عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - ظافر نوح

صفحات: [1]
1
جمعية سان جود العراق تدعم الفقراء ضد موجة البرد والكورونا
      بسبب موجة البرد الشديدة التي يتعرض العراق، وتفشي الفايروس المتحور الجديد، قامت جمعية سان جود العراق باستنفار جهودها عبر جمع التبرعات من المحسنين لغرض ارسالها الى العراق من أجل دعم العائلات الفقيرة من فئة (الارامل واطفالهم) ذلك من خلال همة الكادر الاداري العامل في مقرها الام في امريكا – ميشيغان، حيث كانت وماتزال الجمعية منذ تأسيسها في عام 2015،  تبذل كافة الجهود من أجل أعانة وتمكين الفقراء وبشكل خاص فئة (الارامل واطفالهم)، بالتعاون والاعتماد على كادر فرع الجمعية في بغداد الذي يعمل بشكل طوعي وبهمة عالية على تقديم كافة الخدمات المادية والمعنوية والمساعدة في تجاوز المعوقات التي تتعرض لها الارملة واطفالها من مشاكل عدة منها: اجتماعية وصحية واقتصادية وحتى قانونية، والوقوف معها ومساندتها وتشجيع اطفال الارملة في الاستمرار على الدراسة وعدم ترك التعليم بحجة عدم توفر الامكانية المادية، هكذا رافقت ومازالت ترافق جمعية سان جود العائلات المحتاجة الساكنة في المناطق الفقيرة في بغداد وبعض القرى التابعة الى اقليم كردستان.
     اليوم وبسبب موجة البرد الشديد وانقطاع الكهرباء وغلاء الاسعار وانتشار البطالة وتفشي الفيروس المتحور، قامت جمعية سان جود عبر فرعها في بغداد بتقديم الدعم لهذه العائلات من خلال تسليمها مبلغ مالي يساعدها على شراء الوقود للتدفئة واقتناء الملابس الشتوية والمواد الغذائية الضرورية، ومن الجدير بالذكر كانت الجمعية ومنذ عام 2017 تقوم بتوزيع الاعانة وبشكل شهري عبر مقر فرعها في بغداد في كنيسة القلب الاقدس–الكرادة، وذلك بدعوة العائلات المشمولة للحضور الى مقرها، وبعد استقبالهم والاستفسار عن وضعهم ومشاكلهم، تقدم لهم الاعانة وفي بعض الاحيان كانت توزع معها سلة غذائية أو ملابس للأطفال أو لوازم المدرسية من الكتب والقرطاسية أو بطانيات. حاليا وبسبب تفشي فايروس الكورونا لجئت الجمعية الى ايصال الاعانات مباشرة الى بيوت العائلات من خلال متطوعي الجمعية.
م. فرع جمعية سان جود في العراق
ظافر نوح المحامي / بغداد     


2
في القيادة، لا يغرق إلا السبّاح
ظافر نوح
 
 تخلق كلمة "القيادة" مشكلة في زماننا، إذ نرى فيها تحوّلات عميقة، بدأت تنكشف في انقياد الناس لهذا الشيء أو نفورهم منه. فبعد سنوات قضوها طائعين، لا يرفع أحد صوته، ولا يجرؤ على إعادة النظر في السائد من الأمور وذلك على كل الصعد: مدنية أو دينية، بل وحتى عشائرية. وكأن مصير الناس مكتوب على جبينهم. لكن اليوم لم تعد القيادة قدرًا وحتميّة، بل بالعكس، أصبحت حيرة وخوفًا، هذه الحالة تنبئ بتحولات عميقة، فهل هي من آثار العولمة، أم نحن إزاء بركان لتحولات أخرى أعمق؟ ماذا سيكون مصير العالم إن لم تكن فيه ثوابت، وهل القيادة من بين تلك الثوابت؟ في هذا المقال نحاول فهمَ الصراع العنيف الدائر بيننا وحولنا، بين طبقات مجتمع يأخذ فيه الإنتماء وجه السيطرة، فهناك منافسة للتمايز ما زالت تتأرجح بين الوراثة والكفاءة، ومن الذي سيغلب يا ترى؟ هذا ما يخفيه المستقبل، ونكتفي الآن بتحليل ما يساعدنا على فهم الحاضر.
   القيادة هي ممارسة سلطة على الآخر، وبدون لجوء إلى ضغط جسدي، لجعله يخضع لإرادة صاحب تلك السلطة، وإذا ما استثنينا استعمال القوّة، فستكون ظاهرة القيادة مرتبطة مع أصل الدافع إلى استعمال السلطة على الشخص المسلـَّط عليه، للتأثير على سلوكه. وهذا يعني أن كل قيادة تعتمد أرضيّة نفسيّة وفرديّة، وتعمل ضمن العلاقة بين الأمر والطاعة، وهذا ما يجعلنا نضع القيادة (السلطة) كظاهرة اجتماعية. وقد قام عالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر (Weber Max) بتقسيم ممارسة القيادة إلى ثلاثة: التسلط (بالإنقلاب أو بالثورة)، و السلطة التقليدية (كالعشائر والحكم الوراثي) والسلطة العقلانية (البرلمان والإنتخاب والإقناع)، ثم أضاف لاحقًا إلى القيادة، طابعًا ضروريًا وهو تميّز أحد الأشكال الآنف ذكرها بكاريزما، أي أن يتمتع صاحبها بموهبة طبيعية وعفوية لهذا العمل. 
    يقول (هاملت) بطل مسرحية شكسبير: "تكمن عظمة الإنسان في اشتراكه في صراع عظيم". وهذه دعوة إلى الدخول في الجماعة لتحريرها مما يكبّلها من قيود، إذ لا تكتمل الصورة الإنسانية في الفرد، ولا تتحقق حياته إلا في هذه المشاركة في القيادة. وقد ذكر أفلاطون عن أحد الحكماء قال: "إن الذي لا يطالبنا بالمستحيل لا يكرّمنا تكريمًا كافيا" (كتاب جمهورية أفلاطون). فالحياة إذن تحتاج إلى تحمّل وصبر وتجاوز للمعوّقات، لأجل تحقيق ما هو نافع ومفيد وجديد للإنسان الفرد والجماعة.
    لقد توصّل عالم اليوم إلى وعي عميق بضرورة الحفاظ على حياة الناس، ومن أجل ذلك وضع الكثير من الضوابط، وفرض ذلك على عاتق جميع المواطنين، لذا تطالب مؤسسات المجتمع كل الناس أن يخضعوا ضمن نطاق إسمه القانون، وهذا يعطي صلاحيات كثيرة مدنية أو عسكريّة، لحفظ حياة كريمة للأفراد فأصبح شعارًا يردّده الجميع إلى حدّ الملل، وخصوصًا عندما تبنته كل النظم كشعارات جوفاء. من أجل ذلك تدعو الحاجة، في كل علاقة (حتى بين شخصين) إلى قيام قيادة توجّه بشكل صحيح تطلعات تلك العلاقة. وهنا تبدأ المشكلة، وهي: من هو الذي يقود، ومن يقرّر؟ فالكل يعتقد أنه يستطيع أن يصير قائدًا.

دور القيادة
     "عندما يقام قائد جديد، يتوقع الناس دائما أن تحدث على يده تحوّلات جديدة، ممّا يدفع بالبعض إلى انتظار كل شيء من القيادة، بتبعيّة إلى حدّ تقديسها والمبالغة في الخنوع إليها"، هذا ما يقوله توماس كارلايل في كتابه (عبادة البطل والبطولة في التاريخ ص77). فمبدأ القيادة إذن يرتبط بموقع المسؤولية، لأنها تبرز عندما يحصل القائد على موقع متميّز، ويصبح له أتباع، وتبدأ شهرته. كما تؤدّي القيادة دورًا مهمّا في كل مرحلة من مراحل الحياة الإنسانية. وفي بعض المجتمعات، وبالأخص تلك التي لها قيادات تعتمد على المتقدّمين في السن. وهذا شأن سارت عليه الأديان ايضًا، على اعتبار بأن المسن يتصف بالحكمة وقوّة التأثير الشخصي، والحفاظ على الموروث والتقاليد.
  كما نذكر شكلا آخر من أشكال التأثير القيادي في المجتمع، وهو ما حدث في فرنسا بتأثير شخصيّة نابليون بونابرت القائد العسكري الذي، على الرغم أنه زج فرنسا في حروب كثيرة آلت إلى دمارها وقتل خيرة أبنائها، إلى جانب ما كلـّفها من خسائر فادحة، ولكن إلى يومنا هذا، يكنّ الشعب الفرنسي له حبًا وتمجيدًا، أكثر ممّا يكنّه للفلاسفة الذين وضعوا أسس تنظيم حياة الإنسان والمجتمع. وقد رأى خصوم فرنسا في هذا الإعجاب شيئًا آخر، فقام الفيلسوف عمانوئيل كانط وهيغل بتحليل تعلق الفرنسيين بنابليون من باب الشعور بالتدنّي الذي كان الأرستقراطيون قد خلقوه في الشعب. فهذا الجندي البسيط صعد إلى قمّة الهرم، بشجاعته وقوّة ذكائه، وكان وراء صنع قوانين مدنيّة، مازال الفرنسيون يعملون بها، إلى جانب حنكته السياسيةّ. أما خسارته فهي، في نظرهم جانب بسيط، معتمدين المثل الشعبي: "لا يغرق إلا السبّاح"؟
   لقد أصبح موضوع القيادة جزءًا أساسيًا من دورة حياة كل مجتمع. فتركـّز الإهتمام في أن يكون الإنسان البالغ مثقفًا واعيًا، لكي يحصل على الصفات والمؤهلات القياديّة. فأصبحت القيادات، مع مرور الزمن، لا عسكرية أو سياسيّة فقط، بل هي اليوم تجارية واقتصاديّة وإداريّة أيضًا، وتقنية وغير ذلك! هكذا انقسمت المجتمعات إلى حديثة وتقليديّة، وقالوا: "الشخص المناسب، في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب". فكيف تُسلـَّم مقاليد المجتمع إلى شيخ العشيرة فقط لأنه إبن الشيخ؟ وهل سيبقى الرجل في الأسرة هو القائد الطبيعي فيها لكونه رجلا فقط؟ وهكذا يمكن التساؤل على جميع المستويات وبخصوص مختلف الميادين.

ألقاب القيادة
     تميّزت القرون الثلاثة الأخيرة بتقلبات تخص ممارسة القيادة، وذلك باتخاذ العديد من الناشطين السياسيين، طرقـًا مختلفة، لبسط سيطرتهم على مجتمعاتهم، بلغت حد الهستيريا والجنون أحيانًا. ولا يمكن كاتب التاريخ الحديث والمعاصر أن يتجاهل ما أحدثته هذه الرغبة في قيادة حياة الناس من خلال اقتناص الفرص للقفز على زمام القيادة بجميع الطرق حتى لو تطلب ذلك استعمال القوة، ولعل كتاب (الأمير) للمفكر الإيطالي نيكولا ماكيافيللي (1469-1527) الذي فيه عرض فلسفة في الحكم، يدعو إلى نظام جديد حرّ دينيًا وأخلاقيًا، فأصبحت أفكاره، في ما بعد، مرادفة للدهاء السياسي والمكر والخداع، وهو صاحب المبدأ القائل: "الغاية تبرر الوسيلة". وهناك أدبيات كثيرة سارت عليها الأحزاب من اليمين أو اليسار سواء بسواء، حاولت بكل الوسائل الانقضاض على السلطة، والتشبّث بها، فرأينا العجب: ديمقراطيات ملكيّة وجمهوريات وراثيّة. وخلق هالة من تضخيم الألقاب والأوصاف، مما حدا بمفكرين مثل (غابرييل ماركيز) إلى كتابة كتابه الشهير (السيد الرئيس) الذي استلهم منه الممثل المصري الكوميدي عادل إمام مسرحيّة (الزعيم)، وقد أصبح نابليون الذي اتخذ لقب (الإمبراطور)، أنموذجًا لاحقًا فرأينا العجب في جمهوريّة أفريقيا الوسطى، وهي من أفقر دول العالم، أعلن رئيسها بوكاسا (1921-1997) نفسه إمبراطورًا، وأجرى احتفالات خياليّة لتنصيبه في عربة مذهّبة! وماذا نقول عن عيدي أمين دادا رئيس أوغندا الذي بقي إسمه أنموذج جنون السلطة وسادية الحكم، وهناك فرانشسكو ماسياس نغويما، رئيس غينيا الإستوائيّة، الذي لم يقلّ عن هؤلاء جنونًا في ممارسة سلطة فرض الرعب. يقول البعض: كان ذلك نتيجة لإعجاب هؤلاء القادة بمؤسسين لدول أفريقيّة، حصلت على الإستقلال في مطلع ستينيات القرن العشرين من أمثال: ليوبولد سيدار سنغور (السنغال)، وفيلكس هوفويت بواني (ساحل العاج) وجوليوس نايريري (تانزانيا). هؤلاء كانوا نماذج في الحكمة فاستطاعوا أن ينقلوا بلادهم إلى بر الأمان.
   ومن الملاحظ في عصرنا توظيف الألقاب الرسمية وغير الرسمية، لتصبح تعبيرًا عن تبجيل مفرط للقيادة. وهذا النمط من السلوك، سرعان ما امتد كي يظهر في مجالات أخرى مختلفة من المجتمع، بل حتى أخذ صبغة دينية وهذا التحوّل يحتاج إلى دراسة معمّقة. فلدينا مقارنة تضيء طريق البحث في هذا المجال، نأخذه من الحضارة المصريّة: فعلى مدى قرون كان الإعتقاد الشائع لدى المصريين القدماء بأن الخلود للفرعون فقط، لانتمائه إلى الألوهة، فبنيت الأهرامات بسبب ذلك، لكن آخر المكتشفات أظهرت بأن بعض (أسطوات) كانوا يتحايلون، فيسرقون من حجارة الهرم، ليبنوا أهرامًا صغيرة لهم، على اعتبار أن الهرم كقبر هو الذي يعطي الخلود، بحيث صار تحنيط الجثة، في زمن كليوباترا (69-31 ق.م) أمرا عاديًا للجميع، وهكذا الأمر مع مسلسل السلطة والألقاب، ومحاولة الصعود في سلّم المخيلة الجماعيّة، وتركيب هالة العظمة على الآخرين في زماننا.

نزعة حب القيادة
    يقول ديسموند موريس، عالم (الإيثولوجيا، وهو علم يدرس سلوك الحيوانات واللبائن بخاصّة)، إن ما يجمع بين سلوك الإنسان وقرد الشمبانزي، هو ميلهما إلى ممارسة العنف وحب السيطرة والتنافس من أجل إتباع ذكر رئيسي واحد يسود منطقة الصيد، إي إن الصنفين يفضّلان قائدًا واحدًا فقط. إلا أن الأمر يختلف قليلا مع قرود البونوبوس، حيث قيادة الجماعة بيد إحدى الإناث، حتى وإن كان فيها ذكر قوي. فالقيادة، لدى هذه الأصناف الحيوانيّة تقاس بعدد الأتباع، وتُظهر أنثى البونوبوس مقدرة أكثر فاعلية من الذكور. ويقول بوريس سيرولنيك (وهو من الإختصاص عينه): "حكمت المجتمعات البشريّة، لفترات طويلة إناث، خصوصًا في مجتمعات الرعي، ولم يتحوّل الذكر إلى الحكم إلا مع الزراعة"، ففي أساطير بلاد ما بين النهرين إشارات إلى ذلك، خصوصًا الأهمية التي كانت للإلهة "تيامات" الأم الأولى، وهذا مذكور في ملحمة أتراحاسيس البابلية. وهناك مثال آخر جدير بالدراسة وهو اليابان حيث كان حكم النساء سائدًا في القرون الوسطى، قبل حكم الإقطاع الرجالي والمسمى عصر (الشوغون).
   هكذا تنازع الرجال والنساء، منذ بدء الخلق، صراعا على القيادة، لكنّ هذه النزعة أخذت في أيامنا، شكلا عالميًا شاملا دارت حوله رحى العلاقات الدولية بل السياسيّة أيضًا. ففي بعض الدول أصبح هذا الجانب مقياسًا للتقدّم من خلال إعطاء دور للمرأة، لكن ذلك لم يمكن تحقيقه إلا في النظم الإنتخابية، التي سمحت للمرأة بالتصويت، فهناك فقط أُمكِن لنسبة النساء بأن ترتفع، فتبوأت المرأة مكانتها، لا كي تصبح ضابطا أو قائدًا أو رئيسًا أو وزيرًا، وإنما لتكون عنصرًا فاعلا في طبقات المجتمع كافة، من أعلى السلم إلى أسفله.

 أمراض تصيب القيادة
   إنّ أخطر ما يمكن أن تصاب به القيادة هو السلطوية العمياء، ولم تسلم منها أغلب المؤسسات في العالم، مدنية كانت أو دينية، بل نزل ذلك إلى الجماعات الصغرى والتكتلات والأخويات وحتى الأسرة. نذكر من صفات السلطوية إثنتين:
- الهيمنة المفرطة: وهي تحوّل في العلاقات من مقاييس خارجية تحتكم إليها القيادة، فيصير المزاج والإنفعال الشخصي هو المقياس، بل تصبح وجهة النظر الخاصّة إلى الأمور هي المفروضة، فيسود العلاقات أحادية الأوامر وتزمّت بالرأي، وبالتالي تأخذ السلطة زمام الأمور بدكتاتوريّة يتحوّل الآخرون لديها إلى أعداء (المواطنون خونة والأجانب جواسيس) يريدون الإنقضاض على السلطة، فتميل هذه السلطة إلى تبنّي موقف أقرب إلى جنون الإضطهاد (البارانويا) فتحيط نفسها بحلقات عديدة من الحماية، ثمّ تعود فتفسد الأمور باعتماد الانتماءات الضيقة كالطائفية والعشائرية والمذهبيّة، وعندئذ يموت الشعور بالمسؤولية وتنتهي المواطنة.
- التخاذل: وهذه الصفة من نتائج الهيمنة المفرطة أيضًا، وقد يظهر التخاذل على شكل تقوقع أو انهزام، وكلاهما انعزال وقنوط أو تهرّب من المواجهة وشلل في العلاقة، فيسود الروتين عندئذ ويعمّ الشعور بأن الآخر هو سبب التعاسة، ممّا يؤدي إلى ظهور قيادات أصغر فأصغر، وكأن الأمر إمتثالية ومزايدة على الدكتاتورية النازلة من فوق، وعندئذ، تتفشّى العزلة في أعماق الأفراد ولن يعود في المجتمع كلام صادق أو تبادل حقيقي ومشاركة، بل تسود الظنون والشك إلى ما لا نهاية. ومن أهم ما يظهر من نتائج سلبية على المجتمع المبتلى بالهيمنة المفرطة، هو الإنقسامات والتبعثر والتشظـّي، وهذه كلها أمور غير سليمة، يكون من نتائجها خلق طبقات في المجتمع منها:
طبقة المستضعفين: وهم الذين لا يعرفون إلا الطاعة والانقياد الأعمى للقيادة.
طبقة المستفيدين: وهم الذين ينتهزون الفرصة من الوضع القائم، حتى إن كان سيئًا، "يحزمون أحمالا ثقيلة، ويلقونها على أكتاف الناس، ولكنّهم يأبون تحريكها بطرف الإصبع" (متى 23/4).
طبقة المتذمرين: وقد يكونون من هؤلاء المثقفين الواعين، لكن لا حول لهم ولا قوّة، فيكتفون بدراسة الواقع وتحليله من دون جدوى، لا يجرؤون على قول الحقيقية، فهم يعرفون أن يقفوا عند حدود المسموح: كما لو كان كل واحد منهم "قد ابتلع رقيبًا" كما قال أحد الصحفيين، فمن يحمل موقفًا مضادًا لأي مؤسسة، يخاف على امتيازات الحاضر أو المستقبل.
  وجود هذه الطبقات يدخل المجتمع في حلقة مفرغة فيعود إلى الوراء، وتزيد الإتكالية لدى الغالبية، وتتشجّع هيمنة الأقلية السائدة، مما يؤول إلى ازدياد التطرّف، ولهذا قامت في كل النظم المتطرفة معارضة أكثر تطرفًا بمثابة مزايدة على التطرف الموجود، وكأن لا طريق آخر سوى علاج الهيمنة بهيمنة أقسى.
   إن القائد الفعال والنشيط ليس الذي يقوم بالعمل بنفسه، وإنما حين يخلق لدى جماعته شعورًا بالمسؤولية، فيحرّك القناعة لديهم. ويمكن التعرّف على ذلك بسهولة من خلال وجود كلام غني، مكتنز ونابع من الأعماق، فالرجل المناسب لن يكون في المكان المناسب، إلا إذا قال كلمة مناسبة، وما مرض النظم الأيديولوجية إلا في كلام فارغ لا يصدّقه أحد، ومن هنا يأتي التعويض بإسراف القيادات المريضة في الألقاب والأوصاف والنعوت التي تخرج من معانيها وتدخل ضمن الهستيريا، وقد رأينا أناسًا عوقبوا على زلة لسان. هكذا لا تصح القيادة إلا إذا مارست دورها عِبر ما يشعر به الآخرون في ضمائرهم ويعجزون عن تحقيقه، فالقائد فرد بين الجماعة يقنعها لتتبعه، وإن فشل يجب أن ينسحب. هكذا استطاع قادة عظام أن يسحروا شعوبهم من دون إرهاب أو تسلط، فالقيادي الصحيح يشعر الجميع بأنه يفعل ما في وسعه ويقبل الرأي المغاير، ويستفيد من الخبرات الجديدة، إذ ليست السلطة لديه امتيازا بل حكمًا عليه.

بين الخدمة والقيادة
   كلّ مؤسسة، دينية أو مدنيّة تمارس قدرًا من السلطة أعطيت لها لتجمع الجماعة، فهي في الأساس قيادة أخوية، نفسُها واحد هو الروح، وغاية قيادتها هي النمو في حياة التسامي بتناغم توازن الجماعة وتوازن الفرد. فبنيان جسم المجتمع يجعل الفرد يخدم الجماعة وهذه تقوم بتوفير ما لديها لتوازن الفرد. إنها الخدمة، ليست مجرد وظيفة بل ممارسة فضائل كالقوّة والودّ والتواضع. وهكذا يكون نفوذ لدى الشعب، فيمارس باستعمال سليم لقيادة الناس، والبشرية مدعوّة لتحيا حياة حقيقية عندما تفهم معنى الرحمة، وهي من أروع ما يمكن أن تتصف به المجتمعات الراقية، وهذا يظهر من حين لآخر إبان الكوارث، فنرى دولاً غنية بخيلة، وأخرى فقيرة سخيّة.


نجاح القيادة من رضى الجماعة
   تتفق دراسات عديدة على أن أهم مؤهلات نجاح أي قائد بين الجماعة هي:
- مهارة التقنية متعلقة بالمهمة الموكَلة إليه.
- حكمة في توجيه المبادرات والمشاريع.
- جاذبية شخصية يمارسها على الآخرين، وقدرة على استغلال ذلك لتحفيز العلاقات الأفقيّة.
- إحساس واضح بالغاية والأهداف وتشديد عليها والتزام في تطبيقها، واستقرار في المزاج، بلا تقلبات.
- إتخاذ معاونين ومستشارين للقيادة كفوئين ليكونوا نماذج للجماعة، لهم قدرة على الإختيار الصحيح.





خاتمة
    ترى المجتمعات الليبرالية اليوم في نُخَبها الموسّعة عاملا على التوازن وضمانة للديناميكية، بل هناك مجتمعات ليبرالية متقدمة جدًا تسعى إلى تحديد النخبة من خلال التنشيط الاقتصادي وزيادة الحريات الديمقراطية، لكن لهذا التوجه ظهرت أمراض ثقيلة كالبطالة وتدنّي حركة التقدم، إذ لا يمكن تجديد النخب إلى ما لانهاية. هذه الحالات خلقت معارضة ومقاومة لدى قطاعات وجماعات أخرى، لذا صار علماء الاجتماع يميلون إلى موازنة بين المسؤوليات التقليدية والنظم الحديثة في ممارسة القيادة، بشكل لا يُلغى شيئًا من أساليب الماضي قبل أن يوضع بديل صحيح.
ولمّا كان مجتمع اليوم لا يستطيع فصل السلطة عن فاعليتها في العمل، فمن هنا ظهرت الحاجة إلى تنويع في ممارسات القيادة وقدرتها على المبادرة. لكن يبقى سؤال مطروح هو: كيف نخلق مواطنين يشعرون بالمسؤولية؟ فعندئذ ستذوب النخبة وتخمد الصراعات بين القائد والجماعة.




3
المنبر الحر / الإستكمالي
« في: 19:53 28/02/2019  »
الإستكمالي
ظافر نوح
  ماجستير قانون
    جميل أن يحاول الإنسان القيام بأعماله على أحسن وجه، ولكن ما هو الوجه الأحسن للأمور يا ترى؟ فغالبًا ما تتحول الأمور إلى النقيض، كما يقال: "الزيادة كالنقصان"، وبدلاً من أن يحقق الإنسان كمالاً يتصوّره، قد يخسر أمورًا كثيرة مهِمّة. وهذا ما يحصل لبعض الذين تستحوذ عليهم فكرة تحقيق مثالي للكمال، في أمر واحد فقط، فتراهم مسرعين بلا صبر في اتجاه واحد، فيفقدون تحقيق أي هدف. هناك دراسات كثيرة عن "الإستكماليّة " (الرغبة المرضيّة في بلوغ الكمال) منذ سبعينيات القرن الماضي جاءت على يد نفسانيين امثال هولندر (1965) وهاماخك (1978) وبرنس (1980) وباخت (1984)، لكنّ هؤلاء النفسانيين يختلفون على إعتبار هذه الرغبة مرضًا، فقال بعضهم: إنها مجرّد استعداد وضعف لدى المراهق، قد تقوده الى البلوغ حالة مرضيّة، كحالة الطالب الذي يتأخّر في تسليم ورقة الإمتحان (ليجندر 1993).
   "الإستكماليّ" شخص ودود في ظاهره، لكنه في باطنه يُخفي عدوانية كبرى. فهو كالذي يحمل في يده باقة من الزهور يقدّمها للآخرين لكنه يخفي تحتها سكيناً مسموماً، وهو من يضع لنفسه أهدافًا خارج حدود التعقّل والمنطق، وإن شعر أن في ذلك وهمًا، يصرّ بجهد على تحقيقه، لمجرّد التفوق والتغلّب على نفسه أمام الآخرين. أما الأسباب، فتعود في الغالب إلى الجو العائلي حين كان طفلا، إذ وضع الأهل لحبّهم إياه شرطًا ما ينبغي تحقيقه، وهنا الأهل مسؤولون عمّا يزرعونه من إيجابي أو سلبي لدى الطفل، فيحاول دائمًا تحقيق الأفضل كي يحلو في عيونهم. إلى جانب ذلك يرى الطفل أهله مثالا للكمال، فيقتدي بهم، ومما يزيد الطين بلّة تفرقة الأهل في محبتهم للأولاد، فينبري أحدهم متبرعًا بنفسه ليكمّل أحلامًا لم يحققها أهله، فيصير طبيبًا عوضًا عن فشل أبيه في ذلك، وهذا الولد الذي لا قدرة له على ذلك، سيصرّ ويتعذب سنواتٍ بلا داعٍ. مثل هذا يكون عرضة لأمراض ومشاكل حياتية مختلفة، لأنه يقع تحت تأثير تصرّف إجباري استحواذي، ممّا يعرّضه للإحباط والقلق.
   عادة ما يكون الشخص "الإستكماليّ" في وضع تنافس وصراع دائم وغالبا ما يتقلد مناصب رفيعة دينية أو دنيوية ومع هذا يخاف أن يبدو أقل كمالا في أعين الآخرين، لذلك يحتفظ بمشاعر ومخاوف ممّا يمنعه من التطوّر والتواصل في العلاقات الاجتماعية، والعبور إلى مرحلة أخرى، وحين يكون هذا العبور صعب عليه، يشعر بأنه مجبَر ولا يعود يحسب حسابًا للتعب، فتزداد معاناته وتوتّره ويبحث ليرضي من حوله فـ "يصطاد المديح" كما يقال بالإنكليزية (fishing compliments) لأنه يرى قيمته فقط في ما يعمل لا فيما هو، ولا يعود يتقبّل ابسط الانتقادات ولا يرضى بالتشاور مع الاخرين، مما يضعه في موقف تبرير ودفاع دائم. ويكون مبدأه "إما كل شيء، أو لا شيء". حتّى ينتهي به الأمر إلى اعتبار الآخرين كلهم أعداء له، يتركونه وحده ولا أحد يحبّه. فينتابه التوتر والتردد أمام أي مجابهة ويخاف من الإمتحان، متوقعًا أنه فاشل لا محالة، وفي حالات كهذه تختلط أعراض أخرى كالنرجسيّة والشعور بالإضطهاد المؤدي به، إلى الكآبة. فيتألم من مجريات المجتمع ويعيش في العزلة مع تقلبات افكاره المتغيرة بين الحين والاخر، لا يهمّه سوى كلمة "المفروض".  إن أشخاصًا من هذا النوع تنقلب لديهم الرغبة في الكمال المستحيل إلى فشل ذريع مع أقرب الناس إليه، فيصير إما بخيلاً، أو غضوبًا لأدنى هفوة، أو شديد القلق أمام المشاكل، أو متعصبًا لمذهب أو طائفة، أو مفكرًا كبيرا لكن لا يفهمه أحد، أو معقدًا يصعب عليه التعبير عن أبسط المشاعر، أو ثقيلا مزعجًا حالما يدخل بين جماعة... وفي زواجه يبغي علاقة كاملة، فيطالب قرينه بالكمال، غير مدرك أن العلاقة الزوجية الناجحة، حتى إن بدأت بالإعجاب - وهو وهم إستكماليّ – لكنها في نضوجها تتحوّل إلى الحب، والحب يغفر نواقص الآخر، وهذا أعظم ما فيه، أي إن الحب يعني قبول الاختلاف. للخروج من هذا السجن، يمكن مساعدة "الإستكماليّ" من خلال تصحيح الصورة الكاذبة عن نفسه، فلا يكون مركز الاهتمام، بل يخرج كالشرنقة التي تمزّق الخيوط التي أحاطت بها نفسها، ويتخلّص من الماضي. فيشعر بطعم الحياة ويتمتع بما يملك. فالأمور نسبيّة، وليس النجاح مقياسًا بل قد تكون الخسارة خِبرة ودرسًا لا يُستهان بهما. وعليه أن يتخلّص أيضًا من معايير المجتمع الذي ينتقد ويسخر من الفاشلين ويقسو عليهم، فالذي يتلذذ بسِيَر الناس لا يدرك أنه بذلك يحوّل نظر المخاطب عنه ليرى فقط عيوب الآخرين. كما أن العمل الصحيح ليس جريًا وراء أحلام مستحيلة، بل هدفه التمتع بالحياة، أليس التفاؤل أحسن مقياس؟ ويحتاج قبول الخسارة شجاعة لتجاوز التفاصيل. إن القديسين لم يكونوا أناسًا كاملين في ذواتهم، بل في حبّهم ومغفرتهم للآخر. وفي مثَل الزارع، الذي حكاه المسيح، إعتراف أن الله يخسر أربعة أخماس الزرع ويفرح فقط بما يحصد (متى13).


4

أختلطت الأوراق وأنقلب تعدّد الأديان على الله
الاعلامي ظافر نوح
   ما حدث في 11 أيلول 2001 جرّ العالم وهذه المنطقة إلى أمور كنا قد اعتقدنا أن النسيان طواها، فأخذت التيارات الرجعية والأصولية زمام المبادرة، موظـِّفة إمكانياتها في تصعيد العنف، وكان لذلك ردود فعل عنيفة ومتصاعدة في السياسة، تبلورت إلى قيام أمريكا باحتلال كلّ من أفغانستان والعراق وهجوم إسرائيل على لبنان، ناهيك عن الحرب الإعلامية واسعة الإنتشار، وتصريحات تعدّ بمئات الآلاف على شبكة الإنترنت وبقية وسائل الإعلام، ممّا أدى إلى ارتفاع وتزايد الإحتقان ومشاعر العدوانية وتحميل الآخر تبعية كل ذلك، فتأزمت العلاقات بين الشرق والغرب، وأصبحت منطقة الشرق الأوسط ميدانًا لأحداث دموية، نعرف متى تبدأ ولا نعرف متى تنتهي، مما أدى إلى انقسام المواقف في العالم، واختلاف في إعطاء الحلول. إلا أن السائد العام كان وقوف أغلب الكتل صامتة حائرة، فلا السلطات السياسية ولا الحكومات أمكنها فعل شيء ما للحدّ والتهدئة، بل كلّ شيء مضى في تصعيد أكبر وأخطر.
بين الجدل أو التجاهل
   في الماضي كان يمكن للناس أن يعيشوا في الوقت والمكان عينهما من دون أن يلتقوا أو يتعارفوا، ممّا أثـَّر سلبيّا في قراءتهم حتى لموروثهم الثقافي ومعتقدهم، فحتّى الأديان كانت، حتى زمن قريب، تنزع إما إلى الإنكماش على ما عندها، أو إلى إنبساط وتوسّع من أجل كسب أتباع جدد على حساب الآخرين، لكن من دون إهتمام بهم وبموروثهم الثقافي والديني، مما أدى إلى تراكم وخلط الأوراق بين الثقافة والدين، وآل الأمر إلى تشدّد، لا من ناحية الدين فحسب، بل أخذ ذلك منحى طائفيًا ومذهبيًا، تزامن مع توترات وتقلبات، أشرنا إليها آنفًا، ولعلها من أبرز ما أفرزته العولمة.
   لقد اتجهت العولمة نحو الكشف، فوضعت كل شيء على بساط النقاش والقبول أو الرفض، فروّج الكل، وعرض إرثه على الآخرين، ولم يعرف العالم حقبة كهذه، فأصبح الآخر يتحدانا ويهددنا في ما عندنا، في مأكلنا ومشربنا ومعتقدنا، وتساؤلاته تتوجه نحونا، فلم يعد أحد في قوقعته مرتاحًا مع ما ورثه وفكـّر فيه على مدى قرون عديدة. لكن بعض معطيات هذا الإرث - التي لم تعد تناسب متطلبات اليوم وحاجاته - أدخل التململ والتساؤل في الدين، وإن كان ذلك قد بدأ قبل قرنين من الزمن، في الغرب وتحوّل إلى إلحاد. لكن هذا الإلحاد، وإن كان شكلا من الإعتراض، قد فشل عندما أخذ زمام السلطة في إعطاء بديل ومعالجة مسألة الإنسان في أعماقه. وفشله جعل الساحة خالية، فعاد الدين مرّة ثانية بقوّة وعنفوان، إلا أنه اتخذ أشكالا متنوّعة من التصلـّب والتسلـّط والأصوليّة والترويج والبدع والتيارات الغريبة، وخصوصًا لأن الساحة كانت قد خلت من ركائز أخرى للتوازن مثل الفكر الثقافي والأدبي والفلسفي والدراسات الإجتماعية والنفسيّة، فعجزت الناس في قراءة وتفسير ما يحدث في الواقع.
   ثمّ جاءت النكسات التي تعرضت إليها غالبيّة الشعوب إثر التقلبات الإقتصادية والسياسيّة واشكال الحروب العالمية والإقليمية والإستعمار والتهجير والفقر والأمراض والأوبئة التي صاحبها تقهقر إجتماعي واسع، مع سائر الأمراض الأخلاقية والجسمية الأخرى... كل هذه لم تكن سوى علامات على أن الإنسان غير مستقر، ولم يعد شيء يلائمه ويسحره حتى بريق الغرب السائد المهيمن بوسائطه وأفكاره وأيديولوجياته، فلم يعد للناس من طريق سوى العودة إلى الماضي.

 
الحوار والتسامح أساس الحضارة
  كانت السنوات العشر الأخيرة من أشد ما أبرز جوانب تعبير "صدام الحضارات" الذي كرّسه الكاتب والمحلل صموئيل هانتنكتون في عام 1996. فيبدو أن أحداث وأحوال هذا العقد قد مسحت كل المحاولات التي كان عدد من رجال الدين قد وضعوها في مؤتمرات وزيارات وكتابات على كلّ الصعد، فأخذت الكلمات معاني جديدة ولم يعد لـ "حوار الأديان" الوقع السابق، فسرعان ما نسي الناس الزيارة التاريخية التي قام بها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني إلى سوريا في أيار من عام 2001، وكان أوّل بابا يصلّي في جامع، إذ دخل الجامع الأموي وقبّل المصحف الذي قـُدّم إليه، مما كان حينها قد أثار استغراب بعض الأوساط.  هناك وجّه نداءً إلى أتباع الديانتين الكبريين التوحيديتين الإسلام والمسيحية، فهما يشكـّلان ما يقارب ثـُلثَي البشريّة، ودعاهم إلى الالتزام بحوار يسوده الاحترام، قائلا: "علينا أن نطلب الغفران من القادر على كل شيء، عن كل مرة أهان فيها المسيحيون والمسلمون بعضهم بعضًا، كما علينا أن نغفر بعضنا للبعض". لكن يبدو ان الغفران في يومنا أصبح من العملات النادرة.
  بعد هذا اللقاء تنظمت مؤسسات عديدة بين كل من المسلمين والمسيحيين للبحث معًا في القضايا الفلسفية واللاهوتية، حتى يتوصل كل طرف إلى معرفة المعتقدات الدينية عند البعض الآخر، بشكل أكثر موضوعية وعمقا، وجاءت دعوة البابا تلك في مضمونها، في وقت كان جميع المؤمنين بأمس الحاجة إلى تفهّم متبادل، وتقريب وجهات النظر والمواقف في ما يخص شؤونهم الدينية. لقد أحسوا بأن هذا العصر يتميّز بسرعة المتغيّرات على مجالات مختلفة وذلك يتطلب استنباط ما يؤول إلى إعادة علاقات الإنسان مع ما يهم الجميع، خصوصًا في الشؤون الضروريّة لحياة كريمة والعيش بسلام. فإن كان العالم قد أصبح واحدًا بفضل وسائل الإتصال، فلا يمكن أن يُستثنى أحد أو دين من هذه العمليّة. ولم تعد إعادة تنظيم علاقة الإنسان بدينه فقط، بل ظهرت ضرورات أعمق لما يخص جوهر الأديان قاطبة، فهي واحدة في العمق، لأن الله واحد، وإن تعدّدت طرق الوصول إليه. وما المؤسسات الدينيّة والثقافات والروحيّة سوى محاولات اقتراب من هذا المختلف، الأحد، وإن تعدّدت أسماؤه بالنسبة إلينا. لذا أصبح السعي إلى مد جسور التقارب معه أولا، ثمّ بين الإخوة في الإيمان ليتشكل حوار إيجابي بين الأديان كأداة حيوية في هذا المجال.
   شكـّل هذا نقطة التقاء بين أبناء الديانات المختلفة، فأرادوا أن يؤسسوا عليها، علاقات صحيحة، فيرتكز كل من المتحاورين على إرثه وغناه لبناء قاعدة سليمة في سبيل التقارب وترسيخ فهم المشترك في ما بينهم، وكان هذا حلمًا لعمل موحّد لخير الإنسانية جمعاء ومواصلة الإسهام في بناء الحضارة اليوم. فعدّ التسامح الديني، بين أتباع الديانات التوحيديّة منطلقا أساسيا لهذا الحوار، إذا توفر مناخ مناسب لتعاون مثمر. لكن جاءت النتائج مخيبة للامال بسبب تفشي العنف الديني واصبحت كل ديانة في حالة تحدي تردع الاخر دفاعا عن الله بشكل رافض لتعددية الاديان، واصبح التنوع من اسباب الدمار والخراب لجمال الانسانية المتنوعة.
من أجل كل هذا تكثفت جهود في هذا الحوار، لتعميق معرفة مشتركة بالأديان وذلك بفضل كثيرين، من أجل ترسيخ وجود الآخر، وبناء علاقات إنسانية لكي تكون الأديان خادمة للبشريّة وليس العكس، ليصير أتباع الديانات شهودًا لما يقولون. وهذا الهدف يسهم في وصولهم إلى تحقيق أطر مشتركة للتقريب بين ما لديهم من معارف دينيّة وآراء وأفكار، وفي النهاية يتحقق ما يصبون إليه، فتؤدي الأديان دورها الفاعل في مسيرة البشرية وتطوّر شعوبها وتعميق الصلة بينها... كلّ هذا تزعزع في السنوات الخيرة عندما امتدّ صراع الثقافات والحضارات ليصبح صراع الأديان مرّة أخرى، فتعود إلى العالم كوابيس القرون الوسطى والحروب الصليبيّة (راجع ملف الأب د. يوسف حبّي "لا صليبيّة بعد اليوم" الفكر المسيحي 317 تموز  1996).

من أجل حياة أفضل
مع تسارع التساؤلات فرض البعض منها أسلوب المقارنة: لماذا هناك أناس يعيشون برغد وسلام، ولماذا آخرون في فاقة واضطراب، وهذا لم يعد فقط شأن الشرق والغرب بل وصل الفرق بيننا في دولنا ومنطقتنا ومدننا وأقاليمنا. هذه التساؤلات طرحها أبناء البلد الواحد وأصبحت تشكل أولويّة لازمة، فهل الأديان هي المسؤولة يا ترى؟ أم هو التعدد والإختلاف يسبب الخلافات؟ وهل يكفي أن تهجّر جماعة ما أو مذهب معيّن ليعم السلام؟ صار الجواب يتعلق بقناعة الجميع بضرورة الحريّة للجميع، وخصوصًا عندما ضعفت سلطة الدولة. فاختبرت المجتمعات طعم الحرية، لماذا نجح البعض في إعطاء مواطنيه مساواة بالحقوق بلا تفضيل أو تفرقة؟ بل استطاع بعضها، برغم مشاكل عديدة وثقيلة في الماضي، أن يغسل الجروح ويمسح الذاكرة ويعطي شعورًا بمستقبل واعد. الجواب: لأنهم استطاعوا أن يقنعوا جميع الأطراف بضرورة عمل مشترك لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية التي تهدد أبناء الوطن الواحد بالتقسيم. فحتى اختلاف الأديان والمذاهب، لم يعد يشكـّل عقبة أمامها، بل أسهم ذلك في تقوية إدراك الجميع، بوجوب تحالف القوى والأفراد. فالإيمان قادر على أن يسهم في تعزيز الوحدة الوطنيّة، إذا ما كان هدفه مصلحة الإنسان فقط، وإذا لم تدخل في تلافيفه السياسة.
ولعلنا هنا في حاجة ماسة إلى تحليل وتفسير لكل أشكال التعصب الديني والطائفي والقومي المتأتية من انقطاع التحاور بين المفكرين والعلماء، وعدم وجود مراكز للبحث الفكري والنشر والترجمة القادرة على تناول المسائل الشائكة، وتدارس برامج عمل مشتركة بين أبناء الديانات المختلفة. فإن كان هناك قبول لتعايش سلمي مبني على أساس الإيمان، فستصبح القيم: كالعدالة والمودة والرحمة أهدافًا ممكنة. لتتعمّق الخبرات حول هذه المبادئ السليمة والنظيفة، فيمكن حينئذ رسم خطوط عامة للمستقبل. لتنزل تلك الخبرات من الرفوف العالية ومن بين النخب وحلقات المفكرين، فيعي كل مواطن دوره ومسؤوليته، مهما كان بسيطًا، فضرورة تعميق ثقافة الحوار والعيش المشترك، لمواجهة أخطار تمزيق نسيج العلاقات الاجتماعية وهي من شأن الجميع على الإطلاق، كما يقول الشاعر الشعبي: "ألف يهدم واليبني فرد واحد، وأنا شلون أبني وألف هدّم بيّ".


5
نص الحوار الذي أجراه ، الاعلامي ظافر نوح ، مع القاضي ميخلئيل شمشون / عضو المحكمة الاتحادية العليا ، والمنشور في مجلة الفكلر المسيحي ، ذي العدد (513 – 514)  ، آذار  - نيسان   2016 . 

أضواء على الاحداث
مقابلة مع القاضي ميخائيل شمشون  / عضو المحكمة الاتحادية العليا
القضاء بين التنفيذ والتعطيل

                                                             
حاوره / ظافر نوح

شملت المتغيرات السياسية والاجتماعية ، التي عصفت بالساحة العراقية ، كل جوانب الحياة ، لم يستثن منها ، حتى الجانب القانوني ، فجاءت المحكمة الاتحادية العليا ، ثمرة نظام ديمقراطي اتحادي ، في ظل تعددية سياسية وطائفية ، بيد ان استحواذ الكل على ادارة الدولة على اساس المحاصصة ، عرقل تطبيق القانون والدستور ، رافقه غياب الوعي القانوني لدى الشعب ، وضعت السلطة التنفيذية على التطبيق ، ما أدى الى تفشي ، ظواهر غير قانونية ومخالفات دستورية ، وانتهاك حقوق واملاك االمواطنين ، وخاصة الاقليات ، هكذا غاب شعار "القانون فوق الجميع " ، واصبح القانون مقيدا بين صراعات ومصالح سياسية  ، ارتأت المجلة ، تناول هذا الموضوع ، مع القاضي ميخائيل شمشون ، لبيان رأيه المهني ، في هذا الجانب الحيوي  .
--- كيف جاءت فكرة تأسيس المحكمة الاتحادية ، وكيف ترشحتم لهذه المهمة ؟   
     ظل العراق ، ومنذ تأسيس الدولة العراقية ، يفتقر الى وجود محكمة عليا ، تعنى بالفصل في دستورية القوانين والقرارات والاوامر ، التي تصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، مما ولد فراغا قضائيا ، انعكس سلبا على حقوق الناس  ، وعلى سيادة القانون ، وقد ادرك هذه الحقيقة ، من ساهم في صياغة قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية  ، الذي وقعه مجلس الحكم بتاريخ (8/3/ 2004 ) ، وهو الدستور المؤقت ، خلال المرحلة الانتقالية  في العراق ، وتأسيس النظام الديمقراطي الاتحادي ،  فنص في المادة (44) منه ، على نشكيل محكمة في العراق ، يتم تشكيلها بقانون ، تسمى " المحكمة الاتحادية العليا " وفي وقت لاحق صدر القانون رقم (30) لسنة 2005 في (24/3/2005 ) "قانون المحكمة الاتحادية العليا " وقد نصت المادة (1) منه على "ا تنشأ محكمة تسمى المحكمة الاتحادية العليا ، ويكون مقرها في بغداد  ، تمارس مهامها بشكل مستقل لا سلطان عليها لغير القانون " .
----  ما دور المحكمة ، ازاء الوضع القانوني والدستوري المقلق والمثير للجدل ؟
تتولى المحكمة الاتحادية العليا ، ضمان احترام مضامين الدستور ، وترسيخ " مبدأ سيادة القانون " والحيلولة  دون قيام السلطة التشريعية او السلطة التنفيذية  ، بمخالفة المبادىء  الاساسية أو النصوص الواردة  في الدستور ، والفصل في المنازعات التي تنشأ بين السلطات ، ويتم ذلك حسب الاختصاصات التي نصت عليها الفقرتان (ب) و(ج) من المادة (44) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، المنوه عنه أعلاه ،التي كرست في المادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 وهي :
اولا – الفصل في المنازعات التي تحصل ، بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية .
ثانيا – الفصل في المنازعات المتعلقة  ، بشرعية القوانين والقرارات والانظمة والتعليمات والاوامر الصادرة من اية  ، جهة تملك حق اصدارها والغاء التي تتعارض منها مع أحكام قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، ويكون ذلك بناء على طلب من محكمة او جهة رسمية او من مدع ذي مصلحة .
ثالثا – النظر في الطعون المقدمة على الاحكام والقرارات الصادرة من محكمة القضاء الاداري .
رابعا – النظر بالدعاوى المقامة أمامها ، بصفة استثنائية ، وينظم اختصاصها بقانون اتحادي .
وبعد صدور دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، فقد تضمنت المادة (93) منه ، تحديد اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا وهي :
اولا: الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة .
ثانيا : تفسير نصوص الدستور .
ثالثا : الفصل في القضايا التي تنشأ  ، عن تطبيق القوانين الاتحادية ، والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة ،  عن السلطة الاتحادية ، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء ، وذوي الشأن ، من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر ، لدى المحكمة .
رابعا : الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية ، وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية ،                                                                                خامسا : الفصل في المنازعات التي تحصل  ، بين حكومات الاقاليم او المحافظات . 
سادسا : الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء ، وينظم ذلك بقانون .
سابعا : المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب .
ثامنا :
أ‌-   الفصل في تنازع الاختصاص ، بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم .
ب‌-   الفصل في تنازع الاختصاص  ، فيما بين الهيئات القضائية للاقاليم  ، أو المحافظات غير المنتظمة في اقليم .
وقد تضمنت الفقرة (ثانيا) من المادة (52) من الدستور ،اختصاصا آخر ، وهو النظر في الطعن  ، بقرار مجلس النواب ، في صحة عضوية أعضائه ، أمام المحكمة الاتحادية العليا خلال (30) يوما من تاريخ صدوره ، كما أضاف قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008 ، اختصاصا آخر ، وهو المنصوص عليه في المادة (31/احد عشر ) منه وكما يأتي :
1– للمحافظ الاعتراض على قرارات مجلس المحافظ أوالمجلس المحلي، في الحالات الاتية:
أ – اذا كانت مخالفة للدستور ، او القوانين النافذة .
ب- اذا لم تكن من اختصاصات المجلس .
ج – اذا كانت مخالفة للخطة العامة للحكومة الاتحادية  أو للموازنة .
2- يقوم  المحافظ باعادة القرار ، الى المجلس المعني ، خلال مدة اقصاها (15 ) يوما من تاريخ تبليغه به ، مشفوعا باسباب اعتراضه وملاحظاته .
3- اذا اصر المجلس المعني ،  على قراره  أو اذا عدل فيه  ، دون ازالة المخالفة التي بينها المحافظ ، فعليه احالته الى المحكمة الاتحادية العليا للبت في الامر .
وتعتبر قرارات واحكام المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة  ، حسب احكام المادة (5/ثانيا ) من قانونها رقم (30) لسنة 2005 والمادة (94) من الدستور .
---- ما اجراءات المحكمة تجاه المخالفات القانونية والخروقات الدستورية  ؟.
تتولى المحكمة الاتحادية العليا ، الحكم بعد م  دستورية التشريعات المخالفة للدستور والغاءها ،  ورفع المظالم التي تقع على الاشخاص كافة "عن طريق دعوى ،  تقام امامها من ذوي الشأن "
----  هل تعمل المحكمة ،  باستقلالية في ظل التعددية الحزبية والطائفية ؟
المحكمة الاتحادية العليا وحسب احكام المادة (92) من  الدستور هي " هيئة قضائية مستقلة ماليا واداريا  ، وانها لم تتشكل على اساس طائفي أو ديني ، وتمثل فيها أغلب مكونات الشعب العراقي – وتصدر قراراتها بعيدا عن أي تأثير ، مهما كان نوعه .
---  كيف تنسق المحكمة دورها مع السلطات الثلاثة  ؟
تنص المادة (47) من الدستور " تتكون السلطات الاتحادية ، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ " الفصل بين السلطات  " ، وان هذا الفصل لايمنع من التنسيق والتعاون بين هذه السلطات ، دون تتخل احداها بشؤون الاخرى ، وعلى هذا الاساس ، تعمل المحكمة الاتحادية العليا ، باعتبارها جزءا من السلة القضائية .
----  هل نجح الدستور الحالي في ضمان حقوق المواطن ؟
العلة ليست في ما احتواه الدستور العراقي ، من أحكام لضمان حقوق المواطن ، الذي هو دستور يحاكي دساتير اغلب الدول المتقدمة ، وانما العبرة هي في القائمين على تطبيق الدستور ، ومدى امكانياتهم وايمانهم ، في ترجمة تلك الاحكام ، التي يتضمنها ، الى واقع ملموس ، بحيث تصان حقوق المواطن من خلالها ، ولكن مع الاسف الشديد ، رأينا رجالا من الساهرين على تطبيق الدستور ، هم فاشلون وفاسدون .
----  ما موقف المحكمة من المادة (26/2) التي تطالب الاقليات اليوم بالغائها ؟
ان المادة (26/2) من قانون البطاقة الوطنية الموحدة رقم (3) لسنة 2016  بفقرتيها "اولا وثانيا " هي محل نزاع  الآن - بين اتباع الديانات غير الاسلامية  والمشرع العراقي ، وربما سيأخذ ذلك النزاع ، شكل دعوى ، ترفع امام المحكمة الاتحادية العليا مستقبلا ، فيكون هناك احساس رأي ، في هذا الموضوع – حسب الاصطلح القانوني ، وعليه ، واستنادا الى أحكام المادة (91/3) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 (المعدل ) ، يتعذر علينا ابداء الرأي ، بخضوص موقفنا من المادة أعلاه ، باعتبارنا عضوا ، في المحكمة الاتحادية العليا ، وبخلاف ذلك ، يجب ،  نتنخى عن رؤية الدعوى ، في حال ، عرضها على المحكمة الاتحادية العليا ، وكذلك لايمكن التعبير ، عن موقف الحكمة الاتحادية العليا من تلك المادة ، قبل ان يعرض الموضوع عليها ، واصدار قرارها بهذا الصدد ، ولكن ما ضاع حق وراءه مطالب --  مع ذلك نرى  صعوبة كبيرة ، في تعديل أو الغاء المادة المنوه عنها أعلاه ، من المشرع العراقي ، لان معظم أعضاء مجلس النواب العراقي ، مرتبطون بمرجعيات دينية ،او عشائرية ، تأبى ذلك ، اذ تعتبره  ، من قبيل الردة عن الاسلام ، والمرتد يستوجب القتل ، وان القلة الباقية ، من اعضاء المجلس المذكور ،وان كانت تتعاطف ، مع تعديل المادة أعلاه ، لكنها تهاب او تجامل زملاءها ، لئلا تتهم بتهم ، هي في غنى عنها ، ونرى كذلك من الصعوبة بمكان ، ان يستجيب المشرع العراقي ، الى الصوت المطالب بتعديلها  "خاصة  الصوت المسيحي " كونه صوتا مشتتا ، اذ كل جهة أو فئة أو شخص ، يجمع حوله ، مجموعة من الاشخاص ، المعارضين للجهىة الاخرى ، التي تطالب ،هي الاخرى ، بتفيير تلك المادة ، وتصوغ المقترح البديل لها ، بصياغة ركيكة جدا ، لان ذلك ليس ، من اختصاصها ، ويتم الاتصال بهذه الحهة او تلك ، لنيل مباركة أو تأييدا  لمجهودها ، وخاصة من رجال الدين ، والنتيجة هي الفشل بعينه ، لان كل طرف ، يتهم غيره بالانفرادية ، جاعلا من نفسه ، بطلا في هذا المضمار ، اذ  من المفروض ، ان تتوحد جهود اعضاء مجلس التواب ، من المكون المسيحي ، والمرجعيات المسيحية كافة ، واتباع الديانات الاخرى غير الاسلامية في هذا المجال ، لكي يكون صوتها مسموعا ، والا فلا مستجيب ، لها المطلب .
----  ما هي الاجراءات القانونية للمحكمة  ، تجاه انتهاك حقوق واملاك الاقليات ؟
نصت المادة (23) من الدستور :
(( اولا :- الملكية الخاصة مصونة ، ويحق للمالك الانتفاع بها ، واستغلالها والتصرف بها ، في حدود القانون .
ثانيا :-  لايجوز نزع الملكية ، الا لاغراض المنفعة العامة ، مقابل تعويض عادل ، وينظم ذلك بقانون ))  .
فعندما يحصل التعرض ، الى هذه الحقوق المكفولة ، في المادة أعلاه  من الدستور ،وغيرها ، كما هو مبين آنفا ، ينهض دور القضاء الدستوري ، بالتصدي الى ذلك الخرق ، بعد ان يثار هذا الموضوع أمامه ، من المتضرر على شكل دعوى .
----القانون فوق الجميع ، لماذا اليوم ، هو في خدمة حقوق الاغلبية ، ويهمش حقوق الاقلية ؟
الجواب على هذا الموضوع ، ذو شقين ، الاول ، بتعلق بنزاهة المشرع ، فاذا كان كذلك ، وذو حس وطني ، يسمو ، على الفئوية والحزبية ، ولا يميل ، الى جهة دون أخرى ، اي يفضل ، المصلحة العامة ، على اية مصلحة أخرى ، مؤكدا  انه  ، سوف يسن قانونا ، يضمن حقوق الجميع، واذا لم يكن كذلك ، فان تشريعه لقانون ما ، سوف يكون فيه غبن ، وهضم لحقوق فئة ، على حساب فئة اخرى ، والشق الآخر من الموضوع ، يتعلق بالسلطة التنفيذية ، ومدى شعور ، القائمين عليها ، بالمواطنة الصالحة ، من عدمها ، فاذا كانوا يشعرون بآلام الشعب ومحنه ، ويؤمنون بالانسان مجردا من اي اعتبار آخر ، فلابد في هذه الحالة ، أن يشعر أبناء الاقلية بمواطنتهم ، وتكون حقوقهم مضمونة ، والعكس صحيح أيضا .
----  كيف تقيم دور الوعي ، والنوعية القانونية في مجتمعنا ؟
طبيعي يكون ، الوعي القانوني ، غائبا ، عن مجتمع ، تكثر فيه ، جهات النفوذ ، بعيدا عن سلطة الدولة ، اذ من المعروف ، ان المواطن يلجأ الى الدولة ، عند انتهاك ، حق من حقوقه ، ولكن في ظل الوضع العراقي الراهن ، جعلت جهات النفوذ( العائدة الى مرجعيات دينية او حزبية ) المواطن العراقي ، يشعر وكأنه لاملاذ له ، غير الرجوع اليها ، لنيل حقوقه المهضومة ، وفي هكذا محيط ، يغيب الوعي القانوني ، وويصيبه الوهن والهزال .
---- كيف تصف حالة المسيحيين ، ازاء تقلبات الانظمة السياسية ، عبر تاريخ العراق ، خصوصا ما بعد (2003 ) .
برأينا الشخصي ، أغلب القوى المتنفذة حاولت أوارادت ، انهاء التواجد المسيحي في العراق ، بشكل أو بآخر ، منطلقة من اجندة ، خاصة بها ، تختلف عن اجندة  ، لجهة غيرها ، وهي اما اجندة دينية أو قومية ، أو سياسية ، أو رغبة تلك القوى ، في  اضعاف الجانب المسيحي ، على أقل تقدير ، وجلبه الى جانبها ، لاستخدامه كصوت ثمين ، في اية انتخابات  تجرى مستقبلا ، وبذلك تضرب هذه الجهات ، اكثر من عصفور ، بحجر واحد ، فهي من ناحية ، جعلت المسيحيين ، تحت مظلتها ، ومن جانب آخر ، جعلت التصاقهم  بالاحزاب ، التي تمثلهم ضعيفا ، بل ، كارثة لتلك الاحزاب .
----   كلمة توجها الى مجلة الفكر المسيحي ولقرائها الكرام ؟ .
نتمنى أن تستمر ، مجلة الفكر المسيحي ، بنشر الفقه المسيحي ، دون التقيد بمذهب واحد ، أو جهة كنسية معينة ، كما نتمنى لها ، أن تحاول ، ابعاد كنائسنا عن السياسة ، او ابعاد السياسيين ، من التدخل في الشؤون الكنسية  ، قدر المستطاع ، فنحن شخصيا ، لا نؤمن يوجود كنيسة اشورية ، او كنيسة كلدانية  ، وانما هناك كنيسة المشرق ، بشقيها الكاثوليكي والنسطوري (( طبعا هذا بعد انشطار ، تلك الكنيسة الواحدة الى شطرين ، المنوه اليهما  آنفا)) مع احترمنا الشديد للرأي المخالف ، كما اننا ممتعضون جدا ، من محاولة رجال الدين ، للكنيستين  أو الكنائس الاخرى ، ، اقحام انفسهم ، في الشؤون القومية والسياسية ، اذ دورهم ، يجب ان يقتصر، على المراقبة والتوجيه ، دون تفضيل جهة ، على غيرها ، لات هناك كنيسة واحدة ، كما سبق القول ، وليست كنائس عدة ، اذ كان من المفروض ، عدم مجاراة رجال الكنيسة (الكلدانية ) لنظرائهم  من الكنيسة ( الاشورية ) في هذا المجال ، لانه لاينطبق في المسيحية ، القانون الفيزياوي المشهور " لكل فعل رد فعل ، مساو له في القوة ، ومعاكس له ، في الاجاه "  وخاصة وللحقيقة والتاريخ نقول ، باننا لمسنا ، من غبطة ابينا ، البطريرك "لويس ساكو " الجزيل الاحترام ، كل الاهتمام ، بموضوع وحدة " الكنيستين " أعلاه ، وكان له محاولات  جدية في هذا المجال ، ونحن كابنائه ، المؤمنين  ، نأمل منه ، السير في طريق الوحدة الى نهايته ، وان لاتثنيه عن ذلك ، العراقيل التي توضع في طريقه ، من هذه الجهة أو تلك ، ومن الجدير ذكره بان شعاره ( اي شعار سيدنا البطريرك ÷ ، كان اثناء تنصيبه ، لسدة البطريركية ، هو " وحدة الكنيسة  " أو الاصح ، محاولة توحيدها كالسابق ، فما بالي ، اذا حاول غيري ، اقحام نفسه ، بشؤون سياسية أو قومية ؟...  نرى بان رجل الدين ، يفقد كثيرا من اتباع رعيته ، عندما يسعى ،  الى التمييز ، بين ابنائه بالايمان ، بسبب معتقدهم القومي أو السياسي ، لان هذه الامور ، خارجة ، عن مجال الخدمة في حقل الرب ، ونرى، بأن لايكون الانتماء العرقي أو القومي ، سببا لحرمان رجل دين ما ، من اعتلاء  ، الدرجات الكهنوتية العليا في كنيسته ، اذا كان مؤهلا لذلك ، جسديا وذهنيا ، ومتضلعا بالعلوم الدينية .
واخيرا نود أن ننوه ، بان كل ما ذكرناه أعلاه ، يعبر عن رأينا الشخصي  ،المجرد من أي ميل أو تعاطف ، مع جهة دون أخرى ، ولسنا بصدد الاجابة ، عن اي رأي محترم ، مخالف لنا ، يثار في اية وسيلة ، من وسائل الاعلام ، مع تقديري ، لجميع الآراء ، وشكرا .

-   ملاحظة :  يقصد بكلمة "الدستور " المجردة أو كلمتي "الدستور العراقي " اينما وردت أعلاه ، دستور جمهورية العراق لعام 2005 "النفذ" .


 

6
تنويه ظافرنوح ليس ظافرشانو
أود التوضيح لقرائنا الكرام بأن هناك خلط في الاسماء بين الصحفي ظافرنوح
 والكاتب ظافرشانو، لذلك إقتضى الامرهذا التنوية لوقف حالات التباس الذي تحدث بين الحين والاخر
الصحفي ظافر نوح - بغداد



7
درع العنقاء الذهبية يمنح للفنان رائد عزيز

قامت مؤسسة العنقاء الذهبية الدولية بمنح الموسيقي رائد عزيز درع الابداع في قاعة ريد روز وذلك يوم ٢٨-٦-٢٠١٥ من قبل الكاتب المبدع متي كلو رئيس المهرجان في مالبورون وذاك تثمينا لجهودة المتواصلة في ابراز اللحن الشرقي بشكل عام والموسيقى العراقية بشكل خاص، في أروقة ومحافل الفنية في أستراليا. وذلك من خلال فريق "ميسو بوتاميا" الذي ضم موسيقين مبدعين عراقين قاموا بتاسيس هذا الفريق في مالبورون استراليا، الجدير بالذكر ان فريق "ميسوبوتاميا" نال العديد من الجوائز الفنية وكرم من قبل العديد من المؤسسات الفنية والشخصيات المؤثرة في الوسط الفني العراقي والعالمي، وذلك تكريما لجهودهم الفنية. قدم الفريق من خلالها قطع موسيقية وغنائية تراثية اثرت في نفوس الحاضرين واستلهمت فيهم روح الفن التراثي والمعاصر وقد قام الفريق بتأليف قطع موسيقية مؤثرة خلدت تاريخ شعبنا العراقي ومكوناته وكان اخرها عمل تحت اسم " صرخات لم تسمع" من تأليف الفنان رائد عزيز قامت القناة العراقية الفضائية بعمل مونتاج له وتقديمه في فواصل ضمن برامجها اليومية حاز هذا العمل على رضا الجمهور لما حمله من معاني إنسانية وافكار موسيقية وصور مؤثرة عرضت من خلاله تاريخ العراق منذ قيام الحضارة الى يومنا هذا خاتما العمل بهطول المطر الذي سيغسل النفوس في العراق وقيام عراق على اساس المحبة والتعايش، لقد وجه فريق ميسوبوتاميا رسائل عديدة الى الرآي العام من خلال مايقدمه من موسيقى تنهل من الاصالة والحضارة كان يمتلكها  بلد واليوم شعبه يعيش في كافة انحاء العالم ويحمل اسم العراق في قلبه وذاكرته. وهذا مادفع بالموسيقي رائد عزيز ان يواصل جهوده مع فريقه ميسوبوتاميا الى احياء الموسيقى التراثية العراقية بكل فخرا واعتزاز            الصحفي ظافر نوح       


8
الله والأنا من منهما الأكبر؟
ظافر نوح

 لقد نجح الإنسان في معرفة كل شيء عن الحياة، على الرغم من أنها كبيرة ومتشعبة، فاستطاع أن يعطي أجوبة سريعة، وأصبحت المعرفة في متناول الجميع، بحيث صارت أشبه بـ"مطاعم الأكلات السريعة" (Fast food) المنتشرة في كلّ مكان. وعلى الرغم من كل هذا لم ينجح الإنسان في حل أبسط المشاكل، وعليه يبدو أن الإنسان على المحك، الذي بات مهددا بالهلاك أكثر من أي وقت مضى.
ذكرت الكتب قصصًا وحوادث تتساءل من خلالها: هل إختلف زماننا عن الزمن الذي مضى لكي نسميه بالزمن الماضي الجميل؟ وهل كان الناس في الماضي أفضل من أبناء جيلنا؟ واين هو دور الإيمان في كل ذلك؟
لقد أنجب الايمان خلال قرون عديدة رجالا ونساء كانوا أدلة حيّة وحقيقية على القيم السامية. وعلى الرغم من اختلاف البيئة الاجتماعية وتفاوت المنظومات الفكرية بين الحضارات والأزمنة، وتنوعها بين الكلاسيكية والرومانسية والواقعية...لكن اليوم بعد أن جاءت العولمة الجديدة، ظهر إنسان القرن 21 وهو إنسان الانترنت والاتصالات السريعة. والآلات التي تخدمه عن بعد... وفي الحقيقة يمكن القول إنّ كل شيء قد إختلف، حتى طرق الايمان وأساليب التفكير، وأصبحت صفة الإنسان هي البحث عن السهل وعن أجوبة جاهزة. لكن تبقى الرغبة في معرفة معنى الوجود وعلاقة ذلك بمفهوم الايمان وعمقه في روح الإنسان، وهي من أصعب المسائل التي تؤرق النفس البشرية، فالكل يتسارع ويتهالك نحو ضمان المستقبل وهو المجهول، ولا أحد يعرف إلى أين هو ذاهب! 
لقد وضع الله في الإنسان عطشا إليه، وأذنا داخلية تصغي اليه، وجعل الله من نفسه حاضرًا في قلب الإنسان الذي يقضي عمره كله باحثا عنه بينما الله يعيش في داخله. وهذا ما صوره يوما المتصوف الحلاج حين أنشد:
عجبتُ منك و منـّـي     يا مُنـْيـَةَ المُتـَمَنّـِي
أدنيتـَني منك حتـّـى    ظننتُ أنـّك أنـّـي
لذا يبقى الانسان دائما تلميذا يتعلم من حب الله للبشر، فيدخل مدرسة الإيمان ليسير في طريق الله. ويقرأ في ضوء الكتب المقدسة والروحانية، ما هو ممكن بالإيمان وليس بالعيان. فالإيمان إذن علاقة خاصة جدا أساسها الثقة بين الانسان والله قبل أن تكون معرفة وشهادة "تنفخ الانا"، الإنسان يتطلع لأن يعرف الله أكثر من معرفته ما حول الله. والحياة مليئة بمن سمحوا بأن يسكن الله داخل الانا ويعمل في ارواحهم. فحجم الله يتحدد من خلال حجم ثقة الانسان بالله وبالتالي بحجم ما يسمح به الإنسان أن يحتله من مساحة داخل روحه، فكلما سمح الإنسان لله بان يعمل بكل حجمه الحقيقي، اقترب الله من الإنسان وعمل في حياته الأعمال العظيمة.
  إن الأعمال الوحشية السائدة اليوم تعمل على تصغير حجم الله شيئا فشيئا إلى أن يختفي الله ويغيب عن الوجود، "فالذباح يصرخ الله اكبر، والمذبوح ايضا يصرخ الله اكبر" هكذا يصبح الانسان بسبب بشاعة العنف هو الإله الكبير الوحيد الذي لا رادع له.
ان سيادة الخوف من الله والرهبة في روح الانسان تجعله يتقوقع و ينغلق على ذاته كي يردد كلمات رددها أيوب قبل آلاف السنين: "ليس بيننا مُصالح يضعُ يده على كلينا! ليرفع عني عصاه ولا يبغتني رعبه. إذن أتكلم ولا أخافه لأني لستُ هكذا عند نفسي". (أيوب 9:33-35).
  إن النضوج الإيمان يُعرِّف الإنسان بمكانته في عيون الله من جهة وفي عيونه هو من جهة أخرى فيقف أمام الله بضعفه وحاجته إلى الخلاص. ليسبحه بكلمات سبّح بها قلب مؤمن يوما قائلا:
ظننت أن الخلود نصيبي  فقصري منيف ومالي وفير
ولما جثوت أمام الصليب   وجدت نفسي فقيرا فقيـر
من خلال تحمل الألم والصبر على المعاناة أصبح لدى المؤمن جوابا عن الحياة وقيمتها التي تُعاش. إذ للحياة معنى لا يمكن فرضه من الخارج، إنما هي عطية مجانية نابعة من محبة الله. فالإنسان اليوم أمّا أن يكون ضائعًا أو مقيدًا، لأنه لم يتعرف بعد على قيمة محبة الله، الساكنة في أعماقه، وهذه المحبة لم تمنح لفئة أو لشعب معين بل أعطاها مجانا للجميع، لأنه ضابط الكل و مغير الـ "أنا" إلى الـ "نحن" التي يتمنى كل إنسان أن يعيشها.

9


المكونات العراقية على رمال متحركــة 
   
   الاعلامي    ظافر نوح - بغداد   

إن التحولات التي تعرضت لها منطقة الشرق الاوسط منذ إحتلال العراق عام 2003 واندلاع الثورة في تونس وتغيير الحكم في مصر، والاحداث الدامية التي تشهدها سوريا، قد جعلت المنطقة كلها  تقف على صفيح ساخن، بسبب التحديات الكبيرة التي هددت استقرار الشعوب والأقليات التي تبحث عن وطن آمن وضمان مستقبل الاطفال، مع ضعف روح التمسك بالوطن والارض. فكبار دول العالم تتنافس على فرض هيمنتها على الدول الضعيفة في أنظمتها والغنية في مواردها، مثل ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا مؤخرًا، ولكن في الوقت نفسه فشلت مساعي هذه الدول الكبرى في ايجاد الطائرة الماليزية المختفية مؤخرا، مما أظهر ضعفًا في إمكانياتها ومقدراتها وتضاربًا في سياساتها.
 
يقف الإنسان اليوم حائرا أمام ما يجري في العالم الذي يسير وفق نهوض تكنولوجي مرعب ومردود اقتصادي كبير، مع كبوة إنسانية واجتماعية تذهب ضحيتها الشعوب، ناهيك عن تغلب لغة العنف المستشري في الحياة السياسية في ظل أجواء تدّعي الديمقراطية، وتهميش القيم الإنسانية. فبعد ثورات الربيع العربي، جاءت الأنظمة الجديدة تحمل قيمًا وحريات مبنية على أساس رمال متحركة. يتضح هذا من خلال قمع المطالبين بالحقوق ومصادرة الحريات السياسية والاجتماعية.
هكذا انقلب الربيع العربي إلى خريف يحمل في طياته تساقط الاحلام والاوهام الوردية التي اراد الشعب تحقيقها، فغالبية من ساعدوا القوى القادمة من الغرب في تغيير الانظمة الاستبدادية، عادوا يمهدون إلى قيام أنظمة على أساس ديني ترهب الشعوب وتستعبدها للحكومات الجديدة. إذا كان مجيء هذه الحكومات نعمة، لكنه سرعان ما تحول إلى نقمة، لتصبح مزيجًا من النعمة والنقمة. هكذا قام صِدام بين الشعوب والحكومات الجديدة في تظاهرات ضخمة، وتحول القرار الشعبي الى قرار سياسي يعكس صورة الشخص الحاكم ومدى تطبيقه للأجندات الخاصة.
 
مأزق التوافقات
 بعد نجاح تغيير الانظمة، ليس كل من طلب حقا ناله، فالناس اختلطت الامور لديها وامتزجت آمالها بالمآسي والعنف، واخذت تتنازل عن حقها في الانتخابات. ففي العراق، وبسبب الخداع السياسي وانهيار مبدأ المواطنة، نشط التناحر والتفرقة بسبب الصراع على إثبات الهويات الضيقة والإنتماءات المذهبية والإثنية. بينما كانت المطالبات تسعى إلى قيام دولة ديمقراطية يكفلها الدستور على أساس التنوع والحريات والمساواة والوعي بالحقوق الفردية والعدالة الاجتماعية. هكذا أصيب الجميع بخيبة أمل من جراء هذا النهج التوافقي الذي سعى إلى إرضاء جميع الاطراف، لانتخاب حكومة جديدة، إلا أنها فشلت في الوقوف على مسافة واحدة من مسوؤليتها الوطنية، ولم تميز بين الصالح والطالح، وبين المصلحة الوطنية والشخصية.
أدت هذه التداعيات إلى إهمال حقوق الشعب وفقد الأمل في التغيير، فظهر أن الاغلبية أصبحت صامتة بسبب فقدان الأمن والاستقرار بأنواعه والصراعات السياسية المستمرة. هكذا انقلبت المعادلة من نظام يقوم فيه المواطن بالانتخاب بشكل ديمقراطي تثمر عنه حياة مريحة إلى معركة انتخابية هدفها الحصول على الامتيازات المالية غير المعقولة. هكذا يزداد الأغنياء غنى ويرتفع أعداد الفقراء المهملين، وسوف تخسر الاغلبية الصامتة حقوقها في الخدمات والحقوق مع الشعور بالمذلة والهوان، بينما تقف قبة البرلمان هي ايضًا على أركان رمالها متحركة، لم تقدم سوى جلسات طويلة فيها المجادلات والمنازلات الكلامية أمام وسائل الاعلام، بدون تقديم شيء فعال للمواطن.
       
الديمقراطية مواطنة أم محاصصة؟
 تتأثر اليوم حياة المواطن بتقلبات المشهد السياسي الذي يشق طريقه ويدخل في خضم إثبات العقلية الفردية على حساب الحقوق العامة والمؤسساتية، تضمن قيام دولة تحمي كل مواطنيها بما فيها الاقليات على أساس الدستور، لا على أساس المجاملات السياسية أو استغلال حقوق الاقليات من قبل البعض كدعاية سياسية. هذا قد يدفع الاقلية بالشعور بالضياع وسط الاغلبية التي تذهب في زوايا واتجاهات متعددة وما عليها إلا الالتحاق بالاغلبية.
قد يكون السبب في كل ما يحدث هو أننا شعوب لم تكن مستعدة لاستقبال وهضم الديمقراطية كمفهوم بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقد اتخذناها كموضة جديدة يتفاخر بها المحرومون منها، فجاءت الانتخابات بممثلين من فئات جهوية لا تمثل المجتمع بشكله العام، ولم تحقق اهدافها إلا لغرض خاص بها لا تتفق مع مبادئ الوطنية وحقوق الإنسان الطبيعية. كان من الواجب أن يكون هناك تطوير في الفكر السياسي كي يحقق ويحول الاقوال إلى أفعال، لأن الشعب يبحث عن المكتسبات التي تخدم مصالحه بينما أصبح الشعب يرزح خلف الحواجز خائفا من ثمار الديمقراطية المريضة التي مازالت تمر بفترة المخاض المؤلم والخطير في حين أن الشعب هو الخاسر الاكبر.

انتخابات أم دولاب يعيد المشهد
  إن الانتخابات ليست وحدها جوهر الديمقراطية، بل أن ما يحدث في العراق من سلوك الكتل السياسية في عدم إقرار القوانين المهمة والحساسة يخالف أصول وحقيقية الديمقراطية ومسألة تحديد السلطة وتداولها، وأن ما يحدث هو تكريس لعقلية الديكتاتورية الجديدة وبسط الهيمنة. فلابد من وجود قانون يحتكم إليه الشعب والاجيال القادمة كي تقودهم إلى صناديق الاقتراع بلا خوف، ويكون المواطن شريكَا حقيقيًا في انتخاب شخص فيه كافة المؤهلات التي ستغير الواقع من حال إلى حال أفضل. إن الوصول إلى فهم النظام الديمقراطي يحتاج إلى توعية وتوجيه بلقاءات متعددة حول كيفية إجراء التغيير في شكل وعقلية الحكم، وقيام إصلاحات سياسية لها وقع في حياة المواطن. إن تحقيق الديمقراطية يعتمد على إرساء القيم وترسيخ فكرة المجتمع المدني، لولادة دولة مواطن لا دولة مسؤول. هكذا تصبح الديمقراطية قوانينا يفهمها الناس لا لعبة سياسية يصدر أبطالها أصواتا مثل "ماكنة طحن الطحين تدور وهي فارغة". لذا وجب على الدستور ضمان الحقوق الأساسية للفرد والجماعة واحترام حقوق الأقليات الإثنية والثقافية والدينية. يعيش الشعب في زمن عدّ فيه الرابح الأكبر هو الأغلبية، ولكنها ليست اعتدالية، بل هي منغلقة على نفسها. هكذا يبقى الشعب يردد بأن العراقيين لم ينصفهم في تاريخهم أي حاكم ولم يعدل معهم أي نظام. والسبب الحقيقي هو الانزلاق خلف المسميات المنغمسة بالعقد والتقوقع. إننا بحاجة الى إحياء الفكر الإنساني وربطه بمفاهيم الوطنية، على الرغم من تنوع الأديان والمكونات، وإلا سقط الجميع في عبودية الهوية الضيقة ونهايتها الهاوية.

النخب المهاجرة
استوقفتني صورة فوتوغرافية التقطت في الأربعينيات من القرن الماضي بالأبيض والأسود، لمجموعة من العوائل العراقية وهي جالسة على ضفاف دجلة، شعرت حينها كم كانت قلوبهم مملوءة بالمحبة والطمأنينة، فلم يكن أمامي سوى تسمية تلك الفترة بـ "الزمن الجميل". لقد اختلفت اليوم صورة الحياة، إذ تتحسر العوائل - وهي تتابع على التلفاز - المستويات التي تعيشها بقية سكان الأرض، وعزفت عن ارتياد التجمعات الشعبية وحب المطالعة والاهتمام بالثقافة، من خلال دور السينما والمسرح والمكتبات.
 هناك فرق بين صورة الماضي والحاضر الذي فقدت فيه علامات المحبة والتسامح، إذ لا تعرف الناس اليوم ما سيحمله المستقبل، والجميع واقف على "كف عفريت"، الذي يدفع إلى التساؤل حول كيفية المحافظة على نسيج العلاقات الانسانية والنخبة العراقية؟ يبدأ الجواب على هذا التساؤل من خلال إعادة صياغة المناهج التعليمية والتربوية وخصوصا ما تحمله كتب التاريخ والدين، كي تركز على مبادئ احترام وقبول الاخر في التعددية الدينية والفكرية التي تخدم وحدة الوطن كعائلة واحدة.   
 ويبقى المواطن يكرر السؤال نفسه:"ماذا أعمل في بلد تعدّ فيه الطبقة المثقفة والمتعلمة والوطنية من الأقلية؟" فمنهم من غادر البلد قسرًا، ومنهم مهددون بمغادرة الوطن، والتبعثر في بلاد الشتات.

زمن استبدال الاوطان
تواجه الأقليات بما فيها المسيحيون في العراق انواعًا من المخاوف والقلق بسبب العنف والإرهاب، مع انعدام رؤية مستقبل مستقر، مما يؤدي إلى البحث عن وطن بديل، لكن هل هذا هو الحل الأمثل؟ بينما يقرر البعض البقاء وعدم البحث عن بديل للواقع البائس الذي يعيشه. لذا يصبح الرجاء بديلا لليأس كحقيقة وواقع، وليس كمثالية أو تقليد موروث، بل كقرار إيماني عميق نابع من محبة الوطن. لقد أصبح عدد المسيحيين في العراق قليلا وهم مبعثرون ومختلفون فيما بينهم على أصلهم وقوميتهم. فعندما يسأل أحدهم: "من أنت؟" يجيب فورًا "أنا مسيحي"، وبعدها يبدأ بسرد جذوره المذهبية والقومية والجغرافية، هكذا ننسى أننا كلنا واحد في المسيح. إنها ليست المرة الاولى في التاريخ التي فيها يترك المسيحي أرضه ووطنه ليعيش في الغربة، فهناك فترات هجرة متعاقبة حدثت، لكنها تصل اليوم ذروتها بسبب تدهور الأوضاع على المستويات كلها وتهجير المسيحيون من بلداتهم وترك منازلهم عضة لسلب والنهب مما أدى الة ضعف الثقة بمن يعيش من حولهم.
 
الانعزالية والمصالحة العرجاء
 إن الرب لا ينسى أحدًا من أبنائه، لذا سيقول يوما ما للعراق مثلما قال في سفر أشعيا النبي: "على كفي رسمتك... تطلعي وانظري" (16/ 17). إن الجميع اليوم، في الداخل والخارج يبكي على العراق، وفي الوقت نفسه يمزقه الجميع وهم لا يعلمون أو يعلم البعض منهم. فالعراق الذي هدم فيه برج الكبرياء والغرور في بابل القديمة يبني اليوم لنفسه برجا عاليا تختبئ فيه المصالح الشخصية والأنانية من قبل رجال إتخذوا من السياسة والديانة منبرًا لهم، وعاثوا في البلد خرابًا أصاب نسيج العلاقات في مجتمعنا بمرض الطائفية والانعزالية، فبعث الخوف في نفوس الناس المساكين، متناسين تاريخ التعايش الحضاري واحترام جميع الاديان والمعتقدات.
لقد حان الوقت ليتوقف كل من يتقصد إجهاض قيامة الخير والمحبة والسلام في بلدنا، وأن يقف نزيف الهجرة ليتوجه الجميع إلى أفق يطوي صفحة العنف واليأس والضياع. فالخلاص الذي يعده لنا الرب مفتاحه الصبر، ومن وراء هذه الظلمة سيأتي حتمًا النور فيعود التفاؤل في نفوس الناس. هذا ما نطلق عليه "التفاؤل رغم الشدة" و"الميلاد رغم الإجهاض" و"القيامة رغم الموت". نعم التفاؤل والفرح ميزة الإنسان المؤمن والمتجدد المرفوع الرأس والمحبوب من قبل الله، فنحن نؤمن بالمحبة التي سوف تنتصر في النهاية على كل براثن الشر: هذا هو سر بقائنا في الوطن.

من العنف إلى التراحم
 إن العمل من أجل توطيد العيش ضرورة تمليها الهموم والعنف الذي يعاني منه بلدنا فالسياق التاريخي والحضاري هو واحد للكل ومصيره واحد، وأن الاختلاف الديني والقومي لا يلغي حقيقة الإنتماء الواحد لحضارته التي شارك في صنعها الجميع جنبًا إلى جنب. فما يتعرض له بلدنا من تدخلات خارجية وتشظٍ في السياسات رفعت من حدة التوترات الداخلية واتخذت أشكالا مختلفة من العنف إلى جانب التهويل الإعلامي وإثارة الفتن. فمعالجة الوضع الداخلي بواسطة الحوار والعمل المشترك يحول دون أن يزيد الوضع تفاقمًا، لأن الانكفاء على الذات وفقد الحوار وعدم ترجمة مبادرة المصالحة إلى برنامج عملي أدى إلى عدم معالجة أسباب التوترات الدينية والطائفية. وحتى الثقافة لم تسلم من الأذى، بينما هي تصبو إلى تعزيز مناخ يعالج الضرر الذي حدث. فتأكيد تحقيق المصلحة العامة والتصدي لاشكال الفتن والعنف كافة التي يواجهها مجتمعنا بكل فئاته؛ يستوجب ثقافة ونوعًا من الحوار وفهمًا للمواطنة وقبولا للآخر المختلف، والعيش معه واحترام قناعته الدينية وخصوصيته القومية، لأن الضرورة تقتضي التفاعل الاجتماعي بين أبناء الوطن كلهم ومن أجل المصالحة الوطنية وإسهامًا في ترسيخ أواصر المودة، واعتبار الاختلاف والتنوع حقيقة إنسانية، بل هما هبة من حكمة الله للإنسان.
يؤكد المسيحيون دورهم في الوطن كشركاء وأخوة للجميع، ويطرحون المساعي للقاء العقول والقلوب لمواجهة التحديات والقضايا المشتركة للوصول إلى التضامن والتراحم وإشاعة روح الحوار والتسامح، كي يتم وزن الأمور بميزان العدل والاستقامة. إن اختلاف الاتجاهات والآراء هو من طبيعة الواقع الذي يتطلب مواجهة جريئة وتوعية مستمرة حتى يصبح العراق خيمة مصالحة وواحة سلام للجميع يجمعه الإيمان بإله واحد ووطن واحد.

الخاتمة
 إن الأوطان التي تبنى على العنف ورفض الآخر تبني بيتها على رمال متحركة يمكن أن تأكل كل ما هو إيجابي في حياتها وتذهب إلى العزلة والدكتاتورية وضياع الحقوق لأغلب مكوناتها. ما يحتاجه بلدنا هو البناء على الصخر، أي قيام مجتمع تسوده الحرية والمساواة في حقوق المواطنة، والشعور بضرورة العمل المشترك لمواجهة الهموم الداخلية والأخطار الخارجية التي تهدد أبناء وطننا. وعملية بناء دولة رحمة وسلام تحتاج إلى أناس جريئين يرفعون البلد من مستنقعه ويضعونه على طريق المصالحة والتعاون. وكل هذا بحاجة إلى تواضع كبير للاعتراف بالأخطاء التي وقعت وبإمكانية إصلاح ما هُدمَ من قيم في نسيج المجتمع العراقي، بروح أخوية حقيقية بعيدة عن الدعاية والكلام المرائي والازدواجية. إن الأوطان تُبنى على هامة أناس جعلوا من إزدهار الشعب ووحدته قيمتهم العليا التي تحفظ قيمة كل المكونات بشكل عادل.   
 



10

"قلبي عليك يا عراق" أمسية موسيقية خيرية

  بعد تقديم حفلات عديدة عكست أصالة وجمالية الموسيقى العراقية في المهجر، قام فريق ميزوبوتاميا بخطوة تعكس هذه المرة تضامنه ومشاركته مع معاناة بلدهم العراق حيث قدم الفريق يوم 10/8/2014 في مدينة مالبورون - أستراليا أمسية موسيقية خيرية تضامنية تحت عنوان "قلبي عليك يا عراق" وذلك على قاعة بروك وود، ابتدأ البرنامج بوقفة دقيقة صمت على أرواح  شهدائنا الأبرار، ومن ثم عزف وأداء النشيد الوطني العراقي، والترحيب بالجمهور الحاضر وتضمنت الأمسية أيضًا: قطع موسيقية عراقية تعرف بقالب السماعي وقالب اللونكا، وقطع موسيقية من تأليف أعضاء الفريق رائد عزيز وتوم توما، كما وقدمت بعض الأغاني التراثية والفلكلورية السريانية.
وقد اندمج حاضرين مع سماع تلك الأحان والكلمات كونها راسخة في الأذهان والذاكرة من ماضي حياتهم في العراق.
حضر هذا العمل الإنساني عدد من الآباء الكهنة من مختلف الكنائس وممثلين عن الجمعيات الخيرية والمؤسسات المدنية وعدد كبير من أبناء جاليتنا في مدينة مالبورون مع عدد من الأجانب تجاوز عددهم أكثر من 300 شخصية.
وللتعبيرعن إعتزازهم وعمق أصالتهم  قام أعضاء الفريق بارتداء زي (الأفندي) مع السيدارة العراقية ووضعوا العلم العراقي حول رقبتهم لدلالة على أن للعراق دَين في أعناقنا لا يُنسى. هذا بينما رفرف العلم العراقي معانقة مع العلم الأسترالي على جانبي المسرح، وفي ختام الحفل وجه الفنان رائد عزيز مسوؤل الفريق كلامه إلى الحاضرين وإلى الرأي العام قائلا: إننا نعلن من هذا المكان رفضنا واستنكارنا الشديدين لما يحصل في الموصل من قتل ونهب وسلب باسم الدين وكل عمليات التهجير الجماعي لكل الأقليات، واليوم نجدد محبتنا وتضامننا مع إخواننا في العراق من كل الطوائف ونقول لهم": نحن معكم قلبًا وقالبًا وسوف ندعمكم معنويًا ونقف معكم ماديًا، وأعلن عزيز أمام الحاضرين أن المبلغ النهائي لجميع التبرعات مع ثمن بطاقات الدخول وصل إلى ٩ آلاف دولار أسترالي جاءت نتيجة لتظافر الجهود ومشاركة الحضور معنا من أجل أعانة شعبنا العراقي. كما وأعلن عزيز أنه من الآن فصاعدًا سيخصص الفريق إقامة العديد من الحفلات الخيرية لغرض جمع التبرعات وإرسالها لمساعدة أهلنا النازحين وإعانة المرضى ودعم الفقراء من أبناء شعبنا.
ظافر نوح   


12
استخدام الاديان امرخطير

ظافر نوح
يواجه إنسان عالم اليوم تحدّيات كبرى في قطاعات الحياة كلها، وليس من حاجة إعادة وتكرار ما يُسمَع ويُقرأ ويشاهَد كلّ يوم: العنف مُستشرٍ ومجاعات وتشرّد وهجرة وغير ذلك. وكل واحد يقف حائرًا بين قرار الهرب من التفكير في المواضيع، أو أن يشعر بأنها تعنيه مباشرة. فيقول كثيرون إن أهم تحدّيات عالم اليوم هي (العولمة) الزاحفة من نصف الكرة الأرضية الشمالي إلى الجنوب، فارضةً على الجميع قسرًا نظامها وسياستها وثقافتها وإعلامها وقيَمها. ويمكن تحديد عمر هذه التحدّيات والتحوّلات التي نتجت منها مع بروز النظام العالمي الجديد، الذي لم يسبق له مثيل، فيفسّر بعضهم ذلك بتزامنه مع انهيار الإتحاد السوفيتي في بدايات تسعينيات القرن الماضي، ممّا أدى إلى تحوّل كبير في توازن العالم من تقسيم، بقي سائدًا نصف قرن بين قطبين آنذاك، فتحولنا إلى نظام القطب الواحد، وأحدث ذلك خللا في جميع حسابات التوازن التي كانت قائمة آنئذ، وإن سُمّي ذلك بـ "التوازن المرعب"، لكن ذلك لم يكن سوى حرب "باردة"!
أما في المرحلة اللاحقة، أي مرحلة القطب الواحد، فقد بدأ هذا القطب "يسحب البساط في اتجاهه لأنه قوي، فخطط لتأمين مصالحه، وسار لا يلوي على شيء من مصالح البقية من بلدان "العالم الثالث". كما تزامن ذلك الإنفراد في السيطرة مع بروز غريب لدور الأديان، وأشكال جديدة من ظواهرها، قد تكن جزءًا من تحدّيات الهوية، فتفشّت بِدع، وسَرَى انحلال غير منضبط للمفاهيم، وتوغّل العالم في اغتراب وضياع، وظهرت تيارات أصولية ومذهبية وطائفيّة في كل مكان. فهنا سُخِّرت الديانات في مشاريع سياسية، وهناك دُفعت بانفعال في اتجاهٍ عكس ردّة فعل سلبية، كتعبير عن انعدام الأفُق الآمن، وفي مكان آخر ثالث كشفت الأصولية إحباطا متراكمًا لدى دول أفقدها الإستعمار إرادتها.
لذا جاء استخدام الأديان أمرًا خطيرًا، إذ سرعان ما ظهر عجزها في حلّ المسائل السياسيّة، وخصوصًا عندما لم تكن قادرة على مواكبة العصر، وتقدُّم العلوم والتحوّلات الإجتماعية، فللدين مسارٌ خاص لا يمكن أن يستسلم بسهولة إلى الآنيّة التي دخل فيها عالمنا، عندما أصبح "قرية صغيرة"، بوسائل الإتصال. وإن بدا، ظاهريًا، أن تأثير ذلك أصاب الأديان، إلا أن النتائج لا يمكن أن يقرأها اليوم أحد حالا وبسرعة، لأن الأديان بطيئة المسار حكيمة الجواب، تعلّمت من التاريخ ومن عِبَره ما لم تتعلّمه بقية مؤسسات البشر. مع ذلك، هل هذا يعني أن الأديان تتغاضى عمّا يجري حولنا وفينا، ولا يهمّها أمر عالمنا المضطرب؟
الجواب هو كلا، بل يمكن القول إن الأديان تحاول أن تحلق فوق الغابة كالنسر، لئلا تصطدم بالأشجار، فهي تأخذ وقتها للتأمّل في مصير الإنسان، وكلّ مؤمن مسؤول أمام ميراثه العريق عمّا ينجم عنه في الحاضر، فيتذكر بفطنة، أن جوهر الدين حقّ وعدل وسلام.
يقف المؤمن اليوم وهو ينتابه شعور بأن الأهم هي الأخوّة في الإيمان، مهما اختلفت تعابير المذاهب، ومهما بَعُدَت المسافات بين الثقافات. فالأساس واحد. أليس إبراهيم أبًا للمؤمنين جميعًا؟ لأنّه تطلع نحو المستقبل لبناء غد أفضل، فجاء الأنبياء والمفكرون، وأدلى كلٌّ بدلوه. وخصوصًا عندما لم يهربوا من مواجهة الهواجس والمخاوف والأوهام، ورأينا ونرى، كل يوم ما أصابنا من جرائها، فالمسألة لم تعُد في أسباب الهواجس والأوهام، ولكن معرفة إلى أين ستوصلنا. وما معنى هذا الجنوح إلى التنافر والإقصاء الذي سلكنا فيه، فنتج منه أفكار وتنظيرات من طرف تجاه الطرف الآخر.
يقف أتباع كلّ دين أمام ضرورة لازمة وهي أن يحصّنوا أنفسهم من الداخل، قبل التحصّن من الخارج ضدّ الآخرين، فيأخذوا في الاعتبار أهمية حرية الضمير والمعتقد، من دون لجوء إلى العنف خصوصًا. فتنوّع الأديان كاللغات، ميراث لا يعني أفضلية ولا كرهًا ولا احتكارًا لحقيقة ما، بل هي خصوصيّة وحقًا مشروعًا أقرّتها كلّ الأديان وسنن الطبيعة والقوانين المدنيّة؛ فالمطلوب إذن تجاوز المشاعر الآنية لئلا نقع في امتهان الحق، فينقلب علينا وضدّنا، فلا نضيع وقتنا في ما لا طائل تحته.

13
هل تلاشى الربيع العربي في متاهات الأسلمة السياسية ؟!

مقابلة ظافرنوح مع الدكتور فارس كمال
س- أمسينا اليوم نواجه سؤالاً حتمياً حول لغز اختلاط مسارات السياسة بالدين في بلدان الربيع العربي. فمتى وكيف يلجأ السياسي إلى استثمار الدين لضمان بسط سيطرته على حركة الجماهير؟
ج- بدأنا اليوم فعلاً عصرَ الدين السياسي في المنطقة العربية بعد اندلاع ما سمي بثورات "الربيع العربي"، إذ انجلت عنه أن أحزاباً دينية سياسية أمسكت بالسلطة بالرغم من أن الحراك المدني الشعبوي غير المنظم بأحزاب تقليدية هو الذي أشعل تلك الثورات. ما نحتاج إليه هو أن نتعمق في هذه الظاهرة كي نخلص إلى إجابات واقعية بشأن أسبابها ومساراتها ومآلاتها. فالفراغ النفسي والفكري والأخلاقي والروحي الذي تركته أنظمة الاستبداد في المنطقة العربية منذ أكثر من نصف قرن، وسقوط ملكيات وقيام جمهوريات كانت أكثر استبداداً وفساداً ممّا سبقها، ترك ما أسمّيه بـ"التجويف النفسي والأخلاقي والروحي" للفرد العربي. فأصبح الفرد مغلوباً على أمره ومهمشًا ومُستَلباً ومُبتَلعاً من السلطة. ولما كان لا بد له أن يتوحّد أو يتقمص شخصيةً اجتماعية ما -فالبشر يبحثون دوماً عن هوية اجتماعية يتماهون بها-، فما أن زالت تلك الأنظمة حتى دفع الفراغُ السياسي الفردَ العربي للبحث عن هويةٍ تعيد له الاعتبار، بعد أن تركته تلك الأنظمة الاستبدادية مجوفًا بلا قاعدةٍ نفسية صلبة، فكان الخيار الديني هو الأسهل لأنه يوفر أمانًا سريعًا، يعطيه الثقة بأن حياته الآنية المأساوية بكل مظالمها ستجد ثواباً وتعويضاً في عالم ما ورائي آخر.
هكذا استثمرت أحزاب الدين السياسي هذا الفراغ السياسي والهوياتي من جهة، فيما كانت الشخصية العربية مدفوعةً نحو الاندماج بهوية جديدة من جهة أخرى. فأكمل أحدهما الآخر في حلقة متينة تفسر لنا غرابة ما آلت إليه الأحداث. مع ذلك لا يزال بعض المحللين يدورون في حلقة مفرغة من التحليل، فمنهم من قال: "هناك مؤامرة"، وآخر قال: "هناك تخطيط من مخابرات أجنبية"..، لكنني أعتقد أننا في إطار موضوعي من أحداث لها جذور وأسس سوسيوسيكولوجية موضوعية تتعلق بالشخصية الاجتماعية السائدة، إلى جانب نجاح أحزاب الإسلام السياسي في استثمار الفراغ الحاصل بما لديها من ثراء في التمويل وقوة في التنظيم.

س- إذن، من الرابح الأكبر والخاسر الأكبر من اختلاط الوظيفة الدينية بالوظيفة السياسية؟
ج- الربح إما آني أو بعيد المدى. آنياً تربح أحزاب الإسلام السياسي خلال العقدين القادمين على الأقل في حكم معظم بلدان الشرق الأوسط ومنها العراق، لكنه ربح مؤقت ونسبي. ستستعين الأحزاب الدينية بصناديق الاقتراع فهي تعرف كيف توجّه الناخب لأسباب سنشرحها بعد قليل. لكن الخسارة الحقيقية هي أننا سنعيش ثقباً زمنياً أسوداً جديداً بعد أن خسرنا أكثر من نصف قرن ضاعت خلاله أجيال في عتمة الاستبداد والعنف والعدمية والاضطراب النفسي، فلم تظهر دول ديمقراطية حقيقية في المنطقة، بل عاشت شعوبها ظروفًا فظيعةً من حروب عسكرية واقتصادية وثقافية ونفسية فيما بينها وداخل البلد الواحد.
ويبدو لي أننا مضطرون مرة أخرى لنغرق في فجوة حضارية جديدة طالما إن الدين السياسي بصيغته الحالية سيكون هو المتحكم بالتطورات السياسية والاجتماعية، وطالما لم يحدث تعديل في مفاهيمه وأدواته، ولم تنشأ تيارات إصلاحية تنويرية جذرية داخل مؤسساته. ولكن إذا حدث ما يخالف هذه التوقعات، فعندها سيكون لكل حادث حديث؛ لكن ما نراه في الواقع اليوم هو رغبة قوية لدى الأحزاب الثيوقراطية بالاستئثار المَرَضي بالسلطة، وتعويض عصابي عن الماضي، ونهم لنهب ثروات البلاد، وهيمنة على الزمن. في النهاية سيكون الكل خاسراً، والضحية الكبرى هي الفرد أو المواطن.         

س- إذا كان الحل لتجنب هذا الخسائر يكمن بفصل الدين عن الدولة، فما هي احتمالات أو آليات الوصول إلى هذا الحل؟ وهل توجد فرصة حقيقية لتحقيق ذلك كما حدث في الغرب؟
ج- ما حدث في الغرب من فصل الدين عن السياسة لم يأت بوصفه عملية سريعة أو اعتباطية أو قائمة على النوايا، بل بوصفه تطوراً متريثاً لوعي جمعي: اجتماعي، وثقافي، وسياسي، واقتصادي. فالغرب مر بحروب أهلية ودينية ومذهبية طاحنة قبل أن يتراكم في مجتمعاته الوعي الديمقراطي الجوهري بضرورة فصل الدين عن الدولة. وهذا التراكم الذهني كانت له قاعدة مادية لا غنى عنها هي نشوء الصناعة وتأسيس بنى تحتية اقتصادية راسخة قائمة على تراكم الثروات من جهة، وعلى الإمساك بمفاتيح العلم والتكنولوجيا من جهة أخرى. وكلها شروط لقيام الوعي السياسي المدني (لا القبلي أو الديني أو المذهبي أو المناطقي). لكن البلدان العربية اليوم ما تزال تفتقر إلى قاعدة اقتصادية- علمية حقيقية، لذا لم يتراكم في مجتمعاتها وعي سياسي كاف بأن العدل الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار الدولة الديمقراطية المدنية اللادينية.
وإلى جانب العامل الاقتصادي، نحتاج أيضاً إلى بنية ثقافية عقلانية لتحقيق الدولة المدنية عبر مشاركة قطاعات واسعة من الشعب ممن حصلوا على تعليم جيد في الحراك السياسي المدني. لكن الإحصائيات تقدم مؤشرات مخيفة، إذ احتلت مصر المرتبة السابعة من بين أكثر عشر دول تعاني من الأمية في العالم، إذ بلغت نسبة الأمية فيها أكثر من (40%) طبقاً لبعض التقديرات، فيما تجاوزت نسبة الأمية في العراق (25%) من إجمالي عدد السكان، هذا إلى جانب الفساد الجامعي الأكاديمي في هذه الدول التي لم يعد لديها إنتاج حقيقي للمعرفة، فهي دول مستهلكة تستورد كل شيء من قلم الرصاص إلى الأسلحة.
في النهاية كيف لنا أن نتوقع لبلداننا العربية أن تظهر فيها بسرعة ثقافةٌ سياسية نخبوية أو شعبوبة تؤمن بفكرة إن الدولة عبارة عن كيان خدماتي يخص الناس جميعاً بكل مشاربهم وينبغي أن ينفصل وظيفياً وايديولوجياً عن الدين بوصفه منظومة أخلاقية لا سياسية؟ لذلك، نحتاج إلى زمن ليس بالقصير ليتراكم رأس مال حقيقي -لا عائدات نفطية وهمية يبتلعها الفساد- لبناء اقتصاد متين وتعليم مؤثر، وعندها سنشرع بابتناء وعي اجتماعي تقدمي وعقلاني يمكن أن يصل إلى ذروة نسبية بلغتها قبلنا مجتمعات ليبرالية منذ أكثر من 200 سنة.

س- في قراءتي لبعض طروحاتك عن سيكولوجيا الهوية الإسلاموية، وجدتك تفرّق بين الدين والتديّن، فكيف تميز بينهما على المستوى المفاهيمي والتطبيقي؟   
ج- ما دمنا في عصر الدين السياسي، فيجب أن نكون حذرين عندما نقول دين أو تدين أو تديين، ولا نخلط بين المفاهيم. فالجمهور هو صاحب قضية الدين بوصفه بنية "معتقدية" تخضع للتطوّر الاجتماعي. الدين بنية ذهنية إدراكية "مُتَخيَّلة" أو "مُتَصوَّرة"، أي لا يوجد ولن يوجد على الأرض دين بمفاهيم كلية يدركها كل البشر بنفس الكيفية. هناك فروق في إدراكات الأفراد، وفروق إدراكية بين مذهب وآخر، بل حتى داخل المذهب الواحد. تفاسير رجال الدين تختلف بينهم بخصوص الخلق والنشوء أو أركان العبادات والطقوس أو صوابية السلوكيات والممارسات الفردية والاجتماعية للبشر. يبقى الدين إذن أمراً يتم إدراكه أو تخيله بشكل نسبي، بين إنسان وآخر، ومذهب وآخر، وفقيه أو رجل دين وآخر.         
ما يهمنا إذن في المحصلة هو "التديّن" Religiosity وليس الدين Religion، وأقصد بالتدين نمط الممارسة السلوكية والعقلية والعاطفية للدين "المُتَخَيَّل" لدى الفرد، أي صب الفكرة الدينية "المُتَخَيَّلة" في قالب سيكولوجي معين يختص به فرد معين. ولذلك ليس غريباً أو شاذاً أن يكون المتديّن متسامحاً ومسالماً وإصلاحياً وتنويرياً ما دمنا نتحدث عن بناء نفسي قابل للتطوير والإغناء والإرتقاء؛ في حين نجد اليوم أن الصبغة الأساسية للتدين في المنطقة العربية غدت تعصبية عنفية إقصائية بل دموية. الأمر برمته يعتمد على الإطار الثقافي الذي يجري فيه إنتاج نمط التدين. وهذا النمط الثقافي بدوره يتصل هيكلياً ووظيفياً بالبنية الاقتصادية- الاجتماعية للدولة والمجتمع كما أسلفت. التدين لا يحدث في فراغ ميتافيزيقي بل هو وعي سيكولوجي له شروطه الموضوعية تعصباً أو تسامحاً.       
اليوم دخل عنصر جديد في المعادلة هو "التديين" Religionization. ما عدنا نكتفي بالتدين فقط وإنما التديين أيضاً، بمعنى أن أحزاباً معينة بدأت تحث أو تحرض أتباعها على الخروج من هويتهم الدينية المألوفة التقليدية المشروعة ليدخلوا في الهوية التديينية أو الدينوية. وبين هذا وذاك فرق جوهري، فعندما يكون الفرد "مسلماً" فهذا معتقده واجتهاده وحقه الحر والمشروع في التعبير والاعتناق، ولكن عندما يصبح "إسلاموياً" فإن هويته تصبح كارهة للهويات المغايرة. هو ما يزال مسلماً، ولكنه صار مسلماً كارهاً وليس بمسلم متسامح. تكمن المشكلة في أن أحزاب الدين السياسي ليس لديها قاعدة ثقافية إنسانية واضحة المعالم، وليس لديها فكر اجتماعي مدني مأخوذ من الحاجات الاجتماعية الحقيقية للبشر، فهي تلجأ إلى بضاعتها الوحيدة وهي التحريض على أن يتحول الإنسان من هويته الدينية إلى هويته التديينية لكي تحصل على صوته الانتخابي.
الدين بوصفه بنية عقلية فوقية فيه حدان، إذ يمكن توظيفه ليصبح أداة لتهميش الآخر أياً كان دينه أو مذهبه أو معتقده، أو يمكن أن يبقى في إطاره الأخلاقوي الفردي يحث على قيم التسامح والرحمة والقبول بالآخر والتفكر بشؤون الحياة والكون. ولكن واقع الحال العربي اليوم يشير إلى أن زج الدين في هذا الإطار السياسي الملتبس في بلدان ليس فيها تراكم برأس المال، ولا ضمانات اجتماعية، وتعاني من الفقر والحرمان والتخلف، ومن عقد نفسية جمعية شديدة العمق بسبب سنوات طويلة من الكبت والضغط والإذلال، لن يؤدي إلا إلى الاحتراب، ليس فقط بين الدين والعلمانية، أو بين دين وآخر، أو بين طائفة وأخرى، بل حتى بين أتباع المذهب الواحد.

س- يقودنا هذا إلى الحديث عن مفهوم "التدين الزائف" الذي طرحته مؤخراً في إحدى مقالاتك. كيف نميزه عن التدين الأصيل؟         
ج- أدى ارتباط الدين بالسياسة في العراق اليوم إلى ما نسميه في علم النفس الاجتماعي بظاهرة "التديّن الزائف" أو السطحي Extrinsic، وهذا مرتبط بتراجع وتدهور شامل في قيم النزاهة والصدق والفضيلة في عموم الدولة والمجتمع والسلطة؛ بمعنى أن نمط التدين الزائف عبارة عن نزعة في النفس البشرية تشطر الشخصية إلى قسمين: قسم طقوسي ظاهري شعوري وقسم آخر انفعالي باطني لاشعوري. ما هو ظاهر يصبح ممارسة سلوكية شكلية وسطحية ليس غايتها تحقيق جوهر الأخلاق المطلوبة كما يدّعي المتدين، إنما للحصول على المال والجاه والسلطة وحماية الذات في المجتمع. لكن في العمق فإن ذلك الشخص ليس متدينًا أصيلاً بل يخضع لرغباته ولذاته وغرائزه وحاجاته النفعية الأنانية، إنه يعمل بمبدأ براغماتي كلياً، إنه كمن يدّعي شيئاً ويفعل العكس.   
وعندما يسود هذا النمط من الشخصية في المجتمع ما الذي يحدث؟ يبدأ الناس بمعايشة ما نسميه في علم الاجتماع بـ"اللامعيارية" أو "الأنوميا" Anomie التي أشار إليها "دوركهايم" Durkheim بوصفها حالة الفوضى المجتمعية التي تنتزع من الناس ثقتهم بوجود معايير مؤكدة أو سلم قيمي راسخ يمكن الركون إليه لفرز الخطأ من الصواب، إذ تتبادل "الرذيلة" و"الفضيلة" أدوارهما القيمية الاجتماعية المعهودة، فتضيع المعايير ويصبح الحلال حراماً والحرام حلالاً، وعمل الخير لا يؤدي إلى نتائجه المرجوّة، بينما عمل الشر يعطي أفضل النتائج!
وتشير الدراسات النفسية إلى أن التدين الزائف في مجتمعات عديدة يمكن أن يصبح ستاراً يخفي وراءه أشد صور العنف والإجرام، كما إنه يمكن أن ينبيء بتدني الصحة النفسية وشيوع الاكتئاب والتفكير الخرافي والجمود الفكري. حينما يصبح الدين مسيساً يكف عن كليانيته الروحية الشاملة، ويستحيل إلى طقوس وإجراءات روتينية يبتغي الناس من ورائها مكاسبَ ومصالح شخصية. هذا ما حدث ليس في العراق فحسب وإنما في العديد من البلدان التي عانت من هذه الإشكالية، ومنها ما نلاحظه اليوم في وسائل الإعلام إذ بدأ مواطنون في بعض بلدان الربيع العربي يتكلمون بنبرة المعاناة ذاتها التي تكلم بها العراقيون قبل نحو ثماني سنوات، حينما بدأ انقسام الشخصية بين سلوك ديني سطحي أو شكلي أو طقوسي (أي تدين زائف)، وبين سلوك دنيوي يومي فاسد باحث عن اكتناز المال والسلطة.   

س- إذن أنت تقرن شيوع التدين الزائف بظاهرة الإسلام السياسي. ما الحل إذن للعودة إلى التدين الأصيل وإعادة توحيد الشخصية العربية المشطورة حالياً بين الجوهر والمظهر؟
ج- كما أشرتُ من قبل، فإننا أمام ظاهرة وأمام عصر، وبالتالي لا يوجد حل آني يتمثل بإجراءات آنية من قبيل النصح أو الإرشاد أو المواعظ. المعضلة أكبر من ذلك، علينا أن نعيش هذا العصر وأن ندفع ثمنه الذي قد يطول ربما لعقدين أو أكثر من الزمن، ريثما يقتنع الناس في لحظة معينة بأن كل ما حدث من أسلمة للسياسة كان زيفاً، وأنه كانوا مخدوعون بكذبة كبيرة باتوا لا يطيقونها ولا يستطيعون التوافق أو التكيف معها أكثر من ذلك. كثيراً ما يعيش الإنسان كذبةً ويقبلها لأمد طويل لأنها توفر له إشباعاً نفسياً معيناً تحت وطأة دوافع وعوامل تبريرية شتى، ولكن يأتي يوم يتوقف فيه هذا الإشباع عن التحقق بسبب تراكم المستجدات والخبرات التي تكون كفيلة بتفتيت الوهم. إننا أمام تأريخٍ من آلاف السنين انتقل فيه الإنسان من عصرٍ كان يقبل فيه بعبوديته من أجل لقمة العيش فقط، إلى عصر الحريات والدساتير والتشريعات القانونية الدولية التي باتت تختص بأدق تفاصيل الكرامة البشرية.       
المشكلة المزمنة في الحياة البشرية، إننا نضع مفاهيم ونعيشها ربما لسنوات وأجيال وقرون، أي نتبنى مفهوماً غير عقلاني ونفرضه على أنفسنا والآخرين وكأنه الحقيقة المثلى والنهائية؛ ولكن عندما نراجع أنفسنا بعد مدة حين يتطور الوعي وتتراكم التجربة، نتوقف ونقول: هل ما فعلناه كان سليماً؟ هل كان سوياً؟ هل حقق سعادة الناس وصان كراماتهم؟ أم إننا لوينا الأحداث لنثبت فقط صحة ما أردنا فعله؟ 
ممارسو الدين السياسي يلوون الحقائق البديهية للطبيعة البشرية، ويحرقون زمن شعوبهم، ويربطون عربة التأريخ بايدولوجيات سلطوية لايمكن إقامة الحجة أبداً على صوابيتها أو سرمديتها. كيف يمكن لسلطة أن تحكم بعقيدةٍ "مُتَخَيَّلة" لا يوجد إجماع على أسلوب إدراكها حتى ضمن أتباع المذهب الواحد؟         
الدين السياسي يأخذ البلاد إلى المجهول لأنه يمزج المطلق بالنسبي، لكن الزمن بمعناه الاجتماعي والاقتصادي كفيل بتنقية الوعي البشري وتقويض الأساطير.         

س- ماذا تقصد بقولك أن الدين السياسي يمزجُ المطلقَ بالنسبي؟   
ج- الدين بنية أخلاقوية معتقدية مطلقة تؤمن بوجود مفاهيم نهائية وشاملة لا يمكن المساس بها سلوكياً وطقوسياً وميتافيزيقياً، فيما السياسة بنية نسبية متحولة متقلبة تتبع مبدأ التغاير والتعديل والتكييف والتوفيق بين المعطيات والعناصر بشكل مستمر. في السياسة يمكن للغاية أن تبرر الوسيلة، والمنفعة يمكن أن تتقدم على الأخلاق، والمصالح قد تحل محل المباديء بحكم التعقيد التي تنطوي عليه الحياة البشرية. السياسة تريد أن تنظم حياة ملايين الناس ضمن وحدة جغرافية اسمها البلد أو الوطن، بينما الدين يريد أن يقيم قاعدة أخلاقية روحية داخل الفرد لكي تجعله يسمو، فيحاول أن يجد له طريقاً واثقاً ومستقيماً في الحياة.     
هذا الدمج بين بنيتين، أي بين بنية إطلاقية بكل مفاهيمها (الدين) وبنية نسبية بكل مفاهيمها (السياسة)، يمكن أن يؤدي إلى واحد من احتمالين: إما المطلق يبتلع النسبي أو النسبي يبتلع المطلق. وبما أن النسبي لا يمكن أن يتحول إلى مطلق بحكم طبيعة الشيء، إذن سيبدأ المطلق بالتحول إلى نسبي، وهنا تبدأ عملية الهبوط من علياء المُثل إلى تفاصيل الواقع بكل ميكيافيليته وبراغماتيته وتنازلاته. هذا ما يفعله الدين السياسي اليوم؟ لماذا لم نُبقِ الدين في عليائه؟ لماذا أنزلناه إلى الحياة اليومية؟ لماذا نهبط بشيءٍ سامٍ إلى حالة لا سامية؟ أسأل دعاة الأسلمة السياسية: إذا افترضنا أن الدولة الفلانية هي دولة إسلام سياسي، فهذا يعني ضمناً إن الكهرباء باتت إسلامية، ومياه الشرب لابد أن تكون إسلامية، والزراعة أو الصناعة غدت إسلامية، فهل هذا يتفق مع فطرة العقل السليم والبديهة السليمة ؟ لا يمكن لأي من هذه المفاهيم أن يكون إسلامياً، لأنها مفاهيم خدمية لا معتقدية، ضمن كيان تنظيمي خدمي أكبر هو الدولة ؟ وإذا كان لهذه المفاهيم أن تصبح إسلاميةً أو دينيةً بالفعل، عندها لن نعارض قيام الدولة الدينية، وهذا غير ممكن حتماً.
الدولة منظومة مؤسساتية وجدت لتنظيم الحياة البشرية فحسب، أما المجتمع فيمكن أن يكون معتنقاً لدين معين ولا غبار على ذلك. المجتمع هو البشر بكل حالاتهم العقلية والسلوكية والمعتقدية والقيمية والمزاجية، أما الدولة فهي هيكل إداري مدني محايد، له وظائف فنية تتعلق بإرضاء حاجات الناس وتوقير حقوقهم وصيانة كراماتهم بصرف النظر عن دينهم أو عرقهم أو معتقدهم. هذا المزج التعسفي الذي يريده دعاة الدين السياسي بين مطلقية الدين ونسبية السياسة (الدولة) لن يؤدي إلا إلى إشاعة التدين الزائف وتوابعه من الفساد واللامعيارية والاغتراب في كل مفاصل الحياة الاجتماعية   

س- "دولة الخدمات المدنية" التي تتحدث عنها، باتت بالفعل مطلباً شائعاً لدى قطاعات واسعة من العراقيين، ومع ذلك فإن الوضع السياسي في العراق يتجه إلى مزيد من الاستقطاب الطائفي، كيف تفسر ذلك؟     
ج- هذا صحيح تماماً، فالمواطن العراقي اليوم يبتهل إلى الله أن تظهر حكومة خدمية حقيقية توفر له الحد الأدنى من حاجاته وكرامته. ولكن لنكنْ صريحين، فهذا المواطن ذاته عندما سيأتي يوم الانتخابات بعد مدة ليست طويلة سيذهب وينتخب أحزاباً دينية سياسية (أي طائفية). وهذا سيعيدنا إلى التحليل السيكولوجي. أنا مؤمن تماماً أن ظاهرة الإسلام السياسي في المنطقة العربية اليوم ومنها العراق، تحتاج إلى تحليل نفسي، إذ لا يكفي التحليل السياسي الفوقي أو التحليل الاجتماعي العام الذي اعتدنا عليه. نحتاج أن نفهم ماذا يحدث داخل الفرد العربي؟ لماذا سلوكه متناقض؟ لماذا يقول شيء ويفعل عكس ذلك في اللحظة الأخيرة رغم معرفته للصواب؟
أقول باختصار أن هناك حالة من الارتهان النفسي بات يعيشها الفرد العراقي أو العربي. فبعد سنوات طويلة من الاستبداد والقهر والتخويف والترويع ما عاد يريد أن يتحمل مسؤولية اتخاذ قرار مستقل، أو أن يمسك بزمام مبادرته الذاتية، بل يريد من يحل محله ويتخذ القرار عنه. هذا الفرد قدم نفسه رهينةً طوعية لقوى متأسلمة فوّضها الإنابة عنه في كل شيء. فنشأ ما يمكن تسميته باللاأبالية السياسية، أو السلبية السياسية، أو العدمية السياسية، أو عدم الفاعلية السياسية.         
فالناس في العراق وفي بلدان الربيع العربي على حد سواء، لديهم وعي عاقل بما هو مطلوب، أي دولة خدمات مدنية، ولكن عندما تأتي لحظة القرار الانتخابي تراهم يذهبون إلى الصناديق ليوقعوا على ارتهانهم من جديد، وكأنها يريدون القول ضمناً أو لا شعورياً: ((إننا عاجزون وغير مؤهلين لأن نمسك بقيادنا من جديد، نحن نحتاج إلى وسطاء بيننا وبين الآلهة)). هؤلاء الوسطاء من أحزاب الدين السياسي، أسميهم بـ"المستألهين" لأنهم نصبوا أنفسهم وكلاء بين الإنسان العادي والآلهة، إذ يحددون له القائمة أو الأسماء التي يتوجب عليه أن ينتخبها لأنها تعني "الاصطفاف" مع الله، ومن لا ينتخبها فهو ضد الله.     
لا نستطيع أن نطلب من إنسان عاش لعشرات السنين حياة الاقصاء والتخويف والتنكيل، أن يمتلك سريعاً الجرأة الكافية ليعيد الإمساك بدفة حياته لحظة الانتخاب. إنه يعود إلى خوفه السابق، ويسلم مفاتيحه بيد هذا الزعيم وذلك الحزب عسى أن يوصلوه إلى دار الثواب في الدنيا الآخرة. في النهاية، هناك عملية ابتزاز سيكوسياسي شاملة لشخصية الفرد العربي.

س- إذن الفرد العربي بات في مفترق طرق، بين نزعة علمانية مدنية تلح عليه داخلياً، ونزعة ثيوقراطية تحدد له سلوكه السياسي. إلى أين ستتجه الأحداث برأيك؟
ج- يمكننا تقسيم النزعة العلمانية إلى: اجتماعية وسياسية. فمجتمعات مثل مصر والعراق مثلاً يمكن عدّها علمانية اجتماعياً، إذ لم تكن فيها نزعة دينية متشددة، بل لديها تدين معتدل غير أصولي نسبياً، وسرعة تكيف مع مستجدات الثقافة والتكنولوجيا، ونزعة نقدية جدالية، وحس ذوقي جمالي، بل إنها أنتجت مدارس حداثوية في الشعر والموسيقى والفنون التشكيلية؛ إنها نزعة عقلانية تقبل بالآخر المختلف، لذلك كان الأقباط والمسلمون في تآخ حقيقي على مستوى التعايش الاجتماعي في مصر، وهذا صحيح حتى في العراق في حقبة معينة كان التسامح الديني العميق فيها موجوداً، أي كانت النزعة العلمانية الاجتماعية متحققة بدرجة ملموسة.
يبقى السؤال كيف يمكن أن تتحول هذه النزعة العقلانية الاجتماعية (التي ما تزال بتقديري سائدة بدرجة ملموسة وإنْ كانت أقل من السابق) إلى نزعة علمانية سياسية على المدى البعيد؟ فالدولة يفترض أن لا تعتمر العمامة، وموظفو الدولة الكبار ينبغي أن لا يرتدوا أي لباس ديني، بل واجبهم أن يضعوا قوانين لا تنحاز إلى دين معين. فلماذا يعتمد الدستور العراقي مثلاً الدين الإسلامي فقط؟ لماذا لا يعتمد الأديان الأخرى الموجودة في العراق؟ أو لماذا لا يكون دستوراً مدنياً صرفاً يستفيد من مجمل التجربة البشرية بابعادها الدينية والوضعية دونما انحياز تعصبي مسبق لأي ديانة بعينها؟ لكي يتحقق هذا نحتاج إلى زمن ووعي.
أنا متفائل تاريخياً وليس آنياً، أي متفائل بقوة النزعة العلمانية الاجتماعية وقدرتها على التحول إلى نزعة علمانية سياسية، إذ بدونها لا يمكن العيش والديمومة والبقاء في عالم متطور سريع أصبحت فيه الأحداث والمعطيات والمعلومات كلها متاحة بشفافية وعلانية غير مسبوقة. فالمجتمعات لا يمكن أن تستمر بالبقاء ضمن اللحمة السوسيولوجية وضمن البقاء الآمن على بقعة معينة وتجد حلولاً لمشكلاتها وإخفاقاتها وأزماتها دون اللجوء إلى دولة الخدمات المدنية العصرية. ودونما ذلك إما أن تتصارع أو تتفتت، وهذا يبدو مستبعداً في ضوء ما يشهده العالم كل يوم من عملية تنام في الوعي الإنسانوي وتداخل في المصالح البشرية المشتركة. نحتاج إلى زمن لكي تتحول العلمانية الاجتماعية التي هي متجذرة حضارياً في هذه البلدان وأؤكد منها العراق ومصر، إلى علمانية سياسية عن طريق الورقة الانتخابية.         

- إذا كانت الديمقراطية هي الطريق المؤكد نحو الدولة المدنية العادلة، فإن الكثير من العراقيين والعرب أخذوا يعبّرون عن فقدان الثقة بالديمقراطية بسبب ما آلت إليه أوضاعهم من صراعات دينية وفقدان للأمن بعد انهيار أنظمة الاستبداد ونشوء آليات ديمقراطية لإدارة الدولة. كيف نستطيع أن نفصل بين الديمقراطية بقيمها الحقيقية التنويرية، وبين الديمقراطية الحالية التي باتت توصف بأنها وسيلة تحايل سياسي وديني؟
للديمقراطية آليات تتمثل بصندوق الانتخاب وحرية الإعلام والتعبير عن الرأي وحق التظاهر وتأسيس الأحزاب، لكننا نعاني اليوم في العراق من ازدواجية في دور الديمقراطية، فأصبحت جسدًا بلا مضمون ومجرد آليات. المواطن العادي أخذ يقرن بين الديمقراطية وبين ما يحصل حوله من إنهيار وفساد. ومع ذلك اتساءل: ما البديل؟ أهو العودة إلى فرض نظام الحكم بالقوة أو بالانقلاب العسكري أو عبر دكتاتورية الفرد أو الحزب الواحد؟
الديمقراطية مراحل تطورية، لا بديل عنها، وهي بناء نفسي فردي – اجتماعي بعيد المدى. آليات الديمقراطية تبقى ممارسات فارغة دونما لبرلة حقيقية للوعي الاجتماعي. نحن في بداية مرحلة، وننتظر قيام تقاليد ديمقراطوية حقيقية على مستوى التفكير والممارسة من خلال عملية اقتصادية اجتماعية تاريخية فكرية واسعة، من خلال الحراك السوسيولوجي المتصاعد والتفاعل الجدلي بين كل من الفرد والمجتمع والدولة والسلطة، مع تقوية النزعة المؤسسية الدستورية، أي مأسسة السلطة بروح القوانين، ومحاربة النزعة الاوتوقراطية لخرافة الدور السياسي "المقدس" للفرد أو للحزب.         
نحتاج إلى تراكم قيم وتقاليد تقبل بالآخر. نحتاج موضوعياً إلى المرور بصراعات اجتماعية لإنضاج الوعي بأن خيار الأكثرية يجب أن يُحترم، وبأن الأكثرية يجب أن تحترمَ الأقليةَ كما لو أنها الأكثرية.   
ليس لنا إلا أن نقبل بآليات الديمقراطية الشكلية الحالية، سعياً إلى تحقيق جوهرها في مراحل تأريخية لاحقة. إننا أمام معطى جماعي، ولسنا أمام قضية فردية بسيطة. نحن أمام تنظيم اجتماعي واسع المدى، أمام عالم متغير، أمام علاقات اقتصادية، أمام مشكلات اجتماعية لا نهاية لها. فهذه الآليات بالنسبة للعراق وبقية الدول العربية ذات الديمقراطية الناشئة هي بداية الطريق، وإنْ كانت تبدو بداية غير واعدة وغير كافية، ولكنها البداية.       

س- لننتقلْ إلى النطاق الأوسع لتفسير مسارات الأحداث: ما دور العولمة في التحولات التي ترجوها؟           
ج- ليس هناك عولمة واحدة، بل عولمات، منها إيجابي ومنها سلبي بالمعنى الأخلاقوي. فالعولمة في أحد وجوهها تنشر الثقافة والعلوم والتكنولوجيا والمعلوماتية والعلوم الإنسانوية الطابع، فمنذ العقدين الماضيين شهدنا تقدماً في هذه المجالات يمكن أن يساوي تقدم البشرية لآلاف السنين. لكن الوجه الآخر للعولمة يتمثل في كونها هيمنة سياسية وعسكرية تمارسها دول مالكة لشرايين التقانة والاقتصاد، تسيطر على منظمات عالمية كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، وتفرض ما تريد في هذا البلد أو ذاك بطريقة المعايير المزدوجة أو المتعددة، فيصبح هذا حراماً في بلد وحلالاً في بلد آخر. جيوش عولمية جاءت من وراء المحيطات لكنها لم تخلق ليبرالية حقيقية، بل زرعت أجنةً لأنظمة حكم أساطيرية مشوهة، كما في حرب العراق 2003 وما بعدها.
العولمة بدأت مع الثورة الصناعية وانتشار الفكر الليبرالي المدني المدعوم بقوة اقتصادية وعسكرية مع تراكم رؤوس أموال وانتقال السلطة من الإقطاع إلى البرجوازية في نهايات القرن السابع عشر. لذا فنحن متأثرون بالغرب، نقرأ مذ كنا صغاراً تراثه ولدينا انبهار بكل شيء يأتينا منه كالسينما والروايات والايديولوجيات والانترنت. لكن للأسف لم نأخذ، أو الأصح لم يُتحْ لنا في أي من شعوب المنطقة العربية أن نأخذ ما هو جوهري من الفكر الغربي النير في العلوم والفلسفات والفنون والآداب والسياسة.       
وهنا أعود إلى قضية الصراع على المصالح والثروات، إذ يبدو أن الستراتيجية الرأسمالية الغربية ما زالت تؤمن بأن ثمار الديمقراطية يجب أن تبقى داخل بلدانها، لا يريدون - في هذه المرحلة على الأٌقل- أن تصبح الثمار من حق شعوب أخرى ربما لأمور تنظيمية اقتصادية أو لإدامة سياسة الهيمنة أو الصراعات بما يمكن أن تنتجه من تحريك فاعل ومثمر للماكنة الاقتصادية الغربية العملاقة. 
أنظرْ إلى الحقبة الأمريكية في العراق بعد العام 2003، ماذا فعل الأمريكان؟ أزاحوا دكتاتورية تؤمن بالفكر القوموي الغيبي وليس بالفكر القومي الإنساني، وسمحوا بنشوء حكم ديني سياسي يقوم على أساس الصراعات الطائفية الدموية، وعلى فكرة أن الدولة هي غنيمة ينبغي تقاسمها. فما الذي فعلته هذه الحضارة والتي أقول أنها عظيمة في نتاجها الفكري، لصالحنا كبلدان نامية تمتلك عمقاً حضارياً؟ هم لا يريدون دولاً قوية ولا مجتمعات قوية تنشأ في الشرق الأوسط يكون لها استقلال سياسي وإرادة وقدرة اقتصادية حقيقية وتأثير في العالم، لا يريدون أصواتاً عالية، بل يريدون شعوباً تابعة من الدرجة الثانية أو الثالثة وأسواقًا ومستهلكين صامتين مغيبين عن أي مشروع ينهض بمعنى الحياة ويتفكر بغاياتها الفريدة.         

- أنطلقُ من إجابتك الأخيرة، إذا كانت الإدارة الأمريكية في العراق قد شجعت بالفعل على نشوء حكم ديني طائفي، فهل أدت الصراعات الدموية الناجمة عن هذا الحكم إلى إيقاظ غرائز نفسية عدوانية كان سابتة في الشخصية العراقية؟ 
يعتقد بعض المفكرين العراقيين بنظرية "قمقم علاء الدين"، أي أن أموراً كانت كامنة في الشخصية العراقية فأزيح عنها غطاؤها، فانطلقت المكبوتات والغرائز والتعصّب المتراكم ودخلنا عصر التطرف والكراهية.       
أنا شخصيًا لا أميل إلى هذا الرأي، فالسلوك البشري عموماً، ومن ضمنه الشخصية العراقية، هو دوماً نتاج لتفاعل خصائص الفرد مع "موقف معيّن"، وليس نتاجاً أحادياً لخصائص الفرد الكامنة فحسب. فالفرد قد يكون عنيفاً في سماته الشخصية، ولكن إذا كان الموقف حوله منضبطاً فلن يستطيع الإفصاح عن العنف الذي بداخله، وبالعكس قد يكون الفرد متسامحاً ولكن الموقف المحيط به يفرض عليه التصرف بطريقة لا إنسانية أو تنافسية أو صراعية للحصول على مكاسب أو خوفاً من فقدان مكاسب. إذن سلوكنا في النهاية هو نتاج لتفاعل خصائصنا الشخصية مع عناصر الموقف حولنا.           
ولذلك أميل إلى تفسير ما يحدث اليوم في العراق من طائفية سياسية ومجتمعية وتعصب وعنف، بأن أعزوها إلى "مواقف" أكثر منها إلى سمات شخصية اجتماعية متأصلة لدى العراقيين. فالموقف تم "تصنيعه" بعد الاحتلال الأمريكي بتقنيات سياسية نعرفها ومررنا بها. فشكل الدولة ومؤسسات الحكم تأسسا بوجود قوة عسكرية مهيمنة في البلد هي التي قرّرت أن يكون التأسيس بصيغة سمحت لأحزاب لاهوتية طائفية أن تأتي من خارج العراق وداخله، كما سمحت لها أن تتبوأ مراكز سلطوية رفيعة، في حين استبعدت تيارات أخرى لنسميها "مدنية" أو "ديمقراطية" فلم تعطها الدعم الكافي بل وضعت أمامها حواجز ومعوقات سياسية ومالية ولوجستية. فالجيش الأمريكي كان منتشراً في كل أجزاء العراق ولديه اتصال مع كثير من الحلقات الاجتماعية، لكن الطريقة التي تصرف بها خلقت أو اصطنعت لدى الفرد العراقي موقفاً صراعياً تصادمياً مع الآخر المختلف عنه دينياً أو مذهبياً أو حتى مناطقياً. فكان رد فعله الاحتمائي المنطقي هو أن يتذكر هويات فرعية ثانوية لديه بل حتى لاعقلانية ليتماهى بها تقهقراً إلى مرحلةٍ ما قبل مدنية على مستوى الإدراك الاجتماعي. فبدأ يتذكر: أنا من العشيرة الفلانية أو المذهب الفلاني أو العرق الفلاني، وهذه عملية انكفاء ونكوص كانت غايتها النفسية الشعور بالاحتماء والأمان ضمن كينونة اجتماعية معينة وجد فيها شيئاً من الاستقرار النفسي، طالما إن الإطار الوطني العام قد جرى تقويضه.                     
هذا يمكن تسميته في علم النفس السياسي بعملية "تصنيف الذات" Self-Categorization، أي إن الإنسان في موقف معين يُخرج أو يمارس هويةً تتناسب مع ذلك الموقف، فالرجل قد يتصرف بوصفه ذكراً في موقف محدد يفرض الذكورية عليه أكثر مما يفرض عليه أن يتصرف بوصفه أستاذاً جامعياً أو كونه عراقياً مثلاً. الإنسان في كل زمان ومكان يحمل في شخصيته مجموعة هويات كامنة أو مرشحة للبروز، فيُظهر تلك التي يحتاج إليها بحسب متطلبات موقف ضاغط معين كي يتعايش مع الموقف ومع ذاته في آن معاً.           

- هذا يعني أن الحل يكمن في تفعيل الهوية الوطنية العراقية. أليس في هذه الرؤية تفاؤلاً قد يتعارض مع معطيات الواقع ومساراته؟؟       
ج- بعد العام 2003 تحفزت لدى العراقيين نزعة العودة إلى هويات فرعية، لكنّهم بقوا بعناد إيجابي يتذكرون الهوية الاجتماعية العامة، هوية الوطن. هذه النزعة الوطنية العقلانية تبرز في حالات معيّنة، عندما يفوز نجم فني أو رياضي عراقي في مسابقة دولية، الكل يفرح ويحتفل ويبعث الرسائل والتهاني دون أن يسأل إلى أي عرق أو دين أو مذهب أو مدينة ينتمي ذلك الشخص، فقط لأن عراقياً قد فاز. هذا مؤشر مهم لنا بوصفنا باحثين نفسانيين نتوقف عنده، إذ ليس أمراً اعتباطياً أو عابراً أن يتصرف الناس بهذه الكيفية.
ففي حالات معيّنة تنبعث الهوية الوطنية دليلاً على وجودها كامنة لتحقق فخراً وارتياحاً وشعوراً بالرضا. لكن في الوقت عينه هناك مواقف "تم تصنيعها" لأسباب سياسية أصبحت تحفز الناس على إبراز هويات فرعية لا مدنية أخرى.
الصراع إذن سيبقى قائماً بين الهويات الفرعية والهوية الأم. وكل الاحتمالات ممكنة في العراق، احتمالات التشرذم قد تستمر مدة طويلة، وحتى احتمال التقسيم الدولتي وارد. لكن علمياً الموقف السوسيوسياسي يوحي بوجود عمق عقلاني علماني اجتماعي في العراق، ونشاط اقتصادي متشعب ومتداخل بين مكوناته السكانية، وهناك مصاهرة وزيجات وتلاقح أدبي وفني بين كل المكونات، وهناك ذاكرة تاريخية تجعل ابن مدينة ما يحب ابن مدينة أخرى. عملية النسج هذه هي ذاكرة مشتركة تجمع هذه العناصر وتجعلني متفائلاً، فأتقدم بالاحتمال الثاني أي إن للهوية الاجتماعية الوطنية حصة في إمكانية بقاء التيارات العقلانية المدنية التي تؤمن أن من حق كل إنسان أن يعيش بكرامة وأمان، بلا عنف أو ظلم أو بطالة، أن يحصل على تعليم مناسب ويعيش حراً ويستفيد من ثروات بلده. هذه التيارات ينبغي أن تبقى تعمل، وتبشّر سواء كان في إطار سياسي أو حتى ديني، لكن ليس بإطار "ديني سياسي" بل ديني أخلاقي تسامحي نقبله كما قبله كل البشر منذ آلاف السنين.
سنهدر ربما عقدين من الزمن أو أكثر من الصراع والتجريب والمحاولة والبدء من جديد والعودة إلى الوراء قليلاً والتقدم إلى الأمام قليلاً، حتى نصل إلى حالة من الارتكاز السوسيوسياسي، وهذا سيشمل الشرق الأوسط أيضاً وليس العراق فحسب، ولكن العراق هو الذي بدأ هذا المشوار، ولعله أيضاً قد يسبق الآخرين بالتوصل إلى حالة من الاستقرار الهوياتي المدني على مستوى الدولة والمجتمع، بعد أن تكون الأسلمة السياسية قد استنفذت زمنها ووسائلها وأساطيريتها لصالح البداية المنتظرة لمشروع النهضة والإصلاح والحداثة.
 


14
أمسية بغدادية في لليلة استرالية

    بحضور أكثر من 400 شخصية من النخب العراقية المغتربة مثلت كافة أطياف المجتمع العراقي من(السنة والشيعة والأكراد والكلداني والأشوري والارمني)وبمشاركة بعض الجاليات العربية، أقيم يوم السبت الموافق 6/8 على قاعة بروك وود في مدينة مالبورون استرالية أمسية موسيقية غنائية عراقية بصوت مطربة المقام العراقي السيدة فريدة ورافقها في العزف فريق ميسوبوتاميا الموسيقي وهم مجموعة من الشباب العراقي المغترب المقيم هناك.
  بدء الحفل عند الساعة التاسعة مساءا بتقديم فريق ميسوبوتاميا مقطوعات موسيقية من التراث العراقي الأصيل وبنكهة عصرية جميلة بدون المساس بالمضمون الإيقاعي واللحني وقد تذوقها الحاضرين وتفاعل معها بشاعرية تضمن منها:  "أغنية يالزارع البزرنكوش - جلجل علي الرمان -مو مني كل الصوج وأغاني أخرى كما قام الفنان رائد عزيز مؤسس فريق ميسوبوتاميا الموسيقي في استراليا بتقديم ووصف المبدع الأستاذ محمد حسين كمر حيث قال عنه: "انه علم من أعلام الموسيقي العراقية وانه قام بتدريس الموسيقى في أكاديمية الفنون الجميلة للعدد كبير من الطلبة وأنا احد طلابه وانه شرف عالي لفريق ميزوبوتاميا أن يشارك في العزف مع هذا الفنان الكبير وسيدة المقام العراقي فريدة بعدها شكرالفنان محمد جهود فريق ميزوبوتاميا وقام بتقديم السيدة فريدة لبدء الغناء وصاحب ظهورها تصفيق من قبل الحاضرين مع عزف مقام الشرقي "رست" ثم موال للمطربة فريدة واستمرت في تقديم الأغاني بالعربية والكردية والسريانية .
   لقد تميزت أجواء الحفل بنكهة بغدادية جميلة بارتداء السدارة العراقية  (البغدادية ) وقد أدت وأبدعت السيدة فريدة في أداء مقام "الدشت" حيث ساد جو من الصمت سماعي واندماج نقل الحاضرين بمخليتهم إلى بغداد الماضي والى عبق رياحين الوطن والذكريات العطرة نقلتهم هذا الأجواء على بساط من الريح إلى سماء بغداد أنها بحق رحلة تحمل في طياتها بأن العراق يسكن في قلوب محبيه أينما كانوا وأينما حلو من دول العالم.    
وإنها رسالة إلى الرأي العام بان الفنانين قادرين على فعل ما لم يستطيع السياسيون والحكوميون أن يفعلوه. لقد اضهرو صورة "العراق الموحد" بكل أطيافه. صورة ناطقة بلحن بديع وكلمات رائعة أنها صورة يتمناها كل عراقي غيور في حب الوطن
 
متابعة من   
الإعلامي ظافر نوح





15
ربيع الكنيسة الكلدانية بين الواقع والطموح
   
 
الصحافي ظافر نوح

    إنها مجموعة من التساؤلات والتمنيات، نطرحها ونتمنى أن تتحقق في ظل انتخاب البطريرك الجديد مار لويس روفائيل الأول ساكو. وبعض من هذه التساؤلات يطرح نفسه انطلاقا من حالة التأرجح التي نحن فيها بين واقع مقلق، وحالة مطمئنة بوجود إرادة طموح حقيقي. لكن هنالك طموح آخر قد يكون وهميًا. فننظر إلى ما تترقبه غالبية المؤمنين في كنيستنا الكلدانية في العالم وفي العراق وبشكل خاص تساؤلهم:
 - هل سيكون عهد البطريرك الجديد هو الربيع المنتظر الذي تتمناه الكنيسة اليوم؟
-   هل سيكون هو المحرك لإكمال وحدة الصف بين الطوائف والكنائس في العراق؟
-   هل سيشهد عهده خطوات تاريخية صارمة منتظرة طويلا لتجديد مؤسسات الكنيسة  الإدارية منها والمالية والمحاكم الكنسية، إلى جانب تجديد جميع اللجان العاملة على شؤون التعليم المسيحي والشبيبة؟
-   هل سيضع غبطته أسسًا عملية لترسيخ مفهوم الثقة والمحبة في علاقة الكاهن بالشعب، بعد أن شابها ما شابها من ضبابية وغموض وشك وتفكك في الثقة؟
-   هل سيوجّه غبطته رسائل راعوية بين الحين والآخر إلى المؤمنين ليحثهم على التقارب والأخوّة وعيش الإيمان المسيحي في ظل التحديات ومواجهة المجريات وتداعيات المرحلة الراهنة بحكمة؟
-   هل سيحث المسوؤلين الحكوميين على تحسين الحماية وتوفير فرص العمل ومسألة تعيينات خريجي الجامعات والكليات، لمن تبقى في البلاد من أبناء شعبنا؟
-   هل سيدعو السياسيين والأحزاب القومية المسيحية إلى تفعيل وإيقاظ دور الضمير في تحمّل مسؤولية مشاكل ومعوقات شعبنا بعيدا عن الشعارات والوعود طويلة الأمد، عوض الاهتمام بمصالحهم الشخصية والخاصة، والاكتفاء بتحقيق أهداف ضيقة تخص أحزابهم وطوائفهم فقط؟
   لا يخفى على أحد أن انتخاب البطريرك الجديد جاء تثمينًا لشجاعته، فلم يكن ذلك مفاجأة لأحد منا، فهو معروف لدى الجميع بأنه يحمل أفكارًا مبنية على التوازن بين التأويل والتأوين، فقد كان البطريرك ساكو، يرفض دائمًا أن تكون الكنيسة ومؤمنوها أسرى لأي طرف كان. وكان ينادي بكنيسة صلبة قوية في أسسها لا تهزها المغريات المادية ولا تزعزعها مواقف ومصالح ضيقة. فنحن لا نحتاج إلى كنيسة مذاهب وانتماءات أو ولاءات شخصية ومنفعية، بل نحتاج إلى كنيسة تشبه ملكوت الله على الأرض، تضم بداخلها كل من يصنع الخير ويؤمن ويعيش الأخوة المسيحية الحقة. كنيسة تفتح أبوابها لاستقبال ربيع جديد من الانفتاح والحوار والعيش المشترك. لذا جاء وصف البطريرك ساكو نفسه بأنه ليس بطريرك المسيحيين فقط بل بطريرك المسلمين أيضًا، معبرًا عن تطلعاته في التذكير بأننا شركاء حقيقيون في هذه الأرض والوطن والتاريخ المشترك، وبأن دور المسيحيين كان وما يزال  شهادة ورسالة حية ومستقبلا مشرقًا للكنيسة الكلدانية في العالم. هكذا عقّب دولة رئيس الوزراء نوري المالكي، بعد كلمة البطريرك الجديد يوم حفل تنصيبه (6 آذار 2013)، بأن كلمات غبطته هي ورقة عمل ومشروع وطني جديد ولد لنا اليوم في خضم الأحداث التي يعيشها بلدنا.
   إن البطريرك الجديد ساكو يدعو إلى الحوار بين الأديان والمذاهب والطوائف، ويحث على دراسة ظواهر العنف وأسباب الإرهاب والتطرف، ومعالجتها بتقديم التوعية والنصح للكتل المتصارعة، ومعالجة الاحتقان السياسي والتوتر الطائفي، واعتماد الحوار والانفتاح لحلحلة كل المعوقات وإفشال المخططات التي تريد النيل من لحمة شعبنا المسكين.
   إن أكبر دور ينتظر البطريرك اليوم هو المحافظة على ما تبقى من أبناء شعبنا، والعمل على تثبيت مسيحيي العراق. فما أحوجنا إلى بطريرك يكون بمثابة طبيب يشرّح مشاكل كنيستنا ويشخّص أمراضها ويكتب علاجها. بطريرك يكون مهندسًا يرسم ويخطط لبناء كنيستنا من الإكليروس والعلمانيين على أسس قوية تتحدى الرياح والسيول والتجارب، نحن بحاجة إلى بطريرك يكون أبًا وأخًا ومرشدًا يوجهنا إلى طريق الحق والإيمان.
   يذكر  المجمع الفاتيكاني الثاني أن الكنيسة هي أم ومعلمة تعطي الفرح والرجاء فعلى كل من لديه سر الكهنوت أن يكشف شيئًا من هذه العلاقة والبطريرك مدعو أن يجسد أبوة الله وحنانه للكنيسة. لذلك في وقت الأزمات عادة ينصب اللوم فقط على أسلوب إدارة الكنيسة والإكليروس، في حين المسألة ليست أن نكتفي باللوم والكلام على الكنيسة كمؤسسة مقصرة إداريًا فقط، بل لأننا نحبّها ونتمسك بها ونتعاطف معها، فالجوانب الإدارية لا تكفي، هنالك جوانب فكرية وروحية. ولعل المسار المنحرف الذي ما دأب عليه عالمنا منذ قرون، هو أن يركز على الإداريات فقط، وهذا ابتداءً بمفكرين اجتماعيين مثل جان جاك روسو، في كتابه "العقد الاجتماعي"، كأن يكون بين الفرد والدولة عقدًا، وهذا ما تبنته الدول الغربية في صياغة دساتيرها، وآلت إلى شرعة حقوق الإنسان في عام 1948.
   أما العقد بين المؤمن والكنيسة، فيختلف فهو عهد حب يتفاعل فيه إيمان الفرد مع محبته ليدفعه إلى الخدمة، وتجمع الأفراد في الكنيسة يجعلهم جماعة مؤمنين، فتزدهر بالخدمات كل بحسب موهبته، كخدمة الكلمة وعيش مثال المسيح، الذي يفيض المحبة في قلوبنا ويحيي رجاءنا، اليوم كلنا مدعوون للنظر إلى الأمام فقط ، وبعدها سنستطيع أن نصلي قائلين:" تعال أيها الرب يسوع، إن كنيستك تحتاج إلى ربيع حقيقي، وهي في شوق وحنين متقد إلى رؤيتك تعمل فيها من خلال جميع أبنائها".     

16
حكومة ضعيفة وشعب مستضعف

الإعلامي ظافر نوح

  يشهد العراق هذه الأيام غضب عارم وعصيب يجرى من خلاله التنفيس هنا وهناك بمظاهرات جماهيرية في ساحات بعض المحافظات حملت أسماء منها: (الأحرار والتحرر والحرية والتحرير) وقد تصاعدت في هذه المظاهرات أصوات طالبت بتنفيذ جملة من المطالب منها ما يخص حقوق الإنسان والأخرى تضمنت محاربة الفساد المتفشي وسوء الخدمات التي وصل بها الحال إلى اليأس.بعد أن كشفتها الأمطار التي هطلت على بغداد ليوم واحد، فأصبح المطر هنا  أفضل مفتش عام يكشف واقعيا مستوى الفساد والضعف في أداء دور الحكومة ومؤسساتها.
  بالحقيقة لا نعرف كم منا يعي أهمية دور والنتائج التي ستحققها هذه المظاهرات الجماهيرية كأسلوب ديمقراطي وحضاري بعيدا عن أسلوب التهديد والتلويح بالعنف فالحكومة تقف موقف الخجل والصمت عما يجري والشعب يعلو صوته وكأنه كان نائم واليوم استيقظ من سباته.
 يبدو أن ما يحدث يعكس صورة حقيقة لشكل الحكومة العاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها ومسؤولياتها ودورها تجاه حقوق المواطنين وكأنها حكومة ذات طابع سياسي وليست حكومة ذات طابع إداري وخدمي وأمني، لذا فهي رهينة للتقلبات ومجريات العملية السياسية المتعثرة في مسارها منذ ولادتها القيصرية الصعبة التي جاءت بتوافق ومحصاصة طائفية دفع ثمنها اليوم المواطن البسيط. 
  إن ما يحدث اليوم على الواقع هو نتيجة لعدم معرفة ووعي المواطن العراقي  لحقوقه وواجباته الدستورية والقانونية والإنسانية, لذا كانت النتيجة حالة من الانزلاق والتخبط والحيرة وضعت الجميع على مفترق الطرق وفي منعطف خطير قد يؤدي إلى المواجهة الخطيرة بين مكونات المجتمع، أما إذا استغلت هذه المظاهرات بشكل ديمقراطي وحق مشروع يكفله الدستور في حق التظاهر ورفع المطاليب فإنها ستكون صورة للديمقراطية الجديدة يشهدها العراق وقد تكون انتقالة من حال إلى حال أفضل يتقدم فيه العراق بفكر ومشروع جديد لمعالجة مشاكله الداخلية وأن ترتقي الحكومة إلى مستوى أعلى من الشعور بالمسؤولية تجاه هذا الشعب المسكين الذي يتطلع إلى مستوى أفضل كي يعيش بكرامة وإنسانية إنها مرحلة قد يستفاد منها الآخرون في خلط كل الأمور بسبب الصراعات السياسية بين الكتل وخصوصا نحن على أبواب الانتخابات فقد أصبحنا لا نفرق بين مصداقية صوت الشعب وموقف السياسيين وبين من يريد أن يركب الموجة ليصل إلى تحقيق المصلحة الشخصية وعلى مستوى ضيق على حساب المصلحة العامة، نتمنى أن لا تكون المظاهرات اليوم فرصة تُستغل من قبل الأحزاب والسياسيين كضرورة أو دعاية إعلامية تنفعهم في كسب شعبية لهم هنا وهناك للخوض في سباق الانتخابات،.بل ما نتمناه هو أن تفهم الحكومة مطاليب المتظاهرين وتميز شعاراتهم فلا تتردد او تتحسس الحكومة من غضب المتظاهرين لأنهم أصحاب حق وألم وقد طفح الكيل عندهم من انتهاك لحقوقهم الإنسانية فالحكومة ستصبح هنا قوية عندما تتفهم مطاليب الشعب وتقرر وضع الحلول والمعالجات الجذرية لها، فهذا دورها الحقيقي وليس في ذلك خسارة تذكر ولتؤكد للشعب العراقي أنها حكومة قانون في دولة قانون ودستور وأنها في خدمة الشعب جاءت منتخبة من الشعب فهي تستمد قوتها منه فهو الذي جاء بها بالانتخابات واليوم هي غائصة في الصراع مع الأحزاب والكتل السياسية .
  كم كنا نتمنى أن تخرج هذه المظاهرات في اليوم الثاني لهطول الأمطار التي أغرقت بغداد وليس أن تخرج المظاهرات في يوم الثاني لاعتقال حماية وزير المالية.
  إن الحكومة والشعب اليوم بحاجة إلى خارطة طريق ذات مسار وطني ورغبة في بناء عراق موحد يهدف إلى حياة أفضل فيه حكمة ومحبة تسمو فوق الأنانية والتعصب والطائفية، وأن نتحول من الفرقاء إلى الشركاء ومن مفهوم الأغلبية الساحقة إلى الأغلبية المنتجة وأن نراعي مصلحة بناء بلدنا  بشكل عصري وديمقراطي والعمل على تلبية حاجة أبناء البلد  قبل أن يفكر البعض الأخر في كيفية تلبية حاجات واحتياجات الكتل والأحزاب السياسية. وان لا يكون الحل هذه المرة في هدنة مؤقتة لازمة معقدة. 
 

17

كلا للإنكفاء والإنتماء، نعم للحوار

بقلم الصحافي ظافر نوح – بغداد
 
يتطلب العيش المشترك في مجتمع متنوّع الأديان والمذاهب أولا: قيام مجتمع تسوده الحرية والتكافؤ والمساواة في حقوق المواطنة، والشعور بضرورة العمل المشترك لمواجهة الهموم الداخلية والأخطار الخارجية التي تهدّد أبناء الوطن الواحد من مختلف الأديان والمذاهب. وثانيا: إدراك الجميع بوجوب التحالف بين أهل الإيمان للإسهام في تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الشعور بالإنتماء إلى وطن واحد، فيسعى أبناؤه جميعًا على اختلاف أشكال انتماءاتهم الدينية لتجاوز التعصب الطائفي والقومي. فيأتي الحل عن طريق الحوار بين المفكرين وعلماء الدين والباحثين في الفكر وفي المسائل والموضوعات المعاصرة والمعقدة وتهيئة لقاءات وندوات مفتوحة ومشتركة بين أبناء الأديان والقوميات والمذاهب المختلفة، للوقوف معًا إزاء المخاطر التي تهدد البلد فيصبح الحوار أساس إعلان القيم والعدالة والحق والمودة والمحبة والرحمة بين الناس. مع إعداد لمبادئ وخطوط عامة من أجل تعميم وتعميق دور الثقافة والعيش المشترك والعمل للتنمية المواطنة لمواجهة الأخطار التي تهدد العلاقات الاجتماعية.
فالعمل اذن من أجل توطيد العيش إذن ضرورة تمليها الهموم والعنف الذي نعاني منه في بلدنا العراق . فالسياق التاريخي والحضاري هو واحد لكل أبناء العراق، ومصيره واحد وقضيته واحدة، ومن المفروض ان الاختلاف الديني والمذهبي والقومي لا يلغي حقيقة الإنتماء الواحد لحضارة وادي الرافدين وبلاد مابين النهرين التي شارك في صنعها المسلمون والمسيحيون و جميع التسميات الأخرى. جنبًا إلى جنب. إن ما يتعرض له بلدنا وبشهادة القاصي والداني هو ناتج عن تدخلات خارجية أطلق عليها السياسيون العراقيون اسم (الأجندة الخارجية) متناسين إن هناك أيضا (أجندة داخلية) كانت بحاجة إلى وقفة ودراسة لترميم وإعادة بناء العلاقات بين أبناء المجتمع العراقي الواحد كي تحميه من حالة التشظي الداخلي وذلك بسبب أشكال السياسات الجديدة للأحزاب والكتل السياسية التي غرقت في البحث عن حلول لمشاكلها الداخلية في تنظيماتها الحزبية بسبب النفعية والأنانية فرفعت من حدّة التوترات الداخلية، فاتخذت أشكالا من العنف إلى جانب التهويل أو الضجيج الإعلامي، فكان له دور في توظيف واستثمار الفتن لخدمة العنف. إن معالجة الوضع الداخلي وحل مشاكلنا بجهودنا نحن أبناء البلد، من خلال الحوار والعمل المشترك سيحول دون أن يزداد الوضع تفاقمًا. لأن الإنكفاء على الذات وعلى المصالح الشخصية والنفعية والتسميات المريضة، وعدم ترجمة المصالحة الوطنية إلى برنامج عملي وحقيقي، وعدم معالجة التوترات الدينية والطائفية الداخلية - حتى داخل الدين الواحد أو المذهب الواحد- سيسمم الثقافة فلن تعد تسهم في إنتاج مناخ يعالج الاحتقان. وعندئذ لن يقع الضرر على أبناء جماعة دون جماعة أخرى وإنما سيقع الضرر وعبؤه على المجتمع بالكامل. فالتأكيد إذن على تحقيق المصلحة العامة والتصدي لأشكال الفتن والعنف التي يواجهها مجتمعنا بكل فئاته، يستوجب ثقافة ونوعًا من الحوار وفهمًا صحيحًا للمواطنة، وأن يتضمن ذلك قبول الآخر المختلف دينيًا ومذهبيًا وقوميًا... الخ، والعيش معه باحترام قناعته الشخصية وخصوصياته الأخرى.
لذا تقتضي هذه المرحلة إذن تفاعلا اجتماعيا بين كل أبناء الوطن الواحد من أجل المصالحة الوطنية. وإسهامًا في ترسيخ قيمة الاحترام المتبادل وتقوية أواصر المودة واعتبار الاختلاف والتنوّع حقيقة إنسانية، بل هما من حكمة الله في الإنسان والتقدّم في الثقافة والمعرفة المتبادلة والتحاور الهادئ، لأننا أصبحنا نعيش تحت وطأة إسقاطات أنواع صراعات دينية وقومية وإثنية وطائفية، مما يعمق الشكوك والمخاوف، فنسمع هنا وهناك أصوات تنذر بنهاية المسيحية والمسيحيون في العراق ونهاية الأقليات الأخرى.
ان ما حدث في بلدنا العراق من ردة فعل طيبة وجيدة تجاه هذا الواقع اليم جاء الموقف من طبقتين من المجتمع هم النخبة المثقفة ومن الناس البسطاء الذين كانوا ومازال هم أروع مثال في التعامل مع المسيحيين ليس كجيران او أصدقاء بل كشركاء في الوطن والمواطنة، بغض النظر على انتمائهم الديني، وتعزيزًا لتعميق قيم العيش الواحد بين المؤمنين والمسيحيين كانت فرصة للإلتقاء في مؤتمرات كثيرة جمعت العقول والقلوب لمواجهة التحديات والقضايا المشتركة، فالحكمة ضالة المؤمن والبحث عن القيم الروحية والإنسانية شيء مشترك في التراث الديني، وصفة التضامن والتراحم هي أساس إشاعة روح الحوار والتسامح لكي يتم وزن الأمور بميزان العدل والاستقامة. فاختلاف الاتجاهات والآراء والتأويلات والاجتهادات، هو من طبيعة الواقع التي تقتضي مواجهة مبنيّة على المصارحة الصادقة والمواجهة الجريئة والتوعية المستمرة والتعارف البناء بين أبناء الوطن،حتى يكون العراق "مدينة سلام ومصالحة" لا ليجمع أبناؤه فقط فوز الفريق الرياضي او فوز فنان  عراقي او انتصار في احدى المحافل الدولية ولكن ليجمع أبناؤه الحوار المشترك والرغبة في السلام من أجل الجميع.
لذا كفى كفى للانكفاء والانتماء نعم نعم للحوار
 

18
أمسية عراقية جمعت الأدب والموسيقى والدبلوماسية في مالبورن


الصحافي ظافر نوح
 

   أقيم يوم السبت المصادف 11 آب وعلى قاعة (بروك وود) أمسية ثقافية عراقية، بمناسبة صدور الكتاب الثاني للمؤلف والإعلامي متي كلو بعنوان "وخزات قلم"، بحضور السفير العراقي في أستراليا الأستاذ مؤيد صالح، وبمشاركة شخصيات مثلت مؤسسات المجتمع المدني وشخصيات دينية وسياسية وأكاديمية عراقية، وعدد كبير من الجالية العراقية والجاليات الأخرى. تخللت الأمسية تقديم موسيقى وألحان عراقية أصيلة قدمها فريق ميسوبوتاميا العراقي الذي قدم ويقدم بهمة الشباب العراقي المغترب هذا النوع من الموسيقى العراقية الأصيلة.

   وقد عبر الحضور عن حبهم وفرحهم لما قدمه هذا الفريق الموسيقي بالتصفيق الحار كما وعبر سعادة السفير العراقي عن فيض امتنانه بمعانقته مسؤول فريق ميسوبوتاميا الفنان رائد عزيز تعبيرا عن اعتزازه وتقديره العالي لما لمسه وسمعه من ألحان عبرت وعكست عمق الأصالة والتجذر والتمسك بالتراث والغنى الأدبي والفني العراقي. فهذا الإبداع يعكس رغبة المغترب العراقي أينما كان وتفانيه في رفع اسم العراق عاليا في المحافل الدولية وعلى كافة الاصعد. وقد أثنى السفير العراقي على هذه الجهود الحثيثة في أن يستمر الإبداع في ما يخص الأدب في نشر الثقافة وفي ما يخص الموسيقى في أن تتألق الموسيقى العراقية في سماء كل دول العالم.

   وقد تخللت الأمسية إلقاء قصائد شعرية كما استذكر الحاضرين أرواح شهداء العراق بوقوف دقيقة صمت.

   هكذا هو التلاحم في نسيج العلاقات في المجتمع العراقي عبر التاريخ، وسيستمر أينما كان وسوف لن تكون هناك حدود تجمع العراقيين فالعراقي بمواهبه وإبداعه أصبح إنسانا بلا حدود، أي لا تحده حدود دولة وإنما يعيش الوطن العراق في داخله أينما كان، لذا نجد هذه الأمسية التي تضمنت توقيع كتاب ثقافي أدبي نابع من الوجدان، وهذا ما قرأناه من عنوان الكتاب "وخزات قلم" فمع هذه الوخزات إنهالت زخات مطر خفيفة من موسيقى وألحان عراقية رطبت ذاكرة المغتربين رافعة اسم ميسوبوتاميا عاليا دليلا وتذكيرا بحضارة وادي الرافدين، فبكل فخر واعتزاز جاءت كلمات شدت العزم والهمم على الاستمرار في الإبداع على لسان الدبلوماسية حين أعلن السفير العراقي عن فرحه ودهشته في هذا الحفل الذي جمع كل الإبداع العراقي مضيئا سماء مالبورن.

 

 

19
أمسية عراقية جمعت الأدب والموسيقى والدبلوماسية في مالبورن

الصحافي ظافر نوح
 
   أقيم يوم السبت المصادف 11 آب وعلى قاعة (بروك وود) أمسية ثقافية عراقية، بمناسبة صدور الكتاب الثاني للمؤلف والإعلامي متي كلو بعنوان "وخزات قلم"، بحضور السفير العراقي في أستراليا الأستاذ مؤيد صالح، وبمشاركة شخصيات مثلت مؤسسات المجتمع المدني وشخصيات دينية وسياسية وأكاديمية عراقية، وعدد كبير من الجالية العراقية والجاليات الأخرى. تخللت الأمسية تقديم موسيقى وألحان عراقية أصيلة قدمها فريق ميسوبوتاميا العراقي الذي قدم ويقدم بهمة الشباب العراقي المغترب هذا النوع من الموسيقى العراقية الأصيلة.
   وقد عبر الحضور عن حبهم وفرحهم لما قدمه هذا الفريق الموسيقي بالتصفيق الحار كما وعبر سعادة السفير العراقي عن فيض امتنانه بمعانقته مسؤول فريق ميسوبوتاميا الفنان رائد عزيز تعبيرا عن اعتزازه وتقديره العالي لما لمسه وسمعه من ألحان عبرت وعكست عمق الأصالة والتجذر والتمسك بالتراث والغنى الأدبي والفني العراقي. فهذا الإبداع يعكس رغبة المغترب العراقي أينما كان وتفانيه في رفع اسم العراق عاليا في المحافل الدولية وعلى كافة الاصعد. وقد أثنى السفير العراقي على هذه الجهود الحثيثة في أن يستمر الإبداع في ما يخص الأدب في نشر الثقافة وفي ما يخص الموسيقى في أن تتألق الموسيقى العراقية في سماء كل دول العالم.
   وقد تخللت الأمسية إلقاء قصائد شعرية كما استذكر الحاضرين أرواح شهداء العراق بوقوف دقيقة صمت.
   هكذا هو التلاحم في نسيج العلاقات في المجتمع العراقي عبر التاريخ، وسيستمر أينما كان وسوف لن تكون هناك حدود تجمع العراقيين فالعراقي بمواهبه وإبداعه أصبح إنسانا بلا حدود، أي لا تحده حدود دولة وإنما يعيش الوطن العراق في داخله أينما كان، لذا نجد هذه الأمسية التي تضمنت توقيع كتاب ثقافي أدبي نابع من الوجدان، وهذا ما قرأناه من عنوان الكتاب "وخزات قلم" فمع هذه الوخزات إنهالت زخات مطر خفيفة من موسيقى وألحان عراقية رطبت ذاكرة المغتربين رافعة اسم ميسوبوتاميا عاليا دليلا وتذكيرا بحضارة وادي الرافدين، فبكل فخر واعتزاز جاءت كلمات شدت العزم والهمم على الاستمرار في الإبداع على لسان الدبلوماسية حين أعلن السفير العراقي عن فرحه ودهشته في هذا الحفل الذي جمع كل الإبداع العراقي مضيئا سماء مالبورن.



20
"يلا نغني سوا" أمسية موسيقية
لفرقة ميزوبوتاميا العراقية في مالبورن

أقيمت أمسية موسيقية على مسرح  Kangan Batman Taffفي منطقة برودميدوس في فكتوريا – مالبورون، يوم 5/11/2011، وجاءت تحت شعار "يلا نغني سوا"، إلى عشاق الطرب للفن الشرقي الأصيل، هكذا جاءت الكلمات مكتوبة في بطاقة دعوة الأمسية بعطور فواحة من أريج الموسيقى العربية.
تضمن الحفل إحياء الغناء والألحان القديمة الشرقية، وبشكل خاص الأغنية العراقية، وقد حضر ما يقارب الـ 200 شخص أغلبهم من الجالية العراقية والجاليات العربية مع حضور متميز من الأجانب وقد ظهر الحفل بجمالية من جو الفرح والاستمتاع الغير معهود له سابقا، إذ تضمن عرض كلمات الأغاني على عارضة كبيرة وسط المسرح كي يتمكن الحضور من فهم ومتابعة كلمات الأغاني كي يتواصلوا ويتابعوا بالغناء مع الفرقة، وليتحقق شعار الحفل وهو "يلا نغني سوا" وبدأ بالفعل يتواصل الحاضرين بالغناء مع الفرقة بانسجام وتفاعل مع الأغاني. لقد نجحت الفكرة من إقامة هذه الأمسية على الرغم من أسلوب بساطتها، فقد كان وقت البرنامج المخصص للحفل لا يتجاوز الساعتين، بينما الطرب الذي خلقته الأجواء امتد الوقت تقريبا إلى الثلاث ساعات، كما بدات الأمسية بعرض فيديو يظهر فيه التحضيرات والاستعدادات التي رافقت مسيرة عمل الفرقة مع شرح من قبل عريف الحفل للحاضرين عن سبب اختيارهم لاسم الأمسية.
وفي ختام الحفل سارع الحاضرين بالتصفيق الحار وتقديم التهاني والشكر لجهود هذه الفرقة الرائعة متمنين منهم الاستمرار على تنظيم المزيد من الأمسيات الموسيقية الفنية الأصيلة التي تقدم معنى حقيقي لفن والموسيقى. 
 كما وصرح مسؤول الفرقة الفنان رائد عزيز العمران : "لقد حصلنا على الشكر والتقدير المتميزمن قبل الحاضرين، وقد كانت مشاركة الحضور فاعلة ورائعة معنا في أداء الأغاني ومن فرحتهم وبهجتهم بهذا الأمسية حيث طلبوا منا تكرار هذه التجربة كونهم شعروا أنهم يملكون قدرات في الغناء والمشاركة في الطرب، و ما كان يعوزهم هو من يهيء لهم هذه الأجواء الرائعة حيث إنها تذكرهم في الأمسيات والحفلات ذات الطابع البغدادي والموصلي والشرقي بشكل عام.
 
وقد تضمن منهاج الأمسية على أغاني وألحان منها: ( ليلة حب)، نسم علينا الهوى، ماندل دلوني، البوسطة، قطعة موسيقية ( لونكا رياض السنباطي)، بنت الشلبية، ربيتك زغيرون، دشداشة، أنا بعشقك، قطعة موسيقية (الليل في بغداد)، كلي يا حلو، يالزارع البزرنكوش، محدا بعبي، قطعة موسيقية (قضية عم أحمد - عمر خيرت)، كل لحظة أمر عليك، أنا لحبيبي، قطعة موسيقية لونكا كروماتيك (الفريد جميل)، اتوبة من المحبة.
ولمزيد من المعلومات إن لفرقة ميزوبوتاميا الموسيقية العراقية موقع على شبكة الإنترنت:
Website: http://mesopotamiagroup.com.au
                   Facebook: Mesopotamia Group           


21
الفنان رائد عزيز
بالموسيقى صنعنا جسر بين بغداد وملبورن


أجرى الحوار –  الصحافي ظافر نوح
    فنان أكاديمي، وصاحب مسيرة طويلة وخبرة في مجال القيادة الموسيقية وتلحين التراتيل والترانيم الكنسية، انه معروف عند اوساط المرتلين والعازفيين في الجوقات، وفي العديد من الكنائس في بغداد والموصل، انه من الأشخاص المبدعين الذين تركوا العراق وهاجرو إلى بلاد الاغتراب، ولكن بالرغم الصعوبات والمعوقات التي تواجه كل مغترب في المهجر، إلا أنه عمل ويعمل بكل جهوده من أجل المحفاظة وتقديم وإحياء الإرث العراقي الموسيقي الأصيل الذي تعلمه وعلمه في بلده. فقد قدم وسجل مع فرقته الموسيقية "ميزوبوتاميا"، عدة عروض ونجاحات عديدة ومتميزة، صفق له الغرب من الاستراليون والمغترببون في ملبورن قبل العراقيون الذين تستأثر مشاعرهم بالحنين والشوق إلى سماع النغم العراقي الأصيل، لقد سعى إلى اسلوب المزاوجة بين النغم والموسيقى الشرقية مع الغربية، وكان هذا يعده قمة الانجاز الفني الذي حققه وأراد الوصول إليه، لذا أصبحت فرقة "ميزو بوتاميا" الموسيقية، بمثابة جسرا يربط بين ما أنتج في بغداد والموصل من نغم وموسيقي وفلكلور فني، وبين ما وصلت إليه الحداثة الموسيقية في الغرب انه الفنان رائد عزيز اذ كان لي هذا الحوار المفصل معه عبر الإنترنت جاء فيه:
س/ حدثنا عن نفسك وعن بدايتك الفنية ؟
  رائد عزيز ميخا العمران ولدت في مدينة الموصل عام 1973، من عائلة ملتزمة بحضور القداديس وخدمة الطقس الكنسي، فقد كان والدي شماسا، ويخدم في كنسية المسكنتة لسنوات عديدة، لذا فمنذ نعومة أضفاري تعلمت منه خدمة القداس، لأني كنت أرافقه في خدمة القداس، ومن ثم بدأت أهتم بالتراتيل وقراءة المزامير وقد تأثرت بها وأحببتها كثيرًا، حيث من خلالها كنت أشعر بمعنى وعمق واهمية التراث الديني والأدبي وحتى الفني. ومن هنا بدأت مسيرتي مع التلحين والترتيل، فقد كنت مرتلا في جوقة كنيسة المسكنة ومن ثم عازفا لهذه الجوقة وبعدها أصبحت مسوؤلا للجوقة. وهنا يجدر بي أن أذكر دور الراهبة الأخت عطور يوسف وهي مسوؤلة دير بنات مريم الكلدانيات، وهي كانت انذاك مسوؤلة على نشاط الجوقة وقد شجعتني كثيرا وعلمتني كيفية وقراءة وكتابة النوطة الموسيقية، وفي تلك الفترة سنحت لي الفرصة بالتحضير وتقديم العديد من امسيات التراتيل، ومن أهم الأمسيات التي سجلت على كاسيت هي أمسية ترانيم على طريقة المقام والنغم البغدادي الشعبي، كما وقد قمت بتدريب وتنفيذ ترتلية "أعطوهم أنتم ليأكلوا" وهي خاصة بالمؤتمرالأول للتعليم والتثقيف المسيحي في العراق في عام 2002، والذي أقيم في بغداد آنذاك وبحضور 500 شخصية من كل انحاء العراق
س/ ماذاعن حياتك الدراسية ولماذا اختيارك لموضوع الأطروحة وهو الأغنية الشعبية الموصلية؟
   بعد إكمالي الدراسة الإبتدائية والثانوية في الموصل، توجهت إلى بغداد لإكمال دراستي الجامعية وذلك في كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد، وكانت بداية مشوار جديد في حياتي حيث كان لابد لي أن أثبت النجاح في صحة اختياري لهذه الاختصاص، وكان بالنسبة إلي من التحديات الكبيرة. فقد قضيت 4 سنوات وحصلت على شهادة البكالوريوس من قسم فنون الموسيقة، ولم اكتفي بهذا بل عدت وقدمت إلى قسم الدراسات عليا في نفس الكلية لنيل شهادة الماجستير، وكان المشرف على تقديم أطروحتي الأستاذ الدكتور حسام يعقوب، وكان عنوان أطروحتي "الخصائص الفنية للاغنية الشعبية الموصلية" ويعود سبب اختياري لهذا الموضوع هو وفاءً وعرفانا مني إلى مدينتي الرائعة التي نشأت وتعلمت فيها القراءة والكتابة، وكانت منطلق الطريق لتحقيق النجاح وكذلك رغبة مني في تعرف بشكل أعمق وبصورة علمية على تراث مدينتي فهي بحق أم الربيعين وأم الفنون وام الثقافة وام الأدب، كما و أردت أن أكون من ضمن الذين يسجلون للتاريخ الموسيقي والفني القديم، مادة وموضوعا يكاد يكون للأجيال القادمة مرجعا وإرثا غنيا يستفاد منه لصنع الحاضر على أساس ماض عريق وكل ما أتمناه أن تستقر الأوضاع الأمنية في مدينة الموصل ويقوم هناك طلاب دارسين وباحثين ليكملوا ما وصلت إليه أنا في أطروحتي. علما أني قدمت وناقشت أطروحتي الماجستير في ظل ظروف صعبة وأوضاع أمنية متردية جدا، ولكن بالرغم من كل هذا استطعت أن اناقش  أطروحتي وأحصل على شهادة الماجستير بتقدير جيد جدا في 10/1/2004 وهو ايظا تاريخ ميلادي.


س/ كيف جاءت فكرة تأسيس فرقة ميزوبوتاميا وأين وصلت بمسيرتها؟
   بعد وصولي إلى أستراليا وبالتحديد إلى مدينة مالبورون، لم أكن أعرف بالضبط كيف ستجري الأمور هنا معي، كذلك لم اعرف شي عن نظام الحياة، ومع الوقت أخذت الأمور تتوضح شيئا فشيئا، بعد ذلك جاءتني فكرة تأسيس هذا الفريق الموسيقي فجمعت بعض الشباب والشابات من الموسيقيين العراقيين، لغرض تأسيس فريق عراقي يقدم عروض موسيقية بشكل علمي أكاديمي والهدف هو تقديم النغم العراقي والمقطوعات الأصيلة إلى المجتمع الأسترالي وقد استطعنا بالفعل من تأسيس هذا الفريق بشكل رسمي في 3/11/2006. وضمن موافقات رسمية وخاصة، وقد واجهتنا العديد من مشاكل وأهمها: عدم وجود عازفيين ومرتلين من ذوي الاختصاص في مجال الموسيقى، لان جميع من التقيتتهم هم من  الهواة و يعزفون في حفلات الأعراس والمناسبات الاجتماعية فقط، وكان هذا تحدي كبير بالنسبة لي، فكان عليّ أن أدرب وأعلم الفريق بشكل دقيق وأن أخطو معهم خطوات بطيئة لكي نحقق الهدف، وما ساعدنا في عملنا هو وجود رغبة حقيقة والدافع قوي لتحقيق العمل والتعلم، وهكذا تابعنا التدريبات وبشكل أسبوعي واستطعنا أن نقدم أمسيات موسيقية فنية خاصة بنا، تحمل في طياتها معاني اسم ميزوبوتاميا وهكذا جمعنا جاليتنا العراقية لتشاركنا وتسمع بتلهف وشوق وحنين وفرح الى النغم العراقي، وقد قدمنا عروضا موسيقية على مسرح راقي جدا في مدينة مالبورون وهو مسرح داربن ارت سنتر،  وقد حققنا النجاح تلو النجاح وقد سجلت فرقة ميزوبوتاميا الموسيقية رسميا في نقابة الفنانيين الاستراليين في مالبورون تحت اسم ميزوبوتاميا ويعني ما بين النهرين كي نحكي للعالم في الغرب حكاية هذا البلد القديم والعريق والاصيل بفنونه وحضارته.
س/ ماهي اهم الاهداف التي تريدون تحقيقها من خلال فريقكم الميزوبوتاميي؟
   ان من اهم الاهداف التي نرمي ان نحققها من خلال فريقنا الشبابي هذا هي: - تقديم الموسيقى العراقية الأصيلة (غنائية كانت أم آلية) إلى المجتمع في الغرب وبأسلوب علمي أكاديمي ومتطور وبطريقة المزاوجة بين الموسيقى الشرقية والغربية، وتشجيع الشباب العازفيين الموسيقين من تطوير قابليتهم ومواهبهم في العزف والغناء، ووضعهم على طريق الابداع، وهذه تعد من الفرص النادرة هنا في المهجر،لانه قلما هناك من يفكر بهذه الامور الفنية والتاريخية. كذلك استطعنا ان نخلق تجمع كبير من الجالية العراقية لكي يلتفو ويشجعوا عمل يمثل بلدهم وماضيهم وارثهم الغني.

 

س/ هل تلقيتم دعوات من اجل اقامة حفلات وعروض موسيقية من جهات او اشخاص معنين؟
   نعم لقد وجهت لنا دعوات كثيرة من لمشاركة في مهرجانات فنية هنا في مالبورون، وفي بعض الاحيان وبالفعل شاركنا مع فرق موسيقية اخرى. كما حدث في مهرجان يدعى (اليوم الاسترالي(Australia Day حيث كانت هناك فرقة موسيقية رئيسية تضم عازفين من كل البلدان وقد شاركت فرقتنا معهم بالعزف. وفي كل سنة توجه لنا دعوات مهمة من قبل هذه مهرجانات واكيد نحن مستعدين دائما للمشاركة، ونطمح الى اكثر من ذلك، فنحن نعمل على ترتيب وتنسيق مع النشاطات والمهرجانات هنا او حتى في بعض المدن الاسترالية الاخرى.
س/ كيف تجد وتقيم دور الفنان العراقي المغترب في المهجر؟
 بالنسبة الى هنا في أستراليا فالفنان العراقي شخص مشتت ولديه حالة من عدم الوضوح في الرؤية، وهذا بسبب ضغوط نظام ومشاغل الحياة العملية الصعبة هنا، فهناك الكثير من المعوقات تمنعه من التفرغ لهكذا اعمال، ولكن وبالرغم من كل هذه الظروف والتداعيات يبقى على الفنان المغترب ان يظهر ابداعه وان لايتوقف، ففي الكثير من المناسبات بصراحة كانت أعمالنا الفنية تصل إلى حد ان تكون عبارة عن محاولات وعروض فردية لذلك كنا في امس الحاجة الى دعم من من قبل شركات فنية واجتماعية، وذلك لغرض الوصول إلى مستوى ارقى بحيث نستطيع ان نقدم ماعندنا بشكل يليق بالفن العراقي.
س/ ماذا اخذت معك من الموصل المدينة التي ولدت وترعرت فيها ومن بغداد المدينة التي درست ونشئت فيها اكاديميا؟
  من الموصل المدينة التي ولدت وترعرت فيها أخذت الخبرة في الألحان الكنسية الجميلة والغنية والاغاني الشعبية الموصلية الفلكورية وكنت منذ صغري وانا ادندن بها أينما أذهب. ومن بغداد العاصمة الحبيبة التي درست فيها وحصلت على شهادتي العليا، أخذت الخبرة في اصول المقام العراقي والبستات الجميلة والمعبرة عن البساطة. كذلك الخبرة من المجتمع البغدادي المنفتح والطيب فالاجواء البغدادية رائعة وخصوصا تلك الذكريات الجميلة والاصدقاء الرائعون.   
س/ كيف تقرأ القبول في الاستماع والاهتمام عند الناس من الغرب وخصوصا المجتمع الاسترالي للموسيقى الشرقية وبالخاصة النغم العراقي؟
 من خلال مشاركاتي الموسيقية هنا في أستراليا أكاد أجزم أن المجتمع الاسترالي لا يعرف الا القليل عن الموسيقى العراقية، وهو متذوق جدا لهذا النوع من الموسيقى وذلك من خلال شدة تفاعله وانسجامه مع الايقاع والنغم. لذلك يتوجب علينا نحن أن ننقل لهم الموسيقى الشرقية والعراقية وأن نشارك في أي مهرجان موسيقي يقام هنا. مهما كانت امكانياتنا وذلك على الاقل كي نعكس لهم ماعندنا.

 

س / سمعنا انك تقوم بتعليم الموسقي اين وكيف؟
 نعم فمنذ وصولي الى استراليا وان اقوم بتدريس وتعليم الموسيقى حيث قمت باعداد معهد خاص للموسيقى معتمدا على مناهج علمية ومتطورة ودرست طلاب من دول مختلفة مثل: لبنان ,العراق ,اليونان ,تركيا و صربيا. واقوم بتدريس العزف على آلتين الرئيسيتين وهما العود والبيانو بالاضافة الى تدريس النظريات الموسيقية والصولفيج الغنائي و(تمارين الصوت).
س/ سنذهب معك الى محطة أخرى من محطات حياتك الخاصة وماذا تعني لك هذه الكلمات:
الموسيقى –  الروح
المرأة –  الجمال
الطفولة -  البراءة
الليل -   الهدوء
الحب -  ملح الحياة
الصداقة – الاحترام
العراق -  بيتي الذي افتقده
عبارة أو مثل تردده دائما؟  يا غريبا كن أديبا
"الموسيقى غذاء الروح " بماذا تصفها أنت ؟ اعتقد هي الروح نفسها
لمن يعجبك أن تقرأ ؟   الكاتب العراقي الكبير علي الوردي
ما هي هوايتك وأهتمامتك؟ الرياضة، السباحة، القراءة، كومبيوتر.
ماذا تعمل في أوقات فراغك؟ أمارس هواياتي أو أبقى مع الأهل.
- عرفنا إنك تريد إكمال دراستك العليا هنا في استراليا بعد معادلة شهادتك الماجستير ألم تشبع من الموسيقى فلماذا تذهب إلى دراستها أكثر؟
  أولا ان مسيرة العلم والمعرفة لا تتوقف أبدا عند حدا معين اوفي مرحلة معينة أبدا، فكل ما يصل الشخص إلى مرحلة او درجة علمية تراه ينشد إلى مرحلة اعلى وهكذا فالطموح لايتوقف. فمنذ وصولي إلى استراليا حاولت جاهدا أن ابحث عن السبل لغرض أكمال دراستي الدكتوراه، لكن مثلما ذكرت لك ان المشاغل وضغوط الحياة اليومية تأخرك. وثانيا اهتمامي بفريق ميزوبوتاميا أخذ جل وقتي. لكن مع ذلك استطعت أن أكمل دراسة الدبلوم العالي هنا وان احصل على اختصاص في مجال "هندسة الصوت" وهذا الاختصاص يعده مكملا للموسيقى ويبقى طموحي هو إكمال الدكتوراه.


س/ عندما تكون لوحدك لمن تعزف وماذا تدندن على عودك من ألحان؟
    يعجبني ان اعزف المقام السماعي نهاوند للفنان الكبير منير بشير، كما ادندن بعض الأغاني العراقية التراثية.
س/ ماذا تفعل عندما تحقق حلما أو تنتهي من إنجاز عملا؟
  اخذ راحة لمدة أسبوع ومن ثم احضر لمشروع قادم لأني لا أريد أن أخسر الوقت.
  سؤال أخير هل حقق الفنان رائد عزيز الى مايصبو اليه ؟
  بالطبع لا لأن الطموح كبير جدا والأحلام كثيرة جدا وتحتاج إلى وقت طويل لتحقيقها وأنا أحاول أن أعمل بجهد مستمر للتحقيق هذه الطموحات والأحلام.
وفي الختام كلمة شكر وتقدير لمن تقدمها؟
اقدم شكري واعتزازي لك ياصديقي العزيز الصحفي ظافر على هذا الحوار الجميل واتمنى ان يكون هذا الحوار بمثابة خبرة تنفع كل المغتربين العراقين في المهجر، وخصوصا اصحاب المواهب والمبدعين، وان لا يتوقف إبداعهم ومواهبهم، لأننا ونحن بعيدا عن وطننا وبلدنا العراق يتحتم علينا ان نعكس الابداع والنجاح اينما كنا. كما وأتمنى لبلدنا ان يحل السلام والامان وان يكون هناك عراقا جديد يكلل بالنجاح والتألق.واخير تحية ميزو بوتامية خالصة الى كل المبدعين والمخلصين للفن العراقي اينما كانوا.


22
فرقة ميزوبوتاميا تتألق بالفن العراقي الأصيل في أستراليا




الإعلامي ظافر نوح

في خطوة متميزة قامت فرقة ميزوبوتاميا الموسيقية والتي مقرها في أستراليا بتقديم عرضا موسيقيًا وفنيًا في يوم 8/10/2010 وعلى مسرح (داربن آرت سنتر) تضمن الحفل تقديم ألحان فلكلورية عراقية أصيلة، وذلك أمام حضور يمثل الرأي العام والجاليات الموجودة في أستراليا.
تتشكل فرقة ميزوبوتاميا من 8 شباب عازفين على آلات شرقية وغربية و6 من المنشدين والمغنين وهم 4 شباب و2 بنات وكلهم من العراقيين المغتربين) والفرقة بقيادة الفنان المبدع رائد عزيز العمران. وكانت الفرقة قد قامت بالتحضير والتمرين والاستعداد لهذا الحفل منذ شهور عديدة وذلك بالرغم من الصعوبات والانشغالات من توفير الوقت والمستلزمات.
أقيمت هذه الأمسية الموسيقية حاملة في طياتها حب التراث والإرث الفني الراقي العراقي الذي يحمله اللحن الشرقي الأصيل. وقد وصل عدد الحضور ما يقارب الـ 200 شخص وهم من مختلف الجنسيات العراقية، واللبنانية، والسورية، والمصرية، والاسترالية، واليونانية، والتركية... كما وحضر الحفل شخصيات مهمة ورسمية منهم صحفيين ومهندسين وأطباء ومسرحيين ومن المهتمين بهذا الجانب الفني الأصيل.
تخلل بداية الحفل عرض مقاطع من الفيديو والصور على شاشة كبيرة وفيها مجريات الاستعدادات التي سبقت الحفلة وكيف كانت تجري الأمور بشكل متعب لأنه هذه الاستعدادات كانت تحدث بعد عناء من العمل اليومي وبالرغم من وضوح علامات التعب إلا أن الفرحة والابتسامة كانت لا تفارق وجوههم.
كما تضمن منهاج الحفل جزأين الأول هو تقديم قطع موسيقية لفنانين معروفين عراقيًا وعالميًا أما الجزء الثاني فقد خصص لتقديم الأغاني الفلكلورية المسيحية القديمة (بالسورث) ولكن بتوزيع جديد في خطوة من الفرقة في دمج كل ما هو قديم بأصول فنية حديثة وجديدة، وتخلل الحفل أيضًا عرض صور في معرض صوري لأعمال الفرقة والمهرجانات التي شاركت فيها الفرقة سابقًا.
وقد أصدت وتناولت الصحف المحلية في أستراليا مثل صحيفة المستقبل - بانوراما- وصحيفة التلغراف
– وصحيفة النهار خبر الحفلة الموسيقية التي أقيمت مع الآراء والإشادة بالتقدم الذي أحرزته الفرقة من خلال إقامة هذه الحفلات كما جاء تصريح مسؤول الفرقة الموسيقية الفنان رائد عزيز قائلا: "إنها لفرحة غامرة أغدقت عيوننا بدموع الفرح عندما شاهدنا الجمهور يعبر عن فرحه وابتهاجه بانفعال مفرح مع الأنغام والأغاني التي قدمتها الفرقة إذ كان الجمهور وكعادته التقليدية العراقية المعروفة بالتصفيق الحار والهلاهل وما أن انتهت الحفلة وقف الجمهور معربًا عن احترامه وتقديره العالي لهذا العمل الرائع كما وجاء على لسان العديد من الحضور أنهم بالفعل قد لمسوا قلوبنا وعقولنا بألحانهم الشجية التي ألهمتها لهم أناملهم الطيبة كما وتستعد الفرقة للمشاركة في حفلة موسيقية سيعلن عنها في حينها.
فيما يلي منهاج الحفل الموسيقي:
 
منهاج الحفل

 
1- لونكة فرح فزا  –     جورج ميشيل
2- رقصة الجمال   –     فريد الاطرش
3- الرقصة الغجرية –     غانم حداد
4- شروق  –   جميل بشير
5- لونكة حجازكاركردي –   سبوخ افندي
6- احساس –   رائد عزيز ميخا
7- سماعي نهاوند –  منير بشير
8- شلالات –  جميل بشير
9- ميسوبوتاميا من جديد –  توم توما


استراحة

الجزء الاول:
1- هوي زاري 2 - اه هيلا يوني  3- باكيي  4-  سيرانوا   5-  از برفرم  6-  دمخاي مولا
 
الجزء الثاني:
1- وي وي منخ  2- زورنا ودهولا  3- قاتخ كتولي  4- كو شارا براتا خزيلي  5- صارا صارا  6-  ريشت دخكا
نهاية الحفل : موسيقى فقط
 



23

إبداع عراقي في المهجر
فرقة "ميزوبوتاميا" الموسيقية



حوار والتحقيق     
 الإعلامي:  ظافر نوح   
      كثيرا ما نعتقد بان مجرد الوصول إلى احد بلاد المهجر في الغرب سينتظرك هناك الكثير ومنها التعرف على نمط المجتمع وسلوكياته ونظامه الاجتماعي وايظا  التفكير في مجريات ومتطلبات الحياة اليومية ومنها إيجاد العمل لتوفير الاحتياجات الأساسية للعيش، ولكن قلما نسمع بأشخاص حتى المبدعين منهم  وصلوه إلى بلاد المهجر وبدء في  البحث عن كيفية إيجاد السبل لتطوير مهارتهم ومواهبهم الفنية والرياضية والأدبية معتمدين على مؤسسات تشجعيه ذات الاختصاص ترعى وتهتم بتطوير المواهب والنشاطات بل وحتى الهوايات فهذا الشخص إضافة إلى عمله الأساسي في توفير لقمة العيش سيتحمل الجهد  من اجل الاستمرار في صقل موهبته وفنه ويسرع ليواكب التقدم التقني والفني على كل المستويات الثقافية والأدبية والفنية. فكم هناك من الموهوبين جرفتهم مقتضيات رمق العيش والروتين فذهب إلى الانشغال ونسيان موهبته وحتى هوايته وكم من أشخاص حصلوا على الشهادات العليا في اختصاصات فنية وعلمية ولكن أصبحت شهادته معلقة على الحائط كديكور لان تلك الدولة لم تعترف بها ولا في اختصاصه. ان موضوع هذا التحقيق يسلط الضوء على نخبة من الشباب العراقي المغترب دفعهم حبهم لموهبتهم الفنية وقادهم الحنين والتمسك والتجذر لااصالة الفن العراقي وأن يحول تجمعهم إلى فريق موسيقي فني وفتي في المهجر وبالتحديد في مدينة ملبورن- استراليا، وأن يتغنى ويفتخر تحت اسم الميزوبوتاميا أي (بين النهرين) وليكون بمثابة سفارة للفن وللموسيقى العراقية الأصيلة ورغبتهم في إيصال جمالية هذا الفن الرائع. صاحب فكرة هذا مشروع هو الفنان رائد عزيز العمران  من مواليد 1973 الموصل حاصل على شهادة البكالوريوس في عام 1996 وشهادة الماجستير في عام 2004 من كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد وعضو في نقابة الفنانين العراقيين – ونقابة فنانين كردستان له العديد من المقالات منشورة في المجلات وعلى مواقع الانترنت وألقى المحاضرات عن موضوع "الموسيقى الكنسية". ونشر عدة الحان كنسية عربية وكلدانية. أقام العديد من الأمسيات الموسيقية الدينية والفنية. – القى الدروس في كلية الفنون الجميلة في بغداد قسم الموسيقى. وفي معهد الفنون الجميلة قسم الموسيقى في الموصل وله العديد من المشاركات الفنية مع الفرق الموسيقية الاسترالية. أراد من خلال تشكيله هذا الفريق أن ينقل حبة وتمسكه للفن العراقي المعروف بنكهته الأصيلة والذي يحمل في طياته رسالة هدفها التواصل والحوار بين أنواع الثقافة ومن بينها الفن بين الشرق والغرب .(ظافر)
ماهي فكرة تأسيس فرقة ميزوبوتاميا؟
   في حديث مع الفنان رائد عزيز مسوؤل ومؤسس هذا الفرقة الموسيقية  عبر المحادثة الكترونية  قال : " بعد ان وصلت إلى استراليا كان في تفكيري الكثير من التساؤلات والتطلعات ولم أكن أعرف بالضبط كيف ستجري الأمور هنا وكيف سيكون نمط حياتي مع حياة الغربة وبعد فترة من التعايش مع الواقع الجديد، أخذت الأمور تتضح شيئا فشيئا وبدأتُ البحث عن كيفية تحقيق مشروعي وهو فرقة موسيقية عراقية وبدأت اطرح الفكرة على الشباب الموسيقيين الذين تعرفت عليهم وطلبت منهم التعاون معي لتشكيل فرقتنا على أسس منهجية وأكاديمية هدفها أن تقدم عروض موسيقية من الفن العراقي الأصيل إلى جاليتنا والمجتمع الغربي هناك. وفي عام 2006 تأسست الفرقة رسميا في مدينة مالبورون- استراليا وكانت من أهم المشاكل التي واجهت تأسيس الفرقة هي عدم وجود أشخاص موسيقيين أكاديميين فغالبية من هم هنا هم من الهواة ويعزفون في فرق لااحياء حفلات الأعراس والمناسبات الدينية الاجتماعية، وهذا كان بالنسبة لي تحدي فيجب أن أعمل على طرح فكرة الفن من أجل الفن فتم اختيار الأشخاص الذين لديهم رغبة صادقة في تطوير موهبتهم في العمل والتقدم والتعلم فبدأ العمل شيئا فشيئا واستطعنا أن نقدم بعض ألأمسيات والعروض الموسيقية خاصة بنا، وكان الناس يأتون لسماعنا وقد قدمنا عرض موسيقي على مسرح راقي جدا وهو (داربن أرت سنتر) وكان تقديمنا على هذا المسرح خطوة جيدة ودافعا قويا بالنسبة لنا.



   هل لفرقة إسهام و تواصل مع مايجري في بلدنا المتألم وخصوصا انها تحمل اسمة التاريخي "بين النهرين؟"
  بعد أن قررنا تسجيل اسم الفريق رسميا ب"ميزوبوتاميا" ويعني (ما بين النهرين) كان الهدف هو أن نحكي لهذا المجتمع في الغرب من خلال هذا الاسم حكاية هذا البلد القديم والعريق بحضاراته وإنجازاته فهو مهد الحضارة في اكتشاف وتعلم القراءة والكتابة وسن القوانين واختراع الفنون بأنواعها وحتى في صنع الآلات الموسيقية ويعرف الجميع "القيثارة السومرية" فهي نموذج حي في العلوم والآداب. لقد قمنا بآلاتنا الموسيقية البسيطة في المشاركة في الاحتفالات والمناسبات الوطنية هنا في مالبورون وأصبحنا معروفين عند الجميع. وقد حققنا من خلال هذا الحضور المميز شهادة فخرية وتشجيعية لنا جميعا ولبلدنا العراق. إننا الآن في طور الاستعداد والتهيئة لتقديم عرض موسيقي خيري كبير يخصص ريعه لمساعدة العوائل من الأرامل والأيتام في بلدنا العراق المتألم  وذلك بالتعاون والتنسيق مع جمعية مار منصور الخيرية في العراق وهي جمعية كنسية وكاثوليكية عالمية. والجدير بالذكر إني من احد المؤسسين لهذا الجمعية في العراق منذ عام 2004.   وعن طريق إقامة الأمسيات الموسيقية البغدادية والموصلية المعروفة بنكتها الفنية الرائعة والتي واكبت أجيال عديدة إذ كان يحضر هذه الأمسيات قديما في بغداد أشخاص وعوائل من كل ألأطياف والطوائف والقوميات شعبنا العراقي اذ كانت تجمعهم روح الفرح والاستماع إلى تلك الحان والكلمات البغدادية والموصلية كما نقوم حاليا بتسجيل أعمالنا الموسيقية وتوثيقها ومن ثم سنقوم بتوزيعها وتسويقها عبر وسائل الإعلام المتنوعة.
   ماهو تأثير الموسيقى في تحديد العلاقة بين الشرق والغرب؟
   إذا كان أهل العلم من باحثين ومؤرخين قد اختلفوا في تحديد مكان وزمان ولادة الموسيقى، فان كل الناس تتفق على أن الموسيقى هي جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان أينما كان على سطح الكرة الأرضية في سهولها وجبالها ووديانها وبحارها. ووفقا لنظرية أفلاطون، نجد أن الموسيقى قد خدمت البشرية في تحقيق الوحدة بين أحاسيس البشر، ومختلف عناصر الحياة في المجتمع الواحد وبين المجتمعات المختلفة، وتمكنت من التعبير عن الفرد وعن الجماعة في تنسيق الحياة. فالموسيقى هي لون من ألوان التعبير الإنساني وقد يعبر الإنسان من خلالها عن فرحه وآلامه لذلك فهي تحتل مكانة بارزة في حياة الإنسان بشكل عام ونراها في كثير من أموره الحياتية حيث تبقى ملاصقة له أينما ذهب نتيجة لذلك من الطبيعي جدا أن تحمل كل جالية قادمة إلى هذا البلد صفات بلدها الأم وعلى كل المستويات الفنية والثقافية والأدبية والسياسية... فتحدث عملية التلقيح الحضاري بين هذه الحضارات أو الثقافات الشرق والغرب. لتنتج في نتاجها وهدفها مزيج حضاري يغني البشرية بكل ما هو نافع وجميل. ونتيجة لهذا ظهرت لنا فكرة إنشاء وتأسيس فريق ميزوبوتاميا ليعبر من خلالها عن نمط الموسيقى الشرقية بمختلف أنواعها.


  هل  حققت "ميزوبوتاميا" هدفها؟ 
لقد خصصنا مواعيد أسبوعية نقوم بالتدريب المستمر لساعات طويلة وذلك لغرض تحقيق أهداف الفريق وهي:
- تقديم الموسيقى العراقية الأصيلة (غنائية كانت أم آلية) إلى المجتمع الغربي بأسلوب علمي وأكاديمي.
- تقديم أعمال موسيقية معاصرة بجهود فردية لمؤلفين وعازفين من شباب العراقي الموهوب.
- خلق أسلوب فني وموسيقي جديد يتضمن مزج الموسيقى الشرقية مع الموسيقى الغربية
وماهي أهم مشاركاتكم الفنية:
  لقد قمنا بإحياء حفلات في النادي اجتماعي تضمنت أمسيات تراثية عراقية (مقام عراقي)
والمشاركة في مهرجان تقيمه الجالية اللبنانية ووسط حضور كبير من المشاركين  قدمنا مقطوعات موسيقية تعود للفنانين عراقيين مبدعين وكبار وهم الفنان جميل بشير والفنان منير بشير واخرين.
 وقد قدمنا أمسيات موسيقية في عدة مناسبات دينية والمشاركة في مراسيم القداديس.


من هم أعضاء فرقة الميزوبوتاميا الموسيقية العراقية؟
   تتكون الفرقة الموسيقية بقيادة الفنان رائد عزيز وبهمة وجهود أعضاء الفريق وهم كل من:
- زيد ساكو من مواليد 1989- الموصل. وهو يمارس موهبته الفنية منذ الطفولة حيث كان ميالا للعزف على الآلات الإيقاعية العربية. وبعد استقراره في استراليا اخذ يطور هذه الهواية حتى أتقن العزف عليها وأصبح من العازفين الجيدين.وشارك في العديد الأمسيات الموسيقية الناجحة.
- يوجين متي مواليد 1973- الموصل عازف إيقاع بدء العزف على الآلات الإيقاعية من الصغر حيث بقي ممارسا للعزف عليها كهواية فقط, من ثم طور مهارته وشارك في العديد من الأمسيات الموسيقية
- عادل يوخنا مواليد عام 1979 - الموصل. كانت بداياته الفنية في جوقة الكنيسة حيث مارس العزف والترتيل. ودرس آلة البيانو ودخل دورات خاصة لتعليم هذه الآلة، له مشاركات عديدة في الغناء والعزف الكنسي وقيادة الجوقات الكنيسة في الموصل وتركيا واستراليا.
- فراس أمير خيا من مواليد 1986- بغداد. مارس الغناء في بدايات حياته من خلال الحفلات المدرسية وتأثر بالموسيقى الكنسية واخذ يمارسها عزفا وإنشادا من خلال الجوقات الكنسية.
 - سمير شوكت مواليد 1965.بدا العزف على آلة الكيتار منذ الصغر. وفي عمر الـ 16 سنة أسس فرقة غنائية موسيقية مع مجموعة من الشباب. كان عضوا في الفرقة الموسيقية في الجامعة التكنولوجيا في  بغداد ومسؤول الشؤون الفنية في الجامعة. - كان عضوا في فرقة الرشيد الغنائية من ثم عضوا في فرقة "أورهي" في شمال العراق.
- توم توما مواليد 1973- بغداد . التحق بمدرسة الموسيقى والباليه عام 1979 ودرس لمدة 6 سنوات على آلة الكمان والعزف على آلة الطبلة والكيبورد وشارك بعدة أمسيات موسيقية كنسية - شارك في مهرجان غنائي عراقي مع المطربة العراقية المعروفة في المقام العراقي الفنانة فريدة وكان ذلك في  مهرجان يقام في محافظة ادالايت وشارك فيه العديد من الفرق والعازفين من كل أنحاء العالم.
   كما هناك شباب والشابات يشاركون كمنشدين في تقديم بعض الأمسيات الغنائية حيث نقدم بعض الأغاني الجميلة لفيروز ولصباح فخري وبعض الأغاني العراقية القديمة......الخ وهم:  أيدن ساكو.و ديفيد داني ساكو ومريم مرقس وتارا شمعون واندرينا عزيز وهدير أبلحد
    وفي الختام نتمنى تحقيق الازدهار والتقدم لكل المواهب والمبدعين العراقيين متمنين لهم أن يكونوا بمثابة سفراء لبلدهم العراق أينما حلو فيحملون في رسالتهم وفلسفتهم وفنهم وإبداعهم. هدايا تعبر عن خالص حبهم وتقديرهم لبلدهم وشعبهم العراق ودمتم للعراق ودام العراق لكم أينما كنتم.


24
بين نار الانفجار ودخان إلاعلام


                                                                                                ظافر نوح

   لقد كان الإعلام ومازال هو الوسيلة الفاعلة لتعميم النموذج الحقيقي والحضاري، وذلك من خلال اعتماده الحداثة فكلما تقدمت الشعوب كلما زاد التفكير العقلاني، وكلما زاد التفكير العقلاني انزوت الخرافات واضمحل دور التخلف والجهل، بدأ هذا الافتراض يتحطم بفضل وجود إعلام حقيقي وشفاف، بعيدا عن التداعيات والمهاترات التي جرفتنا إلى تهميش حقوق وواجبات اقرب الناس ألينا، على حساب المصالح الخاصة بل استطاع أعداء وطننا إلى استخدم أسلوب ووسائل القتل الجماعي على شاكلة المثل العامي "الضرب عامي شامي " لتأكيد الحقد والرغبة في دمار وخراب بلدنا وهذا ماحدث في سلسلة الانفجارات التي هزت بغداد في يوم "الأربعاء الدامي" .   
   أمام هذا المشهد قامت بعض وسائل الإعلام  بتهويل وتضخيم الإحداث بطريقة وكأنها تُعلن فوز قوى الشر على الخير، مع إثبات ذلك من خلال عرض الصور للدمار الذي ألحقه الانفجار الذي استهدف العوائل الآمنة التي تسكن في شقق منطقة الصالحية أكثر من استهدافه مبنى مقر وزارة الخارجية وغيرها، وقد تحفظت القنوات الفضائية الأخرى!! ملتزمة بعرض مواد برامجها اليومي بشكل عادي عارضة الأغاني بفرح ورومانسية وبدم بارد غير مبالية بما حدث بينما تدّعي الأصالة والحضارة في نهجها وعنوانها، بينما اكتفت قنوات أخرى بعرض ما حدث كخبر محلي في نشرة أخبارها.
   نتساءل هل إن الإعلام اقتصر دوره كمشاهد وشاهد على الحدث فقط ، أو كحكم يُعلن فوز وانتصار هذه الجهة أو على تلك  في ادعائها وحكمها وكأنها تحقق وتبحث وتحدد ماهية الخلل وتبرر بأن ما حدث هو بسبب فشل سيادة دولة القانون وخللا في المؤسسات الأمنية.
   مع إحساسنا بخطر فيما يحدث من عنف كاسح، إلا إننا نشعر بأن لا خلاص لنا خارج إطار الوحدة والثقافة الوطنية، وإنها ستلعب دورا في صياغة وبناء الهوية الحقيقية لهذا المواطن المعذب وسوف لن يكون هناك انصهار في ثقافة تدعمها الطائفية والمذهبية بل في ثقافة لها قابلية فائقة في خلق أنموذجا جديد له قابلية القراءة والتحليل في مجتمع يقبل أن تُصبح التعددية هي المكون الأساسي للعيش المشترك، وإن الوعي الوطني بأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، ستنقل المواطن من وإلى مرحلة جديدة من الإبداع والبناء في أطار الفكر والسلوك بهدف تقديم نموذج إيجابي يناسب كل التحديات بعيدا عن أساليب تصفية الحسابات وقريبا من القيام بحملة إعلامية قوية تهز الضمير الإنساني وإيصال ما يحدث إلى الرأي العام والعالمي وأن نسمع دائما أصوات من هم خارج البلد من العراقيين والمحبين له تنادي بإيقاف العنف وتطلب السلامة والأمان لأبناء شعبهم الذي يرزح تحت شبح ظلام القتل والوحشية، إنها دعوة الى المؤازرة والمساندة لكل من بقى  في هذا البلد، فهم أناس سكنوا في هذا البيت الكبير لغرض حراسته والمحافظة عليه، فما أحوجنا أن نسمعكم ترددون الصلوات من اجل ان يحل السلام في بلدنا، وما أحوجنا أن نقرأ في مقالاتكم وكتاباتكم وآرائكم ما يشعرنا بالمحبة والصبر وهذا سيشجعنا ويعززنا ويقوي عزيمتنا .
   اننا وبالرغم من كل مايحدث متفائلين حيال مستقبل بلدنا فالكثير من أبناؤها هم متعلمين ويتمتعون بثقافة عالية وسيشكلون مكون يؤمن بالحرية والتسامح والأمل في ان يصبح العراق  بلد حر ومستقر ومسالم.   


25
كلداني سرياني أشوري
ثلاثة وليس واحد...!

                                                                                         الإعلامي ظافر نوح

    إنّ الشوق إلى هدف وحدوي منشود يجمع أبناء شعبنا المسيحي، أو كما يسمى الآن بعد جهد جهيد بشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"، وأتساءل هنا أين هي الوحدة ونقطة الاشتراك  بينهما؟
    لعلنا قد أضعنا جيلنا اليوم بكامله حيث سيقضي وقته متشضيا ومتسائلاً من نحن؟ ومن نُسمى؟ أن كل واحد فينا قد صنع له قناعة مبنية على حساب قناعات الآخرين ، بينما قل عدد الذين يسعون جاهدين في الوصول إلى ما يجمعنا ويعبر عنه في تسمية واحدة. لقد آن الأوان لنسعى بجدية في بحث مستنير لما هو مشترك بيننا "كشرقيين كعراقيين ككنائس كتراث"، عاملين من أجل توحيد التسمية وخطابنا السياسي وإقرار وجودنا الاجتماعي في هذا البلد. لقد آن الأوان لإزالة كل الملابسات المؤثرة والتي تؤكد على الخصوصية التي تؤدي إلى قوقعة الذات لتشكل فئة ضد فئة أخرى. فذلك سيرسخ الاختلاف ويزيد التناقض وهنا سنفهم بدلالة حقيقية إنّ الثلاثة هي ثلاثة "كلداني سرياني آشوري" وليست واحد كما يقال لها وهي أدت إلى ظهور تباين وجدل من باب التنافي والتكامل للحفاظ على الخصوصيات والمكونات بشكل مستقل واحد عن الأخرى خوفا من الانصهار والذوبان.
    إنّ اللغة هي وسيلة تفاهم بين البشر، ولابد لها أن تؤدي دورها في خلق الانسجام والتحاور أو التباين والنفور والاختلاف بالراى، ولغتنا برغم الاختلافات البسيطة وتعدد لهجاتها فهي لغة واحدة ذات أصل مشترك وهي التي حافظت ونقلت طقوسنا وفكرنا وأدبنا إلى يومنا هذا،
ألا يمكننا التركيز عليها كعامل مشترك وكمفتاح الفرج في إنجاح تسمية واحدة، معتمدين عليها كأن نقول (سورايا) أو نعود إلى أصلها الأول (آرامايا) مما سينقذنا من السباحة في الماء الراكد في بحيرة من الخلافات المذهبية والطائفية التي تنخر اليوم بنية مجتمعنا وجسم الكنيسة ذات الإيمان والتراث الواحد.
  إنّ تجاوز ما يحدث سيعطينا الفرصة التاريخية للتفكير في حاضرنا ومستقبلنا كي نخرج من النفق الضيق إلى مناخ العالم المعاصر لخدمة إنسان اليوم، فما نتمناه هو وحدة حقيقية وليست شكلية تشكل اتحاد حقيقي في روحية وإيمان واحد. وإن حدث هذا فسيعدُّ طفرة نوعية تاريخية في حياة شعبنا المسيحي في بلدنا العراق.
    في الختام أتوجه بعاطفة تقدير إلى كل الذين سعوا ويسعون إلى إحياء دور ثقافتنا لتشكل ألا ساس في وحدتنا وإنجاح قضيتنا والإسراع في اكتشاف ما هو مشترك ثقافي وحضاري كي يجمعنا ولا يفرقنا إلى فئات وقبائل وقد تصل إلى العشائر والبيوت. وهنا سيحقق المثقفون مااخفق في تحقيقه  السياسيون...   
 

26
الاب سالم كني: حمل صليبه وطيبته... ومضى


                                                                                                 ظافر نوح

   رحل الأب سالم كني بعد مسيرة من العطاء والخدمة في رسالته الكهنوتية، فمن سوف ينسى مشهد ذلك الكاهن البصير الذي كان يقوده مرافقه بيده إلى الكنيسة، للقيام بمهامه الكهنوتية، ومن سوف ينسى ذلك الكاهن المكفوف وهو يقيم القداس ويرفع الإنجيل بعلامة الصليب، ثم يفتحه كي يتلو من بصيرته ما حفظه على ظهر القلب، وبعدها  يلقي بموعظته على المؤمنين، وهل سينسى شباب القرية الأب سالم ومتابعته لهم في السراء والضراء، وتشجيعهم على المواظبة والصلاة والإصغاء إلى كلمة الرب، وذلك من خلال  جلسات الإرشاد وإقامة السهرات الإنجيلية.
   هذا ماكان يفعله الأب سالم من خلال بصيرته قبل بصره، ومن تلك البصيرة، كان يستمد قوته وقدرته على مواكبة مجريات الحياة ومن خلال اهتماماته بالمطالعة السمعية على مختلف المجالات، كما كان من المواظبين على حضور الندوات والمحاضرات التي تقام في القرية وفي القرى المجاورة، كما سبق وان أجريت معه مقابلة ونشرت في مجلة الفكر المسيحي العدد 322 شباط 1997ص30.
  وفيها عرض الأب سالم  مسيرة حياته ورسالته ، موكدا فيها على أهمية الصلاة في حياة الإنسان، وتقبله الأسرار المقدسة، وقراءة الكتاب المقدس، كما كان الأب سالم في لقاءات عديدة غالبا ما يردد " إن علينا نحن الكهنة يقع واجب الاهتمام بدور الشباب والعائلة المسيحية في الكنيسة ".
  اما اليوم ونحن نودع الأب سالم إلى أحضان أبينا الذي في السماوات
سنكتفي بقولنا: " انك كفيت ووفيت ياابونا"، من خلال سعيك الدائم وخدمتك وتضحيتك، وان غبت عن عيوننا، وان نسينا كلامك الطيب الذي كنا نسمعه منك، فانك حتما في وجداننا حاضر، وان غادرت عالمنا الذي يبدو يتيما روحيا، فنحن سنحفظ ونشهد لك بانك :
من خلال  عوقك اثمرت "الصمت والتأمل"
 ومن كهنوتك اثمرت "التواضع والتضحية "
 ومن حياتك اثمرت "المحبة والسلام".
       وداعا أيها الأب الطيب ، لقد عشت وكتبت حياتك ببطولة روحية


27
الأديب يعقوب أفرام منصور
يحصل على جائزة جبران العالمية
قررت رابطة أحياء التراث العربي في أستراليا، منح الأستاذ يعقوب أفرام منصور، جائزة "جبران خليل جبران العالمية "، وذلك تقديرا لإسهاماته البارزة في الأعمال الأدبية، وكانت هذه الرابطة قد وجهت دعوة رسمية إلى الأستاذ يعقوب لحضور حفل التكريم في مقرها في استراليا، ولكن بسبب تأخير في الحصول على تأشيرة السفر تعذر عليه الحضور.
والجديد بالذكر أن الأستاذ يعقوب أفرام منصور من مواليد 1925 ويسكن بغداد وله العديد من النتاجات الأدبية والثقافية والترجمات ويعمل على تنقيح العديد من المجلات والصحف.


28
تداركوا العراق قبل أن يصبح... !


                                                                                                                  ظافر نوح كيخوا

يؤمن كثيرون أن تعايش الأديان ممكن إذا ساد المجتمع إقرار بالحرية، وعمّ التكافؤ والمساواة في حق كلّ واحد بالمواطنة مهما كان وأيا كان ذكرًا أو أنثى، لا فرق يمكن أن ينال من مواطنته.
لكن هذه الأفكار النظرية يغطيها شعور داكن بواقع سلبي يسود منطقتنا، فلا يحس الكثيرون أن هنالك من يؤمن بضرورة العمل المشترك لمواجهة الهموم الداخلية والأخطار الخارجية التي تهدد أبناء الوطن من مختلف الأديان. ومع وعي الجميع بوجوب تكاتف أهل الأديان، في الإسهام بتعزيز الوحدة الوطنية، وتقوية الانتماء إلى أرض واحدة، لكن هنالك صعوبة في تحريك الجميع - على اختلاف ولاء آتهم الدينية والسياسية والفكرية، ليتجاوزوا ما ينفثه التعصّب الطائفي والقومي من سموم، فيقوم حوار حقيقي بين المفكرين وعلماء الدين ليحلوا المسائل ذات البين، ويهيّئوا برامج ومناهج عمل مشترك بين أبناء الأديان المختلفة، للوقوف معًا إزاء المخاطر التي تهدد البلد، ويكون الحوار على أساس الإيمان العميق، من منظور قِيَم العدالة والحق والمودة والمحبة والرحمة. فيضعوا مبادئ وخطوط عامة ويعملوا على تعميم ثقافة الحوار والعيش والعمل معًا من اجل تنمية مواطنة عميقة لمواجهة الأخطار التي تهدد العلاقات الاجتماعية.
 إن توطيد أسس العيش معًا ضرورة لا تمليها هموم العنف والإرهاب فقط، الذي يعاني منه بلدنا، فسياق التاريخ والحضارة واحد لدى أبناء هذا البلد، في كلّ زمان ومكان، حتى يوم كنا وثنيين، كان دائمًا أرض لجوء، فنما فيه التنوّع الديني والمذهبي والقومي، لكن ذلك لم يلغِ حقيقة انتماء أجدادنا إلى حضارة وادي الرافدين، فشارك أبناؤها جميعًا في إبداع ما يفخر به العالم اليوم.
لكن ما يتعرض إليه بلدنا اليوم من تدخلات خارجية، ومشاريع ومخططات تريد النيل منه، فارتفع منسوب التوترات الداخلية -كموجة تسونامي - كادت تأتي على الأخضر واليابس، فاتخذت أشكال العنف والتهويل الإعلامي وتوظيف الفتن واستثمارها لأغرض سياسية.
إن معالجة الوضع الداخلي في حل مشاكلنا لن تتم إلا بجهودنا، نحن أبناء البلد، ومن مختلف الأديان والمذاهب والقوميات، ومن خلال الحوار والعمل لإطفاء كل ما من شانه أن يزيد النار، أو يفاقم الانكفاء على الذات، أو يقطع الحوار، أو يخيف من اتخاذ مبادرات المصالحة ومعالجة أسباب التوتر لإنقاذ الثقافة - ما يمكن إنقاذه - فيسهم في إنتاج مناخ يعالج الاحتقان المتراكم. فالضرر لا يقع على أبناء دين واحد أو جماعة دون أخرى، أو مذهب أو قومية ما، وإنما يقع العبء على الجميع. وإن كانت عدوى الشر ممكنة، لكن الطيبين يؤمنون أيضًا بوجود "عدوى" في الخير أيضًا، وإمكان مسح الماضي لتحقيق المصلحة العامة، والتصدي لأشكال العنف، وهذا يستوجب فهمًا صحيحًا لطبيعة إنساننا هنا، فالعراقي في جوهره "طيّب النوايا"، وطيب القلب، يقبل الآخر المختلف دينيًا ومذهبيًا وقوميًا وهو مستعد أن يعيش وفق قناعاته، دينية أو قومية، إلى جانب الآخرين. هكذا كان الأمر منذ آلاف السنين، فلِمَ لا تكون هذه العوامل اليوم أيضًا صحيحة؟
لذا يمكن أنّ نسمي هذه المرحلة مرحلة تفاعل بين أبناء وطن واحد، يكتشفون للمرّة الأولى معنى الوطنية، لا كشعارات فارغة، وإنما إسهامًا في ترسيخ قيمة الاحترام المتبادل وتقوية أواصر المودة، وقبول بالتنوع كحقيقة إنسانية من علامات الله في الإنسان، فنتقدم في المعرفة المتبادلة والتحاور الهادئ لإسقاط الصراعات، ونأخذ من العالم خبراته في طرد الشكوك والمخاوف. وإنّ ما حدث ويحدث اليوم في الموصل من قبل الأهالي من مواقف تنديد واستنكار إزاء التهجير والتشريد الذي يتعرض له المسيحيين في الموصل، هو مثال على تعامل الاخوي الذي ينبغي أن يسود الجميع كشركاء في الوطن والمواطنة، وأن يشعر الجميع أن ما يصيب جماعة ما، يصيب الجميع كإخوان في وطن واحد. أليس هذه الانتماء إلى الوطن هو في أساس الانتماءات الأخرى؟ يقويها ويصير فرصة التقاء العقول والقلوب لمواجهة تحديات وقضايا مشتركة عملية نحن في أشد الحاجة إليها، لئلا يفوت القطار على الجميع. فإن كانت الحكمة ضالةَ المؤمنين والبحث عن القيم الروحية والإنسانية ممّا هو مشترك في تراث الأديان، لكن التضامن والتراحم هما الوجه الآخر كي يتم توازن الأمور بميزان العدل والاستقامة. فلتكن الاجتهادات نحو الأفضل الذي يمكن أن نقدّمه في أفضل المدارس والجامعات والمكتبات وفي جميع وسائل الإعلام لمواجهة الجهل المتفشي والفقر بأنواعه. لذا تداركوا العراق قبل أن يصبح بحسب الأرقام القياسية أخطر بلد وأفقرهم فكريًا وطبيًا وعلميًا واجتماعيا!! 
 

29
هل نحن فريسة لتعصب؟

 ظافر نوح
إن إصابة المجتمع بأي مشكلة أو خلل ما، سرعان ما تظهر نتائجه في تكوين بنية ذلك المجتمع، فيصيب الأسرة ثم يتصاعد إلى المؤسسات والتجمعات الأخرى، فيفقد ذلك المجتمع ما تراكم لديه من خبرة عشرة وجيرة وتعاطف بين المذاهب والأديان. وما يتعرض له مجتمعنا العراقي اليوم من مشاكل وموجات عنف أدّى بهذا المجتمع إلى أن يعيش حالة إرباك وقلق وعدم استقرار، وكأنه قد انصهر وفرغت علاقاته وقلوب الناس فيه من المحبة، فرغت عقولهم من القدرة على التفكير في الآخر، أيًا كان: أبا أو أما، أخا أو أختا، صديقا أو جارا، أو حتى الغريب الذي نحتاج إليه ويحتاج إلينا. لقد أصبحنا وكأننا نعيش في حلقة مفرغة داخل حلقة مغلقة، فانزلقنا في التقوقع، وأصبحنا فريسة سهلة للتعصب، وأصبح شكل التعارف في علاقتنا لا يعتمد ما كان عندنا من غنى قيم وأخلاق. بل صارت الأهمية أن نسأل عن إسم عائلة هذا الفرد، قبل السؤال عنه هو وشخصه وشهاداته. أصبح سؤال الإنتماء إلى المذهب أو الطائفة، كأنه يرسّخ انتماءنا نحن، فنعد "الفصل" والإبتعاد هو الأهم. فإذا راجعت طبيبًا هل تسأل عن انتمائه أو عن كفاءته؟ فهذا السؤال يقيّمك أنت وليس هو!
لقد امتازت علاقات في مجتمعنا عبر التاريخ، بقوّة ترابط نسيجها، إذ كان الجميع يعيش دائما لهدف واحد: العراق، فجمع الناس شعور الطيبة والعشرة، كخيوط ربطته، فلم تعرف يوما ضيقًا في الأفق أو تعصبًا أو تفرقة، وإذا ما ارتكب أحدهم خطأ سارع أحد الغيارى "النشامى" يقوّمه معاتبًا عنصريته.
أما اليوم فقد صرنا فريسة التعصّب والتمزق، ويمكن ملاحظة ذلك في أي مفردة من الحياة اليومية: فالشارع لم يعد موضعًا للتبادل الذي يربط حياة الناس، بل مجرّد مكان للسير ليس غير، والبيت تحوّل إلى ما يشبه الفندق الممل، والعمل والمدرسة والوظيفة كلها تحوّلت إلى روتين قاس، والمناسبات الاجتماعية إلى تقليد خاو عادي خالٍ من الفرح. السؤال إذن: كيف نستعيد ما فـُقِد؟ ونؤسس للإستفادة من الدروس؟
أعتقد، قبل كلّ شيء، يجب أن يدرك كل منا أن ما حدث ويحدث هو نتيجة، والنتائج هي تجارب لأي مجتمع، تتوقف الإستفادة منه على قوّة تحليلها ودراستها. أي لن تصبح ذات فائدة إلا إذا صارت مقدّمة لدراسات عملية فيتحقق التوازن، وهذا سيحفـّز على التغيير والعبور إلى مراحل جديدة، لذا ينبغي العودة إلى الأصول وفهم لماذا نحن متنوّعون، لماذا كل هذه الأديان والمذاهب؟ فيستطيع كل واحد أن يقيّم نمط العلاقة التي تربطه بالآخر، ويغربل مفردات تلك العلاقة ويسقط عنها ما هو غريب ودخيل وفاسد.
إن تحويل ما يقال نظريا إلى تطبيق عملي يحتاج إلى نفوس طيبة ونيات صادقة في التعامل. والتسامح قوّة بين أفراد المجتمع الواحد، فالمتسامح يعرف كيف يأخذ المبادرات التي تقتضي قدرا من التفهّم والإصغاء. وعلى كل إنسان، صغير أو كبير، أن يتمكن من أن يكون إنسانا متفهما، ومن هنا في الإمكان القول: لنبدأ بالعائلة، صورة المجتمع الكبير وأنموذجه، وفي هذه الصورة سنجد المعايير المهمة التي يمكن أن تخلق مجتمعًا إنسانيا، فالتسامح في العائلة يتحوّل إلى مبدأ التسامح بين الديانات، التي جاءت لتجعل البشرية عائلة واحدة، في بناء صبور للعلاقات المتبادلة، ولولاها لانعدمت تلك الديانة. فالأديان جاءت لتخدم الناس وليس العكس، وما إن تبدأ تستخدمهم حتى تفسد فتحفر قبرها. فالمعايير التي تتحكم بسلوك الإنسان مع الآخر، وبناء التسامح لديه هو الذي سيرسّخ في نفسه وسائل إصلاح الطبيعة الإنسانية الفاسدة، وسيدفعه ذلك إلى ممارستها إجتماعيا، فالعلاقات ليست مرسومة بالمسطرة، وليست حتمية تتحكم برقاب الناس بالعنف والقوّة، بل هي مرهونة بظروف كل فرد من المجتمع. من هنا قامت القوانين الوضعية، لتُكمل ما لم يرد الدين أن يتعامل معه، فجاءت مختلفة ومخفّفة لسطوة الذين يريدون دينًا واحدًا وزيًا واحدًا ولونا واحدًا وطعامًا واحدًا.
فالنظر إلى ما جرّنا إليه التعصّب بأشكاله سيساعد على فهم أن ما حدث ويحدث سببه صرف النظر عن أرض الواقع. فتبدأ مشاكل صغيرة تنبئ عن عدم وجود تسامح في نفس ذلك الإنسان، وينعكس ذلك في المناهج التي أقرتها له تربيته أو جانب الإيمان الذي رضعه مع الحليب، فيكبر هذا معه، وهكذا نفهم لماذا يجب أن نضع الحصان أمام العربة وليس وراءها. لذا عندما سال بطرس يسوع: "كم مرّة يخطئ إليّ أخي وأغفر له؟" (متى 18/21)، لم يناقشه يسوع ولم يقل: "ماذا فعل وما هي خطيئته بحقك؟" بل قال له "سامحه 70 مرة 7 مرات" - أي أغفر ثمّ ناقش، كي لا يصيبك التعصّب.
منشور في مجلة الفكر المسيحي العدد 426

31
ألا يكفي أنْ يجمعنا الإيمان والوطن؟

ظافر نوح كيخوا

يعيش أبناء شعبنا المسيحي في العراق تحت أحلك الظروف وأعقدها، أدت به إلى أن يصاب بحالة من الذعر والضبابية في رؤية المستقبل، وفي إمكانية بقائه وعيشه هنا في هذه البلاد أو مغادرتها والرحيل عنها بحثا عن الملاذ الآمن.
 ووسط هذه الحيرة والقلق يتساءل أبناء شعبنا المسيحي: هل سيكون هناك في المستقبل القريب عراق جديد مستقر آمن؟ ومنفتح في علاقته مع  نفسه وعلى العالم؟ إن ما نشهده اليوم من أحداث دامية، وانتشار الظواهر المسلحة وتصاعد في مشاهد العنف والقتل والتهجير، كله يدق ناقوس الخطر ليعلن حالة من التمزق والتفكك في لحمة هذا المجتمع، وليظهر لنا منقسما إلى مذاهب وطوائف وكتل، مع تهميش تام لمصلحة الوطن والشعور بالانتماء الوطني والتجذّر الحضاري،  بل آلت الأمور إلى ظهور حالة مرضية هي سيطرة " الأنا المنغلقة" على جوهرها الصحيح، ناهيك ذلك عن التداخل والخلط الحاصل ما بين الدين والسياسة، وما بين الثقافة وغاياتها، وما بين ما يروج باسم الديمقراطية وما يمارس منها على ارض الواقع.
   إن القراءة المعرفية لواقع وحقيقية الماضي المشترك والتراث الغني بكل تنوعاته الأدبية والحضارية. يحتم علينا عدم تجاهل أو تجاوز هذا الإرث المشترك، فهو بمجمله يشكّل عِبَرًا ودروسًا يُستخلص منها الحكمة المتأتية عن التجارب والواقعية الملموسة لتكون أساسا نافعا لحاضرنا المشترك على الرغم من اختلافاتنا وخلافنا، لنصل بذلك إلى صنع مستقبل أفضل.
    لقد قُدر لنا، نحن المسيحيين ، العيش على هذه الأرض ، وأن نكون حلقة وصل ومصدرًا لتواصل الثقافة والحضارة بين الشرق والغرب، ومنبعا لرسالة الإيمان المسيحي الذي أسسه رسل الكنيسة الأولى. فانطلقت من هنا رسالتنا المسيحية وامتدت إلى أقاصي الشرق لتشمل أنحاء العالم، إذ إتصف أسلوب حياتنا المسيحية بفكر وعقلية نابعة من الأنفتاح والواقعية ومنسجما مع المتطلبات والغايات الجوهرية لوجدانية الإنسان والمجتمع، وحققنا أهداف إلالفة الاجتماعية مع الجماعات التي نعيش معها، ونحن نسمى "الأقلية ". وتعاملنا مع هذا الواقع الإنساني بشكل مؤثّر وفاعل، ولم نُصبْ بعقدة الشعور بأننا أقلية، بل العكس كان عيشنا بحسب مفهوم "المواطنة" وبشكلها الشمولي، جعلنا ان نكون شركاء في هذا الوطن. وأن لا نعد انفسنا جماعة أضيفت أو جمعت مع بقية هذا الشعب، من باب الإضافة اوتكميل العدد. إذ إننا ثمرة لولادة أصلية وأصحاب حضارة على هذه الأرض.
   إن ما حققنا في بلدنا ليس بالقليل بل أنجزنا الكثير وأبدعنا في كل المجالات، وما زالت حتى اليوم شخوصنا شاهدعلى ذلك. كما قد تحملنا وتجاوزنا كل المعوقات وتفاعلنا وتداخلنا مع مجريات الاحداث التي مرت على  بلدنا، ولم نبتعد أو ننغلق على أنفسنا، بل بالعكس انفتحنا على الآخرين ونحن ننطلق من مسار تاريخنا، كوننا  مشاركين فاعلين في كل ما يواجه وطننا في السراء والضراء، وكان يدفعنا حبنا للوطن الى التمسك بوجودنا على هذه الأرض . وهكذا جمعنا اسم العراق الواحد كما جمعتنا الحالة الاجتماعية بنسيج من العلاقات الطيبة مع كافة شرائح ومكونات المجتمع. لقد جمعنا الإيمان بالله الواحد ووطن واحد . وهنا أجيب عن سؤال اثار حيرتي كثيرًا وهو: ألا يكفي أن يجمعنا الإيمان والوطن على هذه الارض؟!

32
لنراجع ذواتنا
من اجل بلدنا والعام الجديد
[/color]

ظافر نوح كيخوا
 
 عام مضى وعام بدأ والعالم كله غارق في الحزن والتشتت والضياع، لكن يبقى الأمل والرجاء علامة لبداية الطريق في السنة الجديدة، وهنا يعي المرء أكثر من أي وقت مضى إنه يعيش بالتقسيط وإنه لايملك لرد على هذه الحقيقة،سوى بالتمنيات، لأن حياته ليست سوى زحف بطيء وإرغامي نحو النهاية، وعلى ضوء هذا الوعي يمارس البعض مراجعة ذاتية، على غرار مايقوم به أصحاب المؤسسات والشركات المالية بجرد مالي لحسابات العام الماضي في مطلع كل عام، فلماذا إذن لا يقوم كل إنسان بجردة إنسانية؟،محاولا فيها تحديد موقعه من الآخرين ومن حقيقة وجوده، فيراجع دفاتر ذكرياته وحساباته للأعوام الماضية، إن ما حدث في السنوات المنصرمة لنا ولبلادنا يستحق أن نتطلع بجدية في العام المقبل إلى تحقيق السلام والاستقرار وانتهاء العنف.
   إن بداية العام الجديد هو صوتًا يقرع في كل عام كي يعي من خلاله الإنسان خيبات عمره وماضيه وتستيقظ مخاوفه من المستقبل، فتنتابه حالة من الفزع والرهبة بما سيحمله له المجهول من العام المقبل، وتمتزج في داخله المشاعر كلها لتعبر عن ذاتها في مشهدًا يختلط فيه الحزن والفرح، والملفت لنظر هنا هو  إن أمنيات العام المقبل باتت نوعا من الاحتجاج على سوء الأوضاع التي يتخبط فيها العالم بأسره والافتقار إلى العدالة الاجتماعية، وتحقيق متطلبات البنية التحتية.لذا تتمثل السنة الجديدة في بلدنا العراق في صرخة احتجاج عالية من كل أطياف الشعب تجاه مايعاني من العنف والقتل والتهجير، إذ أصبحت الصورة المألوفة عندنا هي المآسي والأحزان وفقدان الأمان فماذا يقولون العراقيون في نهاية السنة 2006 ؟التي تنتهي ولا تنتهي أحزانهم ومآسيهم وماذا يتوقعون من السنة الجديدة 2007،؟ أكيد إنهم يجمعون على أمنية واحدة ورجاء واحد في أن يتحقق السلام والاستقرار والذي طال انتظاره، وإنهم يتمنون أن يعيشوا في وطن لا موت فيه ولا قتل ولا دمار وكل أمنيتهم هي أن ينعموا بالأمان وأن يزاح الخوف عن أطفالهم الذين بات العنف يهددهم ويكاد يفتك بهم. لقد أصبحت مسألة العنف التي اجتاحت بلدنا وكما يصور لها عبر وسائل الإعلام المختلفة على إنها كاللغز الذي يحيرنا ونجهل أسبابه وخلفياته فتعودنا أن نسمع عن أغلب الحوادث وقد قام بها "مجهولون الهوية"، وهنا يزداد الموضوع غموضًا أكثر، ليحتم علينا بعد أن نفكك لغز العنف معرفة من هم المجهولون وهذا ما جعلنا نعيش في دوامة وضبابية، ونبقى بعيدين عن معرفة وإدراك الواقع وعاجزين عن التعامل مع التخطيط والاختيار الصحيح ورؤية المستقبل وحدوده، وأن نستسلم إلى الانتظار والصبر أو نتحايل على أنفسنا ونمتثل إلى الواقع كالضعفاء والواضح إن كل ذلك لا يرضي إلا الأعداء وأن نغرق في حلقات مفرغة، فنتفكك وننقسم حتى على أنفسنا وينعدم التميز بين علامات السؤال والتعجب فنتعجب من كل شيء حتى من السؤال. إن مناسبة عيد الميلاد والسنة الجديدة هي محطة تعيد إلى قدرنا ووجودنا نبض الحياة والفاعلية والتجدد وتدفعنا إلى التخطي بنبض الإبداع الحقيقي.
    إننا إلى هذه الساعة نعد أنفسنا أسرى وضحايا للأقدار والتكتيكات والاستراتيجيات والمرحليات في ميدان العمل السياسي، وكأننا أرض مشاعة للاعبين ويبدو أن من ضمن شروط اللعبة وأهدافها ومظاهرها، هو الحصول على أكثر ما يمكن من الحصص، وكأن كل واحد منا يتمتع برؤية خاصة حول حقوقه وواجباته تجاه هذا الوطن، لذا ترانا متجزئين حتى حول مصيرنا ووجودنا ولا نعمل او نفكر من أجل أن نسمو كلنا كشعب واحد ووطن واحد هو العراق أولا. إن الواقع الذي نعيشه يوحي إلى توقعات قد لا تبشر بالخير مادامت رؤيتنا ضيقة وتزحف زحفا،لاننا نقوم بتقسيم الوطن كحصص وكأنه إرث وتركة، لذا اسمحوا لي حتى لا أجف في الحزن، أن أتمنى ولادة تحديا يتخطى الرؤى الضيقة والمطامح القليلة والأنانيات ورب قائل يقول فيما أقوله إني مصاب بأحلام أفلاطونية، ولكن لما لا فالعالم كله سائر اليوم نحو الدمار، وقد انحرف عن محور حقيقة الإنسان الحر والذي هو أساس الحياة، ولكنه شذّ عن القيم الإنسانية للحياة الحرة الكريمة التي تحفظ للإنسانية جوهرها وحقيقتها وجمالها، فلتكف يد العنف وتبدأ يد البناء والأعمار،وان أحوج ما يحتاجه بلدنا العراق اليوم هو محبة العراقيين له، لأني أرى إن حبهم له مصابًا بالجمود والجفاف..وكل عام والعراق بألف خير     .   [/b] [/font] [/size]

33
على مستوى العلاقات بين الاديان
[/b][/color]


يواجه الإنسان في عالم اليوم تحدّيات كبرى، وفي جميع قطاعات الحياة، فهل من حاجة إلى أن نعيد ونكرّر ما نسمع ونقرأ ونشاهد كل يوم: من العنف المستشري والمجاعات والتشرد والهجرة المؤلمة وغير ذلك؟ وهل يستطيع فردٌ سويّ أن يتغاضى عن هذه الأمور؟!.
يقول الكثيرون إن أهم تحديات عالم اليوم هي (العولمة) الزاحفة من دول النصف الشمالي من الكرة الأرضيّة إلى دول الجنوب، فارضةً عليها قسرًا نظامها وفلسفتها وسياستها وثقافتها وإعلامها وقيمها.
ويمكن تحييد عمر هذه التحديات والتحوّلات في بروز نظام عالمي، لم يسبق له مثيل، بدءًا من انهيار الإتحاد السوفيتي في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وهو ما أدى   إلى تحوّل كبير في توازن العالم من تقسيم سائد     قبلئذٍ حول قُطبين، إلى نظام قطب واحد. وأحدث هذا خللا في جميع حسابات التوازن التي كانت قائمة، فهي وإن سُمّيت بـ "التوازن المرعب"، لكنها لم تكن سوى حرب باردة.
أما المرحلة اللاحقة، أي مرحلة القطب الواحد، فقد بدأت "تسحب البساط نحو القطب القوي، فتخطط لتأمين وتعزيز مصالح هذا القطب القوي والأوحد، وهذه المصالح نادرًا ما تلتقي مع مصالح وأهداف ما كان يسمى بشعوب العالم الثالث.
 أما ما يخص بروز دور الأديان، فذلك جزء من التحديات والتيارات وتفشّي البِدع وسريان انحلال غير منضبط وتوغّل في الإغتراب والضياع وظهور تيارات أصولية ومذهبية وطائفيّة من كل الأنواع ومن كل حدب وصوب. فهنا سُخّرت الديانات في المشاريع السياسية، ودفعت بانفعال في اتجاه يعكس ردّة الفعل السلبية، وكتعبير عن انعدام الأفُق الجليّ الآمن وكشف للإحباطات المتراكمة في هذه البلاد التي فقدت إرادتها.
إن استخدام الديانات الرسميّة وبتشجيع من كبار الرؤساء العلمانيين في فترة التحديات التي نواجهها اليوم أمر، خطير إذ سرعان ما ظهر عجزها وعدم قابليتها في المسائل السياسيّة، إذ ليس الأمر في مواكبة العصر، وتقدم العلوم والتحولات الاجتماعية، فمسار الديانات خاص لا يمكنه أن يستسلم بسهولة إلى هذه الآنيّة التي دخل فيها عالمنا، إذ أصبح "قرية إلكترونية صغيرة"، وإن بدا أن ذلك أصاب بتأثيره في الأديان، إلا أن نتائج ما يحدث من تحولات وإنفتاح لا يمكن أن يقرأ حالا وبسرعة عمر الفرد الواحد، فالأديان بطيئة في مسارها حكيمة في جوابها، لأنها تعلّمت من التاريخ وعِبَره ما لم تتعلّمه بقية المؤسسات البشرية.
هل هذا يعني أن الأديان تسلك مسلك التغاضي عما يجري حولنا وفينا؟ فلا يهمها أمر عالمنا المتخبط المضطرب؟
كلا، إذ يمكن القول إن الأديان تحاول أن تحلّق فوق الغابة كالنسر، لئلا تصطدم بالأشجار، فهي تميل إلى الأناة للتأمل في القضايا المشروعة للشعوب، إلا أن أصحاب كل ديانة يقفون أمام جميع قضايا الشعوب التي عانت في الماضي من مشاكل كبيرة، لأنها لم تتأسس على الحق والعدل والسلام، برغم مناداة الأديان بذلك.
إننا اليوم نقف كمؤمنين إخوة في إيمان واحد من حيث الجوهر والروحانيّة والإنسانيّة، ومهما اختلفت المسافات بيننا وتباينت أشكال الثقافات والمعطيات والمعتقدات الجانبيّة التي تعبّر عن أدياننا، إلا أن الأساس الأول الجوهري والمهم واحد: إبراهيم. إذ هو الذي دفعه الإيمان نحو المستقبل من أجل بناء غد أفضل. فموضوع المواجهة أو الهرب لا ينبغي أن يكون دافعه الهواجس والمخاوف، ولا التجاهل والإستبعاد والإلغاء، فهذه كلها أرتنا وترينا كل يوم ما أصابنا من جرائها. فحريّ بالجميع أن يتساءلوا الآن: إلى أين ستوصلنا في المستقبل هذه الهواجس والمخاوف، وهذا الجنوح إلى التجاهل والتنافر والإقصاء وتخطئة الآخر وإملاء إرادة وأفكار وتنظيرات طرف معين على طرف آخر؟
من هنا على كل ديانة أن تحصّن نفسها من الداخل، لا أن تتحصّن ضد أحد، آخذه بنظر الإعتبار حرّية الضمير والمعتقد من دون عنف وقهر كما نصّت عليه كتب التوحيد بلا استثناء. فالاختلافات الجانبية في الأديان الكتابية لا تعني النظرة الدونية إلى المخالِف، ولا كرهه ولا احتكار كل الحقيقة الإيمانية لدى دين أو مذهب واحد. فخصوصيات وميزات كل طرف ديني حق مشروع أقرّته العقائد الدينية نفسها والسنن الوضعية المدنية، وتجاوزه أو امتهانه يُعَد تجاوزًا على ذلك الحق المشروع.

34
كي لا يُصبح إعلامنا المسيحي صامتًا

ظافر نوح كيخوا
كاتب وإعلامي
 
     نتيجة للإحداث والظروف التي يمر بها بلدنا، والتحولات السريعة التي تشهدها ساحتنا الثقافية والإعلامية، يواجه الإعلام المسيحي بأنواعه المقروء و المرئي والمسموع، حالة من الحيرة والترقب، حتى أصبح من الصعب تحديد إطار وهوية هذا الأعلام، ليثبت ويميز صفته ودوره، إزاء واقع الإنقسامات والحزازات التي برزت مؤخرا وبشكل واضح، وبخاصة في الفترة التي سبقت الإنتخابات، والتي كان الخاسر الوحيد فيها هو "مواطننا المسيحي"، وذلك لشدة الضبابية وحيرة التساؤلات التي أصابته، فبدأ يبحث عن الجواب: من ننتخب؟ وأي قائمة نختار؟ ومن نحن الآن يا ترى وماذا كنا في الاصل؟. ووسط كل ذلك كانت هناك أصوات تنادي أنها الأصل والحقيقة، فازدادت الحيرة مع التزام الرئاسات الكنسية الصمت وعدم تحريك الساكن، فهي لم تردّ. على هذا التساؤلات، وكأن الأمر لا يعنيها، بينما كنا نرى فيها فرصة ً للدفع والتحريك إلى التقارب الأخوي و المسكوني، وتوضيح الخلط الحاصل في تحديد الهوية القومية وفصلها عن الدين، وخصوصا من حيث التسميات وواقع أسلوب التعامل معها. فصرنا في عزلة وأصابنا التعب والملل من البحث عن الحقيقية في التاريخ والجذور.
   إن دور إعلامنا المسيحي في العراق، الذي نتقبله ونتفاعل معه، مع انه ليس في المستوى الذي يتلاءم وواقعنا، فهو يختلف كثيرا عن تطلعات وشكل أنموذج الإعلام المطلوب، وذلك بسب نوعية وأساليب عمله وأهدافه وخصوصياته، إذا اتخذت بعض وسائل إلاعلام من الصحف والمجلات والقنوات الفضائية، التسمية الدينية والقومية صفة لها، مما ولدّ " تحسسًا" بصعوبة التعامل معها ، وهذا ما يلغي صفة المواطنة والإنفتاح، ويدفع بنا إلى الدخول في قنوات ودهاليز ضيقة تلغي احترام اختلاف وتنوع  الخصوصيات عند الآخر، مما يشكل في النتيجة إعلاما ناطقا بلسان حال طائفة أو حزب أو كتلة معينة، وهذا ما سيؤول به الأمر إلى زاوية ضيقة من الفئوية والطائفية، بينما كان من الأفضل أن تتصف وسائل إعلامنا الدينية والسياسية بطابع الإعلام العام والشمولي، وزيادة الوعي وسعة الصدر، وأن لا يكون إعلامًا طائفيًا، كما ظهر في الآونة الأخيرة، من صدور صحف لبعض الأحزاب والحركات، شددت على قومية معينة وتجاهلت وجود شرائح متنوعة وواسعة اخرى من المسيحيين،حيث كان الهدف منها هو التوجيه القومي والسياسي فقط.
 لا نستطيع التكهن بما سيؤول إليه مستقبل إعلامنا المسيحي، من تواصل وديمومة وتحقيق الهدف، وهل سيفلح أم لا؟  إذ لا يخفى اليوم على أحد ما يحدث لنا من التبعثر والتفكك وسط صمت الرئاسات الكنيسة وضبابية سياسيي الأحزاب الجديدة، والأخرى ذات التاريخ والنضال السياسي الطويل، فأصبح إعلامنا أشبه بنشر الغسيل أمام الأنظار. كما أنه لولا غياب العديد من المثقفين والكتاب والمحللين من الساحة الثقافية، لاستفدنا من إسهاماتهم ومشاركتهم في التفكير الهادئ وبدون انفعالات ومخاطبة العقل ونشر التوعية بالمقالات المنهجية وذات الإبعاد المستقبلية، لصالح ما يجمع شملنا ويوحد شعبنا، ونتجاوز المحن، ونطوي صفحة الماضي بكل ملابساته وضغوطاته، والنظر بالعين المنفتحة إلى الأمور وبدون التشديد على من سيخضع لمن، هذا أو ذاك، فبروح المصالحة والرغبة في البدء من جديد، نبدأ، بدلاً من الاحتجاب خلف مبررات لا تنفع ولا تجدي، والقيام بمراجعة الذات وإعطاء الفرصة للآخرين بتقديم ما هو مبدع ليخدم شعبنا، وأن تكون نبرة فضائياتنا الموجودة الآن على الساحة نبرة تتجاوز من خلالها الانقسامات بين مختلف الطوائف، وكي لا نلاحظ  وجود مشاهدين متعصبين لهذه القناة أو تلك وكلاهما يمثلان شعبًا مسيحيًا واحدًا وبلغة واحدة مع تباين في اللهجات، وهي تنتمي كلها إلى أصل آرامي واحد، في حين لا يميّز هذا المشاهد بين مئات القنوات الأخرى الموجودة، بالرغم من حدة اختلافها. وذلك لأنها لا تتعلق أو تتدخل في الشؤون الإثنية والقومية والطائفية فنتساءل، أين سنصل من جراء كل هذا؟
    إن ما يتعرض له شعبنا العراقي بالكامل ولاسيّما المسيحيين من التنكيل والتهديد وما يقاسونه في الهجرة، وجر شعبنا المسيحي إلى المزيد من التشرذم بدلا من مساعدته ومساندته في البحث عما يشد أزره في مواجهة التحديات، وحتى لا يصبح إعلامنا صامتًا، وأن لا يشعر شعبنا أنه في عزلة وليس هناك كنيسة تدافع عنه كواحد من رعاياها. وبدون وجود  تمثيل سياسي حقيقي يطالب بحقوقه. ومن أجل كلّ هذا، فإن واقع حالنا يتطلب منا قيام انتفاضة، بقرار من الجميع وبمطالبة المثقفين والواعين و الغيارى، أن يقام تجمع أو مؤتمر يجمع كل رئاسات الكنيسة العراقية، لإصدر بيان مشترك شامل على أساس أن المسيح أحب أن تكون كنيسته واحدة، وأن يُعقد مؤتمر يجمع رجال السياسة والأحزاب المسيحية برغم كل الخلافات بينهم وبروح ديمقراطية ليثبتوا لأنفسهم أولاً ولشعبنا ثانيا أنهم حريصون على تحقيق الحقوق لشعبنا المسيحي، وفي هذا الإطار ستُجرى مساعٍ حثيثةٍ للانخراط في المشروع الوطني الكبير وبعيدًا عن كل الانقسامات، والتوجه نحو هدف واحد. وهذا ما سيُسهم ويتم التعبير عنه في إعلامنا المكتوب والمرئي لتكون غايته الوحدة والانفتاح بين أبناء شعبنا المسيحي. وبذا سيظهر إعلامنا المسيحي بكل وسائله بشكل حقيقي يرسّخ ويستقطب المتفاعلين من الخيريين المتطلعين نحو آفاق مستقبلية لخير الجميع .

نقلا عن كاتب المقالة
الأب إيهاب نافع البورزان
بغداد 22/7/2006 [/b] [/size] [/font] 

صفحات: [1]