتهاك.
و سوف تظل محاولات التقريب والحوار غير ناجحة طالما هناك مفردات كالشرك والكفر أوالبدعة والضلالة، التي هي أخطر من أسلحة الدمار الشامل، تشكل صلب العقيدة والعدسة التي من خلالها يری الواحد الی غيره، لكي يدينه و ينزّه نفسه و يؤول العمل بموجب ثنائية الضال والمهتدي أو المحق والمخطیء والتشبث والإحتماء بالهويات المسيجة والسيادات المصطنعة الی خلق الخداع والضلال و تقلص الأمور الجامعة والمساحات المشتركة من القيم والمعايير والقواعد أو من اللغات والتوسطات والأدوات.
الأنظمة المبنية أساساً علی الخطأ والخلل أو إعتقادات و تصورات و قناعات و سياسات قد إستنفدت نفسها، لا تولد سوی المساویء والمخاطر والكوارث، فلنبدأ بنقد ذواتنا و نتحدث عن أخطاءنا بشفافية لكي نستطيع أن نولّد تغييرات إيجابية، ولو محدودة و خجولة، علی صعيد الحقوق والحريات الديمقراطية؟ 
وختاماً: "النسبية والإختلاف، هو الذي يفتح الإمكان أمام محاولات التقريب والإتفاق، بعقلية الشراكة الفعالة والبناءة، بما هي محاورة و محاججة أو مداولة و مواكلة أو مبادلة ومعاونة" 
الدكتور سامان سوراني
   


197
العراق الفدرالي و الشك في قدرة الحكومة الإتحادية علی تأمين ورقة الإصلاح

ينطلق أهل الجدل من القول بأن الشك الحقيقي لا يعني إلا الحب الخالص العاطفي الكامل للحقيقة، ذلك الشك الذي يبحث دوماً عن الحقيقة و يعترف نادراً بأنه وجدها، وعندما يجدها فإنه لا يستريح مطلقاً بل يبدأ إلی الأمام في مسألة جديدة متابعاً نظره إلی ماهو أبعد و أعلی.
أما الإصلاح الذي هو نقيض الفساد يعني أيضاً إزالة الفساد بين القوم، والتوفيق بينهم.  و الإصلاح هو التغير الى إستقامة الحال على ما تدعو إليه الحكمة. لغوياً تفسر الإصلاح بالانتقال أو التغير من حال إلى حال أحسن، أو بالتحول عن شيئ والانصراف عنه الى سواه. والإصلاح السياسي هو العمل علی تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد. فهو ركن أساسي مرسخ للحكم الرشيد أو الصالح و تعتبر الشفافية و المشاركة الشعبية في إتخاذ القرار والعدل وفعالية الإنجاز وكفاءة الإدارة و المحاسبة والمسائلة والرؤية الإستراتيجية مظهر من مظاهر سيادة القانون بما يضمن التوافق العام للدستور. والخطاب الإصلاحي يجب أن يستند إلى عقيدة أيديولوجية يتميز بوضوح الرؤية وقوة الحجة عند المبادرة أو المشاركة أو حتى عند النقاش. ويمكن لقادة الإصلاح الإستناد علی إيديولوجيات مثل العلمانية والديمقراطية والعقلانية والمواطنة في دفاعهم أو تبريرهم لتوجهاتهم الإصلاحية و إقناع المجتمع بأهميتها.
أما في العراق الفدرالي فقد ركز رئيس "دولة القانون" و للأسف علی إغتصاب السلطة بصورة من الصور، إذ نراه يسعی في تبرير هذا الإغتصاب بالمخادعة حيناً و بإعلاء نداء "اللامنتمين" و "العابثين" أحياناً بالقول للمطالبين بالإصلاح و تنفيذ بنود الدستور، كفی معارضتكم و تظاهراتكم، فقد وصلت رسالتكم و تفهمنا مطالبكم و إتركوا الفرصة للحكومة كي تُقَلِّب الأمور، وتُرسي قواعد الإصلاح، ليبدأ بالبطش، إذا كان ذلك ممكناً، لكي تبتعد المسافة بين ما كان واجباً أن تكون عليه الأمور، وما تصل إليه على الحقيقة أو لكي يعود البلاد الى عهود الاستبداد والدكتاتورية والإرهاب والتكفير ومصادرة الاخر.
إن عملية الإصلاح لا تحدث في فراغ ولا تنطلق لمجرد الرغبة في التغيير، إذ لابد من توافر بيئة مناسبة أو ظروف موضوعية تدفع باتجاه الإصلاح. فهو فكرة نشتغل عليها و نصبح ثمرتها، بحيث نتحول معها و نتخلّق بها، بقدر ما نسهم في إغناءها و إعادة إبتكارها.
فإحداث تغييرات رمزية أو صورية أو تجميلية إنتقائية ذات قيمة ومغزى لمن يقف وراءها، مثل الإعلان للنية في إجراء حوار مع الأقليم لحل المشاكل العالقة بينه و بين الإتحاد أو رفع شعارات مثل الشفافية والمساءلة أو التنمية السياسية، ماهي إلا إصلاحات سطحية مبتورة بلا جدوى أو مضمون، وبالتالي لا تندرج تحت مفهوم الإصلاح أو التغيير. فالإصلاح يوازي فكرة التقدم، وينطوي جوهرياً على فكرة التغيير نحو الأفضل لحل المسائل بشكل موضوعي للوصول الی الأهداف الموضوعية.
نحن نعرف بأنه‌ لا وجود لحلول قصوی و أن التغيير، أيّا كان الشعار، لا ينجز علی نحو نهائي، خاصة ونحن في عصر التحولات المتسارعة والطفرات المفاجئة في المعلومات و المعطيات. فمن يخشی الإصلاح و التغيير في مواجهة الضغوط والمتغييرات يلقي سلاحه و يشهد علی قصوره، وسط كل هذه التحولات الكاسحة و المتغيرات العالمية.
وطالما هناك تيارات دينية أو قوموية و أحزاب بأيديولوجيات شمولية لا تريد الخروج من القوقعة للتحدث بلغة العصر، إذن يبقی المشهد السياسي العراقي غير مستقر و الانسجام  و النوايا الصادقة تجاه تنفيذ العهود والمواثيق ضرب من الخيال  و ورقة الاصلاح، التي يظن دعاتها بأن محتواها "كتاب مقدس"، بمثابة طلسم لا يمكن فك تعويذته والمجتمعات الكوردستانية لم تعد على استعداد لأن تُخدع من قبل الحكومة الإتحادية أكثر، فقد لدغت من هذا الجحر آلاف المرات.
و إن رفع الوصاية ليس ممكناً من غير التنوير وشعاره "كن جريئاً في إعمال عقلك"علی حد تعبير الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط ، فالرهان هو إذن أن نتغير لكي نسهم في تغير سوانا و من يريد تقديم ورقة الإصلاح، فعليه أن يصلح أوضاعه أولاً قبل أن يسهم في إصلاح العراق الفدرالي، الذي بات بأشد الحاجة الی الإصلاح و إعادة البناء.
کفی رئيس الحكومة الإتحادية بنفيه للوقائع و قفزه فوق الحقائق و العمل علی مفاقمة الأوضاع و شهادته علی جهله بالواقع. ليترك الفضاء للآخرين الذين هم أجدر منه في توظيف المكتسبات و كشف الإنسدادات و تفكيك الأزمات و إطلاق ديناميكيات جديدة و فتح خطوط للمساهمة في ورشة التعايش السلمي علی أرض العراق الفدرالي و صوغ المصائر علی نحو يكون أقل خوفاً و رعباً و أكثر أمناً، بكل معاني الأمن.
وختاماً نقول: "الإصلاح يعني ممارسة الإعتراف المتبادل، لكي ننمو سوياً و نبتكر أطر و آليات للعمل المشترك و نفكر بعقلية المداولة و الوساطة والشراكة لزحزحة الثوابت المتحجرة والتحرر من المسبقات المعيقة و النماذج الجاهزة و نتعامل مع الواقع كمجاز للعبور أو كحقل مفتوح للتفكير الحر والعمل المثمر، بالتدخل و التدبر علی سبيل الإختراع والإبداع."
الدكتور سامان سوراني

198
العراق السياسي بين دعاة القبول بالغرب و مناصري التقليد والأمة والهوية

لقد تم تعريف مصطلح "الغرب" في العراق من قبل أصحاب التماهي مع الهوية والتقليد والأمة كمرادف للعلم والفردانية  بإعتبار إن أصوله تعود الی المسيحية و أصبحت نظرتهم المليئة بالإنغلاق والعودة الی التقاليد في العقد الأخير من القرن الماضي و بالأخص عندما  بدأ النظام البائد بالترويج لـ"الحملة الإيمانية"، بعد أن أفلس في نشر فلسفته في الإشتراكية القوموية الكاذبة، تأخذ شكل رفض التغريب والتحديث بل و حتی رفض بعض من العلوم الطبيعية الأساسية، ذات الطابع الكوني، لتكتسح حيز جغرافي واسع من الفلسفة اليومية المبنية علی الآلية الفكرية الدفاعية. و هكذا فقَدَ عِلم الإجتماع الخلدوني معياره الذي كان مسيطراً الی أواسط الثمانينات من القرن الماضي ليستعيد معيار إبن تيمية المقام الأول في التفسير والتأويل و العودة الی الموروث بوصفه "العصر الذهبي" و العمل علی تجفيف ينابيع الإنضواء في نظام الفكر الكوني و الإبتعاد عن العقلانية الحقة و عن نقد يطال الذات والآخر بآليات الفحص التاريخي الأصيل.
و بعد سقوط نظام البعث الإستبدادي القمعي عام 2003 أستطاعت أحزاب دينية بتفاسيرها الثيولوجية الماورائية للدولة إعتلاء السلطة و أخذ زمام الحكم في العراق بيدها مشيرة بطريقة حاسمة إلی وجوب الإبقاء علی "الهوية الدينية" لإنهاء البحث المطلق عن الغرب و الفكر الغربي في الديمقراطية و رفض العمل علی تثبيت المؤسسة الفدرالية ناهيك عن التقارب مع الفكر الكوكبي البعيد عن عالم الأصوليات الضيقة والدوغمائيات الإصطفائية المتحجرة القائمة علی تعظيم النرجسية الثقافية و ظاهرة الزعيم الأوحد و الحاكم المطلق أو المرشد الملهم. فانتشرت كتب دينية مصبوغة بالصبغة الإيديولوجية القائمة علی إمتداح الرؤية الإسلامية و التهجم علی الرؤية الغربية لتعزيز النرجسية العقائدية عند الآمنين بها. 
نحن نری بأن العملة الفكرية والرمزية المبنية علی الرهانات الدينية لم تعد تجدي في صناعة الحياة والإقامة في العالم. فهناك أزمات كونية و تحديات و أخطار لا يمكن مواجهتها بزرع جراثيم التضاد و منطق الصدام و عقيدة الإصطفاء و عقدة الضحية و لغة الطوبی و ذهنية المحافظة و خرافة المماهاة أو بـ"البداية والنهاية" لإبن كثير أو "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" لحجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي أو "نفحات الأنس" للجامي أو "عوارف المعارف" للسهروردي و "كشف المحجوب" للهجويري. أحوج ما نحتاج اليه الآن هو إدارة هوياتنا و أفكارنا و ثرواتنا و علاقاتنا بالعالم بإبتكار الجديد من الصيغ والمهام أو الطرق والوسائل والسبل. إذن مالنفع من الإنشغال بأسئلة و مشكلات و قضايا قديمة و ميتة أو زائفة و ترك الغير أن يفكر بصورة خلاقة و مثمرة؟
إن نشر ثقافة التطرف والتعصب و الكره والخوف والعداء والقتل والإنشداد الی الوراء و عبادة الأسماء والأفكار مآلها عراقياً أو إقليمياً تفخيخ العلاقات بين القوميات والمذاهب و الإنتقال من مأزق الی مأزق و من صدمة الی أخری ومن خسارة الی خسارة أكثر فداحة.
لا يمكن مجابهة التحولات بدغدغة العواطف أو إثارة روح الثأر و الإنتقام و العودة الی الأصوليات المقدسة لإنتاج برابرة جدد منذورين لتخريب معالم التمدن والحضارة أو بالعقائد النبوية بحروبها الدينية و سياساتها الإلهية الإنتقامية أو بتشبيحات نضالية و تهويمات تحررية.
الأولی للحكومة العراقية الإتحادية التمرس بقواعد الحوار والتعاون والتداول للتغلب علی عقلية الإحتكار و الإنفراد و الإستقواء عن طريق عقليات تفاوضية تواصلية مشرّعة علی تعدد الخطوط والمدارس، أو علی تنوع الخيارات والمواقف، أو علی غنی الخبرات والتجارب و العمل علی تشكيل المشترك من الأسواق والمساحات و المجالات و اللغات لبناء و ترسيخ الشراكة مع الإقليم الفدرالي والمحافظات العراقية الأخری و الإقرار بكافة الحقوق السياسية أو الثقافية بكسر منطق التمييز و الإقصاء.
وختاماً: "من يعتقد أن بإمكانه كرسول للحقيقة و الهداية أو كمحام عن العدالة والحرية أو كناطق باسم الهوية الثقافية للعراق أن ينوب غيره في التفكير والتعبير والتدبير و يسعی إلی القبض علی واقع المجتمع الكوردستاني و إستئصاله من خلال أطيافه و أحلامه التي من الممكن أن تفرز العنصرية والتطهير العرقي تاركاً سياسة الإعتراف بالآخر المختلف، بعيداً عن إتقان لغة التعدد، هدفه لا يمكن أن يبتعد عن ممارسة العنف والتوحش بوسائل الحجب و آليات التمويه والتلاعب والتمايز والتفاوت."
الدكتور سامان سوراني

 





199
الصراع الدائر بين الفكر الشمولي و ثقافة الديمقراطية في العراق الفدرالي

الفيلسوفة و المنظرة السياسية الألمانية هانا آرندت (1906 - 1975)،  التي ساجلت الثورة والشمولية الكليانية بعمق متفرد في كتابيها "في الثورة" و"أصول التوتاليتارية" تقول بأن "الأفعال السياسية الحق لا تحتاج إلى تبرير، أما العنف فيوجب في أغلب الأحيان التبرير" و تضيف بأنه "لا يمكن للعنف أن ينحدر من نقيضه الذي هو السلطة، وأنه يتعين علينا، لكي نفهم العنف على حقيقته أن نتفحص جذوره وطبيعته."
إذ من المعلوم بأن الحقيقة لا يمكن أن تكون أحادية. فهي الشيء الذي لا يكف عن التعدد والتنوع والإختلاف عن نفسه باختلاف الصور والنماذج والأنماط والمناهج أو اللغات و الإستعارات أو المعالجات و القراءات أو التوظيفات والإستثمارات أو الخطط والإستراتيجيات. فالحقيقة ليست سوی الإعتراف بحق الآخر و إقرار متبادل بالحقوق، مادام ليس ىإمكان الواحد أن يعمم رأيه علی الكل.
فما نلمسه اليوم في العراق هو قوة الدعاية السياسية للدولة الشمولية والتي تكمن في قدرتها الهائلة على قطع الصلة بين الجماهير والعالم الواقعي عبر إقامة عوالم متوهمة متسقة العناصر تنسجم مع عقائد الحزب النابعة من النظرة الأحادية. و هكذا تستمر الإنهيارات والكوارث و الفظائع و الإنتهاكات و تتجلی موجات العنف، التي هي دوماً وليدة التراكمات اللامعقولة التي تخفيها و تتركها تلك النظرة وراءها و تتسر علیها و تنتج الإنسانية بعدها هذه العنصرية التي تكتب و ترفع شعاراً في العقول والخطابات أو في المؤسسات و الأنظمة والتشكيلات، لتنجب كل هذا الحمق والجنون، وكل هذه الأخطاء و الخيبات و كل هذه الهوامش والفواحش.
علی السياسي أي كان مذهبه الفكري و مشربه الإيديولوجي الإعتراف بتساوي البشر رغم اختلافهم و السعي لإيجاد لغة جديدة للسياسة كعلاقة بين نظراء، بدلاً من العلاقة بين فاعل ومفعول به. فكل تغييب للاختلاف والتمايز يقود في النهاية إلى تفقير السياسة وانحدارها. السياسة إذن واحدة من المجالات الهامة للوجود الإنساني، من خلاله وفيه يمكن للواحد أن يعطي معنى لغربته الوجودية وغربة الآخرين الذين يشتركون معه فيها، بما يعني أنها مسؤولية بشكل أساسي.
و الإنسانية عرفت في عصور غابرة و في عصر الثورات الليبرالية أوضاع سليمة و هادئة نسبياً و شاهدت بروز المعنی الحقيقي للسياسة الكامن في التحاور والتواصل والتداول بعيداً عن الجواهر الأثيرية السلبية للحكومات الإستبدادية أو الطغيانية. الذي نراه هو أن الذهنية الشمولية تستخدم الحجج والمبادئ المؤسسة على الأيديولوجيا مكان الوقائع الحقيقية وهنا يسود منطق العبث على منطق العقل السليم و يحل الواقع المزيف الموهوم و المركب صنعياً مكان الواقع الفعلي القائم. وتسعى الشمولية من حيث المبدأ في تجفيف هذا الكم الهائل من الوقائع لكي تقضي على إمكانية الاتفاق بشأنها. كانت أنظمة التسلط والاستبداد تمعن على مر التاريخ في تفكيك البنى والروابط المجتمعية وتسعی في تدمير جميع الفئات الاجتماعية، ولا سيما المنتجة منها، لمصلحة أوليغارشية عسكرية تستأثر بقوة عمل الجميع.
"دولة القانون" برئيسه و هو رئيس مجلس للوزراء و قائد عام للقوات المسلحة و المسؤول الوحيد عن الأمن في العراق، بعد أن أخضع جميع المؤسسات العسكرية والأمينة والاستخباراتية مباشرة لسلطته، تسعی الی الإعتدال السياسي كوسيلة لمسح فروقات المجتمع العراقي وإذابة "الأمة العراقية" في بوتقة فكرية واحدة، أي إذابة الأفراد والمؤسسات والجماعات في كل اجتماعي واحد حيث الشعب والدولة والمجتمع المتجانس و هذا يعني بأن توجهات حزب الدعوة  المقولبة في "دولة القانون" ستكون لها كلمة الفصل في التوجه العام للدولة والمجتمع.
الكوردستانيون قرروا المشاركة الفاعلة في النظام العراقي الجديد كطرف اساسي متساو في العملية السياسية. أما العداء لكوردستان و تجربته و إيجاد العدو الوهمي على حساب اشتراطات التنمية ودفع عجلة الاقتصاد نحو الأمام هو إنتاج لحالة سياسية لها مسبباتها و هو ما يراهن عليه المنطق الشمولي ليفتح جبهات سياسية أخری على طريقة التدخل السيادي للدول إقليمية بهدف تجييش الحالة السياسية، وبالتالي تراجع أي استحقاقات في الداخل.
وللأسف تفسر الديمقراطية من قبل الحزب الشمولي كأداة سحرية للدمج بين إرادة الشعب والحزب، كما أن ماكنة الإعلام واستغلال وسائل الاتصال من شأنهما إحكام القبضة على مصادر التلقي لدى الناس، وبالتالي فإن من السهل تصوير المعارضين لإرادة "الأمة – الحزب الواحد" كعملاء و خونة وأعداء الحرية والديمقراطية وفكرة إنهاض العراق المركزي.
أما الحريات الديمقراطية فهي تقوم على أساس المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون و لا يمكن لها أن تكسب معناها ووظيفتها العضوية إلا عندما ينتمي المواطنون إلى جماعات تمثلهم و ما الثقافة الديمقراطية إلا حق الجميع في النقد.
نحن نری بأن التعددية السياسية ليس بأكثر أهمية من التعددية الثقافية والاجتماعية. و لمنع إعادة "الدكتاتور الفرد" عبر "الدكتاتور الحزب" يجب توسيع مجال المسائلة والنقد و سحب الثقة في إطار القانون والدستور و حفاظ التنوع الثري والهائل الذي تحظی به المجتمع العراقي علی مستوی الثقافة والفنون و رعاية المكونات الاجتماعية والإثنية المختلفة بما تحمله من ثقافات وهويات صغيرة. لا نفع في حكام بـ"الوكالة" يقومون بقراءة المشهد العراقي وفق زاوية دينية لا علاقة لها بالسياسة، الذين يرون في صورة التطورات الجارية علی ساحات المنطقة تهديد للدول إقليمية المتمددة خارج حدودها. فإستبعاد العامل السياسي بعوامل طائفية أو قومية ذات شعارات دينية هي ترجمة خاطئة و ساذجة للأحداث. أن الذين يشتغلون علی تغيير مواد الدستور و الإنقلاب علی النظام الديمقراطي الفدرالي جر العراق نحو "العباءة الخمينية" لكي لا تتأهل المجتمعات العراقية  لممارسة الديمقراطية و لا تنضج بنيتها و ثقافتها.
فبدلاً عن نسج علاقات صداقة ومصالح مشتركة متوازنة تخدم قضية السلم والتعايش القومي والعملية الديموقراطية وحل الخلافات العالقة بين الإقليم الكوردستاني والحكومة الإتحادية بشكل سلمي عن طريق الحوار البناء، تسعی الأخيرة في تقليص موقع الكوردستانيين ككتلة قومية ثانية الى جانب كتلة القومية العربية و تعمل علی إفشال التجربة الديمقراطية اليانعة في الاقليم الكوردستاني الفدرالي الآمن.
لقد دخلنا في عصر كوكبي من الإعتماد المتبادل و التأثير المتبادل، و هذا يعني إن كل من يسدي نفعاً في مكان ما ينفع الناس جميعاً، وبالعكس فكل من يلحق ضررا في مکان ما يضر الناس جميعاً.
و ختاماً نقول بأن إستراتيجية الرفض والإقصاء وعدم الإعتراف بالحق الكامل للآخر المختلف و وصفه بالمبتدع الضال والكافر المرتد و الخائن العميل و النكوص الی الوراء للمماهاة المستحيلة مع أفكار عقيمة و شعارات مستهلكة و تقسيمات فقيرة تولد الحروب و الاستبداد والعماء و تزعزع الإستقرار و تضرب المصالح علی نحو يحول الحياة الی جحيم بعيد عن مفردات الإختلاف والتعارف والوسطية والتداولية.
الدكتور سامان سوراني
 



200
العودة المرعبة لجمهورية الخوف و النهايات الكارثية لطموحات المالكي

بالرغم من أن العالم يتغير بمحركاته و نوابضه و أدواته و قواه و خريطته و الفاعلين علی مسرحه، هناك من البشر مازالوا يتعاملون بأفكار ثابتة أو جامدة أو متحجرة، بل مدمّرة و مرعبة. ومن جملتهم السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي، الذي يعتقد بأن المشروع العراقي هو شأن يخصه هو وحده، في حين أن الأمر في العراق الاتحادي وطبقاً للدستور لم يعد كذلك، حيث تتشابك المصالح والمصائر علی الساحة العراقية، كما تشهد أزمات الحكومة و الخلافات بين الإتحاد والإقليم إلی تدهور الأمن و إنتشار العنف، لذا نری بأن المشاريع المستقبلية في هذا البلد لم تعد شأناً مالكياً صرفاً، وإنما ذا بعد عالمي تساهم في صوغها و ترجمتها بلدان و هيئات إقليمية أو دولية.
أما فيما يرتبط بالحملات الإعلامية الأخيرة التي يقودها السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي مع مستشاريه ضد إقليم حكومة كوردستان و بالأخص سعيهم لتعبئة الرأي العام العراقي ضد رئيس الإقليم بغية تحجيم دور الإقليم فهي تحولات سلبية تهدف العودة الی ترويض الأفكار و تهيئة الأذهان نحو السبات القومي و الحصون الدينية. هذه التحولات جرّبت في الماضي و كانت محصلتها قيادة حروب ضد شعب كوردستان المسالم و شعوب دول الجوار و صناعة جمهورية الخوف بنهایاتها الكارثية. 
السيد رئيس مجلس الوزراء قام قبل أعوام بتشكيل قوة شبه عسكرية خاصة به تحت ما يسمی بـ "الصحوات" لتكون مرتبطة به شخصياً وتتلقى الأوامر منه فقط، لا من غيره، بهدف استعراض العضلات. وبعدها بدأ بإعادة رموز النظام السابق الی الجيش و قام بتسليم الملف العسكري في محافظة كركوك المستقطعة من حاضنتها الكوردستانية و مناطق كوردستانية أخری متاخمة لحدود الإقليم الحالية الی قائد بعثي يسمی بالزيدي، الذي أثبت قدرته على تبديل قناع الولاء و صار محط ثقة السيد المالكي وذراعه اليمنى في تنفيذ منهجه القائم على جعل الولاء الشخصي له اساسا في سُلم القيادات العسكرية والامنية، ليدير "قيادة عمليات دجلة". والذي نعرفه بأن للزيدي تجارب كثيرة في مجال التطهير العرقي، كونه كان في زمن الطاغي صدام مشاركاً في عملية الأنفال السيئة الصيت والتي راح ضحيتها أكثر من 182 الف مواطن كوردستاني مسالم.
نحن نری بأن أية مغامرة عسكرية لرئيس مجلس الوزراء في كوردستان سوف تقلب الموازين السياسية نحو العدم و تكون مآلها صناعة الكوارث و المهالك و الويلات و إن أية محاولة لزج الجيش العراقي في حرب طائفية وعنصرية مع الإقليم  و المخالفة للدستور سوف تؤدي في النهاية الی جعل الشارع الكوردستاني يفقد ثقته بالسياسيين العرب في العراق الفدرالي و يجعل من رفع طلب الحق في تقرير مصير فرض عين.
و تداعيات هذه الخطوات الغير إيجابية سوف يقوض فكرة المواطنة و يلغم المؤسسة الديمقراطية و سوف تكون خطيرة الی درجة لا علی الإقليم فقط بل علی العراق والعراقيين، صاحبنا ينسی بأن الزمن القومي الذي شهد قبل فترة ليست ببعيدة آخر حروبه الخاسرة قد ولّی. أما أفواج المتطوعين الی "المعركة الفاصلة" فقد يصلوا دوماً و كالعادة بعد فوات الأوان، لذا نراهم يقومون بعد أن تخيب آمالهم بتيفجير أنفسهم علی ذويهم وأصحابهم في الدين و القومية والوطن.
العيش في ‌هذا الزمن و فهم هذا العالم المعولم بأفكار و أدوات العصر المنصرم دليل علی التخلف عن السير في  ركب الحضارة، لأن الزمن الامبراطوري لن يعود كما يحسب له رئيس "دولة القانون" إلا بصورة هزلية كارتونية أو إرهابية مدمرة لمكتسبات زمن مابعد سقوط النظام البعثي الشوفيني الطائفي.   
من المعلوم بأن الخلافات الجذرية بين الإقليم و الاتحاد الفدرالي لايمكن حصرها في الخلاف حول قانون النفط والغاز، في استخراج الثروات النفطية من باطن ارض كوردستان والاستفادة منها في اعمار وازدهار وتطوير وتقدم الاقليم، والمادة 140 من الدستور و مسألة عدم اعتبار قوات البيشمركة كجزء من القوات العراقية وصرف المخصصات المطلوبة لهم من ميزانية وزارة الدفاع وتسليحهم أسوة ببقية منظومة قوات الجيش العراقي، فهي تكمن في الرؤية  اللامدنية واللا ديمقراطية لرئيس "دولة القانون" نحو أحد أهم حقوق شعب كوردستان المنصوص عليها في العقدين الدوليين الخاصين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالحقوق المدنية والسياسية الصادرين عن الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1966 و الذي تنص مادته الأولی بأن لجميع الشعوب حقها في تقرير مصيرها و بناء كيانها السياسي و نموها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي بحرية، من دون ذلك سوف يطغی المحتوی السلفي الإرتدادي علی البعد التنويري والمستقبلي و تفوق عقلية الاستبعاد والاقصاء علی لغة الإعتراف والشراكة والتبادل. 
وختاماً نقول: "إن قولبة  و تدجين و تعبئة و عسكرة المجتمع لا تعود بالنفع علی البلاد والعباد و لا يمكن أن يكون هاجس الحفاظ علی الولاية و السلطة أولی من الحقيقة والعدالة."
الدكتور سامان سوراني




201
المخيلة الإستبدادية و مصادرة الحرية الشخصية في العراق

من المعلوم بأن التعامل مع قضية الحرية بعقل فردوسي خلاصي أو لاهوتي نبوي محصلته تكون تراجع مساحات الحرية و مآله المزيد من الإستبداد. فتسلط السلطة و تأليه المقولات، التي تدعي بأنها تمتلك الحقيقة لإحتكار الإيمان، تنتج الأبله الثقافي، الذي يسعی الی التطابق مع القدامی في كل ماقالوه و فعلوه في عصرنا هذا، عصر الثورات الناعمة المنفتحة علی العلم و الآخر والعالم. و هكذا تقفل أبواب خلق مناخ يتيح للواحد أن ينصت للآخر المختلف لكي يتعلم منه أو يغتني به، عبر تشكيل قناعات جديدة أو إبتكار صيغ مركبة.
نحن نعلم بأن نظام البعث الفاشي في العراق قام بعد محاولة زحزته إثر الإنتفاضة الشعبية عام 1991 بالترويچ لظاهرة مقيتة سميت فيما بعد بـ"الحملة الإيمانية" المزعومة بهدف الخلاص من المحنة التي مر بها، و هكذا بدأت صحافة وإعلام النظام بالتركيز علی مصطلحات دينية إنعكست فيما بعد بدعم الحركات والأحزاب الإسلامية المناهضة للغرب والفكر الغربي الحديث و تم بث تلك المفاهيم في‌ المدارس و الجامعات و الدوائر الرسمية و إرغمت النساء علی إرتداء "الحجاب".
وأخيرا برزت ظاهرة تعدد الزوجات بشكل عام و زواج  المتعة عند الشيعة بعد فتح مكاتب رسمية مدعومة من قبل النظام للترويج لهذه الظاهرة السلبية.
و بعد سقوط نظام البعث المستبد كان لنا الأمل بحكومة ديمقراطية فدرالية تؤمن بالحرية الشخصية و تحارب كل مخيلة إستبدادية، ففي النصوص الدستورية فقرات واضحة  تشير الی تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني (أنظر الی المادة 35) وحق الفرد في الخصوصية الشخصية (أنظر الی المادة 17) وضمان كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والأزديين والصابئة المندائيين (أنظر الی المادة الثانية).
و اليوم نری دعم كامل من الحكومة الإتحادية لقوانين "الحملة الإيمانية" الزائفة في التطبيق العملي، بعد فرض ما يسمی بالزي الإسلامي علی الطلاب والطالبات في كافة المراحل الدراسية و نشر يافطات تنذر النساء السافرات و الرجال الغير ملتزمين بالمظهر الإسلامي "المحتشم" من دخول مدن كالكاظمية مثلاً بإعتبارها "مقدسة". هذه المعايير الجديدة تعيد قوانين الأنظمة التيوقراطية والتشريعات المستندة الی الحقوق الإلهية كنظام "ولاية الفقيه" الی الأذهان لتنهض وتخلق جماعات مافيوية تسمی "شرطة الآداب" تقوم بالقمع و سلب الحريات تحت شعار "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لمحاربة و متابعة المظاهر التي لا تتناسب مع "الضوابط الاسلامية".
فهذه الظاهرة المعيقة لتطور المجتمع والتي تحاول أن تعيد بالعراقيين الى القرون الوسطى هي أشبه بفيروس فتاك يفتك المجتمع العراقي من الداخل و يجره الی حرب أهلية مآلها حصد الهزائم الحضارية و الكوارث البشرية، بقدر ما يجعل هذا المجتمع الذي عانا ما عاناه من الحروب و الكوارث أن يفشل في مواجهة التحديات الخارجية، لكي يزداد هشاشة و هامشية و تبعية.
أسأل حكومتي، حكومة إقليم كوردستان، التي جعلت بالرغم من بعض قصورها من الديمقراطية مذهباً تسير علیه بعد أن تفتح مع ثورة المعلومات إمكانات هائلة أمامها، تتجسد في قدرات خارقة علی الفعل و التأثير، هل حقاً نريد أن نكون في الحكم شريكاُ مع أحزاب يؤمنون بالعودة الی تجربة السلف و نماذجها في الحضارة والعمران أو في القيادة و الإستخلاف، لتحقيق ما لم ينجح المسلمون و الثورة الإسلامية في إيران في تحقيقه طوال التاريخ، أحزاب تزين لهم نرجسيتهم الدينية وهم في إنتظار "المهدي المنتظر"، القول بأنهم يملكون الحلول لمعالجة المشكلات التي يتخبط فيها الإنسان المعاصر؟
إنها الأصولية و النزعة الی التفرد التي لاتريد أن تنزع جلدها و تغيير ذاتها بل تقوم علی إستئصال المختلف والآخر و لا تؤمن أبداً بتشخيص الداء لتقديم الدواء، بل تعمل علی تحول العلاقة بالأفكار والأصول الی معسكرات فكرية و سجون عقائدية و الحصيلة هي المزيد من التبديد و الإستبداد أو الفوضی والعماء.
و ختاماً نقول: "لا حلول ناجعة تقوم علی الإستبعاد و الإلغاء أو علی التبسيط و الإختزال، فالمجتمع الذي يرفض تسليط الضوء علی عيوبه و أعطاله بالمساءلة و النقد والجرح، أو حتی بالتهكم والسخرية، هو مجتمع مريض، مصاب بالعمی و الصمم والخرس."
الدكتور سامان سوراني


202
إقليم كوردستان بين شروق مأزق الحوار وغروب الاجتماع الوطني

من المعلوم بأن الموقف الخُلقي لا يكفي لكي نمارس التحاور، فما نحتاجه هو الشرط الوجودي، أي القدرة علی الخلق والانتاج بالعمل الخارق والمبادرة الفذة و الإجراء الفعّال.
فالحوار الناجح يُدار دوماً بلغة الخلق، لما تحتاج اليه الشراكة أو صناعة الحياة من المجالات و اللغات والمساحات. والذي لا يتقن لغة الخلق والتحول، فكيف يكون قادراً علی إدارة حوار بشكل متكافیء و فعّال؟
ففي الآونة الأخيڕة نسمع من سياسيين مخضرمين الرأي القائل، بأن تطويق و إحتواء الأزمات المزمنة في العراق تكمن في الإسراع ببدء الحوار لحل الخلافات العالقة بين أربيل عاصمة كوردستان و بغداد عاصمة العراق الفدرالي و عقد "الاجتماع الوطني"، مبرهنين ذلك بأن الطرفين يؤكدان التزامهما الكامل بتطبيق الدستور.
المطالب الكوردستانية هي نفسها كما كانت عام 1970 لم تتغير، أساسها إعادة الحقوق المهضومة للشعب الكوردستاني، تلك الحقوق المدونة في الدستور الجديد. أما الأطراف السياسية العربية التي لا تهمها حل الأزمة الراهنة ولا تعمل علی إخراجها من النفق المعتم تتمسك وتتشبث بأرائها المتشنجة و تتماطل في تطبيق بنود  ومواد الدستور ومنها المادة 140.
فدولة رئيس مجلس الوزراء مثلاً لا ينوي في الحقيقة الاحتكام إلى الدستور الذي اتفق هو قبل تأسيس حكومة الشراكة بفضل إتفاقية أربيل و المبادرة التاريخية لرئيس إقليم كوردستان على احترام بنوده، فكيف إذن الدخول في قضية الإصلاح، بالرغم من عدم وجود ورقة للإصلاح أصلاً. ودليلنا هو أنه لم يتم توزيع أية ورقة أو نسخة أو مسودة معنية بالإصلاح علی الکتل السياسية المتواجدة علی الساحة العراقية، كي يبدون رأيهم فيها و يتحضرون لمناقشة بنودها. 
أما فيما يخص "الاجتماع الوطني" فإن الهدف الأساسي لمشاركة الإقليم فيه يتجسد في ضمان مصالح الشعب الكوردستاني أولاً بعد أن تبيّنت النوايا الخفية و ظهر بأن هناك قوی إقليمية تعمل مع الحكومة الإتحادية لتقليص أداء الإقليم علی المستوی العالمي والنيل من تجربته في الديمقراطية.
وطالما سياسة الإستمرار في عرقلة الخلافات في بغداد تبقی هي العليا و يبقی التنصل من الاتفاقات المبرمة عند دوڵة القانون هو البرنامج و الإقصاء والتهميش عندهم وعند الأحزاب القوموية الضعيفة اليوم دين يتبع، إذن لا يمكن أن يكتب لـ"لإجتماع الوطني" بعد عقده أي نجاح. فمن المعلوم بأن الحلول الهشة تبقی وقتية و البنود الغامضة لا تدعم المضي قُدماً نحو بناء الدولة الديمقراطية الفدرالية بمؤسساتها الفعالة والثابتة.
فعقلية الثأر و منطق التعصب و إرادة الظفر ولغة الوعيد والتهديد و مؤسسات الجيش والتجييش والإستنفار و مصانع التعبئة للقطعان البشرية والحشود العمياء لا تولد إلا المخاوف والفتن بقدر ما تنصب جدران العداء المادي والرمزي و حواجز الكره.
لا يجدي حواراً بالقول نحن مع الدستور و ندافع عن حقوق الشعب الكوردستاني في حين أن أنماط التفكير الأحادي المغلق والقوموي و عقلية الإدانة بتهم الخيانة و الإستقلالية والخطابات الرنانة أمام رؤساء العشائر ومجالس الإسناد بصورها النمطية التي تستعدي الآخر المختلف و تشوه سمعته و تؤدي في النهاية الی إنتهاك كل الخطوط والحدود لا تولد إلا التوترات و لا تخلق إلا الأزمات. 
من يڕيد الإندراج في زمنه للمساهمة في صناعة عراق ديمقراطي فدرالي بصورة بناءة، عليه أن يمارس فلسفة الحوار و أن يتمرس بالمدوالة العقلانية المنتجة للصيغ المبتكرة و يبتعد عن منطق النفي والضد والتفكير بعقلية أصولية إصطفائية، لكي ينخرط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش السلمي و التبادل علی أسس مدنية أو حضارية في أطار دولة دستورية تؤمن بالمنطق العلائقي الوسطي التواصلي السلمي و تعترف بالآخر المختلف حق الإعتراف.
وختاماً نقول: "لا شيء يدمر القضايا والمشاريع أكثر من أحادية المرجع والقطب والرأي والصوت والطاغية دوماً تصنعها الثقافة."
الدكتور سامان سوراني
         


203
دور المعارضة في تعزيز الخطاب الوحدوي الكوردستاني

أساطين الفلسفة السياسية الحديثة والمعاصرة الذين ناولوا شرح الأنظمة الديمقراطية و النظام البرلماني وضعوا قبول فكرة المعارضة، التي تقوّم وتقيّم و تلتزم بقرار الأغلبية مع ضرورة المراقبة والاعتراض، في باب أبجديات العمل السياسي و عرّفوها بمبادئ الاشتغال في فن الممكن.
نحن نعلم بأن الديمقراطية الحقيقية ماهي إلا حراك اجتماعي وسياسي وثقافي مستمر من أجل تحقيق المصلحة العامة وصيانتها والدفاع عنها في مواجهة المصالح الذّاتية الضيقة لمن يريد إستغلال السلطة من أجل المنفعة الشخصية وأن الفرق بين أن تحكم وتتحكم وتصدر الأوامر وبين أن تراقب وتعترض كبير، لكن إذا جاهد كل طرف من أطراف المعارضة في إختزال واجبه في مجال الحصول علی نصيبه من السلطة و ممارسة الضغط السلبي وتثوير الإعلام، التي لا تريد أن تنقل المعلومة بأمانة و أن تصور الواقع بشكل صادق، للتدخل بشكل تخريبي فوضوي في الشأن العام والسعي في تعكير الفضاء التواصلي بفتح المجال للدخلاء و السماسرة والمتاجرين بآلام الشعب الكوردستاني، فمن حقنا أن نری في دور ذلك الطرف استئثار لا المشاركة الفعلية في خلق النموذج الأمثل للحكم الرشيد.
فالحكومة الحالية في كوردستان أثبتت بأنها تراعي قواعد الديمقراطية السليمة، فحاولت إشراك الجهات المعارضة في إدارة الحكم، وهي أمينٌ لفلسفة دمقرطة الفكر الاجتماعي ودؤوب في تحديث مؤسساتها، إذ تفسر الصراع السلمي بين القوى السياسية من أجل الوصول إلى السلطة بأنه‌ آلية مناسبة ومفيدة لدفع العملية السياسية نحو الأفضل وترحب بالنقد الموضوعي والمحاسبة الفعلية للتقليل من قصور المؤسسات التي لا تنسجم والروح الديمقراطية.
المعارضة ثقافة يجب فهمها و ممارستها بعد وضع برامج ومشاريع بناء دولة المؤسسات والقانون، والقضاء المُستقِل، والعقل الحرّ وحرية الرأي والصحافة، والأمن الاقتصادي والاجتماعي، ومستوى التعليم وأساليب التدريس في المدارس والجامعات و بعد نقل الصراعات في تطبيق الرؤی من الشارع الی التشريع في سبيل الوصول الی الأهداف السامية للشعب الكوردستاني و المعارضة هي فن لتهيئة النفس بعد فهم المتغيّرات و إرتقاء الخطاب الإعلامي من أجل إستلام السلطة و أن أداء المعارضة السّياسية الإيجابية ماهو إلا إغناء لتجربة الحكم في كوردستان.
للأسف هناك بعض تيارات كوردستانية معارضة تنسی بأن من أولويات عملها هي الوقوف بوجه الاستبداد المركزي و تفعيل الخطاب الوحدوي الكوردستاني و الإبتعاد عن مغازلة الأحزاب السياسية العراقية التي لا تريد لكوردستان و شعبه التقدم والأمان، بل تعمل ليل نهار كي تسود الرؤية الأحادية والفكر الشمولي وتطبّق تعاليم ولاية الفقيه‌ في العراق، تلك النظرية التي تريد أن تأخذ الحيّز الواسع في الفهم العام، لإجهاض التجربة الديمقراطية الحديثة و إعادة كابوس الديكتاتورية، الذي يأبى مفارقة الأذهان.
هذه الأحزاب الدينية التي ترفع شعار الوحدانية لا تؤمن بالعملية الديمقراطية بل تسعی الی انتهاج فلسفة وإستراتيجية مبنية علی مبدأ "الميكيافلية"، أي البقاء في السلطة والاستمرار فيها إلى أبد الآبدين، دون الاهتمام لنوع الوسائل والأدوات، ما دامت تؤدي الوظيفة وتحفظ النتيجة، حتى ولو كانت على حساب حقوق الشعب الكوردستاني المذكورة في الدستور بصورة خاصة و حقوق الشعب العراقي بصورة عامة.
لقد قامت الحكومات السابقة، التي كانت تؤمن بالزعيم القائد الفرد وسياسة الاستفراد، منذ ولادة الجمهورية في العراق باستخدام القضية الكوردستانية كشمّاعة وفزّاعة لتقوية وجودها و استمرارها و كسب الغنائم السياسية بها.
آن لنا أن نتعلم من التجارب المريرة، لذا نقول لتلك التيارات التي تتشبث بالإنتماءات الغيبية وتريد أن تُرضع من حليب الأحزاب العراقية المناوئة للتجربة الديمقراطية اليانعة و المخالفة للنظرة الكوردستانية في ممارسة حق تقرير المصير بأن العالم الذي نعيش فيه ليس نظرية من النظريات، بل هو شيء كائن و أن الحقائق القديمة، كالأسلحة القديمة تتعرض للصدأ وتغدو عديمة النفع.
علينا أن نفكر بلغة المفهوم و منطق الحدث و نعمل من أجل مضامين تبادلية و أشكال تضامنية و وقيم تواصلية، كي ننشر ونسود ساحة العمل التاريخي المستقبلي و أن لا نعارض من أجل المعارضة بمواقف يتداخل فيها الرفض والالتفاف والنكوص والنرجسية، لتحويل الوجود المعاش الی مقولات مجردة أو أدلوجات مزيفة بأوهام خادعة و مقاصد مفخخة و تهويمات مدمرة، فلا غرابة في أن يكون المآل الإنقسام والشرذمة.
فبالحوار والتعددية و أخلاقية المسؤولية والمشاركة الفعالة و الشفافية والمصارحة و حسن النية والمكاشفة و قبول الآخر والمصالحة والإشتغال علی المعطی الوجودي يمكننا تعزيز وحدتنا الكوردستانية لا بإنكار المشاريع النهضوية و رجم كل عمل نفعي بسياسة الإقصاء و الكذب والتعتيم والتضليل و الاتهام والتخوين والتجريم وعقلية الطوبی و منطق الاستلاب.
وختاماً يقول الماهاتما غاندي في الفجوة بين العلم والأخلاق وبين الرأي الحر والتطبيق الاجتماعي:
"توجد سبع مبادىء تدمر الإنسان: السياسة بلا مبادىء والمتعة بلا ضمير والثروة بلا عمل والمعرفة بلا قيم والتجارة بلا أخلاق والعلم بلا انسانية والعبادة بلا تضحية".
الدكتور سامان سوراني




204
تفكيك التماهي مع الذات في عصر انتهاء الحكومات المركزية


الفيلسوف و عالم الاجتماع المعاصر يورغن هابرماس، المولود عام 1929 في مدينة دسلدورف الألمانية، المنافح والمساجل في ميادين شملت تاريخ الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس واللسانيات والسيمياء والتاريخ والسياسة يقول بأن الحداثة مشروع لم ينته بعد لأنه لم يتجسّد قطّ.
أما فيما يخص العقل فمفهومه عنده يعني تجديد دلالته وذلك بتحويله من عقل أداتي كلياني شمولي إلى عقل حواري تواصلي قائم على "الاتفاق" (consensus) الذي يصوغه المجال العمومي. والتواصل من منظور هابرماس لا يحصل إلا متى ما كان مستقلاً بذاته.
فمن المعلوم بأن غياب احترام حق الاختلاف وحضور رموز سياسية بهدف زرع الألغام علی طريق الآخر المختلف لسد الفرص في وجه العالمين في سبيل بناء المجتمع الديمقراطي التعددي المنفتح و تثبيت قواعد الدولة الفدرالية هو المناضلة في سبيل ولادة الديكتاتورية المتوحشة.
لقد فرحنا بما كسبه العراقيين من مكاسب ايجابية بعد التغيير  و سقوط النظام الفاشي عام 2003 و موت الآلهة الحاكمة و إختفاء أكثرية الرموز المجرمة والمتطفلة التي جعلت من نفسها وصية علی الكيانات المختلفة و قلنا في نفسنا، ها هو الانسان العراقي قد تحرر من الخوف و أن عقدة اللسان عنده قد انحلت بعد أن كانت مستحكمة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن اليوم ترانا نجابه ظاهرة جديدة تثير جملة من التناقضات، بعد أن بدأت تلعب علی المجتمع بإسم الدين والوحدة الوطنية تارة وبإسم القومية تارة أخری و تقوم بالنبش في الطائفية المقيتة مستخدماً هذه اللعبة الخطيرة كوسيلة لمحاربة النزعة الكوردستانية نحو الحرية والاستقلال مما يغيض اصحاب النظرة الديمقراطية و جماعات الفكر الليبرالي التقدمي من مختلف الكيانات و الطوائف علی السواء.
صحيح بأن الحديث عن الديمقراطية يتطلب منّا أن ننظر الیها کمثل أعلی  بالرغم من التمفصل الموجود بين “مفهوم” الديمقراطية وبين “التجربة” الديمقراطية وأن معالجة "تركة الماضي" تكمن في اللامركزية وصناعة ولايات أو أقاليم فدرالية، لكن ما جدوی التفكير والبحث عن أنماط الديمقراطية وسبل تطبيقها علی أرض الواقع، فيما إذا كانت هناك جهات سياسية مدعومة من قبل قوی إقليمية تعمل في العراق علی إلاتيان بالديکتاتورية من جديد علی أكتاف الآلية الديمقراطية.
هؤلاء لم تصلهم بعد رسالة تراجيديا سقوط الآلهة التي كانت تعشّش في المجتمع منذ زمن طويل و نسوا مشاهد النهاية الحقيرة لصدام حسين و زبانيته و دولته القومية بعد جلبوا للمجتمع العراقي أهوالاً وكوارث وعواقب وخيمة و بعد أن قاموا بضرب الإنسجامات والتعايشات عرض الحائط علی امتداد خمسين سنة مضت و غيّروا الواقع بغناه و تعقيداته و التباساته الی بعد واحد وحيد العنصر بهدف تحويل العراقيين وخاصة الشعب الكوردستاني الی جماجم و هياكل عظمية تسير في الشوارع منزوعة الروح، لإستخراج شخصيات تافهة تطحنها مشاعر الدونية والعجز واللاجدوی.
في هذا العصر الرقمي المعلوماتي بمعطياته الجديدة و بعد كل هذه التغييرات التي طرأت في العالم العربي و نهوض شعوب المنطقة  ضد الحكومات المركزية المستبدة لا يمكن للشعب الكوردستاني أن يقبل بأن يحكمه طغاة كما في السابق يطلون الطغيان برأسهم كلما سنحت لهم الظروف. القيادة الكوردستانية تسعی اليوم في سبيل ترشيد السلطة في العراق وعقلنتها وطرد القوقعة الإصطفائية فيها، تلك القوقعة التي تخفي في أعماقها أسرار إحتكار السلطة وممارسة الوكالة الحصرية، لأنها تدرك كل الإدراك بأن فيها تكمن الضمانة المثلی من الجور والتعسف و التعريب والتهجير و الأنفلة. فالحكومات التي لا تنزع الی السلم مع كوردستان و الی المصلحة العامة في العراق، تبقی حكومات أمر واقع، أي غير شرعية، ظالمة، مغتصبة، هدفها تذويب المواطنين في ما يشبه بالقطيع، بعد ممارسة الرفض والإقصاء ضدهم بهدف إستئصالهم مادياً و إلغاءهم رمزياً. 
نحن نری بأن رئيس الحكومة الحالية في بغداد وقع في أسر التماهي مع الذات ومع النزعة المركزية لا يستطيع تفكيكه، إذ نلمس أعماله التي تأتي بعكس ما أتی من أجله و مساعيه من أجل سلب الهوية والإرادة و محو التحديث والمعاصرة و مواقفه بتفرده و نرجسيته وعُظامه الذاتي ضد الأهداف، التي كان يدعي بأنه يدافع عنها عندما كان معارضاً يعيش علی أرض كوردستان.
من يعمل علی إعادة العراق الی المركزية و تجهيز المجتمع المدني بالعقل العسكري التقليدي لا يفكر في إنتهاج الحوار البناء كطريق للتعامل مع القضايا السياسية الخلافية العالقة بين حكومته و بين حکومة كوردستان، بل هدفه تراكم المشاكل لخلق أزمات مستمرة، ليقوي من خلالها مكانته الضعيفة المتحركة.
التجارب أثبتت بأن الأمن و التعايش  السلمي بين المكونات الأساسية في العراق لا يمكن جلبه بالقوة العمياء والهيمنة الفئوية أو بإحتكار للسلطة، فكيف بالخطط الجهنمية و الأحلام المجنونة، التي تولد الحماقات التاريخية والتي ترتد دوماً علی العراق خراباً و دماراً.
الشعب العراقي بكورده و عربه و تركمانه و الآشوريين والكلدان والأرمن منهم بحاجة ماسة الی إنتاج ثقافة جديدة، منفتحة، مدنية و سلمية مبنية علی عقلية المداولة والشراكة الحقيقية لبناء مشترك فاعل يزيد الرغبة الوطنية في الوحدة الوطنية الحرة والتصميم على المحافظة على استقلال كل كيان وإقليم في الإتحاد و يقلل بالمساءلة والمداولة من ثقل الأضداد والمتعارضات و منطق المماهاة والمطابقة، حيث الحكم يعترف لكل واحد بالمساواة ويبتعد عن مفاهيم الأصل  كالزعامة الفكرية والأحادية والاحتكار. فالديكتاتورية تلوث الفضاء الفكري و تبتلع المجتمع المتفتح الساعي الی تثبيت التعددية و توسيع مدارات الفدرالية و تشجيع الاستثمار في العقل البشري و التخلص من الوصاية النبوية عن كل ما يمكن أن يضيف شيئا جديد.
وختاماً نقول: فليكن الهدف هو المعرفة وصناعة الحياة والعمل من أجل العيش المشترك بتضافر كل الجهود، لا بالهروب من المسؤولية التاريخية وعدم تسلط الضوء علی المشكلات الراكدة منذ سنوات. ففي عصر تدويل الديمقراطية والإعتراف بحق الشعوب المتساوي في تقرير المصير لا مكان لعقليات و حكومات تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزية.
د. سامان سوراني 

205
عقلية الضدّ و ولادة الدكتاتورية في زمن سقوط الطواغيت

عالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون (1841-1931) الذي ساهم في إيثار نظرية سلوك القطيع و علم نفس الجموع يقول:"حتى لو كانت الجماهير علمانية تبقى لديها ردود فعل دينية تفضي بها إلى عبادة الزعيم والخوف من بأسه والإذعان الأعمى لمشيئته، فيصبح كلامه (Dogma) لا تناقش وتنشأ الرغبة في تعميم هذه الدوغمائية، أما الذين لا يشاطرون الجماهير إعجابها بكلام الزعيم فيصبحون هم الأعداء  الألداء.
فعندما يكون الحل في دولة ما في أيدي أصحاب الآراء المهجورة من الجهلة الغافلين تنقلب السلطة تسلطاً ويكون الرأي وبالاً والحكم غبناً. إذ من العار علی الإنسانية في العراق أن نكون مرة أخری شاهداً علی تحركات عسكرية في المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان، التي تعرّب في القاموس السياسي السلبي بالمناطق المتنازعة عليها. فهذه التحركات المغرضة و المدفوعة من قبل رؤوس يتمنّون ولادة دكتاتورية جديدة في زمن سقوط الطواغيت، تجري تحت يافطة "الحفاظ على سيادة البلاد وحماية الحدود والتصدي للإرهابيين". فبملاحظة إستطرادية يمكن القول بأن تلك  المحاولات اللامنطقية و الخارجة عن الدستور لا تحمل في طياتها سوی الوقوف ضد عملية بناء المسيرة الديمقراطية والسماح لقوی شوفينية بإرجاع العراق ثانية الى ظلمات الدكتاتورية المقيتة.
إن دروس الفلسفة و النظريات العلمية في السياسة فسّرت وبيّنت لنا بأن سياسة الفرض والإملاء وإقصاء الآخر المختلف و مخادعة الشركاء لهدم النظام الديمقراطي يعني ولادة الدكتاتورية، عندئذ يتم رفع الشعار القائل: "أنا الدولة"، "أنا القانون".
والذي يخدش جلد التعجب فينا، هو أن "تسو نامي" الثورات في العالم العربي لم يجرف بعد عقول اصحاب الفكر الدكتاتوري في العراق. فالنوايا الخبيثة و الخطط العمياء لعسكرة المجتمع العراقي من جديد والعمل علی إحياء خيارات العنف کوسيلة لكسب الغايات السياسية و إهمال لغة التحاور ومبدأ الشراكة المبني علی أساس الدستور ترسم مؤشرات متجلّية تعمل كناقوس خطر يدق في آذان المؤمنين بالديمقراطية والعاملين في سبيل التعايش السلمي بين المكونات الأساسية في هذا البلد. 
لقد استبشرنا خيراً كثيراً بسقوط الطاغوت صدام و نظام حكمه الفاشي وإعتقدنا بأن ذلك يخوف كل من يفكر علی نمطه و أن هذا السقوط سوف يجلب معه عودة الحياة للعراقيين من جديد و ينجي البلد من الدمار والخراب المادي والمعنوي، لكن بشرانا هذه لم تدم طويلاً، فالسيد رئيس مجلس الوزراء العراقي، الذي كان في السابق يدعي مناهضة حزب البعث القوموي الفاشي، بدأ بعد تسنمه السلطة للدورة الثانية، بفضل المبادرة التاريخية للسيد رئيس إقليم کوردستان وإتفاقية أربيل، علی اتباع النهج المخالف لمبادیء الشراكة و الفدرالية و الديمقراطية، ساعياً لإخضاع المجتمع العراقي لثقافة العسكرية الخشنة، مهملاً بسياسته التفردية كافة المؤسسات القانونية الأخری، مرّوجاً لفكرة الوصاية الفاشلة علی شؤون الكوردستانيين و حريته، مستخدماً لغة الاتهام والاستعداء علیهم بمنطق الانعزال والانكفاء.
نقول له و للذي يريد تقليد الطغاة المستبدين، بتسلطه على مقومات الدولة تسلطاً شاملاً معتمداً على القوة العسكرية للدولة، بأن التغييرات الجوهرية المستمرة في الخارطة السياسية للمنطقة و التطورات التي تشهده المجتمعات بلورت صيغ أفكارها و تطلعاتها المتقدمة، فهي لا تسمح بمرور الديكتاتورية مرة أخری في صفوف المجتمعات الديمقراطية. والذي لا نستريب فيه هو إن المجتمع الكوردستاني الحي، الذي قاوم النظام البعثي و الحكم المركزي أكثر من نصف قرن، لا يمكن أن يتقبل أية حالة دكتاتورية سواء إذا برزت من قبل أحزاب دينية أو زعامات فردية عريقة في سلوكها الدكتاتوري أو من قبل جهات قررت الابتعاد عن فلسفة الاحتكام للعقل والدستور في حل المشاكل العالقة والأزمات، والتي تعمل اليوم علی تشكيل جبهة سياسية عريضة لمعارضة الخط الديمقراطي الذي ينتهجه القيادة الكوردستانية الحكيمة و تحويل العراق الى حاضنة للفاشية والظلام والفقر والحروب والخراب.
لا يمكن التعامل مع الديمقراطية والفدرالية بعقل أحادي. فالعمل بعقلية التمييز والفرز أو التطهير والتصفية مآله الفوضی والفشل والإفلاس و نتيجته هو سد الطريق علی العيش المشترك. من يمارس سياسة کتلك التي يمارسه السيد المالكي يقفز فوق الاحداث و ينفي المتغيّرات و أخيراً يقبل أن يكون جندياً حجرياً يُحرّك دون إرادة منه على رقعة شطرنج منافع قوی اقليمية.
وختاما نقول: من يحاور الكوردستانيين بلغة الصاروخ والمدفع والحشد المرصوص و يسعی في تشکيل الجمهور الأعمی لا ينوي صناعة الحياة أو جلب الحرية أو تغير الواقع العراقي نحو الأحسن،  هدفه الأول والأخير هو تدمير الحاضر و افتراس المستقبل بدلاً عن المشاركة في ورشة الحضارة القائمة بابتكار شيء خارق.
د. سامان سوراني



206
إقليم كوردستان و إرتداد الفكر الديمقراطي في العراق

من المعلوم بأن الممارسات الفكرية تتغير مع الوسائط الجديدة، فلكل عصر تقنية و لكل تقنية أثرها علی الفكر. فالتفكير في عصر السلطة الناعمة ببعدها الإفتراضي و مخيالها السِبراني، القائم علی التشكيلات الرقمية والتراكيب العددية اللامتناهية، ليس كالتفكير في عصر الكُتّاب و النَسخ والشفاهة.
فبتغير الثقافة تتغير العلاقة بالمعرفة و الإرتباط بالنصوص القديمة والموروث الجامد. و هذا التغيير يؤثر علی أنماط السياسة والسلطة والديمقراطية و يضع الهويات، التي تدعي براءة الإختراع في مجالات العلوم الغيبية و أفكار ماوراء الطبيعة موضع التساؤل و يفتح في الوقت نفسه فضاءات تبدو أقوی أو أولی من العقائد والإيديولوجيات، التي لا تستطيع أن تفتح علی تعدد الأمكنة والعوالم والإنتماءات. التعامل مع الفكر الديمقراطي و علی كيفية ممارسته هو رهن لقراءته الخصبة والفعالة، بعقل تواصلي تبادلي و بفكر تركيبي و بمنطق تحويلي توليدي يفسح المجال للمساهمة في تكوين المشهد والحضور علی المسرح الإنساني.
ما نلمسه اليوم في العراق من إرتداد في الفكر الديمقراطي و تحسين في تدمير النبتة الديمقراطية اليانعة وتشويه صورة الفدرالية، تارة بإسم القومية و تارة بإسم المذهب أو الدين، شاهد صارخ علی النوايا الخفية عند البعض من الذين يتربعون اليوم علی عرش السلطة في هذا البلد ويريدون أن يكونوا صاحب القرار الأول والأخير في القضايا الجانبية والحساسة لممارسة الغزوات والحروب والإستمرار في أعمال الإرهاب و لإعادة ثقافة المذابح الجماعية، غير مهتمين بالمهالك والأخطار والنتائج المدمرة. هذه النوايا إن تطبق علی أرض الواقع لا تجلب معها سوی ولادة الفقر و التفاوت والإستبداد، بقدر ما تعزز النزاع والعنف والإختلاف الوحشي.
نرجسيتهم تدفعهم إلی ممارسة الأستذة علی إقليم كوردستان لتذكيره و تهديده، بأنه‌ من العسير عليه أن يخطوا خطوات نحو الإنفتاح و الديمقراطية والمجاهدة في سبيل التنمية والرقي علی جغرافيته السياسية و العمل علی توسيع رقعة المواطنة لدی حكومته من غير أن ينال العقاب بضربة عسكرية قاسية و فرض الحصار علی ساكنيه، لإعادة العلاقة السابقة التي كانت تطبق علی أساس الإستبعاد بعقلية الإصطفاء و أحادية القرار ومنطق المدافعة والمحافظة ونظرية التخوين المؤامرة لضرب الفكر الأخر والرأي المخالف، تاركاً إختلاف الألسن والطبائع والأفكار طي النسيان.
إنه التهوين والهويم والتهويل، الذي يجعلهم يعتقدون بأن "إنقاذ العراق" و خلاص العراقيين و نهضة عرب العراق مرهونة بالعودة الی تجربة النظام المقبور في المركزة والقيادة والإستخلاف و "التقدم والرفاه"، لتحقيق ما لم ينجح صدام الطاغي في تحقيقه طوال فترة حكم البعث الفاشي.   
والمهتم بالشأن الكوردستاني يعلم بأن حكومته تعمل بسياسة تركيبية تواصلية تتعاطی مع الأمور بديناميكية خلاقة و منهجية فعالة، لتحليل الواقع من أجل الإنخراط في صناعة الحاضر و المراهنة علی ما يمكن أن يحدث في المستقبل و تسعی في كسر الجمود و فتح المجال للتبديل والتغيير، مهتماً بالتحولات التي يشهدها العالم في الأفكار والوقائع، من نماذج الرؤية الی أنماط العيش، ومن سلم القيم الی منظومات التواصل.
و ما يسعی اليه رئيس إقليم كوردستان بسياسته الحكيمة هو إقتداء العراق بالثورة الفرنسية و مبادئها الإنسانية السامية و تأكيده بأنه في حالة فشل العراق السير نحو هذا الإتجاه للأسباب التي ذكرناها فسوف يستمر كوردستان في تجربته الديمقراطية نحو أهداف الثورة الفرنسية لجعها واقعاً حياً علی أرضه. 
ما نحتاجه هو كشف أوجه العجز والقصور في ما هو مستخدم أو مستهلك لتحديث أفكارنا و مفاهيمنا و ممارسة عقلانيتنا ومواقفنا التنويرية بصورة مثمرة و إيجابية لإقامة علاقات منتجة، فعالة وراهنة مع ذواتنا ومع فلسفة الشراكة الحقيقية والتعايش السلمي والواقع والعالم المعولم ونبذ تلغيم القضايا المنتجة للعجز والتخلف والإستبداد. و ليعلم المستبد رئيساً كان للحكومة أم معارض أنه في عصر الشعوب لا تقرأ لغة الإتهام والإستعداء ولا تنبني الدولة علی أساس التمييز والإصطفاء و لا يحتاج الإصلاح الی عقل أحادي، تحكمي، إنفرادي،وإنما يحتاج الی عقل وسطي، تعددي، تداولي و لامجال لمصطلح الديكتاتور في قاموس هذا العصر. 
وختاماَ: الدفاع عن الهويات والعناوين بالثوابت من القيم والمفاهيم أو الطرق والأساليب المجربة في العراق، كما يمارسه صاحب السلطة في بغداد هو سلاح مفلول، مآله خسارة ما ضحی من أجله العراقيين و ما أرادوا بناءه من دولة ديمقراطية تعددية فدرالية.
د. سامان سوراني

207
الوصاية الفاشلة و مكامن عجز العقلية السياسية في العراق الفدرالي

من المعلوم بأن الدولة الفعالة تنفتح علی الخارج، بقدر ما تنفتح في الداخل علی المجتمع والكيانات المختلفة فيه بمختلف قواه و مستوياته و هيئاته و عناصره‌، لبناء معادلة مركبة تؤلّف بين الاتحاد والإقليم، بين المحلي والكوكبي، لتحويل الخوف المتبادل والظنون السلبية الی مجالات ومساحات وأسواق للتعايش السلمي والتبادل المثمر.
إن الذين يتصدرون واجهة الدفاع عن طوائفهم ومذاهبهم و معسكراتهم بالأفكار السائدة و الأنظمة المتحكمة والشعارات الخاوية و المقولات المستهلكة لا يستطيعون القيام بمهام قضية العيش المشترك. الطرف الذي ينهض بها هو من يخلع عباءته الأيديولوجية المقدسة بثوراتها و مقاوماتها و إنقلاباتها و أحزابها و هو من يحسن الإشتغال علی خصوصيته و تحويل هويته للإنخراط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل، علی نحو سلمي تبادلي في أطر وطنية أو اقليمية أو عالمية، ولنا في إقليم كوردستان و حكومته اليانعة نموذج إيجابي نشيط في بناء مجتمع ديمقراطي سلمي التوجه مزدهر بإنجازاته العمرانية والحضارية.
ومن أجل التصدي لمظاهر التفرد و البربرية المعاصرة نراه إنضواء الساسة في العراق تحت سقف رمزي خُلُقي ولكن دنيوي، أرضي و كوكبي لزاماً، يستنجدون بقيم التقی والتواضع والإعتراف الحقيقي بالآخر المختلف بعيداً عن النظرة المتعالية والإبداع في الشوفينية بعد أن تعولمت الأفكار والثقافات والهويات.
فبعد سقوط الأقنعة الحديدية المزنجرة في بغداد عام 2003 واجه الشعب العراقي تحديات في الداخل بقدر ما كانت هناك تصارع من أجل إدارة العلاقات والصراعات مع القوی الأقليمية و الخارجية و بدأت فنون صياغة الدستور من أجل السيطرة علی نظام الدولة و منع  تعارض القواعد القانونية الدنيا القواعد القانونية العليا.
 حيث تم الإتفاق علی إجراء انتخابات عامة لقيام نظام سياسي وطني ديمقراطي تعددي غير طائفي أو محاصصي و تكوين حكومة شراكة وطنية بتحالفات سياسية واسعة تبتعد عن السياسات الفردية والاستبداد وتأخذ بجماعية مجلس الوزراء وتحترام إرادة الشعب والبرلمان والقضاء و تلتزم بتفعيل المادة 140 من الدستور لإنهاء المشاكل العالقة بين إقليم كوردستان والإتحاد الفدرالي لغرض تعزيز وحدة العراق و تطوير حقوق القوميات المختلفة فيه و زرع الأمن والإستقرار الإجتماعي والإقتصادي.
لكن عقلية الشراكة والمداولة والإحساس بالمسؤولية المتبادلة عند بعض التيارات التي قادت العملية السياسية و التي أخذت بعدها زمام السلطة في بغداد لم تكن ناضجة بعد، فشاركت تلك العقلية في تضخيم حجم تفاقم عدم الثقة بالحياة الديمقراطية والدستورية. أما المخاتلة والنفاق والتآمر فكانت تلك الأعمال نصيب بعضهم، نذكر منهم التموزيين، الذين أرادو بتاريخ 2008.07.22 الإنقلاب علی الدستور داخل البرلمان ومنهم من حاول بحكم منصبه إصدار أوامر غير دستورية لمعاقبة الشعب الكوردستاني و فرض حصار علی المشتقات النفطية المرسلة إلى كوردستان، ومنهم من أراد الإستنجداد بقوی خارجية و شراء طائرات حربية لمقارعة الفكر التجددي المعاصر في كوردستان. أعمالهم ونياتهم الغير صافية خلقت الأزمة السياسية والإجتماعية الراهنة، فإذا بالأمور تتعقد و إذا بقوی الإرهاب المدعومة من الداخل ومن قبل أطراف تؤمن بالهيمنة الهجمونية والتي ظلت عدواً لفكرة الفدرالية و بناء قبول تعددية الهويات الثقافية و الحضارية المختلفة، تستثمر هذه الحالة المستعصية لتكثير أعمالها الإجرامية قتلاً ودماراً و الترويج للثقافات المحلية أوالجزئية و ثقافة التضحية و الشهادة.
لا تنفع الحكومة العراقية إستخدام النماذج السياسية المستهلكة والبعيدة عن الشعور الإنساني العميق، المدرك لحكم المأساة وطبيعة الحياة و ثقافة الحوار والتعددية و التعايش وقبول الآخر المختلف ولا تنفعها النماذج القائمة علی فلسفة الاقصاء والتهميش وحرب الآخر والداعمة لهواجس و حسابات الربح والخسارة.
الكلام علی الأزمة في العراق أمسی من نافل القول و تكرار الكلام، فالطرف الذي يريد التحاور من أجل البقاء في الحكم يجب أن يبدأ بإتخاذ خطوات عملية تترجم ما اتفق عليه من قبل الأطراف التي تحاورت معه على أرض الواقع، لتنمية الثقة بينه‌ وبين الأطراف. مالنفع في الحوار، إذا لم تستبعد العوائق والموانع و مالنفع بالقول نحن ضد الدكتاتورية، إذا كان الدفاع عن النظير الإيراني والسوري جزء من السياسة، التي تؤدي أخيراًّ الی الإخفاق في ممارسات العقلنة والديمقراطية علی ساحات العمل؟
الأزمات والكوارث ليس مصدرها الأقدار فقط، فهي تتجسد في الأفكار بشكل خاص و العقليات والمرجعيات والنماذج والمقولات أو التصنيفات والطقوس التي تهيمن علی المشاهد الثقافية و تتحكم في الخطابات فتنتج عوائق و مآزق وتلغم المساعي الوجودية والمشاريع المدنية أو الحضارية.
منطق الكشف العلمي يثبت لنا بأن حل المشكلات يخلق مشكلات جديدة ومعالجة الأزمات تولد المزيد من التعقيد والتأزم، لذا نقول للعقول السياسية في العراق، من أراد النجاح للديمقراطية و التجربة الفدرالية، عليه أن لا يتعامل مع الحقائق و الوقائع علی سبيل التبسيط والتهوين أو التهويل والتضليل أو التلفيق والتزييف و علیه نبذ الشعارات الخاوية والدعوات المستحيلة و الاستراتيجيات القاتلة وعليه أيضاً إستخدام أطر و أدوات في النظر والعمل البعيدة عن مذهب القصر والإستهلاك والعقم وهنا يكمن سر النجاح. 
وختاماً يقول الفيلسوف الإنكليزي النمساوي المولد كارل بوبر (1902-1994): "نحن نعرف بأنه لا يمكن أن يكون لحجة منطقية تأثيرٌ منطقيٌّ على من لا يريد أن يتبنى أسلوباّ منطقياً."
د. سامان سوراني

208
المعقول واللامعقول في السياسة، حكومة العراق الفدرالي نموذجاً

الفيلسوف الفرنسي دُو لابْرِيد دُو مُونْتسْكُيو (1689-1755) صاحب كتاب روح الشرائع و نظرية فصل السلطات الثلاثة أرشدنا أواسط القرن الثامن عشر بأن حرية المواطن السياسية تقوم علی راحة النفس، التي تنشأ عن رأي كل واحدٍ حول سلامته. و لنيل هذه الحرية يجب أن تكون الحكومة من الوضع ما لا يمكن المواطن معه أن يخشی مواطناً آخر و كشف لنا بأن الحرية تفقد خصوصيتها المطلقة إذا ما اجتمعت السلطة الاشتراعية والسلطة التنفيذية في شخص واحد أو هيئة حاكمة واحدة. ويضيف في الفصل السادس من كتابه المذكور بأن الأمراء الذين أرادوا أن يكونوا مستبدين بدأوا بجمع جميع السلطات في شخصهم دائماً.
فبعد مرور أكثر من قرنين ونيف من الزمان علی أقوال أمير العقل التنويري بدأ في عراق ما بعد الدكتاتورية ظهور تيار فئوي يسعی الی تعزيز سلطته الطائفية لينحو نحو استحداث الدكتاتورية و ينحرف و يتطرف عن مسار و نهج المسيرة الديمقراطية ليتجاوز القوانين و أحكام الدستور المنبثق من العقد الأجتماعي لمكونات العراق الأساسية.
نحن نعلم بأن الدستور الذي استفتی علیه العراقيين عام 2005 والذي وافق عليه أكثر من ثمانين في المائة من العراقيين و الذي كتبه نخبة عراقية من أول جمعية منتخبة بعد ردح من الزمان و سنوات من القمع و القهر و الظلم والحروب، تلك الحروب التي لم تترك للمجتمع العراقي سوی كوارث إنسانية و بيئية تسلط ظلالها السوداء الی يومنا هذا علی عيشهم و نمط  تفكيرهم، يحمل في طياته‌ رسم معالم المستقبل من خلال الاتفاق علی أسس و مبادیء جوهرية لمرحلة ما بعد الدكتاتورية.
واليوم نری البعض يحاولون مسك الحقيقة من ذيلها، إذ يقومون بإخضاع نصوص الدستور للتأويل اللاموضوعي، من أجل التحوير و التحريف، غير مهتمين بالركن الأساسي في حكم عراق ما بعد سقوط تلك الدكتاتورية، ألا وهو التوافق السياسي، إذْ أن فقدان هذا التوافق سوف ينهي في العراق ما نسميه نحن الشراكة الحقيقية في الحكم.  و ما وصف بعض وعاظ السلاطين لرئيس الحكومة بالثالوث السياسي، الذي حسب وصفهم يجمع الأقانيم ( القائد – الدولة – الشعب)، إلا القفز على تلك الحقائق، فعقلية الأنفال و الحب في تكرار جرائم مثل حلبجة ما زالت متحكمة عند بعض أصحاب القرار في بغداد، أولئك الذين لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالفيدرالية ولا بالتعايش السلمي، ناهيك عن تطبيق الشراكة الحقيقية.
نحن نری بأن الذي يستحوذ مناصب حساسة داخل الدولة لا يهتم بالإلتزام بالدستور و لا بالعهود الموقعة، يخطط نهاراً في إرسال فرق عسكرية لتوجيه مدافعها نحو مدن اقليم كوردستان الفدرالي، فهذا النهج السلطوي و المحاولات المتكررة في إستخدام الجيش لغايات سياسية في البلد والشعب الواحد تخالف بنود الدستور، التي تجرم تلك النوايا النتنة. وليعلم الذي لايعلم بأن الحروب القادمة لا تحسم بنشر القوی علی الأرض، بل باستخدام الشبكات الالكترونية والأنظمة الرقمية، لأن الحقيقة تصنع عبر الوسائط والصور والأرقام، لا عبر مليشيات الإسناد و حشود الصحوة والإجتماع البشري ينبني بالتعايش والتواصل لا بإزدهار أعمال الفساد و الإنتهاك والإستبداد أو بنشر فنون التشبيح والشعوذة والقرصنة. فالتفرد و الاستبداد كارثة علی الشعوب، والاستبداد يضيق بالنقد البناء، والتفرد يغتال المواهب، ويقضي علی الإبداع، ويزرع الرعب فيصبح المواطن خائفاً حتی من أقرب المقربين إليه ولا يأمن من نفسه علی نفسه.
الحكم الفردي هو عار علی صاحبه ووصمة سلبية في جبين الإنسانية. أما العقائد المغلقة والإدارات الفاسدة والعقليات الكسولة فهي تكبح إطلاق و تشغيل القوی الحية والخلاقة. فلا أدري أي حياة هذه بدون حرية واعية.
في عالمنا اليوم نری تغيير في مفهوم السلطة و توسع في معانيه. فالسلطة لا تنحصر في أجهزة الدولة و مؤسساته، وإنما هي علاقات تنتج و تمارس وتنتشر في مختلف حقول المجتمع ودوائره و مستوياته. فالدولة يجب أن تدار بعقلية السياسي، الذي يجمع بين التقليد التراثي و التحديث الاقتصادي أو بين الهوية القومية والبعد العالمي، والذي يمتلك عقلية المحترف و يشخص لكي يركب الإمكانات و يجترح الوسائل لتحسين الأوضاع أو لحل الـمشكلات وإنهاء الأزمات.
الأزمة التي يمر بها العراق تحتاج الی فكر مركب لمواجهة الوقائع و إعادة تشكيل المشهد و ترتيب القوی علی المسرح. أما ممارسة التفرد والتألق والنجومية فيولد رويداً رويداً التمييز والاستئثار أو الاقصاء والافتئات أو الاحتكار و الإغتصاب.
و ختاماً نقول: بأن الشراكة بمفهومها المعولم تعني العمل علی خلق مجتمع تداولي، ليحل فيه مفهوم الشبكة محل مفهوم النخبة، والفريق محل الزعيم المنقذ، بحيث يخلق للواحد فرصة التعامل مع الهويات والقضايا والمشكلات بمنهج التوسط و عقلية التسوية و بمبدأ النسبية و منطق التداول و بثقافة التعدد. ولكي نعيش أحسن عليه‌ أن نحسن العيش سوياً. فالمقدس والمطلق والأوحد والمتعالي سواء أكان قوة أم مؤسسة يحول الناس الی قطعان وحشود و يسمم العلاقات بين الكيانات و يدمر أسس العيش المشترك.
د. سامان سوراني

209
لغة الدكتاتور و القوقعة الإصطفائية في العصر الرقمي

من المعلوم بأن القوقعة الإصطفائية تخفي في باطنها أسرار إحتكار المشروعية و ممارسة الوكالة الحصرية علی شؤون الشعب، من خلال الإعتقاد بإمتلاك مفاتيح السعادة و النمو التقدم والرقي الحضاري، أصحابها يتوهمون بسبب العُظام الذاتي النابع من طفولتهم النرجسية بأنهم الأحق والأشرف والأفضل بين البشر، مآل عقيدتهم هو الإرهاب بأشكا‌له المختلفة، التي تبدأ بالرفض والإقصاء و تنتهي بالإلغاء الرمزي والإستئصال المادي للمختلف الآخر أو المعارض الضد.
فبعد غياب العملة الدكتاتورية في العراق نهض الشعب العراقي بكياناته المختلفة في جو موسوم بالحماسة نحو الديمقراطية و النظام الفدرالي، كي يبتسم و لو لبرهة من سلطان الإستبداد السياسي والنظام الشمولي أو الفقر المعرفي و الإرهاب الفكري، معتقداً بأن أحادية المبدأ أو القطب أو الزعيم أو الرأي أو الصوت قد ولّت الی غير رجعة. لكن الواقع أثبت عكس ذلك. فبعد مدة قصيرة من الخلاص  من ممارسة التهويل الايديولوجي تشعب أذرع رأس تيار التفرّد كالأخطبوط لتجمع السلطات السيادية الحساسة في شخص واحد، بهدف الثورة علی الكيانات الأخری لإعادة المركزية و مورست بواسطة إعلام تسلك مسلكاً أقرب لرؤية السلطان وتنقل الحقيقة المزيفة، تقوم بإشغال الشعب بعدو وهمي أو أسطوري أو إيهامه بعدو ما وتشجيعه ضد هذا العدو و تعمل علی غرس ثقافة القواقع الفكرية الخانقة و نشر فيروس قاتل تمدد ليصعب السيطرة عليه من أجل سلب الهوية والإرادة.
من يريد أن يبقی علی سدة السلطة و يتعهد بتحقيق كل شيء، وهذا ما نلمسه اليوم في العراق، هدفه تهوّن الأمور لكي لا ينجز شيئاً، مثله‌ كمثل الذي يهوّل بالمشكلات لكي يقعُد عن المطالبة و يهرب من حمل المسؤولية. من الواضح بأن كل مطلب من المطالب الإصلاحية والتحديثية يجسم مشكلة مزمنة تحتاج معالجتها الی عمل دؤوب و متواصل علی الذات، درساً و تحليلاً أو تشخيصاً و تعقلاً وتركيباً وتدبيراً. الحكومة الاتحادية متفق فقط علی ما لا يحتاج الی تنفيذ، تعمل بذلك علی مراكمة المشكلات المزمنة لحصد الإخفاقات المتلاحقة، إن لم نقل الهزائم المتوالية.
إن ظاهرة تسلط الفرد علی مقومات الدولة تسلطاً شاملاً معتمداً على القوة العسكرية والأمنية التي لديه و التأثير في الناس ديماغوجياً للحصول على ثقتهم ثم قتل الروحية المتحركة والفكر المتطور فيهم وإحاطة نفسه بهالة من الحصانة والعصمة، تقف حجر عثرة أمام التوجه بنحو الديمقراطية و بناء الدولة وفق مؤسسات مستقلة، ما يعرف بالخصخصة و تضرب الفدرالية عرض الحائط.
هناك معادلة منطقية مفادها، المزيد من التأله والتوحد يفضي الی المزيد من التعصب والتوحش والمزيد من القبض والتملك يفضي الی المزيد من التبديد والتلوث. فالحكومة الحالية في بغداد لم تعمل وللأسف إلا بعكس ما أتت من أجله أو ضد ما أعلنت الدفاع عنه أو دعت محاربته. فهي لم تفلح لا في حل الأزمات و لا في جلب المصالح و لا حتی في درء المفاسد و المكاره، بل تكاد بتفرد رئيسها تطيح بما حققه الشعب العراقي من المكتسبات بعد سقوط الطاغية عام 2003 في سعيه الی التحديث والمعاصرة.
إن بناء الأمل علی حكومة تريد ممارسة الحكم بدون حدود لتنتهج الحوار البناء طريقاً للتعامل مع القضايا الخلافية العالقة بين المركز والاقليم يغرق نفسه في الأوهام والأحلام، قفزاً فوق الوقائع والحقائق و لا يجلب معه في العاقبة سوی خسارة الإنجازات والمكتسبات وذلك بسبب العجز عن تدّبر الأزمات التي تتراكم مشكلة بعد مشكلة.
من يريد في هذا العصر الرقمي أن يعيد العراق الی المركزية لا يتجرأ عن كسر نرجسيته و لا يتزحزح عن فكرة المركزية و لا يتحرر من تهويماته الإصفائية كي يرتد عن أفكاره العقيمة  ويتمرس نقذ الذات علی سبيل المراجعة العقلانية المعاصرة والبناءة ليجدد رؤاه و تصوراته و يعيد بناء قناعاته بإجتراح لغة الديمقراطية الجذرية في تعامله مع مواد الدستور والمشاكل العالقة مع الغير المختلف.
الشواهد والتجارب المريرة والأزمات المتلاحقة في‌ العراق برهنت بأن القوة العمياء والهيمنة الفئوية وإحتكار السلطة، کل ذلك لم يجلب أمناً أو يصنع تعايشاً سلمياً بين المكونات الأساسية في هذا البلد أو يصون حرية و كرامة الفرد. وكانت أفعال العقول المفخخة و العقليات القاصرة التي خدمت الخطط الجهنمية والأحلام المجنونة كحماقات تاريخية ترتد دوماً علی العراق خراباً و دماراً.
المجتمعات العراقية بحاجة الی إنتاج ثقافة جديدة، منفتحة، مدنية و سلمية مبنية علی عقلية المداولة والشراكة الحقيقية لبناء مشترك فاعل يقلل بالمساءلة والمداولة من ثقل الأضداد والمتعارضات و منطق المماهاة والمطابقة.
وختاماً نقول: بأن نفايات سياسة التفرد بالتوجه نحو الديكتاتورية في العراق تكاد تلوث الأرض الفكري والسماء الروحي للمواطن و تبتلع المجتمع المدني المفتوح علی تعدد الآراء وتعمل علی خلق حالة طواریء دائمة لإستدراج الكيانات الی الإنخراط في حرب أهلية يتحول معها إسماء الفدرالية والتعددية والديمقراطية الی بعبع و جلّاد. التنظير للمركزية وتطبيق النظرة الأحادية والنرجسية السياسية تلغم صيغ التعايش بين الكيانات و تختزل الواقع بغناه و تعقيداته و التباساته الی بعد واحد وحيد العنصر والرأي و تدمر البيئة الديمقراطية، التي نريد صونها والعيش فيها.
د. سامان سوراني   

210
هل لصناعة الموت في زمن بناء أركان الديمقراطية نهاية؟

من المعلوم بأن الموت هو الذي يكرّس الحياة، لأنه هو الذي يثبت لنا أنه ليس ثمة شيء أثمن من الحياة وأن الفرد لا يستطيع أن يضع غاية حياته في مجرد العمل علی الوفاء لذاته، لأن المعنی الحقيقي للحياة لا يمكن أن يكون معنیً فردياً بحتاً. وإن أعلی تجلٍ للحياة في عالمنا هو حياة الناس العاملين بنبل و متابعين المعرفة في دولة منظمة تنظيماً حسناً.
فبعد سقوط الطاغية في بغداد عام 2003 ظهرت تيارات أصولية و قوموية مختلفة أستخدمت في دعواتها و برامجها و حروبها الدين سلاحاً لممارسة جنونها و فضائعها، حيث قامت بإسم الدعوة الخالصة و الدين الحنيف بخطف الأبرياء والذبح من علی الشاشة و تقطيع الجثث، لأناس أبرياء آمنين، لا ذنب لهم و لا جريرة، سوی أنهم ليسوا نسخا طبق الأصل عن جلاده‌هم أو لم يولدوا مسلمين أو عرب و بدأت ببربريتها المعاصرة بصناعة الموت بشكل منتظم، مما قادت بعد فترة وجيزة الی إنهيار ثقة الإنسان بالدعوات والأديان، كمرجع للمعنی. رؤوس هذه التيارت كانت بتألهها تأمر بممارسة ذروة العدمية أو الهمجية، أعمالها أشعلت الفتن الأهلية و مزّقت المجتمعات، التي كانت تعيش قبل ظهورها بوئام وسلام، جلبت تلك الجرائم معها فقدان الثقة واليقين بمعناه المعرفي و فقدان البوصلة مع انهيار مرجعيات المعنی و فقدان الأمن بـمعناه المادي و تم بعدها التلاعب بطبائع الكائنات و فقد الإنسان العراقي من جابنه السيادة علی نفسه و علی الأشياء و تحولت نُظُم الحياة الی حقول من الأفخاخ و الكمائن بعد أن تمكنت الوسائل من تدمير الغايات و بعد أن تحولت الصحوة الی عتمة دامسة و كان الحصاد هو ما يعيشه اليوم الفرد العراقي في الوسط والجنوب من شقاء و جحيم بدلاً عن الفردوس الموعود المفقود.
هؤلاء فقدهوا مصداقيتهم بعد أن قسموا البشر قسمة حاسمة بين إيمان و كفر، بين خير و شر أو بين مدنية و بربرية.
ومن الجليّ بأن الديمقراطية لا تتحقق في بلد ما من دون تثبيت أركانها في سبيل إحترام الحريات و تقديس الحقوق، منها حرية التعبير، الذي يعد الشريان الرئيسي للديموقراطية و الأساس الذي تقوم عليه باقي الحريات الأخری کحرية التفكير والعقيدة والتنظيم و تبادل المعلومات المبنية علی أساس الثقة بين المواطن و الحكومة، بإعتراف الدولة بحق المواطن في معرفة مايجري حوله و ماتفعله الحكومة.
إن منطق الإعتراف يخلق شروطاً لإجراء حوارات خصبة و بناءة، بقدر ما يسهم في تشكيل مساحات أو لغات أو صيغ للتعايش و التفاهم أو التبادل والتفاعل. و الهدف من الحوار الحي هو خلق مناخ يتيح للواحد أن ينصت للآخر لكي يتعلم منه أو يغتني به، عبر تشكيل قناعات جديدة أو إبتكار صيغ مركبة، لا لمعرفة من هو المخطیء ومن هو المصيب.   
فالديمقراطية الحقيقية تخصب أرضية العمل بمنطق الحوار والمداولة والشراكة والتسوية في سبيل الإعتراف المتبادل بعد كسر وحدانية الذات علی نحو يفتح الإمكان لقبول الواحد الآخر، بوصفه مختلفاً عنه بالهوية، لكنه مساوٍ له في الحقوق و الكرامة والحرية. 
ولكي لا تتحول الديمقراطية إلى مطية يرتحلها كل أفاكٍ ذميم علينا العمل علی ترسيخ مفهومها و تعزيزها بدءاً من الأسرة ومروراً بقنوات التربية والتعليم كما جاء في أدبيات حقوق الإنسان، وفصلها عن المؤثرات الأيديولوجية والعقائدية فصلاً لا يبقي أثراً لتلك المؤثرات السلبية. و ينبغي فك الشيفرة الرمزية والعلبة السوداء، التي تدمر صيغ التعايش بين الكيانات وتحيّ الفِتن النائمة و تؤجج الذاكرة الموتورة. ولكي لا تصاب المجتمع العراقي بالعمی والصمم والخرس علیه‌ أن يسلط أفراده اليقظين الضوء علی عيوبه و أعطاله ليری نفسه بعين نقدية أو بمرآة الغير. فالآخر يمكن أن يری ما لا يمكننا أن نراه و قد يمكن أن يوقظنا من سباتنا.
المجتمع الديمقراطي بأشد الحاجة الی قيادين مسؤولين يستمعون الی الآخر لخلق وسط للتفاهم أو خط للتواصل وتشخيص المشكلات بأدوات حقله من اللغات المفهومية و الصيغ العقلانية و إدارة القضايا والمصالح بعقول تداولية، وسطية إجرائية، بعيداً عن الأنا النخبوي و الوحدوي و بعيداً عن ممارسة العماء والإستبداد، لإخراج مجتمعاتهم من المآزق التي تضع الجميع بين فكّي الكماشة، نعني بذلك أنفاق الطوائف و أنظمة الاستبداد، جنون العقائد الإصطفائية و جحيم الآلة العسكرية.
وختاما نقول: من يغفل في هذا الزمن الكوكبي المعولم عملية التفاعل بين الكيانات والهويات الثقافية المختلفة يلغم المشروع الحضاري من حيث لا يدري، فهو إذن يتخلی عن الطاقة الفكرية والقدرة علی الخلق والإبتكار أو علی التجديد والتغيير و يمارس الحجب والتعتيم و يفجّر مشاريع التقريب والحوار والتوحيد، التي يمكن أن تتيح للكيانات المختلفة التعايش والتواصل أو التعارف والتبادل. فالحياة تشمل ثنائية الموت والحياة و لا تحقق هذه الحياة إلاَّ بالوعي والمحبة والحرية التي تعني الانعتاق الدائم.
د. سامان سوراني


211
فلسفة الحوار بين شرط الإمكان و خرق الشروط

في الديمقراطية الغربية يُنظر الی السلطة السياسية، التي هي محصلة قانونية أو إجرائية للحراك الاجتماعي والنشاط الإنتاجي أو الإبداعي لكل الفاعلين الإجتماعيين، في مختلف القطاعات والحقول، كمجال يُخضع للمناقشة العمومية والمداولة العقلانية والمراجعة النقدية. 
لذا يؤسفنا أن لا نری هذا المجال في حالة الأزمة السياسية الحالية في العراق، التي ولدت بسبب تصاعد الخلافات بين الكتل السياسية والكيانات حول أمور دستورية تتعلق بالشراكة الحقيقية في إدارة الدولة، بالإضافة الی ملفات ومواضيع عالقة أخری حساسة. والمطالبة بسحب الثقة عن رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بعد إنعقاد إجتماعات في عاصمة إقليم كوردستان و محافظة النجف و السعي نحو استجواب السيد المالكي في البرلمان إلا إنعكاس واضح لتلك الأزمة وفي نفس الوقت هو سعي لخلع صفات الألوهة والقداسة والعصمة من الحاكم بأمره لكي لا تُحتكر المشروعية ولا تُصادر حرية التفكير والتعبير للإنفراد بالرأي و القرار.
في الماضي القريب، أي خلال عقد التسعينات من القرن العشرين شاهدنا كيف أن اكثر من خمسين دولة في العالم تحولت من النظام العسكري التوتاليتاري الى النظام الديمقراطي وکيف أن الدعوة الى الديمقراطية فرضت من الخارج على النظم الديكتاتورية إستناداً الى معطيات دولية معينة ومبررات أخری منها محاربة الارهاب الدولي وحماية الأقليات القومية أو الدينية. و العراق كان من جملة هذه الدول، ففرض عليه نظام ديمقراطي منسجم مع معطيات العصر، ليكون نموذجاً في المنطقة. لكن هل نجح هذا الفرض؟
نحن نعرف بأن العراق لم يمارس الديمقراطية في تاريخه السياسي، إلا لفترة وجيزة كانت في ظل الحكم الملكي، بالرغم من أن تلك التجربة كانت تفتقد المعنی الحقيقي للديمقراطية. وبعد الإنقلاب علی الحكم الملكي و ولادة الجمهورية العسكرية و تسنم البعث دفة الحكم ظهرت مدرسة خاصة لإعداد وتدريب العقل السياسي في العراق، تميز هذا العقل بعد ذلك بالخضوع لفترة طويلة لتثقيف أحادي الاتجاه وصَلب التحيز، متقوقع في هويته، لم ينتج معارف حول واقعه أو حول عالم المعرفة. وأصبحت العقلية  المتسلطة في العراق مغلقة علی آرائها التي تعتقد بها. أما الشخصية العراقية فقد استلبت وبالأخص في الثمانينيات من القرن الماضي علی أوجه كثيرة، منها النفسي والفكري والثقافي عبر أيديولوجيا دامغة للآخر المختلف، غير معترف به علی الإطلاق، و كانت مآلها ظهور مسالخ الأنفال و الإبادة الجماعية والإعدامات المتواصلة والحروب الداخلية والخارجية المدمرة، وجراثيم هذه الأيديولوجيا المضادة للقانون والدستور والحقوق والقيم الجامعة أمرضت العقل العراقي، بحيث لم يتمكن من ممارسة الديمقراطية، التي تقوم بناءاً علی الاعتراف بحق الإختلاف و شرعية المختلف لغوياً و تاريخياً.
المنطق يرشدنا بأن الذي يقوم بتحويل الهوية الی زنزانة عقائدية أو الی مصنع لإنتاج الفرقة والفتن من أجل نصب جدران الكره والحقد فيما بين الكيانات المختلفة لا يستطيع بعقله الأحادي و الإصطفائي المشاركة في صناعة العالم، عمله لا يمكن أن ينتج سوی الدمار والدماء و لنا في صدام الطاغي المثل الخالد.
نستنتج من هذا بأن الديمقراطية ليست مجرد فكرة تقتبس أو صيغة تطبق، وإنما هي عمل شاق و جهد متواصل يقوم به المجتمع علی نفسه، علی غير مستوی أو صعيد.   
والسياسة لا تخلو من هاجس البرهنة والإقناع، فلكل سياسي مخياله و مثالاته التي بها يتمثل المواضيع والقضايا أو يمثل عليها، لكن المشكلة تكمن في الممارسة السياسية عند من انتدبوا أنفسهم لمهمة التفكير و صياغة القرار عن الكيانات المختلفة بإسم الوحدة و التحرر و التقدم. أولئك الذين يتهربون دوماً من النقد و يقفزون فوق الوقائع لكي تسلم عقائدهم وسياساتهم و تصح مقولاتهم.
الوحدة لا تعني أبداً الجمع علی سبيل القهر والضم، ولا علی سبيل التمييز والإقصاء، أي كل ما يلغم عمل التوحيد، فالوحدة هي القدرة علی خلق فضاء واسع أو وسط جامع.
نحن نری بأن ممارسة الوصاية علی الكيانات الأخری باسم الدولة المركزية و الإدعاء بالعمل من أجل إنصافهم والدفاع عن حقوقهم، هو في الحقيقة العمل علی التميّز عنهم أو التفوق عليهم بالذات وإن مثل هذه الوكالة دفعت الكيانات و ما تزال تدفع أثمانها الباهضة، تفاوتاً و قهراً، أو عجزاً وفقراً، أو خراباً ودماراً.
بعد سقوط الطاغية عام 2003 كُتِبَ الدستور ليصبح وسيلة لتحرير الكيانات الأخری و ظهر فضا‌ء الإنسان العراقي الجديد الذي كان عليه أن يساهم في تشكيل وعي جديد، كي لا ينتظر من سواه أن يقوم بتحريره و إنصافه أو إنقاذه من الذين كانوا يمارسون عن طريق الإستلاب الفكري وصايتهم عليهم عبر التهويمات المثالية والخلقية حول الوحدة والحرية و المساواة في سبيل طمسهم و ذوبانهم في إيديولجيتهم الفاشلة.
نحن نعيش اليوم عصر الشعوب، فلم يعد بوسع السياسي أن يمارس دوره النضالي بالصورة التي أعتاد عليها حتی الآن، كصاحب وكالة فكرية أو خلقية، تجيز له أن يفكر عن الناس و يقول لهم ماالذي ينبغي عليهم ما يفعلوه‌.
ومن المعلوم بأن قولبة الواقع السّيال علی مقاس المقولات الجامدة والنظريات اليابسة، تنتج دوماً عقليات فاشية و تؤدي أخيراً الی قيام أنظمة كُلانية شمولية تبتلع المجتمع المدني ومؤسساته و تسحق الفرد، فممارسة السياسة بمنطق الإستلاب والإدانة لخط أو نهج، مآلها انتهاك القوانين والمعايير، علی ما تشهد التجارب لدی أهل الحقيقة و دعاة الفضيلة.
أما الخروج من المأزق فسيكون بالتعامل مع النتاج السياسي بلغة مفهومية، علی أساس معرفي و بُعد كوني. فقيم الحوار ليست لأجل تطابق الآراء و نزول الآخرعلى رأي صاحبه، بل لإثبات وجود فرص التواصل بعد القطيعة. فالنجاح ليس فقط في التأسيس للمشترك بل في حسن إدارة المختلف.
مهمتنا هو خلق بيئة تثمِّن ثقافة الحوار، من دونها يصعب علينا الاستمرار في تبنِّي الخيارات العاقلة والمحايدة. و مانحتاج اليه هو تغير انماط الرؤية و طريقة التفكير و قواعد العمل والبناء بمنطق علائقي، وسطي، مدني، سلمي تبادلي.
و ختاماً نقول: لقد ولّی عصر الفحولة في السياسة، فنحن لا نشهد اليوم في عالم السياسة التمركز والاستقطاب بقدر ما نشهد التبعثر والتشظيّ، فلماذا إذن كل هذه المحاولات البائسة من أجل التمركز و الإستقطاب في بغداد، مدينة السلام؟
د. سامان سوراني

212
بؤس سياسة المالكي و تلغيم المشروع الفدرالي في العراق

من المفارقات الفاضحة أن نقف اليوم موقف السلب والنفي من ثقافة الفدرالية و التعددية السياسية و فلسفة ممارسة الحق الدستوري و تداول السلطة، علی ما يفعله دولة رئيس الوزراء، "حارس وحدة العراق وهويته" و "حامي العروبة والإسلام" بتهويماته النضالية، لكي يهاجم الجهات التي تعمل علی سحب الثقة منه‌.
من يکون قادراً علی إلقاء خطب مطولة حافلة بالشعارات المستهلكة لكي يشنّ فيها حرباً ضد خصومه المتحالفين معه و لا يقدر علی اجتراح الإمكانات لتأمين فرص العمل و أسواقه و شبكاته، أو لتحسين شروط العيش لأوسع الفئات من الشعب العراقي ومن يأتي بحجج مموهة أو مغلوطة أو واهية ترمي الی التغطية والمساویء، بإتهام الغير و حمل المسؤولية عليه، و ذلك للهروب من استحقاقات الكيانات، بإختراع أعداء، هدفه دفع عجلة تفاقم المشكلات و استعصاء الحلول نحو الأمام و همّهُ إنتاج أناس هم أعداء للفهم، يدرّبهم علی إتقان لغة التصديق و التصفيق والتهليل، كأرقام في حشد أعمی أو كأبواق ترجِّع صدی الخطب والكلمات، أو كدمی يتم تحريكها عند إعطائها كلمة السر. و هذا هو مصدر التخلف والفقر والتسلط والإستبداد.
الكوردستانيون ما زالوا جزء مهم من العراق ولهم الحق الكامل في التمسك بالوسائل الديمقراطية لمجابهة خصومهم السياسية، إن سعيهم لمصالحهم الذاتية في إطار اللعبة الديمقراطية  بإستعمالهم أساليب ديمقراطية ودستورية لا يقلل من شأن حقهم الديمقراطي.
من يريد أن يستخدم هذا الإختلاف كورقة توظيف للتمحور الخلاف الحالي حول قضية الخلاف الكوردستاني العربي يسعی الی تعميق ثقافة الصِدام مرة أخرى وإلى تضييق فرص الحوار للحيلولة دون تفاقم الاختلافات و لا يريد في النهاية أن يقبل المحاولة الجدية لتقليل فرص تكون الدكتاتورية من جديد.
صحيح بأن كل مجتمع يخلق نماذجه، لكن التجارب المريرة كشفت بأن نموذج كالمالكي الذي يدعي، كونه "قائد ملهم"،  بوصايته السلطوية و أحلامه المستحيلة بإمتلاك مفاتيح الجنان وسلّم النهوض للعراق، لايمكن أن يجلب للعراق سوی الخسائر والكوارث. ما يحتاجه العراق هو نماذج فاعلة، ديمقراطية، مبدعة، خارقة، كوسموبوليتية، كالسياسي نيلسون مانديلا أو كصاحب العقل الإقتصادي كارلوس غصن،  رجل أعمال لبناني-برازيلي، أو كالبنغالي محمد يونس، مؤسس بنك جرامين، الذي حاز علی جائزة نوبل للسلام، أصحاب المبادرات الحية والاستراتيجيات الفعالة في التدخل، التي تسهم في تحسين ظروف الحياة والعمل والخدمات.
نحن نعلم بأن الإصلاح يقتضي إعادة النظر في مسألة المصداقية المعرفية، بعيدة عن التعامل مع المعرفة بصورة أحادية نخبوية و هو يقتضي أيضا تشكل ثقافة مضادة للهدر، تفتح الإمكان لاستغلال الموارد بصورة مثمرة و فعالة، بالإضافة الی خلق الفرص لأفراد المجتمع للمشاركة في إغناء و تطوير صيغ العقلنة وقيم التواصل و قواعد الشراكة الحقيقية.
فبعد ست سنوات من صناعة القرار بعقلية المتفرد کرئيس للوزراء في العراق ، لم نری في عراق المالكي تقدم غير التراجع نحو الخلف، فهو الذي عطّل إرادة الإصلاح والتغيير، و أخفق في بناء مؤسسة حية يؤمِّن حياة المواطن العراقي، ناهيك عن تأمين الظرف المعيشي المقبول، لأنه و للأسف لم يكن علی إستعداد في إمتلاك عدة فكرية سواء من حيث الرؤی والمفاهيم، أو القواعد والآليات أو الطرق والوسائل. ففي النظم الديمقراطية يمكن أن تجمع هذه النقاط و لتمارس حق سحب الشرعية أولاً والثقة أخيراً من حكومة، التي جلبت للعراق أسم الدولة الفاشلة.
إنه هروبه من مجابهة الذات و ممارسته لأقصی درجات المكيافيلية في التهاجم علی خصومه بثنائيات لا يمكن أن تترجم سوی في أعمال القمع والعنف والإرهاب. هدفه هو إقامة نظام شمولي يقوض بحزبه و معسكراته العقائدية حيوية الكيانات العراقية المختلفة، التي يريدها هو أن تدين و تنتسب أو تتبع للزعيم الحاكم بأمره وهنا يتجلى بؤس التزييف في تجريد الذات الإنسانية من كل مقوماتها الفكرية ومن قدرتها على الوعي بحقيقة أوضاعها.
في السابق أعتقد دعاة الوحدة في العالم العربي بأن قضيتهم هذه هي مفتاح حل لجميع مشكلاتهم الموروثة، فكانت النتيجة المزيد من الفرقة والشرذمة. واليوم يريد السيد نوري المالكي لتلغيم المشروع الفدرالي أن يستنسخ هذه الورقة لإدارة فكرة الوحدة العراقية بطريقة غير تداولية، و يتعامل معها بصورة فئوية عنصرية أو أحادية تبسيطية، متجاهلاً بأن عمل التوحيد ماهو إلا بناء متواصل يُصنع و يُشكل بالخلق المستمر لمجالات ووسائط تتيح التداول والتبادل و إنتقال للأفكار والخبرات و الأشخاص والخبراء و لايعلم بأن العولمة بثوراتها الرقمية و إنفجاراتها التقنية تسهام بشكل فعال في توحيد المصائر، بحيث بات من المتعذر علی أي شعب أو رئيس أن ينفرد في معالجة المشكلات و إيجاد الحلول للأزمات الداخلية مها والخارجية، بل بات من المتعذر علی أي مجتمع أن يضمن أمنه العسكري و الغذانءه‌ أو البيئي علی أرضه وحده دون شراكة الآخرين.
وختاماً: لنعترف بالحقائق لكي نحسن صنع حقيقتنا، فلکل شيء زمنه و لكل سياسي موقعه و دوره و إيقاعه، بقدر ما يسهم بتشكيل خريطة الواقع السياسي بعلاقاته و تراكيبه أو تجاوزاته‌ و تراكباته.
د. سامان سوراني

213
المتراس الميكيافيلي للمالكي والعقل الضدّي وفن صناعة الأزمات

من المعلوم بأن أصل العملية السياسية في العراق تتعرض يوماً بعد يوم الی مخاطر أكثر بسبب إستغلال أطراف حاكمة الحياة الديمقراطية لتحقيق غاياتهم السياسية الخاصة بطريقة ميكيافيلية متمرسة، تلك الحياة التي وفرّ لها الدستور أرضية إيجابية للإستقرار والإزدهار.
نحن هنا إزاء استراتيجية للرفض مدعومة بنرجسية قاتلة و يقين دغمائي يتبادله السيد نوري المالكي
مع الجهات التي تعارضه و تعمل علی سحب الثقة منه، مما تجعل من الحوار لحل الأزمة الحالية يصل الی الجدار المسدود.
فبعد سقوط الطاغية عام 2003 كنا بتفاؤلنا نعتقد بأن فكرة مركز الدولة العراقية، التي قاومت بشكل مستبد تقاسم السلطة مع محلياتها و التي أنتجت دكتاتورية مؤذية سوف تصبح قريباً جزءاً من الماضي، تزول رويداً رويداً ومعها تتطاير عقلية السياسي العراقي المتأثر بهذا النمط السلوكي المؤمن بديمومة الديكتاتورية، و تولد حكام علی شكل مدراء أو وكلاء يكون مهمتهم الأولی إجتراح الوسائل والإجراءات لتسيير الشؤون وتحسين الأحوال أو لحل الـعضلات و تدارك الكوارث والنكبات، لا كآلهة معصومين أو قادة ملهمين أو أبطالاً أسطوريين، لكن هذا التفاؤل كان في غير مكانه، إذ نحن اليوم إزاء سياسة مطلية بفكر أحادي و مبد‌أ سكوني و منطق تطابقي و عقل إقصائي ضدّي تصنيفي أو تكميمي مميت و مفخخ بالنوايا العدوانية و مدجج بالصور النمطية التي تستعدي المختلف الآخر بوصفه موضع التهمة والإدانة أو النبذ و الأبلسة، غاياتها تبرر الوسيلة. إنها محاولة الانقلاب علی النظام الجديد مؤشر تؤشر لمرحلة مخيفة لم تتضح معالمها بعد، إذ يمكن تسميتها بمرحلة ديمقراطية-ديكتاتورية، تحمل في طياتها نزوات إستبدادية و دعوات مستحيلة أو أساطير تحريرية.
فمحاولات السيد نوري المالكي في صناعة نظام مجهّز برأس حربي مقولب غير قابل للإصلاح مآله ولادة أورام خبيثة في جسد العراق تغيّر بمرور الزمن وبعد تكالب الفساد الخلايا النظيفة المتبقية وفي النهاية يدفع الشعب ثمن بقاءها فيه و لنا في صدام الطاغي وحكمه العراق لأكثر من ثلاثة عقود تجربة سلبية قاسية و مريرة.
و ما مناوراته الميكيافيلية هذه الأيام من أجل البقاء في الحكم بعد أن بسط سلطانه على كافة الأجهزة والوزارات والمؤسسات و بعد أن أبعد خصومه ومنافسيه بالتصفية السياسية والغير سياسية، سوی مؤشرات تشير الی نيته في كتم الأنفاس و تسويد النهار و تنغيص المزاج و إشعال نار الفتنة بين المكونات العراقية، غير مهتم بالمنطق القائل بأن الناس في الديمقراطية سواء، لا آلهة و لا أصفار. إن لهجة التهديد و التنبؤ بالفوضى بعقل استئصالي إستيطاني لا تنفع و إن إرسال كتاب خطي الی الرئيس الأمريكي مطالباً منه التدخل لمنع شركة النفط العملاقة إكسون موبيل من المضي قدماً في صفقتها المشروعة والدستورية مع إقليم كوردستان بغية إيقاف المشاريع التنموية في الإقليم لا يقلل من عزم حكومة الإقليم علی اﻟﻤﻀﻲ ﻗدﻤﺎﹰ ﻓﻲ ﻤﺸاريعها الاقتصادية والتمنوية بهدف الإزدهار والتقدم.
العالم تغير بصورة جذرية و بنيوية ومتسارعة، فلا سبيل الی الإندراج فيه والمشاركة في صناعته من دون تغييڕ يطال المناهج والمبادیء والنظريات. العراق بات أشبه بسبب هذه السياسات العقيمة بالرجل المريض في العالم، فعلی رئيس الحكومة الإتحادية التعامل مع محيطه السياسي والاجتماعي من موقع الحرص على سلامة العملية الديمقراطية في العراق وعدم تعميق الخلافات و تعقيدها و التشكيك بإخلاص الخصم وعدم السعي بشكل لا دستوري من اجل التشبث بالسلطة بهدف خلق صراعات عنصرية ومذهبية وحزبية في كل أنحاء العراق و خلق الأزمات المزمنة حتى يستطيع أن يدير الحكومة ويتكالب علی جمع الثروة و ليعلم بأنه لا تدبير و لا إدارة من دون تغيير يطال أطر النظر أو وسائل العمل بوجه من الواجوه، سواء تعلق الأمر بالإصلاح أو النهوض أو بالتحديث و التطوير.
بعد إستمرار هذه الأزمة صار من الضروري إنشاء مركز لإدارة الأزمات يعمل علی درس و تجزئة و تحليل الأزمات المتوقعة لكي يضع الحلول اللازمة لها و يقوم بترشيد القرار السياسي في الحكومة و القرار الإداري في الأجهزة الحساسة فيها و يعمل بمهنية و بشكل علمي معاصر.
علی الحكومة الإتحادية العمل علی تحسين شروط العيش للمواطن العراقي في أي بقعة جغرافية كان و العمل علی إحراز التقدم والإزدهار  بدل إستعمال لغة الصاروخ والمدفع والحشد المرصوص والجمهور الأعمی و التهديدات و الوعد والوعيد والسعي في تصدير الأزمات، التي لم تعد لغة العصر، لأنها لا تصنع حياة و لن تجلب حرية و لن تغير واقعاً نحو الأحسن.
وعلی رئيس الحكومة ممارسة التقی والتواضع بالثورة علی الذات للتخفيف من الأمراض النرجسية  والمركزية و الإصطفائية، التي تقود بشكل في النهاية الی الإستبدادية.
و ختاماً نقول: المتغيرات فرصة لا كارثة و الجديد غنی لا فزاعة و من يريد أن يعيد زمن المعجزات ينسی بأنه يعيش اليوم عصر الشعوب. 
د. سامان سوراني


214
الفدرالية هي توحيد للعراق و تقسيم لسلطة المالكي المتفرّد

من المعلوم بأن التغيير هو المطلب عند بلوغ الأزمات و هو المسوغ للأعمال والسياسات و هو أكثر المفردات تداولاً في الخطب والتصريحات. التغيير تجربة تاريخية ينخرط فيها المجتمع بالاشتغال علی نفسه وتحويل بنيته، أساسه علاقة نقدية مع الذات تتيح للفرد عبر درس الظروف و تحليل الشروط و إجتياز الحدود بمنطق السَّبق والتوسع وإتقان لغة الخلق والإبتكار، لكي يتغير عما هو عليه، في الأفكار والأقوال والأعمال. من غير ذلك تتحول إرادة التغيير الی شعار يؤول إلی مضاعفة العجز و مفاقمة المشكلات.   
 فقبل سقوط الدكتاتورية البعثية عام 2003 كان إقليم كوردستان يتمتع بمؤهلات عزّزت لديه إيمانه بالفدرالية کحل للمرحلة السياسية القادمة في العراق وتمكن من إثبات ذلك علی أرض الواقع. فالكوردستانيون لعبوا دوراً فعالاً في بناء جمهورية العراق وأرادوا فيها نظام حكم جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي، متكون من عاصمة و أقاليم و محافظات لامركزية و إدارات محلية. وقد تم الإقرار في الدستور بالإعتراف بإقليم كوردستان و سلطاته القائمة بإقليم اتحادي، لكن هناك من يحتل اليوم دور سيادي في السلطة الاتحادية يرفض لأسباب طائفية  أو ديماغوجية و شعاراتية أو دعماً لمصالح إقليمية أو عروبية هذه الفكرة بالمطلق في الوسط والجنوب، راداً ذلك الی أن إقامة الأقاليم الإتحادية لا يعني سوی تجزئة الوحدة العراقية وهذا قصور في الفهم والإستيعاب لمنطق الفدرالية، الذي هو في الأساس مشروع صيانة وحدة العراق و ليس تقسيمه. وجذر هذه الفلسفة يعود الی فكرة النظام اللامركزي الذي لا يسمح بتكرار الإنقلابات العسكرية الدموية و تكرار الديكتاتوريات الظالمة.
لا يختلف إثنان في تشخيص المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق والمخاطر الكبيرة التي تكاد أن تعصف بالبلاد كنتيجة لتبني الاساليب التفردية كمشروع في ادارة السلطة في العراق ولإعادة عقارب الساعة للوراء.
إن عدم الرجوع والإطلاع علی تجارب الفدرالية و فلسفتها التطبيقية في الأنظمة الفدرالية المتواجدة في العالم و التنقيب عن الأصول التي قامت عليها و الوقوف بشكل سلبي أمام العمل من أجل نشر رسالة الفدرالية و ثقافة اللاعنف و التوعية الدستورية و عدم طرح جدوی التفكير الفدرالي هو سعي في الخفاء والعلن لإعادة الصورة المشوهة للعراق تحت ظل الزعيم الأوحد و القائد الأسطوري الحامي للبوابة الشرقية من الوطن الكبير و النية المستقبلية في حرمان الشعب العراقي من حقه في تقرير مصيره بمحض إرادته ووعيه.
و لكسر الدائرة الخانقة التي يحبسنا فيها دعاة الوحدة المزورة و المنظرون لخصوصية العراقية و لإنهاء العقل التسلطي و سياسة التهميش و الإقصاء والتمييز الطائفي و حل الأزمات المستمرة و وقف نزيف الدم و الحد من الهدر الكبير للثروات المالية و تحقيق الأمن والإستقرار في فضاء التعايش السلمي تحت ظل حكومة اتحادية فدرالية لا بد من البدء ببناء فدراليات في القسم العربي من العراق كما يسطّره الدستور. السيد نوري المالكي، الذي يقف ضد هذا المشروع البنيوي والحضاري ليتقدم نحو إجهاض الشروط التوليدية للفلسفة الفدرالية، يرتد بموقفه هذا نحو الماضي و لا يريد أن يتوثب نحو المستقبل، بل يريد ككاهن للفكر الفرداني و حارس لعسكرة المركزية و فقيه للمنطق الأصولي أن يحلّق في دائرة الوهم السلطوي ليحول خطاب الديمقراطية والتعددية الی خطاب العقيدة والسلطة.
 فعدم الإعتراف بمذهب التعددية السياسية و الثقافية  و عدم التهيء لاستقبال ‌‌ألحان غير مسموعة يبرهن مدی إيمانه بالأونولجيا (العلم بالواحد) و منطق الاستلاب، الذي يشد داعية وحدة العراق إلی الوراء، علی ما يفعل أولئك الذين يريدون العودة بالعراق الی ماقبل سقوط الطاغية، غير مهتم بالبديهية التي تقول، بأن العقل كأي شيء آخر يخضع لتحولات الزمن.
من يحسن قراءة الوقائع والتشكيلات الخطابية يعرف بأن ممارسة الجدل المتشنج باسم الماضي الموهوم والمستقبل المزعوم، دفاعاً عن الأصنام الفكرية و بعيداً عن منطق العقل و العلمية و الإستمرار في فرض قيود الإرهاب الفكري لا يمكن أن تؤدي الی خلق فضاء للحريات و أخذ تطلعات الشعب بجدية و إحترام إرادته بل تدفع العراق إلى مسارات أكثر تعقيداً وخطورة. أما النظام في العراق فيقاد إلى مخاطر غير محسوبة. وإن هدر الإنتاج النفطي والثروة الطبيعية علی التسليح العسكري و الاجهزة المخابراتية بدل صرفه في البناء المدني و العلمي ببعد استراتيجي و اجتماعي معاصر، بدليل إن هذه الموارد ملك لجميع أفراد المجتمع و عامل توحيد المكونات المختلفة في العراق، يزيد من شكوكنا في الحل القريب للأزمة الحالية، التي تحمل في جسمها، في حالة نجاح السيد المالكي من إمتحان سحب الثقة منه، جرثومة تبديل الكيانات المعارضة لحكم الفرد والاصولية التراجعية الى عبيد في ديموقراطية شكلية، وهذا ما لايمكن قبوله في عصر العولمة و تحولات الاقتصاد الإلكتروني و الوسائط والمجتمع الإعلامي. فالأيام القادمة تنذر بكثير من المفاجآت، وبينها حرب الملفات. ولكي ننخرط نحن الكوردستانيون في حاضرنا الراهن و نساهم بشكل فاعل في صناعة عراق نموذجي، علينا دراسة ظرفنا الوجودي علی نحو يتيح لنا أن نستبق المستقبل الذي يهجم و يباغت. فنفي الواقع لوحده أو المصادقة عليه‌ لا يكفي، فلنشتغل بعقل تركيبي محتك بالحضارة الحديثة علی معطيات وجودنا، من أجل تحويلها إلی إنجازات علی صعيد العراق والمنطقة أو من أجل التوليف والتركيب و خلق مجالات جديدة للوصل والفصل، أو للإختراق التجاوز.
وختاماً: لا شي أدلّ علی المالكي مما نطق به في خطبه و إجتماعاته السرية أو في مقابلاته التلفزيونية.   وقد قيلَ المرءُ ما يحسنهُ.   
د. سامان سوراني   

215
السلطة السياسية في العراق و ضرورة تجديد الفكر السياسي

من الواضح بأن المجتمع الإنساني المعاصر و حتی البدائي منه عرف السلطة. والوظيفة الاساسية للسلطة هي الدفاع عن المجتمع ضد ضعفه الخاص والحث علی إحترام القواعد التي يقوم علیها المجتمع والحفاظ علی حالة من الأمن والرخاء الجماعيين. وطالما تتجاوز العلاقات الاجتماعية في الكثير من الأحيان صلات القرابة، تبرز تنافس بين الأفراد والجماعات، بحيث يسعی كل واحد الی توجيه قرارات الجماعة صوب مصالحه الخاصة، لذا تظهر السلطة السياسية كنتاج للمنافسة و كوسيلة لإحتوائها.
و في كل مجتمع تخضع السلطة لحتميات داخلية. و للمجتمع حسب التفسير السوسيولوجي السياسي علاقة مع الخارج، مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالمجتمعات الأخری، التي يعتبرها غريبة أو معادية أو خطرة علی أمنه و سيادته، لذا يتجه المجتمع الی تنظيم دفاعه و تحالفاته و تمجيد وحدته و تماسكه و سماته الخاصة.
الفكر الخلّاق والخارق يخترق حواجز الثقافة والخصوصية، لأنه لا يخص مجتمعاً دون آخر أو قوماً دون آخرين. فهو يخرق موطنه الأصلي لكي يخلق مجاله التداولي في مناطق أخری بعد تصنيعه و تحويله في مختبر البيئات والتجارب الجديدة.
العراق السياسي عاش إنهيارات و إخفاقات و حروب و كوارث و أزمات عظيمة، مجتمعه لا يمكن أن يُبنی مرة أخری بعقليات و نماذج و مفردات سائدة قديمة أو حديثة أو يصنع بسرديات كبری و أساطير مؤسسة و زعامات تاريخية، التي دفع المجتمع العراقي لقاءها أثماناً باهضة، دماءاً و دماراً.
في ضوء الإخفاق الذي لاقته المشاريع السياسية في العراق علی يد أصحاب الفكر الأحادي والعقل النخبوي، الذين لا ينتجون سوی العوائق والموانع بقدر ما يقومون علی تبسيط المشكلات و طمس الحقائق، نراه من الضروري العمل علی تجديد الفكر السياسي بتبني الهدف البنيوي المتجسم في شراكة الإعتراف، لأنه لا أحد أولی من سواه في الشؤون العامة والمشكلات الخطيرة والقضايا الداخلية أو الخارجية. إن مفهوم الشراكة يستبعد مفهوم المطابقة والإنفراد و يستدعي الإعتراف بكون الآخر مختلف و لكنه مساو من حيث الحقوق أو الفرص. و هذا الإعتراف يجب أن يشمل الحقوق السياسية والاجتماعية والمعرفية.
والإعتراف المتبادل يزيل القلق المزمن والمخاوف المستورة لدی الآخر المختلف. وللمساهمة في إدارة التحولات و قيادة المصائر و فهم المستجدات ينبغي التفكير بطريقة حية و راهنة في عصر الحاسوب والإنتاج الناعم و الطوائف السبرانية الإفتراضية. أما التغيير الإيجابي والبناء ضمن إصلاح حقيقي فهو عمل مركب يجري علی المستوی الوطني والإقليمي والعالمي و هذا ما يتطلبه لغة العصر، كما تشهد الوقائع والتحولات المتعلقة بأعمال التنمية أو بمعالجة القضايا الشائكة والأزمات المزمنة.
علی الفكر السياسي إزالة شوائب اللغة المتقنة في الندب والشكوی و العمل علی رفض التفكير بعقلية التهمة والإدانة والمزايدة علی الآخر معرفةً و حضارةً و خلقاً بممارسة التشبيح المعرفي والنفاق الخلقي والتهويل الديني و منع الوقوع تحت تأثير وساوس الهوية و الإشتغال بتجنيس العلوم والأفكار والعقل وفقا للثنائيات الضدية الخانقة، التي تضع العقل بين فكي كماشة: الأنا والآخر، الأسلمة والعلمنة، الوحي والعقلنة...الخ. فلنمارس رياضة نقد الذات و حرية الفكر، من أجل إجتراح الإمكانات و تفتيق القدرات و توسيع المجالات و إحترام الحريات والحق في تقرير المصائر. 
فلنستلهم و نستثمر مقولات الفلاسفة في السلم والحرية والديمقراطية علی نحو جديد، لكي نبتكر عدة جديدة للتفكير والعمل، للفهم والتشخيص أو للتفكير والتدبير، وذلك بكسر منطق الفكر الأحادي والشمولي أو الاصطفائي والاقصائي أو النخبوي والمركزي.
وختاماً يقول فيلسوف الفلاسفة جورج فيلهلم فريدريش هيجل (1770-1831) في كتابه "المدخل الی علم الجمال وفكرة الجمال": "إن الفن ما عاد يوفر لحاجاتنا الروحية تلك التلبية التي بحثت عنها فيه شعوب أخری ووجدتها، لقد إنتقلت حاجاتنا و إهتماماتنا الی دائرة التصور، و لكي نلبيها لا بد لنا من الإستعانة بالتفكير." 
د. سامان سوراني
   

216
العراق الفدرالي بعد المالكي نحو المبني للمجهول أم المبني للمعلوم؟

من المعلوم بأن الشعوب اليوم قادرة علی إحداث تغييرات جوهرية، فهي نهضت في غير مكان و غيرت الحكام و تمكنت من تغيير أنظمة و إسقاط مؤسسات حكم مستبدة بالكامل، لكنها لم تستطع الی الآن أن تغيّر حسب تغيير الزمان والمكان والمصلحة نفوس و سلوكيات و ثقافة و مواقف الكثير من الذين تسنموا زمام الحكم، كي يلتزموا بمبادیء المراجعة والمحاسبة والتصويب.
في غضون الأزمة السياسية الخانقة ومن خلال قراءة مشاهد هذه الأزمة نری هذه الأيام حراك سياسي نحو سحب الثقة من حكومة السيد نوري المالكي في سبيل إصلاح العملية السياسية و إنهاء ظاهرة التفرد في إتخاذ القرارات و تفعيل المشاركة الحقيقية للکتل السياسية الشريكة. موضوع سحب الثقة هو ممارسة ديمقراطية برلمانية تمارس في الكثير من الدول الدستورية لغرض الإبتعاد من الإنزلاق في صراعات خطيرة.
إنها خطوة نحو الأمام في بلد أديرت شؤونه لعقود من الزمن عن طريق أنظمة طائفية شوفينية ملكت معجماً سياسياً وثقافياً لا يحمل في طياته سوی مصطلحات العنف والوحشية والحروب والدمار، و بذلك أضعفت روح المواطنة لدی أبناء هذا البلد. اليوم وبغياب المواطنة و المؤسسات المبنية علی أسس الديمقراطية يكون تحقيق التداولية و تخويل الفرد وأعضاء الجماعة من المشاركة المناصفة، من دون ترك أحد على قارعة الطريق کهدف مطلوب صعب المنال.
نحن نعلم بأن الدستور العراقي يمنح رئيس الجمهورية، السيد جلال طالباني، حق الطلب من البرلمان سحب الثقة من رئيس الحکومة، إذا ما خرق هذا الاخير بنود الدستور، فبعد الاستجواب في مجلس النواب يمكن التصويت على الطلب بتأييده أو بسحب الثقة منه، إذا ما تعدی عدد النواب الذين وقعوا لصالح طلب سحب الثقة النصاب القانوني، أي جمع إمضاء 164 نائباً،  وهذا متعارف عليه في القانون الدولي والمواثيق والأعراف الدولية.
وإذا تم تفيذ هذا الأمر، فأن السيد المالكي سوف يكون أول رئيس وزراء عراقي تتم إقالته بطريقة سلمية و ديمقراطية. وتعتبر هذه‌ الخطوة فرصة جديدة أمام ممثلي الشعب لإتخاذ قرار ديمقراطي حول من يحكم البلاد، أو سلاح لتقليص الازمة السياسية "البنيوية" لنظام ما بعد الدكتاتورية.     
البعض ينادي بأن السيد نوري المالكي لم يقم بتنفيذ النقاط المهمة من بنود اتفاقية أربيل الموقعة نهاية العام 2010، بل إستمر في تصعيد الأزمة بوقوفه ضد إقامة أقاليم و كيانات فدرالية أخری في العراق و استقطاب شخصيات دينية و عشائرية و إجتماعية بعد أن أغرقهم بالمال و الإمتيازات لدعم مشروع بقاءه‌ علی هرم السلطة. و آخرون يقولون بأن الإبقاء على المالكي سيجلب النكوص، لأنه جرّب لأكثر من مرة ولا حاجة لتجريبه مرة أخرى ويقال أيضاً بأنه هناك أعضاء من قائمته سوف يصوتون ضده. مع كل هذا هناك حركات طفيلية تجهل بسبب سياساتها الجهوية الضيقة لحد الآن مصدر الخلاف القائم بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية.
يبدوا أن ظاهرة التفرد عند السيد المالكي حولت الإختلاف بين القائمة العراقية ودولة القانون إلى اختلاف الأخير مع التحالف الكوردستاني والتيار الصدري وغيرها من التيارات والأحزاب.
و من المؤكد بأن التسميات العمومية و الإنشائية لا تكفي لكشف العـُقد والملفات الخطيرة و العلل والثغرات والأخطاء التي مارستها حكومة السيد المالكي و سعيه المستمر لبناء نظام الحزب الواحد أو الكتلة السياسية الواحدة والمنفردة.
إن العمل من أجل بناء النمط الفدرالي الديمقراطي السليم يكون الضمان الوحيد للإستقرار الأمني والاقتصادي. والقلق المتواجد لدی الكيانات الشريكة في الحكم سوف يزول إذا ما قامت الحكومة الاتحادية بكسر منطق الضد وعقلية الإقصاء و لغة التخوين وكل ما من شأنه أن يعمق الشقة و يقود الی النزاع والصدام.
العراق الاتحادي الفدرالي ليس ملكاً للمالكي فقط بل لجميع مكوناته. فأحادية التفكير من طرف أصحاب العقائد الإصطفائية تلغّم المشاريع والسياسات. لتنتهي أساليب الإنتقاص من شأن الآخر المختلف و إنسانيته والإعتداء الرمزي عليه. فلا جدوی من إلغاء الآخر المختلف الذي بات شطرنا الآخر في عصر الإعتماد المتبادل ولا معنی من التشبث والإحتماء بالهويات المسيجة والسيادات المصطنعة، إذا كانت تقضي الی تقويض معاني الآصرة والرابطة بين النظراء والشركاء. 
وختاماً نقول: أن المصالح العمومية والقضايا الوطنية في عراق ما بعد المالكي يجب أن تدار بثقافة سياسية جديدة من مفرداتها الإعتراف الكامل بالآخر المختلف والحوار البناء و الشراكة الحقيقية والتوسط والتداول والتبادل و الإبتعاد عن فكرة التسلح والتجييش و الميل الی السلم، بهدف بناء علاقات التعايش والتواصل.
د. سامان سوراني     

217
المشهد الكوردستاني الحزين و ثقافة المقابر الجماعية في العراق

من المعلوم بأن ظهور فلسفة المقابر الجماعية في العراق تعود الی التعامل الضدي والسلبي مع الآخر المختلف من قبل الأنظمة الشوفينية التي كانت متمترسة وراء الهويات و عسكرة المجتمعات و التي مارست التهويل الايديولوجي بأعتبار الآخر المختلف "جيب عميل" و مصدر "المصائب والشرور".
هذا المنطق الضدي قام برمي المسؤوليات عن أخطاءه و كوارثه الجسيمة علی الآخر المختلف للتهرب من القيام بأعمال المراجعة النقدية والمحاسبة العقلانية، والحصيلة كانت التستر علی الأخطاء والكوارث لتفعل فعلها بصورة مضاعفة. فتم تحويل الثوابت والشعارات العنصرية بصورة تدريجية الی أصنام تعبد و أقانيم تقدّس.   
بالأمس أصبحنا شاهد عين لمشهد كوردستاني حزين، إذ جرت بحضور الرئيس مسعود بارزاني و جمع غفير من ذوي الآخر المختلف مراسيم لدفن رفات 730 إنساناً تعود لضحايا مسالخ الأنفال والإبادة التي أكتشفت في مقبرة مهاري الجماعية في الديوانية (181 كم جنوب العاصمة العراقية بغداد). الضحايا هم مواطنين كورد مسالمين من ناحيتي قرهنجير و قادر كرم الكوردستانية دفنهم النظام البعثي اللاإنساني أواخر الثمانينيات من القرن الماضي أحياء في صحاري العراق الجنوبية، لكي يرفع من شأن دعواته العنصرية و الفاشية في التطبيع والقولبة أو في التطهير والتصفية و لکي ينفذ برامجه الإمبريالية والشمولية في "عراق البعث العربي".
مسالخ الأنفال والمجازر الجماعية التي نفذها نظام البعث بحق الكوردستانيين خلال الفترة من 23 شباط 1988 الی السادس من أيلول نفس العام يمكن أن تعرّف بواحدة من أكثر صفحات القمع الحكومي وحشيةً و عنفاً في تاريخ العراق الحديث. فسيادة أفكار العنف والقسوة في العراق خلال العقود الثلاثة التي سبقت مسالخ الانفال هيأت الأرضية لسياسة قلع جذور الآخر المختلف و إلغائه و حدوث مثل هذه الجرائم المرعبة.
وما دفعني أن أكون فخوراً بعوائل الضحايا كإنسان هو عدم رفعهم شعار الثأر لضحاياهم بل مطالبتهم بالمحاكمة العادلة لكل من شارك في هذه العملية الإجرامية و كل من مهّد الطريق لتنفيذها من فيالق الجيش النظامي العراقي (الفيلقان الأول والخامس) والقوات الخاصة و القوة الجوية العراقية و صنوف الحرب الكيمياوية والبيولوجية وكذلك الميليشيات الحزبية وقوات المرتزقة و دوائر الأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية.
نعم إن زمن العقل الأمبراطوري في هذا العصر، عصر الإنسان الرقمي و الفاعل الميديائي قد ولّی، نحن الآن في مرحلة إصلاح هذا العالم، الذي لا يحتاج بعد الآن الی عقل أحادي، تحكمي، إنفرادي ليحكم بلاده بعقلية ما قبل عصر الزراعة. لنساهم کمؤمنين بأسس الديمقراطية بشكل بناء في بلورة قيم جديدة للشراكة البشرية، لأن المواقف المتطرفة والحلول القصوی و إدعاءات القبض علی الحقيقة و تجسيد القيم و إحتكار التمثيل للوطن، كما يسعی اليوم بعض من الذين يرأسون الحكومة الفدرالية في سبيلها، تعيد إنتاج المآزق أو صناعة الكوراث وتدعم ثقافة المقابر الجماعية. و لکي لا يتكرر الجرائم التي مورست بحق الشعب الكوردستاني في الماضي القريب يجب أن تكون القيادة الكوردستانية حاسمة مع من يريد أن يعيد سيناريوهات الماضي الأليمة ويقوم بالعودة الی الأوراق القديمة.  علی القيادة الكوردستانية رصّ الصّف الكوردستاني والعمل الدؤوب من أجل تقوية سياسة الاحترام المتبادل بين كافة الأطراف والمكونات الكوردستانية والعراقية و الإهتمام بالتعرف على الضحايا والتعامل العلمي مع القبور الجماعية والضغط علی الحكومة العراقية المؤمنة بالدستور لتنفيذ قرارات المحاكم العراقية ومجلس النواب بتعويض ضحايا الانفال والابادة الجماعية.
وعلی الحكومة الاتحادية الإبتعاد من العقليات و المذاهب أو المقولات و التصنيفات أو السياسات والإستراتيجيات التي تصب في مصب الفكر القوموي لكي تولد المآزق وتلغم المشاريع الفدرالية أو لكي تحيل الحياة في العراق الی حقول ألغام. فما عاد يجدي أو يثمر تدبير العراق بعقلية وحدانية يدعي أصحابها إحتكار المشروعية الدستورية، وإنما يجب أن تدار بعقلية الشراكة و لغة التوسط و سياسة الإعتراف بالآخر المختلف و تعدد الأبعاد و منطق التحول، كما هو شأن العقلانية التداولية بطابعها التركيبي، المرن والمفتوح علی تعدد المقاربات والمستويات والمجالات والإختصاصات سواءً علی المستوی الإتحادي أو الاقليمي.
مرة أخری نقول بأن الواقع العراقي لا تجدي إدارته بالمنطق القوموي ولا بالنظام الاستبدادي أو بالعقل الصولي أو النخبوي، بل بالفكر المتمرس بعقلانية جديدة مرنة تصدر عن الإحساس بالمسؤولية تجاه ضحايا العقل الشوفيني و تؤمن بلغة الحوار والتسوية أو بمنطق الشراكة الحقيقية والمداولة. الدستور يجب أن يكون الحاكم والضامن أيضاً لحقوق شعب كوردستان، لكي لا يستطيع رئيس الحكومة الإتحادية أو حزب من الأحزاب خرق أسس الديمقراطية. لماذا عدم الإعتراف بالحقيقة القائلة، بأن الوصاية الحصرية والأحادية أو النبوية الرسولية علی الوطن والقيم قد فشلت، كما يمارسها الذين يدعون إحتكار النطق بأسم العراق أو تمثيل هويته حصراً، لأنهم لا يملكون الجرأة علی كسر نرجسيتهم المذهبية و الزحزحة عن مركزيتهم القومية، للخروج من قوقعتهم و تهويماتهم الإصطفائية.
وختاماً: "إذا ظل ثقافة و سياسة تدمير الحس والوجود الكوردستاني قائمة في العراق الفدرالي، فسيكون التعبير عن الديمقراطية و حقوق الإنسان والشراكة والإعتراف بالآخر المختلف في هذا البلد ضرباً من ملاعبة الأفاعي السامة"
د. سامان سوراني







218
اللغة الكوردية الموحدة توحد الكوردستانيين

من المعلوم بأنه لا حياة للأفكار من دون الكلمات وأن علاقة الإنسان بوجوده هي علاقة لغوية. فاللغة لم تعد كما كانت في الماضي مجرد تمثل للأشياء، بل أصبحت إمكاناً للوجود بقدر ما تجسد بيئة للفكر أو وسطاً للفهم.
اللغة ماهي إلا كائن حي قابل للتطور والإستحداث وفق ما يقرره الناطقين بها، كونهم أصحاب مصلحة في هذا التطوير. وهذا التطوير يجب أن يكون إستجابة لتطور المجتمع الكوردستاني و نابعة عن واقعه المعيش. إن المبادرة القيمة للسيد رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني في ضرورة العمل على طرح لغة كوردية موحدة تأتي من هذا المنطلق و تأكيداً بأن الأمم التي إستطاعت في النهاية من إيجاد لغة موحدة مرّت بتجارب تماثل التجربة الحالية للكوردستانيين.
اللغة هي عنوان الهوية الثقافية ورمز السيادة الحضارية، لذا نراه من الضروري إستلهام تضحيات الخَلَف الذين حافظوا على اللغة الكوردية بعد ما حوربت لأسباب عنصرية و شوفينية من قبل الأنظمة التي سلطت حكمها بسياسة الحديد والدم علی أرض كوردستان لغرض وحدة اللغة.
في هذا العصر، عصر تشابك المصالح والمصائر، بعد أن فتحت العولمة بأدواتها الفائقة و شبكاتها العنكبوتية ووقائعها الإفتراضية إمكانات هائلة أمام الشعوب، نری إنفتاح الكوردستانيين علی المستجدات في العالم، خاصة في مجالات العلوم والتقانة والمعلوماتية وعلوم اللغة بكافة فروعها وحقولها البحثية المرتبطة بها، بعد أن تمكنوا من تحرير أنفسهم من الاستبداد، الذي كان يتجسد في استبعاد العقول والسيطرة علی الأفكار. فهناك سعي الی الإقتباس و الإستفادة من نتائج هذه العلوم بهدف إغناء اللغة الكوردية و ربطها بحركة الفكر الإنساني.
ومن أجل نقل المصطلحات العلمية والتقنية الاجنبية الی اللغة الكوردية علينا باستخدام وسائل كالاشتقاق، بمعنی صياغة لفظة من لفظة أخری شرط وجود تناسب بين اللفظ والمعنی، أو المجاز بطريقة إنتقال الكلمة من معناها القديم الی معنی جديد، أو تكريد اللفظ الدخيل مع تغيرات معينة ينسجم مع النظامين الصوتي والصرفي للغة الكوردية. وفي حالة نقل معنی المصطلح الاجنبي الی اللغة الكوردية، يمكن إستخدام هذا المعنی بشكل مستقل يعيش جنباً الی جنب اللفظ كمرادف و بمرور الزمن سوف يكون أحدهما غالباً علی الآخر، أو يظلان كلفظين مترافين. وفي حالة نحت الكلمات، أي إنتزاع كلمة من كلمتين أو أكثر، يجب أن يكون هناك تناسب بين اللفظ والمعنی بين المنحوت و المنحوت منه، مثل (نشونما) في الكوردية من نشأ و نما. وهناك وسيلة أخری، هي اختراع كلمة لم توجد من قبل بسبب الحاجة الماسة والملحة لمفردات لغوية جديدة تعبر عما يستجد من أمور ومفاهيم اجتماعية جديدة، هذا الأمر يحتاج الی المبدعين في اللغة.
ليس خافياً علی أصدقاء الكورد و المهتمين بالقضية الكوردية بأن تخلف اللهجات الكوردية وعدم تطورها الى لغة موحدة لايمكن إرجاعه إلا الی أسباب سياسية، ثقافية، اجتماعية تاريخية، جغرافية، عنصرية و إقتصادية. نحن لا نريد أن ندخل هنا في تفاصيل هذه الأسباب، فإنها تحتاج لشرحها و تحليلها الی مجلدات. 
فلو أخذنا بلدان أوربية كالمانيا، أو إنكلترا أو فرنسا كمثال، فإننا نری بأن موضوع تبلور اللغة الموحدة بدأ بعد الثورات المجتمعية و الاقتصادية و القضاء علی الإنظمة الاقطاعية و مخلفاتها، بعد أن ربط ولایات هذه الدول بعضها ببعض عن طريق المواصلات والمدارس والمراكز الإعلامية وبحكم الواقع تمكنت لغة السلطة الجديدة من فرض نفسها كلغة رسمية في كل من هذه الدول.

إن تعدد اللهجات في اللغة الكوردية دليل علی عراقة هذه اللغة و أصالتها، فمن الضروري أن لا نفضل لهجة علی أخری، بل علينا في سبيل خلق لغة كوردية موحدة جامعة الاستفادة من جميعها دون إستثناء. 
صحيح بأن هذا الأمر يحتاج الی التفكير بصورة تخرج عن المألوف و تكسر المسبقات و يحتاج الی خيال خلاق و حدس خارق وكذلك الی حدث يكون بمثابة الشرارة أو الولعة التي تحرك القوی الكامنة و تكسر الثنائية الممسكة لدی الكوردستانيين، بحيث توقظهم من سباتهم الثقافي ليكونوا قادرين علی توحيد صفوفهم لمواجهة الأنظمة التي حاولت أن تجردهم من لغتهم. تلك الأنظمة التي لا تحسن بأساليبها البائدة و سياساتها العنصرية سوی خلق المشكلات و تجديد الأزمات للكوردستانيين والقضية الكوردستانية العادلة.
والعمل لهذه الحملة الوطنية الكبری يجب أن يبدأ بإعداد لجنة علمية دائمية مستقلة مكونة من خبراء اللغة تشرف علی مؤسسة اللغة الكوردية الموحدة. و إدارة هذه المؤسسة يجب أن تكون بعيدة عن كل هدف أو إتجاه حزبي ضيق و يمكن لإنجاح هذه المهمة القومية الجبارة الإستعانة و الإستفادة من خبراء عالميين مختصين بعلوم اللغة. علی هذه المؤسسة إعداد كوادر لغوية تبعث الی جامعات عالمية لغرض دراسة علم النفس اللساني و علم الاجتماع اللساني و اللسانيات الأنثروبولوجية و الجغرافيا اللسانية و جمع طرق صناعة المعاجم و الموسوعات اللغوية. ومن أجل إثراء كنز مفردات اللغة الکوردية بالاستفادة من اللهجات الكوردية المتعددة علیه بتأسيس البنك الـمعلوماتي للكلمات والمصطلحات. و هناك إجراءات علمية أخری يمكننا إضافتها بعد أن تمكنا من إجتياز المرحلة الأولی وهي تأسيس مؤسسة اللغة الكوردية الموحدة. ومايفرحنا اليوم هو النية الخالصة لبرلمان وحكومة كوردستان في دعم ومساندة هذا العمل الجبار بصورة كاملة والقيام بتشريع قانون خاص باللغة الكوردية وتفيذه. فللمحافظة علی الثوابت والخصوصيات في واقع كوني سمته الحراك الدائم والتغيير المتسارع، يجب التعاطي مع القضايا الجوهرية بطريقة نموذجية و فهم المجريات و فك الشيفرات علی المستوی الداخلي والخارجي و إدارة التحولات بشكل يتناسب مع لغة العصر و ثوراته.
وختاماً يقول فيلسوف اللغة لودفيغ فيتجنشتاين (1889-1951) في البند السابع من رسالته المنطقية الفلسفية  (tractatus logico-philosophicus): "إن ما لا يستطيع الإنسان أن يتحدث عنه، ينبغي أن يصمت عنه."
د. سامان سوراني 


219
المؤتمر القومي الثاني للمرأة الكوردستانية والشرارة التجديدية المعاصرة

الذي نعرفه بأن الفيلسوف الألماني فريدريك نیتشه (1844-1900) أطلق بكتابه "ما وراء الخير والشر" نهضة ثورية علی تاريخ الفلسفة الأوروبية والفكر العقيدي المنحاز والمنغلق و قد دشن حملته هذه في المجتمع الغربي وذلك في القرن العشرين أرضاً بكراً للحركة النسوية "الفمنست" بشكل عام والحركة الأكاديمية علی وجه الخصوص.
في هذا الكتاب يبيّن نيتشه من منطلق النقد التاريخي للفلسفة فشل الفلاسفة في فهم طبيعة المرأة، لذا نراه يعلن بالدعوة الی قيام جيل جديد من الفلاسفة سمّاهم بـ "فلاسفة الحاضر" و"فلاسفة المستقبل".
صحيح بأن إنصاف المرأة ظهر مع بروز أنصار الليبرالية علی الساحة الفكرية أمثال جون ستيوارت مل (1806-1873)، الذي حمل علی عاتقه مسؤولية إعادة التوازن و إعادة الإعتبار للمرأة، وهي في نظره لا تقل عن الرجل في شيء. و قد ناقش هذا النجم الليبرالي الساطع قضية المرأة في منتصف القرن التاسع عشر في کتاب تمرّدي تحت عنوان (استعباد النساء)، أدان فيه المبادیء الوضعية الخاصة التي شكلت من أجل تنظيم العلاقات بين الجنسين.
أما الفلاسفة الكبار أمثال أفلاطون (427-347 ق. م) وأرسطوطاليس (384-322 ق. م) فقد كان لهم الأثر الغير إيجابي البليغ علی إنماء النظرة السلبية تجاه المرأة في التراث الغربي بشكل عام. فالأول لخّص وضع المرأة والثاني قونَن هذا الوضع بنظرياته الميتافيزيقية البحتة، كفكرة "استرجال" المرأة للوصول الی التساوي (تجاوزاً) بعد التخلي عن كل ما يمت للأنثى بصلة، واصفاً المرأة بالكائن "المعيوب" والعاطل بفضيلته بسبب العجز البيولوجي في إنتاج الحيامن.
أما صاحب نظرية العقد الإجتماعي، جان جاك روسو (1712-1778)، فلم يری للمرأة غير أن تكون أكثر من ( مرغوبة، عفيفة )، أي أن تقوم بادوار متوائمة مع النظرية الاجتماعية طارحة ذاتها من خلال ذلك، بيسر وإيمان.
والمعلوم بأن المرأة الكوردستانية هي جزء فعال من المجتمع الدولي، لذا فرحنا بإنطلاقة أعمال المؤتمر القومي للمرأة الكوردستانية في عاصمة إقليم كوردستان بمشاركة الكثير من الناشطات في الحركة النسوية في كل من العراق وايران وتركيا وسورية اضافة الى لبنان وروسيا واوربا، التي تعمل من اجل حقوق المرأة واستقلاليتها، بحضور شخصيات بارزة و معروفة نذكر منها ليلی زانا، عضو البرلمان التركي عن حزب الديمقراطية والسلام الكوردستاني و القيادية في الديمقراطي الكوردستاني و سفيرة السلام  شيرين آميدي. و يذكر بأن الهدف من المؤتمر هو تقوية دور المرأة بشرارة تجديدية معاصرة و السعي لتوحيد الرؤی حول القضايا المصيرية و توحيد الخطاب السياسي، لكن الأمر المهم بالنسبة للمرأة كان الإقتراح النهضوي في تأسيس رابطة للمرأة الكوردستانية، تكون لها ممثليات في كافة انحاء العالم و بالأخص في الأجزاء الأربعة من كوردستان.
إن هذا المؤتمر يساهم في انفتاح المرأة الكوردستانية لفهم مطالب مجتمعها وتثبيت الديمقراطية، لكننا نری أنه من النافع طرح بعض الأسئلة الانطولوجية لتنشيط العمل الثقافي للمرأة، منها ماهي طبيعة عالمنا اليوم و ماهي القوی المحركة فيه و ما شكل العلاقة التي نتمنى أن تقوم بين المرأة و الرجل تحت خيمة المجتمع الكوردستاني؟
مبدأ حرية المرأة هو مقياس التطور الحضاري للديمقراطية والحرية في الإقليم و الإنفتاح علی الخارج عبر الندوات والمؤتمرات النسوية، التي تهتم بالدفاع عن حقوق المرأة وتدعم الحريات الديمقراطية يعني فتح آفاق وممكنات جديدة أمام العمل النسوي وتثبيت كیان المرأة في كوردستان، فلا مجال بعد للعزلة في عصر تشابك المصالح والمصائر وعولمة الهويات الجندرية.
نحن نعلم بأن وضع المرأة الكوردستانية وشرطها النسوي كان محكوم بظرفه الزماني والمكاني ودرجة التطور الحضاري والثقافي. ولذلك نشعر إن عملية القفز فوق هذه الظروف، تعد مغامرة محفوفة بالمخاطر، وهي تشبه السباحة ضد تيار الحياة الكوردستانية العارم، لكن  ما يجب أن نثبته هنا هو بأن للمرأة الكوردستانية كانت دور مهم في النضال من أجل الحرية ومقاومة الاستبداد والدكتاتورية البعثية، إذ شاركت بجانب الرجل و بشكل فعلي في الساحة السياسية، وهي قطعت بعد الانتفاضة شوطاً كبيراً في التقدم. وأن الحكومة في اقليم كردستان وضعت بعض القوانين وعدلت البعض الآخر من أجل حماية حقوق المرأة وتفجير طاقاتهن، والقيادة الكوردستانية تعرّف عدم تطبيق حقوق المرأة والفيدرالية والديمقراطية بالخطوط الحمراء و في 8 مارس عام 2005 تم الإعلان من قبل رئيس الحکومة الكوردستانية عن سياسة المساواة بين الرجل والمرأة ووضع لها آليات التنفيذ من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، لكننا مع كل هذا نجد الی یومنا هذا القلة القليلة منهن في المناصب القيادية سواء في المجال السياسي أو الحكومي، بالرغم من أننا نؤكد النية السليمة للقيادة الكوردستانية لفسح المجال أمام فتح مجاميع من المنظمات المعنية بحقوق المرأة في کافة مناطق كوردستان.
 ومن المعلوم بأن توجهات المرأة نحو الديمقراطية هي مسألة مهمة في تقدم المجتمع من الناحية الإجتماعية و السياسية، لكن الذي نراه من الضروري هو فتح قنوات الاتصال مع المرأة في جميع محافظات العراق و نقل الخبرات والمعلومات لدى المرأة الكوردستانية إليهن لتوسيع ثقافة الحرية والديمقراطية والمساواة و تحويل الفضاء المجتمعي الی ورشة دائمة و حية من الحوار والمباحثة والمناقشة والمبادلة، علی مختلف المستويات و في مختلف دوائر المجتمع وحقوله و قطاعاته و قنواته، و هذا ما يتيحه عصر الشبكة والقناة. 
المرأة هي قلب الإنسانية و أبهج شيء في الحياة، كما يراه المعلم الكبير "كونفوشيوس". وما علی الرجل المعادي لمساواة المرأة إلا أن يتعجل ويمتلك حريته ويكون شجاعاً ويرفع هذا الوهم الذي فرض سطوته عليه، وإفضل طريق للعلاج هو التدريب الفلسفي الاجتماعي و إنشاء علاقة صحية وحميمة مع علوم السوسيوسايكولوجي ومباحثها، إذ إن هذا سيؤدي بالتأكيد الی خفض درجة التوتر والقلق عنده والتصالح مع نفسه. وعلی الإنسان المتحضر مناهضة الفكر الماسوجيني (ثقافة العداء للمرأة) أينما كان، من أجل إثبات الجدارة و بناء مجتمع حيّ و خلّاق لا تكبحه العقائد المغلقة والنخب الفاشلة والإدارات الفاسدة والعقليات الكسولة والثقافة الفقيرة والنماذج الإرهابية القاتلة.     
وختاماً فقد قيل قديماً: بأن "المرأة الفاضلة أنفع من الرجل الفاضل، لأنها هي الأساس في تربية الناشئة الجديدة."
د. سامان سوراني


220
ماهو دور المثقف الكوردستاني في زمن الأزمات السياسية و التحديات الجسيمة؟

عندما نتحدث اليوم عن مساعي الإنسان و مشروعاته الفلسفية والخُلقية أو السياسية في العراق الديمقراطي الإتحادي الفدرالي نصل الی نتيجة مفادها، إن الأزمة السياسية أصبحت الظاهرة وليس الإستثناء. فالعلاقات بين المكونات السياسية سواءً العربية-العربية أم العربية –الكوردية لا تبشر بشكلها الحالي بأمل منشود. هناك من يدافع بعقلية كهنوتية أصولية أو قوموية عن ثوابت ومطلقات، لا يمكن أن تترجم إلا إستبداداً في المقولات أو هشاشة في القيم والمثالات، تتجسد أخيراً في مشاريع فاشلة أو عقيمة أو مدمرة.
رغم هذا الواقع نری من الضروري عرض دور المثقف الكوردستاني في الدفاع عن القيم المتصلة بالحقيقة والحرية والعدالة والكرامة في عصر الأزمات والتحديات و مساهمته بإنتاج المعنی والقيمة أو المعرفة والسلطة و سعيه في تحويل التعامل مع القيم من الحيز التراتبي العامودي نحو الحيز التبادلي الأفقي، كي لا يتمكن القطاع الثقافي الخاص فقط تمثيل قيم عليا والنطق باسمها و مراقبة عملها.
صحيح بأن هناك فئة من المنظّرين يستعملون عبارة نهاية المثقف، لا كمجرد صدی لمقولات مثل نهاية الايديولوجيا أو التاريخ أو السياسة، بل كحقيقة و واقعة بدلالاتها الراهنة. هل يمكننا مع ذلك القول، بأن المثقف الكوردستاني لا يزال يمثل الأمل المرتجى لشعب كوردستان في المستقبل القريب؟
من المعلوم بأن المثقف التحرري والعقلاني هو الذي يبني علاقة نقدية مع ذاته و فكره و من خلاله يتمكن بالتحول عما هو عليه لغرض إغناء مفاهيمه عن الحرية و العقلانية. يجب عليه العمل علی حشد سواه الی داخل ملكوت الحرية والعقلانية وإن لم يعمل ذلك يكون حصاده الخرافة والظلام والإستبداد. و علی المثقف الكوردستاني الابتعاد عن التعامل مع فكرة التنوير علی نحو أصولي أو ايديولوجي و ليعلم بأن النخبوية الثقافية تقود دوماً الی العزلة والهامشية و تنتج التفاوت والاستبداد بقدر ما تجسد الإصطفاء والنرجسية. المثقف يتحمل مسؤولية كبيرة في بناء الذاكرة الوطنية من خلال العمل الإبداعي والنتاج الفكري والثقافي الصادق، البعيد عن تظليل الاجيال و الانحراف عن المسيرة الحضارية. عليه أن يلعب دوراً ريادياً في إصلاح الواقع الذي يعيشه و أن لا ينام في صومعته الفكرية و يقتصر علی الجمع والاستقصاء والارتشاف والاستقاء للمعلومات، بل عليه ببث أفكاره و تبصير شعبه بالحقوق والواجبات وتسليحه بالعلم والمعرفة و القيام بنشر ثقافة التعايش السلمي مع الآخر المختلف و التأكيد علی الحوار البناء و الترويج لفكرة التبادل و تقوية الوعي الكوردستاني و تعزيزه لذوات الناس والمجتمع، وزرع روح التكافل والتضامن الروحي والاجتماعي فيما بينهم من أجل بناء مجتمع و نظام أكثر إنسانية و أكثر عقلانية. 
المثقف الكوردستاني يجب أن يتصرف بوصفه الشاهد علی واقع عصره أو الناطق بهموم مجتمعه. و لغرض مواجهة الأزمات والتحديات الراهنة علیه الإستفادة من جملة التحولات الحضارية والعلمية، التي تسهل إشهار نقده دفاعاً عن حقوق شعبه و حريته و إستقلالیته، عليه أن يشارك في صناعة الرأي العام و صوغ الوعي الجماعي و أن يؤثر في الدينامية الاجتماعية والسيرورة التاريخية وعلیه أن يعرف كيف تُلعب اللعبة و تُبنی القوة و كيف تُنتج الحقيقة و تُقرّ المشروعية.
في هذه المرحلة الحساسة من التطور التاريخي يجب أن يدرك المثقف الكوردستاني بأن هناك تيارات قوموية متسترة تحت غطاء الدين تريد أن تسيطر علی الرأي الحر والعقلاني و تعود من النوافذ بعد أن خرجت من الأبواب. ولكي نستطيع الانفلات من براثين تلك المحاولات وأن لا ننتهي إلى منزلقات إيديولوجية أو أثنية أو دينية، علیه العمل في سبيل وحدة الصف الكوردستاني واللحاق بالنماذج المتحضرة في العالم، التي ينهمك فيه المثقف في الجدل القائم حول مفهوم العولمة و الحداثة  وما بعد الحداثة. يجب أن لا نترواح و نبقی في المجادلة  حول مسائل مثل العلمانية، الديمقراطية، التوريث و قانون الأحزاب وفن المعارضة وحرية التظاهر. علی المثقف الکوردستاني طرح أسئلة الكينونة، ولا نقصد بالكينونة، أن يسأل من نحن، وإنما كيف نتعامل مع الفدرالية في‌ العراق و بأي شروط؟  وهل أن الطفرة النفطية في العراق حققت الرفاه لشعب كوردستان و هل وزعت الثروات خلال العقود التسعة الماضية توزيعاً ساهمت في خدمة التنمية البشرية في کوردستان؟
علی المثقف الكوردستاني العمل علی الكشف عن بؤر القمع وضرب الحريات و سياسة التحايل و المماطلة في تنفيد بنود المادة 140 من الدستور في المناطق المستقطعة من كوردستان والتنديد بها و في نفس الوقت عليه ببناء حقول من التحاور و التثاقف عوض إحياء الصراع بين المكونات و القيام ببناء تراكم فكري بهدف مقاربة الواقع نحو مستقبل أفضل.
ومن الواضع بأن الإنفتاح علی الحضارات المتقدمة والحوار الهادف البناء لا يلغي أبدا هذه الهوية الكوردستانية، ما يشكل خطراً عليها، هو الإرتماء الأعمى للشعارات الأصولية المتحجرة، التي تضعف الوعي الوطني والتي و للأسف تتماشى مع تقاليدنا. نقول مرة أخری بأن الانفتاح على العالم والحوار الهادف البناء لا يلغي الهوية. علينا التخلص من عقدة "الأنا الأصولي" و نتوجه الی الصالح العام، من خلاله فقط نستطيع أن نحقق حواراً متوازناً فاعلاً و نكون أكثر قدرة على التواصل وتبادل الخبرات العلمية والثقافية. علينا البدء في ترتيب بيتنا الكوردستاني الثقافي على أسس وطنية واعية وحكيمة وعقلانية، بحيث تحوز أهلية خدمة ثقافة الإنسان الكوردستاني خاصة، ثم نتهيأ للحوار مع الآخر، سواء في العراق الفدرالي أو في الشرق الأوسط والعالم. وليكن صوتنا أقوى وكلمتنا أرقى، وحجتنا أكثر إقناعاً. أما الإصلاح الذي القيادة الكوردستانية بصدده، فهو مطلب إنساني ‏ وغاية تستدعي من الجميع العمل على تحقيقها، بدءً من السياسي والمثقف ورجل الشارع البسيط، فضلاً عن الحاكم الذي يريد أن يحافظ على رمزيته وسمعته وتاريخه.
و أخيرا علی المثقف الكوردستاني عدم التنازل عن عن قضايا شعبه في مكتسباته الأساسية و عدم الخنوع للظروف الراهنة وأزماتها، بل العمل علی هموم شعب كوردستان وشجونه كالحرية والديمقراطية والاستقلال التام والتنمية الثقافية الحقة وأن لا يصمت و يسكن و یهادن بطريقة لافتة، بل ينزع الی النقد الجدي للأوضاع والسياسات الغير سليمة، التي تمارس من قبل الحکومة الإتحادية للنيل من حقوق شعب كوردستان، حتی لا يتلاشی و يتساقط أحلام شعب كوردستان في  الحرية والديمقراطية والنهوض الاجتماعي والتقدم، التي ناضل من اجلها أسلافه وعلی رأسهم القائد التاريخي الخالد مصطفی البارزاني.
و ختاماً نقول:  "علی المثقف التخلي عن لغته المتحجرة في قراءة الأحداث والتعاطي مع العالم، فالفكر يتغذی من الإنفتاح علی اليومي والمُعاش والمهمَل  ويتجدد بتفكيك الأنساق المحكمة و كسر النماذج المحنّطة والتحرر من أسر العقائد المغلقة والعصبيات الملتحمة."
د. سامان سوراني


221
حرية شعب كوردستان أهم من الوحدة الوطنية المصطنعة

من المعلوم بأن العالم يتغير بمحركاته و نوابضه و قواه و خريطته والفاعلية حلی مسرحه، لكن الأفكار مازالت ثابتة أو متحجرة، بل مدمرة و مرعبة.
الموقف الميتافيزيقي من الحرية، كشيء مطلق في غياب أي نوع من الإكراه، سواء أكان هذا الإكراه داخلياً أم خارجياً، لا يمكن أن ينطبق علی الحياة الواقعية. أما الحق في الحرية من الناحية النفسية والاجتماعية والسياسية فهو أمر يمكن إعتباره بسعي الإنسان نحو الإستقلالية الذاتية والإنتصارعلى القيود والقوانين ومسح العبودية.
ففي الفنومنولوجيا هناك محاولة ديالكتيكية بارعة للفيلسوف الألماني الكبير جورج فلهيلم فريدريك هيجل (1770-1831) في سبيل تحقيق التصالح بين "الفرد" والمجتمع" أو بين "الفردي" و "الكلي"، فالوعي يدرك بنفسه من خلال صراعه ضد مجری الأشياء و الفرد لا يبلغ سعادته إلا في كنف الجماعة. و إذا ما تمكن الإنسان من التغلب علی "الفردية"، فأنه سرعان ما يتبين له من أن "الفعل" هو "الوحدة" الحقيقية التي تجمع بين "الذاتية' و "الموضوعية" وهكذا بالنسبة الی الشعوب.
وفيما يخص الدولة العراقية المصطنعة، فهي كقوة خارجية لم تقم منذ نشأتها عام 1921 والی يومنا هذا،  حسب التفسير الهيجلي، في تهيئة الفرد الكوردستاني لتنمية ملكاته و ممارسة ذاته وذلك من أجل تقوية التعايش السلمي والنتيجة كانت دوماً الفشل في المحافظة علی الشرعية.
القانون الدولي يُعرّف حق تقرير المصير بأنهُ:" حق أي شعب في أن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظلهِ والسيادة التي يريد الانتماء إليها". أما السيادة  فهي ركن أساسي من أركان تقرير المصير.
أما الوحدة الوطنية، فهي بقت مجرد شعار يرفع من قبل الحکومات التي تعاقبت الحکم في العراق ولم تكن هناك نية لدی هذه الحكومات في إحياء شعور المواطن الكوردستاني المبني علی مرتكزات عملية مستمرة من شأنها دعم تحقق الوحدة على أرض الواقع وتجسيدها بشكل يناغم بين الفكر والعمل والسلوك. حيث رأت تلك الأنظمة  في التعددية مظهرا من مظاهر الضعف والفقر، لا كواقع معاش يثري و يقوي و يلزم الجميع إحترام الآخر المختلف، بلغته و مبادئه و طقوسه وفلسفته. فقد فرض الرأي الواحد علی الآخر المختلف و طبق قوانين تجرم المختلف و تقلع جذوره. حقوق الآخر كانت بسبب التفريط بحقيقة الهوية الوطنية في العقود الأربعة الأخيرة للقرن العشرين مهضومة والتمييز العنصري كان منهجاً عملياً لإحياء علوم البعث والعروبة، يهدم خلق الشعور بالإنصاف و يسلب فكرة تعميق الانتماء للوطن. إن غرس غائلة التباعد والحواجز لمدة طويلة أسهمت في تراكم المفاهيم والصور السلبية لدى كل فئة عن الأخرى وهكذا خرج مفهوم الوحدة الوطنية عن اطار واقعيته. هناك محاولات من قبل منظري فكرة العراق الثقافي أو الاستعراق، لصهر شعب كوردستان و القوميات الأخری في بوتقة كينونة الثقافة العربية الاسلامية. الأولی بهم الخروج من سباتهم القومي و من حصونهم الدينية، بدل العسكرة وراء هويتهم. إنّ من حق كل سياسي كوردستاني أن يعزف علی وتر الحرية، فالسياسي النزيه يطمح لاستقلال بلاده و يجاهد كي يكون شعبه حراً في اتخاذ القرارات خدمة لمجتمعه وللإنسانية جمعاء. الحرية يعيين شرط الحكم الذاتي في معالجة موضوع ما، فهي إذن إمكانية الفرد دون أي جبر أو ضغط خارجي على إتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة و الحرية للفرد الكوردستاني تعني التحرر من القيود تكبل طاقاته وإنتاجه سواء كانت تلك القيود مادية أو معنوية و تعني التخلص من الإجبار والفرض من قبل الحكومة المركزية، لذا نراه بأن حرية شعب ما أهم من الوحدة الوطنية المصطنعة، فهي تعنی بالنسبة لنا حماية شعب الكوردستاني ضد طغيان الحكام السياسيين الذين يريدون بمحاولاتهم اليائسة وأحلامهم الوهمية إعادة عجلة التاريخ الی الوراء. الشعب الكوردستاني ذاق التهجير والتعريب و الإبادة الجماعية من قبل السلطة المركزية، يريد تجنب تكرار الويلات والحروب والمآسي
والسلطة التقليدية في نظر عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر (1864-1920)، الذي أنشأ منهجه في دراسة الظواهر الاجتماعية علی مبد‌ الفهم، تعتقد بأن نظمها ما هي إلا إمتداد لنظم كانت موجودة في الزمن السابق أو أن رئيسها تقلد منصبه بموجب مؤهلات معينة كانت شرعية في الماضي أو أن الأوامر التي يصدرها مدعومة بأوامر كانت ماثلة في الزمن السابق ومتفق علی التصرف بموجبها وعلی المكونات التي تخضع للسلطة التقليدية إطاعة أوامر سلطتها بسبب شرعيتها التاريخية، فهي الراعي الوحيد و الأب الأمثل و هذا ما تطلبه الحكومة الاتحادية اليوم من شعب إقليم كوردستان. إن هذا التضارب يضعف من صفة الشرعية التي تتمتع بها الحكومة الحاكمة في الإتحاد والتي لا تهتم بالعهود و الاتفاقيات كثيراً. سوف تبقی وحدة الشعب الكوردستاني مع العراق فرضية، إذا ما لم يمر هذا الشعب بمرحلة الإستقلالية الذاتية بعد مسح كافة آثار التهجير والتعريب والاستقطاع الشوفيني. 
وختاماً: إن أساس الموقف التنويري والنقد العقلي هو البدء بالإعتراف بالأزمة و تشخيص العلّة، ثم الإعتذار عمّا جرته الدعوات الدينية والمشاريع القوموية في العراق من الأخطاء والمساویء والكوارث.
د. سامان سوراني

222
فلسفة القيادة الكوردستانية في السلم و حكمة اللاعنف

في نظريته الإجتماعية يشيرعالم الاجتماع الأمريكي بالكوت بارسونز (1902 ـ 1979) إلى جملة من الآليات التي تسهم في حفظ النظام وتوازنه مع اختلاف الزمن والمراحل التي يمر بها التنظيم الاجتماعي ويؤلف الفعل الاجتماعي بالنسبة اليه الوحدة الأساسية للحياة الاجتماعية، ولأشكال التفاعل الاجتماعي بين الناس. إنه يری بأنه من صلة تقوم بين الأفراد والجماعات، إلا وهي مبنية على الفعل الاجتماعي، وما أوجه التفاعل الاجتماعي عنده إلا أشكال للفعل التي تتباين في اتجاهاتها وأنواعها ومساراتها، من خلالها يمكن رصد الظواهر الاجتماعية وتفسير المشكلات التي يعاني منها الأفراد، وتعاني منها المؤسسات على اختلاف مستويات تطورها. وهو يری أيضاً بأن المرء لا يستطيع أن يمارس الأفعال الاجتماعية إلا في الحدود التي تسمح بها المواقع والمهام التي يشغلها في بنية التنظيم. أما تنوعات المنظومة الاجتماعية فهي تتوحد، حسب نظريته، من خلال الأخلاق والمبادئ العامة، التي تتجلی بوحدة المنظومة الحضارية والثقافية.
لقد عُرف "سقراط" بإتجاهه إلى سبر غور الروح الإنسانية، وهو الذي يقول بأن الحاجة تقتضي بصيرة واضحة لضمان السلم والنظام والنية الطيبة. ولكن إذا كانت الحكومة نفسها حكومة تسودها الفوضى والسخافة، تحكم ولا تساعد، وتأمر ولا تقود، كيف تستطيع إذن أن تقنع الفرد في مثل هذه الدولة على أن يطيع القوانين، ويحصر بحثه الذاتي داخل دائرة الخير العام.
الذي نريد أن نتطرق اليه في مقالنا المختصر هذا هو فلسفة السلم و حکمة اللاعنف، التي تريد القيادة الكوردستانية أن تطبقها علی أرض وواقع كوردستان و إن أمكن تعميمها و ترسيخها في العراق الاتحادي. ففي كثير من الخطب والمناقشات العلنية نسمع من القيادة الكوردستانية التأكيد علی استعمال فن الحوار الهادیء كوسيلة للتواصل و منها نستنبط القناعة التامة بسياسة اللاعنف كأداة للوصول الی حلول حول القضايا العالقة بين الإقليم الكوردستاني والحكومة الفدرالية و هذه القناعة هي إستراتيجية عمل وسياسة لحلِّ النزاعات. فلسفة السلم تحمل في طياتها السلام الظاهري وتری في الدستور و القانون طريق معبّد لضمان النفس والجماعة. لقد أثبتت القيادة الكوردستانية بمبادراتها الحکيمة بأنها أفضل الوسطاء بين المكونات السياسية في العراق و من خلال تواصلها تحولت لغة العنف السياسي الی لغة إنسانية للحوار. ومن المعلوم بأن اللاَّعنف يقوِّض جدران الكراهية ويمدُّ جسور السلام والمحبة. و اللاعنف هو أفضل وأسمى بما لا يُقاس من العنف لأنه يتطلب شجاعة كبيرة واحتراماً للخصم. وطالما العنف من صنع البشر، إذن نحن قادرين على تفكيك هذا القضاء و  والقدرة علی إعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة، لأن من يستطيع التفكير بعقل تداولي يكون قادر علی أن يتغير لكي يسهم في تغيير سواه علی نحو مثمر وخلاق. فالأفكار الخصبة والتجارب الفذة والنماذج الناجحة في مكان ما، تغدو ملك البشرية جمعاء، أياً كان مصدرها، كما يشهد التفاعل بين الحضارات منذ أقدم الأزمنة، فلتنسج العلاقات بين المكونات العراقية بعقلية السلم والشراكة و لغة التسوية و ثقافة التعدد والتنوع، علی نحو يفتح آفاق الحوار والتعاون والتضامن علی سبيل النفع المتبادل و الإثراء المتبادل.   
السلم مرتبط بسعادة الجماعة الراهنة التي تبحث عن العيش في سلام، أما الحرب فهي سلوك يعكس ضعف الإنسان في ضبط تعامله وانفعالاته و من الممكن أن تكون الحرب ضرورة حتمية لكنها تبقی حتمية محزنة تبرز ضعف ديناميكية الفكر الإنساني و قصور عقله.
لو تصاعد العنف الأعمی بشكله الإرهابي و بأشكاله الأخری في العراق فسوف يأتي علی العراقيين زمن يحتاج فيه كل واحد الی آخر لحراسته و حفظ أمنه الشخصي، وتلك هي الكارثة. فالتطرف التعصب والكره والخوف والعداء والصدام والإنشداد الی الوراء و عبادة الأسماء والأفكار، مآلها تفخيخ العلاقات بين المكونات الأساسية في العراق والانتقال من مأزق الی سواه، ومن صدمة الی اخری، ومن خسارة الی خسارة أكثر فداحة.
ما نشاهده اليوم هو عمل الكوردستانيين من أجل تشكيل حقل معرفي تتحول معه الازمات والمآزق الی مواضيع للدرس والتحليل أو التشريح والتفكيك و ذلك لتقوية أسس فلسفة السلم ومذهب اللاعنف فنری تلقيح العناوين والمفاهيم والقيم القديمة والحديثة بعناصر و مقاصد و أبعاد جديدة، علی سبيل التطوير والتجديد أو الإغناء والتوسع، سواء تعلق الأمر بالنظام  والديمقراطية  أو بالحرية والعدالة أو بالتنمية والعولمة. أما من حيث المنهج، فهناك طريقة للتفكير تستخدم بشكل فعال بعيدة عن لغة القطع والجزم والفصل الحاسم، ومن حيث المعاملة، فالحكومة تسعی بمنطق جديد هو منطق تحويلي للتعامل مع الأفكار بوصفها استراتيجيات للمعرفة والعمل، مفتوحة و متحركة وذلك لصناعة واقع كوردستاني جديد يوظف نفسه في خدمة السلم العالمي مناهضاً للعنصرية او طائفية و سياسة و ثقافة الإقصاء والتهميش.
وختاماً يقول السياسي البارز والزعيم الروحي للهند مهاتما غاندي (1869 - 1948): " ليس هنالك طريق للسلام، بل أن السلام هو الطريق."
د. سامان سوراني           
 

223
إقليم كوردستان بين قبول الحرية السياسية و رفض الفكر الأصولي

في الفلسفة الرواقية، التي تأسست على يد العالم الشهير زينون الكيتيومي (335-264 ق م) حوالي 300 ق.م و كانت مدرسة جديدة في الحضارة الهلنستية (من 750 ق.م إلى 146 ق.م) ، يُعرّف الحكيم بالإنسان الذي عرف قوانين الوجود و عمل علی أن تطابق إرادته تلك القوانين، إذ للفرد حرية باطنة هي التي تنقذه من ضربات الحظ و عوارض الصدفة و تقلبات الناس. أما الإرادة عندهم فهي مبدأ هذه الحرية الباطنة، فحاولوا أن يوفقوا بين الحرية والضرورة و إنتهوا الی جعل الضرورة أصلاً للأشياء.، بدلاً من أن يخصعوا الضرورة نفسها للحرية. لكن الحرية الحقيقية تأبی أن تنصاع للقدر و تتقبل المصير.
و كلمة الحُرّ و الحرية تفسّر من قبل ابن منظور الأنصاري (1232 م - 1311 م) في لسانه بـ"نقيض العبد، والجمع أحرار وحرار… والحرة: نقيض الأمة، والجمع حرائر”. والحر من الناس أخيارهم وأفضلهم، والحر يعني أيضا الفعل الحسن، يقال: ما هذا منك بحر، أي بحسن ولا جميل. ويقابل مفهوم الحر العبد، وهو الإنسان المملوك”.. أي الذي لا يملك قرار ذاته، هذا من الجانب اللغوي، أ‌ما من الناحية الفكرية فتعطی للحرية صورتين، الحرية الطبيعية، والحرية الاجتماعية. الحرية الطبيعية حسب تفسير المفكرين هي تلك الحرية الممنوحة من قبل الطبيعة نفسها. والحرية الاجتماعية هي تلك الحرية التي يمنحها النظام السياسي والاجتماعي القائم على منظومة أفكار ومعتقدات محددة، لأفراده أجمعين من حرية الفكر والتعبير والتنظيم، إلى حرية المعتقد والنقد والإعلام الحر.
إن كلمة "لا" التي نرفعها بين تارة و أخری للرد علی أفعال الحكومة الاتحادية لا تعني بأننا نريد فقط الرفض و التعارض، بل المقصود بها العمل علی التميُّز علی الآخرين والسعي الی إكتشاف ذاتيتنا الخاصة و الاجتهاد في تعرّف رسالتنا في النضال السياسي. ومن المعلوم بأن للنفي قيمته، فأنه حافز يجبرنا الی البحث عن شيء إيجابي يعبر عن (إثبات) أكمل.
وأساس الحرية هو الوعي والمسؤولية والالتزام المجتمعي والانضباط والوقوف عند حريات الآخرين. وعندما بدأت الحداثة ترسخ جذورها بعد عصر التنوير و بعد أن تمكنت المجتمعات من أن تتحرر من قيود المطلقات و أنماط التفكير الحتمي المختلفة و مع انطلاقة عصر العقل، الذي أثبت قابليته علی تأسيس الحياة البشرية من منظور التفكير والفعل الإنساني الحر المباشر، دون أن تهتم بالهياكل الأبوية الوصائية، برزت الحرية كمقومة أساسية للحركة التنويرية العقلانية والحداثة العلمية، التي رفضت وجود سلطان علی العقل إلا العقل نفسه و أدغمت العقل في ثالوث مبني علی العقلانية، الحرية، والعدل السياسي الاجتماعي. و في النهاية تم وإعلان حرية وتحرير التاريخ والإنسانية من أسطورة الحتميات المتعددة والمختلفة والمتناقضة و هكذا تصاعد الوعي التدريجي بأسبقية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
في إقليم كوردستان تُنظر الی الحرية كقيمة إنسانية تساهم في إغناء مسيرة الفرد الكوردستاني و تطوير مواقعه المختلفة في الحياة، فهي ضرورية للعمل و البناء والتطوير و خدمة الناس والمجتمع و حتمية في المساهـمة التشاركية في تطوير الدولة و الإلتزام بقضايا الناس و الوطن و النقد الحر والبنّاء الهادف الی دفع المجتمع الكوردستاني نحو قافلة الحضارة الإنسانية. المجتمع الكوردستاني عاشت لفترة طويلة تحت نير الاستبداد المركزي، الذي هضم حقوقهم و رفض مطاليبهم في الحرية والاستقلال الذاتي و الذي زعم لنفسه بأنه يحقق سلامة المجتمع، لكنه في الحقيقة سلب المجتمع أسباب بقائه، لذا لم تكن عملية بناء مجتمع و نظام مدني في هذا الجزء من كوردستان بسبب الممارسات القمعية للدولة الشمولية أمراً هيناً. وطالما يبقی المجتمع المدني نتاج للأفعال الإنسانية التلقائية لأشخاص أحرار، إذن يستلزم أن تبتعد الحكومة عن مساعي الأفراد وأن تترك لهم حرية الارتباط بعضهم ببعض، و هذا ما نلمسه اليوم في كوردستان. فالأفراد أحرار في شئونهم الاقتصادية وأنشطتهم الدينية وحياتهم الأسرية. المجتمع المدني القوي يمثل عائقًا في وجه الاستبداد لأنه يتبع نظامًا أخلاقيًّا يحمي قيم الحرية ويصونها، لكن و للأسف هناك تيارات أصولية مرفوضة من قبل الأكثرية الساحقة من المجتمع الكوردستاني تريد أن تقلّص من حجم هذه الحرية و تعمل بأسلوب عدواني قاسٍ و وحشي ضد المجتمع المفتوح و الإصلاح الرشيد الهادئ العقلاني المؤسساتي، لأنها بقت أسيرة ديكتاتورية الشعارات والمقولات و لم تتحرر بعد من عبادة الأشخاص و الأبطال و سواها من العملات الفكرية التي تؤجج الصراعات الرمزية والمادية حول الأسماء والنصوص و تحوّل المقولات الی قوالب متحجرة أو الی أنساق مغلقة تخنق الحيوية الفكرية و تشل الطاقة علی التحول الإيجابي و العمل البناء، وهكذا تولد الجهل والعجز والإقصاء، بقدر ما تخلف المساویء والمخاطر والكوارث.
وختاماً نقول: "من أراد قبول الحرية السياسية فلابد له من إتقان لغة الاعتراف والحوار والتوسط والتعدد والمباحثة والشراكة المبادلة و رفض الإنخراط في منطق الإصطفاء والتمييز والتقوقع والعسكرة والصدام."
د. سامان سوراني






224
كوردستان والتحرر الفكري في زمن تفكيك الديكتاتوريات و الأصوليات


من المعلوم بأن الخروج من السجن الفكري هو دليل ثورة الانسان علی عقله القاصر و لغته الفائتة و معرفته الميّتة. اليوم أصبحنا شاهداً علی ثورات  سياسية، إقتصادية، فكرية، تقنية، ثقافية و خلقية وهي تطفوا علی المسرح الكوني و تعمل علی خلق الانسان الرقمي، الذي لا يتعامل مع معطيات وجوده و الأحداث التي تنبع من بيئته إلا بلغة الإختراع والإبتكار و التحويل والبناء. ولا يمكن التسبيح بحمد الإنسان، الذي لا يحسن سوی إنتهاك الانسانية، تحت شعارات الحقيقة والحرية أو العقلانية و العدالة. الضرورة تدفعنا الی القول، بأن هناك حاجة ماسة الی مساءلة مفهوم الإنسان، لتفكيكه و إعادة بناءه، لغرض فتحه علی ممكناته و احتمالاته و علی الكائن البشري الإعتراف بدونيته علی المستوی الوجودي، حتی يتحرك نحو الاعتراف بالآخر علی الصعد السياسية والمجتمعية والثقافية، بل حتی المعرفية، و هذا التحرك لا ينتج، إذا ما لم يقوم صاحبه بكسر منطق الوحدانية والمركزية و الإصطفائية التفاضلية و إذا ما لم يقاوم إرادات التأله و القبض والتحكم و المطابقة والمصادرة والاحتكار.
التغيير‌ات التي طرأت في العالم العربي أثبتت أيضاً بأن العالم الجديد لا تصنعه الكتب السماوية و لا الفلسفات المادية، بل الكتب الرقمية والانتفاضات السلمية، التي تسجل نهاية زمن البطولات الدموية والبيروقراطيات الثقافية.
علی الفرد الكوردستاني كشف موقعه علی خارطة الحداثة، ليری فيما إذا كان هو فاعل و منتج، أم مازال مستهلك و تابع و غير فاعل. لقد بات من الضروري إستثمار الموراد علی نحو أحسن تنميةً و ثراءً و عليه إستثمار التراث الهائل في ضوء أسئلة العصر، بتحويله الی منتجات ثقافية أو الی عملات حضارية وقابلة للتداول، بمعنی إستخدام العقول بصورة حية و خصبة، أو نامية و متجددة، فعّالة و راهنة. من يتعاطی مع العالم المعولم والرقمي بالعدة الفكرية القديمة، التي فقدت مصداقيتها علی أرضها بالذات، و يدعوا الی الحداثة الخادعة والمضلّلة لا ينتج سوی الأزمات والمآزق و يعود بالمجتمع الی كهوف الماضي و أکفانه.
أما من الطرف الآخر فنری بأن صاحب الفكر الأصولي يسعی الی إستعادة الأصل والتطابق معه محكوم للماضي بنماذجه و صوره و أطيافه. و لهذا فهو ينفي حقيقة الحاضر و مشروعيته و لايری فيه سوی البطلان والفساد، ومن ثم يسعی الی تغييره بأي ثمن کان، فلا يهمه الوسيلة، بل المهم عنده أن يتغير هذا العالم الذي لا ينطوي إلّا علی الشرّ و الإثم و يعتبر وحده دون سواه ينتمي الی الفرقة الناجية. والاصطفائي يعتقد بصفاع عنصره، كونه وكيلاً لله علی الأرض مكلفاً تنفيذ شرعه و أحکامه و هكذا يستعد لممارسة العنف ضد من لا يتماثل معه.   
الديمقراطية معتقد فكري و منهج سلوكي و نظام حياتي، يشمل بنطاقه كل أوجه النشاط الإنساني. وفي حالة عدم وجود المادة البشرية المؤمنة بالديمقراطية والساعية لتطبيقها، لا يمكن الحديث عن إستيلاد أنظمة ديمقراطية تضمن الحد الأدنی من العدالة الاجتماعية والسياسية في مجتمع تدار الشؤون فيه بعقل أفقي، تواصلي، تبادلي، بعد كسر العقليات البيروقراطية المركزية الفوقية. 
إن القول بعدم جواز أعلان الدولة إلا بتوفر شروطها لا يمكن أن يکون سوی إجتهاد بشري مبنيّ علی إعتقاد خاطیء غير منطقي، يملأه الدعاة وديناصورات التراث السياسي بنزعتهم التلفيقية للنظريات و لفبركة الأوهام، للختم علی العقول بالدعوة الی الاقتصار لإنتاج العزلة والهشاشة والهامشية علی مسرح الأحداث. فإرادة الإنسان للحقيقة تعطيه فيضاً من الفراغ ليتمرغ فيه، وهذا الفراغ يجبره علی إدراك ذلك كدافع، لأن الحقيقة دائماً و أبداً أضعف من الجوع و الخوف.
المجتمع الكوردستاني، رغم وجود بعض من أصحاب العقول المفخخة والهويات المغلقة والثقافات العدوانية فيها، تملك غنی في المعطيات، كما تملك فائضاً في الموارد، أما الانجازات فهي موجودة و لكنها ليست بالمستوی المطلوب والسبب يعود الی الضعف في الأفكار الحية والخصبة والخلاقة. فبالخلق يثبت الواحد جدارته و فرادته، وبالتحول يحرف كيف يتدبر التحوّلات.
علينا ببناء القدرة و ممارسة الحضور والفاعلية، وليس التشبث بأوهام السيادة، بل المساهمة في اختراق الحدود و خلق الأمداء والمجالات و مدّ الجسور و فتح الخطوط و إختراع صيغ التعايش و ليس استعداء العالم.
و ختاماً: "إن طغيان البعد الواحد علی الشخصية، أو التفكير بمنطق أحادي الجانب يقوض حرية الفرد و قدرته علی الخلق و الإبتكار و يبلّط الطريق لسيطرة عقلية الدعوة والمناضلة علی لغة الفهم و إرادة المعرفة."
د. سامان سوراني
 
 
 

225
شعب إقليم كوردستان و فن صناعة الأصدقاء!!!

من المعلوم بأن ما هو إنساني أو كوني، حسب قول الفيلسوف الالماني-الامريكي، فرنسيس وولف،  "ليس ما تشترك البشرية جمعاء في انتاجه"، لأن رايته يمکن أن تحمل من قبل هذه الثقافة أو تلك، كما حصل مداورةً مع الثقافات اليونانية والصينية والعربية والغربية و قد ينطق بإسمه فرد من الأفراد، كأرسطوطاليس (384 ق م - 322 ق م) أو رينيه ديكارت ( 1596 – 1650) أو نيلسون روليهلالا مانديلا (ولد عام 1918).
فالصداقة فنّ إنساني يتشكَّل بقدر ما ينال المجتمع المدنيّ من نمو وتغيّر نحو الأفضل أو الأردأ حالاً، وبقدر ما تتعدّد وتتمدّد المصالح والغايات في كلَ الاتجاهات. والصداقة بين البشر متعدد الأوزان، تتحدد هويته و وزنه بين إنسان و آخر، والغايات التي تؤوول اليها. والعلاقات بمفهومها المطلق قد نشأت ووجدت منذ ولادة الانسان علی هذه السكينة، فالانسان كائن اجتماعي بالفطرة، حياته ليست كاملة وشاملة، فمن أجل الوصول الی كمالها وشموليتها وسد النقص فيها عليه التعامل مع الآخرين. و المنطق يقول بأن كلما ازداد عدد البشر وكلما كثرت احتياجاتهم وتعددت تجمعاتهم تطورت و إزدادت علاقاتهم . ومع اتساع المجتمع وتطوره وانتقاله من مجتمع الفرد والأسرة إلى مجتمع القبيلة ثم القرية ثم المدينة ثم "الدولة" اتسعت معه نطاقات "العلاقات" وبدأت تأخذ طابعاً دولياً. و يقال بأن "العلاقات الدولية" حسب المفهوم الذي نعرفه اليوم، کحقل من حقول المعرفة الإنسانية، ظهرت بعد مؤتمر "ويست فاليا" عام 1648.
الكوردستانيون اليوم يمارسون فن الحصول على الممكن بدلاً من انتظار المستحيل، فهم يعرفون حق المعرفة بأنه لا نفع في أن يربحوا العالم و يخسروا أنفسهم و لكنهم في الوقت نفسه لا ينتظرون من أصدقائهم في أن يوافقونهم في كل مفاهيمهم. والهدف من البحث عن الحرية، كما يقول الفيلسوف الدانماركي سورين كير‌کيغارد، هو أن تعيش فيها، لا أن تفكر فيها.
عندما يخاض الكلام حول هوية العراق التاريخية والثقافية خلال خمسين سنة الماضية من عمر هذا البلد لا يمکن أن تتجسد أمام أعين الكوردستانيين سوی الحقيقة المرة، أي سياسة الحكومات التوتاليتارية و الدكتاتورية و سيادة الزمن الراديكالي بطائفيته المبطنة وجهويته‌ السياسية للعرب، التي جعلت من النفسية العرقية العربية القوة الغالبة في تسيير و توجيه الجماهير و الاستحكام بقرارها و خانت فلسفة التعايش السلمي بين المكونات العربية والكوردية والتركمانية و الآشورية والأرمنية و الشراكة الحقيقية و كان الكل من و جهة نظر الحاكم، بعثيين و إن لم ينتموا تحت ظل شعار "أمة عربية واحدة". وبعد سقوط الطاغية عام 2003 لم نری ممارسة الديمقراطية في العراق بشكل فاعل في ظل بنية اجتماعية تقليدية و تقاليد رجعية و تاريخ عقائدي انتقائي لقوی دينية حاکمة تستخدم صيغ الغلو السياسي والايديولوجي و أساليب و لغة العنف، بعيدة عن الجدل العقلاني حول القضايا الاساسية من أجل ترسيخ قيم الحرية و توطيد نظرية نشوء المجتمع المدني و المؤسسات السياسية. والتيارات القومية العربية جعلت في السابق كما تريد أن تجعل اليوم من المستقبل في العراق ذكريات الماضي و أمجاده و المحصلة كانت تحطيم معنی و حقيقة المعاصرة المستقبلية و الاستمرار علی تطبيق نفسية الاستفراد و التعالي الوهمية، تاركة نظرية بناء أسس و قواعد الاجتهاد المنطلق من اشكاليات العصر الواقعية من أجل بناء الدولة الشرعية والمجتمع المدني والنظام الديمقراطي الاجتماعي طيّ النسيان.
ومن الواضح بأن الانسداد يولد الانفجار، إذ لا يمكن بناء صداقة و شراكة حقيقية مع من يريد بناء نظام لا يريد الخروج من سجنه الطائفي و يرفع عناوين فاضحة، كالفساد الاداري و التشبيح الامني و الدجل السياسي والتهويم النضالي بمذهبية فاشية و شعوذة عقائدية.         
ان حق تقرير المصير بما فيه الانفصال وتأسيس الدولة الكوردستانية حق مكفول انسانياً ودستورياً وتنويرياً و ماالسبب للهجوم علی الذين هذا الحق كشعار و هل الكلام عن الحق محرّمُ، أم يجب أن ينام شعب لقرون أخری و لا يستقظُ، لأنه‌ كما يقول شاعرنا معروف الرصافي مافاز إلا النّوَمُ؟  الكوردستانيون في عصرنا هذا يناضلون بطرق سلمية و سليمة من أجل الإعتراف الكامل بتاريخهم و جغرافيتهم و لا يبحثون عند النفاثات في العقد عن حل، بل يستخدمون منطق سقراط حين يقول، تكلم حتی أراك، باتقان لغة الحوار والتوسط والتداول والتبادل.
إن فكرة العراق الموحد، كما يعمل له‌ بعض المنظرين والسياسيين ليل نهار تنطلق من فكرة مسبقة مفادها أن دولة العراق، التي يريدون توحيدها كانت في الأساس كياناً واحداً، أما ما يُری فيها من الاختلاف و الانقسام والتعدد فهو شيء مصطنع زائف ينبغي إزالته بتحقيق الوحدة الضائعة. إن مثل هذا التصور ليس سوی إعتقاد، إنه ضرب من الاعتباط والتحكم و هو قفز فوق الوقائع، لم ينجم عنه سوی مزيد من التنابذ والفرقة.
من الأولی السير من الاختلاف الی الوحدة، لا العکس كما هو حاصل. و لعلنا لا نصل الی الوحدة، إلا إذا ادركنا بأننا ننتمي الی عالم ليس واحداً في حقيقته و أصله، أو علی الاقل في واقعه، بل هو عالم متعدد متنوع منقسم و متعارض. التسليم بهذه الحقيقة يمكن أن يفتح أمام الكيانات التي اتفقت علی الدستور إمكاناً نحو تحقيق الوحدة التي ليست سوی ممارستنا لاختلافاتنا بطريقة تجعلنا نتقارب و نتعاون و نتكامل. 
وختاماً نقول لا يريد الشعب الكوردستاني أن يصب نضاله التاريخي في بحار العدم و يعيد تجربة الثائر الاسطوري كاوه الحداد، كما يصفه الشاعر البصري الكبير، سلام كاظم فرج (ولد عام 1951)، في إحدی تهويماته: .... آه ياكاوة الحداد.. حتام روافدك تصب في بحار فريدون؟؟
د. سامان سوراني


226
ظاهرة العنف الاصولي في اقليم كوردستان و سياسة الحكومة

يمكن اعتبار الهجوم الذي شن يوم الثامن من أيار علی مبنی المجلس الوطني الكوردستاني من قبل جماعات دينية مغلقة بإعلان حرب ضد مختلف التجليات المدنية و العلمانية و الديمقراطية القائمة، بهدف تحقيق استمرارية الصراع والعداء ضد المجتمع المدني وذلك من أجل بناء وتشكيل الهويات الدينية الأصولية. و يمکن القول بأن الجماعات الاسلامية المتزمتة تتنوع في اتجاهاتها و ايديولوجيتها و غاياتها، لكنها تبقی متفقة في أمر واحد، الا و هو إعلان الحرب ضد النزعة الإنسانية العلمانية بكل ما تنضوي عليه من قيم ديمقراطية وإنسانية. العنف عندها تصبح وسيلة لنشر افكارها بهدف الوصول الی تقديس الفكرة الذاتية وإلغاء الآخر وتوسيع دائرة الاقصاء حتى تشمل كل من يختلف. ومن أجل الانتصار علی الكفر يمكن للجماعات الاسلامية المتزمتة اباحة قتل العزل و تدمير كل شيء يحمل في طياته رموز الديمقراطية و القانون المدني. وما حملاتهم علی مبنی البرلمان و المطاعم الترفيهية و حانات المشروبات الروحية و إذاعات التلفاز و التهجم علی الشرطة تحت يافطة "الامر بالمعروف والنهي عن المنكڕ" إلا دليل علی عدم احترامهم أو قبولهم لقوانين سنت في البرلمان و أوامر أصدرت من قبل وزارة الداخلية ، إنهم يرون أنفسهم فوق القانون و لا يعترفون بالقضاء والجهات التنفيذية. أن التوكيد علی الهوية الدينية بشكل أعمی تؤدي في نهاية الأمر إلى تعزيز وتوسيع دائرة الكراهية والأحقاد العرقية والطائفية في المجتمع الكوردستاني.
من المعلوم بأن الأمية الدينية تشكل عاملاً حيوياً وبنيوياً في عملية تنامي وتصاعد العنف الديني، ولاسيما في وضعيات الضغط والتأزم.أنها نتاج مستمر لانخفاض كبير في مستوى التفكير النقدي وانخفاض مستوى الثقافة الدينية الحقيقية نفسها. و من الأهمية بمكان الإشارة إلى علی الحكومة العمل الجاد في سبيل تأهيل رجال الدين والعاملين في المؤسسات الدينية من علماء وفقهاء تأهيلا فكرياً وثقافياً جديداً للحد من العنف الديني في سياق الحداثة المتقدمة والعولمة الزاحفة.
العنف الذي شاهدناه كان يتشح بالطابع الرمزي، فقد تمّ توظيف الرمز كقوة ما فوق طبيعية للتأثير في عقائد واتجاهات المنتسبين إلى هذه الجماعات الدينية لدفعهم إلى ممارسة العنف ضد الآخر بمختلف الصيغ والأدوات الممكنة. و للأسف يستفيد المتطرفين بشكل جيد من وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلوماتية ويوظفون أدوات العولمة ذاتها في بث العنف ونشر ثقافة الخوف في كوردستان.
إن سياسة حكومة كوردستان واضحة، فهي مبنية علی احترام الدين وحرية المعتقد. والحكومة تسعی في سبيل زرع بذور المواطنة و تكّن باحترام لجميع الاديان والمذاهب داعماً التعايش السلمي بينهم. والبرلمان لا يشرّع أي قانون الا بعد اشراك جميع فئات الشعب في صنعه وهذا هو ركن من أركان الديمقراطية الدستورية. أما الجانب الآخر فتريد تطبيق  الفتوى، الذي يفتی من قبل شخص واحد، كل مؤهلاته انه متخصص في الفقه، وهنا تكمن الخطورة وهو ان يكون مصير شعب وحكومة بيد ذات واحدة، وهي دكتاتورية وشمولية أخطر من توتاليتارية الحزب الواحد التي حكمت العراق نحو اربعة عقود.
القاسم المشترك و الجامع للشعب الكوردستاني يجب أن يكون الوطن والعلم و المنطق و التعامل علی أساس المواطنة بغض النظر عن الخلفية الدينية والمذهبية والقومية، حينها يمكننا أن نسير نحو السلام المجتمعي والتقدم المدني والرخاء الاقتصادي والتطور التكنولوجي.
في إقليم كوردستان هناك حق التظاهر و حرية التعبير عن الرأي وتنظيم المظاهرات والمسيرات السلمية مكفولة لكافة المواطنين وللأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية والنقابات المهنية في إطار النهج الديمقراطي، شريطة أن لا تتعارض مع مسودة الدستور وأحكام قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات والقوانين النافذة. ففي كافة الدول المتقدمة هناك قانون يلزم على كل من أراد تنظيم مظاهرة أو مسيرة تشكيل لجنة تقوم بتقديم بلاغ إلى الجهة المختصة قبل وقت لا يقل عن "72" ساعة من تاريخ بدء المظاهرة أو المسيرة، على أن يكون البلاغ مكتوباً ومحدداً فيه تاريخ وتوقيت بدء المظاهرة أو المسيرة ومكان تجمعها وانطلاقها وخط سيرها وإنهائها وذكر أهدافها وأسبابها وإرفاق الشعارات التي سترفع خلالها، على سبيل الإحاطة والعلم وأن يكون البلاغ موقعاً عليه من اللجنة وموضحاً فيها أسماء رئيس وأعضاء اللجنة ومهنهم وعناوينهم، وفي حالة أن تكون الجهة الداعية حزباً سياسياً أو منظمة جماهيرية أو نقابة مهنية فيجب أن يكون البلاغ موقعاً عليه من الممثل القانوني للحزب أو المنظمة أو النقابة وممهوراً بختمها، بالإضافة إلى أسماء وتوقيعات اللجنة، وللجهة المختصة التحقق من صحة ما جاء في البلاغ المقدم إليها. و من غير ذلك سوف تكون أية مظاهرة أو مسيرة يتم تنظيمها أو الدعوة لها دون إتباع الإجراءات القانونية، والحصول على الموافقات اللازمة تعد محظورة بموجب القانون وسيخضع المخالفون لذلك للمساءلة القانونية.
مشاهد العنف أثبتت بأن المخلين بالأمن العام والسكينة العام لم يكن هدفهم التظاهرة ضد مقال منشور في صحيفة محلية يقال بأنه أساء الی الدين الاسلامي الحنيف، بل أرادوا أن يثبتوا بأنهم وحدهم من دون سواهم يملكون الحلول أو قادرين علی تنفيذها، كونهم أصحاب الوصاية الحصرية علی القضايا والقيم والهويات.
وختاماً نقول: "العقائد و الفرائض والأحكام هي لخدمة الحيان والناس والمجتمعات. و أما الذي يتماهی مع فكرة و يتعبّد لها لكي يطد ما عداها، فأنه لا يفعل سوی أن يحفر أسساً للإرهاب في الذهن و العقل."
د. سامان سوراني







227
سيادة العقل التنويري أم الرضوخ الی سياسة التفرد في إدارة الحكم؟

ما نعرفه من كتب التاريخ الفلسفي بأن جمهور المفكرين منذ عهد أرسطو كانوا "بنّائي نظام" لم يكفهم شرح إحدی نواحي الحياة أو العقل البشري، بل أرادوا وجوب تطابق الأشياء: الشمس والقمر والنجوم، الله و الشيطان، الأشجار والحيوان والإنسان و هكذا سيطرت أفكار بعضهم، كالقديس توما الاكويني (1226-1274) كـ"برج بابل" علی التفكير لألف و خمسمائة سنة. كان الاكويني رجل منطق بليغاً و عالماً نفسانياً متبحراً و متعمقاً في الثقافة الانسانية. و بعد وفاة هذه الشخصية العالمية بثلاثمائة سنة وبعد أرسطو بألفي سنة بدأت نقطة انطلاق جديدة في الفكر العلمي حيث برزت أسماء لامعة في فضاء العلم أمثال نقولا كوبرني، يوهانز كبلر، جاليليو جاليلي، و إسحاق نيوتن. و الاخير فتح في إكتشافه حساب التفاضل والتكامل و تطبيقه علی العلوم الطبيعية المستندة الی التجارب فتحاً جديداً. وهكذا لعب العقل التنويري فجأة دوره التاريخي و تمكن من السيطرة علی جميع العلوم و بناء فلسفة تنتج السياسة و الاخلاق التي تقود الی الاصلاح الاجتماعي. و يمكن اعتبار هذ‌ه الخطوة بأهم ظاهرة ارتقائية منذ أن انطلق الإنسان الجليدي من العصر الجليدي الثاني قبل ثلاثمائة الف سنة.
من خلال هذه المقدمة القصيرة المبسطة نريد أن نبين دور العقل البشري في تحول الإنسان من مخلوق ضعيف الی كائن جمهوري ليبرالي مؤمن بالفدرالية والتعددية الحزبية والديمقراطية الجذرية ينادي بسيادته علی أرضه و حقه في تقرير مصيره و يرفض الاحتفاظ به كذرة ضئيلة أو كشريك نائم.
لكن هيهات، فما نلمسه من قريب في العراق الجمهوري هو الترويج لفكرة الوصاية الفاشلة علی شؤون الكوردستانيين و حريتهم من قبل سياسيين يريدون أن يكون لهم حكم القائد الفرد الصمد الذي لا يأتيه الباطل و مثقفين جهلة من دعاة الفكر المتطرف والشمولي، عصبويين يرفضون استخدام مصطلح "إقليم كوردستان" لإعادة ما يحفظونه عن ظهر قلب و ما كان يستخدمه الطاغي صدام من تسمية، أي المصطلح المصبوغ بالصبغة البعثية، "شمالنا الحبيب".
ومن المعلوم بأن الحكومة العراقية تشكلت بعد مخاض عسير. و كانت للمبادرة التاريخية للسيد رئيس الاقليم و اتفاقية أربيل دوراً هاماً في تشكيلها و كنا نأمل بأن الحكومة الجديدة سوف تسعی الی الالتزام بالدستور أخيراً في كافة بنوده و خصوصا في ما يتعلق بالمواد التي تحدد صلاحيات السلطات الثالثة و استقلالية كل منها و تأخذ بعين الاعتبار، بأن السلطة الاتحادية تتشكل من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء و تحترم إرداة جميع مكونات الشعوب التي تعيش في إطار هذه الدولة الفدرالية، لإنهاء سياسة التفرد في ادارة الحكم وتسيير شؤون الدولة و تحزيب مرافق الدولة ومؤسساتها والهيمنة علی كافة الوزارات و الاجهزة الحساسة و تفعيل دور البرلمان بصفته السلطة التشريعية من دون التدخل في شؤونه و إيقاف تحويل المؤسسة العسكرية والأمنية إلى طرف في الصراع. ما نريده هو الكف عن لغة الاتهام والاستعداء علی الكوردستانيين و كسر منطق الانعزال والانكفاء، للتعاطي مع الازمات بلغة المبادرة والحوار والاجتراح و بمنطق الخلق والتحول للاندارج في الحاضر و المساهمة في بناء فكر عصري يدافع عن حق الشعوب في تقرير مصيرهم و يحافظ علی أسس الديمقراطية.
نحن لا نريد أن نقع في الفخ نفسه، فمحاولة إبدال المالكي بالجعفري، كما يتنبأ به البعض، ماهي إلا التنقل من دور نبوي الی دور آخر تتغيير معه المضامين مع الاحتفاظ بعقلية النخبة و نظام الولاية و منطق الوصاية. ما النفع من الدفاع عن فكرة التأله والتقديس الذي ينشر الشعوذة و يزرع الخراب و يولد من جديد البربرية في العراق.
إن لغة الصاروخ والـ F16  و المدفع والحشد المرصوص والجمهور الأعمی لن تصنع الحياة و لن تجلب الحرية و لن تغير الواقع العراقي نحو الاحسن، و هذا ما جربه العراق خلال أكثر من ثلاثة عقود حتی نهاية حكم الطاغي صدام.
لذا نقول لا وجود لحلول  ثابتة أو نهائية، فهي تخضع دوماً للمراجعة لإعادة صوغها و تركيبها، فلنفكر بطريقة حية و راهنة، لكي نساهم في فهم المستجدات و إدارة التحولات و قيادة المصائر.
و ختاماً: "من يشهر سيف الدفاع عن الهويات بعقلية القوقعة والمحافظة، يدافع عن تقليد عقيم، ليبرر مساؤه و أخطاءه و في النهاية لا يحقق سوی تدمير الحاضر و افتراس المستقبل."
د. سامان سوراني

228
كوردستانية كركوك لا تُشَــوّه بزيارة استفزازية للسيد نوري المالكي

في السابق قامت أنصار الفكر العروبي القوموي بتدليل المدينة الكوردستانية كركوك و تسميتها بالعراق المصغر، وذلك بسبب تواجد قوميات أخری كالأخوة التركمان والعرب الآشوريين و الأرمن فيها واليوم يزور رئيس الحكومة العراقية هذه المدينة ليكشف أوراق لعبة جديدة ويفتح جلسة مجلس الوزراء في مقر المحافظة، محذرا الكوردستانيين بأن المساس بهوية كركوك خطر يجب تفاديه ويعيد الوصف العروبي القديم للمدينة بقوله العراق المصغر و بيت العراقيين.
نقول لسيادته، من قام بنفي الآخر وحاول محو خصوصیته وقفز فوق کل القواعد والمعاییر والحدود، يريد بعمله هذا تدمير العراق وذلك من خلال إعادة نظرية أحادیة المرجع والقطب والرأي والصوت. زيارته هذه لا يفسر إلا كتعزيز للموقف العروبي وإحیاء لفكرة الشوفینیة، التي ما زالت قائمة في اذهان الكثيرين في الاوساط العربية ممن يديرون الان الحكم العراقي في صراعهم مع الفكر الديمقراطي والفيدرالي، تلك الفکرة التي تنص بأن کرکوك مدينة عروبیة عراقية. فهو لم يؤشر الی يومنا هذا في مناسبة ما الی عملیات الزور التي قام به الحكم الشمولي السابق عندما غیر حقائق تلك المدینة وبدّل إسمها الی "التأمیم" و لم یقف النظام السابق عند هذا الحد بل ابتدع أیضا الفكرة الجهنمية وقام بتغيير الهوية القومية للساکنین فیها و أراد حتی تعريب وجدانهم وعقولهم وضمائرهم. لماذا لا يقوم السيد نوري المالكي بإصدار أمر تغير أرقام السيارات، التي تحمل البقعة السوداء "التأميم" علی جبين هذه المدينة.
فالمجاهدة في سبیل إنکار کوردستانية کرکوك والإنشداد الی الوراء، بدلا من التوجه نحو الحاضر والراهن والمستقبل، بالسعي للخروج من المنطق الإختزالي و السجن العقلي و الحتمیة الأيديولوجية لا  تفيد كركوك و أهلها. لقد تعمدت حكومته عن سبق اصرار في تنفيذ الدستور والمادة 140 المتعلقة بالحل السلمي لقضیة کرکوك و أظهرت نياتها السيئة المبيتة الى العلن لتعقيد المسألة وسعت الی ترحيل هذا الموضوع الى اجندات اقليمية تعرف انها تقف في موقف العداء الكامل الصارم لكل أمر مرتبط بتلك القضية. نسألهم الی متی القفز فوق الاحداث و نفي المتغيّرات؟ 
وليعلم السيد المالكي بأن المكابرة و التهرب من المسؤولية و إنكار الحقائق الصارخة والترويج لجحيم الآلة العسكرية لا تورث سوی النزاعات الداخلیة والهزائم والمهالك للشعب العراقي.  و ان جلب وحدات من الجيش العراقي من مناطق خارج كوردستان بحجة حمايته خلال الزيارة وفرزها في مناطق من كركوك لا یزید من نار الأزمة إلّا اشتعالاً. .ولتعلم الأطراف التي تسعی في إحیاء علوم البعث بأن النظرة الشمولية العنصریة والشوفينية، عدوة الدیمقراطیة والفیدرالیة في العراق، ولّت عهدها وأن الإعتراف بحق آلآخر وبالفيدرالية والديمقراطية هي لغة العصر والحلول لا تقوم علی نفي الواقع في کرکوك.
و ختاماً نقول مع الاستاذ الكبيرعلي الوردي، الذي سطّر قبل أکثر من نصف قرن في ختام کتابه "مهزلة العقل البشري" بأن "الأفکار کالأسلحة تتبدل بتبدل الأیام والذي یرید أن یبقی علی آرائه العتیقة هو کمن یرید أن یحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد".
د. سامان سوراني



229
المخيّلة الاستبدادية المتبقية و صناعة فلسفة العنف في العراق الفدرالي الديمقراطي

في ضوء المتغيرات الاخيرة بات من التبسيط و الاختزال و الخداع أن نشخص الأزمة السياسية الحالية بوصفها صراعاً شخصياً بين السيد مسعود بارزاني، رئيس اقليم كوردستان،  و رئيس الحكومة الفدرالية. إنها مشكلة المنطق الكوردستاني المعاصر مع محاولات السيد  نوري المالكي بفكره الاحادي المغلق لقيادة العراق نحو نظام شمولي يهيمن علی مختلف مناحي الحياة بفقه دغمائي ثبوتي و بعقلية اصطفائية نرجسية.
إن الذين يمارسون الوكالة علی القيم العامة و علی القضايا والحقوق، هم الذين يعملون علی تلغيمها و تدميرها بعقليتهم النخبوية الفوقية التي تقوم علی احتقار الآخرين بوصفهم قاصرين أو جهلة واعتبار أنفسهم يقومون بدور نبويّ، يتصرفون بوصفهم أولی من الناس بأنفسهم، أي بوصفهم المصطفی، الأحق و الأصدق و الأفضل. هؤلاء لا يريدون تحرير المجتمع وإنما يريدون حشود عمياء و أناساً يصفقون لهم و يقفون منهم موقف الثناء والتبجيل، أي انهم يريدون جماهير أو قطعان بشرية، لكي يمارسون الوصاية عليهم و يفكرون عنهم و يقودونهم و يستبدون بهم. هؤلاء لا يخرجون من عقلية المطابقة والمحافظة، فأفعالهم و خطبهم هي ثمرة ثقافتهم التي تولد الاستبداد بنماذجها و عقائدها و قيمها و رموزها. نقول تلك الثقافة التي لا تصنع سوی الطاغية و التي تسعی الی نقل شعار "الزعيم الأوحد" من مجال السياسة الی مجال الثقافة.
ومن البديهي بأنه‌ لا مجال بعد اليوم لإدارة العراق الفدرالي من دون المشاركة الحقيقية للأطراف المؤتلفة في الحكومة في صناعة القرار وابتكار صيغ الشراكة و التعايش السلمي و من دون نبذ العقلية الاصطفائية والنفسية المعطوبة والموبوءة.
فمن يخطط لمحاربة الکوردستانيين بقوة السلاح و بعقليات تلغمها الامبريالية الدينية و التهويمات اللاهوتية والولاءات العقائدية و الغيتوات الطائفية والمزاعم الطهرانية والمفاضلات العنصرية هدفه الاخير هو محاربة التعايش السلمي و محو أسس  الفدرالية  و رفض مبادیء الديمقراطية و هذا هو مكمن الأزمة، لأن وجود هذه العقلية و استمرارها تؤجج الصراعات و هي في نظرنا أخطر من الغزو والاحتلال وأسلحة الدمار الشامل.
ماهي الديمقراطية التي نأمل تطبيقها في العراق؟
يفسر البعض الديمقراطية بصيغة لإدارة الصراع فى المجتمع بوسائل سلمية، من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفًاً بين جميع أطراف العقد الاجتماعي، للعمل على تحقيق الصالح العام، وتضمن هذه الصيغة حسب التعريف المذكور تداول السلطة في الدولة، من خلال انتخابات حرة ونزيهة.
ومن المعلوم بأن إحدی الشروط اللازمة لبناء الدولة الديمقراطية، هو وجوب كون الشعب مصدر السلطات. و من أجل ولاية الشعب نفسه عليه تفويض سلطاته السيادية الی ممثلين عنه منتخبين عن طريق انتخابات حرة و نزيهة. و هذه‌ العملية بدورها تؤدي الی تداول السلطة. أما المساواة التامّة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس أو أي اعتبار ديني أو سياسي أو اجتماعي آخر فهو خير منهاج للوصول الی المواطنة الكاملة. و بهذه الشاكلة تتحول الدولة إلى مجموعة مؤسسات تحكم وتقف على مسافة واحدة من جميع مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية. و الدستور الديمقراطي، الذي يتساوی أمامه و فيه جميع المواطنين، الحاكم منهم والمحكوم يجب أن يكون منبثقاً عن إرادة الاغلبية من المواطنين بما هي تعبير عن السيادة الشعبية  و تعديله يتم وفقًا لتطور حاجات الأجيال المتعاقبة. وفيما يخص إحترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين و احترام التعددية و الفصل التام بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية  فهذا أمر طبيعي، وذلك لبناء التوازن بينها، بأعطاء كل سلطة صلاحية ضبط السلطات الأخری و مراقبتها. ويجب أن تكون برامج الأحزاب السياسية التي تتنافس فيما بينها علی السلطة  واضحة. و لكي تكون مسألة تجذر الممارسة الديمقراطية في المجتمع ممكنا عليه‌ تفعيل و دعم منظمات المجتمع المدني للقيام بنشاطاتها في إطار الدستور.
ما يحتاجه العراق في الوقت الراهن هو العمل الجاد في سبيل خلق عدة فكرية جديدة و مغايرة، من مفرداتها التواضع الوجودي، التقی الفكري، سياسة الاعتراف بالحقوق الكاملة للكوردستانيين بما فيها حقهم في تقرير مصيرهم، البعد المتعدد، عقلية الشراكة الحقيقية و هويات هجينة و مفتوحة، بالاضافة الی فكر تركيبي و منهج وسطي و منطق تحويلي.  
و ختاماً نقول: "من يريد أن يمارس هويته علی نحو أغنی و أقوی و أفعل، فما عليه سوی توظيف تراثه و تراث سواه لتجديد هويته عند كل انعطاف تاريخي، أو تطور حضاري و ذلك لابتكار شيء خارق يساهم به في ورشة الحضارة القائمة."
د. سامان سوراني




230
مفهوم الدولة في الفكر الكوردستاني

من المعلوم بأنّ مصدر القوة الحقيقية لأية دولة هو التناغم والتكامل والتوازن و ليس الخلط بين سلطة الدولة ومجتمعها المدني. و العلاقة بين السلطة والمجتمع يجب أن تكون قائمة علی القناعة والثقة والتفاعل الإيجابي الحر من أجل توفير الشفافية والمؤسسية والقانون. فالعمل من أجل إبعاد حال اللامبالاة و التهميش من نفوس الناس و زرع الأمل في بصائرهم ينّمي الإدراك بأن التحول و الرُقي ممكن وواقعي.
الدولة المدنية القائمة علی مبادئ القانون وخاصة في مجال السياسة و الاجتماع والاقتصاد تنجح من الناحية الإدارية.  فالتشريعات العصرية تستطيع حماية و تنظيم و تطوير حياة أفراد المجتمع ، ففي ظلها يشعر الفرد بالأمان في تعاملاته اليومية داخل إطار المجتمع. أما ضمان سيادة القانون فهي الأداة الحتمية لحرية الفرد و القاعدة الشرعية لممارسة السلطة و فلسفة المداولة في حياة الدول أمر ضروري فبدونها يغيب معنی الدولة. إذن (المداولة) هي روح الدولة وعمودها الفقري.
في إقليم كوردستان العراق هناك سعي متواصل من أجل الاستفادة من تجارب الأمم لوضع لبنات جديدة لعقد اجتماعي جديد يفسح المجال أمام شعوب كوردستان في بناء دولة المواطنة الحقّة.
فإذا أمعنا النظر في مسودة دستور كوردستان العراق ، التي هي حسب رأي الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس عند طرحه فكرة "المواطنة الدستورية" أساس الدولة المدنية و أول مقومة من مقوماتها ، نری بأن مضامينها تؤكد علی عصمة الانتخابات في العملية السياسية و تحدد مهام و مسؤوليات الرئاسات الثلاثة. و هناك عمل دؤوب في سبيل تدرج القواعد القانونية ، بدأً من القاعدة الدستورية و إنتهاءاً الی القرار الفردي الصادر من سلطة ادارية دنيا و هكذا تتقيد القاعدة القانونية الدنيا بالقاعدة العليا من دون تعارض. أما السلطة فهي في طريقها الی الخضوع التام للقانون ، لكي لا تتخذ بدورها إجراءً أو قراراً إداريا أو عملاً مادياً إلا بمقتضى القانون. وهناك اعتراف بالحقوق والحريات الفردية ، فهذا الاعتراف هو ضمان لتمتع الأفراد بحرياتهم العامة وحقوقهم الفردية. إن مبدأ فصل السلطات في الاقليم هو السند المتين لمنع ظهور الاستبداد وضمانة أساسية و فعالة لحماية حقوق الافراد و حرياتهم و خضوع الدولة نفسها للقانون. و بفضل الرقابة القضائية القائمة علی نظم قانونية معاصرة تعطی للأفراد سلاح  يستطيعون بمقتضاه اللجوء الی جهة مستقلة لإلغاء أو تعديل إجراءات متخذة من قبل السلطة العامة المخالفة للقواعد القانونية النافذة. و في الاقليم نری بأن الحکومة قطعت أشواطا نحو تطبيق النظام الديمقراطي ، فللمواطنين الحق في اختيار حاکمهم أو عزله عن طريق عدم انتخابه ، تلك هي مقومات وضمانات الدولة المدنية المعاصرة. أما الاستقرار الأمني فهو السبب الرئيسي في الازدهار الاقتصادي في كوردستان. و ما يفرحنا هو جدية الحکومة الجديدة في أعطاء دور أكبر للنخب المتعلمة في معاهد وجامعات الدول المتقدمة للتأثير في عملية انتقال القيم والمعايير ، وفي تطبيق سياسة قلع جذور البيروقراطية الإدارية والفساد المالي والإداري ، التي إن بقت تبقی عائقا أمام عملية التقدم والازدهار.
فمن الضروري التأكيد علی أن مفهوم الدَّولة في الفكر الكوردستاني تعدّ اليوم تجسيداً لإرادة المواطنين في إطار متساوٍ من الحقوق والواجبات ، أساسه العدالة الاجتماعية والسياسية.
ومن الواضح بأن اقليم كوردستان أمام تحديات آنية و مستقبلية  أکثر تعقيدا من تحديات الماضي ، لأن العصر الذي نلج فيه، کما يراه بعض الفلاسفة لا يُبقي شيئاّ كما هو عليه، لا الدين ولا الحداثة، لا المجتمع و لا الدولة، لا الاصولي و لا العلماني، لا الإسلامي و لا اليساري، لا الداعية و لا المثقف ولا يمکن البقاء بعيدا عن ثورة العلم والتكنولوجيا والاتصال والمعلوماتية والديمقراطية وحقوق الإنسان. فكل شيء، أكان ذاتاً أم فعلاً، يحتاج في مفهومه و معناه الی أن يوضع علی طاولة الدرس و التشريح، من أجل إعادة التجميع والتركيب أو التوظيف والتشغيل. و بوجود مبعوثين و دبلوماسيين لأکثر من عشرين دولة في الاقليم بالإضافة الی المستثمرين الكبار بجنسيات مختلفة  لا نری الفصل الكبير بين الداخل و الخارج و من البديهي بأن العولمة الزاحفة لن تترك أحدا خارجها إلا للتهميش.
إذن ما نستنتجه هو أنّ مفهوم الدولة قد تبلور في اقليم كوردستان بعد استناده الی تداول السلطة و المساهمة الفعالة في التنمية بفعل ممارسة الحكم الرشيد و الانفتاح على التواصل الإنساني الدولي.
وختاماً نقول: "من يقف ضد مفهوم الدولة في الفكر الكوردستاني يفتقر الی المصداقية والمشروعية والفاعلية في ما يرفعه من الشعارات، إذ هو لا يحسن سوی طعن الديمقراطية ولا ينجح في الاسهام الايجابي في الحداثة، فضلاً عن كونه أبعد ما يكون عن العالمية."
د. سامان سوراني



 

231
سقوط أوراق المالكي في فصل الربيع السياسي

تشكل المواقف الدغمائية المتتالية والمتاريس العقائدية والعقلية الأحادية والنخبوية للسيد نوري المالكي ولادة عهد جديد من الازمات في الحلقة المفرغة من العراق الحديث.
فمحاولات رئيس الحکومة الحالية و القائد العام للقوات المسلحة العراقية و وزير الدفاع والداخلية و رئيس المخابرات ما هي إلا سعيه لاحتكار  السلطة  و الحقيقة والرأي ، بعد أن أنطوی سيادته علی ذاته و أنسب اليها كل الفضائل والقدسية و بعد هجومه علی الآخرين و إنكاره لفضائلهم و في النهاية يلجأ لاستخدام العنف بأشكاله المتعددة لفرض أفكاره و معتقداته على الآخرين لانقياد الاستدلال الی العقم والسقم و قيادة العراق بعد خلاصه قبل مدة وجيزة من نير الاستبداد نحو الهاوية و إدغامه أو تسکينه في الديكتاتوريات الظالمة المتبقية في المنطقة. هذا الاسلوب السياسي الخاطئ و الترف الفكري و التفكير السطحي و الآني بعقله الضرير لا يولّد سوی واقع سيء ومرير.
فهو لا يعترف بما هو عليه أو فيه لكي يتعرف إلی نفسه ويشخص واقع العراق. هل هو قادر حقاً علی إحداث تغيير في مجری العراق الراهن ، حيث الأزمات تصنع أعطالها و كوارثها، وحيث الفكر الطائفي والقوموي لدی "دولة القانون" يولد أمراضه الخطيرة والفتاكة؟
من الواضح بأن الفلسفة السياسية هي إحدى المحاور الأساسية لموضوعات الفكر السياسي ، إذ تقوم بتعريف القانون وتحاول تحديد واجبات المواطن تجاه حكومته الشرعية ، إن كانت تحكمه حكومة شرعية.
نقوله‌ للمرة الالف بأن محاولات المالكي لقمع او الاستيلاء على المؤسسات المفروض ان تكون مستقلة ، كمفوضيتي الانتخابات والنزاهة والمصرف المركزي و نواياه الخفية يمكن تسميتها بسيف بتار لنحر فلسفة العيش المشترك و قلع جذور الدستور اليانع. لماذا الإنهاض بالحكم الشمولي و جعل العراقيين يعيشون مرة أخری في مستنقع التخلف تحت ظلم الذين يريدون تسمية العراق باسمهم لامتلاكه كمالك المُلك؟
إن الطغيان الأمني علی الدولة والمجتمع والناس لإلغاء الحيز العام والمداولة العلنية والمحاججة العقلانية و هدر الأموال ونهب الثروات وضرب مشاريع الإنماء بشراء طائرات الـ F16 وإعلان نوايا غير سليمة ، كالتخطيط خلف أبواب مؤصدة وفي اجتماعات سرية للضباط العسكريين لحرب ضد الكوردستانيين و التيارات العلمانية يجعل من العناوين الكبيرة المتعلقة بالديمقراطية و الفدرالية و حقوق الانسان والمجتمع المدني أسماء خاوية جوفاء.
الجهات الخارجية التي تغذي المشاكل المتواجدة وفقاً لمصالحها الاستراتيجية لا تنجح إن لم تكن هناك أيادي داخلية تساعدهم في توطين الدين في دولة السياسة والقانون لتحقيق مصالح وغايات آنية بعيدة عن الاهداف والمصالح العامة التي تخدم الوطن والشعب.
نقول، من يجعل من قبول الارتباط بالموروث السياسي والثقافي الديني بأي شكل كان حتى ولو كان بالشكل السلبي و تقليد الاصوليات الدينية والسياسية الحاکمة و الإهتمام الكبير بمسألة (الأنا) ورفض (الآخر)، الذي يعيق فتح بوابة العقل على آفاق الفكر الرحيب و يسد الطريق علی العيش المشترك ويقبل أن يكون جندياً حجرياً يحرك دون إرادة منه على رقعة مذهبه الشطرنجية لا يفهم من النهوض سوی السقوط فكيف بالحضارة والتقدم في هذا العالم المعولم. 
ومن يريد أن يجعل من تاريخ النشاطات السياسية لبعض الأحزاب العراقية وبالأخص الكوردستانية منها ، التي لعبت دوراً تاريخاً نضالياً مشهوداً في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بمقاومتهم الديکتاتورية و رفضهم الاستبداد في العراق ، رغم ملاحقة منتسبیهم وأعتقالهم أو أعدامهم وتشريدهم ، يرفض إشاعة فلسفة الديمقراطية و يساهم بشكل غير إيجابي في نشر راية امبريالية المعنی وديكتاتورية الحقيقة تحت طائلة عبادة الأصول وأحادية النمط والنماذج.
في هذا الزمن الكوكبي يجب العمل للتغير و إعادة التركيب لفتح آفاق بشرية جديدة ، من سماتها الاختلاط والهجنة والهويات المركبة ، لكن من يهاجم العقلانية في خطاباته التعبوية دفاعا عن مصالحه الفئوية يهدم مساحات و صيغ و قواعد التعايش السلمي ولا يری في التبادل السلمي للسلطة منهجا لعمله السياسي و ذلك من أجل تفعيل العدالة الاجتماعية والعدالة والمساواة.
القادة الكوردستانيون وعلی رأسهم السيد رئيس الاقليم مسعود البارزاني يسعون من خلال مبادراتهم الوطنية و محاولاتهم الجدية في إيقاف عجلة السلطة في بغداد  والتي تحمل في طياتها معالم الدكتاتورية.  وما عملهم نحو صياغة بديل موضوعي للمالكي إلا دليل آخر علی مشاركتهم الفعالة في بناء عراق فدرالي تعددي ملتزم بالدستور و اتفاقية أربيل و جاد في تطبيق المادة 140 ، التي طال انتظار الشعب الكوردستاني لتنفيذها باعتبارها جزءاً من الحقوق الدستورية بفضحهم المنزع العنصري. ذلك المنزع الذي يعمل أصحابه بعقلية التمييز والفرز أو التطهير والتصفية من حيث العلاقة مع المختلف والآخر.
القيادة الكوردستانية تساهم بصورة ايجابية في الحفاظ علی بنود الدستور و تحقيق التلاحم المجتمعي و إنهاء دوامة العنف في المشهد السیاسي العراقي .
إن الاقتصار علی الوصفات الجاهزة المجربة لا يقود العراق نحو بناء الدولة الحديثة و لا الی الازدهار و الفكر الطائفي العروبي لدی المسئول الأول في دولة القانون يولد أمراضه الخطيرة والفتاكة سواء اليوم أو في المستقبل القريب ، لذا نتنبأ سقوط أوراق المالكي وذبولها في فصل الربيع السياسي.
و ختاماً نقول "من يتعامل مع الديمقراطية والفدرالية بعقل أحادي هو كمن يقوم بالجزم بعقل أصولي أقنومي ، مآل عمله هو المزيد من الفوضى والفشل والإفلاس والخراب وتاريخ العراق القريب شاهد علی ما نقوله."
د. سامان سوراني



232
قيام دولة كوردستان وسط سخط المعارضين

من المعلوم بأن التواصل في عصر التحولات المتسارعة والطفرات المفاجئة في المعلومات والمعطيات يصنع الحضور، وأن الحداثة هي جهد و اجتهاد، مراكمة و تكديس، عمل و مراس، صناعة وتحويل، بناء و تركيب، علی نحو متواصل و بصورة نتغير بها بتغيير صورتنا عن أنفسنا وعن العالم، عبر المشاركة في ورشة الخلق والإنتاج.
فبعد أن نشر قبل فترة وجيزة مقالات لي حول موضوع "إعلان دولة كوردستان" و "الهوية الكوردستانية"، وصلني مجموعة غير قليلة من رسائل الکترونية تحمل في طياتها هجمات كلامية غير متحضرة علی الشعب الكوردستاني والقيادة الكوردستانية و أفكار عقيمة ذو تفسير أحادي لدعاة و حملة الشعارات وأصحاب المشاريع الإصطفائية، التي يشتغل أصحابها الی اليوم بمنطق التكفير والتخوين و بعقلية النبذ والاستبعاد والإلغاء. أسأل نفسي، ما النفع من نفخ شعارات في الديمقراطية و الفدرالية و الدولة الاتحادية، إذا كانت هناك قوی سياسية تفكر بعقلية النخبة والوصاية وإحتكار القيم و تحلّل في الدستور ما تنفعه و تحرّم فيه ما تنفع الجماهير الكوردستانية، التي هضمت حقوقها الشرعية إبان الحکم الديکتاتوري القسري والتي تسعی اليوم في إسترداد حقوقها الشرعية بأسلوب متحضر بعيد عن طرق تدمير صيغ التعايش بين الناس.
المحاولات الفاشلة في بغداد من قبل دعاة وحماة العراق العروبي، الذين سقطوا في إمتحانات العلوم والمعارف الحديثة، و أسلمة الحياة فيه لإستعادة ما لا يمكن إستعادته لا تجلب معها إلا فقراً و تخلفاً أو هذياناً و شعوذةً و ظلاماً و إرهاباً. الذين تعاملوا في السابق مع هوياتهم کعصاب أو كقوقعة أو كفخ، دمروا صيغ التعايش بين الكوردستانيين و بينهم بقدر ما نصبوا الحواجز الرمزية والمادية بين دوائر المكونات الأساسية في العراق، فوقعوا في النهاية فريسة ثوابتهم البائدة وأوهامهم الخادعة. فبعد سقوط الطاغية عام 2003 کان هناك فرصة ذهبية أمام القوی، التي تتربع اليوم علی عرش رئاسة الحكومة و سيطرتها الشبه مطلقة على المؤسسات الأمنية والعسكرية، لتقوم بمشاريع الإصلاح والتحديث و لتمارس الإعتراف بالآخر دستورياً بمعنی التداول والتبادل مع من كان مستبعد سياسياً أو ثقافياً أو حتی معرفياً و االإهتمام بمفاهيم كونية، أي الحرية والديموقراطية، لكن هذه القوی بنظرتها الطوباوية الفردوسية ولّدت عکس ذلك تماماً، أي المزيد من الاستقصاء و التفاضل والصطفاء والاستبعاد و التحامل علناً علی الكوردستانيين و العجز في تحقيق الحرية والعدالة، و هي اليوم تدعم الأنماط الثورية الإيديولوجية القائمة على نظرية القائد المنقذ.
هؤلاء لا يعترفون بأن ثمة منظومة إيديولوجية قومية إنهارت مع سقوط أوراق التين في بغداد بمسلماتها الثابة و أطرها النظرية وآلياتها العملية- کأنفلة الكوردستانيين و حرق قراهم و قصف مدنهم- بقدر ما فقدت مصداقيتها، بساساتها و أمناءها و قممها، بجنرالاتها و إعلامييها، بمفكريها و نظرياتهم المتهافتة، فضلا عن مثقفيها القاصرين والمذعورين من التحولات الثقافية العالمية، و سائر رموزها، الذين غرقوا في وهم المارد "صدام" بحجة الدفاع عن الحدود الشرقية من "الوطن العربي" أو "رسالة العرب الخالدة" و "كرامة الأمة العربية".
نقول  لا يمكن لهم مواجهة المستجدات، التي هي نتاج العولمة "وليبراليتها الجديدة" بعدة قديمة، لذا نری لزاماً علی الكوردستانيين أن يرسموا مجالهم الجيوسياسي بأنفسهم و لا يخافون في قيام دولتهم كوردستان لومة لائم.
وختاماً نقول: "إن لغة الصاروخ وطائرات F16 و المدفع والحشد المليوني المرصوص والجمهور الأعمی لن تصنع حياة ولن تجلب حرية ولن تغير واقعاً نحو الأحسن ولم تصنع إصلاحاً أو تجديداً أو تقدماً أو إزدهاراً."
د. سامان سوراني
 



233
التداعيات السلبية لقمة بغداد العربية علی إقليم كوردستان

من المقرر انعقاد القمة العربية في التاسع والعشرين من مارس الحالي في مدينة بغداد بحضور القادة العرب، يسبق ذلك اجتماع لوزراء الخارجية يوم 28 واجتماع لوزراء الاقتصاد والتجارة يوم 27 من الشهر ذاته، من جهة أخری نری تحركات رئيس الحكومة السيد نوري المالكي من أجل العودة العربية للعراق بإعتبار نجاح القمة يجلب له مكاسب سياسية  و نصراً شخصياً و محاولة بائسة للتزلف للعرب وإثبات عدم صحة شطب عروبة العراق للإستمرار في ممارساته الإقصائية والتهميشية واحتكار السلطة و الإستمرار في سياسة التنصل لحكومته من وعودها فيما يخص اتفاقية أربيل و المماطلة في تنفيذ بنود المادة 140 من الدستور الفدرالي للعراق و إن أمكن إلغاءها و اللعب بقانون النفط والغاز و السعي لإيقاف فكرة بناء أقاليم فدرالية و الإدارة اللامرکزية لتعزيز و تكبير دور نظريته في مركزية الحکم و کذلك العمل من أجل إنقاذ نظام الحكم الدموي الطائفي في سوريا، الذي يدعم بشكل أو بآخر من قبل جمهورية إيران الإسلامية  و حكومته، إضافة الی النظر بعين الريبة والشك الى إقليم كوردستان. لكن السؤال هو، هل تكون هذه المحاولات على حساب الكوردستانيين او ضد مصالحهم؟
أن حکومة اقليم كوردستان ليست ضد الجهود العراقية من أجل الإنفتاح علی العالم العربي و أن إقليم كوردستان حريص على التاكيد على الدستور الاتحادي، الذي يقول بأن العراق بلد متعدد القوميات والاديان، وهو الضامن لحقوقهم ولن يقبل بتراجع حقوقه الدستورية. و لقد أصبح الكوردستانيين بعد سقوط النظام الديکتاتوري المرکزي والقمعي رقماً أساسياً في معادلة توزيع القوة والسلطة في العراق الجديد و هذا ما شاهدناه من خلال مبادرة السيد مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان في إيجاد مخرج لأزمة تعطيل تشكيل الحكومة العراقية التي ارتكزت علی ثلاثة مبادئ أساسية، التوافق والتوازن والشراكة، من خلال الدعوة إلی تشكيل حكومة شراكة وطنية حقيقية و تعزيز التجربة الديمقراطية ومنع التفرد بالسلطة. لكن لو سلطنا الضوء علی مستقبل إقليم كوردستان و المشاكل العالقة و الخلافات المتجذرة بين الإقليم و الحكومة الإتحادية نری لزاماً ذكر الجهود التي تبذل من قبل القيادة الكوردستانية في دهاليز السياسة الرامية الی تحقيق ما يمكن تحقيقه من حقوقهم المشروعة التي طالما حمل القائد التاريخي البارزاني الخالد السلاح من أجله. صحيح بأن السياسة هي فن الممكنات، لكن ماذا لو جاءت نتائج هذه القمة سلبية علی الكوردستانيين و كانت من أولويات عمل القمة هو التعاون مع حکومة المالكي لتقليص دورهم و افشال تجربتهم في الديموقراطية؟
هل أن إستقرار الأوضاع في العراق وإستعادته لقوته سينعكس سلباً على حقوق ومصالح الكورد؟
في السابق کانت حکومة بغداد دوماً تتنكر لوعودها بمجرد إمساكها بمفاتيح ومفاصل السلطة والقوة، بعد إستقرار الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية لصالحها، لتبدأ مرحلة جديدة من إنكار حقوق الشعب الكوردستاني.
ما نراه هو أن  السيد المالكي لا يكفّ عن إدّعاءات التيقّن والقبض والحكم في مسار التاريخ الرجعي في العراق و محاولات لاحتكار المشروعية العليا، إنها ثقافة مضادة للديمقراطية والسياسة. فنراه اليوم يتعامل بنفس المنطق واللامسؤولية مع الجانب الكوردستاني و يلتف على إتفاقية أربيل ويتهرب منها، بعد أن سيطر على مراكز السلطة والقوة المتمثلة بوزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني و يسمی علناً و بلغة تهديد مبطن دستور كوردستان مشروعاً للإنفصال و ينوي إلغاء بعض المواد الدستورية التي سمّاه "ألغاماً بدأت تنفجر".
علينا أن نحسن قراءة المجريات و تشخيص الواقع الراهن في العراق والمنطقة. السؤال هو، هل بإمكان المشارکين في القمة بناء هندسة اجتماعية تحقق قدراً من الآمال بإقامة مجتمع السلام والعدالة والرفاه؟
فالعدالة لا تطبّق والحقوق لا تحترم من غير اعتراف متبادل يتجاوز مفهوم التسامح الخادع الذي يلغّم الوحدات والهويات. 
وما علی الكوردستانيين، الذين هم صاحب قضية عادلة، إلا توحيد كلمتهم وصفهم وتحديد أهدفهم. أما حكومة الاقليم فعلیها طرح موضوع حق الشعب الكوردستاني في تقرير المصير على بالمجلس الوطني في أقليم كوردستان، و ذلك لرسم خارطة طريق واضحة ومتكاملة من أجل تحقيق هذا الهدف المنشود. وعلیه القيام بإستفتاء جماهيري شامل في كافة مناطق الأقليم، بضمنها المناطق المستقطعة، و إن أمكن بإشراف منظمات دولية من الأمم المتحدة ، وبتغطية حية ومباشرة من قبل وسائل الإعلام المحلية والأقليمية والعربية والعالمية، وإني واثق كل الوثوق بأن قرار الشعب الكوردستاني سوف يكون لصالح إقامة دولة كوردستانية مستقلة. 
وختاماً نقول: " ان الرهان السياسي على حصان خاسر يقود المراهن الى الافلاس السياسي."
د. سامان سوراني

234
العراق بين ألحان المالكي و نشيد الوحدة الوطنية المزوّرة

من المعلوم بأن الوحدة، مهما كان نوعها و شكلها، يجب أن تأتي خلال حكومة تؤمن بالديمقراطية الفعلية بحيث يستطيع الشعب في ظلها أن يجتمع. الوحدة هي عقد تاريخي، ثقافي، أخلاقي و قيمي، ترتفع في ظله قيمة المواطن، وتتعزز فيه قيمة الوطن.
وهناك جدلية تقول، لا يـمکن أن يكون المواطن عزيز و كريم في بلد ضعيف و لا يمکن لوطن أن يكون قوي، منيع وسديد و مواطنه مقموع، مضطهد و مستبعد و مهمش.
الخطب المؤدلجة والشعارات المستهلكة، والمفردات التي تستخدم من قبل السياسيين القوميين الإسلاميين، مثل ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية و العمل من أجل وحدة الصف الوطني و كسر يد إرادات خارجية لا تقلل من الأزمة الحقيقية و لا تخفف من حدة المعارك الفاصلة، التي سوف تنجم بسبب الأزمات السياسية، إن لم يكن هناك استعداد داخلي و عميق للتعاون في ارساء دعائم العملية السياسية وترسيخ البناء الديمقراطي في ظل مصالحة وطنية حقيقية والعودة إلى أسس التوازن في المؤسسات الحكومية من خلال الالتزام بالشراكة الحقيقية بشكل يضمن حق كل طرف حسب استحقاقاته  والأخذ ببنود اتفاقية اربيل، التي على أساسها تشكلت الحكومة، و كيفية تحقيق الشراكة الحقيقية في صنع القرار والعمل الجدي لحل المشاكل العالقة بين بغداد واقليم كوردستان و وتفعيل دور السلطات التشريعية والتنفيذية وفق المبادئ الدستورية.
صحيح بأن التحقيق الفعلي والكلي والشامل للعدالة في الحدود الانسانية الممكنة يستلزم وجود المؤسسات القادرة علی رسم تلك السياسات وضمان تنفيذها وإصدار تلك التشريعات و الحرص علی تطبيقها. فالمؤسسات السياسية هي المسؤول الأول والأخير عن واقع العدالة في حيال الأفراد والمجتمعات في حالتي السلب والايجاب، لكن إشهار السيف للدفاع عن الهويات بعقلية القوقعة والمحافظة، هو في الحقيقة الدفاع عن أسوأ التقاليد و أكثرها عمقاً، لتبرير المساویء والأخطاء، وهكذا لا يمكن تحقيق التنمية أو تغير الواقع والمآل هو التراجع و إنتهاك الإدعاءات و تدمير الحاضر و إفتراس المستقبل.
إن قيام الديمقراطية وتطبيقها يعنيان أولاً و قبل كل شيء إعتراف كل قوة من القوی المجتمعية بحقوق القوی الأخری و حرياتها و أدوارها الإجتماعية والسياسية و أن غياب التعددية الفكرية والثقافية والسياسية يعطل أية محاولة أو إمكانية لإنتاج ثقافة عصرية عقلانية حديثة، تختلف في مبادئها وأهدافها ووسائلها، لكنها تتفق علی مصلحة الشعب و إحترام حقوق المكونات المختلفة.
علی رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، والذين يتصدرون المشهد السياسي في العراق الفدرالي أن يعرفوا بأن الوحدة الوطنية طوعية لا تفرض بالقوة وأن عهد تعبئة الحشود الهائجة والجموع الموتورة من قبل قادة ملهمين ونماذج نضالية، التي قضت أعمارها وراء وعود مستحيلة وقضايا خاسرة، و قسمة العالم قسمة مانوية حاسمة الی معسكرين، الخير والشر، الحضارة والبربرية و التصدي لقيادة الدولة بعقل إنفرادي إمبراطوري عسكري، لإنتاج مزيد من الصراعات الطاحنة و الحروب المدمرة، قد ولّی الی غير رجعة.     
ومن المعلوم بأن لا إدارة و لا تدبير من دون تغيير يطال أطر النظر أو وسائل العمل بوجه من الوجوه، سواء تعلق الأمر بالإصلاح و النهوض أو بالتحديث والتطوير.
فما يحتاجه العراق لبناء مجتمع مفتوح و مزدهر، متقدم و صاعد هو تفكيك الترسانة المنطقية المصنوعة بمفردات الكلي والضروري والأحادي والمتعالي والماهوي، أي الطبيعة النوعية للشيء كأمر ثابت يتصف بالكلية والعموم، و العمل علی خلق لغة مشتركة أو وسط للمداولة أو مساحة للمبادلة في هذا المجال أو ذاك و ذلك باحياء النصوص الدستورية المهملة حالياً للخروج من عنق الزجاجة و جعل الحياة في هذه البقعة المليئة بالخلافات المبنية علی أسس الطائفية وامبراطورية المذاهب والعقل القوموي العروبي أقل بؤساً و فقراً و أقل توتراً و عنفاً و التخلي عن ادعاءات التأله والقبض، التي تحيل الشعارات الی تنانين فكرية تولد الاستبداد والفساد و تنتج التوحش والخراب.
لابد للنجاح الی شعب واعي يؤمن بالديمقراطية الأفقية. فالإنتاج المعرفي لم يعد محصورا ببلد أو بهوية ثقافية، ولم يعد حكرا علی الغربيين وما يحتاجه المجتمع العراقي هو علماء و فلاسفة ينتجون معارف حول العالم و أناس ينخرطون في ورشة الانتاج المعرفي و ينتجوا أفكاراً عابرة للقارات والثقافات، ولا مثقفين يلّفقون النظريات المزّيفة أو يفبركون الاحلام المستحيلة، لحصد مزيد من الخسائر والكوارث.
و ختاماً: "من يعمل اليوم، سواء نجح أم أخفق، يصبح تحت نظر العالم، لذا فإن عمله يكون محل التقدير والتقييم، بقدر ما يعني جميع الناس في هذا الزمن المعولم."

د. سامان سوراني
 


   


235
میر بصري وکتابه أعلام الکورد

صَدَرَ الأديب والشاعر والخبير الاقتصادي میر بصري، الذي ولد عام 1911 لعائلة يهودية عراقية في بغداد عام 1991 کتاباً تحت عنوان أعلام الکُورد، وهي عبارة عن سیرة لمجموعة غیر قلیلة من شخصیات کوردیة ترکت بصماتها في تاریخ الکورد السیاسي والإجتماعي والأدبي وقراءات في التاریخ الکوردي ومعالم کوردستان العراق. وتطرق المؤلف الى مواضيع سياسية شائكة في التاريخ المعاصر وكان اميناً في بحثه وبعيداً عن الاستنقاء.
فعلى سبيل المثال قدم في هذا الكتاب لمحات عن الشعب الکوردي وإمارة آل بابان، ذاکراً فیه أیضاً مؤتمر القاهرة، الذي عُقد في شهر آذار (مارس) عام 1921 برئاسة وزیر المستعمرات البریطاني ونستن تشرسل لتسویة قضایا الشرق الأوسط.
وهنا یذکر المؤرخ میر بصري (أنظر الی الصفحة 37 من الکتاب المذکور) إقتراح المیجر هیوبرت یانغ، الذي کان موظفاً في دائرة الشرق الأوسط بوزارة المستعمرات، إنشاء دولة کوردیة في "المناطق التي یسکنها الكورد، وهي کرکوك والسلیمانیة وبعض أقضیة الموصل الشمالیة" فوراً تحت إشراف المندوب السامي المباشر، دون أن تکون تابعة للحکومة العراقیة. هذه‌ الفکرة لاقت أیضا تأیید المیجر نوئل، الذي خدم في کوردستان وکان هذا الأخیر یعد أکثر الموظفین البریطانیین إطلاعا علی الشؤون الکوردیة.
هذا المؤرخ لم يترك شخصية عراقية إلاّ ودونها في كتبه الكثيرة، فقد أرشف حياة زهاء ألف شخصية عراقية، ما بين فنان وسياسي وأديب ومؤرخ ودبلوماسي ورجل دين وفقيه وصحفي. يمكن اعتبار كتبه الكثيرة القيّمة، التي ما زالت تحظى باهتمام من قبل العديد من القراء العراقيين، كنز من كنوز التراث التاريخي والسياسي في دولة مصنعة كالعراق. كان مير بصري غوًاص طويل النفس يغوص في قعر البحار ويقيم فيها لينتزع منها الدرًر المكنونة واللآليء  الفريدة.   
لقد بقي میر بصري المتخصص في الثقافة والتاريخ والأدب والسياسة العراقية والمعرفة العامة مخلصاً علی وفائه لوطنه وعلى انسانيته وعلى تفانــيه من أجل خدمة الحقيقة والكلمة. وعراق الیوم، بعد كل ما واجهه من حروب ودمار، بحاجة ماسة الی رموز ثقافیة أمثال میر بصري ليحققه ويوثق تراجم شخصياته، إن هذا المثقف المبدع أغنی الثقافة العراقية بعطائه المميز وقام بنشر ثقافة إنسانية حضارية جديدة، ثقافة التآخي والتضامن والتعاون.
وعلی الکورد والعرب وجميع العراقيين تکریم وإستذکار میر بصري إستذکاراً يُليق بما قدمته أنامله الإنسانیة الأصيلة.
د. سامان سوراني


236
نشأة الدولة الكوردستانية وفلسفة المواطنة المعاصرة

إن مفهوم المواطنة يحتلّ مكانة مركزيّة في الفلسفة السياسية وهو يمثّل مدار تحليلات الفكر الفلسفي السياسي قديماً و حديثاً، فهي الحق في اكتساب الحقوق. والمواطنة تعني أيضاً المشاركة في الوطن، على أسس الحرية والمساواة والتكافؤ.  أما المواطن فهو عضو في مجتمع يحمل هويته ويكن له الولاء وله حق المشاركة السياسية في إدارة الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ويتمتع بالحقوق المدنية التي يكفلها له القانون. و من أهم حقوقه هو حق طلب الحماية والدفاع عن حياته وممتلكاته الخاصة. فهل هذا الحق مضمون للمواطن الكوردي في العراق؟
ما نشاهده في إقليم كوردستان هو الجهود التي تبذل من قبل الحکومة الكوردستانية و القيادة الحكيمة الواعية لبناء علاقة إيجابية و متينة بینها و بين المجتمع الكوردستاني، لأنها تعلم بأن الشعب مصدر مهم للسلطة وشريك كامل في تقرير السياسات العامة عبر ممثليه المنتخبين في المجلس الوطني للإقليم. والهدف من هذا هو خدمة المجتمع الكوردستاني وصيانة مصالحه والارتقاء بمستوى معيشته، وضمان كرامة أفراده وعزتهم ومستقبل أبنائهم، الذين نالوا في عهود الجمهوريات العسكرية جور الحکومات المستبدة وإن رضا الشعب الكوردستاني هو الحجر الأساس لشرعية السلطة.
الشعب الكوردستاني إذ يبرهن اليوم علانية، وبصورة عملية، على نطاق واسع تأييده الحاسم لبناء الدولة بالطرق السلمية الأرقى والأنبل والتي تتوافق مع بنود الدستور العراقي، وهو يدعم اليوم حكومته، التي تعمل بشكل مدني ديمقراطي و تسعی من أجل التعددية، لأنه يعلم بأن نشأة الدولة نتيجة لميثاق و تعاقد إداري حر بين الأفراد، تتم بمقتضاه تنازله عن بعض حقوقه الطبيعية و حريته المطلقة مقابل تحقيق الأمن و استقرارهم و ضمان المعيشة له و لأبناءه.
إن شبح التغيير يحوم في أيامنا هذه في سماء الشرق الأوسط و علی الحكومة الاتحادية وأحزابها السياسية الكبيرة، الماسكة بخيوط السلطة الأخذ بالتجربة الكوردستانية و مراجعة نفسها و برامجها و وهوياتها الفكرية والسياسية بشكل جذري، كي تصل الی محصلة تكمن في طياتها الاستعداد الحقيقي لتلبية استحقاقات المرحلة المقبلة و البحث عن آليات جديدة، ذكية ومسؤولة وواسعة الأفق، تتلاءم مع المرحلة التي يعيشه العراق، وتبتعد من المشروع العروبي الشوفيني، الذي بدأه نظام البعث الفاشي في الستينيات من القرن الماضي. ذلك النظام الذي إتقن لغة النضالات الفاشلة والقضايا الخاسرة والشعارات الخاوية بمهارة فائقة، بقدر ما لفق النظريات المزيفة أو فبرك الأوهام الخادعة والأحلام المستحيلة لإنتاج المزيد من الهزائم والخسائر والإفلاس والتردي والانهيار، والتاريخ شاهد علی مانقول.
ومن المعلوم بأن إعادة تعريف ما هو تاريخي وما هو سياسي في اللحظة الراهنة أمر ضروري، لإن الإستمرار في إنكار الحقوق المشروعة للشعب الكوردي "المضمونة" في الدستور الإتحادي دليل علی عدم هضم الكثير من النخب الحاكمة والأطياف السياسية في العراق المتغييرات وعدم استخلاصهم العبر و الإستفادة منها و عدم إدراكهم بعد بأن الدلائل کلها تشير الی ان وجوب الدولة الخاصة بالشعب الكوردستاني هو الحل لليوم و المستقبل. إنهم لم يسألوا أنفسهم، هل يستحق الشعب الكوردي كغيره من شعوب المنطقة و العالم، التمتع بحقوقه الطبيعية و في مقدمتها حق تقرير المصير لابناءه و ماذا نفع أو ضرر المنطقة ان تمتع شعب كوردستان بإستقلاليته و قام ببناء كيانه بشكل سلمي عاش باخوة و سلام مع شعوب المنطقة.   
صحيح بأن الكوردستانيين أعلنوا رغبتهم الحقيقية والطوعية بالبقاء ضمن إطار عراق ديمقراطي فدرالي إتحادي، يقر ويعترف بالحقوق القومية الكاملة للشعب الكوردي، كمكون رئيسي ثان وشريك فاعل في الحكم والعملية السياسية، وفي إطار برلمان ديمقراطي منتخب، يلم تحت خيمته ممثلين عن جميع مكونات وأطياف الشعب العراقي لكننا نری من الطرف الآخر بأن حق تقرير المصير للشعوب جميعاً، بما فيهم الشعب الكوردستاني، هو حق تاريخي لا يمكن نكرانه وإن الذين يعملون ليل نهار من أجل اجهاض قيام الدولة الكوردستانية هم من يفسرون هذا الأمر  بمؤامرة خطيرة لتقطيع أواصر الشعب العراقي وأرضه وثرواته، و يريدون أن يقفوا بعقلية الرعية والمبايعة ضد سعي الكوردستانيين إلى أن يكون مستقبلهم هو ذواتهم و يسهموا في صناعته و يحققوا ذواتهم فيه تحقيقاً حرّاً.
كفی التفکير بالنظرية التي كانت تدعم السلطة القائمة في البلدان العربية كمجرد سلطة لا دولة، سلطة تمارس سلطتها الأمنية من غصب أو غلبة أو قهر أو استتباع أو صهر وتذويب قسريين على الواقع الاجتماعي، ولا تقوم بدور الدولة الحقيقي.
من المعلوم بأن لكل عصر ثوراته، كما أن لكل ثورة مفرداتها فبعد أن أصبحت الآلة، علی ﺤدّ قول الجنرال شارل ديغول (1890 - 1970)، السيد المطلق الذي يدفع المجتمعات إلى التغيير  ويدعم فرص السلام، و بعد أن انتقل الناس من الديمقراطية المرتبطة بالصناديق إلى "الديمقراطية الميديائية" التي تضخها التقنية وبعد أن تمكنت التكاملات الجهوية من خلق جزر سلام في العلاقات الدولية، فصار لزاماً علينا أن نسجل أسماءنا في طبقات طور التكامل و أن ندخل في ورشات اقتصادية وسياسية علی أمل الإنضمام الی النموذج التكاملي الغربي، لأن التكامل يجبرنا على تغيير منظومتنا وقيمنا الداخلية، حينها تتراجع القراءات الكلاسيكية لأدوار ووظائف الدولة و يرتفع مقام الفرد ليحتل المكانة الأولى وبذلك تتراجع فكرة الأمن للدولة إلى فكرة الأمن للإنسان. إذن ما يحتاج إليه القوی السياسية في العراق هو إتقان لغة الشراكة والمداولة والتحول عما هي عليها لكي للتعايش بأقل كلفة ممكنة، تسلطاً وعنفاً وتفاوتاً والعمل علی إعلاء شأن "الهوية المفتوحة والغنية".
وختاماً: "إن الإقامة في الزمن المتسارع، تعني أن التغير بات نظام الأنظمة الذي يوجه كل المدارس والاستراتيجيات، بقدر ما تعني أن ما نحسبه العطب، أي الموقت والعابر، هو الممكن الآن."
د. سامان سوراني

237
سياسة تفكيك الأصوليات الدينية و استئصال الأفكار الإرهابية السامة

من المعلوم بأن الثورات العربية، التي بدأت من تونس و مصر و اجتاحت الفضاء السياسي في ليبيا و هي مستمرة في سوريا وفي بعض بلدان أخری في المنطقة، لم تكن نخبوية أو إيديولوجية، بل كانت ثمرة فتوحات العولمة، أخذت طابعاً شعبياً غير مسيّس، دون الركوب علی ظهر زعيم أوحد أو قائد ملهم.  طابعها هوية مركبة ومتعددة، مفتوحة ومتحركة، صنعتها الأجيال الجديدة، العاطلون والعاملون، الذين يتقنون قراءة المعلومات على الشبكات والتواصل عبر الأوتوسترادات الإعلامية والميادين الافتراضية.
يمكننا إعتبار هذه الثورات، بعد تغلبها علی الأنظمة المستبدة والمنظومات الإيديولوجية، بمثابة فرصة وجودية للخروج من التخلف الحضاري العالمي والمشاركة الإيجابية. فهي وليدة العصر الرقمي والکتب الرقمية الناعمة، لم تخرج من رحم العقائد الدينية أو الإيديولوجيات العلمانية، قد تنقلنا  إلى وضع جديد، لا عودة معه إلى الوراء بأيّ حال من الأحوال، لأن كل شيء آخذ في التغيير.
أما الأصوليات الدينية، التي ظهرت بعد إخفاق تجارب القوموية العروبية والإشتراكية، كانت و ماتزال ترفع شعارات التحرير والمقاومة والممانعة ومقولات المركزية والفوقية والخصوصيات الثقافية، فشعاراتها تختلف عن الشعارات التي ترفع اليوم من قبل التحركات الشعبية، التي استخدمت أدوات العولمة وسيلة للتركيز علی قيم الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان و التي خلعت الإيديولوجيات المقدسة و کسرت عقلية النخبة لتنتقل الی مجتمع تداولي فاعل وتخلت الی حد ما عن منطق العنف لصالح وسائل سلمية مدنية. ما يريده الأصولي الديني، إذا أمكنه الحكم، هو إخضاع الآخر، للقيام بإنشاء دولته التيوقراطية بمنطقه الأصولي وفرض سلطته الدينية تحت عمامة المرشد الذي هو خليفة الله ونائبه وظله على الأرض، إذ لا وجود للمواطن الحر العابر لحدود الطوائف والمذاهب والأحزاب، المتساوي أمام القوانين والأنظمة الوضعية.
لا يزال الأصولي الديني، بعد كل هذه التغييرات الكونية، مع الدولة الشمولية التي تهيمن على المقدّرات وتحصي الأنفاس وتخضع البشر بالقوة العارية، من أجل تطويعهم وتسخيرهم لدعوات مستحيلة او عقائد مدمّرة تحوّل الوعود بالفردوس أعراساً للدم. وهو بذلك يريد تشكيل الوجه الآخر للدولة العلمانية الشمولية، كما تم تجربتها في أواسط و نهاية النصف الأول من القرن الماضي بنماذجها الستالينية والفاشية والماوية أو نسخها الكاريكاتورية في دول العالم الثالث.
بمعنی آخر، الأصوليات الدينية هدفها التقويض أو تخريب العمران، لأنها لا تقدر على إصلاح أو تحسين بناء.
أما الإرهاب فأنه يبدأ من الفكر، وعندما يغيب العقل ينمو الإرهاب ويتكاثر و إن الجزء الأكبر من ثقافة الإرهاب تأتي من الكتيبات التي توزعها جهات دينية رسمية أو غير رسمية على التجمعات الدينية، وفي مواسم دينية سنوية كبيرة على المسلمين، محتواها تعتبر التعددية الحزبية كفر وإلحاد‏، وتری في الأحزاب السياسية مجرد مكونات جاهلية‏، ‏باعتبار الانتماء لهذه الأحزاب كفر وردة عن دين الإسلام، وأن هذه الأحزاب تفرَّق المسلمين‏ و تدعم الرأسمالية والبنوك الرّبوية.
إن علّة كل شيء تكمن في مفهومه بالدرجة الأولی، من هنا نری الحاجة الی مساءلة مفهوم‌ الإنسان لتفكيكه و إعادة بناءه. وعلاج الإرهاب يبدأ من معرفة الإنسان لنفسه معرفة حقيقية تضعها في مكانها الصحيح، بحيث يرى الإنسان نفسه من خلال الآخر و به أيضا لا من خلال نفسه و يخرج على قوقعته التراثية، لكي يفهم المجريات على الساحة الكونية ويسهم في المناقشة العالمية الدائرة حول المعضلات و يفتح أفاق الحوار، ويتجنب سياسة الإقصاء ويجتهد في سبيل القبول بالرأي والرأي الآخر
العالم تغير من قرية كونية إلی مجلس كوني، فبعد الانعطافة اللغوية والطفرات المعرفية والثورات المنهجية في غير فرع، لم يعد مجدياً أن نفكر بنفس الوجهة والطريقة. ما يمکن لنا عمله، هو کشف و تعرية منابع الإرهاب في تعاليمنا و تعليمنا و مشاريعنا و مدارسنا و إذاعاتنا و شاشاتنا التي تحفر أسس الإرهاب في اللاوعي و تشيد صروحه في مباني الفكر والعقيدة، بقدر ما تكمن في کثير من النصوص و النماذج والصور المحرمات والفرائض التي تصنع حياتنا، لإنتاج المآزق والكوارث.
في هذه الأيام التي يشتد فيها الصراع من كل صوب نری أنفسنا أحوج إلى التعقل والرشد و البدء بالحوار مع الآخر المختلف، ولكن كيف ينضج الحوار مع الآخر في حين لم ينضج بعد الحوار مع الذات؟ أم كيف ينضج حوار لم يعرف فيه المتحاورون آداب الاستماع؟ أم كيف ينضج حوار نهتم فيه بإبراز نقاط الاختلاف عن نقاط الاتفاق؟
ما نحتاجه، هو كسر وحدانية الذات علی نحو يفتح الإمكان لقبول الواحد الآخر، بوصفه مختلف عنه بالهوية، ولكنه مساو له في الحقوق والكرامة والهوية ومن الضروري التمرّس بالتقی الفكري، الذي يجعل الواحد يقتنع بأنه أقل معنی وشأناً مما يدعي و في ما يدعو اليه، والتعامل مع المعالجات کتسويات، لا كحلول نهائية أو قصوى والعمل علی تقوية الوعي النقدي في مواجهة الذات قبل الغير، لصوغ أطر  وقواعد جديدة تتيح العيش المشترك علی نحو سوي، سلمي، تبادلي.
وختاماّ: "مآل كلّ حدٍّ أقصى: أن ينتج ضدّه."
د. سامان سوراني


238
إستراتجية الرفض والإقصاء للمختلف أم التمرس بسياسة الأعتراف المتبادل؟

المتصفح في دائرة المعارف الإيطالية يقرأ تحت الفكرة الفاشية تحديد لموسوليني مضمونه ما يأتي: "الفاشية دين يحدد وضع الإنسان و علاقته الوثيقة بقانون أعلی و إرادة سامية تسمو به الی عضوية واعية في مجتمع روحي- الفاشية نظام فكري الی جانب كونها نظام للحکم – الفاشية تهمل الفرد و تحصر إهتمامها في الدولة، والفرد الصالح هو الذي ينسجم مع الدولة لتحقيق الإرادة العامة الداعية للإنسان في كيانه التاريخي".
لا شك أنه بعد سقوط النظام الفاشي في العراق عام 2003، الذي أتخم نظالات فاشلة و قضايا خاسرة و حاول بشكل بربري العودة من جديد الی سلطة زاقورات بابل أو مواقد أثينا و روما، حصلت تغيّرات إيجابية بإتجاه نقد الذات أو من حيث العلاقة مع الحقوق والحريات، لكنها لم تطل الثوابت والقناعات، لأن النسبية و الذرائعية من حيث العلاقة بالحقوق والحريات لم تجتاز بعد الخطوط الأولی نحو إبتكار الجديد من الرؤی و المفاهيم و القيم والسياسات و الإستراتيجيات التي تتوسل مفردات المفاوضة والتسوية والتعاون والشراكة أو التداول والتبادل.  ما نراه في العراق هو إفتقار الأحزاب الدينية والقوموية الی التمرس بسياسة الإعتراف المتبادل.
للأسف تمر الحياة السياسية في العراق بمرحلة من التوتر والتشتت والفوضى والالتباسات الفكرية والسياسية، لذا بات لزاماً علينا التأكيد على المنطلقات التي تؤدي الی الديمقراطية وإعادة النظر في بعض المفاهيم التي شابها شيء من الغموض أو اللبس، جرَّاء الظروف التي استجدت بعد سقوط الطاغية، وإعادة صياغة بعض التوافقات التي تستدعيها هذه الظروف الصعبة. وفي مقدمة هذه التوافقات إخراج مشروع دمقرطة المجتمع من دائرة التجاذب بين الاطراف المتصارعة وتوكيد استقلاله وانبثاقه من حاجات المجتمع ومن توق جميع القوى الاجتماعية الراغبة في التغيير الديمقراطي إلى الحرية والحياة الكريمة. ويقتضي ذلك توكيد الروابط الضرورية، المنطقية والتاريخية، بين الوطنية والديمقراطية وأن إلغاء أي منهما هو إلغاء للأخرى، إذ الديمقراطية التي تستمد جميع عناصرها من الشعب، الذي هو مصدر جميع السلطات، هي مضمون الدولة الوطنية، وهذه الأخيرة هي شكلها السياسي وتحديدها الذاتي وتجريد عموميتها.
إن علاقة الوطنية بالديمقراطية هي علاقة جدلية بامتياز، ومن المؤكد ان فك الاشتباك بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وتحرير هذا الاخير من هيمنة الدولة سيساهم في وضع مشروع دمقرطة المجتمع موضع التطبيق، وبالتالي المساهمة في بناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد، تلعب فيه مؤسسات المجتمع المدني، على تنوعها، دوراً مهماً وبناءً.
هناك شعوب نموذجية مرت بالتجارب المُرّة وتمكنت بعدها من نزع عباءتها الأصولية والتحرر من عقائدها الثورية، بعد أن أوصلتها العقائد الثورية إلی الكوارث والمآزق، و قامت علی إطلاق قواها الحية والديناميكية، لكي تمارس حيويتها الفكرية علی سبيل الإنتاج والإبداع و تتقن لغة الخلق والتحول. إن التجارب المريرة و الأزمات المتلاحقة و فتح أبواب جهنم في غير مكان من العراق أثبتت أيضاً بأن القوة واستعمال المنطق العنصري العدواني والهيمنة والاحتكار والصدام والغزو والإرهاب من قبل السلطات المركزية لم يعد يجلب أمناً أو يصنع سلاماً أو يصون هويةً، والشواهد علی ذلك بليغة.
في السابق اعتبرت الدولة العراقية نفسها هي الممثلة الأولی للمجتمع و قامت بإقصاء مختلف مؤسسات المجتمع المدني من الأحزاب السياسية المعارضة، إلى النقابات المهنية والعمالية، مروراً بالمؤسسات الاجتماعية المختلفة، من مجالها السياسي، وبنت النخبة السياسية -الإدارية الحاكمة فيها نموذج الدولة التسلطية، التي تعاظم دورها في مختلف الميادين والنشاطات الاقتصادية تحت شعارات مختلفة. ما نتمناه هو أن يوقف الأحزاب التي تسكن دفة الحكم في العراق الفدرالي عجلة توليد المآزق التي تضع الجميع بين فکّي الكماشة و ما نحتاجه اليوم في العراق الاتحادي هو قياديون يستمعون إلی الآخر لخلق وسط للتفاهم أو خط للتواصل، و يديرون القضايا والمصالح بعقول تداولية، وسطية إجرائية.
إن التماهي مع الذات حتى الذوبان والانتشاء و إقصاء الغير حتى الاستئصال الرمزي أو المادي يعني إبراز التشكيل العنصري أو الحشد الفاشي و النتيجة هو إرسال مصالح العباد والبلاد إلی الجحيم.
ومن المؤکد بأن القوة اليوم لا تصنع من خلال حشد الأسلحة والجيوش والصواريخ والترسانة النووية أو إرادة الغطرسة والهيمنة أو صنع القطعان البشرية والكُتل العمياء التي هي مادة الاستبداد وآلة الإرهاب، بل تصنع بالدرجة الأولی من خلال القادرين علی خلق ما تحتاج إليه مشاريع النهوض والإصلاح والتحديث والتنمية والسلم و من إجتراح المعادلات والصيغ والأطر والشبكات والأسواق والأدوات.  فالفكر ليس "مهنة" لفئة من الناس، بل هو "ميزة" الإنسان عامة. 
و ختاماً: لا يقوم المجتمع العراقي من دون خلق وسط جامع و شراكة حقيقية يتوسط فيه جميع المكونات المختلفة بعضهم البعض، بقدر ما يديرون اختلافاتهم و نزاعاتهم عبر الوسائط التي تمثلها اللغة بقدراتها التواصلية و المحاججة العقلانية بمسوّغاتها المفهومية، وصولاً إلی إجتراح قواعد جامعة للعمل المشترك، تكون مقبولةً لدی الرأي العام أو العقل العمومي أو العقل الكوني.
د. سامان سوراني

239
إقليم كوردستان ورسم المصائر في العراق الفدرالي

ما يشهده العراق من التحولات و الصيرورات، مع خروج الفاعل العسكري الأمريكي، ينال من مصداقية المشاريع السياسية بقدر ما يطال الدور الذي يضطلع به السياسيون والأحزاب العراقية في صنع المستقبل و رسم المصائر في هذا البلد.
هل يستمر أصحاب الشأن السياسي في العمل بعقلية الطوبی والاستلاب و إتقان لغة الشكوی والإدانة، لكي ينتجوا المآزق ويحصدوا الخيبة و الإخفاق، أم ينخرطون في صنع إمكانات تسفر، بتوجهاتها الموضوعية و سياساتها المعرفية، عن ميلاد خارطة سياسية جديدة أو صوغ قيم مغايرة للتعايش والتواصل بين الكيانات المختلفة في العراق أو افتتاح مجالات مثمرة للعمل في سبيل الاتحاد الطوعي و الديمقراطية الجذرية؟
في أي حال ما نشهده من تغييرات في منظومات الفكر السياسي وأنماط التعامل مع الأحداث و النماذج التي تقدم في سبيل العيش المشترك، يضع موضع السؤال الأنساق السياسية و النماذج السلطوية، بقدر ما يصدع شبكة العلاقات التي ينسجها الأطراف الكوردستانية مع الجهات والمؤسسات السلطوية الفاعلة في العملية السياسية في العراق.
المفردات التي تحفل بها خطابات الذين يتصدرون واجهة السلطة و المشروعيات السياسية تولّد لدی المواطن وعياً حاداً بتفاقم المشكلة و استحكام الأزمة و تحيل العلاقات بالهويات والأفكار الی سجون و معسكرات و تحّول العلاقات بالأحداث والوقائع إلی أفخاخ و مطبات.
إن مآزق السياسة هي الوجه الآخر لمآزق الصيغ الوجودية و المشاريع الحضارية أو لأزمات الهويات الثقافية والمجتمعية. ها هنا مكمن العلة لا في مكان آخر وإن تحليل العوائق السياسية هو تعرية لآليات العجز و إجتراح للإمكان، فالإنشداد الی الوراء لا ينفع الحاضر والراهن أو المستقبل و كذلك القفز فوق الأحداث و نفي المتغييرات. 
ماالنفع من نشر الحلم الوحدوي الكبير و دعم المشاريع الشمولية في العراق و رفع شعار: "أنا قوموي عروبي أو وحدوي إسلامي، إذن أنا موجود"، و حيث المواطنون يتحولون الی قطعان أو إلی مواضيع والآت، إنها أمبريالية المبدأ الواحد و فاشية العقيدة المغلقة وإرهاب القضية المقدسة، و ذلك يترجم خواء في المعنی وفقراً في الوجود. السؤال سوف يكون، أين دور المواطن في المجتمع المدني والدولة الفدرالية الذي نحن ندعي بنيانه؟ 
صحيح بأن مستقبل العراق بيد العراقيين و أن تقسيم العراق صار الهمس الذي بات ضجيجاً و هاجساً يزعج دول الجوار، لكنه خيار دستوري لاعلاقة له بالتدخل الخارجي، فهو، إن أردنا أن نكون موضوعياً في حكمنا، مع هذه التغييرات والصيرورات واقع لا محالة، فهو حصاد لسنوات من التأجيج والتثقيف الطائفي والعرقي.
عليه وسط الإخفاقات المتلاحقة، لدی المهتمين بالأزمة السياسية في العراق کسر الأصنام الفكرية و إخضاع مكونات الهوية السياسية للنقد والتفكيك، لکي يتمكنوا من إيجاد مخارج للمآزق الكيانية الحاضرة.
ليست المسألة مسألة الحفاظ علی وحدة العراق من التقسيم أو مسألة معرفة الثابت من المتحول بعد كل هذا الدمار وكل هذا القتل والتذبيح و الحروب المتكررة، التي لم تقدم حلاً لأية مشكلة في التاريخ، بقدر ما هي مسألة القدرة علی صوغ الحياة في هذه البقعة من الأرض من جديد بتغيير علاقاتنا بمعنی الوطن والحقيقة أو الذات و الغير، عبر إبتكار نماذج للسلطة والتشريعات والمنظومات التي تتيح لنا ممارسة وجودنا كمواطنين إيجابيين علی سبيل الاستحقاق والإزدهار.
أما الكوردستانيون، رغم كل الاعتداءات والقتل الذي قامت به الانظمة المتتابعة من زمن النظام الملكي الى زمن الانقلاب العسكري الذي قام به الزعيم عبد الكريم قاسم وحكم الاخوين عارف الى الحقبة السوداء التي حكمت العراق في زمن احمد حسن البكر التكريتي وصدام حسين التكريتي ضدهم و رغم الهجمات المتتالية على جبالهم ومدنهم وقراهم وحرق الغابات وإهانة المواطن الكوردستاني وتسفيره وترحيله خارج الحدود إضافة الى المقابر الجماعية التي طمرت في طياتها أكثر من 200 الف إنسان مسالم، رغم كل ذلك لم يشن شعب كوردستان اية هجمات انتقامية على المدن العربية او يتهموا العرب العراقيين بما جرى لهم وانما كان الاتهام موجهاً الى الحكومات التي حكمت بالحديد والنار.
شعب كوردستان اليوم لن يكونوا عامل تقسيم للعراق ومصلحتهم تكمن في نهوض هذه الدولة، وهذا ما دفع برئيس الجمهورية أن يبذل جهود كبيرة في سبيل تفعيل آليات التقارب والرؤى "المشتركة" بين الأضداد "دولة القانون" و "القائمة العراقية".
المجتمع الذي يمتلك حريته و استقلاليته تجاه القوی التي يمکن أن تقهره أو تتفوق عليه، هو القادر علی تخيل أهدافه وإبداع ذاته بإنتاج القيم والمفاهيم والقوی والمؤسسات والآليات التي تتيح له ممارسة حيويته السياسية، بقدر ما تتيح له توسيع مساحة الحريات والحقوق المدنية للأفراد والجماعات. هذا هو شأن المجتمع الكوردستاني.
وختاماً: "لا يمكن لمن لا يستطيع التشريع لواقعه أن يصنع حياة أو نمواً أو إزدهاراً."
د. سامان سوراني

 





 

240
ماذا ينتظر شعب كوردستان من المؤتمر الوطني العام؟

من المعلوم بأن العراق يعيش اليوم مرحلة حساسة تعدّ اختباراً وتحدياً بالغ الصعوبة والتعقيد. فبعد التحرّر من نير تسلط سياسة الحزب الواحد و"القائد الضرورة"، التي مزّقت ورقة الوئام الوطني و الشراكة الحقيقية و بعد أن صار الدستور لعبة في أيدي النظام المستبد وأزلامه المجرمين و بعد أن تحول العراق الی متحف للمقابر الجماعية و حقلٍ للتجارب العسكرية وصار المواطن صفر مابعد الفاصلة لاقيمة له، ولد الدستور العراقي الجديد.
و هذه الولادة کانت بعد معاناة كبيرة و بمساهمة فعالة من قبل بعض الكتل السياسية العراقية والكوردستانية، التي سعت علی دفع العراق نحو مستقبل أفضل و أکثر إزدهاراً و تطوراً مقارنة بما كان عليه في زمن الأنظمة الطاغية.   
فالجهود المكثفة و الجدية من قبل الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني من أجل تفكيك الأزمة السياسية الراهنة، وخلق أرضية مناسبة من الحوار والعمل المشترك، الذي يمكن أن يسهم في ايجاد الحلول للأزمة الحالية أو يبلط الطريق من أجل تهدئة الأوضاع في سبيل الوصول الی عقد المؤتمر الوطني الموسع بين الكتل والقوى السياسية العراقية، أمر محمودٌ لا مأخذ عليه، لکن شعب كوردستان، الذي كان سباقاً في إسقاط "الدكتاتورية" في المنطقة و مثالاً نموذجياً في تأسيس نظام حكم ديمقراطي في‌ الإقليم، كان متضرراً لعهود طويلة و جراحاته لم تلتئم لحد الآن. هذا الشعب له أيضاً طموحات سياسية و حقوق دستورية مهضومة تستحق تسليط الضوء علیها و لابد من إدراجها ضمن برامج المؤتمر المذكور أعلاه، مادام الهدف هو تصفير الازمات و بناء الشراكة الوطنية الحقيقية لإدارة البلد، لأنه و كما يقال "مالفائدة من أن تکسب العالم و تخسر نفسك".
ومن الواضح بأن نجاح أي مؤتمر مرتبط بعوامل کثيرة، منها الإدارة القوية والالتزام بجدول أعمال للمؤتمر و تشجيع المشاركين في الاجتماع على الإدلاء بآرائهم وطرح أفكارهم ومناقشاتهم و ضبط الوقت ومطابقته مع المناقشات والآراء المطروحة و تدوين وقائع الاجتماع وتوثيقها، وخصوصاً تدوين ما تمّ الاتفاق عليه من قرارات و إنهاء الاجتماع بخلاصة ملائمة و التوجيه والسيطرة على الاجتماع لضمان فرص التعبير عن الرأي للجميع، حتى لا يخرج البعض بانطباعات سلبية ويتصوّر أن الاجتماع كان ضياعاً للوقت و علیه أيضاً بالتحضير المسبق و التفاعل مع المؤتمر، بمعنی أن يكون المشارك في حالة نفسية وجسدية جيدة، فالموقف النفسي من المؤتمر يؤدّي دوراً كبيراً في تحديد مركزية الاجتماع وأهميته وبالتالي نتائجه. أما عامل المكان فله دوره أيضاً، و عدم اختيار المكان المناسب لانعقاده وضعف الترويج له يقلل من إنجاح المؤتمر.   
و للأسف لم يهضم الكثير من القادة العراقيين، الذين سوف يشاركون في المؤتمر، المعنی الحقيقي للفيدرالية، بإعتباره المشاركة السياسية والاجتماعية في السلطة من خلال رابطة طوعية بين شعوب وأمم وأقوام أو تكوينات بشرية من أصول قومية وعرقية مختلفة أو لغات أو أديان أو ثقافات متباينة وذلك في اتحاد طوعي يوحد بين كيانات في دولة واحدة أو نظام سياسي واحد، مع احتفاظ الكيانات التي توحدت بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي والحدود الجغرافية وصلاحيتها الإدارية.
ما نحتاجه هو کسر لغة الضرورات القاهرة للتفكير علی نحو مبتكر بالخلق المستمر للواقائع التي تخرق الحدود و تخربط دفتر الشروط لإعادة صياغة الأولويات والمعادلات، لأن عصر الوصاية قد انتهت و أن الصِدام هو خيار العقليات المغلقة والأنظمة الأحادية والأصوليات العنصرية الرامية الی الهيمنة والتسلط.
ما يحتاجه العراق في ضوء هذه الازمات والتشنجات السياسية المستمرة هو نماذج و طرز جديدة ممن ينجحون في عمل تنويري أو يتخلون عن السلطة لمصلحة القانون أو يبدعون في مجال عملهم ويمارسون هويتهم بصورة مفتوحة و مركّبة، عابرة للحدود.
الديمقراطية تبقی دوماً رهناً لما نفكر فيه و نصنعه، فهي ثمرة التجارب الفذة والغنية، علی أرض الواقع البشري الملغم دوماً بالأهواء والمطامع أو بالجهل والنسيان أو بالخدع والأوهام.
وختاماً: "ماالنفع من أن ننصب جدران الكره و الحقد فيما بين الكيانات والمكونات في العراق الاتحادي و نحول هوياتنا الی زنزانات عقائدية أو الی مصانع لإنتاج الفرقة والفتن، فيما تنکسر الحدود بين المجتمعات والقارات والثقافات، بفعل ثورة الإتصالات؟"
د. سامان سوراني






241
السياسة و آلية تطور و تحديث الفكر الكوردستاني المعاصر

من المعلوم بأن السياسة هي ممارسة للأفكار وأن أهمية أي الأفكار هي بمقدار إمكانية ممارستها على أرض الواقع حتى لا تكون الأفكار مجرد أطروحات نظرية ومثالية و أن الثقافة المعاصرة هي ركيزة من ركائز المجتمع لمواكبة الحداثة الفائقة وأن الهدف الرئيسي لكل مفكر حقيقي و فيلسوف وعالم ومصلح و مثقف هو الوقوف في وجه القوی المعادية لطرق تحقيق هوية الإنسان و قيمه و أهدافه النبيلة، فالحضارة الحقيقية تقاس بما تحققه من القيم الإنسانية. و ما تاريخ الفكر إلا عملية بناء مستمر و حلقات متتابعة، إذ لا شيء يأتي من العدم.
اليوم، إذ نستذكر تاريخ الحركة النضالية الكوردستانية، التي هدفت إلى تحرير كوردستان و رفع التمييز العنصري في العراق، الذي مارسه‌ نظام البعث المقبور، أحد ابرز الأنظمة الشوفينية في المنطقة، بعد أن عانى المجتمع الكوردستاني والعراقي من الكثير من الظلم والحرمان، مازال العراق في دوامة الصراع المرير والأزمات في عالم سماته السيولة والتسارع باتت تحصل علی إيقاع سريع وعلی غير صعيد، مما يدفعنا الی ضرورة المساهمة في البحث عن خطاب كوردستاني موحد من أجل صناعة الحياة المشتركة، يمكنه الجدل مع العالمية لأجل البشرية كلها، خطاب يبدأ بالخصوصية الضيقة لينطلق إلى آفاق رؤيوية تنظر لكل إنسان في هذا الوجود، لكل شعوب العالم. وهذا الإنطلاق يتطلب بناء خطاب حداثي كوردستاني خاص يستطيع تحقيق الهوية الكوردستانية والذات الكوردستانية وطموحاتها وآمالها. فالمجتمعات تنخرط اليوم في واقع كوني جديد و مغاير، بمفاهيمه و معاييره و محركاته و قواه و اللاعبين علی مسرحه، بقدر ما تندرج في أفق حضاري معولم و مكوكب.
أما الخطاب الثقافي الفكري الحديث فعليه أن يتجادل مع القضايا الجوهرية في الثقافة الكوردستانية، في الفكر الكوردستاني بكل تنويعاته ولا سيما التراث. ولابد للذي يريد الوصول الی رؤية تنويرية في التحديث والتحرير و بالاخص في شؤون يتعلق بالحرية السياسية والديمقراطية والعلمنة وحقوق المرأة أن يحرر عقله و منهجه و رؤيته من ترسبات الماضي السلبية والبالية وأن يعمل بشكل جاد في سبيل الحوار والتفاهم وخلق قواسم مشتركة و قواعد للمعاملة، تتجاوز مقولات الأصل والصفاء والأحادية والقداسة والتأله والاحتكار والقوقعة والمعسكر ويقف ضد عمل التيارات والاتجاهات التي تنفي المغاير والمناقض لها بتغييبه أو إقصائه أو إضعافه. 
التاريخ العراقي كُتب من وجهة نظر السلطة المركزية والطبقة المهيمنة في المجتمع "الاتجاه العروبي السني"، أي من منظار أحادي کفر فيه جميع معارضيه و شوه ثقافتهم و تاريخهم و جغرافية مناطقهم و حياتهم. ما نحتاجه هو إعادة كتابة هذا التاريخ بمنهجية علمية نقدية بعيدة عن المعايير المزدوجة في إطلاق الأحكام، من أجل إستكشاف الجديد في سياق التطور الخلاق من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل و من أجل الفصل بين التاريخ الديني القومي المحاط بهالة القداسة والتعظيم  والتاريخ العلمي العراض للحقائق والواقع.   
ومن الواضح بأن هناك علاقة جدلية بين التراث والتحديث والحرية والتحرير وأن قراءة تلك الجدلية بموضوعية يمكن أن تصل بنا إلى القواسم المشتركة وبالتالي يمكن صياغة نظرية المعرفة التحديثية للفكر الكوردستاني.
التراث هو التاريخ والحضارة والذاكرة والهوية، وتحديث الفكر لا يستطيع تجاهل تلك الحقيقة وتغييبها. أما الجدال والصراع بين القديم والجديد أو الثابت والمتحول، سيبقى مستمراً إلى ما لا نهاية.
ومن الواضح بأن التراث والتحديث ليسا ضدين ولا خصمين فهما حياديان، والإشكالية المختلقة هي في أنصارهما. فنصير القديم يدافع عنه لأنه مثله الأعلى ويمنحه الاطمئنان والراحة، بينما الجديد يخلق لديه التوتر والخوف من المجهول، كما أن الاختيار يعني القلق‏ والمعاناة، وهذا نتيجة عدم استيعاب معنى الحرية والمسؤولية واستقلالية الذات. أما نحن فنری بأنه من الممكن أن نأخذ من تراث الأقدمين ما نستطيع تطبيقه اليوم تطبيقاً عملياً وما لا ينفع يوضع على الرف لينفع المؤرخين. والتأسيس لأي جديد لا بد من أن يبنى على الماضي (تحليل وتفكيك) ثم التركيب والبناء الجديد.
الكوردستانيون لعبوا دوراً مهماً في التاريخ الإنساني و كانت كوردستان منذ القديم مهداً للحضارة، التي ظهر فيها مبكراً "الانسان العاقل" (Homo Sapiens) ويذكر في الدراسات بأن أول إستعمال معدني لصنع أدوات بسيطة بطرق النحاس البارد كان قد بدأ في كوردستان، وكذا الحال بالنسبة الی الزراعة. أما تأريخ الامة الكوردية فأنه بدأ بـ"الگوتيين"، و" العيلامين" و " اللولو" و" الكاشيين" و "الماديين"، الذين بنوا مدينة اكباتان (مدينة همدان الحالية) أيام حكم الشاه قباد عاصمةً لهم و أنتجوا الفكر والعلوم المتنوعة کالهندسة والزراعة والتجارة واللغة والأديان، و امتدت هذه الحضارة حتی بداية الفتوحات الاسلامية أواسط القرن السابع للميلاد، ثم بدأت بالانحدار. صحيح بأن هدف الفتوحات كان خلق أمة إسلامية في العالم الإسلامي، لكنها فشلت لأنها في النتيجة تمكنت من بناء دول إسلامية تتألف من مسلمين من قوميات متعددة لم تنصهر في قومية واحدة دينية، كما أنه لم يكن هناك مجتمع إسلامي واحد، فهناك عشرات المجتمعات الإسلامية، ولكل مجتمع حياته الخاصة. ووجود رابطة فكرية دينية ما بين الأحزاب والحركات الإسلامية في العالم الإسلامي على الرغم من اختلاف وجهات النظر فيما بينها، لا يحقق مفهوم الأمة الإسلامية لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك قد تفشل النظرية أو المحاولات اليائسة للسيد أردوغان لإحياء الخلافة العثمانية.
أما الفكر الكوردستاني بأنه يصنع وحدة المجتمع لأنه يجمع كل أبناء الإقليم الواحد على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم وأطيافهم السياسية على قدم المساواة ضمن إطاره الذي يكفل الحرية والديموقراطية والعدل والمساواة للجميع. والرابطة القائمة على مقومات بديهية مجهزة بالحداثة والمعاصرة العقلية هي نفسها توحد وتجمع بين أبناء الإقليم. صحيح بأن العلم الحديث لم يستوطن بعد في كوردستان كما استوطن في اليابان، وإن حياتنا الفكرية الی يومنا هذا بحاجة الی علم الغرب و علماءه، لذا يجب أن تأخذ السنوات القادمة بجدية للعمل علی الكثير من المعاصرين، الذين لم يتجاوزوا عقلية القرون الوسطى، حيث ما زالت تسود مفاهيم التخلف وقيمه وعقليته البدائية، كما تسود الأفكار الرجعية البالية والخرافات وتفاهات الأمور. فالشكل المتطور لن ينهي إشكالية التخلف، ولن يصنع الفكر الحداثي ولن يصنع التحديث الحقيقي القائم على المنهج العلمي واستيعاب روح التطور التكنولوجي الناتج عن تطور بنية الفكر نفسها. ومع أن الحکومة تدعم العلم والعقل والأفكار النبيلة التي تحقق العدالة والحياة الحرة والكريمة لابن الاقليم أياً كان دينه أو طائفته أو فكره أو إثنيته، لكننا نؤكد بأنه يجب أعطاء العلم والتجربة المكانة الأولى، لا يزعزعهما أي شيء. للأسف نری عدد غير قليل من الأكاديميين العائدين من الغرب ما هم إلا نسخ عن الكتب النظرية في العلوم ينتهي بهم الأمر كمدرسين في الجامعات، أو العمل في غير اختصاصهم وهو نوع من البطالة المقنعة.
إن التغييرات التي تطرأ علی المجتمع الكوردستاني هي إمكانات مفتوحة، تتوقف أهميتها و فوائدها أو أخطارها ومضارها علی طريقة التعامل معها. علی المفكرين النهوض من سباتهم العقلي، كي ينخرطوا في واقع هو علی درجة قصوی من الحراك الهائل والتعقيد البالغ والتسارع الفائق و يتركوا الأفكار الثابتة أو الجامدة أو المتحجرة.
وختاماً: "علينا الإسراع في تشكيل مساحتنا الثقافية علی خارطة المعنی و ملاعب القوة، للمساهمة في صناعة العالم، بابتكار لغات للفهم أو أنظمة للمعرفة أو نماذج للتنمية أو مجالات للعمل، فضلاً عن تقنيات الاتصال و برامج المعلومات وأن نتعامل مع ذاكرتنا وتراثنا و خصوصيتنا کفسحة لممارسة حيوية التفکير و حرية التنقيب و أن نتعامل مع الاحداث والمتغييڕات بوصفها فرصة سانحة لكي نتغير عما نحن عليه، و نشتغل علی معطيات وجودنا والتحول عن أفكارنا، بصورة تتيح لنا طرح السؤال و فتح المجال أو إجتراح المعنی وإشتقاق المكان."
د. سامان سوراني

242
المجتمع الكوردستاني وبرنامج الإنتقال الی الحداثة الفائقة

من الواضح بأن المجتمع الكوردستاني، الذي اختار الوحدة الطوعية مع العرب بعد أن تحول نظام الحكم في العراق الی نظام اتحادي، تملك الموارد الهائلة والتراثات الغنية والموقع الإستراتيجي، بشكل يؤهّله لممارسة حيوته و حضوره علی الساحة العالمية بصورة إيجابية وبنّاءة، من خلال المساهمة في الانتاج الثقافي والحضاري.
ومن المعلوم بأن الحقب الإنتقالية وسط الأحداث العاصفة والأزمات المستحكمة ليست يسيرة، والإنتقال الی الحداثة ليس بالإستثناء وأن العالم يتغير بمشهده و نظامه و أدواته، کما يتغير بأفكاره و قواه و روابطه، و التعولم هي ظاهرة يمكن وصفها بالترابط العضوي و التشابك المصيري، فهي تحمل في طیاتها الإعتماد المتبادل والمسؤولية المتبادلة والشراكة الفعالة وتسهم في توحيد المصائر.
والشرط الأساسي في تقدم المجتمع الكوردستاني هو الابتعاد عن الغرق في المفاضلات  العقيمة بين الحل الديني والحل العلماني، و البدء بالعمل علی إستخدام عدة جديدة في مواجهة المستجدات و من خلال الإنتماء الی الزمن الحالي والإندراج في الحاضر، وکسر منطق الإنعزال والإنكفاء للتعاطي مع الأفكار والهويات بلغة المبادرة والاجتراح أو بمنطق الخلق والتحول، والقيام بأعمال المحاسبة والمراجعة، سعياً الی التجديد و البناء، بعد أن خلع انياب التحريض والفتنة والدكتاتورية و بعد أن ولی زمن العقل الامبراطوري في عصر الإنسان الرقمي والعمل الإفتراضي والفاعل الميديائي ورأس المال المعرفي.
أما الشرط الآخر هو القيام بزحزحة الاشكاليات عن طريق استخدام أدوات مفهومية جديدة تكسر منطق المماهاة والثبات والصيغ المسبقة والقرارات الجاهزة والأطر المغلقة والمناهج الدغمائية والأوامر الفوقية والمعالجات الأحادية والمواقف المتطرفة للتمرس بمنطق التحويل والتوليد. والعلاقة بالثوابت لا يمكن إلا أن تكون متحركة أو متغيرة، سواء علی سبيل الإيجاب والبناء أو السلب والإنكفاء.
التراث ينتظر منا أن نعمل عليه لصرفه و تحويله الی عملة حضارية، أي الی إضافات و إنجازات حديثة نساهم عبرها في تطوير حياتنا و في صناعة العالم، بعيدا عن التهويمات النضالية والتشبيحات الدينية أو الايديولوجية. 
أما الديمقراطية فهي عقد تاريخي و ثقافي و اخلاقي و قيمي، ترتفع في ظله قيمة المواطن، و هي تشكيل علاقات و قوی جديدة يتغير معها مجری الأشياء و نظام العلاقات، فهي ليست بالترياق أو الفردوس المنتظر، کما يتصورها البعض، إذا لم تقوم الجهات المسؤولة بالعمل علی تقليص التفاوت المريع بين جنة الأغنياء و جحيم الفقراء و تحويل المواطن الكوردستاني من مجرد مستهلك أو مستثمر الی کائن سياسي و إذا لم تعالج ظهور طغيان النزعة الفردية.     
وما الحرية إلا مستقبل البشرية جمعاء و أن الإصلاح لا يتم بعقل أحادي، تحکمي، إنفرادي، وإنما يتم بعقل وسطي، تعددي، تداولي. فلا إمكان لعمل أو تنمية أو انجاز، من غير حوْسَبة الانتاج و عقلنة الإدارة أو عولمة الثقافة و كَوْننة الهوية.   
ومن المعلوم بأن الثقافة تشكل سيرورة الإنسان في نموه و تحوله وفي توسعه و إزدهاره عبر الإبتکار والإنتاج في مختلف الحقول والقطاعات وأن الأنظمة السياسية ما هي إلا ثمرة الثقافة بنماذجها و مفاهيمها و معاييرها، وهي ثمرة بداهات العقل و نظام الفكر و قوالب المعرفة. 
أما الإصلاح من أجل التنمية الشاملة و تفكيك العوائق و تذليل العقبات، فهو ليس بعمل فرد أو حقل أو فئة، وإنما هو عمل المجتمع علی نفسه في سائر حقوله و قطاعاته المنتجة، و بتدخل مختلف مشروعياته و هیئاته الفاعلة والمسؤولة، و هو ديناميكية تحويلية من حيث مفاعيلها الإيجابية والبناءة يتغير به المجتمع الكوردستاني عما هو عليه، و يسهم في تغير سواه من المجتمعات في المنطقة. ولا يتم الإصلاح بعقلية مرکزية فوقية أو نخبوية بيروقراطية، بل يتم بعقلية المباحثة والشراكة أو المداولة والتوسط والمبادلة.
عُملة العقلية المرکزية الفوقية جُرّبت في غير مكان، حوّلت المجتمعات الی مسالخ و مقابر وحصد أهلها السراب أو الفساد أو الاستبداد أو الخراب، فلا عدالة تُطّبق ولا حقوق تحترم من غير اعتراف متبادل يتجاوز مفهوم التسامح الخادع الذي يُلغّم الوحدات والهويات.
الرهان هو أن نتغير و نغيّر، و أن نزيل البيروقراطيات السائدة التي تعرقل مهام التنمية، سواء في الاقتصاد والاجتماع أو في المعرفة والثقافة بمراعاة مبدأ الاختصاص والكفاءة و نصنع حياتنا بالتمرس بلعبة التفکير الحيّ والخلاّق لكي نساهم في صناعة العالم المعاصر وإدارة المصلحة العمومية.   
و ختاماً:"كل طغيان لبُعد واحدٍ علی ما عداهُ، يرتدُ سلباً و يولدُ فقراً أو جهلاً، بقدر ما يمارس الحجب والتضليل أو الاستلاب و التنميط." 

د. سامان سوراني


243
الفكر الشمولي والاحزاب السياسية  في العراق و بناء الدولة الحديثة

من المعلوم بأن الحکم الشمولي الذي كان متسلطاً في العراق لم يسمح في اقامة أي حزب أو تجمع أو تنظيم سياسي معتبراً ذلك من الخروقات الامنية الخطيرة و هكذا تمكن من أن يجعل العراقيين يعيشون فترة طويلة في في مستنقع التخلف، تحت ظلمه وإستبداده. فالحُكام كانوا يتصرفون بوصفهم مالك المُلك، تستحوذ علیهم إرادة البقاء في السلطة بإستبعاد أو إستئصال كل معارضة و كانوا لا يثقون بأحد ولو كان من أقرب المقربين اليهم، وهكذا کان هاجس حفظ أمنهم الشخصي بممارسة الرقابة والارهاب علی كل من عداهم. لذا قاموا بإنشاء أمناً مضاعفاً و مركباً تتعدّد أجهزتهم لكي يراقب بعضها البعض أو يرهب بعضها البعض أو يتربّص واحدها بالآخر، الأمر الذي أدی الی طغيان العقل الأمني علی الدولة والمجتمع والناس. والحصيلة كانت إلغاء الحيز العام والمداولة العلنية والمحاججة العقلانية، فضلاً عن هدر الأموال و نهب الثروات وضرب مشاريع الإنماء، وولادة الوحدانية والنرجسية وعبادة الشخصية وإرهاب الحزب الواحد وعسكرة المجتمع كل العناوين المتعلقة بالحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و المجتمع المدني، لإحالتها الی أسماء خاوية جوفاء و طقوس أمنية بنوايا عفنة.
بالرغم من كل ذلك كانت هناك نشاطات سياسية، حيث لعبت بعض الأحزاب و بالأخص الكوردستانية منها دوراً تاريخاً نضالياً مشهوداً في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، رغم ملاحقة منتسبیهم و أعتقالهم أو أعدامهم و تشريدهم.
أما بعد سقوط نظام الطاغية صدام عام 2003 و إنهيار منظومته الإيديولوجية القومية بمسلماتها الثابة وأطرها النظرية و آلياتها العملية و ولادة جديدة لأكثر العراقيين الذين شعروا‌ بعودة الروح بعد خروجهم من مؤسسات الرعب الاقصی والرقابة الشاملة التي كانت تحصي الأنفاس و تصادر العقول والاجساد، ظهرت مجموعة كبيرة من الأحزاب السياسية والدينية و خاض بعضها الانتخابات وحصل على مقاعد في البرلمان الإتحادي، و حصل البعض الاخر على مناصب حكومية، لكن الفرد العراقي يناقش نفسه حول دور هذه الاحزاب في العملية السياسية في العراق وفيما إذا كانت لها توجهات وطنية أم أغراض أخری وأجندات تحملها أو طموحات فردية المادية منها والمعنوية.
صحيح بأن هناك جهات خارجية تغذي المشاكل المتواجدة وفقاً لمصالحها الاستراتيجية و هناك اختلافات حول دور الدين ”الإسلام ” في السياسة و هناك اتجاهات نحو فصل الدين عن الدولة وهناك توجهات إسلامية أصولية، وتيارات وسطية، لكن ما نراه، بعد أن انسحبت قوات الاحتلال وبدأت مرحلة الاعتماد على الذات، أن القسم الكبير من هذه‌ الأحزاب تنظر الی الساحة السياسية كفرصة تاريخية تسنح لها تحقيق مصالح وغايات آنية بعيدة عن الاهداف والمصالح العامة التي تخدم الوطن والشعب.
ومن الواضح بأنه ليس بالامر الهين أن يتحول بلد مثل العراق، الذي حكمه نظام الحزب الواحد لعقود طويلة من الزمن، الى نظام تعدد الاحزاب السياسية، وليس من السهل أن تتحول الممارسة الدكتاتورية في ليلة وضحاها الى ممارسة ديمقراطية. فمن أجل الوصول الى حالة التعددية والديمقراطية لا بد من وجود أدوات للتحول صوب العمل الديمقراطي، ولابد من وجود أحزاب سياسية مهنية وفاعلة تعي دورها وعملها الحزبي كتنظيم سياسي، فلا يصح ان تعود تلك الاحزاب دائماً الى نقطة الانطلاق الاولى عند تشكيلها لمجلس النواب والحكومة وبقية المؤسسات بعد ان تنتهي ولاية الحكومة والبرلمان السابقين، وتشرع بتفسير مواد الدستور الذي كتبته بيدها على وفق مصالحها لتجد لنفسها منافذا تتيح لها الاستئثار بالسلطة والتغاضي عن مبدأ التداول السلمي لها والاقرار بنتائج الانتخابات التي تعد واحدة من ملامح النظم الديمقراطية.
لنكن أقل إدعاء، لكي نصنع عالماً أكثر صلاحاً و نفعاً، ولنخلق مساحات و صيغ و قواعد للتعايش السلمي، فالكل يدعوا الی الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة وعودة العقد الاجتماعي المنفرط والحفاظ على سلطة القانون وحماية حرية المواطن وثروات البلاد، لكن الواقع تصدمنا، فالكثير منها تخرق وتحرق باستمرار إدعاءاتها حول الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة.
أما الزعماء الذين يتولون قيادة الأحزاب، فالکثير منهم لا يتخذون من العقلانية منهجاً لعملهم السياسي، كي يقومون من خلاله طرح أسئلة علی نفسهم، فيما إذا کانت أحزابهم قد حققت غایاتها و فيما إذا هم يحترمون مبادیء أحزابهم و الأفكار و النُظم الداخلية، كي لا يتحولوا الی نتاج لجروح الذاكرة ومآزق الحضارة، بقدر ما لا يصبحوا ثمرة سیئة لثقافة دينية إصطفائية أو لثقافة سياسية مأزومة وكي لا يشكلوا هم أنفسهم مصدر من مصادر الأزمة بعقلية مغلقة و مقولات مفلسة. فالذي يفكر علی نحو تداولي يعمل علی كسر المنطق الكلاني أو الشمولي، الذي يعمل أصحابه تحت أمبريالية المعنی و ديكتاتورية الحقيقة أو تحت عبادة الأصول و أحادية النمط والنماذج.
العالم في هذا الزمن الكوكبي يتغيّر و يعاد تركيبه من جديد لفتح آفاق بشرية جديدة، من سماتها الاختلاط والهجنة والهويات المركبة والمتعددة، وكذلك العبور نحو فضاءات متغايرة نتجاوز فيها ما يعمل علی إنتاج المآزق والكوارث، بقدر ما ننجح في إختراع مفاهيم و معايير وقيم و مؤسسات وأطر و علاقات جديدة بين البشر مفرداتها وعناوينها التوسط والتداول والمشاركة و الإعتماد المتبادل. وعلی الدولة أن تكون أداة توحیدیة منفصلة عن المصالح الفئویة، وأن تصبح السلطة قوة تعمل من أجل المجتمع بکاملها. القادة الكوردستانيون يشاركون اليوم بشكل فاعل في بناء عراق فدرالي متعدد، لكن فاعليتهم يجب أن تكون بضوابط معينة من ضمنها اخذ تعهدات و ضمانات من "التحالف الوطني" بتطبيق المادة الدستورية 140  التي طال انتظار الشعب الكوردستاني لتنفيذها باعتبارها جزءاً من الحقوق الدستورية. فوظیفة الدولة الأساسية هي إذن تحقیق التلاحم المجتمعي و تحمل مسؤولیة حمایة الدستور والحفاظ على بنوده و فضح المنزع العنصري الذي يعمل أصحابه بعقلية التمييز و الفرز أو التطهير والتصفية من حيث العلاقة مع المختلف والآخر. 
النظام السیاسي یبقى مستقراً إذا كان نظاماً دیمقراطیاً تعددیاً، وإذا لم یکن هناك مؤسسة رسمیة أو غیر رسمیة تسعى إلى تغيیره. و السعي في خلق إمتيازات لطائفة مذهبية أو قومية معينة علی حساب الشعب الكوردستاني والطوائف والأقليات الأخری، يؤدي الی نمو الشعور بالتهمیش والاقصاء من قبل الأطراف المذكورة، الأمر الذي یشکل المعادلة الصعبة لتحقیق استقرارالنظام السیاسي في العراق وبالتالي يجعل العراقيين يبقون عاجزين عن تجاوزها والانتقال بذلك إلى المجتمع المدني و إقامة نظام سیاسي دیمقراطي تعددي یقوم على أسس دیمقراطیة صحیحة، متحررا بذلك شیئاً فشیئاً من التجاذبات الإقليمية والدولیة التي تعد السمة الأساسية في خلق الفوضى ودوامة العنف في المشهد السیاسي العراقي.
من يتعامل مع الديمقراطية والفدرالية بعقل أحادي هو كمن يقوم بالجزم بعقل أصولي أقنومي، مآل عمله هو المزيد من الفوضی والفشل والإفلاس والخراب.
إن كل محاولات التقريب والحوار بين الکتل السياسية المتنازعة في العراق محکوم علیها بالفشل ما دامت لغة التسبيح بحمد "رئيس الحکومة" بصورها المختلفة من قداسة و عصمة أو صفوة و بطولة و نجومية في "يوم العراق" تجعل علاقاتنا بالحرية تقوم علی المفاضلة والاستبعاد بقدر ما تجعل علاقاتنا بالعدالة تبنی علی الفساد الإداري و ما دامت لغة الخلق والابتكار و مفردات الشراكة تبقی مهجورة، لكي تشكل المواقف الدغمائية والمتاريس العقائدية والعقلية الأحادية والنخبوية التي تولد الاستبداد والإقصاء صُلب الفكر السياسي و العدسة التي من خلالها يری الواحد الی غيره.
أما مقاومة التمرس بخلقية جديدة يعاد معها بناء الذات علی نمط مغاير، بحيث تتشكل قناعات مغايرة نتحرر بها مما هو مقدس و مطلق و مغلق و ذاتي و نقي و ثابت و كامل و كلي و نهائي، من حيث العلاقة مع الهويات و القضايا أو مع الحقوق والمصالح، تؤدي الی إخفاق مشاريعنا، لأننا بها نموه المشكلات و ننفي الحقائق و نمارس الخداع والزيف.
وختاماً: لنعترف بما نحن عليه أو فيه، لكي نتعرف إلی أنفسنا و نشخص واقعنا. هل نحن قادرون حقاً علی إحداث تغيير في مجری العراق الراهن، حيث الأزمات تصنع أعطالها و كوارثها، و حيث الفكر الطائفي والقوموي لدی "دولة القانون" يولد أمراضه الخطيرة والفتاكة؟
نحن إذن علی المحك، و علينا أن نعرف بأنه من أراد بناء الدولة الحديثة و الإزدهار علیه بالإبتكار، بحيث لايقتصر علی الوصفات الجاهزة، خاصة أذا كانت تلك الوصفات مجرّبة. 
د. سامان سوراني
 


244
الإلتزام بالدستور وفلسفة الشراكة الحقيقية في العراق الی أين؟

الأزمة السياسية الراهنة بين کتلتي "دولة القانون" و "العراقية"، بأسمائها المتعددة و صعدها المختلفة باتت الشغل الشاغل للناس في العراق  من غير إستثناء، إذ هي بانفجاراتها المتلاحقة و تداعياتها المفاجئة تخلط الأوراق و تخربط الحسابات، بقدر ما تمس المصالح و المصائر في الصميم. 
هذه التداعيات الجارية علی الساحة السياسية تتطلب منا تفعيل المبادرة و فرص الحل التي وضعتها في السابق القيادة الكوردستانية في أربيل للوصول الی تنفيذ الالتزامات الدستورية.
الديمقراطية هي فلسفة لنظام حكم، من يتحدث عنها لابد ان يتحدث عن فلسفة تملك شبكة واسعة من العلاقات بين القانون والثقافة، بين الحقوق والحريات والمبادئ الدستورية، بين التعددية والانتقال السلمي للسلطة، بين المساواة وحقوق المواطنة وبين العدالة وتكافؤ الفرص. ومن شاء ممارسة التواضع و إستخلاص الدروس و العبر في تشخيص الواقع وإيجاد مخارج من الأفخاخ والمآزق، بعد إخفاق النظريات أو إستهلاك المدارس والنماذج، عليه أن يعرف بأن المصالح والمصائر باتت متشابكة.
التنوير هو حمل الإنسان المسؤولية عن نفسه‌ وممارسته‌ لإستقلاليته‌ الفكرية، باستخدامه عقله في تدبر وجوده وإدارة شؤونه، من غير مصادرة أو وصاية من جانب مرجعية لاهوتية أو سلطة مقدسة. أما الشراكة فهي لا تعني سوی فك الوصاية علی الهويات والقيم، ما دام تأمين المصالح و صنع المصائر هو صناعة مشتركة يساهم فيه‌ كل واحد من موقعه‌ و حقل عمله، من غير إدعاءات دينية أو قومية  أو طائفية. و هدف ممارسة عقلية الشراكة هو الوصول الی کسر المنطق الأحادي والفوقي. فالذين يشهرون سيف الدفاع عن العراق بعقلية القوقعة والمحافظة، إنما يدافعون في الحقيقة عن أسوأ التقاليد و أكثرها عمقاً، لتبرير المزيد من المساویء والأخطاء، والمآل هو تدمير الحاضر و إفتراس المستقبل.   
ولو تصفحنا أوراق التاريخ الأوروبي قليلاً لرأينا بأن الدولة الفدرالية تنشأ إما عن طريق إتحاد و إنضمام عدة مناطق مختلفة و ولايات أو دول مستقلة لتشكل سوية دولة فدرالية أو بقرار جماعي و حفظاً لمصالح الجميع أو عن طريق تفكيك دولة مرکزية و تحويلها الی دولة فدرالية بخلق ولايات و أقاليم ذات كيانات دستورية مستقلة، لتوحيدها بمقتضی دستور متفق عليه علی أساس اتحاد فدرالي.
و كلمة الفيدرالية، "فيدراليزم"، تأتي من المصطلح اليوناني "فيودوس" الذي يعني العقد الوثيق والتحالف "العصبة" والاتفاق بين مكونات مختلفة، ومن ذلك يكون مفهوماً لنا  بأن ما تضمنه فكرة الفيدرالية ليست انفصالية كما يزعم البعض من أنصار السلطة المركزية ويهاجمونها. 
فالفدرالية إذن تحفّز طاقات ومواهب الدولة على طريق بناء المستقل. و من خصائص الدولة الفيدرالية، أنها تقوم على أساس فكرة الاتحاد وليس الانفصال، وهذا ما نراه جلياً في دساتير الدول الفيدرالية جميعاً، بوجود نظام المجلسين عوضاً عن المجلس المركزي الواحد، فهناك المجلس الأعلى الاتحادي ومجالس الأقاليم. 
وفيما يخص العراق، فأن الواقع التاريخي لهذا البلد أثبت أن المركزية أدت الی إختزال الوطن في جماعة معينة وبالتالي في حزب و فرد معين. صحیح بأن النظام الفدرالي لا يؤدي دائماً الی التعايش السلمي والتآلف و لايعتبر أحسن النُظم في كل الاحوال و في كل البلدان، وإن اعتماده في بعض البلدان يمکن أن يكون له انعكاسات سلبية علی تنمية الولايات والاقاليم تنمية متوازنة وأن يسهم في زيادة التفاوت بين هذه الاقاليم علی الصعيدية الاقتصادي والاجتماعي، لكننا نری بأنه لابديل للفدرالية في العراق في هذه الظرهوف، لعراق لم يكن مهيئاً لاستقبال مثل هذه المصطلحات السياسية الثقيلة، أي دولة اتحادية (فيدرالية)، هكذا نصت المادة الأولى من الدستور العراقي الحالي، الذي جرى الاستفتاء عليه في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2005، لذا كان من واجب الأحزاب العربية الدينية منها و العلمانية والتي وافقت علی هذه التركيبة الجديدة في العراق العمل الدؤوب من أجل نشر ثقافة الفدرالية والتعايش السلمي و رفع شأن مفهوم المواطنة بين  أعضاءها و مؤيديها، لكننا لم نری ونسمع من الكثير منهم سوی إستعمال لغة الطائفية کوسيلة للتعبئة ودق طبول الحرب و كذلك نداءات التجييش والانتقام.   
و حتى لا يعود العراق للمربع الأول، أي مربع الفتنة الطائفية والاقتتال الأهلي و لتصغير حجم المشهد السياسي المتأزم يستوجب في العراق قيادة سياسية فاعلة تؤمن بما تقول و  تعمل على إزالة كل مخلفات فلسفة الطائفية والاحتراب الذي خلقته انعدام الثقة والحساسيات و تسعی جاهداً في سبيل الشراكة الحقيقية و الالتزام بالدستور، الذي وصفه السيد رئيس الوزراء الحالي عام 2006 بأنه "أرقی دساتیر العالم، لأنه يکرس مفاهيم الحرية والديمقرطية و إحترام حقوق الإنسان و بناء مؤسسات الدولة و سيادة القانون" و عليه أن لا تدعم لغة الاحتراب السياسي التي تقود البلاد الى الخسران المبين.
إن إعلاء مبدأ الدولة المدنية يضمن حل إشكالية التوزيع العادل للسلطة والثروة في إطار مؤسسات وتشريعات تسهرعلي تحقيق مبدأي المواطنة والتلاحم الوطني اللذين يعتبران حجر الزاوية في بناء دولة متعددة الأعراق والأديان والمذاهب.  والحوار وحده هو المدخل الصحيح للحل المفضي لاحترام الدستور وتنفيذ بنوده.
علينا أن نعرف بأي نمط من العقلانية نقارب الواقع و بأي شكل من أشكال الديمقراطية تدار الحکومات و بأي مفهوم تمارس الحريات و بأي نظام للعدالة توزع الثروات؟ وما نحتاجه، هو بلورة عُدّة فكرية جديدة و مختلفة بمفردات مثل البعد المتعدد، المسؤولية المشتركة، الإعتراف المتبادل والفكر المركّب. لنستلهم و نستثمر مقولات فلاسفة الغرب في السلم والحرية والديمقراطية علی نحو جديد و نترك رفع شعارات کهول ثقافات العقائد الإصطفائية والايديولوجيات الحديدية الثورية والتحررية و عجزة الحداثة. 
وختاماً: "من يريد صناعة الحياة المشتركة و صياغة البناء المشترك عليه کسر النرجسية الدينية و الزحزحة عن مرکزیته القومية لکي يخرج من قواقعه الاصولية و يتحرر من تهويماته القوموية الإصطفائية و يجدد الرؤی والتصورات و يعيد بناء القناعات، باجتراح لغة جديدة مع الذات والغير والعالم."
د. سامان سوراني



245
التيارات الإسلامية المتطرفة و التعايش السلمي في إقليم كوردستان

مع ظهور التنين المذهبي برز وعاظ و أنبياء جُدد قاموا باحتلال المنابر و زوايا الجوامع، لكي يقولوا بملء أفواههم ويعلنوا علی الملأ بأنهم انتخبوا کأوصياء علی شؤون الحقيقة والحرية والعدالة، يعلون من شأنهم كمسلمين ليخفضوا من قدر الآخر المسيحي أو اليزيدي أو البوذي تمهيداً لاستبعاده واستئصاله، هدفهم الأول والأخير هو صناعة نماذج أصولية و مخربين سذجة يُستخدمون كمطارق آلية لهدم ثقافة التعايش السلمي. هذه العملة وجدناها في الديانات الحديثة أيضاً كالنازية والستالينية والماوية، ونعني بالعملة إرادة االإستئصال والممارسات الفاشية أو البربرية ضد الآخر بسبب إنتمائه العرقي أو الديني أو القومي أو الطبقي.
إنهم يتعاطون مع الأشياء من منظور أصولي تراجعي و يجعلون من الدين مصدر عداء و بغض و صدام. و بنفيهم الواقع الجديد لا يريدون الخروج من تمترسهم وراء الهويات المغلقة أو الجامدة و لا يتركون قوقعتهم الفكرية ولا يهتمون قيد أنملة بما يجري في هذا العالم من أفكار و أحداث. شعاراتهم فقدت مصداقيتها من فرط خوائها أو من فرط إنتهاكها،     
 فما جری يوم الثاني من كانون الأول عام 2011 لم يكن دسيسة، ولا هو بالطبع، مجرد انحراف عن الخط المستقيم، كما يعلق عليه المعلقين السياسيين، الذين صدمتهم التصرفات الفاشية والأعمال البربرية. فما نستنكره من تصرفات أولئك الشبان، الذين كانت الشرطة تحاول صدّهم عن التخريب يوم قيامهم بالتظاهرة تحت شعار "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، هو ما زرعناه منذ عقود في العقول والنفوس من نصوص و تعاليم و معايير و أحکام و فتاوی لا تعترف بالآخرين الذين نطالبهم بأن يعترفوا بنا و بمقدساتنا.
فما ندينه و نتبرأ منه هو من بنات الفكر الأحادي و العقل المغلق والعقيدة الاصطفائية و الهوية النرجسية و ثمرة ثقافتنا و مؤسساتنا التعليمية الدينية، التي تنتج الأرهابي والمخرب، کما تنتج الأبله الثقافي المقلد لشيخه أو إمامه تقليداً أعمی، فضلا ًعن المفسر المشعوذ، الذي يدعي أن كل ما أنتج من المعارف العلمية الحديثة، منصوص عليه في القرآن. الداعمين لسياسة العنف الاجتماعي و الديني يسعون لإيقاظ الفتن و الصراعات القديمة النائمة في أقاصي الذاكرة وفي کهوف التاريخ و يؤججون الذاكرة الموتورة، لكي تبرز علی السطح و تترك مفاعيلها السلبية، ولكي تترجم کفتن مذهبية أو طائفية بهدف تمزيق المجتمع الكوردستاني، الذي هو اليوم بأشد الحاجة الی الوحدة والإتحاد في سبيل الوصول الی حقوقه المشروعة. 
وهذا مآل الفكر الاحادي والاشتغال بمنطق التسامح الذي يقوم علی التساهل مع الآخر، مع الاعتقاد بخطأه والانتقاص من مشروعيته، أنه يلغم المجتمعات والهويات، بقدر ما يطمس أو ينفي ما تنطوي عليه من التنوع والتعدد.
فالهجوم علی محلات لبيع المشروبات الروحية و أماكن مدنية للراحة والاستجمام والنقاهة تابعة لطوائف دينية أو غيرها في بعض المدن والأقضية الكوردستانية، هي حصيلة التمترس وراء الثوابت المقدسة وعبادة الأصول والسلف، فهي محاولات لزرع الفتن أو التوترات، التي تلغم أو تسمّم صيغ التعايش بين الأديان والطوائف، لكي تعيدنا الی الوراء، بعد أن بدأنا بخطوات نحو الأمام للاندراج في عالم الديمقراطية و بعد أن رفعنا شعارات التحديث والتنوير والتقدم وبعد أن أردنا أن نكون نموذجاً مدنياً و حضارياً في المنطقة في عصر عولمة الهويات و بروز المواطن الكوسموبوليتي.
للأسف نقول بأن الحداثيون والنخب المثقفة في كوردستان بمجاملتهم للتيارات الدينية لم يستطيعوا فهْم دفع المجتمع نحو الفضاء العلماني المعاصر والطيف الديمقراطي الحقيقي، كما لم يحسنوا هم أن يتغييروا، لذا نری هبوط شعاراتهم وفشل العديد من مشاريعهم وتحول بعضهم الی ملحق لرجال الدين بشعاراتهم ومشاريعهم، فظاهرة المد الإخواني ومحاولة التيارات الدينية من جديد لإکتساح ساحة الفكر الكوردستاني دليل علی إرتداد الكوادر الحزبية الحديثة الی قواعد الطائفة التقليدية و الانتقال من جلباب الأب الی عباءة الفقيه.
فلسفة التعايش السلمي بين المذاهب و الأديان و الطوائف دليل الحضارة و الرقيّ الاجتماعي ووسيلة للشفاء من الداء المزمن عندنا  والمستحكم في نفوسنا و عقولنا. الداء الذي يصادر حرية التفكير و يشلّ إرادة الخلق والإبداع و يدمّر القوّة الحيّة. فرفع شعار الحاكمية الإلهية والعمل بمنطق الفتوی تنتج الإرهاب وانتهاك الحرمات والحدود والسعي الی أسلمة الحياة تترجم فقراً وجهلاً وسطواً علی منجزات الغير، بقدر ما تدمر صيغ التعايش بين المسلمين و غير المسلمين. أما منطق الفتوی علی هذا المذهب أو ذاك يسمم نظام الحياة ويدمر صيغ التعايش بين المسلمين أنفسهم، كما هي الوقائع الصارخة والمحن المريرة. 
نحن نعرف بأن الدول هي شؤون دنيوية بشرية، مصلحية أو عقلية، تنسب الی بناتها والقائمين بها، كما كان يفعل الأقدمون وأن خلع الطابع الديني أو القدسي عليها من خلال شعارات الحكومة الاسلامية، ينتج المفعول السلبي، دولة لا تحترم فيها القوانين المدنية، جامعة بين مساویء القدامة والحداثة. نهاجم الغرب وثقافته، لكننا نعيش في معظم شؤون دنيانا علی ما ينتج في الغرب واليابان والصين من سلع و أدوات أو علوم ومعارف و خدمات.
لكي لا نسقط في امتحان الفردية والمواطنة والديمقراطية والمجتمع المدني علينا أن لا ننسی بأن الآخر هو شطرنا الذي لا مفر منه، خاصة في عالمنا اليوم، انه وسيط لا غنی عنه. و من حاول نبذه أو إلغائه أو أبلسته، فانها ترد عليه سوءاً بقدر ما تجعله أسوأ مما كان فيه. وتلك هي المفارقة، مزيد من التأليه والتنزيه، لمزيد من الحرائق والخرائب.
وختاماً: "عقلية التكفير والتأثيم و استخدام مفردات العصور الوسطی ما عادت تصلح للبناء والعمران، بل تخرب العلاقات بين الناس و تسهم في تشويه سمعة إقليم كوردستان في العالم و الإساءة الی ما ندافع عنه."
د. سامان سوراني





246
التجربة الفدرالية في العراق  الإتحادي و الديمقراطية السياسية

يقال بأن لكل مجتمعٍٍ الدولة التي يستحقها والشعب الکوردي في العراق الفدرالي هو جزء من "الأمة الكوردية" المجزأة سياسياً الی أربعة أجزاء بسبب السياسات التي مورست من قبل القوی العظمی بعد الحرب العالمية الأولی والتي تجاهلت الحقوق المشروعة للشعب الكوردستاني ورأت بالدرجة الأولی، بسبب قصر نظرها الأخلاقي، منافعها الإقتصادية وهيمنتها السياسية، ناضل من أجل إثبات هويته و دافع عن وجوده ضد حملات الإبادة بسبب عدم الإعتراف بما يميّزه من خصوصية قومية و ثقافية و تاريخية و المحاولات الفاشلة من أجل صهره بالشعب العربي و إعتباره جزءاً من الأمة العربية، له الحق في بناء دولته التي يستحقها. لكن بدءاً يطمح الشعب الكوردي في بناء مجتمع مدني ينعم بالإستقرار والرخاء و يخدم الإنسان و يضمن حقوقه بدعم مقومات النظام المؤسساتي الدستوري و بناء السلام. لأنه مؤمن بأن نجاح تجربته في الفدرالية سوف يوفر للعراق الفدرالي فضاء الحرية.
وفي نفس الوقت يری المجتمع الكوردستاني بأنه من الضروري إعادة التقسيمات الإدارية وفقاً الی خرائط و إحصاءات ما قبل عام 1968، و ذلك من أجل معالجة التغييرات والتلاعب غير العادلة بالحدود الإدارية للمناطق الكوردستانية التي قام بها النظام السابق. والعمل الجاد من أجل تطبيق المادة 140 من الدستور، بذلك تخطوا الحكومة الفدرالية الخطوة الأولی نحو الإعتراف بالآخر المختلف.
في السابق فشلت الدولة العراقية المرکزية علی مدی ثمانية عقود من السلطة الشبه مطلقة و المطلقة في إزالة المخاوف و خلق فضاء الثقة بين العراقيين بمختلف قومياتهم و طوائفهم. أما اليوم فمن الوظائف الأساسية للدولة العراقية الحديثة بتشكيلتها الفدرالية العمل علی محو آثار ثقافة السياسات الجهوية والطائفية والعنصرية الهوجاء، فالنظام الفدرالي لايمکن أن يتحقق إذا لم يكن هناك نظام ديمقراطي يقطع الطريق علی القوی الشمولية والفاشية وإذا لم يضمن للكوردستانيين خصوصياتهم وحقهم في الإتحاد الإختياري في العراق. 
و من المعلوم بأن نصف الطريق مرهون بما يقوم به أصحاب الفكر في شرح مفاهيم الفدرالية و مفاهيم المجتمع الديمقراطي الذي علينا بناءه والسعي من أجل شيوع التفلسف الصحيح وتحرك الإنسانية فيه، فبالوعي الإنساني ترسخ في نفوس الناس المثل العليا والقيم الروحية والمعاني الجميلة. و لابد من الحوار مع الآخرين والإشتراك معهم في صراع موحد ضد شتی العوائق التي تقف أمام تثبيت بنود الدستور و حمايته من هجمات الإنتهازيين والأيادي الخفية التي تعمل من أجل المصالح الإقليمية و ذلك للنيل من التقدم والرقي المجتمعي في العراق الإتحادي.
في عهد السلطة البعثية الشمولية رأينا بأنه ليس أخطر علی الحياة الفكرية في المجتمع العراقي، من أن تكون "الثقافة" التي يحيا عليها أفراد المجتمع مجرد مجموعة من "الأفكار الجاهزة" أو " الإطارات العقلية الجامدة"، التي يسلم بها الناس تسليما دون أن يحق لهم التساؤل مطلقا عما تنطوي عليه من معان، أو ما تستند إليه من فروض.
الواقع أننا اليوم في العراق الذي يؤمن بالديمقراطية والتعددية أحوج ما نكون اليه إلی "الفكر المفتوح" الذي لا يكف عن الرجوع الی الأصول، والبحث عن الإفتراضات الأولية، دون التمسك بأية آراء مسبقة، أو التشبث بأية أفكار جاهزة، فهو وحده "الفكر الحر" الذي لايكف عن معاودة البحث و مطارحة المسائل، من أجل الإنطلاق في آفاق البحث العقلي، غير متقيد إلا بما يمليه عليه المنطق، و ما يتطلب منه الإستدلال المنهجي السليم.
نحن نعرف بأن الفدرالية هي صيغة تنظيم معقد تسعی للتوفيق بين التعددية والوحدة ضمن مفهوم إحترام الواحد للآخر و الديمقراطية تفترض عقلاً مرناً مفتوحاً يتيح حرية التفكير ويعترف بحق الآخر في أن يكون مختلفاً ويمارس سلطة مفتوحة قابلة للنقاش و إن المعطى الاساسي للحرية السياسية يكمن أولاً واخيراً في الوضعية الاخلاقية للشعب نفسه، ولأجل تفعيل الادوار لا بد من تنظيم مؤسسات مستقلة، وتصبح الدولة بمؤسساتها كافة ضرورة لا مناص منها لإستقرار المجتمع المدني والمحافظة على وحدته وتمتعه بالحرية الكاملة لأداء وظائفه بعيداً عن سلطة الدولة وممارسة دوره الديمقراطي في البناء والتنظيم وكذلك حقه الطبيعي في الحياة الحرة الكريمة.
الحرية الفكرية لا يمکن أن تقوم في فراغ، فنحن اليوم أيضاً أحوج ما نكون الی مفكرين أحرار، أمناء يفهمون أن الشجاعة الفكرية هي الشرط الأول لكل نزاهة عقلية، و أن الصراحة مطلب أساسي من مطالب كل تفكير حر، لذا نراه من الضروري فسح المجال للحوار الفكري و أن ندعو المفكرين إلی مطارحة الآراء الحرة، واثقين من أن كل محاولة للتحکم علی العقول، لابد من أن تكون أسوأ بكثير من أية محاولة للتحکم علی الجسوم، وليس إختلاف الآراء في حد ذاته شراً، بل الشر أن يقوم الرأي علی الجهل والتعصب، وضيق الأفق. ومن المعلوم بأن الحوار الفكري يولد مجتمعا مستنيراً واعياً، شعاره العقل التواصلي، و قوامه الإنفتاح علی شتی التجارب الحية.
علينا ببناء تجربتنا الخاصة بنا في الفدرالية بعيداً عن الوصاية و الإستعلاء و التمييز الذي ظلت تمارسه تاريخياً النخبة المسيطرة على السلطة في العراق. أما المنطق القوموي المعارض للفدرالية و الديمقراطية السياسية فهو يدمّر جسور التواصل والتعايش بين المكونات المختلفة.
و ختاما ً يقول الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو (1926 - 1984): "المقصي سياسياً يظل يمارس ضغوطاته على ما يسمى وحدة الدولة المزعومة".
د. سامان سوراني





 

247
أوهام البعثيين الجُدد في زمن إنهيار اليقينيات والمقدسات والمطلقات 

من المعلوم بأن القراءة الأيديولوجية من قبل البعثيين الجُدد للفدرالية والتعددية هي قراءة وحيدة الجانب تقوم علی التبسيط والإختزال و تتعاطی معها من منطلق الدفاع عن هويتهم القومية وثقافتهم الشوفينية لإنقاذ تصوراتهم الأزلية عن شعاراتهم الزائفة في "الوحدة والحرية والإشتراكية"، بإعتبار الفدرالية وممارسة الكوردستانيين لحقوقهم في الإستقلال ضمن الحكم الفدرالي ظاهرة سلبية ذات نتائج خطيرة علی "الأمة والهوية" أو علی "الوطن والدولة". إنهم يتمسكون بإيديولوجيتهم بوصفها الضامن لمصلحة "العراق الموحد" أو خشبة الإنقاذ من موجة إنشاء الأقاليم. محصلة موقفهم هي التراجع إلی الوراء لإبعاث الفترة المظلمة التي حكموا فيها العراق ببربريتهم و همجيتهم. إن قراءتهم للعراق الإتحادي الفدرالي التعددي قراءة رجعية، لأنهم يطالبون بالعودة الی فترة صدام المقبور لمواجهة الفدرالية، هذا هو مأزق البعثيين الجُدد هذه الأيام، يريدون التقدم ولكنهم لايحسنون سوی التراجع، يقفزون دوماً فوق الأحداث و لايأخذون بعين الإعتبار التطورات والمستجدات علی الساحة السياسية العراقية.
فبعد المآلات البائسة والنهايات المدمرة علی يد دعاة البعث والإنبعاث الصدامي الذين إدعوا في السابق کما الآن بأنهم أتوا للدفاع عن ثوابت الهوية أو "الوحدة العربية من المحيط الی الخليج" أو لمقاومة "الصهيونية والإستعمار"، فإذا بمشاريعهم تترجم بأضدادها: عمليات الأنفال و القتل الجماعي، تفاقم العنف والإرهاب، فتن أهلية و العمل علی تمزيق التعايش السلمي و بربرية تنتهك كل الثوابت والمقدسات. إن حلولهم القصوی لم تنتنج في السابق كما الآن سوی التعثر والفشل و السقوط،  بمصالحهم الضيقة و نزواتهم المستبدة و ذاكرتهم الموتورة و هواجسهم المرعبة و حلولهم المستحيلة و استراتيجيتهم المدّمرة قادوا البلاد الی الحروب و الهزائم والكوارث.
هناك و للأسف في زمن اللغة الرقمية و المعلومة الكونية والحداثة الفائقة، إبتدءاً من التحولات التقنية والحضارية والإجتماعية والثقافية، التي تصوغ الحياة المعاصرة و تشكل المشهد الكوني و إنتهاءاً بإنكسار النماذج وتشظي المراکز و إنهيار اليقينيات المقدسة والمطلقة، إعلام عراقي معاصر تختفي من ورائه قوی سلطوية أو جماعات دينية أو تيارات شوفينية، يحاول أن يشوه القيم الحقيقية و المبادیء الأساسية للحياة الديمقراطي و الفدرالي في العراق الإتحادي التعددي ويريد النَيل من التقدم الثقافي والعمراني في إقليم کوردستان، الذي خرج مثل زهرة النرجس الرقيقة لتخترق صلابة الصخر الأصم لمصافحة وجه الشمس و السعي نحو النور. إنهم يريدون تدمير مستقبل الفدرالية في العراق بواسطة المأجورين من الإعلاميين والكتاب الصحفيين و المثقفين الشوفينيين والساسة البدائيين، أصحاب العقلية المتقوقعة و لغة المناضلة والحراسة، الذين دافعوا في السابق كما الآن بتصنيفاتهم العنصرية و مشاريعهم المستحيلة و بمنطقهم الأحادي والعسكري القائم علی الإنفراد والأقصاء والطغيان عن جرائم الطاغي المقبور ساغوا أعماله و بحثوا عن الأعذار له،  لكي تبقی المنطقة متخلفة و عاجزة و كسيحة و مستهلكة، و غير متحررة تحرراً فعلياً أو منتجة و مبدعة أساساً.
العالم كله تحول لإنتزاع حقوقه بالوسائط السلمية، لكنهم يڕيدون إعادة بناء جمهورية صمت القبور و الزنازين، لمعارضة عودة العراق الفدرالي الی عصبة العالم و إلی الرابطة الإنسانية، كي لا تؤدي دورها المفتقد في صناعة الحضارة.
فبدل تلقيح العناوين والمفاهيم والقيم، القديمة والحديثة، بعناصر و مقاصد و أبعاد جديدة، علی سبيل الإغناء والتوسيع والتطوير والتجديد و الإبتعاد عن لغة القطع الجازم و الفصل الحاسم و العمل علی إصلاح الفكر والعقل، بصوغ سياسة معرفية يتجاوز الفرد معها عقلية الوصاية والمصادرة نحو عقل الشراكة والمسؤولية و يتجاوز عبادة الأفكار و المثالات نحو لغة المساومة و المداولة،  يحملهم جهلهم و حقدهم الدفين علی تمويه المشكلات و طمس الحقائق، بقدر ما يجعلهم يغفلون عن كونهم يشكلون حجر عثرة أمام التعايش السلمي و تثبيت الأمن أو كونهم مصدراً من مصادر الأزمة في العراق الفدرالي بعقلياتهم المغلقة و مقولاتهم المفلسة في "وحدة العراق". إن التبسيطات النظرية للشوفينيين العرب و دكتاتورية المقولات والقوانين البعثية ولدت إستبداداً في العقيدة والدولة والحزب وعبادة للشخصية والقيادة، و أثمرت العماء الإيديولوجي و الزيف الوجودي و خلقت تراجعاً في القيم الإنسانية والمعارف أو تخلفاً في النمو الإقتصادي والتقدم الحضاري.
من غير الإعتراف المتبادل و نشر مفهوم الشراكة الحقيقية، الذي يستدعي مفهوم التعددية و يستبعد مفهوم المطابقة والإنفراد والأحادية، لا ننمو سوياً و لا يمكن الحديث عن المساواة من حيث الحقوق أو الفرص. الإعتراف يجب أن يشمل الإعتراف بالآخر معرفياً، و خاصة نحن الآن ندخل ولو ببط السلحفاة مجتمع المعرفة.   
وختاماً نقول: "من يڕيد بناء عراق إتحادي فدرالي تعددي، عليه التفكير علی نحو تداولي و السعي نحو كسر المنطق الكلاني والشمولي، الذي يعمل أصحابه تحت إمبريالية المعنی و دكتاتورية الحقيقة أو تحت عبادة الأصل وأحادية النمط والنموذج."
د. سامان سوراني



248
هل الفدرالية واقعة عصر مابعد الدكتاتورية لكسر منطق الأنظمة الشمولية؟

من المعلوم بأن أصحاب العقلية الإصطفائية والنفسية المعطوبة والموبوءة ماهرون في إختراع أعداء لهم في الداخل أو في الخارج، هدفهم إختزال الواقع من خلال يقينياتهم الدغمائية و نفي الآخر في غياهب الفكر و العمل علی إستنفار الطوائف والجماعات لصنع أنظمة شمولية أو مجتمعات مغلقة ومعسكرة، يسعون في إطلاق دعوات مستحيلة تترجم دوماً إستراتيجيات قاتلة و مدمرة، لإعادة لغة القرون الوسطی و نصب حواجز البغض والحقد بين الشعوب والطوائف العرقية والدينية و شحن الکتل المرصوصة و الحشود العمياء لکي يكونوا مصنع الکره و العداء ومادة القهر والإستبداد أو أداة الإرهاب و الإستئصال.
هؤلاء يريدون للغير أن يكون نسخة عن الأنا، لكننا اليوم إزاء فضاء حضاري واحد، هو مجمع للثقافات المختلفة من حيث منابعها و جذورها أو من حيث مقوماتها و مضامينها. فحتی الولايات المتحدة، التي نخشی اليوم من هيمنتها، لا تشكل عالماً واحداً متجانساً، بل هي عالم مفتوح علی المختلف و نسق مركب يستوعب المتعدد والمتنوع وهذا هو مصدر نجاحها و قوتها. إذن ما نحتاجه هو تجاوز مفاهيم الثبات والتطابق والتواطؤ والنقاء واليقين الجازم بإبتكار إنسانيتنا من جديد و التمرس بأخلاقية سياسية جديدة.
الفكر الحي هو صلته المنتجة بالحقيقة وقدرته الفعّالة علی قرأة الحدث وصوغه وإعتراف بقوة الحقائق من أجل المساهـة في صناعة الحدث. فمع التغير في المشهد العالمي تغيرت الثقافة من حيث أطرها و مضامينها أو وسائطها و مسالكها وأصبحت أكثر فاعلية. ومن الجليّ أن أداة المعرفة يغير علاقتنا بالمعرفة نفسها في عصر ثقافة الصورة والمعلومة أو الحاسوب و بنوك المعلومات. 
ومع ولادة الفدرالية في عصر الإعتماد المتبادل و المواطن العالمي تفتحت في العراق الإتحادي إمكانات هائلة أمام مجتمعاته، تتجسد في قدرات خارقة علی الفعل والتأثير و لا نبالغ إن قلنا بأن عالماً جديداً تشكل مع ظاهرة الفدرالية، يرافقه فاعل ديمقراطي جديد، يستخدم طرقات سياسية حضارية للتعبير عن آرائه، يتعامل مع الأفكار والمجتمعات والثقافات علی نحو تواصلي و مع الناس کوسيط، لا كوصي أو وكيل، يترك العالم الذي يثير دوماً الفزع والقلق، نقصد هنا بالتحديد عالم غلبة فلسفة الفردية والشخصانية في العمل والقرار والتصرف.
الفدرالية للعراق حدث كبير لا عودة عنه و لاجدوی من القفز فوقه. الممكن هو قرأته و تفسيره بسبر ممكناته وإستثمار طاقاته للمساهمة في صناعة عراق جديد يحترم حقوق الأفراد و المجتمعات والشعوب. و لايمكن التعامل معه و کأن شيئاً لم يحصل، من يفعل ذلك، يقرأ المجريات بلغة ميتة و مقولات متحجرة، علی مايفعل البعض في العراق الإتحادي، الذي يقرأ الفدرالية باللغة الأيديولوجية لحركات التحرر الوطني والإجتماعي.
ومع الحدث العراقي الذي تجسده الفدرالية، تنشأ لدی العراقيين طريقة جديدة في ممارسة وجودهم والتعامل مع واقعهم ويتكون نمط مغاير من العلاقة بالذات و الغير والأشياء و التجربة الكوردستانية شاهد علی مانقول.
لكن ماذا تعني الفدرالية بالنسبة الی وضعية الفرد العراقي والی العلاقات بين الشعوب والطوائف والمذاهب الدينية في العراق الإتحادي؟ هل هي الفردوس الضائع الذي بحث عنه العراقي حتی الآن من غير طائل؟ هل يستعيد العراقيون مع الفدرالية إنسانيتهم الضائعة و حريتهم المستلبة؟ هل الفدرالية حقاً ستوحد العراقيين حيث عجزت من قبل الأفكار الشوفينية والعقائد المستهلكة والإنقلابات العسکرية الدموية؟
الكثير من العراقيين كورداً وعرباً و ترکماناً، کما الآشوريين و الكلدان والأرمن غرقوا في التفاؤل بعد سقوط الطاغية و عند بداية عصر مابعد البعث، أي بعد تأييد الدستور الجديد، ظنوا بأن الحكم في العراق سيصل الی إنسانية أکثر حرية وعدلاً، لكنهم خابوا عندما شاهدوا الذين يتحكّمون في دفتي الحكم والإدارة في بغداد يستخدمون سلطتهم الفردانية في إعطال بنود الدستور و يحاولون، إن أمكن، تغيير نصوصه علی ما يوافق هواهم، ليعيدوا إنتاج الماضي علی نحو أسوأ.
مالنفع من رفع شعارات الجوفاء مثل "دولة القانون والديمقراطية والسيادة والتحرر وطرد الإحتلال والمقاومة والتنمية"، إذا عجز الحکومة عن حفظ الدستور والأمن وضمان السلامة و فقد الإنسان العراقي البوصلة والحصانة والثقة واليقين؟
ففي ظل غياب المنهجية الصحيحة و الإهمال في نشر الوعي الثقافي بين صفوف الناس ومقارعة تأثيرات العسكريتاريا كفكر في الدولة والمجتمع والقوى للانتقال للديمقراطية الحقيقية لا تحل الازمات التي باتت مزمنة ومستعصية بالوعود والشعارات واثارة وإدامة الخلافات.
الذين أتوا بالتغيير والتحول علی الساحات العربية لم يكونوا من الأنبياء الجدد من دعاة العودة لتطبيق الشريعة تحت شعار "الإسلام هو الحل"، بل كانوا ناشطين كشفوا جهل سلاطينهم و فلاسفتهم الخائفين من الديمقراطية الفدرالية و العولمة و رُسُلهم و مُنظّريهم القابعين في سجونهم العقائدية، ابتكروا صيغهم واجترحوا أساليبهم في العمل والتوسط والتدخل، بقدر ما جسدوا نمطًا جديدًا في التفكير والتخيل والاحساس والتعبير والتدبير، فأستطاعوا الإتيان بما عجز نخبهم عنه و کسروا بذلك منطق الأنظمة الشمولية التي كانت تحکمهم طوال عقود من الزمن.
المهمة الآن هي الإنخراط في ممارسة فكرية نقدية تتيح لنا إغناء مفاهيمنا وتوسيعها و العمل علی تفكيك ما هو راسخ و سائد من البنی الفكرية واللغات و المفهومية و النماذج الثقافية والقوالب العقلية والأنساق المعرفية من أجل إعادة التركيب و البناء. حينها يفقد العالم القديم بأصولياته الدينية وتصوراته اللاهوتية الغيبية أو الماورائية رونقه ليفسح المجال لعالم حديث يحمل في طياته فلسفات علمانية و روايات عقلانية و تهويمات إنسانية ليواصل المسير الی عالم العولمة والإبتكارات التقنية للوصول الی مجتمع الوفرة والرفاه والتقدم.
وختاماً: "لا بد من فتح نار الأسئلة علی المقولات المتحجرة والمناهج القاصرة و الثنائيات العقيمة وعلينا فهم الحدث أولاً، لكي نسهم في صناعته."
د. سامان سوراني



249
الخطاب الوحدوي و العوائق السياسية أمام تثبيت الفدرالية في العراق

لا شكّ أن للأسطورة سهم كبير في تعبئة الجماهير و تجييش عقولها وذلك من خلال نشر شعارات تعد بتحقيق الوحدة و إستعادة المجد الضائع وتحرير الوطن من "براثن الإستعمار و الإمبريالية" و هي تسهم بقدر كبير أيضاً في تقويض نظام أو إسقاط دولة، لكنها أعجز من أن تسهم في بناء مجتمع ديمقراطي أو صنع نظام فدرالي وعالم مغاير. إنها تستطيع أن تسهم في لأم رؤساء العشائر و التحام العصبيات، ولكنها لا يمكن أن تبني مجتمعاً يقوم علی العقد والدستور والشراكة أو علی العقلانية و الديمقراطية أو تبسط الأرض أمام إنشاء أقاليم فدرالية للوصول الی الوحدة الطوعية المنشودة.
إن داعية الوحدوية القومية ينظر الی الفدرالية بمنظاره الضيق إنطلاقاً من خصوصيته الوطنية أو الطائفية أو الحزبية أو الشخصية، لهذا نراه يستعمل الوحدة ليس فقط لايتسع لکل العراقيين، بل بمعنی يضيق عن وطن أو حزب أو مجموعة لکي لا يتسع إلا لموقعه ووجهة نظره، مستبعداً بذلك الذين ينادون بإنشاء الأقاليم الفدرالية الی دائرة العمالة والتصهين والرجعية، بأعتبارهم أعداء مغرضين، هدفهم تقسيم العراق "لغرض توطين الفلسطينيين المطالبين بحق العودة من خلال مخطط خارجي لجعل العراق المقسم وطناً بديلاً لهم".
هذا شأن العقل الوحدوي الملغوم بمنطقه التبسيطي الإختزالي، لايفهم من الفدرالية إلا إجتهاده الخاص، ينتظر اليوم الذي يأتي ليصحح الدستور و يمحو فيه كلمة الفدرالية، التي هي حسب رأ‌يه "تمزيق لجسد العراق و خيانة لها مرارة العلقم".
المادة 116 من الدستور العراقي الفدرالي تنص على أنه يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم أما بطلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، أو بطلب من عُشر الناخبين في المحافظة. ومن المؤكد بأنه لو قام أعضاء مجلس أي محافظة من محافظات العراق الفدرالي بالتصويت علی على تشكيل الإقليم سوف يرفع هذا الطلب إلى مجلس الوزراء. أما مجلس الوزراء فهو ملزم بحكم القانون أن يحول الطلب خلال 15 يوماً إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والقيام بتوفير القضايا اللوجستية لإجراء الاستفتاء عليه.
لكن أصحاب الفكر الوحدوي يعملون بمطلقات هشة وتهويمات أيديولوجية و مواقف دغمائية و متاريس عقائدية من أجل تحويل فطرة المجتمعات في العراق الفدرالي الی فاشيات حزبية حديثة لإعادة إنتاج العصبيات القبلية والدينية بشكلها الأسوأ و إلغاء التنوع والإختلاف والتعدد. إنهم بمنطقهم الثابت والمتحجر والمنغلق يتهربون من حمل التبعة لألقائها علی الغير و يتحدثون عن المؤامرات التي تدبر  الخارج لتغطية العجز عن التدبير في الداخل و يرفضون العمل علی أنفسهم أو الإنشغال علی ذواتهم لکي يتحولوا عما هم عليه، بنسج علاقة جديدة من العالم ينجحون في تغييره.
الشعوب اليقظة والمجتمعات الحية تتغيّر حتی لاتفوتها الفرص و تهمشها المتغيّرات، و ذلك بحشد العقول وإنشاء مراكز البحث والإشتغال علی الذات بالمراجعة والمحاسبة أو بالنقد والفحص لإنتاج الجديد والفعّال من الأطر والسبل أو السياسات والإستراتيجيات أو الصيغ والمعادلات.
کفی التعامل مع الشعب العراقي بوصفهم رعايا أو قاصرين يحتاجون الی شخص إستثنائي، يلعب دور المنقذ والمخلص، بحيث ينوب عن المجتمعات العراقية في التفكير والتقدير والتدبير، بوصفه أولی من الجميع بأنفسهم. إن عقلية الذوبان في الشعارات أو قضية "العراق الموّحد" و ممارسة طقوس العبادة للزعيم والقائد والمرشد والبطل المنقذ، هي نقيض العقلانية والإستنارة والحرية والديمقراطية، تصنع القطعان البشرية و الكُتل العمياء، التي هي مادة الإستبداد و آلة الإرهاب. والنتيجة كما أثبتتها تجارب حقبة البعث والدكتاتورية هي التأخر و شلّ الطاقات اللانهائية للعراقيين علی الإبتكار للحلول والمخارج.
"العراق الموّحد" مصطلح عروبي مبتذل و معنی بعثي مهجور و سيف يأسر العراقيين و هوام يستبد بهم، لكن "العراق الأتحادي الفدرالي" بأقاليمه وجمهورياته المستقبلية قد يستطيع أن يكون رمزاً للقوة والفاعلية والقدرة علی الخلق والإبتكار و علامة علی الحضور والإزدهار. وليعلم الذي لا يعلم بأن الثورة في تقنيات الإتصال ووسائط الأعلام ذات مفاعيل وحدوية أكثر من أكداس من الشعارات المهجورة و الخطابات النارية في هذا الزمن المعولم. أن كلمة الدولة نابعة من التداول و يعني بأن يواجه الإنسان مصيره بنفسه و يتعرّف إلی حقيقته‌ عبر تاريخه، حينه يکسب التاريخ صفة مشروعة و شرعية و الفيدرالية هي عبارة عن تسوية صعبة تتم بين عدة فئات متصارعة او متنافسة على السلطة والنفوذ والثروة والوظائف داخل نفس البلد الواحد.
و كلمة فيدرالية مأخوذة من الكلمة اللاتينية foedus والتي تعني ميثاق، والغرض منها هو اشتراك عدة قوى في كيان واحد بحيث تكون لكل واحد منها صلاحيات متساوية وتخلق فيما بينها كيانا جديدا مترابطا، كما أن كلمة ميثاق يتضمن معناها أيضا وجود رابط أخلاقي فيما بين المشتركين يتعاملون به مع بعضهم البعض بمقتضى روح القانون وليس حَرْفية القانون.
والنظام الفيدرالي هو آخر ما توصل اليه علماء أوروبا وفلاسفتها بعد طول تفكير في الشؤون السياسية، وكان فيلسوف التنوير الألماني عمانوئيل كانط (1724-1804) من أكبر مؤيدي هذا النظام، الذي طُبّق في أرقی دول العالم من حيث التقدم العلمي والتکنلوجي، كالنمسا المؤلفة من تسع دول فيدرالية، والمانيا المؤلفة من ست عشرة ولاية او اقليماً، وكل اقليم يشكل دولة مستقلة على المستوى الداخلي، وكندا المؤلفة من عشرة اقاليم مستقلة ذاتياً ومتحدة مع بعضها البعض في آن معاً و کذلك أستراليا المؤلفة من ست مقاطعات أو دول و بلجيكا المنقسمة الى ثلاثة اقاليم اساسية على الصعيد اللغوي. من يتهم الفيدرالية بالتقسيم والانفصال والخيانة، لم يفهم من هذا النظام شيء يذكر.
السؤال هو، لماذا كل هذه الإجتماعات المتواصلة مع رؤساء العشائر، التي كما نشاهد ردود أفعالهم ينتظرون أنبياء و زعماء ملهمين لكي يقودونهم؟ هل أن المجتمعات في العراق الإتحادي الفدرالي لم تنضج بعد من حيث بنيتها و ثقافتها، لكي تصبح مؤهلة لممارسة الديمقراطية؟ 
النرجسية السياسية، أياً كان ممارسها، هي مصدر ضعف بقدر ما تجعل الواحد يعتقد أنه يمتلك الحقيقة وحده‌ دون سواه‌، و بقدر ماتحول بينه و بين الإنفتاح علی الواقع والمستجدات أو الإفادة من تجارب الآخرين و إنجازاتهم، هذا النوع من الدور النخبوي فقد مصداقيته و بات من عوائق الفهم لمجريات العالم.
وختاماً: من يريد أن يدمّر صيغ التعايش السلمي بين المجتمعات في العراق الفدرالي فليتوجه بفكره الوحدوي نحو الأصوليات الإصطفائية، المذهبية أو الدينية أو القومية، التي يشتغل أصحابها بمنطق التكفير و التخوين أو بعقلية النبذ والإستبعاد و الإلغاء و لتقرأ علی  عقلية الشراكة والمداولة والإحساس بالمسؤولية المتبادلة عن المصائر والسلام و العدالة والحرية الفاتحة. 
الدكتور سامان سوراني

250
جمهورية كوردستان العراقية نموذج للجمهوريات المستقبلية في العراق الفدرالي

من المعلوم بأن أساس الفدرالية هو الديمقراطية و التعددية و أنه لا حياة للفدرالية بدونها، و أن حق تقرير المصير هو في جوهره حق جماعي للشعوب، وقد أصبح  هذا الحق في عرف القانون الدولي الحالي جزءاً لايتجزأ من حقوق الأنسان. و ما المساواة الكاملة بين  الشعبين الكوردي والعربي إلا مفتاح للحلول و الطريق الذي لا بد من سلوكه لبناء عراق ديمقراطي تعددي جديد له الطاقة لمحاورة الدول الإقليمية والغرب كالند للند. الفرصة الآن سانحة أمام هذين الشعبين لكي ينخرطوا في المناقشة العالمية، للمساهمة البناءة والمثمرة في تطوير مفهوم الديمقراطية و فتح ممكنات جديدة أمام العمل الديمقراطي.
الدولة هي حقيقة و سلطة الواحد علی الآخر، فهي واقعة أصلية لاتنكر، وقد بدأت بالأسرة  ثم بالقبيل و انتهت بالدولة. ما نريده ليس إنكار السلطة بل إضفاء المشروعية عليها. وطبعاً، و من نافلة القول بأنه لا ممارسة بلا نظرية، و لا فاعلية من دون شكل من أشكال العقلنة، للنشاطات والتصرفات، يتيح الحصر والضبط والتنظيم، نمذجةً أو قولبةً أو برمجةً. أما السياسة فهي لا تظهر و لا تتم ممارستها إلا بالسلطة. إن إدعاء الحكومة الفدرالية للديمقراطية ثم إلغاءها أو تقييدها لحرية المؤسسات السياسية الفاعلة و تحجرها في تنفيذ مواد الدستور و منها المادة 140 و إغلاقها لأبواب إنشاء أقاليم فدرالية علی غرار إقليم كوردستان بالمسامير لايبقي من الديمقراطية في العراق سوی حفنة من شعارات معلقة علی الجدران ينتهي مفعولها بعد إنقضاء المناسبات.
والدولة الفدرالية هي إتحاد إختياري بين أقاليم و جمهوريات متعددة، إثنتين على الأقل، فيحق لكل من هذه الأخيرة الأنفصال عن الدولة الفدرالية و إعلان إستقلالها و ممارسته بشرط مراعاة قواعد الديمقراطية. والفدرالية تتمثل أيضاً بشعور الأنسان الفرد بالأنتماء الى مجموعات مختلفة لا تتعارض فيما بينها.
في الغرب شاهدنا إنفصال الجمهورية السلوفاكية عن الجمهورية التشيكية بشكل سلمي ناجح بحيث أصبحت دولة مستقلة بذاتها عن طريق إستفتاء إقتصر على السلوفاكيين، أما الجمهورية التشيكية فقد قبلت بهذا الإنفصال. أما في كندا، فقد نظمت حکومة كويبك في أقلیمها إستفتاء لسكانها مرتين تسألهم فيما إذا كانوا يرغبون في الأنفصال عن كندا أم لا. ولم تستطع حكومة كندا الفدرالية منع هذا الأستفتاء بإعتباره حقاً طبيعياً و ديموقراطياً و لكن نتائج الأستفتاء كانت في المرتين بنسبة نحو 49,5 % من السكان لصالح إستقلال كويبك و نسبة 50,5 % لصالح البقاء ضمن الدولة الفدرالية. لقد بدأت كندا حياتها الفدرالية بدستور شديد المركزية ولكنها الآن من أكثر النظم الفدرالية لامركزية في العالم - أو بالأحرى ثاني دولة الأكثر لامركزية بعد سويسرا.
أن النظام الفدرالي يمكن أن تتعمق جذوره في المجتمع ويمكنه أن يقوم بوظائفه الدستورية حتى لو كان تطور هذا المجتمع ونظامه الفدرالي يتبعان مساراً لم يكن متوقعا أو حتى مرغوبا في البداية.
وفي أفريقيا نری بأن نيجيريا بدأت كجمهورية فدرالية متكونة من ثلاثة أقاليم عام 1963 ولكن بسبب ما أوجده ذلك من عدم استقرار، وجدت نيجيريا مضطرة بمضاعفة عدد الوحدات الإقليمية ذات الصلاحيات القانونية، واليوم يتألف النظام الفدرالي النيجيري من 36 ولاية وإقليم للعاصمة الفدرالية.
الإقصاء هو صفة ملازمة لكل فكر ضعيف أو متستر أو مداهن، يستمد قوته من تهميش الآخرين فإن لم يستطع و علت أصواتهم عليه ألصق بهم أشنع الصفات ليظهرهم على أنهم أعداء للحق الذي ينفرد بإمتلاكه. يعيش هذا الفكر بالقوة فقط فمتى ما زالت قوته زال، فهناك حکومات مجاورة للعراق تؤمن بفلسفة إقصاء الآخر و لا تحترم القوميات و الشعوب المختلفة فيها، تقوم على ايديولوجيات أكل عليها الدهر و شرب، فسياساتها لا تتناسب مع عقلية هذا العصر الرقمي و مصيرها  الزوال والإنهيار، لأنه لا تفلح دولة في بناء مجتمع قوي قادر، مهما جمعت من أسلحة، إذا لم تفلح في بناء فرد حر و قادر. أليس من سعادة شعب أن ينهار نظام حكم يقهره و يسحقه، ولو علی أيدي غرباء، إذا كان لايستطيع القيام بذلك بنفسه؟
أما في ما يخص العلم الکوردستاني الذي يرفرف علی أبنية حکومية في مدينة خانقين ومدن كوردستانية أخری و مدی التداعيات ، فأنه توجد في كافة الدول الفدرالية أعلام عديدة كما في  سویسرا و ألمانيا و كندا و أمريكا و بلجيكا مثلاً. ففي سویسرا يوجد العلم السويسري الفدرالي بجانب علم خاص لكل كانتون (دولة إتحادية). ولكل مدينة بل ولكل قرية علم خاص بها. وفي المناسبات الرسمية أو الشعبية يرفع السكان بكامل الحرية و كما يرغبون العلم السويسري، وعلم الكانتون، وعلم المدينة أو القرية ورموزها و شعائرها بدون أي تعارض بينها. هذه هي الحرية و الديموقراطية. فالفدرالية تتمثل أيضا بشعور الأنسان الفرد بالأنتماء الى مجموعات مختلفة لا تتعارض فيما بينها، أشبه بدوائر تتقاطع فيما بينها، و يستطيع المرء تعريف نفسه بعدد منها بدون تعارض. ففي كندا مثلاً يكتب على الأوراق النقدية باللغتين الأنكليزية و الفرنسية. و ما الجمهورية، التي يخاف البعض من إستخدامها سوی دولة أو إقليم يقودها أناس لا يبنون قوتهم السياسية على أي مبدأ أو قوة خارج سيطرة أو إرادة سكان تلك الدولة أو الإقليم.
الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (1632-1677) يؤکد لنا بأن غاية الدولة القصوى هي تحرير الأفراد و الحفاظ على أمنهم و تمكنهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية و حمايتهم من كل أشكال العنف و التسلط و تنمية قدراتهم الجسدية و الذهنية، شريطة عدم إلحاق الضرر بالآخرين و الإمتثال لسلطة الدولة  و عدم الخروج عن التعاقد و المواثيق  المتفق عليها و يشترط  في هذه الدولة أن تكون ديموقراطية تضمن العدل و المساواة و الحرية للجميع و تحافظ على الأمن و السلم. إدن فإن ضمان الأمن والسلم ما هو إلا وسيلة لممارسة الحرية ممارسة عقلية.
کفی المجتمعات والتيارات السياسية العراقية إستخدام العنف كوسيلة لحل خلافاتها السياسية والإدارية. إنها اليوم بحاجة الی إطلاق و تشغيل قواها الحية والخلاقة التي تكبحها العقائد المغلقة و النخب القوموية الفاشلة والإدارات الفاسدة والعقليات الکسولة والثقافة الفقيرة والنماذج الإرهابية القاتلة، لتصنع و تبتكر و تغيير و تشارك و تنخرط في  صناعة الحضارة و لإثبات الجدارة و ممارسة الفاعلية و ذلك بإتقان لغة الخلق والتحول والتداول. لتتراجع العلاقات المركزية العامودية لصالح العلاقات الأفقية التبادلية و لتنتشر مفاهيم الوسيط والفاعل والشراكة والمداولة ولتدار الدولة الفدرالية بعقلية السياسي المحترف، الذي يقرأ و يشخص لكي يركب الإمكانات و يجترح الوسائل لتحسين الأوضاع أو لحل المشكلات.
و ختاما يقول فيلسوف العصيان المدني اللاعنفي و السياسي البارز موهنداس كرمشاند غاندي (1869-1948): "العنف هو تعبير عن نشيد الحقد الذي تعبت الإنسانية من عواقبه الوخيمة."
د. سامان سوراني

251
سياسة حكومة بغداد تجاه المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان

في 22 من كانون الثاني عام 1922 خاطب رئيس الوزراء العراقي عبدالمحسن السعدون (1889-1929) مجلس النواب قائلاً: "إذا أراد العراق أن يعيش، فعليه تأمين حقوق جميع الكيانات العراقية، لأننا شاهدنا جميعاً تشتت و إنهيار الدولة العثمانية التي قامت بإغتصاب حقوق الكيانات التي كانت تتشكل منها وتمنعهم من التطور". أما ملك العراق، فيصل الأول (1883-1933)، فقد نصح رعاياه عام 1926 بأن "أحد أهم وظائف كل عراقي مخلص هو تشويق أخية الكوردي العراقي أن يحافظ علی عنصره و جنسيته و لايحيد عنها". الملك بدهائه كان يعرف بأن الكوردي لا يصبح عربياً، مثلما الأسكوتلندي لا يصبح إنجليزياً.
هذه الفلسفة كانت بداية ظهور شراكة الإعتراف، بإستدعائها مفهوم التعددية وإستبعاد مفهوم المطابقة والإنفراد أو الأحادية، والتعددية تعني بكون الآخر مختلفاً ولكنه مساوٍ في الحقوق أو الفرص. أما الإعتراف فلا يقوم فقط علی الإقرار بحقوق الآخر السياسية أو الإجتماعية، وإنما يمکن توسيعه ليشمل الإعتراف بالآخر معرفياً. للأسف لم تدم هذه الفلسفة طويلاً کي تنقذ العراق من مخاطر الإستبداد و التخلف والفقر. ففي عهد الملك غازي الأول بدأت حكومة ياسين الهاشمي (1884-1937) أواسط الثلاثينات من القرن الماضي بإتباع سياسة معاكسة لنهج السعدون تجاه الكيانات الأخری. فقد قامت مثلاً بتغيير الواقع الديموغرافي في كركوك و کان "مشروع أراضي الوحدات الإستثمارية" الخطوة الأولی لفرض السيادة  القوموية والفكر الشوفيني علی الآخر المختلف.
سياسة تغيير الواقع الديموغرافي أصبحت إستراتيجية أتبعتها الحکومات العراقية المتعاقبة وظلت مستمرة الی يومنا هذا، بالرغم من أننا نعيش اليوم زمن "الديمقراطية والفدرالية و حکومة الشراكة الوطنية والتعددية". فكيف لا تولد عند الكورد و الإخوة التركمان إذنْ التوجس والريبة من نوايا حكومة دولة رئيس الوزراء المالكي إزاء هذه المدينة والمناطق المستقطعة الأخری وکيف لا تتعقد الأوضاع في تلك المناطق.
في السابق فرضت الدكتاتورية الفاشية بتهويلاتها الإيديولوجية و قيودها الانتروبولوجية ومنطقها القدسي و نزعتها العسکرية و حروبها المدمرة نفسها، حيث نشرت بالعنف  أفكارها المسمومة بين الجماهير و قامت برفع الشعارات والإدعاءات القومية الزائفة في سبيل کبت الحركة الكوردستانية، التي كانت تهدف الی نشر الأفكار التحررية والديمقراطية داخل عموم العراق و كوردستان بشكل خاص.
بعد سقوط الطاغية صدام عام 2003 كان أمل الأکثرية الساحقة في العراق، و التي أيدت الدستور، أن تعمل الحکومة المستقبلية في هذا البلد من أجل صناعة الحياة المشترکة وتخلق مجالات تتوسع معها حريات التفكير والتعبير ولا تتماطل في تنفيذ حقوق الشعب الكوردي الدستورية المعطلة في بعض بنودها، منها المادة 140 لحل الخلافات العالقة بينها و بين إقليم كوردستان، کي تترسخ أخيراً جسور المحبة والتعايش. إن قواعد الديمقراطية تفرض علی الحکومة إحترام الدستور، الذي صوت علیها أكثر من 78 بالمائة من العراقيين و التي تعتبر المرجعية الأساسية لكل عراقي و إن حل قضية كركوك سوف يكون مفتاح لبناء الديمقراطية والسلام في العراق.
السؤال هو، هل يتعظ الساسة العراقيون من أخطاء الماضي و يتجنبون الكوارث بتركهم عقلية نفي الآخر وإزدراء الوقائع و الإنفراد والإستئثار والهيمنة والإحتكار والعقليات الإستبدادية أو الشمولية اللاهوتية منها والناسوتية ويتبعون طريق الحوار في إدارة مشاريعهم السياسية بإستخدام عقلية التضامن والشراكة وإحترام القانون والرجوع الی المرجعية الدستورية والقانونية. وإذا لم ينزع الساسة العراقيون عباءتهم القومية أو الأصولية ولم يتحرروا من تهويماتهم الإصطفائية ولم يحسنوا التداول فيما بينهم لوقف موجات العنف فسوف تتركهم الحظ کي يلعبوا دورهم كوسيط فعّال في إستحداث آفاق جديدة للتعايش السلمي و تعزيز مبادیء الفدرلية و الديمقراطية وقواعد الحياة المدنية في الواقع العراقي المعولم.
وختاماً: لنطلق و نشغّل قوانا الحية والخلّاقة التي تکبحها الإفكار الشوفينية والعقائد المغلقة والنخب الفاشلة والإدارات الفاسدة والعقليات الكسولة والثقافة الفقيرة والنماذج الإرهابية القاتلة، لجعل الممتنع ممكناً والعصيّ قابلاً للتناول و لکي نخلق الأفكار الخصبة والأطر الملائمة أو المعالجات الناجحة والتدابير الفعالة و نبتكر و نغيّر و نشارك في بناء عراق فدرالي ديمقراطي تعددي يشوّق بقية أطياف الشعب العراقي في الوسط والجنوب و حتی في المنطقة الغربية، بأن تقتدي بنموذج إقليم كوردستان الناجح."
د. سامان سوراني

 
   

 


252
شروخات الفدرالية العراقية و اختراقات الديمقراطية

من المعلوم بأن هناك تحولات وتحديات علی الساحة العراقية، علی الفاعلين في الحکومة الفيدرالية مجابهتها، و أن لايقفوا خائفا مما يجري  و أن لا يندبوا حظهم و يشكو الزمن أو يلوموا الواقع و يهجو التقنيات و وسائل الإعلام. من يتحدث عن مقتل الثقافة و هيمنة الأعلام يشكو من نقص في فاعليته و ينصب الأفخاخ لنفسه، بل يسعی الی رمي سلاحه الفكري و بعمله هذه يقوم بإعادة إنتاج الأزمات لذاته و لمجتمعه.
ومن الواضح بأن الفدرالية ليست جنة إلا في الوهم و لکنها ليست الجحيم إلا عند ذوي العقول القاصرة، الذين ينادون بملیء أفواههم ومن علی منابرهم الدينية و السياسية والثقافية ليل نهار بأنها رجس من عمل المناوئين للوحدة العروبية العقيمة، التي يحلمون بها ما يقارب أكثر من نصف قرن. هؤلاء في أعماقهم ثقافة السلطة المطلقة التى زرعها بداخلهم النظام البائد، لم يهضموا ليومنا هذا فشلهم کحراس للقيم البعثية الوحدوية الباطلة أو کأوصياء علی العالم العربي، بأدوارهم النبوية والرسولية الفاشلة، لذا ينظرون الى الشعب الكوردستاني بنظرتهم القوموية البحتة والتي تعارض المشروع الحضاري بذريعة ان الفيدرالية هي مقدمة للانفصال.
إنهم ينظرون بإزدراء الی إقليـم كوردستان الفيدرالي و ينشرون في كتاباتهم المليئة بالحقد والضغينة بأن هذه التجربة الفذة والناجحة جزء من "المشروع الأمريكي في العراق، وأداة فاعلة في تشتيت الجهد العراقي العر(و)بي"، بل يتجرؤون بالقول "علينا أن نقف صفا واحدا بوجه الأكراد"، فإنهم "ضمن المشروع الصهيوأمريكي". متی يتخلون عن المثل الأعلی الموهوم الذي يتقمصوه تخيلاً، و مكابرةً، وإستعلاءً و إنتفاخاً کانتفاخ الطواويس، لنا الصدر دون العالمين أو الموت.
من الأولی التعامل مع التغييرات التي تصاحب الفدرالية کفرصة وجودية و معرفية، لکي نغير الوضع الراهن في العراق و نتغير عما نحن عليه الآن. فالغرق في التهويمات الإيديولوجية و النرجسية الثقافية لا يقود الملتزم به إلا الی الجمود و التعثر أو الإخفاق والتراجع. أما مخاوف البعض من اقامة اقاليم فدرالية تعد وقوفاً ضد الدستور العراقي، لأن المادة 119 من الفصل الأول من الباب الخامس من الدستور العراقي، تنص على إقامة أقاليم فدرالية. والفدرالية هي الأداة التي تمنع من إنتاج دولة كلّانية تسحق الفرد و تبتلع المجتمع المدني و مؤسساته.
هذه الفرصة الوجودية والمعرفية يمکن إستغلالها بشروط العمل علی تفكيك منظومتنا الأخلاقية وآلتنا المنطقية و تراكيبنا المفهومية، لكي نعيد ترتيب علاقتنا بأفكارنا كي يمكننا إبتكار شبكة جديدة للقراءة، تكون أداة فهم وتشخيص بقدر ما تشكل أداة تحويل و تغيير.  إذ من المستبعد أن نفكر، بعد كل هذه التغييرات والتحولات الجذرية في العراق، في القريب العاجل أيضاً في المنطقة ، كما كنا نفعل في الفترة المظلمة و العصيبة التي مرّ بها هذا البلد. علينا القيام بنقد ذواتنا قبل نقد النظم الجديدة بالنسبة لمنطقتنا، كالفدرالية و الديمقراطية الجذرية، وأن لانخشی علی أنفسنا و حکومتنا من عصر العولمة والمعلومة وأن نعرف بأن الاختلاف هو بداية جيدة للحوار وليس نهاية له. لقد ولّی زمن التحدث بضمير المتکلم و بلغة الجمع، والقول بعراقنا و حضارتنا، فالمعرفة هي خروج من سجن المماهاة بإيجاد نسبة بين شيء وشيء و بخلق وسط مفهومي يتيح التلاقي والتواصل. 
والديمقراطية باتت اليوم مطلب إجتماعي متقدم يعيش عصرا جديدا من الصعود و الإنتعاش في ظل ظروف أصبحت توصف بأنها "الكونية الديمقراطية" وهي أنسب الأطر الفكرية والمؤسسية والإجرائية لتلبية متطلبات معالجة مشکلات العراق العالقة مع إقليم كوردستان، لأنها توفر لها أرضية صحية لمناقشة هذه المشاكل و بلورة الحلول العقلانية وتكوين الإجماع السياسي الذي يحتاجه تطبيق هذه الحلول ومواجهة المشكلات. الديمقراطية بمحدوديتها و قصرها، بسبب محدودية وقصور القدرة الإنسانية التي تنتجها، ليست إكسير الحياة و لا الدواء الشافي من كل داء، لكنها هي الحل الإنساني الوحيد المتاح حتی الآن لمشکلة إغتراب المحکوم عن الحاكم والعيب ليس فيها بل في تطبيقها. 
وأن إغتراب العقل لايحقق غير سيادة الهمجية والمجتمع الدموي وتفاقم الآفات وتزايد المشكلات والحاضر لا يُنتج بتاريخ الماضي وإنما بتاريخ الحاضر والمستقبل.  والإستعانة بالماضي لبناء الحاضر تأتي من قلة المعرفة والعجز العلمي والعقلاني وإن إنعدام الفاعلية وجهه الآخر إنعدام الحرية.
وختاماً: "الذي لا يخرج من قوقعته الفكرية و لا يهتم بكل مايجري في هذا العالم من أفكار ولا يقرأ الأحداث فسوف ترتطم أفكاره المثالية و نظراته التبسيطية علی أرض الواقع العنيد و يتفاجأ بالأحداث يوماً بعد يوم و أطروحاته تتجاوز من حيث لا يفكر و لا يحتسب."
د. سامان سوراني


253
هل الإرهاب مرض من أمراض التواصل البشري؟

صحيح بأن الأرض هي ضمانة الأمن في الأصل، لكنها بسبب إنهيار الحواجز وسقوط الجدران بين الدول والمجتمعات لم تعد اليوم كذلك. نحن نعيش الآن في "النهاية الرمزية لعصر المكان"، كما يصفه عالم الإجتماع والفيلسوف البولندي-الإنکليزي زيغمونت باومان (مواليد 1925)، وهذا يجعل من المتعذر بعد الآن علی أي مجتمع أن يقوم بأوده بمفرده، أو أن يحفظ أمنه وحده‌ من دون مشاركة سواه.
والعملية الإرهابية الأخيرة بالقرب من بنك حزيران القريب من مجلس محافظة كركوك والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص علی الأقل و إصابة أكثر من سبعين مواطناً مسالماً، تؤكد لنا ذلك. فهي عبارة عن شبحٌ يريد بفلسفته نشر الخوف وصناعة التخويف أن ينتاب الرعب وجودنا و تفكيرنا لسنوات، بل لعقود و يقتل إحساسنا الإيجابي بالمستقبل و يمحوا الضمان والأمل اللذين تعتمد عليهما علاقاتنا الإيجابية مع حاضرنا.
إن الإرهاب هو ثمرة العقول الملغمة و هو عمل سري لثقافة علنية، يتغذی من عقدة المماهاة مع الذات و جرثومة التضاد مع الغير. فهو سرطان ينهش في جسد الإنسان ليقضي علی الآخر.
قد ينتمي صاحب إمتيازه‌ الی قطاع خاص لإنتاج وصناعة الإرهاب أو يعمل کتاجر أمن سرّي لجهة أقليمية لقرصنة المنفذين المرتزقة. وقد يدّعي بمنطقه الدغمائي الثبوتي الإصطفائي النرجسي بأنه يمتلك حق المتاجرة بأرواح الناس والحقيقة ويحاول أن يفرضها علی الآخر. صانعوا الإرهاب يستفيدون من ظاهرات الاختلاط و الإعتماد المتبادل وإنفتاح الحدود، لكي يضربوا في غير مكان، بأساليبهم غير المتوقعة، بصورة يهددون بعملهم مصادر الطاقة ومرافق الحياة.   
من المعلوم بأن الإرهاب يبدأ من الفكر، بعد الإصابة بالعمی الإيديولوجي و ممارسة التعصب الفاشي، الديني أو القومي. وعندما يغيب العقل، ينمو الإرهاب و يتكاثر وإن تكاثره يحدث في الظلام ووجوده مرتبط بالخراب والتدمير. والعودة الی لغة التأليه هي عودة الی الأشياء بعد إنتهاكها وانفضاحها.
وللأسف نلاحظ بأن عدد غير قليل من السياسيين وأعضاء في المجلس المحلي والمثقفين يميلون الی طمس حقيقة الإرهاب و تناسي هذه المشكلة، بذريعة أن الأهم هو العمل الآن علی الإسراع في دفع عجلة إنسحاب القوات العسكرية الأمريكية في العراق نحو الأمام.
نقول لهؤلاء بأنه لا يمكن ممارسة الوطنية أو العقيدة، بل الإنسانية بعقلية صدام و غوبلز وحجاج ونيرون وسواهم من الطغاة، بل من الضروري العمل بموضوعية ودقة و منطق ضد صور هؤلاء وأطيافهم، كي لا تستوطن العقل ولا تتعشعش في الذاكرة ولا تتحکم في التصرف والمسلك و كي لا تکون وجوهنا الاخری أو صنيعتنا.
ما نحتاجه هو الخروج من عقلية القوقعة والمؤامرة للتعامل مع القضايا العالقة بعين واسعة بوصفها المدی الحيوي والأفق المشرق للعمل والتنمية. المجتمع الكركوكي بحاجة الی بناء الثقة في الممارسات اليومية التخاطبية و تغيير في التفكير والعقلية و العمل علی إعادة الإعتبار للعقل و إحترامه و من خلاله السعي لإعادة الإعتبار لإنسانية الإنسان المستلبة. من الضروري العمل علی کسر السجون العقائدية ومنع تحول المقولات والشعارات الی قوالب متحجرة تعمل علی تلغيم القضايا المتعلقة بالمناطق المستقطعة من إقليم كوردستان وتفجيرالمشاريع الديمقراطية.
نحن نعلم بأنه لا وجود لحلول قصوی ولا لنظريات مثلی أو نماذج كاملة. الموجود هو قواعد نسبية ومعالجات ميدانية أو حلول راهنة، وهي تبقی دوماً قيد المراجعة لإعادة الصياغة والبناء، علی سبيل الجمع والترکيب، أو التراكم والتدريج، أو الترقيع والتلقيح.
التغيير يتوقف نجاحه علی كسر أحادية السبب الأول والتحرر من صنمية الأصل الثابت والنموذج الكامل والنظام المقفل والمعنی الإمبريالي وعدم الخصوع لمنطق الفتوی الأعمی وعم السماح  لاجتياح الثقافة الدينية بشاشاتها و معارفها الميتة ونماذجها المتحجرة للمؤسسات التعليمية في المدرسة أو الجامعة.
أصحاب الرؤية التوحيدية للكون والإنسان والعراق في السياسة عاجزون في واقع الأمر عن توحيد مجموعتين أو حزبين في حي صغير أو في مدينة غير كبيرة. وهذه هي واحدة من مفارقاتهم الفاضحة وإدعاءاتهم الواهية. فالأولی بهم مراجعة أفكارهم و نقد ذواتهم و فضح ممارساتهم لنزع الألغام التي تفجر مشاريع التقريب والحوار والإهتمام ببناء المعادلات وخلق الصيغ الحضارية التي تتيح للمكونات الأساسية في العراق التعايش و التواصل والتبادل بعقلية الشراكة.
 ومن الواضح بأن إعادة بناء صلة أساسية من الثقة بين الناس علاج للإضطراب المؤدي للعنف بين الثقافات، التي لا تتم في ظل سيادة اللاقانون والخوف و الإضطهاد. وإن تحسين الظروف المادية والثقافة السياسية يؤدي بالنتيجة الی تفاعل الأفراد و يبسّط الطريق لفهم الآخر و التعرّف عليه.
الديمقراطية هي ثمرة لمجتمع المعرفة والاختصاص وليست ثمرة لمجتمع النخبة اللاهوتية القوموية العروبية الغير فاعلة، الذي يتعامل مع هويته الدينية والقومية بأقصی الغلو والتطرف والإنغلاق، کمتراس عقائدي لشن الحرب علی الغير، والذي يمارس زهاء نصف قرن إحتكار المعرفة و إحتقار الكيانات الغير عربية ويفكر بعقلية السحرة والكهنة والنبوة والبطولة أو بعقلية الإنفراد والإستقواء والطغيان.
إنهم بالرغم من سعيهم بشعوذاتهم الثقافية وتصنيفاتهم الإرهابية وقوالبهم المتحجرة نشر رسالة النكوص الی الوراء للمماهات المستحيلة مع فكرة العراق العروبي الموحد وتعاملهم مع المكونات الأساسية الاخری بلغة التهديد والوعيد، لكي ينصاعوا الی أوامرهم و يتخلوا عن حقوقهم المهضومة، فإن مآل أعمالهم سوف تکون حصد المزيد من العجز والتراجع أو المظالم والکوراث و لا يعودوا علی العراق إلّا شراً ووبالاً أو تخلفاً وخراباً.
لنمارس جميعاً حيوتنا بعقلية المشاركة ومنطق المداولة وسياسة الإعتراف، إنطلاقاً من الوعي بالمسؤولية عن الحياة والمستقبل والمصائر ضد عقلية القطيع التي لا تنجب سوی الحکومات الإستبدادية والأنظمة الشمولية أو الفاشية. المشاريع القوموية العروبية لم تنتج في السابق سوی الفرقة والشرذمة والإختلافات الوحشية والحروب الداخلية. 
علی أهالي كركوك بأطيافه المختلفة اليوم التضامن والتعاون لمواجهة غدر الإرهاب و تنظيم تظاهرات جماهيرية واسعة لإستنكار وإدانة التفجيرات الإرهابية و العمل علی قلع كل عمل إرهابي لا إنساني قبل خروج التنين من دهاليز اللاوعي و كواليس الذاکرة وقبل فوات الأوان والعبور نحو فضاءات مغايرة تتجاوز فيها ما يعمل علی إنتاج المآزق والكوارث، حتی تتمكن من خلق مفردات التوسط والتداول والمشاركة والإعتماد المتبادل.     
 وختاماً: "البحث عن الحلول القصوی هو أيسر الطرق لحصد الفشل والإخفاق."
د. سامان سوراني



254
دستور العراق الفدرالي و غياب فلسفة الدولة

من المعلوم بأن الفدرالية هي واحدة من أهم متطلبات الحياة المعاصرة في العراق والتي بدونها تفقد الحياة السياسية عامل تقدمها وتنظيمها وضبطها و بدونها تنساق السلطة إلى مهاوي الطغيان والدكتاتورية والتفرعن.
لو أخذنا جمهورية ألمانيا الاتحادية علی سبيل المثال، نری بأن هذه الجمهورية ماهي إلا إتحاد لولايات لا تتمتع بصفة الإقليم، بل تعد بمثابة دولاً تتمتع بسلطات مستقلة. فلكل ولاية دستورها الخاص الذي يجب أن يتطابق مع الأسس الجمهورية والديمقراطية والاجتماعية لدولة القانون حسبما يعرفها الدستور الألماني والهدف الأسمی للدستور الألماني هو تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات والظروف المعيشية لجميع الألمان دون إستثناء. الولايات الألمانية تملك مطلق الحرية في صياغة دستورها بالشكل الذي تراه مناسباً.
أما مبدأ الدولة الإتحادية فهو أحد الأسس الدستورية التي لا يجب المساس بها ولكن من الممكن إعادة تقسيم الولايات، بناء على تغييرات جديدة في الحدود بين الولايات، طالما أن المواطنين المعنيين يرغبون في ذلك. من المؤسف اننا لانجد تصورا لفلسفة الدولة في الدستور العراقي الحالي، ففي المجتمعات المتقدمة نری محدودية السلطة کي لا تصبح فوق المجتمع، ولكنها كجماعة لها الصلاحية کي تنفذ الشرعية القانونية بين الافراد. أما إذا فشل السلطة في القيام بدورها، فلا سبيل إلا أن تحل ويتأتى لانتخابات عامة تفرز من خلالها صناديق الاقتراع منظومة سلطة جديدة.
صحيح بأن حقوق الإنسان ما هي إلا وسيلة لإعطاء الفرد الفرصة لكي يقوم بواجبه في المجتمع السياسي، وهي مجموعة من المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس، من دونها، أن يعيشوا بكرامة كبشر وهي أساس الحرية والعدالة والسلام، وإن من شأن احترام حقوق الإنسان أن يتيح إمكان تنمية الفرد والمجتمع تنمية كاملة وأن نمو سياسة الدولة يقاس أساساً برشد الأحزاب السياسية فيه، لكن بعض الأحزاب المتفرعنة المتخندقة بكهوف الأيديولوجية الشمولية، الحاضرة بكياناتها غائبة في روحها، وهي ما تزال تعيش حالة اللاحزبية، تخوض سجالات و مناكفات سياسية و لا تعمل إلا في خلق أدوات للانتهاك والفوضى والإرباك والفساد و لا تجاهد في سبيل تهيئة فلسفة للدولة و بناء دولة المؤسسات. فتقوية دوامة الصراعات المزمنة تخلق أزمة الثقة بين مكونات الشعب، التي هي أصلاً تحت التجربة. هؤلاء لا يفقهون من السياسة شيئاً سوى العراك الدائم والمصالح الحزبية والفئوية والاختلاسات والفساد، الذي استشري في أغلب مؤسسات الدولة العراقية، لأنهم لا يملكون أفكار عن كيفية أدارة دولة فيدرالية معاصرة، يتقيدون بسياسة وثقافة التقيد والارتياب من الآخر ويحصرون أنفسهم بجملة كبيرة من العدائيات ضد الآخر، مما يجعل الآخر يعاديها ويرفضها فكراً وسلوكاً وممارسة. لقد قال لورنس العرب قبل خمسة وثمانين عاماً: "إن البداية السيئة يصعب التكفير عنها"
ففي العراق الفدرالي نسمع اليوم بين فينة وأخری إطلاق تصريحات و خُطب نارية ومتشنجة من قبل بعض رموز السلطة السياسية المتمركزة في هرم الحكم الحالي، لا يمکن تحليلها إلا كونها تعبير عن العجز عن التدبير أو هروب في مواجهة المشاكل العالقة بين الإقليم والحكومة الإتحادية بخلق أعداء داخل الفضاء السياسي، في هذه الحالة "الكورد"، بحيث يجري تحميلهم التبعة والمسؤولية عن المشكلات والأزمات التي تواجه الحکومة. هذه التصريحات تبقی في الكثير من الأحيان ولحسن الحظ قاصرة أو مستهلكة أو عقيمة. هناك تعثر أو فشل وإحباط من حيث العلاقة مع مجمل المشاريع والقضايا والبرامج المتعلقة بالتحديث والتنمية أو بالحرية والعدالة أو بإنتاج المعرفة والتقنية. الخصوصية التي تريد هذه الرموز المحافظة علیها تنتهي سلباً بالنسبة لهم، إذ تقودهم الی العزلة الخانقة. أما الثوابت التي يدافعون عنها فهي لا مراء تعيد التجربة السياسية في العراق الی الوراء.
لقد تعرض الشعب الكوردستاني بعد تأسيس دولة العراق لمظالم رهيبة، وبالأخص خلال فترة حكم البعث الفاشستي، الذي حاول إخضاع هذا الشعب لإرادته بشتى وسائل التضليل والقمع والقهر والإذلال، لذلك لا يريد أن يعيد تجربته المرّة مع الحکومة الإتحادية، بعد أن سعی في العراق لبناء دولة عصرية، دولة المواطنة والقانون والديمقراطية، تناسب طموحاته وتطلعاته، انسجاماً مع متطلبات القرن الحادي والعشرين، ولمواكبة الحضارة الحديثة المعولمة. فهو يريد تعويض عما فاته في الفترات المظلمة التي مرت بها العراق، كي يتمکن أخيراً اللحاق بالشعوب المتقدمة، والتعايش السلمي معها.
والشعب الكوردستاني يتمنی أن تظل الثقة، التي بناه مع الفصائل التي كانت أبان الحكم الصدامي تمارس نشاطاتها لسنوات طويلة من أرض كوردستان کمعارض للنظام الشمولي والقمعي في سبيل إسقاطه و بناء دولة الشراكة والديمقراطية لتحقيق الاستقرار والنمو باقية، إذ  من الجليّ بأنه لا يمکن التعامل مع النفس إلا من خلال التعامل مع الآخر. والشعب الكوردستاني اليوم مع فلسفة إنتهاج لغة الحوار الموضوعي في نقاط الخلاف الفكري والعقائدي والعملي، وليس لغة العنف والفرض والإكراه.
لنتعلم من تجارب الشعوب كيف تبنى الأوطان علی أساس الشراكة الواقعية و الاحترام الطوعي لبنود الدستور والقوانين، دون إلغاء الآخر ولتتجه بوصلة الحكم في العراق الفدرالي نحو تقسيم السلطات وليس تجميعها وتمركزها بيد مسؤول واحد، كي لاتعود الدكتاتورية بثوب جديد. فبدون احترام أسس الديمقراطية، التي تنطلق من فلسفة تجعل العملية السياسية كلها عملية تفاعل لافراد عاقلين ونشر ثقافة الحوار وبناء قيم المواطنة لايمكن بناء الدولة المتحضرة.
وختاماً نقول: "الديمقراطية ليست نزهة أو ترفاً فكرياً، بل هي حاجة و ضرورة."
د. سامان سوراني


255
الفلسفة السياسية لإقليم كوردستان و كسر لغة الحتميات المقفلة

في الفكر الليبرالي الكوردستاني من المطلوب أن تكون حکومة إقليم كوردستان قوية بما يکفي لجعل إرادتها تطغی علی جميع الإطراف الاجتماعية الأخری. ومن الواضح بأن إدراج الحقوق الأساسية للمواطن في الدستور شرط أساسي لكي تبقی الحرية الفردية غير مهددة من قبل السلطة السياسية، التي تحتكر الحق في إستخدام القوة والقدرة في التصرف علی نحو حاسم. أما منهج الفصل بين السلطات ومتابعة نظام من التدقيقات والموازنات وكذلك القضاء المستقل وحكم القانون و الاستعمال المنظم بإنضباط للاجتهاد التنفيذي و نزع صفة القداسة عن السلطة ومحاولة التصدع لحصرها، فهي من الأمور الجوهرية التي تنعکس في هذا الفكر.
أما رضا الشعب الكوردستاني، فهو الأساس لشرعية السلطة، وهو الضمان الوحيد للوحدة والاستقرار وفاعلية الإدارة الرسمية، وصون البلاد من التدخلات الإقليمية والأجنبية. وهذا يتطلب بناء علاقة إيجابية و متينة بين المجتمع الكوردستاني وحکومة الإقليم، بحيث يشعر الشعب أنه مصدر مهم للسلطة، وشريك كامل في تقرير السياسات العامة عبر ممثليه المنتخبين في برلماني الإقليم والحکومة الإتحادية. وغرض الإقليم من هذا هو خدمة المجتمع الكوردستاني وصيانة مصالحه والارتقاء بمستوى معيشته ، وضمان كرامة أفراده وعزتهم ومستقبل أبنائهم، الذين نالوا في عهود "الطغيان الشرقي" جور الحكومات القسرية المستبدة  . 
ما نلاحظه اليوم في كوردستان العراق، بأن رئيس الإقليم يدعم سياسة اللامرکزية الإدارية بشكل ملحوظ. من جانبنا نعتبرهذه الخطوة إيجابية الی درجة و ضرورية لتفعيل ممارسة الديمقراطية الجذرية في كوردستان، فهي مدرسة حقيقية للديموقراطية، يؤكد المبادئ الديمقراطية في الإدارة، لأنه يهدف إلى اشتراك الشعب في اتخاذ القرارات وإدارة المرافق العامة المحلية و يتيح في الوقت نفسه للإدارة الرئاسية والحکومية التفرغ لأداء المهام الأكثر أهمية في رسم السياسة العامة وإدارة المرافق الوطنية ولها في نفس الوقت الحق في ممارسة الوصاية الإدارية علی الهیئات اللامرکزية.
أبان الحكومات العراقية السابقة كانت الإدارات، التي هي الآن ضمن مشروع اللامرکزية في الإقليم الكوردستاني، تعيش حالة الترهيب و القتل الجماعي والتهجير القسري و الإقصاء والتهميش والحرمان الواسع على الرغم من إحتواءها على الكثير من الثروات التي لم تنتفع بها.
بحسب منطق التوليد والتحويل لايبقی شيء علی ما هو عليه، و شعب كوردستان رهنّ لإمكاناته علی أن يحوّل الواقع، وأن يتغير عما هو عليه، فكراً أو فعلاً وممارسة، من خلال مايخلقه من العوالم المختلفة بقواها وعلاقاتها، أو المتميزة بلغاتها ورموزها، أو الفعالة بأدواتها ووسائطها. وهذه ليست دعوة للطوباوية أوالمثالية كما يعتقد البعض، وإنما هو الممكن لمجابهة تحديات العولمة ومغادرة مواقع الهامشية، فالعولمة هي واقعة العصر، شِئنا أم أبينا، إذ يمكن إعتبار نظام المعلومة بعد هذا الإنقلاب الكوني الخطير بمثابة نظام الأنظمة في التفكير والعمل والبناء، في إدارة الكلمات والأشياء، يغير قواعد اللعبة الوجودية ويبدل وجه الحياة ويخلق أنماطاً جديدة من الروابط بين البشر ويعيد ترتيب الأدوار والأولويات، فالمعلومة هي اليوم ذات طابع كوني ومتاحة أمام الجميع للمساهمة في إنتاجها وإستثمارها، أو نقلها وتداولها.
إن إقليم كوردستان تغيّر عما كان عليه، ولم يعد يشبه نفسه لا في مجال العمارة ولا في مجال الفكر والسياسة، وهذه واقعة يجب أخذها في الحسبان، ومعنی ذلك أنه لم يعد بوسع السياسي التقليدي بعُدة قديمة أو صدئة أن يمارس مهمته كما اعتاد أن يمارسها. ثمة إمكان جديد لابتكار مهمة جديدة، في عصر الحقل الوسائطي والفعل التواصلي، أو في زمن الـمعلومات الكونية والسوق المعولمة، سواء سوق الأفكار أو سوق السلع والأدوات. فالفكر لايجدي من غير مواده و أدواته أو من غير وسائطه وأسواقه.
الفلسفة السياسية في كوردستان تسعی لکسر لغة الحتميات المقفلة و تستمر في مكافحة الكسل الثقافي وعقلية الثبات والمحافظة التي لا تُنتج سوی التراجع والتبعية و هدر الثروات. و تتعمق في إدارة هويتها و أفكارها وثرواتها وعلاقاتها بالعالم الخارجي بإستخدام نهج جديد من أجل بناء عقلية الشراكة والمداولة والإحساس بالمسؤولية المتبادلة عن المصائر. هذا النهج الجديد لايمکن أن يصل الی أهدافه من غير إستعمال عقل تواصلي وفكر ترکيبي ومنهج تعددي ومعيار تبادلي ومنظور مستقبلي وأفق كوکبي و لغة وسيطة وهوية مفتوحة وهجينة.
أما الإصلاح فهو لا يتحقق بعمل نخبة سياسية أو قلة مثقفة، فهو ليس تطبيق للنظريات أو لخطط كلية أو شاملة مفروضة أو مرسومة أو إحتذاء للنماذج، بل هو حصيلة لمجمل جهود المنخرطين فيه دون إستثناء. فكل فاعل يؤثر في مجتمعه علی نحو ما يؤثر سلوك النملة الواحدة مسيرة النمال اباحثة عن الغذاء. علينا أن لا ننظر الی من يسعی الی الإصلاح والتحديث والبناء بوصفه الملاك والقابض أو المحتكر للمعنی والحقيقة والمشروعية أو للمفاتيح والحلول المتعلقة بالقضايا والمشكلات، بل بوصفه خالق رهانات وممكنات ومغيّر معادلات أو مبتكر صيّغ ومرمّم معالجات.
إقليم كوردستان لا تنتظر تغيير الجينات العلمية لتغيير الميمات الثقافية، من النماذج والمبادیء والقواعد التي ننسج بها علاقاتنا ونقود مصائرنا المشتركة. أمامنا أوروبا کمثال حي، فهي في اليوم الكتلة الوحيدة في العالم، الأقل ممارسة للعنف، فهي تعقّلت وتدبّرت، بعد حروبها الطاحنة وعادت الی صوابها، لأنها تعرف حق اليقين بأن الحروب ماعادت تنتج سوی الدمار المتبادل وتواطؤ الضد مع الضد وحررت نفسها من الفكر الأحادي والنظام الشمولي أو الفاشي وخفت فيها المنزع الأصولي والطلب علی المعنی الديني. 
وختاماً: "من يفكر بصورة حديثة ليس هو الذي ينقطع عن تراثه، بل هو الذي يتحرر من أوهامه الحداثية عن التراث، لكي يحسن صرفه وإستثماره."
د. سامان سوراني




256
إقليم كوردستان العراق والحق في إقامة دولة مستقلة

من المعلوم بأن حق تقرير المصير يمارس عن طريق الديمقراطية والوسائل المتحضرة، منها الإقتراع. لكن ما العمل، إذا ما أنكرت القوى المهيمنة على السلطة داخل الوحدة السياسية التي يعيش الشعب فيها أو القوى الاستعمارية تطبيق هذا السبيل المتحضر وأنكرت على الشعب الكوردستاني حقه في تقرير مصيره؟
فإذا أقفلت أبواب الديمقراطية ورفضت كافة الوسائل العصرية السلمية لإستراد هذا الحق المشروع فلابد للشعوب من أن تمارس حقوقها بالکفاح المسلح و هو مايسمی سياسيا بالكفاح المسلح أو تقرير المصير الثوري. وهذا النوع من والكفاح الوطني المسلح أقرته الأمم المتحدة بقراراتها وإعلاناتها والمواثيق التي أقرتها ومارستها، لذا لا يعتبر الكفاح من اجل تقرير المصير إرهابا.
وإن مبدأ حق تقرير المصير كان موجودا قبل أن يندرج في دساتير الدول والمواثيق الدولية والإقليمية ، وكان شعارا سياسيا او مبدأ ايديولوجيا تستخدمه الأمم في نضالها او وحدتها القومية او لإستقلالها الوطني. والدستور في العراق الفيدرالي الاتحادي، بعد سقوط الطاغية صدام و نظامه القمعي، أعطی هذا الحق للشعب الكوردستاني و إقليم كوردستان.
المادة الأولى، الفقرة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، تقتضي و تهدف الی " إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها".
ومن الواضح بأن هذا الحق لايمكن ممارسته إعتباطيا، بل بنصوص و مضامين منطوية على تحرير الشعب وأرضه دون قيد أو شرط أو تزييف أولا و إزالة مختلف القيود والضغوط التي تؤثر سلبا في تعبير الشعب عن إرادته ثانيا. والاخيرة تمارس عن طريق إجراء استفتاء حر ونزيه توصل الی نتيجة، عندها فقط يمكن القول أنها تعبر عن إرادة الشعب بشان تقرير مصيره.
وإذا تم تفسير هذا الحق من منظار ضيق، فهو يعني الاستقلال وإقامة دولة لها سيادة، لأن الاستقلال هو الهدف المطلوب الذي ترجو الشعوب تحقيقه وهي تمارس هذا الحق ، الذي يعتبر حقا مشروعا كرسته وأقرته كل أحكام ومبادئ القانون الدولي العام المعاصر.
والجدير بالذكر أن ميثاق الأمم المتحدة قد نص على حق الشعوب في تقرير مصيرها، إلا أنه لم يحدد الوسائل التي من خلالها يمكن الحصول على هذا الحق، وهو ما تكلفت به الجمعية العامة من خلال ما أصدرته من قرارات أكدت فيها شرعية استخدام القوة للوصول إلى تقرير المصير.
وفي عام 1962 صدر الجمعية العامة  قرار مهم حمل الرقم 2955 حول حق الشعوب في تقرير المصير والحرية والاستقلال وشرعية نضالها بكل الوسائل المتاحة والمنسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة، كما طلبت من جميع الدول الأعضاء في قرارها رقم 3070 الصادر عام 1973 الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها وتقديم الدعم المادي والمعنوي وجميع أنواع المساعدات للشعوب التي تناضل من اجل هذا الهدف.
يقود عدم إحتكام الحكومة الفيدرالية الی الدستور في ظل هذا الوضع الراهن المليء بالمحاذير و الباعث للقلق، کإتساع الفجوة بين دولة القانون والتحالف الكوردستاني وترهل الجهاز الحكومي و تدهور كفاءة الإدارة وشيوع الفساد والمحسوبيات وتفاقم الفضاء السياسي بسبب تفعيل القوی الشوفينية، الجامدة عقائدياً والمعادية للديمقراطية الجذرية من قبل رئيس الحکومة، الی نتائج كارثية على العراق.
هذا ما لا يرضاه الشعب الكوردستاني، لذا يری نفسه ملزماً الی تأسيس "الكتلة التاريخية" كما طرحه المنَظّر اليساري أنطونيو غرا مشي (1891-1937) في إيطاليا تضم كافة القوی السياسية ومنظمات المجتمع المدني هدفها القيام بنهضة من أجل الحفاظ علی مكتسبات الشعب الكوردستاني والعمل علی تثبيت "التعايش السلمي" مع القوی الديمقراطية العراقية في سبيل صهر الخلافات التي تصدع الشعبين العربي والكوردي في العراق والسيطرة على النزاعات قبل أن تتفاقم المشكلات وتستفحل.
إن تداعيات الثورتين التونسية والمصرية والثورات المستمرة في كل من ليبيا وسوريا واليمن ضد أنظمة القمع من تفاعلات، وما ظهر بسببهما من تأزمات وحراك سياسي في أقطار عربية أخری، أوجدت ظروفاً تفرض علی الحکومة العراقية مراجعة أوضاعها، وبذل أقصى الجد في العمل مع بنود الدستور وإصلاح أخطائها قبل أن تزداد الوضع تفاقماً، لأن الإتفاقات الغير شفافة مع دول الجوار للهيمنة علی الاقليم و الاستخفاف بالاتفاقات السياسية لفرض صيغة مركزية وتكريس الدكتاتورية و عدم الالتزام بالدستور يؤدي في القريب العاجل الی إتخاذ موقف صريح و حازم من قبل "الكتلة التاريخية" لمصلحة شعب كوردستان.
وختاماً لكم القول المأثور: "لكي يكون الجميع للوطن يجب أن يكون الوطن للجميع."
الدكتور سامان سوراني

257
حرب ما بعد الحداثة أبيض اللون

بالأمس حضرت مسرحية "الأم الشجاعة وأولادها" للأديب الألماني العالمي برتولد بريخت (بريشت) Bertolt Brecht (1898 م-1956 م) والتي عرضت علی خشبة مسرح ميديا في أربيل عاصمة إقليم كوردستان وهي جزء من برنامج أعمال المهرجان المسرحي العالمي، التي انطلقت يوم الاحد المصادف 2011.09.18 بمشاركة 11 فرقة اجنبية وعراقية ومحلية والتي تستمر لغاية 2011.09.24.
هذه المسرحية هي من إخراج الشاب الآيسلندي، تورلايفور آورن أرنارسون، المولود عام 1978 في العاصمة الآيسلندية ريكيافيك، وهو الآن مدير قسم الإخراج في مسرح مدينة کونستانس الألمانية. وقد قدمت فرقته عرض مسرحي ذو قيمة فنية عالية. بالتأكيد سوف يكون لهذا المهرجان تاثير على الحركة المسرحية في اقليم كردستان والعراق، وسوف يكون دافع قوي للفنانين الكوردستانيين و العراقيين للاهتمام باعمالهم المسرحية، لانه كما ذكرنا يشارك فيه فرق عالمية ذات السمعة الجيدة في عالم المسرح.
وتعتبر هذه المسرحية إحدی أهم المسرحيات الكلاسيكية المعاصرة، فقد ترجمت لجميع لغات العالم وتعرض في كافة المهرجانات المسرحية الدولية. تستمد أحداث هذه المسرحية من «حرب الثلاثين عاماً» للكاتب غريملزهاوزن Grimmelshausen. وتحكي معاناة أُم (أنـّا فيرلينغ)، تحاول الهرب بأولادها الثلاثة وبضاعتها من خطوط القتال دون أن تبالي الموت، والتعايش مع الحرب، واستثمار الحرب أيضا في الترويج لبضاعتها في صورة ملحمية، وهي تخشی إعلان السلام بين طرفي الحرب لأنها ستفقد بذلك تجارتها وفي نفس الوقت فهي لا تفضل الحرب لأنها ستقتلع منها ولديه. وعندما اشتعلت الحرب بين الأرثوذكس و البروتستانت في عام 1625 أُخِذَ ولدها الكبير إلى الحرب وقُتِل فيها بعدما فشلت في إنقاذه. هذه الحرب تجعل من إمرأة كـ"الأُم الشجاعة" غير قادرة علی التعامل بشكل عاطفي مع ابنها الأول فهي لا تستغني عن عربتها من أجل تحريره من براثن الموت حيث يموت عندما هرب من المعركة بعد أن وضع كيساً من المؤونة في عربة أمه وعندما كشف أمره تم القبض عليه وراحت الأم الشجاعة تقايض الضابط علی النقود التي يجب دفعها لتحريره. وبعدها يُقتل ابنها الثاني، بينما طفلتها الصغرى فقد فقدت النطق بعدما وضع جندي قطعة من الحديد في فمها في صورة وحشية لينتهي بها المطاف إلى فقد بضاعتها وأيضا أولادها الثلاثة. وتؤكد المسرحية على معنى أن الحرب لا يوجد بها مستفيد فالكل ضحايا، وأنه يجب مواجهة الحروب والاضطهادات الفكرية والعقائدية بكل السبل، والعمل على مصلحة الوطن دون المصالح الشخصية.
لماذا إختار بريخت حرب الثلاثين عاماً كإطار زمني لمسرحيته؟ لأنه كان يريد التنديد بالسياسة والدين عبر تقديم صورة قاتمة للحرب ولرجال الدين والتجار، فالحرب كما يقول بريخت تقتل الفضائل الإنسانية فهو يفضل العيش بسلام علی دوام الحرب التي تعتبر كمصيبة تحل علی رؤوس الشعوب علی حد تعبيره. العراقيين ذاقوا مرارة الحروب والويلات نتاج السياسات الخاطئة التي مورست من قبل الأنظمة الشوفينية المستبدة، لذا علينا أن نقف في وجه الذين يريدون صناعة الخراب بعقولهم الملغمة ومسلماتهم العمياء و توجهاتهم المقلوبة و سيناروياتهم الجهنمية  وتصنيفاتهم العنصرية، وعلينا أيضاً معرفة قيمة السلام الذي يجب أن نسعی الی حفظه.
وختاما تقول "الأم الشجاعة": اللعنة على الحرب، أيجب أن تختطف منا الحرب كل من نحبهم؟
د. سامان سوراني

258
جدلية التفكيك من أجل بناء عراق فيدرالي إتحادي

ليس من الضرورة أن ندرس الانتروبولوجيا السياسية لتعريف الديمقراطية، التي تنطوي في جوهرها علی الحل السلمي للسجالات السياسية الخلافية من خلال الإستعداد لعقد اتفاقات وإيجاد حلول توافقية وسطية، لكن المواقف الرجعية لبعض التيارات والإتجاهات السياسية المعاصرة في العراق، تلغي أثر الزمن والتحولات، بقدر ما تقفز فوق المشكلات الراهنة والمتغييرات الطارئة.
إن بناء ثقافة جديدة، إنما يستهدف مواكبة التحولات الظاهرية والعميقة التي تصيب المجتمع، حتى تتمكن قوى المجتمع وفعالياته المتعددة من الاستفادة من مكاسب العصر والحضارة دون الوقوع في نزعة الانفصام والشيزوفرينيا.
لقد آن الأوان لكسر الدائرة الخانقة التي يحبسنا فيها دعاة وحدة الجغرافية السياسية للعراق وكذلك المنظّرون لخصوصيته، جهات كثيرة في السلطة تتعامل ولحد الآن مع هذه "الخصوصية' بعقليتها النخبوية الشوفينية القوموية التي لم تجلب في السابق لهذا البلد غير الحروب والكوراث و الهلاك.
وإن ثنائيات النخبة والجماهير أو العامة والخاصة أو الطليعة والشعب لم تعد فاعلة في عصر المعلومة واقتصاد المعرفة.
ما النفع من رفع شعارات حول الوحدة الوطنية وعراق الغد، إذا كان الصراع عليها يولد كل هذه المآزق والكمائن أو المآسي والكوارث؟ 
من المعلوم بأن الحَيز السياسي هو مكان إنبثاق الديناميات الإجتماعية المتواجهة والمتجابهة، لكن التفكير بصورة تراجعية لا يجلب معه سوی التراجع تحت شعار التقدم ولا يمكن صاحبه أن يمارس شيء سوی إقصاء المواطن تحت شعار تحريره من القيود.
فليعلم المعارضين لفكرة إنشاء الأقاليم في العراق واستقلالياتها، بأن الإختلاف هو نسيج العالم الذي يقوم علی تعدد العناصر والأنواع أو علی تعارض الأقطاب والأضداد، سواء علی المستوی الطبيعي أو علی المستوی البشري. وكل محاولة لمحو التنوع أو نفي الاختلاف مآلها حجب الكائن واختزاله أو خنق الحيوية و شلّ الطاقة الخلّاقة. من هنا لامجال لتذويب الاختلافات، علی مايتعامل معها أهل الفكر الأحادي والصفاء العقائدي، إذ بذلك تتحول الی مأزق أو لغم ينتظر ساعة الإنفجار. الممكن هو العمل عليها لتحويلها الی وسط مفهومي أو فضاء تداولي أو سوق تبادلي.
من جهة أخری، لو توقف صاحب النظرية التراجعية عن ممارسة منزعه النخبوي وتخلی عن إدعاءاته النبوية والرسولية أو مزاعمهم الخلاصية بإمتلاك مشاريع لإنقاذ العراق من اللاإستقرار واللاأمن، فإن ذلك قد يخفف من الأضرار والمثالب والإنهيارات التي يشكو منها العراق اليوم. وذلك يحتاج الی أن يضع أصحاب الفكر التراجعي موضع النقد والمساألة والتفكيك والتعرية، مفردات معجمهم وآليات منطقهم، نماذجهم في الرؤية ومعاييرهم في العمل، خياراتهم الإيديولوجية ومواقفهم النضالية، أي كل مايفكرون فيه و يطرحونه أو يقولونه أو يعملون به. وحده ذلك يتيح لهم الخروج من مأزقهم وإستعادة فاعليتهم. فقد ولی زمن الوصاية من رئيس للحكومة علی الحقيقة والحرية والعدالة، إذ لا أحد أولی من سواه في الدفاع عنها. 
أين الحکومة العراقية اليوم من إدارة المصلحة العمومية أو من صناعة حياة سوية مشتركة؟ وأين قبول المكونة الأخری كشطر وجودي، والتعامل معه کشريك فاعل في إدارة المصالح وصنع المصائر؟
التحدي الكبير هو، كيف نجعل الحياة علی أرض العراق وبين مكوناته أقل بؤساً وفقراً وأقل توتراً وعنفاً، لتكون أكثر أمناً ويسراً وأكثر تواصلاً وتضامناً، سواء علی مستوی الأقاليم أو الإتحاد؟ 
إن عملية تفكيك العراق من أجل بناء وحدته علی أساس إتحاد ديمقراطي فيدرالي طوعي، بحيث يکون لكل مكوّن حقوق وعليه واجبات تنظمها توافقات وأعراف وقوانين، ضمن الإطار المعرفي الأوروبي لا يعني جعل أوروبا في المبتدأ والأخير، فهو – مثل كل الأفكار الشبيهة – منتج إنساني، يستطيع كلّ مجتمع الاستفادة منه أو من بعض عناصره بحسب حاجاته وظرفه التاريخي. وإن إعادة بناء النظام السياسي على أسس تجعل الحكومة في خدمة المجتمع وليس العكس سوف يحل الإشكالية المزمنة بين شعورنا بالحاجة إلى نظام سياسي يستمد سلطته من رضا الجمهور.
وختاماً: "أن الشراكة الفعّالة ليست قضية أعداد وحصص، بل هي في طرح أفكار ديمقراطية حية ونابضة تستوعب الحراك الاجتماعي، أو في صوغ خطط وبرامج تؤول الی تحسين شروط الوجود علی مستوی العراق الفيدرالي، من غير ذلك تمسي الشراكة شعاراً خاوياً ويكون مصيرها مصير سائر الشعارات المطروحة بعد سقوط النظام البائد، أي تستهلك لتتحول الی غطاء لطمس الوقائع الصارخة أو للتستر علی الإنتهاكات الدستورية غير المشروعة."
الدكتور سامان سوراني

 

 


259
حكومة الشراكة الوطنية أم حكومة الشراكة الملغومة؟

ما توصل اليه عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو (1908 م- 1970 م) في دراساته حول الحاجات الفسيولوجية والمعنوية لدی الإنسان، هو أن "الأمن" حاجة أساسية، شأنه في ذلك شأن المأكل والملبس، إذ لايمکن للعنصر البشري أن يعيش بدونها.
ومن المعلوم بأن مفهوم الأمن الشامل يتخطی دور جهاز الشرطة من مجرد دور عادي هدفه بسط الأمن في أماكن معينة الی دور أكبر يتناسب مع ما يتطلبه المجتمع من أمن في جميع المجالات. والجهاز الأمني بات بحاجة ماسة لإعادة هيکلة شاملة، لرفع قدرته التنظيمية والتقنية، لمواجهة المخاطر الأمنية المعاصرة، التي تتسم بالعملية والتعقيد وإعتمادها علی التكنلوجيا الحديثة في تعزيز وقاية الشعب من أنماط الجرائم. ويقال بأن الاطار العام لاستراتيجية الامن القومي في بلد ما يحقق نهج الديمقراطية في ذلك البلد وأن رقي الدول والشعوب تستند الى إستراتيجية واضحة قائمة على أسس علمية وتعتمد معايير عملية للنجاح والتقدم.
في السابق كان الحكم في العراق بشكل عام بيد المستبدين من العسكر ونُظمهم الديكتاتورية المُعدية، التي عبثت في شتی مناحي الحياة ولم تنتج سوی المظالم والاحقاد والكراهية، لم يکن هناك وضوحاً في الاهداف والسياسات، ناهيك عن وجود فكرة "الشراكة الوطنية" أو المحاولة لخلقها والإبداع فيها. الأمر الذي فعّل إنعدام الثقة و أحيا نظرية المؤامرة، لذا نری مع كل أزمة جديدة بين الشركاء أزدياد الهوة والفجوة بين المكونات الرئيسية في العراق.
لقد تغيرت أشياء كثيرة خلال السنوات الماضية، في الأسماء والعناوين أو في الوجوه والفصول أو في الفاعلية ومشاريعهم أو في الاحجار التي يجري تحريكها علی الرقعة من قبل المخططين في الكواليس ومن وراء الديكورات، لكن ما لم يتغير هو المشاكل العالقة بين حکومة الإقليم والحکومة الإتحادية، كمشكلة المادة 140 الدستورية، التي لم تنفذ، کي تبقی إجواء الصراعات دوماً مهيئة.
فإذا كان التمثل هو وهم معرفي، فإن التمثيل هو خداع سياسي وتغيير مفهوم الحقيقة يعني في الوقت نفسه تغييراً في مفهوم الحرية والعدالة، نتجاوز به الديمقراطية التمثيلية بقدر ما نتجاوز أخلاقية المِثال والقدوة.
السياسة الكوردستانية بصيغتها الليبرالية لم تبتعد في البداية عن سياسة العراق، بل سعت قبل و بعد سقوط النظام البائد في بغداد ببناء إرتباطات وطيدة مع كافة القوی والأحزاب التي كانت إبان حکم صدام في صفوف المعارضة ولعبت دورها بشكل فعالّ من أجل إعادة تأسيس دولة العراق على أساس فدرالي  و قامت بترسيخ الأطار العام لحکومة الشراكة الوطنية. لكن القوی الليبرالية العربية في العراق كانت في حينه ضعيفة الی حد، مما أدخل الكوردستانيين الی التحالف مع الأحزاب الدينية الدوغمائية، التي هي في الاساس ترفض فكرة الليبرالية و علمانيتها وتمتلك في هذا العصر الرقمي نظرة محدودة لمستقبل العراق وإعادة تركيبته علی نمط عصري مشابه للبلدان الديمقراطية الإتحادية. لذا رأينا إقتصار عمل هذه‌ الشراكة علی محادثات ثنائية لا عمق فيها ولا بُعد لها، ناصباً إهتمامها علی فعل و رد فعل إزاء شؤون اليوم الراهنة.   
الحق في تقرير المصير أو بناء دولة كوردستانية مستقلة مطلب ليبرالي يحتاج دعم شركاء ليبراليين، يؤمنون بخلق تركيبة جديدة للعراق و لايعارضون القضية العادلة لشعب كوردستان.
بعد ولادة العولمة نظل اليوم أمام ظاهرة حضارية وحدث كوني تتغير معه خارطة العلاقات بالمفاهيم والأشياء، لذا علينا أنسنة ذواتنا ومقولاتنا والعمل علی نقد هوياتنا الدينية والفكرية وتفكيك معطياتنا الذاتية للتحول عن إنسانيتنا الحالية، بعد أن أستهلكت أفكارنا و عقائدنا و صفاتنا وأصبحت مجرد شعائر أو شعارات ميتة، تعيق بلورة صيغة جديدة للوجود أو مشروعاً للحياة. الإنسانية الآخذة في التعولم، هي الآن علی المحك، ما نتمناه هو ولادة "الإنسان التواصلي"، الذي يتشكل و ينمو بالشراكة والمبادلة والتعاون والتضامن في مواجهة "الإنسان الأمبريالي" الساعي الی نشر أسمائه وصوره أو سلطته والذي يسعی لبناء حكومة الشراكة الملغومة، لإنتاج الظلم والتسلط حتی يعمر البلاد ويسير أمور الدولة علی هواه. ما النفع من وضع البلد في مهب الريح وفتح الإمكان أمام الحرب الأهلية المذهبية والقومية التي إذا ما بقت الأمور علی هذه الشاكلة فسوف تدق الأبواب. 
إنطلاقاً من هذه الرؤية للعلاقة مع المستقبل، علينا قرأة المشهد السياسي في العراق ومشکلاته، في ضوء ما يستجد و يتغير، حتی لا نغرق في الوهم أو نقع في اليأس والإحباط وحتی نكون قادرين علی صياغة علاقات بيننا وبين إخواننا العرب في العراق علی نحو إيجابي وفي مناخات الإعتراف والتلاقي والتعاون والتلاقح، بصورة تتيح للخصوصيات أن تتجلی علی سبيل النفع المتبادل والإثراء المتبادل. المطلوب إذن قراءة الحدث كي لا يجرفنا الحدث وتهمشنا الوقائع. فبناء الشراكة يحتاج الی ساسة فاعلين يمارسون حيويتهم الفکرية لكي يشغلوا عقلولهم ويستثمروا طاقتهم في صناعة الحضارة وممارسة القوة الهادئة، بالتنسيق مع فريق أو مجموع يتداول معه المعلومات والخبرات، ويشاركهم في تقديم الإقتراحات وطرح  البدائل أو في صوغ المعالجات وتركيب الحلول . 
وختاماً: من دون وجود أرضية الشراكة، التي تحقق للشعوب القدرة على صياغة واقعهم السياسي، الاقتصادي، الأمني، الصحي، والتعليمي وكل ما يرتبط بشؤون حياتهم لايمكن لأحد الحديث عن حكومة الشراكة الوطنية.
الدكتور سامان سوراني
 



260
الآفات الفكرية والأعطال السياسي في العراق

واقعة التفرد في الحكم تريد اليوم أن تكون لاعباً أساسياً علی المسرح العراقي وفاعلاً قوياً في المشهد السياسي. من هنا فهي مدار لقراءات و تأويلات مختلفة ومتعددة.
من المحتمل أن نكون نحن قد أسهمنا في صنع هذا الحدث الذي يريد أن يصنعنا وذلك بإخفاق مشاريعنا في الديمقراطية والتعددية ومساعينا في نشر الثقافة الليبرالية.
بمَ نفسّر عودة التفرد في الحكم علی المسرح بهذه السرعة؟ والی أين تقودنا المشاريع الإنفرادية؟ وكيف يتشكل النموذج الديكتاتوري الفردوي ويعمل؟ أو كيف يصنع الفكر الأحادي والعقل المنفرد في مجتمع تعددي إتحادي؟
للجواب علی السؤال الأخير يمكننا أن نقول، بأن ما يصنع الفكر الأحادي، خاصة من ينتمي الی واحدة من الأحزاب الدينية، هو جملة من العقائد والثوابت أو العقد والهواجس أو الحساسيات و ردّات الفعل تجاه الذات والغير والعالم. يمكن إيجازها بنقاط بسيطة، منها، المعتقد الإصطفائي، الذي يزرع في ذهن الفرد، منذ النشأة، شعوراً عارماً بالنرجسية التي تجعله يؤمن بأن أهل دعوته أو حزبه ليسوا كبقية الناس، لأن الله اختارهم لكي يکونوا ناطقين بأسمه، لا نقول لكي يجسّدون كلمته أو لكي يختم بهم وحيه ويبلغ الی العالم آخر رسائله. لذا فهُم، في نظره، وحدهم أهل الطريق الصحيح والصراط المستقيم، السائرون علی النهج القويم، وماعداهم في ضلالٍ مبين، أو أصحاب الأفكار المُقرفة والأعمال المزوّرة. والوجه‌ الآخر لأصحاب العقل المتفرد هو يقينه الدغمائي، الذي يوهمه، بأن برنامجه الحزبي نص مقدّس، وحده إذا طبّق يأتي بالفرج و السعادة لكافة العراقيين.
هذا الوهم المزدوج يتجسد في نهاية المطاف في هوية عنصرية تجعل أصحابها يرون الی أنفسهم بأنهم الأحق والأکمل و الأنسب للحکم و السلطة، أما المختلفون معه في الرأي والنهج فهم أحجار عثرة أمام أهدافه، لابد من إزالتهم و سلب حقوقهم.
بهذا ينفي الغارق في أوحال العقل المنفرد أي إمكان وجودي للتعدد و التنوع أو للإلتباس والإشكال أو للتوتر والتعارض أو للحرکة والصيرورة، أي نفي كل ما يشكّل مصدر للحيوية والقوة ومبنع للتعايش السلمي. وهكذا تتشكل عنده ديكتاتورية الحقيقة و إمبريالية المعنی.
الديكتاتورية قد تكون وليدة الأزمات والإخفاقات، لكل ما سبقها من مشاريع، کما يفسر البعض ظهورها علی المسرح، و قد تکون ثمرة کل ما شهده العراق من الهزائم والانهيارات والكوارث، لكنها تبقی وتظل ثمرة سيئة، إنها لم و لن تشكل العلاج و لا تستطيع أن تقدم الحلول الناجعة کما يدّعي متقمصيها.
بالعكس فالأزمات تزداد معها تفاقماً علی ما سوف تشهد وللأسف من المآلات والمصائر. فبسبب التشبيح النضالي والتهويم الإيديولوجي والخواء الفكري يستجمع مشروع التفرد بسلطة الحکم مساویء المشاريع التي طبّقت علی أرض العراق في السابق الغير بعيد، لأنه يكرر أخطاءها و يقع في مطباتها أو يكرر أعطالها.
العراقيون اليوم و ﺒﻌد اﻨﻘﺸﺎع ﺤﻘﺒﺔ اﻟﺤﮐم اﻟﺸﻤوﻟﻲ لا يريدون أن يعودوا الی زمن مضی، فهم الآن بأشد الحاجة الی الإبتعاد من الأنظمة السلطوية الشمولية، التي تريد الاستمرار في سياستها عن طريق القمع والترهيب والترغيب، حينه يفقد الشعب الحرية والمناقشة والمشاركة في تقرير المصير.
و إنطلاقاً من ايديولوجية هرمية علی أساس النظام الأبوي (الأب معيل والنساء والأبناء عيال)، تعمّم دور الأب الی العمل (يتصرف رب العمل مثل رب الأسرة) والتربية والسياسة والعبادة (الاستاذ والحاکم ورجل الدين أباء، والتلامذة والمواطنون والمؤمنون أبناء) يريد المتفرد بسلطة الحکم  أن يجعل مؤسسات الدولة والعائلة والدين والتربية والعمل تتصرف وکأنها خُلقت للخضوع الی أوامره، منتظراً "بزوغ شمسه".
ما يجب العمل عليه، هو إنقلاب هذا النوع من العقل السياسي والتربوي في العراق قلباً جذرياً من عقل إنفعالي توهمي ميثولوجي شعري الی عقل فعلي تحقيقي عقلاني علمي، لأن هذا العقل الأخير سوف يكون مصدر القوة الاقتصادية والقدرة السياسية، في جوهره أسلوب تفكير و نظام وحياة.
الأجدی أن نفكر بمفردات النسبية والتوسّط ونعمل بمنطق الخلق والتحول ولا ننتظر المعجزة مِن أولئك الذين يڕيدون أن نطلق عليهم ألقاب الزعيم الأوحد والقائد الملهم والبطل المنقذ، الذين يدعون بأنهم يملكون مفاتيح الحلول السحرية لكل المشكلات، لأن مآل ذلك هو إنتهاك الشعارات وحصد الإخفاق علی أرض الواقع، فما عاد بوسع أحد أن يحل الأزمات الطاحنة بمفرده، بل عبر التباحث والتشاور والتعاون مع الأطراف المؤتلفة معه.
إن محاولة إدغام العراق بـ"الرابطة الكونفوشية الإسلامية"- كما يسمي هانتنغتون الدول التي تعمل علی تطويڕ قواها الإقتصادية والعسكرية وتتحدی الغرب في مصالحه وهيمنته وقيم‌- يقود هذا البلد بالطبيعة الی العزلة السياسية، وهو عمل غير منطقي، لأنه يعني "نعم، أرغب في إستخدام كافة الوسائل التي يصنعها الغرب و حتی الأدوات الضرورية في غرفة نومي، لكنني أرفض التغرب جملةً وتفصيلا". ‌
إن الرهان، وسط كل هذه المخاوف والمخاطر والكوراث المحدقة بمصير الشعب العراقي بسبب محاولات التفرد في الحکم، هو كيف نصنع حياة سوية ومشترکة؟ كيف ندير مصلحة عمومية ونخلق لغة مشتركة أو وسطاً للمداولة أو مساحة للمبادلة في هذا المجال أو ذاك و کيف نبني عراق فيدرلي إتحادي تعددي ونصون الدستور ونطبق بنوده؟
وختاماً: "النماذج التي تُقحم علی الشعوب من خارجها، أو تُفرض علی الناس بعقلية نخبوية مركزية فوقية لاتنجح"، فالنخبوية اليوم لاتصنع التعايش السلمي أو تنمية، بل أمست ضرباً من البربرية السياسية أو المجتمعية.
الدكتور سامان سوراني 


261
سياسة الحل العسكري لتركيا وإيران وفلسفة قتل الأبرياء

عندما زار رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، في العاشر من تموز عام 2008  بغداد رسمياً وقع مع رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، اتفاقية سميت بـ " الإعلان السياسي المشترك". علی المهتمين بالوضع السياسي العراقي معرفة بنود وتفاصيل هذه الاتفاقية.  وقد عدّ المراقبون السياسيون في حينه هذا الإعلان تدشيناً لعهد جديد من العلاقات العراقية- التركية المبنية علی الاحترام المتبادل ومنها احترام الحدود واحترام رعايا البلدين، وبموجب هذه الاتفاقية تأسس ما يسمی بـ"المجلس الأعلی للتعاون الاستراتيجي بين العراق وترکيا".
لکن الذي شاهدناه في الأيام الماضية من الاعتداءات المتكررة والاستهدافات والهجمات المتتالية بالطائرات الحربية وقصف مناطق وقری مدنية حدودية آمنة في إقليم كوردستان العراق فهو عکس ما جاء في بنود هذه‌ الإتفاقية، حيث قامت حکومة أردوغان بإسقاط مصطلح "احترام الحدود والرعايا" من قاموسها السياسي وأدخلت مصطلح "الحل العسکري" بديلاً له ووسيلة غير منطقية لحل مسألة الکورد في ترکيا.
إن قتل سبعة من المدنيين العزل  يوم الأحد 22 من آب 2011 نتيجة هذا القصف اللاإنساني والغير مبرر وإصابة مدنيين آخرين و نزوح مواطنين أبرياء من تلك المناطق الحدودية أمر يدينه کل إنسان متحضر وموجود يؤمن بحقوق الإنسان علی هذه السكينة. فلا يمكن لأي شخص سليم العقل أن يناصر الحرب على حساب السلام، و إلا فما فائدة عقله ما لم يعقل كل اختياراته.
نسأل رئيس الوزراء الترکي، الذي يدافع عن حقوق الشعوب في ليبيا وسوريا ومنظمات كالحماس وحزب الله، إذا لم يلتزم هو ببنود "الإعلان السياسي المشترك" الذي وقع عليه، فأين التزامه بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة في احترام الحدود الدولية المعترف بها، وأ‌ين تعهده بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المجاورة لتركيا؟ علی تركيا احترام المواثيق الدولية الضامنة للسلم و حقــوق الإنسان والالتزام  بها  إلتزاماً أخلاقياً.
أما سکوت حکومة المالکي علی هذه الفعلة الشنيعة لترکيا فأنه يثير الكثير من التساؤلات والشكوك لدی المواطن في إقليم كوردستان العراق.
إن حل مسألة الکورد في ترکيا وإيران لا تتم بالقوة ولا بالعنف العسكري وإنما بالحوار والتفاوض والاحترام المتبادل، وهذا ما يؤ‌كده رئیس إقليم كوردستان في كل مناسبة وكل مكان بما لا يدع مجالاً للتشكيك أو التأويل، لأن التجارب والمعارك في السابق أثبتت فشل طريقة الحرب العوجاء، ومن المعلوم بأنه کلما إزدات العنف و الهمجية والعدوانية تجاه الشعب الکوردستاني كلما تقوی إرادتهم للنضال والکفاح من أجل حقوقهم المشروعة.
ومن المعلوم أيضاً بأن الحرب لا تعلمنا غير العنف وهي تشجع على التطرف في رد الفعل والتعصب في الموقف وتضع أهواء الطبيعة البشرية الهشة متفقة مع وحشية الأحداث عندما تجعل سهولة الحياة اليومية تختفي لتبرز للعيان حياة معقدة صعبة تغيب عنها الملامح الأساسية البسيطة لحياة كريمة کي تبدأ صراع على المياه  والمعادن ومصادر الطاقة. الحرب لا يعني سوی الموت والقسوة ومعاداة الحياة، لأن رحى المعارك لا يترك وراءه إلا الجثث المشوهة والأرواح المزهقة.
إن صرف کل من حکومة تركيا و إيران عشرات المليارات من الدولارات علی التسلح  و ازدواجية سياستهما والعمليات العدوانية علی كوردستان لا يعني أبدا ان للحکومتين اليوم نية في السلام، بل يعني واقعة واحدة فـقط، الموافقة على الحرب و الإعداد لها. ولو أردنا الرقي والأمن في المنطقة فمن الأولى أن تكون حروبنا ضد الفقر والتخلف والأمية وسائر الأمراض التي تهدد أنفسنا، لا أن يكون صراعنا مع بعضنا البعض.
لقد ذاق كوردستان وتذوق لحد يومنا هذا مرارة الكولونيالية الترکية والعربية والفارسية و تقاسي آلامها ونتائجها اللاإنسانية، فالاستعمار و سياساتها هي واحدة من أبشع الظواهر التي عرفها الإنسانية.
لتكن تعددية المركز ورفض المركزية "التركية-الإيرانية" فلسفة جديدة تمارسها حکومات المنطقة و فكرة التعددية وقبول الآخر منطق يطبق من قبل تلك الدول. نحن نتمنی أن تمارس هذه الحكومات الثورة علی ذواتها لتخفف من أمراضها النرجسية والمركزية والاصطفائية والإمبريالية والاستبدادية. فمن المعلوم بأن التأله والتقديس ينشر الشعوذة، ويزرع الخراب، ويولد البربرية في المنطقة. ماذا تنفعنا شعاراتهم البراقة من أجل الدفاع عن حقوق الشعوب المهضومة في البلدان الإسلامية، إذا ما قاموا من الطرف الآخر بتحويل قرانا و مدننا الحدودية معهم إلى خراب أو مايشبه الثكنات العسكرية. کفاهم تصنيع العقول المفخخة، والهويات المغلقة، والثقافات العدوانية، والعصبيات الطائفية أو الحزبية أو المسعورة والمستنفرة.
إن هذا الزمن هو زمن التخلي عن مزاعم القبض والسيطرة أو عقلية الاحتكار والمصادرة، فمن الأولی الاشتغال بعقلية التوسّط والتسوية والمصالحة والشراكة. نقول بأن تركيا وإيران سوف تنجحان إذا تبنّت حكوماتها المؤسساتية زخماً لها وضمان حقوق القوميات والأديان سنداً في تطورها ودوامها.
وختاماً يقول سيغموند فرويد: "إن كل ما يدعم نمو الثقافة يفعل في الوقت نفسه ضد الحرب".
د. سامان سوراني


262
فلسفة القمع وهذيان أقطاب النظام السوري

الذي نعرفه هو أن الثقافة بمعناها الإثنوغرافي الواسع، کما يعرفها الأنتربولوجي الإنجليزي، إدوارد بِرنت تايلور (1832-1917)، هي فضاء کلي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف، وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع. فهي عملية اكتساب عبر وسائط التربية والتعليم والتنشئة، وعبر جميع طرائق التفاعل الاجتماعي، وليست عملية انتقال فطري أو غريزي تكتسب عبر طرائق المورثات (الجينات) البيولوجية. أما الثقافة السياسية فهي جزء من الثقافة بمفهومها العام، وهي تختلف من بلد لأخر ومن مجتمع لأخر، وهي ثقافة فرعية تتأثر بالثقافة الأشمل، وتؤثر بشكل كبير على ثقافة المجتمع السياسية. ويقصد بها مجموعة المعارف والآراء والمشاعر والمعتقدات والاتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة، إنها طريقة التفكير والشعور والسلوك السياسي الخاص بجماعة ما.
ففي سوريا شاهدنا کيف أن الثقافة السياسية التي کانت موجهة من قبل النظام التسلطي، عملت لعقود من الزمن علی إقصاء الفكر المعارض وتمحورت حول الخوف من السلطة والإذعان لها، لكنها تغيرت بعد أن بدأ الشعب بالنهوض والانتفاضة علی هذا النظام البعثي الشوفيني.
أقطاب النظام السوري کانوا بعيدين کلّ البعد في تحويل القوة إلى حق والطاعة إلى واجب. فإنهم کما کانوا في السابق متعصبون لکل ما نشأوا عليه مهما کان سيئاً، نراهم يعلنون سخطهم علی کل من لا يؤيدهم في تعصبهم، إنهم أصحاب الأفكار الشوفينية النازية، شهروا سلاحهم في وجه کل من يخالفهم في الآراء والمفاهيم التي أنشأوا عليها أو إعتادوا عليها، فهم حصيلة المناخ العروبي القوموي الذي کان سائدا في النصف الثاني من القرن الماضي.
وما استمرار القوات الموالية للنظام ولرئيسه "بشار الأسد" في قتل وترويع المتظاهرين المدنيين العزل بالدبابات والقناصة إلّا شهادة لوفاة وسقوط هذا النظام قبل الأوان، بعد أن ازدادت العزلة الدولية له وأصبحت نقطة اللاعودة من البديهيات.
كما ذکرنا سالفاً، هذا النظام لم ولا يعترف في يوم من الأيام بسيادة ثقافة سياسية تؤمن بحق الاختلاف والتناوب على السلطة والاعتقاد بحرية وحقوق الإنسان ووجود الأحزاب السياسية تتعايش فيما بينها وتخضع لقواعد عقلانية عن طريق انتخابات نزيهة، قائمة على مفهوم المشاركة، حيث يؤمن المواطنين بأنهم قادرون على المساهمة في النظام والتأثير فيه. هذا النظام لديه غريزة الذئب في الافتراس، الذئب يقتل دون حاجة، لا يقتل ليأكل فقط، بل يقتل ليقتل، وسلطات الأمن والعسكر في سوريا تقمع لا لتوقف متظاهرا أو ثائراً، بل تقمع فقط لأنها أصبحت مدمنة على القمع. هكذا هي غريزة القمع للأسف، تُخضع كل شيء لغريزتها البدائية.
لقد عمل النظام السياسي في سوريا جاهداً علی خلق وإيجاد نوع من المشروعية المبنية علی القسر والاستبداد لشرعنة حکمه وقام بخلق عمق تاريخي مزوّر له‌ يرمز لعراقته وتأصله، لکن دون جدوی، لأن المجتمع السوري كان أدری بنوایا نظامه المسلط علیه.
ومن الواضح بأنه‌ لا يمکن تفسير تشکيل و عمل المؤسسات السياسية من دون معرفة المركب العقلي والقيمي للسلطة السياسية. أما المشروعية التي نتحدث عنها فإن ماهيتها تثبت بحسب درجة سريان العقلانية في ضبط العلاقات بين الأفراد والجماعات والسلطة السياسية. النظام السوري قام خلال العقود الماضية من حکمه بتسييد ثقافة البعث وإيديولوجية الزعيم الأوحد في المجتمع وساهمت هذه الثقافة الی حد کبير في تحديد شکل نظام الحکم في هذا البلد، بل ساهمت أيضا في تحديد عناصر القيادة السياسية بعد أن قامت أجهزة السلطة بقلع جذور الفكر الحر والعقل المعارض.
في الديمقراطية الغربية المعاصرة تهدف الثقافة السياسية الی تحفيز الفرد على المشاركة في العملية السياسية داخل النظام السياسي، لتعزيز وتقوية فكرة الإحساس بالمسؤولية، ومطالبة المساهمة في العملية السياسية على اعتبار أن الظاهرة السياسية تخضع للمساومة والتأثير على صانعي القرار، وتتبع مجريات الحياة السياسية. فالثقافة السياسية في الغرب تساهم في استقرار وفعالية الديمقراطية وتدعم التعلم للعيش المشترك وقبول الإختلاف وجعل العالم مكاناً آمناً له. لأنه عندما تكون العلاقات بين أفراد المجتمع الإنساني إيجابية وعلى قدم المساواة، فإن ذلك سوف يعزز الكرامة والحرية والاستقلال، وعندما تكون العلاقات سلبية ومدمرة فإن ذلك سيقوّض الكرامة الإنسانية وقيمتنا الذاتية. إذن العيش المشترك هو أحد أهم التحديات الكبرى للقرن الواحد والعشرين.
ويری الفيلسوف الفلورنتيني، أستاذ العلوم السياسية، جيوفاني سارتوري، بأنه لا يمكن أن يحدث الإنتقال من حكم الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية من دون قطيعة (ثورة شعبية)، من دون انفجار، ما يضع حداً للسياق الأحادي ويفتتح الطريق نحو السياق التعددي، لأن النظام الشمولي، حسب رأي سارتوري، يستند إلى إطار أيديولوجي، صاغه مثقفون أو أشباه مثقفين، ويتسم بتماسك فرضياته ووضوح غاياته التي يستهدفها، لذا يتصور النظام الشمولي بأنه يستوعب الکل الاجتماعي فيريد إعادة صياغته من جديد. 
فبعد سقوط هذا النظام الشمولي سوف يحتاج المجتمع السوري الی بناء نظام ديمقراطي يدعم التنمية الثقافية ويخلق ثقافة سياسية جديدة لتعزيز المواطنة الحقة وترسيخ مؤسسات الدولة الديمقراطية ومعالجة أزمة البنيوية و الموروث الشمولي للسلطة ورفع العقبات أمام التنوير، کي لا تعتبر الحديث عن أمور السياسة من قبل القوميات تهديدا للأمن والنظام. إن من أهم الرهانات في الوقت الحاضر هو العمل علی نشر ثقافة سياسية جديدة و بناء وعي مجتمعي جديد مبني علی مفاهيم وقيم المواطنة الحقة وأسس الديمقراطية والمساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص واحترام الرأي الأخر والمشاركة السياسية، فالتنمية الثقافية مدخل ضروري للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية ليست شيئا يقلد بل واقع معاش، ولا يمكن نقله وغير قابل للتوريد والتقليد، بناؤها يجب أن ينطلق من الواقع وخصوصياته.
علی التيارات المعارضة للنظام الأسدي العمل علی تسطير دستور جديد لدولة ديمقراطية فدرالية إتحادية يصون حقوق کافة القوميات والأديان والطوائف في سوريا والمجاهدة في سبيل تثبيت ثقافة واعية لممارسة الديمقراطية وترسيخ القيم المبنية على الحوار والتسامح والعدالة واحترام قواعد اللعبة السياسية. لتكن ثقافة تؤمن بحق الاختلاف والتناوب على السلطة وقبول الرأي المضاد وتكرس الثقة في المؤسسات والشعور بالقدرة والكفاءة السياسية، وإقرار قيم المحاسبة وترسيخ ثقافة المشاركة الديمقراطية لما يتوافق مع قيم وتحديات العولمة الثقافية. بدلا من الثقافة الرعوية، الذاتية، وثقافة الرداءة والانهزامية والإقصاء، والتراتبية السلطوية القهرية والموروث السلطوي القائم التي ظلت العمود الفقري لشل كل محاولة للتحديث في هذا الزمن التسارعي الرقمي.
وختاماً لكم قطعة من قصيدة "الديك" للشاعر الخالد نزار قباني في وصف "القائد أو الزعيم المستبد":
"في حارتنا
ثمة ديك عدواني، فاشستي،
نازي الأفكار
سرق السلطة بالدبابة
ألقى القبض على الحرية والأحرار
ألغى وطناً
ألغى شعباً
ألغى لغةً
ألغى أحداث التاريخ
وألغى ميلاد الأطفال
و ألغى أسماء الأزهاء"
د. سامان سوراني

263
جدلية التنوير والمصائرالبائسة للأنظمة التوتاليتارية

التنوير هو شعار ومصطلح أساسي في قاموس الحداثة الغربية. ففي عصر التنوير تم  تهيئة وخلق شروط الديمقراطية والسوق وسيادة القانون. صحيح أن التنوير تعود إلى مراحل تاريخية ترتبط في الحقيقة بكل ما يشير أو يؤكد على دور عقل الإنسان وإرادته والتجربة الحسية الممارسة عبر تسيير أمور حياة الإنسان والمجتمع عموما، لكننا نستطيع أن نطلق علی قرن الثامن عشر بعصر التنوير بإمتياز، لأن التيارات الفكرية الجديدة في مضمار هذا القرن قامت بالعمل على إضعاف المؤسسات التقليدية ومهّدت السبيل لكسر جدار المطلق حاملا في طياتها معالم ثورات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية عظمى أرغمت المهتمين بها تسميتها بقضايا التنوير.   
لكن للتنوير جوانبه المظلمة، تم إظهارها من قبل مُنظرَين من مدرسة فرانكفورت الألمانية في الفلسفة، هما ماكس هوركهايمر (1895-1973) و تيودور أدورنو (1903-1969) في كتاب أصدروه عام 1947 تحت عنوان "جدلية التنوير". هذه المدرسة قامت بالجمع بين الفلسفة وعلم الاجتماع في آن واحد، وهذه الفلسفة نشأت في ألمانيا منذ العشرينات من القرن الماضي وما زالت مستمرة إلى يومنا هذا تُقاد من قبل رائد تيار الحداثة وصاحب نظرية الفعل التواصلي الفيلسوف يورغن هابرماس.
كتاب "جدلية التنوير"، يحتوي علی شذرات فلسفية، أما رسالته الأساسية فهي إمكانية خلق عقل جديد يواكب روح الحضارة الحديثة والعصور الحديثة، ولكن هذه المواكبة لا يمكن أن تجري دون نقد لما مضى ولذلك ينصب النقد في معظمه على العقل القديم، الذي کان يدور في فلك هيغلي (نسبة الی غيورغ فيلهلم فريدريش هيغل "1770-1831")، كانطي (عمانوئيل کانط "1724-1804") أو مارکسي (كارل مارکس "1818-1883"). 
ينصرف مفهوم التنوير من حيث المبدأ إلى اعتبار أن عقل الإنسان وإرادته هما المعياران الحقيقيان لكل نشاط فكري وعملي إنساني, وأن الظواهر في جوهرها لا تقوم على الثبات والإطلاق, بل تقوم على الحركة والنسبية والمتنور يرفض فرض العقائد المطلقة عليه و يطرح الأسئلة النقدية الكبيرة، أسئلة تتضمن بين طياتها بذور التفكير الحر للإنسان والرغبة في الاختيار. کالأسئلة التي طرحها الفيلسوف الفرنسي ورائد المقالة الحديثة في أوروبا ميشيل دي مونتي (1533-1592)، "ماذا أعرف و ماذا عليّ أن أعمل؟".
إن خروج الإنسان من قصوره و عدم إستخدام عقله و تكاسله عن الاعتماد على نفسه في التفكير أدى من جهة إلى تخلفه، ومن جهة أخرى هيأ الفرصة لأصحاب الحق الإلهي و مؤسساتها السلطوية الممثلة بالملك والکنيسة لاستغلاله، وذلك بسبب عامل الخوف فيه. وهذا ما حفز المفكر رينيه ديكارت (1596-1650) الی ترويج الأفكار الداعية إلى الشك والعقلانية والعلم وحرية الإرادة و نشر ومقولته الذائعة الصيت ( أنا أفكر إذن أنا موجود ) کتحدي حقيقي لكل ما يمثل عقلية الامتثال والإطلاق. 
يمکن القول بأن الفلاسفة المتنورين أمثال ديكارت – بليز باسكال (1623 - 1662)– مونتسكيو (1659-1755)– فرانسوا ماري أرويه المعروف بـ فولتير (1694-1778)– دنيس ديدرو (1713-1784)–جان جاك روسو (1712-1778)– ديفيد هيوم الاسكتلندي (1711-1776) وجان لوك (1632-1704) بذلوا جهداً عظيماً من أجل الرقي بالفرد والإنسان عموماً، لكن الكثير من الادعاءات الفكرية التي قدمها هؤلاء كانت متطرفة في حينها، ولم تكن بالنسبة للكثير منهم سوی معارضة لما هو قائم، أو مواقف فكرية تطهريه تدعوا إلى تطهير الواقع المعاش آنذاك من أدرانه، هذا بالإضافة إلى كونها كانت تشكل الحركة الفكرية للطبقات الوسطى، وهي الطبقة الأكثر اهتماماً بالثقافة كما هو معروف.
ومن المعلوم بأن "التنوير" مصطلح مرن،  يمکن استخدامه لأغراض تتعارض مع نوايا المتنورين الأوروبيين. فعلی صعيد العالم العربي حاول النظام المصري في زمن مبارك خطف وإدماج هذا المصطلح لتثبيت حکمه وجعله مستقراً، ولكن في النهاية لم يتمکن من إخفاء التناقضات والصراعات، الی أن أدت تلك التناقضات والصراعات الی سقوط مبارك أولاً ونظامه أخيراً. لقد إستخدم نظام مبارك مصطلح "التنوير" في وقت مبكر بهدف البدء بحملة "تنويرية"  لمقارعة "التيار السلفي" أو مايسمی بـ"التيار الظلامي" و جماعة إخوان المسلمين. أما المثقفين العلمانيين، الذين كانوا يتملقون لهذا النظام، فقد أعلنوا بأن"جحيم الحكومات العسكرية المستبدة لهم أسهل تحملاً من جنات دعاة الاصولية". وکانت لديهم حتى محطاتهم التلفزيونية الخاصة باسم "قناة التنوير"، مهمتها کانت تتمثل في نشر رسالة التنوير في جميع قطاعات المجتمع وشن "حرب" ضد دعاة الجهل الحقيقي والعفن الفكري والتسطيح الثقافي. وکان الخوف من ولادة أصولية مماثلة لأصولية الخميني قد ساعد علی قبول الغرب لنظام مصر‌.
والذي فاجأ المراقبين الغربيين بعد هذه الحملة من قبل النظام هو رد فعل الاسلاميين وعلماء الأزهر. فإنهم لم يقوموا بحملة "تنوير مضادة"، بل قاموا بأقتباس الفكرة نفسها وتبنّي مصطلح "التنوير"، حيث سخروا من "التنوير الحکومي"، مدّعين، بأن الاسلام في توافق تام مع  التفكير العقلاني والتنوير. و بهذا تمكنوا من إسقاط الحکومة في فخ. وماكان علی الأقوياء إلا أن يظهروا بأن التنوير من الفوق لا يتعارض مع القواعد الاساسية للإسلام. وعندما صرح فاروق حسني رائد دعاة "التنوير"  ووزير الثقافة آنذاك، بوصف الحجاب بـ"التخلف والعودة الی الوراء"، إئتلف الحزب الوطني الديمقراطي لحسني مبارك في البرلمان مع أعضاء من جماعة إخوان المسلمين  و طالبوا سوية مثول الوزير أمام اللجنتين الدينية والثقافية في البرلمان. 
إن محاولات حزب النظام البائد في مصر للقيام بالوعظ علی هذه الشآکلة لم تكن تكفي لإقناع الرأي العام في هذا البلد، لأن العديد من المسؤولين الحكوميين وخصوصاً عائلة الرئيس نفسه لم تكن تطبق وتتبع في يوم من الأيام مبادئ الشريعة الإسلامية. وفي النهاية أدت دعاية "التنوير" الی كشف الاغراض الحقيقية التي کانت تكمن وراء الخطاب السياسي للنظام.
أما بعد 25 يناير 2011 في مصر فنشاهد بأن إمرأة تقوم بتأسيس حزب يسمی بـ" حزب التنوير المصري"، الذي ينادي في برنامجه بالمدنية والمساواة والحرية والعدالة والنزاهة والمسئولية الاجتماعية واللاعنف عبر التنشئة السياسية و يؤمن بأن إصلاح مصر يبدأ من الفرد بإعتباره الطريق المؤدى إلى إصلاح المجتمع إصلاحاً كاملاً و ينظر إلى قضية الحريات باعتبارها قضية مركزية في التحرر الوطني سواء كانت هذه الحرية فيما يتعلق بحرية الاعتقاد أو حرية التعبير وحرية ممارسة السياسة باعتبارها حقا دستوريا، منطلقا من مبدأ المواطنة والمشاركة في الحقوق والواجبات وفقاً للدستور، ساعياً الی العدالة من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة والمحاسبة في المجتمع للحد من الفساد ومن ثم القضاء عليه. والجديد في هذا الحزب علی المستوی العربي، أنه يحدد نشاط رئيس الدولة ويلزم علیه بأن لا يترأس أي حزب سياسي ويمنع ويحذر على جميع أقارب الرئيس من الدرجة الأولى من ممارسه أي نشاط سياسي أو حزبي أو اجتماعي، وذلك من أجل بناء نظام حكم مدني تكنوقراطي.
من هنا يمکن أن يُنظر الی التنوير كقاعدة أساسية للحقوق والمفاهيم، کالتوجه نحو النظرية العلمية في المعرفة، والتسامح الديني، وتنظيم الدول في حكومات جمهورية عبر وسائل ديمقراطية وغير ذلك.
وختاما نقول: "من حاول أن يجسّد دينامية مجتمعية و مارس نمطاُ جديداً، منتجاً وفعالاً، في الحكم والإدارة والتسيير أو في العمل والاستعمال، سوف ينجح، لأنه يتعامل مع هويته القومية و ثقافته الدينية  بصورة حديثة وراهنة، يتعاطی مع العالم والواقع بفكر مركب و عقل تداولي، عكس الأنظمة التي تعاملت مع الهويات والقضايا بلغة مستهلكة وبائدة أو بعقل شمولي واستبدادي وفكر أحادي اصطفائي مغلق قائم علی نفي الآخر والعالم والمكان والزمان، فإرتدت عليها أعمالها وانتقمت الوقائع من أفكارها، کما تشهد المصائرالبائسة لتلك الأنظمة التوتاليتارية."
د. سامان سوراني 

264
الأنبياء الجدد والمجازر الوحشية في النرويج

الذي نعرفه هو أن النرويج دولة تحکمها نظام ملكي دستوري وحدوي بنظام برلماني وأن النرويجيون يتمتعون بثاني أعلى ناتج محلي إجمالي للفرد الواحد (بعد لوكسمبورغ) وثالث أعلى ناتج محلي إجمالي (تعادل القوة الشرائية) للفرد الواحد في العالم. و أن هذا البلد ذو المساحة الواسعة هو من بين البلدان الأقل تأثراً بالتباطؤ الاقتصادي الدولي. وأن حزب العمال النرويجي الذي يزعمه رئيس الوزراء الحالي ينس ستولتنبرغ کان خلال الفترة الممتدة بين عاميّ 1945 و 1961 مسيطراً على البرلمان بعد حصوله على الأغلبية المطلقة من الأصوات بعد أن أطلق برنامج مستوحي من علم الاقتصاد الكينزي  و شدد علی تمويل الدولة للتصنيع والتعاون بين النقابات العمالية ومنظمات أرباب العمل. هذه الدولة أنجبت في أواخر القرن التاسع عشر، أي العصر الذهبي للأدب النرويجي، عمالقة الأدب أمثال هنريك إبسن وبيورنستيرن بيورنسن وألكسندر كيلاند ويوناس لي وحصل في الربع الأول من القرن العشرين ثلاثة روائيين نرويجيين بسبب مساهماتهم الهامة في الأدب على جائزة نوبل: بيورنستيرن بيورنسن في عام 1903 وكنوت همسون في عام 1920 وسيغريد أوندست في عام 1928.
النرويج، هي البلاد التي شرفها صاحب جائزة نوبل للسلام السويدي إلفرد نوبل بتكليفها بترشيح من يحمل جائزة السلام الدولية المقترنة بإسمه وهي بلد ليبرالي فتحت ذراعيها على مصراعيهما لضم الآلاف من اللاجئين الكورد والعراقيين الی صدرها لإيوائهم و أعطائهم حق المواطنة، بعد أن تمکنوا من إنقاذ أنفسهم من قبضة جلادي النظام السابق في العراق و حملاته الهمجية البشعة و غاراته البربرية عليهم.
يوم 22 يوليو 2011 شهدت النرويج، الهادئة بطبيعتها، بعد تفجير المجمع الحکومي في قلب أوسلو و الهجوم علی معسکر صيفي لمنظمة الشباب الاشتراكية الديمقراطية في جزيرة أوتويا الغير بعيدة من  العاصمة أكبر مذبحة في تاريخها الحديث وقت السلم راحت ضحيتها مايقارب 100 مواطن نرويجي بهدف إيقاف الهجرة اليها و إنهاء التعددية الثقافية فيها. في الماضي قدمت النرويج خدمات ثمينة من أجل السلام في بعض أشد بقاع العالم توترا والشعب النرويجي لا تستحق هذا الهجوم الإرهابي الغير مبرر أبداً، نشعر بالصدمة و نراه من الواجب علينا ككوردستانيين وعراقيين إدانة هذه العملية الجبانة بأشد العبارات.
أندرياس بريفيك (32 عاماً)، بإدعائه الألوهية والنبوة الجديدة، أراد بسيناريوهاته‌ الجهنمية وعقله الملغم و مسلماته العمياء و توجهاته المقلوبة إنقاذ النرويج من المد المارکسي‌ و الإسلامي، هذا ما إدّعی هو به لدى مثوله أمام قاضي التحقيق.
لقد كان إرهابه عنف فاحش، لأنه کان يرمي الی إحداث أكبر قدر من الخسائر في الأرواح والممتلكات و بأفظع الوسائل، لكي يترك الأثر الأقوی والأبشع في النفوس و قد استخدم قبله الإعلام الالكتروني للترويج و لتغطية عمله، لم يقده وازع أو رادع في ممارسته لعنفه الجهنمي. بعمله هذا أراد أن يدمر كل قيم السلام والحضارة في النرويج، بلد السلام بإمتياز. في قاموس الإرهابي بريفيك لم يکن هناك وجود لأبرياء، لأنه إعتبر کل شخص منتمي أم غير منتمي الی حزب العمال مسؤول عن مأزقه أو بؤسه أو فشله. الأمر الذي سوّغ له الإنتقام منهم. إرهابه كان نابع من أزمة الهوية والمعنی في هذا العصر الكوكبي المعولم، حيث التعاظم في حرکة الثروات والثقافات والمعلومات العابرة لحدود الدول والقارات، حيث التضاعف في إمكانات الاتصال والإنتقال و الإختلاط والتبادل بين المجموعات البشرية. إن الثقافة المنغلقة يغلب عليها الطابع العقائدي الدوغمائي، وتتصف بالمحافظة والإنشداد الی الماضي والتشديد علی الهوية والتراث. وهذه هي ثقافة المغلوب والضعيف. الضعيف يتمسك بما عنده‌ والقوي يطلب ماعند غيره.
الذي يدخل التاريخ من بابه الحضاري بعد هذه العملية الوحشية هو موقف حکومة النرويج برؤيتها الموضوعية وتعاملها الديمقراطي والشفاف للفاجعة وحِکمة و نزاهة قضائها المستقل وشجاعة القيادة النرويجة بالقول، أن بلادهم يرد علی تلك الهجمات بـ"المزيد من الديمقراطية والانفتاح" مطالبين مواطنيهم بالتضامن ودعم بعضهم البعض في "أسوأ أزمة تمر بها (بلادهم) منذ الحرب العالمية الثانية".
وختاماً: "الشأن البشري والكوكبي يحتاج الی استراتيجية فكرية جديدة في إدارة الهويات والقضايا والدول والعلاقات بين البشر تتشكل معها فضاءات ومساحات عقلية ومفهومية جديدة ومغايرة بتوجّهاتها وأولوياته ومفرداتها وتراكيبها، كي يعيش بني البشر على وجه الارض بسلام."
د. سامان سوراني 

 





265
المزاعم النخبوية حول الادارة اللامركزية والأقاليم الفدرالية

عندما نشرنا قبل أيام مقالنا حول "دولة الأقاليم كبديل حقيقي لشعب العراق" وردنا ممن يدّعون إنتماءهم الی النخبة المثقفة العديد من الرسائل بسبب طرحنا لهذه الفكرة، بعضها كانت تهجمية الی درجة، زاعمين أننا نقوم بـ"دعوات خطرة تهدد وحدة دولة وشعب وأعراف وتقاليد وأن أقليم كوردستان سوف يكون بسسب دعواتنا أول المتضررين". 
لا مراء أن هذه االردود تعكس أفكار أصحابها، توصلنا الی بعض حقائق، منها أن الأفكار المغلقة للمثقف النخبوي في العراق تبقی دوماً عائقاً أمام إنفتاح المجتمع لتجديد المفاهيم والمعايير وصوغ الجديد. إنهم يفتقرون فهم الفدرالية بشکلها العلمي والعملي ولا يريدون رؤية ضرورة تطبيقها علی أرض الواقع لإنقاذ هذا البلد من الصراعات السياسية المستمرة. 
إن هذه الشريحة من المجتمع العراقي لم تنضج بعد من حيث بنيتها وثقافتها، لكي تصبح مؤهلة لممارسة الديمقراطية، فهي ماتزال تنتظر أنبياء و زعماء ملهمين لکي يقودوها، أكثر مما تحتاج الی رؤساء ديمقراطيين. هذه الطائفة النخبوية، صاحبة المشاريع العريضة والاحلام الخلاصية، ليست أجدر من سواها بالديمقراطية بالرغم من رفعها للشعار منذ عقود، بل هي جزء من المشكلة أو مصدر للأزمة، تطرح مقولات لا تفقه مدلولاتها و ترفع شعارات لا تعرف متطلباتها.
شاهدنا في السابق تجاربها مع الوحدة والحرية والإشتراكية وبقية السلالة من الشعارات التي جلبت للشعب العراقي الحروب والويلات والكوارث. إن زرع النزعة الوحدوية الزائفة تسبب الکوارث في طبيعة المجتمع العراقي وتنتج المظالم والفظائع علی مستوی العلاقات بين القوميات والطوائف وتجعل من أصحابها أقل الناس فاعلية، سواء في بيئاتهم ومجتمعاتهم أو علی الساحة الكونية. 
النخبويون يريدون من الأقليم الكوردستاني في هذا الزمن المتسارع التفكير والعمل علی إيقاع السلحفاة ويجزمون بأننا في العراق لن نستطيع العيش في أقاليم إتحادية، رافضين بشدة النظام الفيدرالي، الذي تقسم فيه السلطة النهائية بين المركز والأطراف وتنقسم السيادة فيه دستوريا بين منطقتين أو أكثر بحيث يستطيع أي من هذه المناطق أن يمارس السلطة لوحده دون تدخل الولايات الأخرى، ولايحتکمون الی الدستور الذي صوت له الشعب العراقي بنسبة أکثر من 80 في المئة.
نسأل هنا المجلس النواب الإتحادي عن سبب مماطلته في تشريع القوانين التي کان كان يفترض تشريعها لتنظيم الادارة اللامركزية في العراق؟
هذه النخب المثقفة عاشت علی فلسفات ونظريات وأدلوجات مبتكرة، لم يستطيعوا تطويرها أو تجديدها، بل هي استحالت في عقولهم وممارساتهم الی سجون فكرية أو الی شعارات خاوية تنتج أضدادها، فهي لاترغب في إنتشار ثقافة الفيدرالية والحکم اللامكزي بل تريد إن تمارس الوصاية علی مستقبل العراق و تدعي امتلاك مفاتيح الخلاص والسعادة والحلول المناسبة من خلال مشاريعها العروبية بآفاتها الوحدوية لتُسَطِّر علينا أسمی آيات المركزية والانفراد بالسلطة من قبل الحزب الواحد، اوهذه ما تتمناها اليوم دولة القانون أيضاً. وهذا يعني تسنم الحزبي والسياسي الموالي لفكرة المركزية المناصب بدلاً عن الاداري والتكنوقراط، وذلك لإنهاض الفساد الإداري وإفشال نجاح التنمية والرخاء الإجتماعي.
و ختاماً يبقی: "مفهوم الإنسان يترنح تحت الوقائع التي ينتجها المجتمع البشري، وهي وقائع تكتب نهاية الإنسان النخبوي أو الإصطفائي، الذي يزعم أنه يمثل عصراً بكامله أو يدعي بأنه يجسد عقل الأمة وضميرها (الحيّ) ويتوهم بأنه منقذها أو مخلصها أو بطلها."
د. سامان سوراني

     



266
المواطنة أم تهويمات المواطنة في العراق الفيدرالي؟


قال الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون (1859-1941)، أحد أكبر الفلاسفة في القرن الماضي والحاصل على جائزة نوبل للآداب عام1927، ذات مرة: "إذا کان انتصار الحياة- في سائر المجالات- هو الخلق أو الإبداع، أفلا يحق لنا أن نقول إن المبرر الأوحد للحياة البشرية هو فعل الإبداع، الذي يستطيع الإنسان العادي - بمقتضاه- أن يخلق ذاته بذات‌؟"
الکائن الحي هو في جوهره کائن قادر علی بناء ذاته، فهو ليس مجموعة من العناصر تتجاوز وتتلاصق، بل هو مجموعة من الوظائف التي تنتظم وتتسق فيما بينها بفعل عمليات عضوية منتظمة، حاله حال المواطن في المجتمع أو الدولة. وليس في وسع الإنسان أن يتنفس أو يتحرك أو يفكر أو يحيا دون أن يسجل طابعه الشخصي في العالم الخارجي. نحن نشعر بأن جو الفردية - بطبيعته- جو محدود خانق، ضيق الرقعة، فليس في استطاعة واحد منا أن يکتفي بنفسه، وإنما لابد من أن يعمل للآخرين ومع الآخرين وبالآخرين. العمل هو الألف والياء في دراما الوجود البشري، فلا بد لنا من أن نعمل حتی نفصل في مصيرنا لأنفسنا وبأنفسنا. 
والمواطنة (Citizenship) هي تفاعل ارتباطي بين الإنسان وثقافته و هي أيضا التعبير الاجتماعي لعملية انتماء وعطاء الإنسان للواقع الذي يعيش فيه. والانتماء حاجة متأصلة في طبيعة النفس البشرية. أما الإنسان فلاقيمة له‌ دون وطن أو عنوان.
وفلسفة المواطنة تأخذ بمبدأ حقوق الفرد وحرياته مبدأ أساسيا، وترفض سيطرة الجماعة عليه بإسم الأيدلوجيات والعقائد من قومية واشتراكية أو عروبية أو دينية لمصادرة حقوق المواطن وحرياته وفرض المثالات الطوباوية والتهويمات الايديولوجية والتصنيفات الحصرية عليه.
المواطنة يجب أن تبنی علی أساس العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات ذات قيم محورية کالمساواة ونعني بها الحق في التعليم والعمل والجنسية والمعاملة المتساوية أمام القانون والقضاء والمعرفة والحصول علی معلومات، والحرية ونقص بها حرية الرأي والإعتقاد والتنقل والاحتجاج، والمشاركة التي تتضمن العديد من الحقوق مثل الحق في تنظيم حملات الضغط السلمي على الحكومة أو بعض المسؤولين لتغير سياستها أو برامجها أو بعض قراراتها، وممارسة كل أشكال الاحتجاج السلمي المنظم مثل التظاهر والإضراب كما ينظمها القانون، والتصويت في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وتأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو أي تنظيمات أخرى تعمل لخدمة المجتمع أو لخدمة بعض أفراده، والترشيح في الانتخابات العامة بكافة أشكالها وکذلك المسؤولية الإجتماعية، التي بدورها تتضمن العديد من الواجبات مثل احترام القانون، واحترام حرية وخصوصية الآخرين و...
أما إذا غابت هذه القيم المحورية وإذا لم تقم الحكومة بتأمين الحماية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأفراد ولم تساو بينهم عملياً أمام القانون، فأنه من الطبيعي أن يخف إحساس الأفراد بشعور المواطنة والولاء لقانون المجتمع - الدولة التي يعيشون في ظهرانيها. فلا نتعجب فيما إذا بحث الأفراد عن مرجعية أخرى تحميهم، أو تقدم لهم شعوراً ولو كان وهمياً بهذه الحماية، كالعودة إلى الارتباط بالجذور الدينية أو الطائفية والعائلية والقبلية. و يمکن القول بأن المواطنة هي قضية اعتبارية مشتقة من أمور سابقة عليها فهي غير منزلة من السماء ولا نابعة من الأرض مثل الشجر، وهي خاضعة للتطور أو للارتفاع والهبوط من خلال نوعية العلاقة بين الإنسان ومجتمعه وأرضه. فلو افترضنا أن هذا الوطن بدساتيره ومواقفه السياسية أساء للإنسان الذي يعيش على أرضه، نجد أن علاقة المواطنة تضعف بطبيعة الحال، فالوطن بهذا المعنى ليس هو الأرض وإنما هو النظام السياسي الذي يعطي لصفة مواطنيه الثبات والاستقرار.
أما لفظ "مواطن"، فإنه تعبير لم يظهر إلا بعد الثورة الفرنسية (1789 م) أما قبلها فالناس ملل وشعوب وقبائل لا يعتبر التراب - إلا تبعاً لشيء من ذلك- وسيلة من وسائل الارتباط وقد دخل هذا المصطلح العالم العربي مع موجات التحديث، شأنه في ذلك شأن مصطلحات كالجمهورية أو الديمقراطية أو المجتمع المدني. 
فالمواطن حسب تفسير دعاة الثورة الفرنسية هو من لا يستعبده شخص ميت أو حي، وإنما هو مسؤول عن نفسه، بقدر ما يشتغل بصنع نفسه والمشارکة في إدارة مصيره.
وفي الحکم الديمقراطي يملك المواطن قدراً من استقلالية الذات و حرية الاختيار، بمعنی أنه يشارك في الانتخاب و النقاش أو في صنع القرار وفي سياسة الدولة.
ولكي يحجز المواطن موقع معين علی خارطة الحداثة ولا يبقی مستهلكاً فقط ، تابعاً، غير فاعل أو غير منتج ولكي يحقق السبق والتقدم عبر الإتيان بما هو جديد أو مستحدث، علیه المشاركة الواعية والفاعلة دون وصاية من أي نوع في بناء الإطار الاجتماعي والسياسي والثقافي للدولة.
إن عدم وجود المواطنة الفاعلة في أي مجتمع سبب حقيقي في انتشار انتهاكات حقوق الإنسان وانعدام حق القانون كما أنها سبب واضح لانتشار اللامبالاة وانعدام المسئولية.
نحن نعيش الآن في العراق حکومة تقول أمام الاعلام والملأ بأنها تؤمن بالفيدرالية والحرية والعدالة والديمقراطية،  لکنها لم تعمل بعد انتخابها للمرة الثانية بجدية من أجل تطبيق بنود الدستور الفيدرالي (لو أخذنا المادة 140 من الدستور کمثال) ولا قامت في ترسيخ قيم المواطنة و إنها لم تحسن لحد الآن استثمار موارد التنمية والثراء و لا هي راغبة في استثمار التراث الهائل للعراق في ضوء اسئلة العصر ومشکلاته. فلا تتفق المواطنة مع الانغلاق على الفئة أو العشيرة أو الحزب أو الطائفة، بل تعني الانفتاح على كل الأطياف في العراق.
نتمنی أن تغيّر الحکومة العراقية الاتحادية منطقها الضيق وتترك مدرستها الجامدة ومنازعها النرجسية وتسعی في العمل علی خلق "مواطن ديناميکي" يشارك في بناء العالم وفي إنتاج المعارف والثروات، لا مواطن يتمرس وراء الذاكرة المعمارية المزعومة، ليصبح مصدر العلل والآفات أو العوائق ومبنع يلغم المشاريع الحضارية بقدر ما يعيد إنتاج الافخاخ والمآزق الوجودية، بها يستعدي العالم بقدر ما يتعامی هو عن التحولات والمستجدات.
"المواطن الصالح" هو من يساهم في اختراق الحدود وخلق الأمداد والمجالات و مد الجسور وفتح الخطوط و المشاركة في اختراع صيغ التعايش، بلغة التواصل والتعارف المتبادل لممارسة حضوره‌ و فاعليته،  لا بالتشبث بأوهام السيادة أو بالاستقلال عن الغير أو التقوقع علی الذات. إن فلسفة المواطنة تكمن في تشكيلنا للسلطة أولاً وتکوين مدی لوجودنا، حتی لانمارس استبدانا أو نبقی فريسة لتسلط الغير علينا.
وختاماً يقول أبراهام لنكولن (1809-1865): "لا يجوز لأي شخص أن يطمح في أن يكون أكثر من مواطن، وألاّ يرضى على أي شخص أن يكون أقل من ذلك". 
د. سامان سوراني


267
دولة الأقاليم هي البديل الحقيقي لشعب العراق

من المعلوم بأنه حتی بعد التغلب علی الديکتاتورية سوف يظل أفكارها وآثار جرائمها باق الی فترة طويلة. فالدول التي تعيش مرحلة مابعد الديکتاتورية تواجه علی نحو کاف مشاکل عديدة في التعامل السياسي مع إرث الحکم الديکتاتوري الثقيل  والعقد التي تطفو للسطح.
إن مصطلح "التغلب علی الماضي" يعني الواجب الضروري و الخطير في العمل الدؤوب علی العواقب الضارة  للأحداث السياسية السابقة من أجل التخلص منها ولا يعني بشکل من الأشکال "تصحيح أو تجميل التاريخ" لاحقاً. والتغلب علی الماضي ليست ظاهرة عراقية حصراً، بالرغم من أن مواجهة البعثيين يبقی موضوع مرکزي دائم ومهم.
فتاريخ العراق الحديث اتسم بإستعمال طرق ديکتاتورية متنوعة في سبيل بناء مجتمع عراقي جديد كي يكون مطابقا مع تصورات مُنَظّري الحركات العروبية الشوفينية. صحيح أن إسقاط نظام البعث المستبد عام 2003  کانت نقطة تحول تاريخي وبداية النهاية لعصر الديكتاتوريات في المنطقة وهذا التحول التاريخي يعود بعد سنوات حقيقة شرق أوسطية مهمة، لکن أسئلة التعامل السياسي والقانوني والأخلاقي مع الماضي الديكتاتوري بعد عقود من الكبت والقمع تبقی مفتوحة. فالعمل علی هذه الأسئلة لإتمامها شرط أساسي لشرعية الدولة الدستورية الليبرالية. إن الآليات المرکزية التي تستخدم من قبل الديکتاتوريات الحديثة هي من أجل السيادة الکاملة علی المجتمع وتسيسه، لذا تقوم الديکتاتورية باستفزاز مقاومة الجماعة أو الفرد لمکافحة أعداءها و محوها من علی خارطة الواقع السياسي.
نظام الحكم الدكتاتوري الاستبدادي المقبور في العراق إعتمد على المواطن والمجتمع الذي کان يحكمه في تغذيته واستمراره وعليه کان هذا النظام بحاجة إلى عادات إذعان وإرغام للمواطنين بقبوله بشكل واسع، وكان ذلك من خلال الاعتماد على فئة من الشعب تسمى "المتعاونون أو المنتميون".
ومن المعلوم بأن خوف الديکتاتور يؤدي بالنتيجة الی ملاحقة المنشقين و أصحاب الرأي الآخر، لکن النظم الديکتاتورية ليست متجانسة وهذه‌ ما تمنعها من الحد من المتناقضات وإيقاف المقاومة المدنية.
الديكتاتورية للدول الديمقراطية الوريثة شرعيا "حدث تأسيسي" ضروري، لأن الديکتاتورية بصفاتها المتميزة هي نموذج معاکس للدولة الديمقراطية الدستورية.
هناك فوضى في الكثير من الجوانب الاقتصادية والميديائية بل وحتی في الدستور الذي وضع بعد انهيار النظام الديکتاتوري. لو أخذنا العلم العراقي کمثال، نری إن هذا العلم تعليه کلمتين وضعهما الديکتاتور المقبور نفسه‌ علی العلم ولايزال هذا العلم يرفرف فوق كل مؤسسة ووزارة، هذا أثر من آثار الماضي المرير.
إن التفكير والعمل الديمقراطي لايکسبه الشعب من المهد، بل بالتعلم والتمرس والعمل الجاد في تربية الأطفال والشباب بنهج ديمقراطي عصري.
ومن المؤکد بأن أسس الديمقراطية لم تدرج في حد ذاته في جميع التدابير التربوية والاجتماعية والتعليمية. فالکتب المدرسية هي مسألة سياسية مهمة، فهي تزودنا بمعلومات حول تعريف المجتمع لمواد التدريس والتعليم، وإنها کوسيلة رئيسية للتعليم تعکس الأهداف السياسية المشروعة ومحتوی التربية. 
اننا نعيش اليوم زمن الحكومات المحلية أو الإقليمية وعلی الحکومة العراقية دعم هذا المشروع، لأن التجارب الوحدوية في العالم العربي تشهد بأن العرب کانوا ولحد يومنا هذا عاجزين عن توحيد حي في مدينة وانهم کلما أدعوا في السابق بأنهم متماثلون وان الامبریالية و الصهيونية فرّقهم، ازدادوا فرقةً وتنازعاً، فکيف إذن توحيد العراق بالقوة؟ الوحدة ليست واقعا طيعيا بل هي عمل ثقافي مؤسسي يقتضي الخروج من الدائرة الضيقة أو القوقعة الخانقة وذلك بالعمل الجاد علی الذات بهدف تحويلها. الاتحاد يعني خلق ما هو مشترك أو جامع من فضاءات ومساحات وأسواق لتوسيع امكانات الحوار والمفاوضة والشراكة والمداولة والتفاعل علی نحو بناء ومثمر. فالجمع علی سبيل القهر والضم أو التمييز أو الاقصاء لايمکن أن يولد عراق فيدرالي اتحادي.
 لذا نراه لزاما علی الحكومة العراقية تجاوز الآثار المتخلفة عن نظام الحكم السابق وأن تمارس ديمقراطية حقيقية و فعالة في أدائها وتقوم بتفعيل مواد الدستور ومنها المادة 140 لمنع قيام دكتاتورية جديدة وإرساء نموذج منشود وجديد لإدارة دولة حديثة قادرة على النهوض. ما النفع من الفساد والنهب أو الاقصاء والتهميش أو أحادية القرار  وطغيان النزعة الحزبية. النموذج الذي تُقحم علی‌ المجتمع أو تفرض علی الناس بعقلية نخبوية مرکزية فوقية لاتنجح أبداً. الانفتاح علی فكرة الأقاليم يعني کسر عقلية النموذج والقالب، فلا وجود لنموذج واحد أو وحيد للعمل الديمقراطي. الديمقراطية تبقی دوماً رهناً لما نفكر فيه‌ ونصنعه. فهي ثمرة التجارب الفذة والغنية علی أرض الواقع.
وختاماً: الديمقراطية الجذرية هي البديل الحقيقي لشعوب العالم كافة، والوصول إليها لا بدّ أن يكون من خلال وسائل لاعنفية عادلة ومتحضرة.
د. سامان سوراني






268
الإرهاب البعثي و التظاهرات السلمية في سوريا

بعد مرور أکثر من أربعة أشهر علی التظاهرات السلمية في الکثير من المدن السورية تبين للعالم بأن حکومة البعث، التي أمسكت من خلال إنقلاب عسکري مايقارب نصف قرن بزمام الحکم ليست بمرکز للعالم و لا أنها تمثل المطلق ولکنها بفکرها الوحداني تبقی أشد إيماناً بدكتاتورية الحقيقة، تواجه التظاهرات الجماهيرية بقبضتها الحديدية الدموية وأساليبها الهمجية المرعبة وسلاحها الإيديولوجي التعسفي الفتاك، جماهير مسالمة تنادي بإنهاء الحکم المستبد لنظام البعث من أجل الحرية (آزادي) والديمقراطية.
فالحکومة الأسدية البعثية ذي الأدلوجة العروبية إذ تتهم بسلاحها العقائدي المستهلك ومشاريعها القاتلة والمزورة تحت يافطة "الوحدة والحرية والاشتراكية" هذه الجماهير الغاضبة بالتمرد والمؤامرة علیها وترفض بعقلها الأحادي التبسيطي واقعة العصر ولاتريد أن تری سوريا علی عتبة عصر جديد، عصر تبدّل فيه وجوه الحياة وأساليب العيش أو تغيّر فيه أدوات الفعل والتأثير، تبقی هي فريسة دائها السبعي. ماشاهدناه هو أن ثقافة البعث في سوريا، کما کان الحال في العراق قبل سقوط الطاغية صدام، ولدت الحروب والتمزق و أنتجت الاستبداد والتسلط بقدر ما أنتجت العجز والتخبط، بأدلوجتها الطوباوية و عقائدها الخلاصية الأسطورية ونماذجها الشخصانية ومنازعها الفاشية وهي لاتريد أن تقتنع بأن زمننا کتب نهاية الهويات المغلقة و ديکتاتورية الحقيقة و العقل الخلاصي والفردوسي القديم والحديث، الأصولي منه والتقدمي. فالعالم الآن إزاء وسط حضاري لممارسة فن التواصل بين الهويات والذوات. علی الحکومة التي تأتي بعد زوال النظام الأسدي وإزالة ترسباته السعي لبناء مجتمع سوري متفتح يفرض التفکير علی نحو كوکبي ويخلق لغة مفهومية وصيغ عقلانية تتيح لملمة المختلف وجمع المتفرق وترکيب المتعدد. فلا وجود لهوية ثقافية من غير تلاقحها مع سواها من الهويات والثقافات. فمن أجل تغيير الصورة وإعادة رسم الخارطة السورية للمساهمة في‌ صناعة السلم و احترام حقوق القوميات علی السوريين بعد القضاء علی النظام الديکتاتوري وتأسيس حکومة ديمقراطية فيدرالية إتحادية تكوين نظرة جديدة الی الفضاء الاجتماعي والمجال العمومي وابتكار المعادلات الوجودية و الصيغ الحضارية لإدارة واقعهم وإعادة کتابة تاريخ بلدهم لکشف الحقائق التي جری طمسها، منها سلب حقوق أکثر من مليون مواطن كوردي في سوريا و رفضهم كمواطنين. فلم يعد بأمکان أقلية طائفية أو فئة أن تحتکر المشروعية العليا بأسم نموذج أوحد أو مثال أعلی وتجعل الناس رهناً لفکرة مجردة أو لاستراتيجيةٍ شاملةٍ واستبدادية. فالنظام السوري کان وجه العطب ومصدر من مصادر الخلل في الحياة السورية، فقد أثبت فشل هذا النظام في مجال العمل العربي المشترك أو في مجال معالجة القضايا المتعلقة بالحريات و التنمية، حيث اصبح مصنع لإنتاج الفرقة والفساد و الإستبداد، وعداءاً جيداً في حقل إنتهاك الحقوق والحريات.
الجماهير المتظاهرة في المدن السورية والأطراف المعارضة للنظام ملّت من طقوس الولاء والبیعة، کالولاء الأعمی لأعضاء "مجلس الشعب" في سوريا اليوم، حیث سياسة التأله و التجبر والانتقام والطغيان و القيام والقعود والسجود لجمهورية الحاکم والزعيم الأوحد، الذي لاشريك له‌ إلا هو في حکمه‌، و حيث الشعب أو الوطن يدين له‌ وينتسب اليه ويخضع له‌ بوصفه‌ منقذه و صانعه، وهو الحر في التعامل والتصرف مع بلده وشعبه کما يشاء، شأنه في ذلك أن يسأل ولا يُسأل  أو يحاسب ولايُحاسب بإلغاء کل مشورة أو معارضة، حتی و إن کانت هذه المعارضة متكونة من تسعين في المئة من نفوس الشعب السوري. نحن لا نری أي أمل في أن يقوم هذا النظام بأي إصلاح، لأنه يعيش خارج نطاق الأحداث والزمان، فالأوصياء علی الهوية والأمة و الأمناء علی الحرية والحقيقة و الوكلاء علی مستقبل الشعب السوري ختمت علی أذهانهم وأبصارهم و أصنامهم العقائدية، لذلك لايعيدون النظر في الدور الذي مارسوه‌ خلال العقود الخمس الماضية من حکمهم.
وختاماً: الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرّاً أو لا يكون حرّاً.
د. سامان سوراني

 



269
الإنفتاح علی الآخر وفلسفة التعايش السلمي

من المعلوم بأن فلسفة التعايش السلمي صناعة مفهومية ويبقی مهمة المواطن العصري الذي يريد تبني هذه‌ الفلسفة مواجهة المشكلات وتحليل القضايا بعد الدرس والتقصي في سبيل خلق وقائع معرفية جديدة وحقائق بعيدة عن الايديولوجيات التي تهدف الی نفي العالم والواقع، والتي مآلها إفشال المشاريع الفکرية. والحقيقة هي ما نقدر على خلقه بواسطة قدرتنا علی خلق أدوات للفهم، فانه من السَّذاجة بمكان أن نعتقد بأنَّ التَّاريخ يكرِّر نفسه تكراراً آليًّا، ذلك لأن التَّاريخ ليس كائناً إلا من حيث هو مفهوم يطوي تحت جناحيه جملة وقائع البشر المنصرمة، نقول وقائع البشر لأنَّ الإنسان وحده موضوع التَّاريخ ومحموله. نحن اليوم أمام واقع تتحرك معطياته بوتائر متسارعة، ولا يمكن التَّعامل مع الوقائع إلا بوقائع مماثلة، وعلينا الحفاظ على ذواتنا بمعرفتها وفهمها من أجل احترامها وإنصافها وتقديرها کي لا ننغلق علی الغير وکي نجمع طاقتنا لنبذلها من أجل مجاراة الأمم المتقدمة في تقدمها وتطورها. لذا نراه لزاما علينا السَّعي الدؤوب للحوار الثقافي المتحضر بين الطوائف والقوميات والاديان المختلفة في المناطق المستقطعة من كوردستان دون تسويف أو تأجيل وكذلك التَّفاعل وإحتواء طاقات المبدعين في هذا المجال من أجل الارتقاء بالواقع المتخلِّف والنُّهوض به من ركام تخلُّفه.
صحيح بأن البحث عن معنی للإنتماء بل للحياة غريزة فطرية يحتاجها کل إنسان، لكن انفتاح الثقافات الكوردية والعربية والتركمانية والكلدانية والآشورية والأرمنية بعضها على الأخرى، وانفتاحها على سائر البنى الثقافية التي لا تزال تعرف نفسها بأنها ثقافات خاصة، هو أمر ضروري لنشوء ثقافة التعايش السلمي. وعلينا أن لانبدي رأيا سلبيا في أمر العولمة، فهي سيرورة طبيعية للتطور التاريخي العلمي والثقافي والاقتصادي، وهي ليست سيادة دولة أو شركة أو حزب أو جماعة حتَّى نقف معها أو ضدَّها، أمامها أو وراءها، وهي ليست قراراً أو موقفاً يتيح لنا أن نعلن منه موقفاً أو نتَّخذ ضدَّه قراراً. نحن الآن في زمن الكتروني لا يمهل كثيراً بل هو يهمل اذا لم نحسن التعاطي مع ادواته، فعلی المواطن العصري الذي يرفع راية التعايش السلمي أن يسعی الی ثقافة حديثة منفتحة على منجزات الفكر البشري ومعطيات الخبرة العملية، وعلى تقدم العلم والتقانة واستيعاب أثرهما في صيرورة العالم أو مايسمی بـ"القرية الكونية".
في السابق فرضت الحکومات العراقية الحظر علی نشر مبادیء الحرية والمساواة والعدالة بين الكيانات العراقية وقامت بتعطيل التاريخ الداخلي للبلاد وأدخلته‌ في نفق الشمولية والاستبداد وسعت على سياسة الدمج القسري والقهر والتنكيل وتغيير الهوية والتهميش. فهذه الحکومات قامت ب"مشروعياتها الثورية" بتأميم حرية المواطن وتعطيل فاعلية المجتمع وتاريخه الداخلي. نحن اليوم وفي سبيل تمكين التعايش السلمي بأمس الحاجة الى معالجة الجرائم التاريخية التي مارستها الحكومات منذ تأسيس دولة العراق.
التعايش هو التشارك في العيش والقبول المتبادل بحق العيش، واليوم بات التعايش السلمي بين الطوائف الدينية المختلفة منها والاثنية سمة من سمات المجتمع الکوردستاني. صحيح أن هذا المجتمع يمر حالياً بتغير اجتماعي حرج يحتاج منا إلى التعامل مع إفرازاته بكل حكمة، كما يحتاج منا إلى المزيد من الحملات التوعوية، التي تبشر بمفهوم جديد للمواطنة الكوردستانية قادر علی أن يحتوي كل الاختلافات الإثنية والعرقية الموجودة داخل المناطق المستقطعة من الإقليم. وعلينا حفظ الصورة الايجابية التي رسمتها لنا ريشة الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل إنصهار الخلافات ووضع النزاعات والشقاقات في بوتقة الحوار الهادف إلى تشييد المجتمع وأفراده لتعميم الأمن والسلام ونشر الاخاء بينهم. وليس للحرية من وجود فعلي سوى في رحاب الدولة الوطنية الحديثة المنفتحة على المجتمع السياسي العالمي وعلى المجتمع الإنساني وعلى القيم الإنسانية، أعني الدولة الديمقراطية مبدأً ومآلاً. فما قيمة وحدة العراق إذا كانت ستنهض، كما رأيناه من نظام البعث المقبور، على أشلاء الإنسان؟ وأي رسالة خالدة حملتها حکومة البعث الفاشي للإنسانية سوى العنف والإرهاب والقتل والدمار والحروب؟ 
وختاما: "بات من الضروري البحث عن وسائل التعايش السلمي بين الشعوب، وإستبعاد الحروب لكونها أصبحت من الأساليب الهمجية القديمة التي لايرتضيها أي شعب يريد الحياة."
د. سامان سوراني


270
جنوب السودان وإقليم کوردستان - العراق

بعد نضال متواصل لشعب جنوب السودان وصراع مع الدولة المركزية المستبدة وعقليتها المفرطة دام خمسة عقود للوقوف ضد القمع والاضطهاد والابادة الجماعية في سبيل الحرية و الحق في تقرير المصير حصل تقسيم اكبر بلد في افريقيا من حيث المساحة. إثر هذا التقسيم وبعد إعلان رئيس البرلمان السوداني الجنوبي، وسط حشود جماهيرية تهتف «لن نستسلم ابدا! ابدا!»، استقلال بلاده رسمياً، رأت الدولة رقم الـ 193 النور في الأمم المتحدة و أصبحت لها مقام في المجتمع الدولي. ومن دواعي السرور بأن الدولة الجديدة أکدت الطبيعة الديموقراطية والتعددية العرقية والدينية لها. وهکذا أصبحت جمهورية جنوب السودان بدأ من يوم 9 يوليو 2011 دولة تتمتع بالسيادة والإستقلال بالرغم من بقاء بعض المسائل الأساسية العالقة، منها مشکلة المناطق المتنازع عليها، التي نتمنی أن تحل عبر الحوار لا العنف والحرب، فإن حکومة الخرطوم إعترفت بهذه الجمهورية الجديدة وهذا موقف يحمد له.
أما الکوردستانيون في العراق، إذ يهنئون شعب جنوب سودان بمناسبة استقلالهم و لکنهم يبقون حائرين من مواقف وتصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، مؤسس فكرة مجالس الاسناد العروبية، وتفسيراته المتناقضة مع النصوص الدستورية، منها تحذيره خلال لقائه مع رؤساء عشائر بغداد الخميس الماضي، الأطراف السياسية العراقية التي تحاول تشكيل أقاليم أخرى، موضحا بأن تلك المحاولات سوف تسبب الإنقسامات و إندلاع حروب داخلية.
والعجيب من الأمر، أنه هناك القانون رقم 13 الذي شرعه مجلس النواب سنة 2008، ففيه تم تحديد الآليات والإجراءات التنفيذية التي يجب إتباعها عند محاولة تشكيل أي إقليم. أما المادة 119 من الفصل الأول من الباب الخامس من الدستور العراقي، فإنها تنص على أنه "يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقيتين، الأولى بطلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، والثاني بطلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم."
العراقيون صوتوا بالأغلبية لنظام الحکم الفيدرالي، الذي فيه يتم تقسيم السلطات دستورياً بين  الحكومة الاتحادية و الأقاليم، التي تتمتع من طرفها بنظام أساسي يحدد أوجه سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، كما بإمكانها تشكيل قوات أمنية خاصة بها. نسأل المالکي ماسر تقدم دول کالإمارات العربية المتحدة أو الولايات المتحدة الأميركية وهما تطبقان هذا النظام ولماذا لم تندلع فيهما حروب داخلية؟
فلو أخذنا نظام الحكم في الإمارات العربية المتحدة کمثال لشاهدنا بأنه نظام اتحادي فيدرالي. فهناك الحكومة الاتحادية ولها دور محدد وهناك الحكومات المحلية ولها دور ضمن حدود إمارتها. والدستور هو الذي يبين العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الإمارات. والدستور يعطي الحكومة المركزية سلطات محددة ويترك مساحة غير محددة من السلطات المفهومة ضمنيا للإمارات كل على حدة. وتحتفظ كل إمارة بالسيطرة على نفطها وعلى ثروتها المعدنية وعلى بعض مظاهر أمنها الداخلي.
وليعلم دولة رئیس الوزراء بأن مفاتيح استقلال كوردستان العراق من عدمها يعتمد على تعامل الحکومة الاتحادية مع مواد الدستور وخاصة جديتها في تطبيق المادة 140.
المركزية في السابق فرضتها سلطة الاستبداد وقوة السلاح والقمع أسقطت بالنتائج، قبل أن يسقطها الدستور. فاللامركزية والأقاليم هي النظام الذي أسسه التاريخ الحديث وواقع الجغرافية السياسية و الاثنية و به توحد العراق وانضم الی المجتمع الدولي مرة اخری بعد عزلة طويلة.
على دولة القانون والتيارات العربية المنخرطة في العملية الديمقراطية في العراق أن تطبق الديمقراطية داخل أجنحتها ولوائحها التنظيمية، لأن ذلك مفتاح نبذ التعصب والتطرف في الأفراد ووقف للحروب الفكرية الأهلية وكل سبل الهجوم والاستعداء في أسلوب الخطاب والتعامل مع الآخر المنافس والمختلف. وستبقی الحوار ركيزة أساسية في تكريس اللاعنف والنظم الديمقراطية من خلال الإيمان به والاعتراف بحق الآخر في الوجود. فالديمقراطية تفترض عقلا مرنا مفتوحا يتيح حرية التفكير ويعترف بحق الآخر في أن يكون مختلفا ويمارس سلطة مفتوحة قابلة للنقاش وإن إحتکار الحقيقة والدعوة لثقافة الدكتاتورية السابقة والحزب الواحد ومحاولة منع الآخرين من انتخاب سبل حياتهم يعني إلغاءهم والسعي لإقصائهم.
وتعتبر إنشاء الأقاليم جوهر الديمقراطية وباتت مطلبا شعبياً في العراق، فهي تهدف الی زيادة الکفاءة وتساهم في  تکثيف دور المواطن في تحقيق دولة الرفاه. لذا نری من واجب الحکومة في العراق أن لاتقف ضد هذا المطلب ولتسعی لبناء هوية وطنية مشتركة و هجينة من أجل تشجيع الرغبة في الوحدة الوطنية والتصميم على المحافظة على استقلال كل إقليم في الإتحاد.
وختاماً نقول: اللامرکزية والحل الاتحادي قد يفرضه الواقع وأن الثقافة مسؤولة في بناء الثقة بين الشعوب والحضارات من أجل تعايش سليم.
د. سامان سوراني





 




271
لحظات مع الفيلسوف والمصلح الإجتماعي جميل صدقي الزهاوي

في عام 1999 التقيت في المدينة الجامعية هايدلبيرغ الألمانية بالبروفسور "ويبکه فالتر" أستاذة الأدب العربي بجامعة توبينغن. فبعد تقديمها محاضرة قيّمة حول "حقوق المرأة في الشرق الأوسط والدفاع عنها" دخلت معها في محاورة طويلة حول الشاعر الکوردي جميل صدقي الزهاوي (1863-1936)، الذي کتب عام 1910 مقالاً رائعاً تحت عنوان "المرأة والدفاع عنها"، ذاکرا فيه حقوقها المهضومة من جهات عديدة، ناقدا الرجل لعدم إحترامه للمرأة، داعيا تعميم المساواة بينهما للوصول الی العدالة الاجتماعية. ففي سياق كلامها حول هذا المصلح الكبير قالت، بأن الحکومات العراقية في العهدين الجمهوري والملکي لم تقدرا مقام هذه الشخصية الكوردية وحتی حكومة البعث العربي، التي کانت تدعي الاشتراکية،  أهملت أشعار و كتابات الزهاوي. لماذا؟ قلت لها: کان للزهاوي شهرة و سمعة عندما كان حي يرزق، فقد کان هو رسولا من رسل الفکرة الإنسانية والشاعر الكبير، وشاعر الفلاسفة أو فيلسوف الشعراء وقد تناقلت کبريات الصحف شعره، وکان الشاعر الذي عرفت شعره البلاد العربية عامة، وردد شعره تلاميذ المدارس، وأنا عندما کنت في الإبتدائية، کان عليّ الحضور في صباح کل يوم خميس في إصطفاف المدرسة لإنشاد قوله في تحية العلم:

عش هكذا في علوٍ أيها العلم      فإننا بك بعد الله نعتصم

لکن هناك أسباب کثيرة لماذا نسي أو تنوسي، فقد اُريد لمجده بالأمس أن يزول بنيانه من القواعد، کأن لم يکن له في الماضي تلك الشهرة الطائرة. ومن جملة هذه الأسباب، أن شاعرنا المولود من أبوين کورديين کان الی الإصلاح والتجديد أميل وإن عاش کل حياته شاعراً رقيق الحس مرهف الشعور يقظ النفس حيّ الضمير، متخذا من الشعر وسيلة لبسط آرائه الإجتماعية، وقد کان ثائرا متمردا يقف کالصنديد ضد کل عقيدة سوداء رجعية، يحارب بأفکاره الجريئة وأشعاره التحررية ظلم كل مستبد أو طاغ وهو القائل:

سيروا الی غاياتكم في جرأة      كالسيل هدّاراً وكالأعصار
ثوروا علی العادات ثورة حانق      وتمرّدوا حتی علی الأقدار
وتحرروا من قيد کل عقيدة      سوداء ما فيها هدی للساري

وهو الذي هجا السلطان الطاغي عبدالحميد الثاني (1842-1918) بشعر أزلي يمکن استخدامه اليوم ضد من بيده زمام الحکم في العراق، قائلا:
لقد عبثت بالشعب اطماع ظالم      يحمله من جوره مايحمل
فيا ويح قوم فوضوا أمر نفسهم      الی (المالکي) عن فعله ليس يسأل
الی ذي اختيار في الحکومة مطلق   إذا شاء لم يفعل وإن شاء يفعل
وذي سلطة لا ترتضي ڕأي غيره   إذا قال قولاً فهو لايتبدل
......
وأيديك ان طالت فلا تغترر بها      فإن يد الأيام منهن أطول
فقد كان شعره مرآة واضحة لنزعات عصره، فکان هو ضد الجمود، رافعا علم الثورة الهادئة في العراق، جاهداً التزمت الديني ومنادياً بالتجديد، داعياً الی حرية الفکر والی الأخذ بکل جديد:
سئمت كل قديم          عرفته في حياتي
إن کان عندك شيءٌ      من الجديد فهاتِ
 
وهو القائل للملك فيصل:

لايرأس الناس في عصر نعيش به      إلا الذي لقلوب الناس يمتلك

هذا وقد كان فيلسوفنا مهتما بمبتكرات علم الطبيعيات الحديثة الغربية وعلوم االظواهرالطبيعية والفلكية. فقد کتب رسائل عديدة حول المادة وتعلیل الجاذبية بقانون الدفع العام وتولد الشمس و حرارتها و تفاوت الكثافة في السيارات و بقاء القوة و الراديوم. إن للزهاوي آراء في الفلسلفة انفرد بها عن فلاسفة العصر واستباطات تدل علی بعد غوره في الفکر فقد شبهه مجلة المقتطف بالفيلسوف الانكليزي سبنسر. أما محاضراته الفلسفية التي القاها علی طلبة دار الفنون في الاستانة، فهي منشورة في مجموعة دار الفنون-استانبول. بالاضافة الی ذلك الف كتاب الكائنات في الفلسفة وقد تم نشره‌ سنة 1896. الزهاوي بتشککه ويقينه قام بفتل الحاد عمر الخيام بشکوك أبي علاء المعري ليصنع منها سوطا لشيطانه و مطية لبيانه تاركا لنا ملحمة شعرية قيّمة تحت عنوان (ثورة في الجحيم)، فاتهم بسبب أفكاره بالالحاد والتزندق وقيل بأنه ينکر البعث بعد الموت ويجحد ما في القبر من نعيم و عذاب وينفي الروح. فنزعاته کانت من أجل أن تنزع الشعب العراقي نزعة حرة لتجاري الشعوب الحية في وثباتها والعصر الحديث في اندفاعاته الخطيرة وتطوره السريع، لکنها وللأسف أورثته نقمة الغيبيين وسخطهم المزري. کان يؤلمه أن يسعد الغرب بالعلم الحديث وأن يظل بلده- وهو مهد الحضارات- في ضلالات الجهل وعمايتها.
أما آن الأوان وبعد مرور 8 سنوات من سقوط الطاغية والحکم الفاشي في العراق لإحياء وتخليد هذه‌ الشخصية الفکرية والأدبية العظيمة في الذاکرة العراقية والأدوار التي جسدها في ساحة وتاريخ الأدب، بتسمية مدارس ومراکز ثقافية وساحات عامة بأسمه، و إدخال أشعاره و کتاباته ضمن برامج النصوص والآداب المدرسية؟ 
فالزهاوي ساعد علی انهاض شعبه بوثوب فکره وعلی احياء الأدب بوميض روحه وعلی انعاش الصحف الکبيرة أکثر من ربع قرن بعيون شعره.
وختاما نقول مع الكبير محمد مهدي الجواهري لجميل صدقي الزهاوي‌:

علی رغم انف الدهر ذكرك خالد         ترن بسمع الدهر منك القصائد

د. سامان سوراني





272
سياسة الثقافة في إقليم كوردستان

من المعلوم بأن ذهن الفرد ليس ملك صاحبه وإنما هو ملك الثقافة التي صاغته، فالإنسان ككائن ثقافي بامتياز هو صانع الثقافة بقدر ما هو مصنوع بها. والعقل لا يزدهر إلا بمقدار ازدهار الثقافة التي ينشأ عليها فهي رحم العقل وهي قالب العواطف وموجه السلوك.
وقبل الحديث عن سياسة الثقافة لابد من ذکر بديهية: أن لشعب كوردستان الحق في أن تكون له السيادة على نفسه و بناء دولته المبنية علی المساواة بسيادة نظام الحكم الديمقراطي الضامن لحقوق الإنسان واستقلاليته في الشؤون العالمية. ومن المعلوم بأن أنظمة الحكم الديمقراطي، التي تحتفظ في وعيها بأنها منبثقة من الشعب، الذي هو دائما مصدر مشروعيتها، تعمل دائما على احترام شعبها وعلى عدم حرمانه من حقوقه التي هو أهل لها.
الديمقراطية لا تعني الفوضى والاستهتار بأمن المجتمع وبدور الدولة ومؤسساتها وبحكم القانون، بل هي تعني توفير المساواة والحقوق والحريات وحفظ الاستقرار والنظام وسيادة القانون و تعزيز استخدام التكنلوجيا وإجراءات التنمية. ففي حالة تمكين الدولة الديمقراطية ودعم مؤسساتها العمومية تستطيع الدولة الديمقراطية تحصين المجتمع من مظاهر التفكك والتنافر والصراعات التي قد ترافق انبعاث الحريات والتعددية والخصوصيات و تکون مؤسساتها قادرة علی إدارة الخلافات سلمياً لحفز روح التفاهم والتوافق والتعاضد بين مختلف الأطراف. لأن ما بني على افتراض صحيح سيؤدي الی نتيجة صحيحة. يجب على الحكومة القائمة أن تضمن بشكل فعّال المحافظة على النّظام الديمقراطي يدعمها في ذلك المجتمع المدنيّ والفاعلون السّياسيون الآخرون وقوات الأمن في الآن نفسه.
سابقاً وفي ظل الأنظمة القمعية، التي کانت تحکم العراق وبالأخص في مرحلة التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، لم تكن الثقافة قادرة على أن تنتعش في مناخه الموبوء. حيث کانت السياسةُ دائماً في مُواجهة السياسي، وعملت على امتصاص مبادرة المثقف، وتَرْوِيضِها وفق برامج وأولويات النظام الإستبدادي و أجَنْدَتَها، وکان المثقف منخرطا بالسياسة و يعيش في غيبوبتها وکان الاهتمام بالشأن الثقافيِّ أضعف حلقة، حيث تم توظيف الثقافي لخدمة السياسة وكمحصلة لذلك كان المثقف ضعيف في أدائه الثقافي، لا يُفَكِّر بآلياتِه، وينظر الی المسؤولية دون أفق أو برنامج، بالرغم من أنَّ لكل مثقف مُنْشَغِل بالشأن الثقافي تصوُّرات أو مُقترَحات حول الشأن العام.
أما اليوم وبعد القيام بترسيخ جذور الديمقراطية في كوردستان صارت الأمور تعود بخطوات ولو بطيئة إلى مجراها الطبيعي وأصبح المثقف يَسْتَعِيد لِسِانُه الذي كان سُرِقَ منه، وأصبح أکثر إنتقادا لرجال السياسة في بلده و تجاه ما يعتبره فيهم تعطشا للسلطة وتجاه عدم کفاءتهم وذلك بإستخدامه‌ منهجية الشك العقلي من اجل بلوغ اليقين التجريبي. وهكذا ظهر فئة من المثقفين يَتَكَلَّمون بنفسهم و بإسمهم دون وساطة أحدٍ و لا یتحدثون بلغة إيديولوجية نضالية هي لغة الدعاة من لاهوتيين و کهنة و مثقفين، الذين يشتغلون بحراسة الأصول والعقائد أو الدفاع عن الهويات والثوابت. لکن علينا أن لا ننسی دور السياسة و هيمنتها في تاريخنا الحاضر، إذ ان الثقافة تأتي وللأسف لحد الآن بعد السياسة و تبقى خطاباً في طَيَّات غَيره، لا يد لَهُ ولا وجه. هذا ما يجعل من الثقافة أن تتلاشى في مقابل السياسة.
إذن علی الثقافة بعلاقتها النقدية بذاتها ممارسة حيويتها و تفوقها عبر قدرتها الخارقة علی نزع جلدها وتغيير ذاتها بإستمرار، فبها تتمکن من توليد الجديد والمبتكر والأصيل والخصب من الصيغ والنماذج والقوانين والتشريعات. ففي ضَوْءِ ما تجري من انقلابات في الأفكار، وفي المفاهيـم المُوَجِّهَة لها، عليه أن يكـون المثقف شَريكاً فـي إنتـاج المفاهيـم و التَّصَوُّرات و لتدبير، و في تسيير الشأن العام.
الثقافة هي نمط وجود تتجذر في اللاوعي و تستقر في قعر الذاکرة و تغدو هوية يأتلف المرء معها و يعتاد عليها و يشعر بالنقص والفراغ والوحشة والخواء إذا ما إفتقدها. والثقافة تتجلی في النصوص والخطابات أو في المؤسسات والمشروعات أو في التصرفات والممارسات والمثقف في عصر الوسائط وسيط بين الناس يسهم في خلق وسط فكري أو عالم مفهومي أو مناخ تواصلي، وليس من مهامه أن يقوم باللعن والترجيم أو التسبيح والتعظيم، بل إعادة التفکير في نظام الفكر وقيمه و نتاجاته، بغية تركيب ثقافة المجتمع الکوردستاني من جديد، فبعد ظاهرة العولمة لن تعود الأشياء کما کانت عليه. يقول إدوارد إيريو (رجل دولة فرنسي بارز ، 1872 – 1957) أن "الثقافة هي الشيء الذي يبقى في الإنسان عندما ينسى كل ما هو سواه."
وختاما: علينا قراءة الحدث للمساهمة في عملية الخلق من أجل توسيع آفاق الوجود و إثراء إمكانات الحياة. 
د. سامان سوراني


273
هل ينتصر الإرهاب علی الحضارة والعلم؟

الإنسان، هذا الكائن الزمني الذي يجر وراءه تواريخه وأطواره يعيش اليوم في قرية كونية وزمن عابر للحدود بين القارات والمجتمعات واللغات عبر وسائل الإعلام المتعددة و شبكات الاتصال الفوري. فمع نمو المعرفة والتقنية والسلطة تنمو وللأسف الحوادث العنيفة وتزداد مفاجئاتها، لا الثقافات تبقی منعزلة ولا العقائد محصنة ضد تدفق المعلومات و سيل الصور وحتی الأماكن لا تبقی آمنة من عنف الإرهاب ومآلاته البربرية. صحيح أن التنازع والتعاون متلازمتان في الإنسان لاينفك أحدهما عن الآخر وهما دعامتا الاجتماع البشري وأن الحياة البشرية، کما وصفه الكاتب البريطاني صموئيل بتلر (1835– 1902) عبارة عن خيط وسكين، فالخيط يربط الناس بعضهم ببعض والسكين تقطع الرباط بينهم. هذه هي الحياة البشرية،  فالشيء لايعرف إلا بنقيضه وأنه لايوجد إلا إذا وجد نقيضه معه.
الإرهاب متراس عقائدي أو إيديولوجي لشن الحرب علی الغير، فهو ظلام يندفع للف العالم بعتمته. فلو أخذنا نظام البعث المقبور بمشروعيته الثورية وبطانته الفاسدة كمثال للإرهاب والترهيب نری بأن هذا النظام قام طوال حکمه بتحقير الدولة العصرية وبإغتيال الوطنية عند المواطن وبانتهاك حقوقه. المواطنين الذي لم يحوله الاستبداد البعثي إلى رعايا فحسب، بل إلى كائنات توتاليتارية مسلوبة الإرادة. النظام المقبور قام بنشر الوثنية في الفکر العراقي والإستبداد في السياسة العراقية، فقد صنع التماثيل للدكتاتور الطاغي و تم الصاق صوره‌ الكبيرة علی الجدران الخارجية والحيطان الداخلية للمؤسسات الحکومية والمدنية والصغيرة منها علی صدور مريديه وجلاوزته‌ بهدف التأليه والتقديس والعبادة. إن إستراتيجية الرفض والإقصاء وإرادة التأله والتفرد هي التي تثمر البربرية والهمجية الحديثة والمعاصرة، حيث يتم القتل وتمزيق الأجساد وتدمير الممتلكات بأعصاب باردة وضمير جامد و بعقلية أخروي أو عسكري إرهابي  بصفة المناضل والمجاهد والمدافع عن الهوية والثوابت.
الإرهاب هو وليد الخطب الرنانة "للقائد التاريخي والبطل الملهم" والفتاوى النارية لبعض "الأئمة والمشايخ والمرشدين" لانبعاث القوى الظلامية من جوف التاريخ وتعبئة المد البشري لترهيب المجتمعات بتفجير الأجساد ليطغی المد السلفي الارتدادي علی البعد التنويري والمستقبلي وعقلية الاستبعاد والإقصاء علی لغة الاعتراف والشراكة والتبادل. إذ لا يمكن الحصول علی حرية أو استقلالية أو قيمة للفرد في مجتمع يستمد مشروعيته من النصوص المقدسة والکتب الخضراء والتقارير اللاسياسية السوداء، لأن الشعارات الزائفة والفتاوى النارية والنظام المستبد والحروب المدمرة والتضحيات الرخيصة والانتصارات المزورة تبقی أولی من الناس والمجتمع والحياة. الأفكار الأصولية والسلفية بتصديرها مارکة الحجاب والدم والتضحية عملت وتعمل ليل نهار ضد صناعة التنمية والمدنية والحضارة، بقمعها الحريات الفردية و إرجاع أسباب المصائب والکوارث والجهل والفقر في مجتمعاتها إلی الغزو الثقافي الغربي أو إلی العولمة والأمرکة. فبدل السعي والعمل بمفردات نسبية علی نظريات ثورة الاتصالات والمعلومات قام أصحاب الفکر السلفي الأصولي والقومي الشوفيني بتهافته في مواجهة کتاب "نهاية التاريخ" لفکوياما بتأليف مجلدات مبنية علی لغة الغلو والتهويم اللاهوتي والتشبيح النضالي والعقائدي لتحقيق إستراتيجيتهم التدميرية. والدليل علی ما نقوله الوضع الأمني الراهن في کل من العراق وأفغانستان، حیث الجهاد الديني ترجم حروبا أهلية في الداخل دفاعا عن هوية مأزومة أو عاجزة. إنهم بقصورهم فسروا مغزى عبارة "النهاية" والتي تعني مرحلة العبور والانتقال من عالم إلی آخر أو من مرحلة إلی مرحلة بنهاية تاريخهم  بالرغم من أنهم يرفعون منذ قرون راية الثورة الکبری والتحول التاريخي والحل الأخير.
هل ان المجتمعات البشرية تبقی عاجزة عن مواجهة الکوارث و التدميرات التي تواجهها والتي تتحول الی آفات قاتلة تهدد المصائر والمصالح؟
مجتمعاتنا تحتاج الی الإنفتاح علی العلوم العصرية لإطلاق وتشغيل قواها الحية والخلاقة التي باتت مکبوحة من قبل العقائد المغلقة والنخب الفاشلة والإرادات الفاسدة والعقليات الکسولة والنماذج الإرهابية القاتلة لصنع الإبتکار والتغيير والمشارکة في بناء المجتمع والحضارة. النهوض والإصلاح والتحديث یتم بواسطة الفرد المستقل فکريا بوصفه منتجا وفاعلا ومشارکا ومسؤولا في التشخيص والمعالجة ببلوغ رشده الفکري ولو علی مستوی الحقل والقطاع الذي يعمل فيه. مانحتاج اليه هو مجتمع ديناميکي يشتغل بمفردات الإعتراف والتعدد والتوسط و بلغة الخلق والتحول وبعقلية الترکيب والتجاوز کورشة دائمة من التفکير الخصب والعمل المثمر في مختلف المجالات. فبالإعتراف المتبادل علی المستوی الوجودي بين الأنا والآخر نتجاوز مفهوم التسامح الخادع الذي يلغم الوحدات والهويات و نتحرر من المفهوم الطوباوي والفردوسي للحرية. فالحرية مسار أداته ابداع لايتوقف.
والعولمة ظاهرة کونية وصيرورة تاريخية وعلی المجتمع المبدع أن ينطلق من حقيقة واقعية وعلميَّة وهي عدم وجود امتيازات عقليَّة لمجتمع من دون أخر. ففي كل طور حضاري نری أن الظروف تُهيَّأ لمجتمع دون سواه. فعليه بذل الجهود في سبيل الحوار الحضاري والتَّفاعل من أجل الارتقاء بالواقع المتخلِّف والنُّهوض به. لو أخذنا اليابان كمثال للنهوض نری أن الإقرار بالواقع المتخلِّف والاعتراف للآخر بتفوِّقه، وعدمُ اليأسٍ أو الاستسلام وعدم التسليمٍ بكماليَّة مطلقة للمتفوق، والقبول بالتَّعلم من المتفوِّق والأخذ عنه أعمدة لايمکن التخلي عنها من أجل رصد العلوم وبناء الحضارة وليس المستقبل سوى ممكنات الواقع.
وختاما: المجتمع الذي يربي الفرد کي يزجه في قطيع متكاتف کالبنيان المرصوص، يتحول هو الی قطيع بشري يتخذ آلة لصنع حکومات عسكرية وإستبدادية أو لنشوء أنظمة شمولية وعنصرية.
د. سامان سوراني


274
سياسة الثقافة في إقليم كوردستان

من المعلوم بأن ذهن الفرد ليس ملك صاحبه وإنما هو ملك الثقافة التي صاغته، فالإنسان ككائن ثقافي بامتياز هو صانع الثقافة بقدر ما هو مصنوع بها. والعقل لا يزدهر إلا بمقدار ازدهار الثقافة التي ينشأ عليها فهي رحم العقل وهي قالب العواطف وموجه السلوك.
وقبل الحديث عن سياسة الثقافة لابد من ذکر بديهية: أن لشعب كوردستان الحق في أن تكون له السيادة على نفسه و بناء دولته المبنية علی المساواة بسيادة نظام الحكم الديمقراطي الضامن لحقوق الإنسان واستقلاليته في الشؤون العالمية. ومن المعلوم بأن أنظمة الحكم الديمقراطي، التي تحتفظ في وعيها بأنها منبثقة من الشعب، الذي هو دائما مصدر مشروعيتها، تعمل دائما على احترام شعبها وعلى عدم حرمانه من حقوقه التي هو أهل لها.
الديمقراطية لا تعني الفوضى والاستهتار بأمن المجتمع وبدور الدولة ومؤسساتها وبحكم القانون، بل هي تعني توفير المساواة والحقوق والحريات وحفظ الاستقرار والنظام وسيادة القانون و تعزيز استخدام التكنلوجيا وإجراءات التنمية. ففي حالة تمكين الدولة الديمقراطية ودعم مؤسساتها العمومية تستطيع الدولة الديمقراطية تحصين المجتمع من مظاهر التفكك والتنافر والصراعات التي قد ترافق انبعاث الحريات والتعددية والخصوصيات و تکون مؤسساتها قادرة علی إدارة الخلافات سلمياً لحفز روح التفاهم والتوافق والتعاضد بين مختلف الأطراف. لأن ما بني على افتراض صحيح سيؤدي الی نتيجة صحيحة. يجب على الحكومة القائمة أن تضمن بشكل فعّال المحافظة على النّظام الديمقراطي يدعمها في ذلك المجتمع المدنيّ والفاعلون السّياسيون الآخرون وقوات الأمن في الآن نفسه.
سابقاً وفي ظل الأنظمة القمعية، التي کانت تحکم العراق وبالأخص في مرحلة التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، لم تكن الثقافة قادرة على أن تنتعش في مناخه الموبوء. حيث کانت السياسةُ دائماً في مُواجهة السياسي، وعملت على امتصاص مبادرة المثقف، وتَرْوِيضِها وفق برامج وأولويات النظام الإستبدادي و أجَنْدَتَها، وکان المثقف منخرطا بالسياسة و يعيش في غيبوبتها وکان الاهتمام بالشأن الثقافيِّ أضعف حلقة، حيث تم توظيف الثقافي لخدمة السياسة وكمحصلة لذلك كان المثقف ضعيف في أدائه الثقافي، لا يُفَكِّر بآلياتِه، وينظر الی المسؤولية دون أفق أو برنامج، بالرغم من أنَّ لكل مثقف مُنْشَغِل بالشأن الثقافي تصوُّرات أو مُقترَحات حول الشأن العام.
أما اليوم وبعد القيام بترسيخ جذور الديمقراطية في كوردستان صارت الأمور تعود بخطوات ولو بطيئة إلى مجراها الطبيعي وأصبح المثقف يَسْتَعِيد لِسِانُه الذي كان سُرِقَ منه، وأصبح أکثر إنتقادا لرجال السياسة في بلده و تجاه ما يعتبره فيهم تعطشا للسلطة وتجاه عدم کفاءتهم وذلك بإستخدامه‌ منهجية الشك العقلي من اجل بلوغ اليقين التجريبي. وهكذا ظهر فئة من المثقفين يَتَكَلَّمون بنفسهم و بإسمهم دون وساطة أحدٍ و لا یتحدثون بلغة إيديولوجية نضالية هي لغة الدعاة من لاهوتيين و کهنة و مثقفين، الذين يشتغلون بحراسة الأصول والعقائد أو الدفاع عن الهويات والثوابت. لکن علينا أن لا ننسی دور السياسة و هيمنتها في تاريخنا الحاضر، إذ ان الثقافة تأتي وللأسف لحد الآن بعد السياسة و تبقى خطاباً في طَيَّات غَيره، لا يد لَهُ ولا وجه. هذا ما يجعل من الثقافة أن تتلاشى في مقابل السياسة.
إذن علی الثقافة بعلاقتها النقدية بذاتها ممارسة حيويتها و تفوقها عبر قدرتها الخارقة علی نزع جلدها وتغيير ذاتها بإستمرار، فبها تتمکن من توليد الجديد والمبتكر والأصيل والخصب من الصيغ والنماذج والقوانين والتشريعات. ففي ضَوْءِ ما تجري من انقلابات في الأفكار، وفي المفاهيـم المُوَجِّهَة لها، عليه أن يكـون المثقف شَريكاً فـي إنتـاج المفاهيـم و التَّصَوُّرات و لتدبير، و في تسيير الشأن العام.
الثقافة هي نمط وجود تتجذر في اللاوعي و تستقر في قعر الذاکرة و تغدو هوية يأتلف المرء معها و يعتاد عليها و يشعر بالنقص والفراغ والوحشة والخواء إذا ما إفتقدها. والثقافة تتجلی في النصوص والخطابات أو في المؤسسات والمشروعات أو في التصرفات والممارسات والمثقف في عصر الوسائط وسيط بين الناس يسهم في خلق وسط فكري أو عالم مفهومي أو مناخ تواصلي، وليس من مهامه أن يقوم باللعن والترجيم أو التسبيح والتعظيم، بل إعادة التفکير في نظام الفكر وقيمه و نتاجاته، بغية تركيب ثقافة المجتمع الکوردستاني من جديد، فبعد ظاهرة العولمة لن تعود الأشياء کما کانت عليه. يقول إدوارد إيريو (رجل دولة فرنسي بارز ، 1872 – 1957) أن "الثقافة هي الشيء الذي يبقى في الإنسان عندما ينسى كل ما هو سواه."
وختاما: علينا قراءة الحدث للمساهمة في عملية الخلق من أجل توسيع آفاق الوجود و إثراء إمكانات الحياة. 
د. سامان سوراني


275
دور الفلسفة في بناء المجتمع الكوردستاني!

من المعلوم بأن لكل مجتمع فلسفته والمجتمع الکوردستاني المعاصر بفلسفته السياسية المستقلة التي ينتهجه في طریقه لبناء مؤسسة تؤمن بخلق فضاء دیمقراطي عام وثقافة ليبرالية جماعية، تولّدُ استقلالية الإرادة وتُعَزَّز حرية، تنهل من معارف الديمقراطية الجذرية من أجل بناء مجتمع مدني حر تتوحد فيه الحرية والتعددية وخلق یقظة فكرية و ثقافية مستقبلية تحتكم الی العقل والتجربة و تواكب بمشروعها الحضاري الركب الساعي لتلبية مصالح المجتمع الكوردستاني و حاجاته، غير مهتم بإدعاءات تيارات الجمود التقليدي، التي تنحاز للسلطة الدينية والتي تتهمه بأنه یلوذ فقط بحمی الحضارة الوافدة تاركا الحضارة التقليدية التالدة مهمشة، تلك الحضارة التي تريد التقدم الی الخلف و تنظر الی النزعة الجديدة بمنظار إختزالي تبخيسي.
في ‌هذا الزمن الآني، زمن البث والعمل بسرعة الضوء والفكر، زمن يهمل و لا يمهل لا يريد المجتمع الكوردستاني أن يحرم ترسانة نضاله المعاصر من الأسلحة الفكرية التي استعانت بها الإنسانية كلها في صنع الحضارات و عصور التنوير عبر التاريخ وعلی امتداد رقعة الكوكب الذي نعیش علیه. فالحضارات تنمو عادة بالإستعارات و النقل الناتجة عن الإحتكاك فیما بينها. فالفلسفة کفَن إجادة التعبير و إصابة التفکير هي اليوم رغم التعصبات والعواطف واحدة وعالمية، تخدم الإنسان لا إنساناً ولاتؤمن بالتقسيم الشاقولي للأمم والحضارات. فالتفكير الفلسلفي حق إنساني لاشأن له بخطوط الطول والعرض، ولا علاقة له بمسائل الجنس والدين واللون. 
لقد أصبحنا اليوم شاهد علی مجتمع الإعلام والمشهد، حيث لايمکن مجابهة الإنفجار الإعلامي بالتحجر الإيديولوجي. والفلسفة رافد من الروافد الأساسية التي تغذي المجری الأصلي لنهر الحضارة، لذا نراه لزاماً علینا المشاركة في النهوض بمهمة بث الروح الفلسفية في المناخ الفكري الکوردستاني ووضع نماذج فلسفية سليمة للأجيال و إدخالها في مناهج التعليم الثانوي. في مجتمعات الشرق الأوسط وللأسف الشديد تستخدم مصطلح الفلسفة من جانب السواد الأعظم من الناس للإشارة الی لغو الحديث وهذره، بإعتبارها کلمة مشبوهة ممجوجة. الإیمان الفلسفي هو إيمان بالعقل وثقة في قدرته علی المعرفة وإعتراف ضمني بإمكان الوصول الی الحقيقة. وإعادة الثقة الضمنية الی أهل هذا العصر الحاضر بجدية البحث عن الحقيقة أمر لابد منه. ومن خلال إسترجاع الايمان الفلسفي الحقيقي بمنهاج توعوي یتمکن المجتمع الكوردستاني تحقيق وحدة عقلية شاملة، بعيدة عن النزعات العاطفية المتطرفة وإتجاهات وجدانية هوجاء. والنزعة العقلانية ليست هبة فطرية قد إختص بها شعب دون آخر، بل هي عادة مكتسبة يمكن أن تصبح لدی أي شعب من الشعوب، تحت تأثير التربية والممارسة و التفكير الفلسفي هو أحد العوامل الأساسية التي تساعد الأفراد علی إکتساب هذه العادة العقلية، لأنه تدريب ذهني يُنمي لدی الفرد وظیفة الحكم و يعينه علی الإستجابة للمواقف بروح موضوعية. والثقافة المبنية علی الأفكار الجاهزة والإطارات العقلية الجامدة خطر جسيم علی المجتمع الكوردستاني، فهي تجرنا الی التسليم دون التساؤل عما تنطوي علیه من معان و ماتستند اليه من فروض، وأحوج مانكون اليه اليوم هو التفكير المنهجي والإلتزام في البحوث والدراسات الی قواعد المنهج الرياضي التقني والنقد اللامشروط. فبنشر الثقافة الفلسفية و تزويد الناس بروح الدقة والتحديد والصرامة والتحرر من أسر ضغوط الماضي يمكن الوصول الی توعية عقلية صحيحة لمواصلة الحوار الفكري المثمر وجمع المعلومات الدقيقة عن المذاهب الإجتماعية و الأنظمة السياسية. إن الأنظمة التربوية تسير بمقتضى الأفكار الفلسفية التي يؤمن بها المجتمع حول ما يجب أن يتعلمه الأطفال، ولأي غرض يتعلمون. وتؤكد الأنظمة الديمقراطية على ضرورة تعليم الإنسان كيف يفكر، وكيف يختار بنفسه ما ينفعه. ولا يتسنى تعليم فلسفي صحيح إلا إذا كان قائماً على مبدأ التفاؤل بالإنسان وعلى إحترام حريته والوثوق في قدراته وطاقاته الكامنة، وهذا الأمل لا يتحقق إلا في صلب نظام تربوي مقام على أساس من الديمقراطية والحرية والمسؤولية. والحرية الفكرية لايمکن أن تقوم في فراغ، بل لابد من أن تستند الی توعية عقلية صحيحة يستطيع معها المواطن الحر أن يكون علی دراية واعية بالأطراف التي يحقق اختياره فيما بينها. فلکي نساهم بمؤسساتنا السياسية والمجتمعية في تكوين المشهد الكوني عبر خلق واقع جديد علینا التوجه الی الحاضر و الراهن أو المستقبل وعدم الإنشداد الی الوراء. فالزمن التراجعي لا ینتج فكراً و لايصنع حقيقةً ولا مستقبلاً.
فما السياسة والعدالة والاخلاق وسواها ان لم تحدد مفاهيمها بروح فلسفية واضحة وان لم توصف وصفاً فلسفياً صحيحاً وما الداعي الی العيش دون أن يكون للإنسان وعي حقيقي بالحياة التي یعيشه؟ الفلسفة أداة أخلاقية ناجعة تثير إحساسنا بالقيم وتنمي قدراتنا علی الإعجاب، للأسف يتوهم الکثير من أفراد هذا المجتمع وراء سراب المنفعة، مستخدماً منظومة قيمية غير صحيحة، بها تقوم بقارنة الحياة بالإشباع المادي فقط  أو السعادة بالرفاهية، لا یرون من القيم سوی جانبها النفعي. وسيبقی النشاط الفلسفي دوماً ذو طابع نقدي إشكالي. حيث لا يتبلور الشأن العام ولا يسمو الا بالاحتكام الى الفلسفة التي تحتكم بدورها الى العقل وعلی الفلسفة أن تسلط الضوء علی الکثير من القيم التي یتجاهلها الناس، کالمعرفة والثقافة والتذوق والفن...الخ، لكي لا يتحول المجتمع من قطاع منتج الی قطيع مجتمعي. فالمجتمع الكوردستاني إذا امتلك حريته أو استقلاليته تجاه القوی التي يمکن أن تقهره أو تتفوق عليه، يظل قادراً دوماً علی تخيل أهدافه وإبداع ذاته بإتناج القيم والمفاهيم والقوی والمؤسسات والآليات التي تتيح له‌، بجانب طموحاته الأخری علی المستوی الأقليمي، ممارسة حيويته السياسية، بقدر ما تتيح له توسيع مساحة الحريات والحقوق المدنية للکوردستانيين.
وختاماً: لتكن لنا الجرأة على أن نعود إلى ذواتنا و لو عودة إنصات على الأقل، لأن "ما من تغيير إلا تغيير في الأفكار والذي لا قُدرة عنده علی إبتكار أفكار لايسعه التغيير."
د. سامان سوراني

276
العراق الفیدرالي، إجتياح الوعي التقليدي و حرية التفکير!

من المعلوم بأنه لا یمکن تخیُل حکومة من دون سیاسة، فالسیاسة هي القدرة علی إبتکار للأدوار والمهام أو للخلط والاسالیب التي تسهم في ایجاد حلول للمشکلات والازمات التي یسفر عنها النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي، وإن احترام القوانین النافذة ومراعاة قیم العدالة والمساواة والنزاهة لها أهمیتها ومردودها، ففي سبیل مجابهة التحدیات الناشئة عن التقدم الهائل في مجالات الانتاج ومنظومات التواصل في عصر الوسائط والمجتمع الاعلامي علینا القیام بالتجدید والابتکار في المفاهیم والقوانین بمنطق الفتح والاختراق والتحرر من الدُغمائیات الخانقة وعدم الغرق في التهویمات المستحیلة، لأن أوهام المستقبل لیست بأقل خطورة من أوهام الماضي.   
المحاصصة هي جزء من السیاسة حتی علی الصعید العالمي، لکن الأمر المهم هو مراعاة مبدأ الإختصاص والکفاءة و التمرس علی مداولة السلطة علی نحو عقلاني مبني علی أسس المراقبة والمحاسبة، کما هو الحال في النظم الدیمقراطیة الغربیة.
ما النفع من إشهار الحب للعدالة والنزاهة، لو ترکنا نقد الثقافة السائدة بقِیَمِها ومعاییرها، بشیفراتها و سُننها جانباً. لقد ولّدَتْ ثقافات المجتمع العراقي السیاسیة منها و الدینیة الی یومنا هذا الحروب والتمزق والارهاب و أنتجت الإستبداد و التسلط والعجز و التخبط بأدیدیولوجیاتها القومویة والشوفینیة وعقائدها الخلاصیة والاسطوریة و نماذجها الشخصانیة، بممارساتها العشائریة المتخلفة ومنازعها الفاشیة و نرجسیتها النخبویة کما کان یمارسها کتابها وفنانیها المتقمصین دور المهرجین الکَسَلة و مثقفیها الطبّالین إبان الحرب العراقیة الایرانیة و الحروب الکویتیة و الامریکیة و في فترة مقاومتها للمحتل.
المجتمع العراقي هو ثمرة الثقافة التي نتجتها، فبها وللأسف صنع نفسه. إنه مجتمع لم ینضج بعد من حیث بنیته و ثقافته، لکي یصبح مؤهلا لممارسة الدیموقراطیة، فإنه مازال ینتظر أنبیاء و زعماء ملهمین لکي یتولو أمر قیادته. آن لنا أن ‌نکسر الدائرة الخانقة للزیف الوجودي الذي صنعه حراس الفکر القوموي والاصولي بالحفر في العقل السیاسي والنهج الاداري لهذا المجتمع و نفحص أنماط التفکیر وأسالیب التدبیر ومنظومات التواصل وأشکال الروابط کي نصل الی مکمن العجز والفساد والبطالة والفضائح و لتعریته في سبیل إحداث تغییر في أنساق ثقافتها وبناها. بعد سقوط الطاغیة ونظامها البربري، والتي قوضت بمظاهرها الوحشیة الصرح الحضاري الذي بناه الإنسان في المنطقة، بلغ النظام السیاسي الجدید في العراق درجة الاشباع في الهدر والفساد و الفضائح. نحن لانرید أن یکون التغییر مجرد ترداد للکلام علی أخطاء الغیر. لأنه مالنفع من العیش في مجتمع لایملك ثقافة حوسبة الانتاج و عقلنة الادارة و عولمة الثقافة و کوننة الهویة في عصر ترفع فیه الثورة التقنیة والرقمیة رایتها علی سفوح عقول البشریة، عصر الذکاء الاصطناعي والسبرنطقیا و استنبات العناصر الغریبة والاستنساخ و التلاعب بالجینات و دمج الحاسوب العصبي وعلم الروبوتات وتقنیة الأجرام الصغری. فلنعمل من أجل تفکیك آلیات عجزنا و نقوم باجتیاح الوعي التقلیدي، لأن الإنتظار علی حصول المعجزة أو ظهور المهدي لاینفع المجتمع ولا أصحاب المنطق التحویلي التولیدي والتواصلي. کفانا الإشتغال کالشرطي لحراسة الأفکار الجامدة لمن سبقونا في الدین والدنیا، لأنها تؤول بنا الی الجمود والتقوقع والعجز والقصور والاستقالة من التفکیر الحر والنقدي. التفکیر الحر في کل أمر أو شأن، مهما علا وعَظِم هو الشرط الوجودي للإنتاج الفکري. فلکي نکون خلاقا في مجال عملنا وفي دائرة اختصاصنا ومنتجا في مهنتنا و فاعلا أو مـؤثرا في بیئتنا، علینا أن نلغي قاعدة الارتداد و نطلق حریة الاعتقاد، لا لکي یؤمن من شاء أن یؤمن أو یکفر من شاء أن یکفر، بل لممارسة الحریة في التفکیر. هکذا یمکن بناء مجتمع دیمقراطي و دولة اتحادیة فیدرالیة.
الثورات الشعبیة المتواصلة من أجل التحرر في بعض البلدان العربیة بدأت بسبب السیاسات الهوجاء للآلهة والأصنام السادیة التي کانت تقمع شعوبها لکي تُقَدّس. وما یُثلج قلوبنا هو مشاهدة الانقلاب الوجودي وانقلاب نماذج الرؤیة والمعاملة وفتح آفاق وأبواب وخطوط تفضي الی تغییر المقاصد و التوجهات أو الی تجدید المشاریع و الاستراتیجیات لممارسة الوجود والحضور علی المسرح الکوني بشکل آخر. نتمنی لهذه المشاریع التحرریة أن لا تُوَلِّد القهر والاستبداد ولا تقفز أصحابها فوق الحقائق ولا تکون شاغلها الوحید الهجوم والرد بل الفهم والتشخیص وإغناء المعرفة وتوسیع عالم المفهومات. ولیعلم الذي لایعلم بأن أکثر الناس فشلاً في تجسید المبادیء هم دعاتها و حماتها.   
وختاما: مالنفع من التقدم أشواطاً في مجالات، للتراجع عصوراً الی الوراء في مجالات اخری. 
د. سامان سوراني

 

277
رئيس الجمهوریة وعقوبة الإعدام!

تبقى عقوبة الإعدام قضية جدلية، تمثل محورًا لمناظرات ساخنة في الفضاء العراقي، وخاصة بعد أن رفض رئیس جمهوریة العراق الفیدرالي، السید جلال الطالباني، التوقیع علی أحکام الأعدام الصادرة ضد مجرمین ومنهم مرتکبي "مجزرة عرس الدجيل" التي ارتكبت عام 2006 وتخویل نائبه بالقیام بأمر التوقیع علیها.
یبدو أن رئیس جمهوریة العراق الاتحادي متأثر بأفکار مارکیز كوندورسيه (1743 م - 1794 م)، خاتمة فلاسفة التنویر الفرنسیة، الذي كرس حياته لمبادئ حرية التعبير والذي دافع عن قضية إلغاء حكم الإعدام و إقترح إقامة محكمة دولية لفض المنازعات بين الدول، لتقوية الإرتباطات السلمية والإنسانية، وإفساد شهوة السيطرة والحروب بينها.
فلسفیاً یذکر بأنه عندما صدر الحكم على سقراط بالإعدام، في تلك الأثناء تسلل إليه ذات ليلة تلميذه الشاب كريتون وهمس في أذنه: "لقد أعددنا كل شيء للهرب فهيا بنا يا أستاذي إلى الحرية. فتطلع إليه سقراط طويلا ثم قال: كلا يا كريتون لن أهرب من الموت. إني لا أستطيع أن أتخلى عن المبادئ التي ناديت بها عمري كله. بل إنني يا كريتون أرى هذه المبادئ الغالية التي ناديت بها حتى اليوم جديرة بذلك الثمن. أجل يا كريتون ليست الحياة نفسها شيئاً، ولكن أن نحيا حياة الخير والحق والعدل فذلك هو كل شيء...." النهایة معروفة.
من المعلوم أن الإعدام هو سلب لحياة إنسان. وهو عملية قتل واعية، أي هو قتل عمد تقوم به جهة يفترض أنها مسؤولة عن أمن المجتمع كما يُشاع وتصعب إدانتها هي. وعقوبة الإعدام هي من أقدم العقوبات التي عرفتها البشرية. وقد نصت عليها العديد من القوانين، سواء القوانين الوضعية أو القوانين السماوية  (التشريع الديني). وتنفيذ حكم الإعدام هو قتل شخص بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام والمنع. وتعرف الجرائم التي تؤدي إلى هذه العقوبة بجرائم الإعدام أو جنايات الإعدام.
والاستهانة عبر عقوبة الإعدام بأهم وأكثر الحقوق أصالة، أي حق الحياة، له أبعاد خطيرة على مجمل الوضع الاجتماعي السياسي والثقافي للمجتمع. وتكاد عقوبة الإعدام تشكل ركناً مقدساً عند الكثير من الأوساط الفكرية والسياسية وخصوصاً التيارات اليمينية الفاشية القومية والدينية. إنها باستماتتها في الدفاع عن عقوبة الإعدام إنما تريد أن تستحوذ على جسد الإنسان وروحه ووجوده، تسعى لأن تملك حياته ومماته وتخدش كرامته. وهي بانتهاكها هذا الحق الأولي تحيل وبضربة واحدة كامل موجودية الفرد والمجتمع وحقوقه الأخرى السياسية والاجتماعية وضماناته، حق التنظيم، التظاهر، الإضراب، حق التعليم والضمان الصحي والسلامة والبيئة الآمنة إلى ميدان مفتوح للمصادرة والمنع والسلب. استخدمت عقوبة الإعدام کسيف مسلط على المجتمع لإرهاب الجماهير.
والمدافعون عن عقوبة الإعدام يسوقون جملة من الذرائع، منها أن عقوبة الاعدام رادع للجريمة، بها یمکن حماية المجتمع من العبث بأمنه. ومنهم من يقول أن القصاص وجزاء المثل بالمثل ضروري وعادل.
السؤال هو، هل ان عقوبة الاعدام تردع الجريمة؟ لاتوجد دلائل على هذه المقولة، بل ان الحقائق في الواقع العملي تثبت انه وحيثما كانت هناك عقوبة الاعدام وما يرافقها من استبداد واستغلال شديد عادةً، كانت الجريمة أكثر انتشاراً وأكثر نخراً لجسد المجتمع وتهديداً له. مثال المجتمع العراقي في ظل سلطة البعث الشوفیني المقبور لا يحتاج إلى إمعان مطول لاكتشاف هذه الحقيقة.
في القرون الوسطى وبداية أوروبا الحديثة، قبل ظهور نظام السجن الحديث، كانت عقوبة الموت معممة كشكل من أشكال العقاب. أما الآن فمجتمع أوروبا رفع هذه العقوبة من قاموسه الجزائي، حيث أن المادة الثانية من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي يحرم تطبيق هذه العقوبة. إضافة الی ذلك  لایتم تسليم المعتقلين الی الدول التي ستتسلمهم، والتي سوف تطبق عليهم حكم الإعدام. أما دول منطقة المحيط الهادي (أستراليا ونيوزيلندا وتيمور الشرقية) وكندا فقد أبطلت العمل بهذه العقوبة. ومن بين الهيئات غير الحكومية التي تعارض تطبيق عقوبة الإعدام منظمة العفو الدولية ومراقبة حقوق الإنسان والنقابات العمالية والمجالس المحلية ونقابات المحامين. وفي عام 2002 أسس تحالف عالمي لمناهضة تطبيق عقوبة الإعدام من قبل هذه المنظمات.
التقليل من حدوث جرائم القتل واستخدام العنف يتم بالاهتمام بالتربية وبالاهتمام بالجانب الاقتصادي و بإنشاء مؤسسات قادرة على نشر الوعي و ثقافة اللاعنف السليمة ومراعاة المساواة أمام القوانین والتمرس بسیاسة الاعتراف المتبادل و التخلي عن استراتیجیة الرفض والاقصاء للمختلف والخروج من عقلیة القوقعة والمؤامرة والتحرر من التصورات المطلقة والرؤی الاحادیة. ومانحتاجه هو المحاورة الهادئة والمناقشة العقلانیة من منطلق الشراکة والخصوصیة المفتوحة و دعم القوة الناعمة للمشارکة الفعالة في صناعة المصائر، وذلك بکسر منطق لاذکورة الاحادي والفحولة البائسة، لأن المرأة أثبتت جدارتها في تسییر الأمور وإدارة المصالح وصناعة الحیاة.
في الفصل العاشر من كتاب تعاليم بوذا Dhammapada نص یقول:  "الجميع يخشى العقاب؛ الجميع يخشى الموت، مثلك تمامًا. لذا، لا تقتل أو تتسبب في قتل أحد."
ختاماً یقول المهاتما غاندي: "بما أنني رمیت سیفي، فأن كأس الحب هو کل مأستطیع أن أهدیه لمن یعترض لي."
د. سامان سوراني


278
التعداد السكاني من أجل التعايش السلمي

بالأمس ذکر الدكتورعلي يوسف الشكري، وزیر التخطيط العراق الاتحادي، في الجلسة الاستثنائیة العلنية لمجلس الوزراء بعد المئة یوم من عمل حکومة المالکي، بأنه سوف یقوم في الایام القلیلة القادمة بزیارة إقلیم کوردستان وزیارة کل من محافظة کرکوك و نینوی للقیام مع الجهات المعنیة بالمناقشة والحوار حول مسائل متعلقة بالتعداد السكاني، کإضافة حقل القومية في استمارة الإحصاء وأخرى تتعلق بالحدود الإدارية لبعض المحافظات. على رغم ان هذا الأمر حسم وفق القانون الرقم 40 وصوت عليه مجلس النواب سابقاً لکنه‌ بقي مهملاً في الماضي، لأن وزیر التخطیط السابق علي "بابان" أقحم نفسه في اجندات سياسية وآراء سياسية ولم یقم وللأسف بالتعامل بمهنية واستقلالية مع القوانين والقرارات التي اصدرها مجلس النواب ومجلس الوزراء وحتى المحكمة الاتحادية. العراق في أشد الحاجة لاجراء التعداد السكاني وجمع البيانات الشاملة لاحوال الشعب والبلاد. ويحتاج العراق بسرعة إلى توفير إحصاءات يمكن الاعتماد عليها وخاصة عن الاقتصاد لجذب الاستثمار واستعادة البنية التحتية وتوسيع نطاق النمو.
الذي نعرفه، أن علم الوراثة أسست علی بیانات احصائیة صرفة، لذلك یمکن القول بأن للإحصاء دور کبیر في حیاتنا الیومیة من خلال العدید من المجالات وذلك علی مستویات عدة منها الشخصي أو المحلي أو الدولي و تسعی الدول الی التخطیط مما أدی الحاجة الی البیانات الإحصائیة. فتخطیط الرعایة الاجتماعیة والصحیة والسیاسیة والتعلیمیة الی جانب تخطیط الأمن الداخلي یعد من أهم أولویات المجتمعات الحدیثة التي تعتمد علی بیانات وارقام احصائیة بدرجة کبیرة تساعد المسؤولین علی دراسة الاحتیاجات والامکانات التي تسهل الحصول علی خطة سلیمة، بالاضافة الی أن المخططین في حاجة الی بیانات احصائیة تمکنهم من تقییم خططهم ومعرفة نجاحها من عدمه‌ في تحقیق الاهداف التي تسعی الیها بعد تنفیذها. والبیانات الاحصائیة هي من الادوات البحث العلمي المهـمة في کافة مجالات العلوم التطبیقیة والاجتماعیة.
أما مسألة حقل القومية في استمارة الإحصاء وموضوع الحدود الإدارية لبعض المحافظات والتي هي حسب رأینا الهدف الأساسي للزیارة التي یقوم بها الدكتورعلي يوسف الشكري فهي من المسائل المهمة والمبدئیة لحل المشکلات العالقة بالمناطق المستقطعة من کوردستان بشفافیة وأمر ضروري للتعایش السلمي.
نقول لمعالي الوزیر، نحن لا ننسی ماقام به نظام البعث المقبور في کرکوك مثلاً، حیث أمر بترحيل الکورد والترکمان من داخل المدينة وقام بجلب المواطنين العرب وإسكنهم محلهم، وسلخ الأقضية ذات الأغلبية الكردية من المحافظة وإلحقها بمحافظات أخرى بعيدة عنها، وهدم الأحياء الكردية بحجة فتح شوارع جديدة، وقام بتدمير ما لا يقل عن 2000 منزل يقطنها أكراد، وعوضهم بمبالغ رمزية کانت لا تكفي حتى لشراء قطعة أرض سكنية أخرى، في حین قام بأصدار أمر من أعلى السلطات تمنع حصول الکوردي على حق التمليك ( الطابو) ومنع إعطاء تراخيص البناء من البلدية لهم. وفي الفترة بين إحصائية 1957 وإحصائية 1977 حصل تغيير دیموغرافي كبير لواقع سکان هذه المدینة، فإحصاء عام 1977 بين لنا التغييرالذي حصل، حیث قفز عدد العرب من 28,5 % إلى   44,4 % وتناقص عدد الكرد  إلى 37,33 % ، فلأول مرة في تاريخ كركوك يحصل هذا التغيير ويصبح العرب الأغلبية في المدينة ليأتي بعدهم الكرد، أما الترکمان فتناقص عددهم إلى 16,31 %.
وعملیة التعريب ظلت بعد عام 1991 مستمرة وبصورة أكثر بشاعة، حیث تم بين الأعوام 1991 ـ 2000  تهجیر 15735 عائلة کوردیة من كرکوك إلى کوردستان الحر. وقبل البدء بعملیة الإحصاء عام 1997 قام هذا النظام العنصري بالضغط علی الکورد في المدینة بتغيير قوميتهم وتسجيل أنفسهم عربا، وأعد استمارات خاصة بذلك ورد فيها حقل خاص يدون فيه رب العائلة أن تسجيلهم كأكراد تم (خطأ) في الإحصاءات السابقة وهدد من من لا يملأ تلك الاستمارات بالصيغة المطلوبة بطرده‌ من کرکوك. 
وکان الهدف من تاجيل الاحصاء السكاني في السابق وحذف حقل القومیة هو العمل في سبیل عرقلة تنفيذ المادة 140 من الدستور حول المناطق "المتنازع عليها"، لأن الاحصاء هو الخطوة الثانية بعد التطبيع ويليها الاستفتاء لتنفيذ هذه المادة الدستورية.
ومن المؤسف أن التاریخ العراق السیاسي لم یشهد منذ خمسین عاماً إعطاء الأولوية للمسألة الديمقراطية والدستورية والتعددية. فإذا أردنا أن نبني عراق اتحادي دیمقراطي دستوري تعددي للوصول الی التلاحم الداخلي في سبیل توظيف القدرات البشریة بشکل جید عبر مؤسسات عصرية مستنيرة لتأسیس مجتمع المواطنة والعدالة الاجتماعیة فما علینا سوی العمل علی مداواة جروح الماضي وإحترام الدستور العراقي وتطبیق بنودها.
وختاماً: لنعترف بالآخر ونتقن لغة العصر كي نحسن المشاركة في صناعة العالم ولنترك سیاسة الحجب والتضلیل أو الأستلاب والتنمیط.
د. سامان سوراني


279
كركوك والإرهاب المتواصل!

شهدت مدینة كرکوك في الأشهر الماضیة عملیات إرهابیة وحشیة بربریة لاإنسانیة مستهدفة المدنیین ومنتسبي الشرطة وهجمات بالأسلحة علی الأبریاء من قبل أناس یتصورون بهویاتهم الدینیة أو القومیة بأنهم خلفاء الله وسادة الخلق وخیر الأمم. إنهم أصحاب العقول الملغمة والمسلمات العمیاء والتوجهات المقلوبة والفلسفات الکادبة، ظلامیون یریدون عن طریق أعمال عنفهم المتفاقم وهجمتاهم الشرسة علی المواطنین المسالمین جعل مدینة كرکوك مدینة الأزمات والاضطرابات وخلق حالة طواریء دائمة. هؤلاء الذين یحملون في عقولهم الجامدة أفکار میتة وبرامج فاشلة و مناهج عقیمة وقاصرة، هم ضحایا لأفخاخ الهویة الموتورة أو لأقانیم العقیدة المقدسة أو لأساطیر الحقیقة المطلقة، یتمرسون وراء الهویات المغلقة أو الجامدة.
أصحاب الامبراطوریة الاصولیة والهویات الکاریکاتوریة البائسة والعدوانیة بتصنیفاتهم العنصریة و سیناریوهاتهم الجهنمیة وتشبیحاتهم العقائدیة ونفیهم العالم المعاش لایریدون خیراً لهذه المدینة الجریحة بل یریدون بتعنصرهم المقیت لغم صیغ العیش بین الأطیاف المختلفة في کرکوك لتولید العجز والجهل والإقصاء وعرقلة البناء الدیمقراطي الجدید والتعایش السلمي. فبعد کل هذه‌ الحروب في الجوامع والمراقد في العراق وبعد کل هذه الحرائق والخرائب و بعد کل هذه المآلات البائسة والنهایات المدمرة فقد المشروع الإسلامي مصداقیته علی أرض الواقع، علینا أن نقف صفاً واحداً ونعترف بأن مصائرنا و مصالحنا مشترکة ومسؤولیتنا باتت متبادلة و جسیمة في مواجهة سفاکي الدماء وبیت الداء.
علینا أولاً، دعوة أهالي المدینة من الکورد والعرب والترکمان و الکلدان والآشوریین و الأرمن الى استثمار الشارع اسبوعیاً وذلك بتنظیم تظاهرات مدنیة واحتجاجات متحضرة "تحت شعار لا للعنف والارهاب" لإشاعة روح التعايش السلمي المشترك والرد علی الناشط الإرهابي والمخرّب المحلي و إدانة ثقافة العنف والإرهاب والتكفير.
علینا ثانیاً، بنشر ثقافة الاحترام والتعايش المدني المشترك وفق مباديء الاعتراف والقبول بالاخر وتكثيف الدورات التثقيفية لكافة شرائح مجتمع هذه المدینة، مثل عقد الندوات التوعویة التي یشیع فیها الحوار وحریة الرأي وتشجیع الطاقة الشبابیة علی المشارکة في الخدمات الانسانیة والأنشطة البنائیة، بهدف بث روح التعايش السلمي والمحبة والاخوة بين ابناءها ودعوة وسائل الاعلام المختلفة الى ترسيخ المفاهيم الانسانية لصالح التعايش المشترك بين مختلف مكونات هذه المدینة. المحك هو تدبیر أمر العیش سویا وخلق لغة مشرکة ووسط للمداولة وساحة للمبادلة في مجالات مختلفة ولیس ممارسة النجومیة والنرجسیة والتأله بشن هجمات أرهابیة ضروسة.
نحن أمام تحدي کبیر، لنجعل الحیاة في هذه المدینة بتواضعنا الوجودي و تقانا الفکري أقل بؤساً وفقراً وتوتراً وعنفاً، لتکون أكثر أمناً و یسراً وأکثر تواصلاً وتضامناً.
وختاماً: علینا بالبناء حتی وإذا أصر الآخرون علی الهدم
د. سامان سوراني




280
هل بإمكان مجتمع العراق الفيدرالي الوصول الی مجتمع المعرفة؟

في ضوء ما یشهده العالم من الطفرات المعرفیة والثورات العلمیة و التحولات الهائلة المفاجئة، فضلاً عن التحولات الحضاریة والمجتمعیة، لا یختلف أحد حول أهمیة بناء مجتمع المعرفة إذا کانت هناك رغبة في تطویر فلسفة معرفية جديدة ومحاولة لخلق النقلة المعرفية. فمجتمع المعرفة هو مجتمع ما بعد الصناعي. وهنا لایمکن أن ننسی دور اللغة، ففي فلسفة فيتشجنتاين ( فیلسوف نمساوي، 26 أبريل 1889 - 29 أبريل 1951، کان لأفكاره أثرها الكبير على كل من الوضعانية المنطقية وفلسفة التحليل) یعتبر اللغة طريقنا إلى المعرفة وهذا يتضمن معرفة كيفية استعمال الكلمة في الجملة لأن لكل كلمة منطقها الخاص و هدف الفلسفة لا يكمن في تفسير حقيقة الأشياء بل في التوضيح المنطقي للأفكار للوصول إلى المعاني. فالأرض تحولت بفضل العولمة الی قریة کونیة صغیرة تسبح في فضاء سبراني الکتروني. وبعد هذه الظاهرة الجدیدة علی مسرح التاریخ العالمي انقلبت الاولویات و تغیرت خارطة العلاقات بكل شيء، بالکائن والحادث، بالمکان والزمان، بالحاضرة والذاکرة، بالفکر والحقیقة، بالصناعة والانتاج والمبادلة، لکننا مع هذا نعیش في مجتمع قبل الصناعي، ففیه یعاني الناس من الجهل التقليدي والجهل الوظيفي، وما سعینا إلا بذل المزید من الجهود للوصول الی مجتمع صناعي أولاً، ومنه الی مجتمع معلوماتي، کي ننتقل أخیراً إلى مجتمع معرفي. فالشرط الاساسي لبناء مجتمع معرفي هو وجود حریات، لأنه بدون حرية التفكير و حرية التعبير و حرية الإنتاج لا يمكن الحديث عن الإبداع ومن غیر ابداع لا يمكن الحديث عن المعرفة، وهذا الشرط يقتضي أساساً انفتاحاً ديمقراطياً. وإعادة النظر في المنظومة التربوية لتحسين المستوى التعليمي و توسيعه،
وتعتبر الانفتاح على الغير والحوار والتلاقي الفكري والتميز لتثمين الكفاءة بخلق ارتقاء تنافسي وليس إرتقاء ميكانيكي و خلق نمط معرفي جزئي قابل للتطبيق من الأمور الضروریة لترسیخ قواعد المجتمع المعرفي، وبعد الوصول الی هذه المرحلة لابد من توسيع مفهوم العدالة الاجتماعية إلى العدالة الاجتماعية المعرفية. إذن مجتمع  المعرفة هو مجتمع ما بعد الصناعة.
ومن كانت الشوفينية في أطروحاته فقد حكم على نفسه بالفشل، فمن الآليات الأساسية في المجتمع المعرفي هي التحكم في عدد من اللغات الأساسية والابتعاد عن الشوفينية اللغوية والقيمية والدينية و الحضارية والثقافية. ففکرة التجانس التي کانت مشهورة في الفلسفات الغربیة سابقا قد تم إلغائها من قبل النوع المعرفي وصار بحکم الإنتقال نحو الصوریة التحدث خلق نواة من نوی معرفیة متعددة عبر تخصصیة وبفضل تنوع المعرفة أصبح المجتمع الغربي متفتحاً ثقافياً، قیمیاً و لغویاً وهناك العدید من المجامیع للغات والترجمة. وهناك تمکن مجتمع المعرفة في إحداث قطعية ابسيتمولوجية على مستوى التعامل مع العلاقات بين المعرفة و المجتمع. وإذا وصلنا الی معرفة منتجة للثروة فأنه بالإمکان سلعنة هذه المعرفة، بإعتبارها سلعة قابلة للتسويق.
ومن أجل البناء المشترك علمنا التجارب وماتزال تعلمنا بأن الاعتماد علی زعیم أوحد، هو قائد ملهم أو مهدي منتظر، یختزل مجتمعاً بکامله أو یستبد ببلد بأسره، مآله تشکیل حشود بشریة وقطعان عمیاء تصفق وتطرب، أو تعد وتتوعد، لکي تقع في النهایة ضحیة من تقدسه وبجله من القادة والزعماء.
"الفکر الحي هو خلق وإبتكار، به یمکن أن نتغّیر و نغّیر، بقدر ما ینفتح علام المعنی علی التعدّد والاختلاف والالتباس والتعارض والنسخ، والهویة هي صیرورة تصنعها العلاقة مع الغیر، تماماً، کما أن الدین هو المعاملة والعقل هو المداولة والسیاسة هي الشراکة." نحن لاننتظر المعجزة من الحکومة الفیدرالیة لأن أعمال الإصلاح لاتتم دفعة واحدة، وإنما هي عملیة مرکبة تجري علی غیر صعید، وسیرورة متواصلة من النماء والتطور، أي تبقی دوما قید الانجاز، ففي عصر الحراك لاتوجد اجوبة نهائیة، کما لا توجد نماذج واحدة أو أحادیة. وان إحترام الدستور وتطبیق بنودها أمر ضروري للمساهمة في صناعة العالم وإنتاج الحقیقة والوصول الی مجتمع الوفرة والرفاه والتقدم. السؤال هو:هل يمكننا في العراق الفيدرالي الوصول الی مجتمع المعرفة؟ 
وختاماً: حتی الثقافات المختلفة لاتبقی هي هي باستمرار، بل تخضع للتبدل والتحول، إما بفعل التطور الذاتي أو بفعل الاحتکاك والتفاعل وبالاخص الیوم، حیث التداخل بین الشعوب والمجتمعات هو علی أشده. کفی التعامل مع الأفکار "کقوالب محکمة تختزل الوجود الحي أو کغلو إیدیولوجي یشهد علی الجهل بسیر العالم وتطور المجتمعات،."
د. سامان سوراني

281
الشاعر أدونيس صامتاً؟



لقد کتبت "منی نجار" في أحدی الصحف الألمانیة مقالاً تنتقد فیه صمت أدونیس أمام الأحداث التي مرت علی البلدان العربیة، لأن الشاعر في نظرها لم یدلو بدلوه في شؤون وشجون الثقافة على طريقة الثوار الاعتراضية ولم یواکب الموج الغاضب في کل من تونس و مصر و لیبیا والیمن وسوریا. ففي مقالها تکتب منی نجار بأن أدونیس "قد نقل منجزات الحداثة الأوروبية الی الحلقات الثقافیة العربية وکان من المتمردین المتحمسین ضد الجمود الثقافي، هذه هي بعض الأسباب التي ساهمت في اقناع هيئة المحلفين لجائزة غوته لاختيار أدونيس کفائز لهذا العام. لو حدث هذا الاختیار في الستینیات والسبعینیات من القرن الماضي لقلنا بأن اختیارهم کان في مکانه‌، لأن أدونیس کان في تلك الفترة في نظر الکثیر من الأدباء الشباب متمرداً"، لکنه الآن، حسب رأیها، بات صاماً.
المتابع لأدونیس یعرف بأن معظم كتابات هذا الشاعر في الأعوام الأخيرة لا يخلو من النقد والحوارات الساخنة. ففي حديث أدلى به الشاعر لقناة العربية جاء صوته‌ مفصحا عن موقفه تجاه مايحدث في المنطقة العربية، فقد وصف التظاهرات الأخیرة في البلدان العربیة بـ"التمرد الشبابي الذي لا نموذج له لا في الغرب ولا الشرق ووصف حضور المرأة في تونس ومصر بظاهرة مهمة جدا و جديدة في الحياة العربية"، معتبراً "کل ایدیولوجیة نفي للدیمقراطية"، رافضاً القبول بالانضمام الی تظاهرة سياسية تخرج من الجامع و هو یرید الخروج من السياق التقليدي القديم من أجل إحداث القطيعة.   
ففي مساء ربيعي وسط مدينة أربيل، عاصمة إقليم کوردستان، التقیت بالشاعر أدونیس، عندما کان لأیام معدودة ضیفاً علی کوردستان. ففي خلال زیارته التقی هذا الزائر الفاضل بنخب ثقافية كوردية من الأدباء والكتاب وطلبة الجامعات وقدم العدید من المحاضرات الأدبیة القیمة. وخرج منها بانطباعات ايجابية عما يشهده أقليم كوردستان من نهضة ثقافية وعمرانية وحراك مجتمعي في ظل هامش الحرية المتاح وسلطة القانون والاستقرار الأمني الملحوظ. وعندما نشرت الصحف بعض من تصریحاته الاعتراضية ضد التيارات السائدة ، کالقول بأنه: "لایرید أن يصاب المثقفین الکورد بالعدوى من اقرانهم العرب، فيلجأون لتكوين طروحاتهم بالاعتماد على السماع وليس التحقق من صدق المقولات" أو  " الحضارة العربية انقرضت، والعرب سينقرضون" أو "لا مكان للمثقف ولادور له في مجتمع...الثقافة عند العرب هي مجرد مصلحة... لذلك المجتمع العربي يفتقر الى الثقافة المستقلة الحرة" أقام الشوفينيون والاصولیون العرب، الذین يعتبرون أنفسهم حراس الثقافة العربية و أرادوا احراجه بالمزايدات القوموية، الدنيا عليه ولم يقعدوها واتهموه بتهم باطلة وقاموا بالتهجم علی شخصیته، وهو قد اتهم في السابق بالإلحاد وطُرد من اتحاد الكتاب العرب في سورية بتهمة التطبيع مع اسرائيل. 
فأدونیس المعروف بمواقفه الجریئة قام بالرد علی بعض منهم کالتالي: "الثقافة هنا تلعب دور الأمن السياسيّ، ويلعب المثقف دور الشرطيّ والمُخبِر ورجل الأمن. وهو دورٌ شائعٌ في الثقافة العربية، وفي العلاقات ما بين المثقّفين؛ ولا يخفى أمره ماضياً وحاضراً، خصوصاً، على الذين يُعنَون بقضايا الثقافة العربية ويتابعونها".
وقال في مکان آخر: " منذ ما سُمّي بـ «عصر النهضة» إلى اليوم، يزداد العرب تراجعاً في كل الميادين - نسبياً وقياساً إلى تقدّم غيرهم - في التربية والتعليم، في النموّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ، في حقوق الإنسان وفي الحريّات الديموقراطية، في السلطة وفي السياسة. وماذا أقول عن موضوع صيانة البيئة؟"
" ازداد العرب استبداداً. وازدادت خاصّتهم غنى وعامّتهم فقراً. وتواصلت نسبة الأميّة - مقارنة بالمعدلات العالمية - خصوصاً بين النساء؛ وازدادوا تفكّكاً وتعصّباً على الصعيد الاجتماعيّ والدينيّ والسياسيّ. وازدادوا بطالة، وازدادوا على الصعيد النفسي ضياعاً ويأساً وبحثاً عن المخارج، في الهجرة، وفي الجماعات المتطرّفة خصوصاً. وتبعاً لذلك ازدادوا عودة إلى ما يزيد في التدهور والتخلف: أخذوا يتداوون بالداء."
" ليس للعرب حضور سياسيّ فعّال على الخريطة السياسية الكونية، بوصفهم عرباً؛ وإنما ينحصر حضورهم في كونهم سوقاً، وثروة نفطية. لهم بتعبير آخر، حضور بوصفهم أداة أو أدوات، وليس بوصفهم طاقة خلاّقة تشارك في بناء العالم. بل ليست لهم فعالية سياسية تنقذ الحدّ الأدنى الذي قررته هيأة الأمم من أرض فلسطين، منذ ستين سنة، ليكون دولة فلسطينية، فضلاً عن عودة اللاجئين.".
هذه الآراء تنعکس في الشعارات التي ترفعها الحرکات والتیارات التي تتظاهر الیوم في کل من تونس و مصر و لیبیا وسوریا والیمن، فلماذا القول بأن أدونیس بقي صامتا؟
وهو القائل في حلبجة: " هكذا لا تنام حلبجةُ وإن خَيّلتِ النوم. دائماً شطرٌ منها يعانق أواخر الليل، وشطرٌ يعانق أوائلَ السّحَر. دائماً تطلع منها شمسٌ، وينشقّ فيها قمر. دائماً، ترافقها جوقةُ أشعّةٍ مما فوق النسيان، ومما بعد الحاسّة."...." يقول عمري خاور: لا يكفي أن يكون لك شكل الإنسان، لكي تكونَ إنساناً."
نحن نعتبرالزیارة التي قام بها أدونیس الی إقلیم کوردستان بمثابة انتصاره‌ الأخلاقي والسياسي والثقافي وانفتاحه على ثقافة شعب كوردستان وتضامنه مع حقوقه، الشعب الذي أنجب شخصیات، کانت رائدة في عالم الأدب العربي،  کجمیل صدقي الزهاوي و أحمد شوقي و عباس محمود العقاد و محمد كرد علي و معروف الرصافي و بلند الحیدري و...
یقول أدونیس: "لا يتمّ تغيير المجتمع بمجرّد تغيير حُكّامه. قد ينجح هذا التغيير في إحلال حُكّامٍ أقلّ تعفّناً، أو أكثر ذكاءً. لكنه لا يحلّ المشكلات الأساسية التي تُنتج الفساد والتخلّف. إذاً، لا بُد في تغيير المجتمع من الذهاب إلى ما هو أبعد من تغيير الحكّام، وأعني تغيير الأسس الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية."
وختاماً أرید أن أهنئ الشاعر  أدونیس بمناسبة حصوله‌ علی جائزة الشاعر الفیلسوف الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته (1749-1832)، متمنیاً له‌ دوام الصحة والإستمرار في الکتابة لمدارات جريدة الحياة اللندنية.
د. سامان سوراني 




282
التظاهرات في المناطق الكوردستانية المستقطعة!!

من المعلوم بأن الشعب العراقي عانی من جراء السياسات الخاطئة التي مارستها الانظمة الاستبدادية والشمولية السابقة التي حکمت العراق بأجهزة شوفینیة فتاکة الکثیر من الویلات وکان الشعب الکوردي الضحیة الأولی لهذه السیاسات المؤدلجة والمصبوغة بسموم العنصریة وذلك بتعرضه الی عمليات الترحيل القسري لتغییر الطابع الديموغرافي للمناطق الکوردستانیة والتطهير العرقي والقهر والقتل الجماعي، راح ضحیتها ربع ملیون مواطن كوردي مدني مسالم.
المادة 140 من الدستور العراقي الدائم، والتي تتضمن التطبيع والاحصاء واجراء الاستفتاء حول مجموعة المناطق المشمولة والتي صوت لها معظم العراقيين في الحقيقة هي ضمن إلتزامات وتعهدات الحكومة الاتحادية. لکن السؤال هو: أین الحکومة الفیدرالیة لحد هذه اللحظة من إلتزاماتها وتعهداتها وهل قدمت السلطة التنفيذية التسهيلات الكافية والجدية لتطبيق أحكام المادة 140؟ للأسف لم تقم الجهات المعنیة حتی الآن بتحديد مفهوم الأحصاء والاستفتاء دستورياً وقانونياً، فکیف بالإلتزامات وهذه تثبت النوایا الحسنة للحکومة الفیدرالیة!
نقول و بکل صراحة، لایمکن للکوردستانیین القبول بمصطلح "المناطق المنازعة علیها" إطلاقاً، لأن هذا المصطلح یحمل في طیاته النوایا الخبیثة للأطراف التي تفتقر الی مبادئ العدالة والانصاف.
فلو أخذنا کرکوك کمثال للمناطق المستقطعة، لوجدنا بأن الفقهاء القانونیین کالأستاذ الدکتور حسن عبد الهادي الجلبي قالوا بخصوص حدود هذه المدینة مایلي: " أن حدود كركوك هي ضمن كردستان العراق ويلزم أن تتبع إلى حكومة إقليم كردستان لان أغلبية السكان هم من الكرد قبل وبعد إحصاء عام 1957 حيث كانت نسبة السكان الكرد التقريبية قبل إحصاء عام 1957 هي 51 % بينما شكل التركمان نسبة 21.5 % ووفقا إلى إحصاء عام 1957 وبفعل سياسة التعريب نزلت نسبة الكرد إلى 48.3 % وبينما كانت نسبة العرب في إحصاء عام 1957 هي 28.2 % ارتفعت إلى 44.41 % في إحصاء عام 1977 ونقصت نسبة الكرد في الإحصاء المذكور إلى 37.53 % و نزلت نسبة التركمان إلى 16.31 %".
ونری موسوعة الأعلام للعلامة التركي شمس الدين سامي، الذي ألفَها عام 1896 م، ص 3842 تذکر بـ " أن كركوك هي مدينه كردية وتقع في قلب كردستان". ومن لایعترف بالحقائق، لایتمکن من صنع حقیقته.
ففي هذه المدينة الكوردستانیة العريقة تعايش ومنذ ازمنة بعيدة  الكورد والتركمان والعرب والسريان کإخوة. وبموجب التقارير الدولية والعثمانية التي تؤكد وتثبت كونها منطقة كوردستانیة، لم ينفصل عنها تاريخياً الحركات والانتفاضات الكوردية على مر الزمن بمطالبة ضم هذه المحافظة الى كوردستان العراق، لاسيما قيادة البارزاني مصطفى الذي أكد وأصر على مصداقية القول كونها قلب وجزء لایتجزء من كوردستان.
مايزال یعیش مئات الالاف من الكورد من سكان المناطق الکوردستانیة المستقطعة خارج المناطق المستقطعة وأموالهم مصادرة ولم يعودوا اليها. والخوف من ضم كركوك إلى  إقليم كوردستان، يدل على عدم وجود الثقة بالدور الوطني للكورد وهذا مناف للحقائق فالكورد بعد سقوط النظام البعثي الدیکتاتوري قد تنازلوا عن الدولة المستقلة لصالح الدولة الاتحادية ووفق آليات الدستور.
لکن قضي علی الإطاحة بالنظام الدیکتاتوري البائد زهاء 8 سنوات ولم نری خطوة جدیة لحل هذه المشکلة السیاسیة المهمة وإذا لم تقم الدولة العراقية الجديدة، التي أسست على مبدأ الشراكة الوطنية  بين كل مكونات الشعب العراقي، لتحقيق الديمقراطية والتعددية السياسية وإقامة دولة القانون المبنية على الدستور والعدالة الاجتماعية، بالإسراع في تطبیق أحکام المادة السالفة الذکر لينعم العراق الفيدرالي بسلام وإستقرار، فسوف تری أهالي المناطق المستقطعة من کوردستان- الذین هم زهاء نصف سكان الاقليم بالحدود الحالية، مع قوميات اخرى غير الكورد، مما يضيف تنوعاً ديموغرافياً على موزائيك الاقليم والتعايش السلمي، ويعزز البعد التاريخي والجغرافي لتكوين الاقليم- الحل فقط في القیام بتنظیم تظاهرات جماهیریة و إعتصامات مدنیة حاشدة في کافة هذه المناطق مماثلة للمظاهرات التي شهدتها کل من تونس ومصر، رافعین شعار إجراء حملة الاستفتاء الشعبي حول تقرير مصير المناطق المستقطعة، مطالبین من قائمة التحالف الكوردستاني في سحب الثقة من الحكومة وإسقاطها، لأن المظالم تتكرر، لکن التاریخ لا يعيد نفسه مرتين.
وختاماً لکم المثل القائل: " يسخر من الجروح كل من لا يعرف الألم"
د. سامان سوراني


283
النِتوقراطية وسيلة لقلع جذور النظم الديكتاتورية الشمولية

مانشاهده الیوم في عصر المعلوماتية هو التغيير السریع للعالم علی نحو یبدو فیه دعاة الثورة والتغییر من النخب المثقفة في منتهی الرجعیة والمحافظة ومانراه أیضاً بعد هذه الطفرة الحضاریة، هو مغادرة النظم الديكتاتورية الشمولية في العالم العربي ساحات السلطة، تارة بالسلم وتارة أخری عن طریق إستخدام الفرض من الخارج لإجبارها بالقوة للمغادرة أو لتغييرها تحت شعار الديمقراطية وإستنادا الى معطيات دولية معينة، منها الدفاع عن حقوق الانسان. والدعوة الى الديمقراطية والحریة بدأت تأخذ وجها آخر لم يكن لها من قبل مثيل. لکن الديمقراطية ليست بالألبسة جاهزة تشتريها الشعوب من أسواق الديمقراطيات، إنما هي علم وذوق وأخلاق ونظام وإنسانية وإن ممارستها بالشكل الخاطىء وزجها في بيئة غير صالحة لها قد تعود بالكوارث والآلام بدلاً من تحقيق الأماني والأحلام. إذ لا يمكن بناء أي تجربة ديمقراطية من دون تأهيل المجتمع وخلق الوعي بالحريات والديمقراطيات وأساليب الحياة الجديدة وقبول الآخر والاستفادة من الآخر ومحو الإنغلاق. وإن العمل الحقيقي والممارسة الفعلية والعملية على بث ثقافة الديمقراطية في المجتمعات تساعد على التضامن السياسي والاجتماعي وأيضاً الزيادة في التماسك الاجتماعي وتقوية مشاعر الوحدة الوطنية. والحرية والحكم الذاتي هما العنصران اللذان تتشكل منهما الديمقراطية.
والیوم نری أیضا الدور الهام للثورة المعلوماتیة ووسائل الاتصال الحديثة في نشر الديمقراطية، فالإنترنت والهاتف النقال كل ذلك أصبح يصل الناس ببعضهم البعض بكل سهولة واللذان بدورهما يساعدان على انتشار الأفكار من أقصى الأرض إلى أقصاها ويساعدان بالتالي على انتشار العقلية الديمقراطية في أرجاء واسعة من هذا العالم. فالأدمغة الآلیة والتقنیات الرقمیة اتاحت للأنسان التواصلي التفکیر والعمل علی نحو كوکبي وبصورة عابرة للقارات والمجتمعات والثقافات. فالمکان یتعولم وتزول الفروق بین الداخل والخارج، وهکذا تتشکل طوائف جدیدة هویتها السوق ووطنها حیث تصل منتجاتها الأثیریة، وبها تتغیر خارطة العلاقات بالأشياء.
الیوم أصبح المجتمع الدولي أکثر شفافية من ذي قبل في بناء علاقاته السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة، وهو يتحول الى العالم الجديد الذي تتحكم فيه معطيات العولمة بكل معانيها، أصبح يضع شروطاً لقبول الدول في النادي الخاص به الذي يجب ان يشمل كل من يسكن على هذه الارض، ولذا فيجب على الدول ان تتكيف مع مواثيق ومعاهدات واتفاقيات الامم المتحدة والا فانها ستطرد من المجتمع الدولي وتعدّ غير شرعية وستحارب بمختلف الطرق الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية.
فعولمة الانسان عبر الشبكات وطرقات الإعلام تفتح المنافذ للتحرر من معسکرات العقائد وسجون الهویات المغلقة، لذا نری المناضلون الذين قضوا أعمارهم الطویلة من أجل تغییر واقع المجتمعات والعقلیات یقفون بفکرهم الأحادي وعقولهم المغلقة ضد المتغیرات و الانجازات والتحولات تصدمهم الی حد سخیف. فالعولمة مهدت الطریق للجیل الشبابي الواعي کي یقف أمام کل فکري فوقي، نخبوي، شمولي وباتت وسيلة لقلع جذور النظم الديكتاتورية الشمولية.
أن الشعب الكوردستاني، رغم القمع و الاستبداد والاضطهاد التي تعرضت لها جميع شرائحه‌ من قبل الانظمة الشمولیة المتعاقبة، وبعد تحریره من النظم الشوفینیة قد أثبت، أنه شعب محب للتقاليد الديمقراطية، یرید قرأة العولمة قرأة فعالة ومثمرة، ويمكننا، رغم السلبيات التي رافقت تجربتنا في الحکم أواسط التسعینیات المریرة من القرن الماضي، أن نستبشر الخير والمستقبل الأفضل للعملية الديمقراطية بشكل عام. وأكبر دليل على ذلك هو أن الرأي العام العالمي قد أبدى عن دهشته علی کل هذه‌ التطورات الإیجابیة السریعة التي تشاهده‌ الإقلیم علی المستویات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية والعمرانیة.
وختاماً قال فنان النهضة الایطالية ليوناردو دافنشي (1452 - 1519 م): " من لا يتفوق على معلمه يكن تلميذاً تافهاً."
د. سامان سوراني
* النتوقراطية (Netocracy) هي نحت من قبل الكاتبين السويديين ألكساندر بيرد، المحاضر الجامعي والخبير في مجال الاتصالات الصوتية بواسطة الإنترنت والمؤسس لأكبر شركة تسجيلات صوتية في السويد، وجان سوديرقفست، الكاتب والمنتج والمذيع التلفزيوني. الجزء الأول من الكلمة هو Net أو الشبكة (الإنترنت)، والثاني هو غزلٌ على منوال كلمات مثل الديمقراطية (Democracy) أو البيروقراطية (Bureaucracy)، ليخرج مصطلح جديد يعبر عن حقبة اجتماعية جديدة في تاريخ الإنسانية.


284
لا سبيل الی الديمقراطية في ظل وجود آفة الفساد 

بعد الإنهیار الذي أصاب العقائد والقیم أو المذاهب والنظم التي تعیّشت علیها النخب وشرائح ومجتمعات ردحاً من الزمن الحدیث، کمراجع للقرأة والتفسیر أو کمبادیء للعمل والتدبیر نما وترعرع خلال العقدين الأخيرين ظاهرة اخری کآفة جدیدة من آفات هذا العصر وصارت واقعة لاجدال فیها، حیث بدأت تنخر جسد الحکومات وتستشري في مفاصل الدول، فصار وللأسف من الصعب الشفاء منها والقضاء علیها إلاّ باالإستئصال. فهذه الظاهرة المقیتة لایمکن وصفها إلاّ بالفساد.
وبعد أن جاءت ثورة الاتصالات والمعلومات واجتاحت الوعي التقلیدي، بفتوحاتها الحضاریة و تشکیلاتها الرقمیة المصطنعة و انفجاراتها التقنیة، انتبه المجتمع المتحضر مدی خطر هذا الداء المفسد، الذي عاث فساداً في الأرض وشجع الناس في تدمیر بلدانهم اقتصادیاً وسیاساً و اجتماعیاً.
الفساد آفة عالمية الأثر، تدميرية النتائج على كافة المجتمعات. والسبب في ذلك یرجع الی عمق التأثير السلبي للفساد على جهود التنمية، اضافة الى تعارضه مع القيم الديمقراطية، وتعطيله لحكم القانون. فمن الناحیة الاجتماعیة نری الشعور بالإحباط وانتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، فضلاً عن زعزعة القيم الأخلاقية بسبب انهيار قيم النزاهة وفقدان النموذج، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على السلوك العام للفرد وينعكس على نظرته للحياة بشكل عام وعلى أسلوب تعامله في إطار عائلته ومجتمعه. الفساد هو رديف الاستبداد والعمل علی مکافحته یجب أن یکون بصورة تدريجية وموضوعية،  فلایمکن أن تجري مکافحته  بصورة فورية أو إنتقامية، دون تخطيط ودراسة، خاصة في ظل تعاون الجهات المستفيدة من الفساد ومقاومتها لكل الجهود.
إن مسؤولية مكافحة الفساد تقع بالدرجة الاولی على السلطات التشريعية و التنفيذية والقضائية والهيئات الرقابية، التي يتوجب عليها مسؤولية مراقبة أعمال إدارات العامة والموظفين العموميين وإتخاذ القرارات التأديبية المناسبة في حق المخالفين وإحالتهم إلى القضاء المختص و منظمات المجتمع المدني و مسؤولیة وسائل الإعلام هي التحلي بالموضوعية وحس المسؤولية لترصد وتكشف وتتابع أية مخالفات وممارسات فاسدة، بعيداً من التشهير والتحيز.
ولابد من تثقيف الرأي العام وتوعيته على مخاطر الفساد، ليس على الوطن والمجتمع فحسب، بل على الفرد بشخصه. علی المواطن أن يدرك ما هو الفساد ويعي أنه إذا لم يتخذ مبادرة فردية في التصدي لمغريات الفساد وكافحة مظاهره والحد من تفاعلاته، فهو مقبل على وضعٍ سيئ وعلى خسارة كبيرة، لعلها تنتهي بإنهيار الوطن والمجتمع. وإن عدم رسوخ تطبيق المعايير المطلوبة لاختيار وتعيين القياديين في الدولة (مثل النزاهة والكفاءة والقدرة على الأداء) یولّد عند المواطنین الشعور بالظلم، نتيجة الشعور بالتفرقة وعدم المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وهذا الشعور يؤدي إلى انتشار الحقد والضغينة بين شرائح المجتمع، كما يساعد على تهيئة المناخ المناسب للتطرف الفكري والعنف الاجتماعي.
إن الحکومات التي استئسدت على شعوبها وبقت صامتة علی الفساد، تدعمه سراّ وعلانیةً، تساقطت واحدة تلو الآخر کأوراق الشجر في خریف الغضب بید جیل شبابي. والجدیر بالذکر أن هذا الجیل العامل علی الشیفرة الرقمیة والذي ینادي بالمفاهیم الکونیة، أي الحرية والديموقراطية، لا تغريه اللوثة الإيديولوجية، یقوم بتفكيك الأنظمة الديكتاتورية وخلخلة المنظومات الأصولية. لِیغيِّرَ وجهَ الحياة في بلده.
لم یعد بالإمکان إدارة الدولة بالعدة الفکریة القدیمة بمفرداتها من الأحادیة والاحتکار والمصادرة، علی الحکومات الاهتمام بتشخيص الظاهرات وتفكيك المشكلات للمساهمة في إدارة التحولات مساهمةً بنَّاءة ومثمرة، وتعمل في إيجاد الحلول المناسبة للخلاص من حالات الانهيار والتردي والفساد المزمن.
والذي یرید بناء دولة قوية ووطناً ثابتاً، عليه أن يركّز عمله أولاً في القضاء على جميع مظاهر الفساد وأن يكون قدوة للجميع من حيث إنكار الذات و الإستقامة ومقاومة المغريات والموضوعية والصدق و الشفافية والتجرد والأمانة و الإخلاص.
وختاماً: "الدیمقراطية تبقی دوماً رهناً لما نفکر فیه ونصنعه."
د. سامان سوراني


285
الحوار البناء يخدم العملية الديمقراطية في إقليم كوردستان!

من المعلوم بأن السعي للحوار واجب يتداعى إليه العقلاء والسیر نحو التغییر والإصلاح طريق يحتاج إلى المثابرة والصبر والحكمة. الحوار الإيجابي الهادف يفتح باب التلاحم، ويقلل من مساحة الخلاف. الحوار سلاح عقلاني يستخدم في معارك البناء الانساني، فاالحوار وفلسفته القائمة على الاعتراف بوجود الآخر عضوا فاعلاً مهم جداً لإعمار الحیاة و تقدم المدنیة.
المجتمع الديمقراطي مجتمع مفتوح. تعرض فيه الأفكار وتناقش علناً من المواطنين تحت حماية القانون وإن إتخاذ القرارات ضمن حدود ضيقة تؤدي دوماً إلى سياسات هزيلة لا تخدم المواطنين والعملیة الدیمقراطیة، التي نحن بصددها.
لقد قرأنا في الأیام الماضیة إستعداد التحالف الکوردستاني للحوار مع المعارضة الكوردية لحل المشكلات العالقة في إطار المؤسسات الشرعية بالإقليم و قرأنا أیضاً قرار القوى المعارضة في اقليم كوردستان العودة الى رأي الشارع قبل استئناف المحادثات مع السلطة في إجتماع خُماسي. هذه المؤشرات تبعث على التفاؤل. ولکي لا تؤدي الاحداث والتطورات المتلاحقة الى إنهيار تجربة الإقلیم الديمقراطية، التي ضحى من أجلها مئات الآلاف من أبناء الشعب الكوردستاني، نؤکد بأننا الیوم بحاجة ماسة إلى سعي متواصل لترتيب وتوحید بيتنا الکوردستاني، فمن خلاله نتمکن الوصول إلى اتفاق لحل القضايا محل الخلاف، و نجاحه سيتأكد من خلال مصداقية التعاطي من أجندة الحوار. وإذا التفتنا فقط الی مخاوف المتشائمین والمتشککین في النوایا أو الی الذین یحبون التأزیم لمصالحهم الشخصیة منه، نفتقد القدرة والقوة على التحرك نحو إصلاح سياسي وإداري جذري فاعل. وإذا إنطلق الحوار بین السلطة والمعارضة فیجب أن یضع في حسبانه تخوفات و إعتراضات التي یبدیها أطراف لایریدون الحوار أصلاً و جماعات یرغبون مشاهدة تفکیك الصف الکوردستاني، وأن الوصول الی الاتفاق على حلول سليمة للمشكلات المتعددة سيعيد الثقة إلى كل الأطراف التي تبحث عن مصلحتها في إطار المصالح العامة.
أما الذين يدورون حول أنفسهم فقط أو أولئك الذين يريدون كل شيء لهم، ولا شيء لسواهم، هؤلاء سيظهر ضعف حجتهم، وما أظنهم إلا سيلحقون بالمركب لیمضي إقلیم کوردستان ﻗدﻣﺎً إلى بر الأمان. وإن الشفافية والوضوح، وإطلاع الرأي العام على ما سيتم أولاً بأول  أحد الضمانات التي تجعل نتائج الحوار تأخذ طريقها للتنفيذ، وتخرج الإقلیم من أجواء التشنجات السیاسیة التي مر بها خلال الاشهر الماضیة.
لنجعل من الفضاء المجتمعي ورشة دائمة و نشیطة لقیادة الحوار والمباحثة والمناقشة والمبادلة علی کافة المستویات وفي المجالات المختلفة. علی الإطراف التي تتحاور أن تترك التعامل بلغة التهمة والإدانة و إدعاء إحتکار المصداقیة والمشروعیة، وأن تبتعد عن التمرس وراء شعارات ومفاهیم لرشق الآخر بالتهم التي تغذي الفرقة وتوسع الشقة وتشتت القوة. مالنفع من شعارات وسیاسات، إذا كانت تخلق العداوة بین أبناء الإقلیم الواحد  أو القضیة الواحدة. نتمنی للأطراف السیاسیة التي تری في الحوار طریق لإنجاح مشروع اصلاحي متكامل کل الموفقیة. وهنا نرید أن نعبر عن تقديرنا لمن سيقدم الأكثر لکوردستان وشعبه، ولو كان كسبه محدوداً.
وأخیرا ً یقول الکاتب الانجلیزي صموئيل جونسون: "الأعمال العظيمة لا تؤدي بالقوة بل بالمثابرة."
د. سامان سوراني

 

286
العمليات الإرهابية الأخيرة و معالجة العنف

في هذا الزمن المتسارع ننتقل وللأسف یومیاً من حدث مأساوي الی آخر  ومن صدمة الی سواها، والوحش الإرهابي یفاجئنا من حیث لا نحتسب، بعد أن صار العالم أكثر تعقیداً وتشابکاً بعلاقاته و مشکلاته و صراعاته.
ففي الهجمات الإرهابیة الجهنمیة والهمجیة الأخیرة التي حصلت في کل من کرکوك و بغداد من جانب عملاء الارهاب مزّقت الاجساد و دُمرت الممتلکات، وکانت حصیلة الضحایا من المدنیین أکثر من المائة من الأبریاء.
لایمکن أن یکون هذا الإرهاب مجرد احتجاج علی الظلم والفقر و الفساد، إنه حرب متعددة الجبهات ضد المواطن المسالم والدولة التي ترید أن تکون فیدرالیة تعددیة دیمقراطیة، کما هو حرب ضد المدنیة والمجتمع. هذه الهجمات الانتحاریة ذو جذور عقائدیة متطرفة و ثقافات قومویة شوفینیة، تحوّل الی آفة او ظاهرة متفشیة، الهدف منها النکوص الی الوراء للمماهات المستحیلة مع القوميين الشوفينين و السلف والتعامل مع الناس بلغة التهدید والوعید، لکي ینصاعوا الی مطالبهم و یتخلوا عن الفکر الحي و العمل الصالح للقیام في صناعة الحیاة و بناء المجتمع بصورة خلاقة، إیجابیة و بناءّة. القومویون المتسترون تحت عباءة الدین یجاهدون لیل نهار من أجل تحویل الجماعات الی کتل عمیاء یسهل خداعها وتضلیلها، من أجل شحنها وتعبئتها وراء مشاریع تجهل محرکاتها أو وراء شعارات قومویة تمسي ضحیتها، إنهم اعداء الحرية والديمقراطية یمارسون دیکتاتوریة الحقیقة و یشتغلون بوصم الآخر من خلال تهم الکفر والارتداد أو التحریف والرجعیة والعمالة أو الخیانة، یریدون إدخال الناس في السجن العقائدي والایدیولوجي المستهلك و لإنضمامهم الی القطیع البشري، حیث کل واحد هو نسخة عن سواه، لتنفیذ ما یملي علیهم من الفتاوی والاحکام و المناهج الشوفینیة بصورة آلیة لتدمیر الحیاة والعمران. والإرهاب هو عنف فاحش، لأنه یرمي الی إحداث أکبر قدر من الخسائر في الارواح والممتلکات، بأفظع الوسائل، لترك الأثر الأقوی والأبلغ في‌ نفوس المواطنین. و الإرهاب عنف أعمی لأنه لا یمیز بین مذنب و بريء أو بین مدني و عسکري. فهو بطابعه العدمي لایحسن سوی تدمیر ما یدعو الیه. یدّمر المؤسسات الحکومیة والمدنیة لأنها لا تسیر وفقاً لمشیئته. 
وهو نابع أیضا من أزمة الهویة والمعنی، فهو داء من أدواء الهویة المصابة في معناها و قیمها و ثوابتها و مألوفاتها من منظومات الاعتقاد و نظم الحیاة أو صیغ العیش. و هو ثمرة الشعارات الاحادیة والثوابت الأبدیة والعقول المغلقة، حیث یتغذی من عقدة المماهاة مع الذات و جرثومة التضاد مع الغیر. الدعاة الجدد الذين احتلوا المنابر وشاشات التلفزیون منذ أکثر من ربع قرن هم الذين قاموا بالاستثمار الفکري في هذا المجال کي یتمکنوا من انتاج مفسرین مشعوذین وأصولیین ارهابیین و مثقفین طبّالة. أما الاصولیة فهي موجة ارتدادیة مشدودة الی الوراء، ولذا لم تحسن سوی هدر الوقت والطاقات والموارد، فهي منغلقة عن العالم و الآخر و تعمل بمنطق متحجر یصدر الفتوی والتکفیر ضد کل منطق یملك قدرة النقد والتنویر. ومن المعلوم بأن کل ما یُلحق ضرراً في مکان ما یضرّ الناس جمیعاً و کل ما یحدث یتصل أوثق الاتصال بقیمة الأفکار ووزنها أو بفاعلیتها وأثرها أو بسیاستها وطرق التعامل معها وإدارتها. وهذا الخرق من جانب التنظیمات الإرهابیة هو ثمرة من ثمار الصراعات السیاسیة العقیمة بین القوی والأطراف الأنانیة التي ترید أخذ زمام الحکم بالقوة ولاتتکاتف مع نظائرها من أجل البناء والتطور. علی الأطراف السیاسیة تجدید لغاتها و خطاباتها ومفاهیمها التي لم تنتج في السابق سوی الفتن والعنف عبر تعبئة النفوس ضد الغیر. وبعض هذه الاطراف تغلق عن قصد نوافذ المشاركة السياسية او التعبير السلمي لکي لا تدفع مركب الحكم الى بر الاستقرار.
لمعالجة مرض الارهاب المخیف والاصولیة المتحجرة نحتاج الی تحولات في بنیة الثقافة بثوابتها و نماذجها أو ببرامجها و تعلیمها، عن طریق فتح المناقشات والندوات العمومیة و تشکیل فضاءات ولغات و قیم تخفف النزوع الی استخدام العنف واسالیبه، کي تخلق المجال لممارسة الحقوق والحریات الفردیة أو الجمعیة بصورة مدنیة عقلانیة تداولیة. علینا العمل في سبیل التعددیة الثقافية ولغة التسویة و سیاسة الإعتراف و عقلیة المشارکة لتشکیل مشروعیة بشریة جدیدة بمبادءها و أطرها و صیغها و قواعدها.
وختاماً: "قطرة المطر تحفر فى الصخر ليس بالعنف ولكن بالتكرار".
د. سامان سوراني 

287
المواطنة الواقعية  و الديمقراطية التشاركية و مكافحة الفساد

من الواضح بأن لکل تقدم تاریخي مفاجآته، ولکل تسارع تقني حوادثه وأعراضه، ففي العصر الحديث ومع ثورة المعلومات أصبحت المواطنة هي العمود الفقري للديمقراطية، و أصبح المواطن المحور الرئيسي في المجتمع. والمواطنة تعني تساوي المواطنین في الحقوق والواجبات دون أي تمییز عنصري أو طائفي أو جنسي أو ديني أو مهني أو فكري أو ثقافي أو اجتماعي أو حزبي أو أي تمييز آخر يعطي الأكثر للبعض ويقلل من حقوق الآخرين.
علیه استنقاء خصوصیات المواطنة من المرجعية الاجتماعية والفكرية والأخلاقية والسياسية، لا من مرجعيات دينية فقط، مرجعیات تعود مفاهيمها الی العصور الوسطى، والتي تحمل في طیاتها من الناحیة العملیة رفض فکرة المواطنة و حياد الدولة بالنسبة للمعتقدات. والمواطن رهنٌ لإمکاناته علی أن یحول الواقع، وأن یتغیر عما هو علیه فکراً أو هویةً أو فعلاً وممارسةً. ، فإنفتاح المواطن علی المجهول وتعامله‌ مع المستبعد و کل ما من شأنه أن یتحدی النظریات والمفاهیـم السائدة بمنطق تحویلي، یوسع لدیه مجالات الممکن و یتیح له‌ المشاركة في صنع الحدث من خلال الانخراط في اللعبة والعمل علی التأثیر في مجریاتها.
نحن إزاء فتح کوني، یتغیر معه سیر العالم علی ماکان یجري علیه حتی الآن، فمع التقدم الهائل للاتصالات أصبح الفكر السياسي للناس في العالم، أكثر وعياً وانفتاحاً وتحرراً وصار عند سكان الأرض رغبة باستجواب السياسيين في كل أنحاء العالم.
إن الدول الغربية الديمقراطية اليوم هي علمانية، فلا نری دخل للدين ومؤسساته في أمور الدولة والتشريع. فالقوانين مدنية لا تستند على قواعد الدين، بل تستند على قوانين وضعية بنيت نتيجة توازن القوى السياسية والاجتماعية، على أرضية ثقافية عقلانية بعيدة عن التأويلات والمعتقدات الدينية. الديمقراطية التشاركية المبنية على الشفافية والمشاركة اليومية منتشرة في شمال أوروبا منذ عدة عقود من الزمن وقد تم تبنيها رسمياً كنموذج مثالي من قبل دول الاتحاد الاوربي.
والديمقراطية تعني إعداد المشاريع والبرامج السليمة القائمة على أساس الحرية واقناع الرأي الآخر، فهي لا تطبق من دون الشفافیة، التي هي احدی اهم الرکائز التي تقوم علیها الدیمقراطیة وتعزز و تطور مفاهیمها و تقوي قواعدها ولبناتها و بغیاب الشفافیة تذهب الدیمقراطیة أدراج الریاح وتضیع معها حقوق الانسان  وتکرس مفاهیم الدکتاتوریة والعنف بحق المواطن. 
من المعلوم أن الدیمقراطیة هي ثقافة تهذب الفكر والسلوك للعيش مع الآخرين واحترامهم رغم الخلافات العميقة بين طبقات المجتمع سياسياً واجتماعياً وقبول مبادئ تحول السلطة من فريق إلى آخر بشكل سلمي. 
إن تحرّر العقول من أغلال الخوف وقيود القواعد الثقافية البالیة والأديولوجيات المستهلکة والأصولیات المتحجرة هو السبيل الأمثل من أجل النجاح والتطور وخلق أجواء أكثر ملاءمة  لمقاومة إعادة الاستبداد والعمل لإصلاح الامور في الدولة الديمقراطية الفتيّة.
فالديمقراطية من حيث أنها آلية حقوقية لحكم الشعب، عن طريق ممثلين عنه، لها علاقة بالقيم الأخلاقية المتعلقة بالتمثيل والعمل السياسي و الرادع الأخلاقي العقلاني المستند على قيم كالعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان يرسم طريقا واضحا للسياسي ليكون عمله منسجماً مع مصلحة المواطنين.
وإذا ماقام طرف سیاسي بالعمل من أجل الوصول الی السلطة طمعا بها ولغایات فردیة أو فئویة واستغل المنصب السیاسي لغایات شخصیة، فمعدی هذا الأمر تقود الی خلق فصم بین هذا الطرف وبین المواطنین و یضعه في موقع اللاشرعية واللامصداقية. بهذا يصبح التفويض الديمقراطي غير معقول،  في حالة تناقض. و إن عمل السياسي لصالح المواطنين تبعاً للدستور المؤسس على مفاهيم العدل والمساواة والمساءلة هو الشيء المعقول والأخلاقي لضرورية العيش في دولة ديمقراطية. والديمقراطية من حيث أنها آلية حقوقية لحكم الشعب، عن طريق ممثلين عنه، لها علاقة بالقيم الأخلاقية المتعلقة بالتمثيل والعمل السياسي، لذا یمکن إعتبار الأخلاق في السیاسة حجر الزاوية في بناء ديمقراطية قوية وفعّالة.
أما الفساد وإنتشاره في ظل النظام الدیمقراطي، فأنه أحد أبرز تحديات إدارة الحكم، يؤثّر سلباً على عمليات الإصلاح والتنمية، وهو یأتي نتيجة قصور في أداء مؤسسات إدارة الحكم في المجالين العام والخاص، ویؤدي الی إضعاف الجهود المبذولة للحد من الفقر وتحقيق الأهداف الإنمائية وتعزيز التنمية البشرية وأمن الإنسان و عدم مکافحته یؤدي الی استیاء شعبي والتظاهرات الأخیرة في بعض البلدان العربیة شاهد علی مانقوله.
من الواضح أنه لا يجوز أن تكون كل أعمال الحكومة علنية، ولكن من الواجب أن تكون هنالك رقابة ومساءلة، فالشفافية والمساءلة هما شرطان أساسيان من شروط الحكم الرشيد، ولكي تكون المؤسسات المستجيبة لحاجات الناس ولمشاغلهم منصفة وعادلة، عليها أن تكون شفافة وأن تعمل وفقاً لسيادة القانون، وتضع سلسلة واسعة من المعلومات في متناول الجمهور.
إن التدفق الحر للمعلومات تقي من الاخطاء الحكومية، ومن ارتكاب أخطاء في تقدير الموارد، ومن الفساد ، لذا تعتبر الشفافية عنصر رئيسي من عناصر المساءلة البيروقراطية. وتتطلب المساءلة وجود نظام لمراقبة وضبط أداء المسؤولين الحكوميين والمؤسسات الحكومية، خصوصاً من حيث النوعية وعدم الكفاءة أو العجز وإساءة استعمال الموارد. ومن الضروري أيضا وجود نُظُم صارمة للإدارة والوكالة المالية، وللمحاسبة والتدقيق، ولجباية الإيرادات جنبا إلى جنب مع عقوبات تطبّق بحق مرتكبي المخالفات المالية والإدارية. ويتطلب الإصلاح الفعّال إلتزاماً سياسياً يجب أن يحظى بمساندة القطاع الخاص والمجتمع المدني، وإن تطویر تطوير مؤسسات ديمقراطية وقابلة للمساءلة (بما فيها الأحزاب السياسية والاتحادات المهنية الحرة ووسائل الإعلام) مسألة ضروریة بالنسبة للإصلاح الإداري.
أما التغیر الاخیر في مشهد العالم، فأنه یفضي الی تغیر الثقافة الدیمقراطیة أیضاً، فالاخیرة لم تعد کما کانت علیه، سواء من حیث أطرها ومضامینها، أو من حیث وسائطها ومسالکها، أو من حیث آلیات تشکلها. 
وختاماً: لا دیمقراطیة تشارکیة في ظل غیاب المواطنة الواقعیة والشفافیة.
د. سامان سوراني


288
الحوار بين السلطة و الأطراف المعارضة في إقليم كوردستان هو الحل.


في عصر الإنسان الرقمي والعمل الافتراضي والفاعل المیدیائي، بعد هذه الطفرة الحضاریة الکبری، التي نجمت عن ثورة المعلومات والإنفجار في تقنیات الاتصال والتي أدت الی تغیر خارطة العلاقات بالأشیاء والکائنات، زماناً ومکاناً، اقتصاداً وإنتاجاً، مجتمعاً وسلطةً، ذاکرةً و هویةً، معرفةً وثقافة أصبح لزاماً الإعتراف بأن العقل الوسطي، التعددي والتداولي هو أهم ما نحتاجه للقیام بالإصلاح من أجل تنمیة التحول الديمقراطي.
ففي يوم 10/4/2011 وجه السید رئيس إقليم كوردستان نداءاً ثانیاً الى قیادات الاحزاب والحرکات السیاسیة المعارضة یدعوهم للعودة الى طاولة الحوار دون شروط للوصول الى إتفاق ضمن إطار القانون والشرعية، و الاطراف المعارضة الثلاثة من جهتها أبدت إستعدادها للمشاركة عبر مشروعها المشترك في الحوار. هذا خبر مفرح لإن أکثر مانحتاج الیه الیوم هو الحوار و العمل الجاد علی إخضاع الظاهرات والمتغیرات أو الأعمال والمنجزات للدرس المعرفي والتحلیل العقلاني، کي نتمکن أخیراً من تفکیك العوائق ونتعلم من الأخطاء السابقة ونستوعب المنجزات و نستثمر المکتسبات و نبني الصیغ و نخلق المعادلات ونقوم بإغناء المعرفة وتوسیع عالم المفهوم. فمن الضروري أن تقوم القوی السیاسیة بإبتکار طریقة إقتصادیة جدیدة في التفکیر، للتحرر من النظم والحتمیات المقفلة والاصول الثابتة أو الضرورات القاهرة والحلول القصوی، التي هي أیسر الطرق لحصد الفشل والإخفاق. والاجدی أن تصنع العلاقات بین الاطراف السیاسیة بعقلیة الحوار المثمر والاعتماد المتبادل أو المسؤولیة المتبادل عن المصائر. فالواقع یتسم بالتعقید المتزاید و الحراك المستمر والتغیر المتسارع، فالمطلوب من القوی السیاسیة الإعتراف بنسبیة رؤاها و قضایاها ومواقفها وحلولها والتعامل مع بعضها البعض بعیداً عن عقدة الضحیة وعقدة الاصطفاء أو عن خرافة المماهاة مع الذات و جرثومة التضاد مع الآخر. فذلك هو السبیل الی اللقاء مع المختلف والآخر لبناء فضاء دیمقراطي مشترك یشکّل مساحة رحبة لتداول الافکار والخبرات، بقدر ما یتسع لتعدّد اللاعبین ولاختلاف المصالح والمواقع. ماعداه من هواجس وآلیات فکریة تولّد الخراب في الإقلیم وتنتج العنف.
ومن یقفز فوق الحقائق ویتعامی عن المشهد لایغیر واقعاً و لایصنع وحدة في الصف الکوردستاني، بل ترتطم إفکاره المثالیة و نظراته التبسیطیة علی أرض الواقع العنید، لکي ترتد علیه كإرتداد الکرة عندما تصطدم بأرض صلبة ملساء. فالارتداد عن الهدف والشعور بالاحباط تنتج واقع أسوأ من الواقع المراد تغییره. فالبدء بالاعتراف بالازمة وتشخیص العلة والاعتذار عما جرته الاحداث من الاخطاء والمساویء هو اساس الموقف التنویري والنقد العقلي،  نتمی أن تلعب الإعلام بأشکالها المرئية والمسموعة والمقروءة دورها الرسولي بأمانة ومسؤولیة في تشجیع هذا الحوار للوصول الی نتائج ایجابیة ومطالب شرعیة تساهم في تعزیز التجربة الدیمقراطیة وتثلج صدور الکوردستانیین. یجب أن تکون المتغییرات دوماً فرصة لا کارثة والجدید غنی لا فزاعة والشباب طاقة لا عبء.     
ختاماً: "نحن لا نرید وطناً مصلوباً فوق حائط الكراهية، مكسوراً مثل عشبة الخريف، أو أن تکون كرةً من نارٍ تسير نحو الهاوية و لا نأمل للعصافير التي تحترف الحرية أن تموت خارج الأوطان."
د. سامان سوراني

289

مأزق الديمقراطية في كوردستان أم مأزق الفكر؟

من الواضح بأن حقوق الإنسان تُحتَرَم بدرجة أكبر داخل النظام الديمقراطي و أن أسلوب الحكم الديمقراطي وأسلوب الإدارة الرشيدة في الحكم هما شرطان أساسیان لمنع نشوب الصراعات بین فئات المجتمع. ففي حالة وجود مجتمع مدني فاعل في الحياة العامة و نظام محاسبي علني وجهاز حكومي يتسم بالنزاهة والحياد عن طریق حکم محلي لامرکزي و توفر احترام سيادة القانون لتثبیت إطار عدلي مفتوح للجماهير بحیث يحق للمواطن الاحتجاج على الحكومة وانتقادها دون الخوف من المعاقبة والمتابعة تسهل عمل الحکومة في مجابهة الأيديولوجيات المتطرفة و تقويّ نهضة الكفاح من أجل التعايش والمساواة بين الرجل والمرأة والخلاص من البطريركية (الأبوية).
إن أحد أهم الوظائف الكبرى للسلطة في إقلیم کوردستان للسنوات القادمة هو العمل في سبیل تثبیت النظام الدیمقراطي من أجل الاستمرار في العيش المشترك، ونشر ثقافة قبول الاختلاف، لجعل هذه البقعة الجغرافیة نموذجاً حیاً للدیمقراطیة ومكاناً آمنا لقاطنیها.
إن تضارب وجهات النظر يؤكد على ضرورة شرعية حقيقة وجود الحاجة إلى وسائل العيش المشترك. الساسة والحكومات وقادة الرأي يجب أن يقبلوا بأن يكون التعايش هدفا مشروعا.
فتعلم العيش المشترك لا يسقط من الفضاء، و التعايش هو سلوك مكتسب، و يتطلب عملية مستمرة من التعلم في المدرسة وعلى حد سواء داخل المجتمع ككل. وهذا يتطلب الهياكل والمؤسسات التي تدعم وتعزز التعايش من خلال العديد من المشاريع والبرامج لهذا الغرض.
ومن المعلوم بأن التعامل مع مقولات کالدیمقراطیة والعدالة والمساواة کنماذج کاملة أو کأقانیم مقدسة لا ینتج سوی انتهاك و تلغیم هذه المقولات في میادین الممارسة والمشاریع الدینیة و اللاهوتیة والأیدیولوجیات الحدیثة أمثلة حیة علی مانقول.
التفکیر بصورة حدیثة و عصریة لایعني قط الانقطاع عن التراث، بل هو تحرر من أوهام التیار الذي یحاول التعامل مع التراث الدیني والمجتمعي بجمود عقائدي. الهدف هو الوصول الی مرحلة عدم تحویل العلاقة بالاصول والتراثات الی أختام عقائدیة و معارف میتة کي نتمکن من نبذ التبجحات الخلقیة والمزاعم الایدیولوجیة التي یدعي بموجبها أفراد أو فئات من الناس أنهم یجسدون ضمیر الوطن أو صفوة المجتمع أو عقل الأمة أو القیم الانسانیة جمعاء بمنطق عنصري، فاشي، مرکزي، نرجسي ، نخبوي و إصطفائي. فالذي یفکر بصورة راهنة یتمکن من رؤیة الوجوه الاخری للمسائل والوقائع و یمارس تفکیره بصورة مفتوحة و ترکیبیة.
الافکار هي أنظمة للمعرفة والبرهنة و لیست مصادر یقین. من خلالها یتمکن صاحب الفکر أن یجدد مفاهیمه ویغیر مواقفه في ضوء المستجدات والمتغییرات، کي لا یمسي رهینة معتقد جامد أو یصبح حبیس إتجاه واحد. والافکار الهامة هي مهمة دائمة لفهم وإعادة إبتکارالواقع ولیست أصولا ثابة لایبغي الخروج علیها. فهي استراتیجیات لتنمیة القدرة وتوسیع نطاق الحرکة وهامش الحریة.     
لکي لا نفکر بالمقلوب ونعود الی الوراء علینا اختراع سیاسة معرفیة تتغیر معها خارطة الواقع وخارطة الفکر وعلینا ایضا دراسة منازعنا و ممارساتنا قولا و فعلا و واقعنا و مؤسساتنا النخبویة والنرجسیة دراسة نقدیة حرة، تحلیلیة و تشریحیة و أن لا نقتل العقل بتقدیسه، لأن ممارسة التقدیس تقود الی حجب الحقائق ونفي الوقائع و تبسیط الفکر و إرهاب الذات والنفس. لانرید مجتمعا ثقافیا تنتج قطيع مجتمعي توقع بالاجماع بیانات الدفاع والشجب والاستنکار. فهذه العقلیة تحول المجتمع الی معسکر أو الی مملکة مغلقة و تقلص الحریات الی حد الصفر. علینا أن نحرر أنفسنا من کل مایعطل حیویة التفکیر وخصوبته وأن لا نتعامل مع الشعارات کأصنام فکریة ومثالات مطلقة سواء کانت هذه الافکار والمثالات هیغلیة أم مارکسیة، مثالیة أم واقعیة، دینیة أم علمانیة. ماالنفع من فکرة و ماقیمتها إذا لم یجر صرفها وتحویلها أو إبتکارها و إعادة إنتاجها علی أرض الممارسة و أتون التجربة؟
لنتمرس إذن بالتواضع لکسر نرجسیتنا بحیث نکف عن استخدام مفردات العمالقة والعباقرة والجهابذة ولانتعامل مع بعضنا بعقلیة التقدیس والتعظیم ولنتحرر من الوهم الخادع بأن الأشیاء والذوات تبقی علی ماهي علیه، فقد آن لنا أن نتغیر من حیث علاقتنا بمهننا ومکانتنا ودورنا في صناعة الحیاة و بناء المجتمع الکوردستاني.
د. سامان سوراني



290
الصراع اللفظي في إقليم كوردستان وآفة اللاحوار

منذ عدة أسابیع و بالتحدید بعد أحداث 17 فبرایر (شباط) 2011 المؤسفة نشاهد علی شاشات التلفاز التابعة لبعض الاحزاب السیاسیة في الإقلیم ونقرأ في الصحف الالکترونیة التابعة لهذه الاحزاب نصوص ملئها الخشونة والحدة متمثلة بخطابات انفعالیة، ناتجة عن السیاسات والثقافات التي انتهجتها وزرعتها هذه الأحزاب والحرکات في العقود الماضیة لتثقیف کوادرها و أنصارها. فالحدیث عن الصراع اللفظي القائم بین الأحزاب في إقلیم کوردستان أصبح واقعاً مُرّاً وصارت المحاولة الجاهدة من أجل کبح جماح هذا الصراع ومکافحة هذا النهج السیاسي العقیم لزاماً أخلاقیاً ویبقی العمل الدؤوب من أجل إعادة الثقة بین الأعضاء القیادیین في تلك الأحزاب وتمتین أواصر الثقة بین قواعد تنظیمیة لهذه الأحزاب والحرکات علی أساس زرع الفکر الدیمقراطي والسلام الإجتماعي ونشر فلسفة الحوار أمراً ضروریاً.
فالسجالات بین الأحزاب، علی الرغم من عنفها، تنتمي الی عهد انساني آخذ الی الزوال، لا الی عصر الحاسوب والانتاج الناعم وعمال المعرفة والطوائف السبرانیة الافتراضیة، لأن المسألة الآن لیست أن نبرهنَ مَنْ مِنَ الأحزاب کان في الماضي أکثر سعیاً في ترسیخ قیم المواطنة و حب الوطن والدفاع عن کیان کوردستان، بل أن نکف عن تقدیس الأفکار لکي ننخرط في‌ تشکیل فضاء فکري جدید، یتجاوز العقلیات الثوریة القدیمة والخطابات الرّنانة المراوغة والمقولات المستهلکة والعقلانیات الحدیثة التي باتت عاجزة عن فهم الوقائع وصناعة العالم. ولنترك العُملات الفکریة التي تؤجّج الصراعات وتخلق حالة طواریء داخلیة تستدرجنا الی الإنخراط في حرب أهلیة یتحول معها أسم الإصلاح والحریة الی بُعبعٍ وجلاّد تنتهك کل الحدود والحقوق والحرمات.
فمآل الصراع من أجل السلطة بواسطة العنف، بدل العمل من أجل الإصلاح، یقود مجتمعنا الی دفع أثمان باهضةً، دماً ودماراً، قهراً و هدراً و یخلق فتن داخلیة و حروب طاحنة و هجرات جماعیة و إرهاب البشر و إستئصال و نفي المختلف بعقول مغلقة و متحجرة.
من یتأمل مصائر النظریات البرّاقة والمشاریع العریضة والمبنیة بأساطیر الحریة و أدلوجات العدالة والمساواة، یکتشف بأنها أسهمت في قیام أنظمة کُلانیة وعصبیات فاشیة أو في تشکیل هویات مغلقة ومجتمعات مفقرة، من ثمارهم تعرفونعم. 
أن بناء السلام الإجتماعي یحتاج الیوم أکثر من ذي قبل الی التکاتف والتأزر والتعاون والتنسیق بین الأحزاب داخل السلطة و خارجها من أجل تشخیص الأزمة الحالیة بشکل علمي و دقیق وتشغیل الأفکار وإستغلال الطاقات الفعلیة  لطرح حلول بناءة مناسبة، واقعیة و معتدلة تنسجم مع ظروف الآنیة والخصوصیة السیاسیة لکوردستان للوصول الی الاِزدهار والعدالة الاِجتماعية وتحقیق السلام الاجتماعي وصیانته.     
فالجهة التي تنظر الی أعمال الحکومة کالنظر الی المخلوق الآثم الذي ینتظر یوم الدینونة لکي یحاسب علی عمله، لاتنوي الإصلاح، بل تسعی الی نفي کافة الامور الایجابیة التي تتعلق بالسلطات التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة، ساعیة الاستغاثة والاستنجاد کما في السابق بالاطراف التي کانت عوناً للبعث َ المقبور وحكمَه المجنــــون و ساهمت في قمع الکوردستانین في الماضي کي تسبب الشرخ في بنیان البیت الکوردستاني.  فعلینا أن لانترك الریاح والعواصف تهبّ من الخارج، فالوحدة الکوردستانیة تبقی هشة أو تکون قید التهدید والانفجار، إذا ما قمنا برشق بعضنا البعض بتهم العمالة والخیانة لهذه الجهة أو تلك وإذا ما نصبنا جدران الکره والحقد فیما بیننا. مانحتاجه الیوم هو تغییر أنماط الرؤیة هوطریقة التفکیر وقواعد العمل والبناء و نماذج جدیدة تفکر بعقلیة الخلق والابتکار والتحول بمنطق سلمي، مدني و تبادلي.
علینا أن لا نُقدّس القدیم الی حد الإرهاق فنزداد ضعفاً ونخسر مانرید المحافظة علیه، بل علینا العمل للمستقبل بعقلیة خلاقة بعیدة عن استعباد عقیدة أو مقولة أو إستعمار أصل أو اسم أو نموذج أوحد، علینا کسر الدائرة الخانقة للعمل الثقافي الکوردستاني و نخلق فرص تتیح تجدید الوسائل وتحدیث الوسائط، بقدر ماتتیح تغییر الأدوار و ابتکار المهام.
ومن المعلوم أنه لا سبيل لحل جميع القضايا الفكرية والسياسية والدينية والاجتماعية في الاقلیم إلاّ من خلال الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر والاحتكام إلى العقل التنویري.
صحیح أن الدیمقراطیة لیست فردوساً حمیماً، بل هي إمکانیة مفتوحة و فرصة متاحة لکي نحسن أن نتغیر في ضوع الحقائق والمتغیّرات، شرط أن نتعامل معها بلغة الإمکان والاختراع وبعقل ترکیبي، بنائي، معماري وشرط أن نترك عقلیة الإخترال والتبسیط والتعمیم التي هي علی مایبدو وللأسف من اختصاص بعض "المفکرين" الذین یصدورن أحکاماً مطلقة و یطلقون تقییمات شاملة وینادون بمعارضة السلطة الحاکمة و أن لا نعسکر وراء الماضي المُرّ.
قال جون لوك (1632 - 1704)، الفيلسوف التجريبي والمفكر السياسي الإنجليزي ذات مرة:
"إذا رقيت إلى مكان قد لا أستطيع أن أملأ فراغه، فإن الهبوط منه لن يكون إلا سقوطا مروعا، يُسمع له دوي شديد"
وختاماً: من لا یتقدم یتراجع لا محالة. ومن لایحسن دراسة ظروفه الآنیة و خصوصیاته السیاسیة تهمشه المتغیرات و تنتقم منه الوقائع.

د. سامان سوراني

291
المعارضة في إقليم كوردستان العراق و لغة الحوار أو اللاعنف!

لا أحد يستطيع الدفاع عن العنف دون أن يقع في التناقض. فالعنف لا يوّلد الا العنف ، و لا يقابل الا به و هذا من شأنه أن يفسد الأمور و لا يصلحها، بل يؤدي الی تأزم الأوضاع أكثر والى تحطم العلاقات بين أعضاء المجتمع الواحد والأسرة الواحدة. فالعنف يفرز العداء و التوتر و الرغبة في الانتقام و مبررا للتدمير و التخريب، و هو أسلوب بدائي غير متحضر لا يرقى الى مستوى الانسان. فالحيوان لا يلجأ الى العنف الا لضرورة بيولوجية كالصيد أو الدفاع عن النفس فكيف بالإنسان يمتاز بالعقل و القيم الأخلاقية. علی المواطن المتحضر نشر نظريات اللاعنف التي تنادي بضرورة استخدام الوسائل السلمية في المطالبة بالحقوق أو في حل الخلافات و النزاعات ورفض العنف رفضاً مطلقاً سواء صدر من طرف الفرد أو من طرف اقلیة سیاسیة أو من طرف الدولة، هذا مافعله "ماهاتما" غاندي، وإعتباره رذيلة وهمجية أتعبت العالم ولم تُفِد الإنسانية في شيء. ولتکون علاقة الذات مع الآخر علی أساس الاحترام المتبادل والانفتاح  والتضامن والحوار ولتتقبل كلام الآخر على نحو يقظ ممحص، وليس على نحو سلبي.
من هنا ندعو الى تكاتف القوی الکوردستانیة وذلك برص الصفوف وشحذ الهمم والعمل معاً من اجل ضمان عودة المناطق الكوردستانية المستقطعة وذلك بتنفيذ المادة 140 الدستورية وعدم إفساح المجال للمغرضين بنسف المؤسسات الحکومیة وافشال التجربة الديمقراطية في إقلیم کوردستان ونهتف الی نبذ فلسفة العنف بوصفه تهديدا للعقل وتغييباً للمعنى ونفضّل تهدئة الاوضاع والجلوس على طاولة الحوار لحل المشاكل والقضايا ضمن حدود البيت الكوردي ونؤکد بأننا لا نتمنی أن تقع إقلیم کوردستان في مطب المتناقضات، فإنها آفة الآفات، نقول بأن العمل على تفعيل قيم الحوار ونبذ العنف یجب أن تبدأ الیوم الی جانب التربية الاسریة و قاعة الدرس عن طریق الإعلام المیدیائي أیضاً، کي تُنْشر قيم العقل والتفكير المنطقي والانفتاح على الآخر.
علینا غرس ثقافة التواصل والحوار فینا بدلاً عن "التانتوس" أي غريزة الموت و لنقرّ بأنه لا وجود لوطن حر الا بالمواطنين الاحرار. ولنسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة العنف.
أما في المجال الاجتماعي فما علینا سوی إبتکار مفاهیم جدیدة وإجتراح أدواة منهجیة و بناء أنساق معرفية لتفسیر هذا المجال و لتحسم أمر السلطة بالتشاور والتفاوض والانتخاب والاقتراع، لا بالمناورة والمخاتلة أو باستخدام القوة العاریة من أي مسوّغ عقلي أو من أي سند شرعي قانوني، ولتعلو سلطة الکلام علی سلطة العنف والحجارة، ولتنتخب القوی المعارضة المشارکة في التقریر عن طریق العملیة الدیمقراطیة. 
إن خطورة العنف تكمن في كونه يؤدي - بسبب طابعه الأداتي - إلى تحطيم كل سلطة قائمة ويهدد بذلك إمكانية قيام الجماعة نفسها كشرط للوجود البشري.
والعنف يحمل في ذاته بعدا انتحارياً يهدد وجود الإنسان، وخصوصاً عندما يبلغ حدوده القصوى ويتحول إلى الشر الجذري أو المحض ولا يمكن أن يحظى العنف بأية مشروعية حتى وإن بدا قابلاً للتبرير في بعض الحالات (دفاع مشروع عن النفس أو مقاومة الإضطهاد و..).
والتاریخ علّمنا کیف أن الثورة والإنقلابات لا تعيد غیر توزيع الفقر والجهل والمرض وانها لا تأتي بالرفاهية قط بل بالدماء والدمار، وهي ما حذر منها أرسطو ولكن هل يفهم العقلاء هذا الدرس.
صحیح بأن الأمور لن تعود الی ما کانت علیه، لأنه لا شيء یکون کما کان من قبل، وإذا أرادت المعارضة أن تصنع صورتها الجدیدة و أن تستعید مصداقیتها "المفقودة"، فلیس بنفي الحقائق، بل بطرح أسئلة الحقیقة، بالنقد وإعادة التفکیر في عدتها الفکریة و اجهزتها المفهومیة و تغيير طریقتها في النظر الی عمل الحکومة. علیها أن تهبط من علیاء الأفکار وطوبی الشعارات الی أرض الواقع، لکي تحسن التعاطي مع الواقع، لأن نفي الحکومة و ازدراء الوقائع سوف تؤدي الی تدمیر المجتمع واجهاض التجربة الدیمقراطیة. علی المعارضة أن تصحو من قوقعتها النرجسیة وتعترف بنسبیة آرائها، کي لا تتحول الی حارس لافکارها، تفي الوقائع لتصح مقولاتها.
وعلی الحکومة الکوردستانیة أن تقوم بأعمال المراجعة النقدیة والمحاسبة العقلانیة کي تستبق الأحداث قبل وقوعها وتخلق قرأتها قراءة فعّالة ومثمرة وذلك لإنجاح الإدارة والتدبیر و تقوم أیضاً بجابن المشاریع العمرانیة العملاقة بدعم وإنشاء مصانع ومعامل انتاجیة، لایجاد فرص العمل لجیوش من الخریجین کي لا یتحول شباب ممیزون و متفوقون الی مهاجرین أو عاطلین عن العمل  فـ"درهم وقاية خير من قنطارعلاج"
وختاماً المثل القائل: "من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لا تكلفه شيئاً فسوف يضطر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى سعر".
د. سامان سوراني

292
دور الإصلاح في تنمية التحول الديمقراطي

من الواضح، بأنه لا وجود لربط میکانیکي بین الدیمقراطیة والتنمیة. فمنطق التنمیة تکمن في زیادة الانتاج و مضاعفة الموارد، أما منطق الدیمقراطیة فهو الوصول الی حمایة الحقوق وضمان الحریات.  وهناك أمثلة عدیدة علی أن التنمیة قد تخلق فرصاً لتحقیق العدالة الإجتماعیة، لکنها لاتقود بالضرورة الی فردوس العدالة الاجتماعیة، هذا فیما لو أقرّنا بوجود فرادیس علی سطح هذا الکوکب الحزین.   
إنّ ضمان حریة التعبیر وتفعیل فلسفة المواطنة یساعدان في خلق فرص ذهبیة للتنمیة ویعززان الطاقات الحیة للمجتمع. علینا أن نتجاوز جمهوریة المساواة المجردة أمام القانون بتوسیع أطر وآلیات التعبیر والمشاركة الفعالة والمؤثرة و تکثیف إمکانات المحاسبة والرقابة. علینا أن نجعل من الفضاء المجتمعي ورشة دائمة و نشیطة لقیادة الحوار والمباحثة والمناقشة والمبادلة علی کافة المستویات وفي المجالات المختلفة. 
وعملیة التحول الدیمقراطي معقدة و مرکبة، تمس کافة جوانب الحیاة وتهدف الی تغیر سلوکیات أفراد المجتمع وهذا مایزیدها صعوبةً و تعقیداً. والمجتمع المدني الفاعل هو أحد الفعالیات الأکثر تأثیراً في هذه‌ العملیة، إذا کان في الأساس منبثقاً من عمق المجتمع، بصفة تلقائیة، توفرها الحافز الذاتي والقدرة علی المبادرة بطریقة طواعیة. وعقلیة النموذج والقالب تبقی حجر عثرة أمام التنقل من الدیمقراطیة المنمّطة الی دیمقراطیة منفتحة. علینا کسر هذه العقلیة، لأنه لا وجود لنموذج واحد للعمل الدیمقراطي ولا وجود لمعاییر ثابتة أو لحلول حتمیة ونهائیة ولا وجود لأزمنة ذهبیة تُملأ فیها الأرض عدلاً وسلاماً علی ید منقذ و مبشّر  أو فیلسوف مُنظّر. الحل تکمن في التفکیر بمفردات النسبیة و التوسّط والعمل بمنطق الخلق والتحول. فالنمو لایجري بعقلیة النسخ والتقلید الأعمی، بل بلغة الخلق والإبتکار. 
الدیمقراطیة لم تعد خیارا، بل ضرورة من ضرورات العصر، فهي مقوم ضروري لإنسان هذا العصر المعولم، هذا الإنسان الذي لم یعد مجرد رعیة، بل هو مواطن یتحدد کیانه بجملة من الحقوق والحریات الدیمقراطیة التي في مقدمتها بجابن الحقوق الاخری، الحق في اختیار الحاکمین ومراقبتهم و عزلهم.
وفي عصرنا هذا، الذي فیه تتشابك المصائر والمصالح و تتعولم الحروب والهویات علینا الانفتاح علی الخارچ أکثر فأکثر وذلك عبر المؤسسات الإقلیمیة والدولیة، السلمیة منها والمدنیة، التي تهتم بالدفاع عن حقوق الإنسان و تدعم الحریات الدیمقراطیة، ونشارك أیضا في الحوارات و المناقشات العالمیة في هیئات و مؤسسات دولیة، فبذلك ینفتح المجال للتحول نحو دیمقراطیة عصریة، قد تکون أکثر فاعلیة و دینامیکیة، تجریبة و عالمیة.
والمواطنة التي نحن بصددها یعني، أن المواطن هو من یعیش في مجتمع دنيوي لایستمد مشروعیته من مرجعیة خارجیة علیا، سواء أکانت هذ‌ه‌ المرجعیة لاهوتیة أو غیبیة، بل یحمل المسؤولیة عن نفسه وینظم شؤونه بما یصوغه من التشریعات والقوانین أو القیم والمعاییر.
في عصر المعلومة الرقمية والحداثة السیالة والاعتماد المتبادل علیه‌ أن یعود مصطلح الکوسموبولیتیة الی الواجهة لتمثیل الفرد، ذلك الإنسان الذي یلعب دورمهم و حیوي في تنمیة التحول الدیمقراطي.
أما فیما یخص الإصلاح، فإن دیناصورات الفکر القومي أو الدیني أو الحداثي یعتبرونه شأنا وطنیاً خالصاً، مُهملین أبعادهُ الإقلیمیة والعالمیة. والإصلاح بحاجة الی عقل تداولي ومجتمع تداولي لا الی جماهیر تستخدم فقط للتعصب والتعبئة، لکي تتمثل وتصفق أو تمارس طقوس العبادة للزعماء والمرشدین الروحیین أو لکي تکون آلة لإحداث الإضطراب والخراب والهلاك. والجدل العقیم عما إذا کنا نبدأ الإصلاح بالسیاسة أم بالإقتصاد لا لنا تجلب ثماراً، فالاصلاح ورشة شاملة لإعادة البناء. فإذا بدأنا الإصلاح في حقل ما، فإنه سوف یحدث مفاعیله في بقیة الحقول. والتجربة الناجحة في حقل ما یمکن الإستفادة منها في حقل آخر علی سبیل الصرف والتحویل وإعادة الإنتاج أو الإبداع.   
وختاما نقول: "قبل البدء بتغیر العالم، علینا فهمه أولاً"
د. سامان سوراني

293
آلیات الإصلاح وأوهام المعارضة التقليدية

قبل البدء في ذکر آلیات الإصلاح  والحدیث حول أوهام المعارضة، علینا القول، بأن الديمقراطية إبداع سیاسي و إنجاز ینجز وحق یمارس بصورة یومیة ولیست حق یکتسب مرة واحدة و بصورة نهائیة.
الدیمقراطیة تفترض أن يكون الإنسان سيد نفسه والمشرّع لاجتماعه مع نظيره، فهي تحتاج الی تطویر وتوسع لکي تشمل مجالات واسعة وقطاعات جدیدة. والبنیة التحتیة لها هو الفصل التام بين ميدان الألوهية وميدان الحاكمية البشرية. والديمقراطية کشکل من أشکال السلطة تتنافى مع الدوغمائية العقائدية والعقلية الأحادية المغلقة، فهي تفترض عقلاً مرناً مفتوحاً يتيحۥ حرية التفكير ويعترفۥ بحق الآخر في أن يكون مختلفاً ويمارس سلطة مفتوحة قابلة للنقاش، ذلك أن العقل العقائدي والأيديولوجي عموما يؤول إلى وحدانية السلطة ومن ثم إلى ممارسة الاستبداد والطغيان والأمثلة علی ما نقوله لاتحصی.
والدیمقراطية لیست صیغة جاهزة للتطبیق والترسیخ ولاهي، کما یعرّفه البعض، الفردوس الموعود، بل هي عمل شاق ومتواصل یقوم  به المجتمع علی نفسه. والذين یعتقدون بأن الدیمقراطیة قابلة لأن تنقل بحذافیرها وحرفیتها و نموذجیتها، لم یمارسوا سوی الاستبداد. فالإنسان هو ثقافة، بقدر ما هو طبیعة والدیمقراطیة في عصر ثورة المعلومات والاتصالات وفي مجتمع الصورة والمشهد تبقی دیمقراطیة میدیائیة، مرکبة، بنائیة تداولیة فعالة. وفي عملية بناء حياة الديمقراطية السليمة یبقی العقلانیة الفيصل حتى لو حمل في طیاته ارتضاء من لا تميل إليه قلوبنا.
أما الإصلاح فلا جدال في أنه‌ عملیة معقدة و مرکّبة، إذ تشارك فیه قوی و فاعلیات و مشروعیات متعددة و مختلفة، کالإدارات الرسمیة ومنظمات المجتمع المدني وأصحاب المشاریع الاقتصادية والمؤسسات الإقلیمیة والدولیة و مراکز البحوث والدروس العلمیة. والإصلاح هو عملیة شاملة و مستمرة، لأنها یطاول مختلف الحقوق والقطاعات، سواء تعلق الأمر بالسیاسة أو الاقتصاد أم الاجتماع أم الثقافة، فهو ورشة شاملة لإعادة البناء. ومن خلال ندوات هجینة و مرکبة یقوم فیها فاعلون من اختصاصات مختلفة ومواقع متعددة بإغناء النقاش والدرس والمعالجة، وذلك من أجل رسم خطط الإصلاح والبناء.
لا مراء من أن الإصلاح له إبعاده‌ الإقليمية والعالمیة، هذا مانراه حدیثاً في الندوات والمؤتمرات التي تقام علی مستوی التنمیة والمعلومة والإدارة والأمن. فالإغراق في الجدل العقیم عما إذا کان الإصلاح ینبع من الداخل أو یملي من الخارج هو هروب من المشکلة و تهرب من المسؤولیة. والإصلاح هو عملیة دائمة لا تتوقف، لأنه لا وجود لحلول نهائیة في هذا الزمن المتسارع. والمعطیات والمعلومات تتغیر علی نحو یملي باستمرار تغیر الوسائل والأدوات.
ففي ضوء الأزمات الراهنة علینا إعادة ترکیب الصیغ والأنساق العقلية  وتجدید العناوین و تحویل المفاهیم، ومن یعمل في إصلاح نفسه یستطیع المساهمة في إصلاح الغیر. ومن یرید مجابهة التحدیات والمتغيرات المتسارعة بعدّة فکریة مفلسة وعقلانیة القرن الثامن عشر لا ینتج غیر الهزیمة والکارثة. والتاریخ لا تسّيره الأفکار المسبقة والنماذج الجاهزة أو الخطط المرسومة، فمن صنع نفسه یستطیع أن یصنع التاریخ أیضاً.
وفي ظل التطورات الأخيرة علی الساحة العربیة بدا جلیاً بأنّ مفهوم القيادة قد تغيّر وإنّ الجمهور قد حوّل معنى القيادة من قيادة النخبة إلى قيادة مايكرو- سياسية آنية ومؤقتة ومفتوحة ومتحوّلة ومتكثرة ومتدفقة ومتفجرة كسيل من الحرية المندفعة دون أن تکون لها سلفا ًهدف منهجي محدد. فما من حاکم أو طاغیة الیوم أن ینفرد ببلده لکي یتعامل مع أهله کالقطیع و یحکمه‌ کما یشاء و باتت مسألة الحقوق و الحریات أو تلوث الأرض والبیئة مسألة کونیة.
في السابق کانت الحرکات المعارضة والمنظمة، کما الآن في بعض المناطق وللأسف، تسعی الی تنصیب نفسها وصیاً علی الحریة والثورة و تجاهد بأن أن تكون رسولاً للحقیقة والهدایة، أو قائداً للمجتمع والأمة، لکن هذه المهمة الرسولیة الطليعية قد ترجمت وتترجم علی الأرض فشلاً ذریعاً وإحباطاً مميتاً. وکانت المعارضة دوماً تقع أسير افکارها، تحاصرها الوقائع. حیث کانت تطالب بالحرية، لکي تمارس الاستبداد و تقدس العقل لتنزیهه عن الخطأ و تفاجأ باللامعقول من حیث لا تحتسب.
وما شاهدناه أخیرا في کل من تونس ومصر دلیل علی ما نقوله: إذ رأینا، بعد أن تحول قبلها العـمل الدیني في أکثر من بلد من أفیون مخدر الی فیروس قاتل یفتك بمجتمعات تلك البلدان، على الرغم من السمة الدينية الغالبة على المجتمع، تشتت المعارضة والمرجعية الإسلامية وعجز التيارات الرافعة للشعارات الإسلامية عن احتكار المشروعية الاسلامیة. وتعني هذه المؤشرات أن المجتمعات المسلمة أصبحت تعيش عملياً وواقعياً مسار الفصل بين العقدي الذاتي والعمومي المشترك، الذي هو أحد محددات الحداثة، دون الحاجة الى دفع الاستتباعات النظرية والتأويلية التي تشغل الفلاسفة ودعاة الإصلاح الديني. حتی البضاعة الإسلامية نفسها أصبحت شديدة التنوع، والسلطة التأويلية للنص لم تعد قائمة، ومسارات التدين غدت كثيرة متعددة وغير محصورة في النمط السياسي.
إن الأزمة تبدو الیوم الظاهرة ولیس الإستثناء في مساعي الإنسان المعاصر ومشروعاته الفلسفیة والخلقیة أو السیاسیة. أما الحریة، تلك الکلمة التي تخفق لها القلوب وحارت لها الأفهام، فهي بلا ریب أقدم المشکلات الفلسفیة وأعقدها. الحریة أصبحت الیوم شعار ینادیه کل معارض. لکن الحریة هي صناعة الإمکان ، لأنه لا حریة من غیر خلق و إبداع وفاعلیة. والذي یمارس حریته و یبني قدرته لایفکر أو یعمل حسب دفتر الشروط وسلاسل الأسباب، وإنما یشتغل علی معطیاته، علی سبیل التصنیع والتحویل وإعادة البناء. فالمعارض لا یعشق الحریة علی ما یدعي بقدر ما یهوی الفرادة والتمایز و ممارسة السلطة و تأکید الحضور. فتحریر المجتمع هو شأن الجمیع علی اختلاف قطاعاتهم و حقولهم أو فئاتهم و مشروعیاتهم و هو لیس شأن فئة أو قلة أو نخبة تحمل المسؤولیة عن غیرها. والرهان هو العمل علی ایجاد فضاء جدید للعمل الحضاري والنمو البشري، بحیث ننتقل من "الأنا" النخبوي والوحداني الی "الأنا" التواصلي و التعددي.  والفعل التواصلي في عصر التبادل الرقمي والمجتمع الإعلامي والعمل السبراني یتجسد في المناقشات العلنیة والمناظرات العمومیة والمحاورات العقلانیة بین الفاعلین الاجتماعیین، لذا نری من الواجب السعي الی العمل من أجل الحقوق الکونیة والحریات العالمیة في عصر الدیمقراطیة المیدیائیة التي تتجاوز الدیمقراطیة التمثیلیة التقلیدیة.
وختاماً: "من ینسی الماضي محکوم علیه بتکرار هذا الماضي"
د. سامان سوراني


294
العولمة وحریة الرأي في عصر ما بعد العلمانية؟

من المعلوم، بأن السیاسة لیست مملکة للفضیلة والنوایا الطیبة، بل هي ممارسة للسلطة تبعاً لعلاقات الثروة و خریطة المصالح، وهذه العلاقة تفسر لنا کیف أن السیاسي المعارض سرعان ما یتخلی عن مواقفه الخلقیة و تهویماته المثالیة عند استلامه الإدارة وممارسة للسلطة.  فبعد أن صارت الکرة الأرضیة بفضل العولمة لا مرکز لها وأصبحت مُلك الناس أجمعین، لا مُلكاً لحضارة کبری، نری من الضروري في عصرنا هذا، عصر الاختلاف توجیه رسالة الی النخب الثقافیة بتجمعاتها و قبائلها و مافیاتها، المتقوقعة علی ذواتها والغارقة في تهویمات المجتمع المدني والحریة، التي ترمي أسباب تخلفنا علی سواها، فیما هي مصدر من مصادر الأزمة. إن توجیهنا النقد للنخب الثقافیة، المدّعیة الحقیقة والداعیة للحریة لایعني نفیها عن المجتمع والعالم، أو استبعاده عن مجال الفعل و ساحة المواجهة، کلا، الاختلاف أمر نمدحه و نقرضه، وکثیرا ما نطالب بحق الاختلاف ونناضل من أجله.
لکن التقلید و النسخ الحرفي عسکرت عقول النخب، التي تدافع بشکل مستمر عن أفکار مستهلکة ومشاریع مستحیلة، فنراها منتقلة من شعار خاوٍ الی آخر وتعمل علی الثوابت المعیقة بقوالب متحجرة، تارکة لغیرها الاشتغال علی الروابط المجتمعیة لتحویلها الی ممارسات مدنیة أو دیمقراطیة أو عقلانیة أو تداولیة.
علی النخب التخلي عن إستراتيجية الرفض والاستبعاد المتبادل بین القوی والمشروعیات المجتمعیة والتمرس بسیاسة الاعتراف المتبادل القائمة علی مبدأ التعددیة في الأنماط والمجالات أو في الحقول والدوائر. فلا وجود لهویات صافیة أو نقیة، أصولیة أو نهائیة.
العالم یتغیر ویتعولم أکثر فأکثر، لأن ثورة الاتصالات لا تقف وقنبلة الـمعلومات انفجرت واجتاحت الکون بشکل متسارع والمحمولات إنتشرت کالأثیر. فکیف نتغیر وکیف نفهم المجریات لکي نواجه کل هذه التحدیات و نساهم في صناعة الحضارة بلغة التواصل والتعارف والتبادل المتقنة؟
والزمن الذي نعیشه، زمن "ما بعد العلمانیة"، من سماته التمرس بوعي جدید و العمل علی تشکیل ثقافة سیاسیة لیبرالیة یعاد معها بناء العلاقات بین "المؤمن وغیر المؤمن"، بین المجموعات الدینیة وبین الذین لا تحرکهم دوافع دینیة عبر الأخذ بتعددیة أنماط التفکیر  و أنظمة القناعات والمصالح في الفضاء الاجتماعي.
علینا أن ننظر الی الفرد أو الشخص لا کقاصر أو کمجرد مؤمن في جماعة، بل کمواطن صاحب إختصاص، و کفاعل بشري له أبعاده المحلیة والوطنیة أو الإقلیمیة والعالمیة، بحیث یفکر ویتصرف کمسؤول عن نفسه، مؤثّر بقدر ماهو منتج و مبتکر، یساهم مع سواه في صیاغة المصائر، سواء علی مستوی بلده أو منطقته اللغویة أو الجغرافیة، أو علی مستوی البشریة جمعاء.   
في العدید من البلدان الغربیة تم إعلان الاعتراف الرسمي بحقوق الانسان و حقوق المواطن عن مبدأ حریة المعتقد، اي حریة إبداء الرأي الدیني و حریة اختیار المذهب التي یرید الفرد الراشد الإنتماء الیها. فیمکن للفرد أن یعلن بحریة عن الدیانة التي یرید اعتناقها أو التي یختارها، حتی وإن کانت مخالفة لما ورثه عن اجداده الأولین. والتحول الدیني قد صار ظاهرة فردیة وتتعدد الأفکار بتعدد الناس علی هذه الارض ویعود للناس حریة اختیار آرائهم و أفکارهم، لکنهم یبقون ملزمون بالعیش معا بالرغم من حملهم لمعتقدات مختلفة.
والفکر هو مصنع الإمكان، فهو سیف ذو حدّين، به نولّد الجهل والفقر والإستبداد والکوارث، أو بالعکس ننتج المعرفة والثروة أو نصنع القوة ونمارس الحریة، أي به نرسف في العجز أو نجترح المعجزة.
أوروبا التي کانت في الماضي مرکز للعالم، استطاعت و علی مدی قرون - بالاخص في القرون الثلاثة التي سیطرت علی الارض- أن تنتج معرفة تناولت العالم التاریخي والثقافي والمجتمعات الاخری والحضارات الاخری. و بفضل التعددیة الثقافیة تمکن الغرب تجنب الوقوع في بعض "الافخاخ" التي ضاعت فیها بعض الحضارات الاخری. والأهم من ذلك، لقد تخلی الغرب عن ادعاء الاحتفاظ بالحقیقة.
والیوم وبفضل التقنیات صار التبادل سهلاً و بمعزل عن کل الصراعات وعن کل التمزقات فإن عملیة التوحد ستزداد، هذا ما یقربنا من الوحدة السیاسیة من اجل بناء نظام عالمي أساسه القانون والإنخراط في بناء عالم مشترك یتیح التعایش والتبادل علی أسس حضاریة أو مدنیة.
واستراتیجیة الحوار الناجح والفعال والبناء والمثمر هو العمل بمنطق علائقي، وسطي، تواصلي و سلمي.
الماضون ترکوا لنا تجارب وخبرات بشریة، علینا العمل علیها و استثمارها، ولکن لا کسلطات مقدسة نذعن لها، لکي نعمل دوما علی انتهاکها. بل علینا أن نعرف کیف التعاطي مع القدیم والتراث و نعلم کیف نقرأ النصوص والاعمال قراءة معاصرة، راهنة، کي نجدد بها أدوات الفهم و نغیر علائقنا بالعالم والأشیاء، بالافکار والکلمات. 
وختاما، لنعترف بأن الأزمة لیس مصدرها الغیر، بل الذات والفکر. فعلینا مجابهة أفکارنا بالذات لکي نفهم اللامعقول أو اللامتوقع.
ولنترك المعرّي یتکلم:
" قل لمن یدعی فی العلم فلسفةً حفظتَ شیئاً وغابتْ عنك أشیاءُ"
د. سامان سوراني






صفحات: [1]