عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - أيوب عيسى أوغنا

صفحات: [1]
4
من أشخاص أئروا في حياتي , أخي الشماس جورج أوغنا (أخوني كوركيس كما كنا نسميه في العراق)

تعود أول ذكرى لي عن رؤية أخي جورج , عندما كنت في عمر ربما عمر 6 أو7 , في قلعة كركوك حين جاء الى البيت بصحبة والدي وهو في ملابس الرهبان بعد أن قرر ترك الرهبنة قبل سيامته كراهب وبدأ حياة مدنية , لأنه كان قد ألتحق منذ صغره وهو في المدرسة الأبتدائية في عنكاوة بالسيمينيرفي أحد الأديرة للآباء الدومينيكان اليسوعيين , خارج الموصل , ليصبح راهبا في الكنيسة , لأن العوائل العنكاوية كانت تفتخر بوجود رجال دين في عوائلها وحتى في النسب كانت العوائل وبكل فخر يتم ذكر أسم القس وليس أسم العائلة للتعرف بها . ونظرا لوجوده في مدرسة داخلية ربما لم تسمح له بالمجيء الى عنكاوة كثيرا والى كركوك نادرا , وكانت هي المرة الأولى التي أنا أتذكرها . ونظرا لكون والدي المعول الوحيد للعائلة براتب بسيط وعائلة كبيرة , بالرغم من قيام والدتي بتعلم الخياطة على مكينة سينجر الألمانية اليدوية , لذا فأن أخي بقى في ملابس السمينير لعدة أشهر حتى بعد أن ألتحق في عمل في مخزن الأوروزديباك ( الفرنسية) في العرفة ( كركوك الجديدة) , وأتذكر رؤية والدي وكان على الدوام بملابسه التقليدية و كان يحتفظ بشدة الرأس حتى مع ملابس العمل في شركة نفط العراق ,  وكان من القلائل بملابس كردية في قلعة كركوك , لذا كان يمكن رؤيته من بعيد بين الحشود وهي تصعد مدرجات القلعة , ولكن الشخص الذي كان معه ذلك اليوم لم أتمكن من التعرف أليه في البداية لأنه كان بملابس مدنية ( قاط بالجاكيت و البنطرون) وربما تم دفع ثمنها من أول راتب له من متجر أوروزديباك وهكذا بدأ أخي جورج الآن حياة مدنية بكل معنى الكلمة وخلع عنه ملابس الرهبنة . لذا بدا غريبا حتى لنفسه , بتلك الملابس لأول وهلة , لأنني تعودت على رؤيته بالملابس الكهنوتية. وبعد ذلك أنتقلنا الى بيت في شاطرلو محلة بكلار , ونظرا لعدم حصوله على شهادة مدرسية حكومية , تم ألحاقة بالجيش كجندي حيث لم نتمكن من دفع البدل لأعفاؤه من الخدمة , ولكن كونه الأبن البكر الأكبر عمرا تم أعتباره معيل العائلة , فتم تقليص فترة الخدمة الى 3 أشهر , وبدفع برطيل ( رشوة) ربما بعض الدراهم للعريف فكان يسمح له بالغياب و خاصة أنه كان لايزال يعمل في المعرض نفسه  الى أن  أنقضت فترة الجندية وتم تسريحه من الجيش و العودة الى الحياة المدنية .
ونظرا لأجادته اللغة الفرنسية تمكن أيضا من الحصول على وظيفة في شركة فرنسية دربندخان تعمل في بناء سد دوكان و كنا في تلك الفترة أنتقلنا الى بيوت العرفة , وكانت وظيفته مدير المشتريات و خاصة مواد غذائية لعمال الشركة , وكان يأتي الى كركوك ويزورنا ربما مرة كل أسبوع مع سائق بسيارة الشركة و يقوم بشراء تلك الحاجيات . وبعد ذلك حصل على عمل كمديرأداري لشركة فرنسية في الموصل , وأنتهزت فرصة ذهاب أختي أليشوا مع زوجها يوسف بهنام كوندا لقضاء شهر العسل في الموصل , ودخلت سيارة الأجرة بدون أستأذانهم في عنكاوة , بحجة زيارة أخي في الموصل , وهكذا تمكنت من رؤية المدينة و البقاء مع أخي جورج في شقته و بعد عدة أسابيع قضيتها في التجول بالدراجة الهوائية التابعة للشركة في جميع أنحاء المدينة الجميلة وخاصة رؤية نهر دجلة والجسر الحديدي وكنت أتعجب من مهارة الأطفال وهم يقفزون من الجسر الى النهر. وكانت هذه أول وآخر زيارة للمدينة  ولولاه لما تمكنت من رؤيتها في أوج عظمتها .
وعندما أنتقلنا من العرفة الى بيت في شارع ألماس بعد أن ترك والدي الخدمة في شركة نفط العراق بعد 20 سنة تمكنا من شراء البيت من المبلغ كمستحقاته من الشركة , وكان أخي جورج يعمل حينها في شركة بلجيكية لبناء محطة لتوليد الكهرباء في الدبس (نمرة 8) وكان قد أشترى أول سيارة كان يذهب بها للعمل , ويبدو أنه تمكن من تعلم السياقة في سفراته عندما كان يعمل في درندخان وحصل على أجازة السياقة , والتي أنتقلنا أليها بعد زواجه من  فتاة أحلامه تسمى جميلة من زاخو , والتي سبق وأن تعرف عليها في دربندخان / أثناء عمله في تلك الشركة , وكانت بزيارة أختها راحيل زوجة صديقه العزيز شوكت منذ أيام السيمينير ويعمل معه في الشركة الفرنسية . وكانت جميلة أسم على مسمى , وكانت تشبه الممثلة الأمريكية  روندا فليمينج بشعرها الأحمر الذي ورثته من والدها حنا كوبل ( ولقب بهذا اللقب لأنه كان عريف في الجيش العراقي قي زاخو ) . وبعد حصول أخي جورج  على عمل في السفارة الهولندية ببغداد , أنتقلنا الى هناك , حيث كان يعمل فيها أخواني دنحا و حبيب أيضا , وألتحقت في الصف الخامس ( البكالوريا) في الأعدادية الشرقية حيث حصلت على معدل 87% وحصولي على البعثة الدراسية من الحكومة العراقية سنة 1962 لدراسة الهندسة المعمارية في بريطانيا في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم ( رحمه الله) . وطيلة جميع المراحل المذكورة أعلاه , كانت لأخي جورج تأثيرا مباشرا لتفوقي في الدراسة , حيث كان مهتما بدراستي طيلة تلك الفترة وخاصة في مرحلة الثانوية و الأعدادية , ليس فقط معنويا وأنما ماديا لأنه كان يعمل في وظائف مهمة و براتب عالي , تمكنه من تحمل معظم مصروفات البيت , ومصروفات دراستي بصورة خاصة وكان هو الذي أقترح علينا الأنتقال الى بغداد لكي أتمكن من الدراسة فيها للحصول على معدل عالي  لذا كان له الفضل في أتاحة تلك الفرصة للتعليم الجيد في بغداد حيث كان التدريس من قبل مدرسين أكفاء نسبة الى أمثالهم في كركوك . وكانت الأعدادية الشرقية مشهورة بمستوى التدريس فيها كالأعدادية المركزية في بغداد .
أثناء عمله في السفارة الفرنسية في بغداد لسنوات عديدة , كان أيضا مسؤولا عن تعليم اللغة الفرنسية في معهد تابع للسفارة لمن يرغب فيها وخاصة الشباب , وكان المعهد سنويا يقوم بتنظيم سفرة لمدة أسبوعين في فرنسا للطلاب المتفوقين ( شبان وشابات) وكان أخي جورج يرافقهم للسهر على راحتهم و سلامتهم , وفي عدة مرات كان ينتهز الفرصة للمجيء بالقطار الى بريطانيا لزيارتي سواء في لندن أو ليفربول . حتى أنني سافرت مرة واحدة الى باريس وتمكنت من مرافقة الفرقة لزيارة معالم باريس معهم .
لقد كان له تأثير كبير علي منذ سنوات المراهقة ونصائحه لي بلأبتعاد عن التورط في علاقات غرامية مع الجنس اللطيف لأن ذلك سيؤثر على تحصيلي العلمي وتفوقي في الأمتحانات , وصفاء ذهني لتلقي وفهم شرح المعلمين للمناهج  الدراسية وتجنب ضرب الدالغات أثناؤها بغياب التركيز , وأيضا عدم التورط في الأمور السياسية وخاصة الأفكار الماركسية و الشيوعية التي بدأ الشباب بممارستها بعد السنوات التي تلت ثورة 14 تموز 1958, بتأثير الأحزاب اليسارية وخاصة الحزب الشيوعي , وكان يجادل ضد تلك العقائد بحكمة و دراية مع عدد من هؤلاء الشباب العنكاوي أثناء زيارتهم لنا سواء في كركوك أو بغداد , وتعلمت منه حقائق الأمور لما يجري في الدول الأشتراكية و خاصة الأتحاد السوفيتي , من قمع للحريات الشخصية والدينية وفرض نظام دكتاتوري توليتاري يسلب شخصية الأفراد ويجعلهم كالعبيد مسيرين وتابعين لا مخيرين . لذا كنت بعيدا عن تلك الأفكار والفعايات ولم أنتمي لأي حزب, لذا كان هدفي الوحيد التحصيل العلمي و التفوق في الأمتحانات و خاصة في الصف الخامس الأعدادي في أمتحانات البكالوريا للحصول على بعثة حكومية , وهذا ما حصل و هذا كان لأخي جورج الفضل فيه ليس فقط من النواحي المعنوية وأنما المادية أيضا وخاصة وأن والدي خسر معظم ما حصله من تعويض خدماته من شركة النفط , في مشروع صناعي فاشل مع أحد العنكاويين !!..وأخي جورج الله يطول غي عمره قد تخطى سن 90 من العمر ويعيش مع عائلته في ديترويت في الولايات المتحدة الأمريكية , بعد أن أضطر للهجرة للتخلص من النظام القمعي لصدام حسين , بالرغم من أنه لم يكن سياسيا و لم ينتمي في حياته لأي حزب سياسي , ربما بسبب عمله في عدة سفارات أجنبية وخاصة السفارة الفرنسية في بغداد . و هو شماس رسمي في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية , وله مؤلفات عديدة ودواوين شعر باللغة السريانية / الكلدانية , وأيضا ألف عدة كتب باللغة العربية وخاصة في الترجمة من اللغة الفرنسية . وفي شهر فبراير 2018 فارقت الحياة زوجته جميلة ( رحمها الله) بعد صراع مع مرض عضال , وتلقيت نبأ رحيلها عندما كنت في ملبورن أستراليا مع أبنتي وارينا لألتحاقها بجامعة موناش , وحضرنا مع خالي قرداغ حنا ككو وأبناؤه  وعائلاتهم مراسيم التعزية التي أقامها أخيها فريد وأخته فكتوريا في كنيسة القديس ماركوركيس , وما لفت نظري الأعداد الغفيرة من الزاخونيين الذين ملآوه 4 قاعات بأكملها في الكنيسة لحضور التعزية و لم أتصور هذا العدد منهم في أستراليا , وربما جاء الكثير منهم من مدن أخرى , ومعروف عن أهل زاخو ألتزامهم بحضور هكذا مناسبات سواء الزواج أو التعزية أينما حلوا , وهذا يدل على أصالتهم و تقاليدهم العريقة .
 وفقد أخي جورج شريكة حياته بعد زواج سعيد دام أكثر من 50 سنة , ولهم 4 أبناء ( جنان وغسان و جهان ونشوان و2 من البنات باتريسيا و حنان ) , وجميعهم متزوجين ويعيش معززا ومكرما بين أبناؤه وأحفاده , وآخر زيارة له في ديترويت, بعد عدة أشهر من الحدث الجلل , لأعزيه بوفاة زوجته العزيزة في بيت أبنته حنان في ديتروت , أما أبنته باتريسيا والوحيدة خارج أمريكا فتعبش مع عائلتها في فيينا النمسا , وكان على عهده نشطا يمارس رياضة المشي , وينهض مبكرا , حتى أنه كان يقوم بأعداد الفطور لي وله وينتظر نهوضي المتأخر من النوم , بعد ذهاب أبنته الى العمل .
شكرا أخي جورج لهذا السجل الحافل بالمنجزات وبلأحداث و لكل ما قدمته لنا من تضحيات وخدماتك لم تقتصر للأقربين من عائلتك وأنما على عدد من الشباب وحتى الشياب العنكاوي , حيث كنت توفر لهم فرص العمل في حلك وترحالك في العديد من الشركات وفي العديد من الأماكن التي شغلت فيها مناصب أدارية هامة ومنها دربندخان و الموصل و دبس (نمرة 8) و بغداد أيضا , ونطلب من الله أن يطول في عمرك و ينعم عليك الصحة و السعادة التي أنت آهل لها !!..
المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان
 
     
 

5
نعم وألف نعم ستنقرض قوميتنا بأنقراض لغتنا الأم !!..
شخصيا لم أكن مرتاح نفسيا عندما كنت متزوج من أنكليزية , وأنا أتحدث مع أبنائي في البيت بلأنكليزية , لأن الأم هي من تتكلم بلغتها مع الأطفال منذ ولادتهم وكان هذا أحدى أسباب الطلاق
وقررت الزواج من عنكاوية من عنكاوة و أشعر بأرتياح نفسي للتكلم بالسورث مع بناتي وزوجتي
وعندما رافقت أبنتي وارينا الى أستراليا لتلتحق بجامعة موناش في ملبورن و تعجب من دعانا الى بيته من العنكاويين , من بلاغة وارينا وكانت تبهرهم بمصطلحات وأمثلة فولكلورية وخاصة كبار السن ,
,بينما ابناؤهم وبناتهم ربما كانوا يفهمون شيئا منها بالكاد
وبعد عدة عقود سيختفي من هم كبار السن ولايبقى في البيت من يتحدث بالسورث , والمشكلة أن كبار السن يحاولون تعلم اللغات الأجنبية بالتحدث مع الصغار لأدارة أمورهم اليومية في دول المهجر
وكلنا نحن الى عنكاوة القديمة , والتي لم يبقى منها شيئا !!.. , وأصبحت ناحية تابعة لأربيل , وخسرت عنكاوة كلدانيتها ( وعنكاوة تفتخر بوجود مسيحيين من مذاهب أخرى بينهم, وخاصة الآثوريين) وربما أصبح عدد نفوس الأجانب أكثر من سكانها الأصليين و بعد ان قام العديد من ضعاف النفوس ببيع أراضيهم وبيوتهم للأجانب طمعا بالحصول على مبلغ أعالى طلبا للهجرة بدون رجعة ( ربما مرة بالسنة) , هكذا نحن الآن نتحاور بالعربية وكم منا يكتب ويقرأ لغة الأم ؟؟
كلنا مسؤولون عن الأنقراضللغة آباؤنا وأجدادنا , على الأقل نحاول التكلم بها في البيت , هكذا تمكن الآرمن من الحفاظ على لغتهم و أيضا اليهود في دول المهجر , لقد كان لي صديق أرمني لايتكلم مع أبناؤه ألا بلأرمنية بينما كانت زوجته الأنكليزية تتكلم معهم بلأنكليزية فقط , فأصبحوا مزدوجي اللغة منذ صغرهم لأن التعلم في عمر الطفولة أسهل كثيرا , ولذا تدريس لغة الأم لكبار السن أو الشباب فيها صعوبة لو لم يكن هنالك الفرصة للتمرين في المحادثة بها وخاصة في البيت .

6
من أشخاص أثروا في حياتي عمي صليوا (بيو) مروكي أوغنا

 

المرحوم عمي صليوا و المرحومة زوجته ودردية
أرجع بالذاكرة لسن الطفولة ( ربما 4 سنوات ) عندما أنقذ عمي صليوا حياتي . كنا نعيش في قلعة كركوك حيث كانت أولى ذكريات الطفولة , في غرفة واحدة مؤجرة في البيت الذي كنا نسميه بيثد (بيت) لطيفة المكون من طابق واحد بثلاث غرف وساحة فناء ومرحاض وغرفة صغيرة كحمام , , وكانت والدتي تحتفظ بتنكة في الغرفة ( خزان معدني ) مليئ بالنفط ( الذي يستعمل في فانوس الأضاؤة و أيضا للطبخ في موقد البريموس ) , وكان للتنكة يدة ( بوري/ حنفية) لأنبوب يستعمل كبمب بحركة أعلى وأسفل , وكطفل بدأت أقلد والدتي في العملية و ربما تكرر ذلك لمرات عديدة دون أن أشعر بأن أصبحت دشداشتي مبتلة بالنفط , ودون أن يشعر أحد بها, وأصبحت كالقنبلة الموقوتة تحتاج لشرارة , ألا أن بدأت أشكو من الطفح الجلدي على جسمي , نظرا لأن ريحة النفط تعود الجميع على شمها في الغرفة , ولكن من حسن الحظ مجيء عمي صليوا ( الذي كنا نسميه أخوني صليوا محبة له وهو الأخ الوحيد لوالدي) , حيث كان يقوم بزيارتنا عندما كان في طريقه من عنكاوة الى بغداد , حيث كان يدرس في مدرسة الزراعة , وأتذكر شدة الألم , ولكن بقية التفاصيل سمعتها , بأنه أسرع الى وضعي تحت الحنفية الوحيدة في ساحة البيت , وكان له صديق له سيارة , وتمكنوا من أخذي الى مستشفى كيوان ( ك1) حيث كان العنكاوي أبلحد كوندا يعمل كممرض فيها , وتم تضميد جراحي و رجوعي سالما الى البيت , وهكذا أنقذ حياتي وربما حياة الآخرين نتيجة منع أنفجاري وأحراق الغرفة ومن فيها. ولكن أخي فؤاد , الأصغر مني ربما بسنتين , لم ينجو من حادثة أخرى قبل هذه الحادثة وهو طفل بعمر 10 أو11 أشهر يزحف لايقدر على المشي , نتيجة محاولته أيضا تقليد والدتي في عملية بمب البريموس عند أشعالها , مما أدى الى أنسكاب الكتلي المملوء بالماء المغلي و القوري الشاي عليه ونظرا لأنه كان جالس في بقعة منخفضة تجمع فيها الماء المغلي دون أن يتمكن من الحركة وأحترق جلده نتيجة لذلك , وأنا كنت الشاهد الوحيد بعمر (3) سنوات , وأتذكر ذلك كما وأنه حدث بلأمس القريب , وصرخت بأعلى صوتي :- دايا دايا , فؤاد قيدليه ( أحترق) , وهرعت والدتي و أنتشلته من البركة المائية ولكن بعد فوات الآوان , ولكن لم تتمكن من معرفة خطورة وضعه وهي لاحول ولا قوة لها بعمل شيء سوى بأنتظار والدي لحين رجوعه من العمل في شركة نفط العراق , وبدون ِشك أستغرق ذلك طول اليوم , لأنه كانت فترة الفطور في الصباح , وعندما جاء لم يفكر بأخذه الى المستشفى كما فعل عمي صليوا  لسذاجته وهو الذي لم يعرف أسم عاصمة العراق وهو في بغداد ورسب في أمتحان للقبول في دار المعلمين لسنتين ويصبح معلما كزميله المرحوم رباني لوقا والأجابة على أسئلة بسيطة من هذا النوع , وهو الذي لم يتمكن من شراء مقعد لي ب50 أو 100 فلس ليتم قبولي في الصف الأول الأبتدائي بمدرسة الطاهرة للبنين بعمر 6 سنوات , والقبول فيها كان 7 سنوات نظرا لتعلمي القراؤة و الكتابة من أخواتي وخسرت سنة دراسية كاملة  , وربما (سأكون أقل قسوة عليه) وأقول لعدم درايته بخطورة الوضع أو قلة الأدراك . أتذكر وأنا أهرول وراؤه وهو يحمل أخي فؤاد بين يديه مسرعا على رجليه فوق الجسر الحجري القديم ( طاش كوبريه) الى المستوصف الوحيد على الطرف الثاني من نهرخاصة صو في شارع غازي , وأتذكر بأن العلاج الوحيد كان وضع الحبر على جلده بعد أن تم قص الأجزاء المتدلية من جلده المهترأ بالمقص , وبعد عدة أيام توفى فؤاد نتيجة تلك الحروق البسيطة التي أنا نجوت منها لأن عمي صليوا تعرف على خطورة الحروق و قيامه بأخذي الى المستشفى لأنقاذي . فأين كنت يا عمي لأنقاذ فؤاد ؟؟!..
مع العلم أن الأطفال وخاصة في عنكاوة أيام القحط كانوا يموتون من قلة حليب الأم أو عدمه حيث يتم أعطاؤه شراب بالسكر ( قونداو) ليعيشوا يوم آخر من حياتهم القصيرة جدا , ويقال بأنهم ماتوا مرض يسمونه (سيكليه, أي أنغلاق حنجرته من الجوع ) , ويقال أننا فقدنا طفلة أكبر من أختي أليشوا وتم تسجيلها بنفس الأسم و تاريخ الميلاد , هكذا كانت صعوبة المعيشة في تلك الأيام من الفقر و المجاعة نظرا للغزوات على عنكاوة من آجداد داعش العثمانيين حيث كانوا يسوقون الأصحاء الى الجبهة ( سفربوللك / الحرب الكبرى) , و يسرقون المواشي و الحصاد ويتركون الناس يموتون من الجوع , وسبق وأن ذكرت ذلك بتفصيل أكثر في مذكراتي عن عنكاوة القديمة . ولنرجع الى بيتنا في القلعة , وكان البيت كبقية البيوت مكون من 3 غرف يسكنها 3 عوائل , والغرفة الثالثة كانت تسكن فيها عائلة لطيفة , ولا أعلم أن كانت تملك البيت أو مستأجرة . أما الغرفة الثانية فكانت تسكنها عائلة عنكاوية , ولطيفة كانت لها 2 أو 3 بنات و أبن واحد , الكبرى كانت في سن المراهقة أسمها (أنجيل) , وجميلة بشعر أحمر , وكانت بدون شك معجبة بعمي صليوا وهو أكبر منها ربما بسنتين , وكان وسيما جدا بملابسه كأفندي و سيدارة سوداء , طويل ونحيف القامة ( وأشبهه بالملك فيصل الأول بملابسه المدنية والسيدارة السوداء) ولكن بدون لحية وشوارب كما كان طيلة حياته , ولكنه نظرا لخجله وحياؤه لم يعير لأنجيل الكثير من الأهتمام , ربما كان أهتمامه منصبا على دراسته في مدرسة الزراعة دون أن يفكر بغراميات قد تثير القيل و القال . ولقد تطرقت الى الكثير من التفاصيل على تلك الفترة في مذكراتي عن قلعة كركوك نشرت في صفحات عنكاوة دوت كوم والحوار المتمدن و الجاردينيا والأنترنت وتكشف الكثير من نواحي الحياة و المعيشة في قلعة كركوك كشاهد على العصر لزمن جميل حين كانت القلعة مدينة تعيش فيها كافة أطياف الفسيفساء للمجتمع العراقي في أوج عهده الملكي الزاهر , ويمكن الرجوع أليها للتعرف على الحياة في تلك الفترة من تاريخ العراق , بعد أن أصبحت قلعة كركوك أطلال من الماضي لتلك القلعة وتاريخها العريق . وبالرجوع الى عمي صليوا , فبعد تخرجه تم تعيينه في دائرة الزراعة فرع الغابات في قرية باتاس و حرير , وأتذكر الزيارات التي كنا نقوم بها في أيام العطلة الصيفية لأن جدي مروكي ( بيو) وجدتي كانوا يمكثون معه لأنه كان في تلك الفترة أعزب ولي ذكريات جميلة عن تلك القرية الجميلة وكان معظم سكانها من الآثوريين , البقية من الأكراد , وكان للمطران مكانة أجتماعية كبيرة بين السكان وحتى بين الأكراد ويقال أنهم كانوا يحلفون بأسمه كمثال للمركز المرموق الذي كان يحتله والأحترام و النفوذ الأجتماعي و الديني . وأتذكر أنا وعدد من الأطفال نسبح في البركة المائية أمام منبع للماء تقوم النساء بنقل الماء منه الى البيوت , وعندما سمعنا بأن المطران ومرافقيه على وشك المرور , هرعنا للهرب عراة وترك دشداشتنا وراؤنا , هكذا كان حضورالمطران يثير الخوف والهلع في النفوس ,!!..
وتزوج عمي صليوا من الأبنة الكبرى لأبن عمومتنا من عائلة أوغنا , عمي بويا قاقوس , وردية وكنا نناديها ددي وردى , كأخت لنا وأتذكر حفلة الزفاف ورقصات الدبكة والشاباش حتى بالليرات الذهبية ( دول وزورنة خدر الأسطوري) ,  وأيضا جلوس العروسة في البيت وكانت تغطي وجهها بقطعة حرير كما كانت الأعراف التقليدية , وكان على من يزيل القماش من وجهها أن يضع سبحتة في يدها . هكذا كانت العادة القديمة .
 وكان عمي صليوا مثقفا ملما بأمور الحياة و أخبار الدنيا , وكان من القلائل في عنكاوة له راديو يسمع بها الأخبار وخاصة بي بي سي , وكان الراديو يعمل بواسطة باتري ( بطارية) كبيرة , كان يرسلها الى أربيل لشحنها , وكانت له مكتبة صغيرة تشمل كتب في الطب و الأدب , لذا كنا نستشيره في معظم الأمور ونحترم آراؤه ونصائحه , وكان مهتما بتفوقي الدراسي , ويحثني على عدم التفكير بغراميات مع الجنس اللطيف لأن ذلك سيخلق لي أحلام اليثظة ( ضرب الدالغة يمنع صفاء الذهن لأستيعاب وفهم شرح المدرسين ) برغم ما كنت أواجهه من أغرائات وخاصة في السنة الخامسة من الأعدادية ( البكالوريا) في بغداد , حيث أنتقلنا خلالها من كركوك , لفرصة الحصول على معدل عالي يؤهلني للحصول على البعثة الدراسية في الخارج , وكنت أفكر بالتقديم للهندسة المدنية بعد حصولي على معدل 86% , ولكنه نصحني للتقديم للهندسة المعمارية هو الذي بين لي الفرق بين الهندسة المدنية و المعمارية ورافقني لزيارة عدد من البنايات الحديثة وخاصة في شارع الرشيد , ولذا قمت بأختيارها للبعثة العلمية , وخاصة وأنني كنت جيدا في الرسم وفرح بحصولي على ذلك الفرع في القبول , وحتى في بريطانيا كنت أراسله في بعض الأمورالشخصية مع الجنس اللطيف  . لذا نجاحي في تلك المهنة وحياتي العملية نتيجة لذلك يعود الفضل فيها لعمي صليوا !!..
وبعد زواجهما الميمون رزقوا بصبي أسمياه سمير. وكان قد تم تحويله من حرير وباتاس الى أربيل مسؤولا عن الغابات في المصايف وخاصة شقلاوة . وعندما تم أرساله في بعثة دراسية الى تركيا , كانت ددي وردى و أبنها سمير و الأبن الآخر سعد يعيشون معنا في كركوك , في بيتنا في شارع ألماس , وكان سعد أصغر من سمير بسنتين , وعندما كان عمره حوالي 5 سنوات , أصابه مرض عجز الأطباء عن تشخيصه وعلاجه , وتوفى الصبي مأسوفا عليه , وأتذكر بأن التعزية دامت عدة أسابيع ونحن نبكي على ذلك الصبي البشوش والوجه الحسن الذي كانت الأنظارمنصبة عليه وملأ البيت بالفرح و البهجة  . وعندما رجع عمي صليوا بعد أنهاء سنتين بعيدا عن عائلته , لم نتمكن من أخباره بألمصاب الجلل في غيابه , وحتى في وصوله الى كركوك ونحن نكتم عليه ذلك الخبر المشؤوم , حتى أن والدي رافقه من كركوك الى عنكاوة حيث كانت زوجته رجعت بعد تلك الأيام المريرة , وشعر عمي صليوا بأن شيئا غريبا قد حدث فأستفسر عن السبب , فما كان من والدي وهم في الطريق الى عنكاوة أن يذكر له أولا بمرض أبنه وأخيرا أخبره بالفاجعة الكبرى عندما أقتربوا من عنكاوة !!..
ولم يكن ذلك المصاب الأليم والوحيد الذي حل بعائلة عمي صليوا , لأن أبنه البكر سمير وهو شاب بعمر 18 سنة بعد أكماله دراسته الأعدادية , ونظرا لنجاحه بمعدل صغير لم يتمكن من الألتحاق بأي جامعة أو كلية في العراق , وكان ذلك في أثناء الحرب العراقية الأيرانية في ثمانينيات القرن الماضي , وتم تجنيده كجندي بالجيش و أرساله الى جبهة البصرة و الفاو, وأستشهد مع رفاقه بعد أن أنفجر بهم صاروخ أيراني أدت الى قتلهم جميعا في ذلك الخندق . لقد ترك ذلك جرحا عميقا في نفسه لم يندمل لفقدان شاب في عمر الورود .  كنت في تلك الفترة أعيش في مسقط , سلطنة عمان وكان الخبر وقع علي كالصاعقة لأن سمير كان أصغر مني عدة سنوات ولكن عاش بيننا سنوات سواء في كركوك أو بغداد وكان كثير الزيارة لنا عندما كنا نعيش في بغداد , وكان عمي صليوا أيضا تم نقله الى بغداد , وكان المرحوم سمير يأتي الى زيارتنا على الدراجة الهوائية , وترك خلفه زوجته الشابة مع طفل لهم , رحمه الله لقد ذهب ضحية لتلك الحرب العبثية التي دامت 8 سنوات و راح ضحيتها أكثر من مليون بين قتيل و جريح و مئات الالاف من الأسرى .
وعندما أكمل عمي صليوا دراسته ( دورات تدريبية) في قبرص بعد أن تم أبتعاثه مرة ثانية بعد تركيا , جاء الى لندن عن طريق أيطاليا , وكنت في تلك الفترة أدرس الماجستير في جامعة لندن , وذهبت أنا و زوجتي الأنكليزية مارجريت , لأستقباله في المطار بعد أن أتصل بنا هاتفيا بتاريخ وموعد وصوله , ومكث معنا عدة أيام في سنة 1972 , وبسيارتي تمكنت من القيام بأخذه بجولات في الأماكن السياحية في لندن لأنه كانت أول زيارة له لبريطانيا . وأما أبنه الأصغر (آزاد ) فهو يعيش في عنكاوة مع عائلته , وهو رجل أعمال ناجح و صاحب أكبر عيادة أسنان في عنكاوة , وأما أبنته الوحيدة ( نسرين) تعيش مع عائلتها في ألمانيا . لقد كان المرحوم وزوجته المرحومة , من أقرب المقربين لنا وخاصة في بغداد حيث حصل عمي صليوا على أرض من الحكومة كموظف في الدولة و قام ببناء منزل له كان آزاد وزوجته يعيشون معهم , عندما رجعت الى بغداد لأيجاد زوجة لي من عنكاوة , علمت أنه مريض وكان الى آخر أيامه مليئا بالحيوية و النشاط و دائم النكتة , وحضر حفلة زفافي التي تمت في قاعة خان مرجان المشهور و الذي بني في العصر العباسي  وتخللها حفلة غنائية للمطرب الشهير ياس خضر . وعاش ليرى حفيده ( أبن آزاد) , وكنت أول المهنأين لقدوم الطفل وأحتفلنا معهم في بيت عمي صليوا وكانت مناسبة سعيدة جدا شربنا خلالها قنينة ويسكي مع أختي فريال و زوجها العزيز نوري بهنام كوندا وهي ذكريات لاتنسى , أما ددي وردى فعاشت بعده لسنوات في بيت أبنها آزاد في عنكاوة , وآخر زيارتي لهم وهي على قيد الحياة كانت قبل سنوات عديدة , وفرحت بلقائي ولكنها كانت كالعادة بلباسها الأسود وفي حداد لفراق زوجها و شريك حياتها الفقيد صليوا بيو , وعندما كان الوالد والوالدة في زيارتي في مسقط , أتصل بي أخي الدكتور فريد وأبلغني بأن عمي صليوا فارق الحياة في المستشفى بعد أن صارع المرض عدة سنوات , وأصبحت في حيرة كيف سأبلغ والدي بالخبر الصاعق , انتظرت لأكثر من ساعة لأهيء نفسي للمواجهة , فقلت له :- هر ريشوخ هاوى بسيما , فأنفجر بالبكاء كالطفل وهو يعلم بخطورة وضع عمي الصحي , وهو لم يتمكن من رؤيته لسنوات طويلة بعد أن هاجروا من موطنهم ولم يتمكنوا من الرجوع منذ ذلك الوقت . وتوفاهم الله في لندن حيث تم دفنهم فيها , بطلب من الوالد , لأن بريطانيا هي من آوتهم وأعطتهم جنسيتها , وتم قبول والدي كلاجيء سياسي لأنه ذكر أثناء المقابلة بأنه كان في صفوف العمال المضربين عن العمل مطالبين بزيادة أجورهم فيما يسمى بمجزرة كاورباغي في كركوك في منتصف أربعينيات القرن الماضي و تمت أصابته بطلق ناري من قبل الجندرمة التركية من تلعفر والتي جلبتها شركة نفط العراق ( الأنكليزية) لتفريق المتظاهرين بقوة الرصاص الحي بعد أن رفضت الشرطة المحلية القيام بذلك . حتى أن المرحوم والدي في عيد ميلاده 100 تلقى معايدة رسمية من ملكة أليزابيث الثانية تم أيصالها باليد من قبل البريد الملكي مع صورتها الشخصية بتوقيعها والختم الملكي عليها .
المرحوم والدي عيسى بيو و عمي صليوا بيو

 رحمهم الله وأسكنهم في جناته مع الأبرار والقديسين , آمين !!..
لقد تطرقت الى أبناء عمي صليوا الشهيد سمير و الطفل سعد تخليدا لذكراهم , وكعادتي في كتابة ذكرياتي الشخصية , أتفرع الى مواضيع لها علاقة بالموضوع سواء من قريب أو بعيد ومعلومات لمن يهمه الأمر .
المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان

7
وثيقة تاريخية مهمة تشرح وقائع واضحة المعالم من تلك الفترة المصيرية للدولة العراقية
.
وأنني كشاهد على العصر من ذكرياتي في سن الطفولة ( بداية خمسينات القرن الماضي) عندما كنت أذهب الى قرية الحرير وباتاس في العطل الصيفية لعدة سنوات , حيث كان المرحوم عمي صليوا ( بيو) مروكي يعمل كخبير للغابات كموظف للحكومة العراقية , وأتذكر المقام المرموق و النفوذ الطاغي للمطران الآثوري على رعيته الآثوريين , وأيضا الأحترام والتقدير لمكانته حتى من قبل الأكراد , ويقال أنهم كانوا يحلفون بأسمه نتيجة لذلك . وأتذكر أنني مع صبية آثوريين وأكراد كنا يوما نسبح في البركة المائية من مصب عين مائية فيها  كما كانت المفتح ( كاريزيه في عنكاوة القديمة) التي كان الآهالي يحصلون على ماء الشرب منها , وعندما سمعنا أصوات النساء وكأنهن في ترقب حدث غير طبيعي , من أن المطران وحاشيته على وشك المرور , فما كان منا الصغار سوى الخوف و الرهبة من سماع أسم المطران , بحيث هربنا ونحن عراة تاركين ملابسنا ( الدشداشة) قبل مرورهم , وهذا يدل على الطاعة و الأنصياع التام للمركز الديني و الأداري ( السياسي) للمطران عليهم في كل صغيرة وكبيرة . وكما كان سابقا من خضوعهم للسلطة الدينية .
وفي سفرتي الى الولايات المتحدة كطالب بعثة قي صيف 1968 , أثناء وجودي في مدينة لوس أنجيليس في ولاية كاليفورنيا , تعرفت على سيدة أعمال آثورية , والتي عرفتني بحفيدة مار أيشاي شمعون , التي مع زوجها تمت دعوتي للمشاركة في الأحتفلات للمهرجان السنوي للجالية الآشورية في أمريكا و الذي تمت أقامته تلك السنة في مدينة دينفر ولاية كولورادو , حيث تقام الفعاليات لمدة 3 أيام تتخللها رقصات الدبكة  ( الشيخاني) بالملابس التقليدية والحفلات الغنائية . ولم أستفسروأسأل سؤلا محرجا عن العلاقة العائلية لمظيفتي مع عائلة مارشمعون , وخاصة وأننا نعلم بأن المنصب الديني يحرمه من الزواج , وربما من عائلة عمته سرمى خاتون , أو أحد أعمامه . و في منتصف سبعينات القرن الماضي , تعرفت على ضابط سابق في الجيش البريطاني , الذي كان يعمل في الخليج كمندوب لأحدى شركات الأسلحة البريطانية , وتبين بأنه حفيد أحد الضباط البريطانيين الذين أسسوا و دلابوا جيش الليفي الآشوري في الحبانية , وكتب كتاب عنهم , وهذا يثبت أهمية ذلك الجيش لبسط النفوذ البريطاني في أنحاء العراق , وكان أفراده يشتهرون بالبسالة و قوة التدريب , ويخشاهم الجميع لسطوتهم و نفوذهم , وحدث أن أحدهم كان يسكن قلعة كركوك القديمة , وكان بقبعته ذات الريشة , يمتطي حصانه الهائل الحجم في أزقة القلعة الضيقة , ونحن الصغار نهرع الى مداخل البيوت خوفا ورعبا من الفارس المغوار . وفي بيوت العرفة في كركوك الجديدة كان نفوذ الآثوريين كبيرا وويشغلون معظم المناصب العليا ( الستاف) في شركة نفط العراق , وكانت العرفة في خمسينات و وبداية ستينات القرن الماضي , كـأنها جزء من أوروبا حيث الشباب و الشابات يسرحون ويمرحون في الشوارع بأزياؤهم الأنيقة , وتجدر الأشارة بأننا بالرغم من أتقاننا للهجة الآثورية , ولكن كان يتم أعتبارنا بمنزلة اقل نظرا للعنصرية التي كانوا يتمتعون بها . ولقد تمكنت من أيجاد مصدر تاريخي مهم عن فترة العشرينات وأحداث ضم ولاية الموصل الى الدولة العراقية , وهو متوفر على الأنترنيت , الكاتب كان من أكبر ضباط الأنكليز الذين كان له دور مهم فيها :- كتاب / كرد وترك وعرب للمؤلف سي جي أدموندز , ترجمة جرجيس فتح الله ( منشورات جريدة التآخي 1971) .

8
سفرتي الوحيدة الى القاهرة قبل أسبوع من حرب 1973
 
بعد تخرجي من جامعة لندن بشهادة الماجستير , عملت لعدة أشهر في الحكومة المحلية لمنطقة سيتي أوف ويستمنيستر في قلب لندن كمهندس معماري , ولكن رؤية أعلان في جريدة التايمس اللندنية عن وجود فرصة عمل لمهندس معماري في دولة خليجية لشركة تايلور وودرو العالمية , أثارت أهتمامي , وعند المقابلة تمكنت من معرفة البلد بأنه سلطنة عمان , وكان خوفي أن يكون البلد هو العراق , الذي كان تحت الحكم البعثي الفاشي , والذي رفضت الرجوع أليه بعد تخرجي حيث سبق وأن كنت طالب بعثة هندسية من الحكومة العراقية سنة 1962 في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم , ولذا وافقت لدفع مصاريف البعثة للحكومة على شكل أقساط شهرية و الوفاء بذمة كفيلي من المسؤولية المترتبة لعدم رجوعي . وبعد قضاء عدة أسابيع في المكتب الرئيسي للشركة للتعرف على طبيعة العمل وهو التصميم والأشراف على مدينة عصرية في مسقط ( مدينة قابوس) , وهكذا بدأت سفرتي الى مسقط على الخطوط الجوية البريطانية , وطلبت أن تكون الرحلة عن طريق مصر وقضاء أجازة فيها 4 أيام , وهكذا وصلت الى مطار القاهرة الدولي بتاريخ 27 أيلول / سبتمبر 1973, وكانت أول زيارة لي لدولة عربية , وكنت متلهفا لزيارة الأماكن السياحية المشهورة وخاصة الأهرام , والمعابد الفرعونية وأيضا الأماكن و الأزقة القديمة من القاهرة و جوامعها المشهورة
 
, لذا كانت السفرة القصيرة مليئة بالبرامج السياحية الرائعة و المثيرة . ولكن المشكلة كانت أيجاد فيلم ملون لكاميرتي لأنني لم أحمل أي فيلم من لندن خوفا من تلفه في المطار بسبب أجهزة الأشعة التي كانت تستعمل لمراقبة الأمتعة , والتي تبين بأنها لاتأثير سلبي على الأفلام سواء داخل الكاميرات أو خارجها , وأستغربت من عدم وجود أي فيلم ملون في عشرات محلات التصوير , عدا فيلم أسود وأبيض ربما من أنتاج محلي أظهرت نتائج رديئة , لذا حرمت من تصوير تلك الأماكن السياحية . لقد كانت الأمور بصورة عامة سيئة جدا نتيجة الحالة الأقتصادية و التقشف ومنع الأستيراد للحفاظ على العملة الصعبة , نتيجة ما آلت أليه الأوضاع بسبب حالة الأستعداد لمواجهة الخطر الأسرائيلي وعمليات التسلح لدرأ أي خطر من نشوء حرب ثالثة بينهما . وحبذت النزول في فندق صغير في منطقة شعبية من القاهرة والأختلاط بعامة الشعب , وكان لصاحب الفندق سيارة قديمة من نوع فيات قام بمهمة الدليل السياحي للعديد من تلك الأماكن التي كنت فيها السائح الوحيد . ولكن تبين لي منذ أول يوم بأنه أيضا يقدم خدمات أخرى للزبائن رغم قلتهم في الفندق , وربما كنت السائح الوحيد القادم من دولة أوروبية , وكان على علم بحيازتي لقنينة ويسكي بلاك ليبيل  وجلوس سجائر أجنبية , التي كان مسموحا لي بأدخالها مع أمتعتي في مطار القاهرة . لذا لم يتردد بعمل المستحيل للحصول على تلك البضاعة النادرة في الأسواق وقيمتها باضعاف مضاعفة في السوق السوداء . لذا قدم لي خدماته بالمجان مقابل الحصول عليها , ولم أتردد بمقايضتها !!.. وخاصة وأنني لا أشرب الويسكي ولا أدخن , وهكذا أنقضت العطلة القصيرة بملذاتها بسرعة , ولولا أهمية وصولي الى مسقط لأستلام مهام وظيفتي  لكنت قد بقيت ربما أسبوع آخر وزيارة الأسكندرية التي كنت أتوق لمشاهدتها على البحر الأبيض المتوسط , لذا قررت السفر في الموعد المحدد , وبعد وصولي الى مسقط , بأقل من أسبوع سمعت أخبار أندلاع ما سميت بحرب التحرير في 6 أوكتوبر( حرب عيد الغفران اليهودي / يوم كبور) 
   
, وحمدت الله على خروجي سالما من تلك الحرب الضروس وربما حتى فقداني لوظيفتي , نتيجة بقائي محجوزا لفترة الحرب الطويلة . ولم تسنح لي الفرصة مجددا لزيارة أخرى مع الأسف لحد الآن .
المعماري أيوب غيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان
 

9

أعتذر للأخ بطرس نباتي الذي أعتبر ما ذكرته في مقالتي عن المرحوم حنا قاقوس أساؤة , فأن كانت كذلك فأنني أعتذر لهم !!..
نعم بعض التفاصيل كان يجب أن أنقحها من المقالة قبل نشرها وسوف أقوم بذلك في كتاباتي . وشكرا للأخ بطرس نباتي لذكر بعض الحقائق من وجهة نظره الخاصة عن المرحوم بويا قاقوس كأنسان بسيط كعامة الناس , ولكنني أعتبره شخصية أكبر من الحياتية التي ذكرها , وكما يقول المثل الأنكليزي
Considered him Larger than Life !!..
وأبضا نسيت أن أذكر أسم عائلة زوجته المرحومة هتي بجى , بأنها من عائلة نباتي المرموقة في عنكاوة .
وأيضا أعتبر الأخ بطرس نباتي بالرغم من من عدم معرفتي الشخصية له , بأنه من أبناء عنكاوة البررة , الذين لم يهجروا عنكاوة و لم يبيعوا أراضيهم للأجانب الغرباء , كما فعل بعض ضعاف النفوس ببيع أراضيهم لمن نعتبرهم أعداء لكي يتمكنوا من الهجرة , ونعم من رجع الى قريته , ونتيجة لذلك فقدت عنكاوة التي جمبعنا نحن الى ماضيها الجميل , فقدت بذلك خصوصبتها ومن حقنا أن نعتب وبقوة ( وليس تجني بحقهم) على هؤلاء بأخطاؤهم وأن كانوا أقرب المقربين لنا !!..وأن توفاهم الله ونطلب من الله أن يرحمهم ويغفرعنهم ذنوبهم , لأن عتكاوة وأراضيها أمانة كانت بأعناقهم ولم يؤدوا تلك الأمانة حقها !!..
أيضا لقد أعتذرت للأخ الأستاذ القدير نزار حنا بطرس خيزو عن بعض الملاحظات والتفاصيل الغير اللائقة وجائت عفوية لم أقصد منها الأساؤة وأنها قيلت وما يقال ليس كله حقائق
وأشكرهم لتقبل أعتذاري برحابة صدرهم , لأنني أتشعب في كتاباتي عن مواضيع جانبية وهذه هي طريقتي الخاصة والمعروفة جيدا في الكتابة منتمينا للجميع الموفقية والعمر المديد
وأضيف بأتتا عائلة عيسى بيو من أصل الفقراء , وهذا ما ذكرته في كتاباتي عن قلعة كركوك القديمة و عنكاوة القديمة , لقد خسرت سنة دراسية كاملة لأن والدي لم يتمكن من شراء مقعد لي ب 50 فلس ليتم قبولي في الصف الأول الأبتدائي في مدرسة الطاهرة في قلعة كركوك بعمر 6 سنوات ( بدلا من عمر 7 سنوات المطلوب للقبول آنئذ لأنني كنت أعرف الكتابة والقراؤة , وأضطرت أخواتي لأخذي الى مدرسة البنات حبث كان القبول بعمر 6 سنوات , ولولا أنني فضحت نفسي كولد عندما رؤوني البنات أتبول على حائط المدرسة وأنا ألبس التنورة , وهذا ما أيضا يثبت بأنني أتشعب في الكتابة على الدوام , وكما يقال أضيف للطبخة بعض البهارات .
وشكرا أخي أمير المالح الذي يتذكر بأنني أول من هنأته على بداية موقغه أنذاك ( هيلب عنكاوة) , ونصحت الشباب فيها بعدم تركهم لقريتهم و موطن آباؤهم وأجدادهم وهجرتها وخاصة عدم بيع أراضيهم للأجانب وأنما أقترحت أن تشتريها الكنيسة للأحتفاظ بهوية عنكاوة الكلدانية وأن لابطغي صوت الأذان على أجراس الكنائس !!..والأخ أمير يعلم ذلك وحبذا لم نشر تلك التهنأة
Help Ankawa ( previous to Ankawa.com)
وعذرا للأطالة كعادتي !!!..
أيوب عيسى أوغنا



10

أولا أقدم أعتذاري من الأستاذ نزار حنا خزو , عن تفاصيل كان علي أن لا أذكرها
 وتمت عن ما سمعته (  كما ذكرت ما قيل وما يقال ) من أشخاص مقربين أقدر صراحتهم و مصداقيتهم
ولكنني أوكد من ما شهدته بنفسي وذاكرتي لاتخونني ألا ببعض التفاصيل .
نعم عندما رأيت المرحوم أنور أشفقت عليه في آخر مقابلتي له ربما قبل وفاته بعدة سنوات ( مأسوفا عليه رحمه الله
 ويا حيف على ما كان وما أصبح وما كان المفروض أن يكون  , ربما كونه عزيزا مدلالا كان السبب كنتيجة في تلك التربية
أنا لاأجامل من يقوم ببيع أراضيه للغرباء , وما حدث لعنكاوة منما تذكرتها وما أصبحت عليه الآن بدون خصوصية
وشكرا لصدركم الرحب
أيوب عيسى (بيو) أوغنا


11
من أشخاص أثروا في حياتي المرحوم بويا قاقوس أوغنا

كانت ولادتي في 1/12/ 1944 حسب ما تذكر أختي الكبيرة مرغنيثا (89) , في غرفة مستأجرة في بيت ميناس غريب ( التركماني الكاورأوغلوا, من أكبر أثرياء القلعة) في قلعة كركوك بينما كانت ولادة أخواني جورج ( كوركيس 90) والمرحوم دنحا و أخي حبيب وأختي أليشوا الأكبر مني سنا , كانت في عنكاوة , وأنتقلت العائلة الى كركوك بعد أن تم تعيين المرحوم والدي عيسى مروكي (بيو) بشركة نفط العراق كعامل بسيط ( مساعد كهربائي) . وكنا ننتقل الى عنكاوة وخاصة في أشهر الصيف وبدأت ذكرياتي عن عنكاوة في سن الطفولة ( 3 أو 4 سنوات) , وكان بيت المرحوم جدي مروكي عيسى في بداية زقاق ضيق يؤدي الى بيت أبن أعمامي من عائلة أوغنا , بويا قاقوس , وكان نفس الزقاق أيضا يؤدي الى بين أبن أعمامي آخر من عائلة أوغنا هو شمعون مرقس ( معلم الأجيال المتقاعد) , وأيضا كانت تسكن في الزقاق أرملة فقيرة , لها توأم تقريبا في عمري وأخت أصغر منهم , كانوا معروفين في عنكاوة ( عقلوا زورا = مخابيل) ونظرا لفقرهم كان التوأم كثير التردد على المزبلة ( السولتا) وهي حفرة كبيرة كانت مرمى للنفايات في الجانب الأيمن للطريق المؤدي الى قرية عنكاوة , وفي سنة 1997 عندما تزوجت من زوجتي الثانبة فائزة بنيامين عيسى جاجيلا في عنكاوة , رأيت أحد التوأمين كعامل نظافة ( كناس) وتعرفت عليه من بعيد وأعاد لي ذكريات قديمة أكرمته بمبلغ من المال وفرحت بفرحته دون أن يعرف من أنا ولم يذكر شيءا من تلك الأيام , وعلى الأقل أصبحت له وظيفة يكسب منها عيشه .
ولنرجع الى بيت عمي بويا ( كما كنا نسميه بأحترام ومحبة) , وأول ذكرى لي مطبوعة في ذاكرتي في ذلك العمر هو رؤيته على حصان مزين بالأقمشة والأشرطة المنسوجة بلألوان ترفرف في الهواء وهو بكامل

أقرب صورة لذاكرتي , وأن عمي بويا في شبابه كان أكثر وسامة من هذا الفارس
لباسه العنكاوي/ الكردي وبيده بندقية صيد و يجري أمامه عدد من كلاب الصيد ( السروكي) , ونحن الصغار نهرع الى مدخل البيوت ونحن في هلع من الحصان و الكلاب أيضا . كان الأبن الوحيد (عزيزا) لوالده قاقوس , الذي كان أكبر ملاك للأراضي الزراعية في عنكاوة , ربما يمكن أعتباره من النبلاء , بالرغم من أن هذا الوصف لم يكن دقيقا لأن العنكاويين كانوا في الأصل من عدد صغير من الأفراد الذين سكنوا عنكاوة منذ مئات السنين , ولكن كان بينهم الفقير( كعائلة الأرملة المشار أليها) والغني / الزنجين . لذا تربى تربية مدللة وخاصة , وكانت لديهم خادمة عجوزة سبق وأن قامت بخدمة والده في سن الطفولة , لذا بالرغم من غرائب أطوارها ( كنا نسميها سريلد دانو) تعتبر فرد من أفراد العائلة , وربما كان فيها مس من الجنون , بحيث كان يتم ذكرها كشبيهة لأية أمرأة غريبة الأطوار ( يتم تسميتها مخبلة / ديوانيثا كسريلد الدنو) ربما كانت لقيطة بدون نسب , تم تربيتها كخادمة في تربية الأطفال وبضمنهم الأبن الوحيد لعمي بويا ( المرحوم أنور) وكان أيضا عزيزا مدللا بين عدد 4 من أخواته . وكنا كثير التردد على بيت عمي بويا نظرا لقربهم من بيت جدي و أيضا صلات القربى , وكان والدي من أعز أصدقاء عمي بويا طيلة حياته , وكان يذكره والدموع تنهمر من عينه , عندما كان يقوم بزيارته عندما أصابته سكتة دماغية ( الدملة) بحيث أصبح جسمه نصف مشلول على طريح الفراش , ويقول أين هذا من ذاك العملاق والفارس المغوار في عز شبابه و أيام العز و النفوذ والمكانة الأجتماعية المرموقة التي كان يشغلها قبل أن تصيبه تلك الآفة وهو في صحة جيدة لايشكو من مرض أو عاهة طيلة سنواته في ستينات من عمره . وحدث هذا بينما كنت في بعثة دراسية في بريطانيا , وعندما طلب مني كفيل يكفلني لمصاريف البعثة (7 سنوات دراسة) , قام بهذا لواجب بدون تردد , بعد أن طلب منه والدي بذلك , وكان رحمه الله يحبني كابنه أنور الأصغر مني بسنتين , نظرا لتفوقي في الدراسة , التي كان يأمل لأبنه أن يحذو حذوي , ولكن بدون جدوى . وكنت مقربا من العائلة بحيث تم أصطحابي معهم الى شقلاوة عندما كنت في عمر 7 أو 8 أعوام , حيث كانت العائلة تمضي أشهر الصيف الحارة في المصيف المشهور , وكانت هذه أول وآخر زيارة لي لذلك المصيف , وكانت العائلة تستأجر بيت و بستان كبير سنويا من عائلة شقلاوية , ولا أزال أتذكر البساتين والأشجار المثمرة و ربما الغابات ومياه تخرج من منابع في الجبل و تكون جداول تمر بين البيوت و البساتين نقية وباردة كالثلج للشرب و الأغتسال و سقي الأشجار , وأتذكر ذهابي الى أحد تلك الينابيع على سفح الجبل وكان السواح و المصطافين يضعون الرقي ( سيندييا ) في الماء وتتشقق من برودة الماء , هكذا كانت شقلاوة كما أتذكرها
وكما تم ذكره فأن عمي بويا ورث من والده ذلك الجاه والثروة الطائلة وكان آهلا لها وكما يقال كان الشبل من ذلك الأسد , تمكن من أدارة سليمة ويشغل الفراغ الهائل الذي تركه والده بعد وفاته , وحتى في زمن شح الأمطارو ونقص المحاصيل الزراعية , لم يقوم ببيع أي من تلك الأراضي للغير , وانما قام بأعمال تجارية ومنها مهنة بيع الأقمشة المزركشة الفضية و المذهبة التي كانت نساء الطبقة الراقية في أربيل تسارع في شراؤها من مخزن أو دكان في الشارع الرئيسي في أربيل , وكان يتردد على بيتنا في بغداد عندما كان يأتي لشراء تلك الأنسجة و الأقمشة الغالية من تجار في بغداد , وأتذكر رؤيته في أربيل أحد المرات من بعيد وهو بين عدد من النساء الثريات و بريق الحلى الذهبية يتلألأ في أصابعهن و سواعدهن , وأجزم بأن قامتة الطويلة وأناقة ملبسه وحسن صفاته ووجهه البشوش و بلاغته في الحديث كان أغراء لتلك السيدات من عوائل أربيل الأرستقراطية . هكذا أصبح عمي بويا تاجرا ناجحا تمكن من الجمع بين الزراعة و التجارة معا , وكما يقال بأن وراء كل بطل أمرأة , ويا لها من أمرأة جميلة و خاتون بكل معنى الكلمة , كانت له الزوجة المثالية والأم الحنون , ونعم الرفيق و الشريك والتي بقت معه تخدمه لآخر يوم من حياته وخاصة في فترة مرضه , أنها هتي بجى من عائلة معروفة في عنكاوة .
وتميزت عائلة قاقوس (قاقوزا) أوغنا بأنها كانت من بين عدد 2 أو 3 في تاريخ عنكاوة لهم ديوانخانة  لأستقبال الضيوف و الزائرين , ويخدمهم عدد من الخدم وأتذكر بأن الديوانخانة كانت لاتزال مفتوحة للزائرين لدى عمى بويا وقام ببناء أخرى بالطابوق بدلا من القديمة التي كانت عالية من الأرض ومبنية كباقي البيت من الطين , وأتذكر أكوام الطابوق الأصفر الذي تم أفراغه باليد من لوري من المصنع بحيث أمتلأ الطريق أمام الزقاق الضيق , الى أن تم البدأ بالبناء , وكان المرحوم بطرس (بتي) خزو , في كركوك عندما كانوا يعيشون في محلة بكلار القريبة من بيتنا في شارع ألماس حيث كانت أبنته تعمل في قسم التمريض في المستشفى الرئيسي وأيضا أن أبنه سليم كان صديقي في تلك الفترة , وكان يذكر لنا ذكرياته عن زوار مشاهير كانت الديوانخانة تستضيفهم ويقدم لهم الشاي و البسكويت وما كان متوفرا من الحلويات , وأيضا ذكر لنا عن المرحوم قاقوس بأنه أستضاف في ديوانخانته أحد الباشوات العثمانيين الذين أمتعضوا لوجود تلك القرية المسيحية بأنها لاتزال قائمة , عند مرورهم في الطريق الى الأستانة , ولولا حسن ضيافتهم وتكريمهم حال دون أصابة الأذى بأهل عنكاوة , وتم أنقاذها من شر مسميت !!.. وبعدها صرح لأعوانه لابئس أن أهلها مسالمين . ومن الجدير بالذكر أن أبنه حنا ( حني) قد تزوج من لطيفة  أبنة عمي بويا التي وقعت في حبه , والدة الأستاذ نزار , هكذا حصل على مكرمة من السماء وطاربها يرقص فرحا في يوم العرس للمصاهرة مع عائلة بويا قاقوس . (وكما يقول المثل :- جيب نقش عوافي !!..) .

المرحوم بطرس (بتي) خزو و المرحومة زوجته
ولكن أنور المدلل جدا لم يكن الشيل من ذلك الأسد كما أثبت والده , ولم يتصف بصفات الرجولة التامة ولم يملأ الفراغ الهائل الذي تركه عمي بويا ونتيجة مرضه وعجزه في أبداء النصيحة و الأرشاد لوريثه والأحتفاظ والبناء لذلك الأرث بقوة و عزيمة , حتى أنه أخفق في زواجه من أبنة أوسطه غريب ( والد بطرس و بولص) , في وقت قصير من الزواج , ويقال بأنها في يوم عرسها كانت القطع الذهبية ( الليرات) يتم رميها على أرض الدبكة لعدم أمكانية الزورنجي خدر ( الأسطوري) من ألتقاطها كشاباش , والعروسة بزينتها من الحلى الذهبية والألماس والأحجار الكريمة , حتى أن حزامها كان مصنوعا من الليرات الذهبية , وكان العرس من أشهر المناسبات التي شهدتها عنكاوة في البذخ والثراء الفاحش . كل تلك الفرحة لم تدوم طويلا لأن نقصا ما كان السبب في الأنفصال و هجرة العروسة الى كندا مع أخويها بطرس و بولص وزواجها هناك . وفي نهاية تسعينات القرن الماضي , وفي سفرة لي الى عنكاوة , وبينما كنت في بيت أختي مرغنيثا في بيتهم في عنكاوة الجديدة , فتحت الباب لزائر , وأذا به أنور وطبعا تذكرته من أيام الطفولة في عنكاوة و كان ضخم الجسم يلبس نظارات طبية بعوينات صغيرة بأطار أسود لايليق بوجهه الممتلأ , وكان قد تزوج من فتاة من برطلليه , ولايعيش في عنكاوة , وسمعت أخباره المؤسفة , بأنه نظرا لعدم أمكانيته على أدارة ما ورثه من أراضي زراعية شاسعة , تمكن بعض التجار من أربيل من النيل من سذاجته في أمور التجارة والأراضي , بحيث قام ببيعها بثمن بخس , وكانت له نصيب الأسد في الميراث , ويقال أن أربيل نتيجة لتلك العملية الكارثية لعائلة بويا قاقوس , أقتربت عدة كيلومترات من عنكاوة !!..            ولكن قد يحتج البعض ولكنها كانت خطأ أستراتيجي لايغتفر بوجهة  نظري الشخصية وهو أبن عمي وكنت أحبه كأخي ( رحمه الله) . وتزوج عمي صليوا ( الأخ الوحيد لوالدي ) من أكبر بنات عمي بويا الأربعة ( ورديه وشكريه و لطيفة وصبيحة) وهي المرحومة ورديه ( كنا نناديها بمحبة وأحترام ددي وردى) ونعتبرها كأخت لنا , وكما كنا ننادي عمي صليوا ( أخوني صليوا ) لقربهم منا و التواصل المستمر معنا في عنكاوة و كركوك و بغداد , وهم والدي آزاد ( صاحب مركز طب الأسنان المشهور في عنكاوة) .
ولي مقالة أخرى عنهم بهذا الصدد .
المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان



12
هواية صيد الأسماك أصبحت تجارتي المفضلة و المربحة
ترجع أول محاولة لي لصيد الأسماك الى خمسينات القرن الماضي , في الساقية ( شقيثا بالسورث) التي كان منبعها من تحت الأرض في عنكاوة القديمة , وتسمى المفتح / كاريزيه ( الكهريزبالعربية ) , وكانت تعتبر شريان الحياة لأهل عنكاوة منذ القدم , ويرجع تاريخها الى الملك الآشوري سنحاريب الذي أهتم ببناء
 
مجاري المياه في أنحاء أمبراطوريته , لأهتمامه بالبستنة و الزراعة , وتشيرالألواح الطينية التي وجدت في مكتبة آشوربانيبال في نينوى , بأن أول بناء للحدائق المعلقة كانت في عهده , وأختراع طريقة نقل المياه الى الأعلى من كل طابق الى الآخر بأستعمال جذوع النخيل بعملية تحركها الحمير بحركة لولبية من خزان الى آخر فوقه وهكذا الى أعلى الطبقات و توزيعها في مجاري لسقي الأشجار , ويبدو أن نبوخذ نصر الكلداني في بابل أستعمل نفس الطريقة في جنائنه المعلقة المشهورة في التاريخ لزوجته الميدية . ومن الجدير بالذكر بأن صدام حسين كان يعتبر نفسه سرجون البابلي وأهتم بأعادة بناء بابل و الحدائق المعلقة وتم دعوة المهندسين بمسابقة معمارية عالمية , ومن شروط المسابقة أيجاد طريقة لرفع المياه الى الأعلى بدون أستعمال المضخات , ومن سوء حظنا نحن المهندسين لم يفلح أحد بأختراع تلك الطريقة , لأن أكتشاف تلك الألواح الطينية تم بعد ذلك بعدة سنوات . ولنرجع الآن الى عنكاوة القديمة , حيث كانت الساقية تمرفي القرية من منبعها بحوالي 2 كلم من القرية للأستعمال الآدمي و سقى الماشية و الحيوانات , وكنا نحن الصغارفي أيام الصيف نلهو ونلعب فيها لأن عمق الساقية لم يتجاوز عدة أقدام حتى في منبعها , وكان البعض منا يستعمل طرق مختلفة لصيد تلك الأسماك الصغيرة , ومنها أستعمال صنارة لأبرة معقوفة , وربما يفلح بعضنا بعدة أسماك لايتجاوز طولها بوصتين ( كأسماك الساردين المعلبة) بعد جهد جهيد . ولكن نتيجة الأهمال وعدم الصيانة و التنظيف بدأت الساقية بالجفاف , وتم في بداية ستينات القرن الماضي حفر بئر أرتوازية و خزان عالي بمضخة تعمل بالديزل , وتوفير عدة صنابير ( بوري بالعامية) في مناطق في القرية تقوم النسوة بملأ ما لديهم من براميل وأواني معدنية صغيرة للأستعمال اليومي . وأصبحت كاريزيه كأسم فقط بدون مسمى , وحتى الجيل الجديد لايتذكر حتى ذلك الأسم , لأن عنكاوة أصبحت كمدينة متصلة بأربيل عاصمة كردستان العراق  بعد أن كانت كقرية صغيرة تبعد عنها بحوالي 10 كلم .  هكذا كانت بداية محاولاتي لصيد الأسماك قبل حوالي 70 سنة , ولكن عندما قدمت الى مسقط / سلطنة عمان في 1973 من لندن , بدأت تلك الهواية كرياضة بحرية , حيث كان مسموحا في تلك الفترة أستعمال آلة / بندقية يدوية لأطلاق السهم تحت الماء أثناء الغطس , حيث كانت البحارمملؤة بأنواع الأسماك السطحية ( البيلاجيك بلأنكليزية) وغيرها من الكائنات البحرية , وبعد أن تمكنت من شراء قارب بمكينة , أصبحت أستعمل الصنارة من القارب المتحرك ببطأ . وحتى الوالد والوالدة أثناء زيارتهم لمسقط أصبحو من هواة هذه الرياضة , وفي أحدى المرات أنقطع خيط الصنارة بيد والدتي بسبب تعلق الصنارة بالصخور , وصدقت كلامنا بأن حوتا كبيرا تعلق بها وشعرت ببعض الفخر بذلك !!..
 
الوالد والوالدة أيضا أصبحوا من هواة صيد الأسماك
ولكن بعد عدة سنوات سنحت لي الفرصة لتحويل تلك الهواية الى تجارة لمعالجة الأسماك وتسويقها (شركة العينكاوي للأسماك ) وأقامة عدد من محطات جمع الأسماك في بعض المناطق الساحلية , من صيادين عمانيين ونقلها الى مصنع في مسقط بسيارات مبردة , وبعد معالجتها من تقطيع  وتجهيز صالحة للتسويق محليا و حتى الى الخارج  مجمدة و طازجة أيضا , حيث يتم وضع شرائح لأسماك معينة في كارتونات مع ما يسمى الثلج الباودر , ونقلها جوا الى أوروبا أو دول شرق آسيا , وتبقى طازجة لأكثر من 48 ساعة . وهكذا تطورت تلك الهواية الى تجارة مربحة والحمد لله . ونظرا لأنني لاأزال أعتبر الهندسة المعمارية كهواية ومهنة وليست تجارة , كما أصبحت الآن حيث كثرة المكاتب الهندسية وعدم مراعات الأخلاق المهنية في تسويق تصاميمها وخاصة المكاتب العربية والمصرية خصوصا و الهندية , فأصبحت بعيدا عن ذلك السوق , وأركز على المساهمة في المسابقات الهندسية وخاصة العالمية , ولكن المشكلة في تقييم جودة التصاميم مع الأسف في دول الخليج العربي يتم من قبل الحاكم نفسه , وعدد قليل منها يتم بواسطة لجنة تحكيم من مهندسين مختصين ذو كفاؤة و مهنية , لذا أصبحت تجارة الأسماك بالنسبة لي المورد الأساسي للبقاء في الساحة المعمارية , وهكذا ندفع ضريبة باهضة للتمسك بلأخلاق و الأعراف المهنية العالمية !!..
 
ومنذ نهاية سبعينات القرن الماضي و لتاريخ اليوم , وجبتي المفضلة هي الأسماك يوميا لستة أيام في الأسبوع , ونظرا للصيد الجائر من قبل بعض سفن الصيد , أصبحة الأسماك السطحية قليلة و ويضطر الصياد للذهاب الى أماكن بعيدة للصيد , وأصبحت علامة العينكاوي للأسماك علامة تجارية معتمدة للجودة
 والحاصلة على شهادة تصدير للأسماك الطازجة و المجمدة للدول الأوربية . Al-Ainkawi Fisheries



   
, ولكن تمت السيطرة على تلك السفن وتحديد أماكن معينة لكل سفينة , ومنع أستعمال الشباك الجارف لأعماق البحر ومدمر للبيئة و الجزر المرجانية , وحتى فترات صيد أنواع معينة تم تحديدها و خاصة الأبلوني والربيان و القرجال و اللوبستر وهي أنواع ذات قيمة عالية في الأسواق لكي يسمح لها بالتكائر في مواسم معينة . ولكن جاء الحظر ومنع الصيد الجائر كمقولة :- أحسن من ماكو , أوبعد خراب البصرة . وسلطنة عمان التي تمتد سواحلها لأكثر من 1200 كلم , تمتاز شواطؤها ومياهها بالبيئة النظيفة و خلوها من التلوث البيئي لذا الأسماك العمانية مرغوبة و مفضلة وخاصة في دول الأتحاد الأوروبي .
المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير وأستشاري ومحكم خليجي ودولي معتمد / مالك شركة العينكاوي للأسماك / مسقط/ سلطنة عمان


13
هوايتي الجديدة القديمة في لعبة الجولف

     
             
في نهاية سبعينات القرن الماضي , حصلت على عضوية فخرية لنادي شركة نفط عمان , عندما صممت وأشرفت على تنفيذ توسيعات في مبنى النادي المخصص لكبار موظفي شركة النفط , وعندما رأيت أعلان في لوحة الأعلانات في النادي عن بيع حقيبة معدات التي تشمل المضارب المطلوبة مع كيس الكرات  ورأيتها أحسن فرصة لبدأ تعلم اللعبة ومزاولتها في الساحة المخصصة , وكانت يومها ترابية رملية , وحتى بدون حشيش أصطناعي للحفرة الوحيدة والتي يتم التدريب عليها لأدخال الكرة في الحفرة . ونظرا لعدم وجود نادي معتمد يتطلب تسجيل الأعضاء , وتوفير مدربين للمبتدئين , أعتمدت على عدد من الفيديوهات التي تبين طريقة التعلم ومسك قبضة المضرب باليدين والحركات المطلوبة لضرب الكرة وأستعمال نوع المضرب سواء بالرأس الخشبي للضرية الأولى لأبعد مسافة وذات الرؤوس المعدنية . وبدأت متحمسا لأول تجربة في منصة مخصصة مع وجود براميل في مسافات محددة لمعرفة بعد الضربة . ولكن تبين لي بأن هذه اللعبة ليست بالسهولة التي تبدو في الفيديوهات , لأن العديد من الضربات ذهبت بوش في الهواء بدون أن يلامس المضرب الكرة , وعندما تم الأتصال طارت الكرة يمينا ويسارا خارج الأتجاه المطلوب , وأختفت بين الصخور و الأحراش , وفي نهاية اللعبة بعد نفاذ الكرات في جميع الأتجاهات بدأت وأنا أتألم من عضلات الظهر , ويبدو أن من كان قبلي في اللعب لم يكن أحسن حظا في توجيه الكرات الى الأمام , لأنني بعد فترة قصيرة تمكنت من أيجاد عدد أكبر من الكرات المتروكة والتي لم يتم العثور عليها بين الصخور , وبعد أعادة التجربة لأسابيع عديدة , بدون نجاح يذكر , حملت حقيبتي و الكرات الزائدة عن حاجتي , و قررت بأن لعبة الجولف لا تستحق عناء تعلمها , وتركت الحقيبة في مخزن البيت وتركت لعبة الجولف لمن يجيدها . ولكن في السنة الماضية 2018 , أي بعد حوالي 40 سنة من تجربتي الأولى , رأيت أعلان من مدرب للجولف لتعليم المبتدئين , وخاصة وأن النادي قام بتنفيذ ساحات من العشب ( الحشيش) الطبيعي المصمم من أحد مشاهيرالمصممين , وبكلفة عالية بحفر عدد 9, ولذا كانت الفرصة سانحة للتعلم   بيد مدرب محترف عسى أن أتعلم اللعبة بصورة صحيحة , وبعد تمارين أستغرق كل منها ساعة ونصف , كل أسبوع لعدد 8 أسابيع , تمكنت من معرفة الأخطاء التي سبق وأن أقترفتها بدون مدرب , بالرغم من أنني الآن في بحوالي منتصف السبعينات من العمر , ونظرا لأنني بدأت بالحركات و أوضاع الجسم المناسب لكل مضرب بأنواعها , بحيث ألمي في عضلات الجسم لم يكن أسؤأ من السابق وأنا في منتصف الثلاثينيات من العمر.
وعندما جلبت معي في بداية التمارين حقيبة معداتي القديمة , أستغرب منها و أعتبرها مناسبة في متحف لأن المضارب أصبحت أطول وخاصة رقم 1 , الخشبي , وتم تطوير المضارب المعدنية أيضا , ويتطلب الدخول الى الساحات بعضوية لنادي الجولف و تم توفير المضارب و الكرات بدفع مبلغ معين , وتتم الحركة بين أقسام الساحات بسيارة الجولف , وحتى أن الكرات من الساحة المخصصة للتدريب , يتم جمعها بسيارة مخصصة ذات أذرع طويلة تسحب الكرات من العشب وتجمعها في الخزان الخلفي كالمكنسة الكهربائية وأعادتها للنادي لأستعمالها مجددا . ولكن بعد كل تلك التدريبات لم أتحمس لهذه الهواية , وأن كانت مهنة مشهورة يتم الحصول على ربما ملايين الدولارات من الفوز في جوائز عالمية للرجال و السيدات , ويبدأ التدريب عليها من صغار العمر حيث توجد مضارب لصغار العمر , و تعتبرلعبة الجولف للمشاهير و حتى رؤساء الدول , والرئيس ترامب ليس فقط لاعب ماهر وأنما له ساحات الجولف في نوادي بأسمه في عدة دول العالم ومنها عدد من دول الخليج العربي . وبعد أن مارست اللعبة لفترة قررت بأنها ليست هوايتي المفضلة , لأنها تحتاج للتمرينات المستمرة , والشغف في تحسين الأداء والمنافسة , وقررت بأن السباحة هي الأفضل لي كرياضة أزاولها متى شئت , وعادة أذهب الى النادي كل يوم جمعة , وأبقى في البحر عدة ساعات سباحة مستمرة وأن كانت ما يسمى ( البريست ستروك ) بحركات معتدلة . ولا أعبه بهيجان البحر وحسب ما تقول زوجتي بانني لا أخاف من البحر وأنما البحر يخاف مني , ولكن أعترف بأنني أمتنعت عدة مرات من دخول بحر هائج بأمواج عالية لأنني أخاف على ظهري وأن كنت قد خرجت من البحر الأسبوع الماضي لوجود عدد من قناديل البحر , التي لسعتني باليد وتقريبا أدى الألم الى شل حركة يدي والحمد لله لم أكن بعيدا عن الشاطيء , وأن لم أخبر زوجتي بهزيمتي !!..
   
أيوب عيسى أوغنا
معماري و خبير و محكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان

14
سفرتي الى النرويج و التزلج على الثلج في الصيف سنة 1991
لبيت دعوة لزيارة النرويج من عائلة نرويجية ألتقيت بها في صالة أستقبال الفندق الصغيرالذي أملكه على شاطيء البحر في مسقط ( فندق شاطيء القرم) , ولست كثير التردد على الفندق ولا أعرف نفسي لمن
 
صادف وجودهم في حضوري , لأن الأدارة تقوم بالواجب ولا أتدخل في الشؤون اليومية للفندق , ولكن العائلة النرويجية المكونة من الوالدين و أبنتهم الجميلة أثارت أهتمامي وخاصة وأنني كنت تقريبا منفصل من زوجتي الأنكليزية التي قررت بعد حوالي 20 سنة من الأقامة في سلطنة عمان الى الأنتقال والعيش في وطنها الأصلي , وهكذا قمت بالمبادرة لمرافقتهم الى الأماكن السياحية والترفيهية وخاصة نادي النفط في رأس الحمراء , والأستمتاع بما يوفره النادي من الفعايات الرياضية كالسباحة و الأبحار بالقوارب الشراعية وغيرها  .
ونظرا لأن اليخت ( السلطاني القديم) الذي كنت لا أزال أحتفظ به , كان خارج الخدمة وخارج الماء لأعمال صيانة في ميناء السلطان قابوس في مطرح , ولكن تمكنا من تفقده وألقاء نظرة عليه من الداخل و الخارج , ونال أعجابهم . وأن سلطنة عمان تعتبر من أجمل المناطق للسياحة وخاصة في فصل الشتاء القصير ولكن الصيف الطويل لايطاق بدرحات حرارة تتجاوز 50 درجة مئوية , والرطوبة تصل الى 95% وأكثر.
وهكذا أنقضت أيام عطلتهم لأسبوع كامل , وقمت بأخذهم في سيارتي ( جاكوار سبورت 12 سلندر) الى المطار , بعد أن شكروني من أعماق قلبهم و تمت دعوتي لقضاء عطلة صيفية في النرويج في ضيافتهم .
     
وكنت أترقب مجيء الصيف , وبعد حصولي على الفيزا , أخبرتهم هاتفيا بأنني أرغب في زيارتهم طالبا الموعد المناسب عند حصولهم على الأجازة الصيفية من العمل , لأن الجميع في النرويج يعملون في وظائف الى سن التقاعد 65 سنة , وكانت الوالدة في عمر 50 سنة ( كعمري حينها) , تعمل كمعلمة لذوي الأحتياجات الخاصة في المملكة العربية السعودية , و تبين أن من تصورت أنه زوجها , أنما كان صديقها وأن كان أصغر سنا منها , أما الأبنة الجميلة في عمر 30 سنة وعلى وشك الطلاق من زوجها بصورة قانونية أمام المحاكم , لذا كان يجمعنا أكثر من عامل مشترك , وتطورت كبداية لعلاقة عاطفية /غرامية ,  وخاصة أنها كانت تعمل كمصممة ديكور ولها مكتبها الخاص . وجاء موعد السفر الذي كنت أترقبه بشوق , وتم أستقبالي في مطار أوسلو , ولم أعلم أين سأسكن , فعندما طلبت أخذي الى أقرب فندق , ولكن الأبنة أخبرتني أنني ضيف ولها فيلا صغيرة في منطقة سكنية فاخرة , لأن عائلتهم كانت ثرية وتملك عدة عقارات في المدينة , وطبعا رحبت بفكرة البقاء معها , وان والدتها تعيش أيضا في منزلها القريب مع صديقها .
وفي اليوم التالي تمت دعوة عدد من أصدقاؤها للفطور, الذي أعدته بنفسها لأنواع الأجبان و شرائح اللحوم والعصائر و الأشهى أنواع الخبز والبسكويت . وقرروا أخذي في جولة في المدينة الساحرة
   
     
, وبعدها الى أجمل موقع سياحي مشهور في المدينة والنرويج وهو ما يعرف ببارك / حديقة التماثيل ( فيجيلاند بارك) والحديقة الفريدة من نوعها من عمل فنان واحد ( جوستاف فيجيلاند 1869- 1943) وسميت بأسمه , وتضم أكثر من 200 منحوتة من البرونز و الجرانيت و الحديد المطاوع , وأيضا كان الفنان مسؤولا عن التصميم و التخطيط المعماري وتم بناؤها بين سنة 1939 – الى سنة 1949 , وتتميز أيضا ببواباتها الحديدية بتصاميم رائعة وتقع في منطقة فروجنر مانور وتضم أيضا متحف أوسلو وغيرها من الأماكن الترفيهية . وتعتبر أجمل حديقة للتماثيل في العالم , ويزورها الملايين سنويا من أنحاء العالم .
Vigeland Park , the works of Artist Gustaf Vigeland ( 1869-1943) .
Built in ( 1939- to1949) , in the area Frognerseteren. Oslo

       

وفي يوم آخر دعوني الى زيارة أعلى بحيرة في النرويج , ويحتفظون فيها منزل قديم على ضفاف البحيرة , وهو الوحيد الذي يقع في تلك المنطقة لأن جدها وجدتها كانوا معلمين في القرية القريبة لأكثر من 25 سنة الى أن وصلوا الى سن التقاعد , ويعيشون في مدينة أوسلو حيث تمكنت من مقابلتهم وتذوق أشهى بسكويت صنعته جدتها البالغة من عمر 70 سنة كزوجها , ولكن تم السماح لهم بأحتفاظه بعد ذلك نظرا لخدماتهم الجليلة للقرية , وكانوا يقضون فيه بعض الوقت في فصل الصيف , ويتم الوصول أليه بالسيارة ذات الدفع الرباعي بطريق وعر وضيق يسمح بمرور سيارة واحدة , ونظرا لأرتفاع الجبل فأن الأشجار تبدأ في التناقص كلما زاد الأرتفاع , وتبدو المنطقة في أعلى الجبل صخرية خالية من الأشجار . وفي عدة أماكن من الطريق كانت توجد مكاتب صغيرة غير آهلة لأستلام رسوم الطريق , ويتم الأعتماد على الثقة في الأشخاص العابرين بدفع المبالغ و وضعها في خزائن خاصة وتسجيل أسم الشخص و عدد الركاب وهذا ما تم في كل نقطة عبور , وبعد عدة ساعات وصلنا الى أعلى الجبل , والبحيرة الساحرة بين الصخور و الجبال المحيطة و


   


 وكان المنزل من خشب كبقية البيوت في القرية القريبة , ولكن البيت هو الوحيد بالقرب من البحيرة , وبعد أستراحة وشرب الشاي و البسكويت , تمكن صديق الوالدة من أخراج قارب صغير بمكينة 10 قوة حصان من المكان المخصص له و يوجد منحدر خشبي لأنزلاق القارب الى البحيرة مباشرة بواسطة كيبلات على بكرة حديدية يتم تحريكها باليد , ولايتم أستعمال القارب ألا في مناسبات قليلة لمنع تلوث البحيرة وماؤها الصافي بحيث يمكن رؤية القاع بسهولة , وبعد نزهة بحرية حوالي نصف ساعة تمكنا من رؤية العديد من حيوانات تعيش في البحيرة تسمى ( البيفرز)
 
  وهي بحجم حيوان أليف , وتقوم بصنع أكواخ خشبية لهاعلى ضفاف البحيرة , وتتميز بهندسة وتصميم رائع وكأنه مصنوع بيد بشر , حيث تتكاثر و تحمي صغارها فيه , وتعيش على االأعشاش والنباتات التي تنمو في الماء و على ضفاف البحيرة , تتميز بذيلها المسطح كالسوط حيث تستعمله للسباحة تصل سرعتها 5 ميل بالساعة , وتقطع جذوع الأشجار اليابسة بأسنانها الحادة لتلك العملية.
وتم أبقاء ظاهرة فريدة في الليل ومفاجئتي بحدوثها بدون مقدمات أو أنذار , وتسمى أضواء الشمال ( نورثيرن لايتس) , وتعتبر من عجائب الدنيا حيث تتلألأ السماء بتلك الأضواء وكأنها أنفجارات كواكب في السماء المظلمة ( لأن البيت لاتوجد فيه كهرباء بل مصابيح زيتية وشموع ) , ولذا تقوم الأضواء بملأ السماء بتلك الألعاب النارية , و تنعكس من سطح البحيرة في مشهد رائع وعجائبي .
وكان هذا المشهد أروع منظر رأيته في حياتي , ولولا التعب من الطريق ومشقة السفر لبقيت الليل بأكمله أسهر وأشاهد تلك الظاهرة الفريدة وتحدث فقط في أوقات وأماكن معينة في العالم .
Northern Lights . Beavers .
   
   
وفي اليوم التالي بدأنا رحلة الرجوع , وكان البرنامج الأخير الذي تم أعداده لي هو الصعود الى قمم الجبال المغطاة بالثلوج , وأستغربت عندما علمت بأنه على سفوحها يتم التزلج على الثلج في شمس النهار صيفا , وأنه من الهوايات المفضلة للكثيرين من المتزلجين , و سبق وأن كانت لي تجربة مثيرة للتزلج على الثلج في الشتاء على سفوح جبال الألب في النمسا قبل عدة سنوات , وكتبت مقالة عن تلك السفرة نشرت في صفحات عنكاوة دوت كوم و الفيسبوك , وأنوي نشرها على صفحات الجاردينيا في حقل أدب الرحلات , كما سأحاول نشر هذه المقالة أيضا لأهميتها و تنوع مشاهدها وأحداثها , وبعد عدة ساعات من السفر بالسيارة , قررنا المكوث ليلا في أحدى الفنادق الصغيرة على الطريق , والتهيأ للوصول الى أعلى الجبل في اليوم التالي في الصباح الباكر . وكان الطريق المؤدي الى الجبل مليئا بالسيارات وخاصة وأنه كان في عطلة نهاية الأسبوع . وبعد وقت قصير من التردد , قررت خوض المعركة والمباشرة في عملية التزلج بعد لبس الملابس الخاصة و أرتداء الزحافات , و بعد عدة محاولات للبدأ بلأتصال بالرافعة التي كانت وضعيتها خلف الظهر وليس في الأمام كما كانت في النمسا , ولذا كانت أصعب وضعية لكي يندفع المتزلج الى أعلى المنحدر , وتتميز تلك المنحدرات بأنها لاتتطلب الرافعات على الأسلاك لأن المنحدرات ليست عميقة

 
             
 

 
 


, ولذا كانت أسهل علي للتزلج , ويبدو أن تجربتي السابقة كانت خير عون لي للتزلج بسهولة ولو أنني سقطت مرة واحدة وهرع ألي صديق الوالدة الذي كان مهتما بصحتي وخاصة وأنني ضيف عليهم , وقمت بدون أي كسر و الحمد لله , وأكملت نزول المنحدر الى الأسفل , وبعدها قضيت الوقت بمشاهدة المتزلجين وخاصة المتزلجات بملابس السباحة / المايو و بعضهم بالسراويل و الصدر العاري , وهكذا قررنا الرجوع قبل حلول المساء والوصول الى أوسلو في الليل .
أنتهت ال7 أيام ولياليها , بسرعة , وتم أيصالي الى المطار في الموعد المحدد , ونهاية رحلة شيقة بكل معاني الكلمة , من الضيافة وحسن الأستقبال و التعرف على مدينة أوسلوا و عدة مناطق أخرى من البلد الساحر النرويج , وهنأت نفسي بالتفضل بعدم أحتساب نفقات مكوثهم في فندق شاطيء القرم منذ البداية وأعتبارهم ضيوفا لي , كما كان ردهم بالمقابل , وأن كانت سفرتي الوحيدة الى هذا البلد , لأن علاقتي أنقطعت مع الفتاة لأن زوجها السابق رفض أوراق الطلاق , وخاصة بعد أن علم بمجيئي , وحاول المستحيل لأعادة زوجته أليه , ولا تسألوني عن مشاعري , ولكنني أحتفظت بأحلى الذكريات ولا أشعر بخيبة أمل لتلك النتيجة لصالح علاقة زواج شرعية , متمنيا لهم السعادة و العيش الهانيء , و كما يقول المثل العراقي :- خيرها بغيرها !!..

المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم قانوني دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان



16
تجربتي في قيادة طائرة نفاثة و طائرة هليوكوبتر
في أحدى سفراتي الخاصة الى بريطانيا قبل حوالي 10 سنوات , أقترح علي زوج أبنتي صوفيا ( أنكليزية الأم) وزوجها مارك ( بولندي الأم) , للأصطحابي معهم الى مطار صغير في شمال بريطانيا , حيث يحتفظون بعدد من طائراتهم فيها , وربما القيام بجولة جوية للأستمتاع برؤية المشاهد على الأرض بعيون طائرفي الهواء , وكعهدي بتقبل هكذا تجارب وحبي للمغامرة , لن أتردد لحظة واحدة للقبول و الذهاب معهم في سيارتهم , وكان المطار على بعد حوالي ساعتين بالسيارة من لندن , وتم تخصيص هذا المطار لهواة الطيران وطائراتهم , وكان هذا المطار من المطارات الهامة في أقلاع الطائرات الحربية في الحرب العالمية الثانية ولم يتم تغيير معالمه الأصلية كثيرا , حتى الكانتين الصغير كان يعمل بتوفير وجبات خفيفة للطعام و الشراب كعهده السابق , حيث قمنا بطلب الفطور الأنكليزي من البيض و السوسج و لحم الخنزير مع البيك بينس . وكان مارك وفريقه يحتفظون بعدد من الطائرات النفاثة التي تم الأستغناء عنها من قبل سلاح الجو البريطاني , وشهدت عدة حروب منها حرب 67 و 73 , وتم شراؤها و صيانتها من قبل الفريق الذي كان مارك قائدا لهم , ويقومون بأعمال بهلوانية في الجو ويتخللها بث تيارات من الدخان بألوان مختلفة وراؤها لأستمتاع الحضورفي مناسبات لجمع التبرعات للأعمال الخيرية فوق الجموع والحشود من العوائل والأطفال في تلك المهرجانات الشعبية . ويقومون بتلك الفعاليات كهواة في أوقات فراغهم مجانا .
   
ولكن مارك كان يحتفظ بعدد 2 طائرات سمكية ( هليوكوبتر) القديمة والمشهورة والتي شهدت حرب فييتنام , ويقوم كرجل أعمال في بعض الأحيان بأستعمالها للمشاركة في أفلام حربية وغيرها سواء بتأجيرها أو القيام بنفسه في قيادتها , ويتمكن من الحصول على المال اللازم للأحتفاظ بها و صيانتها و رواتب الفنيين وأجور المطار . لذا كان البرنامج في البداية بالطيران فوق أرض المطار بطائرة هليوكوبتر , وبعد أن تم أعطائي ما يلزم من الأرشادات و التعليمات لأجهزة القيادة , قام مارك بالجلوس بجانبي و أخذ القيادة لعملية الأقلاع وبعدها تمكنت من التحكم بالقيادة الى أن قمنا بعدة دورات , أخذ زمام الهبوط في الموقع الخاص بها , ولم أجد صعوبة في القيادة بتحريك المقود اليدوي للأمام لرفع الطائرة و للخلف للنزول و اليمين و اليسار للأستدارة المطلوبة . وأستغرقت العملية حوالي ساعة , وكان لدينا الوقت لتجربة الطائرة النفاثة وما هو أصعب من طائرة الهليوكوبتر , وتطلب عدة ساعات من التحضير و الأرشادات المعقدة , وعندما بدأ بشرح طريقة القفز بالمظلة في حادث حصول خلل طاريء , بدأت بالتفكير جديا للعدول عن الفكرة  , وخاصة وأن القفز بالمظلة يمكن أن يؤدي الى ضغط على العمود الفقري , ينتج عنه تقلص العظام بوصة أو بوصتين من طول الأنسان . وبعد أن أكد لي بأن حدوث ذلك أقل من 1% , مما بعث بي الأمل بسلامة العملية و الأستمرار فيها , وكما هو واضح في الصورة كابينة القيادة هي للكابتن  و مساعده في الخلف . ويذكرني المشهد بالرئيس بوش الأبن عندما نزل بطيارة نفاثة على حاملة الطائرات وهو يزهو بنفسه وكأنه هو الذي كان قائدا للطيارة ولكن الحقيقة كان مساعدا للكابتن , وأعلن فيها وهو يحمل خوذته بأنتهاء العمليات العسكرية و الفوز النهائي على صدام حسين في الحرب ( ؟؟) ..
ويمكن للمساعد تولي القيادة من الخلف في حالة حدوث حالة أو وكعة صحية يفقد فيها زمام القيادة وأيضا كانت نسبة الحدوث قريبة من  1% , نظرا للخبرة الطويلة و الصحة الجيدة التي يتمتع بها مارك , وأنه
حائز على رخصة قيادة حتى الطائرات الجمبو للمسافرين و له سجل آلاف الساعات في الطيران لمختلف أنواع الطائرات , وله طائرة خاصة ( لرجال الأعمال) للسفرمع أفراد عائلته في أوروبا وحتى الى أمريكا وأن أبنتي صوفيا أيضا لها رخصة للطيران و قاموا معا بتمثيل عدة أدوار ككابتن و مساعدته في عدد من الأفلام . لذا كنت في أيادي أمينة فيها شيء من الخطورة التي لاتخلوا منها أية مغامرة أو فعالية رياضية أو حتى السفر سواء بالسيارة أو الطائرة .
         
     
وبعد أخذ الأذن في الأقلاع بالطائرة النفاثة من برج المراقبة , وتحركت الطائرة بسرعة هائلة على أرض المدرج وبدأنا بالصعود و كان الهدف الوصول الى بحر المانش و بحر الشمال , عندما بدأ الكابتن بعدة فعاليات منها الصعود والهبوط الى الأعلى والأسفل والأستدارة الى اليمين واليسار و قلب الطائرة بحيث أصبحت رؤوسنا الى الأسفل عدة تقلات , وبعدها أشار ألي بالهاتف عن طريق السماعة الموجودة في الخوذة , بأخذ القيادة من الخلف و بدأت بتردد القيام بالعملية والأستدارة يمينا و شمالا  وبعد فترة أصبحت أجيد العملية بمرونة أكثر و سيطرة جيدة , حتى أني قلبت الطائرة مرة واحدة وبدأت أشعر بدوران الرأس و طلبت من مارك أستلام القيادة والرجوع الى المطار , ويوجد في بنطرون السترة عدد من أكياس في حالة التقيأ / التزوع , ولكنني حافظت على عدم المحاولة لحين الوصول , وهكذا تمت عملية الهبوط بسلاسة  وتم فتح السقفية الزجاجية والنزول بعد تركيب الدرج الخاص وأصبحت أتنفس الصعداء لنجاح العملية , ولكنني بسرعة ذهبت الى أقرب صندوق للقمامة , وبدأت باخلاء ما في معدتي من الفطور الذي تناولته بشهية في الكانتين , وبدأت أشعر بتحسن , وكانت هذه أول وآخر تجربة لي في قيادة الطائرات , ولكن كانت تجربة مثيرة تستحق القيام بها و تضيف الى تجاربي السابقة و اللاحقة في خوض تلك المغامرات و التجارب الشخصية التي تم ذكرها في عدد من مقالاتي عن ذكرياتي في مختلف أطوار العمر وأولها بعمر 3 سنوات وربما أقل عندما رأيت أخي الطفل الأضغر مني ( فؤاد) بعمر أقل من سنة يتعرض للحرق من الماء المغلي والأستنجاد بوالدتي للهرع لنجدته والمرة الثانية كنت بنفس العمر مع طفلة بنفس العمر على سطح البيت ونحن نكشف عوراتنا ونكتشف ما لي وما ليس لها ولأول مرة نتمكن من التعرف على الآخر وأن نفرق ما للذكر وما ليس للأنثى . وأوكد بأن تلك الحادثتين أتذكرهما بالتفصيل وكأنها حدثت يوم أمس , وربما هذه الذاكرة فريدة من نوعها وربما صعبة التصديق , وسبق وأن ذكرتها في ذكرياتي عن قلعة كركوك القديمة , وجميعها نشرت على صفحات موقع عنكاوة دوت كوم و الكاردينيا دوت كوم , و الأنترنيت و بعضها على صفحات الفيسبوك . وهذا يثبت بأن الذاكرة تبدأ في عمر أقل من 3 سنوات وليس كما هو معلوم طبيا بأن مخ الطفل يكتمل في عمر 5 سنوات وما فوق , ومن يتذكر منكم شيئا بذلك العمر ؟؟!..

المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان



18
                                                  اليوم الذي كنت فيه هارون الرشيد

جامعة ليفربول في بريطانيا كانت سنويا تشارك المدينة في تنظيم كرنفال من المواكب المختلفة في حافلات
مزينة بديكورات تمثل فعاليات و أنشطة و أحداث تجوب شوارع المدينة لجمع التبرعات للأعمال الخيرية
في بداية شهرالربيع , ومن أحدى المقترحات كانت أظهار الحقبة الذهبية للعرب في العصر العباسي , ولذا
قررت جمعية الطلبة العرب في الجامعة أن تتبني الأستعدادات و تجهيز أحدى الحافلات لتمثيل تلك الحقبة
بصورة لائقة فكان القرارأظهار العصر الذهبي لهارون الرشيد وألف ليلة وليلة المعروفة والمحببة للجميع ,
وبعد مناقشة من يمثل الدور في اللجنة المنظمة , وقع الأختيار علي لتمثيل الدور , وقبلت بالفكرة وخاصة
وأن الدور يناسبني حيث كان معروفا بأن لي عدد من المعجبات في الجامعة وخارجها . وهكذا عندما حل
تاريخ المناسبة بعد أنجاز الأعمال على الحافلة في الساحة المخصصة لبدأ المواكب , تم عمل المكياج اللازم
لي في أضافة اللحية و الشوارب و الملابس و شدة الرأس بلأقمشة الحريرية الزاهية الألوان , وسبق وأن تم
أختياربقية المشاركات من خلال الأعلان عن طالبات يرغبن في أداء دور الوصيفات ( الجاريات) للجلوس
على جانبي هارون الرشيد وتم فرش السجاد الأيراني و الوسادات الملونة على أرضية الحافلة التي تم
تحويلها الى ما يشبه مغارة علي بابا من الخارج , وهكذا تم قبول عدد 12 وصيفة لتمثيل الدوربعد
تجهيزهن بالملابس الفضفاضة والسراويل وغطاء الرأس من الأقمشة الحريرية الملونة و المكياج اللازم .
بدأ الكرنفال في يوم مشمس ودافيء , وتحركت الحافلات ببطأ وبدأت الحشود تصطف على جوانب الطريق
, وهم يصفقون و يلوحون و العديد منهم يلتقط الصور التذكارية للمناسبة , وبعد فترة ونحن جالسين كالدمى
نبتسم ونلوح لهم بين الحين والآخر, بدت لي فكرة لأثارة الجماهير لأظفاء مصداقية في تمثيل وأداء الدور
ببعض الحركات ( الأكشين) , فطلبت من الجارية على يميني أن تعانقني و تبادلي القبلات , وفي لمح
البصر كانت في حضني تؤدي الدور ليس بالتمثيل وأنما بالرغبة الجامحة , وخاصة وأنها بدأت بالضجر
من الجلوس بدون حركة , وهذا أدى الى أثارة ليس فقط في زيادة تشجيع الجماهيروحماسهم , وأنما أنتشرت
الشرارة بين بقية الجاريات وكالعدوى , فبدأت بأزاحة الجارية العشيقة الأولى و السماح للتي على جانبي
الأيسر لتأخذ دورها بالتناوب , وكلما زاد تصفيق وهتاف الجمهور الذي بدأ بمسايرة واللحاق بالحافلة
والتجمهر حولها وخاصة في تقاطع الطرق حيث يتوقف السير لبضعة دقائق , وبدأوا بطلب المزيد , بحيث
بدأت الوصيفات نمثيل الدور, الواحدة بعد الأخرى في أخذ حصتها ونصيبها من العناق و القبل , وهذا مما
زاد في حيوية المشهد و حماس الحشود التي يبدو أنها كانت تتوقع المزيد , وبعد فترة ليست بالقصيرة , لم
تتخيب آمالها حين بدأت بعض الفتيات بالرقص الشرقي لنيل رضى السلطان و تلبية لطلبات المعجبين
والعديد منهم يلتقط ليس فقط الصور الفوتوغرافية و لكن بدى لي أن مصورين وربما صحفيين كانوا
يحملون كاميرات فيديولنقل تلك المشاهد الغير المألوفة للبريطانيين المعروف عنهم بالبرود , وهكذا أصبحت
مشاهد ألف ليلة وليلة حقيقة ماثلة للعيان وسط حشد غفيرمن هؤلاء المحتشدين بين التصفيق و حتى بعض
الهتافات المؤيدة ونالت أستحسان وأعجاب لا مثيل له , وكنت قلق بعض الشيء أن يتحول المشهد الى
ستريبتيز وأمور لاتحمد عقباها , وخاصة وأن بعضهن بدأن بالتخلص من بعض تلك الأقمشة وغطاء الرأس
لتسهيل هزات بطنهم , ولم نتوقع أن تتحول تلك المشاهد الى هذه الضجة التي لم تكن في الحسبان ولم نقوم
بأعمال البروفا لها مسبقا وأنما كانت عفوية وليدة الحدث والتجاوب مع الجمهور. ويبدو أن مشاهد ألف ليلة
وليلة أصبحت حديث المدينة ( توك أوف ذي تاون) وخاصة بعد أن تم نشربعض الصور منها في جريدة
المساء ( ليفربول أيكو) . وفي اليوم التالي تم أستدعائي أمام اللجنة المنظمة وبدلا من تهنأتي للعب الدور

بنجاح , أتهموني بأعطاء أنطباع سيء عن العرب أمام الجماهير , وخاصة وأنه كان معلوما بأن عدد 2 من
الجواري كانوا يهوديات وربما تصور بعضهم أنها كانت مؤامرة لتلطيخ سمعة العرب , وخاصة وأننا كنا
قبل عدة أشهرمن حرب 6 حزيران 1967 .
ومن يدري لربما كانت سببا في هزيمة العرب في تلك الحرب ؟؟..
فكرة المؤامرة لا تغادر عقول هؤلاء السذج , ولكن الأساؤة الكبرى لسمعة العرب كانت في خروج
مظاهرات في اليوم الأول للحرب , في شوارع ليفربول من قبل أعضاء الجمعية ( التي لم أنتمي أليها
كعضو وأنما الى جمعية الطلبة العراقيين و الكرد ) والمئات من مناصري العرب في المدينة أحتفالا بأخبار
الأنتصارات والنصر الذي كانت أذاعة صوت العرب تبثه من القاهرة , من قبل المذيع أحمد سعيد السيء
الصيت , وتبين أن أسقاط 300 طائرة أسرائيلية كانت محض خيال و وهم بعد أن تبين خلال أيام هول
الهزيمة و الفاجعة وأحتلال أسرائيل أضعاف مساحتها الأصلية , وخاصة الضفة الغربية وحائط المبكى من
الأردن وهضبة الجولان من سوريا , صحراء سيناء من مصر , وقبول العرب بالهزيمة المذلة وبوقف
أطلاق النار وأعلان الهدنة !!..

19
أول سيارة أشتريتها كطالب بعثة في بريطانيا وأحداث مثيرة ذات صلة
تم قبولي في جامعة ليفربول لدراسة الهندسة المعمارية سنة 1964, وكنت قبلها أكملت دراسة ( الجي سي ئي) في كلية ستريتفورد القريبة من مانجستر لمدة سنتين , ولقد سبق وأن أشتريت دراجة نارية ( سكوتر / لامبريتا) في مانجستر وكتبت عنها في ذكرياتي وأحداث مثيرة كانت لها صلة بالموضوع , لذا كان لي أمل أن أقوم بالتعلم لسياقة السيارة والحصول على رخصة القيادة قبل التفكير بشراء سيارة حسب أمكانياتي المتواضعة كطالب بعثة يحصل على مخصصات شهرية لكل شيء حتى الكتب و اللوازم المدرسية = 45 باون أسترليني , وأحاول الأدخار في المصاريف قدر الأمكان . لذا قدمت للألتحاق بمكتب لتعليم السياقة في مانجستر , وفي أول درس للتعليم , جلست بجانب المدرب وبدأ بشرح أجهزة السيارة لمختلف السويجات , وحتى كيفية عمل ماسح/ منظف الزجاج الأمامي من المطر , وعندما أنتهى ونحن لانزال جالسين على جانب الطريق بدون حركة , أنتهت الساعة الكاملة للدرس , وكنت قد  دفعت جنيه أسترليني كلفة الدرس مقدما ولم أتمكن من عمل شيء عدا الخروج من السيارة بعصبية و سد باب السيارة بوجهه بشدة , وكانت هذه أول وآخر درس لتعليم السياقة من هكذا مكاتب .
في السنة الأولى في الجامعة , تم دعوتي من أحد الطلاب لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في بيتهم في مقاطعة ويلز , وكان معي أحد الطلاب العراقيين وهو أقدم مني في السنة الثالثة ( لبيد الفخري ) , وكان والد روبرت ماكناب, قد جاء الى ليفربول في مهمة بسيارته , وهكذا تمكنا من مرافقتهم و الأستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة والمنقطعة النظير في الطريق , وخاصة وأنني لم أتمكن من زيارة العديد من المناطق البريطانية , لأن المخصصات الشهرية للبعثة العلمية لم تكفي للقيام بذلك , وخاصة وأنه كان يوما مشمسا طيلة السفرة . وفي المساء بعد تناول العشاء مع أفراد العائلة , قررت أنا و لبيد أن نذهب الى أقرب بار لشرب جلاس من البيرة والجلوس مع أهالي القرية الصغيرة في الريف الويلزي الرائع , القريب من جبل سنودن المشهور كأعلى جبل في المقاطعة وتسمى منطقة سنودونيا المشهورة سياحيا بالجبال والبحيرات . وأدى حضورنا الكثير من الأهتمام , والترحيب من هؤلاء القرويين البسطاء , وأصر البعض منهم أن يشتروا لنا البيرة على حسابهم ولم نمتنع من قبول العرض السخي الذي لم نكن نتوقعه من غرباء ويبدو أن بشرتنا الشرق الأوسطية أصبحت موضوع للنقاش , وكما تبين من أحاديثهم بأن أصول أهل ويلز هي أيضا شرق أوسطية  وربما هذا يجعلنا من نفس الأصل , وهذا ما كان واضحا بين الحضور . وكانت العادة أن يشتري كل فرد من الجماعة البيرة للأخرين كل حسب دوره , وبعد عدة كاسات الباينت بدأنا نشعر وكأن الكحول قد بدأ يأخذ مفعوله في رؤوسنا وقرر لبيد بالرجوع قبل أن يسكر , لأننا لم نتعود شرب هذه الكمية من البيرة في جلسة واحدة ولم نجرأ أن نجاري الآخرين بأخذ الدور لشراء البيرة لهم بالمقابل , وبعد جلسة طويلة تخللتها أغاني حماسية بلغة الويلش وهي لغة تختلف تماما عن الأنكليزية وتسمى لغة الجيليك وتشبه لغة الكيلتيك في أسكتلندة وأيرلندة , وخاصة وأن لهم شهرة في أغاني فولكلورية تراثية , ومن أشهر المغنين كان توم جونز الذي أشتهر عالميا بصوته الشجي , وفي نهاية الوقت في الساعة الحادية عشر , تم دعوتي من قبل أحد الحاضرين وزوجته الى بيتهم لتناول الطعام بالرغم من الوقت المتأخر , ووعدني بأيصالي الى بيت صديقي بسيارته , وخاصة وأني كنت أشارك لبيد في غرفة خارجية وراء الجراج , ونظرا لأنني كنت في مزاج مرح , فرحت بالدعوة وبدأنا بشرب نبيذ معتق المشهور في المقاطعة , قبل العشاء و أثناؤه و بعده , وبعد أداؤه بعض الأغاني الأوبيرالية ومشاركة زوجته بالكورس , أستأذن بالذهاب الى غرفة النوم و أن زوجته ستقوم بالواجب , وتبين من كلامها بأنهما متزوجين من 10 سنة وبدون أطفال بسبب ضعف وقلة عدد الحيوانات المنوية لدى زوجها , و حتى قاموا بالتفكيرمرارا بعملية التبني , وأعترفت بأن زوجها كان يحثها على معاشرة من ترغب لرزقهم بطفل في العائلة , وبالرغم من أنني كنت سكران فول , بدأ الوضع يتضح لي بأنها مؤامرة , وخاصة عندما جلست بجانبي تحاول التحرش بي , وبدأت تبكي وأضطررت لضمها الى صدري وأهدأ من روعها , ولكنني أعتذرت بأنني سكران ولا أتمكن من عمل شيء , و وعدتها بأنني سأحضر الى البار في اليوم التالي الأحد وهكذا تمكنت التملص من موقف صعب ونتائج  لايحمد عقباها , وبطريقة دبلوماسية لم تشعر بأي أهانة أو تصدي , و تمكنت من أيصالي الى البيت بسلام وبقبلة حارة , وبدأ رأسي في الدوران و بصداع شديد , تمكنت من أفراغ معدتي في دورة المياه الخارجية , شعرت بعدها بتحسن مفاجيء , وأستغرقت في نوم عميق لم أتمكن من النهوض المبكر لتناول الفطور معهم , وكان البرنامج محاولة تسلق الجبل لأن والد روبرت كان محترف في تسلق الجبال حتى في جبال الألب السويسرية , وكان الكراج مملوءا بتلك المعدات , أعتذر لبيد كعادته و لكني قبلت المجازفة وخاصة وأنني مع متسلق محترف وأبنه , وكانت الطريقة الأخرى لصعود الجبل هي بالمشي على الأقدام من الطرف الثاني المائل الذي يتيح للمشاة ممرات مخصصة للهايكينك / المشي , و وعدنا لبيد و والدة روبرت وأخته الصغيرة , بأننا سنتلقى بهم في قمة الجبل . وبعد حصولي على بعض التعليمات و الأرشادات في أستعمال الحبال و بعد أرتداء الملابس والأحذية المناسبة للتسلق والخوذة على الرأس , بدأنا بالتسلق في مواقع تعتبر سهلة للمبتدئين من أمثالي . ويبدو أنني أبليت بلاء حسنا و بتشيع روبرت و والده , وبعد عدة ساعات تمكننا من الوصول الى قمة الجبل الذي يتعبرأعلى جبل في مقاطعة ويلز ومشهور لمتسلقي الجبال في بريطانيا . ولكنني بدأت أعاني من تصلب عضلات رجلي و أنسلاخ الجلد من يدي بالرغم من أرتداء القفازات وخاصة وأنها أول محاولة لي لتسلق الجبال , وبعد عدة ساعات راحة , ولقاء الآخرين , بدأنا في النزول مشيا الى القاعدة , حيث وجود مواقف السيارات وعدد من مقاهي الكافيتيريا و جموع غفيرة تستمتع بالجو الرائع و حرارة الشمس , ووأثناء تناول بعض المرطبات سمعت أصوات عراقية من بعيد , وأستأذنت للذهاب لمقابلتهم , وكانو 3 طلاب عراقيين يدرسون الهندسة المدنية في جامعة كارديف (عاصمة المقاطعة التي تعتبر بمثابة دولة)  والمشهورة في ويلز , وطلبوا مني قضاء اليوم بصحبتهم , بعد أن تمكنوا من أرجاعي الى البيت بسيارتهم القديمة / موريس ماينور موديل 1960 , و ترك أمتعة التسلق وتقديم الشكر لوالد و والدة روبرت لحسن الضيافة , وكنت في عجلة من أمري للتملص من الموعد الذي وعدته لمن ترغب في الحصول حيواناتي المنوية عسى أن ترزق بطفلي وكأننا على موعد لزواج المتعة ولو لساعة واحدة وخسرت الفرصة لترك أحفاد من الويلزيين من نسلي في المقاطعة   !!..
وقرر لبيد الرجوع بالقطار مع روبرت الى ليفربول وأن الطلبة العراقيين وعدوني بأخذي الى محطة القطار في عصر ذلك اليوم . وتناولنا الوجبة الغذائية الشهية للرز والمرقة التي قاموا بأعدادها في شقتهم السكنية .
وتبين أن أحد الطلبة / عماد البغدادي , تخرج من الجامعة و كان على وشك التهيأ والأستعداد للرجوع الى الوطن , وأنه بصدد بيع سيارته لأن زملاؤه لايجيدون السياقة وهم في السنة الأخيرة من الدراسة . وكوني ذات تاريخ حافل بصيد هكذا عروض وبأقل الأثمان , قررت شراء السيارة ب = 30 باون بالرغم من عدم معرفتي السياقة , وأن أول وآخر درس مشؤوم لتعلم السياقة كان في مانجستربساعة واحدة قضيتها بجانب المدرب السيء الصيت وهو يعلمني كيفية عمل أجهزة السيارة ونحن واقفين بدون حركة على جانب الطريق كما تمت الأشارة أليه أعلاه  وتم الشراء , بشرط أن يتم أيصالي الى مقر أقامتي في ليفربول . وهذا ما تم وبعد أن وصلنا الى ليفربول في الليل بسيارتي , ترك السيارة واقفة أمام مبنى شقتي السكنية  وغادر بسرعة للحاق بآخر قطار من المحطة .
وفي اليوم التالي قمت بألقاء النظرة الفاحصة على سيارتي وأنا أجلس خلف المقود لا أجرأ على وضع مفتاح السويج خوفا من حركة السيارة بدون سيطرة , ورجعت الى الشقة وأنا مسرور لحيازة أول سيارة , ولكن بدأت أشعر بخيبة أمل لعدم تمكني من سياقتها , وبعد عدة أيام قررت أن أحرك السيارة ولو بمحاذاة الطريق صعودا ونزولا أمام البيت وتعلم أستعمال الجير ذهابا و أيابا , أشتغل الموتور أول مرة وقمت بوضع الجير على رقم واحد وتحركت الى الأمام وأستعملت البريك للوقوف أسفل الطريق , ولكنني لم أتمكن من وضع الجير بالريفيرس , فقررت ترك السيارة في وضعها و الخروج لأيجاد شخص يعلم السياقة لأرجاعها الى محلها أمام البيت , وبعد عدة أستفسارات من المارة في الطريق أبدى البعض منهم بأستغراب الطلب , الى أن وافق أحدهم من أنقاذي من ورطتي , وقام بأرجاع السيارة ببطأ وطلبت منه تركها مع شكري الجزيل لأداء المهمة بنجاح . وطلبت بعد ذلك المساعدة من أحد الأصدقاء ليعلمني بعض الدروس و الجلوس معي كحامل أجازة سياقة بعد أن حصلت على أجازة تعليم أولوية تسمح لي بالسياقة بشرط وجود سائق محترف بجانبي , وبعد أن تعلمت مباديء السياقة , قمت بالمجازفة بقيادة السيارة بوحدي بغير مساعدة وكان خطر العملية ماثلا أمامي لأن المخالفة شديدة العقوبة وربما تؤدي الى السجن أذا حدث أصطدام أو أضرار جسدية لأشخاص آخرين . وكنت أتمرن في الشارع الفرعي القريب من البيت . وبعد عدة أسابيع قدمت للأمتحان بعد دفع أجور التسجيل , وكان معلوما بأن الأمتحان الأول سيكون مفيدا لمعرفة أخطاء يمكن تفاديها في المرة أو المرات التالية , خاصة وأن الصديق الذي كان يجلس معي حصلها ب 3 محاولات . وهكذا جلس المدرب بجانبي في سيارتي , وبعد أداء بعض التمارين في السياقة والأجابة على بعض الأسئلة , والأهم نجحت في أيقاف السيارة في موقع فراغ بين سيارتين , ولم يبقى ألا القليل , ومنها أستعمال البريك المفاجيء عندما يقرر المدرب ضرب يده فجأة على الداشبورد لمعرفة قدرة السائق لتفادي أصطدام محتمل , وعندما قام بذلك غفلة , ضربت البريك و وقفت السيارة جامدة في منتصف الطريق , ولكن الوقوف كان أكثر من فجائي بحيث أصطدم رأس المدرب بزجاج السيارة وأخذ يصرخ من الألم ومن حسن حظي أن المكينة أثناء الوقوف المفاجيء لم تتوقف , وكان هذا شرطا من شروط أجتياز هذه العملية لأن توقف الموتور يسبب الرسوب في الأمتحان . وبالرغم من ذلك لم يتوقف من أتهامي بأيذاؤه و بألفاظ مسيئة , عرفت بعدها بأنني راسب لامحالة , وقررت تلقينه بعض الدروس للسياقة المتهورة و أجتياز عدد من السيارات ودخول ممر ضيق جدا بحيث لم يبقى سوى مسافة عدد من البوصات لجانبي السيارة وأنا أسوق بسرعة وهو لايزال يلعن و في حالة عصبية , وعندما أوصلته الى مكتبه , قمت بتسليمه أجازة سياقتي للمبتدئين , ليكتب عليها راسب أو ناجح , أستلمها بعنف و كتب عليها شيئا , وخرج بسرعة دون أن يتفوه بكلمة . جلست وأنا أتردد في قراؤة النتيجة على الصفحة المخصصة ويدي على قلبي , لأن خروجه من السيارة كان بدون سد الباب بعنف كما حدث معي في أول درس للسياقة في مانجستر قبل عدة سنوات , وهذا كان عامل مفعوم بلأمل وهدأت أعصابي و بدون أية مقدمات فتحت دفتر الأجازة ورأيت بعيون لا تصدق بأنه أشار الى الخانة الخضراء والتي تدل على النجاح وترك الخانة الحمراء , وهكذا نجحت لأول مرة في الأمتحان ليس بسبب سياقتي بأصول وبطريقة سليمة , وأنما بسياقتي المتهورة وبدون أن أسبب أي حادث أو أثارة أصوات السواق أو الأبواق من قبلهم في الطريق وكأنني سائق محترف كبقية السواق في الطرق العامة , وكانت النتيجة تثبت ذلك !!..
المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد / مسقط سلطنة عمان
الصور لاتحتاج الى تعليق .

     
           

20
أنا وشبهي بالمغني الذي سمى نفسه أنجيلبرت همبردينك , وأحداث مثيرة ذات صلة
 ( Englebert Humperdinck )
   

أقول سمى نفسه ( أو من قبل مدير أعماله الذي كان أيضا مديرا لأعمال المغني توم جونز) ) لأن أسمه الحقيقي أرنولد جورج دورسي مولود في الهند بريطاني من أصول جزيرة مالطة في البحر الأبيض المتوسط , وكان هذا في ستينات القرن الماضي عندما ظهر أسمه كمغني لأغاني الحب و الغرام وأشتهر لأحساسه الرقيق في أداء تلك الأغاني ومظهره وشخصيته الشرق الأوسطية بين الجنس اللطيف خاصة . وأنجيلبرت همبردينك الأصلي هو موسيقار ألماني مشهور في القرن التاسع عشر وهو مؤلف الأوبرا المشهورة ( هنسيل و جريتيل ) التي وضع موسيقاها الموسيقار الخالد ريجارد فاجنر والمحبب لأدولف هيتلر .
أول حدث لعملية التشبيه , و رؤية صورته كان في أحدى مقاهي مدينة مانجستر سنة 1964 , عندما كنت في زيارة لبعض الأصدقاء العراقيين , بعد قبولي في فرع الهندسة المعمارية في جامعة ليفربول , لأنني سبق و أن درست مرحلة ( الجي سي ئي) لسنتين في كلية ستريتفورد , بالقرب من مانجستر , عندما لاحظت نظرات بعض الفتيات تتجه نحوي بشيء من الفضول الزائد , لأنني كنت متعود على نظرات بعض المعجبات في سنوات دراستي سواء في الكلية أو خارجها , لأن الفتيات في ذلك الزمن كانوا يحبذون السحنة الشرق الأوسطية والشعر الأسود على نظراؤهم الأنكليز البيض ذو العيون الزرق و الشعر الأشقر , لأن مرحلة الستينات كانت تعتبر مرحلة بداية التحررالجنسي و الحريات الشخصية للشباب و الشابات من القيود التقليدية و العادات الأجتماعية السائدة . ولكن في البداية لم أعتبر تلك النظرات خارج عن العادة , ولكن بعد أن لاحظت بأن بعض الشبان أيضا يتجهون بنظراتهم نحوي , أستغربت من ذلك الأهتمام بشخصي لم أتعوده ولكن بعد أن لفت نظري الى صورة كبيرة للمغني على الحائط , عرفت السبب , وأيضا أنا أستغربت من التشابه بيني و بينه , وأصبحت الصورة واضحة , لأنني سبق وأن سمعت به في برنامج للمواهب الجديدة على قناة بي بي سي وطبعا كان التلفزيون بلأسود والأبيض والشاشة الصغيرة , ولم أنتبه الى شكله و أنما أسمه الألماني الغريب على السمع (وتبين أن أعطاؤه هذا الأسم كان لجلب الأهتمام وربما الشهرة له) , ولكن الصورة على الحائط كانت ملونة وكبيرة الحجم وكان الشبه واضحا فيها , وبدأت أشعر بشيء من الرضى لذلك الأهتمام الزائد , حتى أن أصدقائي العراقيين أيضا بدأوا يرمونني بتعليقاتهم بالرغم من أن أسم الشهرة للمغني كان صعبا للفظ وغريبا بين أسماء المغنين والمطربين الأنكليز , ولم أتردد بقبول تلك التعليقات منهم برحابة صدر .  وهذه كانت البداية .
وأعترف أنني منذ تلك اللحظة بدأت أصفف شعري وخاصة أطالة الزلف ( السوالف تحت الأذن) ) ولبس وردة العنق ( البو تاي) , وبعد أن تعرفت على عدد من محترفي رياضة كمال الأجسام و رفع الأثقال في أحدى النوادي الرياضية , دعوتهم للتدريب في النادي الرياضي الجديد في جامعة ليفربول حيث تتوفر أحسن المعدات , ويدخلون مجانا كضيوفي , وكنت أيضا أتمرن بين فترة وأخرى ولكن كهاوي لتلك الرياضة منذ سنوات المراهقة في كركوك . وكان هؤلاء يعملون كحراس أمن في بعض النوادي الليلية والتي تشتهر بها ليفربول في تلك المرحلة التي كانت تعتبر الحقبة الذهبية للمدينة , ومن أشهر تلك النوادي ( ذي كافيرن) الذي كان فريق البيتلس   يؤدون   فيه حفلاتهم الموسيقية في بداية شهرتهم .The Cavern , The Beatles
وكانت ليفربول وخاصة في منتصف ستينات القرن الماضي ملتقى للفنانين و الموسيقيين و الكتاب ومصممي الأزياء والرياضيين , وكان فريق ليفربول لكرة القدم ( ليفربول فوتبول كلاب ) في أوج عظمته و حائزعلى بطولة الدوري الأنكليزي و بطولة أندية أوروبا عدة مرات تحت أدارة المدير الأسطورة بيل شانكلي , ولا ننسى الفريق المنافس أيفيرتون في المدينة ولكن لم يتمكن من منافسة النادي ليفربول لكرة القدم . وكنت ولا أزال من مشجعي ليفربول , وكنت أتردد على العديد من المباريات على مدرجات ( ذي كوب )
Liverpool Football Club, Legendary Manager Bill Shankley , The KOP Terraces, وأشاركهم في غناء الأغنية
You never walk alone , Sang by Gerry & The Pacemakers المشهورة لمشجعي النادي ( يو نيفير ووك ألون ) التي في الأصل قام بغناؤها فرقة ( جيري أند ذي بيس ماكيرز) . وتطورت صداقتي بهؤلاء الرياضيين و كنت مرحبا به لدخول تلك النوادي مجانا , وكانت العديد من أصدقائي يطلبون مني أن أرافقهم للدخول معي وحتى مع صديقاتهم , هكذا كانت تلك الأيام والتي غنى عنها بول مكارتني ( من فرقة البيتلس) في أغنيته المشهورة من تأليفه و غناؤه المنفرد ( ذوس وير ذي دايز ماي فريند , وي ثوت ذي نيفر
Paul Mccartney song , Those were the days my friend , we thought they never end
 أيند) , ولكن تلك الأيام أنتهت وأصبحت ذكريات الماضي , والذي أنني هنا أحاول كتابة ذكرياتها وألقاء الضوء على تلك الحقبة المزدهرة والمشهورة عالميا لمدينة ليفربول . وأن شبهي بالمغني أنجيلبرت لم يمر مرور الكرام , حيث في العديد من المرات كان يتم الأعلان وخاصة في نادي ( ذي بيراميدز / الأهرام) حيث توثقت صداقتي برئيس النادي و عائلته , فكان يحب عمل النكات ( براكتيكال جوكس) ويعلن على مكبر الصوت بأن المغني أنجلبرت هنا أيها الفتيات !!.. وبسرعة البرق كانوا يهرعون الى صالة الدخول ويطلب منهن الأصطفاف ( الكيو) للحصول على توقيعه ( توقيعي) , وهن يصدقون بأنني هو بلحمه و شحمه وخاصة عندما كنت في ملابس السهرة , وما كان علي سوى أداء الدور وأبدأ بالتوقيع الواحدة بعد الأخرى وكل منهن يحصل غلى توقيع مختلف لأنني لم أعرف كتابة الأسم وأحاول أن أتذكر الحروف المناسبة للكتابة كتوقيع ( الأوتوجراف) , وفي مناسبات أخرى كنت أوقع بتوقيعي الخاص بي لأثبت أنها عملية تمثيل ليس ألا وعدم أتهامي بتقلص شخصيته الحقيقية أذا بدأت الشكوك ومعرفة الحقيقة . والحمد لله لم تكن آنئذ أجهزة النقال ووساؤل التواصل الأجتماعي , وحتى التلفزيون الأسود والأبيض لم ينتشر في كل بيت , لذا صورته لم تكن واضحة لديهم .
ولكن عملية التشبيه بدأت تأخذ منعطفا آخر أكثر جدية , وخاصة بعد حيازتي سيارة سبورت مشهورة كأحدى السيارات المصنوعة باليد Peerless GT. وحصلت عليها من البرفيسور كوينتون هيوز الذي كان يدرسنا تاريخ الفن و العمارة في الجامعة والسيارة الأخرى المصنوعة باليد كانت أستون مارتن , وكان قد دعانا الى بيته الريفي ولاحظت السيارة مكسوة بالغبار في أحدى زوايا الجراج بين سياراته , ونظرا لأنه لم يستعملها منذ سنوات , وتمكنت من أقناع زوجته بأن السيارة لاتلاؤمه وكيف لها أن تقبل أن تبدي أحدى المعجبات بساؤقها , وهو في شتاء عمره , ونجحت الفكرة في أقناعها له بالتخلص من السيارة وبيعها لي بثمن زهيد . وكانت السيارة الوحيدة من نوعها في المدينة , وقمت بصبغها بااللون الفضي اللامع الجديد في تلك الفترة ( ميتاليك) , وكانت السيارة تفضح تحركاتي في أماكن وقوفها , ويتعرف أصدقائي بأنني أحد الحاضرين في ذلك المكان سواء خاص أو عام . وأن الثمن الزهيد = 300 باون أسترليني , كان ثمنا كثروة طائلة في وقتها لطالب بعثة يحصل على مبلغ شهري مقطوع لكل شيء = 45 باون أسترليني , سبق وأن جمعتها لقيامي بأعمال أثناء العطلات الصيفية , وأحدى تلك الأعمال كان في مصنع كادبيريز للبسكويت والشكولاته , وحتى في ذلك المصنع بين العمال و خاصة العاملات كان شبهي بالمغني حاضرا على الدوام , فعندما كانت أغنية المغني تذاع على المذياع و التي أصبح مشهورا بها ( بليس ريليس مني , ليت مي جو , كوس آي دونت لوف يو أني مور ) , كان العمل يتوقف وهم يستمعون ويرددون كلمات تلك الأغنية , والعاملات ينظرون ألي ويلوحون بأيديهم وبالقبلات على الهواء .Please release me let me go , cause I don’t love you any more.Top of the Charts 1965 sold Millions
وكان من طبيعتي أن أتأقلم و بسهولة مع البيئة التي أجد نفسي فيها , وخاصة مع طبقة العمال الكادحين , وتعرفت على بعضهم عن قرب لأنني كنت أتردد على محلات البيع بالمزاد , وأسواق أيام الأحد الشعبية وخاصة السوق المشهور في شارع أسكوتلندة ( باديز ماركيت) Paddy~s Market , Scotland Road   حيث كانت تباع فيها التحف و المقتنيات الشخصية المتنوعة والأثاث وحتى الملابس , فكنت منذ وجودي في بريطانيا مشغوفا بشراء ما أحتاجه بأسعار زهيدة وجميعها  كانت مستعملة , فمثلا قمت بأيجار شقة كبيرة مطلة على Sefton Park, & Rowing boats in the lake بحيرة وحدائق أشهر بارك في ليفربول ( سيفتون بارك) وغير مؤثثة , و قمت بتأثيث الغرف من تلك الأسواق و تأجيرها للطلاب و الطالبات من الجامعة , وأحصل على مورد أضافي لأعيش برفاهية وحياة مترفة. وكانت غرفتي الكبيرة تشبه المتحف من المقتنيات , ومنها مثلا , درع جلدي ورماح أصلية من أفريقيا لقبيلة الزولو , مع رؤوس محنطة لغزلان بقرون تشبه أغصان الأشجار ورأس نمر معلقة على الحائط , و عدد من الأسلحة القديمة البدائية وبندقية صيد والتماثيل من العاج والخشب , وجيتار كهربائي , ونسخ ملونة لبوسترات من الغرب الأمريكي للمطلوبين حيا أو ميتا لمشاهيرقطاع الطرق والقتلة  الكاوبويز( كبيلي ذي كيد)  , وجهاز راديو و تلفزيون أسود وأبيض , كان أصدقائي يحضرون لمشاهدة برامج خاصة . هكذا كانت الحياة ممتعة , وبلأضافة الى سيارتي الرياضية سبورت , كانت لي سيارة فان قديمة طبعا ومن مزاد بيع السيارات , أنقل فيها قطع الأثاث والمعدات الثقيلة من تلك المحلات . وهكذا تمكنت ولو بصعوبة وبنجاح مرحلتي الدراسية ل 6 سنوات في الجامعة , وأقول 6 بدلا من 5 لدراسة البكالوريوس في الهندسة المعمارية , لأنني أضطررت لأعادة السنة الثالثة , بعد أن تم تهديدي بالطرد من الجامعة ليس بسبب الرسوب ولكن بسبب عدم الحضور للمحاضرات , بالرغم من أنني كنت أطلب من صديقي نزار عثمان أحمد , وسمر الكيلاني بوضع أشارة حضور على القائمة في غيابي , ولولا تقديم ألتماس الى رئيس الجامعة لكنت مطرودا  وخسارتي للبعثة العلمية من الدولة ودفع مبالغ الكفالة , حيث كان مسموحا للطلاب أعادة سنة واحدة فقط قبل فصلهم من البعثة . ولذا كانت لتلك الحياة في اللهو وسهر الليالي في النوادي و الحفلات لها ثمنها , وأنني سأتقبل الثمن مجددا لو تم أختياري بين تلك الحياة و حياة الطلاب العادية في سهر الليالي بالدراسة و التحصيل العلمي فقط .  خسرت سنة ولكن تم أضافتها الى سنوات المرح و اللهو !!..
وكانت سنوات 66 و 67 و 68 و 69 , هي أحلى سنوات العمر وأجمل الذكريات والأحداث المثيرة في حياتي , ولم أتردد من نيل ما أتمكن من الفائدة القصوى سواء برفاهية العيش وما كان متوفرا لي و الفرص السانحة أمامي أو حتى الأستفادة من التشبه بالمشاهير.  وكان طلاب الجامعة يتمتعون بالأحترام والتقدير في المدينة من الجميع وخاصة الذي كان في أوساط الطبقة العاملة , الذين كونت معهم صداقات شخصية وكنت مرحب به في بيوتهم المتواضعة وأنا أشاركهم في مسراتهم ومضراتهم و أحاول أن أكون واحدا منهم ويفرحون بوجودي بينهم . فعندما كنت في ضيافتهم ألبس ملابس رثة وعندما كنت في نادي ليلي ألبس ملابس السهرة المناسبة , ويتم الترحيب بي أيضا كواحد من الطبقة المتوسطة وحتى الغنية , ودون أن يكلفني شيئا وخاصة وأن بطاقة الدخول بالنسبة لي كانت مجانا و بطاقة الأشتراك في تلك النوادي لا يمكن لطالب جامعي عدا الأغنياء من تحمل نفقاتها . و عدة مرات كنت أذهب الى لندن بسيارتي وفي الطريق تلفت السيارة أنتباه بعض السواق و خاصة وأنني كنت ألبس ربطة البوتاي الملونة حتى مع ملابسي العادية , لأن البوتاي في ملابس السهرة عادة تكون سوداء أو حمراء , ولكن المشكلة كانت مع ركاب باصات النقل الكبيرة , حيث كان التنقل فيها بين المدن شائعا لرخص كلفتها , فعندما كنت أصادف مروري خلف أحدى تلك الباصات أو أمر بجانبها , كانت الأنظار تتجه نحوي وتقترب الوجوه من نوافذ الباص و تنتقل الفتيات وخاصة الصغار الى مؤخرة الباص وهم يلوحون فرحين برؤية مغنيهم المشهور و ينقلوا الخبر لصديقاتهم , ولكن المشكلة لم تكن في الطريق وأنما عندما أتوقف في أحدى المقاهي على الطريق , ويبدأ الهرج والمرج وأينتابني شعور بالخطر المحدق لوجودي بينهم عن قرب وفي ضوء النهار ومن أكتشاف حقيقة الأمر , وتتقدم بعض الفتيات نحوي و بيدهم دفتر أو ورقة للحصول على الأوتوجراف , فكيف لي أن أخيب ظنهم وخاصة الأطفال , وكنت متأكد بأن وسائل الأعلام لم تكن واسعة الأنتشار لتتابع أخبار المغني و تحركاته و صوره وصورة توقيعه الشخصي , أوالأهتمام الذي يبديه معجبوه ذكورا و أناث , وخاصة وأن الجو الفني كان مكتضا بالفنانين و المغنين  وخاصة فرقة البيتلس (الخنافس) و ألفيس بريسلي وغيرهم , لذا كنت أعتبر أكتشاف حقيقة أمري نادر الحدوث , وخاصة أصبحت أوقع بتوقيعي بلأنكليزية بدون حروف . وحدث أن تم دعوتي لقضاء أيام عيد الميلاد (الكريسمس ) في لندن  وطلب مني مصاحبة 3 فتيات  لزيارة والدهم في المستشفى , ولم أكن متهيأ للأستقبال الذي لقيته عند دخولي الى بهو المستشفى , عندما تقدمت نحوي كبيرة الممرضات بأبتسامة كبيرة , وأخذت الحيطة والحذر من التورط في موقف لايحمد عقباه , و بادرتها بالقول بجملة واحدة , أنني لست هو ( آي أم نوت هيم) , وجاوبتني , آي نو ( أنا أعرف) , ولكنها طلبت مني طلبا شخصيا أن أمثل الدور للظهور ولو من بعيد في ردهة الأطفال الذين يعانون من السرطان , وأدخال فرحة العيد في قلوبهم , فقبل أن أتفوه ببنت شفة , وضعت في يدي باقة الورود التي كان بنات المريض تحملها لوالدهم , وطلبت منا أن نتبعها , وما كان من المرضى الأطفال سوى النهوض من سرائرهم و هم يلوحون مبتهجين بتلك المفاجأة الغير المتوقعة للمغني المشهور , ولكنني لم أتمكن من الأقتراب وبدأت عواطفي تنال من رباطة جأشي  وبدأت بالبكاء وبعد ألقاء تحية وبقبلة في الهواء رجعت , والممرضة تتشبث بيدي لتهدأة خاطري وتقول لي شكرا لنجاح المهمة !!..
فما كان مني أن أخلع سترتي و ربطة عنقي و أنهاء الزيارة بسلام لوالد الفتيات الذين تأثروا أيضا برؤية هؤلاء الأطفال المرضى بأمراض خطيرة وهم في سنوات حياتهم الأولى , و شكروا الرب بأن والدهم كان في فترة نقاهة من عملية أستئصال قرحة في المعدة  وهكذا مرت أيام العيد بسلام , وكنت حذرا من التشبه بالمغني ونحن في لندن مدينته و بين معجبيه الحقيقيين , وحمدالله لم يكن أي من الصحفيين حاضرا في المستشفى , لربما أدى ذلك الى نتائج سلبية وربما الى مساؤلة الممرضة من عمل متهور لو تم كشف الزيف و ألحاق الأذى بلأطفال لخيبة ظنهم , ولكن والحمد لله مرت الحادثة بسلام  بأنني قمت بعمل خيري أدخل الفرحة بقلوب هؤلاء الأطفال .
وكلما بدأ نجم المغني بالصعود كلما بدأ تشبيهي به بالنزول , وخاصة بعد أن ظهر على الملأ في وسائل الأعلام و التلفزيون الملون والظهور في حفلات خاصة أقامها في معظم أنحاء بريطانيا , فلم أجرأ على تمثيل الدور السابق وأن كان محدودا للهزل والضحك على الذقون . وكنت في آخر سنوات دراستي فبدأت بتنظيم أوقات الفراغ للدراسة والأبتعاد عن النوادي الليلية قدر الأمكان . والحمد لله تخرجت من الجامعة وبدأت مرحلة العمل , وقمت بدفع مستحقات الكفالة بعد أن تم تقسيطها علي والأستفادة من أسعار الصرف التي كانت في صالحي لأن مبلغ الكفالة كان الدفع بالدينار العراقي . وفي سنة 1973 بدأت العمل بوظيفة كبير المهندسين في شركة مقاولات عالمية هي ( تايلور وودرو) ذو العلامة التجارية التي أشتهرت بها وهي 4 عمال يجرون الحبل كفريق واحد . وكان أول مشروع هو بناء أول مدينة عصرية , مدينة ( السلطان) قابوس , ومشاريع أخرى منها ترميم و توسعات في قلعة ميراني التاريخية التي بناها البرتغاليين في منتصف القرن السادس عشر , وأيضا بيت (قصر) البركة , وأقتبست فكرة تصميم المدخل للقصرمن بحيرة أصطناعية بواسطة قارب ( ريفا ) المصنوع من خشب الروزوود , والواسع الأنتشار في قنوات فينيسيا الأيطالية ( البندقية) بجانب قوارب الجندولا المشهورة , والأقتباس كان من الفيلا الخاصة لمالك مجلة ( البلايبوي) هيو هيفنر ولكن المدخل فيه كان من بوابة تحت الماء .
وفي مسقط / سلطنة عمان , كانت الأوضاع المعيشية صعبة في بداية سبعينات القرن الماضي , وعدم توفر السكن اللائق مع الخدمات للكهرباء و الماء و المجاري , لأن البلد في عهد السلطان سعيد بن تيمور كانت تعيش بما يشبه القرون الوسطى , ولكن تم أزالة السلطان بأنقلاب و تم تولي السلطة السلطان الشاب قابوس من والده , وبدأ ببناء و تطوير البلد على أسس حديثة و كان للشركة التي أعمل بها نصيب الأسد من تلك المشاريع , بدأت عمان تظهر على الساحة الأقليمية والدولية و أتاحة الفرص للأستثمارات الأجنبية .
ولكن في سنة 1978 , تم دعوتي مع زوجتي الأنكليزية لحفلة عشاء في السفارة البريطانية , وشاؤت الصدف أن نجلس على طاولة القنصل الأول في السفارة مع زوجته الجميلة . ولم تتردد بأمعان النظر ألي ببعض الفضول , بحيث بدأت زوجتي بلأمساك بيدي لعدم التجاوب مع نظراتها , ولكن تبين من حديث زوجها بأنها أبنة أخت المغني الشهير أنجلبيرت و أفصح بأن سر أهتمام زوجته كان لربما شبهي بخالها والذي كان في أوج شهرته وخاصة بعد أنتقاله للعيش في أمريكا . وهذا ما جعل الحاضرين ينظرون الي ( بدون الزلف و بدون البوتاي ) , ويعترفون بأن شبها ما بين الأثنين , مما زاد من رصيدي ليس فقط لدى زوجته وأنما بعض النساء حول الطاولة .
وفي الحقيقة كانت زوجته جميلة جدا وذات شعر أسود  وعيون واسعة وملامح وراثية شرق أوسطية , أشتهر بها خالها المشهور , ونظرا لأن مسقط كان فيها عدد 2 من الفنادق الراقية , وعدد محدود من المطاعم الفاخرة و عدد محدود من العائلات الأجنبية , لذا كانت الحفلات في السفارات وخاصة البريطانية تجمع هؤلاء في مناسبات عديدة , ولم تتردد زوجته في دعوتي حتى الى حفلة ميلاد أبنتها الصغيرة , مما أدى الى أمتعاض الزوج وأظهار بعض البرود تجاهي , وهذا مما جعلني أقترب أكثر من زوجته , وكانت تشكو من العزلة و حتى الملل في العيش في مسقط , وأصبحت سببا في خلافاتهم الداخلية , بحيث طالب القنصل لطلب النقل الى بلد آخر بعيدا عن الجو الغير المريح , وخاصة بدأت ألسن تهمز الى شيء ما في الخفاء بيني و بين زوجته , وبعد سفرها تم أنزال الستار من آخر مشهد من تاريخي الحافل كشبيه و الآن ذو علاقة مباشرة بأبنة أخته , ولو أستمرت لربما أدت الى فضيحة في السلك الدبلوماسي البريطاني ؟؟..
 ولم يبقى لي سوى أن أردد كلمات بول مكارتني من فرقة البيتلس :-
Those were the days my friend , we thought they never end .
أيوب عيسى أوغنا
معماري و خبير ومحكم دولي و خليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان



21

تحية الى روح الفقيد , خالي العزيز / منصور(مسو) ججو رحمه الله
( وذكريات كركوكلية/ عنكاوية ذات صلة)
. , لنحتفل بالحياة ومن هم على قيد الحياة ونذكرهم ونسعد بوجودهم بيننا ونتقاسم معهم ذكريات الماضي والحاضر...
 ولكن قبل ذلك نتذكر موتانا ونصلي لأجلهم و ليرحمهم الله و يغفر لهم خطاياهم , ويسكنهم مع الأبرار و القديسين .
 أنتقل الى جوار ربه خالي منصور ( مسو) ججو ليلة البارحة وكان حوله بناته وأولاده و زوجته المخلصة شموني مرقس أوغنا
وأعيد نشر المقالة قبل عدد من السنوات في عنكاوة دوت كوم ( حوالي 700 مشاهدة)
ونحتفل بذكرياته عندما كان على قيد الحياة , وهذا ما كان يتمناه !!..
ولأثراء الموضوع سأتطرق لبعض الأشخاص والأحداث و لهم صلة بالموضوع سواء من قريب أو بعيد
أولا الحمد لله على السلامة ( خالي العزيز) من آثار الصدمة الدماغية ( الدملة) , وما نتج عنها من شلل نصفي أعاق حركتك ونأمل أن تستعيد قواك العضلية الى طبيعتها بلأرادة والعزيمة والتمارين الرياضية المطلوبة , تلك العزيمة التي أبهرت الجميع بحضورك وأنت تمشي دون سند متكأ على عكازة ( جوكانا ) في حفلة زواج (بشار) أبن أخي الكبير (دنحا) , في الصيف الماضي وعمره يناهز (90) عاما, وكانت مفاجأة فرح وترحيب وتصفيق حاربظهورك , وكأنك نجم من نجوم الحفل , وأنت تستحق ذلك وأكثر, بالرغم من عدم مشاركتك بأغنية أوالرقص في الدبكة , كأيام زمان في أيام شبابك وأنت كنت حاضر في معظم حفلات الزواج في عنكاوة , كالمايسترو وعريف الحفل تقود الرقص وتلهب الحماسة بأغانيك وصوتك الذي ورثته من المرحوم والدك (ججو) , الذي كان أسطورة في حياته ...
Living Legend
حيث كان يتسامرحوله أعداد كبيرة من أهل عنكاوة , في ليالي الصيف على سطوح البيوت المتلاصقة مع
 بعضها وهو يتلو لهم الأساطير الفولكلورية ( دوروكياثا) , والأناشيد الدينية و سرد أحداث المجاعة الكبرى وغزوات جندرمة العصملي وسفر بولك(سفر بيوك / الحرب الكبرى بالتركية) , ومسيرة الهلاك لمرض الطاعون بلسان الملاك عزرائيل وهو ينتقل من بيت الى آخر يخطف أرواح الضحايا بلأسماء وكأنه الهولوكوست , وبلا أدنى شك كانت تلك الملاحم الشعرية هي محاكات للأساطير القديمة :- الأوديسا والألياذة للشاعر اليوناني هوميروس , والكوميديا الآلهية للشاعر الأيطالي دانتي في القرون الوسطى , وخاصة ما جاء في أبواب الجحيم ( الأنفيرنو), وأيضا رسالة الغفران للشاعر أبو العلاء المعري , وتوراة العهد القديم .
وكان والدي المرحوم الشماس/ عيسى بيو , قد ورث منه ( جده من الأم) , أيضا ذلك الصوت الرخيم و معظم الدوروكياثا التي كان يلقيها بتلحين غنائي في طيلة حياته وفي مختلف المناسبات , وتم تسجيلها في عنكاوة دوت كوم في السويد من قبل أمير المالح مشكورا , وكنت أظن بأن لي أيضا صوتا للغناء (سنين المراهقة) , وكانت أول تجربة لي عندما جاء دوري للغناء في جلسة جمعت أجمل وأعذب الأصوات الغنائية في عنكاوة , ومنهم خالي مسو , و بتي باوا/ بطرس بولص , وأسحق حنا , وجميل حلويا ونوري بهنام , وأخي حبيب
ب ( أغنية لمحرم فؤاد :- رمش عينو اللي جارحني رمش عينو ...) , ولكن أخي حبيب هو الذي كان يحي بالغناء معظم جلسات السهر والشراب بأغاني كردية شائعة ( بردي بردي , هاور ست هاور , وغيرها)  , ,  ولاننسى أيضا خالي ( المرحوم/  يوسف (يوسب) , شقيق منصور/ مسو , أيضا كان قد تولى الى حد ما , دور والده  , في أحياء تلك الأمسيات الليلية على السطوح في الليالي وتحت ضوء القمر والنجوم البراقة في ظلمة السماء حيث الهدوء والسكينة والهواء العليل .
ولكنني كنت محظوظا بحضورخالي مسو,  ومشاركته في الغناء والدبكة وهو يناهز السبعين من العمر
 في حفلة زفافي (الثاني) الذي تم بطريقة غير تقليدية , من خلال رحلة الى مصيف / شلال كلي علي بك , حيث تم دعوة شلة من نجوم عنكاوة اللامعين  ومنهم :- أسحق حنا(خوشناو) العنكاوي , جبرائيل ( جبا) , نوري بهنام كوندا , وماربين عودا , وشمعون عودا , وعديلي ( فؤاد قرياقوس جاجيلا) , ويوسف بطرس
 ( زوج/ نضال أبنة أختي الكبيرة) , وخالي قرداغ حنو ككو( الذي غنى من أغنياته الخاصة به و المسجلة بأسمه , وحبيبته سعاد جالسة بجنبه وهو يغني :- شمشا زرقلا وبلبل مخزيلا جيانه ... ) , وأبنيه نظير ونهاد وطبعا أخي دنحا وخالي مسو  وغيرهم من الأهل والأقارب , في رحلة باص يسع لأكثر من (50) فردا ذكور وأناث وأطفال . لقد كانت سفرة وأحتفال غاية في الروعة وفي موسم أحتفالات عيد نوروز , ومن حسن الحظ توفرهناك عدد من فرق موسيقى الدبكة (الدول والزورنة ) في كل محطة جلسنا فيها (و لم تكن تقاس بالأسطورة / خضر/ خدر) ولكنهم أبلوا بلاء حسنا ونقود الشاباش تنهمر عليهم من كل صوب , وأكملوا الفرحة بأمتيازبوجود الجميع  , حيث الشراب/ العرق والويسكي والبيرة والعصائر, والأكل الشهي الذي قام جبرائيل/ جبا مشكورا , بتحضيره طيلة الليلة السابقة للسفرة ( وخاصة أكلة البرياني المحشو بالجوز واللوز وعدد(25) دجاجة مشوية !!..
والشكر لأسحق حنا لتأجير الباص مع السائق الماهر الذي تمكن من أجتياز تلك الأنعطافات والأنحنائات الخطيرة في الطريق القديم المؤدي الى المصايف حيث الجموع الغفيرة من أنحاء العراق .

أعود بالذاكرة الى أيام كركوك وخاصة في بيت شارع (ألماس) بالقرب من التبة , حيث كانت زيارة خالي مسو , لنا شبه شهرية , وهو في طريقه الى عنكاوة لحضور الأعراس والتي كان على الدوام على أعلى قائمة المدعوين , وكنا نحضر له رؤوس البصل الحارة جدا التي لايتجرأ أحد حتى بشم رائحتها , وكان يلتهمها   كالتفاح , والدخان يتطاير من أنفه !!..
 ويبدو يا خالي مسو :-  أنك كنت بارعا في الحصول على أجازات على الطلب من آمرك في الجيش سواء بالكلام المعسول أو البرطيل/ الرشوة , وكم كان مقدارها نسبة الى راتب جندي بالجيش  !!؟؟..
حيث كنت قد تطوعت كجندي في الجيش وخلال عشرون سنة خدمة ألزامية تدرجت الى نائب عريف , وعريف , وأخيرا تم ترقيتك الى نائب ضابط ( ولولا كونك مسيحيا ) لكنت قد حصلت نجمة ضابط كبقية زملائك في دورة خاصة لتأهيل الضباط  , ومن يدري لكنت قد تقاعدت وأنت عقيد في الجيش العراقي كالمرحوم العقيد توما , الذي كنا نفتخر به كأعلى رتبة عنكاوي في الجيش .
ولم تبقى طويلا في حياة العزوبة , بالرغم من كونك (دون جوان/كازانوفا) عصرك , وكنت محط الأنظار والأعجاب لفتيات عنكاوة , ولكن لم تكن من بينهم سوى واحدة ( شموني) التي خطفت قلبك وأصبحت زوجتك الحبيبة و المخلصة والوفية والأم الحنون لأبناؤك وبناتك , والتي كانت ولاتزال بجانبك في السراء و الضراء , وكلما ندخل الى بيتك في عنكاوة على مر السنوات , فالمشهد كان واحد لايتغير , وأنتما جالسين في المطبخ وحولكم عدد من الأهل والأقارب وأبريق(القوري) الشاي يختمر على كتلي الماء المغلي , والأقداح
 ( الأستيكان) والسكر حاضر على الدوام ...
 وهذا ما لاقيته أيضا  في آخر زيارتي لكم في عنكاوة السنة الماضية , بعد حالتك المرضية وأنت تحاول أن تنهض ولو بصعوبة للترحيب بي كعادتك , حيث القيام بتلك الزيارة كانت من أولوياتنا وأنت تعلم محبتنا لك جميعا !!...
وكنا نتساؤل على الدوام , كيف يمكن أن يكون مسو هو خالي , ولكن أيضا أن والدي عيسى بيو يدعوه خالي مسو أيضا وهو أصغر من أبناؤه الكبار , وأن جدتي المرحومة والدة أبي , كانت أخته ؟؟!!..
وكنا لانسأل عن ذلك اللغز المحير , ألا عندما كبرنا وتم أيضاح الأمر :-
بأن جدي (ججو) والد مسو , كان متزوجا من زوجته الأولى التي توفيت وأنجبت له عدد من الأطفال ومن بينهم جدتي وأختها ( والدة أسحق حنا )  وأختهما الثالثة ( والدة أديب ) , وتزوج وهو في عمر يناهز السبعين  من جدتي الثانية التي كانت في آخر أيامها كفيفة البصر وندعوها بكل حب ومحبة ( جدتي العمياء/ توتي كوري) , وأنجبت مسو و يوسب , ولقد عاشت مع عائلة خالي مسو طيلة حياتها لأنه هو فقط الذي قام برعايتها سواء في عنكاوة أو كركوك , وأتذكرعندما أنتقل الى كركوك في بيت في القورية , وكنت أقوم بزيارتهم وأنا طالب في مدرسة المتوسطة للبنين, وكنا قد أنتقلنا من شارع ألماس الى دبس/ نمرة ثمانية , حيث كان أخي الكبير جورج يعمل في الشركة البلجيكية/ الفرنسية لبناء محطة كبيرة لتوليد الكهرباء , وكانت في ثمانينيات من عمرها , وبالرغم من ضعف بصرها كانت نشطة ودائمة الحركة ونبادلها الحب والتقدير دائما . وكان يعيش في نفس البيت عائلة المرحوم (أديب) , والذي كان يكبرني بعدة سنوات ولكن كنا أصدقاء , وكان قد تزوج حديثا من فتاة آثورية ( أستر) , من كمب الأرمن / أو الدورة في بغداد , وكان الأبن الصغيرو الوحيد (عزيزا) بين أخواته الجميلات ( وأحدى أخواته هي زوجة الأخ الكبير لأسحق حنا , و والدة الرياضي والمدرب المشهور في كرة القدم / باسل جرجيس) , وبالرغم من أعتراض عائلته على ذلك الزواج من غريبة (من غير العنكاوية) ونظرا لصغر سنه وهو لم يتجاوز (18) عاما وهي في عمر (16) عام , وألتقى بها مرة واحدة فقط من بعيد وأحبها بحب المراهقين في سفرة له الى بغداد , ولكن أضطرأهله للذهاب الى بغداد لطلب يد الفتاة من أهلها بعد أصراره والتهديد بأضرابه عن الطعام , وتم الزواج الميمون وربما الأسطوري لأنهما بقيا على تلك المحبة والحب المتبادل لآخر أيامه وسنوات معاناته من مرض سرطان الرئة , بسبب السجائر التي تقتل شخصا كل عشر ثواني في العالم , وبالرغم من كل ذلك أزداد عدد المدخنين بين الشباب والشابات أيضا في عنكاوة , وخاصة النركيلا/ الشيشة والتي هي أخطر من التبغ , وكما يقال:- التبغ يؤدي الى الأدمان ولكن الشيشة تؤدي الى الموت !!؟؟..
 وكان من حسن حظي أن ألتقيت بأديب وزوجته أسترفي كندا , في حضوري لعزاء وفاة/ أنتحار أحدى بنات من عائلة علي بك , حيث كانت تعاني من مرض الكآبة المزمنة , وربما لعدم قبولها ظروف المعيشة في الغربة , بعيدا عن مسقط رأسها وصديقاتها ؟؟!!..
ولم أكون أعلم حينها بأن أديب يعاني من هذا المرض وكان على عهده في المرح وحب الحياة والبشاشة , رحمة الله على روحه والحيف على حياته وخدمته المخلصة لأبناء وطنه في كندا, حيث كان الجميع يكنون له التقدير والمودة .
وكان بصحبتي جنان/كرستوفر , أبن أخي الكبير جورج الذي كان قد تزوج من أبنة أديب ( خلود/ كلوديا)
ولهذا الزواج الميمون , وراؤه قصة جديرة بالذكر !!..
بعد وصول جنان الى مدينة  ديترويت الأمريكية لدى قبول طلبه للهجرة في باريس حيث كان يدرس , ولحق به أخوانه ( غسان و جهان وتمكن بعدها من جلب بقية العائلة ) , قمت بزيارتهم والأطمئنان على أوضاعهم , حيث كان قد سبقهم أبن أخي أمير ( المرحوم / الشهيد ) الذي أغتالته عصابة من الشبان الزن...ج / السود بدم بارد في عملية سطو مسلح , والعديد من الضحايا قتلوا بيد تلك العصابات الهمجية السوداء ( وأرهابهم لايقل عنفا وهمجية من أبناء جلدتهم بوكو حرام , أو أرهاب جماعات النصرة وداعش والأخوان الأرهابية وأخواتها من الأسلام السياسي المتطرف ) , ومنهم عديله (أركان) شقيق زوجته العزيزة أبتسام وغيرهم من من مسيحيي ديترويت, ومنذ تلك الحادثة الأليمة والمفجعة لم تطأ قدمي أمريكا وأصبحت (غصبا عني) عنصريا ضد من يسمون أنفسهم ( الأمريكيون السود) , بالرغم من أنني خلال وجودي لفترة في أمريكا ضمن برنامج مبادلة لطلاب الجامعات بين بريطانيا وأمريكا , كنت من أكثر المشاركين والمتحمسين , في مظاهرات للمطالبة بالحقوق المدنية للسود في سنة 1968 , ولكن أصبحت لا أطيق رؤيتهم حتى في الأفلام الأمريكية !!؟؟.. .
ولقد سبق وأن صرحت في العديد من المناسبات أن التدمير التدريجي للحضارة الأمريكية المتحضرة ستكون على أيديهم وبدون مبالغة , حتى اللغة الأمريكية (الأنكليزية) أصبحت تحتاج الى ترجمة في معظم الأفلام السينمائية التي لم تنجو من غزوهم لها , أما الجريمة والمخدرات والأنهيار الأخلاقي وأنهيارمستوى التعليم , فحدث ولاحرج !!..
ولاننسى ما يحدث في أوروبا حيث جائت الأحصائيات الأولية لعدد المهاجرين الغير الشرعيين ومعظمهم من الأفارقة بلغ أكثر من (60) ألفا خلال هذا العام فقط ,  ومن منفذ واحد هو شمال أفريقيا دون ذكر المنافذ الأخرى , ومن غرائب وعجائب الأمور قيام آلاف من المتظاهرين الشباب في باريس قبل أيام  , بلأحتجاج ضد قوانين ضبط الهجرة والسماح للمهاجرين الغير الشرعيين بحق الأقامة والعمل في أوروبا التي تعاني البطالة والكساد الأقتصادي وبعضها الأفلاس كاليونان وأسبانيا والبرتغال وأيطاليا مثلا , ومن يسمون أنفسهم المدافعين عن حقوق الأنسان !!..
 ( كما كنت أيضا مثلهم سنة 1968) ؟؟!!..
لنرجع الى قصة زواج جنان وخلود ...
أتصل بي جنان هاتفيا من ديترويت وأنا في مسقط/ سلطنة عمان , ( قبل عصر الأنترنيت ) , وطلب مني أن أتصل بصديقي ( أديب) , وأطلب منه الموافقة على طلب جنان يد أبنته بالزواج ( نظرا لأمكانيتي في الحركة والقيام باللازم !!؟؟..) , وخاصة وأنه كان لايزال يكمل دراسته وبعيد عن والديه في زمن الحصار الأسود في العراق , وطلبت منه رقم التلفون وتم الأتصال بأديب الورد !!.. والتحدث اليه لأول مرة منذ أيام قورية/ كركوك , وكالعادة ذكرته ببعض تلك الأيام الحلوة معا , وخاصة أول مرة ذهبت معه الى سوق القورية , الذي كنا نتجنب دخوله دون أن يرافقنا أحد , وحدث أن تصدى لنا عدد من شقاوات التركمان في الطريق , وبعد مناوشة غير متكافئة خرجنا والدماء تسيل من رأسه , وعندما وصلنا الى المقهى (الجايخانة الوحيدة في القوريا ) , التي كان والده المرحوم من أحد مرتاديها بأنتظام , حيث كان يجالس التركمان ويلبس نفس الملابس التقليدية ( شدة منقطة على الرأس و رداء طويل/ قابوط , وقميص طويل أبيض) وكما يقول المثل الأنكليزي :-
If you cannot beat them , join them !!..
وعندما علم بما حدث طالب من الحضوربردع المعتدين و الطلب من آباؤهم بمعاقبتهم أشد العقاب , وحدث هرج ومرج شديد كل يندد بالوعيد والتهديد بحق هؤلاء الشقاوة , ولولا ما كان يحضى به والده بين هؤلاء التركمان من تقدير وأحترام بالغين , لما تجرأ (مسيحي/ كاور) أن يقوم بذلك الأحتجاج وفورة الغضب , وأنا متأكد بأن أديب بعد تلك الحادثة لم يقترب منه أحد أو يهمس له أحد ولو ببنت شفة !!؟؟..
وبعد سرد تلك الذكريات الحلوة/ المرة ( وهي حلوة بالرغم من مرارتها لأنها تذكرنا بأيام الصبا) , طلب مني
أن أتصل بعمتها ( خاتون) في العراق وطلب الموافقة منها أولا , وهذا الطلب الغريب , أعاد ذكريات طفولتي في قلعة كركوك , وأنا لا أتجاوز السادسة من العمر , لأني رأيت (خاتون) لأول وآخر مرة في حياتي !!؟؟..
لاأزال أتذكر حفلة زواجها في تلك المناسبة , وهي ترتدي ملابس العروسة البيضاء وتاج الورود على رأسها وكأنها ملاك وهي والعريس بملابس سوداء وشعر أسود وشارب قصير( ك- رودولف فالنتينو)  ونجوم السينما في هوليوود / حيث كنا نجتمع مع عدد من الأهالي على مدرجات القلعة ونشاهد من بعيد على الطرف المقابل لنهر خاصة/صو, شاشة سينما غازي الصيفية , أفلام سوبرمان و والكاوبويز وشارلي شابلن والأفلام المتحركة , ولابد لي أن أذكر بعض التفاصيل الحارة في عدد من تلك المناسبات , لقد كانت أرملة تركمانية/ شيعية تعييش مع بناتها الثلاثة في البيت المجاور, وكانت أحداهن تكبرني وأنا في السادسة , بأكثر من (6 أو 7) سنوات وكانت تحبني حبا جما وتطلب مني مرافقتها لمشاهدة السنما , وتجلس بجانبي على تلك المدرجات  وتضع يدي بين فخذيها وتضغط عليها بيدها الأخرى وسوف أتوقف عند هذا الحد قبل أن يتهمني أحد الأخلال بلآداب وعقل الأجيال ( ولكننا نعيش الآن في عصر الأنترنيت يا هذا !!؟؟..) .
 وبدأت  أشك بأن زوج والدتها ( شرطي شارع , الذي كان يحتل المنصة أسفل مدرج القلعة/ ينظم مرور العربات والقليل من السيارات مقابل الجسر القديم) والذي تزوج والدتها حديثا كان يقوم بالتحرش بها أيضا لأنهم كانوا يعيشون في غرفة واحدة وكانت تبغضه وتتهرب منه ولكنني كنت صغيرا لأفهم ذلك السبب وكلما كبرت أصبحت تلك الشكوك حقيقة واقعة وأنني متأكد تماما بأنه تزوج الأرملة بسبب بناتها لأنه كان شخصية عنيفة وكنا نهرب من أمامه كلما ظهر في بداية طريق المحلة راجعا الى بيت الزوجية وملابس شرطة المرور كانت غاية في الأناقة يومئذ ولذا كان يزهو بها !!؟؟..
وفي الغرفة الثانية في نفس البيت كانت تعيش أبنة حنا (حمبالا) مع زوجها السكير عيسى الذي كان كلما يسكر(يوميا) , يعتدي عليها وعلى أبنتها الصغيرة , وكان صباغا عاطلا عن العمل يعيش على عمل زوجته كخادمة وكان المرحوم والدها أحدب الظهر نتيجة تلك الأحمال ( كونيات القمح والحبوب ) التي كان يحملها الى أعلى المدرجات , أو نزولا الى الأسفل , هكذا كانت الحياة صعبة , ( ولا تنسوا أننا كنا في في نهاية أربعينيات القرن الماضي)  . ولابد أن أضيف حدثا آخر أعتبره (تاريخي) , لقد بدأ يسكن في الغرفة العليا الصغيرة ( أتيك) في نفس بيتنا المرحوم روفائيل ( روفو) , الذي كان بدأ حياته المهنية كمعلم كما أظن , ولاأزال أتذكر في أحدى المناسبات , أن صعدت عدد محدود من الدرجات الى الأتيك , لأستكشف صعود دخان ورأيت المرحوم يحاول قلي بيض في الماء ( بدلا من الدهن ) , على بريموس صغير , وكانت هذه هي آخرمرة أراه فيها , لأنه تم القبض عليه وأعتقاله وهو يعبر الجسر مشيا الى عمله , وكان ذلك بوشاية شرطي عنكاوي قام بتتبعه والأشارة اليه للتعريف به للجهات الأمنية التي أعتقلته في الحال وأودع السجن لكونه شيوعيا , وهذه كانت أخطر جريمة في تلك الأيام , ويقال بأنه تعرض للتعذيب الجسدي في الأقبية المظلمة والحبس الأنفرادي بحيث أصبح مجنونا وهو لايزال في المعتقل , ولم يتم الأفراج عنه ألا بعد ثورة 14 تموز ( المجيدة في بدايتها فقط !!..) , وتم تكريمه وأعادته الى عمله , بعد أن قضي حوالي عشر سنوات من شبابه وعنفوانه في الزنزانة تحت التعذيب, وأتذكر في أحد تلك الأيام حيث كان يجلس كالعادة في جايخانة يوسف (يوسب) سلمان في عنكاوة وحوله عدد من المعجبين والمؤيدين لقضيته , وحاولت الأقتراب منه وأذكره في تلك الحادثة التي أتذكرها جيدا , وأنا طفل صغير, ولكن جرأتي وشجاعني خانتني من القيام بذلك , وخاصة وأنه يقال بتعرضه لحالات عصبية بين الحين والآخر وأنه كان تحت العلاج النفسي , وربما تذكيره بتلك الأيام السوداء العصيبة , قد أثارت فيه نوبة عصبية لاتحمد عقباها !!؟؟.. 
 ولنرجع الى العرس الأسطوري :-
وكان العروسان يتبعهم جمع غفير من الأهل والأقارب والمدعووين في طريقهم من الكنيسة الى بيت العريس ( بالقرب من مدرسة الأبتدائية للبنات , التي لا أزال أتذكرها جيدا !!.. ) , ويقال للتأكيد على ذكريات طفولتي وأنبهاري بجمالها الملائكي , أن خاتون كانت أجمل بنات القلعة , و ملكة جمال قلعة كركوك بدون منازع !!..
( أرجو أن تكون لاتزال على قيد الحياة , لأنني لم أتمكن من معرفة عنوانها أو رقم الهاتف للأتصال بها , وطلبت من أهلي للقيام بذلك في أمريكا .  والحمد لله تم الزواج الميمون وهم الآن يعيشون في سان دييجو / كاليفورنيا وأبنهم وأبنتهم يدرسون في الجامعات
نتمنى للأحياء طول العمر والصحة والعافية , ورحمة الله  وغفرانه للذين غادرونا الى الحياة الأبدية !!..


وأخص بالذكر , الدكتور سعدي المالح , مديرالثقافة والفنون السريانية والأبن البار لعنكاوة  الذي هبت جموع عنكاوة , لوداعه في حفل تأبيني مؤثر الى مثواه الأخير,  وتكريما لخدماته للثقافة والفنون السريانية , وبمشاركة رسمية من كبار المسؤولين في أربيل , ومئات الرسائل للعزاء التي ملأت صفحات عنكاوة دوت كوم . وهذا هو التكريم اللائق والذي يستحقه بجدارة !!!..
أرجو أن لا أكون قد طولت كثيرا , فلابد من أعطاء الموضوع ما يستحقه من التركيز على التفاصيل .
نهاية المقالة 
ذكريات حلوة عشناها بوجودك معنا خالي العزيز , ونطلب من ربنا يسوع المسيح , أن يسكنك في جناته مع الأبرار و القديسين وسوف نذكرك دائما لأنك كنت أبن عنكاوة البار و أحد رموزها الخالدين , لقد كنت حقا أسطورة في حياتك و نطلب الصبر والسلوان لأبناؤك وبناتك , وخاصة زوجتك المخلصة و الأمينة التي لم تفارق حضورها بجانبك وأنت طريح الفراش لسنوات طويلة , ونتمنى لها العمر المديد مع أبناؤها وبناتها وأحفادها !!..

أيوب عيسى (بيو) أوغنا
مسقط/ سلطنة عمان



22
القارب الذي أنقذنا من تسونامي وسط بحرعمان سنة 1986
وأحداث ذات صلة (يمكن رؤية القارب وبقية المناطق المذكورة بالنقر على جوجل) ChrisCraft  ,  Cabin Cruiser 1982
لم يكن هذا أول قارب ولا آخر قارب لي في مسقط سلطنة عمان , ولكن الأول بمكينة داخلية تعمل بالديزل  وكابينة داخلية ل4 أشخاص مع طباخ غاز و مرحاض , قمت بشراؤه كعادتي (!!..) في المزاد العلني وكان مملوكا لأحد كبار رجال الدولة , لصعوبة حيازة / أستيراد القوارب بهذا الحجم وكان الوحيد من نوعه وكانت المكينة ( بيركينز 4 سلندر) كمكائن السيارات يتم تشغيلها بسهولة بمفتاح / سويج , ولا تحتاج لأجازة سياقة بحرية عدا تسجيل القارب  لدى أدارة الموانيء وتم تسجيله  بأسم  زوجتي الأولى مارجريت لأن أسماء القوارب عادة هي أنثوية , ويتم ترك القارب راسيا في الميناء وسهولة أستعماله , ولقد سبق وأن تعلمت ركوب البحر من خبرتي في حيازة أكثر من قارب سريع ذو ماكينة خارجية ( سبيد باوت) , والذي كان يحتاج لسحبه خارج الماء وتنظيف الماكينة جيدا بالماء بسوندا . لذا كانت لنا الفرصة لدعوة أصدقاؤنا و عوائلهم لنزهات بحرية الى العديد من السواحل الرائعة المحيطة بمسقط أيام الجمعة و العطل الرسمية  وخاصة وأن البيئة البحرية في عمان التي تمتد سواحلها لأكثر من 1200 كلم . وهي معروفة بنظافة مياه البحر  وسواحلها الرملية البيضاء , و تتيح لكافة أنواع الرياضات من السباحة و الغطس و صيد الأسماك وغيرها . وفي مناسبة التعرف على أول عائلة آثورية في مسقط , حيث تمكن الدكتور نمرود من الحصول على وظيفة أستشاري في زراعة النخيل و صناعة التمور لدى وزارة الزراعة العمانية , كمندوب من الأمم المتحدة ,  وتمكن من الحصول على أذن خاص من صدام حسين لتولي المنصب و السفر خارج العراق مع عائلته , وكنت دائما أرحب بالقادمين من العراق لأنني كنت أول عراقي يدخل السلطنة سنة 1973  من لندن بوظيفة كبير المهندسين في شركة تايلور وودروالعالمية للأنشائات لتصميم والأشراف على أول مدينة عصرية في سلطنة عمان ( مدينة قابوس) , ونظرا لصعوبة الحصول على فيزا للعراقيين خاصة لأن صدام حسين كان يقوم بتسليح و تمويل التمرد الماركسي في جبال ظفار في المنطقة الجنوبية , لما يسمى الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي التي كانت حكومة عدن الماركسية ( اليمن الجنوبية ) تدعمها , وتم القضاء عليها سنة 1975 , بمساعدة القوات الخاصة للمظلات لجيش محمد رضا بهلوي شاه أيران . ليس هذا فقط لأن صدام حسين كان يتحمل مصاريف معيشة ودراسة عدد من الطلبة الصغار من أصل عماني ومن دول عربية أخرى كاليمن و السودان وتلقينهم مباديء حزب البعث , كما كان الأتحاد السوفياتي أيضا يلقن هكذا طلبة مباديء الماركسية والشيوعية بتوفير بعثات دراسية وعلمية مجانية في الكليات و الجامعات  وكانت هذه أحسن دعوة يمكنني من تقديمها لأصدقائي وخاصة وأن عدد من الأطباء وتخصصات أخرى من العراقيين بجوازات بريطانية تمكنوا من أيجاد وظائف في وزارة الصحة العمانية ودوائر الدولة . لذا كانت السفرات البحرية فرصة لتعريفهم على مدينة مسقط من البحر ورؤية قلاعها التاريخية التي بناها البرتغاليون أثناء أحتلالهم لعمان . وأهمها قلعة مطرح وقلعة جلالي وقلعة ميراني التي سبق و أن قمت بتصميم التوسيعات وترميم هذه القلعة والحفاظ على شكلها و طرازها التاريخي لأستعمالها كسكن لأفراد الحرس السلطاني , والمطلة على قصر العلم على الجهة الأخرى من البحر وكانت شركة تايلور وودرو حصلت على العديد من المشاريع لأنها كانت أول شركة مقاولات عالمية منذ تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم من والده في 23 يوليو 1970 , ولا بد أن أذكر حادثة أنفجار هائل في قلعة ميراني سنة 1975 , نتيجة رمي أحد العمال الباكستانيين أو الهنود عقب سيجارة , أدت الى أشتعال أكوام البارود في
(2)
أحدى زوايا القلعة , تركها البرتغاليون قبل حوالي 3 قرون , ونتج عنها أنفجار هائل أودى بحياة عشرات القتلى و الجرحى من عمال الشركة بحيث بعض الجثث بسبب قوة الأنفجار , طارت في الهواء و سقطت في عرض البحر , وكنت أنا في طريقي الى موقع العمل وأنا أسوق سيارتي سبورت المكشوفة ( سان بيم ريبيار موديل 1975 )  , ورأيت المنظر الرهيب وسحب الدخان و اللهيب ككرة مشتعلة و تردى صوت الأنفجار الهائل بين الجبال المحيطة بمدينة مسقط وكأنني أشاهد فيلم رعب سينمائي من أخراج هوليوود , وكان الحظ أنقذني ( و لكن حسب ما سيقوله أبن أخي جورج الشماس نشوان بأنها أرادة الله أنقذتني , وليس الحظ  كما جاء بتعليقه على ذكريات سفرتي الأولى لأمريكا على صفحات عنكاوة دوت كوم ) لأنني قبل مجيئي الى الموقع للآشراف على العمل الجاري , قررت كشف غطاء السيارة للأستمتاع بالهواء و الشمس على وجهي والتي لولا 10 دقائق تأخير في العملية لكنت قد وصلت الى القلعة أثناء الأنفجار . ولقد تم الأعلان عنه في تقرير على أذاعة بي بي سي البريطانية بأنها عمل أرهابي , ولكن الحقيقة أنها كانت حادثة نتيجة أهمال أحد العمال وكنت شاهدعيان لأثباتها . وبعد الأنفجار تصدعت أرضية سطح القلعة وأنشقت وأنكشفت غرف داخلها كانت مدفونة وفيها  عدد من الهياكل العظمية البشرية و أكوام بارود و أسلحة ومدافع برونزية مع أكوام من الكرات الحديدية التي تستعمل كذخيرة لها , وكان كل شيء كما تركه البرتغاليون خلفهم بعد أن تم تحرير البلد سنة 1650م من أحتلالهم الذي دام حوالي قرن ونصف في زمن الأمام ناصر بن مرشد في عهد دولة اليعاربة . وتم نقل جميع تلك المعدات الى قلعة جلالي المجاورة على الطرف الآخر من البحر وتحولت بعد ترميمها الى متحف حربي للقوات العسكرية, وهكذا بالرغم من هول والنتائج الكارثية لضحايا الأنفجار فأن كنزا تاريخيا مدفونا تم أكتشافه و الأستفادة منه وهذه كصفحة من تاريخ عمان . 
وبالرجوع ألى دعوة عائلة الدكتور نمرود للسفرة البحرية , وبالرغم من رفض ألينا زوجة نمرود الدعوة لركوب البحرفي مناسبات عديدة قبل ذلك , لخوفها حتى من السباحة في المسبح , نتيجة للذكرى الأليمة لحادث غرق شقيقها في نهر الزاب الصغير في دبس (نمرة ثمانية) , بعد فترة قصيرة من تخرجه في الهندسة في أحدى الجامعات الأمريكية , وتعيينه بمنصب ستاف في شركة النفط العراقية فرع نمرة 8 , وكان الأخ الوحيد لها و أختها وقلبت حياتهم رأسا على عقب للمصاب الجلل لشاب في ذروة نجاحه و مستقبله الباهر , والمعروف عن خطورة السباحة في تلك المياه , لسرعة تدفقها  ونتيجة وجود فجوات في قعر النهر بين الصخور تؤدي الى تكوين دويرات مائية ( ويرلبوول) تسحب السباح الى أعماقها بتيارات حلزونية , وهذا ما حدث لي أيضا وربما في نفس الفترة الزمنية في منتصف خمسينات القرن الماضي , حيث أنتقلنا من كركوك / شارع ألماس للعيش في دبس , لأن أخي جورج كان يعمل في شركة بلجيكية تعمل في أنشاء محطة لتوليد الكهرباء , وبالرغم من أنذارات والدتي العزيزة من خطورة السباحة في النهر , فأنني تعرفت على عدد من الشباب الذين كنا نشاركهم في باص شركة النفط للذهاب الى المدارس في كركوك وأنا كنت في الصف الأول في ثانوية كركوك وكانوا سباحين ماهرين لخبرتهم الطويلة في السباحة في تلك المياه , وفي أحدى الأيام جازفت وقررت بأنه حان الوقت للمشاركة في تلك الفعاليات والسباحة معهم بالرغم من انني لا أعرف أسبح وكانت محاولتي الأولى قبلها بعدة سنوات في مسبح نادي النفط / عرفة , تم أنقاذي من الغرق بعد أن حاولت السباحة لأول مرة (عدا ما كنا الصغارنعتبره سباحة بالقفز في بركة مياه المفتح / كاريزيه في عنكاوة )  ولم أجرأ لتكرارها مرة أخرى وعلى أي حال لم تسنح لي الفرصة أيضا لأنني لم أكن عضوا في النادي وتمكنت من الدخول خلسة بعد أن كان الحارس مشغولا مع بعض
(3)
رواد النادي دون أن يلاحظني وكانت تلك أول تجربتي الفاشلة في الطفو فوق الماء بعد أن غمرتني المياه مباشرة بعد نزولي خطأ في الطرف العميق من المسبح , وأنا أحاول يائسا عدة مرات صعودا ونزولا بحركات لا أرادية وأنا أشرب المزيد من الماء , للأمساك بحافة المسبح القريبة جدا على بعد قدم واحد فقط , ولم تحتاج عملية أنقاذي سوى دفعة بسيطة باليد من أحدهم لأتمكن من القبض على تلك الحافة القريبة البعيدة وأخرج من الماء . ولكن تلك التجربة في الغرق لم تمنعني من المحاولة مرة أخرى في أحدى البرك المائية بالقرب من خزانات المياه لمحطة توزيع المياه لمساكن عرفة والتي كنا نتردد على تلك المناطق البعيدة بركوب الدراجات الهوائية ونتسلق المدرجات الحديدية على جدران الخزانات الحديدية العملاقة كنوع من المغامرة الطائشة لسن المراهقة والنظر الى داخل الخزانة من الفوهة المكشوفة ورؤية صورتنا على سطح الماء ونهرع بالنزول مرعوبين من تلك الأصوات النابعة من أعماق الخزان نتيجة تمدد وتقلص حديد جدران الخزان بحركة المياه وكأنه عملاق مائي يحاول أبتلاعنا ( ولا أزال بعض الأحيان أصحو على كابوس تلك الأصوات وكأنني أغرق في الخزان وأنهض وأنا في غاية الرعب ) , وأن رعب تلك الحادثة تكررت في ذاكرتي في مناسبات عديدة وأولها فوق جسر سد هووفرالعملاق وأنا  أنظر الى تدفق المياه الى البحيرة الهائلة و الصوت المخيف المرعب من شلالات المياه المتدفقة الى البحيرة في أريزونا , ومرة ثانية  تكرر وأنا أغطس في موقع لرؤية هيكل لسفينة غارقة في البحر بعيدا عن مسقط مع نادي الغطس لشركة نفط عمان , فأن الأصوات الناتجة من تصادم صفيحات الحديد التي تصدأت نتيجة تيارات مياه البحر الجوفية. ولم تمنعني تلك الحادثة من التردد على تلك المناطق المحيطة بخزانات المياء بالرغم من وجود لوحة تحذر من خطورة الأقتراب من تلك الخزانات , وفي أحدى المرات كنت مع صديق من جيران محلتنا في تلك المنطقة نبحث عن أعشاش الطيور بين تلك الأحراش والقيام بعمل طائش لسرقة بضعة بيوض من تلك الأعشاش ( وكنا نتفاخر بها أمام الآخرين ونحن نكشف عن أجسام تلك الفروخ داخلها بالرغم من أنني بعد ذلك أصبحت هاويا لتربية طيور الحمام الزاجل)  , وتواجدت في تلك المناطق برك مائية نتيجة مياه الأمطار وبعد أن أقتربنا من  أحدى هذه البرك المائية , شجعني صديقي بأن البركة ضحلة و آمنة للقفز فيها بدون خوف ( كما كنا نحن الصغار نقوم بها في بركة أمام فوهة المفتح / الكاريزيه) , وهكذا قفزنا فيها وكان الماء لايعلوا الى الركبة , وبعد عدة محاولات لرمي أنفسنا في سطح الماء بعيدا عن الحافة قررنا الخروج ولكن أقدامنا بدأت تنغمر بقاع البركة الطينية وبدأ الخوف يدب في قلوبنا لصعوبة رفع أقدامنا من الطين اللزج وكلما حاولنا زاد غطس أرجلنا أكثر وأكثر ( وكما يحدث في الرمال المتحركة في الصحراء) وبعد جهد جهيد تمكنت من الخروج وأنا مغطى بالطين ولكن صديقي لم يتمكن وبقى معلقا نصف جسمه فوق الماء و الآخر في الماء الضحل و الطين العميق , بدأ يصرخ طلبا للنجاة و هرعت أركض كالمجنون وركبت الدراجة للبحث عن من ينقذ صديقي ورأيت عن بعد بعض العمال يقومون بصيانة أنابيب ضخ المياه خلف تلك الخزانات , و هرعوا لنجدته وبواسطة  حبل تم سحبه من تلك المصيدة الطينية وهو مغطى من قمة رأسه الى أخمص قدميه بالطين ويكاد يختنق ليس من الماء و لكن من الطين على وجهه , ورجعنا بتلك الحالة بمنظر مثير للضحك والأستهزاء من الآخرين ودرسا لن ننساه من أمهاتنا . ولكن بعد عدة سنوات كل تلك الدروس السابقة لم تثنيني من محاولة السباحة ليس في مسبح أو بركة ماء وأنما في نهر الزاب في دبس ( نمرة ثمانية) , حيث كنا قد أنقلنا من شارع ألماس في كركوك الى دبس حيث كان أخي جورج يعمل في شركة بلجيكية لبناء محطة كبيرة لتوليد الكهرباء في خمسينات القرن الماضي , وتعرفت على عدد من لشباب الذين كنا نشاركهم في باص شركة نفط العراق جيث كان أولياء أمورهم موظفين فيها هناك , وكنت
(4)
أراقبهم وهم يسبحون بسهولة ويسر في مياه النهر وبعد عدة دعوات لي لمشاركتهم لتعلم السباحة معهم , وخاصة وأنني أصبحت أكبر عمرا وقوي البنية من تمارين رفع الأثقال ورياضة كمال الأجسام , وشعرت ببعض الثقة بنفسي و أنه لابد وأن أتعلم السباحة كالآخرين وهذه هي فرصتي للتعلم , وقررت النزول وقفزت الى سطح الماء وبعد عدة حركات من اليدين يمينا ويسارا والأطراف محاولا تقليدهم فيها , تمكنت من السباحة بضعة أمتار على سطح الماء قبل أن أغطس وتغمرني المياه بسرعة  وبعد صعودي الى الأعلى عدة مرات وبحركات يائسة و الصراخ لطلب النجدة , تمكن أحدهم من جلب الجوب المنفوخ لأطار السيارة بسرعة الى جانبي و تمكنت من التشبث به وتم سحبي الى خارج الماء , تنفست بعدها  الصعداء للنجاة من غرق محقق لولا ذلك الجوب , لأن عملية أنقاذ من هو على وشك الغرق يحتاج لخبرة ( وهذا ما تعلمته من التمارين المطلوبة لأجتياز مراحل الأمتحان للتأهيل لعضوية نادي الغطس في سنة 1974 في نادي رأس الحمرا لشركة نفط عمان في مسقط ) . والجدير بالذكر وكما يقال الشيء بالشيء يذكر , حادثة أخرى رهيبة في الدبس كانت مع شابو أحد أقاربي يعمل مع أخي جورج , حيث كان يوظف العديد من الشباب العنكاوي و الأقرباء أينما كان ينتقل من وظائف في شركات فرنسية من سد دوكان في دربندخان الى الموصل والى دبس وبغداد ( لمعرفته اللغة الفرنسية التي تعلمها في سنوات دراسته في السينيمير للرهبنة على يد الآباء الدومينيكان في أحدى الأديرة بالقرب من الموصل ) , وكان شابو يلح علي لمرافقته فقط ليسبح هو في النهر  لأنه تعلم السباحة في بحيرة دوكان حيث كان أيضا يعمل مع أخي ( كما تمت الأشارة أليه أعلاه) وحاولت ثنيه عن ذلك لما حدث لي في نفس النهر قبل ذلك , ولكن هذا لم يردعه من المحاولة , وهكذا رافقته كضمان لسلامته و أعطاؤه التشجيع اللازم , وأثبت جدارته في السباحة في البداية ويطفو  فوق سطح الماء كأي سباح آخر وأنا ألح عليه للبقاء بمحاذاة النهر ونظرا لسرعة تيارالمياه أصبح لايقوى على البقاء في نفس المكان و يبتعد بحيث بدأت أمشي بمحاذاة النهر وبعدها أركض للحاق به وقد بدأت قواه تنهار في مصارعة تيارالماء الجارف , وهو يحاول الأقتراب من الحافة وفي أحدى المرات تمكن من الأقتراب وكان على بعد بضعة أقدام من الحافة , وصرخ لي بمد يدي أليه ولكنني لم اتمكن الأقتراب و ملامسة يديه خوفا من سحبي معه الى الماء ( لأن الغريق كما يقال يحاول التشبث حتى بقشة خشب للنجاة) , وصراخه لطلب النجدة وأنقاذه لم يسمعها أحد و أنا أركض بجانبه وأشجعه على محاولة الأقتراب بكل ما لديه من قوة بعد أن حصلت على جذع شجرة ومددتها له ليمسك بنهايتها , وهكذا نجح وأمسك بها و تمكنت من جذبه شيئا فشيئا من حافة النهر و بعد أيجاد ما يسند نفسه من أرضية صخرية ضحلة خرج من الماء ونجا من الغرق بأعجوبة . وكانت تلك آخر محاولة فاشلة لتعلم السباحة في دبس وتأجيلها الى أن وصلت الى بريطانيا سنة 1962 وفي مسبح نادي الطلبة في جامعة مانجستر وأيضا كنت بدون عضوية ولكن بمرافقة أحدى الطالبات الجامعيات كزائر مرافق  علمتني السباحة وهكذا كانت نهاية ناجحة لتاريخ الغير المشرف في تعلم السباحة .
لنرجع مرة أخرى الى ألينا ونمرود , ونجحت أخيرا في أقناعها بالمجيء معنا في القارب , ودعوت بعض الأصدقاء منهم الأرمني فريج هارتونيان وزوجته الأنكليزية كارول , وأبنته و أبنه 12 و 10 سنوات من العمر وكان يعمل كمحاسب قانوني لدى أحدى الشركات في مسقط , وايضا جاء معه صديق آخر مع أبنه في سن المراهقة , وزوجة القنصل الألماني من الجيران وكانت حامل في شهرها الخامس و عائلتي المتكونة من زوجتي الأنكليزية ماركريت وبناتي شوني و صوفي الصغار بعمر 7 و 5 و ابني أيمن في السنة الأولى من العمر , مع أحد الموظفين الهنود موهان ( الذي ظهر بالصورة مع أبني أيمن على صفحة الفيسبوك من قبل أبنتي شونى ميا ) الذي كان ميكانيكيا ماهرا سواء للسيارات أو القوارب أو أية أجهزة
(5)
كهربائية أو ميكانيكية وكان يقوم بتصليح وصيانة القارب . بدأت الرحلة بمياه هادئة وطقس مشمس كالعادة وهواء منعش , وأستمتع الجميع بالسفرة وخاصة الأطفال ونجح موهان من صيد عدة أسماك منها الهامور ولكن سمكة الباراكودا ذو الأسنان الحادة والتي بدأت بالقفز والحركة العنيفة أدت ألى الهرج والمرج وصعود البعض من الكبار قبل الصغار على الكراسي و الطاولة التي نتيجة ذلك تحطمت و سقطت ومن فوقها على السمكة الشرسة وكانت تلك نهايتها , وبدأ الجميع بالضحك وتبادل النكات وفرحة و مرح الصغار. و نزلنا الى أحدى السواحل الرملية المعروفة والآمنة بين الجبال الصخرية التي كانت تضم عددا من القبور القديمة بعضها لمئة سنة , لبحارة ومنهم رئيس أساقفة مسيحي وكان يتم دفنهم في هذه البقعة ولا تزال بعض اللوحات الصخرية المنحوتة تضم أسماؤهم و تواريخ دفنهم باقية على القبور , وتم الأحتفاظ بها كمقبرة للمسيحيين بدون تخريب, وكانت مزارا معروفا للأجانب , وأيضا مكانا جيدا للأستراحة و الأستجمام  وبعد أن تم أعداد الباربيكيو من السمك الذي تمكن موهان من أصطياده والمشروبات والمأكولات , تمكن الصغار من اللهو واللعب و محاولة صعود المرتفعات و السباحة في المياه الضحلة , حتى ألينا حاولت الدخول الى الماء , وشعرت بالفرح و البهجة بأنني أخيرا تمكنت من القضاء على رهبتها و خوفها من البحر (وشعرت بأن لنا عامل مشترك وهو الغرق في نهر الزاب في دبس ) , وأمكانية مرافقتنا في سفرات أخرى وربما تتعلم السباحة أيضا !؟.. بدأنا في الأستعداد للرجوع بعد أن قضينا وقتا مريحا وهانئا وفي غاية السعادة  وخاصة الصغار , وبعد أنتشال المخلفات وجمعها في كيس البلاستيك , وحملها مع بقية المعدات الى القارب وبدأنا رحلة الرجوع وكان البحر هادئا خفيف الموج , وبعد حوالي ساعة واحدة ونحن لانزال في مزاج نفسي مفرح , وبدأ الجميع بلأستمتاع بمنظر الجبال و قلعة جلالي وهي تعكس ضوء الشمس المائلة للغروب  ونظرا لأختفاء قرص الشمس خلف قمم الجبال الشاهقة فأنها كانت تبدو أشكالها وكأنها مصنوعة من الكارتون وما يستعمل في المسارح لتمثيل مشاهد معينة تسمى البروبس , وبينما نحن نبحر باتجاه ميناء قابوس , بدأ البحر يضطرب فجأة وطلبت من موهان لوضع السترة الوحيدة للنجاة حول الطفل أيمن بسرعة لأنني كنت أول من شعر بالخطر المحتمل , وأدى ذلك الى دق ناقوس الخطر بين الجميع , وكانت ألينا أول من بدأ الخوف يدب في قلبها وبدأت تصرخ , وحاولت طمأنة الجميع بأن هذا شيء معتاد ولا خوف عليهم , وقبل أن أكمل كلامي , هبت أمامنا موجة عالية أهتزالقارب من قوة الأصطدام بحيث تطايرت زغات الموج فوق القارب وعلى رؤوس الجميع , ولكن الخطر كان داهما على صديق فريج وأبنه الذين كانا مستلقين على سطح الكابينة وتمكنوا من الأمساك بالمقبض الحديدي على سطح القارب وكانوا في وضع حرج جدا , وبدأ الجميع بالصراخ وكل يحتضن أطفاله , وزوجة القنصل الألماني الحامل كانت أيضا في خطر قد تتعرض للأجهاض وهي في الشهر الخامس , ولكنني بعد أن صدمتنا الموجة الثانية وكأنها حائط من الماء بأرتفاع عدة أمتار , بدأت أشعر بأن هذا ليس أعصارا أو هيجان للبحر ولكنه تسونامي بكل معنى الكلمة , ومع الأسف في تلك الأيام لم تكن الأنواء الجوية متطورة وعدم وجود أجهزة الأستشعار للهزات الأرضية و التسونامي الناتج نتيجة لذلك , لذا كان الأمر مجهولا منذ البداية و حدث فجأة بدون أنذار وعدم أخذ الأحتياطات اللازمة من توفيرسترات النجاة على أقل تقدير , وفي عدم توفر تلك الأحتياطات وخاصة وجود الأطفال جعلني أشعر بتحمل المسؤولية كقبطان القارب و الجميع  تحت حمايتي ومصيرهم بيدي فلم يبقى لي من وساؤل النجاة سوى الأعتماد على القارب وأستمرار المكينة في الشغل للصمود وبدأت بالتركيز على القيادة ومنع القارب من الأنقلاب على جهتيه وذلك بالتركيز على مواجهة الأمواج من الأمام بصورة شاقولية وعلى زاوية 90 درجة على وجه الحيطان المائية المتعاقبة و التي زادت في الأرتفاع الى
(6)
علو 7 أو 8 أمتار , وأنا ألاحظ أمامي محاولة الوالد والأبن وهما متمسكين بالمقبض المعدني وأجسامهم تتحرك يمينا و يسارا دولاب ( البندوليوم) الساعات الكبيرة على الحيطان , وهما متشبثين بالمقبض وخوفي من أنتزاعه من قاعدته , ولكنني فقدت الأمل بنجاتهم وأعتبرتهم أول الضحايا لوضعهم الحرج والخطير , ونظرا لمحاولتي صد الأمواج من الأمام لمنع القارب من الأنقلاب , كانت حيطان الأمواج تحتم علي الأبحار في الأتجاه البعيد من الميناء و الأبتعاد الى عرض البحر وكأنني أصارع الثيران الهائجة وجها لوجه , ولكننا كنا نحن الثيران والأمواج هي التي تصارعنا ونحن نواجهها بقروننا , وبالرغم من أحتجاج الآخرين بأننا نبتعد عن الميناء , ولكن من شدة تركيزي على دفة القارب ثانية بثانية يدي على المقود و الثانية أمسح بها المياه من عيوني لأن أية حركة بلأتجاه الخطأ كانت ستؤدي الى الهلاك المحتم نتيجة أنقلاب القارب على أحدى جوانبه والغرق المؤكد للجميع , وبعد صراع طويل لم أجرأ حتى على النظر خلفي لرؤية أوضاع الجميع وكانوا مستلقين على أرض القارب يصرخون وربما يرددون صلواتهم لله لأنقاذهم , و موهان يحاول يائسا بأفراغ الماء المتجمع بالسطل البلاستيكي خوفا من أنسياب الماء الى حجرة المكينة ومنعها من التوقف  وأن وجود المكينة في مأمن من المياه وهي في حالة شغل مستمر كانت البوليصة الوحيدة للحياة لأن توقفها كان سيجعلنا لقمة سائغة لتلك الأمواج و البحر الهائج , وأستمر الصراع ونحن الطرف الضعيف , ليس لنا من الأسلحة سوى حركة البروانة في مؤخرة القارب و صمود دفة القارب لأنه بدونها لايمكن التحكم في أتجاه القارب وتعريض أحدى واجهتيه الجانبية للضربة القاصمة من أمواج التسونامي على القارب وجميع من عليها من الركاب . وكنت طيلة الوقت أنتظر لتأخر الموجة التالية ولو لبضعة ثوان لكي اتمكن من الأستدارة 180 درجة دون أن ترانا ونحن نعرض لها فرصة الأنقضاض علينا بلأستدارة ونحن في وضع يائس لاحول ولاقوة لدينا والأستسلام لمصيرنا المحتم , وهكذا بدأت أفقد الأمل ومما شجعني للمقاومة هو أن الأب و أبنه كانوا لايزالون متمسكين بحبل النجاة ( المقبض المعدني) بكل ما لديهم من قوة وكأنهم في صراع الجبابرة مع أعتى عدو مدجج بالسلاح وهم يحاربون فقط بقبضة أيديهم وقوة عزيمتهم و تمسكهم بالحياة . وفجأة رأيت الضوء في نهاية النفق المظلم , ورأيت تأخر الموجة وفسحة صغيرة تمكنت من الأستدارة بسرعة البرق , فبدلا من ضربة الموج من الأمام ضربتنا من الخلف ونحن ننهزم و ظهرنا مكشوف , كانت أقوى ضربة غمرتنا بأطنان من الماء ولكن سرعة القارب نتيجة الرياح وحركة الأمواج بلأتجاه المعاكس شفطت التيار المائي من فوق رؤوسنا و كلما أستمرينا بأتجاه الميناء كلما زادت السرعة في التقهقر من قلب المعركة  وكلما خفت قوة وحجم الأمواج ونحن أصبحنا الآن نطاردها وهي تنهزم من أمامنا الى أن أصبحنا على أبواب الميناء وبفضل جدران كاسري الأمواج المحيطة بالميناء , أصبحنا في مأمن وتنفسنا الصعداء وأنقذنا هذا القارب من غرق محقق ونجونا بحياتنا ولكن عشرات آخرين سواء من الصيادين أو على قوارب النزهة الأصغر حجما وخاصة ذو المكائن الخارجية , التي كانت أولى الضحايا في التوقف عن العمل نتيجة أنغمارها في الماء , ومن أحد هؤلاء الضحايا كان صديق عماني تم أنتشال جثته بعد عدة أيام بدون أطراف , لهجوم أسماك القرش والتي نسينا تماما خطورتها وكأن الغرق في البحر لم يكن كافيا لزهق الأرواح !!.. صحيح أنني أصبحت البطل الذي أنقذ الجميع , ولكن في نظري أن البطل الحقيقي هو موهان الهندي الذي كان يقوم بتصليح المكينة و صيانتها  وجعلها صالحة للعمل وكما أثبتت نفسها بجدارة في أحلك الأوقات . وكانت هذه لنمرود وأيلينا سفرتهم البحرية الأولى والأخيرة خلال عدة سنوات في مسقط , تمكن نمرود من الهجرة الى كندا كمستثمر وتخرج أبناؤه من الجامعات الكندية .
وللحديث بقية ...


23
من ذكريات الماضي , أعتصام الطلبة في السفارة العراقية 8 شباط 1963
جمعية الطلبة العراقيين في بريطانيا , كان لها نشاط سياسي قوي بين الطلبة العراقيين , ففي اليوم الثاني لوصولنا الى لندن 21 سبتمبر 1962 , طلبوا منا الأجتماع بهم في السفارة العراقية بينوا فيها أنشطة الجمعية لصالح الطلبة العراقيين و حشد روح الوطنية في نفوسهم للدفاع عن أهداف ثورة 1958 ضد الأهداف الأمبريالية و الناصرية و البعثية , لأن جمعية أخرى للطلاب العرب و العراقيين كانت أيضا تنشط بين الطلبة ذو الأهداف الوحدوية و العروبية للسياسة التوسعية  لجمال عبد الناصر , ولكن بتأثير أقل .
وكانت الجمعية تقوم مرة كل سنة بأعداد مهرجانات للطلبة في مدن سياحية لعدة أيام وأول مهرجان حضرته كان في مدينة بلاكبول الساحلية المعروفة , حيث أقيمت حفلات غنائية و شعرية ومحاضرات , لأن فرع الجمعية في مانجستر كان له حضور قوي بعد لندن المركز الرئيسي , وكانت أول سفرة لي خارج مانجستر , حيث ألتقيت بعدد من طلاب سنوات الدراسة الأبتدائية و المتوسطة و الأعدادية من مختلف المدن البريطانية , وكنت سعيدا بأقتناء أول كاميرا في حياتي , أشتريتها من أحد الطلبة الخريجيين , لذا بدأت بأخذ العديد من الصور معهم وكان لها قاعدة ذو 3 أرجل تلسكوبية و سلك للتصوير الذاتي , وفي أحدى تلك المناسبات على الشرفة المطلة على البحر , نصبت الكاميرا  وضغطت على الزر, وهرعت بسرعة للوقوف مع عدد 2 أصدقاء قبل أن تنفتح العدسة , ولكن الكاميرا أختفت فجأة بلمح البصر , ونحن ننظر بذهول الى الفراغ أمامنا , ويبدو أن أحد أرجل القاعدة لم ينفتح جيدا  وبحركة ريح خفيفة أنقلبت الكاميرا فوق السياج و غاصت في مياه البحر , لقد كانت هذه صدمة قوية لخسارة لا تعوض , وبدأنا ننظر الى الأمواج عسى أن نعرف مكان وقوعها , حيث أتيت في صباح اليوم التالي ونزلت الى ساحل البحر بعد أنحسار الماء و في فترة أنخفاض الموج , وتمكنت من أيجاد الكاميرا المشؤومة , وأخذتها لمحل تصوير لتصليحها , ولكن كان ثمن تغيير العدسة الألمانية ( زينيث) باهضا , وهكذا كانت السفرة بالرغم من مسراتها ولقاء الأصدقاء قضت على طموحي في هواية التصوير لأن شراء كاميرا أخرى على مخصصات البعثة = 40 باون شهريا حتى للمعيشة والكتب كان أمرا تعجيزيا , وكان أملي أن أجمع ألبومات من الصور لتلك الذكريات , لأن هواية التصوير التي أشتهر بها أخي جورج لم أتمكن من ممارستهابعد ذلك لسنوات ,  ولقد كتبت على صفحتي في الفيسبوك عن خسارة أخرى لاتعوض للسكوتر( الدراجة النارية)  الذي أشتريته من خريج آخر هو زهير المصلاوي , هكذا كان حظي التعيس , ولا حاجة لتكرارها (وتستحق القراؤة) . Lambretta 
نظرا لأنني عنكاوي من أربيل , كنت أعتبر نفسي كردي مع الأكراد و عربي مع العراقيين لذا أنضممت الى جمعية الطلبة الأكراد واتي كان يرأسها في مانجستر كاك عبد الرزاق من السليمانية بالرغم من نشاطها القليل لأن الطلبة الأكراد أيضا كانوا ضمن جمعية الطلبة الواسعة الأنتشار . وأنني لم أنتمي لأي حزب سياسي قط , وأعتبر نفسي وطنيا عراقيا ذو ميول ليبرالية , ولكن ضد العروبية و البعثية القومية . وأهتمامي كان في الفعاليات الترفيهية و الحفلات الغنائية التي كان يقيمها الطلبة , حيث كان للطلبة في مانجستر فرقة للغناء و الموسيقى التراثية .
وكان خبر الأنقلاب العسكري للقوميين والبعثيين في 8 شباط (فبراير) 1963 , وقع علينا كالصاعقة وخبر أغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم الذي في عهده حصلنا على البعثات العلمية , وأخبار المجازرالتي أرتكبت بعشرات الالاف من خيرة أبناء العراق , ونظرا لعدم وجود وسائل الأعلام متوفرة لدينا سواء التلفزيون الأسود والأبيض وحتى الراديو ولم نكن من متصفحي الصحف اليومية , فكأن كارثة عظيمة أطاحت بالعراق ومصير أهلنا وأحباؤنا كان مجهولا , وتوقعنا الأسؤا في مصيرهم , وكنت خائفا على حياة ومصير
(2)
 أخي  دنحا الذي كان الوحيد في العائلة ذو ميول سياسية و نشاط حزبي طويل , ولقد تم رصد بيتنا في تل محمد في بغداد أكثر من مرة وكانت والدتي ترى هؤلاء يشيرون الى الباب وهي في حالة رعب , حتى قبل الأنقلاب الدموي بأشهر عديدة لأن قوة منتسبي حزب البعث كانت واضحة وجلية للعيان , ومحاولة أغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد و محاولة قتله من قبل عبد السلام عارف لاتزال حديثة العهد ولم يتعض و يأخذ القرارات الصارمة للتخلص من أعداؤه , وسياسته عفى الله عن ما سلف أدت الى نهايته المأساوية . خاصة وأن معظم الشباب في العراق كان تقدميا ومناصرا لأهداف ثورة 14 تموز 1958 . (التي تبين لنا بعد خراب البصرة , أنها أيضا كانت أنقلابا عسكريا ضد الملكية وقيام جمهورية الأنقلابات العسكرية بعدها) , لذا أستجبنا لنداء الجمعية للطلبة بالذهاب الى لندن و الأعتصام في السفارة العراقية والأحتجاج القوي والمناؤي للأنقلاب الفاشي , ومن مانجستر عدد من الباصات تم تجهيزها على الفور وأثناء الرحلة و بعد سماع الشائعات مما كان معلوما لدى بعض الطلبة , أصبح كياننا مهزوزا ومستقبلنا في مهب الريح . وهكذا تم أجتياح مبنى السفارة بعدد غفير من الطلبة والعراقيين المقيمين في بريطانيا , زأحتشدوا داخل وخارج السفارة , ونحن نهتف بلأنكليزية ضد الأنقلاب وللتدخل لأنقاذ العراق من نيران ذلك الجهنم , وبدأت الشرطة البريطانية وعناصر مكافحة الشغب بالتجمع دون أن يتدخلوا في البداية لتفريق الحشود الغفيرة , أنتظارا لتلقي الأوامر لما ينتج عن تلك الأحداث المتسارعة , وخاصة وأن الحكومة البريطانية كانت سياستها مناوئة في الأصل لما يحدث في العراق وخروج العراق من حلف بغداد و محاولات تأمين النفط و تهديد أمن الكويت وغيرها من السياسات التي أنتهجها العراق ضد الغرب . وبدأت وسائل الأعلام بتغطية ما يجري في السفارة , و خاصة وأن الأنقلاب قد أحدث زلزالا كبيرا في المحافل الدولية ومستقبل العراق و الشرق الأوسط . وبقينا طيلة اليوم و حتى معظم ساعات الليل و نحن لانلبي طلبات الأخلاء السلمي لمبنى السفارة , ولكن في النهاية , قررنا أنهاء الأعتصام خوفا من الأعتقال ونتائج لاتحمد عقباها بعد أن أدينا المهمة بما كان متوفرا لدينا من وسائل , وأبلاغ العالم بهول تلك الفاجعة , عسى أن تفشل تلك العملية بقدرة قادر , وتنقشع تلك الغيوم السوداء من سماء العراق والقضاء على تلك الفوضى العارمة وأستتباب الأمن بعدها الى ربوع العراق . وفي اليوم التالي تصدرت جميع الصحف و وسائل الأعلام الأخرى ذلك الأعتصام الحاشد والهتافات المدوية الذي لم تتعهده لندن من قبل , ولكنني رأيت في صورة على صفحة جريدة التايمس الواسعة الأنتشار صورة أظهر أنا فيها بوضوح بالرغم من أنني حاولت الأختباء في الزوايا و الحشود لأن وجودي في المقام الأول لم يكن بدواعي وطنية بحتة وأنما خوفا على مصير أخي الحزبي المعروف في بغداد . وكما توقعنا تم فصل عدد من الطلبة النشطاء المعروفين لدى مخبري عناصر البعث و جمعية الطلاب العرب الناصرية , وأحدهم كان طالبا في نفس الكلية التي ندرس فيها , وتم توفير مخصصات لأكمال دراستهم من قبل مساعدات نقدية تم توفيرها من بقية الطلاب وخاصة وأن حكومة حزب البعث التي أستلمت السلطة قامت بزيادة مخصصات البعثات العلمية للطلبة لأسترضاؤهم من 40 باون الى 45 باون شهريا , تمكنت من تقديم باون واحد شهريا مع من قبل دفع تلك التعويضات لهذا الطالب أثناء دراستي في الكلية , والأهم حصلت على رسالة من أهلي تطمأنني على سلامة أخي دنحا من تلك الأحداث , والحمد لله لم تستمر تلك الحكومة الفاشية في السلطة نتيجة بشاعة و دموية المجازر التي أرتكبتها و أنقلب عليهم عبد السلام عارف وهكذا بدأ مصير العراق ينزلق الى الهاوية بعد سلسلة أنقلابات من العسكر الذين عاثوا في الأرض فسادا أحترق فيها الأخضر و اليابس , ولا ضوء في نهاية ذلك النفق المظلم , و لو أستمر الحكم الملكي منذ أنقلاب 1958 لأصبح العراق الآن في مصاف الدول المتحضرة
(3)
والمزدهرة بعقول أبناؤها ومواردها الطبيعية و تمكنت من أعادة امجادها التاريخية كأول حضارة عرفتها البشرية حضارة وادي الرافدين الميزوبوتاميا الخالدة !!.. 



24
(13)
North Carolina, St. Helena  County Jail
السرعة المسموح بها الى 50 كلم في الساعة وأنا أسوق بسرعة 70 , وتم أقتيادي الى بيت أحد القضاة , وأقول بيت وليس محكمة , لأنه في غرفة خاصة جلس خلف طاولته , وتم قراؤة صحيفة الدعوى :- سياقة بسرعة أكثر من 20 كلم في الساعة , وأعترفت بالجريمة , ولذا أصدر الحكم علي بغرامة = 20 دولار (دولار واحد لكل كلم ), ونظرا لوجود 30 دولار فقط في جيبي , لم أتمكن من دفع الغرامة , لحاجتي الماسة للوصول الى نيويورك , عسى أن أحصل شيئا بعد أيصال السيارة الى صاحبها , و عندما أدليت عدم أمكانيتي لدفع الغرامة , ظنا مني بأن القاضي سينظر ألي بعين العطف و التسامح , ولكن القاضي لم يأبه بجوابي وحكم علي بالسجن يومين أي 10 دولار لكل يوم , ولكنه أبدى ببعض العطف علي , و قرر سجن يوم واحد فقط بدلا من يومين لأنها أول تهمة ومخالفة سير , وهكذا تم حجزي في مقر الشرطة في مدينة صغيرة , ولكن لم يتم أعطاؤنا ملابس السجن لأن الحجز في مقر الشرطة ليس كدخول السجون الرسمية , وكنت مع عدد من المحكوم عليهم في تهم مختلفة في نفس الزنزانة التي سبق وأن رأيتها في العديد من الأفلام السينمائية لهوليوود , وتم تقديم لنا بعض السندويجات و الماء والقهوة , فأكلتها بنهم وأنا جائع و من شدة التعب و الشعور بالخجل أستلقيت على البطانية على الأرض و أستغرقت في نوم عميق معظم الوقت بالرغم من الأصوات والأزعاج من بقية السجناء وهم يصرخون في طلب الذهاب الى دورة المياه التي كانت خارج الزنزانة كأفلام الكاوبويز. وخرجت وأنا شخص محكوم عليه ومسجل في سجلات الشرطة , وعلى الأقل تم الأحتفاظ ب 20 دولار وهي أغلى ما عندي , و تجربة سأتذكرها طول عمري , وخاصة عندما أرى في الأفلام السينمائية تلك المشاهد عن مذنبين خلف القضبان وأتصور نفسي بينهم . وصلت الى نيويورك ولأول مرة في شوارع مكتظة بالسيارات وأنا أتابع السير لا أجرأ على التوقف خوفا من أرتكاب أي مخالفة مع شرطة نيويورك (أن واي بي دي) , وتوقفت عند أحدى الساحات وأتصلت بصاحب السيارة من تلفون عمومي , ومن حسن الحظ كان موجودا في البيت , فجاء بتاكسي وأنا في الأنتظار , وذهبنا الى شقته في قرية جرينويج ( جرينويج فيليج) وتصورت بأنها قرية خارج المدينة , ولكنها حي مشهور في قلب نيويورك ويسكنها الفنانون و الهيبيس و غيرهم من البوهيميين , و شرحت له موقفي وبأنني مفلس ولا مكان لي بالمكوث , وخاصة وأن والدته لم تعطيني نقود الوقود وأنني أضطريت لتصليح السيارة في الطريق كونها قديمة , فأبدى ترحيبه بي للبقاء معه لحين أحصل على عمل , وبأنه يعيش مع صديقته وعلي النوم على أرض البهو الخارجي , وهذا ما كنت متعودا عليه , وأنا لاأزال أحتفظ بفراشي السفري . وأثبت بأن اليهود أيضا يتمتعون بكرم الضيافة وأن والدته أرملة ليست ميسورة الحال . وفي دائرة العمل التي كنت دائم التواصل مع مكاتبها لأيجاد فرص عمل , حصلت على عمل في اليوم التالي في أحدى كراجات غسيل السيارات , فكانت وظيفتي تنظيف السيارة من الداخل بعد خروجها من الغسالة الأوتوماتيكية وكانت هذه الأعمال اليدوية الوحيدة المتوفرة والتي لاتحتاج الى عضوية نقابات العمال التي لا تسمح بعمل أي واحد غير مسجل في سجلاتها ودفع قيمة العضوية , وقمت بمساعدته في صبغ الشقة من الداخل , وتمكنت
Jones Beach , New Jersey State
بصحبتهم التعرف على أماكن لايعرفها معظم السواح في نيويورك, وتمت مرافقتهم الى ساحل البحر في الولاية المجاورة  ويسمى جونز بيج المشهور في نيو جيرزي , ويقصدها معظم سكان نيويورك وخاصة في عطلات نهاية الأسبوع  , وكانت صديقته طباخة ماهرة جلبت معها بعض المأكولات كبقية الحشود الغفيرة .


(14)
Buffalo. Niagara Falls , Cleveland ,Ohio State
ولكن فرصة أخرى لم أرغب في خسارتها , حيث كانت في الكراج الذي أعمل فيه , سيارة فورد موستانج الرياضية والمشهورة (ولا تزال) , تركها صاحبها للتصليح والمطلوب أيصالها الى مدينة كليفلاند في ولاية أوهايو وتطوعت فورا للقيام بالمهمة , ونظرا لقرب الولاية من مدينة بوفالو المشهورة بشلالات نياجرا قبلة السواح العالمية , فقصدتها وأنا أخرج من مسار طريقي مهما كانت النتائج , وأنا متحمس لمشاهدة تلك الشلالات التي تعتبر من عجائب الدنيا , ولكن وصولي كان في الليل , وكلما بدأت أقترب من الشلالات , يزداد ويقوى هديرها ويصم مسامعي , وكأنه صوت أنفجار براكين من تحت الأرض , وبدأت أرتجف من الخوف  بأنني في ظلام الليل سأقع في مجرى تلك الشلالات السريعة و خاصة ما سمعت عن مغامرين في براميل خاصة يحاولون القفز الى أسفل الشلال , وعن حوادث أنتحار , وكل هذا زاد من رعبي وأنا أقترب شيئا فشيئا من ذلك الصوت المروع , فقررت الوقوف في مكان آمن بعيدا عن مجرى ذلك النهر ولحين بزوغ الشمس في اليوم التالي , وأنا في تلك الحالة المرعبة لم أرى مكانا لوقوف السيارات , ومن شدة التعب جازفت في الوقوف في الساحة الأمامية لأحدى البيوت خوفا من أرتكابي مخالفة لوجود السيارة في موقف غير مسموح به , وكذلك الخوف في الوقوف في مكان غير آمن نظرا لتوقع وجود عدد كبير من السواح والغرباء في القرب من الشلالات , وكان أمرا يستحق الحيطة والحذر وتوخي السلامة وخاصة بأنني سوف أنهض في الفجر قبل نهوض أصحاب البيت , و كعادتي ألتحفت بفراشي السفري وأنا أصم أذناي بقطعة قماش و غلبني النعاس وهكذا قضيت تلك الليلة داخل السيارة , ولكن نهضت على صوت طرقات قوية على نافذة السيارة  , وفتحت عيني على شخص يحمل بندقية مصوبة ألي , وكان مذهولا لرؤيتي وأنا نائم بملابسي و لاتزال ربطة العنق ( البو تاي) متدلية حول عنقي , وقبل أن يطلق الرصاص علي كشخص متجاوز حرمة بيته , ومن حق ملاك الأرض حتى قتل من يدخل الى أرضهم بدون تصريح ( تريسباسينج ) , رفعت يدي عاليا وكما يفعل الكاوبويز ( هاندز أب)  وأنا أبتسم من الخوف ونسيت تماما صوت وهدير الشلالات , وربما ربطة العنق أنقذت الموقف لأن مظهري لم يدل على أني سارق أو مجرم خطير , فأومأ لي بفتح باب السيارة والأدلاء بدلوي عن وجودي هكذا أمام باب كراج منزله , ومن حسن حظي أيضا لهجتي الأنكليزية لعبت دورا في تهدأة الأمور , فبدأ يبتسم لغرابة الأمر و حتى أنه دعاني لتناول الفطور مع عائلته , وأصطحابي معهم الى أماكن لمشاهدة الشلالات لايعرفها معظم السواح و هي النزول الى كهف أو مغارة في منتصف الشلالات مطل على مصب المياه الى البحيرة حيث ترتفع فيها الأمواج و رذاذ المياه كضباب أو كغيمة تتخللها تحت الشمس ألوان الطيف لقوس قزح رائعة الجمال , ومع الأسف كنت قد فقدت كاميرتي في بداية رحلتي ولم أتمكن من ألتقاط أي صور عدا شراء بطاقات البريد المعروضة لجميع السواح . وفي نفس اليوم عدت أدراجي الى الطريق المؤدي الى مدينة كليفلاند ولاية أوهايو , وبعد غسل السيارة بالغسيل الأوتوماتيكي كالعادة , تمكنت من أيجاد العنوان ورحب بي صاحب السيارة وأخذني في جولة في المدينة قبل أن يتركني في محطة الباص الجريهاوند للرجوع الى نيويورك , وخاصة ولم يبقى لي سوى بضعة أيام لرحلة العودة الى ليفربول , قضيتها في زيارة الأماكن السياحية وخاصة تمثال الحرية في جزيرة ستاتين ( ستاجيو أوف ليبرتي , ستاتين أيلاند) , والركوب في العبارة لنقل
(15)
 المسافرين بدفع دايم واحد فقط , أرخص سفرة بحرية في العالم وتمكنت من الصعود الى أعلى التمثال في المنصة العليا صعودا على الدرج الحديدي وبعناء شديد , ومشاهدة أروع منظر لناطحات السجاب في نيويورك مانهاتن , وحبذا لو كانت معي تلك الكاميرا لألتقاط تلك الصور الرائعة , والتي فقدتها في البداية
Liverpool , England ( Home at last !!..)
وفي مطار جون أف كنيدي (كان ولا يزال أيقونة في فن العمارة) , وفي دائرة الجمارك كان علي أن أدلي بما أحمله من نقود , ولقد كان في جيبي مبلغ 40 دولار , وتم فرض ضريبة دخل على هذا المبلغ البسيط 25% , أي دفعت منها مبلغ = 10 دولارات وحصلت على شهادة أخلاء الذمة من الخزانة الأمريكية !!..
و عدت سالما الى شقتي في ليفربول بعد 3 أشهر قضيتها في رحلة ماراثونية في أمريكا من الشرق الى الغرب  ومن الغرب الى الجنوب و من الجنوب الى الشرق و من الشرق الى الوسط , عن طريق البر بين معظم الولايات لا يجرأ حتى أي أمريكي من القيام بها . لقد قمت بأنواع مختلفة من الأعمال , حتى أنني في الأسبوع الأخير ألتحقت بحملة للحاكم الجمهوري لنيويورك نيلسون روكافيلور التمهيدية في الأنتخابات لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1968 ( والتي فاز بها ريجارد نيكسون) , ولقد جذبي الأسم وما قرأت عنه كملياردير و أيضا أسم العائلة على أهم معالم نيويورك ( روكافيلور سنتر ) , ولذا الفائدة المادية والبذخ والمصروفات العالية للمشجعين لحملته ومن ضمنهم أنا وهم بحاجة لمن هب ودب من القاصي و الداني , حيث قضيت أسبوع كاملا أعيش مع هؤلاء الشباب في المراكز الأنتخابية في المدينة . وكان هذا آخر عمل في قائمة الأعمال الكثيرة التي قمت بها خلال 3 أشهر , ورفضت عملين فقط , بعد معرفة طبيعتها ومتطلباتها , وهي تنظيف في مزرعة لتربية الخنازير لقذارتها , و الثانية رعاية شخص مشلول الجسم على سرير , لتنظيف فضلاته  أيضا لقذارتها , وتمكنت من من البقاء حيا يرزق , وأن في بعض الأحيان قضيت أياما بدون طعام , وطرقت حتى أبواب كنائس و أديرة بحثا عن وجبة طعام مجانية . أمريكا الرأسمالية لم توفر ملاجيء للفقراء و المشردين , فكانوا و لايزالون ينامون في الشوارع و الطرق و الساحات العامة , على الأقل كان لي الفراش السفري ( سليبينج باج) الذي قضيت فيه معظم الليالي طيلة 3 أشهر , نائما أما في السيارة أو في العراء , في رحلة ينطبق عليها تعبير أكتشاف و أستكشاف أمريكا !!..
وهكذا وصلت الى نهاية رحلة الألف ميل كانت شاقة و شيقة في كلتا الحالتين , بدأتها بأربعين جنيه أسترليني و أنتهيت بها بأربعين دولار أمريكي ولكن رجعت حاملا ذكريات لأحداث ومشاهد وتجارب حياتية , لايمكن أن يجمعها شخص أمريكي عادي في عمر بكامله , ولو ذكرت جميع تفاصيلها بالخط العريض لملأت عدة مجلدات , والقاريء الكريم في غنى عنها ودون أن يتم أتهامي بأفساد فكر الجيل الناشيء كما حدا بأحدهم عندما نشرت ذكرياتي عن قلعة كركوك القديمة , وأنا طفل مع طفلة بعمر 3 سنوات على سطح البيت والتي لا أزال أتذكرها كما لو أنها حدثت بلأمس القريب , وهذا يناقض رأي العلم الحديث بأن دماغ الطفل لايكتمل قبل بلوغه لخامسة من العمر وأن كانت الذكريات حتى في العمر +5 ضبابية أو معدومة بالنسبة لأغلبية الناس وأذكرها هنا لأثبات ذلك ( ربما حالتي نادرة الحدوث) , وقد يسأل قاريء لماذا الغوص في هكذا أحداث شخصية والجواب أن في سردها أحاول الرجوع أليها و معايشتها مرة أخرى وكرياضة فكرية لأبعاد خلايا الدماغ من الأصابة بالخرف . وعسى من يقرأها أن يستخرج منها عبر مفيدة في الحياة , والتعلم من تجارب الأخرين وعدم الوقوع في نفس الأخطاء  , وكنتم خير قاريء  !!..



25
أمريكا كما أكتشفتها في أول زيارة صيف 1968

في برنامج لتبادل الطلبة بين الجامعات البريطانية و الأمريكية , كان يشمل توفير الفيزا للزيارة والعمل بين البلدين , لذا قررت في صيف 1968 أن أجرب حظي في التقديم , وأقول أجرب لأنني لم أكن متأكدا من نجاحي في الحصول على الفيزا , أولا كعراقي و ثانيا أن جوازي العراقي لم يشمل البلدان التي يسمح لي بزيارتها عدا بريطانيا و فرنسا فقط , ونظرا لعدم أهدار تلك الفرصة السانحة , قررت أن أكتب بخط يدي على الجواز أمريكا ( يو أس أي , اولسو أونلي) أيضا فقط , وذهبت الى القنصلية الأمريكية في ليفربول ويدي على قلبي من أكتشاف التزوير ورفض طلبي , ولكن المرأة كانت بشوشة بأبتسامة ترحيب ملأ قلبي بلأمل , وبادلتها التحية و الأبتسامة وأنا أضع الجواز العراقي المشؤوم بين يديها , ومن حسن حظي لم تتصفح الجواز وخاصة أنني كنت في طابور مع عدد من الطلبة الأنكليزوختمت جوازي بنفس السهولة مع الآخرين , ولم أصدق عيني للنظر في الختم على صفحة الجواز , وهكذا تحققت أمنيتي بالفوز بالتأشيرة وحجزت مقعدي للسفر بتاريخ 2 تموز على طائرة (أير لينجس الأيرلندية) التي خصصت عدد من رحلاتها لهؤلاء الطلبة بتخفيضات ميسرة , وبعد ترانزيت في دبلن و رؤية أيرلندة كبساط أخضر في غاية الروعة من الطائرة , أتجهنا بدون توقف الى مطار جون كنيدي في نيويورك , وما لفت أنتباهي في المطار أفراد الشرطة ومسدساتهم تتدلى في خصرهم ( ذكرتني بأفلام الكاوبويز) , لأن الشرطة البريطانية غير مسلحة ولا تحمل أسلحة نارية , مرة ثانية وضعت يدي على قلبي وأنا أواجه ضابط الجوازات , من أن يشير الى التزوير الواضح على الجواز ولكنه أيضا تصفح التأشيرة فقط و قام بدمغها للدخول و خاصة وأنني كنت مع بقية الطلبة بنفس التأشيرة التي كانت تشمل رخصة العمل أيضا . هكذا كانت بداية تلك الرحلة المشوقة , وتم نقلنا نحن الطلاب بالباصات الى فندق في قلب مانهاتن في نيويورك , وكان البرنامج يشمل يوم واحد في الفندق مجانا , وفي اليوم التالي تم الأجتماع بنا لشرح طريقة الحصول على رخصة السياقة و تزويدنا ببطاقات تسمح لنا العمل وأتجهت الى أقرب دائرة للعمل وحصلت على أول فرصة للعمل مع فريق من الطلبة لبيع بوليصات التأمين على الحياة , وكانوا على وشك السفر الى مدينة فيلادلفيا ومدن أخرى بسيارات الشركة المسؤولة , وهذا ما حفزني للأشتراك معهم لرؤية تلك المدن و الحصول على المال اللازم للمعيشة و السكن لثلالة أشهر أخرى وخاصة وأنه لم يكن في حوزتي سوى 40 باون , قمت بتبديلها بالدولار .
4th. Of July , Philadelphia
وفي يوم 4 تموز ( فورث أوف جولاي ) كان أهم يوم عطلة في أمريكا للأحتفال بعيد الأستقلال , وهكذا قام مدير الفرقة مع زوجته و عدد من الطلبة و الطالبات بلأعداد للحفلة التي شملت الألعاب النارية , والأهم من كل ذلك شوي الباربيكيو , ولم أرى في حياتي تلك القطع الكبيرة من لحم الستيك الطازج , ولأول مرة أتمكن من أكل تلك المأكولات اللذيذة لأول باربيكيو في حياتي وألتهمت عدد منها الواحدة تلو الأخرى و الآخرين يتعجون من طريقة ألتهامي لها بتلك السرعة , وخطرت ببالي فكرة كنت قد شاهدتها في فيلم لبول نيومان في فيلم مع الممثل جورج كنيدي ( كوول هاند لوك ) والذي شاهدته قبل أشهر من السفرة , حيث راهن على أكل 33 بيضة مسلوقة خلال فترة قصيرة من الزمن في سجن مع بقية السجناء و السجان وما رافقها من مشاهد حماسية لتشجيعه على الأستمرار وهو يلهث من صعوبة البلع بيضة كاملة تلو الأخرى , ونجح بشق الأنفس و الحصول على مبلغ الرهن والآخرين يراهنون مع أو ضد نجاحه . وعندما أكلت القطعة رقم 4 ,
(2)
حديتهم برهان مبلغ =40  دولار بأنني أتمكن من أكل عدد =10 , قام المدير و زوجته وهم مستغربين من تلك العملية الغريبة , وجمعوا مبلغ =10 دولار من 4 طلاب ليساوي مبلغ الرهان , وكنت مستعدا ليس فقط لأكل المزيد من تلك الستيكات اللذيذه جدا , وأنما أن أحصل على مبلغ الرهان , وبدأت بالعدد 5 , و6 و 7 , وبدأت بطني تنتفخ وخاصة كنت أشرب خلالها الكوكاكولا لتسهيل البلع , وبدأ الحماس بتشجيعي للأستمرار وكنت مصرا أن أموت من التخمة , بدلا من خسارة مبلغ =40 دولار وكانت بالنسبة لي ثروة طائلة , والحمد لله كانت فترة طهي الباربيكيو تستغرق بعدة دقائق , ولم تقتصر العملية على وقت معين  وبعد جهد جهيد بدأت بالرقم 8 و بعد بعض الأستراحة للذهاب الى الحمام بحجة حاجتي للتبول , تمكنت خلالها من التزوع و أفراغ نصف ما تحتويه معدتي من تلك الستيكات التي لم تعد معدتي تستسيغها , ورجعت بسرعة دون أن يلاحظ أحد ما قمت به , وبدأت بالرقم 9 , وكنت أتمكن بسهولة ألتهام رقم 10 ,وأظهرت بعض التردد الذي أعطى للطلبة المراهنين فرصة أمل للفوز , ولكن بقية الطلبة و الطالبات ( المجموع = 20 ) قاموا بحثي على الأكل ومنهم المدير و زوجته الجميلة التي لم أخيب ظنها , و أكلت الرقم 10 أخيرا و فزت بالمبلغ بدون أحتجاج أو شكوى أمام الشهود , وتذكرت مقولة الممثل عادل أمام في أحد أفلامه :- الشاهد ما شافش حاجة !!.. أن الشهود الأربعة المراهنين لم يشاهدوا عملية أفراغ معدتي في الحمام , وحمدت الله على أنقاذ نفسي من تلك المراهنة الوحيدة في حياتي وحصلت على أعجاب الحاضرين وبدأ التصفيق و الهتاف والكل متخوف من النتائج على صحتي ومن شعوري بالضيق و صعوبة التنفس , ألا أني أجتزت تلك التجربة بنجاح  . ولكنني بعد حوالي أسبوعين من هذا العمل الممل الذي تطلب الذهاب الى البيوت و المحلات التجارية ومقابلة أصحابها بكلام معسول , وبنجاح لا بأس به وجمعت دولارات كثيرة لتفيدني في الرحلة , وخاصة أن التأمين على الحياة كان ذو أولوية وخاصة للشباب حيث كانت أمريكا بعظمتها تحارب حربا ضروس بدون نجاح مع الفييتكونك الحفات الأقدام في فييتنام , قررت الرجوع الى نيويورك والى نفس الفندق الذي كان لا يزال يستقبل وفود أضافية من الطلبة الأنكليز , تمكنت من البقاء ليلة واحدة في نفس الغرفة مع عدد من الطلبة , وهذه كانت عملية روتينية مقبولة من الجميع , وفي الصباح كان الجميع 5 أو 6 في غرفة واحدة بسريرين ينهضون ويغسلون ويلبسون ملابسهم قبل أن تأتي المنظفة وتتعجب لوجود هذا العدد من الزائرين في تلك الساعة المبكرة في الصباح . وتطوعت للأشتراك معهم في عملية توصيل سيارات بين الولايات لأصحابها , وخاصة وأن الأمريكيين في تلك الفترة بعد أفتتاح عدد من طرق الهايواي السريعة كانوا مولعين ومدمنين على السفر بسياراتهم الفارهة , و الرجوع بالنقل الجوي بالطائرة و ترك سياراتهم خلفهم , وهكذا كانت توجد مراكز لتوصيل تلك السيارات بواسطة سواق يحملون ترخيص سياقة و مستندات شخصية , وكان أحد هؤلاء الطلبة قد سبق وأن قام بتلك العملية في سفرته السابقة  , مع العلم بأن البرنامج كان يوفر لنا الحصول على ترخيص السياقة الأمريكي أعتمادا على ترخيص سياقة البريطاني , فذهب بوحده الى المكتب وتطوع لأيصال سيارة من نيويورك الى لوس أنجيليس كاليفورنيا , ونظرا لكون هذا الطريق مرغوبا للجميع , لذا لم يتم توفير نقود الجاز ( البترول) للسائق , كما كان يتم مع طرق أخرى أقل رغبة , وبعد أنتظار عدة ساعات في المتنزه القريب , أبتهجنا بقدومه مع سيارة فورد كبيرة ستيشن واجن  وأهم خاصية فيها وجود شبك معدني فوقها للعفش , وهكذا نحن عدد 3 ذكور و 2 أناث قبلنا بالمشاركة في نفقات السفر معا , وبدأت الرحلة بعد قيامنا بشراء حاجيات السفر , ونحن نصيح ونغني بأعلى صوتنا :- كاليفورنيا هير وي كم أون رووت 66 , كلمات الأغنية التي أشتهرت في تلك الفترة .
(3)
California here we come , On  Route 66 !!..
وكان الطريق السريع الى كاليفورنيا ( طريق 66 المشهور) قد تم أفتتاحه منذ سنتين و أصبح قبلة المسافرين بين الشرق و الغرب , وقمنا بالتناوب في السياقة , وبعد عناء السفر كنا نتوقف في محطات الأستراحة وخاصة فندق هوليداي أن , حيث بدأ بلأنتشار السريع على هذه الطرق , وكان يقدم بوفيه بسعرمحدد وهذه كانت فرصتنا لملأ بطوننا الفارغة بسعر زهيد , بحيث كانت تجلب أنتباه الأدارة لعدد الزيارات على موائد الطعام  وشرب عدد لايحصى من أكواب القهوة التي كانت تقدم مجانا في تلك الأماكن , ونستعمل دورات المياه للحلاقة و التنظيف من أتربة الطريق وخاصة أن تلك السيارات كانت حينها بدون أجهزة تكييف . وتم الأتفاق بالوقوف في عدد محدد من الأماكن السياحية المهمة التي أجتمع عليها عدد الأصوات , لذا كان الجريت كانيون في نيفادا و لاس فيجاس على رأس القائمة , وكنا قد قمنا بشراء معدات السفر للنوم ( سليبينج باج) و سترات ثخينة من مخلفات جنود حرب الفييتنام من محلات الملابس المستعملة ( اللنكات) وننام في العراء , وهكذا قضينا أكثر من 3 أسابيع  في الطريق , ونظرا لكثرة الأحداث و الغرائب التي واجهناها , فأنني سأقتصر الحديث و الأشارة على عدد من المحطات المهمة , وهي :-
Grand Canyon National Park, Las Vegas & Yosemite National Park
ويعتبر الجراند كانيون من عجائب الدنيا , وتوقفنا على المحطة التي منها يبدأ الطريق الضيق على سفح الجبال بدون حاجز سلامة ( ممرعرض أقل من مترين) والوعر من الأعلى الى أسفل القاع على سفوح الجبال الصخرية الصلبة ( أكثر من 3 كيلومتر عمق الوادي) , حيث يجري فيه نهر كولورادو المشهور والخطير بتعرجاته و شلالاته و سرعة منسوب المياه فيه ويبدو من الأعلى كثعبان أخضر تحت بريق الشمس , وأتذكره من فيلم للمثل روبرت ميتشام  والممثلة المثيرة مارلين مونرو ( فيلم ريفر وف نو ريتيرن = نهر بلا رجعة ) و فيلم ( هاو ذي ويست واز وون = كيف تم الأستحواذ على الغرب الأمريكي ) تمثيل غريغوري بيك و جيمس ستيوارت, و لم تكن لنا النية أو الجرأة في البداية للنزول مشيا على أقدامنا و آخرين يركبون قوافل الحمير و الخيول المدربة على الطريق , ولكن الحماسة تغلبت على المنطق وقررنا النزول , وبدا الطريق في بدايته مغريا للأستمرار في الرحلة التي كلما أستمرينا فيها زادت الصعوبة ومشقة المشي وخاصة وأننا لم يكن لدينا حتى قبعات تقينا من الشمس الحارة الحارقة ولا قناني الماء ولا أحذية مناسبة  على تلك الأرضية الصلبة , وأضطرينا خلع القمصان لحماية الرأس , وفي منتصف الطريق بدأنا نفكر بالرجوع أدراجنا ولكن الصعود كان أصعب من النزول وهكذا قررنا الأستمرار الى الهدف المنشود , وعلى أمل أستعادة حيويتنا في السباحة في تلك المياه لأعادة الحياة الى أجسامنا , وبشق الأنفس وصلنا الى محطة للأستراحة بالقرب من النهر , وبدأت أترنح من التعب و الظمأ وضربة الشمس ( سن ستروك) , وأستلقيت على أول مقعد فيها , ولولا أبلاغ قسم الطواريء بحالتي , لكنت قد فقدت الوعي , وتم أعطائي عدد من حبوب الملح و الماء البارد وقطع الثلج على رأسي , وبدأت حالتي تتحسن بسرعة مكنني من النزول مع الآخرين للسباحة في النهر بعد أن تم أنذارنا للبقاء بمحاذات النهرلأن المياه ستجرفنا الى عمق النهرالسريع الجريان , وهكذا أفلحنا في تحقيق ما كنا نصبوا اليه وقد بدأت الشمس تغيب بسرعة في ذلك الوادي العميق والضيق بين سفوح الجبال الشاهقة , ولكن كيف يمكننا الرجوع الى الأعلى وهذه المعضلة التي واجهتنا دون أن نفكر فيها في البداية و تحتاج الى مجهود كبير و وقت أطول لبطأ السير في الظلام لأن خطوة واحدة خارج الطريق كانت ستؤدي الى الوقوع ألى أسفل الوادي والهلاك , وتم أيضا أنذارنا من
(4)
خروج أفاعي سامة من أخطر الأنواع من جحورها لطلب برودة الجو تسمى راتيل سنيكس ( أفاعي ذات الأجراس ) , ولم يكن لنا خيارا آخرلأننا تركنا السيارة في أعلى الجبل وعلينا مواصلة السفر , وهكذا بدأت الرحلة الشاقة المحفوفة بالمخاطر , ومن شدة التعب و الشعور بالنعاس كنا نصعد عشرة خطوات أو عشرين خطوة وننهار على الطريق ويغلبنا النعاس بثواني معدودة ولكن قائد مسيرتنا سبق وأن كان سابقا في فرق الكشافة في المدرسة (بويز سكاوت) , وكان يهزنا بيده  للنهوض من سبات عميق لبضعة دقائق , وكنا محظوظين لبعض الوقت لضوء القمر قبل أن يغيب هو الآخر ورؤية حدود الطريق الوعر , وبعد عدة ساعات طويلة وكأنها عمر بلغنا منتصف الطريق , وكلما صعدنا كانت السماء أكثر وضوءا , وفجأة صاح أحدنا صيحة تردى صداها الى أسفل و أعلى الوادي من الألم , فتذكرنا على الفورتلك الأفاعي اللعينة و التي نظرا للأرهاق والتعب الذي كنا نعاني منه نسيناها تماما ونحن نستلقي على أرض الطريق نشاركها في المكان , وقفز الكشاف على الفور وهو يحمل السكين الذي لا يفارق الكشااف ( سويس نايف ذات المقبض أواليدة الحمراء) وفحص رجل الضحية وتأكد بأنها ليست شدة عضلة في الساق فبدأ بعملية مص السم بشفتيه من مكان اللدغة , وبعدها بغرس السكين عدة مرات في محل اللدغ ليسيل منها الدم مع السم المتبقي في الجرح , ولم يتوقف حتى تأكد من زوال السم من جسم المصاب , وبدأنا بمساعدته للمشي , وبعد تلك الحادثة رجعنا الى رشدنا  ومعرفة صعوبة أوضاعنا والمخاطر المحدقة بنا , ولكن لم نجرأ على الأستلقاء وأن كنا نمشي ونحن نصف نيام , وبدأت خيوط الفجر تدريجيا تملأ السماء و ينكشف الطريق أمامنا بوضوح و نحن نحلق بأنظارنا ألى أعماق ذلك الوادي لانصدق باننا قد وصلنا الى ذلك العلو بحيث بدأ ضوء الفجر ينعكس من زجاج السيارة التي تنتظرنا فوق الجبل , وتنفسنا الصعداء , وأصبح صديقنا قادرا على المشي حيث كان جرح رجله قد توقف النزيف منه بعد شدها بقطعة من قميصه . وتمكنا من أخذ المصاب الى أقرب مستوصف وبعد أعطاؤه حقنة من الأدوية و الحبوب  رجعت الأمور الى وضعها الطبيعي  ومواصلة الرحلة الى مدينة لاس فيغاس في صحراء نيفادا .
Las Vegas , Nevada  , Arizona Desert
لقد سبق وأن سمعت بهذه المدينة كمركز عالمي للقمار في كازينوهاتها المشهورة , وبأفلام عصابات المافيا الأيطالية التي كانت تدير العديد منها وفي الطريق الصحراوي كنا نشاهد كتل جبلية بألوان رائعة تذكرني بأفلام الكاوبويز أند أينديانز/ الهنود الحمر , التي كنت أشد المعجبين بمشاهدتها على الدوام في دور السينما ( ولا أزال ) , وقضينا ساعات في بهو عدد من الفنادق والتي هي ساحات مكتظة بأجهزة القمار المختلفة , حتى في دورات المياه , ونظرا لحاجتنا الماسة للأحتفاظ بما في جيوبنا من دولارات , لم نجرأ لتجربة حظنا حتى على ما يسمى جهاز ( وان أرم بانديت) وأسمتعنا برؤية المضيفات الساحرات شبه عاريات يشبهن فتيات البلايبوي المشهورة , و هن يحملن صواني بكؤوس صغيرة من المشروبات الكحولية وتقديمها مجانا للمقامرين (لحثهم على القمار),  وبضمنهم نحن . و أنتظرنا الى الليل حيث تنهض المدينة من سباتها في النهار , وتصبح بتصاميم الأضاؤة الليلية الرائعة من الألوان خاصة صورة الكاوبوي الكبيرة و ( يصيح هاودي) على أحدها يرفع قبعته ليرحب بالزوار . وكان الغرض الآخر من الزيارة هو الحضور لمشاهدة البرامج الترفيهية و الغنائية الراقصة مجانا على مسارحها , وكانت سفرة ممتعة نسينا المخاطر  وأهوال الجراند كانيون , وأن بقت في ذاكرتنا بحلوها ومرها كتجربة أو الأحرى مغامرة خطيرة كادت أن تؤدي بحياتنا الى التهلكة .
(5)
Yosemite National Park , Southern California
قررنا الخروج من أتجاهنا في الطريق الى لوس أنجيليس , بالرغم من أعطاؤنا أسبوع واحد لتوصيل السيارة لمالكها , ونحن الآن متأخرين على الأقل أسبوعين . ومن خبرة كشاف الفريق , من زيارته السابقة , بأن أعذارا وهمية ستفي بالمطلوب وخاصة وأن السيارة ستعود لصاحبها أخيرا ولا توجد غرامة التأخير . هكذا بدأنا نبحث بالخرائط التي كانت متوفرة مجانا في محطات التزويد بالوقود , ولتشجيع الأمريكيين للسفر والتعرف على بلدهم , خاصة وأن البنزين كان رخيصا ( = 30 الى 33 سنت ولا أعلم جالون أو ليتر) , وعن أقصر الطرق المؤدية الى يوزمايت ناشينال بارك , ويعتبر بعد يلو ستون ناشينال بارك أهم مركز سياحي و ترفيهي بجمال طبيعته و مناظره الخلابة والذي يعتبر من أشهر المواقع السياحية في العالم , وكان الطريق ممتعا بخلاف الطرق الصحراوية الحارة التي كانت في أريزونا و نيفادا , وبعد كل يوم كامل ونحن نتداول دورنا في السياقة وخاصة التقيد بأنظمة صارمة في تحديد السرعة لتجنب حوادث السير و لأن تلك الأيام لم تكن السيارات مزودة بحزام الأمان وأيضا لتفادي دفع غرامات تجاوز السرعة وكنا كالعادة نتوقف للأستراحة في الكثير من الأماكن المتوفرة على جميع الطرق , لأن الأمريكيين كانوا كثير السفر و السفرات للنزهة والأستمتاع بالريف الأمريكي و جمال البيئة والطبيعة , وفي تلك الأيام كان السفر آمنا و سليما , وكنا ننام في العراء في جوانب الطرق في فراشنا السفري دون خوف من أحد أو مساؤلة من الشرطة .
وصلنا الى هدفنا المنشود وبعد أن تفقدنا العديد من المناظر الخلابة و رؤية البحيرات الشاسعة و الطبيعة الرائعة  , قررنا المبيت في أحدى الغابات والنوم في فسحة بين الأشجار أنتظارا لمواصلة الرحلة بأتجاه مدينة لوس أنجيليس , وكانت الليلة باردة و الريح قوية تهز الأشجار حولنا , وكان الفراش السفري ( سليبينج باج ) مزودا بغطاء مانع للمطر و ومبطنا بالقطن أو الصوف لمتطلبات الجنود في حرب فييتنام وربما كانت لجنود لقوا حتفهم في المعركة ولولاها لما قضينا ليالي داخلها براحة تامة وخاصة أمكانية غلقها من الداخل للحماية من الحشرات و العقارب و الأفاعي وحتى الحيوانات المفترسة في البرية .
وكنا عادة ننام قريبين بعضنا عن الآخر , فأذا حدث خطر أو مكروه لأحدنا , فيهب الجميع في تقديم المساعدة وتلك الليلة كنا يقظين وحواسنا كالوتر المشدود نستمع لكل حركة أغصان أو خشخشة أوراق النباتات بفعل الرياح و أصوات الطيور , وفجأة صاحت أحدى الطالبات منذرة سماع صوت حركة وراء الأشجار المحيطة بنا , ونظرا للأعلانات الكثيرة عن توخي الحذر من الدببة التي كنا نقرأها وبالحروف الكبيرة و بالصور , قفز عدد منا نحو الأشجار لمحاولة تسلقها في أول ظهور للدب , أما أنا فأختفيت داخل خيمة الفراش و كنت عازما على التشبه بالميت لأن الدببة لا تأكل الجثة الهامدة , تذكرتها من معلومات سابقة من الكتب , وهكذا مرت حوالي نصف ساعة ونحن بأنتظار الهجوم المرتقب , والذي لم يتجسد , وأعتبرنا الأنذار خاطئا من فتاة مذعورة أكثر منا في تلك الليلة القمرية , ولم نذوق طعم النوم فيها وفي بزوغ ضوء الفجر شدينا كل فراشه وتوجهنا الى السيارة , و قررنا بأن نتوقف فقط في سواحل لونج بيج المشهورة بركوب الأمواج العالية قبل الوصول الى لوس أنجيليس محطتنا الأخيرة .
Long Beach , Surfers Paradise
وصلنا الى لونج بيج حين بدأ الليل يسدل أستاره و قررنا النوم على الرمال بعيدا عن ساحل البحر و الأمواج الهائجة , وترك السيارة في موقف السيارات , أنتظارا لبزوغ الفجر , ورؤية ما سيجري على تلك
(6)
الشواطيء من هواة ركوب الأمواج , و أيقضتنا حركة السيارات و الأصوات حولنا , وأسرعنا بشد أفرشتنا و وضعها في السيارة , وأرتداء ملابس السباحة للمشاركة في المشهد , وهنا أيضا كانت لوحات كبيرة منصوبة على الساحل منذرة من خطورة ظهور أسماك القرش البيضاء المرعبة بعيونها و أسنانها البارزة من ذلك الفك الكبير , والتي تذكرتها من نشرات أخبار عن ظهورها في بعض السواحل في كاليفورنيا وتهديد السباحين , ولكن هذا لم يثنينا عن السباحة بين ذلك الحشد بعد أنذارات ثعابين ذات الأجراس و الدببة , حتى أنني حاولت أن أجرب حظي في عملية ركوب الموج , بأستعارة لوح التزلج من أحد الشباب , ولكن العملية لم تكن بالسهولة التي بدت مع بقية السباحين راكبي الأمواج , بحيث في أول موج صادفته , جعلني أطير في الهواء و لوح التزلج كاد أن يهبط على رأسي ويفقدني وعيي لأنه كان متصلا برجلي بحبل , وقررت أنهاء تلك التجربة, وتركها لمن يجيدها أكثر . وبعد قضاء ساعات عديدة , قررنا الرجوع قبل مغيب الشمس الى مدينة لوس أنجيليس , محطتنا النهائية, وبعد وصولنا دخلنا أحدى البارات ننتظر قيام الكشاف بأيصال السيارة الى صاحبها , وللتأكد من أتمامه المهمة بنجاح بعد أن قمنا بوضع السيارة في الغسيل الأموتوماتيكي للسيارات , وبعد عدة ساعات رجع صاحبنا وهو يبتسم لنجاح المهمة , وتفرقنا بعد وداع كل منا للآخر بعد حوالي 3 أسابيع قضيناها معا ليل نهار , تخللها العديد من أختلافات في الرأي و الرأي الآخر لمختلف الأمور وخاصة السياسية عن حرب الفييتنام و الحرب العربية الأسرائيلية 67  والأنتخابات الأمريكية , وغيرها ولكن بطريقة حضارية كان الكشاف يحل أي نزاع كمحكم بيننا , وخاصة لقضاء الساعات الطويلة وراء مقود السيارة وكنت العراقي ( العربي) الوحيد بين هؤلاء الأنكليز, ولولا صاحبنا الكشاف لما سنحت لي الفرصة أو الجرأة للقيام بتلك المغامرة و كانت خبرة في غاية الأهمية مكنتني من مواصلة الرحلة بوحدي بعدها .
Hollywood , MGM , Los Angeles
بعد فراق أصدقاء السفر , توجهت الى أقرب محطة لباصات النقل المعروفة بالجرايهاوند ( كلب الصيد السلوكي) , وأشتريت بطاقة الى هوليوود , عاصمة السينما الأمريكية , حيث كنت من عشاق السينما وأفلام الكاوبوي خصوصا , وسمعت بأن مشاهد حية للكاوبويز يمكن رؤيتها مجانا في أحدى الستوديوهات , أضافة الى البيوت المتنقلة لكبار النجوم و النجمات و أيضا حديقة والت ديزني ( ديزنيلاند), لذا كان أمامي الكثير ولكن في جيبي القليل من النقود بعد أن تم صرف معظمها على الرحلة الطويلة , وخاصة وأنه كان أمرا مستحيلا لطلب مساعدة مالية من أحد أو طلب سلفة من البنك لي في ليفربول لعدم وجود حساب بنكي في أمريكا , لذا توخيت الحذر من المصروفات وأن كان للأكل , وعند وصول الباص الى المدينة , في صباح اليوم التالي , وضعت حقيبتي في صناديق مخصصة لترك العفش في جميع المحطات, والبدأ في أكتشاف المدينة , وعندما رأيت العلامة المشهورة لهوليوود على سفح الجبل في تلك المدينة , قررت أن أذهب وأتسلق سفوح تل التلال مشيا على الأقدام و تحري الأسماء على بوابات الفلل الفخمة لنجوم السينما , على أمل أن أرى أحد نجومي المفضلين , بيرت لانكاستر أو جاري كوبر أو مارلون براندو وربما أليزابيث تايلر  وبينما أنا أمشي في تلك الأحياء وأتوقف لقراؤة الأسم على البوابات و أسرق نظرات الى الداخل ربما لرؤية أحدهم يتنزه في الحديقة , أوقفتني سيارة الشرطة وهم مستغربين لرؤية واحد يمشي وحيدا في الشارع  وأن هيئتي لم تشير الى لص أو شخص خطير وأنا ألبس ربطة العنق ( البو تاي) , وبعد فحص مستنداتي و

(7)
هويتي وجوازي , أثار أستغرابهم بقطعي تلك المسافات مشيا على الأقدام , لأن في تلك الأحياء كان الجميع يتنقلون بالسيارات حتى بين البيوت القريبة . وكنت قد وضعت حقيبتي في أحدى صناديق العفش وحملت معي المفتاح , ونظرا لمعاملتهم الطيبة فلم أتخوف من أمكانية أحتجازي وركوب السيارة معهم  بعد أن أصروا على أيصالي الى مركز المدينة, وكانت الشوارع مكتظة بالفتيات وهن يحملن الزهور كتيجان على رؤوسهن والشبان بشعر طويل وخاصة وأن حملة شبابية تعرف بالهيبيس ( أولاد وبنات الورود) , كانت المودة الطاغية في جيل ذلك الشباب الأمريكي , وكحملة مدنية ضد حرب فييتنام . وأهم نقطة تجمع الحشود كان تقاطع شارع هايت وآشتون , في قلب المدينة حيث يختلط الحابل بالنابل فيها . Height & Ashton
Hippies ( Flower Power ) and Commune 
فأنغمست بينهم , وخاصة وأنهم كانوا مسالمين و في غاية الود والمحبة , ونظرا لعدم وجود لي أي مكان للمبيت في تلك المدينة قررت البقاء معهم في تجمع يشبه العيش المشترك في الفضاء خارج المدينة , ويسمى ( الكوميون ) أي الأسرة الكبيرة , ومعظمهم تركوا بيوتهم وأسرهم للعيش كالبوهيميين , وكانوا يشتركون ويشاركون في كل شيء , يجمعون ما لديهم من نقود لشراء الأكل وخاصة الخبز و الجبن والخمر  و الماريوانا وغيرها من المخدرات (حبوب أل أس دي السايكاديليك ) , وبعد أن بقيت معهم عدة أيام أشاركهم بكل شيء عدا تعاطي المخدرات و أن كنت أحيانا أمثل الدور لأكون مقبولا كأحدهم فلم أبلع دخان سيجارة الماريوانا خوفا من خطورة الأدمان عليها وأتحول كأفراد بقية الأسرة الكبيرة في حالة نشوة وسكر مستمر لذا بقيت الوحيد صاحيا بينهم طول الوقت و ربما الأكثر حيوية ونشاط ذهني و بدني , وكانوا يقصدوني في حل مشاكلهم الآنية , بعدها قررت مغادرة المكان بهدوء دون أن أترك أي أثر لأن مواعظي معهم لترك الأدمان و الرجوع الى حياتهم الطبيعية ودراستهم وأهلهم , لم تبدي نفعا وكان بعضهم يشبهني بالقديس أوغسطين ومواعظه في فلسفة الحياة , وجميعهم مسالمين كالأطفال , حقا كانوا أولاد وبنات الورود .
بدأت أبحث عن أي عمل أتمكن من من جمع بعض النقود لمواصلة مسيرتي وخاصة وأن بطاقة السفر كانت محددة لنهاية شهر سيبتمبر , لذا كان علي البقاء طيلة تلك الفترة و أدارة أموري و معيشتي خلالها قررت بوجودي في عاصمة السينما الأمريكية أن أجرب حظي في التمثيل , وبعد عدة أستفسارات تمكنت من   الحصول على مقابلة من رئيس مكتب لأكتشاف المواهب في أول ستوديو وصلت أليه والأهم في أنتاج الأفلام المعروف ( مترو جولدوين مايير , أم جي أم ), ومن خبرتي السابقة بتقمص شخصية المغني أنجيلبرت همبردينك في بريطانيا ( تمت الأشارة أليها في موقعي على صفحات الفيسبوك) , فقررت ألأدعاء بأنني أبن عم النجم المصري عمر الشريف , والذي كان في أوج نجاحه و شهرته وخاصة في فيلم ( فني جيرل , مع النجمة والمغنية المشهورة بربارا سترايزند) , وكنت قد كونت نظرة عن طبيعة و نفسية الأمريكان بأتسامهم بالسذاجة و عدم معرفة ما يدور بالعالم و مهتمين فقط بما يجري حولهم في داخل أمريكا  وكان حسي صادقا في ذلك  لأن هذا المسؤول صدق كلامي وأبدى أهتماما خاصا بي , وأكد لي بأن مستقبل باهر ينتظرني أذا تمكنت من النجاح في أختبار التمثيل ( أوديشن) , ولهذا صاحبني بسيارته الى ستوديو لتعليم التمثيل وعرفني به كأبن عم عمر الشريف ليهتم بي , ولكن تلك الأختبارات و عملية التأهيل تطلبت أجور عالية , وربما فترة زمنية وهي تعجيزية في كلتا الحالتين , وهكذا خرجت أجر أذيال الفشل وأنتهاء دوري في التمثيل وكيف لي أن أدعي بعدم قدرتي على دفع أجور لأعداد الأختبار وأنا كأبن عم عمر الشريف المليونير وأعترف بأنني مفلس . وكان علي طلب دور صغير مع من يسمونهم الأكسترا بدون
(8)
تمثيل أو بأي عمل ولو حمال لنقل الأجهزة و المعدات , ولكن على الأقل يمكنني بفخر بأن أصرح بدخولي وخروجي من بوابة أكبر ستوديو للتمثيل في هوليوود وهي أم جي أم .
San Francisco , California
بعده نهاية مشواري في هوليوود , قررت السفر الى مدينة سان فرانسيسكو المشهورة بجسرها الحديدي المعلق ( جولدين جيت) و سجن ألكاتراز حيث كان من أشهر سجنائه ( آل كابون المافيوزي ) وأيضا عربات ( الكايبل كارز) , وباص الجريهاوند أستغرق الليل كله , تمكنت من النوم بعد أن أرهقني التعب من المشي في شوارع و طرق هوليوود طيلة اليوم , وفي الباص كنت جالسا بجانب أمرأة جميلة ذو شعر أحمر , ودعتني للبقاء معها لحين أيجاد عمل ومكان للعيش , وبقيت معها أسبوع كامل بالرغم من كونها مثلية الجنس , وكانت تقضي معظم الوقت مع صديقتها , حيث كانت المثلية الجنسية ذكورا واناث منتشرا والمدينة الوحيدة في أمريكا كانت تلك العلاقات شرعية , وتمكنت من أيجاد عمل لغسل الصحون في مطعم أيطالي تديره أحدى صديقات صديقتي المثلية , وعنما صديت محاولتها التحرش بي ولأنها لم تكن بجمال وعمر صديقتي المثلية , طردتي من العمل .وتم الطلب مني ترك الشقة لأن صديقتها أضطرت لترك شقتها و العيش معها , وكنت على الدوام أبحث في الصحف المحلية عن عمل آخر ونجحت في أيجاد شركة متخصصة في قطف الثمار و الخضروات من المزارع  و تسويقها , وأنتقلت الى سكن للعمال في مدينة باسادينا على حساب الشركة , وكان عملي في البداية قطف الثمار و خاصة البرتقال ونظرا لكوني طالب جامعة يجيد الحسابات , تم تعييني مراقب لحساب المحاصيل المختلفة و منتوج كل عامل وحسابه اليومي , وبعد عدة أسابيع , رأيت أعلان عن وجود شاغر لبواب في أحدى العمارات السكنية الفاخرة في الشارع المطل على البحر ( أوشن بولافارد) , وتم قبولي بعد أن تأكد صاحب العمارة أنني لست من هؤلاء المشردين الهيبيس , وأنني طالب جامعة وبلهجة بريطانية , تم قبولي في العمل , وأهم شيء وجود مكان للنوم في كراج السيارات التابع للمبنى , وكان من مسؤوليتي أيضا سياقة السيارات من بهو البوابة الى موقف السيارات في الطابق السفلي من المبنى , وألتقيت بسيدة آشورية تسكن في العمارة , وتمتلك مناجم لأستخراج اليورانيوم , ونظرا لخوفي من خطورة الأشعاعات لم أطلب منها العمل في تلك المناجم البعيدة و طبعا كان فرحي شديدا للتكلم معها بلغة السورث , وتطورت علاقتنا بحيث عرفتني بأصدقاؤها الآثوريين الذين كانوا يقومون بزيارتها , و كانت أحداهن حفيدة رجل الدين المشهور في تاريخ العراق أيام الأنتداب البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي ( مار شمعون و أخته السيئة الصيت سورمى) حيث كان الآثوريون لهم قوة موازية للجيش البريطاني تسمى ( جيش الليفي) , ونظرا لخلافات في البيت الواحد و تآمر بعض أفرادها ضد نفوذ مار شمعون الديني و السياسي تم نفيه و تسفيره الى جزيرة مالطة ومنها الى الولايات المتحدة بتهمة التآمر على وحدة العراق ومطالبة الحصول على حكم ذاتي للآشوريين في سهل نينوى والتي كانت نتيجتها المأساوية الأبادة الجماعية للآشوريين في ما سميت بمذبحة سمايل 1933 من قبل الجنرال بكر صدقي الكردي في الجيش العراقي الجديد , وتمت دعوتي للحضور في أحدى المهرجات الآشورية    لسنوية التي أقيمت في مدينة في مدينة دينفر في ولاية كولورادوDenver, Colorado State
حيث أقيمت أنواع الفعاليات من الرقص ( دبكة الشيخاني ) بالملابس التقليدية و خاصة التيارية ذات الريشة على قبعات الرجال و التيجان على رؤوس النساء من الحلى الذهبية , وأستمرت 3 أيام . وأستمر عملي
(9)
بنجاح حوالي شهر واحد و لكن نظرا لشدة أعجابي بسيارة شيفروليت ستينج راي لأحد زوار أحدى الشقق قررت أن أسوق السيارة خارج المبنى بدلا من نقلها الى موقف السيارات , ونتيجة حادث أصطدام مع سيارة أخرى مسببة للحادث , أصاب السيارة بعض الخدوش و كانت سببا في طردي من العمل , تمكنت بعدها من أيجاد سكن مع جماعة تعمل بصياغة حلى من الخرز و مواد غير ثمينة وأحجارمن الزجاج و السيراميك , كان الذكور و الأناث يستعملونهم كقلادات حول العنق و أسوار على المعصم و أختام على الأصابع وما سميت المودة ( اليوني سيكس) , وكنت أتردد على معرضهم وأنا في طريقي الى العمل . وكان صاحب البيت بولندي الأصل يعمل في ( سي آي أي) جهاز الأستخبارات الأمريكية , كعميل للعمليات الخاصة داخل بولندا الشيوعية وضد الأتحاد السوفييتي , وكانت شقته مملوؤة بأنواع الأسلحة و الأجهزة وكأنها مستودع أسلحة لفرقة كاملة , وبالرغم من أنهم كانوا مثليين ( عدا البولندي) , تمكنت من العيش بينهم لأنني كنت أعاملهم بأحترام  و أتقبلهم كأشخاص كغيرهم من البشر , لاعلاقة لي بعلاقاتهم الخاصة بهم , وكنت أشاركهم في المأكل والمشرب وحتى أنني كنت أرسم لهم بعض الأشكال الهندسية في الزخرفة الأسلامية لأرد عليهم جميلهم , وكنت في بعض الأحيان أرافقهم الى بارات خاصة ونوادي المثليين بدون أية مشاكل و يعاملونني كصديق موثوق به , وكما تم ذكره سابقا أن المدينة كانت تحمي حقوق هؤلاء ولذا كانوا يحبذون العيش في هذه المدينة من جميع أنحاء أمريكا , ولا تزال كاليفورنيا معروفة بقوانين حماية حقوق المثليين وحتى الزواج ببعضهم الآخر ذكورا وأناث , وحتى حماية المهاجرين الغير الشرعيين وخاصة من المكسيك , الذين يعملون بأجور مخفضة في المزارع و قطف الأثمار و أعمال النظافة وكعمال غير مهرة . وبعد بضعة أسابيع قررت بما تبقى لي من وقت أن أزور بعض المدن الجنوبية , وتحقق لي ذلك من أعلان في الجريدة المحلية عن طلب سائق لأيصال سيارة من سان فرانسيسكو ألى ميامي بيج فلوريدا , ونظرا لخبرتي السابقة و كوني طالب جامعة بريطانية و رسالة كفالة وحسن السيرة من البولندي صاحب المبنى وحصلت على السيارة مع مبلغ للنقود للمصاريف و قمت بتوديع من تعرفت عليهم في هذه المدينة الرائعة .
Miami Beach , Florida
فرحت جدا لمعاودة السفر والتعرف على ولايات أخرى كانت أسماء على خرائط ونسمع عنها في نشرات الأخبار وخاصة الولايات الجنوبية كألاباما حيث أشتهرت بالتمييز العنصري ضد السود من أصول أفريقية وخاصة نشوء جماعة كيو كلوكس كلان ( ك ك ك ) السيئة الصيت , وتكساس المشهورة بآبار النفط و المدينة التي تم أغتيال الرئيس جون كنيدي فيها سنة 1963 , وغيرها من المدن , وأنا أتصفح خرائط الطريق لبدأ الرحلة المشوقة وخاصة وأن السيارة جديدة شيفروليت موديل 1968 , و كنت مطمأنا على نجاح المهمة وخاصة من الخبرة التي أستمدتها من رحلة نيويورك – كاليفورنيا , وكنت أحبذ وجود آخرين معي للسلامة و تبادل الأدوار في السياقة والتغلب على الشعور بالنعاس أثناء السياقة وخطورتها , والبقاء صاحيا بالمحادثة و خاصة في الطرق السريعة والمملة . ولكن كنت أتطلع لأنتقاء من وجدتهم في محاذاة الطرق من الشباب و خاصة الشابات وهم يرفعون أبهامهم لطلب أيصالهم الى مقرات أقامتهم في نفس الأتجاه , ( الهيج هايكرز ) وكانت في تلك الفترة عادة مألوفة لوقوفهم على جوانب الطرق السريعة بدون خوف , هكذا كانت أمريكا آمنة وخالية من أعمال العنف و السرقة أو الأختطاف . وكنت أمارس نفس الطريقة السابقة في الوقوف في محطات الأستراحة للتزود بالوقود وشراء بعض الحاجيات الأساسية عازما على الأحتفاظ بما لدي من نقود لمواجهة المجهول وخاصة وأن الدولارات لا تنزل من السماء في أمريكا

(10)
الرأسمالية , حيث كان الدولار سيد الموقف , وبالرغم من طيبة و سخاء الأمريكيين وخاصة خارج المدن  وعدة مرات كنت أتوقف أمام بوابات مزارع ( رانجيز) وأستفسر عن أصحابها و أعرفهم عن نفسي وأنا أتكلم كبريطاني وباللهجة البريطانية التي يحبها الأمريكيين , فكانوا لايترددون في دعوتي للدخول و تناول الطعام معهم , وخاصة وأنهم كانوا مستعدين لأظهار ما يفتخرون به من نجاح و ثراء والحياة الرغيدة وأنجازاتهم الشخصية بالعمل الجاد . و لايترددون في أظهار عنصريتهم ضد السود الذين يعيشون على المساعدات من الضمان الأجتماعي ( الولفير) كونهم عالة على المجتمع وخاصة دافعي الضرائب وخاصة في داخل المدن الكبيرة . وكانت حملة السود في المطالبة بالمساوات بالحقوق المدنية في مجتمع البيض ( سيفيل رايتس موفمنت ) في أوجها و لم يمضي على أغتيال القس مارتن لوثر كينج بضعة أشهر ,  وكانت العديد من المطاعم يمنع السود من دخولها , حيث كانت التفرقة العنصرية سائدة في المدن الكبرى وخاصة الجنوبية , ولم أتوقف كثيرا في الولايات التي مررت بها , وهدفي كان أيصال السيارة سالمة لصاحبها و نيل رضاه عسى أن أحصل على مساعدته لأتمام رحلتي من فلوريدا الى نيويورك بسلام  وكنت أتصور بأن ميامي بيج هي أحدى سواحل البحر في مدينة ميامي في ولاية فلوريدا , ولكن تبين لي بأنها مدينة مستقلة بذاتها , وحسب ما تصورت فأن أسم صاحب السيارة ( مربين شاؤول ) كان لشخص يهودي في منتصف الخمسينات من العمر , وكانوا يعيشون في شقة فاخرة في أحدى العمارات العالية وبعد تفقد السيارة من الخارج والداخل ( بعد عملية غسيل ميكانيكي مسبقا) أبدى أرتياحه وشكرني على المهمة , وقبل أن يودعني ذكرت له بأنني من أصل بابلي وأتكلم الآرامية الشبيهة  بالعبرية ولا أعرف أحدا غيره في تلك المدينة , وبعد تردد مشوبا بالفضول لمعرفة المزيد , دعاني الى شقتهم , وتعرفت على زوجته و أبنه الشاب حوالي 20 سنة و أبنته الصغيرة 13 سنة . ومن حسن حظي كانوا على وشك تناول الغذاء , وأنضممت معهم على طاولة الطعام وأثناء تبادل أطراف الحديث ذكرت زوجته بأن جدتها كانت تذكرهم بأصولهم البابلية وهجرتهم الى جيروساليم في الوطن المنشود , وهكذا أصبحنا فجأة أبناء العم و ذات تاريخ مشترك و تمت دعوتي مشكورا للبقاء معهم عدة أيام لترتيب رجوعي الى نيويورك , محطتي النهائية . وفي اليوم التالي دعاني مع أبنه الى معرض اللوحات الفنية الذي يمتلكه في قلب المدينة , ونظرا لكوني طالب جامعة في قسم العمارة , ساعدته في صناعة بعض الأطارات لبعض الرسوم الزيتية لديه , وتبين لي بأن ما كان معروفا لبخل وحب المال من اليهود لم ينطبق عليه , لأنهم طلبوا مني البقاء أسبوعا آخر وخاصة قمت بمجهود مفيد في ترتيب الصور والمعروضات على الحيطان بدلا من تكديسها في المخازن , للمساعدة في بيعها . وأيضا شكرني لمحاولتي الناجحة لثني أبنه عن الذهاب الى أسرائيل و العمل في الكيبوتسات كعمال غير مهرة في المزارع و المصانع , والرجوع الى مقاعد الدراسة في جامعة ميامي , وفي أحدى الأمسيات دعاني للذهاب معه لأجتماع جمع التبرعات من الجالية اليهودية لأسرائيل , وأتفق معي بأنه سيضحك على أصدقاؤه ( نكتة براكتيكال جوك) بأنني أمثل شخصية أبن خالة الرئيس المصري جمال عبد الناصر , ومن خبرتي في تقمص شخصيات سابقة , كان تمثيل الدور سهلا علي , و كما توقعت بأن هؤلاء الأمريكيين يصدقون أي شيء وأن كانوا يهود , وتم أستقبالي بحماسة وترحيب وهم يرددون بعض الجمل بالمصرية المكسرة , وحبذا لو تبرعوا لي ببعض تلك الدولارات لأنني كنت في حاجة ماسة لها أكثر من أسرائيل .


(11)
Nassau , Bahamas
 وأثناء أقامتي معهم , تعرفت على أصدقاء و صديقات أبنه و كانوا أيضا من اليهود الميسرين بل أن معظم سكان المدينة هم من اليهود الأثرياء , يأتون من نيويورك في مواسم الصيف الى شققهم الفاخرة لعدة أشهر , وفي أحدى الأيام قرر أحدهم القيام بسفرة نهاية الأسبوع الى ( ناسو) عاصمة جزر البهاماس القريبة جدا وطلبوا مني مصاحبتهم , وقبلت الدعوة برحابة صدر وخاصة وأنها على حسابهم , وهكذا وصلنا بسياراتهم الى المطار , وتم ختم جوازي العراقي بالخروج , وكنت مسرورا لهذه الفرصة لرؤية هذه الجزر التي سبق وأن دعيت لزيارتها من قبل أول فتاة سوداء ألتقيت بها في أول يوم وصولي الى لندن ( سبتمبر 1962) و سبق وأن ذكرته على موقعي على الفيسبوك ولا داعي لتكرارها , ونزلنا في مطار ناسو وأتذكر أسم المطار ( ويلكم تو ناسو) على الواجهة من أحدى أفلام جيمس بوند وكان حجز بطاقة الرجوع بعد يومين من تاريخه , ودخلنا المطار الصغير , ومر أصدقائي بسهولة وجاء دوري أمام ضابط الجوازات وبدأ يتصفح الجواز عدة مرات وينظر ألي وكأنني قادم من جزر الواق واق التي يجهل موقعها الجغرافي وطلب مني الأنتظار , وعنما علم الآخرين بوجود مشكلة أعطوني أسم الفندق وسيكونون بأنتظاري هناك . وبعد فترة قصيرة ولكنها كانت بمثابة ساعات , رجع وبدأ يشير الى أن الجواز غير صالح للدخول الى البهاماس لعدم الحصول على تأشيرة دخول , وبينت له أن لي تأشيرة أقامة في بريطانيا كوني طالبا في الجامعة ,   وكان ظني بأن جزر البهاماس محمية بريطانية تحت العلم البريطاني , وبأعتقادي أنها جزء من بريطانيا , ولهذا السبب لم أفكر بموضوع التأشيرة , وهذا الأعتقاد كان خطأ كبيرا لأنه أفاد بفخر بأن الجزر دولة مستقلة وأن كانت خاضعة للتاج الملكي البريطاني , ولذلك علي بالرجوع الى من أين أتيت , وعندما ذهبت الى مكتب السفر للخطوط الجوية الأمريكية ( فلوريدا أيروايز) وبطاقة الرجوع بيدي , وأنا ألعن ناسو وجزر البهاماس وأصحابي الذين ورطوني في هذه السفرة , ولكن بعد فحص التأشيرة الأمريكية تبين أنها لسفرة واحدة فقط و تم ألغاؤها بتأشيرة الخروج من مطار ميامي , وكانت هذه كصفعة زلزلت أركاني وبدأت أتلعثم في الكلام من شدة وهول الصاعقة , وخاصة عندما أجتمعت برئيس مكتبه وكان الجواب بأن الطريقة الوحيدة هي أرجاعي الى بلد الأصل وخاصة وأن مستنداتي وكتيب الأقامة البريطانية و بطاقة الرجوع الى بريطانيا كانت محفوظة في حقيبتي في ميامي بيج , ووظننت بأن الرحلة التي أستغرقت ساعة من الزمن لم تتطلب تلك المستندات خوفا من ضياعها , وبدأت أبكي وأندب حظي لتلك الغلطة كغلطة العمر والتي لم أحسب نتائجها وخاصة وأنني طيلة خمس سنوات دراستي لم أسافر خارج بريطانيا و لم أعلم بأن التأشيرات ليست متعددة وكنت على قناعة ساذجة بأن ختم التأشيرة لايعني ألغاؤها و عدم السماح للرجوع ألى أمريكا مرة ثانية , وبدأ جمع من الموظفين وضباط الأمن في ذلك المطار التعيس , ببحث عن سيناريو أيجاد خطوط جوية يمكن أيصالي الى بغداد ومن يدفع قيمة تلك التذاكر وأنا مفلس أعيش بضيافة الآخرين , عندما بدأت أصرخ بهم بأن حياتي ستكون في خطر داهم ليس فقط لذهابي الى أمريكا العدو اللدود لحكم حزب البعث الذي سيطر على العراق مرة ثانية وبدأ بمجازر ضد جميع القوى الوطنية وخاصة اليسارية والشيوعية التي قاومته بحرب شوارع راح ضحيتها عشرات ألالاف و أمتلأت السجون وأحكام الأعدام الفورية كانت على أقل شبهة وخاصة لمن كان يشتبه بكونه عميل أو جاسوس للغرب وأمريكا , ولم يتوصل

(12)
 الجميع الى حل و طريقة يمكن بها أيصالي الى بلدي الأصلي , وتم وضع المسؤولية على الخطوط الجوية لفلوريدا للسماح لي بركوب الطائرة دون التأكد من وجود تأشيرة سليمة لجزر البهاماس لأعتقادهم بأنني أمريكي  مع الفريق بصحبتي , ومن يتوقع لعراقي أن يتواجد في مثل تلك الظروف وأن معظمهم لم يعرفوا موقع العراق على الخريطة , وعندها تدخل قبطان تلك الطائرة بفكرة بأنني نظرا لعدم دخولي الرسمي الى ناسو وعدم خروجي من مطار تلك الدولة , فأنه يمكن الحكم بأنني لم أخرج رسميا من أمريكا , ونظرا لأن لي بطاقة رجوع على نفس الطائرة الأمريكية , فأنا في حكم وجودي لا أزال على أرض أمريكية وعليه بطلان تأشيرة الخروج من الأصل . وتعهد بمصاحبتي بعد رجوع نفس الطائرة الى مطار ميامي وشرح الظروف الملتبسة و بأنني لم أغادر الطائرة بعد معرفة عدم حصولي على تأشيرة للدخول الى البهاماس , وهذا ما حدث و تمت عملية أنقاذي من الموت المحقق على يد السلطات البعثية كعميل و جاسوس أمريكي وأنا متلبس بالجريمة والتأشيرة الأمريكية والجواز المزور , وما كان سيحدث ليس لي وأنما أفراد عائلتي الذين لم يعلموا شيئا عن تلك السفرة لا من قريب و لا من بعيد !!..
بعد أن خرجت من المطار في ميامي وشعرت بانني أمشي على الهواء من غبطة فرحتي وبأنتهاء الكابوس المروع الذي وجدت نفسي فيه بدون دراية و بسذاجة منقطعة النظير , ولأحداث كان لايمكن تصور نتائجها الكارثية . ورجعت الى بيت أبن عمي شاؤول وأنا أجر أذياب الفشل و الهزيمة بعد كل النجاحات التي مررت بها طيلة تلك الفترة في ربوع بلد العم سام , وفي اليوم التالي حصلت على فرصة لسياقة سيارة باص فولكس واجن من ميامي بيج الى نيويورك , بعد أن توسط لي هذا الشخص اليهودي السخي مع تلك المرأة االيهودية لأيصال السيارة الى أبنها الذي يدرس الفنون الجميلة في أحدى جامعات  نيويورك .
New York , East Coast
لم أصدق حظي وأنا أجلس خلف مقود السيارة بعد أسؤا تجربة مرت علي في حياتي , وأن أرجع بعدها سالما معافى أجرب حظي في السفر بأمان و حرية في بلد الحرية , وكان الطريق طويلا  والنقود في جيبي بدأت بالنفاذ وخاصة تلك اليهودية لم تتبرع شيئا لمصاريف السفر و الوقود , ولكوني في حاجة ماسة لتوديع أفراد العائلة التي بدأت أشعر بأن مكوثي معهم قد طال أكثر من اللازم , وترددت الألحاح على اليهودية في طلب المساعدة خوفا من خسارتي لتلك الفرصة الذهبية للوصول الى المرحلة النهائية من رحلتي التي بقى لي منها حوالي 3 أسابيع من موعد السفر , وقررت أن أشارك مصاريف السفر مع من ألتقي بهم في الطريق , والمشكلة أن الباص ( الفان) كان ذو مقعد واحد أمامي فقط , أي راكب أضافي واحد . وكانت البداية جيدة الى ولاية كارولينا الجنوبية , وتذكرت بأن صديقي الآثوري منذ أيام كركوك ومانجستر و ليفربول روبرت خوشابا له أخ أكبر منه يعيش في المدينة , و قررت أن أستفسر عنه في مراكز الشرطة ومكتب الوالي , ولكن بدون نجاح يذكر و ربما أخطأت في الولاية لأنه ذكر لي ولاية كارولينا , والولاية فيها الشمالية والجنوبية ولايتان منفصلتان تماما , وهكذا قررت ترك الموضوع والأستمرار في الطريق , و لأول مرة وبغفلة مني أنسى قوانين مراقبة السرعة , ويتم اللحاق بي بسيارة الشرطة وصوت الأنذار و لأنوار الزرقاء فوقها تندلع بحماسة , وكانت الشرطة عادة تختبأ خلف الجسور في مداخل المدن و تنخفض


(13)
North Carolina, St. Helena  County Jail
السرعة المسموح بها الى 50 كلم في الساعة وأنا أسوق بسرعة 70 , وتم أقتيادي الى بيت أحد القضاة , وأقول بيت وليس محكمة , لأنه في غرفة خاصة جلس خلف طاولته , وتم قراؤة صحيفة الدعوى :- سياقة بسرعة أكثر من 20 كلم في الساعة , وأعترفت بالجريمة , ولذا أصدر الحكم علي بغرامة = 20 دولار (دولار واحد لكل كلم ), ونظرا لوجود 30 دولار فقط في جيبي ,

26
ذكريات شخصية لرحلتي الى بريطانيا كطالب بعثة 1962

لقد سبق وأن كتبت عدة أجزاء عن ذكرياتي في قلعة كركوك ( أربعينيات وخمسينيات ) و عنكاوة القديمة ( خمسنيات و ستينيات ) , على صفحات الحوار المتمدن و عنكاوة دوت كوم , وموجودة على الأنترنيت .
بدأت أشعر بالنوستالجيا والحنين لأيام الصبا و الشباب , وفي كتابة هكذا ذكريات أحاول ليس فقط أستعادة تلك الأحداث وأنما محاولة العيش والأنغماس في ثناياها من جديد وتنشيط الذاكرة كرياضة لصحة الدماغ .
أنهيت المرحلة الأبتدائية من تعليمي في مدرسة الطاهرة للبنين في قلعة كركوك , وبعدها الصف الخامس و السادس في مدرسة الخالدية للبنين في القورية , والثانوية في مدرسة الثانوية للبنين , والصف الرابع أعدادي في كركوك , أما الصف الخامس الأعدادي ألتحقت بالمدرسة الأعدادية الشرقية للبنين في الكرادة بغداد , بعد أن أنتقلنا من شارع ألماس في كركوك الى تل محمد في بغداد , وكانت الفكرة الحصول على معدل عالي في الصف الخامس النهائي للحصول على البعثة العلمية من الحكومة , وهكذا كانت النتيجة بمعدل 87% في البكالوريا ( المركز الثالث في المدرسة) , أهلني للحصول على البعثة لدراسة الهندسة المعمارية ( 7 سنوات بينما كانت الفروع الهندسية الأخرى 5 سنوات ) , ونتيجة  لمواهبي في الرسم التي تم أختبارها أثناء المقابلة تم قبولي في ذلك الفرع حيث رسمت أعضاء اللجنة وهم جالسين خلف الطاولة .
لقد كانت فرحتي عارمة لنيل تلك الفرصة التي كانت والدتي العزيزة تذكرني بها منذ مرحلة الثانوية , وهكذا تحققت أمنياتها , ولقد كانت تذكرني بتفوق جوزيف كوندا كمثال أحتذي به وكان يحصل على العفو في الأمتحانات وهكذا كنت أنا أيضا وخاصة في مرحلة الأبتدائية التي كان يعمل بهذا النظام القديم .
وبعد أن أنهيت متطلبات وشروط البعثة , ومنها الكفالة المالية لضمان أكمال الدراسة و الرجوع الى العراق  ولقد قام أحد أعمامي المرحوم بويا قاقوز أوغنا كونه تاجر معروف و من أكبر ملاك الأراضي الزراعية في عنكاوة , بتقديم الضمان المطلوب لثقته الغالية بي كطالب تفوق في جميع مراحل دراسته , وهكذا أقترب موعد السفر , وأن كان الفراق مؤلما مع أفراد عائلتي وأقاربي و أصدقائي , وأنا أستقل طائرة الخطوط الجوية العراقية في 22 سبتمبر 1962, ولم تسنح لي الفرصة سابقا لرؤية الطائرة من قريب ولأول مرة , عدا رؤيتها تطير في السماء كالطيور , ولابد أن أذكر حادثة مروعة لسقوط طائرة صغيرة ذات محرك واحد ( من طائرات الحرب العالمية الأولى) , على الأشجار في الحديقة يالقرب من نادي الضباط في كركوك , التي كنت أذهب أليها للدراسة في الظل تحت الأشجار قبيل الأمتحانات , في منتصف خمسينات القرن الماضي , ولا أزال أتذكر رؤية الطيار عن قريب وبوضوح بنظارته من الريح لأنها كانت مكشوفة وهو يلوح ويصيح بنا للهروب بعد عدة محاولات يحوم فوق تلك الأشجار للسقوط فوقها لتخفيف ذلك الأصطدام الوشيك وأنقاذ نفسه من الهلاك لو سقط على الأرض , ولا أدري مصيره , لأن الطيارة بقت معلقة على تلك الأغصان لأسابيع عديدة , ولم نكن من قراء الصحف المحلية لأنها لم تكن موجودة أصلا عدا الصحف والأذاعة الرسمية من بغداد . تذكرت تلك الحادثة لأن طائرة الخطوط الجوية العراقية كانت أيضا أبو البروانة ( قبل الطائرات الحديثة النفاثة) , ونظرا لبعد لندن من بغداد , كانت الرحلة على مراحل حيث نزلنا في مطار أسطنبول وبعد عدة ساعات ترانزيت حلقت بنا الطائرة الى مطار آخر في هولندا وهكذا , وفي تلك المطارات كنت أرسل بطاقات سفر منها بالبريد الى الأهل وكأننا نقوم بزيارة تلك البلدان بسفرات سياحية , هكذا كانت فرحتنا بحيث أصبح وجهنا ملتصقا لنافذة الطائرة و نحن نحدق الى المشاهد و
(2)
المناظر الخلابة وخاصة وأن تلك الطائرات كانت تحلق في علو منخفض يمكن مشاهدتها بوضوح وبالعين المجردة , ونحن نطير داخل الغيوم ونصادف سقوط المطر وحتى وميض البرق على الطائرة وأن شعرنا ببعض الخوف لأن ضربات البرق على الأرض كانت تؤدي الى الهلاك أنسانا أم حيونا أو شجرة .
فرحلة يوم كامل مرت بسرعة ونحن طلبة البعثات في رحلة العمر الى تلك البلدان الأوروبية التي كانت أسماء على الخريطة ونحن نقراؤها في كتبنا المدرسية , وها نحن نحلق فوقها ,  ويتم أستقبالنا في مطاراتها  ولا ننسى أبتسامة وأستقبال ضباط الأمن وخاصة الجنس اللطيف جدا لتلك الفتيات , وكأننا شخصيات مهمة ( في آي بي) , وتم تقديم بعض السندويجات و المشروبات الغازية من قبل مضيفة الطيران الجميلة التي جلست بجانب نزار عثمان أحمد ( والده كان رئيس الصحة و والدته مصلاوية , وعمه من كبار آغوات أربيل ) وتذكرته من أيام مدرسة الخالدية الأبتدائية وكان بيتهم على رأس الشارع بالقرب من المدرسة وكنت أرغب بجلوسها بجانبي لكن لكل شيء قسمة ونصيب وكما يقول المثل العراقي :- خيرها بغيرها .
في مطار هيثرو في لندن أنتظرنا على رصيف المطارللتعرف على حقائبنا , وكان أستغرابي قيام حمالين أنكليز ( وليس بريطانيين هنود أو باكستانيين ) لحمل الحقائب وهم يمشون خلفنا وهم يبتسمون ( لم تكن أيامها عربات لنقلها مباشرة من الطائرة ) , وهذه مفاجأة لم أحلم بها , لأننا في شركة نفط العراق ( آي بي سي) حتى رؤية الأنكليز في الشركة كانت غير مألوفة ألا لكبار الموظفين ( الستاف) , وعندما أعطيته بقشيش صغير شكرني بحرارة , هكذا كان الترحيب بنا ونحن لا نصدق حظنا وبرهبة ما ينتظرنا من أحداث  ومعظم المسافرين كانوا طلاب البعثات , وتم نقلنا الى فندق في قلب العاصمة على حساب السفارة العراقية لثلاثة أيام قبل أن يتم توزيعنا على الكليات في أنحاء بريطانيا . وأجتمعنا في مكتب السفير العراقي , وتم أعلان الأسماء و الكليات , وكان نصيبي كلية ستريتفورد , وفرحت بلأسم , لأنه ذكرني بمدينة شكسبير ولكن بعد الأستفسار تبين أن ستريتفورد ليست ستراتفورد أون أفين ولا أحد كان له علم بموقع الكلية على
  Stretford (Technical College) , not Stratford on Avon
 الخريطة , وشعرنا بأحباط عندما علمنا بأننا سندرس سنتين ( جي سي ئي) في الكلية و حسب نتائج الأي ليفيل سيتم قبولنا في الجامعات من عدمه , لأننا كنا نظن بأننا سوف ندرس سنة واحدة لغة قبل الألتحاق بدون أمتحانات تمهيدية أخرى بالجامعة , وكما كان خريجي البكالوريا في العراق يدخلون الجامعة مباشرة . وهكذا تم وضعي مع أحد الطلبة الأكراد من السليمانية في القطار الى مقرنا المجهول بواسطة موظف من بريتيش كاونسل , وبدأ صديق دربي سرتيب نوري , بالبكاء خوفا من أن يكون مقر أقامتنا في قرية نائية نزيد من شعورنا بالغربة بين الأنكليز وخاصة وأن لغتنا الأنكليزية أقتصرت على بعض الجمل دون أن نفهم ما يقال لنا أثناء المحادثة , وبالرغم من ذلك الشعور و القلق على مصيرنا , بدأنا نستمتع بمناظر الريف الأنكليزي و المساحات الشاسعة للبساط الأخضرللبساتين و الحقول و الأنهار والبحيرات والبيوت ذو السطوح المائلة في البلدات الصغيرة من نافذة القطار , مناظر لم نتعود على مشاهدتها , وبعد مرورساعات طويلة توقف القطار في عدة محطات و في نهاية الرحلة طلب منا النزول مع حقائبنا في مدينة مانجستر , وكان بأنتظارنا موظف من البريتيش كاونسل الذي أخذنا الى سكن للطلبة الأجانب في أحدى نواحي المدينة وقد ألتحق بنا طالب آخر وصديق الدراسة عاطف من الأعدادية الشرقية في بغداد  , وبدأ سرتيب يشعر بالطمأنينة و خاصة وأن عمه جمال كان يدرس في المدينة نفسها , وبعد أن أتصل به هاتفيا حضر ألينا
(3)
بسرعة البرق مع صديق كردي آخر معه ( بختيار الأيراني) , وبدون مقدمات طلبوا منا حمل حقائبنا وترك السكن للبقاء معهم في شقتهم في المدينة ( أنا وسرتيب ) , بعد أن أبلغونا بأن ستريتفورد هي أحدى ضواحي مانجستر وليست قرية نائية كما تصورنا , وهكذا زال عنا الشعور بالمصير المجهول وكانت فرحة سرتيب للقاء عمه لايمكن وصفها بعد القلق الذي أنتابه في القطار , وأصبحنا  بين طلاب يتكلمون العربية وكأننا في بغداد بين الأهل دون الشعور بالغربة . كانت الشقة المؤثثة يشارك فيها أربعة طلاب عراقيين في مختلف مراحل دراستهم وكان الأثنين الآخرين ( عادل وغسان)  وهم يدرسون على حسابهم الخاص و يعملون ليلا في أحدى نوادي الرقص ( الديسكو) للحصول على أيراد أضافي لتخفيف العبأ على عوائلهم في نفقات الدراسة و المعيشة .
وصادف ذلك اليوم بحلول عيد الميلاد لأحدهم  ( عادل) , ولذا كانوا منهمكين في ترتيب حفلة للأحتفال بتلك المناسبة وما أن حل الليل بدأ المدعووين من الطلبة العراقيين وصديقاتهم ( وعدد آخر من الفتيات من معارفهم في النادي الليلي) بالحضور يحملون قناني البيرة و الخمور والهدايا للمشاركة في الحفلة . وبدأت الموسيقى الراقصة من مسجل الصوت و الأسطوانات وجلسنا أنا و سرتيب في الزاوية نراقب ما يجري حولنا لا نصدق أعيننا من مشاهد لم نراها حتى في أفلام راقصة لهوليوود . وبالرغم من كل ذلك بقينا جالسين مسمرين على مقاعدنا دون أن نجرأ على المشاركة عدا في ترديد بضعة كلمات مع أحدى الفتيات وكانوا أكبر منا عدة سنوات وأنا لم أتجاوز 18 سنة , لذا كنت غير جاهزللتعامل مع هكذا فتيات وظلينا جالسين بدون شراب طيلة الوقت وأستمرت الحفلة الى ساعات الفجر. وأثناء ذلك كان عادل يصطحب أحدى تلك الفتيات أكثر من مرة الى خارج الغرفة ويعود بعد فترة ونحن نتساؤل سر غيابهما ومن المؤكد بأنهم لم يتصفحوا صور ألبوم العائلة ولم نكن ساذجين الى تلك الدرجة ولكن بالرغم من ذلك لم نتصور أن العملية الجنسية تتم بتلك السهولة دون أن تثير أنتباه الآخرين وكأنه شيء روتيني مألوف لديهم .
هكذا كانت البداية والخطوة الأولى في رحلة الألف ميل . أما الخطوة الثانية فكانت متميزة بكل المقاييس , في الليلة الثانية تمت دعوتنا لمصاحبتهم الى النادي الليلي الذي يعملون فيه ( نادي جايز أند دولز= شبان وشابات), وكان الرياضي الضخم عادل حارس الأمن على البوابة والثاني غسان في الأستقبال , وطبعا كان دخولنا مجانا , ولأول مرة ندخل نادي الرقص وبعد فترة قصيرة من أستكشاف المكان , و وجود عدد كبير من الفتيات لأن أيام الأربعاء كان دخول الفتيات فيها مجانا , وهكذا تشجعنا للمشاركة في الرقص بعد بعض التردد , ونحن نحاول تقليد ما يجري حولنا من حركات الرقصة الجديدة التويست , التي كانت أسهل علينا تقليدها , وليس الروك أند رول المثيرة الخاصة بمحترفين فقط . وأن معظم الفتيات كانوا في أعمار مناسبة بين 17 و 20 سنة , وكانوا يحبذون شبان الشرق أوسطيين وخاصة العرب و الأيرانيين على الأنكليز , ولم نتمكن من طلب مواعيد لأننا لانملك سكن أو شقة و لم تكن لدينا الخبرة في هكذا مواعيد مع الفتيات ولا لغة الحديث لأستمالتهم لقبول هكذا دعوة  وبدلا من الكلام بلغة لا أجيدها ,  كان الأفضل لي التكلم بلغة الشفاه في تبادل القبل مع أحدى الفتيات ألتقت نظراتنا بالبعض الآخر ( وكما غنت فيروز :- وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيناي بلغة الهوى عيناه ) .  وخاصة وأنني حصلت على خبرة سابقة في القبلات مع فتاة سوداء من جزر البهاماس ألتقيت بها في أول يوم وصولنا الى الفندق في لندن , ولقد ذكرت تفاصيلها على موقعي في الفيسبوك ولا حاجة لتكرارها , ولكن هذه القبل كانت أعمق ( وتسمى القبلة الفرنسية) دون أن تتأثر

(4)
شفتاي كثيرا من أسنانها كما حدث مع سابقتها , وخاصة وأنني لم ألتقي بفتاة شقراء وبيضاء كالثلج بعيون زرقاء من قبل , ويبدو أنها أيضا كانت حديثة العهد بالخروج الى صالات الرقص و الديسكو .
ولكن الأمر هكذا لم يستمر طويلا بعد أن حصلنا على شقة سكنية وتعلمنا التنقل بالباصات , ولولاهم لما تمكنا من التأقلم بتلك السرعة وبدأنا نذهب الى نوادي أخرى وخاصة نادي ليلي جديد ( الكهف = لاكاف بالفرنسية ) الذي أفتتحه طلبة أيرانيين  لأن عدد كبير من الطلاب الأيرانيين كالعراقيين كانوا يدرسون في جامعة مانجستر وكذلك في نفس الكلية ستريتفورد وهكذا قطعنا شوطا طويلا في تلك الرحلة بسرعة كبيرة .
بدون شك أثرت تلك الحياة الصاخبة على تحصيلنا العلمي و نتائج الأمتحانات , فكاك جمال تم فصله من الجامعة بعد الرسوب في أعادة السنة و تزوج من فتاة يهودية تعمل في أحدى نوادي القمار و بعد عدة سنوات فتحوا متجر للمواد الغذائية الشرق أوسطية ( دلي كاتيسون ) و غسان قرر الرجوع الى العراق ويلتحق في جامعة بغداد و التي فصل منها أيضا لعملية مخلة بالشرف مع أحدى الطالبات , وعادل أيضا رأيته يعمل في صيدلية في شارع السعدون أثناء زياراتي الوحيدة للعراق للتحضير على أطروحة البيوت التقليدية في بغداد , حتى أن طالب معنا في الكلية , تفوق على طلبة العراق في البكالوريا وطالب بعثة لدراسة المحاسبة القانونية كانت نهايته الأنتحار عندما لم يحصل على نتائج تؤهله للقبول في الجامعة , أما صديقي العزيز كاك سرتيب بالرغم من قابليته الفذة في الرياضيات حيث حصل على أي ليفيل رياضيات في أمتحانات السنة الأولى , ولكن في السنة الثانية لم يحصل على نتائج عالية ليتم قبوله في أحدى الجامعات لدراسة الهندسة المعمارية , فكانت نتيجته حالة من الجنون لم يتمكن من أجتيازها بالرغم من أن والدته جائت من العراق لتدير شؤونه و الأعتناء به و تم حجزه بمستشفى المجانين بعد أن حاول قتل والدته . يا حيف على ذلك الشاب الوسيم الذي كان ينافسني للحصول على أجمل الفتيات , و لتلك النهاية المأساوية , وعندما علمت بذلك من عمه جمال , سافرت من ليفربول الى مانجستر تمكن من التعرف علي أثناء أحدى زياراتي له في المستشفى وخاصة تذكيره ببعض الأحداث المضحكة مع صديق مقرب له أيراني قصير القامة , وكنا نسميهم في الكلية دونكيشوت و صديقه الساذج سانشو , لأن سرتيب كان طويل القامة نحيفا البنية , ولذا شجعتني الممرضة على المجيء مرة أخرى , ولكنه كان فيها شخصا منطويا على ذاته , لم يتعرف حتى علي في زيارتي الثالثة وسمعت بأنه خرج من المستشفى و حصل على ديبلوما في الهندسة الميكانيكية من أحدى الكليات و المؤكد خسارته البعثة لدراسة الهندسة المعمارية , وأنقطعت عني أخباره .
أما أنا , فبالرغم من جصولي على 4 أي ليفيل ( بدلا من 3 للتقديم  للجامعة ) فكانت بنتائج واطئة وهي :- واحد ئي و2 دي والرابع بي في اللغة العربية ( لأنني كنت متفوقا فيها في جميع مراحل دراستي ) , وتم رفضي للجامعات التي تقدمت أليها , وسجلت لأعادة السنة مضطرا في نفس الكلية , ولكن في آخر محاولة قررت الذهاب الى جامعة ليفربول لأجرب حظي , مع أن القسم المعماري فيها يعتبر الأول في بريطانيا , وفي المقابلة كنت محظوظا لوجود أستاذ مصري ضمن لجنة القبول الذي شرح لهم بأن اللغة العربية تتضمن الترجمة والأدب الأنكليزي والعربي وأنه هو شخصيا وجد صعوبة بالنجاح فيها  . ونظرا لأن الدراسة كانت قد بدأت منذ أسبوع واحد , فتم قبولي وأرسالي للألتحاق في الصف بعد المقابلة مباشرة , ورحب بي صديقي , نزار عثمان أحمد , الذي أنهى دراسة (الجي سي ئي) في لندن وطالب آخر سمر الكيلاني ( حفيد رشيد عالي الكيلاني رئيس وزراء العراق والمعروف بحركته الأنقلابية )  .
(5)
في جامعة ليفربول ألتقيت بصديق من أيام الثانوية في كركوك , ودرس أيضا في مدرسة الطاهرة الأبتدائية في القلعة , حيث كان منزلهم مقابل مسجد النبي دانيال ( دانيال بيغمبر) في الدربونة الى الكنيسة وأستغرب لتعرفي عليه بعد تلك الفترة , وأيضا طالب كردي آخرمن السليمانية يدرس الهندسة المدنية  لطيف رشيد (وزير الري السابق و مرشح رئاسة الجمهورية عن حزب الأتحاد الكردستاني ) , وكنت أعتبر نفسي كردي مع الأكراد و عربي مع العراقيين , فأصبحنا عدد 3 أكراد ننتمي الى جمعية الطلبة الأكراد فرع ليفربول , وكان أحد الحركيين المدعو دارا يأتي من لندن كل بضعة أشهر و يجتمع معنا ونسمع عنه أهم المستجدات في الحركة الكردية المسلحة في شمال العراق وخاصة عن وعود حزب البعث لأعطاؤهم الحكم الذاتي و أنهاء النزاع المسلح . وأيضا كنت عضو في جمعية الطلبة العراقيين والتي كانت منافسة لمثيلتها البعثية .
ولقد أنهيت بصعوبة دراستي الجامعية و سبق وأن ذكرت على صفحتي في الفيسبوك عن بعض تلك الأحداث ولا داعي لتكرارها مرة ثانية , وبعد حصولي على شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية 1970, تم قبولي لدراسة الماجستير في جامعة لندن ( يونيفيرسيتي كوليج) 1972 , وبعدها حصلت على عضوية الجمعية الملكية للمهندسين المعماريين في بريطانيا 1973 , وبدونها لايمكن الحصول على لقب مهندس معماري في بريطانيا , وحصلت على وظيفة في حكومة لندن المحلية (ويست منيستر ) في قلب لندن , وبعد عدة أشهرمن العمل في وظيفة مملة , رأيت أحدى الأعلانات في صحيفة التايمز اللندنية عن وجود طلب في شركة عالمية للمقاولات ( تايلر وودرو, المعروفة باللوجو 4 أشخاص يجرون الحبل) لمهندس معماري في الشرق الأوسط , فقدمت طلبي على الفور , ونظرا لمؤهلاتي الأكاديمية و كوني عربي اللغة , تم قبولي بعد أن علمت بأن البلد هو سلطنة عمان , وبالرغم من كون البلد غير معروف لدي , قبلت الوظيفة برحابة صدر وخاصة أني كنت متخوفا من بلد وحيد وهو العراق , نظرا للحكم الأستبدادي الرهيب لحزب البعث , ومنع السفر لأصحاب الكفاؤات بالرغم أني دفعت مبلغ كفالتي للبعثة للحكومة العراقية . وهكذا تركت لندن بعد عدة أشهر من العمل في مكتبها الرئيسي في أعداد التصاميم النهائية لبناء أول مدينة عصرية في مسقط , في عهد السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد , وكان قد أستلم الحكم يوم 23 يوليو سنة 1970 من والده بأنقلاب داخل القصر , وخاصة وأن البلد كان يسمى مسقط وعمان , يعيش تحت حكم السلطان سعيد بما يشبه القرون الوسطى بالرغم من أكتشاف النفط  في عهده قبلها بعدة سنوات , وكان التعليم مقتصرا للمرحلة الأبتدائية في مدرسة واحدة في مسقط و أخرى في صلالة , وكان بعض أفراد الأسرة الحاكمة يذهبون الى بغداد للدراسة في المدارس الثانوية , وحتى أن السلطان سعيد نفسه ألتحق في شبابه بمدرسة الثانوية المركزية سنة 1923 وكان البلد يفتقر الى الخدمات الأساسية من الكهرباء و الماء عدا مياه الآبار , لذا فأن أول بيت حديث تم أكماله في المشروع , بخدمات الماء و الكهرباء و المجاري , تم أفتتاحه بأحتفال كبير ولأزاحة الستار للحجر الأساس لمدينة سميت تيمنا بأسم السلطان ( مدينة قابوس) في أول أحتفال رسمي للعيد الوطني ( الثالث) في 18 نوفمبر 1973 , وهو يوم عيد ميلاد جلالته . وتجدر الأشارة بأن أول طائرة نفاثة للخطوط الجوية البريطانية التي كنت أحد ركابها , نزلت الى مدرج المطار الجديد ( مطار مجان الدولي) قبل أن يكتمل , ونزل الركاب وهم يحملون حقائبهم وتم أستقبالهم وختم جوازاتهم للدخول , في خيمة على أرض المطار لأن مباني المطار لم تكتمل بعد .
وللحديث بقية ..





27
تهانينا لأهلنا في عنكاوة والعالم , بصدور هذا الكتاب القيم عن تاريخ عنكاوة وخاصة لقلة المصادر الموثوقة , والكتيب الصغير الوحيد حسب علمي كان للأستاذ حنا روفائيل
والى المزيد من التألق والأبداع أستاذ فاروق حنا , وأنجازاتك في متحف عنكاوة  وتاريخها , ستكون خالدة في الذاكرة العنكاوية .
وأتشوق لقراؤة الكتاب وأرجع بذكرياتي القديمة عن عنكاوة الطينية والتراثية التي لم يبقى في ذاكرة الأجيال منها ألا القليل
 ولقد سبق وان كتبت عدة أجزاء عن ذكرياتي القديمة لتلك الفترة أبتداء من بداية خمسينات القرن الماضي في صفحات الحوار المتمدن و عنكاوة دوت كوم وأرجو أن تكون قد قرأتها وأقتبست منها شيئا !!..
المعماري
أيوب عيسى (بيو) أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان


28
من لايتذكر السفرطاس ( سفر+ طاس)حيث كان عمال شركة نفط العراق ( الأنكليزية) يحملونه بعناية وكأنه طفل صغير , لكي لاينسكب منه سائل المرقة ولو قطرة واحدة .
كانوا يحملونه كما كنا نحمل كتبنا المدرسية في زمن لم تتوفر فيه الحقائب وخاصة المعلقة على الظهر التي يسهل على الأطفال حمل أوزانها .
أتذكر رؤية ما تبقى من بقايا بعض طاسات متناثرة من سفرطاس ضحايا السيارة المنكوبة في القابعة رأسا على عقب في قاع خاصة صو , لحادثة مرت عليها سنوات عديدة بعد صقوطها من أعلى الجسر القديم أمام قلعة كركوك , والذي كنا نمر فوقه مشيا على الأقدام  من آخر موقف لباص الأمانة الذي كان ينقلنا من عرفة ( كركوك الجيدة) , بعد أن انتقلنا أليها من القلعة , ولكن كنا لانزال نداوم في مدرسة الطاهرة الأبتدائية للبنين , قبل انتقالنا الى مدرسة الخالدية الأبتدائية في كركوك . وتذكر والدتي المرحومة , بان والدي تأخر عن عمله بسبب وعكة صحية , وكان يستقل يوميا ذلك الباص ذو الهيكل الخشبي من محطة القطار الى أمام مدرج القلعة , وربما هذا السبب كانت نظراتنا تطول في الأمعان ونحن نمشي بسرعة للوصول الى صفوفنا المدرسية , وأن مشهد السفرطاس ليس من الماضي , لأن العمال الهنود والأسيويين هنا في مسقط لايزالون يحملونها الى مقرات عملهم في مواقع البناء , وتحملنا بعيدا الى تلك الذكريات القديمة في قلعة كركوك و والتي سبق وأن نشرت عدة حلقات منها على صفحات الحوار المتمدن و عنكاوة دوت كوم , ,ايضا عن عنكاوة القديمة
أن مغامرة الأخ لطيف أبداع مسرحي رائع و يستاهل عمل سيناريو سينمائي , وهذا يثبت قابليته ونجاحه على المسرح العراقي سواء بالتمثيل أو بكتابة السيناريو للمسرحيات التي كتبها , لايزال في تعليقاته الصحفية على صفحات الفايسبوك , وربما سيصدر له كتاب عن تلك الذكريات ونشد على يده لأكمال هذا المشروع , ليدون فيه تاريخ أيام وسنوات وعقود عصيبة عصفت بالبلاد والعباد ولاتزال مستمرة ولا أمل أو ضوء في نهاية هذا النفق الرهيب !!.., أنها تراجيدية عراقية شبيهة بتراجيديا الأغريق والرومان , ولكن بدون نهاية
شكرا للأخ العزيز لطيف لأسهاماته الرائعة التي تصيب كبد الحقيقة بجرأته المعهودة , على صفحات الفايسبوك , والى المزيد من الأبداع !!!..

أيوب عيسى (بيو) أوغنا
معماري وخبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط/ سلطنة عمان 


29
نتذكر الأخ سولاقا ( وبفخر) من كركوك وكان من موظفي شركة نفط العراق بمرتبة ( ستاف) وخاصة وهو من القلائل في مقتبل العمر ليصل الى تلك المرتبة الوظيفية , في أيام العز والرخاء و المجد في السنوات الأولى من حكم الزعيم عبد الكريم قاسم ( رحمه الله) , لقد كانت كركوك الجديدة ( العرفة) كباريس ولندن , وكانت الحياة في أجمل مظاهرها وأين نحن الآن بعد نصف قرن , والعراق يرجع الى الوراء سنة بعد أخرى , وكما كان والدي المرحوم / عيسى بيو , يردد دائما المثل :- يرجعون للوراء كبول البعير !!.., هكذا هو حال العراق
ولكن لاحياة لمن تنادي !!!..
. أحسنت يا سولاقا الورد بهذه المقالة , وكما يقول المثل العربي :- هكذا تورد الأبل !!.. و أحسنت و وافيت و وضعت النقاط على الحروف .
المعماري / أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان

30
عزيزي الأخ سامي
شكرا لردك الجميل على المقالة , ووللمزيد من التاريخ القديم وذكريات عن قلعة كركوك  و عنكاوة القديمة
يمكنكم الرجوع لتلك المقالات التي سبق نشرها على صفحات عنكاوة دوت كوم , وموقع الحوتر المتمدن و غوغل , بالنقر على الأسم :- أيوب عيسى أوغنا
www.ahewar.org

31
محطات في حياة أخي الشماس جورج ( كوركيس عيسى بيو) أوغنا
ملاحظة :- كعادتي سوف أتطرق لأحداث من الذاكرة , قريبة وبعيدة من تلك المحطات لأثراء الموضوع وخاصة للأجيال الحالية وللتذكير بها .
نظرا لعدم أهمية الأحتفاظ بتواريخ الميلاد للمواليد في عنكاوة القديمة , كنا نظن بأن أختي مرغنيثا ( أطال الله في عمرها) هي الأكبر في العائلة , ولكن تبين لنا حتى على وقت قريب , بأن أخي جورج هو أكبر منها على الأقل بسنة واحدة , دون أن يحددوا بالضبط تاريخ ميلادهم , ليس بلأيام ولكن بسنة معينة زائدا وناقصا حسب الذكرى لحدث معين بقى في الذاكرة . ولذلك أعتقد بأن أخي جورج ( ونناديه أخوني كوركيس)  قد جاوزالتسعين من العمر ( أطال الله في عمره) , وندعوا له بعمر مديد كوالده 103 سنة و جده 113 سنة !!.. وكما يقال الأعمار بيد الله , ولقد كان الأطفال قديما في عنكاوة يموتون بأعداد كبيرة لعدم كفاية حليب الأم للرضاعة , فبدلا من الأعتراف بموتهم بسبب الجوع , كانوا يواسون أنفسهم بانهم ماتوا نتيجة مرض أصابهم ( سيكا) ويقولون :- سيكليه و ديسيكا , أي عدم قدرته للبلع نتيجة جفاف وأنسداد حنجرته !!..
كل ذلك بسبب القحط و المجاعة والويلات التي كان سكان عنكاوة وغيرها من القرى المسيحية في سهل نينوى , يعيشون في ظلالها , وبسبب الظلم و الأضطهاد الديني تحت الحكم العثماني و أعتبارهم أهل الذمة وخاصة من قبل جيرانهم من القرى الكردية . ولكن كانوا أحسن حظا من نظراؤهم من الأرمن والآشوريين في تركيا العثمانية من المجازر والأبادة الجماعية الجينوسايد سنوات 1915 و1916 , وأحتفظوا بمسقط رأسهم وقريتهم وتراثهم , حتى أن أهل عنكاوة تمكنوا من حماية و تبنى عدد من الأطفال الذين نجوا وفروا من الأبادة الجماعية , و بقوا على قيد الحياة , فأب والدتي المرحومة مارية / فرنسيس وأخته الذين كانوا ضمن هؤلاء الناجين الآشوريين وعدد من الأرمن واليهود , ولكن الناجين أيضا تعرضوا لمصير من أنقذوهم , في مراحل أخرى من حياتهم , فمثلا جدي فرنسيس مات  والوالدة طفلة بعمر 4 سنوات , وكان ضحية أفواج الجندرمة التي كانت تعيث في الأرض فسادا وأرهابا , حيث كانوا يقومون بغزوات ( كعادة أسلافهم السيئي الصيت) على تلك القرى المسيحية و يستولون على محاصيلهم الزراعية , ويلقون القبض على الشباب لتجنيدهم في سفربلوك ( الحرب الكبرى/ العالمية الأولى) ,  وتفننوا شبابها في أيجاد طرق للأختفاء , بعد سرعة أنتشار الخبر لقدوم هؤلاء الغزات , نتيجة تلاصق البيوت  وسرعة الهروب فوق الأسطح و ربما سماع صوت جرس الكنيسة تعلن صفارة الأنذار المتفق عليها , ويختفون عن الأنظار.  ولكن جدي فرنسيس لم يجد مكانا لأختفاء , سوى الزحف تحت عنبر طيني للمؤن , وعندما تم التأكد من مغادرتهم , وجدوه مختنقا خلال تلك الحملة , وأما جدي الآخر / مروكي (بيو) , فلقد كان أحسن حظا بالرغم من ألقاء القبض عليه وسوقه الى جبهة الحرب بأتجاة تركيا و في الطريق أفلت من قبضتهم , وألقي القبض عليه , وحوكم بلأعدام لهروبه من الخدمة , وتمت محاكمته في محكمة شرعية في أربيل , وحوكم عليه بلأعدام , ولكن بدلا من تنفيذ الحكم بحقه , أعطي شرطين للأفلات من حبل المشنقة , وهما الأٍسلام أو زجه مرة ثانية في الحرب لحاجتهم للأحياء , وهذا ما وافق عليه , وهرب مرة ثانية من قلعة قريبة من الحدود التركية , ورجع سالما مشيا على الأقدام بما يمكن ان يكون أحداث فيلم سينمائي لرحلة مغامرة مليئة بلأهوال و المصاعب  وكان والدي المرحوم يردد أحداثها علينا كسيناريو جاهز لذلك الفيلم الدرامي , ولكن المشهد الأخير
(2)
في النهاية , يمكن سرده لعدم الأطالة , حيث رجع جدي الى عنكاوة مع شخص يهودي تمكنت جدتي المرحومة ورديه من مرافقته متخفيا بملابس نسائية ,  وبمعية والدي بعمر 6 سنوات , الى بيته في أربيل مشيا على الأقدام وتجنب أية مواقف للكشف عن هويته في الطريق , وكانت الفرحة بعودته بعد ان كان بالنسبة لوالديه في عداد الموتى , ولقد وضع والده بيد والدي أكرامية بقطعة نقدية فضية تسمى المجيدية  !!..
 وهكذا كانت الحياة القاسية , أن كان يمكن اعتبارها حياة !!؟..
ولنرجع الى أخي جورج , بعد ألقينا النظر على الظروف المعيشية الصعبة التي ترعرع عليها مع أقرانه في سنوات طفولته الأولى , ولقد كان التعليم مقتصرا على مواد دراسية بسيطة كالقراؤة والكتابة والحساب , باللغة العربية الرسمية للبلاد , حيث كان عدد المدرسين لايتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة , تم تعيينهم بعد دورة تدريبية في بغداد لسنة أو سنتين , بعد مرحلة الأبتدائية ولذا كانوا حتى بعد تخرجهم ذات مستوى تعليمي محدود , وكان من أشهر هؤلاء المدرسين , الذين كان لهم دور بارز في نشر التعليم في عنكاوة هو الأستاذ لوقا ( رباني لوقا ) , ولقد كان والدي عيسى من ضمن من تم ترشيحهم للذهاب الى بغداد والأختبار لدخولهم دورة المعلمين , ومن سوء حظه لم ينجح كزميله لوقا ,  حيث لم يعرف الأجابة الصحيحة لأسم عاصمة العراق ( وهم في بغداد !!..)
ولقد كان التعليم الديني مرغوبا وخاصة وأن وجود قس في نسب العائلة كان يدعو للأفتخار ويتصدر أسم العائلة فيقال :- بي بيثيد قاشا فلان , فيكون ذلك الأسم العائلي معلوما للجميع وربما يكون شفيعا لهم في الآخرة , ولذا كان مستقبل أخوني كوركيس جاهزا لتلك المهمة , فلقد ألتحق عدد من الشبان من عنكاوة , بمعهد السيمينير الذي كان يديره الأباء الدومينيكان في دير بالقرب من الموصل , ومنهم القس روفائيل وكانت الدراسة بالقسم الداخلي لأربع سنوات يتم بعدها سيامة المتخرجين كرهبان كاثوليك , ولكن أخي قرر في النهاية ترك المعهد حيث كان المتخرجين يسمح لهم بحرية الأختيار بين حياة الرهبنة أوالرجوع الى الحياة المدنية للتأكد من رغبتهم في تكريس حياتهم للكنيسة و رعيتها وحياة العزوبية , هكذا كانت لهم الحرية في الأختيار بقناعة لارجوع بعدها . وكل تلك المراحل نحن الصغار لم نعلم بأن لنا أخ على وشك سيامته كقس في الكنيسة , وكانت المفاجأة عندما رأينا ذلك الشاب مرتديا ملابس السيمينير ( نفس ملابس الرهبان ولكن بلون أبيض منقط وبحزام كحبل أسود من الألياف ) , بصحبة والدي يدخلون البيت بدون أية مقدمات في قلعة كركوك , على الأقل لم تصل لمسامعنا لصعوبة قنوات التواصل الغير الموجودة أصلا , حتى بالبريد , وهكذا أصبح لنا أخ لم نعلم هل هو قس أم راهب , ونظرا لحالة العوز وشحة المورد , حيث كان والدي يعمل كمساعد كهربائي في شركة نفط العراق براتب شهري بالكاد يكفي لسد رمق عائلة كبيرة , كأقرانهم للعوائل الأخرى , لذا أعتدنا لرؤية منظر أخي وهو لايزال بتلك الملابس , يصعد مدرجات القلعة , بعد ان حصل على عمل في مخزن الأوروز دي باك الفرنسية , في سوق العرفة ( كركوك الجديدة) , وخاصة وأن اللغة الفرنسية التي كانت أحدى اللغات الأساسية التي تعلموها في المعهد , وأن تلك اللغة لعبت أهم الأدوار في حياته العملية والوظيفية بعد ذلك , وبعد فترة كانت المفاجأة الثانية لي ( وكأنها يوم أمس) , رؤية أخي جورج بصحبة والدي وهو يلبس القاط , السترة والبنطرون وهم يصعدون المدرج ومن بعيد في القلعة , ربما لون القاط كان له
(3)
تأثيرلتمييزه بين الآخرين , وكان والدي لايتخلى عن لبس ملابسه الكردية بالرغم من محيطه التركماني في القلعة , وكان يلبس شدة الرأس حتى على ملابس العمل وأثناؤها أيضا , وهم يصعدون تلك المدرجات وتستغرق بعض الوقت , وأتذكر اللون كان خاكي فاتح ومن بعيد وفي ضوء الشمس بدا أبيض بين ملابس المارة الآخرين التي كانت في العادة تميل الى اللون الغامق والقليل منهم يلبس ملابس الأفندي , ولازال أتذكر بأن قياس القاط السترة والبنطرون كان كبير وخاصة وأن أخي جورج هوقصير القامة ( نتيجة المعيشة الصعبة و شحة الغذاء المفيد للصحة وربما سوء التغذية , حيث كان وأختي مرغنيثا قصار القامة ) . وكانت العادة بأختيار مقياس أكبر في الملابس , لتكون مناسبة في عمر أكبر وكأنها كانت لتبقى سنوات طويلة من عمر الشخص !!..
هذه كانت ذكرياتي القديمة في تلك المحطة الأولى لخروج أخي من معهد السيمينير ودخوله الحياة المدنية و العمل , وكما تمت الأشارة اليه أعلاه فأن اللغة الفرنسية كانت كشهادة جامعية في حصوله على وظائف متعددة و خاصة مع الشركات الفرنسية العاملة في العراق .
ولكن تلك الشهادة لم تؤهله على التهرب من الخدمة العسكرية , حيث تم تجنيده لعدم حصوله على شهادة الثانوية , وخاصة وأن شهادة السيمينير لم يكن لها أي أعتبار من الناحية العلمية والدراسية الرسمية في البلد .
والمحطة الثانية هي مرحلة الخدمة العسكرية , وكانت العادة خدمة العسكرية لا تقل عن سنتين و لاأدري كيف تمكنوا من تقصيرها على تسعة أشهر وبعدها تقلصت الى 3 أشهر بالنسبة له , وهل أعتباره المعيل الوحيد للعائلة ام تقديم مستندات مزورة بانه متزوج وله عائلة , أم دفع الرشوة !؟..
ولا أزال أتذكر عملية أرتداؤه الملابس العسكرية وخاصة لبس البسطال الأسود الثقيل والذي كان عليه تلميعه ( وكانت الوالدة تقوم بذلك بدلا منه ) , و لف الأرجل بلفاف خاكي حتى الركبة وبنطلون خاكي قصير و قميص وجاكيت وأزرار معدنية على جيوب كبيرة و في النهاية , الحزام العريض الجلدي وما عليه من صناديق كأكياس لطلقات الذخيرة و أخيرا حمل البندقية على ظهره , ويمشي هو يكاد يترنح من أثقالها , ويمكنك تصور ذلك برؤية ملابس الجنود في الحرب العالمية الأولى والثانية تماما , حيث لم تتغير حتى شكل السيدارة وليس الخوذة المعدنية, على الرأس  .
وكان محظوظا بأننا كنا قد تحولنا من قلعة كركوك الى القورية , شاطرلو , وبذلك تجنب صعود تلك المدرجات وهو تحت ذلك الحمل , وأيضا بدفع درهم أو أكثر رشوة للعريف , كان أخي يتجنب التدريبات العسكرية , يس يم , يس يم , والى آخر تلك التدريبات البدنية القاسية , وخاصة وانه لم يتعود على تحمل ذلك المجهود البدني وأن جسمه لم يساعد على ذلك وكان أيضا قصير النظر يلبس نظارة طبية سميكة منذ ألتحاقه بالمعهد , ويبدو أن تلك الرشوة اليومية أيضا كانت كافية للسماح له بالرجوع مبكرا , وخاصة وأنه كان لايزال يعمل في مخزن الأوروز دي باك يوميا , وما يحصله من أجر يمكنه من التهرب من الخدمة الأجبارية بكامل تدريباتها وأنهاء خدمته القصيرة في الجيش , وأعتقد أنها دامت 3 أشهر فقط !!..

(4)
وكان في بعض الأحيان يأتي من العمل وبيده بعض ما يتم التخلص منه من ملاعيب مكسورة غير صالحة للبيع , ولا أزال أتذكر لعابة صغيرة جدا لراكب على موتورسيكل ولكن بعجلة واحدة , و طوبة كرة مفشوشة فقدت كرويتها ولاتصلح للركل , ولكنها كانت بالنسبة لي مقتنيات ألعب بها بلهفة وخاصة واننا لم نتعود على شراء أو الحصول على تلك الملاعيب ومهما كانت المناسبات سواء في العيد او في بقية الأفراح , بالرغم أنها كانت مناسبة لمرحلة عمرية أصغر مني !!..
وبعد تلك المرحلة , حصل على عمل في شركة فرنسية متعاقدة لبعض أعمال بناء سد الدوكان في دربندخان , وكنا قد تحولنا من القورية الى بيت في العرفة , حيث كانت وظيفة  أخي مسؤولا عن شراء وتجهيز المواد الغذائية لعمال الشركة , فكان يأتي الى كركوك لذلك الغرض , ربما مرة أو مرتين في الشهر  مع سائق بمركبة جيب كبيرة بحجم سيارات الدفع الرباعي الحالية , ونظرا لأداؤه الجيد ونظافة يده ولغته الفرنسية , كانت الشركة تعتمد عليه في مهمات أخرى , ومنها تعيين عمال وهكذا تمكن من أيجاد وظائف عديدة لشباب عنكاوة العاطل عن العمل , وفي هذه الفترة كان يجلب معه عدد من الفرنسيين , ويجوب بهم مناطق سياحية في شمال العراق , وكانت من هواياته التصويرالفوتوغرافي , بكاميرا قديمة , ولكن كانت له موهبة في التصوير , بحيث أصبحت لديه ألبومات من الصور الرائعة لشلال كلي علي بك و شلال البيخال و القرى على سفوح الجبال كعمادية وسرسنك وغيرها , ومناسبات أعراس عنكاوة والدبكات والملابس التراثية , ولكن مع الأسف معظم تلك الألبومات ضاعت بعد أن تم أخلاء بيته في بغداد وظروف لجوؤه الى أمريكا .
ومن حسن الحظ أحتفظت ببعضها , وأرفقها كأمثلة , وصورة أخي جورج واقفا أمام شلال بيخال
وبعد ذلك حصل على وظيفة أخرى في شركة فرنسية في مدينة الموصل بوظيفة مدير , وقام كعادته بتعيين عدد من شباب عنكاوة للعمل في الشركة , وأتذكر أقتناص أول فرصة للذهاب الى مدينة الموصل حيث كانت أختي أيلشوا وزوجها يوسف كوندا قرروا قضاء شهر العسل فيها , ودخلت بغتة معهم في السيارة من عنكاوة وبدون أنذار أو طلب بحجة زيارة اخي والبقاء معه , حيث لم يتسنى لنا السفر خارج كركوك و عنكاوة عدا قرية حرير وباتاس التي كان يعمل بها عمي صليوا كخبير زراعي للغابات , وكنت أتلهف للقيام برؤية تلك المدينة والبقاء مع أخي جورج في شقته لعدة أسابيع , وكنت أقتنص الفرصة في نهاية دوام العمل لأخذ ( بدون موافقة مسبقة) الدراجة الهوائية /البايسكل ذو سلة في الأمام الذي كان يستعمل لشراء المواد الغذائية لمطعم الشركة و كان كبير بالنسبة لحجمي حيث كانت قدمي بالكاد تصل الى أعلى البيدال , والقيام بجولات للتعرف على معالم المدينة الكبيرة وعدة مرات كان يتم مساؤلتي من شرطة المرور عن حيازتي للبايسكل الأكبر مني والملفت للأنتباه , ولقد سبق لي أن ركبت نفس النوع من الدراجة وأنا طفل بعمر 4 سنوات , ولكن داخل السلة الأمامية , حيث كان يأتي لزيارتنا في قلعة كركوك أحد أقرباء والدتي وهو سولاقا , وأخذني بعد أن الحيت على والدتي للسماح لي بركب الدراجة معه , و وافقت وأنا في شدة الفرح وكأنني أذهب في رحلة أستكشافية , خارج القلعة , وكان سولاقا وأخته ماركريت / مارجو يتامى , أضطروا للعمل كخدم لدى عائلة ثرية في أحدى نواحي مدينة كركوك , وأتذكر قيام سولاقا بغسل قدمي وبحكاكة حجرية سوداء لتنظيفها ولأزالة الوساخة منها حيث كنا نمشي حفاة القدمين , وأظهاري بالمنظر اللائق ونظافة القدمين للدخول في ذلك البيت النظيف جدا , وكانت مارجو تقوم
(5)
بكوي الملابس حيث لم أرى تلك العملية من قبل , وبلأضافة الى ذلك ترش ماء الورد عليها , ولاأزال أتذكر شم تلك الرائحة , حيث قامت برش بعض القطرات على دشداشتي المهترأة , ومن حسن الحظ لم يكن أصحاب البيت موجودين لرؤيتي وربما لأدى الى أستغرابهم لوجودي هناك .
ولقد أستمرت العلاقة مع سولاقا ومارجو بعد أنتقالنا الى القورية , وكانوا يعيشون أيضا في نفس المنطقة / شاطرلو , وكانوا كثيري التردد على بيتنا , وكانت مارجو مشهورة بعمل المربى بأنواعها حتى من قشرة البرتقال , ونذهب أليهم للتلذذ بمأكولاتها وحلوياتها , حيث كان سولاقا يعمل كممرض في مستشفى شركة نفط العراق / الكي وان .
وخلال هذه الفترة بدأ التفكير في أيجاد رفيقة الحياة , وخاصة وأن الوالدين كانا يرغبان في أيجاد زوجة مناسبة له , والعادة تبدأ النساء بذكر أسماء لعنكاويات من عوائل معروفة , وأحداها أبنة حنا عريف ( والد نجيب وفاروق حنا عتو المدير التنفيذي لمتحف عنكاوة )  وهو أحد أقرباؤنا , وأيضا أسم مارجو مدبرة البيت المثالي , وغيرهم ولكن لم يتم الأختيار ألا على فتاة آثورية كريستينا , أبنة القس , وكانوا يعيشون بمنزل مقابل للبيت الذي قام والدي بشراؤه في شارع ألماس , بعد أن تقاعد عن العمل بخدمة 20 سنة في شركة نفط العراق , وكانت فتاة جميلة وقامة بدينة وممتلأة من أعلى وأسفل بما يمكن وصفه بلغة اليوم / مثيرة للغرائز ( ساكسي) وتجيد مهنة الخياطة , وبدأت تتردد على بيتنا وتبدي رغبتها بالزواج من أخي وقامت بخياطة بنطلون قصير وقميص لي لمدرسة المتوسطة مجانا , وكنت أتخوف على حياة أخي تحت رحمتها أن أصبح تحتها في مخدع الزوجية , ولكن المفاجآة كانت عندما رفض والدها القس من الموافقة على طلب الخطوبة , متمسكا بعقيدته بعدم السماح لأبنته للزواج من شخص من غير المذهب وأصر على ذلك وتم قطع العلاقات نتيجة لذلك ولكن تم طلب دفع ثمن الخياطة !!..
ولكن كانت آثورية أخرى تعيش في نفس الشارع , كانت بتشجيع من والديها وخاصة والدتها من التقرب ألينا ودعوتنا لزيارتهم وخاصة وأن لها 3 بنات , ودائما تقوم بأخذ زمام المبادرة والألحاح لتوظيفها  ونجحت محاولاتها بتعيينها كسكرتيرة تعمل مع أخي في وظيفته الجديدة في شركة بلجيكية , تعمل لبناء محطة كبيرة للكهرباء في الدبس / نمرة ثمانية , على نهر الزاب , وكانت ترافقه في سيارته التي قام بشراؤها للتنقل من والى الدبس وتستغرق المسافة حوالي 40 دقيقة , وكانت فتاة لعوبة أصبح وجودها في المكتب مثيرا للأنظار بحركاتها وملابسها المثيرة للغرائز , بحيث أثرت علىالأداء الجيد لبعض الموظفين , بحيث تم الأستغناء عن خدماتها , وكانت بدون شك غير مناسبة لتكون زوجة له , فلم تثمر  العلاقة بينهما للزواج بالرغم من كل تلك المحاولات من طرف واحد .
ولكن يبدو أنه كان لايزال يفكر بفتاة سبق وأن تعرف عليها , عندما كان يعمل في دربندخان / دوكان , فتاة سمعنا عنها بأنها ذات شعر أحمر وبدون رؤية صورتها , بدأت بتشبيهها بممثلة أمريكية ذات شعر أحمر أيضا , وهي روندا فليمينغ التي مثلت دور الملكة سميراميس أمام الممثل المكسيكي الأصل ريكاردو مونتلبان , الذي مثل بدور نبوخذنصر في نفس الفيلم , والجدير بالذكر فأن الفيلم تم عرضه في سينما أطلس في كركوك , وأدى الى حوار و شجار بين شباب الكلدان
(6)
وآثوريين , كل منهم يدعي بأن سميراميس كلدانية و الآخر آشورية , هكذا كانت ولاتزال الحزازات المذهبية تفرق بين تلك الأقليات والمذهب الدينية , ولولا ذلك لحصل المسيحيون على حقوقهم و والأعتراف بهم كمكون أساسي في المجتمع العراقي وكمواطنين بكامل الحقوق والواجبات , كغيرهم وليس كأقليات متناحرة !!؟..
وكان يعمل في دوكان أيضا صديق قديم لأخي ربما من فترة السيمينير أسمه شوكت و زوجته راحيل من زاخو , وكانت ذات الشعر الأحمر وأسمها / جميلة في زيارة لأختها هناك , ولذلك تم التعرف وتوثيق واصرالمحبة بينهما , وتعلقت تلك الفتاة في ذهنه ولم ينساها طول تلك الفترة , وأتذكر الموكب المؤلف من عدد من السيارات للذهاب الى زاخو لبيت والدها العريف حنا / المعروف بأسم كوبل حنا لجلب العروسة , ولم تخونني مخيلتي لتشبيهها بممثلة هوليود في ذلك الفيلم , ومن أول نظرة شعرت بان جميلة هي حقا جميلة ( أسم على مسمى !!..) , وكان أخي على حق للتعلق بها وعدم نسيانها , وتمت مراسيم الزواج في كنيسة القورية القريبة من بيتنا في شارع ألماس , وتم حجز قاعة في نادي شركة النفط , وبأحتفال رائع تخلله وصلات غنائية و رقصات الدبكة على موسيقى الدول والزورنى , ورقص غربي أيضا , بدأه العروس والعروسة , وبعدها الموسيقى الراقصة وتقدمها  والدي و والدتي برقصة الروك أند رول ولكن بطريقتهم الخاصة والتي أثارت أعجاب وتشجيع متواصل من الحضور. وهكذا تحققت قصة الحب الى زواج وحياة عائلية سعيدة بالبنين والبنات والأحفاد وهم يعيشون الآن في مدينة ديترويت .
وتمكن أخي من أيجاد العديد من الوظائف حيث تعلم الأنكليزيو وكانت لغته العربية ممتازة وطبعا الفرنسية بطلاقة , من تعليم السيمينير , فعمل في عدة سفارات أجنبية في بغداد منها الهولندية والفرنسية , لعدة سنوات , وكان أيضا يدير معهد التعليم الفرنسي في السفارة , وكان يرافق عدد من المتميزين من خريجي المعهد لزيارة باريس على حساب السفارة , وتمكن من زيارتي عدة مرات الى أنجلترا حيث كنت أدرس و تمكنت من مرافقته الى فرنسا التي أصبح خبيرا في زيارة معالمها .
والمعروف عن أخي جورج , ليس كشماس رسمي , وأنما كمؤلف لعدة كتب وترجمات من الفرنسية الى العربية , و دواوين شعر باللغة الكلدانية وخاصة الشعر الغنائي الذي عادة يؤلفه في مناسبات زواج وظهرت بالفيديو على صفحات الفيسبوك , تم نشر بعضها على صفحات موقع عنكاوة دوت كوم , وأيضا له صوت غنائي ربما ورثه من والدي , وعندما جاء لزيارتنا في مسقط من أمريكا قبل عدة سنوات وبحضور عدد من أخواني واخواتي لتلك المناسبة , كان الوحيد يبدأ بالغناء بالسورث أغاني العشق والغرام لمحبوبته جميلة ( التي لم تتمكن من مرافقته حينئذ) وقمنا بتسجيلها على المسجل . ولابد أن أذكر بأننا تعودنا غلى رؤية أخي جورج بنظارات طبية سميكة لقصر نظره , ولكنه تمكن في ديترويت من أجراء عملية الليزر لتصحيح حدبية العين بحيث تم الأستغناء عن لبس تلك النظارات , وفي زيارة لأخي الدكتور فريد و زوجته الدكتورة نشتمان الى ديترويت , أرسل لي بعض الصور مع عدد من الأقرباء بمعية الأخوة بطرس وبولس أبناء المرحوم الأوسطة غريب , فلم أتمكن من معرفة أحدهم بين هؤلاء , فتصوروا أنني لم أتعرف على أخي في الصور وهو بدون مناظر طبية , لأنها المرة الأولى نرى بأن له عيون واسعة وليست تلك العيون الصغيرة وراء العدسات الطبية السميكة التي تعودنا على رؤيتها !!..
(7)
ولأخي جورج  نشاط أجتماعي متميز بين الجالية الكلدانية في ديترويت , وفي مقدمة المستقبلين لرجال الكنيسة في زياراتهم لأمريكا وخاصة في ديترويت حيث يعيش عدد كبير من أبناء طائفتنا كمواطنين أمريكيين ناجحين في أعمالهم و تدرج الكثير منهم في مناصب في شركات خاصة
أو في السياسة والحياة العامة .
ونتمنى النجاح و الصحة و العمر المديد لهم جميعا .

أيوب عيسى مروكي (بيو) أوغنا
معماري و خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط , سلطنة عمان

 

32
تعليق على تقرير "مسيحيو قلعة كركوك الأثرية قلقون على مستقبلها"



كلمت أقرا شيئا يشير الى قلعة كركوك , ترجع بي ذكريات الطفولة البريئة و ولي بعض التعليقات على ما جاء بالتقرير :-
فعائلة (هندي) هي أقدم العوائل وأصحاب النفوذ وربما يعتبرون الطبقة الأرستقراطية وملاك لعدد كبير من الممتلكات والبيوت , وأنني ولدت في غرفة من أحد تلك البيوت , لجبار ( أسم وليس لقب) هندي , الذي كان أسمه أشهر من نار على علم , حيث كان معلما بالمهنة , ومدير لمدرسة الثانوية للبنين والوحيدة في كركوك , وبالقرب من سوق قورية الكبير , ومن حسن حظي تم قبولي فيها بعد أن أكملت الصف الخامس في مدرسة الطاهرة للبنين في قلب القلعة , والصف السادس الأبتدائي في مدرسة الخالدية بالقرب من القورية , وفي آخر سنة كمدير فيها حيث تم أحالته على التقاعد , وكنت كلما امر على لوحة الأعلانات يجذبني أليها توقيع جبار هندي في أسفل الورقة وما يتم نشره من تقارير مدرسية و تعليمات أدارية , بحيث حينما بدات التفكير بكتابة / تصميم , توقيع خاص بي و قمت بأقتباس جزء من ذلك التوقيع بشكل جناح طائر وكل مرة أقوم بالتوقيع على شيكات أو رسائل أو تقارير , أتذكر الحركة الأخيرة لذلك الجناح الطائر و وأرجع بذكرياتي الى تلك الحقبة وبعمر المراهقة , حيث كان لي صديق عزيز نشترك بالجلوس الى نفس الطاولة في مرحلة الثانوية  واسمه , صباح عيسى , وهو أيضا من نفس الأقلية المسيحية الناطقين بالتركمانية من قلعة كركوك , وآخر مرة أتقيت به في كندا بالصدفة قبل حوالي 20 سنة , وخاصة وأن أتصالاتنا القليلة أنقطعت ,وكان أيضا يدرس في مدرسة الطاهرة , دون ان أعرفه شخصيا , وهم من تلك الأقلية التركمان المسيحيين , وحتى أن الصلاة في الكنيسة الوحيدة في القلعة كانوا يصلون بالتركمانية , عدا المناسبات التي كان القس يوسف الشقلاوي و الشماس والدي كانوا يصلون ويتلون الأنجيل بالكلداني , وتحدث بعض الخلافات بالموضوع لتلك الأسبقية بالتلاوة بالتركمتني أو بالكلداني ..   وكان جبار هندي مشهورا أيضا بتلقي الرشاوي و وخاصة من الذين لم ينجحوا في الصف السادس الثانوي بعد رسوبهم المتكرر و لأنقاذ أنفسهم من خدمة العسكرية و كان جبار هندي ملجاهم الوحيد وانقاذهم , والحصول على النجاح بنفوذه الواسع و طريقته الخاصة للتأثير على بقية المعلمين سواء برضاهم او بتهديدهم بالنقل , ونظرا لوجودنا في ذلك البيت و حيث كان يشمل على سرداب خاص لجبار هندي و  كانت أخبار ما يحتويه من كونيات الرز و تناكي الدهن الحر و غيرها من القناني للخمر و العسل معروفة ولايجرا احد بلأشارة اليها أو الأساؤة الى شخصية  أو سمعة جبار هندي لا من قريب ولا من بعيد !!.. , وهكذا كانت ولا تزال الرشوة والمحسوبية والفساد سمة رجال الدولة سواء سياسيين أو رجال الدين السياسيين
  أما قلعة كركوك بتسميتها / قلعة كاور , كما جاء في التقرير الصحفي لمجلة " مدى" العراقية , فأنني أشك في ذلك كثيرا بالرغم من كلمة كاور = كافر بالتركية و الفارسية , ربما تأتي بمعنى كال + ور ( تعال أضرب) , لأننا أهالي القلعة وبمختلف الطوائف كانوا يسموننا ( قلعة كاورى) أي كفار القلعة , وكنا نتقبل تلك التسمية وكأنها ثناء و ومديح , وأيضا وجود منطقة ( كاور باغى) , أي مزارع / /حدائق الكفار , والتي شهدت أكبر مذبحة للعمال النفط المضربين والمطالبين بزيادة أجورهم من شركة النفط العراقية / والمملوكة 90% للأنكليز , ولقد كان والدي المرحوم / الشماس عيسى بيو أحد الجرحى بطلقة نارية في الظهر بينما كانوا يركضون ويتراجعون امام الجندرمة التركمانية التي جلبت خصيصا من خارج كركوك (ربما تلعفر) , لأطلاق النار الحي على المتظاهرين وتم قتل العشرات من العمال العزل وخاصة وانهم كانوا يتراجعون والجندرمة الخيالة يطلقون النار بعشوائية , ودون ان يتم محاسبة احد على تلك المذبحة التي خلدها التاريخ , بمذبحة كاور باغي , وأتذكر في بداية الستينيات وعلى أرتفاع المد الشيوعي / الثوري , تم عقد أول مهرجان شعبي و عمالي حضرته وفود من عديد من الدول الأشتراكية , وتم أزالة الستار عن تمثال لعامل وبيده ورقة على منصة كبيرة بالقرب من مستشفى كروك وطريق كركوك -بغداد ومحطة القطار , وتمت أزالته بعدها بفترة قصيرة , وهكذا كانت أزالة آخر ذكرى لتلك المجزرة , , وربما من نسيانها تماما , ولكن الغريب والعجيب و فأنني صاحبت والدي و والدتي في تسعينات القرن الماضي , الى مكتب لتسجيل الهجرة واللجوء , في لندن , , حيث تم قبول والدي كلاجيء سياسي , وعندما قرأ ضابط الهجرة بأن والدي شارك وكان جريحا في مذبحة كاورباغي , قام على رجليه وحيا والدي لأن والده سبق وان كان يعمل في شركة النفط العراقية وعاصر تلك الأحداث وسرد له تلك الأحداث , وكانت السبب المباشر لقبولهم دون أية أسئلة اخرى حيث كان اللاجئين يمضون ساعات في الأجابة المطولة عليها , هذه بعض الأحداث المتعلقة بقلعة كركوك الآشورية , وكانت ولا تزال مسكونة لأكثر من 3 آلاف سنة , ويمكن للقراء الكرام , الرجوع الى عدد من المقالات التي كتبتها كذكريات من قلعة كركوك و في الحوار المتمدن و عنكاوة دوت كوم والأنترنيت , لأنها تاريخ من شاهد من أهلها , وكما يقال :- أهل مكة (قلعة كركوك) أدرى بشعابها !!!..وشكرا لعنكاوة دوت كوم وأسرتها لنشر هذه الأخبار عن تاريخنا وأصالتنا في هذا البلد الذي يسمى الآن العراق و و كان مهد الحضارة الأنسانية الميزوبوتاميا / حضارة وادي الرافدين وأجدلدنا الآشوريين والكلدانيين والبابليين و قلعة كركوك وقلعة اربيل شواهد تاريخية خالدة في هذا التاريخ الأنساني .  , 
المعماري / أيوب عيسى (بيو) أوغنا
مسقط/ سلطنة عمان   

33
شكرا لأخي العزيز لطيف ( أسم على مسمى !!..) ومن يمكنه الكتابة عن الموضوع غير أبن قلعة كركوك البار . داعيك , ايوب عيسى بيو أوغنا :-
أتفق معك بأن كلمة /قلعة كاورى بالرغم من ما تعنيه من تحقير وتكفير واضح من معناها بلسان تركماني مبين , ألا أننا تعودنا على تسميتنا بها , بحيث أصبحنا نعتبرها كلمة محببة مثل الكلمة البغدادية / مدللة /أتدلل !!..
هكذا كنا نقبل بوجودنا بين هؤلاء التركمان في القلعة كسكان أو أهالي القلعة من الدرجة الثانية , وربما كنا نتقبلها لتفادي الشر والحقد و الأستعلاء الذي كان تركمان القلعة و بقية أنحاء المدينة , يواجهوننا به على الدوام ,. واقول من الدرجة الثانية , لأن يهود القلعة كانوا يعتبرون من الدرجة الثالثة , أو بلأحرى بدون درجة أنسانية , حيث كانوا يتفادون الخروج فرادا , ولا أزال أتذكر الشاب اليهودي وهو يركض أنقاذا لحياته والدم يسيل من رأسه , وعدد من الشباب التركماني يقذفونه بالحجارة ويقولون :- يهوديدى باشنين قررن ( أنه يهودي أكسروا رأسه ) , و بالرغم من وجود اقلية من يهود القلعة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وحتى وأن المسجد الوحيد في القلعة كان يسمى / مسجد دانيال بيغمبار ( مسجد النبي دانيال , ويقال بأن نبي دانيال تم حجزه في القلعة أسفل القبو في المسجد المقام عليه , في زمن السبي البابلي ) , وكان لهم منطقة كعادة اليهود حتى في اوروبا , بما تسمى / الجيتوهات أو الحي اليهودي , وكان لبعضهم مكانة محترمة الى حد ما لتخصصاتهم وخاصة في حرفة الصياغة التي ورثوها من اجدادهم , وكان بينهم يهودي مشهور بعلاج الكسور والعظام , أسمه / عرب أوغلوا ( حتى أن التركمان بدلوا قوميته لتفادي الأشارة الى يهوديته) , ولقد كان مراقب/ حارس ثانوية الصناعة في حي المصلى , والذي كان محروما علينا من دخولها خوفا من أولاد الشقاوى التركمان , بالرغم من ان أخي المرحوم دنحا تخرج مع عدد من العنكاويين من تلك الثانوية , ربما كانوا يخرجون معا تفاديا من التحرش و أعمال عدائية متوقعة من تركمان المحلة , , ومن حسن حظي قام عرب اوغلوا , بعلاج يدي المكسورة , بعد ان أخذني الوالد أليه , وكان ذلك نتيجة شجار مع احد الطلبة التركمان , في مدرسة الخالدية الأبتدائية في منطقة القورية و حيث تحولنا الى تلك المدرسة   بعد ان تم أنتقالنا اليها من القلعة و ومن مدرسة الطاهرة للبنين , والوحيدة في القلعة , حيث أكملت هناك الى الصف الخامس الأبتدائي و وحتى بعد انتقالنا الى القورية بفترة لاباس بها و حيث كنا نمشي الى القلعة ونصد المدرج ونعبر خاصة صو من الجسر القديم و .
ولم نتمكن من أعادة الأعتبار والتخلص من وصمة الكفار , ألا بعد انتقالنا الى كركوك الجديدة / العرفة , , ولكن حتى في العرفة , كنا نعتبر من الدرجة الثانية من قبل اخواننا الآثوريين و بالرغم من أننا كنا نتكلم معهم بلغة آثورية , وكما كنا نتحدث قبلها مع التركمان باللغة التركمانية , وعلى الأقل تفادينا وصمة التكفير وهكذا كانت الحياة الجميلة لأيام الطفولة والمراهقة عزيزة في ذكرياتنا بالرغم من كل ذلك !!!..
( يمكن القراء الأعزاء الرجوع الى عدد من المقالات التي نشرتها في الحوار المتمدن و عنكاوة دوت كوم و الأنترنيت عن / ذكريات قلعة كركوك والنفر على أسم/ أيوب عيسى أوغنا  .
والشكر للأخ  العزيز / لطيف نعمان , والذي اتذكر أيام طفولتنا معا في كركوك , وأعتبره كركوكلي وعنكاوي أصلي لأنه لم يغادر العراق بالرغم من الأغرائات للهجرة كغيره , مع  كل المحبة والتقدير ...


34
نهنأ جميع أهل عنكاوة في العالم , بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الجديدة 2017م , متمنين لهم ولأسرة عنكاوة دوت كوم النجاح والسعادة والهناء
أيوب عيسى (بيو) أوغنا

35
أنه أبني وأفتخر به !!..
وربما الجائزة الكبرى التي لم يتم الأعلان عنها , هو تشرفه بمقابلة آية الله العظمى السيستاني في مقر سكنه , مع عدد من الصحفيين , عندما كان أيمن يغطي مراسيم عاشوراء في كربلاء , قبل عدة سنوات
وهذا لقاء لايحظى به سوى القليل من الشخصيات العالمية ورؤساء الأحزاب العراقية .
ويمكن مشاهدة ألبوم صور لتلك المراسيم في حساب أيمن على التويتر وأنسترغرام أو الفيسبوك
ونشكر أسرة عنكاوة دوت كوم لهذا التكريم
أيوب عيسى )بيو) أوغنا

36
أنه أبني الوحيد وأحبه !!..
نعم كان دائما مولعا بقصص الهوية والصراع والأنتماء , ومن دواعي سروره  القيام بزيارات متعددة الى المتحف البريطاني , قسم حضارة وادي الرافدين , وخاصة البابليين والكلدانيين , الذي يعتبرهم هويته وانتمائه الشخصي , , ويعتبر عنكاوة موطنه الأصلي ويفتخر بأنه أحد ابناؤها البررة
ولكن عمله في جبهات القتال ودائما في المقدمة مع الأبطال الشجعان لينقل الأخبار والصور الحية عن تلك الشجاعة للجنود والضباط وتصوير مآسي الأبرياء وخاصة النساء والأطفال في خضم تلك المعارك التي هم من ضحاياها الأوائل .
نصلي من أجل سلامته لنيل تلك الرعاية الآلهية , لأنه يستحق تلك الرعاية وهو يضع حياته وشبابه على المحك
ونشكر أسرة عنكاوة دوت كوم للأهتمام بمسيرة أبناء عنكاوة في جميع المحافل وتفتخر بهم .
أيوب عيسى (بيو) أوغنا   

37

أبني أيمن ليس منحدرا من عنكاوة وانما أبنها البار الذي دائما يشير ويعرف  نفسه في جميع المحافل بأنه عنكاوي / كلداني حفيد الحضارة البابلية والكلدانية والآشورية
أنني فخور بأنجازاته , بالرغم من خوفي على حياته وصلاتي على سلامته من أخطار مهنته التي وضع حياته وسلامته في مواقع الخطر وجبهات الحرب سواء في العراق أو في أفغانستان أو في سوريا وليبيا أيضا حيث كان حاضرا في أحداث مقتل معمر القذافي , وكان أول من دخل حلب قبل عدة سنوات سرا مع صحفي لبناني/ بريطاني الجنسية الذي قتل بصحبته وهم يفرون على ظهور الحمير الى القرى القريبة من لبنان , من نيران المتحاربين , وايضا بعد الأنتهاء من تصوير هذا الفيديو , تعرض العقيد / سلام السعدي لجروح خطيرة في تفجير سيارته المصفحة التي سبق وان كان يصاحبه فيها أبني أيمن .
هكذا هي أخطار المهنة الخطيرة وهكذا يتم تكريم هؤلاء الذين يعرضون أرواحهم للخطر وأيضا مخاطر التعرض للأسر والأختطاف بيد داعش وأخوانها وأخواتها !!..
 هنيئا لعنكاوة وأبناؤها الأبرار الذين وصلوا الى جميع بقاع الأرض وأثبتوا عبقريتهم ونجاحهم في جميع أنحاء العالم ورفعوا أسم عنكاوة عالي في جميع الهن والوظائف والمراكز العلمية ةالصحية والثقافية والصحفية 
أيوب عيسى(بيو) أوغنا
مسقط / سلطنة عمان
مهندس معماري
عضو في الجمعية الملكية للمهندسين المعماريين
عضو في الجمعية الملكية للمحكمين والخبراء البريطانية

38
نجيب حنا عتو ( حناعريف كما كنا نشير اليه ) هو من أقرباؤنا وكنا في كركوك بيت واحد ولكنني لم أتعرف على نجيب حيث كان يدرس الأبتدائية في عنكاوة بعيدا عن أهله , وكان لقائي لأول مرة تعرفت عليه عندما جاء الى كركوك والتحق بعائلته ويلتحق بالمدرسة المتوسطة , ولقد طلب مني والده المرحوم أن أتولى تعريفه عن الحياة في المدينة وهو قادم من قرية كما كانت عنكاوة في ذلك الوقت , وهو أيضا بعمري من مواليد 1944 , وقمت بمصاحبته الى المدرسة وأصطحابه الى أنحاء المدينة وقلعة كركوك وبعدها الى كركوك الجديدة (عرفة) بعد أن أنتقلنا أليها من محلة شاطرلو التي كنا فيها جيران , وتوثقت صداقتنا كأخ عزيز ودود , وكنت من قبيل المزاح ألقبه بنجيب حنكش , وهذا كان من نجوم الفكاهة في السينما اللبنانية
ولا أعلم لماذا وما هي صفات الشبه بينهما , ولكنه كان يتقبل ذلك بطيبة خاطر وخاصة وأنني كنت مرافقه الشخصي في كركوك .
وبعد ذلك أفترقنا فرجع الى عنكاوة حيث أنتقلت العائلة الى هناك من كركوك , , وفي سنة 1962 سافرت الى بريطانيا في بعثة علمية وأنقطعت عني أخباره وعندما كنت أرجع الى العراق أثناء دراستي وأذهب الى عنكاوة كنت أسمع عن أخباره ونضاله في جبال كردستان من شقيقاته ولكنني لم التقي به ألا في زيارتي لأختي فريال وشقيقي صبري في السويد , فذهبنا الى مطعم يديره أحد ابناؤه وسألت عنه وأتصلت به فجاء مهرولا للقائي بعد تلك الغيبة الطويلة وكانت مفاجأة كبيرة له وذهبنا الى بيته للقاء زوجته العزيزة وبقية العائلة وتذكرنا أيامنا الحلوة في كركوك فذكرته ببعضها وذكرني أيضا ببعض الذكريات التي كنت قد نسيتها
وكانت هذه آخر مرة ألتقي بها بالمناضل نجيب , وفرحت جدا للمقالة التي كتبها الأخ كمال يلدو وهو معروف بكتاباته ومقالاته في الحوار المتمدن وعنكاوة دوت كوم وغيرها ونشكره على هذا المجهود اللائق بنجيب وزوجته (أم جنان) ويستحق هذا المديح والأطراء لنضالاته وتضحياتهما معا في الجبال والمصائب التي لاقوها معا مع بقية المناضلين الذين يستحقون الفخر والأعتزاز .
ولقد أحزنني خبر المرض العضال الذي ألم بصديقي عمر المرهقة والشباب نجيب ( أبو جنان) الورد , وأتمنى له القوة والمناعة ليتغلب على مرضه كما تغلب على مراحل صعبة وشاقة في حياته , وحبذا لو تمكن من زيارتنا في مسقط وشتاؤها المشمس بعيدا عن برودة الشتاء في السويد هو  زوجته العزيزة
والدعوة مفتوحة وعلى الرحب والسعة!!..
والى اللقاء
أخوكم
أيوب عيسى بيو أوغنا


39
المنبر الحر / رد: وداعا يا اختي
« في: 23:24 10/07/2015  »

نشارككم أحزانكم برحيل الفقيدة أختكم صبيحة الى دار الخلد
لقد أديتم واجبكم بنقل جثمانها الطاهر من بلد الغربة / أثينا , الى موطنها الأصلي / ألقوش , وهجرته مرغمة وفي ظروف صعبة وأستثنائية
وأشكرك على الرد الجميل على مقالتي عن تريزية كوندا وسميتني الكاتب المهندس , ولكنني أعتبر نفسي طالبا في الصف الأبتدائي بالنسبة لأمثالك الكتاب وأبداعاتهم الأدبية وأرشيف عنكاوة دوت كوم يزخر بها
ونتمنى العمر الطويل والصحة لعائلتها وأخوانها وأخواتها ( وخاصة أناهيد الأسم الجميل المطبوع في داكرتي من زمان !!..) وجميعا
وأن يبعدعنكم أي مكروه
أيوب عيسى بيو أوغنا



40
تحية الى روح تريزية كوندا وذكريات ماردين وأسطنبول والسويد
   

أولا أقدم تعازي الحارة ومواساتي , لعائلة الفقيدة الراحلة الى دار الخلد بعد عمر طويل يناهز الثمانين مليء بالتضحيات وعمل الخير للقريب والبعيد , وبالخصوص أسرةعنكاوة دوت كوم  وعضو الأدارة أنور بهنام عليبيك , بهذا المصاب الجلل
تجمعني ذكريات جميلة بالفقيدة تريزية , ولو بطريق الصدفة وفي ظروف صعبة وأستثنائية في مدينة ماردين التركية وأسطنبول قبل حوالي عشرين سنة , مع جماعة عنكاوية طالبي اللجوء من عراق صدام حسين , ولقد كنت أعمل ولا أزال كمهندس معماري في مسقط/ سلطنة عمان .
وألتقيت بهم في ماردين وأنا في طريقي الى عنكاوة عن طريق البر من تركيا , وذلك لغرض أن أجد لي شريكة ثانية في الحياة من عنكاوة , بعد زواج من فتاة أنكليزية بعد تخرجي من الجامعة في ليفربول , ودام حوالي عشرين سنة أثمرأبنتين : شونى وصوفيا وأبني الوحيد أيمن وهو معروف بتحقيق نجاحات باهرة كمصور صحفي ومراسل لجريدة التايمز اللندنية . بعد كل هذا الزواج الميمون , قررت فجأة , البدأ في حياة جديدة والرجوع الى أصلي العنكاوي وأشتقت الى سماع لغة السورث في بيتي صباح مساء بدلا من الأنكليزية , وتم الطلاق بصورة حضارية وعلاقات ود ومحبة وتواصل عائلي بين أفرادها لحد الآن . وهكذا يجب أن يكون الطلاق أذا كان لابد منه !!؟..
وكان هذا قرارا مفاجئا للجميع , وبدون أنتظار قررت السفر الى عنكاوة والبحث عن شريك جديد لحياتي , ونظرا لكون كردستان العراق في حالة حصار وتحت حماية الطيران الدولي والحظر الجوي , من عدوان جيش صدام حسين وذلك في منتصف تسعينيات القرن الماضي , لذا قررت السفر الى عنكاوة وأيجاد الفتاة المناسبة عن طريق البر من ديار بكر في تركيا .
هذه هي السفرة التي جمعتني بالفقيدة تريزية , وفي أسطنبول تذكرت بان جماعات عنكاوية ألتجأت الى كنيسة في ماردين وتحت حمايتها من السلطات التركية , وتنتظر فرص اللجوء الى أوروبا , لذا قررت بأن أقوم بزيارتهم والتعرف على أحوالهم , ومساعدتهم أذا أمكن , فأستأجرت تاكسي من أسطنبول الى ماردين !!..
وبعد طريق شاق وطويل تمكن سائق التاكسي من أيصالي الى بوابة السور الخارجي للكنيسة الوحيدة للكلدان في ماردين , وطلبت من التاكسي الأنتظار لمعرفة النتيجة , وبعد أن بدأت بطرق الباب الحديدي لعشرات المرات عسى أن أحدا يسمعني في الداخل , ويفتح الباب لأستفسر عن العنكاويين بعد تلك السفرة الماراثونية , وفجأة تم كشف فتحة صغيرة في البوابة من قبل أحد القساوسة , وقبل أن أبدأ بالكلام , لاحظت من بعيد عيسى عودة بلحمه وشحمه ففرحت بأنني في المكان المطلوب , وذكرت للقس بأنني زائر عنكاوي وسبب زيارتي , لأنهم كانوا يمنعون الغرباء خوفا للوشاية بالمهاجرين المتواجدين في الكنيسة من السلطات التركية , وودخولي وأنا أحمل حقيبنتي الكبيرة , أذهل الآخرين , بأن لاجيء جديد قد ظهر للعيان , لولا أن عيسى عودة تعرف علي وعلى سبب زيارتي وأعلن للجميع أنه المهندس أيوب عيسى بيو !!..
 وكانت فرحتي كبيرة بلقاء العديد من العوائل والأفراد الذين كان بعضهم ينتظر لعدة سنوات في دور قديمة ومتناثرة في الساحة الكبيرة للكنيسة .
وبقيت عدة أيام معهم , وكنا نجازف الخروج الى المدينة ونتجول على كورنيش البحر , وقررت أن أدعوا الجميع الى حفلة ترفيهية في آخر ليلة قبل مواصلة سفري الى أربيل , وقمنا مع عيسى عودة وأثنين من الشباب في عملية تسوق في السوق الشعبي , وتم شراء ما يلزم من الدواجن والطيورالطازجة والجاهزة للطبخ , والخضروات للمزة للكبار  والفواكه والعصائر للنساء والحلوى للأطفال , حيث كنت قد جلبت معي قنينة ويسكي بلاك ليبل و قنينة ليكيور , وبدأت النساء بالطبخ والصور تبين الحضور وأن الأطفال بعد حوالي عشرين سنة أصبحوا شبان ناضجين , وعسى أن من يقرأ هذه المقالة والصورأن  يتذكر كل منهم صورته وهو في عز الشباب وآخرين بعمر الطفولة  .
وبدأ يوسف العنكاوي بالغناء وهو مشهور بظهوره في التلفزيون الرسمي عدة مرات والأطفال بالرقص لأنها كانت المناسبة المفرحة الوحيدة التي عايشوها في ظروف صعبة وخطيرة .
وتظهر في الصور الفقيدة تريزية التي كانت هي المدبرة والأخت والأم الحنون للجميع هناك حيث كانت بقوة شخصيتها و دماثة خلقها وبشاشة وجهها وأبتسامتها العريضة خير عون ودعم معنوي للجميع في تلك الظروف الصعبة من الأنتظار والخوف من تدخل السلطات عدة مرات من أخلائهم من الكنيسة , لولا أمتناع القساوسة ودفاعهم المستميت للمحافظة عليهم من التهجير القسري الى بلدهم الأصلي .
ولقد أجتمعنا عدة مرات مع رئيس الكنيسة , وابلغته بأن لي علاقات مهمة لشخصيات مؤثرة ستقوم بتدويل مأساة هؤلاء اللاجئين في الكنيسة وغيرهم في تركيا , لأن حياة هؤلاء في خطر داهم أذا تم ترحيلهم بالقوة والى مصير مجهول , وأن من واجب الكنيسة حماية رعيتها في وقت الشدائد .
وكان الوداع مؤثرا لي وللجميع , لأننا عشنا ذكريات حلوة و وجودي أعطاهم أمل أضافي بأن صبرهم وأنتظارهم سوف تكون له نتائج أيجابية وتتحقق أحلامهم في العيش بأمان في دول المهجر
وكان علي أن أسافر عن طريق البر الى ديار بكر وأقرب مدينة تركية على الطرف الآخر من بوابة أبراهيم الخليل ومنها الى زاخو ودهوك وأربيل . لقد كانت الطرق وعرة وضيقة , والرحلة محفوفة بالمخاطر, وحوادث السيارات كثيرة بسبب الشاحنات والسواق المتهورين بالسرعة وعدم أحترام نظام السير , فكنت دائما أتمدد في المقعد الخلفي ويدي على قلبي وخاصة في الليل , لأن النجدة و الأسعاف كانت شبه مستحيلة .
وكانت السلطات للجمارك والهجرة حديثة العهد في أقليم كردستان وفي نقاط العبور كان معظم المسؤولين من المسيحيين نظرا لكفاؤتهم وأول مسؤول كانت فتاة تتكلم بالسورث معي وكان ذلك مفاجأة سارة , حيث تم دفع مبلغ خمسون دولار أمريكي للحصول على فيزا الدخول وطلبت منها أن لاتقوم بطمغ التأشيرة على جوازي , فقط على ورقة منفصلة , خوفا من بطش السلطات البعثية للدخول بدون فيزا رسمية الى العراق ( عن طريق القجخ , ويعتبر جريمة وبجواز عماني أجنبي ) ..
والحمد لله وصلت الى عنكاوة بسلام بعد جهد جهيد , وبقيت في بيت أختي مرغنيثا في عنكاوة الجديدة , , قررت السفر الى بغداد للقاء الوالدين وأخي دنحا وأختي فريال , ولم يصدقوا كيف جازفت بحياتي , بدخول بغداد وأنا بدون أوراق رسمية والبطاقة الشخصية , لأن التركيز كان على المسافرين الكورد , حيث كانوا يضايقونهم ولايسمحوا لهم بمتابعة السفر الا بعد دفع مبالغ نقدية رشوة للجنود .  وتمكنت بمساعدة أخي (المرحوم ) دنحا من الحصول على بطاقات هوية رسمية كعراقي , ولو بطريقة مباشرة تطلبت مبلغ مائتين دولار أمريكي , وكان هذا المبلغ يومها ثروة طائلة
في زمن الحصار الظالم على العراق والعراقيين.
وهكذا تمكنت مع أختي فريال للسفر مجددا الى عنكاوة ( تا طلابا ) لبنت الحلال , بعد أن لم أتمكن من أيجاد فتاة عنكاوية مناسبة في بغداد , وكانت السفرة ناجحة تمت الخطوبة والزواج  على فائزة أبنة خالتي مسكو حنو ككو , ويمكن لمن يرغب أن يعرف تفاصيل ذلك أن يراجع مقالاتي في أرشيف عنكاوة دوت كوم , بالنقر على أسمي لتظهر جميع مقالاتي عن ذكريات قديمة لقلعة كركوك وعنكاوة
وفي سفرة أخرى الى بغداد عن طريق البر من الأردن , كانت الأخطر في تلك الأيام بسبب عصابات مسلحة في طريق الرمادي / الأنبار, كانت تضع الحواجز على الطريق السريع ومهاجمة السيارات للسرقة وقتل العديد من المسافرين , لذا توقف السائق الأردني في منطقة معينة طيلة ساعات الليل , وأستأنفنا السفر في صباح اليوم التالي , والحمد لله وصلنا بسلامة الى بغداد .
وفي الطريق الى أربيل كان العديد من نقاط التفتيش وفي كل نقطة كان جوازي العماني يضم بين صفحاته ورقة نقدية من فئة عشرة أو عشرين دولار أمريكي , يتفحصها الجندي ويضعها في جيبه مع الأذن بالمرور بسلامة . أما في الخط الفاصل بين حدود المنطقة الكردية تحت الحماية الجوية الدولية , كان على المسافرين الخروج من سيارات الأجرة والمشي على الأقدام مئات الأمتار وركوب الشاحنات / اللوريات المكشوفة نساء وأطفالا , للدخول الى حاجز الأمن الكردي , وذلك لأذلال الكرد وأشعارهم بالمذلة , ويذكرني هذا بجملة في كتاب معين :-
" يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون " . أي مطأطأي الرؤوس وهم أذلاء !!..
وألتحقت بزوجتي في عنكاوة التي كانت تنتظر أنهاء معاملات سفرها ال مسقط / سلطنة عمان .
وقررت السفر من عنكاوة الى تركيا عن طريق زاخو/ أبراهيم الخليل , ونفس الطريق الذي سلكته سابقا , ولكن الصعوبة كانت أستحالة الدخول الى تركيا بدون موافقة مسبقة , ومخصصة فقط بالكوتا لأعضاء في كتائب كردية أو تركمانية موالية لتركيا , وبعد أنتظار ساعات وبعضهم أيام عديدة لبعض طالبي اللجوء بمذكرات من الأمم المتحدة , ولكن جوازي العماني كان خير معون أذ تم أعتباري من بلد خليجي محايد , وهكذا عبرت وبعد مسيرة طويلة ومتعبة على الأقدام , وصلت الى القسم التركي لأنهاء أجرائات الدخول .
ومن ديار بكر حصلت على تذكرة سفر بالطائرة الى أسطنبول , وأستفسرت عن مصير العوائل العنكاوية في كنيسة ماردين , وحصلت على رقم تلفون أكرم عليبك ( أرجو أن لاتخونني الذاكرة في الأسم) , وأخبرني بأنهم مع الفقيدة تيريزية يعيشون في القسم الأسيوي من أسطنبول ينتظرون حظهم بالسفر والهجرة الى أوروبا , وأتفقت معه لأنتظاري في مكان معروف , حيث أستأجرت تاكسي من الفندق بالقرب من المطار الى المكان المحدد , وهكذا تم اللقاء مع تريزية العزيزة وعدد من الآخرين في بيت منزوي عن الطريق ويتم الوصول اليه بطريق منحدر ترابي في وادي , في منطقة نائية .
وكان الجميع وخاصة تريزية سعداء بلقائي مجددا , وربما تحت ظروف أحسن من كنيسة ماردين
وكنت محظوظا لأنهم كانوا على وشك الشروع في أكل الدولمة التي قامت بأعدادها الطباخة الماهرة تريزية , وكان لي حصة وخاصة اليبرخ / الملفوف بأوراق العنب !!..
وأستفسرت عن بقية الشلة , فأتصلوا بيوسف العتكاوي , الذي حضر مهرولا للقائي , وأيضا الأخ العزيز ( المرحوم) ناصر, السياسي المعارض لصدام حسين , وحضر عندما أبلغوه بحضوري لأنه كان يمتنع من مقابلة الغرباء , لأسباب أمنية , وخاصة وأنه كان تحت حماية الأمم المتحدة وتم قبوله كلاجيء سياسي في أستراليا وأيضا كندا , وكان على وشك السفر الى أحدهما .
ويبدو في الصورة في بيت تريزية , ولقد جمعتني بناصر ذكريات قديمة حيث كانوا جيراننا في كركوك الجديدة / بيوت العرفة , في أواخر خمسينات القرن الماضي , وقررت أن أحتفل معهم وخاصة وأن أكرم عليبيك كان ينتظر في تلك الليلة خبر عن طريق القجخجي للسفر جوا بجواز مزور الى هولندا , ووذهبنا للأحتفال الى شقة ناصر مع أكرم , وقمت بشراء عدد من قناني البيرة والدجاج التيكأواي , , وكنا نراقب أكرم , كي لا يسكر ويتيه في الطريق قبل الوصول الى نقطة الحاصلات , وبعد ساعات من الأكل والشرب , جائت المكالمة بالكود السري لأكرم , وأسرع في وداعنا وركوب التاكسي وخاصة وأنه لم ينجح في محاولة سابقة لتغير ضابط الهجرة المعين لأدخاله الى الطائرة . وفي اليوم التالي أتصلت بتريزية وأخبروني بأن أكرم أرسل لهم التحية من هولندا !!..
وبقيت أنا وناصر نتذكر أيام عرفة , وفتاة أرمنية تعيش في البيت المقابل لناصر ( أناهيد ) و كانت أميرة المحلة بدون منازع , فتاة لعوبة وجميلة وفي عمر المراهقة , وبالرغم من أنني كنت أصغر منها بسنوات ولكن معجبين بها , وكان ناصر أيامها فتى وسيما يلعب رياضة كمال الأجسام , ولقد تخرج كمعلم رياضة , ولذا وقعت أناهيد بحبه , وعندما ذكرت له أسمها بدأت الدموع ترقرق في عينيه وسرح بخياله الى تلك الأيام الحلوة أيام اشباب والمغامرة , وربما كان هذا الخبر أجمل ما سمعه من أحد , و وضع يده على يدي لأمتنانه لهذا القاء مع شخص من الماضي الجميل !!..
 و كنا نتسابق للركوب خلف أناهيد  في دراجتها الهوائية/ البايسكل , حيث كانت تجوب بنا في المحلات الأخرى للأثوريين وتجرأ الدخول في مناطق محرمة نسبيا لغير شبان تلك الحارات وكل يحمي منطقته من الغرباء , وهذا كان يذكرني بقلعة كركوك القديمة , حيث كانت بعض المناطق محرمة لغير التركمان , وكنا لانجرأ دخولها لوجود عصابة شقاوة من الشبان , وخاصة محلة مصلى
وكان الشبان الآثوريون في عرفة عنصريون بحق كالتركمان , وهذه سمة موروثة لديهم بالشعور بلأفضلية والرقي , ولولا هذه الحزازات بين الكلدان والآثوريين ( الآشوريين ؟؟!..)  لكان وضع المسيحيين في العراق أقوى لمصلحة الجميع !!!...
وفي آخر لقائي مع الفقيدة الغالية تريزية كان في السويد , حيث ألتقينا في حفلة في الهواء الطلق في أحدى الحدائق , بمناسبة أقامتها الكنائس السريانية والآثورية والكلدانية , وكانت المغنية الآثورية جولينا جندو وعدد آخر من الفرق الموسيقية , حيث الدبكة والرقص , وكل عائلة جلبت معها مأكولاتها وكانت بحق أكبر سفرة بيكنيك حضرتها, وذكرتني بمثيلتها في سان فرانسيسكو/ كاليفورنيا للحدث السنوي الذي يقيمه المجمع الآثوري العالمي , وكان ذلك في منتصف ستينات القرن الماضي , وكنت معزوما من قبل حفيدة مار شمعون ( الأسطوري وجيش الليفي في الحبانية) , ومن لايتذكر سورميه , أخت مار شمعون التي تمكن الأنكليز من خداعها والتحايل عليها بحيث أوقعت الخلافات والوقيعة بين زعماء الآثوريين و تصفية كتائب الليفي , ونتيجة لذلك كانت مجزرة سماييل , التي تم قتل المئات وربما الألوف من العشائر الآثورية , وتشتيت شملهم وتهجيرهم من قراهم الى سوريا وأنحاء أخرى من العراق , بقيادة الجنرال الكردي في الجيش العراقي الفتي , بكر صدقي السيء الصيت !!!..
ألتقيت بتريزية وأحتضنتني بحرارة , وكذلك فرحت بلقائي / منتهى التي كانت في ماردين مع أبنتها وأبنها تنتظر عدة سنوات وتم لقائهم بزوجها أخيرا في السويد . فهنيئا لهم .
تحية الى روح الفقيدة تريزية التي ألتقيت بها في الأفراح والأتراح , عاشت الى عمر كبير بين أبناؤها وأحفادها و محبيها معززة مكرمة الى آخر أيامها , وهل سيسعدنا الحظ بملاقاتها في جنة أخرى يا ترى ؟؟!..

أيوب عيسى بيو أوغنا
مسقط / سلطنة عمان


41

لقد عاتبني أحدهم من ذكر لعب الورق البوكر والكونكان , لأنها يمكن أن تشير الى لعبة القمار وهذا غير محبذ ..
والجواب من منا لم يلعب الورق في صباه وشبابه وأيضا شيخوخته , لأن الورق هو نوع من التسلية مع الأصدقاء وهذا لايعني على الأطلاق اللعب في كازينوات القمار والكل يعلم بأن نادي المعلمين حتى في أول تأسيسه كان لعب الورق وخاصة الكونكان هي اللعبة المفضلة للجميع تقريبا , ولايخلو نادي أجتماعي وعائلي عدا المطاعم من أنواع من لعب الورق للهو والتسلية بين الأصدقاء , الى جانب الطاولة و الدومينو , وحتى في البيوت عند أجتماع العائلات حيث كنا نلعب على من يدفع قيمة الأيس كريم
.  ..!!مثلا , فكل هذه تسلية وليست قمار
 : وأن أول لعبة بوكر أشتركت فيها في جامعة ليفربول/ قسم الهندسة المعمارية في منتصف ستينات القرن الماضي كانت بين عدد من الطلاب والطالبات وهي
 ستريب بوكر) وللذي لايعلم عنها شيئا ليذهب الى الأنترنيت)
Strip  Poker 
وحتى في مسقط كانت لنا جلسات لعبة البوكر أو الكونكان , مع الأطباء العراقيين في كل عزيمة و وليمة تتم في البيوت بعد الأكل والشرب , وكنا نلعب على البيزات فقط , لأن اللعبة تحتاج الى عملة وأن كانت أوراق نقدية مزيفة أو البلاستيكية
ومن لم يلعب البوكر والكونكان  عمره خسارة ؟؟ !!..


42
تحية لأخي دنحا , وهو على فراش المرض

أخي العزيز دنحا الآن طريح الفراش يعاني من مرض عضال , وحالته الصحية حرجة , وندعوا  له معجزة للشفاء وأن كان هذا الدعاء ميؤوسا من تحقيقه لأن هذا ليس وقت العجائب , ولكن الأمل لابد وأن يكون في قلوبنا وصلواتنا , على الأقل لتخفيف آلامه ويطيل الله في عمره ليشهد زواج أبنيه الآخرين وأبناؤهما , كما أحتفل بمولد حفيده الأول لأبنه البكر بشار ..
لقد سبق وأن كتبت عدة مقالات عن ذكريات قديمة عن عنكاوة وقلعة كركوك , وربما أدهشت البعض عن بعض التفاصيل من ذكريات الطفولة الأولى وأنا بعمر لا أتجاوز السنتين , وربما أسأت الأشارة الى ذكرى صبية بذلك العمركنا نلعب مع بعض , وسميتها بلأسم تخليدا لذكراها ولأثبات الحدث , والمعذرة لمن أساء الفهم . ويمكن الرجوع لتلك المقالات في الأنترنيت والحوار المتمدن .
وأول ذكرى لي مع أخي دنحا الأكبر مني , وجاء بعد أخي الشماس جورج وأختي العزيزة مرغنيثا (الله يطول في عمرهما) , وأنا أتيت بعد أختي العزيزة أيلشوا وأخي العزيز حبيب , وبعدي جاء أخي صبري والدكتورفريد وأختي فريال الأعزاء ( ستة أبناء وثلاثة بنات ) لوالدينا عيسى وماريا رحمهم الله والذين عاشوا لعمر طويل الوالد( 103) عام والوالدة( 95) عام  (المرحوم تم قبوله في بريطانيا كلاجيء سياسي أعتمادا الى نشاطه في أضراب عمال النفط في ما يسمى بمذبحة كاورباغي حيث نجى من طلقة نارية في ظهره , وكنت معهم في المقابلة , فعندما ذكرت لهم هذه الوقائع فما كان من ضابط الأمن ألا أن يقف ويأخذ له التحية ويوقع على الطلب بدون تردد , هكذا الأنكليز , أحترموا وتذكروا هؤلاء بينما أنكرهم ونسيهم المسؤولين في وطنهم الأصلي , وحصل على معايدة شخصية من ملكة بريطانيا في يوم عيد ميلاده المئة وتم أيصالها له باليد من البريد الملكي الخاص) .
وعايشوا أربعة أو خمسة أجيال من الأحفاد , ولكن الأجيال الجديدة نتيجة التلوث والتدمير البيئي الناتج من العدوان الأمريكي على العراق ومخلفات الأسلحة الفتاكة المشبعة باليورانيوم المخصب سوف لايطمحون للوصول الى هذا العمر نتيجة الأمراض والأوبئة لتلوث الماء والتربة والهواء أيضا ... ونطلب العمر المديد للجميع .
ونظرا لقضاء أخي دنحا الكثير من الوقت في عنكاوة مع جدي وجدتي ( رحمهم الله) , لذا ذكرياتي الأولى متقطعة ومتباعدة , وأذكرنزولي مع أخوتي الكبار الى قعر نهر (خاص صو) لجمع عظام الحيوانات من قاع النهر و وضعها في كونية , وحملها الى البيت لكي تحرقها أمي في التنور الجديد في المنزل في قلعة كركوك الذي كنا نستأجر غرفة في منزل التي تمت الأشارة أليها أعلاه , دون ذكر أسمها مجددا ..
لقد كان الرماد من تلك العظام يبقى في قاع التنور ويساعد على أعطاء التنور الطيني طبقة صلبة وزيادة الحرارة الداخلية ( لا أعلم أذا كان هذا أختراع لوالدتي أم عادة متبعة ؟؟!..)
لقد كنا نحن الصغار نخاف الأقتراب وحتى النظر الى قاع النهر الذي كان معظم الأحيان جافا تعيش فيه الكلاب السائبة والطيور الجارحة عل أشلاء جثثها , لذا كانت تلك الحادثة بصحبة من هم أكبر وأجرأ مني لاتزال حية بتفاصيلها , وكان أخي دنحا هو قائد الحملة لأنه منذ الصغر تمتع بجرأة عايشها طيلة حياته , لأعتمادنا عليه في أداء مهمات وتحمل مسؤوليات من هم أكبر منه سنا .

لم يكن دنحا متفوقا في دراسته الأبتدائية  , وكان يميل الى العملي أكثرمن النظري , وكان هذا يثير غضب والدي عليه وربما لهذا السبب كان يعمل مؤقتا للتدريب على تصليح كهرباء السيارات في محل الأوسطا غريب (رحمه الله) في الشارع المحاذي للطرف الآخر من النهرأسفل القلعة , وأتذكر الذهاب معهم بعض الأحيان وكان للمحل سرداب صغير لتعبأة البطاريات , وكنا نضع قطع من القماش في وعاء التيزاب ونندهش بذوبانها بحيث تتلاشى تماما ( ويذكر بأن المجرم صدام حسين كان أيضا يستعمل أحواض التيزاب لأزالة أجساد معارضيه في قصر النهاية في بغداد , ولكن الحثالات التي خلفته كانوا يستعملون الدريلات الكهربائية على الرؤوس في السجون السرية , أسوأ خلف لأسوأ سلف !!!..) .

لقد تخرج دنحا بصعوبة وبمعدل صغير في مرحلة الأبتدائية , وألتحق بثانوية الصناعة في محلة المصلى السيئة الصيت , ولولا جرأة دنحا وشجاعته لما تمكن من دخول تلك المحلة التي كانت كمنطقة محرمة لغير التركمان حيث عصابة الشقاوات المعروفة في القلعة تروم في تلك الطرقات .
ولذا لم أتمكن من دخول تلك المحلة ألا مرتين , أولها عندما تم أختياري في المدرسة الأبتدائية مع الطلاب الفقراء لأستلام ملابس وأحذية جديدة , وكان مركز التوزيع بالقرب من مدرسة الصناعة وتجرأت للذهاب وحدي لأستلامها , وأتذكر بأن الحذاء كان كبيرا ولكن مناسبا لقدم أخي دنحا
وكانت العادة أن تنتقل الملابس والأحذية الى من هم أصغر سنا , وأتذكر جيدا بأنني حصلت على حذاء قديم لأخي دنحا عنما كنت طالبا في ثانوية كركوك , بالرغم من كونه كبيرا بعض الشيء بحيث كنت أملأ الفراغ الأمامي بالقطن , هذه حقيقة لابد من ذكرها وأؤكد بأنه لم يكن نفس الحذاء المشار أليه من محلة المصلى , وهكذا كانت صعوبة المعيشة كبقية الناس .
أما المرة الثانية فكانت في صحبة والدي ونحن في طريقنا الى بيت اليهودي (عرب أوغلو) الذي كان يعيش في محلة المصلى لأنه كان يعمل كحارس في مدرسة الصناعة , وكان مشهورا في علاج الكسور والعظام , لعلاج يدي المكسورة في شجار مع تركماني في المدرسة الأبتدائية التي أنتقلت اليها من مدرسة الطاهرة في القلعة بعد أن أنتقلنا الى القورية .
ولقد تخرج دنحا من مدرسة الصناعة بتفوق في قسم الخراطة وتم تعيينه كمساعد مدرس في نفس المدرسة , وبعدها كمعلم لسنوات طويلة في السماوة جنوب العراق , أنتقل بعدها كميكانيكي في مصفى بيجي ( السيء الصيت حاليا ومحاولة أنتزاعه من يد داعش الأرهابية في معارك كر وفر مع الحشد الشعبي وما تبقى من الجيش العراقي الهارب من الرمادي) , وكان يأتي بسيارة الشركة الى بغداد بعد أن أنتقلنا اليها من الزاب / نمرة ثمانية , حيث كان أخي جورج يعمل في شركة بلجيكية لبناء محطة كبيرة للكهرباء . وفي أحدى زياراته تعرض لحادث مروري , أنقلبت سيارته  في وادي  وأصبح فاقد الوعي لساعات الى أن تم أنقاذه , بعد تعرضه لكسور عديدة في فخذه , ونجى من الموت بأعجوبة , وربما كان ذلك الوقت وقت العجائب , وبدأنا نفقد الأيمان بحدوثها مجددا ؟؟!..
ولقد أنغمس دنحا في العمل السياسي والنشاط الحزبي , وكانت والدتي تخاف عليه وخاصة وأن منزلنا في تل محمد في بغداد كان مراقبا من قبل البعثيين في نهاية حكم الزعيم عبدالكريم قاسم وكان أخي دنحا محظوظا لوجوده خارج مدينة كركوك أثناء الأحداث الدامية في كركوك , وبالرغم من ذلك تم أعتقال أخي دنحا وكذلك الشماس جورج بأتهامهم زورا من قبل أحد التركمان الحاقدين وتم الأفراج عنهم بعون الله لعدم وجود أدلة ضدهم .
وهكذا أفنى سنوات شبابه في نشاط لم يحصل من وراؤه غير الأختفاء والعمل السري والخوف من الأعتقال , وبقى أعزبا الى عمر ناضج , وكأنه يفدي بحياته وعمره الى الحزب , وفي منتصف الثلاثينيات من عمره قامت أخواتي مرغنيثا وأيلشوا بأيجاد حل لعزوبته , حيث تم تعريفه بشريكة حياته / أميليا , ومن عائلة عنكاوية معروفة , وتم الزواج الميمون وأثمر ثلاثة أبناء يجمعهم الحب والمودة , حيث شاركوا معا في تربية أبناؤهم , والحمد لله تخرجوا من الجامعات وحصلوا على وظائف جيدة في عنكاوة , وبالرغم من شكوى أخي دنحا بأننا لم نساعده على الهجرة , ولكننا نشكر أنفسنا بأن تلك المحاولة من طرف واحد لم تنجح , وتمكن دنحا وأميليا من الأحتفاظ بأفراد عائلتهم مجتمعين في بيت في عنكاوة بدلا من البهدلة وتشتيت العائلة وتعريض الشباب لعادات وأمور غير صحية في أوروبا حيث تكثر الأغرائات والأنحراف عن الطريق القويم , والأحتفاظ بأصالتهم العنكاوية !!..
ولقد قدم لنا أخي دنحا كل المساعدة في دراستنا , وكذلك كان يقوم بأعمال المسواق للوالدين في بغداد ورعايتهم والأطمئنان على صحتهم , بالرغم من أعباء رعاية أبناؤه , وكان ينقلهم الى المدارس بسيارته والى نادي النفط في بغداد ويعلمهم السباحة والأجتهاد في دروسهم , وهذا دليل على المحبة والأحترام التي يكنها له أبناؤه الثلاثة والروابط العائلية القوية التي تربطهم ببعض وهكذا يكون دور الأب المثالي وأيضا الأم المثالية , والأبناء المثاليين ,  يحصلون عليها الرعاية من أبناؤهم تكريما لهم الى آخر أيامهم معززين مكرمين ونعم تلك العائلة المثالية !!!..
ولقد كان دنحا , يحب لعب الورق مع أصدقاؤه سواء البوكر أو الكونكان , وكان دائما يأخذ لعبة الورق بالجدية حتى وأن كانت بين أفراد العائلة الواحدة , فعندما كنا في مسقط/ عمان مع دنحا والوالدين أثناء زيارتهم لنا , كنت أشترك مع والدتي ضد دنحا والوالد في لعبة الكونكان , وكلما قام والدي بخطأ بسيط ينهره دنحا :- أي أزلتيلا !!.. ولكن عندما نطرق ونمسك بالجوكر الغير المؤمن بيد والدي كان الرد أعنف :- يا عجمي أيمن بيلبيد متعوليه !!!.. هكذا كان يكره الخسارة .
ولقد قدم دنحا لرفقاؤه في الحزب الكثير من التضحيات , وحتى في عنكاوة كان له دور كبير في أدارة نادي المتقاعدين الى أن ترك المشعل للآخرين بعد أن تدهورت صحته نتيجة المرض ولم يعلم الكثيرين عدا من هم الأقرب اليه عن مرضه , ولكنه الآن طريح الفراش وليعلم الجميع بأنه يطمح في دعاؤهم وبصلاة المؤمنين منهم وبالسؤال من البعيد والزيارة من القريب , بالرغم من أنه يحجم أن يراه أصحابه والأقارب بهذا الوضع الهزيل والمنهك من أعراض المرض الذي أنتشر في جسمه نتيجة سرطان البروستاتا , ولقد تم تقديم كل ما هو ممكن لعلاجه , حتى أنه سافر الى لندن للعلاج حيث قام أخي الدكتور فريد وأخي حبيب لأستشارة أكبر الأخصائيين والأستشاريين لتلقي العلاج اللازم , وبالرغم من العناية الدائمة والمحبة التي يلقيها من عائلته وخاصة زوجته العزيزة التي كانت دائما تقدم له العناية والحنان والسهر بجانبه للتخفيف من آلامه ورفع معنوياته لكي يقوى جهاز المناعة لديه لمحاربة هذا المرض الخبيث , بعد أن لم تفيد معه الأدوية سواء التي حصل عليها في لندن أو التي كنت أرسل أحد موظفينا الى الهند لأقتنائها وجلبها باليد وأيصالها له , ولم يفيد العلاج الكيمياوي أيضا , ولذا أصبح تحت رحمة الله ينتظر مصيره المحتوم عسى أن يكون ذلك في الوقت بعيد جدا جدا !!!..
ونتمنى للجميع الصحة والعمر المديد .

أيوب عيسى بيو أوغنا
مسقط/ سلطنة عمان

43
شكرا أخي العزيز , وليس عمي العزيز , لأنك لاتزال شاب كما أذكرك من أيام كنت تأتي الينا بصحبة أخي دنحا , والبوكلة الجميلة تزين رأسك , كما كان أخي دنحا أيضا مشهورا بها
, وشكرا لتصحيح الخطأ المطبعي !!..
ودمت سالما يا طويل العمر, لقد فرحت بوجودك معنا في تلك الذكريات , وحبذا لو أقرأ المزيد عن الذين عاصروا تلك الحقبة من قلعة كركوك وأثروا الموضوع  وأتذكر المرحوم وليم / صديقكم , الذي كانت والدته خياطة ماهرة , وأتذكر بأنها قامت بتطريز تنورة ( كلوش) , لأختي الأكبر مني / أيلشوا ..
ومنها تعلمت أمي الخياطة
وأذكر أيضا احدى جلساتكم في القلعة و كان موضوع رؤية الجن , وأن أحدكم , أعترف بأن جن أنثى تزوره ويراها , وربما صدق البقية ذلك , وأني برغم كوني لاأتجاوز أربعة او خمسة سنوات , وأنا أستمع الى ذلك الحديث الشيق وأرجلي ترتجف من الخوف
, وشكرا للتصحيح ,وشكرا لأعطائي الفرصة لأضافة بعض الذكريات الأضافية  !!!..
أخوكم أيوب عيسى بيو



44
تحية الى روح الفقيدة وردى بويا قاقوزا / أوغنا
زوجة عمي الراحل صليوا بيو

هذه نبذة عن ذكرياتي الخاصة وعلاقتها بعمي ( الأخ الوحيد لوالدي, وأخته صارة) , وزوجته العزيزة التي رحلت عنا قبل أيام معدودة ( رحم الله الذين غادرونا الى الحياة الأبدية , والعمر المديد للأحياء بيننا ) , وهذا ما قمت به أيضا لأحياء الذكرى بأحد الأحياء وهو خالي /مسو/ منصور ججو ( أيضا في عنكاوة دوت كوم) , وربما سأكتب المزيد لمن تركوا في حياتي ذكريات جميلة لربما يفرح بها أيضا القريبين والبعيدين منهم , لذا بعض التفاصيل ربما ستكون غير معلومة لمن لم يعاصروا تلك الحقبة الماضية وأعتقد بأن بعض هذه المعلومات ستكون مفيدة لأحفاده على الأقل وتاريخ العائلة له أهميته.
أنا وأخوتي وأخواتي, كنا نعتبر عمي صليوا , كأخ كبير بيننا , ونسميه ونناديه على الدوام / أخوني صليوا , وزجته وردى ( وهي أبنة أحد أعمامي بويا قاقوزا) , نناديها بكل حب ومحبة/ ددي وردى .
ولا زال أتذكر جيدا وأنا طفل لايتجاوز (3) سنوات من العمر , في قلعة كركوك ( في أواخر أربيعينيات القرن الماضي) , عندما كان عمي يأتي لزيارتنا أثناء دراسته في كلية الزراعة ببغداد , وهو يدخل من باب البيت وعادة كانوا بسقفيات واطئة , وهو يطأطأ رأسه والسدارة السوداء على رأسه , نظرا لطول قامته , وكنا نحن الصغار نهرع  لأعلان الخبر السار :- أخوني صليوا ثيليه , أخوني صليوا ثيليه !!..
لأنه كان شابا وسيما , يلبس ملابس الأفندي وسيدارته السوداء على رأسه , ويمشي وهو معتز بهندامه ووضعه المتميز كطالب كلية في حين كان الجميع حولنا طلبة في المدارس الأبتدائية الوحيدة في القلعة للبنات والبنين .
ولابد أن أذكر حادثة تعرضت لها , ربما أدت بحياتي وأنا في ذلك العمر وربما أصغر بسنة , لولا وجود أخوني صليوا , في الزمان والمكان المناسب , لقد قمت بتقليد والدتي في أستعمال البمب اليدوي لأستخراج النفط من التنكة المعدنية ( التي كانت في الأصل تستعمل لبيع الدهن الحر) , ونتيجة لذلك أصبحت كالفتيل للمبة التي كنا نستعملها في الفانوس في البيت ( بدون كهرباء) , ولذا  كنت على وشك الأنفجار لو تقربت من أي لهب , او عود شخاطة , ولم يعلم أحد بحالتي , ألا عندما جاء عمي وأدرك خطورة الوضع وخاصة وأن جلدي بدأ بلأنتفاخ ببقع داكنة سوداء , وفورا أخذني الى مستشفى في / كاي ثري / شركة النفط , وأنقذوا حياتي وفي مقدمتهم أخوني صليوا !!؟؟..
ولكن لابد ,ان أذكر هذه الحادثة الأليمة التي حلت بأخي فؤاد الذي كان أصغر مني بسنتين , وهو طفل يزحف لم يتعلم المشي , بعمر سنة , وبدأ يزحف بأتجاه البريموس (الموقد الوحيد) على أرضية التارمة أمام الغرفة التي نسكنها , وبدأ هو أيضا بتقليد والدتي في أستعمال البمب اليدوي للبريموس وعليها كتلي كبير من الماء المغلي , وأنقلب البريموس والكتلي عليه ونتيجة البقعة المنخفضة في ارضية التارمة أنسكب عليه الماء وجلس فيها ببركة وهو يصرخ من الألم , وبالرغم من صغر سني كطفل لم أبلغ الثالثة , هرعت أليه وانا أصيح :- دايا دايا , فؤاد قدليه !!!..
ولكن أخوني صليوا في هذه المرة لم يكن موجودا , وبقى الطفل يغلي بحروق جسده وخاصة منطقة الحوض و والدتي لاحول لها ولا قوة  , الى أن رجع والدي من العمل في شركة النفط العراقية / الآي بي سي , ولكن لسبب ما لم يدرك خطورة حروق التي أصابت فؤاد , وعندما أخذه الى المستوصف الصغير في أسفل القلعة على الطرف المقابل للجسر القديم , ولاأزال أتذكر وأنا أصطحبه بأن كل ما تم علاجه به هو قطع أجزاء جلده المحترقة والمتدللة بأستعمال المقص اليدوي , ووضع الحبر الأسود على جسمه , ولكن حروقه كانت عميقة , ولم يمكث سوى بضعة أيام وفارق الحياة , ودائما أسأل نفسي
 :- أين كنت ياعمي , ولماذا لم يدرك والدي بخطورة حالته وأخذه أيضا الى مستشفى / كاي ثري وأنقاذ حياته ؟؟!!..
سوف أكتفي بهذا القدر من أحداث وأخبار وذكريات أخوني صليوا , قبل أن يتزوج والموضوع هنا عن الفقيدة زوجته / ددي وردى , وأبدأ بموضوع زواجهما , وأتذكر جيدا تلك المناسبة السعيدة في حياتهما , وربما كنت في الرابعة أو الخامسة من عمري / أي في بداية خمسينات القرن الماضي .
لقد كان بيت جدي أمام الزقاق الضيق المؤدي الى بيت عمي بويا قاقوزا , ولذا كان من الطبيعي أن يلتقيان ويقعان في الحب , وخاصة وأن كل يوم أحد كانت الفتيات في احلى ملابسهم وحليهم الذهبية يجتمعون في تلك الفسحة  , ويلعبون الأوبرا / أكوام التراب حيث يخفون قطعة معدنية في أحدها ,  والتي تحزر الكومة تكسب الفلوس , وتكتمل الحسبة بمجيء / توما كورا ( وكان كفيف البصر بنظاراته الزجاجية الثخينة وهندامه الأنيق جدا ) , بسلته على رأسه ويجلس بينهم , والبنات يشترون منه الحلوى والجرزات ويتبادل معهن النكات والطرائف  .
وكانت العادة المتبعة في حفلات الزواج القديمة أن يتم ركوب العروسة حصان أو حتى حمار يحملها مع جهازها الى بيت العريس و وراؤها النسوة يهلهلون ويرقصون ويضربون على الطبول , ولاأتذكر ركوبها على حصان لأنها كانت تعيش على بعد خطوات من بيت العريس !!؟؟..
ولكن اتذكر كبقية العرائس حيث تجلس العروسة , وتخفي رأسها بقماش حرير , والمدعووين من الرجال , يقتربون منها لأزاحة القماش لرؤية وجهها , ووضع نقود في يدها / سبحتا , وأتذكر أنه حتى والدي قام بنفس الدور ووضع في يدها ورقة دينار عراقي , وكان يومها له قيمته , وشعرت والدتي بأنه كان سخيا أكثر من اللازم وأنزعجت مما حدا بها أن تأخذني بيدي ونرجع الى كركوك , وكان لها الحق بذلك لأنه , ربما لم يتجاوز راتبه أكثر من عشرة دنانير شهرية !!..
ولابد أن أذكر حقيقة أن أول حمل لها أجهضته , ربما نتيجة صعود السلم الخشبي / السومبيلتا الى السطح حيث كان العنكاويون ينامون في أشهر الصيف , وأذكر هذا جيدا لأنني تجرأت لألقي نظرة على الجنين , بعمر عدة أشهر , قبل دفنه وكان ذكرا . ( وأذكر هذا لأنها ذكرياتي الشخصية !!..) .
وبدون شك كان الحدث مؤلما وحزينا للجميع , لأنه الحمل البكر والكل يترقب حمل العروسة ومعرفة قدرتها على الأنجاب وينتظرون ذلك النيأ السار وخاصة من حماتهم , وخاصة أذا كان ذكرا !!..
والجدير بالذكر فأن عمي بويا قاقوزا , أنجب أربعة بنات / ودرى, شكرية , لطيفة وصبحية , قبل أن ينجب ذكرا / أنور, وكان الوحيد  / عزيزا , في عائلته , كما كان عمي بويا أيضا عزيزا , ومدلل لوالديه وأتذكر جيدا عندما كان يخرج من الزقاق الضيق , وهو يمتطي جواده ويحمل بيده بندقية , وكلاب الصيد / السلوكي تجري أمامه , والحصان مزين بلألوان الزاهية التي تتلالأ في ضوء الشمس , منظر رائع لم يتكرر في عنكاوة , لأن عمي قاقوزا كان يعتبر من وجهاء وأعيان عنكاوة , وكانت عائلته ضمن القلائل الذين كان لهم ( ديواخانة ) , للزوار والضيوف , ويقال أن أحد نواب الحاكم العثماني تم أستضافته فيها , وتم أجتناب شره بتلك الضيافة , وكان له خدم وحشم من يقوم بخدمتهم ويقدم لهم القهوة والشاي , وكان والد / حني , الذي تزوج من لطيفة أبنة بويا قاقوزا , يعمل كجايجي في تلك الديوانخانة , وكان يرقص في حفلة زواج أبنه , ويفتخر بذلك المقام الجديد لدى بويا قاقوزا , من جايجي الى  فرد من العائلة !!..
ولقد كان المرحوم عمي بويا , بالرغم من كونه أقطاعي كبير لأراضي زراعية شاسعة , كان رجل أعمال ناجح , حيث فتح أول مغازة لبيع أفخر الأقمشة في أربيل , وأتذكر رؤيته والنساء يكتضون حوله , ليس فقط لشراء تلك الأقمشة المطرزة بخيوط لماعة ذهبية وفضية , وأنما لكونه وسيما طويل القامة و عذب اللسان والمجاملة , وكان يأتي الى بيتنا في بغداد لقضاء بضعة أيام يقوم خلالها بشراء الأقمشة تلك , وعندما نجحت بالصف الخامس / البكالوريا , وقبلت بالبعثة العلمية , قبل فورا بأن يكون كفيلي لمصاريف البعثة , والتي كانت أحد الشروط المهمة للقبول , ولذا أذكره وبكل أمتنان وشكر, ولقد قمت بدفع تكاليف البعثة الى الحكومة العراقية , عندما قررت عدم الرجوع  وانهيت ذمتي وحصلت على شهادة رسمية بذلك . ولكن مع الأسف فأن أبنه و وريثه / أنور , بقى معززرا ومدللا , ولم ينضج الى شخصية ولو بشبه قريب من والده , ويأخذ مكانه في المسؤولية والحفاظ على أرث والده ومكانته الأجتماعية لامن قريب ولامن بعيد , حيث أهدر جميعها وبيعها بسعر بخس الى الأكراد و ولم تحتفظ العائلة منها ألا بالقتات ( وكانت تبلغ قيمة تلك الأراضي  بسعر السوق الحالي بمئات الملايين من الدولارات !!..) , ورحمه الله لقد توفاه الأجل وهو في مقتبل العمر .
ولقد كان والدي شديد الأعجاب بعمي بويا و كصديق حميم , وكان في كل مناسبة يتم ذكر عمي بويا , تنهمر الدموع من عينيه , عندما يذكرنا بما ألم بعمي بويا المصاب الجلل في سكتة دماغية أصيب بشلل نصفي , واصبح هذا العملاق الوسيم طريح الفراش لايقوى على الكلام والحركة , وكان يقول لنا كنت أتجنب رؤيته بتلك الحالة , ونبكي مع بعض وهو يتألم في حالته الميؤوسة ينتظر رحمة الله على عمي بويا قاقوزا وأسكنه جنة الخلد , لما عرف عنه من مواقف مشهود لها في عنكاوة !!...
وبالرجوع الى ددي وردى , عاشت حياة طويلة وغادرتها بعد رؤية أحفادها من أبنها الوحيد / آزاد وأبنتها ميسون , عندما كانت تزورها من ألمانيا , ولابد أن أذكر عن مصاب آخر وأليم هو وفاة أبنها وهو طفل صغير في عمر الورود , من مرض نادر , ولم يتجاوز السادسة من عمره , وكانت تعيش معنا في كركوك / شارع ألماس في القورية , وبالرغم من أستشارة أكبر الأخصائيين  في المدينة , لم يتمكنوا من علاجه , ولقد فقدناه جميعا لأنه كان محبوب الجميع , وبكينا عليه بحرارة ,  ليس أياما وأنما أسابيع  وكان عمي صليوا في بعثة / دورة تدريب في قبرص , وعندما رجع , بعد أشهر من الحدث و بقينا صامتين والألم يشع من عيوننا , دون أن يخبره أحد بالمصيبة , ولعدم تعريضه لصدمة كبيرة , قام والدي بأصطحابه بالسيارة من كركوك الى عنكاوة , وهو يتطلع للقاء زوجته العزيزة وابنه الذي فارقه لحوالي سنتين , وتمكن والدي من أفشاء الخبر له أولا بأن أبنه مريض وبعدها بمرض نادر, وقبل وصولهم الى عنكاوة , أخبره بالحقيقة بعد أن كان يتوقع السيء , وها هو يسمع الأسوأ , ولابد وأنه أصبح مهيأ لتقبل الواقع والحقيقة المفجعة , هكذا كان والدي يعز عليه أخوه الصغير , وما كنا نكن له كل المحبة لأن شخصيته كانت محببة للجميع صغارا وكبارا !!!..
والمصيبة الكبرى الأخرى التي ألمت بهم هي أستشهاد أبنهم الشاب / سمير في الحرب العراقية الأيرانية , حيث تم تجنيده في الجيش لعدم قبوله بالجامعة لضعف معدلاته في البكالوريا , وخاصة وأنه كان قد تزوج قبلها ببضع سنوات وزوجته ترملت وهي شابة , وتحمل رضيعها البكر, وكنت في ذلك الوقت أدرس في بريطانيا , وكنا نلوم عمي صليوا لعدم أرسال أبنه , الى مصر أو الهند للدراسة على حسابه والتخلص من الجندية , ولابد وان هذا التقصير , أضاف حزنا والما في نفسه , لبقية أيام عمره , ولكنه عاش ليرى حفيده من أبنه الوحيد / آزاد , وكانوا يعيشون في بغداد وفارق الحياة بعد معاناة من مرض عضال وزوجته الوفية بجانبه تقوم بخدمته ورعايته الى آخر أيامه .
لقد كانت ددي وردى , تحمل كل هذه الأحزان في قلبها الحنون , وتمكنت من العيش بصبر لرؤية أحفادها وهم يكبرون ويملؤون أيامها بالبهجة والسرور , ولكن كل ذلك لم يكفي لأزالة الغم والحزن العميق بقلبها لفقدان أحبتها وخاصة زوجها العزيز , وآخر مرة رأيتها في بيت آزاد كان نظراتها الحزينة بالرغم من كل ما حولها من مظاهر الحياة والحيوية من أحفادها , بانها كانت تنتظر اليوم الذي تلتقي بهم في الحياة الأبدية , وهذا ما تمنته وتحققت أمنيتها . فهنيئا لها بملاقاتهم !!!..
رحمة الله على الذين غادرونا والعمر المديد للأحياء , وكما كان يقول والدي المرحوم :-
كلنا زائلين , لأننا في سفر في هذه الحياة القصيرة مهما طالت !!؟؟..
أيوب عيسى بيو أوغنا
معماري وخبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط/ سلطنة عمان


45

أشكر الأخ العزيز وليد بيداويد ( وهذا الأسم التاريخي له علاقة بسيدنا المسيح , من بيت داوود !!) ,
 وأذكره بأنني سبق وأن نشرت في الحوار المتمدن وعنكاوة دوت كوم :-
ذكريات قلعة كركوك  بأربعة أجزاء
وذكريات عنكاوة القديمة  بجزئين
فأن لم تتمكن من أعادة قراؤتها في أرشيف عنكاوة دوت كوم , فأنها متوفرة في الحوار المتمدن تحت أسمي أو على الفيسبوك/ الأنترنيت

وأرغب أن أضيف بعض الذكريات على حادثة أعتقال المرحوم / الرفيق روفو:-
لآ أتذكر أسم الشرطي العنكاوي ولكنه كان الشرطي الوحيد العنكاوي في قلعة كركوك , وكانت مهمته وشغله الشاغل هو المشي على الجسر القديم للقلعة ذهابا وأيابا وهو يحمل بندقيته , ونحن نتوقف عنده وهو يصوب سلاحه لمحاولة قتل ( وأقول محاولة !!..) , قتل الكلاب السائبة أسفل الخاصة/ صو , وكنا نحسب عدد الطلقات لقتل كلب واحد !!؟؟..

لأنه كان يترك تلك الحيوانات جريحة تلعق جروحها بلسانها وتموت بألم مميت , ولكن كان ذلك قبل وجود جمعيات الرفق بالحيوان !!!..
ونتيجة وشايته بالرفيق روفو , وفقداني له شخصيا لأنه عاش في بيتنا ولو لفترة قصيرة , ومن حسن أقدار القدر أن توفى بسكتة قلبية بعدها بفترة قصيرة , ووبذلك حصل الرفيق روفو ثأره منه , وفي التعزية عليه , طلبت من والدتي أن أرافقها لأخذ ثأري أيضا منه بعد وفاته , حيث كان مسجيا في وسط الغرفة والنساء يبكون على  جثمانه وقد بدأت  رائحة جثته
تزكم الأنفاس بالرغم من محاولاتهم الحثيثة على وضع قطع كبيرة من الثلج عليها ولكن بدون جدوى !!؟؟..

وبالرغم من ذلك نطلب له الرحمة والمغفرة  تقديرا لعائلته وأحفاده
حبذا لو فكرت بكتابة هذه الأحداث عندما كان والدي و والدتي على قيد الحياة , لأنهما كانت لهما ذاكرة قوية بلأسماء والأحداث , وكانا لي خير دليل , وربما ورثت عنهما تلك الذاكرة القوية وخاصة عن سنوات الطفولة اليانعة والتي تم سرد حوادثها في المقالات المشار أليها أعلاه .
وأؤكد للأخ وليد بيداويد ( الذي سبق وأن قابلت المطران/ البطرك بيداويد في كركوك وبغداد أيضا , رحمه الله لما قام به من محاولات للدفاع عن المسيحيين وكان له موقع أحترام وتقدير لدى صدام حسين في مرحلته العلمانية )

نعم لي فكرة أن أجمع هذه الذكريات (كوقائع عن قلعة كركوك وعنكاوة القديمة) في كتاب أن شاء الله...

وشكرا
أيوب عيسى (بيو) أوغنا

 


46
تحية الى خالي العزيز / منصور(مسو) ججو
( وذكريات كركوكلية/ عنكاوية ذات صلة )
 

لنحتفل بالحياة ومن هم على قيد الحياة ونذكرهم ونسعد بوجودهم بيننا ونتقاسم معهم ذكريات الماضي والحاضر....
ولأثراء الموضوع سأتطرق لبعض الأشخاص والأحداث و لهم صلة بالموضوع سواء من قريب أو بعيد !!..

أولا الحمد لله على السلامة ( خالي العزيز) من آثار الصدمة الدماغية ( الدملة) , وما نتج عنها من شلل نصفي أعاق حركتك ونأمل أن تستعيد قواك العضلية الى طبيعتها بلأرادة والعزيمة والتمارين الرياضية المطلوبة , تلك العزيمة التي أبهرت الجميع بحضورك وأنت تمشي دون سند متكأ على عكازة ( جوكانا)
في حفلة زواج (بشار) أبن أخي الكبير (دنحا) , في الصيف الماضي وعمره يناهز (90) عاما, وكانت مفاجأة فرح وترحيب وتصفيق حاربظهورك , وكأنك نجم من نجوم الحفل , وأنت تستحق ذلك وأكثر!!..
بالرغم من عدم مشاركتك بأغنية أوالرقص في الدبكة , كأيام زمان في أيام شبابك وأنت كنت حاضر في معظم حفلات الزواج في عنكاوة , كالمايسترو وعريف الحفل تقود الرقص وتلهب الحماسة بأغانيك وصوتك الذي ورثته من المرحوم والدك (ججو) , الذي كان أسطورة في حياته ...
Living Legend
حيث كان يتسامرحوله أعداد كبيرة من أهل عنكاوة , في ليالي الصيف على سطوح البيوت المتلاصقة مع
 بعضها وهو يتلو لهم الأساطير الفولكلورية ( دوروكياثا) , والأناشيد الدينية و سرد أحداث المجاعة الكبرى وغزوات جندرمة العصملي وسفر بولك(سفر بيوك / الحرب الكبرى بالتركية) , ومسيرة الهلاك لمرض الطاعون بلسان الملاك عزرائيل وهو ينتقل من بيت الى آخر يخطف أرواح الضحايا بلأسماء وكأنه الهولوكوست , وبلا أدنى شك كانت تلك الملاحم الشعرية هي محاكات للأساطير القديمة :- الأوديسا والألياذة للشاعر اليوناني هوميروس , والكوميديا الآلهية للشاعر الأيطالي دانتي في القرون الوسطى , وخاصة ما جاء في أبواب الجحيم ( الأنفيرنو), وأيضا رسالة الغفران للشاعر أبو العلاء المعري , وتوراة العهد القديم .
وكان والدي المرحوم الشماس/ عيسى بيو , قد ورث منه ( جده من الأم) , أيضا ذلك الصوت الرخيم و معظم الدوروكياثا التي كان يلقيها بتلحين غنائي في طيلة حياته وفي مختلف المناسبات , وتم تسجيلها في عنكاوة دوت كوم في السويد من قبل أمير المالح مشكورا , وكنت أظن بأن لي أيضا صوتا للغناء (سنين المراهقة) , وكانت أول تجربة لي عندما جاء دوري للغناء في جلسة جمعت أجمل وأعذب الأصوات الغنائية في عنكاوة , ومنهم خالي مسو , و بتي باوا/ بطرس بولص , وأسحق حنا , وجميل حلويا ونوري بهنام , وأخي حبيب
ب ( أغنية لمحرم فؤاد :- رمش عينو اللي جارحني رمش عينو ...) , ولكن أخي حبيب هو الذي كان يحي بالغناء معظم جلسات السهر والشراب بأغاني كردية شائعة ( بردي بردي , هاور ست هاور , وغيرها)  , ,  ولاننسى أيضا خالي ( المرحوم/  يوسف (يوسب) , شقيق منصور/ مسو , أيضا كان قد تولى الى حد ما , دور والده  , في أحياء تلك الأمسيات الليلية على السطوح في الليالي وتحت ضوء القمر والنجوم البراقة في ظلمة السماء حيث الهدوء والسكينة والهواء العليل .
ولكنني كنت محظوظا بحضورخالي مسو,  ومشاركته في الغناء والدبكة وهو يناهز السبعين من العمر
 في حفلة زفافي (الثاني) الذي تم بطريقة غير تقليدية , من خلال رحلة الى مصيف / شلال كلي علي بك , حيث تم دعوة شلة من نجوم عنكاوة اللامعين  ومنهم :- أسحق حنا(خوشناو) العنكاوي , جبرائيل ( جبا) , نوري بهنام كوندا , وماربين عودا , وشمعون عودا , وعديلي ( فؤاد قرياقوس جاجيلا) , ويوسف بطرس
 ( زوج/ نضال أبنة أختي الكبيرة) , وخالي قرداغ حنو ككو( الذي غنى من أغنياته الخاصة به و المسجلة بأسمه , وحبيبته سعاد جالسة بجنبه وهو يغني :- شمشا زرقلا وبلبل مخزيلا جيانه ... ) , وأبنيه نظير ونهاد وطبعا أخي دنحا وخالي مسو  وغيرهم من الأهل والأقارب , في رحلة باص يسع لأكثر من (50) فردا ذكور وأناث وأطفال . لقد كانت سفرة وأحتفال غاية في الروعة وفي موسم أحتفالات عيد نوروز , ومن حسن الحظ توفرهناك عدد من فرق موسيقى الدبكة (الدول والزورنة ) في كل محطة جلسنا فيها (و لم تكن تقاس بالأسطورة / خضر/ خدر) ولكنهم أبلوا بلاء حسنا ونقود الشاباش تنهمر عليهم من كل صوب , وأكملوا الفرحة بأمتيازبوجود الجميع  , حيث الشراب/ العرق والويسكي والبيرة والعصائر, والأكل الشهي الذي قام جبرائيل/ جبا مشكورا , بتحضيره طيلة الليلة السابقة للسفرة ( وخاصة أكلة البرياني المحشو بالجوز واللوز وعدد(25) دجاجة مشوية !!..
والشكر لأسحق حنا لتأجير الباص مع السائق الماهر الذي تمكن من أجتياز تلك الأنعطافات والأنحنائات الخطيرة في الطريق القديم المؤدي الى المصايف حيث الجموع الغفيرة من أنحاء العراق .

أعود بالذاكرة الى أيام كركوك وخاصة في بيت شارع (ألماس) بالقرب من التبة , حيث كانت زيارة خالي مسو , لنا شبه شهرية , وهو في طريقه الى عنكاوة لحضور الأعراس والتي كان على الدوام على أعلى قائمة المدعوين , وكنا نحضر له رؤوس البصل الحارة جدا التي لايتجرأ أحد حتى بشم رائحتها , وكان يلتهمها   كالتفاح , والدخان يتطاير من أنفه !!..
 ويبدو يا خالي مسو :-  أنك كنت بارعا في الحصول على أجازات على الطلب من آمرك في الجيش سواء بالكلام المعسول أو البرطيل/ الرشوة , وكم كان مقدارها نسبة الى راتب جندي بالجيش  !!؟؟..
حيث كنت قد تطوعت كجندي في الجيش وخلال عشرون سنة خدمة ألزامية تدرجت الى نائب عريف , وعريف , وأخيرا تم ترقيتك الى نائب ضابط ( ولولا كونك مسيحيا ) لكنت قد حصلت نجمة ضابط كبقية زملائك في دورة خاصة لتأهيل الضباط  , ومن يدري لكنت قد تقاعدت وأنت عقيد في الجيش العراقي كالمرحوم العقيد توما , الذي كنا نفتخر به كأعلى رتبة عنكاوي في الجيش .
ولم تبقى طويلا في حياة العزوبة , بالرغم من كونك (دون جوان/كازانوفا) عصرك , وكنت محط الأنظار والأعجاب لفتيات عنكاوة , ولكن لم تكن من بينهم سوى واحدة ( شموني) التي خطفت قلبك وأصبحت زوجتك الحبيبة و المخلصة والوفية والأم الحنون لأبناؤك وبناتك , والتي كانت ولاتزال بجانبك في السراء و الضراء , وكلما ندخل الى بيتك في عنكاوة على مر السنوات , فالمشهد كان واحد لايتغير , وأنتما جالسين في المطبخ وحولكم عدد من الأهل والأقارب وأبريق(القوري) الشاي يختمر على كتلي الماء المغلي , والأقداح
 ( الأستيكان) والسكر حاضر على الدوام ...
 وهذا ما لاقيته أيضا  في آخر زيارتي لكم في عنكاوة السنة الماضية , بعد حالتك المرضية وأنت تحاول أن تنهض ولو بصعوبة للترحيب بي كعادتك , حيث القيام بتلك الزيارة كانت من أولوياتنا وأنت تعلم محبتنا لك جميعا !!...
وكنا نتساؤل على الدوام , كيف يمكن أن يكون مسو هو خالي , ولكن أيضا أن والدي عيسى بيو يدعوه خالي مسو أيضا وهو أصغر من أبناؤه الكبار , وأن جدتي المرحومة والدة أبي , كانت أخته ؟؟!!..
وكنا لانسأل عن ذلك اللغز المحير , ألا عندما كبرنا وتم أيضاح الأمر :-
بأن جدي (ججو) والد مسو , كان متزوجا من زوجته الأولى التي توفيت وأنجبت له عدد من الأطفال ومن بينهم جدتي وأختها ( والدة أسحق حنا )  وأختهما الثالثة ( والدة أديب ) , وتزوج وهو في عمر يناهز السبعين  من جدتي الثانية التي كانت في آخر أيامها كفيفة البصر وندعوها بكل حب ومحبة ( جدتي العمياء/ توتي كوري) , وأنجبت مسو و يوسب , ولقد عاشت مع عائلة خالي مسو طيلة حياتها لأنه هو فقط الذي قام برعايتها سواء في عنكاوة أو كركوك , وأتذكرعندما أنتقل الى كركوك في بيت في القورية , وكنت أقوم بزيارتهم وأنا طالب في مدرسة المتوسطة للبنين, وكنا قد أنتقلنا من شارع ألماس الى دبس/ نمرة ثمانية , حيث كان أخي الكبير جورج يعمل في الشركة البلجيكية/ الفرنسية لبناء محطة كبيرة لتوليد الكهرباء , وكانت في ثمانينيات من عمرها , وبالرغم من ضعف بصرها كانت نشطة ودائمة الحركة ونبادلها الحب والتقدير دائما . وكان يعيش في نفس البيت عائلة المرحوم (أديب) , والذي كان يكبرني بعدة سنوات ولكن كنا أصدقاء , وكان قد تزوج حديثا من فتاة آثورية ( أستر) , من كمب الأرمن / أو الدورة في بغداد , وكان الأبن الصغيرو الوحيد (عزيزا) بين أخواته الجميلات ( وأحدى أخواته هي زوجة الأخ الكبير لأسحق حنا , و والدة الرياضي والمدرب المشهور في كرة القدم / باسل جرجيس) , وبالرغم من أعتراض عائلته على ذلك الزواج من غريبة (من غير العنكاوية) ونظرا لصغر سنه وهو لم يتجاوز (18) عاما وهي في عمر (16) عام , وألتقى بها مرة واحدة فقط من بعيد وأحبها بحب المراهقين في سفرة له الى بغداد , ولكن أضطرأهله للذهاب الى بغداد لطلب يد الفتاة من أهلها بعد أصراره والتهديد بأضرابه عن الطعام , وتم الزواج الميمون وربما الأسطوري لأنهما بقيا على تلك المحبة والحب المتبادل لآخر أيامه وسنوات معاناته من مرض سرطان الرئة , بسبب السجائر التي تقتل شخصا كل عشر ثواني في العالم , وبالرغم من كل ذلك أزداد عدد المدخنين بين الشباب والشابات أيضا في عنكاوة , وخاصة النركيلا/ الشيشة والتي هي أخطر من التبغ , وكما يقال:- التبغ يؤدي الى الأدمان ولكن الشيشة تؤدي الى الموت !!؟؟..
 وكان من حسن حظي أن ألتقيت بأديب وزوجته أسترفي كندا , في حضوري لعزاء وفاة/ أنتحار أحدى بنات من عائلة علي بك , حيث كانت تعاني من مرض الكآبة المزمنة , وربما لعدم قبولها ظروف المعيشة في الغربة , بعيدا عن مسقط رأسها وصديقاتها ؟؟!!..
ولم أكون أعلم حينها بأن أديب يعاني من هذا المرض وكان على عهده في المرح وحب الحياة والبشاشة , رحمة الله على روحه والحيف على حياته وخدمته المخلصة لأبناء وطنه في كندا, حيث كان الجميع يكنون له التقدير والمودة .
وكان بصحبتي جنان/كرستوفر , أبن أخي الكبير جورج الذي كان قد تزوج من أبنة أديب ( خلود/ كلوديا)
ولهذا الزواج الميمون , وراؤه قصة جديرة بالذكر !!..
بعد وصول جنان الى مدينة  ديترويت الأمريكية لدى قبول طلبه للهجرة في باريس حيث كان يدرس , ولحق به أخوانه ( غسان و جهان وتمكن بعدها من جلب بقية العائلة ) , قمت بزيارتهم والأطمئنان على أوضاعهم , حيث كان قد سبقهم أبن أخي أمير ( المرحوم / الشهيد ) الذي أغتالته عصابة من الشبان الزن...ج / السود بدم بارد في عملية سطو مسلح , والعديد من الضحايا قتلوا بيد تلك العصابات الهمجية السوداء ( وأرهابهم لايقل عنفا وهمجية من أبناء جلدتهم بوكو حرام , أو أرهاب جماعات النصرة وداعش والأخوان الأرهابية وأخواتها من الأسلام السياسي المتطرف ) , ومنهم عديله (أركان) شقيق زوجته العزيزة أبتسام وغيرهم من من مسيحيي ديترويت, ومنذ تلك الحادثة الأليمة والمفجعة لم تطأ قدمي أمريكا وأصبحت (غصبا عني) عنصريا ضد من يسمون أنفسهم ( الأمريكيون السود) , بالرغم من أنني خلال وجودي لفترة في أمريكا ضمن برنامج مبادلة لطلاب الجامعات بين بريطانيا وأمريكا , كنت من أكثر المشاركين والمتحمسين , في مظاهرات للمطالبة بالحقوق المدنية للسود في سنة 1968 , ولكن أصبحت لا أطيق رؤيتهم حتى في الأفلام الأمريكية !!؟؟.. .
ولقد سبق وأن صرحت في العديد من المناسبات أن التدمير التدريجي للحضارة الأمريكية المتحضرة ستكون على أيديهم وبدون مبالغة , حتى اللغة الأمريكية (الأنكليزية) أصبحت تحتاج الى ترجمة في معظم الأفلام السينمائية التي لم تنجو من غزوهم لها , أما الجريمة والمخدرات والأنهيار الأخلاقي وأنهيارمستوى التعليم , فحدث ولاحرج !!..
ولاننسى ما يحدث في أوروبا حيث جائت الأحصائيات الأولية لعدد المهاجرين الغير الشرعيين ومعظمهم من الأفارقة بلغ أكثر من (60) ألفا خلال هذا العام فقط ,  ومن منفذ واحد هو شمال أفريقيا دون ذكر المنافذ الأخرى , ومن غرائب وعجائب الأمور قيام آلاف من المتظاهرين الشباب في باريس قبل أيام  , بلأحتجاج ضد قوانين ضبط الهجرة والسماح للمهاجرين الغير الشرعيين بحق الأقامة والعمل في أوروبا التي تعاني البطالة والكساد الأقتصادي وبعضها الأفلاس كاليونان وأسبانيا والبرتغال وأيطاليا مثلا , ومن يسمون أنفسهم المدافعين عن حقوق الأنسان !!..
 ( كما كنت أيضا مثلهم سنة 1968) ؟؟!!..
لنرجع الى قصة زواج جنان وخلود ...
أتصل بي جنان هاتفيا من ديترويت وأنا في مسقط/ سلطنة عمان , ( قبل عصر الأنترنيت ) , وطلب مني أن أتصل بصديقي ( أديب) , وأطلب منه الموافقة على طلب جنان يد أبنته بالزواج ( نظرا لأمكانيتي في الحركة والقيام باللازم !!؟؟..) , وخاصة وأنه كان لايزال يكمل دراسته وبعيد عن والديه في زمن الحصار الأسود في العراق , وطلبت منه رقم التلفون وتم الأتصال بأديب الورد !!.. والتحدث اليه لأول مرة منذ أيام قورية/ كركوك , وكالعادة ذكرته ببعض تلك الأيام الحلوة معا , وخاصة أول مرة ذهبت معه الى سوق القورية , الذي كنا نتجنب دخوله دون أن يرافقنا أحد , وحدث أن تصدى لنا عدد من شقاوات التركمان في الطريق , وبعد مناوشة غير متكافئة خرجنا والدماء تسيل من رأسه , وعندما وصلنا الى المقهى (الجايخانة الوحيدة في القوريا ) , التي كان والده المرحوم من أحد مرتاديها بأنتظام , حيث كان يجالس التركمان ويلبس نفس الملابس التقليدية ( شدة منقطة على الرأس و رداء طويل/ قابوط , وقميص طويل أبيض) وكما يقول المثل الأنكليزي :-
If you cannot beat them , join them !!..
وعندما علم بما حدث طالب من الحضوربردع المعتدين و الطلب من آباؤهم بمعاقبتهم أشد العقاب , وحدث هرج ومرج شديد كل يندد بالوعيد والتهديد بحق هؤلاء الشقاوة , ولولا ما كان يحضى به والده بين هؤلاء التركمان من تقدير وأحترام بالغين , لما تجرأ (مسيحي/ كاور) أن يقوم بذلك الأحتجاج وفورة الغضب , وأنا متأكد بأن أديب بعد تلك الحادثة لم يقترب منه أحد أو يهمس له أحد ولو ببنت شفة !!؟؟..
وبعد سرد تلك الذكريات الحلوة/ المرة ( وهي حلوة بالرغم من مرارتها لأنها تذكرنا بأيام الصبا) , طلب مني
أن أتصل بعمتها ( خاتون) في العراق وطلب الموافقة منها أولا , وهذا الطلب الغريب , أعاد ذكريات طفولتي في قلعة كركوك , وأنا لا أتجاوز السادسة من العمر , لأني رأيت (خاتون) لأول وآخر مرة في حياتي !!؟؟..
لاأزال أتذكر حفلة زواجها في تلك المناسبة , وهي ترتدي ملابس العروسة البيضاء وتاج الورود على رأسها وكأنها ملاك وهي والعريس بملابس سوداء وشعر أسود وشارب قصير( ك- رودولف فالنتينو)  ونجوم السينما في هوليوود / حيث كنا نجتمع مع عدد من الأهالي على مدرجات القلعة ونشاهد من بعيد على الطرف المقابل لنهر خاصة/صو, شاشة سينما غازي الصيفية , أفلام سوبرمان و والكاوبويز وشارلي شابلن والأفلام المتحركة , ولابد لي أن أذكر بعض التفاصيل الحارة في عدد من تلك المناسبات , لقد كانت أرملة تركمانية/ شيعية تعييش مع بناتها الثلاثة في البيت المجاور, وكانت أحداهن تكبرني وأنا في السادسة , بأكثر من (6 أو 7) سنوات وكانت تحبني حبا جما وتطلب مني مرافقتها لمشاهدة السنما , وتجلس بجانبي على تلك المدرجات  وتضع يدي بين فخذيها وتضغط عليها بيدها الأخرى وسوف أتوقف عند هذا الحد قبل أن يتهمني أحد الأخلال بلآداب وعقل الأجيال ( ولكننا نعيش الآن في عصر الأنترنيت يا هذا !!؟؟..) .
 وبدأت  أشك بأن زوج والدتها ( شرطي شارع , الذي كان يحتل المنصة أسفل مدرج القلعة/ ينظم مرور العربات والقليل من السيارات مقابل الجسر القديم) والذي تزوج والدتها حديثا كان يقوم بالتحرش بها أيضا لأنهم كانوا يعيشون في غرفة واحدة وكانت تبغضه وتتهرب منه ولكنني كنت صغيرا لأفهم ذلك السبب وكلما كبرت أصبحت تلك الشكوك حقيقة واقعة وأنني متأكد تماما بأنه تزوج الأرملة بسبب بناتها لأنه كان شخصية عنيفة وكنا نهرب من أمامه كلما ظهر في بداية طريق المحلة راجعا الى بيت الزوجية وملابس شرطة المرور كانت غاية في الأناقة يومئذ ولذا كان يزهو بها !!؟؟..
وفي الغرفة الثانية في نفس البيت كانت تعيش أبنة حنا (حمبالا) مع زوجها السكير عيسى الذي كان كلما يسكر(يوميا) , يعتدي عليها وعلى أبنتها الصغيرة , وكان صباغا عاطلا عن العمل يعيش على عمل زوجته كخادمة وكان المرحوم والدها أحدب الظهر نتيجة تلك الأحمال ( كونيات القمح والحبوب ) التي كان يحملها الى أعلى المدرجات , أو نزولا الى الأسفل , هكذا كانت الحياة صعبة , ( ولا تنسوا أننا كنا في في نهاية أربعينيات القرن الماضي)  . ولابد أن أضيف حدثا آخر أعتبره (تاريخي) , لقد بدأ يسكن في الغرفة العليا الصغيرة ( أتيك) في نفس بيتنا المرحوم روفائيل ( روفو) , الذي كان بدأ حياته المهنية كمعلم كما أظن , ولاأزال أتذكر في أحدى المناسبات , أن صعدت عدد محدود من الدرجات الى الأتيك , لأستكشف صعود دخان ورأيت المرحوم يحاول قلي بيض في الماء ( بدلا من الدهن ) , على بريموس صغير , وكانت هذه هي آخرمرة أراه فيها , لأنه تم القبض عليه وأعتقاله وهو يعبر الجسر مشيا الى عمله , وكان ذلك بوشاية شرطي عنكاوي قام بتتبعه والأشارة اليه للتعريف به للجهات الأمنية التي أعتقلته في الحال وأودع السجن لكونه شيوعيا , وهذه كانت أخطر جريمة في تلك الأيام , ويقال بأنه تعرض للتعذيب الجسدي في الأقبية المظلمة والحبس الأنفرادي بحيث أصبح مجنونا وهو لايزال في المعتقل , ولم يتم الأفراج عنه ألا بعد ثورة 14 تموز ( المجيدة في بدايتها فقط !!..) , وتم تكريمه وأعادته الى عمله , بعد أن قضي حوالي عشر سنوات من شبابه وعنفوانه في الزنزانة تحت التعذيب, وأتذكر في أحد تلك الأيام حيث كان يجلس كالعادة في جايخانة يوسف (يوسب) سلمان في عنكاوة وحوله عدد من المعجبين والمؤيدين لقضيته , وحاولت الأقتراب منه وأذكره في تلك الحادثة التي أتذكرها جيدا , وأنا طفل صغير, ولكن جرأتي وشجاعني خانتني من القيام بذلك , وخاصة وأنه يقال بتعرضه لحالات عصبية بين الحين والآخر وأنه كان تحت العلاج النفسي , وربما تذكيره بتلك الأيام السوداء العصيبة , قد أثارت فيه نوبة عصبية لاتحمد عقباها !!؟؟.. 


 ولنرجع الى العرس الأسطوري :-
وكان العروسان يتبعهم جمع غفير من الأهل والأقارب والمدعووين في طريقهم من الكنيسة الى بيت العريس ( بالقرب من مدرسة الأبتدائية للبنات , التي لا أزال أتذكرها جيدا !!.. ) , ويقال للتأكيد على ذكريات طفولتي وأنبهاري بجمالها الملائكي , أن خاتون كانت أجمل بنات القلعة , و ملكة جمال قلعة كركوك بدون منازع !!..

( أرجو أن تكون لاتزال على قيد الحياة , لأنني لم أتمكن من معرفة عنوانها أو رقم الهاتف للأتصال بها , وطلبت من أهلي للقيام بذلك في العراق .
  والحمد لله تم الزواج الميمون وهم الآن يعيشون في سان دييجو / كاليفورنيا وأبنهم وأبنتهم يدرسون في الجامعات !!..
نتمنى للأحياء طول العمر والصحة والعافية , ورحمة الله  وغفرانه للذين غادرونا الى الحياة الأبدية !!!..

 وأخص بالذكر , الدكتور سعدي المالح , مديرالثقافة والفنون السريانية والأبن البار لعنكاوة  الذي هبت جموع عنكاوة , لوداعه في حفل تأبيني مؤثر الى مثواه الأخير,  وتكريما لخدماته للثقافة والفنون السريانية , وبمشاركة رسمية من كبار المسؤولين في أربيل , ومئات الرسائل للعزاء التي ملأت صفحات عنكاوة دوت كوم . وهذا هو التكريم اللائق والذي يستحقه بجدارة !!!..

أرجو أن لا أكون قد طولت كثيرا , فلابد من أعطاء الموضوع ما يستحقه من التركيز على التفاصيل .

ملاحظة :-
لقد تأخر نشر المقالة نظرا للعدد الكبير من المقالات المتراكمة نتيجة فترة العزاء من أسرة عنكاوة دوت كوم للفقيد المرحوم الدكتور سعدي المالح .

أيوب عيسى (بيو) أوغنا
مسقط/ سلطنة عمان

 

47
تحية الى خالي العزيز / منصور(مسو) ججو
( وذكريات ذات صلة )

لنحتفل بالحياة ومن هم على قيد الحياة ونذكرهم ونسعد بوجودهم بيننا ونتقاسم معهم ذكريات الماضي والحاضر....
ولأثراء الموضوع سأتطرق لبعض الأشخاص والأحداث و لهم صلة بالموضوع سواء من قريب أو بعيد !!..

ولا الحمد لله على السلامة ( خالي العزيز) من آثار الصدمة الدماغية ( الدملة) , وما نتج عنها من شلل نصفي أعاق حركتك ونأمل أن تستعيد قواك العضلية الى طبيعتها بلأرادة والعزيمة والتمارين الرياضية المطلوبة , تلك العزيمة التي أبهرت الجميع بحضورك وأنت تمشي دون سند متكأ على عكازة ( جوكانا)
في حفلة زواج (بشار) أبن أخي الكبير (دنحا) , في الصيف الماضي وعمره يناهز (90) عاما, وكانت مفاجأة فرح وترحيب وتصفيق حاربظهورك , وكأنك نجم من نجوم الحفل , وأنت تستحق ذلك وأكثر!!..
بالرغم من عدم مشاركتك بأغنية أوالرقص في الدبكة , كأيام زمان في أيام شبابك وأنت كنت حاضر في معظم حفلات الزواج في عنكاوة , كالمايسترو وعريف الحفل تقود الرقص وتلهب الحماسة بأغانيك وصوتك الذي ورثته من المرحوم والدك (ججو) , الذي كان أسطورة في حياته ...
Living Legend
حيث كان يتسامرحوله أعداد كبيرة من أهل عنكاوة , في ليالي الصيف على سطوح البيوت المتلاصقة مع
 بعضها وهو يتلو لهم الأساطير الفولكلورية ( دوروكياثا) , والأناشيد الدينية و سرد أحداث المجاعة الكبرى وغزوات جندرمة العصملي وسفر بولك(سفر بيوك / الحرب الكبرى بالتركية) , ومسيرة الهلاك لمرض الطاعون بلسان الملاك عزرائيل وهو ينتقل من بيت الى آخر يخطف أرواح الضحايا بلأسماء وكأنه الهولوكوست , وبلا أدنى شك كانت تلك الملاحم الشعرية هي محاكات للأساطير القديمة :- الأوديسا والألياذة للشاعر اليوناني هوميروس , والكوميديا الآلهية للشاعر الأيطالي دانتي في القرون الوسطى , وخاصة ما جاء في أبواب الجحيم ( الأنفيرنو), وأيضا رسالة الغفران للشاعر أبو العلاء المعري , وتوراة العهد القديم .
وكان والدي المرحوم الشماس/ عيسى بيو , قد ورث منه ( جده من الأم) , أيضا ذلك الصوت الرخيم و معظم الدوروكياثا التي كان يلقيها بتلحين غنائي في طيلة حياته وفي مختلف المناسبات , وتم تسجيلها في عنكاوة دوت كوم في السويد من قبل أمير المالح مشكورا , وكنت أظن بأن لي أيضا صوتا للغناء (سنين المراهقة) , وكانت أول تجربة لي عندما جاء دوري للغناء في جلسة جمعت أجمل وأعذب الأصوات الغنائية في عنكاوة , ومنهم خالي مسو , و بتي باوا/ بطرس بولص , وأسحق حنا , وجميل حلويا ونوري بهنام , وأخي حبيب
ب ( أغنية لمحرم فؤاد :- رمش عينو اللي جارحني رمش عينو ...) , ولكن أخي حبيب هو الذي كان يحي بالغناء معظم جلسات السهر والشراب بأغاني كردية شائعة ( بردي بردي , هاور ست هاور , وغيرها)  , ,  ولاننسى أيضا خالي ( المرحوم/  يوسف (يوسب) , شقيق منصور/ مسو , أيضا كان قد تولى الى حد ما , دور والده  , في أحياء تلك الأمسيات الليلية على السطوح في الليالي وتحت ضوء القمر والنجوم البراقة في ظلمة السماء حيث الهدوء والسكينة والهواء العليل . 
ولكنني كنت محظوظا بحضورخالي مسو,  ومشاركته في الغناء والدبكة وهو يناهز السبعين من العمر
 في حفلة زفافي (الثاني) الذي تم بطريقة غير تقليدية , من خلال رحلة الى مصيف / شلال كلي علي بك , حيث تم دعوة شلة من نجوم عنكاوة اللامعين  ومنهم :- أسحق حنا(خوشناو) العنكاوي , جبرائيل ( جبا) , نوري بهنام كوندا , وماربين عودا , وشمعون عودا , وعديلي ( فؤاد قرياقوس جاجيلا) , ويوسف بطرس
 ( زوج/ نضال أبنة أختي الكبيرة) , وخالي قرداغ حنو ككو( الذي غنى من أغنياته الخاصة به و المسجلة بأسمه , وحبيبته سعاد جالسة بجنبه وهو يغني :- شمشا زرقلا وبلبل مخزيلا جيانه ... ) , وأبنيه نظير ونهاد وطبعا أخي دنحا وخالي مسو  وغيرهم من الأهل والأقارب , في رحلة باص يسع لأكثر من (50) فردا ذكور وأناث وأطفال . لقد كانت سفرة وأحتفال غاية في الروعة وفي موسم أحتفالات عيد نوروز , ومن حسن الحظ توفرهناك عدد من فرق موسيقى الدبكة (الدول والزورنة ) في كل محطة جلسنا فيها (و لم تكن تقاس بالأسطورة / خضر/ خدر) ولكنهم أبلوا بلاء حسنا ونقود الشاباش تنهمر عليهم من كل صوب , وأكملوا الفرحة بأمتيازبوجود الجميع  , حيث الشراب/ العرق والويسكي والبيرة والعصائر, والأكل الشهي الذي قام جبرائيل/ جبا مشكورا , بتحضيره طيلة الليلة السابقة للسفرة ( وخاصة أكلة البرياني المحشو بالجوز واللوز وعدد(25) دجاجة مشوية !!..
والشكر لأسحق حنا لتأجير الباص مع السائق الماهر الذي تمكن من أجتياز تلك الأنعطافات والأنحنائات الخطيرة في الطريق القديم المؤدي الى المصايف حيث الجموع الغفيرة من أنحاء العراق .

أعود بالذاكرة الى أيام كركوك وخاصة في بيت شارع (ألماس) بالقرب من التبة , حيث كانت زيارة خالي مسو , لنا شبه شهرية , وهو في طريقه الى عنكاوة لحضور الأعراس والتي كان على الدوام على أعلى قائمة المدعوين , وكنا نحضر له رؤوس البصل الحارة جدا التي لايتجرأ أحد حتى بشم رائحتها , وكان يلتهمها   كالتفاح , والدخان يتطاير من أنفه !!..
 ويبدو يا خالي مسو :-  أنك كنت بارعا في الحصول على أجازات على الطلب من آمرك في الجيش سواء بالكلام المعسول أو البرطيل/ الرشوة , وكم كان مقدارها نسبة الى راتب جندي بالجيش  !!؟؟..
حيث كنت قد تطوعت كجندي في الجيش وخلال عشرون سنة خدمة ألزامية تدرجت الى نائب عريف , وعريف , وأخيرا تم ترقيتك الى نائب ضابط ( ولولا كونك مسيحيا ) لكنت قد حصلت نجمة ضابط كبقية زملائك في دورة خاصة لتأهيل الضباط  , ومن يدري لكنت قد تقاعدت وأنت عقيد في الجيش العراقي كالمرحوم العقيد توما , الذي كنا نفتخر به كأعلى رتبة عنكاوي في الجيش .
ولم تبقى طويلا في حياة العزوبة , بالرغم من كونك (دون جوان/كازانوفا) عصرك , وكنت محط الأنظار والأعجاب لفتيات عنكاوة , ولكن لم تكن من بينهم سوى واحدة ( شموني) التي خطفت قلبك وأصبحت زوجتك الحبيبة و المخلصة والوفية والأم الحنون لأبناؤك وبناتك , والتي كانت ولاتزال بجانبك في السراء و الضراء , وكلما ندخل الى بيتك في عنكاوة على مر السنوات , فالمشهد كان واحد لايتغير , وأنتما جالسين في المطبخ وحولكم عدد من الأهل والأقارب وأبريق(القوري) الشاي يختمر على كتلي الماء المغلي , والأقداح
 ( الأستيكان) والسكر حاضر على الدوام ...
 وهذا ما لاقيته أيضا  في آخر زيارتي لكم في عنكاوة السنة الماضية , بعد حالتك المرضية وأنت تحاول أن تنهض ولو بصعوبة للترحيب بي كعادتك , حيث القيام بتلك الزيارة كانت من أولوياتنا وأنت تعلم محبتنا لك جميعا !!...
وكنا نتساؤل على الدوام , كيف يمكن أن يكون مسو هو خالي , ولكن أيضا أن والدي عيسى بيو يدعوه خالي مسو أيضا وهو أصغر من أبناؤه الكبار , وأن جدتي المرحومة والدة أبي , كانت أخته ؟؟!!..
وكنا لانسأل عن ذلك اللغز المحير , ألا عندما كبرنا وتم أيضاح الأمر :- 
بأن جدي (ججو) والد مسو , كان متزوجا من زوجته الأولى التي توفيت وأنجبت له عدد من الأطفال ومن بينهم جدتي وأختها ( والدة أسحق حنا )  وأختهما الثالثة ( والدة أديب ) , وتزوج وهو في عمر يناهز السبعين  من جدتي الثانية التي كانت في آخر أيامها كفيفة البصر وندعوها بكل حب ومحبة ( جدتي العمياء/ توتي كوري) , وأنجبت مسو و يوسب , ولقد عاشت مع عائلة خالي مسو طيلة حياتها لأنه هو فقط الذي قام برعايتها سواء في عنكاوة أو كركوك , وأتذكرعندما أنتقل الى كركوك في بيت في القورية , وكنت أقوم بزيارتهم وأنا طالب في مدرسة المتوسطة للبنين, وكنا قد أنتقلنا من شارع ألماس الى دبس/ نمرة ثمانية , حيث كان أخي الكبير جورج يعمل في الشركة البلجيكية/ الفرنسية لبناء محطة كبيرة لتوليد الكهرباء , وكانت في ثمانينيات من عمرها , وبالرغم من ضعف بصرها كانت نشطة ودائمة الحركة ونبادلها الحب والتقدير دائما . وكان يعيش في نفس البيت عائلة المرحوم (أديب) , والذي كان يكبرني بعدة سنوات ولكن كنا أصدقاء , وكان قد تزوج حديثا من فتاة آثورية ( أستر) , من كمب الأرمن / أو الدورة في بغداد , وكان الأبن الصغيرو الوحيد (عزيزا) بين أخواته الجميلات ( وأحدى أخواته هي زوجة الأخ الكبير لأسحق حنا , و والدة الرياضي والمدرب المشهور في كرة القدم / باسل جرجيس) , وبالرغم من أعتراض عائلته على ذلك الزواج من غريبة (من غير العنكاوية) ونظرا لصغر سنه وهو لم يتجاوز (18) عاما وهي في عمر (16) عام , وألتقى بها مرة واحدة فقط من بعيد وأحبها بحب المراهقين في سفرة له الى بغداد , ولكن أضطرأهله للذهاب الى بغداد لطلب يد الفتاة من أهلها بعد أصراره والتهديد بأضرابه عن الطعام , وتم الزواج الميمون وربما الأسطوري لأنهما بقيا على تلك المحبة والحب المتبادل لآخر أيامه وسنوات معاناته من مرض سرطان الرئة , بسبب السجائر التي تقتل شخصا كل عشر ثواني في العالم , وبالرغم من كل ذلك أزداد عدد المدخنين بين الشباب والشابات أيضا في عنكاوة , وخاصة النركيلا/ الشيشة والتي هي أخطر من التبغ , وكما يقال:- التبغ يؤدي الى الأدمان ولكن الشيشة تؤدي الى الموت !!؟؟..
 وكان من حسن حظي أن ألتقيت بأديب وزوجته أسترفي كندا , في حضوري لعزاء وفاة/ أنتحار أحدى بنات من عائلة علي بك , حيث كانت تعاني من مرض الكآبة المزمنة , وربما لعدم قبولها ظروف المعيشة في الغربة , بعيدا عن مسقط رأسها وصديقاتها ؟؟!!..
ولم أكون أعلم حينها بأن أديب يعاني من هذا المرض وكان على عهده في المرح وحب الحياة والبشاشة , رحمة الله على روحه والحيف على حياته وخدمته المخلصة لأبناء وطنه في كندا, حيث كان الجميع يكنون له التقدير والمودة .
وكان بصحبتي جنان/كرستوفر , أبن أخي الكبير جورج الذي كان قد تزوج من أبنة أديب ( خلود/ كلوديا)
ولهذا الزواج الميمون , وراؤه قصة جديرة بالذكر !!..
بعد وصول جنان الى مدينة  ديترويت الأمريكية لدى قبول طلبه للهجرة في باريس حيث كان يدرس , ولحق به أخوانه ( غسان و جهان وتمكن بعدها من جلب بقية العائلة ) , قمت بزيارتهم والأطمئنان على أوضاعهم , حيث كان قد سبقهم أبن أخي أمير ( المرحوم / الشهيد ) الذي أغتالته عصابة من الشبان الزن...ج / السود بدم بارد في عملية سطو مسلح , والعديد من الضحايا قتلوا بيد تلك العصابات الهمجية السوداء ( وأرهابهم لايقل عنفا وهمجية من أبناء جلدتهم بوكو حرام , أو أرهاب جماعات النصرة وداعش والأخوان الأرهابية وأخواتها من الأسلام السياسي المتطرف ) , ومنهم عديله (أركان) شقيق زوجته العزيزة أبتسام وغيرهم من من مسيحيي ديترويت, ومنذ تلك الحادثة الأليمة والمفجعة لم تطأ قدمي أمريكا وأصبحت (غصبا عني) عنصريا ضد من يسمون أنفسهم ( الأمريكيون السود) , بالرغم من أنني خلال وجودي لفترة في أمريكا ضمن برنامج مبادلة لطلاب الجامعات بين بريطانيا وأمريكا , كنت من أكثر المشاركين والمتحمسين , في مظاهرات للمطالبة بالحقوق المدنية للسود في سنة 1968 , ولكن أصبحت لا أطيق رؤيتهم حتى في الأفلام الأمريكية !!؟؟.. .
ولقد سبق وأن صرحت في العديد من المناسبات أن التدمير التدريجي للحضارة الأمريكية المتحضرة ستكون على أيديهم وبدون مبالغة , حتى اللغة الأمريكية (الأنكليزية) أصبحت تحتاج الى ترجمة في معظم الأفلام السينمائية التي لم تنجو من غزوهم لها , أما الجريمة والمخدرات والأنهيار الأخلاقي وأنهيارمستوى التعليم , فحدث ولاحرج !!.. 
ولاننسى ما يحدث في أوروبا حيث جائت الأحصائيات الأولية لعدد المهاجرين الغير الشرعيين ومعظمهم من الأفارقة بلغ أكثر من (60) ألفا خلال هذا العام فقط ,  ومن منفذ واحد هو شمال أفريقيا دون ذكر المنافذ الأخرى , ومن غرائب وعجائب الأمور قيام آلاف من المتظاهرين الشباب في باريس قبل أيام  , بلأحتجاج ضد قوانين ضبط الهجرة والسماح للمهاجرين الغير الشرعيين بحق الأقامة والعمل في أوروبا التي تعاني البطالة والكساد الأقتصادي وبعضها الأفلاس كاليونان وأسبانيا والبرتغال وأيطاليا مثلا , ومن يسمون أنفسهم المدافعين عن حقوق الأنسان !!..
 ( كما كنت أيضا مثلهم سنة 1968) ؟؟!!.. 
لنرجع الى قصة زواج جنان وخلود ...
أتصل بي جنان هاتفيا من ديترويت وأنا في مسقط/ سلطنة عمان , ( قبل عصر الأنترنيت ) , وطلب مني أن أتصل بصديقي ( أديب) , وأطلب منه الموافقة على طلب جنان يد أبنته بالزواج ( نظرا لأمكانيتي في الحركة والقيام باللازم !!؟؟..) , وخاصة وأنه كان لايزال يكمل دراسته وبعيد عن والديه في زمن الحصار الأسود في العراق , وطلبت منه رقم التلفون وتم الأتصال بأديب الورد !!.. والتحدث اليه لأول مرة منذ أيام قورية/ كركوك , وكالعادة ذكرته ببعض تلك الأيام الحلوة معا , وخاصة أول مرة ذهبت معه الى سوق القورية , الذي كنا نتجنب دخوله دون أن يرافقنا أحد , وحدث أن تصدى لنا عدد من شقاوات التركمان في الطريق , وبعد مناوشة غير متكافئة خرجنا والدماء تسيل من رأسه , وعندما وصلنا الى المقهى (الجايخانة الوحيدة في القوريا ) , التي كان والده المرحوم من أحد مرتاديها بأنتظام , حيث كان يجالس التركمان ويلبس نفس الملابس التقليدية ( شدة منقطة على الرأس و رداء طويل/ قابوط , وقميص طويل أبيض) وكما يقول المثل الأنكليزي :-
If you cannot beat them , join them !!..
وعندما علم بما حدث طالب من الحضوربردع المعتدين و الطلب من آباؤهم بمعاقبتهم أشد العقاب , وحدث هرج ومرج شديد كل يندد بالوعيد والتهديد بحق هؤلاء الشقاوة , ولولا ما كان يحضى به والده بين هؤلاء التركمان من تقدير وأحترام بالغين , لما تجرأ (مسيحي/ كاور) أن يقوم بذلك الأحتجاج وفورة الغضب , وأنا متأكد بأن أديب بعد تلك الحادثة لم يقترب منه أحد أو يهمس له أحد ولو ببنت شفة !!؟؟..
وبعد سرد تلك الذكريات الحلوة/ المرة ( وهي حلوة بالرغم من مرارتها لأنها تذكرنا بأيام الصبا) , طلب مني
أن أتصل بعمتها ( خاتون) في العراق وطلب الموافقة منها أولا , وهذا الطلب الغريب , أعاد ذكريات طفولتي في قلعة كركوك , وأنا لا أتجاوز السادسة من العمر , لأني رأيت (خاتون) لأول وآخر مرة في حياتي !!؟؟..
لاأزال أتذكر حفلة زواجها في تلك المناسبة , وهي ترتدي ملابس العروسة البيضاء وتاج الورود على رأسها وكأنها ملاك وهي والعريس بملابس سوداء وشعر أسود وشارب قصير( ك- رودولف فالنتينو)  ونجوم السينما في هوليوود / حيث كنا نجتمع مع عدد من الأهالي على مدرجات القلعة ونشاهد من بعيد على الطرف المقابل لنهر خاصة/صو, شاشة سينما غازي الصيفية , أفلام سوبرمان و والكاوبويز وشارلي شابلن والأفلام المتحركة , ولابد لي أن أذكر بعض التفاصيل الحارة في عدد من تلك المناسبات , لقد كانت أرملة تركمانية/ شيعية تعييش مع بناتها الثلاثة وكانت أحداهن تكبرني وأنا في السادسة , بأكثر من (6 أو 7) سنوات وكانت تحبني حبا جما وتطلب مني مرافقتها لمشاهدة السنما , وتجلس بجانبي على تلك المدرجات  وتضع يدي بين فخذيها وتضغط عليها بيدها الأخرى وبعد ذلك لم أكن بحاجة الى المساعدة ...
 وبدأت  أشك بأن زوج والدتها ( شرطي شارع , الذي كان يحتل المنصة أسفل مدرج القلعة/ ينظم مرور العربات والقليل من السيارات مقابل الجسر القديم) والذي تزوج والدتها حديثا كان يقوم بالتحرش بها أيضا لأنهم كانوا يعيشون في غرفة واحدة وكانت تبغضه وتتهرب منه ولكنني كنت صغيرا لأفهم ذلك السبب وكلما كبرت أصبحت تلك الشكوك حقيقة واقعة وأنني متأكد تماما بأنه تزوج الأرملة بسبب بناتها لأنه كان شخصية عنيفة وكنا نهرب من أمامه كلما ظهر في بداية طريق المحلة راجعا الى بيت الزوجية وملابس شرطة المرور كانت غاية في الأناقة يومئذ ولذا كان يزهو بها !!؟؟..
وفي الغرفة الثانية في نفس البيت كانت تعيش أبنة حنا (حمبالا) مع زوجها السكير عيسى الذي كان كلما يسكر(يوميا) , يعتدي عليها وعلى أبنتها الصغيرة , وكان صباغا عاطلا عن العمل يعيش على عمل زوجته كخادمة وكان المرحوم والدها أحدب الظهر نتيجة تلك الأحمال ( كونيات القمح والحبوب ) التي كان يحملها الى أعلى المدرجات , أو نزولا الى الأسفل , هكذا كانت الحياة صعبة , ( ولا تنسوا أننا كنا في في نهاية أربعينيات القرن الماضي)  .

 ولنرجع الى العرس الأسطوري :-
وكان العروسان يتبعهم جمع غفير من الأهل والأقارب والمدعووين في طريقهم من الكنيسة الى بيت العريس ( بالقرب من مدرسة الأبتدائية للبنات , التي لا أزال أتذكرها جيدا !!.. ) , ويقال للتأكيد على ذكريات طفولتي وأنبهاري بجمالها الملائكي , أن خاتون كانت أجمل بنات القلعة , و ملكة جمال قلعة كركوك بدون منازع !!..

( أرجو أن تكون لاتزال على قيد الحياة , لأنني لم أتمكن من معرفة عنوانها أو رقم الهاتف للأتصال بها , وطلبت من أهلي للقيام بذلك في العراق .
  والحمد لله تم الزواج الميمون وهم الآن يعيشون في سان دييجو / كاليفورنيا وأبنهم وأبنتهم يدرسون في الجامعات !!..
نتمنى للأحياء طول العمر والصحة والعافية , ورحمة الله  وغفرانه للذين غادرونا الى الحياة الأبدية !!!..

 وأخص بالذكر , الدكتور سعدي المالح , مديرالثقافة والفنون السريانية والأبن البار لعنكاوة  الذي هبت جموع عنكاوة , لوداعه في حفل تأبيني مؤثر الى مثواه الأخير,  وتكريما لخدماته للثقافة والفنون السريانية , وبمشاركة رسمية من كبار المسؤولين في أربيل , ومئات الرسائل للعزاء التي ملأت صفحات عنكاوة دوت كوم . وهذا هو التكريم اللائق والذي يستحقه بجدارة !!!..

أرجو أن لا أكون قد طولت كثيرا , فلابد من أعطاء الموضوع ما يستحقه من التركيز على التفاصيل .

أيوب عيسى (بيو) أوغنا
مسقط/ سلطنة عمان 


 

48
عزيزي أمير الورد

تعازي الحارة لرحيل الأستاذ الكبير , الدكتور سعدي المالح / مدير معهد الدراسات والفنون السريانية
والى أسرته وأهله الصبر والسلوان /رحمه الله وأسكنه جناته الأبدية
والى أسرة عنكاوة دوت كوم الشكر والعرفان لخدماتهم الجليلة في خدمة أمتهم , كما كان الفقيد أحد أركان تلك الثقافة وتشجيع الفنون السريانية
والى المزيد من التألق والأبداع

أخوكم
أيوب عيسى (بيو) أوغنا
مسقط/ سلطنة عمان


49
ذكريات عراقية (كركوكلية قديمة )

بعد نشر ( ذكريات قلعة كركوك بأربعة أجزاء) , و(ذكريات عنكاوة / عروسة أربيل / كردستان العراق , بجزئين) , في الحوار المتمدن وعنكاوة دوت كوم , والأهتمام الذي أبداه الأهل والأقارب والقليل من عاصروا تلك الحقبة الزمنية  ( من منتصف أربيعينيات القرن الماضي , ولحد تاريخ اليوم) , وعدد المشاهدات الكبيرة العدد وخاصة في عنكاوة دوت كوم , رأيت التشجيع اللازم لمواصلة المسيرة وللتذكير بتلك الأيام والأحداث التي أثرت بي وبقيت في ذاكرتي , ومنهم من أثنى علي بتلك الذاكرة القوية لأيام بعيدة محت من ذاكرة من هم أكبر مني سنا و شكروني لأعادتها الى ذاكرتهم , ليس بلأحداث  فقط وأنما بالحالة الأجتماعية السائدة في تلك الأيام . والأعجاب ليس بذاكرتي القوية ولكن الذاكرة للسنين الأولى من الطفولة , والتي عادة لايبقى منها شيئا سوا ما أقترنت بأحداث ومشاهد أليمة و صادمة للطفل وهو لم تكتمل خلايا دماغه الى بعد سن الخامسة من العمر!!..
وسأسرد لكم بعض تلك الحالات التي أنطبعت برأسي الصغير وكأنها نقش على الحجر .

 حادثة أليمة , لايمكنني أن أزيلها من ذاكرتي وكأنها حدثت بتفاصيلها يوم أمس وأذكرها هنا للمرة الأولى بعد أن عايشتها وأنا طفل صغير لم أتعدى الثلاث سنوات من العمر :-
 كان لي أخ أصغر مني أسمه ( فؤاد) , لايتجاوز السنة من العمر( والفارق الزمني بيننا في العائلة بين الولادات لم تتجاوز السنتين) , وقد بدأ يزحف قبل أن يتمكن من النهوض والمشي  , وكنا كأي عائلة فقيرة يعمل الوالد كعامل بسيط في شركة نفط العراق , ونحن نعيش في غرفة واحدة في بيت في قلعة كركوك , وكالعادة كانت أداة الطبخ هي ( البريموس) التي تعمل بالنفط , موجودة دائما خارج الغرفة في المدخل المفتوح على فناء البيت المتعدد الغرف (3) , وبكل غرفة عائلة مثلنا , وبدأت الحادثة بأقتراب (فؤاد ) من البريموس وعليه أبريق الشاي يخمربالطريقة العراقية المعتادة
 ( خمري الشاي خمري... كما تقول الأغنية الفولكلورية)  على البخار المتصاعد من الأناء (الكتلي) للماء المغلي , وبغفلة تحرك بأتجاهها , و وضع يده الصغيرة على مفتاح البريموس ليحركه , كما كان يلاحظ أمي في عملية أشعال اللهب والتحكم بالبمب اليدوي , فلم أشعر سوى بصيحة مدوية من الألم , حيث أنقلب الأبريق والأناء عليه وهو جالس في تجمع بركة للماء المغلي تحته في أرضية غير مستوية , فهرعت أليه وأمسكت به وأنا أصرخ:-
 دايا دايا فؤاد قدلى / أمي أمي فؤاد أحترق , وحدث ذلك بغفلة قصيرة من الزمن حين دخلت والدتي الغرفة لأخراج الصينية وعليها الخبز وربما الجبنة أيضا, للريوك/ الفطور , ولم تتمكن من أسعافه سوى ترطيب جسمه بالماء  , وأتذكر كيف أن والدي حمله فور رجوعه من العمل الى المستوصف
الصغير في الطرف الثاني من الجسر القديم , وهو يهرع وأنا أركض وراؤه , وكل ما تمكن المضمد من عمله هو قطع الجلد المحترق من جسمه بالمقص وكأنه يقطع قطعة من قماش مهتري , وأضافة الحبر على جسمه بدون أية أدوية أو مراهم أخرى للحروق كما نعرفها اليوم , ونظرا لتلك الطريقة البدائية التي ربما أدت الى تسمم جسمه بدلا من علاجه , ولم يدوم أكثر من عدة أيام وفارق الحياة لحروق بسيطة لعدم توفر العناية الطبية والدواء اللازم . ( يا حيف على فؤاد) !!!..
 وأتذكر حضور عدد من النسوة للتعزية وكانوا يبدأون أو يتصنعون حالة بكاء جماعي , كلما قامت أحداهن برثاء شجي للطفل الصغير( معدودى/ بالسورث) بين الحين والآخر , ويبدوا بأنها كانت متخصصة بذلك وتحضر بدعوة مسبقة لأداء تلك الوظيفة , لتحفيز الحاضرين على البكاء لأن المصاب ليس جللا لأن الأطفال كانوا يموتون لأبسط الأسباب والأمراض ومن الممكن بأنها هي كانت نفسها القابلة( الولادة) , في في دورها المزدوج  في الحياة والممات ؟؟!!.
 وبعدها يغادرون ولا أعتقد أنهم حصلوا على جرعة ولو صغيرة من القهوة المرة , كما هي العادة في مناسبات العزاء الجدية , وينتهي الحدث الحزين وترجع الحياة الى سابق عهدها
 والبقية في حياتكم !!...
ولكن الغريب أن ما حدث للشهيد (فؤاد) , أيضا حدث لي في نفس البيت والأغرب , دون أن أتذكره وبدون شك بعد أنتحار(فؤاد) بوقت قصير, لولا أن عمي (صليوا) كان يذكرني به , حيث كان لنا وعاء معدني (تانيكا/ بالسورث) يستعمل كخزان للنفط وبه أنبوبة ويدة تستعمل كبمب لتفريغ النفط عند الحاجة ,يستعمل للطبخ وكذلك للفانوس للأضاؤة لعدم توفر الكهرباء , وبتقليد والدتي لتلك العملية  قمت بتفريغ النفط ولكن فوق ملابسي ( الدشداشة ) , بحيث غمر جسمي كاملا , بحيث أصبحت كقنينة المولوتوف , تنتظر شرارة لتنفجر !!؟؟..
ولم يلاحظ أحد ما جرى لي , ولابد وأنه كان مؤلما وربما كنت بحالة بكاء جراء ذلك , ومن حسن الحظ كان عمي (الأخ الوحيد لوالدي ) , في زيارته لنا وهو في طريقه للألتحاق / الدراسة بكلية الزراعة في بغداد وعندما حضر الى البيت أدرك خطورة الموقف , وفورا أخذني الى مستشفى في محطة ( كاي وان ) التابعة لشركة نفط العراق ( الآي بي سي ) وتبعد عشرات الكيلومترات خارج  كركوك وتمت معالجتي للحروق في أنحاء جسمي , ولابد وأنهم غسلوا دشداشتي أيضا ؟؟!!..
وكنت أكرر, وقلبي يحترق من النفط  كلما أسمع القصة :-
" أين كنت يا عمي عندما أحترق (فؤاد) ؟؟!!.. " .
ولقد سبق وأن فقدنا أثنين أطفال قبل مجيء العائلة من عنكاوة , نتيجة سوء التغذية أو بلأحرى قلة الحليب وكانوا يسمون تلك الحالة من الوفاة :- سكلى/ دسيكا ( بالسورث)/ أي أنغلاق أو أنسداد الجهاز الهضمي  , ويواسون , بل يخدعون  انفسهم  بهذا وكأنه مرض عضال لاشفاء منه , بدلا
 من الأعتراف المؤلم  بأنه مات من الجوع !!!..
هكذا كانت الحياة صعبة بسبب المجاعة والقحط المستشري لذا كانت الحياة رخيصة وخاصة للأطفال
والحمد لله تمكن من العائلة عدد (9) من (12) , من البقاء على قيد الحياة و ينعمون بالصحة والعمر المديد ( الذي ورثناه من جدي توفى بعمر 113 سنة , و والدي توفى بعمر 103 سنة )
 رحمة الله عليهم !!..
ونظرا لأن هذه الذكريات هي بمثابة سيرة ذاتية , فأنني سأفصح , وسأفضح نفسي ( ولأول مرة) , بحالة حب عذري أتذكره جيدا وبالتفصيل وبلأسماء , وأطلب من تلك الطفلة وهي الآن تناهز السبعين عاما , أن تغفر لي الحديث عن تلك الواقعة , وربما لاتصدقون بأنني كنت في عمر حوالي سنتين ونصف أو أكثر, ويمكن لأخواني وأخواتي الأكبر مني أن يستشهدوا بالوقائع والتاريخ
( أن كانت ذاكرتهم لاتخونهم ) !!؟؟..
 كنا كما ذكرت نعيش في نفس البيت الذي أنتحر فيه (فؤاد) , يتكون من ثلاثة غرف لثلاثة عوائل  في الغرفة الوسطى العائلة كانت من عنكاوة , وأتذكر جيدا أبنهم (نجيب) , وأبنتهم  ( نجيبة) وكانو أكبر مني بسنة واحدة أو سنتين , ولقد كان أخوهم الكبير يقص علينا القصص ونحن جميعا نجلس حول المنقل والفحم يتلالأ في ظلمة الليل , ونتدفأ من برودة الليالي ونتسامر حيث لم تتوفر لا كهرباء ولاجهاز راديو  ومن غريب الصدف أن ألتقي (بنجيب) و(نجيبة) في مدينة  ديترويت الآمريكية لأول مرة منذ ذلك التاريخ , في منتصف ثمانينيات القرن الماضي وأنا في زيارة لأخي صبري عند وصوله الى أمريكا وبدأت بلأستفسار عن العوائل العنكاوية هناك , كعادتي كلما سافرت الى مدينة في أوروبا وأمريكا وأستراليا , حيث قمنا بزيارة البعض ومنهم  (نجيب) و(نجيبة) وتذكرتهم من الأسماء التي تعلقت بذاكرتي منذ الطفولة , وتشاركنا ( أو بلأحرى ذكرتهم ) في سرد تلك الذكريات في ذلك البيت في قلعة كركوك , بعد مرورأكثر من (40) سنة من حدوثها !!!..
ولنرجع الى غراميات الطفولة , أنا والطفلة التي كانت بعمري وأسمها (ليلى)  وكانوا يسكنون في الغرفة الأخرى من البيت , و كنا نلعب على السطح الصغيرالواطيء , فوق سقفية الحمام والمرحاض
( الجيشمة) بالقرب من باب الحوش/ الفناء , حيث كان موقع المرحاض بالقرب من بوابة البيت بعيدا عن الغرف وعن رائحة المرحاض الشرقي ( بدون سيفون مائي طبعا) وأيضا كان الحمام بجانب المرحاض وبقربه حنفية (بوري) , واحدة للماء لأستعمال الجميع , عليها عداد وبدون شك يتشارك الجميع بدفع الفاتورة للماء ولا أعلم أن كانت الحصص على ثلاثة عوائل أو عدد النفوس ؟؟!!. .
 ولا أدري ما الذي أوحى لنا ( أيوب وليلى) , بأن نبدأ بكشف الدشداشة والفستان (وكنا بدون ملابس داخلية كالعادة في ذلك العمر) , و نستكشف الفرق بين الذكر من الأنثى ونقارن ماهو لي وماهو ليس لها , من الزيادة والنقصان وبلأمعان في الفحص والملامسة , و نحن مستمتعين بتلك المشاهد دون الأهتمام بما حولنا , الى حين أكتشاف أمرنا من قبل أخواتنا الأكبر سنا والأعلم بخبايا الأمور, وفجأة بدأت صيحات الأستنكار والأستهزاء :- هويا هويا !!!.., وكأننا منغمسين في عمل المنكر وكأنها الفاحشة مكتملة الأركان .
 نعم لولا حادثة الهرج والمرج  والشعوربالفضيحة لما تعلقت تلك الحادثة في ذاكرتي من ذلك الحين
 وبتفاصيلها ليومنا هذا !!؟؟..
ويجدر بي هنا أيضا ,  أن أشكر أختها الكبيرة ( آنجيل) لتهيأة الظروف لأنقاذ حياتي , حيث وقع بغرامها عمي وكما تذكر أختي الكبيرة حيث كانت صديقتها , بأنها كانت رائعة الجمال بشعر أشقر فاتح , كما كانت أمها أيضا , وبدون أدنى شك أختها الصغيرة (معشوقتي ليلى) كذلك !!!..
لذا زادت مناسبات زيارته لنا ومن المؤكد بسببها ( وكما يقول المثل بحجة البيبي تأكل الماما) ولكن كونه في بداية فصول دراسته في كلية الزراعة , ربما لم يفصح لها بحبه ( كما فعلت أنا بأختها ليلى)

ويشرفني أن أشترك بعشق (ليلى) , مع مشاهير الشعراء ( قيس ونزار القباني) , ويذكر التاريخ بأن كلا من والدي (ليلى) لم يوافق على زواجهما , فهام على وجهه قيس وأصبح مجنونا في عشقه لها بأشعاره التي أصبحت أشهر من نار على علم , أما نزار القباني , فكان بحاجة لوساطة صدام حسين ليتدخل بنفسه لترضية والدها  وتم زواجهما الأسطوري !!..
:-  يقولون ليلى في العراق مريضة    فيا ليت كنت الطبيب المداويا

 ولولا تلك الزيارات الأضافية لعمي , لما صادف وجوده في حادثة عملية صناعة المولوتوف البشري وأنقاذي من الموت , كما مات أخي (فؤاد) , وربما قلة الحيلة والخبرة من والدي لم يقدم
على أخذه الى مستشفى (كاي وان) , وربما لم يقدر خطورة الأصابة ونتيجتها الكارثية ؟؟!!..

ومن غريب الأقدار , فأن الأخ الصغير لمعشوقتي ( ليلى) , تزوج من أبنة أختي الكبيرة ( صديقة آنجيل) , وقابلته لأول مرة في عنكاوة بمناسبة حفلة زواج أبن أخي الكبير , ولم أصدق نفسي بأنني أقف أمام تاريخ طفولتي , وأستعيد تلك الذكرى الجميلة والخالدة في ذاكرتي , وبدون مقدمات وبصورة تلقائية سألته عن أخته (ليلى) , وفرحت بأنها حية ترزق مع أبناؤها وأحفادها في كركوك , ولم أبلغه عن أيصال تحياتي وسلامي ( وحبي !!..) لها , لأنها بدون أدنى شك لاتتذكر شيئا عن (مجنون أيوب) منذ عهد الطفولة اليانعة .
 ولعنت ذاكرتي القوية التي , سجلت أيضا أحداث مؤلمة أخرى , فبعد فترة قصيرة أنتقلنا الى بيت آخر في القلعة , ويتكون من أيضا غرفة واحدة وربما أكبر, ولكن بمصباح كهربائي متدليا من السقف  وغرفة أخرى في الأتيك/ طابق علوي , يعيش فيه العم (فالو), حيث كان دائما يجلس في التارمة , ونحن نمر أمامه للصعود الى السطح للنوم , ونسرع دون الأقتراب منه خوفا لأنه كان يعاني من مرض السل , وأمامه أناء معدني صغير(قتية) , يبصق فيه بعد نوبات السعال , وأتذكر حادثة لي على السطح , الذي كان بدون سور وبدأت أقترب من الحافة لرؤية ما يجري في السوق في أسفل القلعة وعلى الدوام يعج بالناس والباعة والحمير والبغال والحمالين وعلى ظهورهم الأحمال وكأنها مهرجان شعبي  , وأنزلقت ربما لرطوبة الطبقة الطينية ولكون الحافة مائلة , ولولا تشبثي بالأحراش والنباتات البرية التي كانت تنمو على تلك الحافات التي لايجرأ أحد للأقتراب منها , وتمكنت من التعلق بها وأيقاف السقوط , وبدأت أزحف الى الأعلى تدريجيا متمسكا بما يعلوها من سيقان نباتات أخرى وكأنني أصعد درجات السلم , وبعون الله تمكنت من  أنقاذ نفسي من الموت المحقق والسقوط عشرات بل مئات الأمتار الى الهاوية .
ويقال بأنني كنت كثير الحركة في طفولتي , وبدأت بعد عدد مماثل من الأحداث , أصدق ذلك !!؟؟..
 هذه الذاكرة القوية التي ربما تمنحني سجلا في قائمة (الجينيس) لأقدم ذكريات لأصغر سنا في
 عمر الطفولة , وهي في نفس الوقت نقمة لتذكر تلك الأحداث المؤلمة , ولكن أيضا هي نعمة لذكريات حلوة أيضا , وهنا سأجرأ وأقول , بأنني أتذكر أحداث مذبحة ( كاورباغي) , وأنا طفل تحملني أختي وكأنني أرى المشهد أمامي للنساء وهن يبكون ويمزقون ثيابهم ويغطون شعرهم بالرماد وهن في أنتظار أخبار الشهداء والمصابين ولأنتشار اخبار المذبحة بسرعة في أنحاء القلعة أنتشار النار في الهشيم , وهن في أعلى القلعة يسمعون طلقات الرصاص وأصوات الجندرمة أسفل القلعة في الطرف الآخر من نهر ( خاصة صو) , والتي سميت بأسم حقول خضراء / حديقة
 = ( كاور + باغي = كاورباغي) أي حديقة الكفار , وأقول بأنني ربما حلمت بتلك المشاهد وأنطبعت في ذاكرتي وكأنها حقبقة واقعة , ولايمكن لطفل بعمر سنة أن يتذكر ذلك وأن كان حاصلا على وسام الذاكرة في سجل ( جينيس) العالمية ؟؟!!..
وسوف أحتفظ لنفسي بأحداث أخرى دون الأفصاح عنها لأحد , ومن يدري ربما يصل بي العمر الى أرذله وأفصح عنها بعد التأكد من غياب ومغادرة الآخر هذه الحياة , لأن سرد تلك الذكريات هو نوع من العلاج النفسي وراحة الفكر والبال , لأن الرجوع الى الطفولة هو كنوع من الرجوع الى رحم الأم , وأيضا ذكريات أيام الطفولة البريئة تأخذنا بعيدا عن صخب ومشاكل الحياة اليومية, وعسى أن تترك أبتسامة على وجوه من يقرأها ويتعلموا أو يأخذوا ( أو لايأخذوا) عبرة منها  !!؟؟..

يتبع .... ولو الى حين .
أيوب عيسى (بيو) أوغنا




50
من ذكريات قلعة كركوك (4)
أيوب عيسى (بيو) أوغنا
والكلام عن كركوك لابد أن يشمل الموضوع الشائك  للحالة الأجتماعية وهوية سكانها , وهنا أدون ملاحظاتي وتجاربي الشخصية  كشاهد عيان وشاهد على العصر, عن مسألة مكونات الأعراق والمذاهب والأثنيات , خاصة بالقلعة ( قديما ) , وعامة بكركوك وما حواليها , كمحافظة سميت ب(التأميم) بعد تأميم شركة نفط العراق , وكان هذا أكبر أنجاز تاريخي لثورة 14 تموز .
أنا لست سياسيا ولم أنتمي طول عمري لأية أحزاب , ولست أديبا لأكتب سيرة ذاتية مشوقة وبلغة أدبية رصينة , تضاهي أي من كتاب ( الحوار المتمدن) , وأن اللغة العربية ليست لغتي الأم
 ( الآرامية) ولكنني مهتم باللغة العربية والأدب العربي , وكنت أحصل عدة مرات على
 درجة = 100% في اللغة العربية ( الصف الرابع) في مدرسة الأعدادية بكركوك (بعد الثانوية ) في الأمتحانات الفصلية, ودرجة = 90% في البكالوريا العامة . وهذا ما رفع معدلي العام = 86% , حصلت على بعثة علمية الى بريطانيا , سنة 1962 , وتم قبولي بجامعة ليفربول ( الهندسة المعمارية) بعد حصولي على نتيجة في أمتحانات ( جي سي ئي) = 4 ( أ- ليفيل) من كلية ستريتفورد قرب مانجستر , وأحدها  ( اللغة العربية) , لذا فأن اللغة العربية ساعدتني لتخطي تلك المراحل في التفوق والنجاح , ولقد أنقطعت عنها في سنوات الغربة الطويلة , وها أنا أحاول جهدي للتعبير بها بأحسن طريقة ممكنة .
وكما تمت الأشارة اليه سابقا , أن معظم سكان القلعة كانوا من التركمان , ولذا تعلمنا اللغة التركمانية بطلاقة ويسر من الشارع , أما الأقليات كان معظمها من الكلدان وعدد صغير جدا من الآثوريين , واليهود الذين بدأو بالنزوح بعد حرب فلسطين سنة 1948 , حيث تمت مضايقتهم , ليس فقط في قلعة كركوك , ولكن في أنحاء العراق سواء في بغداد أو البصرة , وكلنا نتذكر ما تعنيه كلمة ( فرهود) !!؟؟..
أما العنصر الأثني الكردي , كان قليلا في القلعة ذاتها , ولكن الكثير من التجار في أسواق القلعة
أي في الشوارع المحيطة حول القلعة , كانوا من الأكراد , وخاصة من الفلاحين الذين يمولون السوق بمنتجاتهم من الخضروات والفواكه والحبوب , ويجلبوها من القرى الكردية القريبة من مدينة كركوك
وعندما أنتقلنا من القلعة الى ( القورية /محلة بكلار) , أيضا كان وجود التركمان كبيرا , حتى أن الدار الذي قمنا بشراؤه كان من عائلة ( النفطجي) , وهم من كبار ملاك الأراضي , ولذا جاء أسمهم لما له علاقة بالنفط , وكان في شارع ( ألماس) القريب من ( التبة) , وتجدر الأشارة بأن الكثيرمن سكان القورية وضواحيها كانوا من الآثوريين , كما كان للأرمن حضور عددي كبير في مناطق خاصة بهم في المنطقة القريبة من مدرسة الثانوية , تسمى ( محلة الأرمن ) , وقبل ذلك أنتقلنا الى بيوت العرفة ( كركوك الجديدة) , حيث كان العنصر الآثوري طاغيا فيها , حيث كان الشارع الرئيسي فيها مزدحما بالشباب والشابات وهم يتنزهون بأحلى مظهر كأنهم في دولة أوروبية , لأن معظم موظفي وعاملي شركة نفط العراق كانو آثوريين , نظرا لأجادتهم اللغة الأنكليزية , والكثير منهم نزحوا من (بحيرة الحبانية) بعد أخلاء القاعدة العسكرية الأنكليزية منها .
وبعدها أنتقلنا الى منطقة الزاب ( نمرة ثمانية) , حيث كان أخي الكبير يعمل لدى الشركة البلجيكية التي كانت تبني محطة ضخمة لتوليد الكهرباء , وكان في المنطقة مناطق آبار النفط ( كي- وان) و(كي- تو ) و(كي- ثري) , وهي مناطق تابعة لشركة نفط العراق , وهنا أيضا كان مزيج السكان يشبه بقية مناطق كركوك , وللأمانة والحيادية والتجرد , أن العنصر العربي كان صغيرا وبدأ بالتواجد والأزدياد بعد ثورة 14 تموز 1958 , حيث أن السيارة التي كانت تنقلنا الى المدارس في كركوك أصبحت لا تستوعب , العدد الأضافي من طلاب العرب الجدد , وخاصة وأن محطة الكهرباء بعد أنتهائها أنتقلت تحت أدارة الدولة , وأصبح عقيد متقاعد من الجيش , (كان يعمل مساعدا في مكتب عبدالسلام عارف) , المدير العام الذي جلب معه العديد من أفراد عشيرته , وكان ذلك بداية وأزدياد العنصر العربي في شركة النفط ودوائر الدولة في مدينة كركوك , وليس كما هو معلوم بأن صدام حسين , هو من بدأ بتعريب كركوك , وأن أصبحت في زمانه العملية منظمة ومنسقة ولها أبعاد سياسية وأجتماعية , عانت منها كركوك و لاتزال !!!..
كان هؤلاء الطلاب العرب يتسمون بالعجرفة والتخلف الفكري وسوء السلوك , والبداوة التي جاؤا منها , وتم الطلب من شركة نفط العراق أن يسمحوا لنا ( بعد أن توظف أخي كموظف حكومي )
الألتحاق بالباص الخاص لأبناء موظفي شركة النفط , وكان الباص ينعرج الى عدد من القرى الكردية في الطريق لألتقاط عدد من الطلبة الأكراد , وهذا يشير الى وجود العنصر الكردي في القرى حول مدينة كركوك , وهم من السكان الأصليين في مناطقهم وقراهم لأرتباطهم بلأرض كفلاحين ومزارعين , كما كان للعنصر التركماني أيضا الأكثرية في قرى ونواحي القريبة من كركوك مثلا (طوزخورماتو وتلعفروآلتون كوبري) .
 وأن العنصر العربي كان من خارج المدينة وبدأ بالتكاثر وأثبات وجوده بقوة بين بقية المكونات الأصلية للمدينة  نتيجة عملية التعريب تلك , والتي كانت مركزة ضد الأكراد لتقليص نفوذهم وأكثريتهم العددية في المحافظة , ويبدو أن التركمان رحبوا بقدوم العنصر العربي لصالحهم .
ولقد حدثت أحداث كركوك المؤلمة راح ضحيتها العشرات من الأهالي نتيجة الشحن الطائفي والعرقي الذي تم تغذيته من الخارج وخاصة تركيا , والتي كانت ولاتزال تحلم بالسيطرة ولو على جزء من آبار النفط وزيادة نفوذها بلأعتماد على العنصر التركماني في كركوك . ولقد زاد هذا التأثير أيضا في أربيل , حيث أغتنمت تركيا الصراع الدائر بين الأكراد بما يسمى (حرب الجمارك ) بين قوات الطالباني والبرزاني , حيث تم تسليح ميليشيات تركمانية بتدريب تركي , لكي تتواجد في مناطق لفصل المتحاربين , والسيطرة على شروط الهدنة بينهم , وأصبحت أربيل فجأة تتكلم التركمانية , وكاسيتات الأغاني التركية أصبحت رائجة في الأسواق والمقاهي , وفي أحدى زياراتي للأهل في عنكاوة/أربيل , تم أغلاق الحدود البرية مع تركيا ولم أتمكن من الخروج عن طريق زاخو ألا بعد أن توسط لي أحد الأصدقاء القدامى من القلعة , ليشملني بالكووتا التركمانية والتي كان لها حق الخروج بتصاريح خاصة الى تركيا ومنها سافرت الى بريطانيا .( لذا فأنني كنت تركماني مع التركمان وكردي مع الأكراد وعربي مع الخليجيين كما هو الحال الآن  وقبلها أنكليزي مع الأنكليز)
 لذا فأن من وجهة نظري أن مصلحة التركمان هي التعايش مع العنصر الكردي لأن ما يجمعهم أكثر منه مع العنصر العربي في كركوك بصورة خاصة .
ولكن الضحية الكبرى بين هذه المكونات كان الآثوري/ الكلداني /الأرمني /اليهودي , نتيجة الأضطهاد على أساس ديني بالدرجة الأولى , وهذا يشمل بقية أنحاء ومدن العراق حيث تم تهجيرهم منها بلأرهاب والوعيد , وخسرت كركوك بصورة خاصة , ذلك الفسيفساء الأجتماعي الرائع والذي كانت كركوك تتحلى به , وتعيش  بأحلى وأجمل عصورها في الفن والشعر والموسيقى والجمال
 ( العصر الذهبي) , وظهر عدد من الشعراء الآثوريين يعتلون منصة الشعر العربي وحركة أدبية متميزة بلأشتراك مع زملائهم التركمان والأكراد , ومن الصدف أن يحل علي ضيفا الشاعر الآثوري المعروف سركون بولص , في مسقط/سلطنة عمان , حيث كان ضيف الشرف لأحدى الندوات الشعرية , كما تعرفت عن قرب على الكابتن والمدرب الرياضي المشهور (عمو بابا) حيث قضى عدة أشهر لتلقي العلاج على حساب الحكومة العمانية بعد أن تخلت عنه حكومة العراق , وبعد وفاته في الغربة , تم نصب تمثال تذكاري له كبطل قومي في العراق !!؟؟...
ولكن قلعة كركوك في آخر زيارة لي أصبحت أطلال يبكي عليها الدهر من الأهمال والنسيان  , ولم يبقى فيها ألا عدد صغير من العوائل الفقيرة تسكن في مجمعات من بيوت عشوائية بدون خدمات , وأصبحت أطلال بعد أن هجر سكانها الأصليين للأسباب المذكورة أعلاه وأيضا للتوسع العمراني الى مناطق أخرى من كركوك وتوفر الخدمات كالماء والكهرباء وطرق السيارات .
 أيضا عانت كركوك كمدينة التآخي من النزاعات الطائفية والمذهبية والأثنية والصراع الدائر بين الأكراد وسلطات كردستان العراق , مع الحكومة المركزية , لضم كركوك الغنية بآبار النفط ( بابا كركر) تحت سيطرتهم  , أضافة الى ما يسمى (المناطق المتنازع عليها) .
لاشك فأن محافظة كركوك أغلبها من الأكراد , ويليهم التركمان , كما كانوا يعيشون ويتعايشون لقرون من الزمن معا , لذا فأن العنصر العربي الجديد , شق هذا الصف والوئام بينهم , حتى أن العديد من أعضاء بما يسمى ( البرلمان العراقي) هم من التركمان الشيعة المنتمين الى الأحزاب الشيعية الحاكمة ( حزب الدعوة ومقتدى الصدر والحكيم والمالكي ) . 
ولكن الضحية الكبرى كانت الأقليات الأخرى التي تم تهجيرها أو هجرتها الأختيارية الى مناطق سواء في المناطق الكردية في أربيل/ عنكاوة , أو الى الخارج كلاجئين في الدول الأسكندنافية وأوروبا , وأمريكا . ولذا تم تفتيت ذلك النسيج المتجانس الذي كانت تنعم به في العهد الملكي , وأتذكر بمناسبة تتويج الملك فيصل الثاني سنة 1952 , تم أقامة حفل شعبي شمل جميع سكان كركوك ونزلنا من القلعة مشيا على الأقدام على أرضية نهر(الخاصة صو) الجرداء نحو محل الأحتفال بكرنفال شعبي لامثيل له في تاريخ كركوك , وفي هذا الحشد الضخم لم نشعر بالرهبة أو الخوف لوجودنا بين الغرباء , نتيجة الروح الوطنية والشعور الجمعي والأحتفالي بتلك المناسبة .
لقد أزال هذا الجمع الغفير رهبة المشي ليلا( وخاصة نحن الصغار) , على أرضية النهر الذي كنا نتفاداه  سابقا خوفا من الكلاب السائبة ومرض داء الكلب , وغيرها من الحيوانات والطيور البرية.
وخلال العطلة الصيفية , كنت أقضي الوقت في عنكاوة , التي كانت قرية صغيرة تحولت بعدها الى ناحية والآن تحولت الى مدينة عامرة كأمتداد لمدينة أربيل ( عاصمة كردستان العراق) , وأيضا كنت في صغري أقضي بعض الوقت في ( حرير وباتاس) وهي قرية بين الجبال في الطريق الى زاخو حيث كان عمي مسؤول دائرة الغابات الحكومية هناك , حيث كانت المنطقة غنية بلأشجار المثمرة والمياه والجداول التي تنساب من بين صخور الجبال , وكان الكثير من سكانها من الآثوريين والبقية من الأكراد , وكان المطران ذو نفوذ قوي وسلطة تشمل الجميع , ويقال بأن الأكراد أيضا كانوا يحلفون بأسمه لما يكنون له من الأحترام والتقدير, وفي أحدى المرات كنا الصغار نسبح ونمرح في مياه الجداول , وفجأة ظهر موكب المطران من بعيد , فما كان منا سوى الفرار نصف عراة وتركنا ملابسنا وهربنا خوفا من تلك الرهبة التي كان المطران يشعها في القلوب . وفي طريقي الى زاخو وأبراهيم الخليل للسفرالبري الى تركيا , مررت بحرير وباتاس , ولكن لم يبقى فيها غابات ولا للآثوريين ولا للمطران أثر ولا ذكرى  , ولاهم يحزنون !!!..
.لقد ذهبت تلك الأيام الى غير رجعة ويبدو أن معظم من عاصرتهم في القلعة قد رحلوا الى رحمة ربهم , لأنني كنت أتوقع بعض الردود وزيادة بعض الذكريات من هؤلاء الذين لايزالون على قيد الحياة , وأنني ذكرت أحداث معينة لأحياء تلك الذكرى لديهم ولو بصورة عشوائية , ولكن أرجو أن تكون ذكرياتي مفيدة لألقاء الضوء على بعض نواحي الحياة في تلك الحقبة وخاصة قلعة كركوك العزيزة على قلبي بالرغم من أنني لم أتمكن من التعرف على موقع البيت الذي ولدت فيه بالرغم من حساب الخطوات بالمشي على الأرض أبتداءا من مدخل المسجد ( والذي أرجو أن يكون قد أحتفظ بأسمه الحقيقي / مسجد دانيال بيغمبا/ مسجد النبي دانيال) .
ولقد ذهبت محاولاتي سدى , دون أن أجد أثر لذلك البيت . ولكن الذكريات لايمكن محوها بحلوها ومرها , ولكن مرها حلو لأنه حدث ونحن في مراحل الطفولة البريئة وأيام الصبا الجميلة .
تحية الى كركوك وأهاليها , وحبذا لو قبلت الحكومة العراقية الأمر الواقع بأن كركوك كانت منذ الأصل ضمن نفوذ المنطقة الكردية وحبذا لو حصلت على نصيبها من الأعمار والأزدهار الذي تنعم به أربيل والسليمانية ودهوك وتلتحق بهم وتنعم بلأمن والسلام الذي تستحقه .
 وهذه شهادة مني بذلك !!!..
 



51
من ذكريات قلعة كركوك ( 3 )

أيوب عيسى (بيو) أوغنا
كان الهدف من وراء كتابة هذه الذكريات المتناثرة ( وأن جائت متأخرة) , هو الوفاء وأحياء يوميات الطفولة في قلعة كركوك , والتي تستحق التكريم , ليس فقط لأنها مسقط رأسي , وأنما لأهميتها التاريخية وأعادة وضعها على الخريطة  وألقاء الضوء عليها لأزالة أطنان التراب عن معالمها , وأزقتها ودروبها , وربما لأحياؤها من جديد في قلوب ساكنيها الذين لايزالون على قيد , أو لأولاد وأحفاد هؤلاء , وحبذا لو أهتم علماء الآثار بالتنقيب عن تاريخها والحضارات التي عاشت وأندثرت وأصبحت أطلالا تحت تلك الهضاب الرملية .
وأنني كمهندس معماري وخبير أستشاري أهتم بالتراث العراقي كمصدر للألهام , لي أمل بأن الدولة العراقية ستبدأ يوما بترميم وبناء هذه القلعة التاريخية ( أسوة بقلعة أربيل التاريخية ) , و في أحياء تراثها وأمجادها وحضاراتها الأنسانية منذ بدأ التاريخ ( حضارة ما بين النهرين ) , وأن تصبح هذه معالم سياحية كما هو الحال في حضارة مصر الفرعونية , والجدير بالذكر الأهتمام الذي أبداه ديكتاتور العراق ( صدام حسين) بأعادة بناء بابل , وأن كان لتخليد ذكراه هو شخصيا , لأنه كان يعتبر نفسه (سرجون البابلي) , وحتى أن الطابوق المصنوع في أعادة بناء تلك الحيطان كانت تحمل عليه طمغة ( بني في عهد المنصور صدام حسين ) , وأستمر البناء بعشرات آلآلاف من العمال
 ( العرب وخاصة المصريين) طيلة ثمانية سنوات من الحرب التي أيضا تم تسميتها ( قادسية صدام) , وذهب ضحيتها الملايين من الشهداء والجرحى , لطيلة (8) سنوات , ولكن بالرغم من كل ذلك فأنه قد رحل  وبقت تلك الحيطان والمعالم أصبحت ظاهرة للعيان ولذا يعتبرأنجاز تاريخي يشهد عليه بالرغم من دوافعه الشخصية و مرض جنون العظمة لديه, ولكن كل هذا لم يثنيني من الأشتراك في مسابقة عالمية لتصميم ما سمي ( صرح القادسية) تخليدا له في تلك الحرب المدمرة وحصلت على الجائزة التقديرية ومكافأة مالية لا أزال أفتخر بنتيجتها , وأن المهندسين يحلمون بالتعامل مع من لديه وبيده القرار النهائي لأنجاز مشاريع عملاقة  ( كمثال العلاقة بين المهندس المعماري سبير والدكتاتورالنازي هتلر) , ولكن لم تتيح له الظروف لأقامة ذلك الصرح الذي كان يشمل مقرات ومكاتب الحكومة ومدينة مصغرة بأسوارها وعدد (8) بوابات  أكبرها تسمى (بوابة القدس)  , وتضاهي مدينة بغداد التاريخية التي بناها الخليفة الثاني العباسي (أبو جعفر المنصور) وأن كانت أصلا بعدد (4) بوابات ( والشكر للمعماري والأكاديمي موفق الطائي في كتابه الجديد عن بغداد وتاريخها) , ويبدوا أنه أختار أسم (المنصور) على الطابوق للتشبه به أيضا !!؟؟..
وكذلك شاركت في مسابقة معمارية عالمية لبناء (برج بابل) والحدائق المعلقة التي خلدت أسم الملك/ البابلي/الكلداني( نبوخذ نصر) , وأهم شروط المسابقة كانت بيان طريقة الري القديمة لتوصول الماء الى أعلى الحدائق ( بدون أستعمال آلات ضخ الماء)  , والغريب أننا أثناء زيارة الموقع لم نتمكن من الأقتراب من المسرح الذي تقام فيه فعاليات مهرجان بابل السنوية , تخوفا من حراس الأمن في التعرف على المدخل الخاص بالسيد الرئيس  الى المقصورة الخاصة به  , والغريب أننا كنا نصمم في تصاميمنا الغرف الخاصة ومكاتبه وطرقة هروبه بثلاثة طرق , جوا بالهليوكوبتر , وبحرا بالقارب للبحيرة وممر مائي الى نهر الفرات , وبالبر عن طريق خاص بالسيارات المصفحة بطريق خاص , وحتى مواصفات الملجأ تحت الأرض ضمن متطلبات التصميم , بأن يكون ضد القنابل النووية بما لايقل عن عمق سبعة طوابق تحت الأرض !!؟؟.
ولكن أيضا لم يتم البت بالنتائج وذهبت جهودنا أدراج الرياح , وكما ذهبت معها مشاريعه الوهمية بجعل بغداد عاصمة الشرق بدون منازع ( عاصمة المنصور صدام حسين), ومن يدري مدى نجاحه في تحقيق كل هذه الأحلام , لو لم تورطه أمريكا بالحرب العراقية –الأيرانية وغزو الكويت .
لنرجع الى قلعة كركوك , وبالرغم من مساحتها المحدودة على الهضبة فأنها كانت في الزمن الغابرمستقلة كمدينة متكاملة يلف حولها نهر ( الخاصة صو) , ونتيجة التوسع السكاني فأن معظم الأسواق والمحلات التجارية كانت في المنطقة المحيطة بها وخاصة من الشرق حيث كان يوجد طريق ضيق منحني ذو ميلان  يؤدي الى محلة (المصلى) , والوحيد الذي تتمكن منه العربات الصغيرة التي تجرها الحيوانات , للصعود الى القلعة , لذا لم تتوفر مساحات فضاء للعب الكرة حتى لطلاب المدارس , لذا كانت الأزقة الضيقة هي المكان الوحيد لقضاء أوقات الفراغ , وكل زقاق أو محلة كان الفتيان فيها يظهرون العداء لمن يتخطى حدودهم كنوع من الحماية , لذا كنا نتفنن في الألعاب التي تسمح بها تلك المساحات الضيقة , كلعبة الدعابل للفتيان و القفز على مربعات المخططة بالتباشير للفتيات والتي نحن الصغار نشترك بها معهم , وكان سفح الهضبة (مدخل القلعة) كان يسمح لنا بمشاهدة جزءا كبيرا من شاشة السينما الصيفية على الطرف المقابل للنهر( سينما غازي ) , حيث كنا نستمتع بمشاهدة أفلام السوبرمان وفلاش جوردن ورجل الخفاش والكاوبوبز والهنود الحمر, مجانا . كما أن العديد من فعاليات فرق بهلوانية للقرود والدببة والتي يتم تدريبها وهي مقيدة بالسلاسل  ولاأزال أتذكر منهم من كان يهضم الزجاج بأسنانه و آخر يبلع الأحجار الصغيرة للحصول على بعض الفلوس بالمقابل , وكان يدق على بطنه لسماع أصوات تلك الأحجار , يا لها من طريقة خطيرة لكسب لقمة العيش , ونسمع هذه الأيام عن ضبط مهربين في المطارات للمخدرات في كبسولات يبلعونها للتهريب بين الدول ومنهم من يموت لأنفجار بعض الكبسولات في بطنه , وربما الأحجار كانت أقل خطرا لذلك المسكين وخاصة وأنه لم يتم القبض عليه كمهربي المخدرات .
وفي حادثة لا أزال أتذكرها جيدا , وقوع حمار يحمل أثقالا في حفرة البالوعة خارج أحد البيوت
بحيث لم يتمكن صاحبه من جره من سيقانه الخلفية الى الخارج قبل أن يختنق , وبقت جثته أياما عديدة الى أن تمكن عدد كبير من عمال البلدية والسكان بجره بالحبال وألقائه في قاع الخاصة لتأكله الكلاب السائبة والطيور الجارحة ويبقى منه العظام ,  ويقال أن الحاجة أم الأختراع , حيث طالبت المرحومة والدتي مني وأخوتي الكبار للذهاب الى قاع النهر وبيدنا كيس ( كونية) لجمع العظام
حيث كانت تحرقها في التنور الجديد كلما أنتقلنا من بيت لآخر, حيث كان الرماد في قاع التنورضرورة لبقاء الحرارة مستمرة داخل التنور ولأعطاء الغلاف الداخلي للطين المجفف صلابة وطبقة تمنع العجين من الألتصاق  , حيث كان التنور من ضروريات الحياة , لصنع الخبز , وما أدراك ما هي لذة وطعم وريحة تلك الأرغفة الرقيقة , وريحة حبات الهيل و الحبة السوداء ضمن العجين , وخلد المطرب العراقي (ناظم الغزالي) , في أحدى أغانيه  الشعبية والعالمية ,
بلأشارة الى محبوبته وهو يحاول مغازلتها وكسب ودها ,( ناوليني الرغيف من التنور) ...

يتبع .... لو حصلت على التشجيع من ردود القراء وخاصة من عاصرو تلك الأحداث

ولي تحية وأستفسار من يهود العالم ( والبرفيسور شموئيل موريه بصورة خاصة), هل لأحدكم علم ومعرفة باليهودي المشهور في قلعة كركوك  , بأسم ( عرب أوغلو) وماذا حل به وعائلته  , وبهذه المناسبة أبعث بتعازي الحارة للأستاذ الدكتور/خضر سليم البصون في رثاؤه المؤثرفي ( أيلاف) وكانت دموعي تنهمر لذلك السرد الرائع من أديب أصيل , و لزوال هؤلاء الذين أثروا تاريخ العراق بالفن والأدب والموسيقى , لرحيل والدته المرحومة مريم الملا بصون / الأديبة والكاتبة العراقية الأصيلة, والتي شربت من مياه دجلة ( يادجلة الخير...) , وترعرعت على تراب العراق , وكان له ولوالدته و والده المرحوم مجهود عظيم يدل على أصالتهم وتمسكهم بأصولهم العراقية , في كتاب الموسوعة عن حياة وشعر الجواهري العظيم .




52

أولا أعتذر للأخ العزيز / فاروق حنا(عريف), لعدم معرفقتي بدوره في تأسيس وأدارة متحف عنكاوة/ المتحف التراث السرياني
وأشكره للمعلومات التي ذكرها أثراء للموضوع , وهذا ما كنت أتوقعه من القراء في ردودهم , لأن هذه الذكريات جائت عفوية بدون مراجع أو بحوث في مصادر لأنها كتبت من الذاكرة مباشرة الى حروف الكيبورد ومعها الأخطاء اللغوية والأملائية , وأنها ليست حقائق وأنما ذكريات الصبا !!.., وكما تذكرتها
ثانيا أشكر الأخ العزيز/ د. أكرم يلدا, للمعلومات التي ضمنها في رده على (ذكريات عنكاوة) , ولكنني أطلب منه الرجوع الى ما ذكرته عن المرحوم / رباني لوقا :-
في بداية عشرينات القرن الماضي تم أختيارعدد من الشباب من عنكاوة وأرسالهم الى بغدادعاصمة الدولة العراقية الجديدة لأختبارهم , ليتم قبولهم في معهد المعلمين الأبتدائية , بأسئلة بسيطة عامة , لكي يتخرجوا منها بعد فترة قصيرة( كانت سنة واحدة في البداية ) , كمعلمين في أول مدرسة أبتدائية
أي أختبارهم للقبول في معهد المعلمين الأبتدائية , وليس مباشرة كمعلمين في مدرسة الأبتدائية !!؟؟..
كما أن قبول المرحوم رباني لوقا لمعرفته بأسم عاصمة العراق وعاصمة فرنسا , هي معلومات عامة متداولة ولاينكرها أحد , وهذا لايقلل من ذكاء ه ومعرفته وعلومه وما قدمه للأجيال من تحصيل العلم والمعرفة .
وعنكاوة تفتخر بأبنها البار هذا , وبقية الأبناء وأحفاد هؤلاء المعلمين الأوائل
وشكرا, والى العنكاويين المزيد من الأبداع والتألق والأنجاز
أيوب عيسى بيو


53
من ذكريات قلعة كركوك (2)

يبدوا أن تسمية ( قلعة كاووريه) أثارت بعض الأهتمام والتساؤل , ولكن الجدير بالذكر أنها ايضا كانت تشمل الأقلية من التركمان المسيجيين أيضا , حيث كانت هذه الأقلية تتمتع بنفوذ بين بقية الأقليات ومعظمهم من الكلدان الكاثوليك , ومن أحد تلك الشخصيات ( ميناس غريب ) , الذي كان مالك البيت الذي ولدت فيه , وفي الكنيسة الوحيدة في القلعة , التي كانت على بعد مرمى حجر من مسجد النبي دانيال ( حجر صديق كما جاء في أغنية الفولكلور التركمانية) , كانت الطقوس  وقراؤة الأنجيل في أغلب الأحيان تتلى باللغة التركمانية , مما تثيربعض الأنزعاج من الكلدان الذين كانوا يتلونها باللغة الآرامية/ السيريانية , وحتى أن اللغة اللاتينية كانت ببعض الأحيان تتلى كحل وسط حسب هوية الشماس واالقس وكانت المنافسة على أشدها بين القس التركماني والقس الكلداني من شقلاوة الذي كان يتشجع ويستعين بحضور والدي المرحوم الشماس (عيسى بيو) , ولكن من باب الأنصاف كنا نحن الصغار نحبذ التركمانية لأن عذوبة أصوات الكورس النسائي كان ملائكيا وخاصة في عيد السعانين والأعياد الأخرى !!..
وأتذكر في أحد الأيام جمعا غفيرا من الناس وهم يحومون حول شخص طريح الأرض , وتبين أنه أصيب بنوبة قلبية من جهد الصعود فوق عشرات الدرجات الى أعلى القلعة, وكان شخصية ذات أحترام في القلعة وهو تركماني مسيحي , وأصبح أبنه ( صباح عيسى)  بعد سنوات , من أعز أصدقائي في ثانوية كركوك ومن غريب الصدف , أنني ألتقيت به في مكتب رعاية شؤون اللاجئين في كندا حيث كان يعمل , ونظرا لأنني كنت في عجلة من أمري وأنا في مهمة سفر لتعزية أحد الأقارب هناك وللأستفسارعن طريقة نقل جثمانها الى أرض الوطن , فلم يسمح لي الوقت لنتسامر معا ولنتذكر تلك الأيام الحلوة وذكرياتها الجميلة حيث كانت له غراميات ومعجبات لتشبهه بحليم حافظ بالصوت والصورة !!..
في تلك الأيام لم نعرف شيئا عن الشيعة والسنة , بالرغم من خروج المئات من أهالي القلعة بمسيرات بمناسبة (عاشوراء) , كانت تثير الرعب في قلوبنا نحن الصغار , وخاصة مشاهدة الدماء تسيل من رؤوس وأجساد العديد منهم نتيجة ضرب أنفسهم بالخناجر والزناجيل ( التطبيل), وتبين لنا ولو بعد سنوات أن تلك الطقوس هي للشيعة في ذكرى عاشوراء/ كربلاء وأستشهاد الأمام حسين بن علي وأهله (عليه السلام) , وأيضا كنا نشارك معهم باصوات عالية في ليالي تلك المناسبات الدينية , ونحن ننام فوق السطوح , حيث كانت الأصوات بالدعوات وأصداؤها تعلو في سماء القلعة كسمفونية تشبه الكورال في السمفونية التاسعة لبتهوفين !!..
وكانت مدرسة الطاهرة للبنين , ملتقى أبناء أهالي القلعة بأختلاف طوائفهم , ومن أحلى تلك الأوقات كان هي عملية الأصطفاف للطلاب والمعلمين في الصباح , ونشيد وطني وطني بالعربية , ولكن كان يعقبه أناشيد شجية من الفولكلور التركماني , وفي مناسبة نادرة في أحدى القنوات التركمانية بالصدفة  تم غناء بعض تلك الأغاني في تلك القناة , ولم أتمالك نفسي , والدموع تنهمر من عيني فرحا لذكرى تلك الأيام وأصوات الطلاب ترن في ذهني مرة ثانية .
 ونظرا لأن هذه هي سيرة ذاتية لذكريات الصبا , فانني سأذكر لكم ما حدث لي في مدرسة البنات البتدائية أيضا , لقد كان عمر القبول في مدرسة البنين الأبتدائية هو (7) سنوات ولكن شغفي في التعلم وأنا في السادسة , فأضطر والدي الطلب لي بلألتحاق بالصف الأول لأنني كنت قد تعلمت القراؤة والكتابة من أخواني وأخواتي في البيت , ونظرا لعدم وجود مقاعد شاغرة , طلب المديرمن والدي أن يجلب لي مقعد لكي ألحق بالصف, ولكن مبلغ = 100 فلس قيمة المقعد كانت صعبة على والدي وأجوره الزهيدة في عمله ككهربائي في شركة نفط العراق , فلم يتمكن من ذلك ( وربما هذا ما دفعه للمشاركة في الصفوف الأولى لأضراب ( كاوورباغي) التاريخي , ولم يحصل على شيء بالمقابل سوى طلقة نارية في الكتف وأشهر من البطالة لحين أسترداد صحته ورجوعه الى العمل , ولكن حصل في أواخر عمره وهو في التسعين قبوله كلاجيء سياسي في بريطانيا , بعد أن تم قبول طلبه بذكر مشاركته في كاوورباغي والتي يبدو أنها لم تصبح نسيا منسيا في نظربعض موظفي الهجرة البريطانيين , كما تم طمس ذكراها في العراق وحكوماته الوطنية بلأسم فقط !!؟؟..
ولقد حصل أيضا عند بلوغه من العمر (100) سنة , معايدة وبطاقة عليها صورة الملكة أليزابيث الثانية وعليها صورتها , وتم أيصالها بساعي البريد الخاص بالقصر الملكي , وكنا نمزح معه عن أمكانية نيل لقب الفارس أيضا , ولكن هيهات لأنه فارق الحياة بعدها بثلاث سنوات وكان طلبه أن يتم دفنه في البلد الذي أكرمه ورعاه كأكبرلاجيء سياسي عمرا على قيد الحياة . ويبدوا أن جينات العمر الطويل قد ورثها من والده الذي رحل عن الدنيا بعمر (113) سنة , وأنا متأكد بأن العشر سنوات الناقصة من عمره كانت بسبب التدخين ( وكما أثبتت الدراسات بأن المدخنين يخسرون (10) سنوات على الأقل من أعمارهم ) , ولابد أن نذكر أيضا نبذة مختصرة عن والده الذي أذاق الجندرمة العثمانيين درسا قاسيا , حيث تمكن من الهروب من الألتحاق القسري بالجيش العثماني مرتين في ما يعرف ( السفربلك) بالعامية , والصحيح = السفر بيوك ( الحرب الكبيرة/العظمى) , وعندما تم ألقاء القبض عليه حكم بالأعدام , ولكن لشدة الحاجة الى الجنود في الحرب العالمية الأولى , أعفي عنه , على أن يتم ألحاقه في الجبهة , وتمكن أثناء تسفيره تحت الحراسة المشددة من حفر فتحة في أسفل الحائط والهروب من السجن وساعد نزيل آخر معه , ولم يتمكن أعضاء الجندرمة المسلحين من اللحاق بهم , وتمكنوا مشيا على الأقدام لقطع مئات الأميال من الحدود التركية الحالية الى عنكاوة بالقرب من أربيل , وتمكن والدي وهو صبي مع والدته الأخذ بيد اليهودي متخفيا ومرتديا الملابس النسائية وأيصاله الى بيته في أربيل سالما معافا , ولكن جدي من والدتي لم يكن أحسن حظا , حيث مات مختنقا في قبو بعد أختفاؤه في تلك الحفرة ليتخلص بنفسه من الأسر والتجنيد القسري الى الهلاك , ولقد كان من المعتاد في زمن المجاعة الكبرى , أن يغزو الجندرمة القرى المسيحية المسالمة ويجروا الشباب من القرية , وسلب ما لديهم من المواشي والحنطة والشعير وتركهم يموتون من الجوع ( ويبدو أن الجندرمة من أبناء وأحفاد هؤلاء العثمانيين , حاولوا أخذ ثأرهم من والدي الجريح في أضراب كاوورباغي  ؟؟!!., والله أعلم)
ولنرجع الى ما يتشوق اليه القاريء لما حدث لي في مدرسة البنات .... فما كان من أختي أن تذكر بان مدرسة البنات تقبل بعمر (6) سنوات , وأن الصف الأول فيه شواغر , وفي اليوم التالي تم مرافقتي الى مدرسة البنات وأنا ألبس التنورة السوداء و الصدرية البيضاء حول العنق , وألتحقت بالصف الأول , ولم يلتفت أحد لوجودي بينهم لأيام عديدة , ولكن أنفضح أمري أثناء التبول في المرحاض على الحائط وأنا واقف , فما كان من صياح البنات بعد أن أنكشف أمري , وجائت المديرة ومسكت بيدي وطردتني شر طردة  خارج باب المدرسة !!!..
وكما ذكرت فأن معظم سكان القلعة نفسها كانوا من التركمان , والأقليات من اليهود والكلدان وعدد  قليل من الآثوريين , وأتذكر جيدا أحد هؤلاء الفرسان من ( الليفي وهي فرقة آثورية كانت متمركزة في بحيرة الحبانية , تم تدريبها من قبل الأنكليز في الحرب العالمية الأولى , وكانت مشهورة بالشجاعة والبسالة والوطنية أيضا , ويذكر التاريخ بأن الأنكليز غدروا بلآثوريين بعد أن تم الأستغناء عنهم , ولولا ذلك فأن فرقة الليفي كانت عل أبواب بغداد لأحتلالها قبل أن يصل الأنكليز اليها . ويجدر بالذكر رئيس أساقفة الآثوريين ( مار شمعون) وأخته ( سورميه) الذين لعبوا دورا مهما في تلك الأحداث , ومن غريب الصدف أن التقي بحفيدة (مارشمعون ) في مدينة لوس أنجيليس في كاليفورنيا حيث كنت في زمالة قصيرة في السنة الأولى من جامعة ليفربول , وتم مرافقتي معهم الى المهرجان السنوي لآثوريين في كاليفورنيا حيث أصبحت تضم أكبر جالية آثورية في العالم بعد تهجيرهم سواء من تركيا العثمانية ( أو ما تبقى منهم من الأبادة التي تعرضوا لها مع الأرمن سنة 1915, وما حدث لهم من قتل وتهجير سواء في العراق وأيران , ونهاية النفوذ الآثوري كانت مذبحة
 ( سمائيل) في القرى الآثورية على يد الجيش العراقي بقيادة ( بكر صدقي)  سنة 1932, ولاحاجة للدخول في أحداث تلك الحقبة المؤلمة من التاريخ العراقي , فهي بتفاصيلها على صفحات الأنترنيت والعم غوغل , لمن يريد البحث والتقصي , وأيضا ما جاء بتفاصيل الحملة الحالية على صفحات
 ( الحوار المتمدن في تسمية أحدى شوارع أربيل بأسم سيمكو وأحداث 1918) .
  ولنرجع الى هذا الفارس الآثوري في قلعة كركوك , حيث كان من عادته ركوب حصانه الهائل
 بين الأزقة الضيقة , ونحن الصغار يصيبنا الرعب ونحتمي بين البوابات لحين مروره , وبالرغم من قصر حجم الفارس , ولكن نظراته و تقاسيم وجهه والشارب الكثيف المعقوف , وعلى رأسه شبقته 
( قبعته)الأصلية والريشة المعروفة لأفراد فرقة الليفي , ومن الصدف الغريبة والعجيبة , بأنني ألقيت بضابط بريطاني متقاعد في مسقط / سلطنة عمان , وكانت لديه صور لجده الضابط المسؤول عن فرقة الليفي الآثورية , يا لها من عالم ودنيا صغيرة , بل وأصبح العالم قرية كونية ...

يتبع ولو الى حين ...
  وأرجوا أن أحصل على عدد أكبر من ردود القراء الذين عاصروا تلك الأحداث ولكن يبدو أني تأخرت بالكتابة كثيرا , وأن الكثير منهم يبدو , قد رحل قبل هذا التاريخ الى رحمة الله , وأن فترة يوم أو يومين في النشر , ليست كافية للآخرين وتسنح لهم الفرصة للقراؤة والرد .





54
من ذكريات قلعة كركوك
أيوب عيسى (بيو) أوغنا
كركوك التاريخية تتمثل في قلعة كركوك التي يعود تاريخها الى ما قبل السبي البابلي , ولايزال المسجد الوحيد  في القلعة بمنارته القديمة شاهدا حيا يؤرخ تاريخ السبي البابلي الذي تجسد علي أرضها , وترك أسم النبي التوراتي / دانيال , أسما على مسمى للمسجد نفسه ( مسجد دانيال بيغامبار) بالتركمانية , أو مسجد النبي دانيال ولا يزال قائما بمنارته ويعلوها عش اللقلق وهو منتصب على قدم واحدة وكأنه حارس وحامي المسجد , وينظر أليه بخشوع ولايجرأ أحد على أزعاجه أبدا .
ولايزال السرداب تحت المسجد حيث تم أحتجاز النبي دانيال في تلك القلعة من قبل جيوش الملك البابلي ( نبوخذنصر) , بعد رجوعه وهو يقود العديد من الأسر النبيلة وحتى أعضاء الأسرة الحاكمة بعد هدمه أورشليم والمعبد اليهودي , في مل يعرف تاريخيا بالسبي البابلي , لذا كان موقع المسجد هو معبد يهودي منذ ذلك التاريخ , وحتى بداية خمسينات القرن الماضي , كان حشد من اليهود يأتي من مختلف أنحاء العراق يجتمعون حول المسجد ويؤدون صلاة عيد الغفران , ولم يتمكن اليهود من الأنعتاق من أسرهم والعودة الى أورشليم , ألا بعد عدة قرون بعد هزيمة بابل على يد الملك الفارسي (سيروس) العظيم , حيث وعدهم بالعودة وأعادة بناء المعبد , ثمنا لمساعدته في فتح بابل والقضاء على الأمبراطورية البابلية , ولقد وفى بوعده لهم بالعودة لمن رغب بذلك , ولقد أحتفظ بالمدينة العامرة التي كانت تشتهر بالجنائن المعلقة التي تم ذكرها في التورات والأنجيل , والأسطورة بأن نبوخذنصر بناها لعروسته ( الميدية) , لكي لاتحن الى موطنها في الجبال في دولة ميديا بعد معاهدة الصلح معهم ( كما تذكر الكتب المدرسية) , ومن الجدير بالذكر فأن عدد كبير من اليهود أستقروا في بلاد ما بين النهرين وكان لهم تأثير بارز في الحياة الثقافية والفنية وصياغة الذهب والفضة , وكان لليهود محلة خاصة بهم في القلعة , ومن أشهر الأسماء ( عرب أوغلو) اليهودي , حيث كان حارسا لمدرسة ثانوية الصناعة في منطقة ( المصلى) , في القلعة وشهرته الواسعة في معالجة الكسور والعظام وكنت محظوظا لتلقي العلاج من يده , بعد أن وقعت أرضا وأنكسرت يدي اليسرى , أثناء عراك مع أحد الطلاب خارج المدرسة , حيث قام والدي بأصطحابي أليه وفي يدنا دجاجة , حيث كان يمتنع لأخذ الفلوس , كان علاجه معظم الأحيان مجانا , ( ومن يقول بأن اليهودي بخيل وطماع يحب المال ؟؟!!..) .  و بالرغم من أندثار معظم معالم القلعة التي أصبحت أطلالا وآثار لهضاب ترابية كانت يوما ما مدينة مكتظة و آهلة بالسكان , بدروبها وأزقتها الضيقة وبيوتها المتلاصقة , ولم يبقى فيها سوى عدد محدود من البيوت لثبت بأنها أقدم قلعة في التاريخ لاتزال مسكونة وعلى قيد الحياة . وما تميزت به المدخل الرئيسي حيث المدرج العريض على جانبي سفح الهضبة المرصع بالأحجار من قاع النهر ( خاصة صو) , ولقد خلدتها الأغنية التراثية التركمانية :- " قلعدا ديبندنا بير داش أولايدوم , كلانا , كيدانا يولداش أولايدم ...." . (وترجمتها :- حبذا لو كنت حجرا في منتصف طريق القلعة لكي أصبح صديقا للصاعد والنازل ) . والجسر القديم المؤدي أليه حيث كانت منصة صغيرة لشرطي المرور في المقدمة , تسيطر على القليل من السيارات و الكثير من العربات التي كل منها يجرها حصان , وعربنجي بيده السوط  ( عربنجي أضرب قنجي !!..) وهذا للصبي الذي يحاول بغفلة من العربنجي للألتصاق بمؤخرة العربانة و يركب ولو لمسافة قصيرة  كانت هذه قمة الأثارة والمتعة , بالرغم من لسعة القنجي المؤلمة , لذا كنا نحمي وجهنا الى الأسفل ولكن قماش الدشداشة لم يحمينا كثيرا , ولكن المنافسة كانت لمن يبقى مسافة أطول على الرينكات الخلفية للعربانة !!؟.. يا لها من أيام الطفولة , وأتذكر عندما جرفت السيول جزءا من الجسر وتعذر طريق الذهاب الى مدرسة الطاهرة الأبتدائية للبنين في القلعة , حيث أستمرينا في الدراسة هناك بعد أنتقالنا من القلعة الى منطقة ( القورية) , وطبعا مشيا على الأقدام . وأستمرينا في تلك المدرسة , حتى بعد أنتقالنا الى بيوت  (العرفة) كركوك الجديدة , حيث كنا نستقل الباص ( الأمانة) , الى آخر محطة أمام الجسر القديم , ونسير فوق الجسر حيث كان (الخاصة صو) معظم الأوقات يابسا لا ماء فيه , عدا بعض الكلاب البرية والطيور الجارحة على جثث الحيوانات , وما تبقى من عظام الأضرحة التي تذبح في أعياد الأضحى  , وكنا نحدق بهيكل السيارة المقلوبة في القاع , حيث سبق وأن وقعت من فوق الجسر وهي تحمل ركاب من عمال شركة نفط العراق وهم عائدون الى بيوتهم في القلعة , ونشعر بهول الفاجعة لمن قتل وأصيب في هول الفاجعة المؤلمة تلك , ومن حسن حظنا , فأن والدي كان مريضا ونجا من الموت بغيابه عن العمل في الشركة . ونجا من الموت مرة ثانية في الأضراب التاريخي عن العمل في شركة النفط العراقية ( اللآي بي سي) , والتي كانت بريطانية بأسم عراقي , حيث جلبت جندرمة مسلحين ( مرتزقة) , بعد أن رفض المحليين , من أطلاق النار بدون أنذار على العمال المضربين والمطالبين بزيادة الأجور , حيث تم قتل وجرح العشرات من العمال بطلقات نارية  معظمها من الخلف وهم يركضون , وبالرغم من أن والدي كان جريحا بطلقة في الكتف خرجت من الصدر , جائه أحد المرتزقة وهم بأطلاق النار لأتمام العملية , لولا أن الله أرسل ملاك الرحمة, وقال له منددا  :-  "هذه ليست رجولة منك لتقتل مصابا على شفى الموت " .  وذلك كان أول أضراب عمالي في منتصف أربعينيات القرن الماضي لما تم تخليده ( بأحداث كاورباغي) وترجمة الأسم :- كاور = كافر , وباغي= حديقة , وأيضا كان أهالي القلعة الغير المسلمين مدللين بأسم محبب :- قلعة كاووريه ( أي كفار القلعة ) ومعظمهم من الكلدان من السكان الأصليين من الأصل البابلي  , وبعد حرب 1948 وقيام دولة أسرائيل , أصبح اليهود بصورة خاصة , منبوذين وخاصة من الشباب المغرر بهم ويتم ضربهم بالحجر على رؤوسهم وهم يرددون( باشينيه قريم ) أي أكسر رأسه بالحجر, الحجر الذي كان يتغنى به سابقا كصديق  وتحول الصديق الى العدو !!.., وما أشبه اليوم بالبارحة !!!..
 ولا أزال أتذكر وكنت صبي بعمر أربع سنوات , ذلك الفتى اليهودي وهو يركض والدماء تسيل من رأسه وضفائر شعره ترقص في الهواء , لينجو بحياته  من تلك الأحجار الصديقة !!..( هذه من ذكريات الطفولة التي تم نحتها في ذاكرتي) .  وبعد ثورة 14 تموز 1958  وبعد تأميم شركة النفط وأصبحت عراقية أصلية  , حاولت السلطات المحلية تخليد (كاورباغي) , بتمثال لعامل وفي يده عريضة , وبعد نصبه على منصة عالية , في الشارع المؤدي الى المستشفى المركزي على طريق محطة القطار , حيث بقى التمثال مغطى لفترة طويلة وبعد طول أنتظار , وخلال أحتفال شعبي مهيب لذكرى هؤلاء الشهداء , ولكن الصدمة والدهشة كانت أثناء أزاحة الستار عن التمثال الهزيل , وكأنه مصنوع من الطين , بيد أحد الهواة الغير المهرة , ومن حسن الحظ تم أزالته بعد أن تزايدت الشكاوى من المواطنين لتدنيس تلك الحادثة التاريخية بذلك التمثال الهزيل !!.. بعد سنوات طويلة من الغربة منذ أكثر من ربع قرن من الزمان , قررت أن أزور مسقط رأسي وأسير على تلك الدروب وأحاول التعرف على تلك الأمكنة , والتي لم تقم لها قائمة غير مرتفعات ترابية وأحجار مكدسة ومناطق معظمها  مهجورة , عدا بعض العوائل التي تشبثت ببيوت عشوائية ولكن المسجد لايزال قائما بمنارته ولم يخيب ظني ذلك اللقلق , حيث كان كعهده السابق لايزال قائما ومنتصبا على قدم واحدة , وكأنه تمثال منصوب فوق المنارة منذ القدم .
يتبع ولو الى حين ...
 ( وحبذا لو تم أضافة من القراء والكركوكليين  وخاصة الأستاذ نادر قريط  الذي عمل وعاش هناك لفترة , ولأثراء الموضوع , وشكرا )





55
ذكريات عنكاوة القديمة( عروسة أربيل الحالية/ عاصمة كردستان العراق )
الجزء الأول




بعد نشر( ذكريات من قلعة كركوك) في أيلاف الغراء , بعدة أجزاء , كان التشجيع والردود , بالرغم من قلة الأعداد من القراء الذين عاصروا تلك الحقبة , أسترديت شجاعتي لسرد ذكرياتي عن قريتي القديمة / العصرية ( عنكاوة ) وتشير بعض المصادرالتاريخية بأسم عمكاباد ( آباد باللغة الأرامية = بلدة ) , وتكتب أيضا ( عينكاوة/ حيث تشير الأسطورة الى تسميتها = عين + كاوة / البطل الأسطوري / الفولكوري الذي ثارضد الظلم ,( كمثال لشخصية روبين هود في الفولكلورالأنكليزي) وتخلد ذكراه في أعياد نوروز/ أعياد الربيع والحب ( أصل عيد فالنتاين الأوروبي) , وربما (عين ) لينبوع مياه الشرب من باطن الأرض الوحيدة في القرية وتسمى (كاريزيه/ كهريز) التي جفت مياهها منذ عشرات السنين , لتصبح (عين- كاوة), وأننا بذلك نفتخر بأن يكون البطل /كاوة من أبناء قريتنا الخالدة في التاريخ ؟؟!!..
فمن قلعة تاريخية في كركوك الى قلعة تاريخية أخرى في أربيل , فقلعة كركوك التاريخية التي لم يبقى منها سوى الأطلال التي تبكي على تاريخها المجيد وأهمال وزارة التراث ( أن وجدت هكذا وزارة ؟؟!!..) , بتاريخ وحضارة العراق , وكأن التاريخ و التراث العراقي أقتصر على الأضرحة
" المقدسة " في كربلاء والنجف وبغداد , وتم أهمال تاريخ حضارة وادي الرافدين / منبع ومنشأ الحضارة الأنسانية في سومر وأكد وأور وبابل ونينوى ونمرود وآشور ؟؟!!..
أما قلعة أربيل ( أربا أيلو= أربعة آلهة / باللغة الآرامية) , فأيضا قلعة آشورية/بابلية , وتتحدث الأسطورة بأن ملك الفرس ( دارا داريوس) لجأ اليها بعد أندحار جيوشه أمام الأسكندر المقدوني ( ذو القرنين ) , وخبأ كنوزه تحتها , ومن حسن الحظ أهتمت حكومة الأقليم بتطوير وحماية هذا الصرح الحضاري وأصبحت قبلة للسياح .
ونهنأ مدينة أربيل بتتويجها مدينة السياحة العربية لسنة 2014
وكانت عنكاوة القديمة تبعد حوالي (10) كلم من أربيل , بالرغم من أندثار آثارها القديمة التي أنا بصدد كتابتي عن ذكرياتها وألقاء الضوء على ماضيها الذي أصبح في النسيان وعدم المعرفة للجيل الحالي , راجيا بهذه المذكرات أن تعيدها لذاكرتهم المعرفية وتحثهم عن البحث وأستكشاف الماضي وكتابة تاريخها خدمة للأجيال القادمة . وبالرغم من وجود كتيب صغير والوحيد بقلم / حنا روفو / طبع على نفقة خاصة سنة / 1996
فالآن عنكاوة " الجديدة" أصبحت الآن ملاصقة لأربيل عاصمة كردستان العراق , وقد حلت مكان تلك القرية القديمة والتي لم يعد لها أثرعن ماضيها التليد , وما تم جمعه من تلك الآثارالقليلة من الصناعات اليدوية/ التقليدية للغزل والنسيج والزراعة ومعدات الحياة من أواني وزخارف و وحلى وأزياء تقليدية وصور تذكارية , أصبحت تحت سقف واحد في" متحف عنكاوة " , الذي تم تأسيسه بتمويل خاص وتعود الفكرة والفضل , للدكتور سعدي المالح مع الشكر والتقدير لجهوده .
وعادت الى الحياة من جديد كمدينة متكاملة وتعتبرعروسة أربيل بدون منازع أو منافسة !!؟؟..
تعود ذكرياتي الى مرحلة تبدأ في نهاية أربعينيات القرن الماضي , حيث كانت قرية ( كلدانية) ومع الأسف لم يبقى من شواهدها القديمة ومبانيها أو بلأحرى مساكنها المتلاصقة المبنية من الطين أثر بعد عين لتبقى ذكرى أمام أعين الجيل الجديد, وأصبحت بفضل العمران الحديث والتطور الأقتصادي كمدينة عصرية بكل معاني الكلمة , حيث تتهافت اليها معظم مقرات منظمات الأمم المتحدة والقنصليات الأوربية , وأصبحت قيمة الأراضي وأيجارالعقارات فيها تضاهي لندن ونيويورك , وعدد الفنادق وبيوت الأيواء المؤثثة بالمئات ونوادي ثقافية وترفيهية , أكثر من بعض المدن الخليجية عدا دبي وأبوظبي مثلا !!..
ونظرا لما تتميز به من بيئة آمنة وأجواء مسالمة وصديقة وكرم و ضيافة وحيوية وثقافة سكانها ويتصفون بعادات وتقاليد أجتماعية متحررة وليبرالية متجانسة مع طبيعتها الدينية والأثنية ( كلدو وآشور) المتسامحة لكل شيء عدا المساس بشخصيتها وهويتها !!..
( ولكن بالرغم من ذلك أصبحت مكبرات صوت المآذن القريبة تغطي عل أجراس الكنائس فيها)
وأصبحت قبلة اللاجئين , نتيجة التهجير القسري والتنكيل وحتى القتل ضد الطوائف المسيحية من قبل الأرهاب والتعصب الديني الظلامي , في مدن الوسط والجنوب , وخاصة بغداد والبصرة , وكذلك من الموصل / سهل نينوى , ولاننسى من سوريا أيضا.
ولم يبقى أي أثر لتلك القرية الهادئة لما يذكرني بتلك الأيام من الطفولة البريئة حيث كنت أقضي عطلة الصيف في بيت جدي وجدتي , لأنني ولدت في قلعة كركوك , حيث كان والدي يعمل لدى شركة نفط العراق , ولاتزال تلك الذكريات وكأنها في الأمس القريب أتذكرأزقتها الضيقة الترابية وبيوتها القديمة وأراضيها الزراعية الشاسعة حيث كانت سنابل الحنطة والشعيرو أزهار عباد الشمس تملأ الروابي المنبسطة في فصول الحصاد , وتزرع في الصيف الرقي والبطيخ وغييرها من الخضروات والقليل من الأشجار المثمرة .
وكان عدد من سكان شقلاوة ( المصيف الصيفي المشهور على سفوح الجبل ) , يجلبون على حميرهم سلات كبيرة مملوؤة بأنواع الفواكه وخاصة العنب , والرمان والعنجاص والتين وكذلك الجوز والبلوط الأخضر , وفي عنكاوة كانوا يقومون بمقايضتها بالوزن/ الميزان , بحبوب الحنطة والشعير , وأتذكر زوج خالة والدي / أخت والدته , الشقلاوي ( حنا خوشناو والد أسحق العنكاوي) , يأتي الى بيت جدي ويصعد على سطح البيت وينادي :- دوار نا ترى , دوار نا ترى !!..
( بالكردي = يعلن بصوت عالي هلموا الى العنب ) .
وكان السكان يعيشون على الزراعة وتربية المواشي والبقر , وكل يوم في غروب الشمس كانت قافلة من الآلاف من القطيع مجتمعة ترجع من المراعي الخصبة وتحت رعاية راعي واحد لكل القرية , وكان الغبار والتراب الذي يتطاير من تحت أقدامها ظاهر للعيان على بعد أميال , وكأنه عاصفة ترابية وكانت الحيوانات تعرف طريقها كل الى مقره دون أن يضيع أي واحد منهم وأذا ألتحق خروف بقطيع آخر , لأي سبب من الأسباب يتم أرجاعه الى طريقه وبدون عناء , وعندما كانت القطعان قريبة من القرية كان بأنتظارها البنات الصغار والنسوة لجمع فضلاتها من الأرض , و التي كان يعمل منها عجين على شكل أقراص رقيقة دائرية بحجم الصحون و تلصق على جدران البيوت لتجفيفها بالشمس وكانت تستعمل كوقود تحت الأواني للطبخ وحتى للتدفأة , لأن الأشجار كانت قليلة ولندرة الحطب , وكانت أغصان الأشجار يتم شراؤها ونقلها من القرى الكردية المجاورة على سفح الجبال , حيث كانت تستعمل كجسور لبناء سقوف تلك البيوت مع الحصير المحلي الصنع وطبقات من الطين للسطوح والتي كانت تستعمل للنوم في ليالي الصيف الحارة وكانت الطيور الصغيرة العصافيرالسوداء / زرزور , تدخل الغرف وتبني أعشاشها في السقوف بين سيقان الأشجار , حيث أصوات الفروخ كانت كالموسيقى السمفونية/ الكورال , في غياب أجهزة الراديو ولو بندرة آنذاك , وكان لعمي المرحوم صليوا / موظف/خبير زراعي , يملك راديو يستمع الى أخبار لأذاعة (بي بي سي) , وكان يرسل البطارية الكبيرة والثقيلة يوميا الى أربيل لشحنها .
( و من أحدى طرائف ذلك الزمان , عندما قام أحد المعلمين بشراء راديو يعمل على نفس النوع من البطارية, وبدأ صوت المذيع ينبعث منها , سأله والده مستغربا ومتعجبا من هذا الأختراع
:- ياولدي أين يختبأ هذا المذيع !!؟؟..) .
ونظرا لألتصاق البيوت بعضها ببعض , كانت السقوف الطينية , أيضا تستعمل كوسيلة قصيرة للأنتقال بين أطراف القرية , وكان النوم فوق تلك السطوح في ليالي الصيف والهواء الطلق المنعش وتحت قبة السماء الصافية المملوؤة بمليارات ( في ذلك الوقت لم نعلم بهذا الرقم , وحتى المليون) , من النجوم المتلألة بالأضوية والألوان البراقة في ظلام الليل الدامس , نظرا لعدم توفر الكهرباء كان الناس يستعملون الفانوس والشموع للأضاؤة , ولعم وجود أجهزة الراديو كان الكثير منهم يسهرون على السطوح لتبادل القصص والأحاديث , وخاصة حول سرير جدي الكبير/ المرحوم الشماس ججو ( والد جدتي / والدة أبي) , حيث كان يمتلك صوتا رخيما ملائكيا ويشدو لهم أناشيد فولكلورية/ دينية ربما ملهمة من ملحمة جلكامش والألياذة والأوديسة الأغريقية ,ورثائيات أنشادية ( شبيهة برثائيات/ كربلائية في عاشوراء ) وعن المجاعات الكبرى , و مرض الطاعون والسرد الأنشادي بلسان ملاك الموت (عزرائيل) وذكر أسماء الأفراد والعوائل المنكوبة و هو ينتقل من بيت الى آخرتاركا وراؤه الموت والدمار وتسمى ( دوروكياثا / باللغة الآرامية/ السورث) ولقد ورث والدي المرحوم الشماس عيسى منه ذلك الصوت وكان في العديد من المناسبات الدينية والأعياد يشدو لنا وللضيوف ما حفظه , وقبل رحيله عن الحياة بعمر يناهز (103) عام , تم تسجيل تلك الأناشيد من قبل أمير المالح ( مشكورا) , مؤسس الموقع الألكتروني ( عنكاوة دوت كوم ) , الذي أصبح موسوعة للأخبار والأحداث والمقالات والصورللعنكاويين في أنحاء العالم كنموذج مصغر للفيسبوك . .
www.Ankawa.com
لتبقى ذكرى للأجيال الحالية والقادمة ,( وتجدر الأشارة الى مناسبة حزينة ومؤلمة حيث كنا في عزاء لرحيل الفقيدة , والدتي في بيت أخي الدكتو فريد , في كمبردج / بريطانيا , بعد أن قمنا بمراسيم دفنها في تلك البلاد في الغربة , وبينما كنا صامتين نذرف الدموع , خطر ببالي فكرة أذهلت الجميع , وطلبت من والدي أن يتلو علينا ما تيسر له من تلك الأناشيد الدينية , كأحسن ذكرى لوداع الوالدة العزيزة التي رحلت الى جوار معبودتها التي كانت تصلي لها ليل نهار / مريم العذراء , رحلت بدون ألم وهي نائمة , عن عمر يناهز (90) عام , وفجأة رفع رأسه وظهر البريق بعينيه وبدأ بالتلاوة بصوت رخيم وساد الحضور جو من التواصل الروحي مع روح الفقيدة وكأننا في مجلس لأعادة الأرواح !!..
ولكنه رحل مأسوفا عليه , بعدها بفترة قصيرة عن عمر يناهز (103) عام ( بالرغم من تدخينه للسجائر العراقية في شبابه لأكثر من أربعين سنة ) , لأنه لم يتمكن من العيش بدونها , وبعد زواج سعيد دام لأكثر من (75) سنة , حيث تزوجت وهي بعمر (14) سنة , وتم دفنه في نفس القبر لتمتزج بقايا عظامهم مع بعض , فأن لم يشفعه خدمته الطويلة كشماس يخدم الكنيسة , فأن صلوات زوجته ستكون شفاعة كافية لترفعه معها الى جوارربها والقديسة مريم العذراء .
ولقد ورث أخي الكبير (حبيب) بعضا من ذلك الصوت العذب , حيث كان يغني في حفلاته الخاصة مع الأصدقاء والأقارب بعض الأغاني الطربية الكردية , وخاصة الشبابية التي أنتشرت في نهاية خمسينات القرن الماضي ( بعد ثورة 14 تموز1958 ) , منها أغنية ( هاور صت هاور , وهاي برده برده , وأري ليلي ليلي وغيرها ) وتقول بعض المقاطع من تلك الكلمات الرومانسية :-
هاور صت هاور روشي نت بينم / كريانم دي نانم والله مردم آبينم
هاي برده برده د برو بروكم بردا / صت جارم موتم ناويم / أيتر بسه بيت ناليم
أري ليلي ليلي ليلي أوف هاور ليلي عمرم ليلي / مالكم بوتويا جاوكم بوتويا
( المعذرة لعدم الترجمة خوفا من الأطالة !!..)
مع الأسف بدأ الجيل الجديد بنسيان ذلك التراث الأصيل والتاريخ القديم , ورحيل الرواد القدماء , دون أن يتركوا أرثا ثقافيا وأدبيا لأن معظمهم كانوا أميين لايعرفون الكتابة حتى بلغتهم الأصلية (الكلدانية /الآرامية/ السريانية) , عدا رجال الدين وقلة من الناس , وحتى القساوسة كان عددهم قليلا , بحيث أضطرت الكنيسة أن ترسم رجال متزوجين كقساوسة كالقس المرحوم / توما عظمت , بالرغم من أن رجل الدين الكاثوليكي لايتزوج , وبعد أن تم فتح مدرسة دينية/ فرنسية ( السيمينير) للآباء الدومينيكان , لتعليم الطلاب لتخريجهم كقساوسة في أحدى الأديرة/ مار يوحنا , بالقرب من الموصل / سهل نينوى , ونظرا للمكانة العليا والأحترام والتقدير لرجال الدين الذين كانوا أيضا كمحكمين في قضايا وخلافات عائلية وغيرها , فكانت كل عائلة تحبذ أن يتم قبول أحد أبناؤها في السيمينير , ولذا ألتحق بها , أخي الكبير / كوركيس ( جورج) ولكن قبل رسمه كقس , حبذ حياة مدنية ,حيث كان لهم حق الأختيار بكامل رغبتهم لدخول حياة كنسية وأعطاؤهم الفرصة الأخيرة للأختيار , وأصبح شماسا كوالده , ولديه عدة كتب باللغة الكلدانية/ السورث واللغة العربية في الشعر وعدة ترجمات الى العربية من اللغة الفرنسية , وهكذا كانت الدراسة في المعهد شاملة وكاملة لعدة لغات , وعلوم مختلفة لاتقتصر على اللاهوت والأنجيل , ليكون القس ملما بأمور حياتية ومعرفية يمكنه خدمة رعيته , ولم توجد مدارس قبل أستقلال العراق وتأسيس الدولة, فأول مدرسة تم وضع اللبنات الأولى لها , في عشرينات القرن الماضي , تم أختيار عدد من الشباب وأرسالهم الى بغداد عاصمة الدولة العراقية الجديدة , لأختبارهم ليتم قبولهم في معهد المعلمين الأبتدائية , بأسئلة عامة بسيطة , لكي يتخرجوا بعد فترة قصيرة كمعلمين في أول مدرسة أبتدائية , و كنا نضحك على المرحوم والدي / عيسى بأنه رسب في ذلك الأمتحان , لأنه لم يعرف ما هي عاصمة العراق ,
وهو في بغداد !!؟؟..
وكانت أول زيارة لهم لمدينة كبيرة , التي أبهرتهم بمبانيها وشوارعها وحركة السيارات والعربات , والأهم من ذلك النساء بزي حديث أوروبي ( بدون حجاب) , وكان المنظر خلابا الى درجة فأن بصره تاه بالنظر لما حوله وهو يمشي , وأصطدم بعمود كهرباء , ووقع أرضا , وكان لايزال يتذكر وجه تلك السيدة العصرية / الحنونة التي هرعت لمساعدته !!!..
وتمكن عدد لايتجاوز أصابع اليد الواحدة من تلك المجموعة , ومنهم معلم مشهور في عنكاوة , أسمه لوقا ( وتسمية المعلم بلغتنا هي = رباني ) , ونجح بسؤالين :- ماهي عاصمة العراق , وعاصمة فرنسا فقط) , وهذا الصفة ( رباني) كانت تطلق على السيد المسيح من قبل تلاميذه وأتباعه , وكان رباني لوقا وكما أتذكره جيدا صارما وشديد العقاب ليس فقط لتلاميذه ولكن أيضا لبقية الصغار , حيث كنا نختبأ عند قدومه ورؤيته من بعيد , لأنه كان يمنع الطلاب من التسكع واللعب في الأزقة , بدلا من وجودهم في البيت يدرسون ويواظبون دروسهم , وكان من حسن الأقدار أن يطرق باب شقتي في لندن أثناء دراستي أبنه الذي كنت أتذكره من زمن الطفولة نظرا لهندامه الأنيق وأختلاطه مع شباب أكبر منه سنا ولايلعب معنا ويجادلهم بشتى المواضيع رغم صغر سنه وقصر قامته وكأنه قزم , وجاء ليقابلني عند وصوله الى لندن لأكمال دراسته, فكانت مفاجأة في غاية السعادة لأرى ذلك الشاب الذي أصبح بقدرة قادرطويل القامة !!.. , وتعرفت عليه قبل أن ينطق بكلمة , حيث جاء وبيده قنينة من مربى التين , التي كنت أعشقها من المرحومة والدتي , وكانت سعادتي وأنا أطير من الفرح ولنتذكر تلك الأيام الحلوة الغابرة لعنكاوة.
وبعد أن تم أفتتاح أول معهد لتخريج المعلمين في بغداد , تقدم معظم خريجي الثانوية العامة للألتحاق بها والتخرج بعد سنتين كمعلمين , ولذا أصبحت مهنة المعلمين محترمة بحيث أصبحت العوائل تحبذ تزويج بناتها بمعلم / كموظف حكومي , بحيث أصبح معظم المعلمين في أنحاء القرى الكردية وأربيل هم عنكاويون( لذا لهم الفضل في تدريس أجيال من الطلبة الأكراد) , حيث تم أفتتاح أول نادي للمعلمين في عنكاوة , والآن ونتيجة الهجرة سواء القسرية أو لحياة أفضل , تمكن العنكاويون من تقلد المناصب العليا والمهن العلمية والأدبية والهندسية المختلفة في قارات العالم الأربعة نظرا لمستوى كفاؤتهم وأبداعهم وأخلاصهم في العمل وسيرتهم الذاتية ذكورا وأناثا , وأصبحت الأمية في عنكاوة الجديدة , من ذكريات الماضي السحيق !!..

ومن أهم معالم القرية وشريان حياتها كان منبع المياه من عين تحت الأرض , خارج القرية بمسافة عدة كيلومترات , وتجري الى القرية كجدول مائي ينتهي بما يشبه بحيرة صغيرة/ حوض مائي
( ويتذكر والدي عن حادثة في طفولته عن محاولة للسباحة والغطس , فيها , بغرس قطعة حديدية في الحافة مع حبل يشده الى يده كطريقة بدائية لأنقاذ نفسه من الغرق , وبعد أن تم أكتشاف أمره من قبل جدي , كان عقابه عسيرا تذكره طيلة حياته !!..) وكان يتصدرالحوض دولاب / عجلة ضخمة
(تعمل كطاحونة) وأخرى ترفع الماء بأكياس جلدية الى مزرعة خاصة لايجرأ أحد من الدخول اليها لشخص مجهول لايعلم أحد عن هويته , ومن الصدف الغريبة والعجيبة , أن أحد المتجنسين الألمان من أصل عراقي قابلته في مسقط / سلطنة عمان في أواخر ثمانينيات القرن الماضي , يبحث عن أستثمارات في المنطقة , ولكوني العراقي القديم ومن أوائل العراقيين الذين أستقروا في مسقط منذ بداية سبعينات القرن الماضي , وكمهندس معماري , كنت أول من يرحب بمثل هؤلاء الضيوف , وعندما علم بكوني عنكاوي الأصل , أفصح لي عن اللغز المحير عن هوية ملاك تلك المزرعة , بأنها كانت محتكرة من قبل آباؤه وأجداده بصك منذ العهد العثماني !!.. , هكذا كانت العدالة والمعاملة الظالمة التي كان السكان يعانون منها , بحيث يتم تمليك شريان الحياة لقرية بأكملها الى من لا حقوق له بها على الأطلاق , لأن العين المسماة ( كاريزيه) وربما كما جاء أعلاه/ عين كاوة , كانت تنبع من الجبال البعيدة عن القرية تم حفر مجراها تحت الأرض كقناة مائية بلأحجار كنفق ضيق يتخلله فتحات تم حجبها لتجنب التخريب أو قطع شريان الحياة من الأعداء وموت السكان من العطش , وهذه الطريقة في الري وأيصال المياه أشتهر بها الرومان , وتشبه الأفلاج العمانية ( جمع فلج) , والتي لاتزال من أهم طرق الري وتوفير مياه الشرب في القرى والأرياف في سلطنة عمان .
وكانت هذه القناة أو الجدول الذي يخترق أطراف القرية , يستعمل لمياه الشرب وخاصة في أوقات الفجر لصفاء ونقاوة المياه بعد ترسب ما يتعلق به من شوائب خلال اليوم , حيث كان أيضا يستعمل لسقي الحيوانات وخاصة قبل ذهابها الى المراعي وبعد عودتها في الطريق الذي كان بأمتداد مجرى الجدول , ومن أهم مراكز سقي الخيول كان في منطقة تم تغطيتها بالحجر والكونكريت مقابل قهوه/ جايخانة سلمان المشهورة والوحيدة في القرية وكان لديه جرامافون قديم لأسطوانات كردية لمغنين مشهورين من أمثال كاويز آغا وعارف جزراوي . وكانت القناة المائية تستعمل أيضا لترطيب أغصان البردي بتركها منغمسة في الماء لكي تصبح لينة للأستعمال لنسج (الحصيرة) وغيرها من السلات/ والأواني .
( وحادثة طريفة لموضوع " الحصيرة " كان مع الشاعر االغنائي / كريم العراقي , ونحن في سيارة الدفع الرباعي في طريقنا من عمان/ الأردن الى بغداد في بداية تسعينات القرن الماضي , ولم أسمع ألا أغنية واحدة لكاظم الساهر( عبرت الشط على مودك خليتك على رأسي ) , وبعد أن عرفني كريم بأنه يكتب العديد من كلمات أغانيه , والتي أطربنا بكاسيتات من تلك الأغاني الرائعة طيلة السفرة الطويلة , ولكن لم تعجبني كلمات أحدى تلك الأغاني حيث تشير الى سعادته وحبه لمحبوبته هانئا ولو على حصيرة , وشعرت بأن الحصيرة غير ملائمة للعشق والغرام , وخاصة ما أتذكر من قساوة النوم عليها في طفولتي في عنكاوة , ولكنه سارع للقول بأن كلمات تلك الأغنية كتبها كاظم الساهر بنفسه !!؟؟..
ودعاني للحضور الى مهرجان بابل ليعرفني به وأستمع لأغانيه في تلك الحفلة والتي نتيجة التزاحم للأعداد الغفيرة من معظم أنحاء العراق وغيرها من الدول , فقد العديد أرواحهم تحت الأقدام , وكما يحدث عادة في أحتفالات الهندوس في المعابد الهندية سنويا وغيرها من الأماكن , وبعد رجوعي الى مسقط وكما وعدتهم , أتفقت مع صديقي/مدير عام فندق الشيراتون / العراقي الأصل , بدعوة كاظم الساهر لأقامة حفل وسهرة غنائية في الفندق لأول زيارة له الى سلطنة عمان , وبعد أن تم نفاذ البطاقات نظرا للأقبال الهائل من المعجبين به , وتم تقديم نسخة من جواز سفره وصورشخصية للحصول على تأشيرة الدخول الى السلطنة , ويا للكارثة والعجب العجاب :-
تم رفض الطلب بدون أبداء أسباب !!!..
وتبين لاحقا أن كاظم قد غنى أغنية لصدام حسين في عيد ميلاده ( ومن كانت لديه الشجاعة ليرفض ؟؟؟..) , وأضطر الفندق لدفع قيمة تلك التذاكر لمن طالب بها , ولكن حفلاته العديدة بعد ذلك التاريخ كانت في غاية النجاح وطريقه مفروشا بالورود من معجباته ومحبيه)
( المعذرة للأطالة وتغيير الموضوع !!..)
ولنرجع بالذاكرة الى عنكاوة والقناة المائية /كاريزيه :-
وكنا الصغار ننتظر قدوم الخيول لشرب الماء حيث كنا نتسابق في حث كل منها للشرب بالصفير من أفواهنا , ونفرح أذا بدأ الحصان بالشرب بتمديد رقبه الى سطح الماء , ولست أدري أن كان ذلك حافزا لها للشرب , وخاصة وأنها عطشانة , وربما هذه كانت عادة متبعة ؟؟!!..
ولا يتذكر الجيل الجديد شيئا عن (كاريزيه) لأنها جفت مياهها وأصبحت مدفونة تحت أساسات المباني والعمارات الحديثة , يا حيف على كاريزيه وعلى تلك الأيام !!!..
حيث كنا الصغار نتشوق الى الذهاب اليها للسباحة في الحوض الصغير في فوهة المنبع , وكان الأهالي يأتون بالحمير المحملة ببراميل ( ودريه/ بلغة السورث) ليملؤوها والرجوع بها الى القرية , وكان الطريق الي كاريزيه وخاصة في غروب الشمس هو طريق الحب والعشاق حيث كان الشباب يسرحون ويمرحون مع خطيباتهم وحبيباتهم , خاصة في فصل الربيع حيث أزهار النيسان الحمراء والصفراء والبيضاء كانت كبساط من الحرير الملون تغطي المزارع والحقول وكان يتماثل مع أزياؤهم الملونة والبراقة وأشرطة الحلى الذهبية وطاس الذهب على قبعاتهم , وتتلألا مع ضوء الشمس , وكما يقول الشاعر :-
يسرن زرافات الى مسرح الهوى كما سار للمرعى الخصيب قطيع
و هذا الطريق أيضا كان يسلكه الشاب قبل ليلة زفافه برفقة واحد أو أثنين من المتزوجين وأصحاب الخبرة , ليلقنونه أسرار الدخلة على عروسته , لأن الحب الأفلاطوني هو الوحيد الذي كان قد مارسه مع خطيبته , وكنا نحاول نحن الصغار تتبع خطاهم لنسترق السمع لبعض تلك الأسرار المحرمة على الكبار وغي المتزوجين ( فما بالك ونحن أطفال صغار!!..) , ولاأزال أتذكر أول سر بلغ الى سمعي وهو :- أستعمال المخدة , ولم أتمكن من فهم هذا اللغز المحيرحينذاك !!؟؟..
وأطلب من الذين عاصروا هذه الفترة أن يثروا الموضوع بذكرياتهم وتعليقاتهم ولو نقلا عن آباؤهم لأحياء الذاكرة للأجيال الحالية والقادمة لأنه تراث عريق وتاريخ حضاري و أنساني !!!..

أيوب عيسى مروكي أوغنا
مهنس معماري أستشاري
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد / مسقط/ سلطنة عمان
يتبع....

ذكريات عنكاوة القديمة /عروسة أربيل الحالية/ عاصمة كردستان العراق
( الجزء الثاني)


لقد عانى السكان المسالمين البسطاء في عنكاوة , عانوا الأمرين من العهود السابقة وخاصة خلال العهد العثماني ( العصملي) , لقد كانت عنكاوة فريسة لكل ظالم ومستبد , وضحية سهلة للثأر من أهلها بالقتل والتنكيل وسرقة محاصيلهم ومواشيهم بما يسمى بالغزوات والجهاد في سبيل الله , لأنهم على ديانة نصرانية , تعتبر لديهم وتنعت بالكفر , وهم أهل الكتاب/ الأنجيل ويعبدون نفس الله
( ومن العجيب في تاريخ الأمم وحضارتها , أن يمنع ويحرم ذكر/ أستعمال كلمة (الله) من غير المسلمين في أكبر دولة أسلامية من حيث النفوس , وأصبح قانونا يعمل به ويعاقب من يخالفه اليوم)
وما أشبه اليوم بلأمس البعيد وكذلك البعيد جدا ؟؟!!..
وكل عائلة كان لها ما تنقله ذاكرتهم من تلك الأهوال , وما حدث لجدي من الأب ( مروكي/ بيو)
و جدي من الأم ( حنا فرنسيس) , مآسي أنسانية بحق , لقد أعتاد الجنود المسلحين ( الجندرمة) العثمانيين الأتراك , غزو هذه القرية وغيرها من قرى وأرياف سهل نينوى ( تلكيف وألقوش وكرمليش وبرطليه وبعشيقة وبغديديه وقرى الآثوريين عمادية وديانا وحرير وباتاسيه وغيرها الكثير من القرى الجبلية التي تم تكريدها في عهود سابقة ) , وكان هؤلاء الأرهابيين هم بحق أجداد أرهابي القاعدة وداعش والنصرة والجهاد وأخوانها وأخواتها في العهد الحالي , يثيرون الرعب بين السكان , حيث يتم من بين تلك الأهوال , أختطاف الشباب والرجال لأرسالهم الى الجبهة في الحرب العالمية الأولى ( سفر بولك = سفر بيوك/ الحرب الكبرى بالتركية) , فكان الشباب والصبية يهربون لينقذوا بحياتهم , سواء عن طريق السطوح الطينية للبيوت المتلاصقة , أو الأختفاء ولو تحت الأرض , وهذا ما حدث لجدي من الأم , حيث لم يتمكن من الهرب , فأختبأ تحت قبو ضيق تحت عنبر الحبوب , وبعد مغادرة الغزاة بغنائمهم ( الحلال) , لم يتحرك في مخبأه بعد رحيلهم , وبعد أن جروه من رجليه وجدوه جثة هامدة نتيجة الأختناق وأصبحت والدتي يتيمة الوالد بعمر أربع سنوات !!..
( وكان قد لجأ الى عنكاوة مع أخته كأطفال آشوريين( وكذلك غيرهم من الأرمن) , كلاجئين , نجوا من أهوال المذبحة الكبرى ( جينوسايد/ ) في تركيا العثمانية في سنوات 1915/1916 , ليلقى هذا المصيرالأسود والهلاك على يد أبناء هؤلاء الطغاة !!!..) .
أما ما حدث لجدي من والدي فكان أغرب من الخيال , تمكنوا من القبض عليه وأرساله الى جبهة القتال , ولكنه هرب بأعجوبة وتمكن من المشي مئات الكيلومترات عائدا الى قريته , ولكنهم قبضوا عليه مرة ثانية وحكموا عليه بلأعدام في محكمة شرعية في أربيل و ولكن القاضي بحكم أنسانيته وسماحته !!؟؟.., أعطاه سبل النجاة من حبل المشنقة , أما أن يسلم ( أسلم تسلم) , أو أرساله مع آخرين تحت الحراسة المشددة الى الجبهة ليموت هناك , وطبعا رفض العرض الأول وقبل بالثاني وسيق مشيا على الأقدام , وتمكن من فتح ثغرة مع أثنين آخرين في حائط الحصن على الحدود التركية الحالية ويهرب , ولم تتمكن الجندرمة من اللحاق بهم وتمكنوا من الهرب والرجوع مرة ثانية الى عنكاوة مع رفيقه اليهودي ( ورغم وعورة الطرق والعواصف والأمطار , والمجاعة الكبرى )
وبعدها تم تهريبه الى بيته في أربيل متنكرا بملابس نسائية بصحبة والدي كصبي يافع ووالدته ( جدتي) , وبالرغم من المجاعة والفقر المدقع للسكان فأن والد اليهودي أصر على وضع قطعة من النقود ( مجيدية) بيد والدي لأنقاذ أبنهم الوحيد الذي أعتبروه في عداد الموتى !!..
ولقد عاش جدي مروكي/ بيو , الى عمرطويل كأكبر معمر في القرية (113 سنة) , ولقد عهد حياته لخدمة معبد صغير يبعد عن عنكاوة مسافة حوالي (4كيلومترات) , فكان يذهب مشيا على الأقدام , كل يوم أحد ليشعل الشموع في مذبح/ معبد صغير تعلوه قبتان للسيدة العذراء / المريم , وكان يتحدث عن حوادث خطيرة من ما كان يلاقيه في الطريق من تهديدات بقتله على يد فرسان مسلحين يملأ الحقد والكراهية قلوبهم , وأنه دائما ما كان مجبرا لتنظيف ما قاموا بتدنيسه بفضلاتهم داخل المعبد الصغير , فبعد أن كانوا ينامون داخله ليلا من البرد , ونهارا من شدة الشمس كانوا يتركون فضلاتهم قربانا لمن يقدسون أسمها في ديانتهم من قبل أفراد ولو قلة , في قمة الجهل والتخلف لأن عنكاوة أصبحت اليوم في أمن وأمان وسلام مع جيرانها في القرى الكردية , نتيجة سياسة الأنفتاح والتعليم التي تنهجها حكومة الأقليم .
وكانت المناسبات السعيدة لنا نحن الصغار هي حفلات الأعراس أيام الأحد و التي كانت شبه أسبوعية , حيث كان الأحتفال في الهواء الطلق في الميدان العام للقرية , تتخلله رقصات الدبكة الكردية والآثورية ( كولشينيه ) مع أصوات وأنغام االمزمار و الطبلة تملأ السماء ( دول و زورنة / بالسورث) , وكان أشهر عازف مزمار في المنطقة بأسرها هو كردي من أربيل , يسمى (خضر/ خدر بالكوردية, لأن الضاء كانت محتكرة للعرب الناطقين بالضاء) , وبعد وفاته ورث أبنه نفس الحرفة , ومن أغرب ما أتصف به هو قابليته العجيبة وكأن في رأسه كمبيوتر , حيث كان يتلقى النقود وحتى قطع ذهبية ( الليرة) من الراقصين والراقصات لما يسمى ( الشاباش) , من المتبرع الى آخر يذكر أسمه وهو يلوح بالنقود أمام الجميع , ويتنافسون لرفع سقف الشاباش , وبعد عدة ساعات من الرقص حيث البنات والشباب يد بيد , وتلك الأصوات التي كانت كموسيقى الروك أنرول ويرقصون جنبا الى جنب بحركات متجانسة , والشباب والرجال , وأيديهم متشابكة بيد فتاة أو أمرأة صديقة أو غريبة دون أن يثير أي أستغراب أو شكوك أو حساسية , لأن أهل القرية كانوا يعرفون بعضهم بعضا من قريب , ويشاركون في الأفراح والأتراح بكل عفوية وأحترام متبادل .
وفي أيام الأحد بعد الرجوع من الكنيسة , كانت الفتيات الشابات بملابسهم التقليدية الملونة وحليهم وكأنهم على موعد غرامي مع خطيبهم , يجتمعن ويجلسن القرفصاء على الأرض الترابية , في لعبة تسلية وحيدة لديهن وتسمى ( التراب/ أوبرا بلغة السورث) , وليس برميه على بعضهن البعض كما يحدث في أيام سقوط الثلوج , ولكن بلعبة تشبه ( السبحة العراقية, حيث يتنافس فريقان لأخفاء المحبس في الأيادي , والتعرف على من يضمها بين أصابعه ) , ولكن في هذه الحالة كانت قطعة نقدية صغيرة , يتم دفنها تحت أكوام من التراب الأحمر الجاف حسب عدد اللاعبات , وتقوم أحداهم بتحريك يدها بين تلك الأكوان الصغيرة وتعيد تكوين الأكوام , وتتركها لتحزر الأخريات أين توجد العملة النقدية ومن تحرز تكون من نصيبها , وكنا نحن الصغار نجتمع حولهن نمعن النظر في تلك اللعبة بشيء من العجب لسرعة الحركات اليدوية والأصابع ونمعن في الوجوه الجميلة و نظرا لصغر أعمارنا فأن وقوفنا خلفهم أو حتى الجلوس بينهم لم يثير أي أهتمام ولكن العشق الصبياني الفطري كان حاضرا !!..
وكان بائع يحمل صحن كبير فوق رأسه وفيه حلويات/ جوكليت , مكسرات /جرس ( وأسمه توما الأعور / توما كورا) , كان يحوم كالفراشة فوق تلك الزهور في تلك التجمعات النسوية ويجلس بجانبهن وفي حانوته المتنقل كل ما لذ وطاب , وكان دائما مرحب به وهو الذكر الوحيد الذي لم يثير أية شبهة أو تساؤلات ويجلس بينهم ويداعبهم بالكلام والغمزات واللمسات والضحكات , وكأنه (مخصي) جالس بين " حريم السلطان " !!..
وأتذكر الآن وجهه الصبياني وعيونه الصغيرة حيث سمي بلأعمى لضعف بصره تحت نظارات زجاجية سميكة , وربما كانت البنات يعرفن طبيعته (وأقول ربما) المخنثة , فلا حرج من وجوده بقربهن وربما بعلم أولياؤهن بذلك أيضا , ولا أنكر بالرغم من صغر أعمارنا كنا نحسده على تلك المعاشرة البريئة معهن !!..
وكنا بدورنا ننتظرنهاية اللعبة وبعد نهوضهن , نتسارع للمساعدة في أزالة الغبار والتراب وشعيرات القش من خلف ملابسهن , ونحن في نستمتع بتلك اللمسات البريئة !!؟؟..
بينما الذكور كانوا يلتهون بلعب ( الدعابل) , بالرغم من الكرات الزجاجية الملونة كانت نادرة وغالية الثمن في ذلك الزمان , فكانوا ينحتون الكرات من أحجار (وكان أبن عمي/ شمعون خبيرا بذلك ) , أو يلعبون بالعظام /( قعبيه/ بالسورث) ( فقرات المفاصل المجففة من عظام الخروف ) ,
أو جلسات الغناء والسمر وشرب العرق المحلي الصنع , وكانت جدتي (حنى ككو) والدة أمي , مشهورة في صنع الخمو / العرق أبو كلبجة من العنب / وتم تخليد أسمها في أغاني هؤلاء السكارى .
وكان يذكر لنا المرحوم والدي , عن حكايات طريفة له مع أصدقاؤه حيث كان كل منهم يأتي بدجاجة مشوية وأبريق خزفي من العرق , ويجلسون يتسامرون ويغنون ويشربون من أواني معدنية ( طاسات) سادة/ بدون ماء !!.. , وبعدها كانت تحدث الغرائب والعجائب نتيجة سكر بعضهم , فأحدهم دخل على البيت وهو يترنح من السكر وهدد وهو يمزح , زوجته بالقتل بعد أن حمل بندقية قديمة وأطلق النار في الهواء , ونتيجة هول الطلقة النارية التي صمت الآذان , وقعوا على الأرض من الخوف , فعندما نظر الى قميصه الأبيض , فوجده ملطخا ببقع حمراء داكنة ظن أنها دماء زوجته, فنهض مذعورا الى الخارج وهو يصرخ :- قتلتها , قتلتها , أرحموني , النجدة , النجدة !!..
, وهرع الجيران ليشاهدوا هو وزوجته تركض وراؤه تصرخ به :-
لقد فجرت قارورة عصير الطماطة على الرف , يا مجنون !!!..
وفي حكاية أخرى حيث كانوا يعملون النكت ( براكتيكال جوكس / بلأنكليزية) ببعضهم البعض , فأحدهم كان معزوما لحفلة في بيت أحدهم , وبعد أن نفذ الطعام , طالب بالمزيد وهو سكران رسمي
فأنتهزوا هذه الفرصة لتلقينه درسا لاينساه , فجمعوا قطع الفلين من فوهة بعض الزجاجات ( التبادور/ بالسورث) , وقاموا بقليها بمعجون الطماطة والدهن الحر , الى أن أصبحت حمراء شهية اللون والبخار يتطاير فوقها, وتقديمها له في صحن , وبعد أن التهمها بشراهة وكأنه يأكل تكة لحم خروف !!.. , وكأنه لم يتذوق أكثر شهية منها وطالب بالمزيد , وهم مستلقين على ظهرهم على الأرض , ميتين من الضحك !!!..
ومن الطرائف الهزلية لأحدهم , ففي رحلة له من عنكاوة الى كركوك لزيارة أبنه , بالسيارة , حيث كان الركوب بالسيارة حينذاك نوعا من المغامرة الشيقة و خاصة لأول مرة , بالرغم من حشر النفرات فوق مقاعد خشبية وطسات الطريق نتيجة الحفر في الطريق الأسفلتي و طول المسافة بسرعة لاتتجاوز( 40) كلم في الساعة , فعندما وصلوا بالقرب من بيت أبنه في كركوك على الطريق
فتوقف السائق ليسمح له بالخروج , فرفض قائلا
:- أنني دفعت الأجرة الكاملة , وأرغب للركوب الى الكراج العام !!.. , مرددا :- ( باري ويلايين , حول الكراج براكوين / بالسورث) .
وكان الجراج ( في وسط المدينة) , بعيدا عن منزل أبنه , وحبذ المشي من الجراج على قدميه حاملا أمتعته لأن لذة الركوب بالمسافة الأضافية بالسيارة , كانت تسوى ذلك العناء والتعب , وكأنه طفل يركب على مرجوحة , أو ما يسمى ( جرخوفلك/ العجلة الكبيرة مع المقاعد كطاحونة الهواء) .
وكانت العربات التي يجرها حصان , هي وسيلة النقل من الجراج الى موقع سكن الزائرين من عنكاوة الى أقرباؤهم في كركوك, فلما سأل سائق العربة/ العربنجي , أحد هؤلاء عن عنوان بيت أبنه , أجاب وهو يردد :-
ذلك البيت بالقرب من عمود الكهرباء !!..
( وكأن عمود الكهرباء هو الوحيد في المدينة وأهم معالمها المعروفة للقاصي والداني !!؟؟..)
وكان يوجد شخص مشهور في عنكاوة والوحيد الذي يمتلك سيارة قديمة للنقل بين عنكاوة وأربيل و كانت بطارية السيارة دائما ميتة , وكان مشهد طبيعي ومألوفا للجميع رؤيته أمام السيارة يضرب الهندل بدون جدوى , و بعد محاولات يائسة لتحريك الهندل , كانت الطريقة الوحيدة الباقية والتي يتوقعها الجميع , هي دفع السيارة لتشغيل المكينة , وأصبحت ظاهرة دفع السيارة والجميع يردد :- زوبولا توماس , زوبولا !!!.. /بالسورث = أدفعوا توماس أدفعو
ويضطر الركاب وخاصة الرجال للنزول لدفع السيارة قبل أن يركبوا فيها , فكانت الأصوات تعلوا صغارا وكبارا في كل محاولة الدفع وهم يجتمعون حولها ويضكون , بحيث أصبح هذا التعبير فولكلوري/ هزلي متداول في العديد من المناسبات التي تشمل بعض المحاولات لعمل شيء جماعي أو فردي !!!..
هكذا كانت الحياة بسيطة وبدائية , يمزحون مع بعض برحابة صدر بدون حزازات وعداوة , لأنهم يشعرون بأنهم جميعا على قارب واحد , دون ان يخل أحد بتوازنه وهو يشق بحارا مضطربة وأجواء مشحونة بالكراهية والحقد الظلامي الأسود , لذا يتم التواصل واللحمة بينهم , بالرغم من أنهم لاينتمون الى عشائر وقبائل , وانما الى عوائل بأسماؤها التي تم صكها قديما لهؤلاء الأشخاص نتيجة حدث أو فعالية أو الهزل وحب النكتة ويكنون بها وتصبح مطموغة عليهم ولايعرفون أنفسهم ألا بها , ونظرا لغرابة الكثير منها لألفاظها التي هي هزلية بلغة السورث (ولكن مقبولة بلغات أخرى) , وأقول هزلية تثير الضحك ولكن دون أن تمس مشاعر أو أحتجاج أو ضغينة , فمثلا أسم عائلتنا ( أوغنا ) , فعندما يذكر أحدهم مثلا : عيسى أوغنا , لايعرفه أحد بذلك الأسم ألا بعد أضافة :- عيسى بيو , وأسماء آخرى مثل :-
متي طيطي , حنا جيلا , يوسب ستة , شميكا , صليوا كلاوة , حنو ككو , و باوي باوا = بطرس بولس ( الذي جاء لزيارتنا في مسقط/ سلطنة عمان مع زوجته الثانية/ الجيكوسلوفاكية , ولم يتغير قط بعد أكثر من (30) سنة , رأيته في عنكاوة القديمة , وكان لايزال يحتفظ بصوته الشجي وفي حفلة عيد رأس السنة في البيت , غنى لنا بالكردية , الأغاني الكلاسيكية التي يتقنها لكاويس آغا , و التي أطربت الحضور دون أن يفهموا من معانيها شيئا !!..
ولقد كان لشباب عنكاوة دور بارز في الحركة الكردية , لأنهم كانوا مسيسين , وذو أفكار ماركسية وتقدمية , نظرا لتعليمهم العالي وأفكارهم المتفتحة , ولقد حمل الكثير منهم السلاح في صفوف المقاتلين الأكراد في ثورات الزعيم الخالد الملا مصطفى البرزاني , في الجبال وأستشهد العديد منهم سواء أثناء المواجهة مع قوات صدام حسين , أو المعارك الدائرة بين الفصائل الكردية وخاصة في المجزرة التي أقترفتها فصائل تابعة لجلال الطالاباني ( الرئيس الغائب للعراق) .
وأتذكر أثناء زيارتي لعنكاوة عن طريق البر/طريق القجخ من تركيا , في زمن صدام حسين , فكان مقابل دار أهل زوجتي مقرللحزب العمال الكردستاني ( الباكاكا ) وكانت المناضلات الكرديات بملابسهن القتالية يختلطون بالسكان و بظهور علني في أرجاء عنكاوة ( وهذا يدل على تعاطف ومساندة شعبية لهم برغم المخاطرلأيواء هؤلاء المطلوبين أحياء أو أموات للسلطات التركية القمعية وحتى الصدامية العراقية ) .
ولقد تم تكريم عدد منهم في مناصب هامة في حكومة الأقليم في أربيل , وكان أشهرهم , (فرنسو حريري) , وكان يعتبر الذراع الأيمن للملا مصطفى , ونتيجة السياسة الحكيمة لرئيس الأقليم مسعود البرزاني , تم حماية المناطق والقرى المسيحية , وأرجاع أهاليها الى عدد من قراهم الأصلية , وكان لفرنسو الفضل الكبير في ذلك ولكن يد الغدر والأرهاب الأسود نالت منه وأغتيل بخسة ودناؤة وبدون حراسة شخصية تحميه , ولكونه مسيحي , و بالرغم من ذلك التاريخ المشرف والمكانة اللائقة به في حكومة الأقليم , ويشكر للرئيس مسعود وعدد من وزراؤه أن كانوا يمشون أمام جنازته الشعبية المهيبة , نظرا لتاريخه النضالي وأعماله وأنجازاته العظيمة. وكان الجميع يعلم بهوية هؤلاء القتلة من الأحزاب الأسلامية الأرهابية , دون أن يردعهم أحد في ذلك الوقت !!؟؟..
وعن ذكرأسم الملا مصطفى , أضيف بأنني صافحته مرتين عند عودته الى أرض الوطن من المنفى في موسكو , وكان ذلك ضمن الأستقبال الشعبي له في نادي الضباط في كركوك سنة 1960 , ووقفت في الطابور مرتين ليكون لي الشرف بمصافحته , وفي المرة الثانية تذكر وجهي وأبتسم , ومن منكم صافح الزعيم الخالد / الملا مصطفى البرزاني مرتين في حياته ؟؟!!..
وعن نشاطي في الحركة الكردية , كنت مع عدد (2) من الطلبة الكرد في جامعة ليفربول , وهم نزار عثمان ( المهندس المعماري المعروف) , ولطيف رشيد ( وزير الري العراقي عن الائتلاف الكردي في برلمان بغداد) , حيث كان الحركي / دارا , يأتي ألينا من لندن في مناسبات مختلفة لأبلاغنا بأخبار الحركات الكردية في أوروبا .
وحادثة طريفة لي في آخر زيارة لي الى عنكاوة/أربيل في المطارقبل عدة أشهر , فعندما قدمت جوازي العماني والصورة بالملابس العمانية الرسمية ( مفروضة في البطاقات الشخصية والجوازات) , وأنا أتكلم معه بالكردي أستغرب وبدأ يتصفح الجواز والصورة عدة مرات , وطلب مني الأنتظار , وبعد رجوعه طلب مني مراجعة الأمن قبل مغادرتي !!؟؟..
ويحز في قلبي أن أسمع عن أفراد من الكرد , لازالوا متطرفين ويؤمنون بالعقائد الظلامية وينتمون للمنظمات الأرهابية التي تلطخ سمعة الأكراد المتسامحة والمتنورة نتيجة السياسة الحكيمة المتبعة الآن في أنحاء كردستان العراق , حيث يتم التركيز على حقوق المواطنة وحقوق الأنسان وأن كانت لاتزال الأفكار القديمة والعادات , موجودة وبقوة , مثل ختان البنات الأجرامية والعنف الأسري وخاصة ضد المرأة , حيث عدد المنتحرات أصبح موضوعا لدى منظمة الأمنستي العالمية !!؟؟..
ولكن المستغرب والمستنكر, أن يكون كردي عضوا في التنظيم العالمي للأخوان المسلمين ,
يحضر أجتماعاتهم العالمية في قطر وتركيا وأوروبا , دون مساؤلة من أحد , بعد أن أثبت هذا التنظيم الأرهابي بأنه المدرسة التي تخرجت منها جميع المنظمات الأرهابية والجهادية , كالقاعدة / أيمن الظواهري , والجهاد الأسلامي وجماعات داعش والنصرة وأخوانها وأخواتها حول العالم !!؟؟..
اقول وأردد المثل الكردي المعروف ( بتصرف) :-
أنتم وتلك الجماعات الأرهابية , كجا مرحبا !!!..
( المعذرة من الصعب ترجمة / كجا مرحبا بالعربية )


وأتطلع للمزيد من تعليقات وردود القراء لأثراء الموضوع ولأعطاؤه الأهمية التي يستحقها

أيوب عيسى( بيو) أوغنا
مهندس معماري/ أستشاري
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط , سلطنة عمان










56
رثاء أليم وذكرى عطرة للوالد العزيز (عيسى بيوا)

 

لفظ أنفاسه الأخيرة وهو غارق في نوم هاديء ويحلم بموعد في الجنة مع زوجته ورفيقة عمره لأكثر من 75 سنة , من الزواج الميمون التي شاركته وبجانبه في السراء والضراء والعمر الحافل بالحياة وبهجة الأولاد والأحفاد لأربعة أجيال شربوا من لذتها لحد الثمالة في عمر مديد , يمكن تسجيله في ( سجل جينيس ) , نعم أنها كانت أسطورة قل مثيلتها من العطاء والحب والمودة للقريب والبعيد , حيث تم أثراء حياة الكثيرين , منمن عرفهم وتعرف عليهم الغريب قبل الصديق والقريب !!00هكذا تكون الحياة وهذا مقياسها الذي نصبوا جميعا أليه ولكن هيهات000 !!00 أن تتكرر تلك المعجزة الأنسانية !!!00

 

قبل بضعة أيام فقط , أصابته حالة أسهال وقيء شديد , وبفضل العناية الطبية  المستمرة مع وجود أخي الدكتور فريد من علاجها , ألا أن قواه قد خارت وأستسلم لمصيره المحتوم وكأنه أصبح جاهزا لوعده وموعده الى اللقاء بنصفه الثاني ويكتمل جسدا وروحا مع زوجته (ماريا حنا فرنسيس) , حيث طلب من أختي وأخي حبيب الذين هرعوا الى جانبه أيضا , أن يتركوه ليرتاح , وهكذا أرتاح , و فارق هذه الحياة الزائلة , ليبدأ الحياة الأبدية الخالدة وهو آهل لها وبأمتياز !!00لأن حياته كانت مثالا للورع والتقوى والأيمان العميق , وهو يخدم الكنيسة منذ صغره حيث تبوأ بمرتبة شماس رسمي , وأن تردد في قبول حياة كنسية كقس , حيث كان قد تم أختياره مع عدد من الشباب العنكاوي للذهاب الى بغداد , حيث تم قبول عدد منهم غيره كأول معلمين في أول مدرسة في عنكاوة 00نعم هؤلاء كانوا الرواد في النهضة العلمية والتربوية للأجيال من الذكور والأناث الذين ذاقت شهرتهم في أقصاع الدنيا من أستراليا الى أوروبا وأمريكا , ولا ننسى الدول العربية والخليجية !!00

 

لقد فقدت عنكاوة أبنها البار !!00فقدت أطول معمر من سكانها !!00فقد العراق أيضا أكبر (عمرا) , كلاجيء سياسي في بريطانيا !!00نعم لقد كان من أهم أسباب قبوله كلاجيء سياسي هو تاريخه النضالي في صفوف عمال شركة النفط العراقية (البريطانية آي بي سي ) , حيث شارك في أول مظاهرة عمالية وأضراب عن العمل للمطالبة بزيادة الأجور( أضراب كاورباغي) ,الأول في تاريخ العراق , وتم أصابته بطلقة نارية في ظهره , كادت تؤدي بحياته لولا العناية الألهية 000

 

لقد أستلم والدي بطاقة معايدة , مع صورة للملكة أليزابيث الثانية , ملكة بريطانيا , وبتوقيعها الرسمي , في ذكرى عيد ميلاده المئة ( قبل أربعة سنوات ) , حيث تم أيصالها له باليد من مراسل خاص من القصر 0

 

لقد قام الأخ العزيز ( أمير المالح ) مشكورا , بتسجيل مقابلة بصوت وصورة مع الوالد قبل عدة سنوات في السويد في عنكاوة دوت كوم , ولذلك خلد تلك الذكريات عن أهم شاهد عن العصر لعنكاوة وأخبارها وأحداثها , كما سجل بصوت والدي عدد من الأناشيد الدينية الملحمية عن حياة المسيح وصلبه (دوروكياثا ) ,  وكذلك عن المجاعة الكبرى و مرض الطاعون الذي حل بسكان عنكاوة قبل  أحداث العصملي (السفر بولك ) , ويمكن الرجوع الى أرشيف (عنكاوة دوت كوم ) , للتعرف على نبذة من تاريخ عنكاوة 0

 

لقد أنعم الله على والدي (الذي ورثه من جده ججوا) , الصوت الرخيم و الذاكرة القوية والحفظ , حيث كان سكان عنكاوة يتسامرون على سطوح البيوت المتلاصقة , ويجتمعون حول ( الجد ججوا) , وهم يستمعون الى تلك الملاحم والأساطير بصوته الرائع والحزين وكأنهم يشاهدون أوبرا بالصوت والصورة !!00هكذا كانت أيام عنكاوة الغابرة التي برحيل والدي فقدت تلك الصلة بتاريخها الماضي العريق !!00  أننا كأبناؤه نفتخر بتلك المنجزات وذلك العطاء , ونفتخر بجدي مروكي (بيوا) , الذي كان كل يوم أحد يمشي الى (المريم) , هيكل بسيط من الحجر لغرفتين صغيرتين وقبة من الحجر(حيث تم ترميمها الآن) , حيث كان يشعل فيها الشموع , وكان يحدثنا عن لقاؤه وهربه عدة مرات من الأعتداء وربما القتل , من أفراد متعصبين وحاقدين على ديانته , حيث كان أسطورة في حياته في الركض , وهذا ما أنقذ حياته من الأسر من الجندرمة العصملية , السيئة الصيت !!00 , حيث كانوا يغارون على عنكاوة ويسلبوا مؤنهم ومحاصيلهم , ويسوقون من تم القبض عليهم من الرجال والشباب للأنضمام القسري في الجيش العثماني , ولم يكن جدي من والدتي (حنا فرنسيس) , أحسن حالا , حيث تم أختباؤه في نفق تحت الأرض , ولكنه فارق الحياة مختنقا , وهذه كانت القساوة والهمجية التي مارسها أجداد هؤلاء الأرهابيين , حيث أن أرهابهم اليوم لم يسلم منه حتى  مطارنة ورجال الدين في العراق اليوم  ؟؟!!00

 

سنفتقد والدي , وروحه المرحة وحبه للفكاهة , حيث كان يردد الى أسماعنا أحداث غريبة وعجيبة,  عن الماضي مع أصدقاؤه الشباب , وكانت تعتبر كنكات نستلقي أرضا من الضحك !!00 ولكن بالرغم من سماعها مئات المرات في حضور الأهل والأصدقاء (الخطار) , فأن كل مرة كانت وكأنها أول مرة نسمعها , حيث كان لوالدي القدرة العجيبة لسردها وكأننا لم نسمعها من قبل !!00 وكانت هذه مع (الدوروكياثا ) , وكذلك بعض الأغاني الخاصة به (وأن أخي حبيب هو الوحيد الذي ورث الصوت , وأن لم يرث أحدا منا قابلية سرد النكات وسرعة البديهة والفكاهة) , هي البرامج من التسلية وخاصة بعد (بيك أو أكثر من العراق المستكي أو الزحلاوي وأن كان أقل قوة ونوعية من عراق أبو الكلبجة التي أشتهرت به جدتي- حنى - التي خلد أسمها في أغاني أيام زمان !!00) , هي الذروة في الترقب والأنتظار , كلما جاؤنا الزوار , حيث كانت الوالدة العزيزة , على قدميها في تحضير الصينية من المزة والكباب والتكة , التي من رائحتها كنا نسكر طربا !!00 والأغنية المحببة له كانت :- كيستي زوزى   مليثا واوا  دونى بأيني   خليثا واوا 0 !!00  أه آه آه , كم كانت تلك الأيام جميلة وذكريات الصبا التي سوف لا تعود أبدا !!!00

 

الوداع يا والدي العزيز !!00 لقد كنا ننتظر وبألم يحرق قلوبنا هذا اليوم ,  بأنك قد سئمت من حياة فراق زوجتك التي رحلت قبلك بأربعة شهور فقط , , لقد أنتظرت بصبر ذلك اللقاء , وأن لم تظهره لنا خلال محادثتنا معك عبر الهاتف , وأنت لاتزال في ذاكرة جيدة , ولو قد ضعف بصرك وسمعك , لقد كنت دائما بنصيحة لنا :- أن من يتنكر لأنسانيته وكأنه يفقد حياته في الدنيا والآخرة !!00وهذه كانت من تعاليم ربنا يسوع المسيح 000وأخيرا نعدك كما وعدنا والدتنا بأن لا نبكي بعد رحيلكم , وأن كانت دموعنا تنهمر , رغما عنا , و لنعتبرها دموع الفرح لأنكما قد ألتحقتم بالبعض بين الملائكة والقديسين , ولأنكما أديتما واجبكم لنا بأمتياز , وتشهد لنا عنكاوة بأكملها لتلك التربية والخصال الحميدة التي نفتخر بها جميعا , ونحاول أن , نغرسها أيضا في أبناؤنا , عسى أن تتوارثها الأجيال القادمة لتكون مفخرة لعنكاوة , حيث كنتم , كغيركم من الرواد في غرس تلك البذور التي أثمرت وأغنت العديد من بلدان العالم !!!00

 

أن ما ورثناه منك أيها الوالد العزيز من الذكريات والمفاخر تساوي أكثر من قناطير الذهب والفضة , ومال الدنيا الزائل !!00أذهب أيها الوالد العزيز , وقبل وجنتي الوالدة الحنونة بدلا منا , لأننا , لربما لاندخل منزلتكما ونحن أصحاب الخطايا !!!00

 

وشكرا لعنكاوة دوت كوم والقائمين على تحريرها00

 

صفحات: [1]